الخزنوية
خداع و تضليل
بقلم
عبدالله بن عبد الرحمن الجزيري
مقدمة الطبعة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و صحابته أجمعين وبعد:
كان للخزنوية الأثر الكبير في قلبي وفكري ومسار حياتي، فعقدٌ من الزمن كفيلٌ بهدم وبناء كيان الإنسان، لاسيما إذا تعاور عليه جيش من البشر، كائناً من كانوا... فيلقاً من الغوغاء أو كتيبة من الحكماء .
عقد من الزمن رضعنا فيه لبان الخرافة و الجهل، وأترعت النفس بمزيج الوهم والخيال ولا عجب فتعليم الجهل سياسة أتقنها وأجادها الصوفية، شربنا السم صغاراً، وأثره لا يزال قائماً، فلا زلت أعاني من جهل بالكتاب والسنة، وكل يوم يمر علي، أسقط من ذاكرتي حديثاً مكذوباً، أو قاعدة كنت أظنها علمية، أو معلومة بالية نطق بها مخبول كنت أحسبه من أهل الحكمة والكشف .
بل يوم ودعت تلك السنين البائدة، قمت بهدم وبناء لعقلي وقلبي، وكان بحمد الله تاريخاً جديداً لحياتي، فلم يعد عبد الله ذاك الصوفي الموسوس، الذي يركض بشغف وراء شيخه الجاهل لينال عطفه ونظره، أو الذي يقف مكتوف اليدين خافض الرأس مشدوه العقل أمام أتربة وأخشاب وعظام نخرة، ما عاد عبد الله ذاك الداعية المحبوب الذي كان يتنبأ له شيخه المأفون بمستقبل أفضل لطريقته ونهجه .
لقد مات منذ سنين، وأهيل على ماضيه ثرى النسيان .
ولد عبد الله الجديد، وخرج رغم صلابة الصخور وقسوة المناخ .
فقد طال رقاده بين الموتى، وانخراطه في سلك الخائرين ومكوثه بين المكدين(1)، وملّ تقليد العميان وقد فتح الله بصيرته .
فيا تاريخ الانقياد والتبعية اذهب إلى الجحيم .
__________
(1) المتسولين.(1/1)
اليوم محوت آخر سطر من ذاك التاريخ، وأطبقت فماً طالما مجّد الظلمة والضالين وألجمت قلماً طالما سوّد صحائف ما أحوجها إلى النور من الظلمة، وعدّلت ظهراً قوّسه الانحناء، وألقيت أصناماً كانت القمامة أولى بها وأجدر .
إنك أيها اليوم... حقاً يوم ولادتي.
ولم لا يفرح من ولد خائفاً، وترعرع تابعاً ذليلاً، ويفع بوقاً للآخرين، وبين هذا وتلك عاش متصيداً للأوهام والترّهات .
عاد إنساناً تساوى البشر في نظره بأنهم عبيد لله، لايملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً . إنساناً لا يقوده إلا الكتاب والسنة، ولا ينحني إلا في صلاته.
بقيت بذور هذا الكتاب وريقات أخفيها عن الأنظار، أطلعها على بعض المحبين لاسيما أساتذتي الكرام، وما كان يمنعني من جمعها في كتاب غير سطوة الخزنوية وإرهابهم لكل معارض، إما بالدسّ والتهم وإما بتسليط الغوغاء عليه، حتى مَنّ الباري عليّ بالسفر خارج البلد فكانت فرصة ذهبية للكتابة والنشر، فكان أول أعمالي إخراج الكتاب وطباعته، وتمتاز هذه الطبعة باستدراك الأخطاء اللغوية والإملائية ما أمكن وتصحيح التخريج لبعض الأحاديث، وإضافة بعض الأفكار، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي، وصلى الله على نبينا محمد بن عبدالله وآله وصحبه أجمعين .
عبدالله بن عبد الرحمن الجزيري
غرة محرم -1426(1/2)
أبا فايز: يا صفحة ما قرئت جيداً لكثرة أخطائها، ويا وثناً من الظلم والشرك ما نالت منه معاول التوحيد0 ها أنت قد شخت، وضعفت أنحائك، ولم تشخ نزواتك. ها أنت قد خلّفت ورائك تاريخاً أسوداً، لن يغسل عاره تتابع الحدثان وكيف يغسل عار الخيانة ؟ أم كيف تضيع همهمة التوبة الخادعة أنين المفجوعين بأعراضهم وكرامتهم؟ ها هي أيامك آذنت بانصرام، ولازالت تلك الكأس في يدك تنضح بالجريمة والفساد، وليدك العابثة قصة لا تجيد أقلام البلغاء وصفها تلك اليد الآثمة التي تبايع الرجال بالنهار على التوبة والطاعة، وتبايع النساء في دجى الليل، على عبادة الشيطان والنزوات .
أبا فايز: يا تاريخ العصيان، ويا بؤرة الشر السفلي، أعلم تمام العلم أن مشاعرك ماتت، وبقايا العقيدة اندرست تحت سنابك الخنا، وأثر النور حاصرته ظلمة الفواحش والآثام، مما جعلك أكثر إيغالاً في هتك أعراض الناس واللعب بعقائد البسطاء .
أبا فايز : كونك عاصياً زانياً فهذا شأنك، وشأن الكثير الكثير من البسطاء والنبلاء أما أن يكون فناً تحبه وهواية تمارسها في نومك ويقظتك، ويتحول إلى ورد وصلاة، أما أن تكون مبدعاً في فن الغواية والضلال، وأن تحول أجيالاً من النساء إلى مومسات... أن تعلّم الرجال الفناء في الله كما تزعم، وتعلّم النساء الفناء فيك ... أن تكون كاذباً أحياناً على ولدك على زوجتك، فهذا شأنك وشأن الكثير من المتمشيخين الذين ابتلينا بهم، ولكن أن يتحول الكذب إلى صنعة ودين تتعبد به الشيطان ، فهذا ما لا يحتمل ولا يمكن السكوت عليه .
عرفناك أيها القطب الكبير تسرق عرق الكادحين من أتباعك، لا أن تسرق شرفهم وكرامتهم. عرفناك تذل النفوس العزيزة بدجلك وكذبك، لا أن تهدر شرفهم وكرامتهم بهذا الأسلوب الرخيص، إلا أني لا أنكر على من خسر عزة نفسه، أن يهون لديه كل شيء... فما وجد من فقد عزة نفسه... وما فقد من أعتز بنفسه.
بين يدي الكتاب(1/3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وبعد:
فما أحببت المشاكل يوماً ولا إثارة الفتن، ولكن ما أصنع والفتنة مستيقظة، تفتك في عباد الله وتعيث في الأرض فساداً، ونحن صامتون واجمون... حرّم علينا حتى الأنين، وإن حاول أحد -ثارت في نفسه بقية من حميّة- أن يصيح بالناس، قُمع شر قمع، والعامة في سبات عميق، همهم العظيم وشغلهم الشاغل شهوة بطن ونزوة فرج.
وأثلج صدور الأعداء تحولنا إلى المساجد للصلاة والدعاء المقنن، وأقرّ أعينهم قراءة القرآن في المأتم والمقابر، ليذكّرنا بالموت فقط كما هلّلوا لضياع شباب الأمة، المقبل على زيفهم وبهرجهم، وقد رحبوا بكل ما يغيّب عقولهم وقلوبهم، وحالوا دون وعيهم، وقرّبوا المسيء وأبعدوا المحسن .
رحبوا بالسكر وأهل السكر، رحبوا بالخنا وأهله بالربا وجمعه، رحبوا بالصوفية والدراويش، بأهل الرقص والسماع بأقطاب الأرض وأوتادها، تلك الأوتاد التي تحمي الأرض أن تهتزّ تحت أقدام الجبابرة الطغاة، هؤلاء الأقطاب هم الذين خدّروا العامة ومسخوهم -بولايتهم المزعومة، بل المدعومة من الشيطان- قططاً تقم الجيف، وسحالي تلتصق بالتراب ... لهؤلاء(1) وهؤلاء ألفت هذا الكتاب.
إلى الصوفية عامة وإن كان يخصّ النقشبندية الخزنوية، لأن ما جاءت به الصوفية على اختلاف مشاربها خرج من مشكاة واحدة لهدف واحد، وهو ضرب الإسلام ومعالمه ومصادره. لشلّ حركة المجتمع الإسلامي برمته... للنيل من الوحي السماوي الذي غدا قشوراً ورسماً عندهم ... للنيل من سنة المصطفى التي غدت شريعة العامة والقاصرين.
__________
(1) "هؤلاء ": الذين لم استطع الكتابة عنهم.(1/4)
ثم إني لا أدعي في هذا الكتاب الكمال، ولا أقول وحي ملك، ولا أزعم أني أمتلك الحقيقة المطلقة، بيد أني نثرت فيه أدلة شرعية من كتاب الله وسنة نبيه، وكفى بها أدلة. نقلت من أفواه المخالفين وكتبهم وقد عزوت النقل لمضانّه وأسندت القول لصاحبه، أسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،
وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
عبد الله بن عبد الرحمن الجزيري
الخزنوية في سطور
في الشمال الشرقي من سوريا على الحدود التركية، ولد أحمد بن مراد في نهاية القرن التاسع عشر، من أبوين كرديّين في قرية من قرى الأكراد، وما إن ناهز سن الرشد حتى بدء بطلب العلم وأخذ ينتقل -كما هي العادة - من ملا(1) إلى آخر حتى انتهى إلى قرية نورشين على الحدود التركية الروسية، وكان يقطنها شيخ الطريقة النقشبندية، الشيخ محمد ضياء الدين الملقب "بحضرة "، تلقى أحمد بن مراد في مدرسته علوم النحو والصرف وفقه الشافعية، وأمضى في الطريقة النقشبندية سنين عددا حتى أخذ الخلافة في الطريقة وعاد لبلده.
سكن قرية خزنة ولهذا لقّب بالخزنوي، وأخذ ينشر الطريقة ويعلم الناس بعض أحكام الشريعة على المذهب الشافعي مما ضاعف عدد أتباعه.
وكان كل تابع يحمل إليه زكاة ماله ويخدمه بماله ونفسه، وكان أتباعه يحيون له موات الأرض ويتملكها هو بينما ينهاهم عن الدنيا(2) وملذاتها وجمع حطامها.
لم تمض سنين كثيرة على هذا الحال حتى أصبح أحمد الخزنوي إقطاعي كبير، ولكن ما يميزه عن البقية أن الناس تخدمه بالمجان، بحجة أنه يطعم الناس ويعلّمهم، فغدا هذا الرغيف الطلسم الذي فتح به الخزنوي كنوز قارون.
__________
(1) لقب عند الأكراد والفرس أي الشيخ.
(2) بل إن خواص الخزنوي في تلك الأيام، كانوا ينشروا إشاعة أن الشيخ هو المهدي المنتظر، وأن القيامة ستقوم، فلما تجمعون المال.(1/5)
كان له الأثر الواضح مع شيوخ العشائر في تخدير مشاعر الناس اتجاه المحتلّين الفرنسيين، فما أثر عنه ولو حرف نحو الفرنسيين لا بالسلب ولا بالإيجاب.
أنجب من زوجته الأولى ثلاثة من الذكور وأنثى، ومن الزوجة الثانية ولداً واحداً، وعندما توفي أوصى بالخلافة لابنه الأكبر محمد معصوم ومن بعده لأخيه علاء الدين، ومن بعده لأخيه عز الدين، ثم للولد الصغير عبد الغني، وكان ما أوصى به إلا أن عزالدين خالف أمر والده ومنح الخلافة لولده محمد الخزنوي، ولا ننسى أنهم يدّعوا أنها لا تعطى إلا لمن هو أهل لها، ولا دخل للوراثة بذلك، وهذه دعوى غير صحيحة ، كذّبتها الأيام .
لا يزال الخزنوية يعيشون على عمل أتباعهم، رغم حصولهم على المليارات .
نشروا في الجزيرة الخرافات والشركيات وتقديس الموتى، وعملوا على إفقار أتباعهم، كما يشتهر الخزنوية بالحقد والضغينة لاسيما على أرحامهم، والشراهة الغريبة في جمع المال، ويتصفوا بالكبر والعجب، ولذلك يرفضون تزويج نسائهم للعرب لما يرون ما لسلالتهم "المجهولة " من قداسة.
يمتلكوا أكثر من عشرين مركز لبيع الوقود" كازية"، وعدد من المطاحن والمخابز إضافة إلى تجارتهم المتنوعة، وتهريب السلاح والوقود، إلى جمع أموال التجار الكبار لاسيما تجار تركيا بحجة توزيعها على الفقراء .
كما يمتاز الخزنوية بالتعصب المذهبي الأعمى، فهم مقلدون للشافعية إلا في بعض المسائل من مثل قراءة القرآن على الموتى والمقابر، وكفارة الصلاة عن الميت .
والتعصب المذهبي سمة النقشبنديين في تلك المنطقة، مثل آل حقي و آل الديرشوي وتشترك هذه العوائل الثلاث ببث الفرقة بين المسلمين، فلكل عائلة منطقة محرمة على أتباع الطريقة الأخرى كما تنتشر الكراهية والحقد والحسد بينهم، مع أن دعواهم واحدة، وهي طهارة القلب والمحبة ولو قالوا نجاسة القلب والحقد الأسود، لكان الكلام مستقيماً وصادقاً.(1/6)
وكلهم يدعي عبادة الله لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار، وقد يظن المسلم في عصرنا الحاضر أن هذه العقيدة عقيدة سامية، ولكنها عقيدة غير صحيحة إذ هي مخالفة لعقيدة الكتاب والسنة. فقد وصف الله حال الأنبياء في عبادتهم وتقربهم ودعائهم بأنهم كانوا {ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين }(1) والرغب هو الطمع في فضل الله وجنته، والرهب هو الخوف من عقابه، والأنبياء هم أكمل الناس عقيدة وإيماناً وحالاً.
وكذلك وصف تبارك وتعالى أكمل المؤمنين إيماناً بقوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجداً وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون* تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون* فلا تعلم نفسٌ مّا أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }(2) فهؤلاء الذين ادخر الله لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر لا شك أنهم أكمل الناس إيماناً، ومع ذلك فهم يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، خوفاً من عذابه وطمعاً في جنته. وآيات القرآن في هذا المعنى لا تحصى كثرة. وأما السنة فلا حصر للأحاديث في ذلك، ومن أبلغها في الدّلالة على هذا الأمر قول أحد الأعراب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: والله إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، وإنما أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: [حولها ندندن](3)، فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدندن بدعائه حول الجنة، فهل يتصور عقلاً وجود رجل أو امرأة أكمل منه - صلى الله عليه وسلم - فيدعو الله ويعبده لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من نار؟.
__________
(1) الأنبياء:90
(2) السجدة:15-17
(3) رواه أبو داود (792 و793) وابن ماجة (910) وأحمد (3/474 و5/74) وابن خزيمة، وصحح إسناده الألباني في (صفة الصلاة-202)(1/7)
وهذه الحالة التي سعى المتصوفة إلى تحقيقها، وهي عبادة الله مجردة عن الطمع والخوف، جرّت على قدمائهم البلايا، فقد سعوا إلى غاية أخرى بالعبادة، وهي القول بالفناء في الرب وجرّهم هذا إلى الجذب، ثم جرّهم هذا إلى الحلول، ثم جرّهم هذا في النهاية إلى وحدة الوجود(1). وأما المحدثين أمثال الخزنوية فقد جرّهم إلى استحلال الفروج وهتك الأعراض، لاسيما ما وصل إليه محمد الخزنوي.
* * * *
الباب الأول
أركان الطريقة
الفصل الأول
دعاوى كاذبة
__________
(1) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق(1/8)
يدّعي النقشبنديون التزام الشريعة، بل إن طريقتهم هي الإسلام بلا زيادة ولا نقصان، وهذا كذب صريح، لأنه إذا كانت الطريقة النقشبندية، كما يزعم الخزنوية(1) عين الشريعة، أو الشريعة على الوجه الأكمل، وآدابها هي آداب الصحابة، فهذا يلزم أن هناك خيانة حصلت من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواطأ عليها صحابته وتابعيهم، حتى جاء من جاء من فرس وهنود في القرن الثامن فأظهروها للناس وهذا كفر محض، وإلا فهذه الطريقة باسمها الغريب على اللغة العربية، وبتعاليمها البعيدة كل البعد عن الشريعة السمحة، ما ذكرت بنص قطعي ولا ظني في القرآن أو السنة، ولا أثرت عن صحابي ولا تابعي نعم ذكر التنديد بهذه التعاليم المنكرة و المخترعة، فقصة الشيخ التي يرويها أولئك الحمقى(2) عن ذلك العابد الجاهل، الذي قبّل زوجته بشهوة فنزل عن مقامه... ما هي إلا دليل صارخ على تبعية الصوفية لبوذا لا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فبوذا من أمر بهذا ومحمد نهى ففي الصحيحين (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وسماها شهوة ورتّب عليها أجر وثواب، رغم أنف العابد البوذي، ففي صحيح مسلم (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته
__________
(1) مجلة الذكرى الثانية ص38و الثامنة ص59 كلمة الشيخ عن آداب الخزنوي.
(2) فصل في مجاهدته لنفسه: وكان قدس سره يروي هذه الحكاية:كان فيما مضى رجل صالح فرأى شخص هذا العابد في منامه مرة على رأس الجبل ومرة ثانية بعد سنة في أسفل الجبل وثالثة بعد سنة أعلى الجبل وفي كل مرة يسأل الرجل الصالح فيقول له رؤيا خير فقال الرجل ما تفسير هذه الرؤى فقال :لما رأيتني في أعلى الجبل كنت على حال حسنة مع الله وفي الثانية نزلت عن ذلك المقام العالي بسبب أنني قبلت زوجتي مرة بشهوة فعاقبني الله .فتبت وبكيت سنة كاملة حتى ردني للمقام العلي) مجلة الذكرى الثانية ص75(1/9)
ويكون له فيها أجر؟ ) .الحديث
و كيف تكون عين الشريعة، وهي مبنية كما ذكروا(1) على أصلين أصيلين من أعطيهما أعطي كل شيء: كمال اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحبة الشيخ الكامل.
فأما اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا نسلم لهم به، وهو يناقض الطريقة برمتها، وأما الأصل الثاني: فما هو دليله؟ ولما أخفي من القرآن والسنة التي لا يعرف المسلمون شريعة غيرها. أما إن قصدوا بذلك محبة المؤمن، فهي لا تحصر في فرد واحد، والمحبة في الله عامّة في كل من سار على النهج السوي أما أن تحصر في شخص معين ويعطى من الخصائص ما لا يعطى للأنبياء فلا، ولا أدري كيف تكون أقرب على المريد إلى درجات التوحيد ؟ ومبناها على التصّرف وإلقاء الجذبة المقدمة على السلوك من المرشد، ومقصدهم من التصرّف تصرّف الشيخ في قلب المريد وهذا مختص بالله وحده قال تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فلم يعطي التصرّف لأحد حتى لأكرم الرسل، ثم ما هذه الجذبة الملحقة مع التصرّف من المرشد اللهم إلا أن تكون شريعة بوذا وسنن زردشت.
ولم يكتفوا بهذا التخريف، بل نسبوه إلى أفضل الصحابة، واستندوا إلى حديث موضوع وهو(ما صبّ الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر) بينما ينسى الخزنوية أن كتب النقشبندية، تنسب الطريقة إلى أكثر من صحابي، ففي كتاب الحدائق الوردية، وهو من كتب الطريقة المعتبرة، أن للطريقة أكثر من سلسلة، فهناك سلسلة عن عمر وعن عثمان، وعن علي وهي سلسلة الذهب كما يسمونها وهي التي يذكر فيها أئمة أهل البيت، وهذه اخترعوها للتقرب من الشيعة. ثم يكرّروا التخريف مرة أخرى(2) ولكن بطريقة أبشع، حيث يصّوروا هذه التعاليم سرّية يخفيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن صحابته ويخصّ بها أبا بكر.
__________
(1) مجلة الذكرى الثانية ص38
(2) مجلة الذكرى السابعة ص24(1/10)
وأيّ مسلم عاقل لا يعي تناقض هذا الكلام مع الآية {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وحديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم ( ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ –ومنها- وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) فهذه شهادة ابنة من ينسبون الطريقة إليه فيهم، وكفى بها شهادة. ومن يرجع إلى كتبهم يجد التناقض التام والخلط والتلفيق(1) فمرة يقولون :الطريقة هي ما يجول في صدره - صلى الله عليه وسلم - في الغار قبل نزول الوحي ومرة ما ينزل عليه، ومرة هي شيء ينبثق من صدره، ومرة هي تعني البحث عن الحقيقة؟
ومرة الطريقة هي: الإسلام على الوجه الأكمل، ومرة هي خادمة لشريعة سيدنا محمد، ولا أدري كيف يستقيم الكلام ؟! فكيف تكون الإسلام على الوجه الأكمل وفي الوقت ذاته هي خادمة؟ وحتى يؤصّلوا لطريقتهم البدعية -بل ليوجبوها على الناس- يرجعون إلى لوازم الطريقة بزعمهم، ويستندون في ذلك إلى القاعدة المعروفة عند الأصوليين [ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ] فالله يقول في كتابه {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }(2) وقوله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ، إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(3).
__________
(1) مجلة الذكرى السابعة ص24و25
(2) الشعراء-87-88-89
(3) الصافات-83-84(1/11)
فسلامة القلب مطلب شرعي بل واجب، ولا يمكن للقلب أن يسلم إلا بالطريقة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالطريقة واجبة، وهذا فحوى قول الشيخ الخزنوي(1): كل الناس بحاجة إلى الطريقة، إلا صاحب القلب السليم، ومن هو هذا؟ إنه الذي لا يهمّ بالمعصية أي لا تحدثه نفسه بالمعصية فإذا همّ بالمعصية ولم يفعلها، فليس بصاحب قلب سليم، لأنه حين هم بالمعصية حام الشيطان على قلبه، وسلامة القلب أن لا يحوم الشيطان على قلبه ؟!!
ولا أعلم من أين أتى الشيخ بهذا التفسير الغريب؟ الذي لم أجد له أثراَ في كل كتب التفسير فهذا شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، يقول في تفسير الآية :
والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع، هو سلامة القلب من الشك في توحيد الله والبعث بعد الممات... ثم يسرد الروايات في ذلك ، فيذكر بسنده عن عون قال : قلت لمحمد "ابن سيرين": ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم أن الله حق وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور، وعن مجاهد(إلا من أتى الله بقلب سليم) قال: لا شك فيه، وعن قتادة في قوله: بقلب سليم قال: سليم من الشرك، وعن ابن زيد قال: سليم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، وعن الضحاك في قول الله :( إلا من أتى الله بقلب سليم ) قال: هو الخالص(2) وقال ابن عباس: إلا من أتى الله بقلب سليم، أن يشهد أن لا إله إلا الله وقال مجاهد والحسن وغيرهما (بقلب سليم ): يعني من الشرك، وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم هو القلب الصحيح وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض قال تعالى : {في قلوبهم مرض}. قال أبوعثمان النيسابوري: هو القلب السالم من البدعة المطمئن إلى السنة. وأكثر المفسرين يفسرون القلب السليم: الخالي من الشك، والشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد كما بينه القرطبي في تفسيره.
__________
(1) الذكرى الثانية ص37
(2) تفسير الطبري الآية 84 سورة الصافات و سورة الشعراء الآية89(1/12)
ثم إن سلّمنا جدلاً بصحة تفسير الشيخ، فلن يدخل الجنة أحد، ومن ذا الذي لا يحوم الشيطان على قلبه؟ ففي الصحيحين(1) )إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم( وما رواه مسلم(2) عن عائشة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه فجاء، فرأى ما أصنع، فقال: مالك يا عائشة أغرت؟، فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقد جاءك شيطانك؟، قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟، قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان، قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله، قال: نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم ( فقلب عائشة غير سليم على تفسير الشيخ، ولم يقل لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: اتخذي طريقة وشيخاً لأن قلبك غير سليم وإلا يكون قد أخفى شيئاً وحاشاه من الكتمان.
وإذا كانت الطريقة النقشبندية، عين الشريعة كما زعموا، فمن أين جاءت هذه الأركان والواجبات الطريقية والإلزام الذي ما أنزل الله به من سلطان ؟! ولا ننسى أن مؤسس النقشبندية تلقى تعاليمه من الخضر أو كما يزعم مخرفيهم: أنه تلقاها من روحانية شيخ ميت، وهذا دليل على أنها على غير الشريعة المطهرة. ثم إنه كما أن هناك إسلام وإيمان وإحسان، كذلك هناك في الطريقة تقسيمات ولكن اضطربت التسميات، فمثلاً يعدّون أصول الطريقة ثلاثة، وهي التسليم والإخلاص والمحبة، وكلها للشيخ حصراً، وأحياناً إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحبة الشيخ الكامل أما الأركان فخلف أيضاً.
الفصل الثاني
أركان الطريقة
__________
(1) صحيح البخاري رقم 1897-1898 -3039 -6636، صحيح مسلم رقم4040-4041
(2) صحيح مسلم رقم-5035(1/13)
أول هذه الأركان: البيعة أو العهد أو التوبة على يد الشيخ وهي: أن يمسك المريد يد الشيخ ويردد قوله(1): يا رب تبت ورجعت عن جميع الذنوب التي عملتها، يا ليتني ما عملتها، ما بقى أعمل، قبلت الشيخ شيخاً لي، بهذه التوبة يدخل المريد الطريقة، ثم يرسله الشيخ إلى أحد أتباعه ليعلّمه متطلبات التو به وهي :
1-غسل التوبة(2)، 2-ركعتين سنة التوبة، 3- رابطة الشيخ.
4-قراءة الفاتحة سبع مرات وإهدائها إلى مشايخ الطريقة .
5-تذكر الموت بأن يتخيل أن ملك الموت قبض روحه ثم غسل وكفن وقبر.
__________
(1) ألا تشبه هذه التوبة ما عند النصارى من اعترافهم للقساوسة بذنوبهم وغفرانها لهم
(2) أن من سنتهم التي ينفردون بها وينتسبون إليها ، صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة واحتج عليه بحديث تمامة بن أثال ، أن النبي أمره حين أسلم أن يغتسل ، قلت: وما أقبح بالجاهل إذا تعاطى ما ليس من شغله ، فإن ثمامة كان كافرا فاسلم ، وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل ، في مذهب جماعة من الفقهاء منهم أحمد بن حنبل ، وأما صلاة ركعتين فما أمر بها أحد من العلماء لمن أسلم ، وليس في حديث ثمامة ذكر صلاة فيقاس عليه، وهل هذا إلا ابتداع في الواقع سموه سنة تلبيس إبليس ( فصل تلبيسه على الصوفية في الصلاة).(1/14)
6-إخبار المريد الجديد بأنه فرض عليه بدخوله فروضاً غير التوبة، فهناك الرابطة والختمة والورد وقراءة جزء من القرآن، ولو لاحظت أيها القارئ الكريم مدى التشابه بين الداخل في الإسلام والداخل في الطريقة، فكما أن الداخل في الإسلام يعلّم بعد الشهادتين ما عليه من فروض فرضها الله، كذلك في الطريقة بعد التوبة عند الشيخ يعلّم ما فرضه شاه نقشبند عليه، وبهذا الدخول يكون قد انسلخ هذا المريد عن مجتمعه وجماعته وقرابته، وانضم إلى جماعة الخزنوي التي لا تجتمع في المساجد، وإنما في الزوايا وما يسمى عندهم "ببيت الصحبة " وهذا يعتبر المسجد الخاص للخزنوي فلا يذكر في هذا البيت أو الغرفة إلا هو، بل ذكر أي إنسان مهما كان يعتبر شركاً مع الشيخ، وعند البعض سوء أدب ، يؤدي إلى طرد النسبة التي تأتي مع ذكر الشيخ !
