بسم الله الرحمن الرحيم
الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية
(دراسة اجتماعية ميدانية)
د. خالد بن عبدالله التركي
قسم الاجتماع بكلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية/ جامعة القصيم
ملخص البحث:
ظهرت في الآونة الأخيرة وبرزت في المجتمع السعودي مشكلة تزايد الإصابة بالأمراض الروحية، مما يتطلب تكاتف جهود الباحثين والمتخصصين لسبر غور تلك المشكلة. تهدف هذه الدراسة إلى توضيح أهم الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية ، ومن ثم الوصول إلى أهم المقترحات أو السبل الكفيلة بالحد من تفاقمها. سيعتمد البحث على المنهج الوصفي باستخدام عدة طرق، هي طريقة الملاحظة بالمشاركة حيث تمت معايشة دور الرقية في منطقة القصيم، بغرض الكشف عن واقع الرقية الشرعية، وطريقة دراسة الحالة مع تسع حالات أصيبت بأمراض روحية. كما تم استخدام المقابلة غير المقننة مع بعض الرقاة الشرعيين للتعرف على ظروف الإصابة بالأمراض الروحية التي تقع للناس وأسبابها وآثارها وكيفية التغلب عليها وأهم الحلول التي يرون أهمية تطبيقها للحد من عواقبها. تتجلى أهمية هذه الدراسة في كونها إضافة جديدة للباحثين والمهتمين بهذا المجال وخاصة المختصين في الدراسات الاجتماعية والشرعية والأنثروبولوجية والنفسية.(1/1)
خلص البحث إلى أن الأمراض الروحية تكثر عند النساء، وأن أغلب المصابين ينتمون إلى الفئات العمرية (20-40) سنة، وأنها تزيد بين ذوي المستويات التعليمية المنخفضة مع وجودها عند الفئات الأخرى، وأن أكثر المشتغلين بالرقية الشرعية هم إما من طلاب العلم الشرعي، أو أئمة المساجد، أو المدرسين، ولكن بدأت تندس في المجتمع فئة مختلفة من الرقاة قد يتوهم المصاب أنهم على خير نظراً لما يلاحظه من تأثر على أيديهم، وأن أكثر الرقاة يزاولون الرقية إما بنية الدعوة والشفاء، أو كهواية، أو لمقاومة السحرة والكهنة، أو للشهرة والمال، وأن أغلب المبحوثين بينوا أن المساء هو الوقت الذي تزداد فيه معاناتهم الروحية، وأن مرض الاكتئاب يشكل خطورة عالية يواجه الشباب في الوقت الراهن، وأن الإجازات الرسمية أفضل الأوقات للرقية، وأن أهمّ أسباب الإصابة بالأمراض الروحية زيادة الضغوط الاجتماعية، وأنه يلاحظ على المصابين بالأمراض الروحية تعميم السحر والمس والعين على كل علة نفسية وعقلية وإغفال دور العوامل الأخرى أياَّ كانت؛ اجتماعية، أو تربوية، أو نفسية، كما اتفق المصابون على أن أنسب الحلول للأمراض الروحية هو قراءة القرآن الكريم والتحصن بالأذكار الشرعية. وتوصي الدراسة بأهمية استمرار تكثيف حملات توعوية بأخطار الإصابة بالأمراض الروحية، وإلى دعم فكرة التكامل - لا التنافر - بين الطب النفسي والرقية الشرعية.
موضوع البحث وأهدافه :
تتنوع الظواهر والمشكلات الاجتماعية وتتباين وفقاً للبناء الاجتماعي والثقافة السائدة في المجتمعات الإنسانية. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة وبرزت في المجتمع السعودي مشكلة تزايد الإصابة بالأمراض الروحية. ومما يؤكد ذلك اهتمام وسائل الإعلام على مستوياتها وأوعيتها المختلفة بأسباب الأمراض الروحية وطرق معالجتها، وفتاوى هيئة كبار العلماء ذات العلاقة.(1/2)
اتجه كثير من المصابين بالأمراض الروحية إلى دور الرقية الشرعية بعد أن عجز الطب الحديث عن تفسير أو معالجة بعض الظواهر المرضية بسبب تركيزه على الجوانب العضوية والبيولوجية وإهماله الجوانب الروحية مما أوجد فجوة ما زالت قائمة بين من يقومون بالعلاج بالرقية الشرعية وبين الأطباء النفسيين، فالكل من الفريقين يفسر المشكلة وفقاً لتخصصه، وينظر إليها من زاويته فقط. وبما أن علم الاجتماع يهتم بدراسة التحولات الاجتماعية للمجتمعات الإنسانية والعلاقة بين الصحة والمرض فإن هذه الدراسة ستركز على توضيح الخصائص التي يتصف بها المصابون بالأمراض الروحية وستسعى إلى تحديد وجهات النظر حيال قضية الأخذ بالعلاج بالرقية أو العلاج بالأدوية النفسية ومن وجهة نظر الرقاة والأطباء النفسيين.
تتحدد أهداف الدراسة في التالي :
1- توضيح أهم الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية.
2- التعرف على أثر التنشئة الاجتماعية في حدوث الأمراض الروحية.
3- تبيين بعض الحالات المصابة وطريقة المعالجة المفضلة.
4- وصف كيفية الرقية داخل دور الرقية الشرعية.
5- الوصول إلى أهم المقترحات الكفيلة بالحد من تفاقم مشكلة الإصابة بالأمراض الروحية.
ويمكن أن تصاغ الأهداف في ضوء التساؤلات الآتية:
1- ما الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية؟
2- هل للتنشئة الاجتماعية أثر في حدوث الأمراض الروحية؟
3- هل المصابون يتعالجون بالرقية أم بالعلاج النفسي؟
4- كيف تتم الرقية داخل دور الرقية الشرعية؟
5- ما أهم المقترحات أو السبل الكفيلة بالحد من تفاقم مشكلة الإصابة بالأمراض الروحية؟
مفاهيم البحث:(1/3)
1) الأمراض الروحية Spiritual Diseases: هي الأمراض التي تصيب الإنسان بفعل العين والجن والسحر والمشعوذين، والأمراض الروحانية كثيرة ومتنوعة، ومنها ما لا يوجد لها تشخيص وعلاج في الطب البشري أو الطب النفسي، كما أن أعراضها كثيرة، فالكل مُعرض لأذى هذه الأمراض. ويمكن تقسيم الأمراض الروحية إلى ما يلي:
أ- الحسد: قال القرطبي -رحمة الله-: " الحسد نوعان: مذموم ومحمود، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }[النساء:54]، وإنما كان مذمومًا لأن فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق. أما المحمود فهو ما جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) متفق عليه . وهذا الحسد معناه الغبطة، وكذلك ترجم عليه البخاري: " باب الاغتباط في العلم والحكمة ". وحقيقتها أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره، وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة، ومنه قوله تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين: 26] أي {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة:109] أي من بعد ما تبين الحق لهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الذي جاء به". (1)
والحاسد كما قال القرطبي: "عدو نعمة الله. قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:
__________
(1) القرطبي، محمد بن أحمد (1416هـ)، الجامع لأحكام القرآن، اعتنى به وصححه: هشام سمير البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، (2/71).(1/4)
أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟
ثالثها: أنه ضاد فعل الله، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله.
ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.
وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس".(1)
ب) العين: قال الحافظ بن حجر -رحمه الله-: " وَالْعَيْنُ نَظَرٌ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوب بِحَسَدٍ مِنْ خَبِيثِ الطَّبْعِ، يَحْصُل لِلْمَنْظُورِ مِنْهُ ضَرَر".(2)وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ، سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) رواه مسلم في صحيحه.(3)وقال صلى الله عليه وسلم: ( أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدْرِهِ بِالْعَيْنِ). رَوَاهُ البخاري.(4)
ج) المس: اصطلاحاً هو أذية الجن للإنسان من خارج جسده أو من داخله أو منهما معاً، وهو أعم من الصرع.(5)
__________
(1) المرجع السابق، (20/260).
(2) العسقلاني، ابن حجر (1418هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار السلام، الرياض، دار الفيحاء بدمشق، الطبعة الأولى، (10/246).
(3) النيسابوري، مسلم بن حجاج القشيري (1972م)، صحيح الإمام مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، (5666).
(4) البخاري، محمد بن إسماعيل (1410هـ)، صحيح البخاري، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى.
(5) الطيار، عبدالله وسامي المبارك (1415هـ)، فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين، دار الوطن، الرياض، الطبعة الثانية، ص 63(1/5)
د) السحر: السحر في اللغة: من سحر يسحر سحراً بمعنى صرف الشيء عن وجهه، والسحر في الاصطلاح استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه.(1)وهو شرعاً: عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب، وقد تمرض أو تقتل أو تفرق بين المرء وزوجه،(2)قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102]. وقد أمرنا الله - عز وجل- بالتعوذ من السحر وأهله فقال سبحانه: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق:4-5]. وقد وصف الله سبحانه وتعالى السحر بالعظيم عندما قال : {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}. [الأعراف: 116].
__________
(1) بن فارس، أبي الحسين أحمد (1995م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، لبنان، (3/138).
(2) المقدسي، ابن قدامة (1402هـ)، الكافي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، (4/164).(1/6)
2) الرقية الشرعية: الرقى في اللغة: جمع رقية وهي: اسم من الرقي يقال: رقى الراقي المريض برقية رقياً ورُقياً، وأصل رقى هو التعويذ يقول تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة: 26-27] أي من يرقيه تنبيهاً إلى أنه لا راقي يرقيه فيحميه، والراقي: صانع الرقية، أو صاحب الرقي، والمرقي: المريض الذي يقرأ عليه، والمِرقاة: وسيلة الرقي .(1)واصطلاحاً: الرقى هي ألفاظ معروفة مفهومة، يحدث بسببها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة بإذن الله تعالى.(2)قال ابن تيمية: الرقية نوع من الدعاء.(3)وتكون الرقية من العين واللدغة والسحر والسم والألم والمرض والهم والغم والمس والجنون والفزع والصرع وغير ذلك.(4)
الإطار النظري والدراسات السابقة:
__________
(1) بن فارس، أبي الحسين أحمد (1995م)، مرجع سبق ذكره، 2/126.
(2) القرافي، أحمد بن إدريس (بدون تاريخ)، تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية، عناية: محمد علي بن حسين المالكي، عالم الكتب، بيروت، (1/328).
(3) ابن تيمية، أحمد (1412هـ)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، وساعده ابنه: محمد، دار عالم الكتب، الرياض، (1/328).
(4) الحمد، محمد إبراهيم (1423هـ)، رسائل في العقيدة، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الأولى، ص 493.(1/7)
سيعتمد البحث على عدة نظريات في طرحه واستقصائه وأهدافه وصياغته، ومن النظريات التي يرى الباحث أنها تتوافق مع موضوع الدراسة نظرية التغير الاجتماعيSocial Change Theory ، ونظرية الصراع الثقافي Cutlural Conflict ونظرية الاغتراب Alienation وقد فُُسرت النظريات من عدة منطلقات يمكن ذكرها إجمالاً، مما يساهم في إضفاء نظرة حول مشكلة البحث. وبما أن المجتمعات على اختلاف أنواعها لا يمكن أن تستقر على حال من الأحوال، مما يجعلها تمر بعدة مراحل من التطور مما يؤدي إلى ظهور واقعات اجتماعية حديثة مغايرة للواقعات السابقة وقد تتولد عنها مشكلات اجتماعية جديدة.(1)وحيث إن المجتمع السعودي كحال المجتمعات الأخرى التي تأثرت بالتطور التكنولوجي الذي تلى اكتشاف النفط وتصنيعه، فقد تأثرت جميع مجالات الحياة الاجتماعية بهذا التطور الذي قام على عنصر التخطيط الاجتماعي، مما أدى إلى تحسن ظروف المعيشة على مستوى جميع فئات المجتمع وأنماطه. على أن التكنولوجيا لم تؤد فقط إلى إحداث تغيرات عن طريق التحول التدريجي في العلاقات الاقتصادية، وإنما شكلت التكنولوجيا والفكر العلمي الذي يعد دعامتها الأساسية نظرة جديدة إلى الحياة بدأت تتصارع مع الثقافة التقليدية. وذكر (جينزبرج) أن معظم أشكال التغير الاجتماعي هادفة، لأنها تصدر عن أفراد محددين من خلال عملية تغير اجتماعي مخطط، ويمكن أن تكون هذه الأفعال أو السلوكيات غير مخطط لها أصلاً، لأنها لم يتوافر تنسيق فيما بين مفرداتها، وربما يعيق بعضها البعض الآخر أو يشوهه كما يحدث في مواقف الصراع الاجتماعي مثلاً.(2)
__________
(1) الغريب، عبدالعزيز (1426هـ)، التدابير المجتمعية لمواجهة بعض المشكلات الاجتماعية في المجتمع السعودي: دراسة تحليلية، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، عدد 116، ص ص 97-149.
