الخلاصة أحكام إسبال الإزار
وفي الموسوعة الفقهية :
إطَالَةُ الْمَرْأَةِ ثِيَابَهَا :
10 - شُرِعَ لِلنِّسَاءِ إسْبَالُ الْإِزَارِ وَالثِّيَابِ وَكُلُّ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ أَبْدَانِهِنَّ . يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ { أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : تُرْخِيهِ شِبْرًا . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : إذَنْ يَنْكَشِفُ عَنْهَا . قَالَ : فَذِرَاعًا , لَا تَزِدْ عَلَيْهِ } , إذْ بِهِ يَحْصُلُ أَمْنُ الِانْكِشَافِ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا حَالَةَ اسْتِحْبَابٍ , وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ , وَحَالَةَ جَوَازٍ , بِقَدْرِ الذِّرَاعِ . قَالَ الْإِمَامُ الزَّرْقَانِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسْبِلَ إزَارَهَا , أَيْ تَجُرَّهُ عَلَى الْأَرْضِ ذِرَاعًا . وَالْمُرَادُ ذِرَاعُ الْيَدِ - وَهُوَ شِبْرَانِ - لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ : { رَخَّصَ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا , ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا } . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ شِبْرَانِ . وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا .
إسْبَالٌ التَّعْرِيفُ :(1/1)
1 - مِنْ مَعَانِي الْإِسْبَالِ لُغَةً : إرْسَالُ الشَّيْءِ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ , كَإِسْبَالِ السِّتْرِ وَالْإِزَارِ , أَيْ إرْخَاؤُهُ , وَالْإِسْدَالُ بِمَعْنَاهُ . وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : أ - اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ : 2 - اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ هُوَ أَنْ يُجَلِّلَ ( يَلُفَّ ) بَدَنَهُ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ , ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ , فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ , فَيَبْدُو مِنْهُ فُرْجَةٌ . فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِسْبَالِ أَنَّ فِي الْإِسْبَالِ يُرْسِلُ أَطْرَافَ الثَّوْبِ . أَمَّا فِي اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ , فَيَرْفَعُ أَحَدَ جَانِبَيْ الثَّوْبِ ; لِيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ . ب - الْإِعْفَاءُ : 3 - الْإِعْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَصْلَيْنِ : هُمَا التَّرْكُ وَالطَّلَبُ , إلَّا أَنَّ الْعَفْوَ غَلَبَ عَلَى تَرْكِ عُقُوبَةٍ اُسْتُحِقَّتْ , وَالْإِعْفَاءُ عَلَى التَّرْكِ مُطْلَقًا , وَمِنْهُ إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ , وَهُوَ تَرْكُ قَصِّهَا وَتَوْفِيرِهَا . الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ : 4 - الْإِسْبَالُ أَوْ الْإِسْدَالُ بِمَعْنَى الْإِرْسَالِ وَالْإِرْخَاءِ , يَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ فِي أُمُورٍ عَدِيدَةٍ , وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ الْمَوْضِعِ . فَإِسْدَالُ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ - بِمَعْنَى إرْسَالِهِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ - مَكْرُوهٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا , سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْخُيَلَاءِ , أَمْ لِغَيْرِهَا , وَصُورَتُهُ : أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفِهِ , وَيُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَانِبَيْهِ , دُونَ رَفْعِ أَحَدِهِمَا , وَتَحْتَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ , وَهَذَا مُشَابِهٌ لِاشْتِمَالِ الْيَهُودِ . أَمَّا(1/2)
إرْسَالُ الْإِزَارِ خُيَلَاءَ فَهُوَ حَرَامٌ , وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ : ( اخْتِيَالٌ ) . وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْبَالُ مَطْلُوبًا كَإِسْبَالِ جِلْبَابِ الْمَرْأَةِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا , احْتِيَاطًا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ , وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ : ( عَوْرَةٌ , لِبَاسٌ ) . مَوَاطِنُ الْبَحْثِ : 5 - بَحَثَ الْفُقَهَاءُ مَسْأَلَةَ إسْدَالِ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ , عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ مَكْرُوهَاتِهَا , عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ , وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ , وَبَحَثُوا إسْدَالَ الْخِمَارِ عَلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ . وَإِسْبَالِ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ - مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا , عَلَى وَجْهِ الْخُيَلَاءِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ - فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَمَّا يُكْرَهُ فِيهَا . وَإِسْدَالِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ قَبْضِهَا , فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ فَرَائِضِهَا . وَإِسْدَالِ الشَّعْرِ فِي الْجَنَائِزِ , عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ .
( تَقْصِيرُ الْإِزَارِ ) :
9 - تَقْصِيرُ الْإِزَارِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَاجِبٌ إذَا خِيفَ تَنَجُّسُهُ , وَمُحَرَّمٌ إسْبَالُهُ لِلْخُيَلَاءِ , فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ تَقْصِيرَهُ مُسْتَحَبٌّ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , وَلَا يُسْتَحَبُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ : ( إسْبَالٌ ) .
***************
وفي المنتقى للباجي :(1/3)
( ش ) : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ } يُرِيدُ كِبْرًا . وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخُيَلَاءُ الَّذِي يَتَبَخْتَرُ فِي مَشْيِهِ , وَيَخْتَالُ فِيهِ وَيُطِيلُ ثِيَابَهُ بَطَرًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يُطِيلَهَا وَلَوْ اقْتَصَدَ فِي ثِيَابِهِ وَمَشْيِهِ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهُ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } . وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ , وَقَالَ إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ } وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَاظُمِ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ وَالِاسْتِحْقَارِ لَهُمْ وَالتَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِمْ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ } يَقْتَضِي تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِمَنْ جَرَّهُ خُيَلَاءَ أَمَّا مَنْ جَرَّهُ لِطُولِ ثَوْبٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْوَعِيدُ . وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ } وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ { خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ } . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَيْهِ } مَعْنَى ذَلِكَ(1/4)
لَا يَرْحَمُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . ( ص ) : ( مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ { سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ أَنَا أُخْبِرُك بِعِلْمٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إزَارَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى إنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } ) . ( ش ) : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { إزَارَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى إنْصَافِ سَاقَيْهِ } يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ لِبَاسِهِ الْإِزَارَ ; لِأَنَّهُ يَلْبَسُ لُبْسَ الْمُتَوَاضِعِ الْمُقْتَصِدِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى بَعْضِ الْمُبَاحِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْمَشْرُوعَ لَهُ وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ } يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ مُبَاحٌ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ } يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لِبَاسٌ يُوَصِّلُ إلَى النَّارِ وَرَوَى أَصْبَغُ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ(1/5)
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ } أَذَلِكَ مِنْ الْإِزَارِ فَقَالَ بَلْ مِنْ الرِّجْلَيْنِ قَالَ أَصْبَغُ قَالَ بَعْضُهُمْ مَا ذَنْبٌ لِإِزَارٍ . وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ مَا غَطَّى تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ سَاقَيْهِ بِالْإِزَارِ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ تُصِيبَهُ النَّارُ ; لِأَنَّهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَقَالَ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَأَصْبَغُ مِثْلَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ لِهَذَا اللِّبَاسِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْمُبَاحُ أَنْ يَكُونَ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْمَحْظُورُ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَصْرُ الثَّوْبِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الطُّولِ وَالسَّعَةِ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ : أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ سَعَةَ الثَّوْبِ فِي نَفْسِهِ وَأَكْرَهُ طُولَهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الزَّائِدَ عَلَى الطُّولِ الْمُبَاحِ وَالزَّائِدَ عَلَى السَّعَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الثَّوْبُ لِبَقَاءِ الثَّوْبِ وَحِفْظِهِ ; لِأَنَّ الصَّغِيرَ يُسْرِعُ تَخَرُّقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .(1/6)
( ش ) : قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ يَعْنِي مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ وَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُرْخِيَ إزَارَهَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِتَسْتُرَ بِذَلِكَ قَدَمَيْهَا وَأَسْفَلَ سَاقَيْهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ مِنْهَا فَقَالَ تُرْخِيهِ شِبْرًا يُرِيدُ تُرْخِيهِ عَلَى الْأَرْضِ شِبْرًا لِيَسْتُرَ قَدَمَيْهَا وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ سَاقَيْهَا , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ زِيِّهِنَّ خُفٌّ وَلَا جَوْرَبٌ كُنَّ يَلْبَسْنَ النِّعَالَ أَوْ يَمْشِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَقْتَصِرْنَ مِنْ سَتْرِ أَرْجُلِهِنَّ عَلَى إرْخَاءِ الذَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهَا رضي الله عنها فِي إرْخَاءِ الذَّيْلِ شِبْرًا إذَا يَنْكَشِفُ عَنْهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهَا فِيمَا تَسْتَتِرُ بِهِ ; لِأَنَّ تَحْرِيكَ رِجْلَيْهَا لَهُ فِي سُرْعَةِ مَشْيِهَا وَقِصَرِ الذَّيْلِ يَكْشِفُهُ عَنْهَا فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ } , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ مَا أَبَاحَ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ , وَهَذَا لَفْظُ افْعَلْ وَأَرَادَ بَعْدَ الْحَظْرِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ; لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ إرْخَاءِ الذَّيْلِ ثُمَّ أَمَرَ الْمَرْأَةَ بِإِسْبَالِ مَا يَسْتُرُهَا مِنْهُ , وَذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .
وفي المغني :(1/7)
( 813 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ , فِيمَا يُكْرَهُ ; يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ ; لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي سَعِيدٍ , عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ { نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ : اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ , وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ . } وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ , فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ , وَمَعْنَى , الِاضْطِبَاعِ : أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتِ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ , وَيَجْعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ , وَيَبْقَى مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا , وَرَوَى حَنْبَلٌ , عَنْ أَحْمَدَ فِي اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ : أَنْ يَضْطَبِعَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ . فَيَبْدُوَ مِنْهُ شِقُّهُ وَعَوْرَتُهُ , أَمَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَتِلْكَ لِبْسَةُ الْمُحْرِمِ , فَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم . وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَاحِدًا , يَأْخُذُ بِجَوَانِبِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ , فَيُدْعَى تِلْكَ الصَّمَّاءَ . } وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ , ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَيْهِ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ , فَتَبْدُوَ عَوْرَتُهُ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ , عِنْدَ الْعَرَبِ : أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ , يُجَلِّلُ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ , وَلَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ . كَأَنَّهُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَعَلَّهُ(1/8)
يُصِيبُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ . فَلَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ . وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ , أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ , ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ , فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ , فَيَبْدُوَ مِنْهُ فَرْجُهُ , وَالْفُقَهَاءُ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ . فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ , وَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ مَعَهُ . وَيُكْرَهُ السَّدْلُ . وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ , وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى , وَلَا يَضُمَّ الطَّرَفَيْنِ بِيَدَيْهِ . وَكَرِهَ السَّدْلَ ابْنُ مَسْعُودٍ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالشَّافِعِيُّ , وَمُجَاهِدٌ , وَعَطَاءٌ . وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ الرُّخْصَةُ فِيهِ , وَعَنْ مَكْحُولٍ , وَالزُّهْرِيِّ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ , وَعَنْ الْحَسَنِ , وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْدُلَانِ فَوْقَ قَمِيصِهِمَا , وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا يَثْبُتُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ , وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ . } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد , مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ . ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا . وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِرَفْعِ الْإِزَارِ . فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخُيَلَاءِ حَرُمَ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ(1/9)
اللَّهُ إلَيْهِ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ } . وَيُكْرَهُ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ أَوْ فَمَهُ . لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم { نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ , وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ . } وَهَلْ يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا , يُكْرَهُ ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهُ . وَالْأُخْرَى , لَا يُكْرَهُ ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْفَمِ بِالنَّهْيِ عَنْ تَغْطِيَتِهِ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ تَغْطِيَةِ غَيْرِهِ .
وفي المجموع :
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى ( وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْدُلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا . وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَيْ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ , لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا سَدَلُوا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : " كَأَنَّهُمْ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ " . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا عَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ ذَيَّلَهَا وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ : " إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ " ) .(1/10)
( الشَّرْحُ ) يُقَالُ : سَدَلَ بِالْفَتْحِ يَسْدُلُ وَيَسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هُوَ أَنْ يُرْسِلَ الثَّوْبَ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ , وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا , وَالشَّمْلَةُ كِسَاءٌ يُشْتَمَلُ بِهِ , وَقِيلَ : إنَّمَا تَكُونُ شَمْلَةً إذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ , قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هِيَ كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ . وَقَوْلُهُ : ( ذَيَّلَهَا ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ , مَعْنَاهُ أَرْخَى ذَيْلَهَا وَهُوَ طَرَفُهَا الَّذِي فِيهِ الْأَهْدَابُ , وَقَوْلُهُ ( خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ ) بِضَمِّ : الْفَاءِ وَاحِدُهَا فُهْرٌ , بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ . قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ , وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبَطِيَّةٌ عُرِّبَتْ , وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : أَصْلُهُ بُهْرٌ وَهِيَ عِبْرَانِيَّةٌ عُرِّبَتْ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فِي عِيدِهِمْ , قَالَ : وَقِيلَ : هُوَ يَوْمٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ وَيَشْرَبُونَ قَالَ : وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فُخْرٌ , يَعْنِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ . وَقَوْلُهُ ( لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ ) قِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ بِحَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَامِهِ , وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ , أَيْ : لَيْسَ مِنْ دِينِ اللَّهِ فِي شَيْءٍ , وَمَعْنَاهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَارَقَ دِينَهُ , وَهَذَا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِغَيْرِ إسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى(1/11)
الله عليه وسلم . ( أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ ) فَمَذْهَبُنَا أَنَّ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ , فَإِنْ سَدَلَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَمَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ : لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ , فَأَمَّا السَّدْلُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ خَفِيفٌ , { لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ لَهُ : إنَّ إزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيِّ , فَقَالَ لَهُ : لَسْت مِنْهُمْ } هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ , وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ , وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إزَارَهُ } قَالَ : وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ قَالَ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا فَرَّقُوا بَيْنَ إجَازَتِهِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَمْشِي فِي الثَّوْبِ وَغَيْرُهُ يَمْشِي عَلَيْهِ وَيُسْبِلُهُ , وَذَلِكَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا . وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ كَرِهَ السَّدْلَ فِي(1/12)
الصَّلَاةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي سَدْلِ الْقَمِيصِ وَكَرِهَهُ فِي الْإِزَارِ . وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُ فِي النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ . ( قُلْتُ ) : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ طَرِيقِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ , وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَجَرِّهِ , مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ فَتَوَضَّأَ , فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ , فَقَالَ : اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ , فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ(1/13)
جَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ؟ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ , وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ , أَوْ قَالَ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ , مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارَ , وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إزَارِي اسْتِرْخَاءٌ , فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إزَارَكَ فَرَفَعْتُ , ثُمَّ قَالَ : زِدْ فَزِدْتُ , فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ , فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : إلَى أَيْنَ ؟ قَالَ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا إسْبَالَ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ , مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ , وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ ( رِيَاضِ الصَّالِحِينَ ) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وفي الفروع :(1/14)
وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ , وَلَفُّ الْكُمِّ بِلَا سَبَبٍ وَعَنْهُ لَا , وَفِي التَّلَثُّمِ عَلَى الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ ( م 9 ) وَشَدُّ وَسَطِهِ بِمَا يُشْبِهُ الزُّنَّارَ , نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ لَا , زَادَ بَعْضُهُمْ : إلَّا أَنْ يَشُدَّهُ لِعَمَلِ الدُّنْيَا فَيُكْرَهُ , نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمُ , وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ , وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْمِنْطَقَةُ , زَادَ بَعْضُهُمْ وَفِي غَيْرِ صَلَاةٍ , وَنَقَلَ حَرْبٌ يُكْرَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَى الْقَمِيصِ , لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْيَهُودِ , وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْقَبَاءِ , قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ , وَكَرَاهَةُ شَدِّ وَسَطِهِ بِمَا يُشْبِهُ الزُّنَّارَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ , ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ , لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِالنَّصَارَى فِي كُلِّ وَقْتٍ , وَسَبَقَ فِي الْمَسْحِ , وَيَأْتِي فِي آخَرِ الْبَابِ تَحْرِيمُهُ , وَفِي الْوَلِيمَةِ فِي الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ فِي كُلٍّ تُشْبِهُ , لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَّا بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَلَا يُكْرَهُ بِمَا لَا يُشْبِهُ , زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ , نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ , لِأَنَّهُ أَسْتُرُ لِعَوْرَتِهِ , وَلَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّمَّاءِ لَمْ يُقَيِّدُهُ بِالصَّلَاةِ , وَقَرَنَهُ بِالِاحْتِبَاءِ , فَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ , وَيَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ , وَعَنْهُ يُكْرَهُ , وَعَنْهُ الْمَنْعُ , وَيَحْرُمُ مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ , وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ , بَلْ كَبِيرَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ نَصِّهِ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ(1/15)
بِلَا حَاجَةٍ , نَحْوُ كَوْنِهِ خَمْشَ السَّاقَيْنِ , وَالْمُرَادُ وَلَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسُ عَلَى النِّسَاءِ , وَيُتَوَجَّهُ هَذَا فِي قَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ فَلَمْ تُعْرَفْ , وَيُكْرَهُ فَوْقَ نِصْفِ سَاقَيْهِ , نَصَّ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَيْضًا يُشْهِرُ نَفْسَهُ , وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَحْتَ كَعْبَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ , وَعَنْهُ مَا تَحْتَهُمَا فِي النَّارِ وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ مَنْ لَمْ يَخَفْ خُيَلَاءَ لَمْ يُكْرَهُ , وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ , وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إلَى ذِرَاعٍ , وَقَالَ جَمَاعَةٌ ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي الْبَيْتِ كَرَجُلٍ .(1/16)
مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَلَفُّ الْكُمِّ بِلَا سَبَبٍ وَعَنْهُ لَا وَفِي التَّلَثُّمِ عَلَى الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ , انْتَهَى , وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ , إحْدَاهُمَا : يُكْرَهُ , وَهُوَ الصَّحِيحُ , قَالَ فِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ , وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ , وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ , وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يُكْرَهُ , وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَافِي . ( تَنْبِيهٌ ) وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ نَحْوَ كَوْنِهِ خَمْشَ السَّاقَيْنِ , انْتَهَى . الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِعْلُهُ خُيَلَاء , وَلَوْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْإِسْبَالِ , فَقَوْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ نَحْوَ كَوْنِهِ خَمْشَ السَّاقَيْنِ يُعْطِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا الْمُبَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْإِسْبَالُ فَقَطْ , لَا الْإِسْبَالُ مَعَ الْخُيَلَاءِ , وَلَعَلَّ التَّمْثِيلَ عَائِدٌ إلَى الْإِسْبَالِ فَقَطْ , فَيَزُولَ الْإِشْكَالُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي الآداب الشرعية :(1/17)
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ بَعْضِ لِبَاسِهِ فَخْرًا وَخُيَلَاءَ وَبَطَرًا وَشُهْرَةً , وَخِلَافُ زِيِّ بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ , وَقِيلَ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقِيلَ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ مَا خَالَفَ زِيَّ بَلَدِهِ وَأَزْرَى بِهِ وَنَقَصَ مُرُوءَتَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ , وَالْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ خُيَلَاءَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَهُوَ الَّذِي وَجَدْته فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ . وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً فَإِنَّ أَحْمَدَ رضي الله عنه رَأَى عَلَى رَجُلٍ بُرْدًا مُخَلَّطًا بَيَاضًا وَسَوَادًا فَقَالَ ضَعْ عَنْك هَذَا وَالْبَسْ لِبَاسَ أَهْلِ بَلَدِك . وَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ وَلَوْ كُنْت بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ أَعِبْ عَلَيْك قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ ; لِأَنَّهُ لِبَاسُهُمْ هُنَاكَ . وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ : يَكْرَهُ ثَوْبَ الشُّهْرَةِ وَهُوَ مَا خَالَفَ ثِيَابَ بَلَدِهِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَيُكْرَهُ لُبْسُ مَا يَخْرُجُ بِلَابِسِهِ إلَى الْخُيَلَاءِ . وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ مِنْ اللِّبَاسِ مَا يُشْتَهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ وَيُنْقِصُ مُرُوءَتَهُ وَفِي الْغُنْيَةِ مِنْ اللِّبَاسِ الْمُتَنَزَّهِ عَنْهُ كُلُّ لُبْسَةٍ يَكُونُ بِهَا مُشْتَهِرًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْخُرُوجِ عَنْ عَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ مَا يَلْبَسُونَ لِئَلَّا يُشَارَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ , وَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ فَيُشَارِكُهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ لَهُ . وَفِي(1/18)
كِتَابِ التَّوَاضُعِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا , وَكِتَابِ اللِّبَاسِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّهْرَتَانِ قَالَ رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا وَلَكِنْ سَدَادًا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ . وَيَدْخُلُ فِي الشُّهْرَةِ وَخِلَافِ الْمُعْتَادِ مَنْ لَبِسَ شَيْئًا مَقْلُوبًا وَمُحَوَّلًا كَجُبَّةٍ وَقَبَاءٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ , وَالسَّخَافَةِ وَالِانْخِلَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَلِيًّا . . قَالَ ابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ كَانَ يُقَالُ كُلْ مِنْ الطَّعَامِ مَا اشْتَهَيْت وَالْبَسْ مِنْ اللِّبَاسِ مَا اشْتَهَاهُ النَّاسُ نَظَمَهُ الشَّاعِرُ فَقَالَ : إنَّ الْعُيُونَ رَمَتْك مُذْ فَاجَأْتَهَا وَعَلَيْك مِنْ شَهْرِ اللِّبَاسِ لِبَاسُ أَمَّا الطَّعَامُ فَكُلْ لِنَفْسِك مَا اشْتَهَتْ وَاجْعَلْ لِبَاسَكَ مَا اشْتَهَاهُ النَّاسُ كَانَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ يَقُول : الْبَسُوا ثِيَابَ الْمُلُوكِ , وَأَمِيتُوا قُلُوبَكُمْ بِالْخَشْيَةِ , وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ إنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي لِبَاسِهِمْ , وَكِبْرَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ وَشَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الطَّرَفِ(1/19)
بِمُطَرَّفِهِ . وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ قُلْت لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَا الْمُرُوءَةُ ؟ قَالَ أَمَّا فِي بَلَدِك فَالتَّقْوَى وَأَمَّا حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَاللِّبَاسُ . وَرَوَى بَقِيَّةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ لِبَاسَ الصُّوفِ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَفِي الْحَضَرِ بِدْعَةٌ . وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُمْ رحمهم الله وَمِنْ اللِّبَاسِ الْمَكْرُوهِ مَا خَالَفَ زِيَّ الْعَرَبِ وَأَشْبَهَ زِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعَادَتَهُمْ وَمِنْ هَذَا الْعِمَامَةُ الصَّمَّاءُ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ ؟ فِيهِ خِلَافٌ , وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ النَّعْلَ الصَّرَّارَةَ وَقَالَ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ مَا رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَطُّ مُرْخِي الْكُمَّيْنِ يَعْنِي فِي الْمَشْيِ .
وفي الإنصاف :(1/20)
قَوْلُهُ ( وَإِسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ ) . يَعْنِي يُكْرَهُ , وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ , وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ , وَالْمُذْهَبِ , وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ , وَالْمُسْتَوْعِبِ , وَالْوَجِيزِ , وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى , وَالْحَاوِيَيْنِ , وَالْفَائِقِ , وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ , وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ , وَغَيْرِهِمْ . وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى . قُلْت : وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا , إنْ أَرَادُوا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ . وَلَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي , وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : الْمُرَادُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ , وَهُوَ الْأَلْيَقُ . وَحُكِيَ فِي الْفُرُوعِ , وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : الْخِلَافُ فِي كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَحْرُمُ إلَّا فِي حَرْبٍ , أَوْ يَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ . قُلْت : هَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ , وَهُوَ الْمَذْهَبُ , وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ أَحْمَدَ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْمَذْهَبُ هُوَ حَرَامٌ . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ , وَالشَّارِحُ , وَالنَّاظِمُ , وَالْإِفَادَاتُ . تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ ( يَحْرُمُ , أَوْ يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ ) . قَالُوا فِي الْحَاجَةِ : كَوْنُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ . قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ , وَالْمُرَادُ : وَلَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ . انْتَهَى . فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : جَوَازُ إسْبَالِ الثِّيَابِ عِنْدَ الْحَاجَةِ . قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ , بَلْ يُقَالُ : يَجُوزُ الْإِسْبَالُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ لِحَاجَةٍ . وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ :(1/21)
وَيُتَوَجَّهُ هَذَا فِي قَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ فَلَمْ تُعْرَفْ . فَوَائِدُ مِنْهَا : يَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَنْهُ يُكْرَهُ . وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَأَمَّا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ : فَيَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهَا : يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ , نُصَّ عَلَيْهِ . وَيُكْرَهُ زِيَادَتُهُ إلَى تَحْتِ كَعْبَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ . وَعَنْهُ " مَا تَحْتَهُمَا فِي النَّارِ " وَذَكَرَ النَّاظِمُ : مَنْ لَمْ يَخَفْ خُيَلَاءَ لَمْ يُكْرَهْ . وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ , هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ : فَيَجُوزُ زِيَادَةُ ثَوْبِهَا إلَى ذِرَاعٍ مُطْلَقًا , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ : ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي الْبَيْتِ كَالرَّجُلِ , مِنْهُمْ السَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ , وَابْنُ تَمِيمٍ , وَالرِّعَايَتَيْنِ . وَمِنْهَا . قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ : يُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرَّجُلِ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ , أَوْ أَكْثَرَ بِيَسِيرٍ , وَيُوَسِّعُهَا قَصْدًا . وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ كُمِّ الْمَرْأَةِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمْ فِي سَعَتِهِ قَصْدًا . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَوْسِيعُ الْكُمِّ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ . بِخِلَافِ الرَّجُلِ . وَمِنْهَا : يُكْرَهُ لُبْسُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ , وَلَوْ لِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا , نُصَّ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ . وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : لَا يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَرَهَا إلَّا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ . وَذَكَرَهُ أَبُو(1/22)
الْمَعَالِي , وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ , وَالنَّاظِمِ فِي آدَابِهِ . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ , وَهُوَ الْأَصَحُّ . وَأَمَّا لُبْسُهَا مَا يَصِفُ اللِّينَ وَالْخُشُونَةَ وَالْحَجْمَ فَيُكْرَهُ . مِنْهَا : كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الزِّيقَ الْعَرِيضَ لِلرَّجُلِ . وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ . قَالَ الْقَاضِي : إنَّمَا كُرِهَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّهْرَةِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا كُرِهَ الْإِفْرَاطُ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهِ . وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرْجِ لِلدُّرَّاعَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا : قَدْ سَمِعْت . وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ خَلَفِهَا , إلَّا أَنَّ فِيهِ سَعَةً عِنْدَ الرُّكُوبِ وَمَنْفَعَةً . وَمِنْهَا : كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ لُبْسَ زِيِّ الْأَعَاجِمِ , كَعِمَامَةٍ صَحَّاءَ , وَكَنَعْلٍ صِرَّارَةٍ لِلزِّينَةِ لَا لِلْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ . وَمِنْهَا : يُكْرَهُ لُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ , أَوْ خِلَافُ زِيِّ بَلْدَةٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَقِيلَ : يَحْرُمُ . وَنَصُّهُ لَا . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَحْرُمُ شُهْرَةً , وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الِارْتِفَاعُ , وَإِظْهَارُ التَّوَاضُعِ لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ لِذَلِكَ . وَأَمَّا الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ : فَالْأَشْهَرُ لَا يَحْرُمُ . قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ . وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
وفي الفتاوى الهندية :(1/23)
تَقْصِيرُ الثِّيَابِ سُنَّةٌ وَإِسْبَالُ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ بِدْعَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِزَارُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَهَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ , وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُرْخِينَ إزَارَهُنَّ أَسْفَلَ مِنْ إزَارِ الرِّجَالِ لِيَسْتُرَ ظَهْرَ قَدَمِهِنَّ . إسْبَالُ الرَّجُلِ إزَارَهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخُيَلَاءِ فَفِيهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ , كَذَا فِي الْغَرَائِبِ .