* * * *
الرابطة
تعتبر الرابطة الركن الأساس بعد الدخول في الطريقة، وهي تغميض العينين وتخيل الشيخ المرشد وقد سلّط نوره على قلب المرابط، تطول وتقصر بحسب القرب والبعد المعنوي من الشيخ وهي أنواع متعددة أهمها: وتعتبر الركن المعلن من أركان النقشبندية، وهي جلوس المريد بعد صلاة المغرب، عكس التورك في الصلاة، مستقبلاً القبلة، وإن كان المريد مخلصاً، استقبل المكان الذي يوجد فيه الشيخ، ثم يغمض عينيه ويستغفر خمس وعشرين مرة، ويستحضر صورة الشيخ كما ذكرنا سابقاً، ويبقى هكذا فترة، ثم بعد ذلك يستغفر كالبداية.(1/15)
أما أقسام الرابطة، فإليك ما كتبوه "شلّت أيديهم"(1): الرابطة الصورية والرابطة الخيالية والرابطة المعنوية. قال الشيخ عز الدين الخزنوي: والرابطة كما تلقينا من آدابه-أي آداب والده أحمد الخزنوي- على أنواع منها: تصور صورة الشيخ في أوقات لا ذكر بعدها(2) -أي وقت المغرب- وهذه الرابطة الصورية، ومنها: تصور روحانية الشيخ قبل " البدء بالذكر"، ويستمد المريد من روحانية شيخه أن ترجو الله أن يكون قلبه خاشعاً لذكر الله في هذا المجلس، وهذا ما يسمونه بالرابطة الإستمدادية، وهناك الرابطة الخيالية، والرابطة المعنوية، ويذكر الكاتب قول مولاهم خالد: بأن الرابطة أصل أصيل في الطريقة، بل هي "أعظم " أسباب الوصول، بعد التمسك بالكتاب وسنة رسوله غليه الصلاة والسلام، ومن جملة سادتنا، من كان يقتصر في السلوك والتسليك عليها، لأنها مقدمة الفناء في الله ومنهم من أثبتها بنص: { وكونوا مع الصادقين }(3) وفسر هذه الآية خواجة أحرار: هي الكون معهم صورة ومعنى ... إلى أن يقول: إذ هي في الطريق عبارة عن استمداد المريد، من روحانية شيخه الكامل الفاني في الله، وكثرة رعاية "صورته " ليتأدب ويستفيض منه في الغيبة كالحضور، ويتم له باستحضارها الحضور والنور، وينزجر عن سفا سف الأمور وهو أمر لا يتصور جحوده، إلا من كتب الله في جبهته الخسران، واتسم والعياذ بالله بالمقت والحرمان.
__________
(1) من مجلة الذكرى السنوية الثالثة بحث الرابطة.
(2) تمنع شريعة نقشبند الذكر ما بين المغرب والعشاء لأنه وقت مخصص للرابطة.
(3) 119)التوبة.(1/16)
قلت: المصيبة كل المصيبة، أنهم بعد كل طامة من منكراتهم ومخترعا تهم يستطردوا بالكتاب والسنة، فيجعلوا الرابطة من أعظم أسباب الوصول إلى الله بعد الكتاب والسنة، وما سببه إلا التضليل على الناس بهذه الدعوى الكاذبة، وإلا فالكتاب والسنة منزه عن هذه الترّهات البوذية والسفسطة الفارغة، فما معنى تصور روحانية الشيخ؟ و كيف نتخيل شيئاً مجهولاً لم ترتقي لمعرفته الحواس، نعم هي أقرب الطرق وأفضلها لعبادة الشيخ وحده، فالذي يعيش دائماً في ضمير الفرد تفكيراً وتصوراً والتجاءً وخشية، ودعاء واستغاثة، لا يسمى إلا عبادة(1) والعبادة حينما تعرّف لا تعرّف إلا بهذه المفردات، التي حيزت بأجمعها للشيخ، ثم إن كان النقشبنديون يقصدون المحبة فقد أبعدوا النجعة.
أمّا تفسير ذاك الخواجة للآية الكريمة، فتفسير مرفوض وقول مردود، فما كل من رفع عقيرته بالقول في كتاب الله نقبل قوله، لاسيما أعاجم هذه الطريقة، الذين لا نرى لهم سلف في ذلك اللهم إلا الباطنية والقرامطة، الذين جعلوا للقرآن ظهراً وبطناً، فهذه كتب التفسير والآثار، ما وجدنا فيها ما يدل ولو بالإشارة على هذا التفسير الزائف، وهو الكون معهم صورة ومعنى حتى المفسر الصوفي الآلوسي الذي ملأ كتابه بإشارات الصوفية وترّهاتهم، ما ذكر هذا المعنى.
ألا يدخل هذا الخواجة وأمثاله، تحت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)(2) وفي رواية ( من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) وهنا يسجّل للنقشبنديين، اجترائهم على كتاب الله وافترائهم التفسير الباطل.
__________
(1) إذا استثنينا التصور والتفكير لأن الله لا تحيط به الفكرة.
(2) رواه الترمذي رقم - 2950 - وقال حسن صحيح.(1/17)
ثم أنهم يناقضون أنفسهم حينما يقولوا: إذ هي-أي الرابطة- في الطريق عبارة عن استمداد المريد من روحانية شيخه الكامل الفاني في الله، وكثرة رعاية "صورته " ليتأدب، ويستفيض منه في الغيبة كالحضور، ويتم له باستحضارها الحضور والنور وينزجر عن سفا سف الأمور، فهذا تعرّيف مغاير لما أسلفوا من القول، فقد تجاوزوا التصّور والتخيل إلى استمداد واستغاثة، ثم ما هي العلاقة بين صورة الشيخ والأدب؟ وما معنى باستحضار صورته يتم الحضور والنور؟ إلا إذا اعتقدنا بوحدة الوجود، لأن المقصود الحضور مع الله ، والعبارة الأخيرة تدل دلالة مباشرة على استبدال النقشبندية لأحكام الإسلام بأحكام مخترعة، تؤدي نفس الغرض، فكل مسلم يعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد أغنانا الله عن هذه الرابطة البدعية بالصلاة لأنها الصلة بين العبد وربه، وفيها يستمد المسلم من ربه، وبه يستعين بحكم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وإليه يخشع وبه يستغيث ومنه يخاف ويطلب الهداية بقوله:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وبها الراحة وقرة العين لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( وجعل قرة عيني في الصلاة )(1)
__________
(1) سنن النسائي –2950-وقال حسن صحيح.(1/18)
ويتابع الكاتب(1) وقال في الحديقة الندية: الطريقة الثانية "الرابطة"، وهي طريق مستقل للوصول، عبارة عن ربط القلب بالشيخ الواصل إلى مقام المشاهدة المتحقق بالصفات الذاتية وحفظ صورته في الخيال، ولو بغيبته فرؤيته بمقتضى( الذين إذا رؤوا ذكر الله ) تحصل بها الفائدة كما تحصل الفائدة من الذكر، بموجب(هم جلساء الله تعالى ) ولا يخفى ما ورد من الأحاديث في الحثّ على الجليس الصالح والشيخ كالميزاب، ينزل الفيض من بحره المحيط إلى قلب المريد المرابط، وإن وجد الفتور في الرابطة، يحفظ صورة شيخه في خياله بموجب (المرء مع من أحب ) فبحفظ الصورة ، يتحقق ويتصف المريد بأوصاف الشيخ وأحواله التي له، وقيل: [ الفناء في الشيخ مقدمة الفناء في الله ] قلت: أما المشاهدة(2) فهي رؤية الله كما يزعم الصوفية، وهي مخالفة واضحة للنصوص القرآنية وللسنة المطهرة .
__________
(1) مجلة الذكرى السنوية ص71.
(2) ذكر ابن القيم في كتابه مدارج السالكين : أنه لا يصح لأحد في الدنيا مقام المشاهدة أبدا، وأن هذا من أوهام القوم، وترهاتهم ،وإنما غاية ما يصل إليه العبد الشواهد، ولا سبيل لأحد قط في الدنيا، إلى مشاهدة الحق سبحانه ، وإنما وصوله إلى شواهد الحق ..(1/19)
أما الصفات الذاتية كما عرّفها أهل العلم(1) هي: ما يوصف الله بها، ولا يوصف بضدها نحو القدرة والعزة والعظمة، وقول الكاتب: المتحقق بالصفات الذاتية يعني: أن الشيخ تحقق بصفات الله، أي: أنه اتصف بصفات الله على الحقيقة لا المجاز، ثم استدل بحديث ( الذين إذا رؤوا ذكر الله )وهذا الحديث ما هو بالحديث الصحيح، ولو افترضنا جدلاّ صحته، فلا يوجد فيه ما يدل على وجوب تخيل صورة الشيخ، فضلاً عن طلب المدد منه، فهذا المناوي يشرح الحديث بقوله: خيار أمتي الذين إذا رؤوا، أي إذا نظر إليهم الناس، ذكر الله برؤيتهم، يعني رؤيتهم مذكرة بالله تعالى، وبذكره لما يعلوهم من البهاء والإشراق، وحسن الهيئة وحسن السمت .
ثم من الذي جعل رؤية المشايخ وذكر الله سواء بالفائدة ؟ أما إيجابه بحديث (هم جلساء الله ) فهذا حديث موضوع(2) وحديث الجليس الصالح، لا دلالة فيه أيضاً على الرابطة، بل يدل على الجلوس مع الرجل الصالح وصحبته، لأنه سماه الجليس، لا المتخيل والمتوهم من أشباح المشايخ الأحياء والموتى، ولولا ذلك لسماه المرابط.
والذي يطالع التاريخ القديم والحديث، لا يجد أصدق صحبة ومحبة، من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما قال لهم: اجعلوا صورتي في أخيلتكم بالغيبة والحضور، واستمدوني أمددكم، وانزل عليكم من بحري المحيط فيوضات وبركات آلا ساء ما يزعمون.
__________
(1) التعريفات للجر جاني .
(2) ذكره الذهبي في الميزان وابن حجر في لسان الميزان في ترجمة أحمد بن داود بأن من أكاذيبه هذا الحديث ، وذكر في كتاب المجروحين هو شيخ كان بالفسطاط يضع الحديث لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الإبانة عن أمره ليتنكب حديثه(1/20)
ثم لاحظ كيف يستدلوا بالحديث، ليوافق هواهم ونزعاتهم، فالحديث كما رواه البخاري (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المرء مع من أحب) فالحديث يشير إلى رفقة المحب مع من أحب في الجنة حتى لو قل عمله، لا رفقته قلبياً وروحياً أما العبارة الشنيعة التي حسنّها هذا الكاتب بعض الشيء وهي: الفناء في الشيخ مقدمة الفناء في الله، والعبارة الأصليّة الغير محرّفة، هي التي نقلها شيخه بأمانة وفضح بها الخزنوية شر فضيحة، حيث ألقاها في درس عام وهي ( إن الفناء في الشيخ(1)، مقدم على الفناء في الله ) وهذا الشيخ توفي ولم تصل كلمته مدة حياته إلا إلى محبيه من رعاء وسوقه وخواصه الجهلة ولكن شاء الله أن تصل هذه الكلمة على شريط مسجل، إلى علماء الشام فأنكروها أشد الإنكار .
لاسيما الدكتور البوطي الذي فنّد هذا الزعم ، وأبطل حجة ذاك الشيخ ووصفه(2) بالدجل، واتهم مشايخ النقشبندية بالسعي لاستعباد الناس وإذلالهم ونوّه بهذا الشيخ حينما جاء إلى أبيه ملا رمضان البوطي، وكيف أن هذا الشيخ تأدب مع والده بأدب غريب، حيث ظل قائماً حتى قال له ملا رمضان: لماذا لا تجلس؟ وأنبّ الشيخ على هذا الأدب المنهي عنه، وأن هذه الطريقة التي يعاملونه بها مريدوه طريقة غير مشروعة، ثم إنه أكد على بدعية الرابطة وأنها لم تكن عند قدماء النقشبندية تعني غير المحبة .
__________
(1) ذكر الكردي في تنوير القلوب ص548 : اتفق الأولياء على الرابطة بل قالوا إنها أشد تأثيراً من الذكر في حصول الجذبة الإلهية .
(2) كتاب (هذا والدي –103-للدكتور البوطي ).(1/21)
وثارت ثائرة الخزنوية على الدكتور البوطي، ولكن لعجزهم وجهلهم وقلة بضاعتهم، لم يستطيعوا رداً ولا جواباً، نعم ردوا بطرق مضحكة ومخزية حقاً فقد كان من مقررات منهاج المعهد، كتاب فقه السيرة للبوطي، فألغوه نكايةً بالمؤلف، حتى أن بعض الطلبة مزّق الكتاب والبعض أحرقه، وبعضهم وضعه في بيت الخلاء، و لا يجهل هؤلاء أن فيه قرآن وحديث، ولكن كل هذا غير مقدّس عندهم، إنما المقدّس عندهم هو الشيخ وما يتصل به وما يلحق به، وما يضاف إليه على وجه الملك أو الاختصاص، كما أن ما عادى الشيخ أو أنف منه فهو المهان والمبعد، فالشيخ وبقراته(1) وأنجاله وكلابه، وصحونه وقططه قصوره ومشاريعه كل هذا مقدّس، وغير ذلك من بشر ودين ففي تقدّيسه نظر !!
* * * *
الفصل الثالث
الذكر القلبي
وما يسمى بالوقوف العددي والقلبي
الوقوف العددي(2) هو: المحافظة على عدد الوتر في النفي والإثبات ثلاثاً، أو خمساً وهكذا إلى إحدى وعشرين مرة -يحبس النفس فلا يطلقه إلا عند عدد الوتر –أما الوقوف القلبي: كون الذاكر واقفاً على قلبه وقت الذكر .
__________
(1) يخدم بقرات الشيخ أحد الكذّابين الكبار يلقب –جعيبان – هذا الرجل يعتبر عند أتباع الخزنوي من الأولياء ، وهو من أكثر الأتباع كذباً ، وهذا الرجل كثيراً ما يرّوج لنظرية تقدّيس حيوانات الشيخ بل لما يخرج منها .
(2) تنوير القلوب ص538.(1/22)
يقول الذاكر بقلبه: الله الله هكذا، ويبدأ بخمسة آلاف مرة حتى واحد وعشرين ألف، عندها تبدأ مرحلة جديدة، وهي مرحلة اللطائف وسنذكرها في حينها وللذكر آداب وتعاليم منها: أن يجلس بعكس التورك ، ويغطي رأسه بثوب(1) ويقرأ الفاتحة سبع مرّات ويهديها إلى المشايخ، وأن يحمل مسبحة، ويضع يده تحت صدره بحذاء القلب، ويلصق لسانه بسقف الحلق ويقول بقلبه الله الله هكذا حتى المائة، ثم يقول عند كل مائة: اللهم أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، ولا ننسى أنه يرافق الذكر صورة الشيخ ورابطته .
قلت: أما ذكر الاسم مفرداً فهذه طريقة قديمة عرفت في أوائل الصوفية ،ولم يخترعها النقشبنديون.
فهذا ابن الجوزي يروي في كتابه عن الغزالي: ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحى عن القلب صورة اللفظ (2).
وهذا دليل على أن هذا الذكر موجود من قبل ، كما أنه سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن إفراد اسم الله في الذكر فأجاب بقوله(3) :
__________
(1) "الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم فإن لم يكن له مكان مظلم فليلق رأسه بجيبه، أو يتدثر بكساء أو إبراز ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال - الحضرة الربوبية) (إحياء علوم الدين ج2 ص66).
(2) تلبيس إبليس.
(3) الأعراف-55.(1/23)
وأما ذكر الاسم المفرد، فبدعة لم يشرع، وليس هو بكلام يعقل، ولا فيه إيمان ولهذا صار بعض من يأمر به من المتأخرين، يبين انه ليس قصدنا ذكر الله تعالى ولكن جمع القلب على شيء معين، حتى تستعد النفس لما يرد عليها، فكان يأمر مريده بأن يقول هذا الاسم مرات فإذا اجتمع قلبه ألقى عليه حالاً شيطانياً فيلبسه الشيطان، ويخيل إليه انه قد صار في الملأ الأعلى وانه أعطى ما لم يعطه محمد ليلة المعراج، ولا موسى عليه السلام يوم الطور، وهذا وأشباهه وقع لبعض من كان في زماننا.. إلى قوله : وأما أبو حامد وأمثاله، ممن أمروا بهذه الطريقة، فلم يكونوا يظنون أنها تفضي إلى الكفر، لكن ينبغي أن يعرف أن البدع بريد الكفر، ولكن أمروا المريد أن يفرغ قلبه من كل شيء حتى قد يأمرون أن يقعد في مكان مظلم ويغطي رأسه ويقول: الله الله ، وهم يعتقدون انه إذا فرغ قلبه استعد بذلك فينزل على قلبه من المعرفة.
فهذه البدعة سبق إليها من قبل ، ولم تكن كما يزعم النقشبندييون طريقة انفردوا بها عن سائر الصوفية ، بلة تلقوها عن الخضر ،كما يروون في كتبهم وهي رواية ظاهرة الاختلاق، وإليك نصها :كان الشيخ عبد الخالق الغجدواني يقرأ القرآن عند الشيخ صدر الدين فوصل إلى قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين }(1/24)
قال للشيخ: ما حقيقة الذكر الخفي وكيف طريقته؟ فإن العبد إذا ذكر بالجهر وبتحريك الأعضاء يطلع عليه الناس ،وإن ذكر بالقلب فالشيطان يطلع عليه لقوله عليه الصلاة والسلام : (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق) فقال الشيخ: إن هذا علم "لدني "وإن شاء الله تعالى يجمعك الله على أحد من أوليائه فيلقنك الذكر الخفي . فكان ينتظر وقوع هذه البشارة حتى جاء الخضر عليه السلام إليه ، ولقنه الوقوف العددي والذكر الخفي ، وهو أن ينغمس في الماء ، ويذكر بقلبه "لا إله إلا الله " محمد رسول الله ، فحصل له الفتح العظيم والجذبة الفيومية.(1)
ثم إن موضوع إيجاب الذكر الخفي، وتحريم الذكر الجهري على المريد لا ينسجم مع تعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الحديث الذي يرويه الترمذي وأحمد وابن ماجة بسند حسن ( إن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ) والحديث الذي رواه البخاري(2) ( عن أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ ) ينقضان ما بناه النقشبنديون ، وما نسبوه زوراً إلى الخضر والأموات(3) .
أما احتجاجهم عليه بقوله تعالى [ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ](4) فلا يعني تعطيل التلفظ بالدعاء، وقصره على القلب دون اللسان لأنه ليس معنى "الخفية "هنا منع اللسان من الذكر، وإنما نزلت هذه الآية لمنع الصياح ورفع الصوت في الدعاء، فالغالب على رفع الصوت والجهر بالدعاء الرياء .
__________
(1) المواهب السرمدية ص77-الأنوار القدسية 111-112 .
(2) البخاري كتاب التوحيد 8-208.
(3) يروي صاحب كتاب الأنوار القدسية ص7أن نقشبند تلقى الذكر الخفي من روحانية الغجدواني.
(4) الأعراف-55-(1/25)
روى ابن جرير الطبري عقب هذه الآية عن أبي موسى: قوله [ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ] قال :( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ، فأشرفوا على وادٍ يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال : أيها الناس أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم ).
وقد أورد مسلم هذا الحديث في باب: استحباب خفض الصوت بالذكر، ولم يقل باب تفضيل ذكر القلب على اللسان، وإنما المراد خفض الصوت بالدعاء، ولذلك قال تعالى في آية أخرى [وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ](1)
وقال أيضاً[ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا](2) وهذا هو المراد، وهو أن يكون الدعاء " دون الجهر من القول " فإنه ادعى إلى حصول الخشوع والسكينة والطمأنينة. قال الطبري: "ودون الجهر من القول" :ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهاراً. وقال النسفي ودون الجهر من القول ومتكلماً كلاماً دون الجهر، لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأقرب إلى حسن التفكير. فلم يفهم من ذلك أبداً، إسكات لسان الفم، وإطلاق ما يزعمونه بلسان القلب وإنما فهم من تلك الآية خفض الصوت، وقوله تعالى "ودون الجهر من القول "لم يمنع القول ، وإنما منع الجهر به.(3)
* * * *
اللطائف
__________
(1) الأعراف(205)
(2) الإسراء (110).
(3) تهذيب النقشبندية - عبد الرحمن دمشقية 18-19(1/26)
وهذه اللطائف وكيفية أداءها، لهي الدليل الصارخ على تبعية النقشبندية لبوذا لا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وإليك ما كتبه شيخ من عظماء النقشبندية وهو محمد أمين الكردي في كتابه تنوير القلوب(1): أول تلك اللطائف (القلب) وهو تحت الثدي الأيسر بقدر إصبعين مائلاً إلى الجنب على شكل الصنوبر، وهو تحت قدم آدم عليه السلام، ونوره أصفر فإذا خرج نور تلك اللطيفة من حذاء كتفه وعلا، أو حصل فيه اختلاج أو حركة قوية فيلقن بلطيفة (الروح) وهي تحت الثدي الأيمن بإصبعين مائلاً إلى الصدر، وهي تحت قدم نوح، وإبراهيم عليهما السلام ونورها أحمر فالذكر في الروح والوقوف في القلب فإذا وقعت الحركة فيها واشتعلت فيلقن بلطيفة (السر) وهي فوق الثدي الأيسر بإصبعين مائلاً إلى الصدر، وهي تحت قدم موسى عليه السلام، ونورها أبيض ويكون الذكر فيها والوقوف في القلب فإذا اشتعلت أيضاً فليلقن بلطيفة( الخفي ) وهي تحت الثدي الأيمن بإصبعين مائلاً إلى الصدر، وهي تحت قدم عيسى عليه السلام ونورها أسود فإذا اشتعلت أيضاً فليلقن بلطيفة (الأخفى) وهي في وسط الصدر وهي تحت قدم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونورها أخضر، فليشتغل بها كما تقدم والمراد بالقدم السنة والطريقة فمن حصل له الترقي في إحدى هذه اللطائف ، وظهرت له الكيفية والحال المتقدم كان على مشرب النبي الذي كانت هذه اللطيفة تحت قدمه ثم يلقن بالنفي ولإثبات، وهي لا إله إلا الله، وكيفيته أن يلصق الذاكر اللسان بسقف الحلق ثم يحبس النفس بعد أخذه في الجوف ويبتدئ بأخذ كلمة،لا ، بالتخيل من تحت السرة، ويمدها في وسط اللطائف على الأخفى، حتى ينتهي إلى لطيفة النفس الناطقة، وهي في البطن الأول من الدماغ ، ويقال لها : رئيس .
__________
(1) تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب ص544-545(1/27)
ويبتدئ بعدها بأخذ همزة إله من الدماغ بالتخيل، وينزل بها حتى ينتهي إلى الكتف الأيمن ويجرها إلى الروح، ويبتدئ بعدها بأخذ همزة إلا الله بالتخيل من الكتف ويمدها بالتنزل على حافة وسط الصدر، حتى ينتهي بها إلى القلب فيضرب بالتخيل بلفظ الجلالة، بقوة النفس المحبوس على سويداء القلب، حتى يظهر أثرها وحرارتها في سائر الجسد، بحيث يحرق جميع الأجزاء الفاسدة في البدن بتلك الحرارة، فيتنور ما فيه من الأجزاء الصالحة بنور الجلالة ويلاحظ الذاكر معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود ولا مقصود ولا موجود إلا الله.
فبالله عليكم هل هذه اللطائف المزعومة من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن الانتفاع بهذا الذكر إلا برابطة الشيخ، وهذه الرابطة لا تكفي إلا إذا ضم إليها معاني أخرى ، قال الكردي في كتابه(1):
إن لم تظهر فائدة الذكر من الجذبة الإلهية وغيرها، فإنما هو من القصور في الشروط
وتلك الشروط : 1- صدق الإرادة .
2- الرابطة للشيخ.
3- المتابعة لأمره .
4- التسليم إليه في جميع الأمور .
5-سلب الاختيار عند اختياره .
6- طلب رضاه في كل حال .
فبرعاية هذه الشروط، يتوارد الفيض الإلهي، من باطن الشيخ إلى باطن المريد لأن الشيخ طريق الفيض والإمداد .
* * * *
الفصل الرابع
الختمة أو ختم الخواحكان
__________
(1) تنوير القلوب ، عند الحديث عن الذكر -ص546(1/28)
من أركان الطريقة الأساسية للنقشبندية ختم الخواجكان، وهذا الختم من بدع الأذكار، التي اخترعها الأعاجم، بدلاً عن الأذكار النبوية ، ينقسم الختم إلى قسمين: ختم صغير وختم كبير فالصغير إن كان عدد الحضور أقل من أحد عشر رجلاً، والكبير ما كان أكثر من ذلك. يختلف الختم الصغير عن الكبير ببعض الأذكار، ففي الأول يكتفي الذاكرين بـ(يا باقي أنت الباقي)أما الثاني فتقرأ الفاتحة سبع مرات عن يمين القائم بالختمة في البداية، وسبع مرات في النهاية عن شماله وسورة الإخلاص بعدد الحصى البالغ مائة حصاة ، ينوّه بذكرها عشر مرات إمام الختمة والقائم عليها، وتشترك الختمتان بقراءة السلسلة المباركة ، وهي الزبدة وبيت القصيد .
محظورات الختمة: يحضر عمل الختمة بوجود غرباء عن النقشبندية، كما يحظر على الذاكرين فتح عيونهم أثناء الختمة كي لا يصابوا بالعمى ؟
آدابها : الجلسة الشهيرة للنقشبندية ، وهي عكس التورك في الصلاة ، واستحضار صورة الشيخ وقد سلّط نوره على قلب الذاكر، كما يستحضر صورة كل شيخ يذكر في السلسلة المباركة مع طلب المدد من كل شيخ .تبدأ الختمة بقول القائم عليها استغفر الله، وتنتهي بالسلسلة المباركة ، وإليك نصها: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى أله وصحبه أجمعين اللهم أوصل ثواب هذه الختمة الشريفة بعد القبول منا بالفضل والكرم هدية إلى روضة منبع الصدق والصفا أشرف الورى سيدنا محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كل من آله وأولاده وأصحابه وذرياته أجمعين .كل من السادات سلسلة الطريقة العلية النقشبندية والقادرية والسهر وردية والكبروية والجشتية .(1/29)
شيخنا وملاذنا وقدوتنا وإمام الطريقة ذي الفيض الجاري ، والنور الساري ، الشيخ بهاء الحق والحقيقة والدين(1)، الشيخ محمد الأويسي البخاري المعروف بشاه نقشبند.