(2) الجوهري وآخرون (1980)، ميادين علم الاجتماع، دار المعارف، الطبعة الخامسة، القاهرة، ص 324، 330..(1/8)
من خلال المنطلقات الموضحة لاتجاهات نظرية التغير الاجتماعي وذلك بتطور الحياة الإنسانية من مجتمعات بسيطة إلى مجتمعات معقدة وما يترتب عليها من مشكلات التحضر التي تطرق إليها رواد علم الاجتماع، حيث أشاروا إلى حقيقة أن التغير لا يتوقف، فالتطور التكنولوجي إن لم يواكبه تطور في الثقافة المعنوية، فإنه يُحدث فجوة تساعد في تزايد المشكلات، حتى يتم تحقيق أكبر فرصة من التوافق بين الثقافة المادية والمعنوية للمجتمع.(1)
ونظراً لتعارض الأنساق القيمية، والاتجاهات والمواقف الأساسية بين ما هو سائد في المجتمعات النامية وبين ما هو غالب في المجتمعات المتقدمة والذي لا شك فيه أن ازدياد حجم الإصابة بالأمراض الروحية يؤدي إلى وجود نوع من الشقاق والتمزق تتحلل بمقتضاه العلاقات ونماذج السلوك في الهيكل الاجتماعي لاختلاف العادات والتقاليد والنظرة إلى أسلوب الحياة. وقد عدد (سللين) ثلاث صور من الصراع الثقافي الذي ينتج نتيجة للتغير الاجتماعي، هي تصادم معايير وقيم ثقافات مختلفة، وعمليات التفاوت الاجتماعي، والصراع الثقافي وما يصاحب ذلك من نضوب العادات والتقاليد القديمة أمام القواعد الأخلاقية التي تمليها القواعد الرسمية التي تميز المجتمعات الحضرية. أما (ورث) فيرى مثلاً أن الصورة الواضحة للصراع الثقافي الذي يؤدي لمشكلات اجتماعية تنشأ فقط عندما يتشرب الفرد بنسقين متصارعين للقيم في وقت واحد بحيث يؤدي ذلك إلى الإحساس بالقلق وعدم الاطمئنان.(2)
__________
(1) الغريب، عبدالعزيز، مرجع سبق ذكره، ص ص 97-149.
(2) الشلتاق، محمد عبدالله (1410هـ)، أثر استخدام العمالة الأجنبية في حركة الجريمة بدولة الإمارات العربية، مجلة الأمن العام (المجلة العربية لعلوم الشرطة) العدد 127، السنة 32 ربيع أول، تصدر عن جمعية نشر الثقافة لرجال الشرطة بالقاهرة، ص 42-48.(1/9)
وقد كان للتطور الاقتصادي والاجتماعي أثره على بعض القيم والعادات والتقاليد السائدة، حيث اكتسبت بعض سلبيات المجتمعات الرأسمالية مثل الاستغلال واللامساواة والفردية والأنانية والسلوك الاستهلاكي، وقد كان المجتمع السعودي قديماً - رغم ندرة الموارد الاقتصادية وقسوة الحياة - على درجة عالية من الترابط والتكافل الاجتماعي الذي اتخذ شكل التحام أفراد العائلة بعضهم ببعض. ومما لاشك فيه أن معرفة التغيرات التي مر بها المجتمع ستعطي صورة واضحة لتفسير وتحليل خصائص المصابين بالأمراض الروحية.
ووفقاً لأفكار نظرية الاغتراب فقد تحدث حالة الانفصال بين الشخصية الكلية والجوانب الدالة على الخبرات الخارجية، وذلك عند شعور الفرد بعدم القدرة على فهم الجوانب المختلفة التي تعتمد عليها حياته وسعادته، وإحساسه بأنه لا يستطيع أن ينجز سوى القليل من أهداف الحياة في المستقبل، وذلك لضعف علاقاته الاجتماعية حيث لا يعرف من يستطيع الاعتماد عليه بصورة فعلية.(1)
ويقصد بالاغتراب عدم فهم الإنسان لما يجري في نفسه، وفي ما حوله، ثم عدم مشاركته في التخطيط لحياته، وعدم مشاركته في إدارة شؤون مجتمعه، وقضايا واقعه الذي يعيشه، مما يترتب عليه أن يأتي ناتج جهده عفوياً، أو متعارضاً مع اهتماماته، أو مع إمكانياته، أو مع مصالحه المنشودة. وتتزايد فرص حدوث الاغتراب في عصر معقد الأهداف كما هو حال عصرنا الراهن، عصر العولمة.(2)
__________
(1) الشتا، علي (1984م)، نظرية الاغتراب من منظور علم الاجتماع، مؤسسة شباب الجامعة , الأسكندرية .ص 257، 380.
(2) عز الدين، فايز (2006م)، اغتراب الكاتب في.. الروح والواقع، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 425 أيلول.(1/10)
وحيث إن موضوع البحث من الموضوعات التي لم تبحث من قبل فإنه سوف يتم التعرض لبعض الدراسات القريبة من موضوع البحث للاستفادة من طرحها ومناقشتها لبعض النتائج مع الأخذ بالاعتبار اختلافها في الشكل والمضمون والمحتوى حيث إن بعضها تركز على الأمراض النفسية وليس الروحية. ذكر (الرخاوي: 1403هـ) أنه نتيجة للمتغيرات السريعة والأفكار الجديدة، ومعطيات العلم الحديث، فقد تصعدت حدة صراع الإنسان مع نفسه ومع الآخرين من أجل البقاء، ونتج عن ذلك العديد من الظواهر المرضية التي أصابت النفس البشرية بالعقد والأزمات والأمراض النفسية، مما جعل للطبيب النفسي وظيفة هامة وخطيرة في حياة الإنسان المعاصر.(1)
ويضيف الأحمدي بأنه رغم أن معظم الديانات والثقافات تتفق على ظاهرة المس والتلبس ؛ إلا أن الجميع يعاني من كثرة الدجالين وضعف المؤهلين وتجاهل الأمراض النفسية الواضحة وأهمها: تعدد الشخصيات.كما أن الديانات الأخرى تستخدم طرقاً مختلفةً لإخراج الجان من الإنسان فمثلاً في الهندوسية يستخدمون بعض الرقصات والأبخرة وأيضاً النصارى يستخدمون الماء المقدس.(2)
__________
(1) الرخاوي، يحي (1403هـ)، الطب النفسي والمعادلة الصعبة في حياة الإنسان المعاصر، مجلة الفيصل، العدد (70)، ص 51-56.
(2) الأحمدي، فهد عامر، جريدة الرياض، الاربعاء 1 رجب 1427هـ - 26 يوليو 2006م – العدد 13911(1/11)
وفي دراسة عن السحر والمجتمع أعدتها الدكتورة سامية حسن الساعاتي عام 1983م، والذي تطرقت فيه إلى السحر كظاهرة اجتماعية في المجتمع المصري وعلاقتها بالتنشئة الاجتماعية وقد أجرت دراسة ميدانية على مدينة القاهرة هدفها التعرف على ظاهرة السحر، بتطبيق أداتي استبيان، وخلصت النتائج الخاصة بالمشتغلين بالسحر إلى أنه يقوم به الذكر والأنثى على السواء، وأن أغلبية المشتغلين به ينتمون إلى الفئات العمرية (40-50) سنة، وأن أغلبيتهم من الأميين ويستخدمون القرآن الكريم في مهنتهم، وأنهم يمارسونها كهواية، وأجمعوا على أن مهنتهم مفيدة. أما بالنسبة للنتائج الخاصة بالمترددين على السحرة، فقد خصلت إلى أن الإناث أكثر تردداً من الذكور، وأن غالبيتهم تنتمي إلى فئات السن ما بين 20 إلى أقل من 50 سنة، وأن أكثر من ثلثي المترددين هم من المسلمين، وأن حوالي ثلث المترددين من الأميين، وأغلبهم متزوجون، وموظفون، وأن أكثر من نصفهم لا يشعرون بفائدة من ترددهم، وأنهم يأتون بدافع حب الاستطلاع، وأن غالبية المترددين ينتمون إلى كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.(1)
__________
(1) الساعاتي، سامية (1983م)، السحر والمجتمع، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية.(1/12)
وفي دراسة أخرى عن السحر والدين للدكتورة سلوى علي سليم عام 1989م، كان هدف الدراسة هو التعرف على أثر السحر والدين على الحياة الاجتماعية، وذلك باستخدام طريقة تحليل مضمون فلمين يحتويان على ظاهرة السحر، والتغلب عليهما باللجوء إلى الدين، وهما فيلما "الإنس والجن"، و "التعويذة". وقد خلصت الدراسة إلى أن الدين هو السند والعاصم الوحيد للمؤمنين به من كل ما يواجههم من أفعال سحرية، سواء أكانت هذه الأفعال من صنع البشر أم من صنع الجان، وأن الجن يمكن أن يظهروا للبشر في أية صورة يشاؤون لأنهم يخترقون الحواجز ويسيرون بسرعة تفوق الانسان، وأن هناك اعتقاداً سائداً بأن المنازل القديمة والمهجورة والبعيدة نسبياً عن العمران والكثافة السكانية تسكنها الجان، وأن أفعال السحر، وظهور الجن- لم تعد تظهر وتتم ممارستها على مستوى عامة الناس فقط، أو في المناطق الريفية، بل يتم ممارستها الآن في المناطق الحضرية وبين أعلى المستويات الثقافية، وإن السحر والجن في اختيارهم لخلاصة العقول المصرية لايذائها يعني ضمن ما يعنيه: أن هناك قوى خفية غير السحر والجن تحاول عرقلة المجتمع المصري ونموه الطبيعي من اتجاهات التحديث والتقدم، بحيث تكون مصر بدلاً من كونها حقلاً تزدهر في العقول وتتوهج لخدمة المجتمع، مقبرة للمواهب، وإن التفكير السحري الذي يعبر عن عدم تقدير حجم الواقع والتعامل معه لاستنباط الحلول العلمية له مازال سائداً، وأنه نتيجة للتراث الثقافي الجمعي الذي يؤثر في عملية التنشئة الاجتماعية مازال يتمتع بقدرة فائقة على السيطرة في أنماط التفكير العلمي المكتسب نتيجة الدراسات المكثفة سواء في داخل مصر أو خارجها.(1)
__________
(1) سليم، سلوى علي (1989م)، السحر والدين-دراسة في تحليل المضمون-، الطبعة الأولى، مكتبة وهبة، القاهرة.(1/13)
يقول الدكتور موسى الجويسر – طبيب العائلة في مركز الشامية الصحي بدولة الكويت عن حقيقة مس الجن للإنس: (لم أر قط في حياتي إنساناً يسكنه جني، غير أن التداخل بين المرض النفسي والاعتقاد بوجود الجن موجود، والمثال على ذلك أن مريض انفصام الشخصية يعاني من خلل في طريقة التفكير رغم أنه يأكل ويشرب بشكل عادي إلا أنه عندما يفكر ونسمع كلامه نجد أنه يقول وبجدية وبدون شعور بالكذب إن فلاناً يكلمني وبالأمس أفطرت مع فلان من الناس، والحقيقة أنه لم يخرج من المنزل بالإضافة إلى أنه يسمع أصواتاً لا يسمعها غيره في المكان، وكذلك يقول المتوهم بالإصابة بمس الجن إنه يشعر بعلامات مثل الخدر في الجسم في حين أن مثل هذه الأعراض نجدها في المريض النفسي، وهنا أطالب بتناول القضية بكل حرص وأناة بين علماء الإسلام خاصة وأنها قضية في غاية الغموض ولا داعي لأن تعطي الكثير من الجهلة والمشعوذين الفرصة للكسب المادي السريع دون أن يجدوا من يرد عليهم بالحجة العلمية القاطعة).(1)
__________
(1) الجويسر، موسى (2000م)، حقيقة مس الجن للإنس، مجلة الفرحة، العدد 42، مارس، ص 31.(1/14)
ويرد عليه المعالج أبو البراء بقوله: هذه هي المأساة التي يعيشها كثير من الأطباء النفسيين، ونصيحتي لكل طبيب نفسي مسلم أن يهتم بالجوانب الطبية النفسية ودراستها، وأهم من ذلك كله أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن النصوص النقلية الصريحة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك على هذه الأمراض وحقيقتها وتأثيراتها، ويبقى اهتمام الطبيب النفسي المسلم ينصب على دراسة الحالة المرضية وتشخيصها ولا يكون ذلك بمعزل عن الإيمان القطعي بالأمراض الروحية، ولا مانع مطلقاً أن يجتمع الطبيب النفسي مع المعالج بالقرآن ليستطيعا معاً وفق الأصول الشرعية والمعايير الطبية من الوقوف على حقيقة الداء ووصف الدواء النافع بإذن الله تعالى، أما أن ننكر الأمراض الروحية ونلقيها وراء ظهورنا ونبدأ بتحليل كل الأعراض على أنها أعراض نفسية فهذا هو عين الخطأ، وهذا لا يعني أنني أبرئ كثيراً من المعالجين ممن سلك هذا المسلك فأخذ يصف الدواء ويطلب صور الأشعة ويضع في عيادته الوسائل الطبية التعليمية ليشرح للمرضى عما يعانون منه من أمراض روحية، وكلا الطرفين لن يفلحا مطلقاً في تقديم العون والمساعدة للمرضى النفسيين أو مرضى الأمراض الروحية، ومن هنا لا بد أن تكون الغاية والهدف للجميع الانتصار للحق ، دون انتصار للذات، عند ذلك سوف تعم الفائدة ونصبو للخير وتتحقق المصلحة الشرعية للجميع سواء أكانوا أطباء أم معالجين أم مرضى وغيرهم.(1)
أما الدكتور ياسر عبد القوي، فيضيف قائلاً: للمس أعراضه وآثاره التي تميزه وإن كانت تتشابه مع بعض الأعراض النفسية ، وأحياناً يكون التشابه شديداً وأهل الخبرة والدراية فقط هم الذين يستطيعون التفريق بينهما، ولهذا يجب الحيطة والحذر الشديدان في التعامل مع الأعراض لإعطاء التشخيص الصحيح، وهذه الأعراض كثيرة، فمنها النفسية والجسمانية والروحية.