وفي كشاف القناع :(1/24)
( وَيَحْرُمُ , وَهُوَ ) أَيْ : الْإِسْبَالُ ( كَبِيرَةٌ ) لِلْوَعِيدِ عَلَيْهِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْخَبَرِ ( إسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَلَوْ عِمَامَةً خُيَلَاءَ ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ { مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فِي غَيْرِ حَرْبٍ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ قَالَ إنَّهَا الْمِشْيَةُ يَبْغُضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ } . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ ( فَإِنْ أَسْبَلَ ثَوْبَهُ لِحَاجَةٍ كَسَتْرِ سَاقٍ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ أُبِيحَ ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : جَرُّ الْإِزَارِ , وَإِسْبَالُ الرِّدَاءِ فِي الصَّلَاةِ , إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ ( مَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ ) فَإِنَّهُ مِنْ الْفُحْشِ . وَفِي الْخَبَرِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : التَّدْلِيسِ بِإِسْبَالِ ثَوْبِهِ لِسَتْرِ سَاقٍ قَبِيحٍ , ( كَقَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ فَلَمْ تُعْرَفْ ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا . ( وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ ) نَصَّ عَلَيْهِ ( وَتَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ ) وَعَنْهُ { مَا تَحْتَهُمَا فَهُوَ فِي النَّارِ } لِلْخَبَرِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَقُبْحِ سَاقِهِ فَلَا ( وَلَا يُكْرَهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ ) أَيْ : بَيْنَ نِصْفِ السَّاقِ وَفَوْقَ الْكَعْبِ . ((1/25)
وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ زِيَادَةُ ذَيْلِهَا عَلَى ذَيْلهِ ) أَيْ : الرَّجُلِ ( إلَى ذِرَاعٍ وَلَوْ مِنْ نِسَاءِ الْمُدُنِ ) لِحَدِيثِ { أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَيْفَ تُصَلِّي النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ : إذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالظَّاهِرُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِذِرَاعِ الْيَدِ , وَهُوَ شِبْرَانِ لِمَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا , ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا } ( وَيَحْسُنُ ) وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ , عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ : يُسَنُّ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى .
وفي سبل السلام :(1/26)
( وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ } ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ الْبَطَرُ وَالْكِبْرُ ( مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) فُسِّرَ نَفْيُ نَظَرِ اللَّهِ بِنَفْيِ رَحْمَتِهِ إلَيْهِ أَيْ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ . وَقَدْ فَهِمَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ عِنْدَ سَمَاعِهَا الْحَدِيثَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم : { فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم يَزِدْنَ فِيهِ شِبْرًا قَالَتْ إذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ بِالْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ , وَالْمُرَادُ جَرُّ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ { مَا أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ } وَتَقْيِيدُ الْحَدِيثِ بِالْخُيَلَاءِ دَالٌّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْ جَرَّهُ غَيْرَ خُيَلَاءَ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ { قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ } وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفَاهِيمِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إنَّ جَرَّهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ مَذْمُومٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ مَكْرُوهٌ(1/27)
وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ . وَقَدْ صَرَّحَتْ السُّنَّةُ أَنَّ أَحْسَنَ الْحَالَاتِ أَنْ يَكُونَ إلَى نِصْفِ السَّاقِ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ { كُنْت أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْدٌ أَجُرُّهُ فَقَالَ لِي رَجُلٌ : ارْفَعْ ثَوْبَك فَإِنَّهُ أَبْقَى وَأَنْقَى فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت إنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ فَقَالَ : مَا لَك فِي أُسْوَةٌ ؟ قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا إزَارُهُ إلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ } وَأَمَّا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَمَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ إنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى قَدْرِ لَابِسِهِ لَكِنَّهُ يَسْدُلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا عَنْ قَصْدٍ كَاَلَّذِي وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْوَعِيدِ , وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ لَابِسِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْرَافِ مُحَرَّمٌ لِأَجْلِهِ , وَلِأَجْلِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ , وَلِأَجْلِ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ النَّجَاسَةُ . وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ فَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ ; لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا , وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ أَنْ يُخَالِفَهُ إذَا صَارَ حُكْمُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِي فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إطَالَةُ ذَيْلِهِ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ ا . هـ . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ(1/28)
يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ اللَّابِسُ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَنِيعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ رَفَعَهُ { إيَّاكَ وَجَرَّ الْإِزَارِ فَإِنَّ جَرَّ الْإِزَارِ مِنْ الْمَخِيلَةِ } . وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَفِي قِصَّةٍ لِعَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ { إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ } وَالْقِصَّةُ أَنَّ { أَبَا أُمَامَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ إزَارٍ وَرِدَاءٍ قَدْ أُسْبِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ وَيَتَوَاضَعُ لِلَّهِ وَيَقُولُ : عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَأَمَتِك . حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَقَالَ : يَا عَمْرُو إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ } وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَفِيهِ { وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ أَصَابِعَ تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو وَقَالَ : يَا عَمْرُو وَهَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ . ثُمَّ ضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ قَالَ : يَا عَمْرُو وَهَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ } الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ . وَحُكْمُ غَيْرِ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ حُكْمُهُمَا وَكَذَلِكَ لَمَّا سَأَلَ شُعْبَةُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ قَالَ شُعْبَةُ أَذَكَرَ الْإِزَارَ ؟ قَالَ مَا خَصَّ إزَارًا وَلَا قَمِيصًا وَمَقْصُودُهُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالثَّوْبِ يَشْمَلُ الْإِزَارَ وَغَيْرَهُ . وَأَخْرَجَ أَهْلُ السُّنَنِ إلَّا(1/29)
التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ . مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ وَفِيهِ مَقَالٌ , قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : وَإِسْبَالُ الْعِمَامَةِ الْمُرَادُ بِهِ إسْبَالُ الْعَذْبَةِ زَائِدَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ . وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ { النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَى طَرَفَ عِمَامَتِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ } وَكَذَلِكَ تَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ إسْبَالٌ مُحَرَّمٌ . وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَعَلَى الْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ الطُّولِ وَالسَّعَةِ ( قُلْت ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْمُعْتَادِ مَا كَانَ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ .
وفي غذاء الألباب :(1/30)
وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ , شَرَعَ فِي آدَابِ اللِّبَاسِ فَقَالَ : مَطْلَبٌ : فِي كَرَاهِيَةِ لِبَاسِ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ . وَيُكْرَهُ لُبْسٌ فِيهِ شُهْرَةُ لَابِسٍ وَوَاصِفُ جِلْدٍ لَا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ ( وَيُكْرَهُ ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ , وَقِيلَ يَحْرُمُ ( لُبْسُ ) أَيْ لُبْسُ مَلْبُوسٍ ( فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَلْبُوسِ ( شُهْرَةُ لَابِسٍ ) لَهُ بِمُخَالَفَةِ زِيِّ بَلَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَرَاهِيَةُ لِبَاسِ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ , لِمَا فِي كِتَابِ التَّوَاضُعِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَكِتَابِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ , فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّهْرَتَانِ ؟ قَالَ : رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا , وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا , وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا , وَلَكِنْ سَدَادًا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا } . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ : حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْت : وَرَوَاهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ بِلَفْظِ { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ , وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } , قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي جَمَعَهَا , وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَفْظُهُ قَالَ(1/31)
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { : مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا } وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ جَهْمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ مَتَى وَضَعَهُ } ; وَلِأَنَّ لِبَاسَ الشُّهْرَةِ رُبَّمَا يُزْرِي بِصَاحِبِهِ وَيَنْقُصُ مُرُوءَتَهُ . وَفِي الْغُنْيَةِ لِسَيِّدِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ : مِنْ اللِّبَاسِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ كُلُّ لِبْسَةٍ يَكُونُ بِهَا مُشْتَهِرًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْخُرُوجِ عَنْ عَادَةِ بَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ مَا يَلْبَسُونَ لِئَلَّا يُشَارَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ , وَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ فَيُشْرِكَهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ لَهُ انْتَهَى . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : وَيَدْخُلُ فِي الشُّهْرَةِ خِلَافُ الْمُعْتَادِ مَنْ لَبِسَ شَيْئًا مَقْلُوبًا أَوْ مُحَوَّلًا كَجُبَّةٍ وَقَبَاءٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالسَّخَافَةِ وَالِانْخِلَاعِ . وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : يُكْرَهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ بَعْضِ لِبَاسِهِ فَخْرًا وَخُيَلَاءَ , وَبَطَرًا وَشُهْرَةً وَخِلَافُ زِيِّ بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ . وَقِيلَ يَحْرُمُ ذَلِكَ , وَهُوَ أَظْهَرُ . انْتَهَى . وَالْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ خُيَلَاءَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه , وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ , وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ , وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا , وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ : وَيَحْرُمُ , وَهُوَ كَبِيرَةٌ إسْبَالُ شَيْءٍ(1/32)
مِنْ ثِيَابِهِ , وَلَوْ عِمَامَةً خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ , فَإِنْ أَسْبَلَ ثَوْبَهُ لِحَاجَةٍ كَسَتْرِ سَاقٍ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ أُبِيحَ , مَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ , وَمِثْلُهُ قَصِيرَةٌ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ فَلَمْ تُعْرَفْ انْتَهَى . وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ , فَإِنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَابِسًا بُرْدًا مُخَطَّطًا بَيَاضًا وَسَوَادًا , فَقَالَ : ضَعْ هَذَا , وَالْبَسْ لِبَاسَ أَهْلِ بَلَدِك , وَقَالَ : لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ , وَلَوْ كُنْت بِمَكَّةَ , أَوْ الْمَدِينَةِ لَمْ أَعِبْ عَلَيْك . قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله : لِأَنَّهُ لِبَاسُهُمْ هُنَاكَ انْتَهَى . وَفِي الْفُرُوعِ : وَتُكْرَهُ شُهْرَةٌ وَخِلَافُ زِيِّ بَلَدِهِ , وَقِيلَ يَحْرُمُ وَنَصُّهُ لَا . قَالَ شَيْخُنَا , يَعْنِي بِهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ : تَحْرُمُ شُهْرَةٌ , وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الِارْتِفَاعُ وَإِظْهَارُ التَّوَاضُعِ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الشُّهْرَتَيْنِ مِنْ اللِّبَاسِ الْمُرْتَفِعِ , وَالْمُنْخَفِضِ ; وَلِهَذَا فِي الْخَبَرِ { مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ } فَعَاقَبَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ . قَالَ : وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ يُكْرَهُ , وَلَيْسَ بِمُرَادٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ , فَإِنَّ هَذَا مِنْ الرِّيَاءِ انْتَهَى . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه : مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ , وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا . وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا : كَانَ يُقَالُ : كُلْ مِنْ الطَّعَامِ مَا اشْتَهَيْتَ , وَالْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ(1/33)
مَا اشْتَهَى النَّاسُ . وَعَقَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْعُيُونَ رَمَتْكَ مُذْ فَاجَأْتَهَا وَعَلَيْكَ مِنْ شَهْرِ اللِّبَاسِ لِبَاسُ أَمَّا الطَّعَامُ فَكُلْ لِنَفْسِكَ مَا اشْتَهَتْ وَاجْعَلْ لِبَاسَك مَا اشْتَهَاهُ النَّاسُ وَكَانَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ يَقُولُ : الْبَسُوا ثِيَابَ الْمُلُوكِ وَأَمِيتُوا قُلُوبَكُمْ بِالْخَشْيَةِ . وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : إنَّ قَوْمًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي لِبَاسِهِمْ , وَكِبْرَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ وَشَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ , حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ . وَمِنْ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ - وَقَدْ أَحْسَنَ - تَصَوَّفَ فَازْدَهَى بِالصُّوفِ جَهْلًا وَبَعْضُ النَّاسِ يَلْبَسُهُ مَجَانَهْ يُرِيدُ مُهَانَةً وَيُرِيدُ كِبْرًا وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَأْنِ الْمَهَانَهْ تَصَنَّعَ كَيْ يُقَالَ لَهُ أَمِينٌ مَا يُغْنِي التَّصَنُّعُ لِلْأَمَانَهْ وَلَمْ يُرِدْ الْإِلَهَ بِهَا وَلَكِنْ أَرَادَ بِهَا الطَّرِيقَ إلَى الْخِيَانَهْ وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ : قُلْت لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ : مَا الْمُرُوءَةُ ؟ قَالَ : أَمَّا فِي بَلَدِك فَالتَّقْوَى , وَأَمَّا حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَاللِّبَاسُ . وَرَوَى بَقِيَّةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ لِبَاسَ الصُّوفِ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَفِي الْحَضَرِ بِدْعَةٌ(1/34)
وَفِي نَصِّهِ أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَا الرَّ قِيقَ سِوَى لِلزَّوْجِ يَخْلُو وَسَيِّدِ ( وَفِي نَصِّهِ ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه ( أَكْرَهُ ) أَيْ يُكْرَهُ ( لِلرِّجَالِ ) جَمْعُ رَجُلٍ , وَهُوَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ , وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ الذُّكُورِ ( وَلِلنِّسَاءِ ) مُجَرَّدُ الْإِنَاثِ ( الرَّقِيقَ ) أَيْ لُبْسَهُ مُفْرَدًا ( سِوَى ) مَا إذَا لَبِسَتْهُ الْمَرْأَةُ ( لِلزَّوْجِ ) أَيْ زَوْجِهَا ( يَخْلُو ) أَيْ فِي حَالَ خَلْوَتِهِ بِهَا فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ ( وَ ) سِوَى مَا إذَا لَبِسَتْهُ أَمَةٌ لِ ( سَيِّدِ ) هَا فِي حَالِ خَلْوَتِهِ بِهَا فَكَذَلِكَ , وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا . مَطْلَبٌ : فِي حُكْمِ لُبْسِ الرَّقِيقِ وَتَطْوِيلِ اللِّبَاسِ وَتَقْصِيرِهِ : وَيُكْرَهُ تَقْصِيرُ اللِّبَاسِ وَطُولُهُ بِلَا حَاجَةٍ كِبْرًا وَتَرْكُ الْمُعَوَّدِ وَ ( يُكْرَهُ ) تَنْزِيهًا ( تَقْصِيرُ اللِّبَاسِ ) أَيْ الْمَلْبُوسِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيُكْرَهُ فَوْقَ نِصْفِ سَاقَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَيْضًا : يُشَهِّرُ نَفْسَهُ . وَقَالَ فِي الْآدَابِ : قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ السُّنَّةُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ إلَى الْكَعْبَيْنِ , فَلَا يَتَأَذَّى السَّاقُ بِحَرٍّ وَبَرْدٍ , وَلَا يَتَأَذَّى الْمَاشِي بِطُولِهِ وَيَجْعَلُهُ كَالْمُقَيَّدِ . وَيُكْرَهُ مَا نَزَلَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ ارْتَفَعَ عَنْهُ , نَصَّ عَلَيْهِ , وَهُوَ الْمَذْهَبُ . قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ وَتَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ , وَلَا يُكْرَهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ , وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ : مَطْلَبٌ : فِي حُكْمِ إسْبَالِ اللِّبَاسِ . ( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ((1/35)
طُولُهُ ) أَيْ اللِّبَاسِ إلَى تَحْتِ كَعْبَيْهِ ( بِلَا حَاجَةٍ ) وَأَمَّا إذَا كَانَ لُبْسُهُ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ كَسَتْرِ سَاقٍ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ , وَلَا تَدْلِيسٍ أُبِيحَ , وَأَمَّا إذَا كَانَ إسْبَالُهُ لِلِّبَاسِ ( كِبْرًا ) أَيْ لِأَجْلِ الْكِبْرِ فَأَطْلَقَ النَّاظِمُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ , وَالْأَصَحُّ الْحُرْمَةُ بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ . وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الْإِسْبَالَ تَارَةً يَكُونُ خُيَلَاءَ وَتَارَةً لَا يَكُونُ . الْأَوَّلُ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى الْأَصَحِّ , وَالثَّانِي تَارَةً يَكُونُ لِحَاجَةٍ وَأُخْرَى لَا . الْأَوَّلُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ مَا لَمْ يَقْصِدْ تَدْلِيسًا فَيَحْرُمُ , وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ , وَهُوَ الْإِسْبَالُ بِلَا حَاجَةٍ , وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسٍ , لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه : مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ . وَظَاهِرُ النَّظْمِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا خُيَلَاءَ وَلَا كِبْرَ . وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ النَّظْمِ وَقَالَ : الْأَوْلَى تَرْكُهُ , وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِرِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِمَامِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَنْ جَرِّ الْإِزَارِ : إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ خُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ , وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ مُفْلِحٍ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ , وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ , فَقِيلَ لَهُ : أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ , وَلَسْنَا مِنْهُمْ . قَالَ فِي الْآدَابِ(1/36)
: وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ تَحْرِيمِهِ , وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ , وَلَا عَدَمِهَا . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طُولُ قَمِيصِ الرَّجُلِ إلَى الْكَعْبَيْنِ , وَإِلَى شِرَاكِ النَّعْلِ . وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ , وَطُولُ الْإِزَارِ إلَى مَرَاقِّ السَّاقَيْنِ , وَقِيلَ إلَى الْكَعْبَيْنِ انْتَهَى . مَطْلَبٌ : فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الرَّدْعِ عَنْ جَرِّ الْإِزَارِ خُيَلَاءَ . وَلْنَذْكُرْ الْآنَ طَرَفًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الرَّدْعِ عَنْ جَرِّ الْإِزَارِ خُيَلَاءَ , وَعَنْ الْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الشَّرْحِ , وَإِلَّا فَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي ذَلِكَ فَنَقُولُ : أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ } وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَالَ { إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى عَضَلَةِ سَاقِهِ , ثُمَّ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ , ثُمَّ إلَى كَعْبِهِ , وَمَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ } . قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما " مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ : عَلَى الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , وَلَا حَرَجَ(1/37)
, أَوْ قَالَ : لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ , وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ حُمَيْدٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَحْمَدُ كَأَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { الْإِزَارُ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَوْ إلَى الْكَعْبَيْنِ , لَا خَيْرَ فِي أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ } . وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا , مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ } قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : الْمُسْبِلُ هُوَ الَّذِي يُطَوِّلُ ثَوْبَهُ , وَيُرْسِلُهُ إلَى الْأَرْضِ كَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَجَبُّرًا وَاخْتِيَالًا . وَفِي لَفْظٍ { الْمُسْبِلُ إزَارَهُ } . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ - وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَوْثِيقِهِ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ . مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ(1/38)
إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . قُلْت : وَفِي ثُلَاثِيَّاتِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ عَنْهُ جَمَعَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ الْحُجَّةُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ ابْنُ ابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ يَقُولُ : يَا بُنَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ } . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ } . وَهُمَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } وَهُمَا وَغَيْرُهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَيْضًا مَرْفُوعًا { مَنْ جَرَّ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ } . وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَقُولُ { مَنْ جَرَّ إزَارَهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا الْمَخِيلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : الْخُيَلَاءُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا وَبِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مَمْدُودٌ هُوَ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ . وَالْمَخِيلَةُ بِفَتْحِ(1/39)
الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ الْكِبْرُ وَاسْتِحْقَارُ النَّاسِ . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَجُرُّ إزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . قَوْلُهُ يَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ أَيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ فِيهَا . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ { بَيْنَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ يَخْتَالُ فِيهِمَا أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ رَأْسَهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ أَحْسَبُهُ رَفَعَهُ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ فَتَبَخْتَرَ أَوْ اخْتَالَ فِيهَا فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي : ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ الْهَيْزَنُ , وَأَنَّهُ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ وَقِيلَ هُوَ قَارُونُ انْتَهَى . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ(1/40)
عَلَى اللَّهِ كَرِيمًا } . وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا { أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلِلَّهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ , لَا يَنْظُرُ اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ , وَلَا إلَى سَاحِرٍ , وَلَا إلَى قَاطِعِ رَحِمٍ , وَلَا إلَى مُسْبِلٍ , وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ , وَلَا إلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ } وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَقَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْهُ مَوْقُوفًا { مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَضْعَافُهَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ تَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى تَحْرِيمِ الْخُيَلَاءِ وَالْإِسْبَالِ كِبْرًا . فَإِنْ قُلْت : حَيْثُ كَانَ الْإِسْبَالُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا عُذْرُ النَّاظِمِ فِي جَعْلِهِ مَكْرُوهًا مَعَ الْكِبْرِ وَغَيْرَ مَكْرُوهٍ بِلَا كِبْرٍ ؟ , . قُلْت : النَّاظِمُ رحمه الله تعالى لَا يَقُولُ إنَّ الْكِبْرَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي نَفْسِ الْإِسْبَالِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ لَا . وَأَمَّا الْكِبْرُ فَحَرَامٌ بِلَا شَكٍّ . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْإِسْبَالَ خُيَلَاءَ حَرَامٌ أَيْضًا .
وفي النيل :(1/41)
585 - ( وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ , فَقَالَ : إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرُوا قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ ) .(1/42)
قَوْلُهُ : ( خُيَلَاءَ ) فُعَلَاءُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ . وَالْمَخِيلَةُ وَالْبَطْرُ وَالْكِبْرُ وَالزَّهْوُ وَالتَّبَخْتُرُ وَالْخُيَلَاءُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ , يُقَالُ : خَالَ وَاخْتَالَ اخْتِيَالًا إذَا تَكَبَّرَ , وَهُوَ رَجُلٌ خَالٌ أَيْ مُتَكَبِّرٌ , وَصَاحِبُ خَالٍ أَيْ صَاحِبُ كِبْرٍ . قَوْلُهُ : ( لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ ) النَّظَرُ حَقِيقَةٌ فِي إدْرَاكِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيِّ , وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنْ الرَّحْمَةِ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ لِامْتِنَاعِ حَقِيقَةِ النَّظَرِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى , وَالْعَلَاقَةُ هِيَ السَّبَبِيَّةُ , فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ مُمْتَهَنَةٍ رَحِمَهُ . وَقَالَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ , وَمَنْ نَظَرَ إلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ , فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبِّبَانِ عَنْ النَّظَرِ . الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ جَرِّ الثَّوْبِ خُيَلَاءَ . وَالْمُرَادُ بِجَرِّهِ هُوَ جَرُّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارَ فِي النَّارِ } كَمَا سَيَأْتِي , وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِسْبَالَ مُحَرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِمَا فِي صِيغَةِ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ جَرَّ مِنْ الْعُمُومِ , وَقَدْ فَهِمَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ لَمَّا سَمِعَتْ الْحَدِيثَ فَقَالَتْ : { فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ : يُرْخِينَهُ شِبْرًا فَقَالَتْ : إذًا يَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ , قَالَ : فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ(1/43)
وَالتِّرْمِذِيُّ , وَلَكِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءِ , كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ , وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ : خُيَلَاءَ , يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ جَرَّ الثَّوْبِ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : مَفْهُومُهُ أَنَّ الْجَارَّ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ إلَّا أَنَّهُ مَذْمُومٌ قَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ . قَالَ الْبُوَيْطِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ : لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ , وَلِغَيْرِهَا خَفِيفٌ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ انْتَهَى . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ وَيَقُولُ : لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ , لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا أَنْ يُخَالِفَهُ إذْ صَارَ حُكْمُهُ أَنْ يَقُولَ : لَا أَمْتَثِلُهُ , لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِي . فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ , بَلْ إطَالَةُ ذَيْلِهِ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ انْتَهَى . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ اللَّابِسُ . وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّقْيِيدِ بِالْخُيَلَاءِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ , وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ { وَارْفَعْ إزَارَك إلَى نِصْفِ السَّاقِ , فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَإِيَّاكَ(1/44)
وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ } . وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : { بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ إزَارٍ وَرِدَاءٍ قَدْ أَسْبَلَ , فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ وَيَتَوَاضَعُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقُولُ : عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَأَمَتِك حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْمَشُ السَّاقَيْنِ , فَقَالَ : يَا عَمْرُو إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ , يَا عَمْرُو إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ } . وَالْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقْصِدْ الْخُيَلَاءَ , وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ : " إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ " وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَنَاطَ التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ , وَأَنَّ الْإِسْبَالَ قَدْ يَكُونُ لِلْخُيَلَاءِ , وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ " فَإِنَّهَا الْمَخِيلَةُ " فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ , فَيَكُونُ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مُتَوَجِّهًا إلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَالًا , وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ إسْبَالٍ مِنْ الْمَخِيلَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ تَرُدُّهُ الضَّرُورَةُ , فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُسْبِلُ إزَارَهُ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الْخُيَلَاءِ بِبَالِهِ , وَيَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي(1/45)
بَكْرٍ لِمَا عَرَفْت . وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَعَدَمُ إهْدَارِ قَيْدِ الْخُيَلَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ , وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رِسَالَةً طَوِيلَةً جَزَمَ فِيهَا بِتَحْرِيمِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقًا , وَأَعْظَمُ مَا تَمَسَّكَ بِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَغَايَةُ مَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ , وَحَدِيثُ الْبَابِ مُقَيَّدٌ بِالْخُيَلَاءِ وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَأَمَّا كَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ عَمْرٍو أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخُيَلَاءَ فَمَا بِمِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ تُعَارَضُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ , وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْمِقْدَارِ الَّذِي يُعَدُّ إسْبَالًا , وَذِكْرُ عُمُومِ الْإِسْبَالِ لِجَمِيعِ اللِّبَاسِ . وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِسْبَالِ مِنْ أَشَدِّ الذُّنُوبِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ , قُلْت : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا ؟ فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا , قُلْت مَنْ هُمْ خَابُوا وَخَسِرُوا ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَوْ الْفَاجِرُ } وَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ,(1/46)
قَالَ : اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ قَالَ : إنَّهُ صَلَّى وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ , وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ } وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ . وَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ , وَفِيهِ { قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : نِعْمَ الرَّجُلُ خُزَيْمٌ الْأَسَدِيُّ لَوْلَا طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبَالُ إزَارِهِ } . 586 - ( وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ) . الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ , وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ , قَالَ ابْنُ مَاجَهْ . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : مَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى . وَهُوَ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ , وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ , وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ : إنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ . وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْإِسْبَالِ بِالثَّوْبِ وَالْإِزَارِ بَلْ يَكُونُ فِي الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ . قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ : وَالطَّيْلَسَانُ وَالرِّدَاءُ وَالشَّمْلَةُ . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : وَإِسْبَالُ الْعِمَامَةِ الْمُرَادُ بِهِ إرْسَالُ الْعَذَبَةِ زَائِدًا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ انْتَهَى . وَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ , فَقَدْ(1/47)
تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ , وَتَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ تَطْوِيلًا زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْإِسْبَالِ , وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الطُّولِ وَالسَّعَةِ . 587 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ : { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ } ) . قَوْلُهُ : ( بَطَرًا ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَطَرَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخُيَلَاءِ , وَفِي الْقَامُوسِ : الْبَطَرُ النَّشَاطُ , وَقِلَّةُ احْتِمَالِ النِّعْمَةِ وَالدَّهَشُ وَالْحَيْرَةُ وَالطُّغْيَانُ وَكَرَاهَةُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْكَرَاهَةَ انْتَهَى . قَوْلُهُ : ( مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ . . . إلَخْ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : مَا مَوْصُولَةٌ وَبَعْضُ صِلَتُهُ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ كَانَ , وَأَسْفَلُ خَبَرُهُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَجُوزهُ الرَّفْعُ : أَيْ مَا هُوَ أَسْفَلُ وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا , وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِأَسْفَلَ . قَالَ الْخَطَّابِيِّ : يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ عُقُوبَةً . وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ حَلَّ فِيهِ , وَتَكُونُ مِنْ بَيَانِيَّةً , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ(1/48)
سَبَبِيَّةً , وَيَكُونُ الْمُرَادُ الشَّخْصُ نَفْسُهُ , فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ فِي الْآخِرَةِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَحَدِ السَّائِلِينَ لِلسَّيِّدِ يُوسُفَ عليه السلام تَعْبِيرَ رُؤْيَاهُ : { إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } يَعْنِي عِنَبًا فَسَمَّاهُ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ غَالِبًا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يُوجِبُ النَّارَ فِي الْآخِرَةِ . وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ , وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ , وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ } . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْبَالَ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَاوَزَ الْكَعْبَيْنِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اعْتِبَارِ الْخُيَلَاءِ وَعَدَمِهِ .