منبع المعارف سيد السادات(2)، السيد أمير كلال. المقبل عليك ولما سواك الناسي حضرة محمد بابا السماسي. الواله في محبة مولاه الغني حضرة عزيزان خواجة علي الراميتني . المعرض عن المراد الدنيوي والأخروي(3)، الشيخ محمود الأنجير الفغنوي. المتسلخ عن الحجاب البشري(4)،حضرة الشيخ عارف الريوكري قطب الأولياء وبرهان الأصفياء، قامع البدعة محيي السنة(5) شيخ المشايخ الشيخ عبد الخالق الغجدواني. القطب الحقاني والغوث الصمداني، الشيخ أحمد الفار وقي السر هندي، المعروف بالإمام الرباني المجدد للألف الثاني. قطب دائرة الإرشاد غوث الثقلين على السداد، السائر في الله الراكع الساجد، ذي الجناحين مولانا الشيخ خالد. منبع الحلم ونور الظلام، الهادي بين العشائر والأقوام، الذي ظهر من خلف سيد الأنام مولانا سراج الدين حضرة السيد عبد الله. شيخنا الغيور الذي به نتباهى، مولانا الوقور قطب الإرشاد والمدار، شهاب الدين حضرة الشيخ السيد طه. سلطان الكبراء المتقدمين(6)، وقدوة الكبراء المتأخرين، غوث(7)
__________
(1) انظر أيها المسلم الغيور هذه الأوصاف فمن هو الملاذ للمسلم غير الله ، ولا أدري بما يفسّر بهاء الحق والحقيقة والدين .
(2) هذا يعني أنه أفضل من الرسل بل سيدهم فهم سادة أيضاً.
(3) المقصود بالمراد الأخروي الجنة ، فهذا الشيخ معرض عن ما يطلبه الأنبياء.
(4) لا أدري كيف يستطيع الإنسان أن يتسلخ عن الحجاب البشري.
(5) الأصح قامع السنة ومحيي البدعة ، فقد ثبت أنه تعلم من الخضر كما يزعمون ، لا من محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(6) فاق هذا الشيخ الرسل ، والصحابة ، والتابعين ، وإلا فمن هم الكبراء المتقدمين.
(7) لاحظ كلمة الغوث تتردد كثيراً الغوث الصمداني، غوث الثقلين ، غوث العامة والخائفين ، مغيث المستغيثين ومن يستحق هذا غير الله ، وقد أفردنا لهذا فصل مستقل.(1/30)
العامة والخائفين، قطب الأئمة والسالكين، "مغيث المستغيثين " مؤنس العاشقين، مولانا الكامل المكمل الأويسي حضرة الشيخ السيد صبغة الله الأرفاسي سلطان العارفين(1) قطب الأقطاب الواصلين، المتشرف بالفناء المطلق، مربي السالكين إلى ربهم على الوجه الأحق، ناصر الشريعة الغراء، مجدد أثار السلف والتابعين، وممهد بنيان طريقة الخلف واللاحقين، المتصًرف على الإطلاق(2) الذي لم يرى له نظير بعد التفحص في الآفاق، قاطع النسبة(3) عن المبتدع الطاغي، مولانا حضرة الشيخ عبد الرحمن التاغي. شيخ الشريعة وشهباز الطريقة وبرهان الحقيقة، الفاني في الله والباقي بالله، والمعتصم بحبل الله مولانا الشيخ فتح الله. جامع كمالات المتقدمين، ومجمع الآداب وفيوضات المتأخرين، سراج الملة والدين، موصل المريدين والسالكين، "نور السموات والأراضين" مولانا الكامل المكمل حضرة الشيخ محمد ضياء الدين. وارث مقامات الأولياء والعارفين إمام المؤمنين عمدة العابدين والسالكين، مظهر الشريعة الغراء، محيي آداب الطريقة النقشبندية البيضاء، المتسلخ عن الحجاب البشري، الخازن للسر المعنوي مولانا حضرة الشيخ أحمد الخزنوي. الناهج منهج أهل الحق والسداد، الناصب أعلام العلم والطريقة بين العباد، الظافر بدولة الأخلاق المحمدية، القائم بأعباء الخلافة الأحمدية، المربي الهمام "الفائق الصمداني"، مولانا الكامل المكمل حضرة الشيخ محمد
__________
(1) لا يستحق لقب سلطان العارفين إلا النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم إن هذا اللقب نعرفه للمدعو ابن الفارض فكيف ينتحل لهذا الشيخ المجهول.
(2) ما أقل حياء هؤلاء الذين يزعمون إتباع الكتاب ، والسنة ، فمن الذي يتصرّف في الوجود غير الله ، وهل يستطيع الشيخ تحريك أنملته بغير قدرته تعالى فضلاً عن التصرف في غيره آلا ساء ما يدعون.
(3) النسبة كما يدعي الخزنوية هي عبارة عن لطائف تظهر بشكل رائحة عطرة يشمها خواص المحبين أو المدجلين إن صح التعبير.(1/31)
معصوم الثاني.
حامل لواء الشريعة الغراء ، حامي آداب الطريقة النقشبندية البيضاء ، ناشر العلم والطريقة معدن العرفان والحقيقة ، مرجع العلماء العاملين ، مسند أهل الحق والتمكين ، الشارب من منبع العرفان واليقين ، الفاضل الألمعي المحتاج إلى ربه المعين مولانا الكامل المكمل ، حضرة الشيخ علاء الدين . حامي العتبة العلية الخزنوية ناصر الشريعة المطهرة النبوية، جامع كمالات أولي الحقيقة والدين، المقتفي أثار السلف والتابعين، المدقق في أسرار الشريعة والطريقة على اليقين والمتضلع من شراب قطب العارفين ، المتمسك بحبل الله المتين، الساعي في ترويج الدين الذكي اللوذعي مولانا الكامل المكمل حضرة مولانا الشيخ عز الدين.(1)
__________
(1) من كذب النقشبنديين الصريح أنهم يتظاهرون بالتواضع ، وأنهم لا يرون أنفسهم حتى على الكافر والكلب والقط بينما تدون هذه المناقب ، والأوصاف الكبيرة بإشرافهم وبأمرهم فكل مريد يعلم أن الشيخ الجديد ، يجب وضع أوصاف له ومزايا ، حتى يذكر في سلسلة المشايخ ، فيكتب كل مريد للشيخ أوصافاً ومناقب ، وتعطى للشيخ فينتقي منها ما يعجبه وما يليق بمقامه ، فهذه المناقب تكتب في بداية مشيخة الشيخ للطريقة ، فأنعم بها من بداية ولو لاحظت معي كيف خفضّ الخزنوية من أوصافهم ومزاياهم ، خلافاً لمن سبقهم وسببه انتشار الوعي بين الناس ، حتى أن عز الدين الخزنوي ألغى وصف شيخ أبيه "وهو نور السموات وألا رضين " تجنباً للاعتراض عليهم ، لا لأن الشيخ لا يستحق هذا الوصف.(1/32)
وقد جعلوا لهذا السلسلة التي حوت ما ترى من الشرك والبدع والمخالفة، من الفوائد الروحية والمادية، ما تفرّق في جميع العبادات الشرعية، من قرأن ودعاء وصدقة، بل حتى تصلح للتمائم والأحجبة، فهذا محمد أمين الكردي يذكر في كتابه الذي يعتبر عند النقشبندية بمنزلة الكتاب والسنة، يقول فائدة في قراءة السلسلة وفضلها ، قال أبو سعيد محمد الخادمي: من قرأ سلسلة المشايخ بعد ختم الخواجكان، عند تلقين الذكر، وعند الشروع في ذكره وتمام ورده، تحصل له الترقيات والمكاشفات، ويقرؤها صاحب الورد والذكر خصوصاً حين تغلب عليه الروحانية، ويقرؤها لتفريج الكروب والهموم والغموم ، وتيسير المراد وقضاء الحوائج ولشفاء المريض وتكتب أيضاً .
* * * *
التوجه
وهذا من مزايا الطريقة النقشبندية على سائر الطرق، وهو اجتماع المريدين في غرفة أو مسجد على شكل دائرة، ثم يغمضوا أعينهم، ويجلسوا بعكس التورك، ولا يسندوا ظهورهم لحائط وينتظروا مجيء الشيخ، ويدخل الشيخ المسجد وقد لبس جبة أبيه المهترئة، ويجلس في منتصف الحلقة، ثم يأخذ بالاستغاثة بغير الله، وطلب المدد من الأموات (مدد يا شاه نقشبند مدد يا غوث جيلا ني ) ( المدد شاه خزنة المدد ، المدد علاء الدين المدد معصوم ثاني ) وهكذا يستمر بالشرك، وأتباعه بين نباح وعويل، وبكاء وأنين، ثم يأتي على كل مريد، ينفخ في فمه أو يبصق فيه، يدخل النور بهذه النفخة إلى قلب المريد ويخاطبه ببيت من الشعر، يخبره بما في قلبه على حد زعم الخزنوية .
ولا يخجل الخزنوية من ادعاء الشرعية لهذا المنكر،ويستندوا لحادثة الوحي(1) وكيف أخذ جبريل النبي، وضمه إلى صدره ثلاث مرات، وهو يقول: أقرأ
__________
(1) أما النقشبندي نوري الدير شوي فيستند إلى حادثة شق الصدر وإلى تحنيك الرسول عليه الصلاة والسلام للأطفال -ردود على شبهات السلفية –ص30(1/33)
ولا يسأل هؤلاء الجهلة أنفسهم لماذا لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته ما دام مشروعاً؟ أم أن الرسول يحتاجه كما نحتاجه ولا يحتاجه الصحابة والتابعين!!
وما قصة تلك الجبة المهترئة التي يلبسها الشيخ(1) ؟ وما هو وجه الانتفاع بلبسها حين التوجه؟ اللهم إلا إذا اعتقدنا بوجود نوراً سارياً فيها، أو أنها تجلب الفتوحات الإلهية.
إن قالوا: هي للتبرك ، قلنا : لماذا لا يلبسها في كل أحيانه ؟
ثم كيف يستغيث الشيخ بغير الله ؟ أليس هو الغوث أو القطب الكبير على حد زعم الكذّابين من أتباعه، ذاك الغوث الذي يمد حتى الحوت في البحر بمدده. لماذا يقف عاجزاً فيحتاج إلى أن يلبس جبة مهترئة، ويستغيث بأموات؟
* * * *
الباب الثاني
شيخ الطريقة
الفصل الأول
شيخ الطريقة
من هو ؟... صفاته... واجباته... خصوصياته...
الشيخ : هو من سلك الطريق، وتربى على يد شيخ كامل، حتى وصل إلى مرتبة تؤهله تربية غيره .
__________
(1) وهذه أيضاً مما يدافع عنها الدير شوي ، ولا يعلم أنه فضح نفسه ، حين يتحدث عنها وعن الإسناد الصوفي ، الذي يشترط اللقاء الروحي ، لا المعاصرة والمشاهدة عند المحدثين من يدري لعله يعتقد أن القراء كلهم من أتباعه الجهلة- ردود على شبهات السلفية ص27-(1/34)
وحتى يخلف في إعطاء الطريقة لغيره، لابد له من السلوك المضني على يد شيخه من تنفيذ أوامر يفرضها عليه بخصوصه دون سواه، قد تكون غير لائقة بأمثاله، فقد ورد لدينا في أثار النقشبندية في مناقب مولاهم خالد، أن شيخه أمره بتنظيف بيوت الخلاء، وهو على حد زعم الرواة ختم العلوم العقلية والنقلية، أو أن يأمره بما يصعب عليه تركه ، كأن يكون طالب علم مجد، يهيم في طلب المعارف ، فيأمره ببيع كتبه ، أو حرقها أو إلقائها في النهر هكذا، ولا يعلم الشيخ أو يعلم أن هذه الكتب، قد قضى على كتابتها وتحصيل محتوياتها عمراً طويلاً، ولكن الشيخ يفهم مريده أنها لا تنفع، بل قد تكون حجر عثرة في طريق النور، وقد يكون السالك غنياً منعماً فيأمره بالتصدق بأمواله كلها، أو صاحب منصب، فيأمره بالاعتزال بل يأمر الشيخ السالك بالتجرد عن كل المعلومات، التي تختزن في ذاكرته، تلك المعلومات التي أكتسبها في حياته بحجة أنها عقبات في الطريق، فكثيراً ما سمعنا تلك المقولة:( خل علمك وتعال ) إلى أن يصل المريد إلى مرحلة، يتجرد فيها حتى من الميل النفسي للأشياء -على حد زعمهم - فلا يحب ولا يكره إلا ما يأمره شيخه بحبه وكراهيته، بل يجب أن يستحوذ الشيخ على قلبه، فلا ينبغي أن يجتمع في خياله أحد غير الشيخ، سواء كان المتخيل مشروعاً أو غير مشروع، بل يجب ألا يفكر في نفسه، حتى يصل إلى مرحلة حرة ومنعطف خطير، يصل الشيخ مريده بالله، ثم يخرج من البين، وبتعبير أوضح يصل إلى مرحلة النيرفانا البوذية .
من صفاته: أن يتمتع بشخصية قوية إن أمكن، وذهن وقّاد وخيال خصب وإجادة أعمال الطريقة بنشاط منقطع النضير .
ومن شروطه: الولاء المطلق لشيخه حتى بعد موته ولمبادئه، والذود عن نهجه وإن خالف المعقول والمنقول، ومن الشروط أن يعرض عن الدنيا وحب الجاه.
* * * *
واجباته(1/35)
بعد تسلم مقاليد الخلافة، يعاهد الأتباع على التتبع الحثيث لنهج سلفه ويطلب منهم المؤازرة والمعونة على هذا الحمل الثقيل، وهذه المقولة طيبة وجديرة بالاحترام إن قالها وهو معتقد ظعفه وقصوره، أما عند الخزنوية وخصوصاً عند محمد الخزنوي فهي للاستهلاك المحلي، وتكرار المقولة لا يضره، بله ينفعه للترويج لتواضعه المصطنع، لأن الواقع العملي يكذب ذلك، لأن الشيخ أوتي الكمال فكيف يحتاج إلى معونة.
ومن المقولات المكررة: ألا يبدّل في الطريقة ولا يأتي بجديد، فكما أن الشريعة نصوص وأحكام ثابتة، لا يعتريها التغير والتبدل، ومن حاول التزود أو النقص فهو مبتدع ضال، كذلك في الطريقة، ولذلك يفتخر الخزنوي في دروسه بأن نهجه ونهج آبائه سليم من البدع الطريقية والشرعية. وهذه دعوى عريضة لا دليل عليها فعلماء الأمة منذ ظهور تصوف القوم، هم على خلاف هل للتصوف سند شرعي أم لا .؟ والمعلوم بالبداهة أن الطريقة من اختراع المشايخ، فكيف يراد للبدعة المخترعة البقاء والتمام.(1/36)
ثم بقدر ما يكون الخليفة الجديد، متمسكاً بنهج شيخه بقدر ما تكون ولايته أعظم حتى أن من الواجبات الغريبة، أن يحتكم فيما استجدّ من أمور على فعل شيخه السابق، وإن ظهر بطلان فعله، أستغفر الله، فهذه الكلمة أخطر من الكفر، فمن ذا الذي يجرؤ على فحص أثار السابقين ونقدها، أو كشف بطلانها ؟ وأنّى للبعوض المترامي على الجيف مضارعة الصقور ومن يعترض على أمر مخالف للشريعة، يجابه بأن الشيخ السابق فعله أو قال به، أو أن الأتباع فعلوه والشيخ رآهم وسكت على فعلهم، فهذه كلها نصوص صريحة في المشروعية، لأن الشيخ أدرى منا بالشريعة، وكان لزاماً على المعترض السكوت، فقد دمغ اعتراضه بالحجج المقنعة. ومما يزيد الشيخ الجديد قداسة، تقليده لشيخه في كل حركة وسكنه، حتى الأمور التي لا عبرة فيها ولا فائدة، حتى لو اضطره إلى تغيير بعض طبائعه، ولو أخطأ السابق بكلمة أو خرجت سهواً، فيجب أن يتصنع الخطأ والسهو، أو قال كلمة غير مفهومة، أو بذيئة فلا بد أن ينطقها، حتى لو أن الفحش واضح.(1/37)
من ذلك تلك القصة المقرفة، التي تناقلها المشايخ والأتباع، وهي قصة الخاتون وجاريتها والحمار والحكاية: أنه في غابر العصر والزمان ، خاتون حاصرتها شهواتها من كل صوب، وعمل الشبق الجنسي في غياهب صدرها، حتى ألجأها إلى حمار، ولكن بمقدار(1) وشاءت المقادير أن ترى هذه المناظر خادمتها التي تقوم بنفس العمل، إلا أنها لم تكن تعلم المقدار، فكان فيه أجلها والشاهد هنا أن الدنيا كحمار الخاتون، فمن أراد التمتع بالدنيا، فيجب أن يتمتع بمقدار، وإلا كانت النتيجة مؤلمة وقاتلة، والشيخ هو من يمثّل الخاتون التي تستعمله بمقدار وسوقة الناس من يمثّلون الجارية، ولكن الغريب أن الشيخ وأبنائه وأحفاده أكثر تمسكاً بالحمار، ولم يأخذ السوقة غير شعرات يسيرة من ذيله يتبركون بها.
فانظر يا رعاك الله إلى هذه الحكاية، وهذا التشبيه المريض، وهل عقمت الحياة عن عمل نشّبه به غير هذا المثال، ولكن ما العمل ؟ وهذه سنة متبعة، وطريقة في التوجيه والتربية عديمة النظير والمصيبة العظمى أن هذه الحكاية لا مناسبة لها إلا مجلس العزاء، والسبب أن الشيخ الذي ذكر القصة، ذكرها في مجلس عزاء فكان لزاماً على اللاحقين المتابعة.
* * * *
خصوصيّاته
للشيخ عند الصوفية عامّة والخزنوية خاصّة، خصوصيات لا يشاركه فيها أحد منها ما هو معروف في الدين، ولكنه لله أو لرسوله، ومنها ما جلبه علينا أعاجم النقشبنديه من فرس وكرد، وهنود .
__________
(1) عندما يريد توضيح الصورة ، يشير بسبابته على أنها ذكر الحمار، ثم يشرح كيفية ربط الخاتون للذكر لمعرفة المقدار !!(1/38)
فمن خصوصيات الشيخ: إطلاعه على الكون وعلى العباد، وكشفه الدائم لما في الصدور والقبور، بل إن المريد السالك عند الشيخ من أول مراحله وأحواله كشف القبور والقلوب فما بالك بالشيخ؟ وإليك النص(1) (ونقل الغوث الأرفاسي عن شيخه الشيخ خالد الجزري قوله دخلت الطريقة عند خليفة من خلفاء مولانا خالد وببركة توجهه الأول نلت حال كشف القلوب؟) بل إن الشيخ له التأثير في الكون حتى أن من المقولات عند الخزنوية، أن القط لا يستطيع صيد الفأرة حتى يأذن له الشيخ؟ ولا ينبغي لنا الإنكار، فهناك في مناقب أحد مشايخ النقشبندية (أنه المتصّرف على الإطلاق) وهذا يذكر في ختم الخواجكان كل يوم ..
ولذلك تحتاج للشيخ جميع المخلوقات بلا استثناء(2) بل كان في مناقب شيخ الخزنوي الكبير التي تقرأ في الختمة "أنه نور السموات والأرضيين" ولم تحذف هذه المنقبة من السلسلة إلا في فترة الشيخ عز الدين الخزنوي والسبب عدم تحمل الناس ؟ لا لأنها خطأ فاحش..؟
ومن الخصوصيات: أن الشيخ لا يسأل عما فعل، ولا يملك مخلوق حق الاعتراض على قوله وفعله حتى لو خالف الشرع وأي شرع ؟ أهو القرآن ذاك الرسم والظاهر.
ولا ننسى أن هذا من أصول الصوفية الكبرى، وإليك ما كتب في الذكرى الثانية فالشيخ الكامل لا يجوز مخالفته ولو صدر منه ما يخالف الشرع ؟
ولذلك قالوا :
وكن عنده كالميت عند مغسل ... يقلبه ما شاء وهو مطاوع
وفي قصة الخضر الكريم كفاية ... بقتل غلام والكليم ينازع
__________
(1) من مجلة الذكرى الثانية ص74.
(2) مجلة الذكرى الثانية ص66 [إن الشيوخ هم الأقمار التي يسري في ضوئها السائرون هم الشموس، التي يحتاج إلى شعاعها كل مخلوق في الوجود…].(1/39)
ومنها منع الزواج بنسائه؟ لأن زوجته تعتبر أماً للمريدين والدليل {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ولذلك عندما ينادي المريد زوجة الشيخ أو يذكرها، لا يناديها إلا بقوله يا أمي والمشهورة بـ "يادي" –أي أمي عند الأكراد والفرس- وكذلك الشيخ لا ينادى إلا بـ " يابو " -أي يا أبي- والسبب قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}(1) ولذلك لم تتزوج أي امرأة من نساء الخزنوية الآيامى وإن كانت صغيرة السن …؟
* * * *
بعد الاستلام
لا يختلف في الطريقة إلا بالنص عليه، من قبل الشيخ الراحل، بوصية مكتوبة تفتح أمام المريدين تضفي هذه الوصية طابع الشرعية، كما تعطي مزيداً من القداسة على الشيخ الجديد0
أول ما يبدء به إدراج اسمه، مثقلاً بالألقاب المهيلة في السلسلة المباركة، التي يقرأها المريد، أو يسمعها كل يوم بعد العصر أو العشاء، وهي ما يسمى عندهم بالختمة أو ختم الخواجكان(2)، و لا يذكر اسمه ولقبه هكذا، وإنما يشترك تلامذته في كتابة مناقبه، ويحاولون -رغم قصرهم ونقصهم- أن يقتربوا شيئاً يسيراً من شخصيته العظيمة، فيكتب كل واحد منهم سطوراً، عن عظمته بما تمليه عليه أمانة العقيدة في شيخه، وإن جاوز بوصفه الحد المشروع ومن ثمّ تجمع هذه الورقات وتعطى للشيخ الذي يحاول أن ينتقي منها، ما يليق بجلاله وقداسته، وهذا إن دل إنما يدل على التناقض الصارخ والسخف، الذي يعيشه أتباع الطريقة النقشبندية فكيف تتناسب ادعاءاته بعدم الأهلية والنقص والعجز والفاقة، وتلك الألقاب التي لم يحصل عليها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، تلك الألقاب التي تقرأ كل يوم ويردّدها ألا ف الناس .
__________
(1) الأحزاب :53.
(2) يراجع فصل ختم الخواجكان من هذا الكتاب.(1/40)
بعد ذلك يسعى الشيخ على إدخال محبته في قلوب المريدين المفجوعين بشيخهم الراحل، وقد استطاع محمد الخزنوي، تثّبيت محبته بكثرة البكاء المصطنع، على كل ما يذكره بشيخه، حتى البكاء من غير دموع تذكر، المهم أن يبعث في نفوس الأتباع روح المشاركة، أما بعد تلك المرحلة، أخذ يوحي لهم بطرق غير مباشرة أو عن طريق جلاوزته - وما أكثرهم - بأنه السيف الذي سل بعدما أغمد الخنجر والشمس التي سطعت بنورها، بعدما تلاشى الليل ونور القمر0
ومن طرقه في تثبيت المحبة والاعتقاد فيه، نشره بين الأتباع قصص خرافية وكرامات مخترعة ومن أهم هذه القصص :(حكاية الشيخ وسائس الخيل ) وملخص الحكاية: أن سائس الخيل لأحد المشايخ، أكتشف أن شيخه يسافر إلى المدينة المنورة، لحضور اجتماع سري للأولياء وهذا الاجتماع يحصل كل يوم مما أظعف الفرس، وبعد وفاة الشيخ وتسلم ولده الخلافة لاحظ سائس الخيل ظهور السمن على الفرس، مما جعله يعتقد أن الولد لم يكن مثل أبيه، ولكن الولد يظهر أنه أعظم من أبيه؛ لأنه أخذ السائس من تلابيبه، وأدخله غرفته الخاصة، حيث شاهد فيها، الرسول عليه الصلاة والسلام وجميع الأولياء، فقال له: انظر كان أبي يذهب إليهم، أما الآن فهم يأتون إلي00!! الله أكبر ما أعظم هؤلاء المشايخ وما أعظم مصابنا بهم، وبمن يصدق مثل هذه الحكاية، ولكنها وجدت رواجاً عظيماً بل أصبحت حجة بالغة على عظم مكانة محمد الخزنوي، بأي طريق ؟
وبأي برهان؟ إنها هذه الحكاية .(1/41)
وهذا هو الأسلوب المنطقي والناجع في الواقع، فعلاج الخرافة بالخرافة ، فالمحبة التي كان يكنّها الأتباع لأبيه، ما كانت إلا وليدة الخرافات، التي يتناقلها الأتباع الجهلة بل عمل على تثبيتها مئات العلماء، بالآلاف المؤلفة من الكرامات المفردة والمكرّرة والمنامات الهادئة، التي كانت تسند القداسة، حين يعجز العقل الواعي عن التقديس وقد استطاع محمد الخزنوي، إظهار نفسه لأتباعه بأنه أوحد زمانه بالعلم والمعرفة ولذلك كان يكيل العداء لكل عالم، أو مدعي العلم في نظره، وكل الطرق سدت إلا طريقته، وهذا المرض شائع عند كل الصوفية، فكلهم يرى طريقته هي صلة الوصل الوحيدة بين الأرض والسماء
وكل يدعي وصل بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاك
وهذه الدعوى وغيرها لا يظهرها على الملأ، وإنما يلقّنها خاصته، الذين يقومون بنشرها بين الأتباع، أما هو فلا يجيد غير تقديس عتبة والده، وأنه أخ لهم وليس شيخاً، وهذا من تواضعه المصطنع، وأنه فرد منهم قائمٌ على رعاية مصالح العتبة لا أكثر، والعتبة قطبٌ لكل الوافدين، وهي ملكٌ للجميع.
وهذا الكلام إن أمعنت النظر فيه، وجدته تزويراً للحقيقة، وتشويهاً للواقع، لأن العتبة ملك للشيخ وحده، ومن لم يقدم له فروض الطاعة والولاء، يطرد منها شر طردة، هذا إن لم يضرب بعصا أو بحجر .
ورغم تقديسه لعتبة والده، لم يكن محمد الخزنوي يلبث فيها إلا أيام الأعياد والمناسبات الرسمية فرغم ادعائه بالمرض، فقد كان في سفر دائم، يأتي في جنح الظلام، ويغادر كذلك، ولا ندري أإلى العاصمة أم إلى المدينة المنورة ؟!
واليوم الذي يمضيه في القرية، لا يخرج من قصره إلا بعد نفاد صبر الأتباع، الذين تجمعوا أمام بابه .