أولاً : الأعراض النفسية :-
__________
(1) http://ruqya.net/sara5.html نحو موسوعة شرعية في علم الرقى- الصرع.(1/15)
1- نوبة الصرع: ويصف هذا العرض المحيطون به ويتميز صرع الجن بالآتي :
أ- أسباب نوبة الصرع: هناك أمور تساعد على ظهور هذه النوبة مثل ضغط نفسي أو حزن شديد أو صدمة عصبية، أو بسبب سماع القرآن الكريم، أو ذكر الله، أو درس من دروس العلم ، أو الحديث عن أحوال الجن وعالمهم، أو شم بعض الروائح التي يحبونها كالبخور مثلاً، وأحياناً لا يكون بسبب واضح0
ب- فقد وعي: إما أن يكون تاماً أو غير تام مصاحباً برعشة وارتجاف واختلاط الأعضاء أولاً، ولكنه غالباً لا يكون معه عضة لسان أو تبول لا إرادي، وهذا ما يفرقه غالباً عن الصرع العصبي 0
ج- نطق أو تكلم أثناء النوبة: قد يحدث نطق بصوت مختلف أو بطريقة مختلفة أثناء النوبة وغالباً ما يكون بطريقة مفهومة، وأحياناً لا يكون صوت وكلام وإنما بكاء وصراخ0
د- رسم المخ ( تخطيط المخ ) يكون سليماً، ولهذا فإن هذا الصرع يشبه إلى حد بعيد الصرع الهستيري لا الصرع العصبي0
هـ- قراءة القرآن على المريض أثناء النوبة قد تساعد على إفاقته على غير العادة0
2- تسلط الوساوس على المريض بصورة مكثفة: وهي الوساوس التي تصده عن الذكر والعبادة ، أو تأمره بمعصية، أو تهيجه إلى إثم، أو تنفره من أهل الخير ومن أهله وزوجه، وهذه الوساوس غالباً يعبر عنها المريض أنها صادرة من نفسه أو من صوت في صدره0
3- الحزن والعصبية وانقباض الصدر في فترات كثيرة أثناء اليوم دون سبب واضح0
4- العصبية الشديدة والاستثارة لأتفه الأسباب والتفوه بكلام لا يتذكره المريض بعد هدوئه، وهذا مصداق قول النبي في الحديث الصحيح لما نصح رجلاً غاضباً بأن يقول كلمة تُذهب عنه ما يجد " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "0
5- الشرود الذهني المتكرر والذي يستغرق فترة ليست بالقصيرة من اليوم، فدائماً يشكو المريض بالمس من الشرود والتفكير في لا شيء، وربما يمكث الممسوس ساعة من الزمن شارداً حتى لا يشعر أنه قضى هذه الساعة وكأنه لم يعشها0(1/16)
6- النسيان لبعض الأحداث أثناء فترة تعبه، سواء أكانت أفعالاً أم أقوالاً، ولا يتذكرها تماماً وربما يستنكرها ويستغربها وقد فعلها0
7- الخوف والهلع كثيراً ما ينتاب الممسوس: حالات خوف أو أحياناً هلع بين الحين والآخر وقد تستمر ولا سيما ليلاً، وكثيراً ما يكون الخوف شديداً يمنع من الحياة الطبيعية وكذا النوم الطبيعي.
8- الأرق: كثيراً ما ينتاب الممسوس إما في بداية النوم وإما في منتصف الليل0
9- الفزع: أثناء النوم والأحلام المزعجة ( الكوابيس ) يشكو كثير من الممسوسين منها، وأنها توقظهم من النوم0
10- صدود المرأة عن الزواج وكذا الرجل: كثيراً ما تتعرض الممسوسة للصدود في مواضيع الخطبة والزواج دون أسباب ظاهرية0
11- إيثار الجلوس في الحمامات لمدة طويلة: هذا العرض يظهر في كثير من الممسوسين وهو ميل إلى الجلوس في الحمامات والخرابات وأماكن النجاسات0
ثانياً : أعراض جسمانية:
1- الصداع: فهو مصاحب لمعظم حالات المس وهو شديد ولا يتأثر بالأدوية المسكنة، وكثيراً ما يرتبط بتعرض المريض للحزن أو الغضب أو عند قراءة القرآن وسماعه له ، أو لعدم تنفيذ رغباته، ولا يكون للصداع ما يفسره من الأسباب العضوية0
2- آلام الظهر: آلام مؤخر الظهر مشتهرة عند الممسوسين وهي لا تعزى لأسباب عضوية0
3- آلام متفرقة: في الجسد ومتنقلة، ولا تعزى لأسباب عضوية وغالباً تزداد عند الاستيقاظ0
4- النزيف: والذي يعزى إلى الاستحاضة والتي كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم إنها ركضة من ركضات الشيطان وليست حيضاً.
5- آلام المعدة: أحياناً يشتكي منها الممسوس دون سبب عضوي ودائماً تكون في منطقة فم المعدة وأحياناً انتفاخ البطن0
6-تنميل في بعض الأعضاء ( اليدين والقدمين وأحياناً الرأس واللسان )0
7- فقدان وظيفة بعض الأعضاء مثل ( الشلل – العمى – الخرس – الصمم )، وهذا الفقدان الوظيفي ليس له سبب عضوي على الإطلاق والأطباء يؤكدون أن العضو سليم تماماً0(1/17)
8- آلام الجماع الجنسي وتقلص العضلات: هذه الأعراض تظهر من الممسوسة كنوع من أنواع إبعاد الجني الصارع لزوجها عنها0
ثالثاً : أعراض روحية:
ونقصد بها المتعلقة بجانب العبادة والصلة بالله تعالى:
1- الصدود عن ذكر الله وعن الصلاة وعن قراءة القرآن أو سماعه، وعن مجلس العلم وغيره0
2- الشعور بالتعب وحصول بعض الأعراض النفسية والجسدية إذا حاول الممسوس المواظبة على الذكر أو الصلاة أو قراءة القرآن أو سماعه0
3- الإعراض عن الطاعة والإقبال على المعاصي المتمثلة في التبرج والسفور – سماع الغناء والموسيقى وطاعة الهوى – حب اللهو – البعد عن المساجد والتعب إذا جلس فيها والشعور بالضيق عند الوجود فيها0
4- تغير في السلوك، وهذا دائماً من جانب الزوج مع زوجه والزوجة مع زوجها، حيث قد يحدث النفور وإذكاء جمرة الخلافات بينهما على أتفه الأسباب، وكثيراً ما يحدث تغير في السلوك الجنسي بين الزوجين نفور – إعراض – تعب أثناء ممارستها0
5- أفكار خبيثة واهتزاز عقيدة: دائماً يشكو منها الممسوس متمثلة في ( التشاؤم وتوقع المكروه دائماً – عدم الرضا بأقدار الله وسرعة اليأس والقنوط من رحمة الله – أفكار تبث الحزن في نفس المريض وتبعد عنه حسن الظن بالله أو الأمل في رحمته )0
6- خمول وكسل تجاه العبادات كالصلاة والذهاب إلى المساجد، وقراءة الأذكار وغيرها، وأحياناً كثرة النوم بالنهار والليل.(1)
إذن نخلص مما سبق إلى أهم الفروقات بين الأمراض النفسية وصرع الأرواح الخبيثة وذلك وفقاً للأمور التالية:
1)- الأمراض النفسية تصيب الإنسان أحياناً نتيجة ظروف وعوامل اجتماعية وأمور متنوعة أخرى، بينما صرع الأرواح الخبيثة يكون نتيجة أسباب معينة كالإيذاء والسحر والعين والعشق ونحوه.
__________
(1) عبد القوي، ياسر: حقيقة مس الجن للإنس، مجلة الفرحة، العدد 42، مارس 2000 م، ص 26 – 27 - نقلاً عن كتاب " الأمراض النفسية ".(1/18)
2)- حالات المرض النفسي يكون لها نمط معين في السلوك والتصرف، بينما صرع الأرواح الخبيثة ليس لها نمط أو سلوك محدد.
3)- حالات المرض النفسي غالباً ما تكون الأعراض مستمرة ومتناسبة مع نوعية المرض الذي تعاني منه الحالة المرضية، بينما مرضى صرع الأرواح الخبيثة تختلف تلك الأعراض وتتذبذب من فترة لأخرى.
4)- حالات المرض النفسي لا يظهر عليها أية أعراض أثناء الرقية الشرعية، وقد يشعرون براحة وسكينة، بينما مرضى صرع الأرواح الخبيثة تظهر عليهم تأثيرات وأعراض نتيجة الرقية الشرعية.
5)- يتم تشخيص الأمراض النفسية بواسطة الأطباء النفسيين المتخصصين، وأما صرع الأرواح الخبيثة فيتم تشخيصها من قبل المعالج الحاذق المتمرس.
6)- يتم علاج الأمراض النفسية لدى الأطباء النفسيين وكذلك الاستشفاء بالرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة، وأما صرع الأرواح الخبيثة فيتم علاجه بالرقية الشرعية ووسائل العلاج المتاحة والمباحة المتعلقة بها.