وفي شرح النيل :(1/49)
( وَ ) نُهِيَ ( عَنْ السَّدْلِ ) فَإِنْ سَدَلَ وَانْكَشَفَتْ الْعَوْرَةُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ , وَإِنْ لَمْ تَنْكَشِفْ لَمْ تَفْسُدْ , وَكُرِهَ , وَقِيلَ : فَسَدَتْ لِلنَّهْيِ , وَسَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ كَانَ السَّدْلُ فَوْقَ السُّرَّةِ أَوْ تَحْتَ الرُّكْبَةِ أَوْ بَيْنَهُمَا , وَلَا بَأْسَ بِسَدْلٍ فَوْقَ الْمَنْكِبِ , ( وَهُوَ سَدْلُ الثَّوْبِ ) أَيْ إرْخَاؤُهُ ( عَلَى الرَّأْسِ وَالْمَنْكِبِ ) جِنْسٌ , فَشَمَلَ الْمَنْكِبَيْنِ ( لِأَسْفَلَ مُفَرَّقًا ) بِفَتْحِ الرَّاءِ حَالٌ مِنْ الثَّوْبِ , وَبِالْكَسْرِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ السَّدْلِ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِهُوَ , أَيْ سَدْلُكَ الثَّوْبَ مُفَرَّقًا ( بَيْنَ أَطْرَافِهِ أَوْ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ لِأَسْفَلَ فَقَطْ ) كَلِبْسِ عَامَّةِ نِسَائِنَا , وَأَمَّا مَا دُونَ الْمَنْكِبِ فَقِيلَ : لَا يُسَمَّى سَدْلًا وَلَكِنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ , وَقِيلَ : سَدْلٌ , ( وَيَكُونُ ) السَّدْلُ ( مِنْ أَمَامٍ وَمِنْ خَلْفٍ وَمِنْ ) أَحَدِ ( الْجَانِبَيْنِ مَعَ تَفَرُّقِ أَطْرَافِهِ ) , وَقِيلَ : يَكُونُ السَّدْلُ عَلَى الْعَرْضِ , وَقِيلَ : لَا , وَلَكِنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِهِ , وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنْ يُرْسِلَ ثَوْبَهُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ لِلْجَانِبَيْنِ أَوْ لَهُمَا , وَلِخَلْفٍ أَوْ لَهُمَا , وَلِقُدَّامٍ أَوْ لِذَلِكَ كُلِّهِ , أَوْ يُرْسِلُهُ مِنْ مَنْكِبَيْهِ لِلْجَانِبَيْنِ أَوْ لَهُمَا وَلِخَلْفٍ أَوْ لَهُمَا وَلِقُدَّامٍ أَوْ لِذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ افْتِرَاقِ أَطْرَافِهِ , وَالِافْتِرَاقُ يَحْصُلُ بِعَدَمِ الْمُلَاقَاةِ , وَبِالْمُلَاقَاةِ بِلَا سِتْرٍ , وَبِالْمُلَاقَاةِ مَعَ سَتْرٍ بِإِدْخَالِ طَرَفٍ تَحْتَ آخَرَ , لَكِنْ إذَا بَالَغَ فِي الْإِدْخَالِ وَالْإِمْسَاكِ حَتَّى يَأْمَنَ الِانْكِشَافَ فَلَا بَأْسَ ,(1/50)
وَيَزُولُ الِافْتِرَاقُ بِالْعَقْدِ وَالْأَزْرَارِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , ( فَإِنْ اجْتَمَعَتْ ) أَطْرَافُهُ ( فِيمَا رُدَّتْ رُكْبَتَاهُ إلَى فَوْقَ فَلَا بَأْسَ ) , وَحَدُّ فَوْقَ الْعَوْرَةِ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَأَقْوَالِهَا , وَكَذَا الرُّكْبَةُ فَمَا تَلَاهَا عَلَى خِلَافٍ مَرَّ , فَإِنْ افْتَرَقَتْ فِيمَا لَيْسَ عَوْرَةً فَلَا بَأْسَ إنْ لَمْ تَتَبَيَّنْ الْعَوْرَةُ مِنْهُ وَلَا يَلْحَقُهُ اسْمُ السَّدْلِ وَلَا الْكَرَاهَةُ , مِثْلُ أَنْ تَفْتَرِقَ فَوْقَ سُرَّةِ الرَّجُلِ ( وَجُوِّزَ ) أَنْ لَا يَكُونَ سَدْلٌ ( فِيمَا ) إذَا اجْتَمَعَتْ الْأَطْرَافُ ( دُونَ الْأَرْضِ ) , وَلَوْ افْتَرَقَتْ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَوْ فِي الْعَوْرَةِ مَعَ عَدَمِ الِانْكِشَافِ , ( وَرُخِّصَ ) فِي الِاكْتِفَاءِ بِاجْتِمَاعِهِمَا , ( وَإِنْ ) كَانَ الِاجْتِمَاعُ ( فِيهَا ) فَقَطْ أَيْ الْأَرْضِ فَقَدْ افْتَرَقَتْ فَوْقَ مَعَ عَدَمِ الِانْكِشَافِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ إسْبَالِ الْإِزَارِ تَحْتَ الْكَعْبِ , وَفِي فَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَعَمُّدِهِ قَوْلَانِ ; وَزَالَ عَنْهُ حُكْمُ السَّدْلِ , ( وَكَذَا مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا ) يُرَخَّصُ لَهُ أَنْ لَا سَدْلَ إنْ اجْتَمَعَتْ فِي الْأَرْضِ .
*************
صحيح ابن حبان [ جزء 2 - صفحة 281 ](1/51)
522 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا أبو خيثمة قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا سلام بن مسكين عن عقيل بن طلحة قال : حدثني أبو جري الهجيمي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله به فقال : ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة ولا يحبها الله وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قاله )
قال أبو حاتم : الأمر بترك استحقار المعروف أمر قصد به الإرشاد والزجر عن إسبال الإزار زجر حتم لعلة معلومة وهي الخيلاء فمتى عدمت الخيلاء لم يكن بإسبال الإزار بأس والزجر عن الشتيمة إذا شوتم المرء زجر عنه في ذلك الوقت وقبله وبعده وإن لم يشتم
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
***********
وقال ابن تيمية رحمه الله :
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ لُبْسِ الْكُوفِيَّةِ لِلنِّسَاءِ . مَا حُكْمُهَا إذَا كَانَتْ بِالدَّائِرِ وَالْفَرْقِ ؟ وَفِي لُبْسِهِنَّ الفراجي ؟ وَمَا الضَّابِطُ فِي التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي الْمَلْبُوسِ ؟ هَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كُلُّ زَمَانٍ بِحَسَبِهِ ؟ .
فَأَجَابَ :(1/52)
الْحَمْدُ لِلَّهِ . الْكُوفِيَّةُ الَّتِي بِالْفَرْقِ وَالدَّائِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتُرَ الشَّعْرَ الْمَسْدُولَ هِيَ مِنْ لِبَاسِ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْأَةُ اللَّابِسَةُ لِذَلِكَ مُتَشَبِّهَةٌ بِهِمْ . وَهَذَا النَّوْعُ قَدْ يَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ النِّسَاءِ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ بالمردان كَمَا يَقْصِدُ بَعْضُ الْبَغَايَا أَنْ تُضَفِّرَ شَعْرَهَا ضَفِيرًا وَاحِدًا مَسْدُولًا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَأَنْ تُرْخِيَ لَهَا السَّوَالِفَ وَأَنْ تَعْتَمَّ ؛ لِتُشْبِه المردان فِي الْعِمَامَةِ وَالْعِذَارِ وَالشَّعْرِ . ثُمَّ قَدْ تَفْعَلُ الْحُرَّةُ بَعْضَ ذَلِكَ لَا تَقْصِدُ هَذَا ؛ لَكِنْ هِيَ فِي ذَلِكَ مُتَشَبِّهَةٌ بِالرِّجَالِ . وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ " { أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ } وَأَمَرَ بِنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ . وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَفْيِهِمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا . وَقَالُوا جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ : كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا . وَرِجَالٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ { مَرَّ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ(1/53)
وَهِيَ تَعْتَصِبُ فَقَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَيَّةٌ لَا لَيَّتَيْنِ } وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ : { كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ } بِأَنْ تَكْتَسِيَ مَا لَا يَسْتُرُهَا فَهِيَ كَاسِيَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عَارِيَةٌ مِثْلُ مَنْ تَكْتَسِي الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الَّذِي يَصِفُ بَشَرَتَهَا ؛ أَوْ الثَّوْبَ الضَّيِّقَ الَّذِي يُبْدِي تَقَاطِيعَ خَلْقِهَا مِثْلَ عَجِيزَتِهَا وَسَاعِدِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا كُسْوَةُ الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا فَلَا يُبْدِي جِسْمَهَا وَلَا حَجْمَ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِهِ كَثِيفًا وَاسِعًا . وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الضَّابِطُ فِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَنْ تَشَبُّهِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ رَاجِعًا إلَى مُجَرَّدِ مَا يَخْتَارُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَشْتَهُونَهُ وَيَعْتَادُونَهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا اصْطَلَحَ قَوْمٌ عَلَى أَنْ يَلْبَسَ الرِّجَالُ الْخُمُرَ الَّتِي تُغَطِّي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْعُنُقَ وَالْجَلَابِيبَ الَّتِي تُسْدَلُ مِنْ فَوْقِ الرُّءُوسِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْ لَابِسِهَا إلَّا الْعَيْنَانِ وَأَنْ تَلْبَسَ النِّسَاءُ الْعَمَائِمَ وَالْأَقْبِيَةَ الْمُخْتَصَرَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَائِغًا . وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلنِّسَاءِ : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } الْآيَةَ وَقَالَ : { قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } الْآيَةَ . وَقَالَ : { وَلَا(1/54)
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } . فَلَوْ كَانَ اللِّبَاسُ الْفَارِقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدُ مَا يَعْتَادُهُ النِّسَاءُ أَوْ الرِّجَالُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَشَهْوَتِهِمْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ الْجَلَابِيبَ وَلَا أَنْ يَضْرِبْنَ بِالْخُمُرِ عَلَى الْجُيُوبِ وَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِنَّ التَّبَرُّجَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةً لِأُولَئِكَ وَلَيْسَ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ لِبَاسًا مُعَيَّنًا مِنْ جِهَةِ نَصِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ جِهَةِ عَادَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى عَهْدِهِ بِحَيْثُ يُقَالُ : إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ وَغَيْرُهُ يَحْرُمُ . فَإِنَّ النِّسَاءَ عَلَى عَهْدِهِ كُنَّ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا طَوِيلَاتِ الذَّيْلِ . بِحَيْثُ يَنْجَرُّ خَلْفَ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُشَمِّرَ ذَيْلَهُ حَتَّى لَا يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَقِيلَ لَهُ : فَالنِّسَاءُ ؟ قَالَ : يُرْخِينَ شِبْرًا قِيلَ لَهُ : إذَنْ تَنْكَشِفَ سُوقُهُنَّ قَالَ : ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . حَتَّى إنَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ رُوِيَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ إذَا جَرَّتْ ذَيْلَهَا عَلَى مَكَانٍ قَذِرٍ ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ عَلَى مَكَانٍ طَيِّبٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ جَعَلَ الْمَجْرُورَ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ الَّذِي يَكْثُرُ مُلَاقَاتُهُ النَّجَاسَةَ فَيَطْهُرُ بِالْجَامِدِ كَمَا يَطْهُرُ السَّبِيلَانِ بِالْجَامِدِ(1/55)
لِمَا تَكَرَّرَ مُلَاقَاتُهُمَا النَّجَاسَةَ . ثُمَّ إنَّ هَذَا لَيْسَ مُعِينًا لِلسَّتْرِ فَلَوْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا وَاسِعًا صُلْبًا كَالْمُوقِ وَتَدَلَّى فَوْقَهُ الْجِلْبَابُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ حَجْمُ الْقَدَمِ لَكَانَ هَذَا مُحَصِّلًا لِلْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اللَّيِّنِ الَّذِي يُبْدِي حَجْمَ الْقَدَمِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِ الرِّجَالِ . وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَوْ لَبِسَتْ جُبَّةً وَفَرْوَةً لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ إلَى دَفْعِ الْبَرْدِ لَمْ تَنْهَ عَنْ ذَلِكَ . فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَمْ يَكُنْ النِّسَاءُ يَلْبَسْنَ الْفِرَاءَ قُلْنَا : فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْحَاجَةِ فَالْبِلَادُ الْبَارِدَةُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى غِلَظِ الْكُسْوَةِ وَكَوْنِهَا مُدَفِّئَةً وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَالْفَارِقُ بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَعُودُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ . وَهُوَ مَا يُنَاسِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الرِّجَالُ وَمَا تُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ . فَالنِّسَاءُ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ دُونَ التَّبَرُّجِ وَالظُّهُورِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَشْرَعْ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْأَذَانِ وَلَا التَّلْبِيَةِ وَلَا الصُّعُودُ إلَى الصَّفَا والمروة وَلَا التَّجَرُّدُ فِي الْإِحْرَامِ . يَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ . فَإِنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ أَنْ يَكْشِفَ رَأْسَهُ وَأَنْ لَا يَلْبَسَ الثِّيَابَ الْمُعْتَادَةَ وَهِيَ الَّتِي تُصْنَعُ عَلَى قَدْرِ أَعْضَائِهِ فَلَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّ لَكِنَّ لَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَمْشِي فِيهِ رَخَّصَ لَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ(1/56)
إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا أَنْ يَلْبَسَ سَرَاوِيلَ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْنِ . وَجَعَلَ ذَلِكَ بَدَلًا لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَاجَةً خَاصَّةً لِمَرَضِ أَوْ بَرْدٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ إذَا لَبِسَهُ وَلِهَذَا طَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْقِيَاسَ وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ . وَلِأَجْلِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تُنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ اللِّبَاسِ ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ فَلَا يَشْرَعُ لَهَا ضِدُّ ذَلِكَ لَكِنْ مُنِعَتْ أَنْ تَنْتَقِبَ وَأَنْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَاسٌ مَصْنُوعٌ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ وَلَا حَاجَةَ بِهَا إلَيْهِ .(1/57)
وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ هَلْ وَجْهُهَا كَرَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ كَيَدَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . فَمَنْ جَعَلَ وَجْهَهَا كَرَأْسِهِ أَمَرَهَا إذَا سَدَلَتْ الثَّوْبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا أَنْ تُجَافِيَهُ عَنْ الْوَجْهِ . كَمَا يُجَافَى عَنْ الرَّأْسِ مَا يُظَلَّلُ بِهِ . وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْيَدَيْنِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - قَالَ هِيَ لَمْ تُنْهَ عَنْ سَتْرِ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا نُهِيَتْ عَنْ الِانْتِقَابِ . كَمَا نُهِيَتْ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ ؛ وَذَلِكَ كَمَا نَهَى الرَّجُلَ عَنْ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَفِي مَعْنَاهُ الْبُرْقُعُ وَمَا صُنِعَ لِسَتْرِ الْوَجْهِ . فَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ بِمَا يُسْدَلُ مِنْ فَوْقِ الرَّأْسِ فَهُوَ مِثْلُ تَغْطِيَتِهِ عِنْدَ النَّوْمِ بِالْمِلْحَفَةِ وَنَحْوِهَا . وَمِثْلُ تَغْطِيَةِ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ وَهِيَ لَمْ تُنْهَ عَنْ ذَلِكَ . فَلَوْ أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَنْتَقِبُوا وَيَتَبَرْقَعُوا وَيَدَعُوا النِّسَاءَ بَادِيَاتِ الْوُجُوهِ لَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ . كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ أُمِرَتْ أَنْ تَجْتَمِعَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُجَافِيَ بَيْنَ أَعْضَائِهَا وَأُمِرَتْ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارِ وَلَوْ كَانَتْ فِي جَوْفِ بَيْتٍ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَجَانِبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِسَتْرِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ الرَّجُلُ حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَرَهَا بَشَرٌ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ(1/58)
اللَّهِ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ } وَقَالَ : { صَلَاةُ إحْدَاكُنَّ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي حُجْرَتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي دَارِهَا وَصَلَاتُهَا فِي دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا مَعِي } وَهَذَا كُلُّهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسَاكِنَ مِنْ جِنْسِ الْمَلَابِسِ كِلَاهُمَا جُعِلَ فِي الْأَصْلِ لِلْوِقَايَةِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ . كَمَا جُعِلَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ فَاللِّبَاسُ يَتَّقِي الْإِنْسَانُ بِهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيَتَّقِي بِهِ سِلَاحَ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ الْمَسَاكِنُ يُتَّقَى بِهَا الْحَرُّ وَالْبَرْدُ وَيُتَّقَى بِهَا الْعَدُوُّ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } فَذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِدَفْعِ مَا قَدْ يُؤْذِيهِمْ . وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مَا يَضْطَرُّونَ إلَيْهِ لِدَفْعِ مَا يَضُرُّهُمْ فَقَالَ : { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } فَذَكَرَ مَا يَسْتَدْفِئُونَ بِهِ وَيَدْفَعُونَ بِهِ الْبَرْدَ ؛ لِأَنَّ الْبَرْدَ يُهْلِكُهُمْ وَالْحَرَّ يُؤْذِيهِمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ : الْبَرْدُ بُؤْسٌ وَالْحَرُّ أَذًى ؛ وَلِهَذَا السَّبَبِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وِقَايَةَ الْبَرْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي(1/59)
أَوَّلِ السُّورَةِ وَهُوَ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ مَا أَتَمَّ بِهِ النِّعْمَةَ وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أُصُولَ النِّعَمِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ مَقْصُودَ الثِّيَابِ تُشْبِهُ مَقْصُودَ الْمَسَاكِنِ وَالنِّسَاءُ مَأْمُورَاتٌ فِي هَذَا بِمَا يَسْتُرُهُنَّ وَيَحْجُبُهُنَّ فَإِذَا اخْتَلَفَ لِبَاسُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَمَّا كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ : كَانَ لِلنِّسَاءِ وَكَانَ ضِدُّهُ لِلرِّجَالِ . وَأَصْلُ هَذَا : أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ لَهُ مَقْصُودَانِ : ( أَحَدُهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . و ( الثَّانِي احْتِجَابُ النِّسَاءِ . فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ مُجَرَّدَ الْفَرْقِ لَحَصَلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ بِهِ الِاخْتِلَافُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُ ذَلِكَ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّبَاسِ إظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مَا يُنَاسِبُهُ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَحْصُلُ بِأَيِّ لِبَاسٍ اصْطَلَحَتْ الطَّائِفَتَانِ عَلَى التَّمَيُّزِ بِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّ لِبَاسَ الْأَبْيَضِ لَمَّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ . كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ فَلْيَلْبَسْهُ أَحْيَاؤُكُمْ . وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ } " لَمْ يَكُنْ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُجْعَلَ لِبَاسُ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْأَبْيَضَ وَلِبَاسُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَصْبُوغَ كَالْعَسَلِيِّ وَالْأَدْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ(1/60)
بِالْعَكْسِ . كَذَلِكَ فِي الشُّعُورِ وَغَيْرِهَا : فَكَيْفَ الْأَمْرُ فِي لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدَ الْفَرْقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ جَانِبِ الِاحْتِجَابِ وَالِاسْتِتَارِ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ حَجْبِ النِّسَاءِ وَسَتْرِهِنَّ دُونَ الْفَرْقِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ ؛ بَلْ الْفَرْقُ أَيْضًا مَقْصُودٌ حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الصِّنْفَيْنِ اشْتَرَكُوا فِيمَا يَسْتُرُ وَيَحْجُبُ بِحَيْثُ يُشْتَبَهُ لِبَاسُ الصِّنْفَيْنِ لَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَقْصُودَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } فَجَعَلَ كَوْنَهُنَّ يُعْرَفْنَ بِاللِّبَاسِ الْفَارِقِ أَمْرًا مَقْصُودًا . وَلِهَذَا جَاءَتْ صِيغَةُ النَّهْيِ بِلَفْظِ التَّشَبُّهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ . والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ } " وَقَالَ : " { لَعَنَ اللَّهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ } " فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِاسْمِ التَّشَبُّهِ . وَيَكُونُ كُلُّ صِنْفٍ يَتَّصِفُ بِصِفَةِ الْآخَرِ . وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي ( اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِمُخَالَفَةِ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ تُورِثُ تَنَاسُبًا وَتَشَابُهًا فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَلِهَذَا نُهِينَا عَنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ وَمُشَابَهَةِ الْأَعَاجِمِ وَمُشَابَهَةِ(1/61)
الْأَعْرَابِ وَنَهَى كُلًّا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مُشَابَهَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ : " { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ } " . " { وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا } " وَالرَّجُلُ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ يَكْتَسِبُ مِنْ أَخْلَاقِهِنَّ بِحَسَبِ تَشَبُّهِهِ حَتَّى يُفْضِيَ الْأَمْرُ بِهِ إلَى التَّخَنُّثِ الْمَحْضِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ . وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ مُقَدِّمَةَ ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ : كَانُوا يُسَمُّونَ الرِّجَالَ الْمُغَنِّينَ مَخَانِيثَ . وَالْمَرْأَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ تَكْتَسِبُ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ فِيهَا مِنْ التَّبَرُّجِ وَالْبُرُوزِ وَمُشَارَكَةِ الرِّجَالِ : مَا قَدْ يُفْضِي بِبَعْضِهِنَّ إلَى أَنْ تُظْهِرَ بَدَنَهَا كَمَا يُظْهِرُهُ الرَّجُلُ وَتَطْلُبُ أَنْ تَعْلُوَ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا تَعْلُو الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَتَفْعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُنَافِي الْحَيَاءَ وَالْخَفْرَ الْمَشْرُوعَ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُشَابَهَةِ . وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَرْقٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ الرِّجَالُ عَنْ النِّسَاءِ . وَأَنْ يَكُونَ لِبَاسُ النِّسَاءِ فِيهِ مِنْ الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ مَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَ ذَلِكَ : ظَهَرَ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ اللِّبَاسَ إذَا كَانَ غَالِبُهُ لُبْسَ الرِّجَالِ نُهِيَتْ عَنْهُ الْمَرْأَةُ وَإِنْ كَانَ سَاتِرًا كالفراجي الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ أَنْ يَلْبَسَهَا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَالنَّهْيُ عَنْ مَثَلِ هَذَا بِتَغَيُّرِ الْعَادَاتِ(1/62)
وَأَمَّا مَا كَانَ الْفَرْقُ عَائِدًا إلَى نَفْسِ السِّتْرِ فَهَذَا يُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ بِمَا كَانَ أَسْتَرُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي اللِّبَاسِ قِلَّةُ السَّتْرِ وَالْمُشَابَهَةُ نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
**************
إسبال الإزار
يوسف القرضاوي اسم المفتى
22751 رقم الفتوى
27/03/2005 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ما حكم الإسبال مع أنه لا يقصد به الخيلاء؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(1/63)
لقد روى البخاري تعليقًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان، سرف أو مخيلة، يدل هذا على أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" رواه البخاري وغيره وإلإزار هو ما يستر أسفل البدن، ومنه البنطلون والجلباب. "من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أنى أتعاهده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفي رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم إنهم هم المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. والمسبل هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبرًا واختيالا. كما فسره الحافظ المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب".
وحديث "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار" ليس عامًا للرجال والنساء فقد فهمت أم سلمة رضي الله عنها أنه عام وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا" فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه" أخرجه النسائي والترمذي وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة.(1/64)
والخلاصة أن للرجال حالين، حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين. وكذلك للنساء حالان، حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه، ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرًا لها شاكرًا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"، والغمط معناه الاحتقار. والحديث الذي أخرجه الطبري "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه" محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه. لا من أحب ذلك ابتهاجًا بنعمة الله. فقد أخرج الترمذي وحسنه "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وأخرج النسائي وأبو داود وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رآه رث الثياب "إذا أتاك الله مالا فلير أثره عليك" أي بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلى الطلب منه، مع مراعاة القصد وترك الإسراف.
هذا وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة، والثوب الطويل الذي ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لابسه من تعلق النجاسة به، فقد أخرج الترمذي عن عبيد بن خالد أنه قال: "كنت أمشي وعليَّ برد أجره، فقال لي رجل" ارفع ثوبك فإنه أنقى وأبقى" فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنما هي بردة ملحاء – أي فيها خطوط سود وبيض – فقال: "أما لك في أسوة؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه "فتح الباري ج10 ص264 – 275".
ويقول الدكتور القرضاوى:(1/65)
عملية الإسبال، وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإسبال، بعضها ورد فيها نهي مطلق عن الإسبال "أن يسبل إزاره" وبعضها مقيد بمن فعل ذلك اختيالا قال "لا يريد بذلك إلا المخيلة" وهو حديث ابن عمر، يعني من جَرَّ إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، معنى المخيلة أي الاختيال أي يريد التبختر والفخر على الناس، وكان العرب في الجاهلية يعتبرون جَرَّ الثياب هذا من مظاهر العظمة، وإن الفقير يلبس لحد الركبة أو تحت الركبة بقليل، والغني يلبس ويجر في إزاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جَرِّ الثوب، أو جَرِّ الإزار بالذات، معظم الأحاديث جاءت في الإزار وجاء أيضا إزرة المؤمن إلى نصف الساق، فبعض العلماء أخذ بالإطلاق وقال الإسبال ممنوع على كل حال، والبعض قال ممنوع إذا أريد به المخيلة، إذا أريد به الاختيال، أما من لم يخطر الاختيال بباله فلا يدخل، بدليل حديث ابن عمر وبدليل حديث سيدنا أبو بكر قال "يا رسول الله: إني لا أتعهد إزاري فيسترخي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خيلاء" فدل على أن فيه عِلَّة، وهذا ما ذهب إليه الإمام النووي والحافظ بن حجر، والكثير من شُرَّاح الحديث وأنا من هذا الفريق الذي يربط التحريم بالاختيال والفخر.
****************
صلاة المسبل ثوبه وحالق اللحية
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء اسم المفتى
13361 رقم الفتوى
17/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
الفتوى رقم (3826)
رجل يلبس الثوب أو السروال تحت الكعبين ويكشف الرأس ويحلق اللحية ويقوم للإمامة فهل يجوز له؟ وإذا كان يوجد أتقى وأقرأ وصاحب لحية ومتبع للسنة موجود في تلك الصلاة فما حكم تلك الصلاة؟
نص الفتوى
الحمد لله(1/66)
لبس الملابس الطويلة التى تصل إلى ما تحت الكعبين حرام، سواء كانت قميصا أم سراويلا؛ لعموم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار" رواه الإمام أحمد والبخاري في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولايزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان في ما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" رواه مسلم في صحيحه. وحلق اللحية حرام لقوله ? "قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين" متفق على صحته . أما كشف الرجال رؤوسهم فمباح؛ لأن الرأس ليس بعورة بالنسبة للرجل، ولا يجوز أن يصلي مسبل الإزار إلى ما تحت الكعبين ولا حالق اللحية إماما بمن يعفي لحيته ولايسبل إزاره؛ لعدم أهليته لذلك بسبب إسباله وحلق لحيته، لكن لو صلى بالناس صحت صلاتهم، إذا كانت قراءته للفاتحة صحيحة سليمة واطمأن في صلاته، وينبغي الاجتهاد في نصحه ليكف عن الإسبال وحلق اللحية، عسى أن يهديه الله، فإن أبى سعي في منعه من الإمامة وإبداله بمن يلتزم بالحق.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
عضو: عبدالله بن غديان
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
****************
حكم الإسبال إذا كان عادة وليس خيلاء
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10182 رقم الفتوى
03/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال(1/67)
الأخ الذي رمز لاسمه ( أبو محمد ) من الزلفى من المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله : في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ما معناه : أن الذي يسبل ثيابه في النار ، فنحن ثيابنا تحت الكعبين وليس قصدنا التكبر ولا الافتخار وإنما هي عادة اعتدنا عليها ، فهل فعلنا هذا حرام؟ وهل الذي يسبل ثيابه وهو مؤمن بالله يكون في النار؟ أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
نص الفتوى
الحمد لله
لقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار رواه الإمام البخاري في صحيحه ، وقال عليه الصلاة والسلام : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان في ما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل على تحريم الإسبال مطلقا ، ولو زعم صاحبه أنه لم يرد التكبر والخيلاء؛ لأن ذلك وسيلة للتكبر ، ولما في ذلك من الإسراف وتعريض الملابس للنجاسات والأوساخ ، أما إن قصد بذلك التكبر فالأمر أشد والإثم أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) والحد في ذلك هو الكعبان فلا يجوز للمسلم الذكر أن تنزل ملابسه عن الكعبين للأحاديث المذكورة ،
أما الأنثى فيشرع لها أن تكون ملابسها ضافية تغطي قدميها . وأما ما ثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : (إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعله خيلاء) فالمراد بذلك أن من استرخى إزاره بغير قصد وتعاهده وحرص على رفعه لم يدخل في الوعيد لكونه لم يتعمد ذلك ولم يقصد الخيلاء ولم يترك ذلك بل تعاهد رفعه وكفه .(1/68)
وهذا بخلاف من تعمد إرخاءه فإنه متهم بقصد الخيلاء وعمله وسيلة إلى ذلك والله سبحانه هو الذي يعلم ما في القلوب ، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأحاديث في التحذير من الإسبال وشدد في ذلك ولم يقل فيها إلا من أرخاها بغير خيلاء فالواجب على المسلم أن يحذر ما حرم الله عليه وأن يبتعد عن أسباب غضب الله وأن يقف عند حدود الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه عملا بقول الله سبحانه وتعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقوله عز وجل : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}
وفق الله المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاح أمرهم في دينهم ودنياهم إنه خير مسئول.