* * * *
الفصل الثاني
الطريقة والمرض(1/42)
استطاع محمد الخزنوي، بما أوتيه من البراعة في التمثيل، أن يوهم الناس أنه مريض لا يقوى على الوقوف أو الجلوس الطويل بين الأتباع، ولديه حجّة، وهي تحطّم عظامه في شبابه إثر حادث أليم، وقد شفي تماماً منذ زمن، إلا أن الحجة بقيت قائمة كلما سُئل أحد أتباعه، عن عدم إشرافه الكامل والمباشر، أجاب بألم :إنه مريض. وقد زاد أمراضاً من عنده قدس سره، وهي القلب والسكري، وضغط الدم ، والواقع أنه أوتي طاقة عشر شبان، ولم يكن يشتكي إلا من مرض واحد وهو: كثرة الجميلات وضيق وقته المبارك0
أما إذا حلّ في قريته، فلا يخرج إلا لماماً، ينتظره الأتباع بكل فئاتهم، كباراً وصغاراً، علماء وجهلة، أصحاء ومرضى، والملاحظ أنهم من الطبقة البسيطة الجاهلة في المجتمع،أما إذا أتى مسئول أو غني كبير، فيخرج دون إبطاء، أما من ذكرنا أنفاً، فكثيراً ما يقفوا ساعة أو أكثر دون اللقاء، وأحياناً يلغى الخروج لأسباب غير معروفة، هكذا دون اعتذار، أستغفر الله فمن يعتذر ومن يوجه له الاعتذار؟! فهؤلاء الدراويش الذين جاءوا من كل حدب وصوب، إنما الفضل في مجيئهم للشيخ، ولهم الفخر في بقائهم ساعات تحت حر الظهيرة أيام الصيف وتحت وابل المطر في الشتاء، وله الفضل أيضاً في قبولهم في هذا الموضع ولكل مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون0
وإن خرج وأدى الصلاة، ولنقل صلاة الظهر مثلاً، إن كان هناك مريد جديد جلس ليعطيه الطريقة، وإلا دخل إلى غرفته الخاصة، ليدخل خواصه واحداً تلو الأخر هكذا حتى صلاة العصر وكثيراً ما يذهب إلى بيته قبل الصلاة بلحظات حيث يقترن دخوله وأذان العصر أحياناً أما إن صلى فهناك الختمة المفروضة كل عصر، ثم يخرج بجموع الناس، إلى مرقد والده وجده(1) ليبقى ما يقارب الساعة من الزمن.
__________
(1) وللمرقد ودوره في الطريقة 0فصل خاص 0أثرنا تأخيره لوقته ومناسبته.(1/43)
هذه الصورة تتكرر كلما خرج الشيخ من بيته ، فهؤلاء الحمقى بانتظاره بكل فئاتهم وما يلفت الانتباه، البون الشاسع بين لباس الشيخ وأخيه، وبين لباس جلاوزته فالشيخ كما ترى يلبس جبة طويلة، بينما يمنعها من طلبته، ويعتبرها سوء أدب وكما يحتكر لباس الجبة الطويلة، كذلك يحتكر لقب الشيخ، فلا يطلق إلا علية أما الغير فيسمى: ملا .
ولو قارنّا بين لبثه في المسجد لأداء الصلاة ولبثه في المرقد، لزاد الأخير على الأول بأضعاف وبعد خروجه من المرقد يتجه إلى قصره، ولا يخرج إلا لصلاة العشاء حيث ينتظره الأتباع - كما هي العادة - ومن رحمة الله بهؤلاء المساكين، أن الشيخ لا يصلي الصبح في المسجد، وإلا لانتظروه أيضاً كما في الصلوات الاخرى0 فإن صلى العشاء في المسجد وانتهى من صلاته، أدخل مريديه في ديوان الضيوف، ودخل هو غرفته الخاصة، ليبقى فيها فترة من الزمن، والضيوف ينتظرون إطلالته البهية، وإن دخل قبلهم، جلس والناس قيام واضعين اليمين فوق الشمال - كهيئة الصلاة تماماً - بل يزيد أكثرهم عليها بخفض الرأس، بحالة بين الركوع والقيام -وهذه الكيفية محببة عند الشيخ وأنجاله - ولا يجلس أحد حتى يشير إليه الشيخ بالجلوس، ويشير الشيخ لمن أراد له الجلوس إلى مكانه، فعن يمينه يجلس جلاوزته الكبار المتفانين في محبته، والجهة المقابلة الضيوف الكبار وأحياناً العكس، و الشيخ هو من يرتّب المجلس، ثم يجلس السوقة بعد ذلك ويجب على الحضور إغماض العينين، والجلوس عكس التورّك في الصلاة، ووضع اليمين على الشمال، والطلب من الشيخ سراً المدد المعنوي أو تصفية القلب، وهذا من أهم آداب الصحبة كما يسمونها(1) ( من آداب الصحبة :أن يحضر المريد قلبه أمام قلب المرشد، "بتمام الأدب وكمال التعظيم"، ويرجو من أستاذه أن يدعوا الله أن يوجه نظره إلى قلبه المجروح، المظلم بران الكدورات والمتسخ بصدأ الشهوات
__________
(1) مجلة الذكرى السنوية الثانية ص50 آداب الصحبة نقلا عن الشيخ.(1/44)
ليجلوه من هذا الصدأ، ويطّهره من هذا الران ، ويوجه قلبه إلى الله )
لا يبتدأ مجلسه بذكر الله ولا بقرآن، وإنما يشير إلى أحد مريديه، بالحداء، وما يسمى عندهم بالمديح، وكذلك لا يبدأ هذا المديح بذكر الله، ولا ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يبدأ المديح بذكر الشيخ السابق، والمقصود ضمناً هو الشيخ الحي الذي هو في المجلس، وإن خرج ثناءٌ موجهٌ للحي، أنبّ الشيخ ذاك المداح تواضعاً منه، لا لأنه بالغ في الثناء، ويقول لهم سراً: إن الناس لا تحتمل أو أن أهل الظاهر يعترضون علينا.
وهذه من معضلات الطريقة، ومن فلسفة الخزنوية حصراً، فالشيخ عندما يعطي الطريقة، يصّر على المريد الجديد، أن يقر أن الشيخ الراحل هو شيخه والسبب هو التواضع فقط، بينما يجب قطع الصلة الماضية بين المريد والشيخ الراحل وكذلك بالنسبة للمدح والثناء، يجب أن يكون محصوراً في الشيخ الحي، وإلا كان المدّاح ناقص المحبة ثم إنك تجد الصراخ والنباح، وما يسمى بالجذبة الربانية تسيطر على المجلس، وكل الذين يصرخون ويصيحون، تجدهم من أسّوء الناس سيرة وسريرة، سواء في علاقاتهم الاجتماعية أو العائلية، بينما ينظر لهم أتباع الخزنوي أنهم من الذين ما صرخوا اختياراً وإنما قسراً، لعدم احتمالهم للنور الإلهي الذي يسطع على قلوبهم الطاهرة، أو لما رأوه من الكشوفات الربانية فمنهم من يرى العرش ، ومنهم من يرى الملائكة أو الأولياء !! آلا ساء ما يدعون .(1/45)
بعد ذلك يبدأ الشيخ بالكلام، وكعادته وعادة سادته، لا يبدأ بأية قرآنية أو حديث وإنما بقوله: أنا سمعت من الشيخ الوالد، أو كان الشيخ الوالد قدسنا الله وإياكم بأسراره العلية يقول: ثم يسرد حكاية تتضمن كرامة أو قاعدة صوفية، أو أنه يستنبط منها حكمة(1) يلتزم بنهجها المريد، ويزين الشيخ درسه بألفاظ التواضع المدعى زوراً مثل : أنا لست أهلاً للكلام، وأنا لا أساوي شيء، لا أساوي فرنك ويطلب من الله أن يرقّق قلب الشيخ الوالد الميت أن يقبله تابعاً وخادماً، وأن تحميه عناية السادات العظام ، وتعينه لحمل أعباء الطريقة الثقيلة وتجد الأتباع الحاضرين بين عويل وبكاء ونباح ، لأن هذه الكلمات تثير أرواحهم وتستنزل الألطاف الإلهية مما يفقدهم السيطرة على جوارحهم، فمن يركل بقدميه ومن يبطش بيديه، ومن يتلفظ بكلام مشوش، ومن يخاطب الشيخ بأنه: المتصرّف في كل شيء، وأن التواضع لا يخفي حقيقته الواضحة .
يحدث كل هذا، والشيخ ماض في سرد القصص وخلط المفاهيم، وكثيراً ما يستشهد بقصص الحيوانات، والاستدلال بها على فوائد وفضائل الطريقة، وفضل الشيخ على المريد وبيان القدرات الخارقة للشيخ المسلّك، وهو يشير من طرف خفي إلى نفسه، فما معنى أن يقول مثلاً: إن الشيخ المسلك لو نظر إلى حيوان لترك أثراً غريباً فيه وما الدليل ؟
__________
(1) ومن ثم تصبح هذه الحكاية قرآن الأتباع ، تردد في اليوم والليلة مئات بل آلاف المرات في المجالس العامة والخاصة ، وإن كان المريد خطيبا ، فقد أغناه شيخه عن إعداد خطبة الجمعة فما عليه إلا أن يغمض عينيه ، ويتخيل الشيخ أمامه وهو يسطع نوراً على قلبه ، ثم يذكر حكاية الشيخ الجديدة ، وما فيها من حكم وأسرار.(1/46)
إنها القصة التالية: أحد المشايخ يوجّه نظره إلى أحد تلامذته وأثنائها يمر كلب فتصيبه نظرة من الشيخ، فيحدث أمراً عظيماً في عالم الكلاب حيث لم يبقى كلب في البلدة، إلا وهو تابع ذليل لهذا الكلب المقدس، والكلب المسكين ظن نفسه هو المتبوع، وما درى أنهم يتبعون ذاك السر اللطيف الذي أهاله الشيخ عليه مصادفة(1) وهذه القصة يوردها الشيخ حصراً، لنسف بعض أوهام الأتباع وخصوصاً الدعاة منهم، حيث أن هؤلاء قد يحبهم الأتباع الجدد، لكونهم السبب في مجيئهم إلى الشيخ، فالشيخ بهذه القصة يشير إلى نفسه بأنه هو المسبب، وهو من أتى بكل الناس، وإن كان يتقلّب في أحضان زوجته بينما الداعي المسكين الذي تجّهم الطرقات، وجفّ ريقه واستحلّ الكذب أحياناً من أجل شيخه، ما هو إلا سبب تافه، وما جاء الناس إلا لأنهم جذبوا بذاك السر الخفي، ولذلك يشير الشيخ للداعي: بأنك لن تستفيد، حتى ترى نفسك عصا بيد الشيخ، قد يلقيها متى شاء، فلا ترى لنفسك أثراً مع الشيخ، فهذا شرك مقيت قد يكون سبباً في الطرد، نسأل الله العافية .
__________
(1) في مجلة السنوية السابعة ص66 [ لأن من نظروا –المشايخ –إليه سرى نظرهم في كيانه وأثر في مشاعره ووجدانه ، ولا تزال هذه النظرة ، تقتحم في نفسه مداخل الشيطان ، وتنتصر في ضميره على عناصر الشر والفساد والطغيان ، فإذا نزل ماء الرحمة من سماء هذه النظرة على أرض النفس ، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ].(1/47)
وكثيراً ما يقول الشيخ للدعاة في وداعه لهم: ما عليكم إلا أن تكثروا الطنين أما العسل فعلينا والمعنى أكثروا من ذكرنا أمام الناس بذكر كراماتنا وخوار قنا، ولا عليكم من النتيجة والفائدة فهي ملكنا نحن المتصرّفون، ونحن من يقرر النتائج والنتيجة المرجوة من كدّ الأتباع، هي كثرة الوفود وزيادة الجمع وهي ما يستند إليها الشيخ دائماً، حين يثبت مشروعية الطريقة ومصداقيتها ،وعظم مكانة سادته ولذلك ينسب الفضل في مجيء الناس إلى سيده، وولي نعمته الشيخ الوالد المتوفى؟ وهذا المتوفى رمز يختفي وراءه الشيخ الحي، فهو يذكر في القصائد ويذكر في القصص الخارقة، ويندب في الشدائد والملمات، وتنسب له كل الكرامات، ولذلك ورد في وصية عز الدين الخزنوي لولده ( أن لا يرى نفسه في البين مطلقاً، وأن يرى نفسه كالعصا في يد الشيخ ، يرميها حينما ينحرف ، فيجرد من كل شيء ) (1) …
الفصل الثالث
كسروية المشيخة
أعطي شيخ الطريقة عند الصوفية عامة، وعند الخزنوية خاصة، مزايا غريبة ومرتبة لم يصل إليها نبي مرسل، ولا ملك مقرب .
فالمريد الذي يريد الاستفادة من الشيخ، لابد له حين الدخول في سلكه المقدس من شرطين أولهما: أن ينسى أن له إله يملك النفع والضر .
والثاني: أن ينسى أن له عقلاً، أما الشرط الأول: فيستند الخزنوية في إثباته إلى قاعدة عندهم، تقول: على السالك أن يعتقد أن كل ما يحصل له من خبر وشر حتى الشوكة يشاكها فهي من الشيخ ؟
__________
(1) مجلة الذكرى السنوية الثالثة ص30 .(1/48)
ففي كتاب تنوير القلوب(1) :فصل في آداب المريد مع شيخه وهي كثيرة جداً واقتصرنا على بعض المهمات: أعظمها أن يوقّر المريد شيخه ويعظمه ظاهراً وباطناً، معتقداً أنه لا يحصل مقصوده إلا على يده، وإذا تشتت نظره إلى شيخ أخر،حرمه من شيخه وانسد عليه الفيض، ومنها: أن يكون مستسلماً منقاداً راضياً بتصرفات الشيخ ، يخدمه بالمال والبدن، لأن جوهر الإرادة والمحبة، لا يتبين إلا بهذا الطريق، ووزن الصدق والإخلاص، لا يعلم إلا بهذا الميزان. ومنها: أن لا يعترض عليه فيما يفعله، ولو كان ظاهره حراماً، ولا يقول لم فعلت كذا ، لأن من قال لشيخه: لم ؟ لا يفلح (2).
__________
(1) تنوير القلوب ص559-560-561.
(2) ولو كان لنا شيخ يسلم إليه حاله لكان ذلك الشيخ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -. وقد قال إن اعوججت فقوموني ولم يقل فسلموا إلي. ثم أنظر إلى الرسول صلوات الله عليه كيف اعترضوا عليه. فهذا عمر يقول: ما بالنا نقصر وقد أمنا. وآخر يقول: تنهانا عن الوصال وتواصل؟ وآخر يقول: أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ! ثم إن الله تعالى تقول له الملائكة: (أتجعل فيها). ويقول موسى: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وإنما هذه الكلمة (يعني: قول الصوفية: الشيخ لا يعترض عليه) جعلها الصوفية ترفيها لقلوب المتقدمين وسلطنة سلكوها على الإتباع والمريدين كما قال تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه) -تلبيس إبليس ص373-374).(1/49)
ومنها: أن يسلب اختيار نفسه باختيار شيخه في جميع الأمور، كلية كانت أو جزئية عبادة أو عادة، ومن علامة المريد الصادق أنه لو قال له شيخه: ادخل التنور دخل(1)، ومنها: أن يحفظ شيخه في غيبته كحفظه في حضوره، وأن يلاحظه بقلبه في جميع أموره سفراً وحضراً ليحوز بركته، ومنها : أن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة ببركته(2) ومنها: أن لا يتزوج قط امرأة رأى شيخه مائلاً إلى التزوج بها، ولا يتزوج قط امرأة طلّقها شيخه أو مات عنها ومنها: أن لا يشير قط على شيخه برأي إذا استشاره(3) في فعل شيء أو تركه بل يرد الأمر إلى شيخه، اعتقاداً منه أنه أعلم منه بالأمور(4)
__________
(1) عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِرَارًا مِنْ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ –البخاري برقم 6612 ومسلم 3424.
(2) تنوير القلوب- 561-.
(3) لا غرابة فلا يعتد هؤلاء بالقرآن الذي مدح وأمر بالشورى ومقام المشايخ أعلى من مقام سيد البشر الذي شاور أصحابه بكل أمر لم ينزل فيه وحي وأخذ برأي أصحابه.
(4) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)النساء .(1/50)
، وغني عن استشارته وإنما استشاره تحبباً، ما لم تقم القرائن الواضحة على خلاف ذلك.
ومنها : أن يعظم ما أعطاه له شيخه، ولا يبيعه لأحد ولو أعطاه ما أعطاه فربما يكون طوى له فيه سراً من أسرار الفقراء(1)، فيما يعينه في الدارين ويقربه إلى حضرة الله عز وجل .
ثم إن هذا الشرط قد يخفوه ضمن عقائدهم الباطنية(2).
وأما الشرط الثاني: فهو مثبت عندهم بكل صراحة يقول كاتبهم(3) : إن الولي الكامل لا يجوز مخالفته، ولو صدر منه ما يخالف الشرع ولذلك قالوا :
وكن عنده كالميت عند مغسل ... يقلبه ما شاء وهو مطاوع
وفي قصة الخضر الكريم كفاية ... بقتل غلام والكليم ينازع
وقالوا: لأن من طاعة المريد لشيخه، وهي تجربة وامتحان، وهذه مز الق زلت بها الأقدام، التي لا ينجو منها إلا من أمدوه بكريم رعايتهم، ولاحظوه بعين عنايتهم ؟؟
__________
(1) هذه من بقايا هرطقات الصوفية الأوائل ، وهي الخرقة ، فهم يزعمون أن الخرقة التي يعطيها الشيخ لمريده تحمل نوره وأسراره.
(2) لأن الخزنوية لديهم مبدأ التقية ، فيدعون عدم مخالفة الشريعة .
(3) مجلة الذكرى الثانية ص 57.(1/51)
قلت: وهذا القول أقبح، لأن الميت فاقد الإحساس والشعور، وهذا سببه معروف فالميت لا يرى ولا يسمع ولا يتحرك إلا ما كان من حركة المغسّل ، وهذا يفيد إذا شاهد المريد شيخه قد اعتلى صهوة إحدى المريدات، وإن كانت قريبة المريد أو زوجته مثلاً ، فلا ينبغي أن تسري فيه روح الغيرة أو الغضب، وإلا لم يكن ملتزماً بهذه" الآية الصوفية "، وفي هذا المقام تحضرني كلمة للملا علي الأسود حينما ذكر أن الشيخ ينتهك الأعراض، وخصوصاً المريدات، فقال بلسان مبين ، وبكل وقاحة: لو رأيت الشيخ فوق زوجتي، لرفعت عمامتي وصحت "شو باش" وهذه تقال للمنتصرين، ويستفيد الشيخ أيضاً بالنسبة لتسليم النساء له، فمن أرادت الوصول إلى الله فلا يجب أن تتحرك إن عبث الشيخ بمفاتنها، ويسمح لها بألانين بل قد يجب فربما يهواه الشيخ(1) وحتى تثبت هذه الحالة للمريد، يجب عليه أن يزن ما يحبه الله، وما يحبه الشيخ ؟ فإن رجح ما يحبه الله فلن يفلح .
ولذلك يجب أن يفضّل الأدب مع الشيخ على النوافل التي يحبها الله، والتي جعلها وسيلة للقرب منه، وإن لم تصدّق فإليك الدليل(2) مما سطّروه عند الحديث عن شروط استفادة المريد من الشيخ .
__________
(1) وللخزنوية وعالم النساء فصل خاص.
(2) مجلة الذكرى الثانية ص61.(1/52)
احترام الظاهر: أن لا يجادله ولا يشتغل بالاجتماع معه في كل مسألة، ولا يلقى بين يديه سجادته- أي سجادة نفسه- إلا وقت أداء الصلاة، فإذا فرغ من الصلاة يرفعها ولا يكثر من "النوافل" بحضرته ؟ ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته(1). بل إن النقشبندية قد زادوا على ذلك، فقالوا إن كان الوالدان اختلفوا مع الشيخ، فيجب قطع الصلة بهم، وهذا لمجرد الاختلاف، بل إن الخزنوية أضافوا معنى علياً على هذا، وهو إذا قطع الوالدين زيارة الشيخ الدورية، فيجب على المريد الابن قطع الصلة بهم ، بل إن أحد المريدين واسمه صبغة الله، ضرب والده -وهو من خلفاء الخزنوي -لا لكفر، وإنما لأنه ينكر على الشيخ المتسلّط بعض المفاهيم، و حديث قطع الصلة بالوالدين عند أتباع الخزنوية كثيرة جداً، فقد ثبت لدينا أن أحد أتباع الشيخ، واسمه عبد الرحمن بن ملا سعيد لم يزر بيت والديه منذ أكثر من سبع سنين، وأبويه من الملتزمين بالشريعة والذي لديه أدنى معرفة بالدين، يعلم مدى اهتمام القرآن بالوالدين، حتى لو كانا من المشركين، بل حتى لو أمرا بالشرك، وهو أعظم الذنوب عند الله { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(2)
__________
(1) وهذه العبارة الأخيرة تذكرنا بالآية { اتقوا الله ما استطعتم} ولا عجب ففي أدبيات النقشبندية أن الشيخ يعتبر الإله المجازي.
(2) لقمان(14-15).(1/53)
فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين، وفي الصحيحين (عن ابن مسعود- رضي الله عنه - أنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي، قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود: حدثني بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو استزدته لزادني ) بينما يروي الخزنوية هذا الحديث(1) ( وسئل الشيخ الأرفاسي مريد له" أستاذ" بالظاهر كثير الحقوق عليه لكنه منكر لشيخه؟ أيصله أم يقطعه؟ فأجاب بأن يقطعه وأشبع القول فيه بالمعقول والمنقول عن المشايخ وهلم جرا إلى الصحابة، مما يصرح بأنهم لم يزالوا أصحاب الحقوق حتى "الآباء"إذا شاقوا شيوخهم؟ وإن حق الشيخ لكونه"نائب الحق " مقدم على كافة الحقوق )
و ما العمل وجلسة مع الشيخ، ولو كحلب شاة أو شيّ بيضة، تعدل الدنيا وما فيها- بل إن الخزنوية يحاولوا توجيه العباد ، وتصحيح معتقداتهم القديمة، فلما تقدّس الكعبة وهي أحجار ولا تقدّ س وتعظّم الشيخ، وإليك ما كتب (2)..
( بعد أن يقول : إذا كانت تعظيم الكعبة من شعائر الله، وهي أحجار والصفا والمروة وهما جبلان 0000فأولياء الله الذين هم ورثة رسوله وحملة سره، والذين هم خاصّة الله وأهله "فهم الأولى من شعائر الله ومن حرمات الله"، فيجب علينا تقديسهم وتعظيمهم ..إلى أن يقول :
فالشيخ المرشد إذن من شعائر الله ، التي فرض علينا تعظيمها، والتي لا يعظمها إلا الأتقياء والأنقياء 000بل تعظيمه "أولى "من تعظيم تلك الشعائر التي هي مجرد أمكنة للعبادة، أو محل لبعض الأحداث، والمشاهد الربانية 00مثل جبل الطور ) وعلى ضوء هذا نفهم تلك الأبيات التي يلقيها عريف حفل الذكريات السنوية :
يا كعبة الآمال وجهك حجتي ... وعمرة نسكي أني فيك والع
__________
(1) مجلة الذكرى السنوية الثانية.
(2) في مجلة الذكرى الثانية ص47و ص49.(1/54)
بل يعتبر الشيخ بيت الله الأكبر( إن زوار المشايخ الذين هم بيت الله الأكبر كالحجاج منقسمون إلى ثلاثة أقسام …)(1).
* * * *
هذه الصورة توضح كيفية تعامل الخزنوي مع أتباعه، وهي لا تحتاج كما ترى إلى تعليق وبيان ، بل لعلها دليل قاطع على ما قلناه سابقاً، ولكن ما لم نذكره هو قضية كأس الماء، ولكأس الماء قصة أيضاً فلا يأتي بالماء إلا الخواص ، ثم يقف حامل الكأس ما شاء له الشيخ أن يقف ،فأحياناً يقف نصف ساعة أو أكثر والكأس في يده لاسيما عند إلقاء الشيخ للمواعظ ،وفي هذه الصورة لم يجلس حامل الكأس إلا بعد خور قواه وأمر الشيخ له بالجلوس .
موالاة شيخ الطريقة المقدس
__________
(1) الكلمات القدسية منحة 184،ص38.(1/55)
إن موالاة الشيخ في الطريقة النقشبندية الخزنوية، فاقت موالاة المؤمنين لله ورسوله فالمؤمن يختلف مع من أشرك، واختلافه معه لا يمنعه من محاورته والكلام معه لاسيما أهل الكتاب، بل يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، إن كان مجاوراً لهم ويأكل طعامهم ويتزوج نسائهم بنص الكتاب {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }(1) الآية... رغم أنهم أعداء لله ولرسوله ،بينما نجد مجرد الإنكار على الشيخ، ولو كان في أمر مشروع، هو القول الفصل في منع المريد عن مقاربته والاجتماع به، بله النظر إليه، حتى لو كان عالماً بالشريعة حافظاً لكتاب الله، بل إن إنكار الفقيه على الشيخ يجلب عليه وعلى ذريته الويل والثبور، وأقرأ معي هذه السطور(2) ( إنكار علماء الرسم "الشريعة"لهذه الطائفة يسلب الانتفاع بهم وبكتبهم ويورثهم الفاقة ويسري ذلك في أعقابهم إلى ما شاء الله) إن الاستفادة مشروطة بالإخلاص، وبها يكون المريد حرياً بأن يكون منظوراً من السادات بعين العناية، ومحلاً لتوجهاتهم وبركاتهم، وكما ينبغي للمريد التحلي بالإخلاص، ينبغي أن يكون متخلياً عن الأمور التي تكون سبباً لقطع النسبة عنة وأشدها ضرراً وأعظمها خطراً، مخالطة المنكرين الذين يتنكرون لآداب الطريقة أو في قلوبهم، ولو شيئاً قليلاً من العداء لشيخ الطريقة، لأن الإنكار مرض فتاك يسري بسرعة مذهلة إلى القلوب، فيترك فيها أثراً غير محمود، ولذلك يذكر الشيخ عن النقشبنديين: فرّوا من المنكر كما تفروا من الأسد0 وإن أكل خبز المنكر يميت القلب عن الذكر أربعين يوماً، ولو أن هؤلاء المنكرين كانوا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمنوا به
__________
(1) المائدة-5.
(2) من مجلة الذكرى السنوية 51، ص69لزوم تجنب المنكرين والبعد عنهم.(1/56)
(1).
فأفاد من هذا التحذير الشديد والنهي الأكيد، أنه لا يجوز للمريد أن يغتر بصفائه ولا يصح له أن يقول: لا يضرني اختلاط المنكرين، فإن الشمس وهي هي يحجبها السحاب الرقيق )(2).
ثم يقول :( وكثيراً ما كان الشيخ يروي لنا هذه الحادثة: كان أحد المشايخ جالساً مع تلاميذه فقال لهم: أجد بيننا رائحة منكر، فهل هي مني أم منكم؟ فتفقد كل واحد منهم نفسه وفتّش قلبه ثم قال كل واحد منهم ، ليست مني ولكن الشيخ أكّد مرة ثانية قائلاً بل لا بد أن تكون هذه الرائحة مني أو منكم، فأما أنا فليست مني فلا بد أن تكون منكم ثم فتشوا جيداً، وإذ بواحد منهم يقول نعم مني لقد لبست" فردة حذاء "جاري خطأ؟ وجاري منكر للسادات فقال الشيخ: ردوا له فردة حذائه فردوها وحينئذ هدأ الشيخ وقال : الآن وجدت قلبي) -ما أعظم هذا الشيخ الشّمام -.