7)- كثير من الأمراض النفسية لا يتم أحياناً تحديد الأسباب الداعية لها كما مر معنا آنفاً، بينما مرضى صرع الأرواح الخبيثة تكون معلومة الأسباب في أغلب الأحيان.
8)- النوبات التي تحصل لمرضى الأمراض النفسية طبيعتها تختلف كلية عن طبيعة مرضى صرع الأرواح الخبيثة.(1/19)
وهذه جملة من الأعراض العامة التي قد تحدد صرع الأرواح الخبيثة، وما جاءت هذه البنود إلا نتيجة للدراسة المتأنية المتبصرة لواقع المرضى، ولمن يعاني بمثل هذا النوع من المرض، وهذه الخلاصة لا تعني مطلقاً تنحية الأمراض النفسية جانباً، بل على العكس من ذلك تماماً، فلا بد من الاهتمام بكلا النوعين - الأمراض الروحية، والأمراض النفسية – حتى تتحقق المصلحة العامة للمسلمين0 ناهيك عن أمر مهم جداً لا بد من الإشارة إليه تحت هذا العنوان وهو أنه لا يجوز مطلقاً القياس من قبل المرضى وتحديد معاناتهم بناء على قراءة مثل تلك الأعراض، فلا بد من عرض الحالة المرضية أولاً على المعالج الحاذق المتمرس المتخصص في مثل هذا النوع من الأمراض، ليستطيع أن يقف على الداء ومن ثم يصف الدواء النافع بإذن الله تعالى، وإلا فلا بد من تحويل الحالة إلى الطبيب النفسي المسلم المتمرس الحاذق الذي يملك الخبرة والدراية لمعرفة المعاناة النفسية للمريض ومن ثم يتخذ الإجراءات الطبية الخاصة في المتابعة والعلاج.(1)
الإجراءات المنهجية للبحث :
__________
(1) http://ruqya.net/sara5.html نحو موسوعة شرعية في علم الرقى.(1/20)
اعتمد البحث على المنهج الوصفي باستخدام عدة طرق، هي طريقة الملاحظة بالمشاركة حيث تمت معايشة دور الرقية في منطقة القصيم، بغرض الكشف عن واقع الرقية الشرعية، وطريقة دراسة الحالة مع تسع حالات أصيبت بأمراض روحية. كما تم استخدام المقابلة غير المقننة مع بعض الرقاة الشرعيين للتعرف على ظروف الإصابة بالأمراض الروحية التي تقع للناس وأسبابها وآثارها وكيفية التغلب عليها وأهم الحلول التي يرون أهمية تطبيقها للحد من عواقبها. يعتبر هذا البحث من البحوث الوصفية التي تستهدف تصوير وتحليل وتقييم خصائص مجموعة معينة أو موقف معين، يغلب عليه صفة التحديد.(1)تم تحليل البيانات باستخدام الأسلوب الكيفي الذي يسعى إلى وصف وتحليل الأحداث وربطها بسياقها الفكري والبناء الاجتماعي السائد في المجتمع.
عرض نتائج البحث :
أولاً: الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية:
1- العمر: تبين من الملاحظة بالمشاركة ومن سؤال الرقاة أن أغلب المصابين بالأمراض الروحية تتراوح أعمارهم ما بين 20- 40 سنة، ويمكن القول إن سن الشباب معرضين أكثر للإصابة بالأمراض الروحية؛ لأن هذه المرحلة تعد فترة قلق على النجاح، وعلى المستقبل وعلى بداية تكوين حياة عائلية، ثم الاستمرار فيها، أي تنطوي على التفكير في الزواج، وتكوين الأسرة، ثم الرغبة في الاستقرار النفسي والعائلي.
2- النوع: يكشف البحث أن غالبية المصابين بالأمراض الروحية هم من الإناث، حيث إنهن أكثر تردداً على الرقاة من الرجال، وقد يكون السبب في ذلك هو ميل الجن للتسلط عليهن لتغليبهن العاطفة، أو لقلة التحصين.(2)كما أن عليهن ضغوطاً وأعباءً كثيرةً.
__________
(1) سليم، سلوى علي، مرجع سبق ذكره، ص 104-105.
(2) أبو غدة، عبد الستار (1984م)، الأمراض النفسية وعلاجها الروحي في الإسلام، نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، ص ص 249-276.(1/21)
3- الحالة الزواجية: أكثر من نصف المترددين على دور الرقية الشرعية وفقاً لآراء الرقاة هم من المتزوجين ثم يأتي العزاب، وتدل هذه النتيجة على أن المتزوجين أكثر الحالات إصابة، وقد يكون سبب ذلك أنهم أكثر تعرضاً للضغوط الاجتماعية والمتطلبات المترتبة على الزواج، وهذه النتيجة تتفق مع المتغير الخاص بالعمر.
4- المستوى التعليمي: أغلب المترددين من المصابين بالأمراض الروحية هم من الأميين مع وجود جميع المستويات التعليمية بما فيهم ذوو التعليم العالي ولكنهم بنسب أقل.
5- العلاقات الاجتماعية: تبين من البحث أن المصابين بالأمراض الروحية لا يتمتعون بعلاقات اجتماعية مميزة مع الآخرين، وقد يكون السبب في ذلك هو ميلهم إلى الانطواء وحب العزلة والنفور من المجتمع المحيط.
6- التكيف مع البيئة: يعاني المصابون بالأمراض الروحية من عدم تكيفهم مع بيئة الأسرة والعمل حيث إنهم لايشعرون بالراحة داخل أسرهم أو عملهم، وهذا يدعم يبين معاناة المصابين من القلق والاضطرابات النفسية التي تجعلهم غير راضين عن واقعهم الأسري والمهني.
7- مدة الإصابة: أغلب المصابين بالأمراض الروحية يعانون من الإصابة منذ أكثر من خمس سنوات، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الأمراض الروحية من أشد الأمراض وقعاً على الإنسان حيث تحتاج إلى وقت طويل للاستشفاء منها، ثم إنها أمراض غير ظاهرة ومتنقلة من عضو إلى آخر وهذا يدعم أهمية هذه الدراسة حيث إن تسليط الضوء على هذا الموضوع سوف يساعد الرقاة والمرضى والأطباء النفسيين على الوقوف على سمات المصابين بالأمراض الروحية والتعرف على وضعهم الاجتماعي، وذلك لإعطائهم نظرة خاصة تتفق مع حالاتهم باعتبار أنهم من الفئات الخاصة التي تحتاج إلى فهم وتروٍّ قبل إصدار الأحكام عليها. ثم يتضح أن الأمراض الروحية ليست خاصة بجنس ولا جنسية معنية، وأن الكل معرض للإصابة بها.(1/22)
8- وقت الإصابة: تزداد وقت الإصابة عند المصابين في المساء - من بعد الظهر إلى قبل دخول الفجر -، وهذا يتفق مع الفكرة العلمية بأن أكثر الأوقات انتشاراً للأرواح السفلية في الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها.
9- أسباب الإصابة: السبب الرئيس في انتشار الأمراض الروحية هو ارتفاع الضغوط الاجتماعية، وقد يرجع ذلك إلى تبدلات المفاهيم وصعوبة العيش والتكيف مع المتغيرات التي لا مناص من معايشتها والتسليم بوجودها وحين يرفض البعض هذه التبدلات وهذا التغير في المفاهيم فإنهم لا محالة سيواجهون أنواعاً مختلفة من العنت والضغوط التي تؤدي بدورها إلى الكآبة والقلق والوساوس وضيق الصدر لدرجة العزوف عن مباهج الحياة والانكفاء على الذات بل واعتزال الناس والارتماء في أحضان اليأس والتفكير في الخلاص من الحياة.(1)كما جاء من ضمن الأسباب الإسراف في ارتكاب المعاصي، وقلة التحصين بالأذكار والأوراد الشرعية، وإهمال الرقية. ومما لاشك فيه أن ملازمة الأذكار الشرعية المطلقة والمقيدة كأذكار الصباح والمساء والنوم، ودخول البيت، والخروج منه والركوب والتسبيح والتهليل والاستغفار، لها أثر بالغ في حفظ الإنسان مما يكره ويحاذر.
__________
(1) جريدة الرياض، لثلاثاء 3 ربيع الاول 1426هـ - 12 ابريل 2005م - العدد .13441(1/23)
وقد ذكر من الأسباب أيضاً العين والحسد والمس والسحر، فقد تظهر أعراض الحسد على المال والبدن والعيال بحسب مكوناتها، فإذا وقع على النفس يصاب صاحبها بشيء من أمراض النفس, كأن يصاب بالصدود عن الذهاب إلى الكلية أو المدرسة أو العمل, أو يصد عن تلقي العلم ومدارسته واستذكاره وتحصيله واستيعابه، وتقل درجة ذكائه وحفظه, وقد يصاب بميل للانطواء والانعزال والابتعاد عن مشاركة الأهل في المعيشة, بل قد يشعر بعدم حب ووفاء وإخلاص أقرب وأحب الناس له, وقد يجد في نفسه ميلاً للاعتداء على الآخرين, وقد يصير من طبعه العناد, ويميل إلى عدم الاهتمام بمظهره وملبسه, ولا يألفه أهله وأحبابه وأصحابه، ويسيطر عليه الإحساس بالضيق والزهق, ويشعر بالاختناق ويصير لا يستقر له حال أو فكر أو مقال.(1)
ويؤكد الباحث الاجتماعي العتيبي على أن الخادمة داء عظيم في هذا العصر الذي انتشر فيه السحر؛ فبعضهن يأتين من بلادهن وقد غُرّر بهن لعمل السحر من أجل تسخير أهل البيت، أو حب انتقام من التسلط وكثرة الضغوط والعمل، أو للتقرب إلى الشياطين؛ لذا يجب أخذ الحذر، وعدم إعطاء الثقة الكاملة للخادمات بالمنزل خصوصاً مع الأبناء.(2)هذا ويتفق كثير من المصابين والرقاة على تأثير هذه الفئة في بعض أعمال الشعوذة والسحر.
__________
(1) جريدة الرياض، الاثنين 15شوال 1427هـ - 6نوفمبر 2006م - العدد .14014
(2) جريدة الجزيرة، الخميس 3 رجب 1422هـ ، العدد 10584(1/24)
ويزعم الشريف أنه شهد بنفسه علاج أمراض عضوية بالرقية كالسرطان والذئبة الحمراء والروماتويد وتسمم الدم والإجهاض المتكرر وضمور خلايا المخ باستخدام التلاوة والأدعية والعسل والحبة السوداء وزيت الزيتون وماء زمزم وأحياناً بالحجامة أو تعديل أسلوب التغذية أو ممارسة أنواع خفيفة من الرياضة, داعياً المسؤولين عن القطاع الصحي إلى تشجيع هذا النوع من العلاج والسماح يإنشاء مراكز مرخصة للعلاج لما يتضمنه من منفعة عظيمة للناس عامة وللمرضى بصفة خاصة على حد تعبيره, واصفاً هذا النوع من العلاج بأنه لا يتضمن أية آثار سلبية وفي الجانب الآخر يبين عظمة هذا الدين وتكامله واهتمامه بجميع مناحي الحياة.(1)
ويمكن القول أن الإغراق في تشخيص السحر والعين وأثر الجن قد يؤدي إلى انتشار الاعتقاد لدى كثير من بسطاء الناس في الأوهام والأساطير والمبالغة في تعليل حركاتهم وسكناتهم بأنها مرتبطة بأثر الجن أو السحر أو العين مما يؤدي إلى زعزعة معنى الإيمان عند الناس.(2)
وقد جاء بعد ذلك الأسباب النفسية وهذا يتفق مع ما أكده أخصائي نفسي وخبير في القضايا النفسية أن زيادة حالات الاكتئاب النفسي ترجع إلى زيادة الضغوط النفسية وتعدد وتنوع المشكلات الاجتماعية وعدم قدرة بعض الناس على التعايش مع مشاكله وهو ما يؤدي إلى أعراض نفسية مشيراً إلى أن استفحال بعض هذه الحالات عائد إلى عدم زيارة عيادات الأمراض النفسية خجلاً وهو ما يساهم في تفاقم الحالات.(3)
__________
(1) http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/20.../Art_165366.XML ...