***************
الصلاة خلف المبتدع
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
12115 رقم الفتوى
23/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
هل تصح الصلاة وراء المبتدع والمسبل إزاره؟
نص الفتوى
الحمد لله
نعم تصح الصلاة خلف المبتدع وخلف المسبل إزاره وغيرهما من العصاة في أصح قولي العلماء ما لم تكن البدعة مكفرة لصاحبها ، فإن كانت مكفرة له كالجهمي ونحوه ممن بدعتهم تخرجهم عن دائرة الإسلام ، فلا تصح الصلاة خلفهم ، ولكن يجب على المسئولين أن يختاروا للإمامة من هو سليم من البدعة والفسق ، مرضي السيرة ، لأن الإمامة أمانة عظيمة ، القائم بها قدوة للمسلمين ، فلا يجوز أن يتولاها أهل البدع والفسق مع القدرة على تولية غيرهم .(1/69)
والإسبال من جملة المعاصي التي يجب تركها والحذر منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار). رواه البخاري في صحيحه ، وما سوى الإزار حكمه حكم الإزار كالقميص والسراويل والبشت ونحو ذلك ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب). خرجه مسلم في صحيحه .
وإذا صار سحبه للإزار ونحوه من أجل التكبر ، صار ذلك أشد في الإثم وأقرب إلى العقوبة العاجلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
والواجب على كل مسلم أن يحذر ما حرم الله عليه من الإسبال وغيره من المعاصي ، كما يجب عليه أن يحذر البدع كلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). خرجه مسلم في صحيحه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة). خرجه مسلم أيضا .
نسأل الله لنا وللمسلمين جميعا العافية من البدع والمعاصي إنه خير مسئول.
**************
حكم من يقصر ثوبه ويطول سرواله
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10328 رقم الفتوى
03/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
بعض الناس يقومون بتقصير ثيابهم إلى ما فوق الكعب ولكن السراويل تبقى طويلة فما حكم ذلك ؟
نص الفتوى
الحمد لله
الإسبال حرام ومنكر سواء كان ذلك في القميص أو الإزار أو السراويل أو البشت وهو ما تجاوز الكعبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) رواه البخاري .(1/70)
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) خرجه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : (إياك والإسبال فإنه من المخيلة) وهذه الأحاديث تدل على أن الإسبال من كبائر الذنوب ولو زعم فاعله أنه لم يرد الخيلاء لعمومها وإطلاقها ، أما من أراد الخيلاء بذلك فإثمه أكبر وذنبه أعظم . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة). ولأنه بذلك جمع بين الإسبال والكبر نسأل الله العافية من ذلك .
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما قال له يا رسول الله إن إزاري يرتخي إلا أن أتعاهده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) فهذا الحديث لا يدل على أن الإسبال جائز لمن لم يرد به الخيلاء وإنما يدل على أن من ارتخى عليه إزاره أو سراويله من غير قصد الخيلاء فتعهد ذلك وأصلحه فإنه لا إثم عليه . وأما ما يفعله بعض الناس من إرخاء السراويل تحت الكعب فهذا لا يجوز ، والسنة أن يكون القميص ونحوه ما بين نصف الساق إلى الكعب عملا بالأحاديث كلها . والله ولي التوفيق
**************
حكم إطالة الثوب
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10329 رقم الفتوى
03/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ما حكم إطالة الثوب إن كان للخيلاء أو لغير الخيلاء ؟ وما الحكم إذا اضطر الإنسان إلى ذلك سواء إجبارا من أهله إن كان صغيرا أو جرت العادة على ذلك ؟
نص الفتوى
الحمد لله(1/71)
حكمه التحريم في حق الرجال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) رواه البخاري في صحيحه ، وروى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب).
وهذان الحديثان وما في معناهما يعمان من أسبل ثيابه تكبرا أو لغير ذلك من الأسباب ، لأنه صلى الله عليه وسلم عمم وأطلق ولم يقيد ، وإذا كان الإسبال من أجل الخيلاء صار الإثم أكبر والوعيد أشد لقوله صلى الله عليه وسلم : (ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) ولا يجوز أن يظن أن المنع من الإسبال مقيد بقصد الخيلاء؛ لأن الرسول لم يقيد ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديثين المذكورين آنفا ، كما أنه لم يقيد ذلك في الحديث الآخر وهو قوله لبعض أصحابه وإياك والإسبال فإنه من المخيلة ، فجعل الإسبال كله من المخيلة ، لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك ، ومن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك ، والوسائل لها حكم الغايات ، ولأن ذلك إسراف وتعريض لملابسه للنجاسة والوسخ ، ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه لما رأى شابا يمس ثوبه الأرض قال له : (ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك).(1/72)
أما قوله لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لما قال : (يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له صلى الله عليه وسلم : إنك لست ممن يفعله خيلاء). فمراده صلى الله عليه وسلم أن من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفعها لا يعد ممن يجر ثيابه خيلاء لكونه لم يسبلها ، وإنما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها ولا شك أن هذا معذور ، أما من يتعمد إرخاءها سواء كانت بشتا أو سراويل أو إزارا أو قميصا فهو داخل في الوعيد وليس معذورا في إسباله ملابسه ، لأن الأحاديث الصحيحة المانعة من الإسبال نعمة بمنطوقها وبمعناها ومقاصدها فالواجب على كل مسلم أن يحذر الإسبال وأن يتقي الله في ذلك ، وألا تنزل ملابسه عن كعبه عملا بهذا الحديث الصحيح ، وحذرا من غضب الله وعقابه . والله ولي التوفيق .
*************
ليس في الدين قشور
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10384 رقم الفتوى
07/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ما حكم الشرع فيمن يقول إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليست أصولا في الدين أو فيمن يضحك ممن فعل هذه الأمور ؟
نص الفتوى
الحمد لله
هذا الكلام خطير ومنكر عظيم ، وليس في الدين قشور بل كله لب وصلاح وإصلاح ، وينقسم إلى أصول وفروع ، ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول.
لكن لا يجوز أن يسمى شيء من أمور الدين قشورا ويخشى على من قال مثل هذا الكلام متنقصا ومستهزئا أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه : {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم}الآية .
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها ، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور.(1/73)
وقد ذكر أبو محمد ابن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله ، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله ، وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار رواه البخاري في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم : (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء). متفق عليه.
فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصا أو إزارا أو سراويل أو بشتا وألا تنزل عن الكعبين ، والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب ، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أكبر ، وإذا كان عن تساهل لاعن كبر فهو منكر وصاحبه آثم في أصح قولي العلماء ، لكن إثمه دون إثم المتكبر ، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه انه لم يفعل ذلك تكبرا ، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر .
وأما قصة الصديق رضي الله عنه وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم : (إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له النبي عليه الصلاة والسلام إنك لست ممن يفعله خيلاء). فهذا في حق من كانت حاله مثل حال الصديق في استرخاء الإزار من غير كبر وهو مع ذلك يتعاهده ويحرص على ضبطه فأما من أرخى ملابسه متعمدا فهذا يعمه الوعيد وليس مثل الصديق.
وفي إسبال الملابس مع ما تقدم من الوعيد إسراف وتعريض لها للأوساخ والنجاسة ، وتشبه بالنساء وكل ذلك يجب على المسلم أن يصون نفسه عنه . والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل .
***************
تربية اللحى وما يوافق الشرع الإسلامي منها(1/74)
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10597 رقم الفتوى
16/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ألاحظ الاختلاف في إرخاء اللحى وإطلاقها ، فأي تربية اللحى توافق الشرع الإسلامي وما سار عليه السلف الصالح؟
نص الفتوى
الحمد لله
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) خرجه الإمام البخاري في صحيحه ، والإمام مسلم في صحيحه ، وخرجه الأئمة الآخرون رحمة الله عليهم ، فهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم ، ومعناه : أنه يجب على المؤمن قص شاربه ، وإرخاء لحيته ، وإعفائها ، وعدم أخذها لا حلقا ولا قصا وقال صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين). خرجه الإمام البخاري في صحيحه رحمه الله . وقال أيضا فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس). خرجه الإمام مسلم في صحيحه .
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن الواجب على المسلمين : قص الشوارب وعدم إطالتها ، وتدل أيضا على : وجوب إرخاء اللحى وتوفيرها وإعفائها .
فالواجب على المسلمين طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله عز وجل : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}. ويقول عز شأنه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) خرجه الإمام البخاري في صحيحه .(1/75)
فالواجب العناية بطاعة الله ورسوله في كل شيء . من الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإعفاء اللحى ، وقص الشوارب ، وعدم إسبال الثياب ، وفي كل شيء مما جاء به الرسول . امتثالا للأوامر ، وتركا للنواهي ، وهذا هو طريق الجنة وطريق السعادة ، يقول الله سبحانه : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ويقول سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
فالهداية والسلامة والنجاح في اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وطاعة أوامره وترك نواهيه ، ويقول جل وعلا : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فمن كان يحب الله ويحب رسوله عليه الصلاة والسلام فعليه : أن يتبع هذا الرسول العظيم ، فاتباعه والتمسك بما جاء به هو السبيل الوحيد لمحبة الله عز وجل ، كما أنه السبيل للمغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار.
**************
حكم إسبال الثياب بدون خيلاء ولبس الحرير للرجل
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز اسم المفتى
10661 رقم الفتوى
03/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ما حكم إسبال الثياب بدون مكابرة أو خيلاء ، وهل يجوز لبس الحرير للرجل في مواضع معينة؟
نص الفتوى
الحمد لله(1/76)
إسبال الثياب للرجل أمر لا يجوز ، ولو لم يقصد الخيلاء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم زجر عن ذلك ، فقال في الحديث الصحيح: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب). رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
وهذان الحديثان يبينان أنه لا يجوز إسبال الثياب للرجل ، وأن ذلك مع الخيلاء يكون أشد إثما وأعظم جريمة ، وإنما الإسبال يكون للنساء؛ لأن أقدامهن عورة . والواجب على الرجل أن يحذر الإسبال المطلق ، وأن تكون ثيابه لا تتجاوز كعبه؛ لما تقدم ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار). رواه البخاري في صحيحه ، وهذا في حق الرجل ، أما المرأة فلا بأس بالإسبال في حقها ، كما تقدم .
وأما الحرير فلا يجوز لبسه للرجال ، وإنما هو مباح للنساء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) لكن إذا كان للتداوي كالحكة ونحوها فلا بأس في حق الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير وطلحة في لبس الحرير؛ لأجل حكة كانت بهما ، وذلك من باب العلاج والدواء ، ويجوز أيضا للرجل أن يلبس من الحرير قدر أصبعين أو ثلاثة أو أربعة؛ لثبوت السنة الصحيحة بذلك.
****************
حكم تطويل الثياب لما تحت الكعبين
فضيلة الشيخ صالح الفوزان اسم المفتى
16384 رقم الفتوى
01/01/1900 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
يرى البعض أن تطويل الثياب لما تحت الكعبين لا بأس به في الوقت الحاضر لسببين: الأول: إذا كان القصد ليس الكبر والخيلاء؟
الثاني: أن الشوارع والمنازل في الوقت الحاضر أصبحت نظيفة وطاهرة. ما رأيكم في ذلك..؟
نص الفتوى
الحمد لله(1/77)
لا يجوز للذكر إسبال الثياب تحت الكعبين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتوعده عليه بالنار [انظر صحيح الإمام البخاري ج7 ص34. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.] فهو من الكبائر – وإذا كان الإسبال من أجل الكبر والخيلاء فهو أشدّ إثمًا. وإن خلا من الكبر والخيلاء فهو محرم أيضًا لعموم النهي. وقول القائل إن الشوارع نظيفة فلا مانع من الإسبال هو من الكلام السخيف الذي لا قيمة له وقائله جاهل لا عبرة به وبقوله.
******************
ما رأيكم فيمن يقول الإيمان في القلب
فضيلة الشيخ صالح الفوزان اسم المفتى
16800 رقم الفتوى
07/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
ما قولكم لمن إذا قيل له: اتق الله في نفسك من بعض المعاصي مثل حلق اللحية وشرب الدخان وإسبال الثياب، يقول: الإيمان في القلب، وليس الإيمان في تربية اللحية وترك الدخان ولا في إسبال الثياب، ويقول: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم يقصد (اللحية والدخان وإسبال الثياب) ولكن ينظر إلى قلوبكم؟
أرجو من فضيلتكم الإجابة ليعلم من يقول: إن الإيمان في القلب؟
نص الفتوى
الحمد لله
هذه الكلمة كثيرًا ما يقولها بعض الجهال أو المغالطين، وهي كلمة حق يراد بها باطل. لأن قائلها يريد تبرير ما هو عليه من المعاصي؛ لأنه يزعم أنه يكفي الإيمان الذي في القلب عن عمل الطاعات وترك المحرمات، وهذه مغالطة مكشوفة، فإن الإيمان ليس في القلب فقط، بل الإيمان كما عرفه أهل السنة والجماعة: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.(1/78)
وعمل المعاصي وترك الطاعات دليل على أنه ليس في القلب إيمان أو فيه إيمان ناقص. والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا} [سورة آل عمران: آية130.]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ} [سورة المائدة: آية35.]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [سورة المائدة: آية95.]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [سورة البقرة: آية 277.]، { مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سورة البقرة: آية 62.]، فالإيمان لا يسمى إيمانًا كاملاً إلا مع العمل الصالح وترك المعاصي. ويقول تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر: الآيات 1-3.]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} [سورة النساء: آية 59.]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة الأنفال: آية 24.] فلا يكفي العمل الظاهر بدون إيمان بالقلب؛ لأن هذه صفة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار.
ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح؛ لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم، وهو مذهب باطل بل لابد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وفعل المعاصي دليل على ضعف الإيمان الذي في القلب ونقصه، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
**************
حكم إطالة المرأة لثوبها
فضيلة الشيخ صالح الفوزان اسم المفتى
16958 رقم الفتوى
01/01/1900 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال(1/79)
إطالة المرأة لثوبها هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب؟ وهل وضع الشراب على القدمين يكفي مع قصر الثوب بحيث لا يظهر شيء من الساق؟ وكيف تطيل المرأة ثوبها ذراعًا أتحت الكعب أم تحت الركبة؟
نص الفتوى
الحمد لله
مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع أجزاء جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من اجل ستر قدميها، بينما نهي الرجال عن إسبال الثياب تحت الكعبين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة ستر جسمها كاملاً، وإذا لبست الشراب كان ذلك من باب زيادة الاحتياط في الستر، وهو أمر مستحسن، ويكون ذلك مع إرخاء الثوب كما ورد في الحديث [انظر "موطأ الإمام مالك" (2/915)، و"مسند الإمام أحمد" (6/295، 296)، و"سنن أبي داود" (4/64)، و"سنن الترمذي" (6/55)، و"سنن ابن ماجه" (2/1185)، و"سنن النسائي" (8/209)، و"سنن الدارمي" (2/361، 362)، كلهم من حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها.]، والله الموفق.
**************
إطالة المرأة لثوبها؛ هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب؟
فضيلة الشيخ صالح الفوزان اسم المفتى
17598 رقم الفتوى
01/01/1900 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
إطالة المرأة لثوبها؛ هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب؟ وهل وضع الجوارب على القدمين يكفي مع قصر الثوب؛ بحيث لا يظهر شيء من الساق؟ وكيف تطيل المرأة ثوبها ذراعًا تحت الكعب أم تحت الركبة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
نص الفتوى
الحمد لله
مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من أجل ستر قدميها، بينما نهى الرجال عن إسبال الثياب تحت الكعبين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة ستر جسمها سترًا كاملاً، وإذا لبست الشراب؛ كان ذلك من باب زيادة الاحتياط في الستر، وهو أمر مستحسن، ويكون ذلك مع إرخاء الثوب؛ كما ورد في الحديث. والله الموفق.
************
صفات الثوب الشرعي للرجل(1/80)
فضيلة الشيخ صالح الفوزان اسم المفتى
17924 رقم الفتوى
01/01/1900 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: "إزار المسلم من نصف الساقين إلى الكعبين"؛ فإذا كان إزار المسلم إلى الكعبين، ولكنه يغطي الكعبين من الأسفل دون جر؛ فهل يجوز؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز أن يتجاوز الكعبين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما كان أسفل الكعبين فهو في النار" [رواه البخاري في "صحيحه" (7/43). بزيادة: من الإزار...]، فإذا تجاوز الكعبين؛ فإنه يكون إسبالاً للثوب أو الإزار أو البشت، والإسبال محرم، وهو من كبائر الذنوب، سواء قصده أو لم يكن قصده، إذا تركه يستمر، أما لو نزل اللباس عن الكعبين من غير قصد، ثم رفعه ولم يستمر؛ فلا إثم عليه في ذلك.
***************
القدوة الصالحة
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين اسم المفتى
11000 رقم الفتوى
24/06/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
نرجو إعطاء نبذة عن القدوة الحسنة، وماذا يجب على الوالدين والمدرس؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:(1/81)
لا شك أن الشباب من حين الإدراك والعقل يتأثرون بما يرون، وبما يشاهدون في المجتمع، وينطبع ذلك في أخلاقهم وأقوالهم سواء كان حسناً أو سيئاً، فيجب أولاً على الأبوين أن يكونا قدوة حسنة لأولادهما، بحيث لا يفعلان الحرام، ولا يتركان الواجب، وذلك بإحسان الكلام ولينه، واستعمال الألفاظ الطيبة في الدعاء والنصح والتعليم، والبعد عن السباب والشتم والعيب واللعن والقذف والهجاء، فإن الأطفال يقلدون من يسمعونه ينطق بذلك، وينشؤن عليه، ويصعب عليهم ترك الكلمات البذيئة، كما أن على الأبوين تربية الأولاد على العبادات بفعل الطهارة والنظافة، والطمأنينة في الصلاة، وكثرة الصدقة والصوم، والذكر والدعاء والقراءة، والدعوة إلى الله، وتعليم الخير، فإن ذلك من أسباب التقليد والقدوة والأسوة الحسنة، والبعد عن الأفعال القبيحة، كشرب الدخان، وتعاطي المسكرات والمخدرات، وآلات اللّهو، والأغاني والأفلام الهابطة، والصورة الفاتنة، والمجلات الخليعة، والتبرج، وكشف العورات، ونحو ذلك مما هو دعاية للأولاد إلى فعلها، وعدم استنكارها، وعدم التقبل للنصيحة بتركها. وهكذا يجب على المدرس والمدرب أن يكون قدوة حسنة، فإن الطلاب يقدرونه ويحترمونه، ويقلدونه في أفعاله وأقواله، فمتى ظهر بلباس حسن، وقد وفر لحيته، وحافظ على الصلاة والذكر والدعاء، والنصح والتوجيه وابتعد عن الإسبال، وشرب الدخان، وترك الصلاة، وسوء المقال، انتفع به الطلاب ، وتأثروا به تأثراً بلغياً مفيداً لهم، كما يتقبلون تعليمه بالقول، وينتفعون به ويعتقدون ما يعتقده. ولهذا يجب تفقد المدرسين، والنظر في عقائدهم وأعمالهم، ومنعهم من إظهار البدع والمعاصي، ولو كانوا معتقدين لها، مقتنعين بصحتها، إذا كانت مخالفة للمناهج الصحية، والأدلة والنصوص الظاهرة، فإن عرف عنهم عقائد باطلة كالرافضة، والصوفية، والقبوريين، والمعتزلة، والاباحية، والحداثيين، والعلمانيين، فإن الواجب إبعادهم عن تعليم أولاد(1/82)
أهل السنة سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، وفي المسلمين من أهل السنة غنية من غيرهم، وهكذا يؤخذ على أيدى من يعلن المعاصي بقوله أو بفعله، ممن هو مغرم بحب الأغاني والموسيقى، ويميل إلى التبرج، وإبداء النساء زينتهن للأجانب، أو غير مقتنع بفرضية الصلاة، أو بوجوب الجماعة، أو تحريم الدخان والمسكرات، وإعفاء اللحى ونحو ذلك، فإن ضرر هؤلاء على الأديان، أعظم من ضرر السم على الأبدان. وأما المجتمع فإن مسئوليته على مجموع الأمة، حيث أن المجتمع يجمع مختلف الأجناس، وفيهم المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، والمبتدع والسني، والمسلم والكافر، والبر والفاجر، والمهتدي والضال، والراشد والغاوي، ومن الصعب استواءهم على حالة واحدة، فالواجب على كل فرد أن يسعى في الإصلاح بقدر المستطاع، وعلى ولي أمر الأطفال الحفاظ عليهم عن الاختلاط بأهل السفه والفساد، الذين يوقعون من جالسهم وخالطهم في الشر والمنكر، وأن يحرص على تفقد جلساء ولده، ومعرفة وجهاتهم، فإن "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" وفي الحديث "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" فمتى كان جلساء الأولاد من الشباب المستقيم، وأهل الصلاح والالتزام، أوصاهم بملازمتهم، والتأسي بهم، فإن عرف من بعضهم الإنحراف، وفعل الجرائم والفواحش، حذر أولاده من مؤاخاتهم، والاقتداء بهم، وحرص على إصلاح ولده مهما استطاع، ليكون قدوة حسنة له ولغيره. وأما وسائل الإعلام، وما تنشره عن ذكر الفنانين واللاعبين، وأخبارهم، فإن على أولياء أمور الأطفال أن يربؤا بهم عن الإصغاء إلى تلك النشرات التي تمثل ما هو فتنة وضلال، وقدوة سيئة، ودعاية إلى السفه والباطل، واقتراف الجرائم، والاحتيالات على الاختلاس والنهب والاختطاف، والوقوع في المعاصي والمحرمات، كالتدخين والمخدرات، وتعاطي المسكرات، والمظاهر السيئة، وتقليد أهل الفواحش والمنكرات، وهذا يحتاج إلى حفظ وحماية للشباب عن وسائل الفساد، وإبعاد(1/83)
له عن اقتناء تلك الأدوات والنشرات، حتى يسلموا على عقائدهم وأخلاقهم، وينشؤا على الفطرة الحسنة، والاستقامة على الحق، والله الموفق.
**************
ملابس الصلاة والسجاد المزخرف
محمد صالح المنجد اسم المفتى
21125 رقم الفتوى
10/10/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
ما هى الملابس المحظور ارتداؤها أثناء الصلاة للرجال والسيدات. وهل يجوز الصلاة على السجادة المزخرفة أم لا ولكم جزيل الشكر.
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد
اتفق أهل العلم رحمهم الله أن ستر المصلي لعورته شرط لصحة صلاته، ودليل ذلك قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد).
ويشترط في اللباس الذي يستر العورة:
1- أن لا يصف البشرة ، فإن وصفها لم يجزئ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك .
2- أن يكون طاهراً ، فإن الثوب النجس لا تصح الصلاة به لحرمة حمل النجاسة في الصلاة
قال تعالى : ( وثيابك فطهر ) ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي إليه بصبي لم يأكل الطعام ، فأجلسه في حجره ، فبال الصبي في حجره ، فدعا بماء فأتبعه إياه " فدلت مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لغسل الثوب من بول الصبي الذي بال في حجره على وجوب تطهير الثوب مما يصيبه من النجاسات .
3- أن يكون مباحاً ليس بمحرم ، سواء كان محرماً لعينه كثوب الحرير ، أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال ، أو لكسبه كأن يكون مغصوباً أو مسروقاً .
4- أن يكون ساترا لما اتفق العلماء على أنه من العورة لكل من الرجل والمرأة والله أعلم.
أما مسألة السجادة فينبغي ألا تكون شاغلة للمصلي عن صلاته، والصلاة على ما كان بهذه الكيفية (يشغل المصلي عن الصلاة) مكروه وليس محرم والله أعلم
***************
حكم إسبال الثوب عن الكعبين للرجال
الشيخ صالح بن محمد الأسمري
سؤال:
ما حكم إسبال الثوب عن الكعبين للرجال ؟
الجواب :
لإسبال الثوب عن الكعبين حالتان :(1/84)
الأولى : إسبال لخيلاء . وفيها عند الأصحاب وجهان ، المعتمد منهما التحريم ، وهو المذهب على الصحيح . وهو ما جزم به الموفق رحمه الله في: ((المغني)) والمجد رحمه الله في : ((شرحه)) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص361): " أطلق جماعة من أصحابنا لفظ الكراهة، وصَرّح غير واحد منهم بأن ذلك حرام . وهذا هو المذهب بلا تردد " .ا.هـ ، وقال المُنَقّح رحمه الله في :
(( الإنصاف )) (1/472) : " هذا عَيْن الصواب الذي لا يُعْدَل عنه ، وهو المذهب ، وهو ظاهر نص أحمد " . أ.هـ ، وعلى ذلك الفقهاء ، وجعله القاضي عياض رحمه الله : إجماعاً (10/215) .
ودليله : ما أخرجه البخاري ومسلم في ((صحيحهما)) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم يَنْظر الله إليه يوم القيامة )) . وفيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يَنْظر الله إلى من جَرَّ إزاره بَطَراً )) . وفي الباب أحاديث . قال ابن عبد البر رحمه الله في : ((الاستذكار)) (26/187) :
" والخيلاء والاختيال وهو التكبّر والتَّبَخْتُر والزهو ، وكل ذلك أَشَرٌ وبَطَر ، وازدراء على الناس واحتقار لهم ، والله لا يُحبّ كل مختال فخور ، ولا يحب المُستكبرين " .ا.هـ
وقال النووي رحمه الله في : ((المنهاج)) (14/87) : " قال العلماء : الخيلاء - بالمَدّ - والمَخِيْلة والبطر والكبر والزهو والتَّبَخْتُر : كلُّها بمعنى واحد، وهو حرام ". ا.هـ .(1/85)
ويُسْتَثنى من تحريم الإسبال خيلاء : الإسبال في الحرب ، قال الشمس ابن مفلح رحمه الله في : ((الفروع)) (1/344) : "ويَحْرم في الأَصَحّ إسبال ثيابه خيلاء في غير حَرْب بلا حاجة " . لما أخرجه الطبراني رحمه الله في ((المعجم الكبير)) أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى بعض أصحابه يَمْشي بين الصَّفَّين يختال في مشيته قال : (( إنها لمِشْيَة يُبْغِضها الله إلا في هذا الموطن )) ، قال البُهُوتي رحمه الله في : ((كشاف القناع )) (1/277) : " وذلك لأن الخيلاء غير مذموم في الحرب " ا.هـ.
فائدة:
والإسبال لخُيَلاء في غير حرب ظاهر الأدلة : أنه كبيرة ، نَصّ عليه جماعة، منهم : الحافظ في : ((فتح الباري)) (10/275) : حيث قال : "إسبال الإزار للخيلاء كبيرة " ، والبهوتي في : ((كشاف القناع))
(1/277) .
والثانية : إسبال بلا خيلاء . فهذه لها جهتان :
الأولى : إسبال لحاجة مرض ونحوها . قال البُهُوتي رحمه الله في : ((إرشاد أولي النُّهَى)) (1/76) : " فإن كان لحاجة أو عِلَّة ككونه حَمْش - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم ، وبالشين المعجمة - أي : دقيق الساقين. قال ابن قندس : فَنَصّ أنه لا بأس به . قال في ((الفروع)) : والمراد ولم يرد التدليس على النساء ، ويتوجّه هذا في قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تُعْرَف " ا.هـ .