__________
(1) أي كفاراً ، ولاحظ حديث الشيخ المحرف من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفرار من المجذوم ، وكيف أن أكل طعام المسلم الموحّد يميت القلب ، بينما يبيح الله أكل طعام أهل الكتاب.
(2) وهذا من تناقضاتهم فأين نظر الشيخ ووصول المريد إلى الله.(1/57)
وقال الشيخ عز الدين(1) : كان أحد المشايخ جالساً مع بعض تلاميذه، وإذ برجل دخل عليهم وجلس معهم، وكان مشرب ذلك الرجل لا يوافق مشربهم والظاهر أنه كان من أهل الأذكار الجهرية اللسانية، ومعلوم أن حالهم الذكر القلبي الذي لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فلما دخل عليهم ذلك الرجل، ضاقوا به ذرعا-أخلاق إسلامية عاليه- وتكدّر باطنهم من جلوسه إليهم، فلم يجد ذلك الشيخ وسيلة للتخلص منه، وإخراجه من المجلس، ولا يريد إزعاجه وكسر قلبه(2) بل يريد إخراجه بلطف وبدون إزعاج،فخلع الشيخ جبته، وأعطاها لذلك الرجل وقال له: اذهب فبعها في السوق، واشتر بثمنها حلوى للفقراء، فلما ولى ألحق به شخصاً آخر وقال قل له: بع الجبة وخذ ثمنها، ولا ترجع إلى هنا، فقال التلاميذ: كيف تعطيه جبتك؟ وبإمكانك أن تخرجه بدون ذلك، فقال الشيخ لقد اشتريت صفاء وقتكم بجبتي .
__________
(1) المصدر السابق ص70.
(2) لاحظ كيف أن الشيخ رقيق القلب فلا يريد كسر قلبه ، بينما حرق قلوب كثير من الآباء والأمهات على أولادهم.(1/58)
وسئل الشيخ الأرفاسي سأله مريد له" أستاذ" بالظاهر كثير الحقوق عليه(1)،لكنه منكر لشيخه أيصله أم يقطعه؟ فأجاب: بأن يقطعه وأشبع القول فيه بالمعقول والمنقول عن المشايخ وهلم جرا إلى الصحابة، مما يصرّح بأنهم لم يزالوا أصحاب الحقوق حتى "الآباء"إذا شاقّوا شيوخهم؟ وإن حق الشيخ لكونه "نائب الحق "(2) مقدّم على كافة الحقوق، لقد كان - رضي الله عنه - ينهى المخلصين من طلبة العلم أن يقرؤوا على المنكرين من العلماء(3) ويقول "فلان" العالم منكر أفسد عدة من المخلصين بتتلمذهم عليه 00ويقول "فلان " كان مخلصاً وإنما فسد بميله إلى أخيه المنكر .
__________
(1) ليس هذا بمستغرب على مشايخ النقشبندية ، فهم أجهل الناس بالشريعة والقرآن وإلا فأين هذا الغوث من قوله تعالى في سورة الرحمن {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.
(2) لاحظ هذه الجملة ، وما لها من دلالة على معتقد القوم في الشيخ فهو نائب عن الله ولذلك يأخذ كثير مما أختص به سبحانه وتعالى بل تجاوزها هذا النائب كما أوضحنا قبل قليل.
(3) من هؤلاء العلماء المنكرين الذين أنكروا على الشيخ الدكتور البوطي، وأذكر أنه حين ألف كتاب هذا والدي ،ثارت ثائرة الخزنوية بالسب والقدح عليه، حتى أنهم مزّقوا كتاب فقه السيرة النبوية والبعض أحرقها وكأنهم بذلك انتقموا من المؤلف ؟(1/59)
قال الغوث الأرفاسي(1) وقد ذكر له يوماً: إن فلاناً -يعنون به مريداً - حديث العهد بالإرادة، قد خالط بالأمس بعض المنكرين فخرج على الفور، ولما قعد وانعقد المجلس العالي، قال لذلك المريد: إما المريديه وإما مخالطة المنكرين ؟! فاعتذر بأنهم كانوا أصدقاء من القديم، ولم يرهم منذ ست سنوات، فقال: يهجر المنكر ولو كان أخاً ، ثم أشبع القول في وخامة الاختلاط بهم، ونقل عن شيخه الشيخ خالد الجزري قوله : دخلت الطريقة عند خليفة من خلفاء مولانا خالد وببركة توجهه الأول " نلت حال كشف القلوب " فلما خرجت من عنده ذهبت إلى المدرسة، وحاورت بعض منكري الطلبة ، فانعدام مني ذلك المعنى .
وكل هذا التنفير من المنكر -وإن كان اتقى من الشيخ - سببه معروف وهو حتى لا تتّسع على الشيخ دائرة المعارضة ، وحتى لا يفسد المنكر أتباع الطريقة .
وكلمة إفساد إنما قلناها مجاراة لمصطلحهم الفاسد وميزانهم الخاسر، وإلا فما أنكر عليهم إلا المؤمنون والصالحون حقاً، كما أنه ما والاهم إلا الفسقة والمدجلون، أو الجهلة، ومن أولئك الرجال الذين أنكروا على الخزنوي الشيخ عبد الصمد، هذا الطود العظيم والعلم الراسخ ، هذا المدرّس الذي خدم الخزنوية بتدّريسه المجاني وهو المدرس الوحيد الذي كان محبوباّ لدى طلبة العلم ، هذا الرجل هو الوحيد الذي قال لمحمد الخزنوي: لا، وما أسرع أن أمر محمد الخزنوي جلاوزته من مدرسين وطلبة أن يضربوه ويقتلوه ، وعدد هؤلاء يفوق الخمسمائة ، و كان تنفيذ الأمر أسرع من لمح البصر، وهجموا عليه بكل نشوة وفخار، وكل منهم يريد النيل منه علّه ينال بركة تنفيذ أمر الشيخ .
ولولا أن نجاه الله ، لكان بتلك المعركة حتفه، ولذهب دمه هدراً كما يهدر دم أي نعجة في تكية الخزنوي، والخزنوي الخبيث يهمهم بالدعاء لمن شارك وبالبركة لمن ساهم ، وينسى أنه كان محبوباً عند أبيه ومن درّسوا أولاده. ثم لماذا كل هذا ؟
__________
(1) الذكرى السنوية ص74 .(1/60)
أليس أتباعه ممن نالوا الولاية الكبرى بدخولهم الطريقة فلما الخوف من هذا وغيره ؟
وهذا يضاف إلى تناقضات النقشبندية ، فإذا كان الشيخ يصل المريد بالله ، وأول مراحل الطريقة -كما يزعمون -كشف القبور وغيرها ، فلماذا نخاف عليه وقد اطمأن قلبه بالإيمان .وداهية الدواهي أنهم يتعاملون مع النصارى واليهود والملحدين بكل أريحية وبلا وجل، ويأكلون طعامهم بينما طعام المسلم الذي اختلف مع الشيخ، فهو سم قاتل، آلا لعنة الله على الظالمين .
والحقيقة أن الشيخ الخزنوي أحكم الخناق على أتباعه الجهلة بهذه القضية، وفرّق المسلمين شرّ تفرقة، بل فرّق بين الأرحام والأسرة الواحدة، ولا عجب فالمريد له قدوة في ذلك، وهي شيخه الذي يكيل العداء، والحقد على إخوانه وأرحامه.
* * * *
الباب الثالث
مقوّمات الخزنوية
الفصل الاول
التكية :ما هي؟ كيف نشأت ؟ دورها
التكية : كلمة تركية تعني المكان الذي يأوي الفقراء من المسلمين على العموم ولكنها في العصر المتأخر، جعلت حكراً على أتباع الطريقة، وعند الخزنوية للذين يخدمونهم فقط .
في التكية يتم تقديم الطعام للوافدين، والفرش لمن أراد النوم، وهذه الفرش هي فرش الموتى التي يتبرّع بها الورثة لتكية الخزنوي، وتوزّع كل فترة على نساء الأتباع للغسيل والخياطة، ولا يخسر الخزنوي حتى ثمن مواد التنظيف بله حتى أجرة النقل .
في عهد الخزنوي الكبير، كانت التكية عبارة عن مطبخ صغير، تشرف عليه زوجته ومن يخدمها، وذاك عندما كان ضيوفه يعدون على أصابع اليد الواحدة ولكن بعد سنين معدودة تغير الحال وكثر مريدوه، مما أدى إلى فصل المطبخ العام عن بيته.(1/61)
من أين تمول: إذا ابتعدنا عن داء المبالغة وفن الخوارق، الذي يواجهك به أتباع الخزنوي ، نجد أنه بعد انتشار أخبار الخزنوي ، وطريقته وكراماته الغريبة ، وذاك في بداية العقد الثالث من القرن العشرين، مما جعل الناس يفدون إليه زرافات ووحدانا, هذا مريض يطلب الشفاء، وهذا عقيم يطلب الولد، وذاك أتى به حب الدين والمتدينين وطلب العلم، وكل منهم لم ينسى الشيخ ولم ينسى تكيته المشرعة للناس, مما خفف هموم التكاليف على الشيخ، فقد اعتاد الفلاحون جلب ما استطاعوا من زكاة زرع وسائمة، أو تطوّع أو نذر إلى بيت الشيخ، وكان المصدر الآخر، هو إحياء خدّامه ومريديه للموات من الأراضي، وكان تعرّفه على شيوخ العشائر الذين كان لهم دور في الجزيرة آنذاك(1) مصدراً آخر للتكية، حيث أعطى أحد هؤلاء الشيوخ قطعة كبيرة من الأرض وقفاً للتكية, ومن إنتاجها وتعب الأتباع اشترى الشيخ قرى بأكملها .
__________
(1) لم يبقى لهؤلاء بعد عصر الثورة ، غير الدلال التي ترمز لحب الضيافة والكرم.(1/62)
ولا ننسى الختمة التهليلية، التي كانت مصدراً عظيماً للسيولة النقدية عند الشيخ وأبنائه، وهذه الختمة من مكتشفات الصوفية، ومن الوسائل الفريدة للنصب على الناس باسم الدين، وهي ذكر الشخص لا اله إلا الله ما يقارب سبعين ألف مرة يهديها الذاكر لصاحب العلاقة، أو قريبه المتوفى، والمقابل ليرتين ذهبيتين حصراً -وما تسمى في الجزيرة بالنيرة - والأنكى من ذلك، أنه لا يجوز لأحد أن يقوم بهذا الذكر إلا من سمح له الشيخ بذلك، بل لا يمكن للمأذون له بهذا، إلا إذا أتاه الأمر المباشر، ولذلك يضطّر المريد إذا أراد الثواب ووصوله، أن يذكر ذلك للشيخ ويعطيه الليرات الذهبية، والشيخ له حرّية التصرّف، إما أن يقوم هو بالذكر، وإما أن يعطيها لأحد أبنائه أو المخلصين له، وكان ابنه عز الدين من أشهر أبنائه في الختمة التهليلية، وحجّة هذا الحصر، أن من مبادئ النقشبنديه منع الذكر للمريد إلا عن طريق شيخه، حتى لو كان هذا الذكر سنة نبوية، وخصوصاً الأذكار التي توافق أذكار النقشبندية، فالقيام بهذه الأذكار دون أمر من الشيخ، مخالفة تستوجب العقاب، والعقاب يأتي على شكل أمراض نفسية، من وسوسه وثقل نفسي أثناء أداء العبادات وآداب الطريقة، ولا يشفى منه إلا باعتراف المريد، وغفران شيخه له يعيش أل الخزنوي على التكية، من تأمين الخبز وما يسمى بالتموين - أي أغلب الأغذية -كما يسرق الخدم بعض المؤن، وفي الأعياد يقدم الناس ذبائح وخصوصاً الضحايا، وتذبح في التكية على أنها من الشيخ، ينتقي منها أبناء الشيخ أطايبها ويأخذ الجلاوزه نصيبهم، وما بقي يطبخ للفقراء .
باسم هذه التكية وباسم الرغيف الذي يمنحوه للزائرين حصد الخزنوي الملايين بل المليارات بل أنه مهما فعل واعترض عليه، قيل للمعترض: إنه يفتح تكية ويطعم الناس.
* * * *
الفصل الثاني : المعهد الخزنوي(1/63)
المعهد : هو تلك المدرسة التي تدرّس العلوم الشرعية واللغوية . يتبع المعهد نظام العهد القديم في بعض مناهجه وطريقة الأداء، ولكن لم يكن المعهد يحفل بمدرّس عالم بما في الكتاب وبما يقول بل كلهم عالة على العلم وأهله.
هذا المعهد هو الشبكة الثانية بعد التكية، لاصطياد الناس والضحك عليهم، بل إن المعهد لهو الأساس في نماء الجموع المؤيدة، والمحبة للخز نوي وطريقته، وهو الشبكة المثلى لاصطياد الخدّام والفعلة .
فكل من دخل لابد له من العمل في مصالح الشيخ، إمّا بحجّة الفتح العظيم، وإمّا بحجة الحصول على الأجر والثواب، بل للحصول على أسهم في شركة الشيخ الأخروية، ولا يجوز للطالب مهما كان مجتهداً، أن يترك الخدمة، وإن أصرّ على العلم دون الخدمة، ضيّق عليه جلاوزة الخزنوي حتى يفر بجلده .
الوضع المأساوي للمعهد:
قد يظن الظان أنه معهد شرعي، والحقيقة إنه مأوى للعصابات، والمجرمين والمارقين والسفلة. فما يصنع طالب العلم عند أناس شعارهم (خلّ علمك وتعال ) ولذلك لا يبقى ويستمرّ في المعهد إلا من حذا حذوهم ، أو صبر على المعاناة والعذاب .
عندما يدخل الطالب الجديد في المعهد يبدأ أحد الخبثاء بغسل دماغه، وإزالة ما علق فيه من علوم خاطئة في نظرهم، حتى يكون خليقاً لعلمهم اللدني ، يرسخ في ذهن الطالب، أن العلم علمان ظاهر في الكتب-في القرآن والحديث وغيره- وباطني وهو العلم النافع وهذا عند الشيخ، ولا يمكن الحصول عليه إلا بالفناء في خدمة الشيخ وآله البررة .
ثم ينفّروا الطالب من قراءة العلم الظاهري، لأنه حجاب كثيف ومانع من حصوله على العلم الباطني، فلا يمكن أن تخوض في هذا العلم وأنت مثقل بمفردات الظاهر من آيات وأحاديث، بل قد يكون سبباً في الطرد المعنوي من قبل أصحاب الكشوفات والسبحات الملكوتية، ومن هنا أخذ أكثر الطلبة بالسعي للحصول على هذا الإكسير وترك تلك الحجب من المعلومات .(1/64)
حتى أنهم تركوا القرآن والأحاديث, اتكالاً على مدد الشيخ حين الضرورة(1) .
بل إن أكثرهم يصّرح: أن القرآن يسبب ضرراً بالغاً في السلوك لأنه يوجه إلى الله والطريقة توجّه الناس إلى الشيخ، وعندما تسأل أولئك: لماذا يفتح الشيخ هذا المعهد؟ يجاوبوك بأنه سبب ظاهري فقط، أي أنه خدعة ودجل ومصيدة للناس كما قلنا أنفاً، أي استغلال لمشاعر الناس، فلولا محبة الناس لدينهم ما أرسلوا أبنائهم إلى المعهد .
أساتذة المعهد :
كما قلنا سابقاً لا يحفل المعهد بعالم واحد يجيد فنون العلم ، بل كلهم عالة عليه وهذا يعود لثلاثة أسباب وهي :
السبب الأول : أن الشيخ يرفض إعطاء أجر للمدرسين ولو أجراً رمزياً .
السبب الثاني : أن العالم المتمكّن يرفض مخالفة الشيخ وأبنائه للشريعة، مما يؤثر على الأتباع والطريقة، بل أن الشيخ يرفض وجود الطالب المجد، الذي يرجى منه الخير والنفع، إذا أخذ بالسؤال عن الطريقة وأدلّتها .
السبب الثالث : وجود الحسد والغيرة من قبل أبناء الشيخ للعلماء.
لهذه الأسباب لا يتواجد في المعهد إلا كسالا المدرسين، الذين ما فقهوا غير قصص شيخهم وما حفظوا غير القصائد الشركية في حقه. وأكثر المدرسين يمتلكوا تاريخاً غير مشرف وسوابق يشيب لها الرضّع، فلا مكان لهم أفضل من البقاء في المعهد، فبما يعيشوا بين الناس فلا علم ولا خلق .
أما المعهد فلا يكلّف البقاء فيه سوى خدمة الشيخ واختراع الكرامات وقصص العجائز، وما أيسرها على الكذّابين، ثم إنهم يحصلوا على أموال طائلة من الوافدين إلى قرية الشيخ .
ينقسم الأساتذة إلى قسمين :
القسم الأول : أساتذة دير الزور ، وهم الأكثر جمعاً وسلطة على التلاميذ .
__________
(1) تسري خرافات بين الطلبة أن الذي يخدم الشيخ ولا يدرس العلوم ينال مدد الشيخ لاسيما إذا ناقشه أحد فما عليه إلا إغماض عينيه وطلب المدد من الشيخ ، وسرعان ما يمده بالحجج الدامغة من القرآن والسنة مع أن الشيخ لا يجيد قراءة القرآن .(1/65)
القسم الثاني : و هم الأسوء حظاً والأتّعس طالعاً ، وهم من باقي المناطق .
يمتاز أهل دير الزور بالخبث والدسائس، والإطاحة بكل من لا يهوى مجالسهم لاسيما إن كان بلده خارج تلك المحافظة، فسرعان ما تحل عليه لعنة الشيخ وأنجاله ورغم تفانيهم في خدمة الشيخ وأنجاله، قد يذهب كل هذا بطرفة عين، فكثيراً ما وقع هؤلاء تحت نير العقاب، الذي يصبّه الشيخ وأنجاله دون رحمة ولا شفقة وتسبّ زوجاتهم وبناتهم، ثم يرجعوا بعد هذا إلى تقبيل الأحذية والأقدام ، وترجع زوجاتهم إلى خدمة نساء الشيخ وأنجاله، آلا بعداً للخائرين .
من هؤلاء المدرّسين من وعى جهله بالعلم جهلاً تاماً، فأخذ بادعاء التصوف والدعوى مأمونة النجاح والقبول، إن كانت مرفقة بالخنوع والتذلل والتملق حتى أصبح من خواص الشيخ، وهي مرتبة لا يحلم بها شيخ عشيرة في دير الزور، حتى أنها جعلته أكثر مكانة في المعهد ، فالطالب يجب أن يتذلل لهذا حتى يذكره عند ربه وطلب رضاه ورضا ابن الشيخ، وختن الشيخ وخادم الشيخ، من الأمور المخزية حقاً لاسيما إذا كانت الطلبات غير شريفة .
فشغل هذا الرجل المبارك، هو مرافقة الشيخ إن جاء إلى الجامع، أو دخل ديوان الضيوف يضع له الوسائد، ويدلّك أقدامه وظهره، وبين هذا وتلك يخبره بما يريد من نفع وضر للآخرين، (( ففلان طالب مجد في الطريقة، وكامل الأخلاق والفضائل، ويصلح أن يقود جيشاً من الأتباع إلى قرية الشيخ "مع أنه لا يجيد غير الكذب والتزوير "وفلان إنسان كاذب وظعيف العقيدة "وهو عالم بالشريعة ")) والشيخ يخزّن هذه المعلومات، حتى يحسن التصرّف أمام الأتباع ، فيمنح رضاه لعبيده، ويصب غضبه على المتمردين، وهذا العمل يعتبره الأتباع من كشوفات الشيخ، بينما هو من دسائس هذا المستشار والمدلّك .(1/66)
ومن المدرّسين من لم يعي الجهل المطبق الذي يعيشه ، فأخذ يصول ويجول ولا يملك غير الجرأة على العلوم والإدعاء، ولا يهمه أقال صواباً أم خطأ، ضلالاً أم هدى المهم أنه يتكلم ويجمع حوله محبين وموالين .
ومن هؤلاء العابثين رجل اسمه فقه صالح، وما أدراك ما فقه صالح ؟ من أجرأ خلق الله على إدّعاء العلم والمعرفة، ومن أخبث الناس في التلفيق واختلاق الحكايا ونسج الأكاذيب، وهو محبوب عند الشيخ وأكثر الأتباع، وعند بعض الطلبة والمدرسين ، ومحبة هؤلاء لتوقي شره .
يمتاز هذا الرجل بطول باعه في سرد الخرافات والأساطير، والكرامات المختلقة بل ما أبرعه في سرّد القصص الارتجالية التي تناسب المقام أو لا تناسبه .
كان هذا الرجل اليد اليمنى للشيخ عز الدين الخزنوي، فهو المشرف العام على التكية، والداعي الأول في الجزيرة .كان كثير الدسائس والفتن، ودسائسه ترسل مباشرة للشيخ، وأكثر الدسائس تأثيراً فيه قوله : إن فلان منكر على الشيخ فرغم الولاية والكرامات، وكشف الغيب لا يحتمل الخزنوي هذه الكلمة البغيضة، بل قد يقال إنه تكلّم مع منكر أو وقف معه، فسرعان ما يطرد مهما كانت منزلته العلمية والدينية، فكلمة المنكر في تل معروف –قرية الخزنوي- أخطر من كلمة الكافر والزنديق . فهذه الكلمة هي سلاح هذا الرجل، فيه يصول ويجول وبه يطرد من يشاء ويبقي من يشاء، وأحسبه بلغ الذروة في الظلم والبهتان .(1/67)
والطلبة الذين يحترمونه ويتأدبون معه ويمشون خلفه، هؤلاء هم صفوة الله من خلقه ولو أتوا ما أتوا من المعاصي، وصفائحهم نقية رغم الكبائر التي يتعاطونها(1)، وما يبرّر الجرائم، هو عقيدتهم الراسخة في الشيخ، فالعقيدة في الشيخ أضخم معنى من العقيدة في الله، بل بينهما عموم وخصوص من وجه -كما يقول المنطق الأفلاطوني- فالذي يعتقد بالله قد لا يعتقد في الشيخ فهذا يشمل المنكرين الضالين فهو أعم من وجه بنما الذي يعتقد في الشيخ يعتقد في الله فهذا أعم من وجه أخر .
* * * *
إدارة المعهد
زمام الإدارة بيد أحد أخوان الشيخ، وهو محمد راشد، وهذا الرجل أقلّ العائلة مرضاً، يستيقظ باكراً لحفظ القرآن الكريم، ويأتي إدارته قبل بدء الدروس، يحاول تحضير الدرس قبل دخوله للصف، ورغم أنه يجيد فهم ما يعطيه للطلبة، إلا أن سرعته في إعطاء الدرس تذهب بالفائدة ولا يستطيع الطالب سؤاله، وإن استطاع فسؤال وحيد لا يثنى ، ثم يخرج إلى إدارته، ويقف على بابه حاجب يمنع الداخلين. وكثيراً ما ترى على باب إدارته، ما يذكرك بكتب التاريخ التي تذكر الملوك والخلفاء وما يكون على أبوابهم من خلاف بين الحجّاب و أهل الحوائج والطلبات وحوائج هؤلاء كلها تجاب، إن لم تكن فيها خسائر مادية، فهو منها براء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، ورغم غناه الفاحش إلا أنه شديد التقتير والبخل حتى أن الضوائق المالية، التي تصيب أعزّ خدمه وأوفاهم، كانت تجابه بالألم والأنين والدعاء، هذا إذا كانوا أحياء، أما إذا ماتوا فبقراءة القرآن على أرواحهم الطاهرة وبالذّكر الحسن إن اضطّر لذلك .
__________
(1) أغلب الذين يحيطون به ويحتفلون لإطلالته هم من اللوطية.(1/68)
كان محمد راشد اليد اليمنى لأخيه، فهو المنافح والمدافع والمقاتل ضدّ أعداء الطريقة فكان هو الذي يجهّز الدعاة ويوصيهم، ويبثّ سرايا الخدم في مصالح الشيخ المتناثرة في كل البقاع، ويدير شؤون التكية ويستقبل المسئولين، والخلاصة كان شيخاً غير متوّج، إلى أن فاحت روائح أخيه الكريهة، وأحسّ بعذاب الضمير إن سكت على أفعال أخيه الشنيعة بنساء المسلمين، فثار عليه إلا أن ثورته قمعت شرّ قمع، فقد أمر محمد الخزنوي بالقضاء عليه، وكسر شوكته وقطع دابره هو ومن لفّ حوله من الطلبة، فكانت معركة حامية الوطيس، حيث هجم خدم محمد الخزنوي -وهم الأغلب والأكثر همجية -على المعهد، يحملوا الفؤوس والمعاول والمساحي يضربوا كل من مرّ بهم من أتباع محمد راشد، أما محمد راشد فقد دخل إدارته مع أخيه محمد عارف وثلّة من الطلبة المطلوبين، وأخذ المهاجمون بتحطيم باب الإدارة ولكن محمد راشد أفلت من أيديهم، حيث قام أحد أفراد القرية بخلع شباك الغرفة من الخلف، وأخرج المحاصرين ودخل المهاجمون الإدارة فحطموا أثاثها ، ومزّقوا الكتب الشرعية شرّ ممزق ، حتى أنهم مزقوا القرآن الكريم .(1/69)
انتهت المعركة بقتل أحد الطلبة الدراويش، واسمه عبد الرزاق دعبول من منطقة جسر الشغور وما مات إلا بعد اعترافه بمن قتله، وكان نصيب السجون والمشافي كبيراً من الصوفية ذلك اليوم أما الخبيث محمد الخزنوي، فعاد من سفره وادّعى عدم علمه بالأمر، وألقى بالمسؤولية على بعض المدرسين. ثم إنه جمع من المريدين دية القتيل البالغة ثلاثمائة ألف ليرة سورية، وجاء إلى أهل القتيل يعزّيهم ويكذب عليهم بدعوى أن ابنهم مات بسبب حجرة صغيرة طائشة بينما قتل في الحقيقة بالمعاول والمساحي عن عمد وتصميم ، فعل كل ذلك محمد الخزنوي بدم بارد(1) وبكل صفاقة وجه .
فكيف يدافع عن المجرمين والقتلة، وهو يدّعي أنه ما أمر أحد، ولا علم بذلك.
انتهت هذه المشكلة باتفاق الشيخ وإخوانه على شروط من أهمها: طرد الأساتذة المباشرين للجريمة من مثل فقه صالح وعبد الستار الحديد ورمضان الحبشان .
* * * *
الطلبة قبيل التخرج وبعده
لا يحبّ الطالب عند الخزنوية إلا إذا بذل الوسع في خدمة آل الشيخ وتفانى في محبتهم، والمحبة والاهتمام به، تتجلى بالثناء عليه، وإدّعاء أنه ابن الشيخ الحقيقي مما يبعث النشوة في نفس الطالب، و يجعله أكثر إيغالاً في الجهد والتقديس .
وهموم الشيخ الخاصة، جعلته في برزخ عن طلبته ومريديه، فلا يدري عن معاناتهم حسبما يظهر للعيان، فالشيخ غارق في الشهوات لاسيما العلاقات النسائية.