(2) الحبيب، طارق بن علي (1424هـ)، العلاج النفسي والعلاج بالقرآن، الطبعة الخامسة، مطبعة دار طيبة، الرياض، ص 116.
(3) جريدة الجزيرة، الأثنين 4 صفر 1421هـ ، العدد 10084(1/25)
كما يدعم الفكرة الدوسري حيث يشير إلى ضرورة الطب النفسي في بعض الحالات، حيث يساعد الطب النفسي الراقي في علاجها، فالبعض قد يظن أنه حالة مسّ وهو في الحقيقة مجرد حالة مرضية من الأمراض النفسية العديدة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بسبب بعد كثير من المسلمين عن ذكر الله وعن الصلاة.(1)
فكما أوضح تقرير البنك الدولي لعام 1993م، والتقرير العالمي الخاص بالصحة النفسية، الذي قُدِّم إلى الأمم المتحدة في عام 1995م، والمسح العالمي برصد آثار المرض النفسي الذي أُجري في عام 1996م، وتقرير كبير أطباء الولايات المتحدة في عام 1999م، أن الاعتلال النفسي مسؤول عن أكثر من عُشر إجماليِّ عبء المرض على الصعيد العالمي، وأن من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 15% بحلول سنة 2020.(2)
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هذا المرض هو واحد من ضمن عشرة أمراض سوف تسبب الإعاقة بين الشباب في القرن الحادي والعشرين، فعلى سبيل المثال نسبة انتشار مرض الاكتئاب في الولايات المتحدة الأمريكية تصل إلى حوالي 16?، فهناك أكثر من أربعة ملايين مواطن أمريكي يعانون من الاكتئاب المزمن، والذي لا يستجيب للعلاجات التقليدية مثل الأدوية المضادة للاكتئاب أو العلاج النفسي عن طريق العلاج المعرفي، وكذلك عن طريق الجلسات الكهربائية.(3)
__________
(1) جريدة الجزيرة، الجمعة 10 صفر 1422هـ ، العدد 10445
(2) جريدة الرياض، http://www.alriyadh.com/2004/12/09/article33917.html
(3) جريدة الرياض، الجمعه 17 صفر 1427هـ - 17 مارس 2006م – العدد 13780(1/26)
كما أنه في بريطانيا تقول آخر الإحصائيات: إن نسبة مرض الاكتئاب وصلت إلى 17?.(1)ومن ثم يأتي دور التنشئة والتربية الاجتماعية حيث إن دورها أخطر من دور التعليم فإذا كان أفراد الأسرة يلجأون إلى تخويف أطفالهم وضبط سولكهم عن طريق مؤثرات سحرية أوخرافية مثل التهديد بالمارد، والعفريت، والاشباح، والأرواح الشريرة كما يرددون أمام الأطفال تعبيرات تعلن عن رعبهم الشديد وذعرهم العنيف من شر الحسد، وبأس العين التي تهدد حياتهم وحياة أطفالهم وتلاحقهم في كل مكان وكل وقت، ولذلك نسمعهم يقولون على مسمع من أطفالهم محذرين "العين تكسر الحجر نصفين"، و "انتبه لا تأتيك أم العوافي" فإن الأطفال ينشأون متشربين بهذه الأفكار والمعتقدات في الأمراض الروحية، وما يتعلق به من أفكار كالعين والحسد. وتختلف تنشئة الأسر السالفة الذكر لأبنائها عن أسر توصل لأبنائها قيماً، وأفكاراً، وعاداتٍ مختلفةً، فهي تربيهم متشربين بالإيمان بقدرة الله، التي تفوق قدرات البشر، كما أنها تربيهم على التفكير العلمي والإيمان بالعلم، وبحل مشكلاتهم بالطرق والأساليب المنطقية السليمة، وربط الأسباب بالمسببات.(2)
__________
(1) جريدة الرياض، الجمعه 27 من ذي الحجة 1426هـ - 27 يناير 2006م - العدد 13731
(2) الساعاتي، سامية، مرجع سبق ذكره، ص 159، 160(1/27)
10- الحلول المقترحة للحد من الإصابة بالأمراض الروحية: أهم المقترحات التي ذكرت قراءة القرآن الكريم والتحصن بالأذكار الشرعية، وأهميته تتضح بأنه يساهم مساهمة فعالة في طرد جميع ما يعتري الإنسان من وساوس الشيطان ويرفع من معنوياته ويدخل عليه السرور. ثم يأتي مقترح توعية الناس بأخطار الإصابة بالأمراض الروحية؛ حيث إن مقترح التوعية من المقترحات التي قد تجدي في حالة تكثيفه في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، وعن طريق الوسائل المؤثرة كخطبة الجمعة، وكالمحاضرات في المدارس الثانوية والكليات مع التأكيد على صيانة الأعراض وعدم الانجراف خلف الشهوات، ثم المداومة على الرقية الشرعية، ويليه مقترح عدم المبالغة بالزينة والأخذ بالماديات، ومراجعة العيادة النفسية، ومقترح الحرص على استغلال الوقت والتمسك بأعمال الخير والبر، ومقترح الاستمتاع بالحياة وإدخال السرور على النفس.
ثانياً: تحليل حالات طريقة دراسة الحالة:
الحالة الأولى: استخدم الأدوية النفسية ثم الرقية الشرعية مع العلاج الشعبي:(1/28)
المريض الأول: أستاذ جامعي أصيب بحالة نفسية بدأ يكره فيها عمله، وينعزل عن المجتمع وعن الزملاء، ويجد فجوة بينه وبين طلابه، وعلى إثرها زار العيادة النفسية، وحصل على الأدوية المناسبة، وشعر بتحسن طيب في البداية، ثم ما لبث وعادت الأمور، ثم راجع دور الرقية ولكنها متقطعة، ثم عاد للطب النفسي، وأنهكه العلاج كما يقول حيث يشعر بأنه ثقيل في كل شيء، حتى وزنه ثقل، وأصبح أقرب إلى البلادة، ثم رجع إلى الرقية ولكن المكثفة، فتبين لاحقاً وجود أعراض العين والحسد والمس، وشرع في المعالجة ولا يزال، والأمر تحسن كثيراً لكنه يقول: إن مشكلة الإصابة البعيدة الطويلة تشق على أن يفارقه الجن الساكن الجسد إلا بعد الدعوة والتضييق والرقية والأعشاب التي يكرهونها، وقال: هو لا يلوم الطب النفسي ولا الرقاة؛ لأن الموضوع بيد الله، وهو أعلم بحالته، لكنه يلوم المجتمع الذي لم يعطه الفرصة، فقد كانت تمر عليه حالات لايعذرونه فيها، حيث يصاب بمواقف عجيبة وغريبة عند الاجتماعات والزيارات، وتتغير نفسيته بسرعة، ويغضب بسرعة. يقول: عندما أستمع للرقية أشعر بتحركات غريبة في بعض المواضع، وتغير في كيميائية جسمي، مع أنني استمررت على الأدوية النفسية لمدة سبع سنوات إلا أن الحالة بقيت كما هي. يقول ولا زلت أؤمن بأن الطب النفسي له دور كبير في علاج كثير من الحالات وإعادة كيان الإنسان إلى واقعه الاجتماعي. وبعدها بفترة بسيطة ظهرت عندي الحساسية ضد العطور وظهرت البثور في رأسي وصدري، ويزداد ألمها وتلتهب إذا شممت عطوراً غير دهن العود الأصلي. ذهبت إلى رقاة كثر وكنت أشعر براحة وانشراح عند القراءة لكن بعد فترة تعود الأحوال كما كانت.(1/29)
استخدمت العلاج النفسي ضد الاكتئاب، ثم أصبحث قليل الاهتمام أو الاكتراث بالآخرين، وثقيل النفس والحركة، وكنت إذا رأيت نفسي كأن بصري يكون شاخصاً، ويتضح أثر الإجهاد علي سريعاً، ويكثر كلامي وهرجي وعدم مبالاتي، ويصبح حتى في كلامي بطء من جراء أثر العلاج. وكنت أشعر بحالة تنميل بالأصابع، ثم إذا أويت إلى الفراش للنوم صحوت بعد دقائق وكأني نمت كثيراً وحصل أنه لا أستطيع النوم بالليل رغم التعب والإرهاق وأذهب الى المستوصف ويعطونني المغذي والمهدي ثم أنام. وترجع لي نفسي المتزنة، وأصبح إنساناً فعالاً وواثقاً ومنطلقاً، ثم ما ألبث فترة حتى تعود الأمور كما كانت؛ فأشعر بتحرك غريب في البطن وتعب، وكذلك الحال في دهن العورة دائماً أشعر بتحركات وتغيرات عندما أفعل ذلك، غير مرتاح وأشعر بالضيق، وأحياناً أفكر بالانتقال إلى عمل آخر لشعوري بالضيق في العمل ثم تأتي فترة أقول لا لن أنقل وأحب عملي وأحب أهلي وهكذا دواليك. وكذلك الحال بالأسرة نصبح نحب ونهتم ببعض ثم ما تلبث الأمور ترجع كما كانت. أكون منشرحاً وأحيانا أكون منقبضاً وأحياناً لا أحب الناس، وأخشى مواجهتهم، وأحياناً أكون منفتحاً وعندي ثقة بالنفس، وأحب الناس، وأكون بشوشاً معهم، وكثيراً ما يضايقني عدم حب حضور الاجتماعات الكبيرة كالأعراس والاحتفالات والعزائم. يقول: رأسي دهني وإذا لم أستحم ليومين تصدر منه رائحة كبريتية. عندما أسمع آيات الحرق أشعر بتحركات غريبة وتغيرات في الجسم لا يمكن وصفها، ولكنها تؤكد وجود العارض، مثل طقطقة بالرأس حول الأذنين، ودبيان مثل العنكبوت على الوجه وتحركات في العورة ونغز في الجنب الأيسر مكان الكلية تقريباً. يقول: أولادي وبناتي أصبحوا مثلي فهم جداً بطيئون ولا يحبون الاجتماعات، ويراعون النواحي الشكلية بدرجة كبيرة، وثقتهم بأنفسهم قليلة، وبعضهم عنده نوبات من الخوف اللاطبيعي.(1/30)
أشعر بثقل في الرأس كأن عليه طاقية، وأحياناً تتنقل من مكان إلى آخر. وأحياناً أشعر كأن برأسي كهرباء وتضايقني الأصوات شبه العالية. ملاحظتي شديدة وأحياناً أقرأ أفكار الآخرين. يقول: اضطررت إلى أن أستخدم مع نفسي وأسرتي طريقة الضغط على الأوداج حتى نحتفظ بتوازننا لما يصيبنا من تعب وانطواء شديد وخاصة أيام الاختبارات. كانت تأتيني أفكار عجيبة وغريبة كنت أندم عليها.
المريض الثاني: حالة إمرأة متزوجة شعرت بالآلام منذ أن كانت طفلة حينما كانوا يقارنون طولها ووزنها بأمثالها من الأطفال، واستمر التعب والإعياء عليها حتى تجاوزت العشرين عاماً. طرقت باب الرقية بعد أخذها للعلاج النفسي لمدة سنة كاملة وتركته حيث لم تجد النفع المطلوب. ثم بدأت تشرب الماء المرقي فخفت عنها الآلام كضيقة الصدر والصداع والخوف وآلام البطن والظهر والنسيان الشديد وآلام في الساقين والرجلين، ووسواس بالوضوء واكتئاب، وكثرة خروج النمل والصراصير في المنزل، وعدم النوم لفترة طويلة وكره الصلاة وأهل الخير. وبعد الرقية والدعاء خفت عنها كثير من الآلام.