وقال الحافظ في : ((الفتح)) (10/269) : " ويُسْتثنى من إسبال الإزار مطلقاً : ما أسبله لضرورة كمن يكون بكعبيه جرح مثلاً يؤذيه الذباب مثلاً إن لم يَسْتر بإزاره حيث لا يَجِد غيره . نَبَّه على ذلك شيخنا في : (( شرح الترمذي )). واستدل على ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف في لبس القميص الحرير من أجل الحِكَّة . والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهى عنه من أجل الضرورة ، كما يجوز كشف العورة للتداوي" . ا.هـ(1/86)
ومما يدل على صحة هذا الاستثناء ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه : ( أنه كان يُسْبل إزاره ) فقيل له في ذلك ، فقال :
( إني حَمْش الساقين ) . قال الحافظ في : ((الفتح)) : (10/276) :
" أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد " . ا.هـ
ولعل فعل ابن مسعود كان بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول ابن عبد البر رحمه الله في : ((التمهيد)) (20/228) : " فإن قيل : إن ابن مسعود كان يسبل إزاره لما ذكره ابن أبي شيبة عن وكيع عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود : ( أنه كان يسبل إزاره ) فقيل له ؟ فقال : ( إني رجل حَمْش الساقين) قيل ذلك لَعَلَّهُ أُذِن له كما أُذِن لعرفجة أن يتخذ أنفاً من ذهب فَيَتجمَّل به ".ا.هـ
والثانية : إسبال لغير حاجة مرض ونحوها - قال في : ((الإقناع)) (1/139) : " ويكره أن يكون ثوب الرجل تحت كعبه بلا حاجة " . وجزم به الموفق رحمه الله في : ((المغني)) (2/298) حيث قال : "ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بَرفْع الإزار . فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم " .ا.هـ ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: ((شرح العمدة)) (ص361-362) : "وهو اختيار القاضي وغيره . وقال في رواية حنبل : جر الإزار وإرسال الرداء في الصلاة إذا لم يرد الخيلاء لا بأس به . وقال : ما أسفل من الكعبين في النار ، والسراويل بمنزلة الرداء لا يجر شيئاً من ثيابه . ومن أصحابنا من قال : لا يحرم إذا لم يقصد به الخيلاء لكن يكره . وربما يستدل بمفهوم كلام أحمد في رواية ابن الحكم في جر القميص والإزار والرداء سواء إذا جَرَّه لموضع الحُسْن ليتزين به : فهو الخيلاء، وأما إن كان من قبحٍ في الساقين كما صنع ابن مسعود ، أو علة ، أو شيء لم يتعمده الرجل : فليس عليه من جَرّ ثوبه خيلاء ، فنفى عنه الجر خيلاء فقط " .ا.هـ(1/87)
والقول بعدم التحريم هو معتمد المذاهب الأربعة والكراهة مشهورة عن الفقهاء ، قال السهارنفوري رحمه الله في : ((بذل المجهود)) (16/411) :
" قال العلماء : المستحب في الإزار والثوب إلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع . فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنزيه " .ا.هـ
وبه جزم جماعة ، ومنهم : النووي رحمه الله في : ((المنهاج)) (14/88) حيث قال : " فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع ، ، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنزيه " . والحافظ في : ((الفتح)) (10/275) حيث قال : " فلا يَحْرم الجر والإسبال إذا سَلِم من الخيلاء " . والشوكاني رحمه الله في : ((نيل الأوطار)) (1/640) حيث قال : "وظاهر قوله (خيلاء) يدل بمفهومه أن جَرّ الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلاً في هذا الوعيد " ثم قال : "وبهذا يَحْصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المُصرَّح به في الصحيحين " وقال : " وحمل المطلق على المقيد واجب " .ا.هـ
فالإسبال مذموم لكن ذم تحريمٍ إذا كان لخيلاء ، وذم كراهةٍ إذا كان لغير خيلاء : عند القائلين بالكراهة كالنووي وغيره ، وهو ظاهر كلام ابن عبد البر رحمه الله في : ((التمهيد)) (3/244) حيث قال فيه : "وهذا الحديث - يعني حديث ابن عمر : (( لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جَرَّ ثوبه خيلاء)) - يدل على أن من جَرّ إزاره من غير خيلاء ، ولا بَطَر : أنه لا يَلْحقه الوعيد المذكور، غير أن جَرّ الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال . وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد ".ا.هـ(1/88)
ودليل الكراهة ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص364-365) بقوله : "وَمَن كره الإسبال مطلقاً : احتج بعموم النهي في ذلك ، والأمر بالتشمير ، فعن أبي جري جابر بن سليم الهجيمي قال : ( رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئاً إلا صَدَروا عنه ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : عليك السلام يا رسول الله مرتين . قال : لا تقل : عليك السلام ، عليك السلام تحية الميت ! قلت : أنت رسول الله ؟ قال : أنا رسول الله ، الذي إذا أصابك ضُرّ فدعوته كشفه عنك ، وإن أصابك عام سنة فدعوته انبتها لك ، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فَضَلَّت راحلتك فدعوته ردَّها عليك . قال : قلت : اعهد إليّ . قال : لا تَسُبَّنَّ أحداً . قال : فما سببتُ بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة . قال : ولا تحقرن من المعروف ، ولو أن تُكَلِّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق ، فإن أبيت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة . وإن امرؤ شتمك وعَيَّرك بما يعلم فيك فلا تُعيِّره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليك ) رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، وقال الترمذي: حسن صحيح .
وعن عبد الله بن عمر قال : ( مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء ، فقال : يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته . ثم قال : زد فزدت ، فما زلت أتحراها بعد . فقال له بعض القوم : إلى أين ؟ قال : إلى أنصاف الساقين ) رواه مسلم ، وعن ابن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره إلى أنصاف ساقيه )) رواه أحمد وأبو داود ؛ ولأن الإسبال مَظِنّة الخيلاء فكُرِه كما كُرِه مظان سائر المحرمات " انتهى .(1/89)
إلا أن القول بالتحريم هو المتَّجَه ، وظاهر حديث أبي هريرة : (( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )) أخرجه البخاري وغيره : ونحوه يَدُلّ على ذلك، إذ لا تقييد فيه بالخيلاء . قال الحافظ في :((الفتح))(10/275 ): "وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه " ثم قال : " ويَتَّجه المنع أيضاً في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة الخيلاء . قال ابن العربي : ( لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ، ويقول : لا أجُرُّه خيلاء ؛ لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ ، فإنها دعوى غير مُسلَّمة ، بل إطالته ذيله دَالَّة على تكبُّره ) ا.هـ ، ملخصاً . وحاصله أن الإسبال يستلزم جَرّ الثوب ، وجَرّ الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللابس الخيلاء. ويُؤَيِّده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه : (( وإياك وجَرّ الإزار ، فإن جَر الإزار من المخيلة )) " انتهى المراد من كلام الحافظ رحمه الله.(1/90)
وَصْلٌ : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/383) : "وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي وابن عقيل : من أن السدل هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن قدميه ويجره ، فيكون هو إسبال الثوب وجره المنهي عنه : فَغَلَطٌ مخالف لعامة العلماء . وإن كان الإسبال والجر منهياً عنه بالاتفاق والأحاديث فيه أكثر ، وهو محرم على الصحيح ، لكن ليس هو السدل ". وقال أيضاً - كما في : ((مجموع الفتاوي)) (22/144) - " فجواباً عن سؤال نَصّه : ( وسئل عن طول السراويل إذا تَعَدَّى عن الكعب ، هل يجوز ؟ ) طول القميص والسراويل وسائر اللباس إذا تعدى ليس له أن يجعل ذلك أسفل من الكعبين كما جاءت بذلك الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم " . وقال أيضاً ـ كما في : ((المجموع)) (22/139) ـ : "ومن لبس جميل الثياب إظهاراً لنعمة الله ، واستعانة على طاعة الله : كان مأجوراً . ومن لبسه فخراً وخيلاء كان آثماً ؛ فإن الله لا يحب كل مختال فخور ، ولهذا حَرّم إطالة الثوب بهذه النية ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة إليه )) ، فقال أبو بكر : يا رسول الله إن طرفي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال : (( يا يا أبابكر إنك لست ممن يفعله خيلاء )) . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( بينما رجل يجر إزاره خيلاء ، إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة )) " . انتهى كلامه رحمه الله ، فَلَيُتَأمَّل . مع كون ابن مفلح رحمه الله في : (( الآداب الشرعية )) ( 3/493 ) يقول : (( واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله - أي : ابن تيمية - عدم تحريمه ، ولم يَتَعَرَّض لكراهة ولا عدمها )) ا . هـ وحكاه السفاريني رحمه الله في : (( غذاء الألباب )) ( 2/215 ) عن (( الآداب )) لابن مفلح .(1/91)
قال البرهان ابن مفلح رحمه الله في : (( المقصد الأرشد )) (2/519): (( قال ابن القيم لقاضي القضاة موفَّق الدين الحجَّاوي سنة إحدى وثلاثين : ما تحت قُبَّة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح . وحضر عند الشيخ تَقِيّ - أي : ابن تيمية - ونَقَل عنه كثيراً ، وكان يقول له : ما أنت ابن مفلح أنت مفلحٌ . وكان أخبر الناس بمسائله واختيارته حتى إن ابن القيم كان يُراجعه في ذلك)) ا.هـ
فائدة :
للأمير الصنعاني رحمه الله جزء في المسألة سماه : ((استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال)) ، وخلاصته قوله فيه (ص26) : " وقد دلَّت الأحاديث على أن ما تحت الكعبين في النار ، وهو يفيد التحريم . ودل على أن من جَرّ إزاره خيلاء لا يَنْظر الله إليه ، وهو دال على التحريم ، وعلى أن عقوبة الخيلاء عقوبة خاصة هي عدم نظر الله إليه ، وهو مما يُبْطل القول بأنه لا يحرم إلا إذا كان للخيلاء" . أ.هـ ، ولعل رسالة الصنعاني هذه هي الَمَعِْنيّة في قول الشوكاني رحمه الله في : ((نيل الأوطار)) (1/641) : " وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقاً ". ا.هـ
تنبيه :(1/92)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص367) : "وأما الكعبان أنفسهما فقد قال بعض أصحابنا : يجوز إرخاؤه إلى أسفل الكعب، وأما المنهي عنه ما نزل عن الكعب . وقد قال أحمد : (أسفل من الكعبين في النار) وقال ابن حرب : ( سألت أبا عبد الله عن القميص الطويل ؟ فقال : إذا لم يُصِب الأرض ؛ لأن أكثر الأحاديث فيها ما كان أسفل من الكعبين في النار ) . وعن عكرمة قال : رأيت ابن عباس يأتزر فيضع حاشية إزاره من مقدمه على ظهر قدمه، ويرفع من مؤخره . فقلت : لِمَ تأتزر هذه الأزرة ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزرها ) رواه أبو داود . وقد رُوي عن أبي عبد الله أنه قال : (لم أحدث عن فلان لأن سراويله كان على شراك نعله ) . وهذا يقتضي كراهة ستر الكعبين أيضاً لقوله في حديث حذيفة : ( لا حَقّ للإزار في الكعبين ) . وقد فَرَّق أبو بكر وغيره من أصحابنا في الاستحباب بين القميص وبين الإزار فقال : (يستحب أن يكون طول قميص الرجل إلى الكعبين أو إلى شراك النعلين ، وطول الإزار إلى مراقّ الساقين ، وقيل إلى الكعبين) "ا.هـ .
تنبيه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص366) :
" وبكل حال فالسنة تقصير الثياب ، وحَدّ ذلك : ما بين نصف الساق إلى الكعب ، فما كان فوق الكعب فلا بأس به وما تحت الكعب في النار " ا.هـ.(1/93)
وقال في : ((الإنصاف)) : (1/372) : "يكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه ، نَصّ عليه " . وقال ابن قاسم رحمه الله في : ((حاشية الروض)) (1/528) : " لأن ما فوقه مَجْلَبة لانكشاف العورة غالباً ، وإشهار لنفسه ، ويتأذَّى الساقان بحر أو برد . فينبغي كونه من نصفه إلى الكعب ، لبعده من النجاسة والزهو والإعجاب " . وقال شيخ الإسلام في : ((شرح العمدة)) (ص368) : " ويكره تقصير الثوب الساتر عن نصف الساق ، قال إسحاق ابن إبراهيم: دخلت على أبي عبد الله وعَلَيَّ قميص قصير أسفل من الركبة وفوق نصف الساق فقال : ( إيش هذا ؟ وأنكره . وفي رواية : إيش هذا ؟ لِمَ تُشَهِّر نفسك ؟ ) وكذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "حَدّ أزرة المؤمن بأنها إلى نصف الساق"، وأمر بذلك ، وفعله في زيادة الكشف تَعْرية لما يشرع ستره ، لاسيما إن فُعل تديناً فإن ذلك تَنَطّع وخروج عن حَدّ السنة واستحباب لما لم يستحبه الشارع " انتهى .
[ انظر : ( كتاب المسائل ) ص 84 ]
*************
411 - حديث " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " هل هو مطلق يُقيّد بحديث " من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " ؟
فضيلة الشيخ
السلام عليكم ورحمة الله
ذكر أحد الشيوخ أن حديث " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " مطلق يُقيّد بحديث " من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " وبحديث " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء "
وقال : إن إسبال الإزار لغير خيلاء غير داخل في النهي وذلك بحمل المطلق على المقيد...
فما رأيكم في هذا التأصيل لهذه الأحاديث ؟
...وجزاكم الله خيرا
الجواب :
هذا التنظير غير صحيح ، وهو مُخالف لقواعد أصول الفقه .
فقواعد الأصول في هذا الجانب تنصّ على :
أنه إذا اختلف الحكم واتحد السبب لا يُحمل المُطلق على المقيّد .
وأحاديث الإسبال لم يتّحد فيها السبب ، وهو الإسبال ، بل اختلف السبب والحُكم .(1/94)
فالسبب ليس هو الإسبال فحسب ، بل السبب في بعض الأحاديث هو : الإسبال
وفي بعضها السبب : هو الخيلاء والبَطَر مع الإسبال .
والحكم مختلف أيضا :
فالأحاديث التي فيها الإسبال فيها الوعيد بالنار .
والأحاديث التي فيها الخيلاء فيها الوعيد بالإعراض عن فاعله وعدم النظر إليه .
فاختلف الحكم والسبب ، فلا يُحمل المُطلق على المقيد قولا واحداً .
ثم لو فرضنا أن السبب هو الإسبال فقط ، فإن الحُكم مختلف ، لأن أحاديث الإسبال المجرّد جاء فيها الوعيد بالنار ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . رواه البخاري .
والأحاديث التي جاء فيها ذِكر الخيلاء جاء فيها تشديد العقوبة ، كما في قوه صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . رواه البخاري .
وقوله صلى الله عليه وسلم : لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا . رواه البخاري .
وفقه الإمام البخاري في تبويبه ، ولذا بوّب على أحاديث الإسبال بقوله :
باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار .
وبوّب على الأحاديث الأخرى التي فيها التشديد بقوله :
باب من جر ثوبه من الخيلاء .
ولو كان يُحمل المطلق على المقيّد هنا لما فرّق بين الأحاديث .
والحديث الذي استدلّ به على جواز الإسبال ليس فيه مستمسك له لعدة اعتبارات :
الأول : أن الحديث رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه ، بلفظ : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء .
ثانياً : هذه تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ، فمن يُزكِّي غيره على أنه لا يفعله خيلاء ؟
ثالثاً : فرق بين من يتعمّد إرخاء ثوبه وإطالة ثيابه أو سراويله تحت الكعبين ، وبين من يسترخي إزاره ، ثم يتعاهده ويرفعه .(1/95)
وأبو بكر رضي الله عنه إنما حصل ذلك منه لأنه كان نحيل الجسم فلا يتماسك الإزار على حقويه ، وهو مع ذلك يتعاهد إزاره ، كلما استرخى رفعه .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة ، فإن أبَيْتَ فأسفل ، فإن أبَيْتَ فمن وراء الساق ، ولا حقّ للكعبين في الإزار . رواه الإمام أحمد والنسائي .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن سليم وقد أسلم لتوّه : وإياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخبر أن إسبال الإزار من الخيلاء ، فمن يقول إنه لا يفعله خُيلاء فهو يردّ على النبي صلى الله عليه وسلم قوله هذا ، فليُتنبّه .
كما أن من يُسبل إزاره ويقول : لا أفعله خيلاء ، فيه تزكية لنفسه بقوله هذا ، والله عز وجل يقول : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) مع ما فيه من مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدّم .
وابن عمر رضي الله عنهما وهو سيد من سادات المسلمين وعالِم من علماء الأمة يخاف على نفسه الخيلاء .
روى الإمام الذهبي بإسناده إلى هلال بن خباب عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثيابا خشِنة أو جَشبة ، فقلت له : إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقرّ عيناي أن أراه عليك . قال : أرنيه ، فلمسه ، وقال : أحرير هذا ؟ قلت : لا ، إنه من قطن . قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أكون مختالا فخورا ، ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) .
ثم عقّب الإمام الذهبي رحمه الله بقوله :(1/96)
كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخراً فتركه متعيّن ولو كان من غير ذهب ولا حرير ، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بِفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها ، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر ، فإن نصحته ولُمْتَه بِرِفْقٍ كابر ، وقال : ما فيَّ خيلاء ولا فخر ! وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه ، وكذلك ترى الفقيه المترف إذا لِيمَ في تفصيل فرجية تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار .
يقول : إنما قال هذا فيمن جرّ إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء ، فتراه يُكابر ويُبرّىء نفسه الحمقاء ! ويَعمد إلى نص مستقل عام فيخصّه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ، ويترخّص بقول الصديق : إنه يا رسول الله يسترخي إزاري ، فقال : لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء . فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشدّ إزاره مسدولا على كعبيه أولاً ، بل كان يشدّه فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين . ومثل هذا في النهي لمن فصّل سراويل مغطّياً لِكعابه . ومنه طول الأكمام زائداً ، وتطويل العَذَبَة . وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس ، وقد يُعذر الواحد منهم بالجهل ، والعالِم لا عذر له في تركه الإنكار على الجَهَلَة ... فرضي الله عن ابن عمر وأبيه وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وعلمه وتألهه وخوفه. اهـ .
والله تعالى أعلى وأعلم
**************
وفي فتح الباري :
4- باب مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِى النَّارِ
الشرح:(1/97)
قوله: (باب) بالتنوين (ما أسفل من الكعبين فهو فى النار) كذا أطلق فى الترجمة لم يقيده بالإزار كما فى الخبر إشارة إلى التعميم فى الإزار والقميص وغيرهما، وكأنه أشار إلى لفظ حديث أبى سعيد، وقد أخرجه مالك وأبو داود والنسائى وابن ماجه وصححه أبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبى سعيد ورجاله رجال مسلم، وكأنه أعرض عنه لاختلاف فيه وقع على العلاء وعلى أبيه فرواه أكثر أصحاب العلاء عنه هكذا، وخالفهم زيد بن أبى أنيسة فقال:"عن العلاء عن نعيم المجمر عن أبى عمر"أخرجه الطبرانى، ورواه محمد بن عمرو ومحمد بن إبراهيم التيمى جميعا عن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبى هريرة أخرجه النسائى، وصحح الطريقين النسائى ورجح الدار قطنى الأول.
وأخرج أبو داود والنسائى وصححه الحاكم من حديث أبى جرى بالجيم والراء مصغر واسمه جابر بن سليم رفعه قال فى أثناء حديث مرفوع"وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، إياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة"وأخرج النسائى وصحح الحاكم أيضا من حديث حذيفة بلفظ"الإزار إلى أنصاف الساقين، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فمن وراء الساقين، ولا حق للكعبين فى الإزار".
4693- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِى النَّارِ
الشرح:(1/98)
قوله: (عن أبى هريرة) فى رواية الإسماعيلى من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة " سمعت سعيدا المقبرى سمعت أبا هريرة". قوله: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فى النار)"ما"موصولة وبعض الصلة محذوف وهو كان، وأسفل خبره، وهو منصوب ويجوز الرفع، أى ما هو أسفل وهو أفعل تفضيل، ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا، ويجوز أن تكون " ما"نكرة موصوفة بأسفل، قال الخطابى: يريد أن الموضع الذى يناله الإزار من أسفل الكعبين فى النار، فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذى دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة، وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه، وتكون"من"بيانية، ويحتمل أن تكون سببية، ويكون المراد الشخص نفسه، أو المعنى ما أسفل من الكعبين من الذى يسامت الإزار فى النار، أو التقدير لابس ما أسفل من الكعبين الخ، أو التقدير أن فعل ذلك محسوب فى أفعال أهل النار.
أو فيه فقديم وتأخير أى ما أسفل من الإزار من الكعبين فى النار، وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة فى النار، وأصله ما أخرج عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبى رواد"أن نافعا سئل عن ذلك فقال: وما ذنب الثياب؟ بل هو من القدمين"ا هـ.
لكن أخرج الطبرانى من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر قال:"رآنى النبى صلى الله عليه وسلم أسبلت إزارى فقال: يا ابن عمر، كل شيء يمس الأرض من الثياب فى النار"وأخرج الطبرانى بسند حسن عن ابن مسعود أنه"رأى أعرابيا يصلى قد أسبل فقال: المسبل فى الصلاة ليس من الله فى حل ولا حرام"ومثل هذا لا يقال بالرأى، فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره، ويكون من وادى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) ، أو يكون فى الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذى يتعاطى المعصية أحق بذلك.(1/99)
قوله: (فى النار) فى رواية النسائى من طريق أبى يعقوب وهو عبد الرحمن بن يعقوب " سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تحت الكعبين من الإزار ففى النار"بزيادة فاء، وكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أى ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو فى النار عقوبة له على فعله، وللطبرانى من حديث ابن عباس رفعه"كل شيء جاوز الكعبين من الإزار فى النار"وله من حديث عبد الله بن مغفل رفعه"أزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين، وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من ذلك ففى النار" وهذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء، فهو الذى ورد فيه الوعيد بالاتفاق، وأما مجرد الإسبال فسيأتى البحث فيه فى الباب الذى يليه، ويستثنى من إسبال الإزار مطلقا ما أسبله لضرورة كمن يكون بكعبيه جرح مثلا يؤذيه الذباب مثلا إن لم يستره بإزاره حيث لا يجد غيره، نبه على ذلك شيخنا فى"شرح الترمذى" واستدل على ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف فى لبس القميص الحرير من أجل الحكة.
والجامع بينهما جواز تعاطى ما نهى عنه من أجل الضرورة، كما يجوز كشف العورة للتداوى، ويستثنى أيضا من الوعيد فى ذلك النساء كما سيأتى البحث فيه فى الباب الذى يليه إن شاء الله تعالى.
***************
هل في السراويل إسبال؟
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف العادات/الألبسة
التاريخ 21/5/1423
السؤال(1/100)
بخصوص موضوع إسبال الإزار هناك تساؤل يراودني، فمجموع نصوص الإسبال ذكرت لفظة (الإزار) و(الإزرة) وهو معروف، وهو: ما يلف من الثياب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين, لا خير في أسفل من ذلك" رواه أحمد وهو مخرج في (صحيح الجامع)، وغير ذلك من الروايات التي تجمع على حرمة إسبال الإزار سواء لمجرد الإسبال أو بقصد الخيلاء فيعظم الذنب، لكن هناك حديث صحيح عند أبي داود والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني-رحمهم الله جميعاً- في (المشكاة), قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" الإسبال في الإزار والقميص والعمامة, من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، ففي هذا الحديث خص الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللباس الذي يدخل في حكم الإسبال المنهي عنه, ولم يذكر السراويل مع وجودها عندهم، وورود ذكرها في أحاديث أخرى، مثل: أحاديث اللباس المحرم المشهورة، فهل تخرج السراويل والبنطلون تبعاً لها من هذا الحكم؟
الجواب
الذي يظهر دخول السراويل ونحوها في الأحاديث الواردة في الإسبال، وكون السراويل لم تذكر في الحديث المذكور في السؤال لا يدل على خروجها، فإن ما في الحديث إنما هو كالأمثلة –والله أعلم- وليس مراداً فيها الحصر، ولعل عدم ذكره لقلة من يلبسه، وعلى كل حال فإن عمومات الأدلة وعلة التحريم فيها تشمل كل ما يكون إسبالاً في كل ما يلبس -والله أعلم-.
*************
حكم إسبال الإزار
د. عبد الحي يوسف
السؤال ما حكم إسبال الإزار ، و هل الحكم عام للبنطلون و للثوب (الجلابية) على حد سواء؟ حيث أن الناس يقولون بأن أبا بكر رضي الله عنه كان ثوبه طويلاً، فما صحة هذا؟
الإجابة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..(1/101)
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الإسبال؛ كما في حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)). فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلاّ أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنك لست تصنع ذلك خيلاء)). رواه البخاري. قال الحافظ رحمه الله: "وفي الحديث اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصل مطَّرد غالبا".أ.هـ وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) وفي رواية ((المنان الذي لا يعطي شيئاً إلا مَنَّه، والمسبل إزاره)) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار))
والنهي شامل للإزار والقميص و الجلابية والبنطلون، قال الطبري رحمه الله: إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار والأردية، فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي.
والمشروع للمسلم أن يكون ثوبه إلى كعبيه ، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلاّ فمنع تنزيه، وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد بها ما كان للخيلاء؛ لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد. قاله النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم.(1/102)
وقال الحافظ رحمه الله في الفتح: "في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء". قال ابن عبد البر: "مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلاّ أنّ جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال". والله تعالى أعلم.
***************
مقاصد الشريعة وغاياتها
مقدم الحلقة: خديجة بن قنة
ضيف الحلقة: يوسف القرضاوي/ فقيه إسلامي
تاريخ الحلقة: 13/3/2005
- الظاهريون الجدد
- المعطِّلة الجدد وتعطيل النصوص
- مداخلات المشاهدين
- أصول المصالح الخمس
خديجة بن قنة: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يُزوِّد الفكر المقاصدي حركة الاجتهاد الفقهي برافد لا غنى لها عنه وقد كان لضمور هذا الرافد أثر كبير في تراجع الفقه الإسلامي. والشرائع كلها إنما أُنزلت رعاية لمصالح العباد، فما هي المقاصد التي تشتمل عليها الشريعة الإسلامية لصوْن تلك المصالح؟ وكيف يمكن استثمارها في عملية الإصلاح والتغيير في المشروعين الديني والسياسي؟ هذا ما نناقشه اليوم في برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي عن مقاصد الشريعة وغاياتها، نرحب بكم فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.
يوسف القرضاوي: أهلا بكِ يا أخت خديجة.
خديجة بن قنة: ونتحدث اليوم طبعا عن مقاصد الشريعة، نتساءل في البداية عن معنى مقاصد الشريعة ماذا نعني بذلك؟ وهل للشريعة مقاصد فعلا؟
الظاهريون الجدد(1/103)
يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأزكى صلوات الله وتسليماته على المبعوث رحمة للعالمين ونعمة على المؤمنين سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد وعلى أهله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين أما بعد، فلا شك أن الله سبحانه وتعالى إنما أنزل كتبه وأرسل رسله لأجل تحقيق مصالح الناس، لأن الله تعالى غني عن العالمين، ليس له حاجة في أن يُكلِّف عباده بتكليف ولكن هذه التكاليف التي كلَّف الله بها عباده ترجع في النهاية إلى مصلحتهم الدنيوية والأخروية، هذا ما يؤمن به كل مسلم بل كل مؤمن بالله تبارك وتعالى وبحكمته ببالغ حكمته وواسع رحمته عز وجل، هناك هذه قضية المقاصد تتعلق بمسألة التعليل، تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، هل أفعال الله تعالى مُعلَّلة؟
هل الله يعمل العمل لعِلَّة أو لغير عِلَّة؟ فهناك يعني طرفان وواسطة في هذه القضية، هناك من قال أن الله تعالى لا يعمل شيء لِعِلَّة لأنه لو يعمل الشيء لعِلَّة هذه تكون نقصا في حد ذاته وبلغ بعض الناس في هذا ومنهم الأشاعرة خصوصا الإمام فخر الدين الرازي الذي جادل في ذلك جدالا طويلا لنفيه تعليل أفعال الله وفي مقابل هؤلاء المُعتزلة الذين يقولون أن أفعال الله كلها مُعَلَّلَة ولا يفعل الله شيء إلا لغاية ولمصلحة ولحكمة بل يبالغون فيقول هذا واجبنا على الله، يجب على الله أن يفعل ما فيه صلاح العباد بل ما هو أصلح لهم ليس فقط ما هو فيه صلاح ما هو أصلح لهم يجب على الله عمله وبين هؤلاء وأولئك هناك الماتوريدية أتباع الإمام أبي منصّور الماتوريدي ومعظمهم من الحنفية ويقاربه مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته التي ترى أن أفعال الله تعالى مُعَلَّلَة وأن الله لا يفعل فعلا إلا لغاية وإلا لحكمة وهذا المذهب هو المذهب الصحيح المُعبِّر عن الإسلام لأن من أسماء الله تعالى من الأسماء الحسنى الحكيم.(1/104)
الله اسمه الحكيم تردَّد في القرآن أكثر من تسعين مرة {العَلِيمُ الحَكِيمُ} {العَزِيزُ الحَكِيمُ} الحكيم الحميد، يعني فالله حكيم وهو حكيم فيما خلق وحكيم فيما أمر، فلا يخلق شيئا باطلا كما قال أولو الألباب الذين {يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} لا يخلق شيئا باطلا ولا يشرع شيئا عبثا أو اعتباطا لا يأمر بأمر ولا ينهى عن نهي ولا يُحلِّل ولا يُحرِّم إلا لحكمة عَلِمَها من عَلِمَها وجَهِلها من جَهِلها قد لا يتيسَّر للناس العلم بالحكمة التفصيلية ولكن بمرور الزمن يكتشف الناس هذه الحكمة، فنحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يعني يفعل من أجل غاية وحكمة ويأمر لأجل غاية وحكمة والإمام ابن القيِّم ذكر ذلك في عدد من كتبه وقال في بعض المواضع حينما ذكر الأسباب ومسبباتها وذكر التعليلات في القرآن لكي لا تأسوا على ما فاتكم، لكي لا يكون دولة بين الأغنياء لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد وأساليب شتى في التعليل، فقالوا هذا في القرآن في أكثر من ألف موضع هذه التعليلات فلا يمكن أن نُنكر أن هناك تعليلا وخصوصا في الأحكام، فأحكام الله سبحانه وتعالى مُعلَّلَة وهي والعِلَّة فيها أو الحكمة فيها أو المَقْصّد فيها هو تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد وهذا ما قرره المحققون من علماء الأمة أن كل ما شرعه الله لابد أن يكون فيه مصلحة عباده.