__________
(1) إن قضية الإنسان وأهميته عند الخزنوي لا اعتبار لها، بل إن ارخص شيء عندهم هو الإنسان، حتى لو كان من أتباعهم، بل أرخص شيء هم هؤلاء الأتباع، ولذلك قتلوا رجل من حماة يدعى أبوحمزة، مات هذا الرجل تحت التعذيب من قبل جلاوزة الخزنوي وحتى يخفوا جريمتهم, جاءوا بطبيب من القرية, ليعطيهم تقريراً طبياً بسبب وفاته، وهي السكتة القلبية, وحملوه إلى أهله مكفن ومجهز، ووضعوه في المسجد, ولم يتم لأهله النظر لجسده المشوه، لأنهم أقنعوهم بمرضه .(1/70)
والراجح أنه يتجاهل معاناة الطلاب، فهي لا تخفى على أحد، أما معرفة المجاهدين والمرابطين في سبيل الشيخ، فهي من مهمة أولئك المدرسين الذين ذكرناهم أنفاً الذين يقتربوا من الشيخ زلفاً ليعطوه صورة عنهم، لعله يدعو لهم بالفتح العظيم .
بعد التخرّج :
يعيش الطالب بعد التخرج في حيرة، فشهادته لا تؤهله لشيء في الدولة، ولا تدخله جامعتها فلا قيمة ولا عبرة لشهادته، ولكن هناك بعض الكليات الخاصة تقبله ولكن الشيخ يعرقل الطالب لأنهم يعلموا أنه إذا دخل في تلك الكلية، فقد خسروا جندياً من جنودهم، أو عبداً من عبيدهم فلا يمنحوه تسلسل العلامات -وهي ورقة مهمة جداً - ولا التزكية ولا غيرها .
بل يحاولوا إقناعه بالبقاء في عتبة الخزنوي، أو العيش داعية للخزنوي في إحدى القرى النائية ليعيش التخلف الديني بأبشع صورة .
ويزينوا له أن يتقرّب من الشيخ ليعرفه، ومن عرفه الشيخ باسمه ورسمه فقد فاز فوزاً عظيماً وكيف يتقرّب من الشيخ ؟ وهذه تحتاج إلى فن ومهارة، فإن كان يجيد فنّ التدّليك، فقد دخل إلى قلب الشيخ من أوسع الأبواب، وإلا فلعله يجيد لفّ العمائم، أو ذا صوت جميل وإن أفلس من هذا وذاك فما عليه إلا أن يتجهّم الناس أمام الشيخ، ويحاول ذبّهم عنه، والصياح: ابتعدوا، الشيخ مريض يا أخوة وإن جلس الشيخ، فيحاول ترتيب طابور الناس الذين سيقبلّوا يد الشيخ .
* * * *
ما يحدث في المعهد
ينقسم طلبة المعهد إلى قسمين :
القسم الأول : هم المنبوذين المطرودين من رحمة الشيخ ومدده وهم الذين أصرّوا على طلب العلم .(1/71)
القسم الثاني : وهم الأغلبية العظمى، وهؤلاء يتفرعوا إلى فرق وجماعات تلتقي على محبة الشيخ والفناء في خدمته، وتفترق في وجوه المصالح التي ندبوا لها، ينتشر بين هؤلاء كل شيء إلا الدين والفضيلة، فلا وجود لها بتاتاً، فالشرك مؤصل عندهم، بل إنهم أخذوا بتوحيد الشيخ وعدم إشراك الباري معه، بل هذا هو الشرك عندهم، الإباحية واللواطة جائزة بل من المستحبات التنكيل بالناس وقتلهم من الواجبات إن أمر الشيخ أو أنجاله(1). لا عمل لهؤلاء سوى الخدمة حتى أنهم لا يصلّون مع الجماعة ولا حتى الجمعة، لأنهم مجاهدون في سبيل الشيخ وأنجاله الكرام حتى أن اليد التي تحمل المسبحة بينهم، إنما هي يد غريبة يجب التخلّص منها، أو إقناع صاحبها بتركها، وحمل الفأس أولاً لتحطيم النفس، وغوائلها استعداداً لحمل المسبحة على نقاء مزعوم وما إن ينتهي النهار حتى يؤبوا إلى الراحة وراحتهم في شيئين أولهما : صحبة الشيخ وهي عبارة عن جلوسهم عكس التورك، وأخذ رابطة الشيخ واستمداده، ثم يتكلم كل واحد عن كرامة من كرامات الشيخ، وسبحان الله كيف تتوارد صحبتهم على موضوع واحد ؟ فمثلاً : إذا قصّ أحدهم كرامة تخصّ الصدق، فتجد كل واحد يذكر كرامة لشيخه في هذا الباب، وهكذا دواليك وثانيهما: أن يتفرغوا لبعضهم باسم المحبة(2).
__________
(1) قضايا الغدر والخيانة وحرق بيوت الناس ظلماً وعدواناً, من أشر ما يقوم به هؤلاء ولذلك حرق أكثر من بيت, وشلّ وقتل أكثر من شخص بيد هؤلاء .
(2) سئل - رضي الله عنه - عن وقوع النكاح المعنوي بين الشيخ والمريد هل هو بابتداء الرغبة أم بابتداء الشيخ ؟ فأجاب بأنه بابتداء المريد. منحة 81-الكلمات القدسية .(1/72)
ففي أدبيات الخزنوي، أنك لن تصل إلى محبة الشيخ، إلا بعد التدريب والتمرين على المحبة ومن هذا الباب يعشق كل منهم الآخر ويتعلق به، لاسيما المردان منهم فتجد اللواطة تنتشر بين هؤلاء، والمخزي أن هذا بعلم الشيخ وأنجاله، ولكنه يحتفظ بهؤلاء، بينما يطرد الطلبة المتقين بحجة أنهم منكرين عليه، فلا تهمّه التقوى والخلق إذا هدّدت مصالحه، وقد حدثني من أثق به: أن أحد المدرسين في عصر عز الدين الخزنوي ثبت عليه بالشهود، أنه يمارس اللواطة، فأراد أبناءه طرد هذا المدرس فقال الشيخ: لا، إذا طردناه فسوف يخرب ؟! وأي خراب بعد اللواطة ؟! وهذا ليس بمستغرب على الصوفية، فاغلبهم من هذا الصنف القذر، وموضوع اللواط عند الصوفية قديم قدم التصوف، فهذا القشيري بخاري الطائفة، يقول (1): ومن أصعب الآفات في هذا الطريقة، صحبة الأحداث، متمنياً على الذين حكوا بعض حكايات المشايخ في ذلك ، لو أنهم أسبلوا الستر عنهم وعن آفاتهم. وكذلك يروي الشعراني(2) عن الشبلي أنه رأى إبليس فناداه فقال له إبليس: ليس لي بكم حاجة قد فرغت منكم، ثم قال غير إن لي فيكم لطيفة، قال ما هي؟ قال صحبة الاحداث. قال الشبلي: وهذا الشيء لا يكاد يسلم منه أحد من الصوفية .
ولا يخفى أن صحبة الاحداث هي معاشرة الصبيان والمردان، وهذه شهادة من رجل في القرن الثالث ، ولذلك وضعوا أحاديث منها ( النظر إلى وجه الأمرد عبادة ) وانشدوا في هذا الباب قصائد في هوى الصبيان من ذلك ما انشده عبد الغني النابلسي في كتابه الفتح الرباني والفيض الرحماني :
وما تركت الهوى كلا وكيف وهل ... تخفى الملاحة في أولاد أتراك
وجه مليح وشعر أسود جعد ... وا حيرتي بين أضواء وأحلاك
وانشد أيضاً
قام يسعى فطاف بقلبي ... طائف الشوق سبعه ثم حيا
من بني الترك أحور الطرف أحوى ... في هواه تركت سلمى وميا
وكذلك :
__________
(1) الرسالة القشيرية –ص184.
(2) طبقات الشعراني -ص104.(1/73)
بدا كبدر على غصن فقلت له ... الله أكبر ليس الحسن في العرب
بالله بالله يا طرفي أجل نظرا ... كم تحت كمة هذا التركي من عجب
وهذا هو عبد الوهاب الشعراني يجمع في كتابه الطبقات الكبرى كل فسق الصوفية وخرافاتها وزندقتها، فيجعل كل المجانين والمجاذيب واللوطية والشاذين جنسياً والذين يأتون البهائم عياناً وجهاراً في الطرقات، يجعل كل أولئك أولياء وينظمهم في سلك العارفين وأرباب الكرامات وينسب إليهم الفضل والمقامات. ولا يستحي أن يبدأهم بأبي بكر الصديق ثم الخلفاء الراشدين ثم ينظم في سلك هؤلاء من كان (يأتي الحمارة) جهاراً نهاراً أمام الناس، ومن كان لا يغتسل طيلة عمره، ومن كان يعيش طيلة عمره عرياناً من الثياب، ويخطب الجمعة وهو عريان، ومن ومن… من كل مجنون وأفّاك وكذاب، ممن لم تشهد البشرية كلها أخس منهم طوية، ولا أشد منهم مسلكاً، ولا أقبح منهم أخلاقاً، ولا أقذر منهم عملاً، ينظم كل أولئك في سلك واحد مع أشرف الناس وأكرمهم ، من أمثال الخلفاء الراشدين والصحابة الأكرمين وآل بيت النبي الطاهرين، فيخلط بذلك الطهر مع النجاسة، والشرك بالتوحيد، والهدى بالضلال، والإيمان بالزندقة، ويلبس على الناس دينهم، ويشوه عقيدتهم .(1/74)
وأقرأ الآن بعض ما سطّره عمن سماهم بالأولياء العارفين: قال في ترجمة من سماه بسيده علي وحيش: "وكان إذا رأى شيخ بلد، أو غيره ينزله من على الحمارة ويقول: امسك رأسها حتى أفعل فيها. فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض ولا يستطيع أن يمشي خطوة، وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه"!!(1) فانظر كيف كان سيده علي وحيش، يفعل هذا أمام الناس!! فهل يتصور عاقل بعد هذا أن هذا التصوف النجس من دين المسلمين، ومما بعث به رسول رب العالمين محمد - صلى الله عليه وسلم - الهادي الأمين. وهل ينظم أمثال علي وحيش ومن على شاكلته في سلك أصحاب الرسول، ويجعل هؤلاء جميعا أصحاب صراط واحد إلا أفّاك أراد هدم دين الإسلام وتخريب عقائد المسلمين. وحتى لا تستفيق العقول من رقادها، فإن الشعراني هذا زعم لهم أن الأولياء لهم شريعتهم الخاصة التي يعبدون الله بها، ويتقربون إلى الله بها وإن كان منها إتيان الحمير!! وكذلك يروي أن الشيخ علي أبي خودة - رضي الله عنه -، كان يفعل الفاحشة في خدمة وعبيدة وكان إذا رأى أمردا، راوده عن نفسه وحسس على مقعدته، أمام الناس لا يبالي بوجودهم.
وكلما حاولت نفس أن تستيقظ، وتفكر لتفرّق بين الهدى والضلال، والطهر والنجاسة، ألقى هؤلاء عليها التلبيس والتزوير. فيذكر الشعراني أن رجلاً أنكر الفسق والفجور الذي يكون في مولد (السيد) البدوي حيث وما زال يجتمع الناس بمئات الآلاف في مدينة طنطا، ويكون هناك الاختلاط المشين بين الرجال والنساء بل تصنع الفاحشة في المساجد والطرقات، وحيث كانت تفتح دور البغاء وحيث يمارس الصوفيون والصوفيات الرقص الجماعي في قلب المسجد ، وحيث يستحل كل الحرمات
__________
(1) الطبقات الكبرى ج2ص135.(1/75)
أقول: يروي الشعراني في كتابه الطبقات أن رجلاً أنكر ذلك فسلبه الله الإيمان !! -أنظر- ثم يقول: (فلم يكن شعرة فيه تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد - رضي الله عنه -. فقال: بشرط أن لا تعود فقال: نعم فرد عليه ثوب إيمانه. ثم قال له: وماذا تنكر علينا؟ قال: اختلاط الرجال بالنساء. فقال له سيدي أحمد - رضي الله عنه -: ذلك واقع في الطواف ولم يمنع حرمته ثم قال: وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب.. وحسنت توبته وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار واحميهم بعضهم بعضاً. أفيعجزني الله عز وجل من حماية من حضر مولدي!!)(1)
* * * *
الفصل الثالث : المرقد
المشفى الرباني وحلال العقد
المرقد: هو الصرح المشيد،على قبور المشايخ الأربعة، وبعضاً من أبنائهم وزوجاتهم لم يرد في الشريعة الإسلامية نص ولو ضعيف، يستحب البناء على القبر، لا صريح ولا ضمني، بل على العكس تماماً، ثبت في الأحاديث الصحاح، النهي الصريح عن البناء والأمر بتسوية القبر 0
روى البخاري ومسلم والنسائي وأحمد، (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- صلى الله عليه وسلم - )
ولمسلم :( وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ )
__________
(1) الطبقات الكبرى ج1 ص162(1/76)
وله:( عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ ) وهذا الحديث مروي بلفظه في النسائي وابوداود والترمذي
وفي مسند الإمام أحمد: ( عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إِلا كَسَرَهُ وَلَا قَبْرًا إِلا سَوَّاهُ وَلَا صُورَةً إِلا لَطَّخَهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْطَلَقَ فَهَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - أَنَا أَنْطَلِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَانْطَلِقْ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَنًا إِلا كَسَرْتُهُ وَلَا قَبْرًا إِلا سَوَّيْتُهُ وَلَا صُورَةً إِلا لَطَّخْتُهَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ عَادَ لِصَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد ] والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً ، وكلها تنص على المنع والتحريم ، ولكن الصوفية يصرّون على أن البناء على قبور العلماء والصالحين مستثناة، بأي دليل ؟ لا ندري وما سبب ذلك إلا الجهل المطبق، الذي يعيش فيه الصوفية بأجمعهم .
ولذلك استثنوا ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنص على علة الحكم ( كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ ) فلم يقل: كانوا يتخذون القبور على العموم ولا اتخذوا قبور أقربائهم أو أمرائهم حتى نستثني ولكن صلاح المقبورين واعتقاد الخير فيهم، هو ما دفع الناس للبناء فكيف نستثني ما أثبته الشارع .(1/77)
ذكر ابن كثير قال:عبد الله بن عباس، وغير واحد من علماء التفسير :
كان أول ما عبدت الأصنام، أن قوماً صالحين ماتوا، فبنى قوم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها، ليتذكروا حالهم، وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجساداً على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين، وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً, فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه .
وفي قوله تعالى {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًاٍ }(1) قال :كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورّناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصورهم فلما ماتوا وجاء آخرون، دبّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم .
وفي البخاري [عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَارَتْ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ ](2) فكيف نستثني بعد هذه النصوص الواضحة الصالحين ؟
__________
(1) نوح -23
(2) رقم4539(1/78)
وبعض المدجلين من أتباع الخزنوي، يدّعي أن البناء المقصود، هو أن نبني القبر نفسه، لا أن نبني فوقه، ولو بنينا بناءً فوق القبر، وتركنا القبر على السنة، أي لا نرفعه فوق الشبر لجاز الأمر!! والبعض الآخر يقول: إذا كانت المقبرة ملك صاحب القبر، فلا مانع من البناء، بينما إذا كانت مسبلة، أي عامّة فلا يجوز .
وهذا اجتهاد وهو التضييق على الناس، بينما ينسى هؤلاء الجهلة النص المانع .
والبعض يدّعي أن النصوص الشرعية، جاءت لأن العرب كانوا قريبي عهد بشرك وينسى هؤلاء أن هذه النصوص، من أواخر وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - روى البخاري: ( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا )(1/79)
ولا يعلم هؤلاء الحديث المتفق عليه(1) ( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ: فَمَنْ ؟ ) وما رواه أحمد: ( لَيَحْمِلَنَّ شِرَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى سَنَنِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّة )(2)، ولا الحديث المتفق عليه(3) (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ )و لم يطلعوا على قوله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(4) ولا قول إمام الحنفاء {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ،رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(5)
ولم يطّلعوا على سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (حين قال الناس لرسول الله صلى الله عليه و سلم، في غزوة حنين عقيب فتح مكة: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة}(6) إنها لسنن لتتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة )(7) .
__________
(1) البخاري:6775 ،مسلم :4822.
(2) المسند-16512
(3) البخاري:6583،مسلم:5173.
(4) يوسف:106.
(5) إبراهيم )35-36).
(6) الأعراف:138
(7) مسند الإمام أحمد :20893-20895،الترمذي :2106 .(1/80)
كما يجهل الخزنوية التاريخ، حيث سجّل أقبح العقائد التي ظهرت على وجه الأرض، ففي القرن الثالث الهجري لم يظهر الشرك فقط، بل الإلحاد والكفر بأبشع صوره من باطنية وقر مطية، بل أن من المسلمين من انحرف بعد تلك العصور إلى مستوى غريب لم يشهده تاريخ الأرض، وهي عبادة الشيطان ثم ما الفائدة الشرعية للبناء، إن سلّمنا جدلاً بالإباحة؟ لاسيما مرقد الخزنوية الذي زاد عليه محمد الخزنوي، منارتين شامختين وقبب مزخرفة، وأخذ من التكاليف الشيء الكثير، ولكم آلمني منظر المرقد المزخرف بين القبور، بينما بيوت الطلبة واليتامى والأرامل والدراويش، لا تصمد أمام المطر، ولو أن تلك التكاليف الضخمة، التي أهيلت فوق العظام النخرة، أنفقت على الطلبة، وعلماء الشيخ لأغنتهم، وكفتهم مؤنه طلب الدنيا وعرضها الفاني، على الرغم من أنهم يتشدقون ببغض الدنيا كشيخهم المخادع، أمام الوافدين والزوار. .
* * * *
خوارق المرقد عند الخزنوية(1/81)
هناك كلمة مشهورة للخزنوية وهي( أن الشيخ في حياته(1)، كالسيف في الغمد فإذا مات جرد هذا السيف من غمده ؟ ) بل ذكرت في مجلاتهم السنوية(2) ( ومن كرامات الشيخ الظاهرة الواضحة،ما كان يحدّثنا عنه فضيلته، ويقول حينما يكون الولي على قيد الحياة، تكون روحانيته كالسيف في الغمد، يحتاج إلى معالجة ليستعمل؟ وإذا توفي وفارق الروح الجسد، تكون روحانيته كالسيف الصلت ولعمري لقد رأينا ذلك بأم أعيننا؟ فقد رأينا عدد الطلاب، قد زاد عن ثلاثمائة وأربعمائة إلى ألف طالب، وقد رأينا الضيوف في حياة الشيخ، كانوا بالألوف أما بعد وفاته، فقد صاروا عشرات الألوف) وفي المجلة ذاتها(3) في موضوع الصبر (ما إن غابت عين والده، حتى هبّت عليه عواصف المحن؟ ولكنه صبر عليها مستعيناً بالله وبهمة شيخه الذي وعده " أي في الوصية"، قائلاً إنك إذا مشيت على نهج السادات فالله معك والرسول معك والنقشبنديون معك، وقد كانوا معه فعلاً، ولو لم يكونوا معه ولو لم يكن من عظماء الرجال، الذين لا يأبهون بالزوابع وهبوبها، ولا يراعون للعواصف وعتوها، لما استطاع أن يقف على ساقه وأن يتحمل هذا العبء ) وهذا يضاف إلى متناقضاتهم الكثيرة إذ أن شيخ الطريقة الحي في ضمائر أتباعه ومعتقدهم هو المتصرّف المطلق في كل شؤونهم، وهذا ركن ركين في الطريقة، فكيف ينسجم هذا مع تلك المقولة ؟
ولكن تلك المقولة تمر دون تأمل، بل تصبح عند الأتباع الدليل الناجع، والحجّة الناصعة على كرامات ومعاجز الموتى.
__________
(1) ذكر السنهوتي في كتابه الأنوار القدسية ص142عند الحديث عن قبر شاه نقشبند قال :ولم يزل إلى يومنا هذا يستغاث بجنابه ويكتحل بتراب أعتابه ويلتجأ إلى أبوابه.
(2) الذكرى السنوية الثانية ص64.
(3) ص 80.(1/82)
ومن هذا المنطلق كان للمرقد الدور الأكبر والسهم الوافر في امتداد الطريقة شرقاً وغرباً، ففي المرقد جميع الاختصاصات الطبية ، فمن الداخلية إلى العظمية والعصبية إلى معالجة الشلل العام وأمراض النساء وخاصة العقم ؟
ولا ننسى العمليات الجراحية، التي يقوم بها موتى الخزنوية، فكثيراً ما سمعنا عن عمليات قيصرية، حصراً لنساء الأتباع، وكلها تتحدث عن مجيء الشيخ ليلاً مع مساعد له، يحمل حقيبة فيها كل اللوازم الطبية ويقوم بالعملية، بعدها يغادر ويترك أثراً مادياً على كرامته، إما بقعة دم أو أثر خياطة الجرح0
والعمليات الصعبة، مثل عمليات استئصال الأورام الخبيثة فحدث ولا حرج والعجب أن هذه العمليات، تحدث عندما يصل الرجل إلى مرحلة اليأس، ولم يبقى أمامه إلا مشايخ الخزنوية الموتى، وكأنه لم يبقى ولي في الحياة ولا في البرزخ غيرهم وأما من يملك الضر والنفع فلا ذكر له0
أما المجانين الذين شفاهم المرقد والمقعدين وغيرهم فلا يحصون، ولا ننسى أن المرقد وساكنيه لهم أيادي بيضاء في كل المعارك، التي دارت بين العرب وإسرائيل ففي حرب تشرين وقبلها في النكسة، شارك الموتى بعضهم بسلاح الطيران والبعض بالدبابات، ولكن إسرائيل كانت أقوى من المشايخ، فلم يحقق العرب غير الهزائم .
كما أن للمرقد الدور الكبير في سقيا السماء، فقد كان الشيخ عز الدين الخزنوي إذا طلب الناس منه الاستسقاء، استسقى بقبور مشايخه، وهذا أمر مشهود، بل موثق بالصور، فالمرقد يمثل لدى العامة، الذين يأتون كزوّار، هذا الجانب الغيبي من قدرة خارقة على شفاء الأمراض المستعصية وحل لبعض المشاكل .(1/83)
في هذه الصورة يظهر عز الدين الخزنوي أمام باب المرقد وهذه الوقفة هي وقفة رابطة الاستئذان من الموتى للدخول، وهناك رابطة الاستئذان بالجلوس حين الدخول وبعدها الرابطة الرسمية وبعدها رابطة الاستئذان بالخروج، وفي هذه الصورة كما هو مشاهد، لم يأتي الشيخ ليعتبر بالقبور، وإنما جاء مستغيثاً وملتجئاً يطلب الغوث من أبيه وأخويه. ولا أدري بعد هذا ما هو الشرك في نظر هؤلاء .
أما المرقد للأتباع فحديث ذو شجون، ففي أدبيات الخزنوي يشكّل المرقد صلة الوصل بين المريد والشيخ الحي، وبين الله والشيخ الحي، وبين المريد وبين أي مقبور وفد إليه، ويشكّل أيضاً جانباً مهماً، في علاج كثير من وساوس الطريقة، التي يمرّ بها السالك، ومركزاً آخر للتصفية الباطنية، ولذلك يسمى عندهم، بالمشفى الرباني والصيدلية الإلهية؟ وإليك التفسير: فأما كونه الصّلة بين المريد والشيخ الحي فحين يقف المريد عند قبر الشيخ، ويطلب منه أن يكون واسطة خير بينه وبين الشيخ الحي، أن يجعله ينظر إليه ويمده بنوره وفي هذا المقام تحضرني أبيات للملا علي الأسود التي ،قالها في رثاء ابن الشيخ، فقال مخاطباً الشيخ الحي:
يا موئلي يابن الأماجد نظرة ... تشفي الغليل فإن قلبي وامق
بالفقر جئتك سيدي لا بالغنى ... فالفقر والإذعان عندك ينفق
مستشفاً بأبيك قبلتنا الذي ... يعطي العطايا والثنايا تبرق(1/84)
وكونه واسطة بين المريد وأي مقبور يفد إليه، فهذا حين يحظى المريد في سفره بقبر ولي(1) فيتوجه إليه وهو مغمض العينين، ويستمد من مرقد سادته، ويطلب منهم أن ينفعه صاحب القبرأو العكس، وهذا لا يقوم به إلا خواص الخزنويه لأنه معنى راق، لأنه طلب من صاحب القبر، أن يتوجه للخزنويه المقبورين، بأن ينفعوه وإن زاد إخلاص شركه، فيطلب أن يقبلوه ؟
أما ثالثة الأثافي وداهية الدواهي، جعل المرقد واسطة بين الله والشيخ الحي وهي: طلب المريد من الشيخ الميت، أن يطلب من الله أن يجعل الشيخ الحي يعطف عليه ويشمله بعنايته، وأحياناً يطلب من الله، أن يجعل الموتى ينظرون إليه ؟
__________
(1) فائدة : إذا أراد المريد أن يزور قبور الأولياء ويستمد من روحانيتهم، فينبغي له أن يسلم على صاحب القبر أولاً، ثم يقف تجاه وجهه مستدبراً القبلة، ثم يقرأ الفاتحة مرة، والإخلاص إحدى وعشرين مرة، وآية الكرسي مرة، ويهب ثوابها إليه، ثم يجلس عنده ويجرد نفسه عن كل شيء حتى يصير لوحاً صافياً، ثم يتصور روحانيته نوراً مجرداً عن الكيفيات المحسوسة، ويحفظ ذلك النور في قلبه حتى يحصل له فيض من فيوضا ته، أو حال من أحواله، وينبغي أن يستعين على ذلك الاستمداد من روحانية شيخه أولاً، وجعلها بينه وبين المزور …وما يفعله العامة من تقبيل أعتاب الأولياء والتابوت الذي يجعل فوقهم فلا بأس به إن قصدوا بذلك التبرك. ولا ينبغي الاعتراض عليهم لأنهم يعتقدون أن الفاعل والمؤثر هو الله . تنوير القلوب ص566-567.(1/85)
وهنا يسجّل للخزنوية قصب السبق في فنون الشرك والافتراء فالمشركين العرب كانوا أكثر حياء وأكثر عقلاً ومنطقاً {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(1)0 فهم يتّخذون الأصنام ، وسائط عند الله ، بينما يتّخذ الخزنوية الله واسطة لبلوغ رضا الموتى والأحياء ؟
ولا تظنن أن هذا يقوم به الجهلة ، كما يزعم جلاوزة الخزنوي ، كلا فهي تقيّة منهم فالموتى من الخزنوية، يتجلى فعلهم بعد الموت بأسمى الصور، ولذلك تجد محمد الخزنوي، يشعر بحضور أبيه عند ذكره ، ويؤكّد على عقيدته في أبيه الميت بأنه الملاذ: يقول في الذكرى السابعة،وهو يخاطب والده الميت :يا شيخي ويا من جفت كل أوردتي ظمأ إليك 0000
نحن عواجزكم وانتم عزّنا ... أبداً وحمل العاجزين عليكم
إلى أن يقول: [كنت الضماد لأوجاعنا ، كنت الملاذ.. ونعتقد أنك ما زلت الملاذ والطبيب لأجسادنا ولأرواحنا ٍ]فمن لنا بعدك ، ولسان الحال يقول دوماً :
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... ونترك الذكر أحياناً فننتكس
وهذا شيخ الطريقة، الذي لا يناقش قوله لأنه الناطق باسم السماء، فقوله هو القاعدة عند الخزنوية، وقول غيره هو الشذوذ، وهذا القول ليس للخزنوي المتأخر بل كلام من سبقوه فالذي رأى والده، وسمع قوله في أهل المرقد لن يلوم الولد فقد كان المرقد وساكنيه عند الوالد المعين العذب الذي ينهل منه فيوضا ته، فكلّما أراد الحديث في أي بقعة من العالم، أغمض عينيه وطلب المدد من المرقد، وكلما خرج من بيته وقف خاشعاً مستقبلاً المرقد، وكذلك إذا أراد الدخول هكذا، كلما دخل وخرج لا يحجزه عن هذه الوقفة المخترعة حرّ ولا قرّ، والناس وراءه مقتدون.