المريض الثالث: شاب عمره (28) سنة غير متزوج، يعاني من جواثيم مستمرة منذ ما يزيد على ستة عشر عاماً، ثم تطور الأمر إلى الصرع والتخبط بكلام غير مفهوم. ذهب للرقية وكان الراقي يضرب الساكن في الجسد وينطق على لسانه ويَعدُ بالخروج أحياناً ويستهتر أحياناً. وبعد فترة تحسن إلى حدِّ مّا فقلًّ عنده الصرع، ثم بدأ يسمع الرقية بسماعات الأذن، وكان يشعر بتحركات غريبة في مواضع من جسمه مثل البطن والظهر وكذلك تنميل في معظم جسمه واهتزازات في أماكن متفرقة.(1/31)
وأجاب أحد المتخصصين في الطب النفسي عن هذه الحالة قائلاً بأن المس من الشيطان ثابت في القرآن والسنة، وعلاجه الرقية الشرعية، وأن من ملاحظاتي ومعايشتي لبعض الحالات المصابة بالمس والعين أنها تعامل على أنها مريضة نفسياً، والصحيح أنها مصابة بمرض روحي وتتماثل للشفاء وبعضها شفيت بفضل المداومة على الرقية والعلاجات المجربة لطرد الأرواح السفلية. والغريب أن من الأطباء النفسيين من يجزم بأن أكثر من يترددون على دور الرقية الشرعية هم مرضى نفسيون والواقع يحكي غير ذلك.(1)
وفي حديث خاص مع أحد الرقاة يقول:أستقطع من وقت راحتي وإجازتي للمساعدة في الرقية لما أشاهده من معاناة أولئك المرضى، ونشاهد بأم أعيننا شفاءهم والحمد لله والمنة بما يعجز عنه حتى الطب النفسي، وهناك أطباء معروفون لا ينكرون ذلك أمثال الدكتور طارق الحبيب في كتاباته، ولكن على الجميع تحري الثقاة والبعد عن الدجالين فهي سهلة الامتهان.(2)
ويضيف معالج آخر قائلاً: إن بعض الأطباء النفسيين لا يفرقون بين الأمراض الروحية التي سببها في الغالب الجن والشياطين وحسد ابن آدم، وبين الأمراض النفسية التي سببتها ضغوط الحياة العامة، فيعتقدون أن الكل سواء وهي أمراض نفسية ولا بد أن تعالج بالأدوية النفسية والجلسات السلوكية المعرفية في عياداتهم، والصواب أن زوال الألم النفسي بالمريض مرضاً روحياً هو بزوال السبب، وهو العين مثلاً، وعلاجها بالرقية الشرعية لا غير.(3)
__________
(1) جريدة الجزيرة الأربعاء 15 جمادى الثانية 1421هـ، العدد 10212.
(2) جريدة الجزيرة السبت 20 صفر 1425هـ، العدد 11517.
(3) جريدة الجزيرة، الجمعة، 23 شوال، 1426هـ، العدد 12111، لقاء مع الراقي مانع المانع المعروف.. في صفحة آفاق إسلامية.(1/32)
وكما هو معلوم فإن الكشف بالرقية الشرعية كما هو بالطب النفسي لا تكفيه جلسة واحدة ولا جلسات، ولكن البعض قد يرقي مرة واحدة ثم يقول: ليس بك شيء، مع أن الموضوع يحتاج إلى وقت طويل، فكثير من الذين تمت مقابلتهم كانوا يقولون بأنه لم يبدأ التأثر معهم إلا بعد فترة من الرقية والتحصين والاستمرار بتناول الأعشاب والعلاجات التي ترهق الجان حتى خارت قواهم وظهروا على حقيقتهم فكثير من الناس مخدوعون جداً بذلك وحتى بعض الأطباء قد يأخذون المسألة على أنها تشخيص بسيط، لكن التعامل مع الجان من أشد الأمور التي ينبغي على المبتلى أن يصبر عليها ويتحملها ويستعين بالله تعالى.
الحالة الثانية: استخدموا الرقية في البداية ثم اكتفوا بالعلاج النفسي فقط:
المريض الأول: شاب من طلاب العلم الشرعي، مشكلته بدأت صبيحة الزواج، حيث لم يرتح لزوجته، ولم يرغب في الإفطار، ولم تدخل زوجته قلبه من البداية. في الليلة الثانية أراد أن يأتي أهله لكنه لم يستطع وتعب نفسياً، وبعد أسبوع تخللته دورة شهرية حصل له انتصاب ثم خفت الحالة والكآبة ولكنها لم تنقطع، وكان لا يحب يكلم أحداً لمدة شهر تقريباً، بدأ يأتيه شعور بالحزن على فترات يمنعه من اتيان أهله – مضى على هذا الوضع خمس سنوات - عنده الآن طفلان، يذكر في المراحل الأولى من الزواج أنه رأى في المنام رأس ثعبان أو حية على سريره. يشعر كل ثلاثة شهور بمغص يتكرر بالبطن، ونومه ثقيل، ومعاشرته لأهله قليلة مرة في الأسبوع مع قذف سريع، وذلك لأسباب لا يعلمها، مع أنه لديه رغبة لكنه يصد عن ذلك. ذهب إلى أطباء كثيرين في عدة دول، وأخذ علاجاً نفسياً، ولكن حالته لم تتغير رغم استمراره على العلاج، وكان تشخيص الحالة اكتئاباً نفسياً (وهو خلل في كيمياء الدماغ يتعلق بمادة تعرف باسم سيروتنين)، ونصح بأخذ علاج إفكسر وأنافرانيل لمدة أربعة شهور كمرحلة أولية.(1/33)
المريض الثاني: فتاة تشعر بخوف شديد وضيق في التنفس وزيادة في ضربات القلب منذ ما يقارب (12) سنة. شخص الأطباء حالتها بأنها مصابة بمرض نفسي، أخذت أدوية نفسية ولم تجد فائدة تذكر. أحلامها دائماً تصدق، تقرأ أدعية الرقية وسورة البقرة ولم تحس بتغير. قبل سبع سنوات وهي تشرع بالنوم رأت رأساً كبيراً لونه أبيض جداً أحد عينيه نازلة كأنها محروقة وهو ينظر إليها. بعد ذلك بدأت تعاني من دوار شبه مستمر. أرادت الحج وأخذت علاجاً نفسياً وشعرت بأنه خف الألم عليها كثيراً، ولكنها لما رجعت من الحج انتكست ولا تعرف السبب على الرغم من استمراراها بأخذ العلاج. قال لها البعض: إن عندها عارضاً، وتبحث عن تشخيص أو علاج لحالتها.
المريض الثالث: فتاة شاجرها والدها قبل عشر سنوات ليلاً، وشعرت بتلبس من الجن. أصبحت تصيح وتضرب كل أحد يقترب منها. تشعر بضيقة قوية وخوف شديد، وتخاف حتى من الأطفال إذا صارخوا في وجهها، مع أنها كانت من قبل لاتعرف الخوف. ذهبت للرقية وجربتها بنفسها ثم تحسنت حالتها. استقالت من ثلاث وظائف، ولا تعرف سبب تقديمها للاستقالة، وتشعر بالندم على ذلك بسبب شعورها بالضيق والكدر. ذهبت للطبيب النفسي وأعطاها علاجاً ولكنها لم تستفد منه، وتقول: إنه ظهر بعد العلاج بقع سوداء تحت عينيها.(1/34)
يقول أحد الاستشاريين النفسيين: إن المصاب بالسحر أو العين أو المس عندما يراجع إحدى العيادات النفسية المتخصصة ويستخدم بعض العلاجات النفسية فإنه يستفيد لأن العارض الروحي ربما أدى إلى بعض الخلل العضوي ولو أخذ بالرقية لكانت النتائج أفضل، وقد تستمر المعاناة النفسية زمناً طويلاً وتزداد يوماً بعد يوم؛ فيتوغل المرض النفسي في نفس المريض وشخصيته وعقله، ويمتد أثره إلى أهله ومن حوله وعمله، وقد يخدع المريض نفسه بتكرار الذهاب للمعالجين بالرقية والتنقل بينهم لعلهم يكتشفون فيه سحراً أو عيناً أو مساً مع علمه وقناعته الداخلية بخلوِّه من ذلك، ولكن هرباً من مواجهة المحيط الاجتماعي ولوم الضمير، وتجنباً للطب النفسي.(1)
فالطبيب بعلمه لاشك سيكون الأدرى والأعرف بماهية علل الروح والنفس من ذلك الذي يدعي علاج أسقام لايفرق بينها، فالفصام والقلق والاكتئاب والوسواس القهري وغيرها من أمراض النفس لا يعرفها الا منْ دَرسها وخبر أعراضها ومارس علاجها.(2)
الحالة الثالثة : بدأ بالعلاج النفسي والرقية ثم تركهما :
المريض الأول: شرس الحوار والطباع، له من الأبناء عشرة، لا يهمه وضعهم، ولا يسأل عنهم، كثير الشكوك بمن هم حوله، يكذب ولا يبالي، يكره الناس، يشعر بالملل من الحياة، لأنها لا تساوي شيئاً بالنسبة له، كما أنه يتهم أهله وأبناءه وزوجته بعدم الوفاء والغدر، أصبح الزمن لا قيمة له عنده، ولا يهتم بشيء، كل يوم لا يأتي بجديد، مثل الذي سبقه، يعيش على هامش الحياة. لا يشعر بمن حوله، ولا يعطيهم حقهم من التفكير أو المسؤولية، ذاكرته تخونه وقد كانت لماحة وقوية من قبل .
__________
(1) الصغير، محمد عبدالله: نتيجة لتصورات عاطفية ومواقف جائرة، مفاهيم خاطئة عن الأمراض الذاتية وعلاجاتها، كلية الطب، جامعة الملك سعود، الرياض.
(2) جريدة الرياض، الثلاثاء 3 ربيع الاول 1426هـ - 12 ابريل 2005م - العدد 13441(1/35)
يقول:إنني ذهبت إلى الطبيب النفسي الحاذق وقال لي:هذا مرض نفسي، فقلت له:أرجو أن لا تصف لي بضعة حبوب تدخلني في ظلمات النسيان لبضع الوقت ثم أعود من جديد إلى عالم الواقع. قال له الطبيب النفسي: نعم أتفق معك تماماً فحالتك ليست بحاجة لبضع حبوب مضادة للاكتئاب، ولكنها بحاجة لعلاج نفسي، وهو فعّال تماماً مثل الأدوية لكن المشكلة في أن المتخصصين في علم النفس العيادي وفي العلاج النفسي قليلون، حاول أن تبحث عن عيادة نفسية للعلاج النفسي وليس بضع دقائق مع الطبيب يصف لك بها دواءً مضاداً للاكتئاب وهو مشغول البال.(1)
ثم بعد ذلك ذهب المريض إلى الراقي، ولم يستفد كثيراً، فترك الرقية كما هو الحال بالأدوية النفسية. أما المعالج بالقرآن فيقول: إن هناك من لديهم أمراض نفسية مردها إلى العوامل السيكلوجية وهم بحاجة إلى طبيب نفسي مختص، وبالإضافة إلى مراجعتهم للعيادات النفسية؛ فإنه يفضل لهم استخدام الرقية؛ لأن الأمراض النفسية في الغالب أنها تفعل من عوامل القلق النفسي وعدم الركون إلى الدعة والاستقرار وتجعل الإنسان في حالة من الضعف، ربما كان ذلك مدخلاً إلى الشيطان، إذن نخلص إلى أنه لا تعارض بين العلاج الروحي مع العلاج البدني، وكلاهما مكمل للآخر. والإنسان مأمور بالأخذ بالأسباب، ومن الأسباب التداوي.(2)
__________
(1) جريدة الرياض، الجمعة 29 صفر 1426هـ - 8 إبريل 2005م - العدد13437، استشارات نفسية واجتماعية.
(2) جريدة الجزيرة الجمعة 7 ذو القعدة 1423هـ العدد 11061(1/36)
المريض الثاني: شاب أعزب، يعمل في القطاع العسكري، كان باراً بوالديه، تسكن أسرته في قرية. اشتهر بوقوفه مع والده وأهل القرية، كانوا دائماً يقارنون أبناءهم به ويلومونهم لماذا لم يكونوا مثله. بدأت حالته بشعوره بالخوف والقلق والغيرة الكبيرة والشك رغم أنه غير متزوج. لم يكن له دراية ومعرفة بآثار العين. شخص الطبيب النفسي مرضه بالوسواس القهري، وبدأ بأخذ عقار البوزاك للاكتئاب. يقول:أحس بنوع من الراحة ولكن ليست التي يتمناها، وزاد وزنه وكثر كلامه، لكنه لا يزال يشعر بأنه إذا ذهب إلى أهله بقريته تعود له الأعراض. استمر على العلاج النفسي لمدة سنتين متتاليتين ولم يشف فترك العلاج.