خديجة بن قنة: إذاً العِلَّة والحكمة والمَقْصّد مترادفات؟(1/105)
يوسف القرضاوي: لا ليست مترادفة، لكلِ منها معنى إذا ذكرنا المصطلحات إن كلمة العِلَّة يذكرها الفقهاء في باب القياس وهذا، يُقاس هذا الأمر على هذا الأمر إذا نصّ الله تعالى أو رسوله على حكم شيء من الأشياء وأردنا أن نقيس عليه أمرا آخر لابد أن يكون بينهم عِلَّة مشتركة، العِلَّة العلماء يقولون هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم، شيء يمكن يعني يكون ظاهر واضح ويمكن ضبطه لا يكون أمر مايع أو سايب أو رجراج ويكون مناسب للحكم، هذه العِلَّة غير الحكمة، يعني مثلا أضرب لك مثل هناك في المرور، في قوانين المرور، الإنسان يجب عليه إذا وصل إلى الإشارة وكانت حمراء أن يتوقف، ما هي عِلَّة توقُّفه الإشارة الحمراء هذه العِلَّة، الحكمة شيء آخر إنه لا يحصل إيه؟ صدام السيارات تصطدم بعضها ببعض أو المارة يصطدمون بالسيارات وتحدث خسائر في الأرواح والأموال دي الحكمة إنما العِلَّة ولذلك الإنسان عليه إنه يقف عند العِلَّة حينما يجد الشارع خاليا والإشارة حمراء يقول الحكمة إننا وأهو الشارع أمامي لا لازم يلتزم، هذه فالعِلَّة هي هذا الوصف الحكمة وذلك الشارع ناط الأحكام بالعلل لأنها أمور منضبطة، يعني الإنسان حينما يسافر يقصر الصلاة الرباعية، يجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء جمع تقديما أو تأخيرا، يفطر في السفر، ما هي العِلَّة؟ العِلَّة السفر إنما الحكمة وجود المشقة لكن الشرع لم ينط الحكم بالمشقة لأنها تختلف، واحد يمكن تَعِبَ تَعَبا شديدا يقول لا أنا قادر وواحد ثاني من غير أي شيء يقول آه هذه مشقة فحتى تنضبط الأحكام.
خديجة بن قنة: هل هي العِلَّة مثلا؟
يوسف القرضاوي: ربطها بالعلل وهي الأوصاف الظاهرة المنضبطة المناسبة.
خديجة بن قنة: حتى نعطي أمثلة أكثر للمشاهدين كما مثلا هي العِلَّة في حد الزنا هو فعل الزنا لكن الحكمة هي تفادي اختلاط الأنساب؟(1/106)
يوسف القرضاوي: هذه يعني الحكمة ولكنها حكمة قاصرة، يعني البعض يقول الشرع منع من الزنا لأجل.. لا هو الشرع لم يقل هذا، هذا من تفكير الناس ولكن هذه لا تشمل كل الأحوال لأنه لو كان الاختلاط.. طيب لو واحد يعني زنا بامرأة حُبلى ما فيش أنساب هنا أو امرأة عقيم فات سن اليأس ولم يعد.. أو عمل يعني واقي من الحمل أو هل يجوز هذا؟ لا، هذه ولذلك هذا التعليل بالحكمة هنا أو بالعِلَّة كثر من الأشياء الخطرة أن يعلِّل الناس الأحكام بعلل قاصرة أو بحكم قاصرة.
خديجة بن قنة: نعم سنأخذ أمثلة أخرى لكن بعد فاصل قصير ثم نعود إليكم مشاهدينا لمتابعة هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة حول مقاصد الشريعة.
[فاصل إعلاني]
خديجة بن قنة: مشاهدينا أهلا بكم مرة أخرى إلى برنامج الشريعة والحياة، حلقتنا اليوم حول مقاصد الشريعة في حماية المصالح، كنت تقول فضيلة الشيخ عندما نفهم العِلَّة نفهم الحكم أو الحكمة من هذا الفعل.
يوسف القرضاوي: أنا أقول يعني إذا ذكرنا العِلَّة أو الحكمة يجب أن تكون يعني شاملة لكل الحالات لأنه البعض مثلا يذكر في قضية الزنا دي عملية اختلاط الأنساب وهذه لا تشمل كل حالات الزنا، فهناك أكثر من حكمة في الحقيقة، أيضا مثلا يذكروا في قضية الربا استغلال الأغنياء للفقراء وليست كل حالات الربا فيها استغلال الأغنياء للفقراء، أحيانا الفقير يُحطّ ماله علشان يعني يستثمره بالربا فلابد أن نعمل على أن تكون العِلَّة يعني جامعة ومانعة وحاصرة لكل الحالات.
خديجة بن قنة: طيب فضيلة الشيخ تقولون في دراسة أخيرة حول مقاصد الشريعة إن هناك ثلاث مدارس مختلفة وتسمونها بالظاهرية الجديدة والمُعَطِّلَة أو الظاهرية الجدد والمُعَطِّلَة الجدد والمدرسة الوسطية، يا ريت لو تشرح لنا ماهية كل مدرسة.
"
الظاهرية الجديدة هي مدرسة فكرية تفهم النصّ بمعزل عن مقصده حيث تأخذ بحرفية الشيء ولا تبالي بالفحوى
"(1/107)
يوسف القرضاوي: هذا ذكرناه، يعني بالمناسبة كان عندنا ندوة حول مقاصد الشريعة وكان الداعي إليها صديقنا الشيخ أحمد زكي يماني كنا نريد تأسيس مركز لدراسات مقاصد الشريعة واجتمعنا الحقيقة أكثر من عشرين عالما من مختلف البلاد العربية والإسلامية وقدمت أنا ورقة حول العلاقة بين النصّوص والمقاصد لأن هناك فئات من الناس تحاول أن تجعل يعني حربا بين النصّ الجزئي والمَقْصّد الكلي ولذلك أنا ذكرت في هذه القضية في العلاقات هل النصّوص الجزئية نهملها ولا نرعاها؟ هل نحارب بها المقاصد أو المقاصد نحارب بها النصوص؟ هل هذا أو نفهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية؟ هذا هو البحث، ذكرت أن في هذه القضية مدارس ثلاثة وهذه المدارس المدرسة الأولى سمّيتها المدرسة مدرسة الظاهرية الجدد التي تفهم النصّ بمعزل عن مقصده لا علاقة لها بالمَقْصّد..
خديجة بن قنة [مقاطعة]: التفسير الحرفي للنصّ.(1/108)
يوسف القرضاوي: تنظر إلى ظاهر.. المدرسة الحرفية تأخذ بحرفية الشيء ولا تبالي بالفحوى وهذه موجودة حتى في القانون وفي الفلسفات، فيه مدرسة ضيِّقة ومدرسة موسِّعة، فهذه المدرسة التي تعني بظاهر اللفظ ولا تعني بالمَقْصد وهذه كان لها أصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصليَّن العصر إلا في بني قريظة" بعد غزوة الأحزاب، فالصحابة ذهبوا إلى بني قريظة ناس في الطريق وجدوا الشمس تقارب الغروب فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد منا أن نضيع العصر إنما أراد منا أن نسرع النهوض وصلوا في الطريق هؤلاء أخذوا بالفحوى بالمَقْصد وجماعة قالوا لا هو قال لا يصلين إلا في بني قريظة فنحن لا نصّلِّها إلا في بني قريظة ولو وصلنا منتصف الليل، جماعة أخذوا بالفحوى وبالمَقْصد وجماعة أخذوا بالظاهر والحرفية، فالحَرْفِيُّون هؤلاء يعني لا علاقة لهم بالنظر إلى المقاصد ولذلك بنسميهم الظاهرية الجدد لأنهم امتداد لمدرسة الظاهرية القديمة التي أسَّسها الإمام داود الظاهري في القرن الثالث وأحياها الإمام أبو محمد بن حزم في القرن الخامس الهجري والإمام أبو محمد بن حزم من العبقريات الإسلامية يعني رجل موسوعة هو في الفقه في الحديث في الآثار في التاريخ في الملل والنحل ومقارنة الأديان في الأدب في الشعر في الأصول، كل هذا له باع واسع ومع هذا المنهج الظاهري الذي اتبعه جعله يقع في أخطاء كثيرة من ذلك مثلا إنه جاء حديث يقول "لا يَبُل أحدكم في الماء الراكد" فهو يقول إن النهي عن البول في الماء إنما لو واحد بال في قارورة وبعدين صبّها في الماء يبقى امتثل الحديث فشنَّع عليه العلماء بهذا لأن هذه ظاهرية، كذلك قال في قضية البكر تُسْتَأذَن، قالوا لكن البكر تستحي، قال إذنها صماتها، إذا سكتت السكوت دليل الإيه..
خديجة بن قنة: الرضا.(1/109)
يوسف القرضاوي: الرضا، طيب ما سكتتش وقالت والله يا أبي أنا موافقة على محمد أو أحمد أو حمد أو علي أنا موافقة عليه، ابن حزم يقول لا العقد باطل لأن إذنها صماتها وهذا ابن القيِّم يقول وهو هذا هو اللائق بظاهريته، فابن حزم هذا العبقري العظيم منهجه الظاهري أوقعه في هذه الأخطاء، هذه المدرسة تقع في مثل هذه الأخطاء بعضهم يُسقِط الزكاة والربا عن النقود الورقية، تعرفي كان زمان الناس تتعامل بالذهب والفضة ويقول النقد الشرعي الذهب والفضة، طيب يا سيدي ما عدش فيه ذهب وفضة يقول هذه ليست نقود شرعية وعلى هذا لا ترِد فيها الزكاة ولا يدري فيها الربا، ممكن أديلوا ألف ريال ويرجعهم لي ألف ومائة ولا يكون ذلك ربا ويبقى عندي ملايين الريالات أو الجنيهات أو الدولارات أو سمِّيها ما تسميها ولا تجب عليه زكاة لأنها ليست منقودة، فهذا غريب جدا وأنا رددت على هؤلاء في كتاب فقه الزكاة وقلت مش هي دي النقود الورقية دي اللي بيدفعها الرجل ثمنا للسلعة يستحلّ بها السلعة ويدفعها أجرة فيستحل بها أجر عرق العامل ويدفعها مهر وتصبح المرأة زوجة له وهي لو واحد جِه يسرقها منه مش يقاتل دونها كيف لا تكون هذه، فهذا من الظاهرية الجدد اللي إحنا نقول عليهم، بعضهم مثلا يقول لا زكاة في عروض التجارة، أحد العلماء الكبار المُحدِّثين الكبار الشيخ ناصر الدين الألباني وهو من هو في علم الحديث يقول عروض التجارة لا زكاة فيها إذا لم تُسَيَّل ويمر عليها الحَوْل فلا زكاة وهيهات أن تُسيَّل الآن كبار التجار لا يكادون يعرفون السيولة يتعامل بالشيكات وبتاع سلع، فكيف نقول إن هؤلاء التجار لا زكاة عليهم وهم يملكون معظم ثروة الأمة يعني مين اللي يملك ثورة الدوحة ولا دبي ولا الكويت ولا الرياض ولا جدة ولا.. هم التجار فحنقول للجماعة اللي عندهم الإبل والبقر والغنم ودول كم تكون ثروتهم وما عادت يعني إبلا سائمة ولا غنما سائمة يعني ترعى في كلأ مباح فمعناها إن(1/110)
أسقطنا الزكاة عن معظم الأمة، هذا كله من جرَّاء هذه الظاهرية الجديدة التي تتمسك بالحرفية ولا تراعي مقصد النصّ هناك مدرسة مقابلة لها..
خديجة بن قنة [مقاطعاةً]: قبل أن ننتقل إلى المدرسة المقابلة فضيلة الشيخ، كأن الظاهرية الجدد أيضا لديهم ميل إلى تضخيم الآداب واعتبارها أركانا من أركان الإسلام، مثلا إطلاق الرجل للحية ولبس المرأة للنقاب..
يوسف القرضاوي: نعم لحيته، تفصيل الثوب.
خديجة بن قنة: نعم وتحريم التصوير الفوتوغرافي و و.. كثير من الأشياء لكن سنأخذ الإجابة بعد فاصل نأخذ خلاله موجزا لأهم الأنباء ونعود لمواصلة هذه الحلقة حول مقاصد الشريعة في برنامج الشريعة والحياة.
خديجة بن قنة: مشاهدينا أهلا بكم مرة أخرى إلى برنامج الشريعة والحياة، موضوع حلقتنا اليوم مقاصد الشريعة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، فضيلة الشيخ قبل أن ننتقل إلى المدرسة المُقابلة وهي مدرسة المُعَطِّلَة الجدد التي تُعَطِّل النصّوص لحساب المصلحة، نود أن نُفصِّل قليلا في خصائص المدرسة الأولى التي كنت بصدد الحديث عنها وهي الظاهرية الجدد كما سميتها وميلها إلى التشدد وتضخيم الآداب.(1/111)
يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه المدرسة من خصائصها أنها تميل إلى التشديد لا إلى التيسير وهي بعيدة عن النظرة الوسطية دائما مع الغُلُو ومع التشدد أو التنطُّع كما سماه صلى الله عليه وسلم حين قال "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" وكررها ثلاثا وقال "إياكم والغُلُوَّ في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغُلُوّ في الدين" وغُلُوُّهم ناشئ من نظرتهم الحرفية، مثلا خذي مسألة مثلا مسألة اللحية بالنسبة هم يجعلون مسألة اللحية هذه كأنها من أركان الإسلام، يعني بعضهم قال عن شخص إنه فاسق وبعدين يعني سألت قلت يا أخي هذا الرجل نعرفه مقيما للصلاة مؤديا للزكاة صائما لرمضان مجتنبا لما حرَّم الله، كيف وصفته بالفسق؟ وبعدين تبين لي أنه وصفه لأنه تارك اللحية يعني حليق اللحية يعني ومَن نظر إلى النصوص التي جاءت في اللحية يجد اللحية يجد فيها ثلاث أحاديث صِحاح عن الصحابة ومن يتأملها يجد أنها كلها جاءت من أجل مخالفة المُشركين أو المجوس، خالِفوا المشركين خالِفوا المجوس، كان المجوس في الفُرس كانوا يطيلون يعني شواربهم ويحلقون، فقال خالفوهم يعني في المظهر لأن يريد الإسلام للمسلم أن يكون متميزا في مظهره وفي مَخبَره إنما المخالفة في المظهر هذه ليست من أساسيات الدين ده من التحسينيَّات كما ذكر العلماء أو من الكَمَالِيَّات كما نعبر في عصرنا ولذلك جاء في أحاديث أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام نهى الصحابة أن يَصبُغوا.. نهى الصحابة أن يتركوا الشيب وقال لهم خالفوا اليهود والنصّارى فإنهم لا يصبغون فأصبغوا، يعني أصبغوا الشيب بالحِنَّة أو بشيء حتى لا يبقى أبيض يعني ومع هذا بعض الصحابة..
خديجة بن قنة: خالفوا..(1/112)
يوسف القرضاوي: صبغ وبعض الصحابة لم يصبغ، هذا ثابت بيقين، كثير من الصحابة لم يصبغوا لماذا؟ لأنهم عارفين أن هذه القضية تتعلق بأمر تكميلي وليست بأمر أساسي، لو كان أمر أساسي كان سارع الجميع إلى الصبغ إنما البعض قال لا أنا أتركه كما هو، فهذا يدل على أن هذا التشديد ليس له أصل ثابت، الذين يُقَصِّرون الثياب ذكروا بعض الأحاديث التي يعني ذكرت أن المُسبِل إزاره هذا لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يُزَكِّيهم ولهم عذاب أليم، ذكر الثلاثة منهم المُسبِل يعني اللي بيسبل إزاره يطوِّلًه، فهؤلاء نظروا إلى هذا الحديث وتركوا الأحاديث الأخرى التي ذكرت العِلَّة في هذا والحكمة والمَقْصّد من هذا أنه يفعل هذا خُيَلاء "من جَرَّ إزاره خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" وأن سيدنا أبو بكر يعني لمَّا سمع الحديث قال يا رسول الله أني لا أتعَهَّد إزاري فيسترخي، أنا ما بهتمش بإزاري أحيانا أتركه يجر على الأرض، قال له أنك لا تصنعه خُيَلاء، تركوا هذه العِلَّة وجعلوا أنه الأساس هو إسبال الإزار وجعلوا يعني.. فهذه هي مشكلة هؤلاء الذين يتمسكون بالظاهر ويتشددون في أمور ليس يعني هناك داع إلى التشدد فيها.
المعطِّلة الجدد وتعطيل النصوص الشرعية
خديجة بن قنة: نعم، في المقابل هناك من يدعون إلى تعطيل النصّ لأنه يتعارض مع مصلحة الناس ويقولون إن الله غَنِيٌّ عن الناس ولا يحتاج إلى صلاة أحد ولا إلى سجود ولا إلى صيام ولا.. وأن كل هذا، يعني المهم أن يكون الإنسان أن تكون نِيَّته صالحة ولا يهم الأعمال، ما رأيكم؟ وهؤلاء الذين سميتهم بالمُعَطِّلَة الجدد.
"
المُعَطِّلَة الجدد يسعون لتعطيل النصوص الشريعة معتبرين أن المهم ليس النصوص وإنما مقاصد الشريعة، ويَزعمون أن إمامهم في ذلك سيدنا عمر بن الخطاب
"(1/113)
يوسف القرضاوي: المُعَطِّلَة الجدد آه، هناك في تراثنا الإسلامي مدرسة أسمها المُعَطِّلَة حتى أن ابن القيم له كتاب اسمه اجتماع الجيوش الإسلامية على المُعَطِّلَة والجهمية، هؤلاء يُعَطِّلون في مجال العقيدة يعني يُعَطِّلون أسماء الله عن معانيها الحقيقية، في رأي أهل السنة خصوصا ابن القيم وابن تيمية، فأما هؤلاء المُعَطِّلَة الجدد يعطِّلون في مجال الشريعة ليس في مجال العقيدة، يعني نصوص الشريعة يريدون تعطيلها النصوص التي جاءت بتحريم الخمر مثلا أو بتحريم الربا أو بوجوب القصاص {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى} أو في الحدود {والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أو ما غير ذلك من النصوص المختلفة في القرآن والسنة، يريدون هم تعطيل هذه النصوص لماذا؟ قالوا لأن المهم ليس النصوص لننظر إلى مقاصد الشريعة، الشريعة جاية لمصالح العباد وهذه النصوص تقف ضد المصالح، فكيف نعطل مصالح العباد باسم النصوص؟ ويَزعمون أن إمامهم في تعطيل النصوص سيدنا عمر بن الخطاب..
خديجة بن قنة: لأنه عطَّل حد السرقة في عام المجاعة.(1/114)
يوسف القرضاوي: في عام المجاعة عَطَّل حد الإية السرقة وقالوا إنه أسقط سهم المُؤَلَّفَة قلوبهم وهو مذكور في القرآن {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} وإنه فعلا كذا.. ذكروا عدة أشياء وهذا في الحقيقة افتراء على عمر بن الخطاب، عمر بن الخطاب لم يعطِّل سهم المُؤَلَّفَة قلوبهم ولم يلغ سهما، إنما كل الذي فعله أن هناك أناس كانوا يأخذون باسم المُؤَلَّفَة قلوبهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبو بكر، الأقرع بن حابش التميمي، عيين بن حصن الفزاري، العباس بن مرداس، هؤلاء ناس وأمثالهم كان النبي وأبو بكر كانوا يعطونهم، سيدنا عمر قال لهم إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم ولم يعطهم، طيِّب هل الإسلام أو القرآن نصّ على إن الأقرع وعيين وبن مرداس يظلون مُؤَلَّفَة أبد الدهر لا كل ما في الأمر إن هؤلاء لم يعودوا مُؤَلَّفَة يعني هو بيقول المُؤَلَّفَة قلوبهم، فيه عندنا في أصول الكل تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعليَّة ما منه الاشتقاق، يعني لما أقول أعطي الفقراء، كلمة الفقراء دا مُشتَق ومعناها إنه فيه عِلَّة يعطي الفقراء يعني ما داموا فقراء يعني عِلَّة إعطائهم أنهم فقراء فلو أصبح الفقير غنيا لا تعطه.
خديجة بن قنة: عندما يتغير وضعه.(1/115)
يوسف القرضاوي: فلذلك وربنا قال {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} هل لو كان واحد بيأخذ الزكاة باسم الفقر وبعدين اغتنى ندي له؟ لا لم يعد فقيرا، كذلك كان واحد مُؤَلَّفَا في وقتا من الأوقات ولم يعد مُؤَلَّفَا كان مُؤَلَّفَا في عهد سيدنا أبو بكر وفي عهد الرسول، عمر قال لا هو لسنا في حاجة إلى أن نُؤَلِّف قلبه إما لأنه حسم إسلامه ما عدنا نحتاج أو إن قبيلته اللي كنا خائفين عليها منه أصبحت قوية ووطيدة الإسلام راسخة القدم في الإسلام فما عاد يهمنا منه يعني.. لم يعد مُؤَلَّفَا فهذا يعني لا يقال إن سهم المُؤَلَّفَة عَطَّله سيدنا عمر إنما زي ما نقول مثلا فيه ساعات مثلا جائزة الملك فيصل يقولون إن جائزة الملك فيصل في الطب السنة دي لم تُعط لأحد حُجبت معنى حُجبت إيه؟ البند موجود إنما لم يوجد من يستحقها، فهنا لم يوجد من يؤلف قلبه واللي بيألف مين هو ولي الأمر، يعني مين اللي بيألف الناس يستملهم هو الإمام، فإذا لم يرى هؤلاء يستحقون هو حر، إذا وجد هؤلاء وقال نؤلِّف نعطيهم من الزكاة ومن غير الزكاة، فهذا لا يقال أبدا إن عمر عَطَّل النصّ، كذلك قضية إنه يعني عام المجاعة أوقف الحدّ، الحقيقة إن الحد لم يجب يعني لم يجب الحد ثم أسقطه لا هو لم يجب أساسا لماذا؟ لأن الحد لا يجب إلا إذا انتفت الشبهات، فإذا وردت شُبْهة سقط الحد، "ادرؤوا الحدود بالشُبُهات"، فعمر رأى إن وجود المجاعة العامة مَظِنة حاجة عامة، إن الذي يسرق يسرق من حاجة اعتبرها شُبهة عامة مُسقِطة للحد فلا يجب الحد وهكذا فهؤلاء الذين يَزعُمون إن عمر هو إمامهم في تعطيل النصّوص كذبوا على عمر، بالعكس عمر حينما وقفت امرأة وحينما أراد يعني يضع حدا للمهور ويجعل له حد أعلى فقامت امرأة وقالت يا أمير المؤمنين إن الله.. كيف تفعل هذا وقد قال الله تعالى {وإنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا(1/116)
مِنْهُ شَيْئاً} فأشار إلى إنه فقال أصابت المرأة وأخطأ عمر وكان من أوصاف سيدنا عمر الصحابة وصفوه أنه كان وَقَّافا عند كتاب الله يعني لما الواحد يحاجّه بالآية أو بالحديث خلاص يُسلِّم.
خديجة بن قنة: نعم، هم يقولون فضيلة الشيخ حيث توجد المصلحة فثم شرع الله ويُحكِّمون العقل في كل شيء يعني مبدأ تحكيم العقل ليس خطأ؟
يوسف القرضاوي: العقل، تحكيم العقل ليس خطأ ولكن تحكيم العقل في مقاومة النصّ هو الخطأ، يعني لا نُعارض النصّ بمجرد استحسان العقل، نحن نؤمن أنه لا يوجد نصّ شرعي قطعي الثبوت والدلالة يتعارض مع مصلحة قطعية أبدا لا يوجد هذا في الشرع إنما قد توجد يعني مصلحة موهومة تتعارض مع نصّ أو يوجد نصّ ظَنِّي يتعارض مع مصلحة قطعية إنما مصلحة قطعية ونصّ قطعي لا يمكن أبدا، فهم.. ما هي المصالح التي يزعمونها؟ يزعمون مثلا من مصلحة الناس إننا نُبيح لهم البغاء، أي مصلحة في إعادة البغاء للناس؟ كل المصالح.. أن نبيح للناس المُسكِرات تشجيعا للسياحة ولكذا وهذا لا.. القرآن يقول يعني بالنسبة للسياحة الدينية كان فيه جزيرة العرب، العرب يعيشون في مكة على حجّ المشركين وكان المشركون يحجُّون يعني بطريقتهم الوثنية وعراة أحيانا، فالنبي عليه الصلاة والسلام في السنة التاسعة من الهجرة بعث سيدنا علي ينادي في الناس لا يحجّ بعد العام مُشرِك ولا يطوف بالبيت عريان، طب فيه ضرر هذا على أهل مكة، القرآن قال لهم {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إن شَاءَ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} عَيْلَة يعني فقراً، إذا كنتم خايفين من ضيق ربنا هيوسَّع عليكم وفعلا وسَّع الله عليهم بالفتوح والغنائم من كل جانب، فلا توجد مصلحة حقيقية يعارضها نصّ قاطع من قرآن أو سُنة أبدا.(1/117)
خديجة بن قنة: نعم، فضيلة الشيخ تقول من خصائص هؤلاء المُعَطِّلَة الجدد الجهل بالشريعة والجرأة على القول بغير علم والتبعية للغرب، هل لك أن تعطينا أسماء علماء أو مفكرين ينتمون إلى هذه..
يوسف القرضاوي: هو أنا أريد أن أقول هؤلاء المُعَطِّلَة هم يعني صِنفان، صِنف منهم يقول إنه الذي يقف في سبيل المصلحة هي النصّوص الجزئية تقول قال الله تعالى كذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" هذه النصّوص هي التي تقف ضدنا {اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} هذه معظم.. هؤلاء الذين يعتمدون على سيدنا عمر كما قلت يعتمدون على أحد علماء الحنابلة اسمه نجم الدين الطّوفي زعموا أنه يقدم المصلحة على النصّ وأنا بيّنت في دراستي أنه نجم الدين الطوفي لا يقدم المصلحة على النصّ القطعي أبدا بل هو بالعكس يعني قال هذا صراحة إن النصّ القطعي لا يُقَدَّم عليه شيء إذا كان قطعيا في متنه وفي دلالته، في سنده وفي متنه، أما هناك صِنْف آخر يقفون ضد النصّوص بدعوى أخرى يعني هم ضد المقاصد، يقولون إن دعاة الشريعة يستخدمون المقاصد لحيلة لتطبيق الشريعة وهذه المدرسة الأركونية، محمد أركون والجماعة الذين يعيشون في فرنسا ويعتمدون على اللسانيات وعلى غيرها..
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: لكن هذا واقع فضيلة الشيخ..
يوسف القرضاوي: هؤلاء يعني يزعمون أنه استخدام المقاصد يعني هم حتى ضد استخدام المقاصد..
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: نعم، لكن هناك فعلا حِيَل شرعية للتحايل في هذا المجال ربما كما يقول البروفيسور محمد أركون فيما يتعلق بالقروض من البنوك الإسلامية مثلا شراء سيارة بقرض من بنك إسلامي في النهاية سعر السيارة سيزيد وسيستفيد البنك وتعتبر النتيجة واحدة..(1/118)
يوسف القرضاوي: لا هو قضية الحِيَل قطعا هي ضد المقاصد والإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم لهم يعني لهما دراسات واسعة في إبطال هذه الحِيَل ابن القيم ذكر يعني في كتابه إعلام الواقعين وفي إغاثة اللهفان وفي غيرهما يعني بحث بحثا واسعا في إبطال الحِيَل لأنها ضد مقاصد الشريعة ولا يمكن أن يَشرَع الله ما يُبطِل أحكامه ربنا عاب على اليهود حينما استخدموا الحيلة في قضية الصيد..