هذه رابطة تحية المرقد .
__________
(1) الزمر:آية37.(1/86)
كلما خرج الشيخ من بيته لابد أن يستأذن من المرقد ويتسخيرهم في الخروج وكذلك حين دخوله إلى بيته، حتى لو أنه قد عاد تواً من المرقد ؟!
ولو تكرر خروجه ألف مرة لعاد إلى هذا الصنيع .
وعندما يسأل الغريب عن السبب، يجيبه الكذّابون من جلاوزة الشيخ: إن الشيخ يقرأ الفاتحة على أهل المرقد، وهذا الجواب يلزم السائل ويسكته، وهل يستطيع الاعتراض على قراءة القرآن؟ ولا يسأل هؤلاء الحمقى، لماذا التوجّه قبل المرقد لا ينحرف يميناً ولا شمالاً ؟! هل أن قراءة الفاتحة لا تقبل ولا تصل، حتى يصيب القارئ عين المرقد، إذا كان قريباً منه، ويجتهد إن غاب عنه كمذهب الشافعي في القبلة والشيخ من المتعصبين له.؟! كل هذا ليس له جواب، بل لا تطّرح مثل هذه الأسئلة على الخزنوية، والذي يطرح في هذا الباب ما سمعته من كشوفات جديدة للمخلصين في مرقد السادات!
وأما دوره في علاج وساوس الطريقة التي يمرّ بها السالك، فهذا باب واسع لايحصره كتاب، لأن هذا تابع للحالة الهستيرية التي يعيشها السالك، فالذي لا يشعر بالحضور في الذكر، يشتكي للمرقد، والذي يفكّر في الملذات الدنيوية يبكي في توجهه للمرقد لينفوا عنه الخواطر الشيطانية0والخلاصة أن أيّ مشكلة سواء كانت مرضاً عضوياً، أو روحياً على شكل عقد نفسية، تحل جميعها في المرقد. والغريب أن الشيخ الراقد، يحلّ جميع العقد النفسية، والجسدية إلا أنه يقف عاجزاً أمام عقدة كيس المال، فرغم أنه كثيراً ما أطلق المجانين، وعالج أصحاب العاهات، إلا أنه عجزعن داء الفقر الذي يصيب أبناء الطريقة، وهو المرض الوحيد الذي لم يعالج ، ولعلّ هذا المرض من اختصاص الشيخ الذي سيفد للمرقد بعد سنين ؟!
ومن يدري فالمطرقة التي تضرب بها على يديك، خير من التي توعد بها على رأسك؟
ولكن الشيخ الذي سيفد، م يحلّها في حياته، بل سعى جهده في تمكينها، فكيف يحلّها إذا واراه التراب ؟!
* * * *
قواعد وآداب دخول المرقد(1/87)
على داخل المرقد أن يلتزم بالتعاليم التي لابدّ منها لحصول الفائدة وهي : عند دخولك بداية المقبرة، تقف هنيهة مغمض العينين، خافض الرأس مكتوف اليدين مستحضراً وجه الشيخ، وقد سلط نور جبينه على قلبك، ثم تمشي مطأطأ الرأس، حتى تقترب من باب سور المرقد، عندها تقف مستعيداً الفكرة السابقة مضيفاً إليها، بعض المعاني الجديدة وبعض الخطابات السرية، التي لا يسمعها إلا الشيخ الميت من مثل: أنا لا أستحق الدخول لتقصيري في حقكم أنا لا أستحق الدخول، لأني طين أرضي، وأنتم أنوار سماوية علّية .
وإذا كنت محبًا حقيقيًا، تذكّر الشيخ بأنّك أحد حيواناتهم الوفية وما أكثرها لاسيما لقب الكلب الوفي، فهو محبب عند الخزنوية بعدها تدخل السور، ثم تقف مرة ثالثة أمام باب المرقد وتطلب منهم الدخول، والقبول وتتخيل أن الشيخ يقول لك: ادخل ثم تدخل موجهًا وجهك نحوهم، وتتخيلهم جالسين، وتبقى واقفًا مدة قد تطول أحياناً، بحسب قربك وبعدك من الشيخ فإن كنت من المخلصين طالت الوقفة كثيرًا، وصرت مثار إعجاب من رآك، وصرت من الشواهد الحية ودليلاً على وجود مخلصين للشيخ، ثم تمشي باتجاه الشيخ الثاني، وتتبع الأدب ذاته ثم الشيخ الثالث، ثم الشيخ الرابع، بعد هذا الطواف والوقفات ، تتخيل أن الشيخ يشير إليك بالجلوس فتجلس، والجلسة جلسة الرابطة، وهي عكس التورك في الصلاة، ثم تتصور المشايخ الأربعة، وهم جلوس والأنوار تحفهم، وترجو منهم شيئاً من هذا النور، هذا إن كنت من الراسخين وأهل الباطن.
أما إن كنت شرعياً ومن أهل الرسوم، تصورّت نوراً نازلاً من السماء إلى المرقد وترجو من الله أن يلهم المشايخ حذوك من هذا النور، وتطلب من الشيخ الراقد، ما تريد من حل مشكلة وتفرّيج كرب وتيّسير عسر، ولعل أ هم الطلبات التي تحبذ للمريد السالك، هي توسّله إلى الراقد، أن يكون خير وسيلة إلى الشيخ الحي أن يقبله ولو من خدمه وعبيده، أو أن ينظر إليه نظرة عطف ورعاية .(1/88)
هذا إذا كان الداخل رجلاً، أما إذا كان امرأةً فالوضع أقبح وألعن، فقد سمعت أن المرأة تصلي ركعتين، كما علّمتها زوجة الشيخ(1)، وإذا أرادت طلباً عقدت على سياج الحديد خيطاً، وما دام هذا الخيط مربوطاً، فإن الطلب يجاب. وكثيراً ما رأينا تلك الخيوط الملونة، وبعض الرسائل التي ترمى على القبر، من بعض الفتيات التي ملّت الكلام والدعاء، ولم تأتي الإجابة ولم يأتي العريس فأرادت تسطير الطلب بكلمات مكتوبة، لعل الشيخ يحن ويقرأها؟ وهناك من تأخذ تراباً من القبر بينما تجد من يأخذ شيئاً من الماء ، ويضعه هنيهة في المرقد، ليصطحبه لأهله إذا رجع ؟؟
* * * *
هذا هو مرقد الخزنوية (والمفارقة أن البيوت التي على يسار الصورة هي بيوت الطلبة وهي كما ترى من الطين الذي لا يصمد أمام المطر بينما قبور الموتى من الأسمنت ومن الفسيفساء الغالية الثمن فهل هذه هي الشريعة ) ثم لماذا هذه المنارات ؟
* * * *
الفصل الرابع
الخدمة
(طريق الوصول إلى العلم الباطن)(2)
__________
(1) تعد زوجة الشيخ كالشيخ في تربية النساء، أو الوسيط الأمين لتعاليم الشيخ، وقد أخبرني أحد الطلبة أن شغل زوجة الشيخ وضرتها، البحث عن أفضل سحر، وأفضل تميمة أو خرزها تحببها إلى زوجها، وتجعله يبغض الأخرى ، وهذا وضع كل نساء العائلة الخزنوية.
(2) الفكرالصوفي في ضوء الكتاب والسنة.(1/89)
ظن كثير من الناس أن هذا العلم الباطني نتيجة للصلاح والتقوى، والمداومة على التسبيح والذكر فداوم على هذا، وسار في طريق التصوف زماناً علّه يظفر بما يظفرون به ولكنه لم يصل إلى شيء، من هؤلاء من يحدثنا عنه أبو حامد الغزالي في كتابه(1) "حكي أن شاهداً عظيم القدر من أعيان أهل (بسطام) كان لا يفارق مجلس أبي يزيد البسطامي فقال يوماً: أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر ولا أفطر، وأقوم ولا أنام، ولا أجد في قلبي من هذا العلم الذي تذكر شيئاً، وأنا أصدق به وأحبه! فقال أبو يزيد: ولو صمت ثلاثمائة سنة، وقمت ليلها ما وجدت من هذا ذرة !! قال: ولم قال: لأنك محجوب بنفسك. قال : فلهذا دواء ؟ قال: نعم. قال: قل لي حتى أعمله. قال: لا تقبله. قال: فاذكره لي حتى أعمل. قال: اذهب إلى المزين، فاحلق رأسك ولحيتك وانزع هذا اللباس واتزر بعباءة، وعلق في عنقك مخلاة مملوءة جوزاً، واجمع الصبيان حولك وقل.. كل من صفعني صفعة أعطيته جوزة وادخل السوق، وطف الأسواق كلها عند الشهود وعند من يعرفك، وأنت على ذلك!! فقال الرجل: سبحان الله، تقول لي مثل هذا؟ فقال أبو يزيد: قولك.. "سبحان الله" شرك!! قال: وكيف؟قال لأنك عظّمت نفسك فسبّحتها وما سبّحت ربك. فقال : هذا لا أفعله ولكن دلني على غيره . فقال : ابتدئ بهذا قبل كل شيء فقال لا أطيقه. فقال: قد قلت لك إنك لا تقبل..!."وهذا ما يسمونه كسر النفس ولكنّ النقشبنديين المتأخرون طوّروا هذا التعليم وحصّروه في خدمتهم ، فجعلوا الخطوة الأولى والأخيرة في علم الباطن هي الخدمة ، بل جعلوه أولى حتى من تعاليم مولاهم نقشبند ، فالخدمة أنفع حتى من الذكر.
__________
(1) الإحياء (ج4 ص358).(1/90)
وقد جاء في أفضل كتبهم(1) أن الشيخ يرجّح النسبة الحاصلة من الخدمة على النسبة الحاصلة من غيرها كائناً ما كان، ويشبهها- أي الخدمة - بالشعير للحيوان، وغير الخدمة بعشب الربيع فالسمن الحاصل من الشعير يبقى أطول فترة بعكس السمن الحاصل من عشب الربيع. والحقيقة أن الخدمة فعلياً هي أفضل من الأذكار والتعاليم لأن كل هذا لا يستفيد منه الشيخ شروى نقير أما الخدمة فهي الطلسم الذي جمع من خلاله الخزنوية أموال قارون، فما بنوا بنياناً ولا حرثوا أرضاً إلا بالمجّان ،بل إن الخزنوي كان يعلّم خواصه أن الله لن يفتح عليك الفهم في العلوم الظاهرية من حديث وتفسير وفقه إلا بالخدمة، حتى أنه حوّل معهده الشرعي لاستقطاب الطلبة للعمل في حقوله ومزارعه وفي قصره، ومن يعترض عليه يطرد .
__________
(1) الكلمات القدسية- منحة.28(1/91)
ولو أنهم لم يحصروا الخدمة فيهم لكان لهم فيها وجهة شرعية ، فخدمة الناس عمل مبرور ، ففي الحديث [كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ](1) بل إن إسداء الخير والمعروف حتى للحيوانات فيه صدقة وخير [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ](2) أما أن تتحول إلى عبادة الشيخ الخزنوي وحده، إلى خدمته وخدمة أهله الذين يرضى عنهم، أن يتحول المسلمين الأحرار إلى عبيد، ونسائهم إلى جواري عند الشيخ وأبنائه، فلا وألف لا .
والمصيبة أن هذه الخدمات التي يقدمها الناس للخزنوي، تذهب سدى دون كلمة شكر، بل للشيخ الفضل على قبوله لهم كخدم (3)، أما أن يسدّ عوزهم وفقرهم فلا وكرامة عين، فما سمعنا يوماً برحمته لفقير من خدمه، نعم قد يوزّع شيئاً من زكاته عليهم كل سنة، ولكن هذه الزكاة لا تكفي مصروف عشرة أيام .
__________
(1) البخاري رقم-2677.
(2) البخاري رقم-2190.
(3) بل إن لقب الخادم لقب رفيع ، ومنزلته منزلة عظيمة لا ينالها إلا الواصلون .(1/92)
ويذكر للشيخ(1) أنه كان شديد الحرص على اللقاء مع خدمه كل فترة، لا لمعرفة همومهم أو حاجاتهم، وإنما ليرفع من معنوياتهم، التي تهبط إثر الحاجة والفقر المدقع الذي يعيشوه عند
الخزنوي، اتكالاً على الأجر الأخروي، أو الواردات الإلهية التي يزعم الخزنوية إمدادهم بها يجمعهم كل فترة ليقول لهم: أنتم أبناء الشيخ الحقيقيين، وأنتم شركائي في الطريقة وأنتم وأنتم، وينتهي الاجتماع دون تكلم أحد، أو سؤال أو استفسار، اللهم إلا صراخ المجاذيب وعويل النوكى، الذين لم يحتملوا كلمات الشيخ القدسية، والأنوار المرفقة معها، بل يخرجوا منتشين مطروبين سكارى لأن الشيخ نسبهم لنفسه، واعتبرهم أبنائه الحقيقيين، وكثيراً ما تقام الدبكة الشعبية، والأهازيج الكردية والتركية و العربية، احتفاءً بهذه المناسبة العظيمة ولا يسأل أولئك المجانين: لو كان الشيخ صادقاً فيما يقول، بأنهم أبنائه الحقيقيين وشركائه فلما لا يعطيهم كما يغدق على أبنائه؟ وهذا الشيخ صاحب المواعظ توفي، وخلّف ابنه الذي لا يجتمع إلا مع الخادمات الجميلات، حيث يحاول حلّ مشكلته العصيّة على العلاج، وهي الشبق الجنسي .
ثم إن الخدم يخضعوا لتقسيمات إدارية، فهناك خدم التكية، ولها رئيس ولها مدّاحها الخاص وهناك خدم الفرن ولهم رئيس ومدّاح، وخدم القصر وخدم الأرض وخدم الطوارئ، وهذا الفرقة جاهزة لجميع الأعمال من بناء وحرث وغير ذلك .
ولا ننسى الحرس الذين يحرسون القصر على الدوام، وهؤلاء قبيلة من قبائل الشرابيين التي تدّعي(2) انتسابها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) هو عز الدين الخزنوي .
(2) قبيلة الطفحييين وأغلبهم يدجّلوا على الناس ويأخذوا أموالهم إما بطريق الدين أو التسول بحجة أنهم أبناء الرسول - صلى الله عليه وسلم -.(1/93)
هذه القبيلة تمتاز بالفقر المدقع، فأرضها سبخة مالحة، وأبنائها من الأميين العاطلين عن العمل والمفارقة أن أحدهم يحملهم بسيارته إلى بيت الشيخ ليواصلوا الحراسة ، دون أخذ أجرة السيارة ولا حتى ثمن الوقود، الذي يشتريه بحرّ ماله من كازية الخزنوي.
فهل سمعتم بأعجب من هذا؟! بل للخز نوي فضل لا ينكر عليهم، لأنه قبلهم خدماً في عتبة الشيخ .
* * * *
الباب الرابع
الخزنوية وأحكام الشريعة
الفصل الأول
المخالفات الشرعية
بعد كل ما ذكرنا لا يستحي الخزنوية أن يقولوا أنهم لا يتعاطون المنهيات الشرعية ولا المكروه ولا خلاف الأولى، وهم غرقى في مستنقع الحرام والشرك، نعم قد تجد الشيخ يدخل المسجد برجله اليمنى ويخرج باليسرى، قد تجده يشرب قاعداً وينهى عن الشرب قائماً، بينما يسرق عرق الكادحين دون مبالاة !؟ قد تجده يصيح في درسه فضّ الله فاه: أنا لست أهلاً، ولا أساوي فرنك، بينما يجلس على سدّة الكبر والعجب فيميّز نفسه، وولده بالجبب، والعمائم وينهى علمائه منها وإن سمح لهم فجبة قصيرة لا تشبه جبة الشيخ .
ربما يصيح بأتباعه: أنكم أبناء الشيخ، بينما هو يستخدمهم ويذلهّم، ويرفض أشدّ الرفض مصاهرة أحدهم مهما كان، بل يحوّلهم إلى مسخ منقاد بذلّة لذيذة يهدر كرامتهم متى أراد بحجة التعليم، بل ينفث في روعهم أنهم لن يقبلوا في ملكوت السماء، حتى ينضّموا إلى كلاب الشيخ وقططه، تجده يذمّ الدنيا وينهى أتباعه عنها، بينما يسخّرهم لأغراضه ومنافعه الدنيوية الصرفة .
تجده يدّعي إتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يخالف أوامره الصريحة مثل أمره بتسوية القبر وهو يشيد القبر بله يجدّده كل فترة، والبناء على القبور إن لم نقل أنه حرام فليس بسنة الاستغاثة بغير الله إن لم يكن شركاً فما هو الشرك ؟(1/94)
الحلف بغير الله إن لم يكن شركاً فما هو دون الحرام روى الترمذي(1) [ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ لا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ] قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، بينما الشيخ يفصّل في هذا الموضوع، ويقول إلا للتبرك فإنه يجوز، فيحلف بالمرقد ورأس أبيه، وكأنّ المرقد أقدس من الكعبة .
يمنع الخزنوي اختلاط الرجال بالنساء إلا في قصره، فقصره مليء بالخادمات الجميلات، التي تخدم زوجاته وزوجات إخوانه، ولا أدري متى استخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نساء المسلمين لنفسه أو لزوجاته؟، فقد جاءت فلذة كبده تطلب خادماً، فلم يعطها(2).
يدعي التزام الشريعة بلا حياء، وهو يقطع رحمه وينسى النصوص التي تلعن قاطعي الرحم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم }(3).
وما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يارب، قال: فهو لك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فاقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ،أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}(4).
__________
(1) رقم الحديث 1455 ،وفي مسند أحمد برقم-5799.
(2) البخاري رقم 3429.
(3) سورة محمد :22-23.
(4) البخاري :الأدب -5529، مسلم: البر والصلة -4634.(1/95)
ينحني الناس له، ويركعوا له حين يقبّلوا يده، يقف طلابه فوق رأسه، وهو جالس وهذه الكيفية نهى عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا ننسى أن الخزنوي يحرّم على مريده أن يحيي الشيخ بتحية الإسلام والسلام عليه سوء أدب(1).
* * * *
لاحظ أيها القارئ الكريم طريقة السلام على الشيخ... ألا ترى أنه يركع للشيخ ؟
ألا ترى أنه يسجد على يده ؟...أم أنني واهم أو متهم ؟
ثم لا تنسى أن هذا المريد لم يلقى على شيخه تحية الإسلام !
بدعوى أن السلام عليه سوء أدب ،وينسى أن الصحابة كانت تسلّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ،والذي نعرفه كمسلمين أن الذي لا يسلم عليه هو الله وحده لأنه هو السلام
فإذا عرفنا هذه المعلومة وأضفناها إلى المعلومات التي في الصورة عندها نعرف ما يريده الخزنوية.
الفصل الثاني
قضية الغوث والقطب
وهذه من أخطر المخالفات الشرعية، بل إنها من أولويات الشرك، فالغوث عند القوم هو الفرد الوحيد الذي يتصّرف في العالم، فما يحدث في هذا الكون من أمر إلا بعد إذنه، تحت هذا الغوث بدرجة واحدة الأقطاب الأربعة الذين يمسكون جهات الأرض، وتحتهم الأوتاد السبعة وهم من يمسكون بالأقاليم السبعة وتحتهم الأبدال الأربعين، وهذه العقيدة من أولويات الطريقة أن تعتقد أن الشيخ الخزنوي هو غوث الأرض، يرزق من يشاء ويمنعه عمن يشاء، ولذلك لو اطلعت على أي كتاب للنقشبدية، تجد هذا الوصف لكل شيخ من مشايخهم، وهذا مثبت بختم الخواجكان، من مثل الغوث الحقاني ومغيث المستغيثين، وغوث العامة والخائفين والخزنوية يروّجون بين أتباعهم خصوصية مرتبة الغوث فيهم، بل إن شيخ الطريقة إن لم يكن يطّلع على كل شيء فليس بشيخ(2).
__________
(1) الذي لا يصح السلام عليه هو الله، وهذا يدل على تشبيه الشيخ بالله.
(2) ورد عن أحمد الخزنوي قوله (إن الشيخ الذي لا يعرف كم مرّة تقلّب مريدة في الفراش لا يصلح للمشيخة وفي رواية : الذي لا يعرف كم فسوة لمريدة ) فإن تعجب فعجب .(1/96)
وكما قال العلماء في شرح أسماء الله الحسنى إن المغيث بمعنى المجيب لكن الإغاثة أخص بالأفعال والإجابة أخصّ بالأقوال قالوا من أسمائه تعالى المغيث والغيّاث وجاء ذكر المغيث في حديث أبى هريرة قالوا واجتمعت الأمة على ذلك، وأكثر ما يقال غيّاث المستغيثين، ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه ومجيبهم ومخلصهم وفى خبر الاستسقاء في الصحيحين ( اللهم أغثنا اللهم أغثنا ) يقال أغاثه إغاثة وغياثاً وغوثاً وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب قال تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}(1) إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال والاستجابة أحق بالأقوال وقد يقع كل منهما موقع الآخر، وخير من تكلّم في هذا الباب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث سئل عن الحديث المروى في الابدال، وهل صحيح أن الولي يكون قاعداً في جماعة ويغيب جسده، وعن غوث الأغواث، وقطب الأقطاب، و قطب العالم و القطب الكبير وخاتم الأولياء..
__________
(1) الأنفال آية 9.(1/97)
فأجاب: أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي بمكة و الأوتاد الأربعة، والأقطاب السبعة والابدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا هي أيضاً مأثورة عن النبي بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه ألفاظ الأبدال فقد روى فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن على بن أبى طالب رضى الله عنه مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: ( إن فيهم يعنى أهل الشام الأبدال الأربعين رجلاً كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً ) ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف، كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً.. إلى أن يقول : وبذلك يتبين أن هذه الأسماء على هذا العدد والترتيب والطبقات ليست حقاً في كل زمان بل يجب القطع بأن هذا على عمومه وإطلاقه باطل. فان المؤمنين يقلّون تارة ويكثرون أخرى، ويقلّ فيهم السابقون المقربون تارة، ويكثرون أخرى وينتقلون في الأمكنة ولا من شروطهم تعيين العدد، وقد بعث الله رسوله بالحق وآمن معه بمكة نفر قليل كانوا اقلّ من سبعة، ثم أقلّ من أربعين، ثم أقلّ من سبعين، ثم أقلّ من ثلاثمائة فيعلم أنه لم يكن فيهم هذه الأعداد ومن الممتنع أن يكون ذلك في الكفار ثم هاجر هو وأصحابه إلى المدينة وكانت هي دار الهجرة والسنة والنصرة ومستقر النبوة وموضع خلافة النبوة، وبها انعقدت بيعة الخلفاء الراشدين، وان كان قد خرج منها بعد أن بويع فيها، ومن الممتنع أنه قد كان بمكة في زمنهم من يكون أفضل منهم، ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين، بل من الصدّيقين السابقين المقرّبين، عدد لا يحصى عدده إلا رب العالمين، لا يحصرون بثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف، ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان في القرون الخالية من أولياء الله ، من(1/98)
لا يعرف عدده وليسوا بمحصورين بعدد ولا محدودين بأمد ، وكل من جعل لهم عدداً محصوراً فهو من المبطلين عمداً أو خطأ، فنسأله من كان القطب والثلاثة إلى سبعمائة في زمن آدم ونوح وإبراهيم وقبل محمد عليهم الصلاة والسلام في الفترة حين كان عامة الناس كفرة ؟
قال الله تعالى(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا )(1) أي كان مؤمناً وحده وكان الناس كفاراً جميعاً وفى صحيح البخاري ( أنه قال لسارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك ).
__________
(1) النحل (120).(1/99)
وقال الله تعالى{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }(1) وإن زعموا أنهم كانوا بعد رسولنا عليه السلام، نسألهم في أي زمان كانوا؟ ومن أول هؤلاء وبأيّة آية وبأىّ حديث مشهور في الكتب الستة؟ وبأي إجماع متواتر من القرون الثلاثة ثبت وجود هؤلاء، بهذه الأعداد حتى نعتقده ؟! لأن العقائد لا تعتقد إلا من هذه الأدلة الثلاثة ومن البرهان العقلي { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }(2) فان لم يأتوا بهذه الأدلة الأربعة الشرعية، فهم الكاذبون بلا ريب فلا نعتقد أكاذيبهم ويلزم منه أن يرزق الله سبحانه وتعالى الكفار وينصرهم على عدوهم بالذات بلا واسطة، ويرزق المؤمنين وينصرهم بواسطة المخلوقات. فأما لفظ الغوث والغيّاث فلا يستحقه إلا الله فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره ولا بملك مقرب ولا نبي مرسل. ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين والسبعون إلى الأربعين، والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث ، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما اخبر الله تعالى عنهم بقوله {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ}(3) وقال سبحانه وتعالى : {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}(4) فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحجاب وهو القائل: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
__________
(1) الجمعة (2).
(2) البقرة 111.
(3) الإسراء 67.
(4) النمل 62.(1/100)
يَرْشُدُونَ}(1)
وقال إبراهيم عليه السلام داعياً لأهل مكة{ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (2).
__________
(1) البقرة 186.