المريض الثالث: منذ سنة يعاني من ضيق في النفس، ونفور من الطاعات، وحزن وبكاء، وهم وغم، وأحلام مفزعة وكوابيس وعدم الشعور بالنفس، وكأن أحداً يسيطر عليه، وآلام بالرأس وبرودة عجيبة في جسمه، وشعور بالخوف والقلق المستمر وآلام الحلق والمعدة وانتفاخ بها، ونفور من الدراسة ومن الحياة بصفة عامة. اكتئاب عجيب الشعور بالذنب وعدم الرغبة في الحياة، يرى أشياء غريبة تمر بجانبه أشياء صغيرة سوداء وأشياء مثل الضوء تختفي بسرعة. أغلب أحلامه حيات وسحالي، ويشعر بحركات مستمرة وغريبة في جسمه. عمل فحوصات بالمستشفيات ولكن دون جدوى. والذي يؤرقه آلام بالقلب وخفقات غير طبيعي تكدر المزاج. يشعر بتشويش بالذهن، ويفكر كثيراً بالموت. عندما يستمع لشريط الرقية الشرعية يشعر بالنعاس كثيراً. قيل له:إنه ربما تكون عين أو سحر أو مس. يريد حلاً لمشكلته؟
قد نجد أن العامل المشترك بين الأمراض الثلاثة السابقة تأذي المريض من القرآن الكريم؛ فالنفسي والعضوي لايتأذى، والروحي يتأذى. ينبغي للرقاة والأطباء النفسيين عدم التسرع في التشخيص، فليس من الأمانة التسرع في تشخيص بعض الأمراض.(1)
__________
(1) جريدة الرياض، الجمعه 16 ذي الحجة 1427هـ - 5 يناير 2007م - العدد 14074(1/37)
ويؤكد الدكتور الحبيب على أنه ليس هناك ما يمنع، بل إنه من الضروري الجمع بين أخذ الدواء الذي يصرفه الطبيب المتخصص وبين الدعاء وقراءة القرآن والرقية الشرعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل هذا من أمر الله، أما الأخذ بشيء مع إهمال باقي الأشياء فهو من قبيل التناقض، فالإنسان جسد ونفس، ولا يمكن الفصل بينهما، وللجسد ما يفيده، وللنفس ما يلائمها.(1)
إذن لو قلنا:إننا يجب ألا نستخدم إلا القرآن في الاستشفاء لأخطأنا ويُخطئنا في ذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أخذ بالأسباب المادية أيضاً في علاج نفسه، ومنه الحجامة، ومنه الأعشاب التي وصانا بها. وأيضا لو قلنا: إن استخدام الأسباب المادية وحدها تكفي لأخطأنا لنفس الأسباب السابقة.
ومن ذلك يتبين خطأ كثير من الناس الذين لا يلجؤون لعلاج عللهم العضوية بالقرآن إلا عندما لا ينفع العلاج بالدواء، فالأصوب في كل ما أسلفناه المبادرة في الجمع بين القرآن والدواء.
ولا ينكر الدكتور هدير مير استشاري علاج الأورام بالأشعة والمدير الطبي لمستشفى الملك عبدالعزيز بجدة العلاج بالقرآن والرقية حيث يقول: إن الطب الحديث لا ينفى قدرة الله في الشفاء لكنه يعترض قول الرقاة في ترك العلاج الكيميائي خاصة مريض الورم السرطاني والاكتفاء بالرقية وانما هما مكملان لبعضهما ويمكن من خلاله أن يشفى المريض.(2)
نخلص من طريقة دراسة الحالات التسع السابقة إلى ما يلي:
- الرقية ليست محصورة في المس والسحر والعين، وأن العلاجات النفسية تفيد في علاج الأعراض ولو كانت الحالة ناتجة عن عين ونحوها.
__________
(1) المهدي، محمد: المريض النفسي بين الطب والغيب، مجلة النفس المطمئنة، السنة التاسعة، العدد 41، أبريل 1995م، 28-31.
(2) http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/20.../Art_165366.XML(1/38)
- قصر التداوي من العلل النفسية على الرقية فقط وإهمال التداوي بالعلاجات المباحة من أدوية وغيرها مخالف لمقاصد الشريعة التي أباحت التداوي بالمباح سواء للعلل الجسدية أو النفسية، ويشهد على هذا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - :(التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري. والتلبينة: نوع من الطعام.(1)
- إذا أصيب الإنسان بمرض فإن السبيل التي دعت إليه الشريعة هي الرجوع إلى المختصين من الأطباء، فإذا لم يجد العلاج الطبي فإن من المحتمل أن يكون سبب الإصابة أو المرض غير عضوي. فيضم إليه العلاج الروحي من مثل الأدعية والأذكار وتقوية نفس المصاب والتغلب على تسلط النفس الشريرة المؤثرة عليه.(2)
ويضيف الراقي مانع المانع:أنه يجب في البداية التحقق من عدم الإصابة بالأمراض العضوية، ثم نبحث هل الإصابة نفسية وهي مسألة يقررها الطبيب النفسي، ثم بعد ذلك ننظر في احتمالية الإصابة بالأمراض الروحية. لأن الأمراض الروحية والاختلال الباطني أصعب بكثير من الإصابات العضوية والنفسية، فهي تدمر الوجود الحياتي والحركية الاجتماعية للإنسان؛ لذلك فإن معرفة الإصابة بالسحر تتطلب المرور من المراحل التالية:
أ)- مرحلة التشخيص العضوي: مراجعة طبيب أمراض عضوية ليستفسر عن حالته الصحية. حيث إن بعض الأمراض تسبب للإنسان إحساساً بالقلق أو الاكتئاب كمرض الطحال مثلاً وقد يترتب على ذلك توتر وربما نفور من العمل أو التجارة أو غير ذلك فيتعجل الإنسان في التفسير. وغالباً ما يحدث الشفاء بعد العلاج من المرض العضوي فتتغير إحساسات المصاب ويسترجع نشاطه وهمته.
__________
(1) جريدة الجزيرة، الإثنين 10 محرم 1425هـ العدد 11477
(2) أبو غدة، عبدالستار، مرجع سبق ذكره، ص 271.(1/39)
ب)- مرحلة التشخيص النفسي: قد تكون بعض الأمراض التي نتوقع أنها روحية قد تكون مردها أمراضاً نفسيةً. وبناء عليه، يجب على المصاب بعد استشارة طبيب أمراض عضوية بدايةً أن يتجه نحو طبيب أمراض نفسية الذي سيدله مباشرة على الطريق الذي يجب أن يسلكه توخياً للعلاج، ذلك أنه يتوفر بفضل حسه المهني على ما يسمى لدى المعالجين النفسانيين بالنظرة الإكلينيكية، بحيث يستطيع منذ الوهلة الأولى أن يعرف ما إذا كان الماثل أمامه يعاني من اضطراب نفسي أو غير ذلك. إلا أن الملاحظ في هذا الإطار، هو أن عديداً من الأطباء الذين يغلب عليهم الطابع التجاري والرغبة في الربح المادي السريع، يرهقون كاهل زبائنهم من المترددين عليهم بمصاريف الأشعة وغير ذلك.
3) مرحلة التشخيص الباطني(الروحي):
لذلك نقول: إن عملية التشخيص يجب أن تكون ذاتية بحيث يتجه الشخص المصاب بالإلحاح في الدعاء، سواء خلال الأوقات التعبدية أو أوقات الفراغ. وأن يكون هذا الدعاء مصاحباً بقوة اليقين في الإجابة الإلهية دون أن يعير لمسألة الزمن أهمية، لأن الكثير من المرضى الروحيين يعتقدون أن المعالجين الروحيين أقرب منهم إلى الله، وهذا لا ينبغي أن يعتقدها الإنسان لأنه يجب أن يتجه مباشرة لخالقه بالتوسل والدعاء الخالص لوجه الله. وقد تكون هذه الفكرة جاءت إلينا من الغزو الفكري الغربي لعقيدتنا؛ فالوساطة فكرة نصرانية.(1)
__________
(1) الشقرماني، حسن: السحر بين علم النفس والباراسيكولوجيا والقرآن، الطبعة الثانية، مكتبة منار العرفان، القاهرة، بدون تاريخ، ص 246-248.(1/40)
ولهذا ينبغي على المسلمين اليوم استعمال النوعين من الأدوية، دون إفراط أو تفريط، أو دون إهمال لأحدهما وتزيد في الآخر، فنرى بعض الناس يفرطون في التداوي بالأدوية الإلهية من الرقى والتمائم والتعويذات، مقتصرين في علاج الأمراض على الأدوية الطبيعية. فهؤلاء قد حرموا أنفسهم من بركات القرآن الكريم والأدعية والأذكار. وفي المقابل نجد آخرين أهملوا الدواء الطبيعي، وزهدوا الناس فيه، وأفرطوا في استعمال الأدوية الروحية، ولم يقفوا عند الرقى الشرعية، وأدخلوا فيها ما ليس له معنى، وأصبحوا يكتبون الأحجبة والتمائم، ويستعينون في كتابتها بكتب الدجل والشعوذة، واتخذوا ذلك حرفة ومورداً للرزق، فضلوا وأضلوا، وأوقعوا الناس في حبائلهم، وأكلوا أموالهم بالباطل.(1)
ثالثاً: وصف كيفية حدوث الرقية داخل دور الرقية الشرعية :
__________
(1) شبير، محمد عثمان: ضوابط التداوي بالرقى والتمائم في الفقه الإسلامي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، السنة 16، العدد 47، 2001م، 303-365.(1/41)
يدخل الرجال صالة الاستراحة بعد صلاة المغرب، ويجتمعون فيها، الذي يبكر يجد المكان المناسب، والمتأخر قد يضطر للجلوس على الأرض. بعض المصابين يذهبون إلى غرفة خاصة مغطاة من الجوانب، وهؤلاء هم أصحاب الحالات العصيبة. يذهب البعض إلى الصيدلية –كما تسمى- ويشترون بعض الحاجات المرقية مثل الماء والزيت والعسل وخلطة السدر وغيرها من المراهم والدهونات. ثم يدخل الراقي فيأخذ المايكروفون اللاسلكي ذا السماعات المشبوكة في زوايا الصالة، فيبدأ الراقي في قراءة آيات الرقية، وفي نفس الوقت يبدأ بعض الرجال في الاستفراغ، والبعض بالصراخ بصوت عال، وهناك من يلتزم الصمت، ومن يذهب لضرب الحائط والباب بقوة مخيفة –هذا لمن هم داخل الغرفة- كلما علا صوت الشيخ تعلو أصواتهم، وأحياناً تكون مسموعة خارج الاستراحة. يلاحظ أن هناك من يتلفظ بألفاظ خشنة نوعاً مّا على الراقي فيأتي اثنان من المتعاونين لمساعدة الراقي لكي يمدد على الأرض ثم تركز عليه القراءة. وبعد أن يبتعد عنه يعود للتلفظ مرة أخرى. في نفس الوقت يعلو الصراخ الجماعي وتحدث أحياناً حالات إغماء في الغرفة الخاصة. بعد نهاية الراقي من القراءة يختتم بدعاء مختصر أحياناً يكون بقوة الرقية على المصابين، ثم يمر الراقي على الناس، وينفث عليهم وعلى الماء أو الخلطات التي معهم. وبمجرد خروج المصابين يعودون لطبيعتهم العادية.(1/42)
يقول أحد مرتادي دور الرقية: لا أحد ينكر أهمية الرقية والاستشفاء بالقرآن الكريم، لكن الأفضل أن يقرأ الإنسان أو أي أحد من المقربين له على ماء ثم يقوم بشربه، لأن هذا أكثر فاعلية بكثير من أن يكون هذا الماء من راق أو أي شخص غريب. ويستطرد قائلاً: إن البعض يتردد على الدار منذ سنوات طويلة حيث إنه مُصر على أنه مسحور والشفاء على يد الراقي. علماً بأن السحر وحتى العين باب واسع إن فتحناه سوف يصعب إغلاقه، وإن تركناه ساهمنا في تلاشيه. والكثير منهم إذا سمع عن أحد استفاد ذهب مباشرة إلى ذلك الراقي أو المعالج، والعجيب أنه مع أن الإنسان قد يسأل عن قيمة العلاج والفواتير إلا أنه فيما يتعلق بالعلاج بالرقية والأعشاب تجده يدفع بدون تردد ولعل ذلك راجع إلى خوف الناس من تأثيرات الأمراض الروحية.