خديجة بن قنة: الصيد يوم السبت.
يوسف القرضاوي: بدل ما يصيدوا يوم السبت يعملوا.
خديجة بن قنة: يمرون الشباك.(1/119)
يوسف القرضاوي: الشباك التي يدخل إليها السمك يوم الجمعة وبعدين ياخدوها هم يوم الأحد واعتبر هذه يعني منكرا كبيرا وجعلهم قردا خاسئين وإلى آخره، فكيف يبيح الشرع والإمام البخاري له في إبطال الحِيَل وذكر فيها حديث "إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئ ما نوى" وذكر أحاديث عدَّة، فنحن ضد الحِيَل ولكن هذه القضية التي تستخدمها البنوك الإسلامية فيما يسمى المُرَابَحَة هي غير هذا، هي عبارة عن إن الواحد يُكلِّف البنك أن يشتري له سلعة ويبيعه له بأكثر من ثمنها ليربح فيها البنك، يبيعها له بالتقسيط والبيع بالتقسيط ليس محرما لأن هو مقابل السلم، السلم يعني عكس والسلم جائز بالإجماع، فالقضية بقى وفيها شروط يعني ولكن العيب فيها إن بعض البنوك الإسلامية لا تُوفِّر الشروط المطلوبة التي تفتي بها هيئة الرقابة الشرعية، يعني المفروض إن البنك يشتري السيارة أو الشيء ويتملَّكه ويحوزه وبعدين يبيعه للشخص الآخر يبيعه له بثمن أغلى طبعا مما اشتراها كأي تاجر ولكن البعض لا يفعل هذا وأحيانا بعض البنوك الإسلامية أباحت شيء وهذا أنا لا أُقِرُّه أبدا اسمه التَوَرُّق، التَوَرُّق المصرفي وكثير من العلماء أنكروا هذا إنكارا لأنه يفقد العملية يعني حقيقتها تصبح عملية صورية لا فيها بيع ولا شراء كما قال ابن عباس يعني إنما هي يعني دراهم بدراهم وبينهما حريرا هذا مفروض شرعا.
خديجة بن قنة: نعم، فضيلة الشيخ سنتحدث عن المدرسة الثالثة هي المدرسة الوسطية لكن قبل ذلك نأخذ مُداخلات المشاهدين عبد الكريم الوشلي من السعودية تفضل.
مداخلات المشاهدين
عبد الكريم الوشلي- السعودية: السلام عليكم.
خديجة بن قنة: وعليكم من السلام.(1/120)
عبد الكريم الوشلي: أحيي سماحة الشيخ وأحييكِ أختِ مقدمة البرنامج وأعتقد بأن موضوع الحلقة أيضا هو لا يختلف كثيرا عن موضوع الحلقة السابقة والمتعلق بفقه الاجتهاد أو فقه المصلحة طبعا ونحن سماحة الشيخ طبعا يعني نحن نرى أيضا ما يُسمَّى فقه المصلحة قد خرج عن مساره وخرج عن طريقه على مر التاريخ في أكثر من جانب سواء إن كان في الجوانب السياسية أو في الجوانب الاقتصادية، نحن عندما نرجع إلى الآية القرآنية الكريمة التي تقول: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} نحن قد فهمنا يقينا بأن الثوابت المتعلقة بنظرية العدالة وحقوق الإنسان وأسس العبادات قد حُسمت بكمال تام لا مجال للاجتهاد فيها أو التأوّل نيابة عنها ومثل هذه الأسس أو الثوابت المنصوصة نتلمس خيراتها وفضائلها دوما ولا تحتاج لمن يُبيِّنها لنا أو يوضح الحكمة من ذلك لأنها توصف بكمالية ملموسة، طبعا فقه الاجتهاد مثلا قد ترك الباب مفتوحا طبعا وهذا طبعا لحكمة وهذه الحكمة هي إضفاء الكمالية الزمنية للإسلام بحيث أنه يظل الأكمل والأرقى ويظل الينبوع الذي لا ينضب بالإضافة إلى كونه مُحفز للتحديث والأخذ على..
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: نعم سؤالك المباشر أخ عبد الكريم باختصار لو سمحت.
عبد الكريم الوشلي: نعم سؤالي، سؤالي لسماحة الشيخ القرضاوي بأنه هل تعتقد بأن فقه الاجتهاد أو ما يُسمى فقه المصلحة قد خرج على مساره على مر التاريخ ابتداء بقيام الدولة الأموية نفسها وشرعنتها؟ طبعا نحن نعتقد بأن قيام الدولة الأموية وشرعنتها كان أيضا خطأ تاريخي يعني لن ننساه أبدا فما رأي فضيلة الشيخ في هذا؟ شكرا.
خديجة بن قنة: نعم شكرا لك عمر السفرجي من السعودية.
عمر السفرجي- السعودية: السلام عليكم.
خديجة بن قنة: وعليكم من السلام ورحمة الله وبركاته.(1/121)
عمر السفرجي: مَن فهم أنه يعرف مقاصد الشريعة فقد أخطأ لأن الكتاب والسنة لم تُفصَّل وهي تُفَصَّل بعدها قال {قَالَ فَإنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} وهنالك يجب أن الإنسان لا يسأل عن مقاصد الشريعة لأنه الله سبحانه وتعالى يقول {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} شكرا جزيلا.
خديجة بن قنة: شكرا لك عبده الجعفري من السعودية تفضل.
عبده الجعفري– السعودية: السلام عليكم.
خديجة بن قنة: وعليكم من السلام.
عبده الجعفري: مسّاكم الله بالخير فإن مقاصد الشريعة عظيمة وحكيمة فلم يُحَرَّم أمر إلا لمقصد ولم يبح إلا لمقصد وهذا المَقْصّد أو بمعنى أصح الحكمة والعِلَّة قد تُفْهم عند أناس وتخفى على آخرين ولا يجب البحث عنها ولا يُكلِّف الإنسان نفسه عناء البحث عنها، بل عليه أن يعمل العمل الصالح ويترك العمل السيئ سواءً عرف الحكمة أم لم يعرف لأن الله أمره بالعمل الطيب وأنهاه عن العمل السيئ ولم يقل له لا تعمل عملا طيبا حتى تعرف الحكمة ولا تجتنب العمل السيئ حتى تعرف الحكمة، سؤالي لسماحة الشيخ بارك الله فيك ما معنى مقولة الفقهاء "درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح" وكذلك قولهم "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران" كيف نفهم أن هذا من مقاصد الشريعة؟ وهل كل اجتهاد هو من المقاصد التي دعا إليها الإسلام؟ سؤال آخر نجد أن بعض الناس يُتعب نفسه ويُقلقها حتى يعلم مقصد الشريعة في عمل يعمله سواء كان ذلك العمل طيبا أو عملا سيئا هل هذا من الأولويات التي يتسنى لنا البحث عنها حتى ندرك مقصد الشريعة؟ سؤال آخر بارك الله فيك..
خديجة بن قنة [مقاطعةً]: باختصار لو سمحت.(1/122)
عبده الجعفري: هل من مقاصد الشريعة كثرة المذاهب واختلاف الآراء؟ وهل من مقاصد الشريعة التي دعت إليها تَتَبُّع الرُخَص في العبادات وإشغال أهل العلم بسؤال يتكرر على أكثر من عالم أم أن هذا من مقاصد الشريعة؟ وبارك الله فيكم.
خديجة بن قنة: شكرا لك، نأخذ فاصلا قصيرا ثم نعود لمواصلة هذه الحلقة وأخذ الإجابات من فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.
خديجة بن قنة: أهلا بكم مشاهدينا إلى برنامج الشريعة والحياة، حلقتنا حول مقاصد الشريعة، فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي كان يسألك عبد الكريم الوشري هل تعتقد أن فقه المصلحة خرج عن مساره وطريقه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟
"
المصلحة المُرْسَلة بمعنى أنه ليس هناك من الشرع نصّ لا باعتبارها ولا بإلغائها وأن تكون من جنس المصالح الشرعية بحيث يكون فيها تيسير على الناس ورفع للحرج عنهم
"(1/123)
يوسف القرضاوي: هذا ليس صحيحا، الذين قالوا بالمصلحة مَن هم الذين قالوا بالمصلحة؟ أشهر مَن قال بالمصلحة والمقصود بالمصلحة المصلحة المُرْسَلَة هو الإمام مالك إمام دار الهجرة وهو أتبع الناس للسنة فلا يمكن أن يُتَّهم الإمام مالك أنه خرج عن.. وكل المذاهب قالت بالمصلحة وقالت بالمصلحة بشروط معينة أن تكون المصلحة يعني مُرْسَلة بمعنى أنه ليس هناك من الشرع نصّ لا باعتبارها ولا بإلغائها وأن تكون من جنس المصالح الشرعية وأن تكون بحيث إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول وأن لا تعارض نصّا شرعيا ولا قاعدة ثابتة وأن يكون فيها تيسير على الناس ورفع للحرج عنهم فمثل هذه لا يمكن أن تكون ضد الشرع، فالزعم أن فقه المصلحة.. ما فيش حاجة اسمها فقه المصلحة هو كل الفقهاء كانوا يأخذون بالمقاصد وبالنصوص ويراعون الموازنة بين الاثنين، إنما إحنا في عصرنا الذي نحن فيه هو الذي أصبح فيه مثل هذه المدارس، المدرسة التي تريد أن تقذف بالنصّ في سلة المهملات من أجل أن إحنا بنراعي المصلحة.. وهؤلاء هم الذين رددنا عليهم ووقفنا ضد مشروعهم لأنه مشروع تدميري للشريعة وللأمة، إنما نحن مع المدرسة الوسطية التي توازن بين النصّوص وبين المقاصد وبين ثوابت الشرع وبين مُتغيِّرات العصر بعض الأخوة يَظنُّون كأننا حينما نقول بمراعاة المقاصد نحن نريد أن نخترق الثوابت، لا الثوابت لا يمكن اختراقها من المدرسة الوسطية اللي هي المدرسة التي نتبنَّاها في هذه القضية إنها تلائم بين الثوابت وبين المتغيرات وأنها تلائم أيضا بين الوسائل المتغيِّرة والمقاصد الثابتة، فيه مقاصد ثابتة للشرع وفيه وسائل متغيرة، البعض يمسك الوسائل ويترك ولا يهتم بالمقاصد لا إحنا نريد نصّرّ على المقاصد ونركِّز عليها ولكن الوسائل قد تتغير، مثلا أنا هأضرب لك مَثل القرآن قال {وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ(1/124)
وعَدُوَّكُمْ} الوسيلة رباط الخيل والمَقْصّد إرهاب الأعداء أعداء الله وأعدائنا إنما الوسيلة دي تتغيَّر الآن لم يعد لرباط الخيل قيمة أصبحت خيل العصر هي الدبابات والمدرعات والمصفحات وهذه الأشياء هي التي يجب أن نملكها ما نقولش لا ده القرآن قال لنا رباط الخيل ما أحاربش إلا.. لا النبي عليه الصلاة والسلام قال "السِواكُ مَطْهَرةٌ للفم مَرضَاةٌٌ للرب" فيه مقصد هنا وهو تنظيف الفم وده مقصد ثابت يجب أن يستمر وفيه وسيلة وهي عود الأراك السواك ده قد يصلح في بلد مثل السعودية فيها هذا الشجر ولا يصلح في بلاد أخرى وعلى.. ولكي نعمل نصّنَّع وسيلة تستعملها مئات الملايين من الناس الفرشاة، فأنا أقول ليس المهم أننا نتمسك، فأنا لا أريد من الأخوة أن يعني يتمسكوا وبعدين ليس المقصود كلمة مراعاة المقاصد هذه ليست لعامة الناس هذه للعلماء الراسخين عليهم أن يراعوا المقاصد في اجتهاداتهم والأخ اللي بيقول هذه مثل الحلقة اللي فاتت، لا الحلقة اللي فاتت كان الاجتهاد الجماعي..
خديجة بن قنة: حول الاجتهاد الجماعي نعم.
يوسف القرضاوي: ليس حتى في الاجتهاد ولكن الاجتهاد الجماعي والاجتهاد الجماعي يعتمد على النصّ ويعتمد على الإجماع ويعتمد على القياس ويعتمد على المصلحة ويعتمد على كل شيء إنما هذا مُخَصَّص لرعاية المقاصد.
خديجة بن قنة: نعم، عبده الجعفري من السعودية أيضا كان يتحدث كنتم تقولون إن كل الأفعال مُعلَّلّة وكل الأحكام مُعلَّلّة، يقول العِلَّة قد تتَّضح لأناس وتخفى عن آخرين ليس المطلوب دائما معرفة الحكمة ومن وراء هذا الفعل خصوصا في مقاصد العبادات مثلا هل على المرء أن يعرف لماذا فُرِضَت الصلاة العصر قبل المغرب؟(1/125)
يوسف القرضاوي: لا العبادات بالذات، الأصل في العبادات فيه من خصائص المدرسة الوسطية اللي أنا بأتكلم عنها إنها تميز بين العبادات والمعاملات في أمرين أساسيين، الأمر الأول إن الأصل في العبادات المنع إلا ما أذن به الشارع والأصل في المعاملات الإذن إلا ما منعه الشارع ولذلك في أمور العبادات نحتاج إلى نوع من التقييد والتضييق، مثلا الأخت اللي جاءت في أميركا وعايزة تصلي إمام بالناس وبتاع هذا يعني أمر لم يحدث في الإسلام يعني أجمع المسلمون على أن الإمامة للرجال ولا للحِكَمْ..
خديجة بن قنة: فقط نفتح قوس فضيلة الشيخ.. نفتح قوس..
يوسف القرضاوي [متابعاً]: فالأمر الأول في التمييز بين العبادات إن الشارع وسَّع في المعاملات ما لم يوسَّع.. الأمر الثاني إنه حينما ننظر إلى المعاملات ننظر إلى العِلَّة والمَقْصد والحكمة والأسرار إنما العبادة خذها ما أقولش ليه الصلاة كانت خمس وما كنتش ثلاثة وما كنتش أربعة؟ ليه الظهر كان أربعة وما كانش اثنين زي الصبح؟ ليه هذه صلاة سرية وهذه جهرية؟ ليه الركوع مرة واحدة والسجود مرتين؟ لا آخذ الحج مليان أشياء ليه بأرمي الجمرات؟ ليه كانت سبعة؟ ليه الطواف سبعة؟ ليه الكعبة كانت على شمالنا مش على يميننا؟ يعني هذه كلها تأخذ بالتسليم إنما لا مانع إن إحنا نبحث عن أسرار العبادات، يعني أقول إن الصوم والله فيه فائدة عظيمة فيه راحة للمعدة "صوموا تَصِحُّوا" فيه تقوية للإرادة أن الإنسان اللي بيقعد كل نصف ساعة يدخن يقعد له مثلا 17 ساعة ما يمسكش السيجارة أبدا، تقوية.. فيه الإحساس بالنعمة إن الإنسان ما يُقَدِّرش نعمة الله عليه لأنه عايش وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، إنه يحس بجوع الآخرين إنه كذا.. لا مانع إن أنا أبحث في أسرار العبادات إنما ليس من المهم أن أُدرك التفصيل فيها.
أصول المصالح الخمس(1/126)
خديجة بن قنة: نعم فضيلة الشيخ العلماء حصروا أصول المصالح في خمس مقاصد، حفظ الدين، النفس، العقل، النسل والمال، هل لكم أن تشرحوا لنا ذلك بإيجاز وهل هذا الترتيب اجتهادي برأيكم؟
يوسف القرضاوي: هو الذي بدأ بهذا الإمام أبو حامد الغزالي في كتابة المصطصفى قال إنه الشرع دا يحافظ على.. مقصود الشرع من الناس هو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم يعني حياتهم ونسلهم وعقولهم وأموالهم، هذه الأمور.. الإمام القرافي زاد على ذلك العِرْض قال يجب أن يضاف إلى هذه العِرْض لأن الرسول قال "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعِرضه" فجعل العرض وقال في حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا" فجعل العِرض مع المال تماما وجعل فيه عقوبة على العِرض، عقوبة القذف إذا رمى إنسان امرأة بالفاحشة أو رجلا حتى بالفاحشة نجلده ثمانين جلدة حفاظا على العرض، العرض هو إيه؟ يعني سمعة الإنسان وكرامته يعني هذا جانب معنوي صحيح العلامة الشيح ابن عاشور وهو من الباحثين في المقاصد وله كتاب عظيم في مقاصد الشريعة استدرك به على علامة المقاصد وأبي المقاصد اللي هو الإمام الشاطبي.
خديجة بن قنة: الشاطبي.(1/127)
يوسف القرضاوي: الإمام ابن عاشور رفض اقتراح القرافي وقال لا إنه العِرض لا يبلغ أن يكون من الضروريات الخمسة، أنا في رأيه إنه لا يبلغ لأنه الكرامة والسمعة صحيح يعني ليس أمرا ماديا إنما الأمر المعنوي هذا له قيمة ولذلك هو نفسه الشيخ ابن عاشور اقترح الحرية إنها تضاف والمساواة وهذه الأشياء لذلك العلَّال الفاسي إخوانا المغاربة اهتموا بالمقاصد قبل المشارقة والإمام الشاطبي هو مغربي وهو الذي وَسَّع ما قاله الإمام الغزالي وأضاف إليه وجعل جزءً من كتابه الرائع الفريد الموافقات في مقاصد الشريعة، فهو نظر إلى ما يحتاج إليه الإنسان، يحتاج الإنسان إلى الدين واعتبروا الدين هو الضرورية الأولى، يعني هذا الترتيب مُرَاعى إن الدين هو لأن الإنسان يضحي بنفسه من أجل دينه ويضحي بوطنه من أجل دينه، فالدين مُقَدَّم على.. الإنسان بيروح يستشهد في سبيل الله يعني في سبيل الدين ويضحي بماله من أجل الدين يضحي بداره وأرضه ووطنه ويهاجر من أجل دينه كما ترك الصحابة مكة وهي أحب بلاد الله إليهم وأحب بلاد الله إلى الله تركوها مهاجرين في سبيل الله، فالدين هو الضرورية الأولى وبعدين تأتيها ضرورية النفس، النفس دا عبارة عن حق الحياة بعد ذلك وبعدين النسل استمرار الحياة أيضا يعني ثم العقل ثم المال نضيف إليها العِرْض، هناك في عصرنا من نظروا المقاصد نظرة أوسع من هذا يعني العلامة الشيخ رشيد رضا له كتاب اسمه الوحي المحمدي ذكر فيه مقاصد ذكرها تحت عنوان مقاصد القرآن ذكر عشرة مقاصد مش.. ونَحَى بها نَحوا آخر تتعلق بالإصلاح الديني يعني إصلاح يعني الأديان بعد أن حُرِّفت وبُدِّلت، الإصلاح الديني، الإصلاح الإنساني إصلاح فطرة الإنسان والعودة بالإنسان إلى فطرته وكرامته وحريته، الإصلاح الاجتماعي إصلاح المرأة والأسرة، الإصلاح السياسي إصلاح الأمة، إصلاح العلاقات العالمية، يعني ذكر عشرة.. فالمقاصد قابلة أنا في بحث لي ذكرت عشرين مقصدا..(1/128)
خديجة بن قنة [مقاطعة]: ليست محدودة في عدد معين لكن فضيلة الشيخ.. نعم.
يوسف القرضاوي: يعني ممكن لأنها عملية اجتهادية ليس فيها نصّ.
خديجة بن قنة: نعم، الخلاف في ترتيب المقاصد هل يؤدي إلى خلاف في الأحكام المترتبة عليها، نأخذ مثال الجهاد مثلا قُدِّم حفظ الدين على حفظ النفس لكن مثلا في تخيير المرأة بين الزنا والموت بالإكراه هل هناك اختلاف بين العلماء؟
يوسف القرضاوي: ربما اختلفوا في هذا، هل يعني تضحي بنفسها حفاظا يعني على دينها وعلى عِرضها أو حتى لا نَجَرِّئ يعني هو داخل في دي اعتبارات أخرى أن حتى لا نُجَرِّئ الآخرين، المسلمة تقول أموت ولا أُفَرِّط في عِرضي يعني هذه كما قال العرب قديما تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فهذا يعني مقارنة بين العِرض والحياة.
خديجة بن قنة: نعم، فضيلة الشيخ، نعم، مقاصد الشريعة جُعِلت على مراتب ضروريات وحاجِيَّات وتحسينات، ما هو المعيار الذي على أساسه يمكن أن نقرر هذا الأمر ضروري أو يعتبر ضمن الحاجِيَّات أو ضمن التحسينات؟(1/129)
يوسف القرضاوي: هذا في الحقيقة يعني ما ذكره الإمام الغزالي الذي يُعتبَر هو واضع نظرية المقاصد الأولى الأساس الذي بَنى عليه الإمام الشاطبي بنيانه الكبير وهو حينما ذكر الضروريات الخمس ذكر أن المصالح يعني تنقسم إلى مراتب يعني ثلاث، ضروريات وحاجِيَّات وتحسينات وهذا في الحقيقة تقسيم منطقي يعني يتفق مع العقل ومع الشرع ومع الواقع ولا يستطيع أحد أن يَردَّه مهما يعني اجتهد المجتهدون في توسيع المقاصد والإضافة إليها لا يستطيعون أن يتنازلوا عن هذا الترتيب، إن هناك ضروريات في المرتبة الأولى وحاجِيَّات وتحسينات ولكل منهما منزلته لا يمكن أن نضحي بالضروريات ونؤجل الحاجِيَّات أو بالحاجِيَّات من أجل التحسينات لا كل واحدة.. ما هي الضروريات؟ الضروريات هي ما لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا به، يعني إذا لم يوجد يموت، زي الأكل والشرب واللباس والسكن وأشياء أساسية للإنسان، فهذه ضروريات، فيه أشياء حاجِيَّات يعني البيع والشراء والإيجار وهكذا هذه من الحاجِيَّات التي لابد منها ممكن الإنسان بدل ما يبيع يعمل مقايضة أو يعمل كذا.. هذه من.. الحاجِيَّات هي التي يستطيع الإنسان أن يعيش بدونها ولكن تكون حياته في حرج وضيق ومشقة، فلكي تكون حياته حياة يعني طيبة وسلسة وسهلة ومرنة، هذه الحاجِيَّات التحسينات هي الأشياء المُكَمِّلة..
خديجة بن قنة: الكَمَالِيَّات.(1/130)
يوسف القرضاوي: التي نُعبِّر عنها في عصرنا بالكَمَالِيَّات يعني يمكن إنسان يعيش بدونها ولا يعمل.. فممكن حتى بعض الضروريات فيه تحسينيَّات يعني إنسان مثلا لابد له من مسكن دا أمر ضروري عشان يعيش فيه إنما علشان بقى يبقى المسكن بسعة كذا ومعمول بالطريقة الفلانية طبعا عشان يبقى فيه هوا وحاجات زي كده دي أشياء لابد منها، إنما علشان يزيّنه ويزخرفه ويعمله كدا دي تحسينات وأحيانا حتى تخرج من التحسينات إلى السرفيات تصبح من السرف والترف المذموم شرعا، فهذا التقسيم المنطقي لمصالح الناس إلى ضروريَّات وحاجِيَّات وتحسينيَّات لكل منها مرتبته ومنزلته بحيث لا تتعدى يعني مرتبة على أخرى هذا مُقَرَّر ومطلوب.
خديجة بن قنة: نعم، لكن ماذا لو تعارض النصّ مع المَقْصد، هل نهمل النصّ ونُعَطِّلُه ونُحَكِّم المَقْصد؟ مثال ذلك مثلا المرأة التي تُسلم وزوجها غير مسلم، مثلا قضية الحجاب في الغرب في أوروبا.
"
ليست كل تكاليف الشرع سواء وهذا ما يهتم به فقه الموازنات بين المصالح بعضها وبعض
"(1/131)
يوسف القرضاوي: هذا ليس تعارض بين نصّ ومقصد، لا يعني قضية المرأة أن تُسلم وهذه وجدنا لها حل في داخل نصوص الشريعة نفسها يعني لم نجد فيها تعارضا بين نصّ ومقصد والحجاب ليس فيه تعارض بين نصّ ومقصد إنما هو تحكُّم من الحكومة الفرنسية في اختيارات المسلمين وحريتهم، هذه أشياء نحلُّها أحيانا من داخل الشريعة، وجدنا عن سيدنا عمر وسيدنا علي إنه ممكن المرأة تبقى مع زوجها بعد أن تسلم ولا حرج عليها، وجدنا من العلماء من يقول إذا لم يقض بينهما قاض فهما على نكاح، إذا ما صدرش حكم يفرق بينهما حكم قضائي من محكمة هما زوجان على نكاحهما الأول هذا ليس نصّ، الحجاب يعني قلنا للمسلمات إن عند الضرورة المسلمة يعني حتى لا يضيع عليها التعَلُّم ممكن تخلع الحجاب في المدرسة وتلبسه خارج المدرسة والضرورات تبيح المحذورات ولكن يُكَمِّل هذه القاعدة قاعدة أخرى الضرورة تُقَدَّر بِقَدَرِها.
خديجة بن قنة: هو نفس السؤال الذي تطرحه حنان، حنان من فلسطين تقول الكثير من فتيات المسلمين اللاتي يسكنّ داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 يبررن عدم ارتدائهن الحجاب باحتمال أن يتعرضن إلى الإهانة والأذيّة لأنهن يعشن في بلاد يسكنها ويديرها اليهود فيفضّلن الاحتشام على ارتداء الحجاب وهذا في نفس سياق المثال الذي كنا نتحدث عنه بالنسبة لأوروبا، فضيلة الشيخ هل يمكن اعتبار سدّ الذرائع من ثمار النظر إلى المقاصد على اعتبار أن سدّ الذرائع هو حسم الوسائل التي ظاهرها المشروعية وفي النهاية تؤدي إلى مآل ممنوع؟(1/132)
يوسف القرضاوي: هو هذا يعني ينظر إليه في ضوء ما يسمى فقه المآلات، إن أنا يعني ذكرت حتى وإحنا في مشروع مركز دراسات المقاصد إن يجب أن يدخل في المقاصد فقه المآلات وفقه الموازنات وفقه الأولويات لأن ده كلها يدخل في مقاصد الشريعة إن الأشياء ليست كلها في منزلة واحدة ليست كل تكاليف الشرع سواءً دا كل تكليف له تسعيرة معينة يعني كما قال الله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ} لابد أن ندخل في هذا فقه الموازنات بين المصالح بعضها وبعض، كان من ضمن أسئلة بتاع إن درء المفاسد مقدم على جلب الإيه؟ المصالح، يعني هذا أيضا من ضمن القواعد التي تتخذ في عملية المقاصد ولكن أحيانا تبقى مفسدة بسيطة ومصلحة كبيرة ممكن نضيع..
خديجة بن قنة: مثل مسألة سِياقَة المرأة مثلا في.. سِياقَة المرأة يعني تُمنَع المرأة من السِياقَة رغم أنه لا وجود لأي دليل على تحريم سِياقَة المرأة لكن المفسدة المقابلة هي وجودها مع سائق أجنبي.
يوسف القرضاوي: هم الذين منعوا المرأة لم يمنعوها بنصّ شرعي لا وإنما قالوا خوفا على إن المرأة تستعمل السيارة فيما لا يجوز، أصبحت معها سيارة قادرة على أن تتنقل كيف تشاء وتفعل كيف تشاء وهذا سوء، سوء ظن بالمرأة ومن ناحية أخرى قال إنه اللي حيعلمها حتضطر إنها تروح تجلس بجوار رجل ولكن يجب.. ممكن الاحتياط في هذا كله والمفسدة التي تترتب على قيادة المرأة للسيارة أكثر إنه في.. إذا تركنا تركت المرأة القيادة معناها إنها حتروح مع سائق يعني هندي ولا فلبيني ولا كذا وكذا، هذا يترتب عليه مخاطر ومفاسد أكثر من السِياقَة ولذلك كثير من البلاد أجازت هذا، قطر تجيز السِياقة معظم بلاد الخليج تجيز هذا مصر وسوريا وغيرها تجيز فأكثر المسلمين يجيزون للمرأة القيادة.(1/133)
خديجة بن قنة: طب نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ عن واقع..
يوسف القرضاوي [مقاطعاٌ]: أنا بس كنت عايز أتكلم في قضية فقه المآلات هذا معنى فقه المآلات يعني إيه؟ إننا ننظر إلى مآل هذه الواقعة..
خديجة بن قنة: عاقبة الأشياء.