ومن الملاحظات التي لفتت انتباه الباحث:
- أن بعض الحالات قد تمر عليها فترة طويلة حتى تشفى.
- قد تمر الحالة على عشرات الرقاة، وتستخدم عشرات الخلطات والوصفات الشعبية، ويضطر البعض أحياناً إلى الوقوع في شباك حبائل الدجالين والنصابين والمشعوذين.
- كثير من الحالات تختفي عنهم الأعراض ثم تعود ويعلل ذلك من الرقاة بأن السحر قد جدد.
- تمت مقابلة بعض الرقاة الذين أدخلوا طرقًا جديدة على الرقية، ويعدون المتمسكين بالرقية الشرعية أنهم لايفقهون، وأن العصر قد تغير، والشياطين قد تغيرت أساليبهم، فيحتاجون إلى المحاربة بوسائل تضاهي أسلحتهم.
- بعض الحالات يظنون أن بعض الرقاة يساعدهم الجن المسلم على شفاء الناس.
- مما سبق يتضح دور من ينادي بأهمية رفع مستوى الوعى والإدراك الاجتماعي عند المصابين.(1)
إذن نخلص من الوصف السابق ومن خلال طريقة الملاحظة بالمشاركة إلى تحديد نوعية ومكان ووقت وأهداف الرقية بالآتي:
أولاً : من حيث نوعية الرقية :
1- الرقية الجماعية:
__________
(1) جريدة الرياض، http://www.alriyadh.com/2002/06/04/article27420.html(1/43)
أ)- الرقية الشرعية الواردة في السنة النبوية المطهرة، بدون استخدام أجهزة تكبير، يباع الماء والزيت والخلطات بسعر معقول أو أحياناً يستبدل ولا يباع.
ب)- الرقية الشرعية باستخدام مكبرات الصوت وتكرر آيات عدة مرات وخاصة العين والحسد ويبدأ الناس بالتأثر الكلي، والماء والزيت والخلطات البسيطة بالمجان، لأنها من مال أناس شفاهم الله وتبرعوا لإخوانهم بها.
ج)- الرقية الشرعية عبر مكبرات الصوت مع الصدى وتكرار آيات السحر ويبدأ الناس بالغثيان والتقيوء، مع استخدام بعض الخلطات والعسل والأسعار تكون مرتفعة.
2- الرقية الفردية:
أ)- الرقية بالفاتحة وآية الكرسي وترديدهما ووضع اليد على مكان المرض فترتجف اليد وبها يستطيع سحب العين أو المس، والملاحظ أنه قد يعود المرض بعد فترة لكن المريض يتحسن بشكل كلي وينطلق ويصبح عضواً فاعلاً لفترة قد تصل إلى ستة شهور، والراقي يأخذ مقابلاً مادياً على الرقية.
ب)- الرقية المقننة وتكون فردية للرجال وللنساء - بحضور المحرم - ، وقد تكون بعض الآيات عند قراءتها مفككة، مع الزيوت والعسل والأعشاب الرخيصة المرقية، والراقي يأخذ مقابلاً مادياً على الرقية ولكنه لا يشترط.
ج- الرقية بالكشف بعد إغماض العينين: يقرأ الراقي على المريض ويأمره أثناء الرقية بإغماض عينيه فإن كان مسحوراً سيرى الذي سحره ثم يقوم بإبطاله بنفس الوقت.
3- الرقية الإلكترونية: كثرت في الآونة الأخيرة مواقع الرقية الإلكترونية ويتم الدعاية فيها للراقي بأنه قادر على علاج المرضى من جميع الأمراض وفق الكتاب والسنة، ولكنه يحرص على التكتم والاختفاء. ويلاحظ على هذا النوع من الرقية انجراف الناس خلف أي شخص يعطي معلومة مهما كان، وحرصهم على العلاج بأي صورة كانت، وثقتهم الزائدة بالممارسين والممتهنين والمدعين الإشراف على مواقع الرقية بشكل لا يتصور.(1/44)
4- الرقية الفضائية: وتتم عن طريق قناة فضائية متخصصة للرقية والعلاج بالأعشاب، ويتم فيها عرض رقى العين والمس والسحر، وتجرى مقابلات مع المرضى ومن تم لهم الشفاء.
ثانياًً: من حيث مكان الرقية :
1- الرقية بالاستراحات والمزارع.
2- الرقية في بيت الراقي.
3- الرقية في بيت المرقي.
4- الرقية عن طريق الهاتف.
5- الرقية عن طريق الإنترنت بالكتابة.
ثالثاً: من حيث وقت الرقية:
1- بعد العصر للنساء، وبعد المغرب للرجال، جميع أيام الاسبوع ما عدا الخميس والجمعة.
2- يومان للنساء، ويومان للرجال، من بعد العصر إلى قبل المغرب، وبأعداد محددة حسب الحجز.
3- مفتوحاً حسب الاتفاق.
رابعاً: من حيث هدف الرقية:
1- الرقية للدعوة والشفاء: إن الله أكرم الصالحين بحبِّ الخلق، ونصرة دينه، وحبِّ ومعاونة المسلمين على الخير فقد ساهم الذين يرقون من أجل هذا الهدف في تحبيب الخلق بالخالق، وحبهم للصالحين، وتمنيهم أن تكون ذرياتهم مثل هؤلاء التقاة الرقاة. وتكون الرقية للشفاء حيث إن الراقي قد يكون مصاباً من قبل أو له قريب مصاب فيجتهد لنفع الآخرين.
2- الرقية كهواية: نجد أن الراقي يهوى الرقية ولا يمكن أن يصبر عنها، ويعتبرها مثل الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه.
3- الرقية لمقاومة السحرة والكهنة: الراقي يحاول أن يسد ثغرة على المشعوذين والدجالين والمحتالين الذين انتشروا في هذا الزمن.
4- الرقية للشهرة والمال: ويلاحظ كثرة المترددين وتأخر الشفاء، فيبقى الناس يخفون أوجاعهم ويتكبدون السهر والتعب وضيق النفس، ويتم إبلاغهم أن أمراض الجن لا تظهر مباشرة، وأنه ينبغي عليهم الحذر من مراوغات الجن والشياطين وكذبهم وخداعهم، حيث إن كشف أباطيلهم تحتاج إلى وقت وجهاد كبير.
خلاصة وتوصيات البحث:(1/45)
يمكن أن نجمل خلاصة النتائج النهائية لبحث الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية، الذي كان الهدف منه هو التعرف على مشكلة الأمراض الروحية باعتبارها مشكلة اجتماعية ذات تركيب وخصائص فريدة، فيما يلي:
1)- المرض الروحي قد يصيب الذكر والأنثى على السواء ولكنه يكثر عند النساء.
2)- أغلبية المصابين بالأمراض الروحية ينتمون إلى الفئات العمرية (20-40) سنة .
3)- أغلب المترددين من المصابين بالأمراض الروحية هم من الأميين مع وجود جميع المستويات التعليمية بما فيهم ذوو التعليم العالي ولكنهم بنسب أقل.
4)- تبين من البحث أن المشتغلين بالرقية الشرعية منهم طلاب علم شرعي، وأئمة مساجد، ومدرسون، ولكن بدأت تندس في المجتمع فئة مختلفة من الرقاة قد يتوهم المصاب أنهم على خير نظراً لما يلاحظه من تأثر على أيديهم.
5)- أوضح البحث أن أكثر الرقاة يزاولون الرقية بنية الدعوة والشفاء، أو كهواية، أو لمقاومة السحرة والكهنة، أو للشهرة والمال.
6) أغلب المبحوثين بينوا أن المساء هو الوقت الذي تزداد فيه معاناتهم الروحية.
7) أن مرض الاكتئاب هو الذي يشكل خطورة عالية يواجه الشباب في الوقت الراهن.
8) يمثل الإجازات الرسمية أفضل الأوقات للرقية، وربما يعود ذلك إلى الارتباط بين تفرغ الأسر لهذا الشيء بسبب العطلة المدرسية.
9) أن أهم أسباب الإصابة بالأمراض الروحية هو زيادة الضغوط الاجتماعية، الإسراف في ارتكاب المعاصي، قلة التحصين بالأذكار والأوراد الشرعية وإهمال الرقية.
10) يلاحظ على المصابين بالأمراض الروحية تعميم السحر والمس والعين على كل علة نفسية وعقلية وإغفال دور العوامل الأخرى أياً كانت؛ اجتماعية، أو تربوية، أو نفسية، أو وراثية.
10) اتفق المصابون على أن أنسب الحلول للأمراض الروحية هو قراءة القرآن الكريم والتحصن بالأذكار الشرعية، ثم رفع الوعي الاجتماعي لدى المصابين.(1/46)
11) تدعم الدراسة فكرة أن الرقية الشرعية والطب النفسي مكملان لبعضهما البعض.
12) أن الشبكة العنكبوتية أفادت كثيراً من المصابين بالأمراض الروحية، وعلى النقيض فتحت باباً للسحرة والمشعوذين للتلاعب بعامة الناس.
وفي ضوء النتائج التي أسفر عنها هذا البحث فإنه يمكن التقدم بالتوصيات الآتية:
1- تكثيف حملات توعوية مستمرة بأخطار الإصابة بالأمراض الروحية، وخاصة فيما يتعلق بمسائل العقيدة على جميع المستويات، مع التركيز على الشباب والنساء والخادمات، ومراعاة المجتمعات الريفية والبدوية، وذلك من خلال القيام بدراسات وحلقات وندوات علمية أو ورش عمل في قطاع التعليم والمساجد والمنتديات.
2- إصدار تراخيص لمزاولة مهنة الرقية، ومنع من لا يحمل ترخيصاً، أو انتهت مدته من مزاولة الرقية، وذلك من أجل الحد من الممارسات الخاطئة للمعالجين عن طريق الرقية التي لا تستند على أدلة شرعية.
3- إقامة دورات مجانية للرجال والنساء عن الرقية الشرعية بين النظرية والتطبيق.
4- ضرورة توثيق تجارب وطرق العلاج في دور الرقية الشرعية حتى يستفيد منها الناس، حيث تبين أن الناس يتناقلون المعلومات عن الرقاة من جلساتهم مع بعضهم البعض أو من خلال تجاربهم السابقة.
5- حيث إنه ثبت التأثر الفكري للحالات المصابة بالاضطراب الروحي أو النفسي فيمكن التوصية بمحاولة علاج الشباب الذين يعانون من انحراف فكري بواسطة الرقية الشرعية والطب النفسي.
خاتمة:(1/47)
تتضح أهمية موضوع الخصائص الاجتماعية للمصابين بالأمراض الروحية إلى كونه من الدراسات الميدانية الاجتماعية التي ركزت على أهمية تحديد صفات المصابين بتلك الأمراض الخفية. أثبتت النتائج وجود خصائص معينة يتصف بها المصابون بالأمراض الروحية، وإلى أهمية دعم فكرة التكامل لا التنافر بين الرقية الشرعية والطب النفسي. ندرة البحوث الاجتماعية في هذه الموضوعات تتطلب من الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية إجراء دراسات ميدانية في هذا المجال وخاصة مايتعلق بالدراسات التتبعية لمن يتعالج بالرقية الشرعية أو العلاج النفسي للوقوف على تطور وتغير وشفاء تلك الحالات وربطها بالمشكلات والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تحدث داخل المجتمع.(1/48)