يوسف القرضاوي: يعني النتائج والآثار التي تترتب عليه يعني ننظر إلى الآن ولا ننظر إلى ماذا سيترتب على.. يعني النبي عليه الصلاة والسلام اقترحوا عليه أن يقتُل المنافقين عبد الله ابن أُبَيّ والجماعة الذين كادوا للمسلمين وفعلوا ما فعلوا، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم "أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، يعني خشي من حملة إعلامية مضادة تشوش على عمل الرسول وتقول محمد بيقتل أصحابه وهو الحقيقة وهو هؤلاء ليسوا أصحابه، القرآن ذكر.. بعض الأخوة تكلم عن قضية سورة الكهف وسورة الكهف سيدنا موسى مع العبد الصالح، ده كل اللي عمله يتعلق بفقه المآلات، خرق السفينة {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إمْراً} لما جه يفسروا قال له أنت ما أخذتش بالك من المآل أنا خرقتها ليه؟ {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وكَانَ ورَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} واحد ملك يصادر كل السفن اللي في البحر إذا وجدها سفينة صالحة مفيش فيها أي عيب يضمها إلى الأسطول الملكي فقال له أنا حبيت أعمل فيها عيب يجي يلتقيها فيها خرق لا ما تنفعناش فتترك لهؤلاء المساكين فدا نظر إلى المآل، ففقه المآلات هذا أمر مهم جدا.(1/134)
خديجة بن قنة: نعم لم يبق لدينا الكثير من الوقت، فقط الوقت الذي بقي هو للشكر لنوجه الشكر لفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، نشكركم أنتم أيضا على المشاهدة ونشكر فريق البرنامج مخرج البرنامج منصور الطلافيح ومُعِدّ البرنامج معتز الخطيب، نلتقي في حلقة الأسبوع القادم بحول الله وسنخصصها لوضع المرأة في الإسلام لكم منا أطيب المنى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*************
سؤال رقم 762: أدلة تحريم الإسبال
السؤال :
أخبرني أحد الأخوان بأن لبس الملابس تحت الكعب حرام وأن هناك أحاديث كثيرة تثبت هذا ، أريد رأيك حول الموضوع .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
ما قاله لك صاحبك حقّ ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في منع الإسبال فمن ذلك :
ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) البخاري رقم 5787
وقال صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل والمنان والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب ) رواه مسلم رقم 106
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) رواه أبو داود رقم 4085 والنسائي رقم 5334 بإسناد صحيح
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلِ الْإِزَارِ . " رواه النسائي في المجتبى (5332) كتاب الزينة : باب : إسبال الإزار
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ هَذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ " رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سنن الترمذي رقم 1783(1/135)
وكلّ الأحاديث المتقدّمة عامة في منع الإسبال سواء قصد صاحبه الخيلاء والكبر أو لم يقصد ، ولكن إذا قصد الخيلاء فلا شكّ أنّ إثمه سيكون أعظم وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً ) البخاري رقم 5788 ، ومسلم رقم 2087
وقال جابر بن سليم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ) صححه الترمذي رقم 2722
ثمّ إنّ المرء لا يستطيع أن يبرّئ نفسه من الخيلاء ولو ادّعى ذلك فلا يُقبل منه لأنّها تزكية لنفسه ، أما من شهد له الوحي بذلك فنعم كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر يا رسول الله إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال ( إنك لست ممن يفعله خيلاء ) رواه البخاري رقم 5784.
ومما يدّل على أنّ الإسبال ممنوع ولو لم يكن معه خيلاء حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ، ومن جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه ) رواه أبو داود رقم 4093 بإسناد صحيح . فقد ذكر في الحديثين عملين مختلفين رتّب عليهما جزاءين مختلفين .
وروى الإمام أحمد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِزَارِ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ تَعَلَّمْ ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ هُوَ فِي النَّارِ يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ(1/136)
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَيْنَ فَقَالَ أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ . " رواه مسلم رقم 2086 كتاب الكبائر للذهبي 131-132.
والإسبال كما يكون في الرّجال فإنّه يكون في النساء كذلك ومما يدلّ عليه حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ شِبْرًا قَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ تُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا تَزِدْنَ عَلَيْهِ ." النسائي : كتاب الزينة : باب ذيول النّساء .
وربما تكون عقوبة المختال في الدنيا قبل الآخرة كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " رواه مسلم 2088
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
****************
عدم نظر الكريم المنان لمسبل الأزر، والثياب، والسراويل، والقمصان
جر الإزار عادة ومن غير خُيلاء حرام
جر الإزار خُيلاء كبيرة من الكبائر، ويمنع من نظر المولى للعبد، ويحتاج إلى توبة
الإسبال يكون في كل الملابس
حكم الإسبال
الإسبال حرام، سواء كان فعله بطراً أم عادة وجهلاً
الحالات التي يجوز فيها الإسبال
الحالات التي يجوز فيها الإسبال(1/137)
حكم وضوء وصلاة المسبل
الخلاصة
الحمد لله الذي أمرنا بالاقتداء والتأسي بالأنبياء وأتباعهم، وحذرنا من التشبه بالكفرة، والفجرة، والفاسقين، فقال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"[1]، وقال: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد"[2]، ورضي الله عن ابن مسعود حين قال ناصحاً لإخوانه المسلمين من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: "من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا فضلهم، واتبعوهم في أقوالهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على صراط مستقيم".
اعلم أخي الكريم أن أحب الكلام كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، واعلم كذلك أن الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة كما أخبر الصادق المصدوق.
وما من هدي ولا سمت أفضل ولا أحسن ولا أكرم ولا أصلح من هدي وسمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان من الأنام.
من هذا السمت الصالح والهدي الفالح تعاهد الأزر، والقمصان، والسراويل، والعمائم، والأكمام، ألا تزيد وتتجاوز على ما كان عليه هدي سيد ولد عدنان، (وكان هديه في لبسه لما يلبسه، أنفع شيء للبدن، فإنه لم يكن يطيل أكمامه ويوسعها، بل كان كم قميصه إلى الرُّسْغ، لا تجاوز اليد، فتشق على لابسها، وتمنعه خفة الحركة والبطش، ولا تقصُرُ عن هذه فتبرز للحر والبرد.(1/138)
وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين، لم يتجاوز الكعبين، فيؤذي الماشي ويؤوده، ويجعله كالمقيد، ولم يقصر عن عضلة ساقه فتنكشف فيتأذى بالحر والبرد.
ولم تكن عمامته بالكبيرة التي يؤذي الرأس حملها ويضعفه، ويجعله عُرضة للضعف والآفات كما يشاهد من حال أصحابها، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسط بين ذلك).[3]
ومن عجيب أمر غالبية الذكران من المسلمين تهاونهم في أمر تواترت فيه الأحاديث والسنن تواتراً معنوياً، وزاد عدد رواتها عن ست وعشرين صحابياً، وورد فيه من التحذير والتغليظ الشيء الكثير، نحو: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً"[4]، و"ما أسفل من الكعبين فهو في النار"[5]، و"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم"، وذكر منهم: "المسبل".[6]
وأعجب من إسبال الرجال، تشمير بعض النساء عن سوقهن بعد الإسفار عن شعورهن ووجوهن، وقد أمرن بإسبال ذيولهن ذراعاً، مخالفات بذلك أمر رسولهن، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح تورد المهالك، قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم"[7]، قال الإمام أحمد: (الفتنة الشرك، لعله إن ترك بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)، ومخالفات لما سنته لهن هاجر أم إسماعيل عليها السلام، كما ذكر ذلك الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في "الاستذكار"[8]: (أول امرأة جَرَّت ذيلها هاجر أم إسماعيل عليه السلام)، فقد عكسن الآية كما يقولون.(1/139)
ولله در أمنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، ما أطهرها وأعفها، عندما خشيت أن يكون التشمير عاماً للرجال والنساء استفسرت عن ذلك في الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة؛ فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبراً، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن، فقال: يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه".[9]
وبعد..
فهذا بحث عن الإسبال في اللباس، عن حكمه للرجال والنساء، وعن الحالات التي يباح فيها الإسبال، وعن أدلته، وهل هناك فرق بين من يصنعه تكبراً وخيلاء وبين من يفعله عادة وتقليداً؟ وعن مذاهب أهل العلم في حكم وضوء وصلاة المسبل، وما يتعلق بذلك.
والله أسأل أن يرزقنا الصدق والإخلاص، وأن يوفقنا للاتباع، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكره إلينا وإلى جميع المسلمين الكفر والفسوق والعصيان، وصلى الله وسلم وبارك على أفضل الرسل والنبيان، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديهم واتبع رضاهم.
الإسبال يكون في كل الملابس
الإسبال يكون في جميع ما يلبسه الرجال، سيما في الآتي:
1. الإزار.
2. القميص، الثوب، الجلباب.
3. الكم.
4. السراويل.
5. لعمامة.
6. العباءة، المشلح.
قال صلى الله عليه وسلم: "الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة"[10] .
القدر المستحب والجائز الذي يصل إليه حد الثوب في الإزار، والقميص، والسراويل يختلف من نوع إلى آخر فيما فوق الكعبين، وإليك التفصيل:
1. الإزار
له ثلاثة حدود، وهي:
أ. عضلة الساق، وهي أعلاها.
ب. نصف الساقين، وهو أوسطها.
ج. فوق الكعبين، وهو أدناها، وما غطى الكعبين أوزاد فهو حرام.
2. القميص، الثوب، والجلباب، والعباء
هذه لها حدان:
أ. أعلاهما وأحبهما إلى نصف الساقين.
ب. وأدناهما إلى ما فوق الكعبين، وهو الجائز.(1/140)
هذا في الطول، أما في العرض فينبغي أن لا يكون واسعاً فضفاضاً وأن لا يكون ضيقاً واصفاً للعورة.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج ـ أولا جناح ـ فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار".[11]
3. الكُمّ
الإسبال يكون في طوله وعرضه، أما الطول فينبغي أن لا يتجاوز الرّسغ، وأما العرض فلا يكون واسعاً.
4. العمامة
الإسبال يكون في طولها وعرضها على أن لا يزيد الطول على المعتاد 3-4 أمتار، وفي ذؤابتها أن لا تتدلى أكثر من شبر.
5. السراويل
من نصف الساقين إلى ما فوق الرجلين.
6. العباءة والمشلح
من لبس عباءة عليه أن يدخل يديه في كميها فيضمها إلى جانبيه.
قال الشيخ بكر أبو زيد: (وبه يُعلم أن من يلبس العباءة أي "المشلح" فيرسله على جانبيه دون أن يدخل يديه في كميه، فيضمه، أويضم جانبيه، أن هذا من السدل المنهي عنه، وهو مُشاهَد من عمل الروافض، ولدى بعض المترفين من المسلمين).[12]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقال الطبري: إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار والأردية، فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي، قال ابن بطال: هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب، فإنه يشمل جميع ذلك، وفي تصوير جر العمامة نظر، إلا أن يكون المراد ما جَرَتْ به عادة العرب من إرخاء العذبات، فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال، وقد أخرج النسائي من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه قال: "كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفيها بين كتفيه"، وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه؟ محل نظر[13]، والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك.(1/141)
قال شيخنا[14] في شرح الترمذي: ما مس الأرض منها خيلاء لا شك في تحريمه. قال: ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيداً، ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به، ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع[15]. ونقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة[16] وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة).[17]
حكم الإسبال
(أ) حكم الإسبال للرجال
كل ما زاد على الكعبين أوالرسغين فهو حرام وكبيرة، وإن كان مصحوباً ببطر وخيلاء فهذا مع كونه كبيرة فإنه لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
(ب) حكم الإسبال للنساء
ما زاد على الذراع فهو حرام.
الأدلة على ذلك
الأدلة على تحريم الإسبال على الرجال كثيرة جداً بلغت حد التواتر المعنوي، وقد رواها ما يقارب الثلاثين من الصحابة، منها ما هو في الصحاح، ومنها ما هو في السنن والمسانيد، ومنها ما هو في دواوين السنة الأخرى، وإليك طرفاً منها:
1. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة؛ قال أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لستَ ممن يصنعه خيلاء".[18]
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفل عن الكعبين ففي النار".[19]
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً".[20]
4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به، فهو يجلجل إلى يوم القيامة".[21](1/142)
5. وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها قالت: "كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسغ".[22]
6. وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم؛ قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبوذر: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل[23]، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".[24]
7. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جر شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"[25] .
8. وعن أبي جُرَي جابر بن سُليم رضي الله عنه يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة".[26]
9. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "مررتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله ارفع إزارك؛ فرفعته، ثم قال: زد؛ فزدتُ، فما زلت أتحراها بعد؛ فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين".[27]
الإسبال حرام، سواء كان فعله بطراً أم عادة وجهلاً
الإسبال حرام، فإن كان مصحوباً بخيلاء وبطر فهو كبيرة من الكبائر، ولا ينظر إلى صاحبه يوم القيامة، والوصف بالخيلاء خرج مخرج الغالب، والقيد إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له عند عامة الأصوليين كما قال الشيخ بكر أبو زيد، كما في قوله: "وربائبكم اللاتي في حجوركم"[28]، فبنت المرأة محرمة على زوجها، ربيبة كانت عنده أم لا، ونحو قوله: "ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة"، فالربا قليلُه وكثيرُه حرام.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1. عن ابن عمر يرفعه: "وإياك وجر الإزار فإن جرَّ الإزار من المخيلة".[29]
2. وعن أبي جري رضي الله عنه مرفوعاً: "وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة".[30](1/143)
3. وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على جابر بن سليم رضي الله عنه، وأنكر على عمرو الأنصاري رضي الله عنه رفع إزاره.
4. وأنكر على رجل من ثقيف، ورفع كذلك.
قال الشيخ بكر أبو زيد: (ورد النهي عن الإسبال مطلقاً في حق الرجال، وهذا بإجماع المسلمين، وهو كبيرة إن كان للخيلاء، فإن كان لغير الخيلاء فهو محرم مذموم في أصح قولي العلماء، والخلاف للإمام الشافعي والشافعية إنه إذا لم يكن للخيلاء فهو مكروه كراهة تنزيه، على أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقضي بأن مجرد الإسبال خيلاء).[31]
قلت: ليس كل خلاف يستراح له، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أقوى الأدلة على تحريم الإسبال من غير خيلاء استفسار أم سلمة رضي الله عنها، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها بأن تسدل المرأة ذيلها مقدار شبرين معتدلين، أي حوالي ذراع.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على استفسار أم سلمة: (ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال: إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء، قال النووي: ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء، ووجه التعقيب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة، لأن جميع قدمها عورة[32]، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط، وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم على فهمها.(1/144)
إلى أن قال: والحاصل أن للرجال حالين: حال استحباب، وهو أن يقصر الإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين، وكذلك النساء على استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع، ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه الطبراني في "الأوسط"[33] من طريق معتمد عن حميد عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبراً"، ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه).[34]
الحالات التي يجوز فيها الإسبال
الإسبال إما كبيرة من الكبائر إذا قرن بالبطر والخيلاء، بجانب عدم نظر المولى إليه، وإما حرام إذا خلا من ذلك، ولا يحل إلا في بعض الحالات التي استثناها الشرع، وهي:
1. للنساء لستر أقدامهن.
2. عند الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات، ولهذا فإن للضرورات أحكام خاصة.
3. عند الاستعجال، حيث يغفل الإنسان ويسها عن بعض الأمور من غير قصد، فإذا ذكر وجب عليه في الحال أن يرفع.
4. لمن يتعاهد ذلك دائماً، ولكن يسبل إزاره لنحافته، كحال أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وإليك الأدلة على ذلك
1. الحديث السابق عن ابن عمر: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة؛ قال أبوبكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لستَ ممن يصنعه خيلاء".
وأبوبكر في الحقيقة لا يفعله خيلاء ولا من غير خيلاء، ولكن لنحافته فإن إزاره مهما شمره ينزل ما لم يتعاهده دائماً.(1/145)
2. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يجر ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد، وثاب الناس، فصلى ركعتين، فجلي عنها، ثم أقبل علينا وقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا الله[35] حتى يكشفها"[36]، والشاهد فيه: "فقام يجر ثوبه مستعجلاً"، وذلك لفزعه صلى الله عليه وسلم من هذه التغييرات الكونية.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح[37] معلقاً على هذا الحديث: (فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي).
وقال كذلك: (ويستثنى من إسبال الإزار[38] مطلقاً ما أسبله لضرورة، كمن يكون بكعبيه جرح مثلاً يؤذيه الذباب مثلاً إن لم يستره بإزاره، حيث لا يجد غيره[39]، نبه على ذلك شيخنا في "شرح الترمذي"، واستدل على ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف في لبس القميص الحرير من أجل الحكة، والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهي عنه من أجل الضرورة، كما يجوز كشف العورة للتداوي).[40]
3. والدليل على إباحة ذلك للنساء استفسار أم سلمة السابق وإقراره صلى الله عليه وسلم على ذلك.
أما لدقة الساقين أولعيب فيهما فلا يحل الإسبال، ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني من حيث أبي أمامة رضي الله عنه: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حُلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله، ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك؛ حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني حمش الساقين؛ فقال: يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل" الحديث.(1/146)
قال ابن حجر في الفتح[41]: (وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه، لكن قال في روايته عن "عمرو بن فلان"، وأخرجه الطبراني أيضاً عن "عمرو بن زرارة"، وفيه: "وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو، فقال: يا عمرو هذا موضع الإزار؛ ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع، فقال: يا عمرو هذا موضع الإزار" الحديث، ورجاله ثقات، وظاهره أن عمرو المذكور لم يقصد بإسباله الخيلاء، وقد منعه من ذلك لكونه مظنة.
وأخرج الطبراني من حديث الشريد الثقفي قال: "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أسبل إزاره فقال: ارفع إزارك؛ فقال: إني أحنف تصطك ركبتاي؛ قال: ارفع إزارك، فكل خلق الله حسن"، وأخرجه مسدّد وأبوبكر بن أبي شيبة من طرق عن رجل من ثقيف لم يسم، وفي آخره: "ذاك أقبح مما بساقك" أي الإسبال، وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد: "أنه كان يسبل إزاره، فقيل له في ذلك، فقال: إني أحمش الساقين"، فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساقين، ولا يظن أنه جاوز به الكعبين، والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة، والله أعلم، وأخرج النسائي وابن ماجةو صححه ابن حبان من حديث المغيرة بن شعبة: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهل وهو يقول: "يا سفيان لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين").
حكم وضوء وصلاة المسبل
ذهب أهل العلم في وضوء وصلاة المسبل مذهبين:
الأول: صحح وضوء وصلاة المسبل مع الكراهة، وهم العامة من أهل العلم.
الثاني: أبطل وضوء وصلاة المسبل، وهذا مذهب ابن حزم وأحمد بن حنبل.
استدل المبطلون لوضوء وصلاة المسبل بما يأتي:(1/147)
1. بما أخرجه أبوداود بإسناد صحيح على شرط مسلم كما قال النووي في رياض الصالحين[42] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما رجل يصلي مسبل إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ؛ فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال: اذهب فتوضأ؛ فقال له رجل: يا رسول الله، مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل".[43]
2. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام".[44]
قال الشيخ بكر أبو زيد: (لشدة تأثير الإسبال على نفس المسبل، وما لكسب القلب من حالة وهيئة منافية للعبودية، منافاة ظاهرة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسبل بإعادة الوضوء، وأن الله لا يقبل صلاة مسبل، وحمل الفقهاء ذلك الحديث على الإثم مع صحة الصلاة، كحال فيمن صلى في كل ثوب يحرم لبسه، وفي الدار المغصوبة، وكما في تحريم آنية الذهب والفضة اتخاذاً واستعمالاً، وتحريم الوضوء منهما، خلافاً لابن حزم، ومذهب أحمد القائل ببطلان وضوء المسبل صلاته، وأن عليه الإعادة لهما غير مسبل، نعم، لا يصلي المسلم خلف مسبل اختياراً).[45]
الخلاصة
1. أن ما زاد على الكعبين للرجال، ويقاس عليه ما زاد على الرُّسغين من اليدين، من الأزر، والقمصان، والسراويل، والأكمام، ونحوها فهو في النار، أما بالنسبة للمرأة فتجر مقدار شبر أوذراع.
2. لا فرق في الإسبال بين القميص، والإزار، والرداء، والعمامة، والكم، والعباءة.
3. لا فرق في حرمة الإسبال بين من فعله خُيلاء وبطراً أم لا، إلا أن من فعله بطراً إثمه أشد ووزره أكبر لأنه كبيرة، ويحتاج إلى توبة منه قبل اجتماع سكرات الموت وحسرات الفوت عليه.(1/148)
أدل دليل على عدم التفريق ما قاله الخليفة الراشد، والإمام العادل، والعبقري الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو محتضر لذلك الشاب الأنصاري العاقل، الذي أثنى على عمر خيراً، وعندما خرج قال عمر: ردوه عليّ؛ فعندما رد إلى عمر قال له: "ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك".
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله: (لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرُّه خيلاء! لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول: لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره).[46]
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على ما قاله الإمام ابن العربي المالكي: (وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: "وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة").[47]
4. الإسبال حرام، ولا يليق بأي مسلم ذكر، صغيراً كان أم كبيراً، وتشتد حرمته ويقبح فعله من المنتسبين إلى العلم والدين، سيما الأئمة منهم في الصلاة، لما يعرض وضوءهم وصلاتهم إلى النقصان إن لم نقل إلى البطلان، فالحذر الحذر أخي الحبيب من الإسبال المؤدي إلى البطر والخيلاء والخسران، وعليك أن تبادر باتباع أمر رسولك وحبيبك محمد، وعليك أن تقتدي بأصحاب رسولك في سرعة الاستجابة لأوامره ونواهيه، وعليك أن يكون لك في خُريم الأسدي الأسوة الحسنة، عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم الرجل خُريم، لولا طول جمته وإسبال إزاره"، فأخذ خريم شفرة وقطع بها جمته، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه.[48](1/149)
فعليك أخي الحميم أن تأخذ جلاليبك وسراويلك وقمصانك، وإن كنت مبتلياً بلبس "البناطلين" فخذها كذلك واذهب بها إلى أقرب ترزي، وقص ما زاد على الكعبين والرسغين، والله يسامحك على سعتها، واحذر أن تخيط ثياباً جديدة تزيد على كعبيك ورسغيك، وإلا فاعلم أن النار ستسع ذلك كله، أعاذنا الله وإياكم من النار ومن غضب الجبار.
5. لا ترغب أخي المسلم عن نظر الله إليك يوم القيامة، فهو من أعظم النعم، وقد توعد الله أنه لا ينظر إلى من جر إزاره خيلاء وبطراً، واعلم أن مجرد الجر هو خيلاء.
6. احذر اخي الكريم لباس الشهرة، ولا تشمر سراويلك، وقمصانك، وجلاليبك أعلى من نصف ساقيك، فإسبال الثياب وسعتها شهرة وكذلك تشميرها الزائد عن الحد الشرعي شهرة، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور الوسط، فلتكن ثيابك ما بين نصف ساقيك إلى ما فوق كعبيك.
والشهرة في اللباس تكون في الإسبال، وفي التشمير المخل، وفي السعة، واللون، والهيئة، والصفة، والتشبه بالكفار، وهو كل ما خرج عن العادة والعرف الشرعي، خرَّج أبو داود بسنده عن ابن عمر يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله"، زاد عن أبي عوانة: "ثم تلهب فيه النار"[49]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه كذلك: "من تشبه بقوم فهو منهم".[50]
قال الشيخ بكر أبوزيد: (وتحصل الشهرة بتميز عن المعتاد: بلون، أوصفة تفصيل للثوب، وشكل له، أوهيئة في اللبس، أومرتفع أومنخفض عن العادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يحرم لبس الشهرة، وهو ما قصد به الارتفاع، وإظهار الترفع، أوإظهار التواضع والزهد، لكراهة السلف لذلك.
وقال غير واحد من السلف: لباس الشهرة مما يزري بصاحبه ويسقط مروءته.
وقال معمر: عاتبت أيوب على طول قميص، فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله، وهي اليوم في تشميره.(1/150)
وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هاني قال: دخلت يوماً على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وعليَّ قميص أسفل من الركبة وفوق الساقين، فقال: أي شيء هذا؛ وأنكره، وقال: هذا بالمرة لا ينبغي.
وإذا حملتك الغيرة في الإنكار على المسلمين، فتخلص قبلُ من لباس الشهرة، كما يتعين على المسبل أن لا ينكر على المرتدي لباس الشهرة وهو متلبس بالإسبال، ابدأ بنفسك فانهها عن غيها..).[51]
7. أما حجاب المرأة فلا يدخل في هذا، فلها أن تلبس العباءة أوأي لباس يغطي جميع جسدها، سواء كان معتاداً في بلدها أم غير معتاد، فالمعروف ما عرفه الشرع، والمنبوذ ما نبذه الشرع.
8. كانت العرب في جاهليتها وبعد إسلامها تمدح تشمير الإزار كما قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في "الاستذكار"[52]، قال متمم بن نويرة في مدح ورثاء مالك أخيه:
تراه كنصل السيف يهتز للندى وليس على الكعبين من ثوبه فضل
وقال العجير السلولي:
و كنتُ إذا داعٍ دعا لمضوفة أشمر حتى يَنْصُفَ السَّاقَ مئزري
وفي رواية:
وكنتُ إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى يبلغ السَّاقَ مئزري
بله قال عمر بن أبي ربيعة معرضاً برجل يجر ثوبه:
كتب القتلُ والقتالُ علينا وعلى الغانيات جرُّ الذيول
وأحب أن أختم هذا بما قال الحافظ الذهبي معلقاً على قول ابن عمر رضي الله عنهما: "أخاف أن أكون مختالاً فخوراً، والله لا يحب كل مختال فخور"، لما فيه من الرد على القائلين أن الإسبال ليس حراماً إلا إذا صُحِبَ بكِبْر وبطر:(1/151)
(قلت: كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخراً فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية[53] الصوف بفرو من أثمان أربع مئة درهم ونحوها، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر، فإن نصحته ولمته برفق كابر، وقال: ما فيّ خيلاء ولا فخر؛ وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه، وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء، وأنا لا أفعل خيلاء؛ فتراه يكابر، ويبرئ نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نص مستقل عام، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء، ويترخص بقول الصديق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري؛ فقال: "لستَ يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء"، فقلنا: أبوبكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولاً على كعبيه أولاً، بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي، وقد قال عليه السلام: "أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، ولا جناح عليه فيما بين ذلك والكعبين"، ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مغطياً لكعابه، ومنه طول الأكمام زائداً، وتطويل العذبة، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس، وقد يُعذر الواحد منهم بالجهل، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة، فإن خُلع على رئيس خلعة سِيَراء[54] من ذهب وحرير وقندس، يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع ولبسها، الشخص يسحبها ويختال فيها، ويخطر بيده ويغضب ممن لا يهنيه بهذه المحرمات، ولا سيما إن كانت خلعة وزارة وظلم ونظر مَكَس[55]، أوولاية شرطة، فليتهيأ للمقت وللعزل والإهانة والضرب، وفي الآخرة أشد عذاباً وتنكيلاً، فرضي الله عن ابن عمر وأبيه، وأين مثلُ ابن عمر في دينه، وورعه، وعلمه، وتألهه، وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة فيأباها، والقضاءُ من مثل عثمان فيرده، ونيابة الشام لعليّ فيهرب منه؟ فالله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب).[56](1/152)
واللهَ أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويهديهم سبل السلام، وأن يوفقنا وإياهم إلى التمسك بسنة خير الأنام صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*****************
الإسبال
المجيب فتاوى اللجنة الدائمة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
التصنيف
التاريخ 9/21/2004
السؤال
ما حكم الإسبال ؟
الجواب
الأصل فيما زاد على الكعبين من ثياب الرجال أنه محرم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) .
وقد عنون النووي في شرحه على صحيح مسلم فقال : باب بيان غلظ تحريم إسبال الإِزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف ، وساق فيه حديث أَبِي ذَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرَ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْمَنّان،ُ وَالْمُنَفّقُ سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب"
وهذا الحكم عام في السروال والقميص ونحوه، وذكر إسبال الإزار وحده لأنه كان عامة لباسهم، وحكم غيره من القميص وغيره حكمه. وقد ذكر النووي : أن ذلك قد جاء مبينا منصوصا عليه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة بإسناد حسن والله أعلم.(1/153)
وقيده بعض أهل العلم بما كان من ذلك على سبيل الخيلاء، لما ورد من أبا بكر رضي الله عنه كان يتعاهد إزاره وكان يسقط منه وينزل عن الكعبين فسأل في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : "إنك لست ممن يجرونه خيلاء"، قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم : وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "المسبل إزاره" فمعناه المرخي له الجار طرفه خيلاء، كما جاء مفسرا في الحديث الآخر: "لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء" والخيلاء الكبر، وهذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل إزاره، ويدل على أن المراد بالوعيد من جره خيلاء، وقد رخص النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: لست منهم إذ كان جره لغير الخيلاء.
**************(1/154)