(2) إبراهيم 37-38-39(1/101)
وقال النبي عليه السلام لأصحابه لما رفعوا أصواتهم بالذكر : (أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً قريباً إن الذي تدعونه اقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) وقد علم المسلمون كلهم انه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم لا ظاهراً ولا باطناً بهذه الوسائط والحجاب، فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علواً كبيراً، وهذا من جنس دعوى الرافضة انه لابدّ في كل زمان من إمام معصوم، يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إلاّ به، ثم مع هذا يقولون انه كان صبياً دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة، ولا يعرف له عين ولا أثر، ولا يدرك له حس ولا خبر، وهؤلاء الذين يدّعون هذه المراتب فيهم مضاهاة للرافضة من بعض الوجوه، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه، ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم في السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب، الذي ما أنزل الله به من سلطان، فأما الحديث المرفوع -الذي في الأبدال- فالأشبه انه ليس من كلام النبي فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان في خلافة على رضى الله عنه قد ثبت عنه عليه السلام انه قال ( تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام
ومعلوم إن الذين كانوا مع على رضى الله عنه من الصحابة مثل عمار بن ياسر وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، وان كان سعد بن أبى وقاص ونحوه من القاعدين، أفضل ممن كان معهما، فكيف يعتقد مع هذا إن الابدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام هذا باطل قطعاً وان كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شيء قدراً .(1/102)
والذين تكلّموا باسم البدل فسروه بمعان منها: أنهم أبدال الأنبياء، ومنها انه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً، ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض. وكذلك من فسّر الأربعين الابدال: بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل بل النصر والرزق يحصل بأسباب، من أكدها دعاء المؤمنين وصلاتهم وإخلاصهم، ولا يتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقلّ ولا بأكثر، كما جاء في الحديث المعروف ( أن سعد بن أبى وقاص قال : يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيسهم له مثل ما يسهم لأضعفهم؟ فقال يا سعد وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم، بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم) وليس في أولياء الله المتقين، ولا عباد الله المخلصين الصالحين، ولا أنبيائه المرسلين من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس، بل هذا من جنس قول القائلين إن علياً في السحاب، وان محمد بن الحنفية في الجبال رضوى، وإن محمد بن الحسن بسرداب سامرا، وإن الحاكم بجبل مصر، وإن الابدال الأربعين رجال الغيب بجبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان، نعم قد تخرق العادة في حق الشخص، فيغيب تارة عن أبصار الناس، إما لدفع عدو عنه، وإما لغير ذلك وأما انه يكون هكذا طول عمره فباطل، وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله ويعرفهم كلهم، ونحو هذا فهذا باطل، فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله، ولا يمدانهم فكيف بهؤلاء الضالين المغترين الكذابين ؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيماء الوضوء وهو الغرة والتحجيل .(1/103)
ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله عز وجل ، وأنبياء الله الذين هو إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم بل قال الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ }(1)
الخضر :
وموسى لم يكن يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى، بل لما سلّم عليه موسى قال له الخضر: وأنّا بأرضك السلام؟ فقال له: أنا موسى قال: موسى بنى إسرائيل ؟ قال: نعم، وقد كان بلغه اسمه وخبره، ولم يكن يعرف عينه .
__________
(1) غافر78(1/104)
ومن قال: أنه نقيب الأولياء أو أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل. والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن مختفياً عن خير أمة أخرجت للناس، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم، ثم ليس للمسلمين به وأمثاله حاجة، لا في دينهم ولا في دنياهم، فإن دينهم أخذوه عن الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمهم الكتاب والحكمة، وقال لهم نبيهم :( لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ) وعيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره ؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم بنزول عيسى من السماء، وحضوره مع المسلمين، وقال :( كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها) فإذا كان النبيان الكريمان، اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم، ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لا عوامهم ولا خواصهم فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم، وإذا كان الخضر حياً دائماً فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قط ؟(1/105)
ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدون، وقول القائل: أنه نقيب الأولياء فيقال له من ولاه النقابة ؟ وأفضل الأولياء أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيهم الخضر، وعامّة ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب، وبعضها مبنى على ظن رجل، مثل شخص رأى رجلاً ظنّ أنه الخضر، وقال: أنه الخضر كما أن الرافضة ترى شخصاً، تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعى ذلك وروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال وقد ذكر له الخضر: من أحالك على غائب فما أنصفك، وما ألقى هذا على ألسنة الناس إلا الشيطان…(1).
__________
(1) مجموع الفتاوى -ج11-ص437وما بعدها.(1/106)
وقد رد ابن تيمية على أولئك الذين يرون النفع والخوارق من هؤلاء الأدعياء بقوله(1):وكثير ممن يستغيث بالمشائخ فيقول : ياسيدى فلان، أو يا شيخ فلان اقض حاجتي فيرى صورة ذلك الشيخ تخاطبه ويقول: أنا أقضي حاجتك أطيب قلبك، فيقضى حاجته أو يدفع عنه عدوه، ويكون ذلك شيطاناً قد تمثل في صورته لما أشرك بالله فدعا غيره، وأنا أعرف من هذا وقائع متعددة حتى إن طائفة من أصحابي، ذكروا أنهم استغاثوا بي في شدائد أصابتهم أحدهم كان خائفاً من الأرمن، والآخر كان خائفاً من التتر، فذكر كل منهم أنه لما استغاث بي رآني في الهوى، وقد دفعت عنه عدوه، أخبرتهم أنى لم أشعر بهذا، ولا دفعت عنكم شيئاً وإنما هذا الشيطان تمثّل لأحدهم فأغواه لما أشرك بالله تعالى، وهكذا جرى لغير واحد من أصحابنا المشائخ مع أصحابهم يستغيث أحدهم بالشيخ فيرى الشيخ قد جاء وقضى حاجته ويقول ذلك الشيخ: إني لم أعلم بهذا فيتبين أن ذلك كان شيطاناً وقد قلت لبعض أصحابنا لما ذكر لي: أنه استغاث باثنين كان يعتقدهما، وأنهما أتياه في الهوى، وقالا له: طيب قلبك نحن ندفع عنك هؤلاء، ونفعل ونصنع قلت له فهل كان من ذلك شيء؟ فقال: لا فكان هذا مما دلّه على أنهما شيطانان فإن الشياطين وان كانوا يخبرون الإنسان بقضية، أو قصة فيها صدق فإنهم يكذبون أضعاف ذلك كما كانت الجن يخبرون الكهان.
__________
(1) مجموع الفتاوى -ج 35-ص115.(1/107)
ولهذا من اعتمد على مكاشفته- التي هي من إخبار الجن -كان كذبه أكثر من صدقه، كشيخ كان يقال له الشياح توبناه وجددنا إسلامه، كان له قرين من الجن يقال له عنتر، يخبره بأشياء فيصدق تارة ويكذب تارة، فلما ذكرت له إنك تعبد شيطاناً من دون الله، اعترف بأنه يقول له: يا عنتر لا سبحانك إنك إله قذر وتاب من ذلك في قصة مشهورة . وقد قتل سيف الشرع من قتل من هؤلاء مثل الشخص الذي قتلناه سنة خمس عشرة، وكان له قرين يأتيه ويكاشفه فيصدق تارة ويكذب تارة، وقد انقاد له طائفة من المنسوبين إلى أهل العلم والرئاسة فيكاشفهم حتى كشف الله لهم، وذلك أن القرين كان تارة يقول له: أنا رسول الله ويذكر أشياء تنافى حال الرسول، فشهد عليه أنه قال: إن الرسول يأتيني ويقول لي كذا وكذا من الأمور التي يكفر من أضافها إلى الرسول، فذكرت لولاة الأمور أن هذا من جنس الكهان، وان الذي يراه شيطاناً، ولهذا لا يأتيه في الصورة المعروفة للنبي بل يأتيه في صورة منكرة، ويذكر عنه انه يخضع له ويبيح له أن يتناول المسكر وأموراً أخرى، وكان كثير من الناس يظنون أنه كاذب فيما يخبر به من الرؤية، ولم يكن كاذباً في أنه رأى تلك الصورة، لكن كان كافراً في اعتقاده أن ذلك رسول الله، ومثل هذا كثير، ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية، بحسب ما فعلوه من مراد الشيطان، فكلما بعدوا عن الله ورسوله وطريق المؤمنين، قربوا من الشيطان فيطيرون في الهواء والشيطان طار بهم، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه صرعتهم، ومنهم من يحضر طعاماً وإداماً وملأ الإبريق ماء من الهوى والشياطين فعلت ذلك، فيحسب الجاهلون أن هذه كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال السحرة والكهنة وأمثالهم، ومن لم يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية، اشتبه عليه الحق بالباطل، ومن لم ينّور الله قلبه بحقائق الإيمان وإتباع القرآن، لم يعرف طريق المحق من المبطل، والتبس عليه الأمر والحال كما التبس على الناس(1/108)
حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء وإنما هم كذابون، وقد قال عليه الصلاة والسلام :( لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذّابون كلهم يزعم انه رسول الله )(1)
وأعظم الدجاجلة فتنه الدجّال الكبير، الذي يقتله عيسى بن مريم، فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته وأمر المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم، وقد ثبت انه يقول للسماء: أمطري فتمطر وللأرض: أنبتي فتنبت، وانه يقتل رجلاً مؤمناً، ثم يقول له : قم فيقوم فيقول: أنا ربك فيقول له: كذبت بل أنت الأعور الكذّاب الذي أخبرنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة، فلا يسلطه الله عليه وهو يدّعى الألوهية، فهذا هو الدجّال الكبير، ودونه دجاجة منهم من يدّعى النبوة، ومنهم من يكذب بغير ادعاء النبوة كما قال ( يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يحدثونكم بما لم تسمعوا انتم ولا آباؤكم فإياكم، وإياهم ) .
قلت: وللأسف أن هذا الكلام، لا نفع له في الجزيرة، وما سبب ذلك إلا الجهل المستحكم في عقول الناس، بل المحاط من قبل مشايخ النقشبندية، فهم يسعون جهدهم في ترسيخ الاعتقاد بالأغواث والأقطاب والخضر وإلياس، لاسيما الخزنوي الذي يخرّج كل سنة مجموعة من دعاته ينافحون بكل قوة عن هذه العقيدة بل يعضدوها بقصص مكذوبة، وهرطقات منحولة، ولهذا يخرج علينا كل بضع سنين رجل يدّعي أنه رأى الخضر، وعلّمه أو بارك له أرضه أو حوض ماءه، وأودع فيه من البركة والمنفعة ما لا يعلم به إلا الله، لاسيما تلك الأمراض التي عجز العلم الحديث عن علاجها. بل إن نوري الدير شوي يدافع عن الأغواث والأقطاب(2)
__________
(1) البخاري:3340، مسلم:5205، الترمذي:2144.
(2) ردود على شبهات السلفية :ص111وما بعدها .(1/109)
ويثبت أنهم يجتمعون في غار حراء كل فترة ويرأس الجلسة الغوث، ويدافع دفاع المستميت عن جواز الاستغاثة(1) بالمشايخ،وهذا يعتبره البعض من العلماء، والذي يقرأ كتابه يكتشف أن الجهل المركب الذي يعاني منه، مصيبة كبيرة لاسيما إذا قرن بالتعصب وتقديس الآباء والأجداد، وهناك قضية الأسياد الذي ورثوا عن أجدادهم الولاية والكرامة، فهؤلاء لا يستطيع أي فرد أن يقترب من حماهم بنقد أو تجريح بحق أو بغير حق وإلا فالهلاك والدمار له ولأهله وذريته .
* * * *
الفصل الثالث
الكرامات ودورها في إلهاب العاطفة وطمس العقل
إن القلب والعقل من نعم الله على الإنسان، بهما امتاز عن الكائنات بله فضّل وكرّم لما أودع فيه من خصائص تندر عند غيره قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}(2)
ولكل من القلب والعقل مجاله المرسوم له، ونطاقه الذي لا يمكن تجاوزه، إذا أردنا الحق والصواب. فالقلب باعث ودافع لأننا نعلم علماً بديهياً، كمون العواطف والرغبات فيه، فكل البشر يعمل وعمله مدفوع بعاطفة، أما العقل فدوره توجيه هذه البواعث لما أراد بالسلب أو الإيجاب لا العكس، والعكس يودي إلى فقدان الفائدة، وهي التوازن بين قوى الفكر والعاطفة مما يؤدي إلى اختلال في الفهم والشعور، وما ضاع الحق عند الكثير إلا بسبب من قلبوا هذه المفاهيم رأساً على عقب. والغفلة عن دور العقل في القيادة والتوجيه، كفران للحق وجريمة كبرى ارتكبها كثير من الأجداد المتأخرين، ودفعوا ضريبتها من ذلّ وهوان، ومهادنة للجهل ونكران للحق، وما بعد الحق إلا الضلال المبين .
وما غفل عن دور العقل إلا الصوفية ، بل سعوا جهدهم إلى طمسه وإلغائه .
__________
(1) المصدر السابق :ص256وما بعدها.
(2) الإسراء (70)(1/110)
لقد أخطئوا بل عصوا الله ورسوله، حينما أعطوا العاطفة كل اهتمامهم ونسوا وتناسوا التوازن بين الروح والجسد. نجد أن أعمال الصوفية قلبية روحية تنطوي على الغيبيات واللا معقول. فبمجرد الدخول في الطريقة الصوفية تتحول حياة الداخل إلى كرامات ومعاجز للشيخ، فإذا مرض لا يفسر بجرثومة غريبة دخلت الجسم، وإنما هناك أسباب غريبة، أعيت العلم الحديث عن تفسيرها، وهي على حسب درجة السالك على يد الشيخ، فقد يفسّر بغضب الشيخ، كما يفسّر الشفاء بالرضا ؟! فمن أراد الشفاء فلينظر مواضع الرضا والغضب. وإلا فإن الشيخ يريد الابتلاء والامتحان .
فلابد عند ذلك من التوجه إلى الشيخ بإخلاص، ودعائه بقلبه ولسانه: أن يكون أهلاً للابتلاء لا أن يشفيه فهذا سوء أدب .
وإن رزق مالاً فالشيخ فتح له شيئاً من خزائنه، أو افتقر فالشيخ يريد تمحيص قلبه من الدنيا. حتى أنه إذا رزق ولداً، فلابد أن يعتبر السالك الحقيقي أن الولد وهبة من الشيخ ، وهكذا إلى ما هنالك من أمور الحياة ومشاكلها .
فالذي لا يعتقد بهذا فلن يصل، وإن صلّى وصام وذكر الله كثيراً !؟
والأدلة التي تسند هذا الاعتقاد المريض، هي الكرامات التي يرويها بعض الكذّابين والمهووسين والحشاشين والمرتزقة، أو نقلاً عن رجل مات ورؤى في المنام .
من ذلك تلك القصص التي لا يعرف أصحابها، وتروى في كل حين لاسيما عند دخول الجدد في الطريقة ومنها: رجل أصيب في معدته أو كبده وأعيا الأطباء شفاءه، فدخل في الطريقة فشفي مباشرة، أو بعد عملية مناميه، يرى الشيخ يحمل حقيبة، فيها أدوات الجراحة ويشقّ بطنه ويزيل علّته، ويبقى أثر الجراحة بعد أن يستيقظ !؟
والشيخ عند الخزنوية عالم بكل الاختصاصات حتى القيصرية، فكثيراً ما جاء إلى نساء الأتباع المخلصين حصراً، فأجرى لهن عملية ناجحة، حتى أنه يولّد أحياناً ؟!(1/111)
بل إنه عالج كثير من حالات العقم، فكثيراً ما يروى عن مجهول أنه تاب فأنجبت زوجته غلاماً هكذا دون سابق عهد، ولا عجب فالشيخ يهب لمن يشاء إناثاً ويهب من شاء الذكور ويجعل من يشاء عقيماً .
بل قد يتدخّل الشيخ في الحياة والموت، بل لا يجوز لملك الموت سلب روح المريد إن لم يأذن له الشيخ، وإن أخطأ ملك الموت يوماً، استرد الشيخ روح مريده وليفعل ملك الموت ما يشاء ؟؟
والأدهى من ذلك ضمان المريد الجنة ما دام أنه مات على محبة الشيخ مهما فعل فإن من أهمّ المعتقدات عند الخزنوية، حضور الشيخ المريد عند الوفاة، ولا يموت إلا على الإيمان، بل هناك روايات أن الشيخ حضر وفاة رجل زاره مرة واحدة في عمره ولم يدخل طريقته، ولكنه لم ينكر على الشيخ، فلما أخذته السكرات غار الشيخ على من جالسه لحظة واحدة أن يموت على غير الإيمان .
بل جاء في كتاب العقيدة المقرر للسنة الرابعة في المعهد، قصة محي الدين بن عربي حينما كان يصلي وضرب برجله في الهواء، ولما سئل بعد الصلاة عن السبب قال لقد حضرت فخر الدين الرازي الوفاة واحتوشه الشيطان، وأخذ يفنّد له أدلته على وجود الله، فلما نفدت الأدلة خشيت عليه من الموت على غير الإيمان، فقلت له قل عرفت الله بغير دليل، وضربت الشيطان برجلي(1) فهذا كتاب العقيدة لطلاب العلم الشرعي فما بالك بالصوفية الذين ينكرون العلم ويسمّوه قشوراً وظاهراً .
بل إن هناك روايات عن يوم القيامة، أن الشيخ يحمل مردائه بصندوق صغير إلى الجنّة مباشرةً ويجنبهم المشي على الصراط ؟!
__________
(1) شرح الصاوي على جوهرة التوحيد –ص51.(1/112)
بل إن بعضهم روّج لعقائد الباطنية التي تؤمن بالتناسخ. فهناك روايات عن صينيين وأفارقة يأتون إلى تل معروف –قرية الشيخ – يخبروهم أن الخزنوي عندهم أيضاً وروايات عن جهاد الخزنوي في أفغانستان، فلا تعجب أيها المسلم الغيور فآباء الشيخ وأعمامه، اشتركوا في حرب النكسة وتشرين، منهم بالطائرات ومنهم بالدبابات، وساحة المعركة في مصر، والشيخ قابع بين أحضان زوجته .
وقد سمعت من الكثيرين، أنهم اشتركوا في حرب الخليج الثانية، ولكن العجيب أن أمريكا وإسرائيل تزداد انتصاراً وقوة، فهل المشايخ هم من يقفون وراء انتصارهم وهزائمنا ؟ هذا ما لم يذكره هؤلاء المجانين .
وبعض هؤلاء روى لي أنه شاهد بالكشف شيخه مع أكبر الضباط في البلد ومنهم من يقول: أخذ الطريقة على يد الشيخ ؟ هكذا المهم أن يقفز على الممكن بأي طريقة ويتعامل مع المستحيل مباشرةً .
وهذا ليس بمستغرب، فالذي يتكاسل عن الأخذ بالأسباب، ولا يستطيع تحقيق النصر لأماله يلجأ إلى الوهم والأماني والأحلام، بله إلى الأكاذيب والخرافات وإضفاء الصبغة الدينية عليها علّها تصدّق وتروّج .
ومن ثمّ أصبحت هذه الكرامات المكذوبة، الأدلة الدامغة على صدق الخزنوية وصحة طريقتهم وفضلهم على باقي الطرق .(1/113)
والذي يتتبع تلك الكرامات وناقليها، يجد تدخّل المشايخ الواضح في نسجها وتقريرهم لها والسعي إلى ترويجها. وهذا ما كان يفعله الصوفية الأوائل، أورد الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء قصة للحلاج تدل على خبث هذا الرجل وبعد نظره ، وإليك نصها : إن الحلاج كان قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلاد الجبل ووافقه على حيلة يعملها ، فسافر وأقام عندهم سنين، يظهر النسك والعبادة، وإقراء القرآن والصوم، حتى إذا علم أنه قد تمكن، أظهر أنه قد عمي فكان يقاد إلى المسجد ويتعامى شهوراً، ثم أظهر أنه قد زمن، فكان يحمل إلى المسجد حتى مضت سنة على ذلك، وتقرر في النفوس زمانته وعماه، فقال لهم بعد ذلك: رأيت في النوم كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لي: إنه يطرق هذا البلد عبد مجاب الدعوة تعافى على يده، فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء، فلعلّ الله أن أعافى فتعلّقت النفوس بذلك العبد، ومضى الأجل الذي بينه وبين الحلاج، فقدم البلد ولبس الصوف وعكف في الجامع، فتنبّهوا له وأخبروا الأعمى فقال: احملوني إليه فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال: يا عبد الله إني رأيت مناماً، وقصه عليه فقال: من أنا وما محلي، ثم أخذ يعدو له ومسح يده عليه، فقام المتزامن صحيحاً بصيراً فانقلب البلد وازدحموا على الحلاج، فتركهم وسافر وأقام المعافى شهوراً ثم قال لهم: إن من حق الله عندي ورده جوارحي علي، أن أنفرد بالعبادة وأن أقيم في الثغر وأنا أستودعكم الله فأعطاه هذا ألف درهم، وقال : اغز بها عني وأعطاه هذا مائة دينار وقال: اخرج بها في غزوة وأعطاه هذا مالاً وهذا مالاً حتى اجتمع له ألوف دنانير ودراهم ، فلحق بالحلاج وقاسمه عليها.(1/114)
وهذا ما يحصل في كثير من الأحيان عند الخزنوية، ولكن بغير هذه الصور فمثلاً جاء غرباء وقالوا: رأينا الشيخ الخزنوي في المنام وقال لنا : تعالوا إلى قريتي. وعندما يأتي الخزنوي يصيح فيهم : هذا ليس أنا، ومن أنا ؟ هذا الشيخ الوالد (1).
وتواضع الشيخ كتواضع الحلاج في القصة السابقة، يزيد الناس عقيدة فيه ويزيد أتباعه تمسكاً وحباً. ولولا الإطالة لسردنا مئات القصص التي يتحدث بها أتباع الخزنوي عن كرامات شيخهم، بل إن اليوم الواحد في حياة الشيخ الخزنوي، ليطوي مئات الكرامات الجائزة والمستحيلة، ففي نومه كرامة، وفي استيقاظه كرامة، في أكله وشربه في ذهابه وإيابه، في سفره وحضره، في صحته ومرضه، في رضاه وغضب .
ففي إحدى سفراته غضب، فحوّل شرطي تركي من ذكر إلى أنثى، وما عاد إلى ذكوريته إلا بعد أن تاب على يد الشيخ، وكراماته كلها من هذا القبيل .
وأمّا كرامات الإطّلاع على الغيب فما أكثرها، واكتفي بواحدة يذكرها الخزنوية دائماً في مجلاتهم السنوية، وهي: إعلام الشيخ بعض مريديه بموته، ولكنني بعد دراسة وطول بحث استشفّ منها غير ذلك، فيذكر أبناء الشيخ معصوم أن عمهم الشيخ عزالدين تعرّض للسم مما أودى بحياته، وهذا منقول عن أكثر من شخص، ويذكروا السبب وهو أن الشيخ أراد المصالحة مع أبنه معشوق الذي يبغضه محمد الخزنوي أشدّ البغض، مما حدا بالأخير إلى سمّ والده والله أعلم .
ومما يؤيد ذلك، تلك الرسالة التي بعثها الشيخ لخواصه، للحضور يوم الجمعة وقوله في الرسالة ( من الضروري أن تحضروا عندنا يوم الجمعة لأمر يهمنا جميعاً ) وهذه الرسالة تذكر في المجلات التي تصدر باسم الذكرى السنوية على أنها من أهم الكرامات للشيخ وهي حضور هؤلاء وفاة شيخهم
وهذه من جملة الكذب والدجل لسببين :
__________
(1) إذا أراد هلاك شخص فما عليه إلا أن يتهمه بتهمة سياسية، وكلامه مسموع فهو الرجل الأول في هذا الباب ومن ثمّ يدّعي أتباعه أن من كرامات الشيخ هلاك عدوه.(1/115)
1-هذا من علم الغيب بل من الغيبيات الخمس التي أختص بها الله وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله]. وهذا الحديث يقرر قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(1)
2- إذا سلّمنا أن الشيخ عرف يوم وفاته بأربع أيام، فلماذا لم يرسل لأولاده أفلاذ كبده وأقرباءه، وكلنا يعلم إن من يشعر بدنو أجله يتمنى رؤية أهله قبل كل شيء بل إنه أرسل ابنه محمد الذي لا يفارقه، إلى أقصى مكان وهي قرية الشيخ ؟!
* * * *
من كرامات قدماء الصوفية
وهذه مقتطفات نقلتها من كتب شتى، من عجائب الصوفية التي تجاوزت العقل والنقل، وهي إن دلت، فإنما تدل على قمة الجهل، الذي وصل إليه كاتب تلك الكرامات، فمنها البسط الزماني(2): ذكر الشاه الفراهي أنه كان ساكنا يوما كالمراقب وبعد ساعة رفع رأسه، وقال لأصحابه: قد بسط لي الزمان في هذه الساعة ثمانين سنة، وعمرت فيها ذلك المقدار، وعملت فيها عمل ثمانين سنة!!، وسئل الشيخ هل يثيب على ذلك العمل ؟ فقال: نعم، وذكر قصة الرجل الذي اغتسل في الشط، وفيها أنه أدخل رأسه في الماء، فرأى أنه في مكان آخر، فخرج من الماء وبسط له الزمان وتزوج وأنجب، ثم اغتسل مرة أخرى ، وإذ به في مكانه الأول .
__________
(1) لقمان (34)
(2) كتاب الكلمات القدسية :منحة 130.(1/116)
ولقد حدثني بعض الإخوة : أن الدكتور البوطي ذكر قصة تشابه تلك، فإن كان الحديث صحيحاً، فيا للعلم والمنطق، وكأنه ما قرأ عقيدة الأشعرية التي تقول: أن القدرة لا تتعلق بالمستحيل، أم أنه اعتبرها من الممكنات، وكأنه ما قرأ المنطق الذي يمنع اجتماع الضدين ومنه أن يكون الشخص في مكانيين في زمن واحد أو العكس.
وأقرأ هذه الكرامة التي تتدخّل في ملكوت الباري عز وجل، وتجري تعديل على حكم الله وكأنها تقول: إن هذا الحكم خطأ.(1) وهي ما قاله الخاني من أن الشيخ عبيد الله أحرار مرض، فقال له الشيخ قاسم: إني فديتك بنفسي، فقال الشيخ عبيد الله: لا تفعل هكذا، فإن المتعلقين بك كثيرون، وأنت رجل شاب، فقال الشيخ قاسم: ما جئتك مستشيراً في هذا الأمر بل قررته في نفسي وصممت عليه، وجئتك وقد قبل الله مني ذلك !! ففي اليوم الثاني انتقل مرض الشيخ عبيد الله إلى الشيخ قاسم، وبرئ الشيخ عبيد الله من المرض تماماً فلم يعد بحاجة إلى طبيب.
وهذا التخريف لا يزال موجوداً عند الخزنوي، فما أسهل عند الأتباع نقل الأمراض من شخص لأخر، بل إن أحدهم إذا كان في مجلس صحبة الشيخ(2)، واحتاج لبيت الخلاء، وللأنوار التي في المجلس لا يستطيع القيام، فما عليه إلا أن يحّول البول والغائط إلى شخص أخر، فماأسرع ما يقوم ذاك المتعوس إلى بيت الخلاء ولا أدري لماذا لا يحوّلوه إلى الغوث الذي هم بذكره ؟!
فالغوث كما ذكروا يحمل أثقال الأتباع وألآمهم، وهي من بعض كراماته وإليك الدليل(3): من كرامات التاغي أنه كان يجتمع بأبداله كل جمعة مرتين، يخدمونه وهو يحمل أثقالهم وأمراضهم، حتى أنه قال: كثيرًا ما كنا نذهب بأمره لمواقع بعيدة بالابدالية فيقع رجلنا بحجر فلما جئنا إذا الدم يسيل من رجله .
ومن الكرامات التي دونت ما يصلح قصص ممتعة للأطفال ومنها:
__________
(1) جامع كرامات الأولياء ج2ص236-237—الأنوار القدسية ص177.
(2) يراجع فصل ما يحدث في المعهد (84) .
(3) المصدر السابق ص97(1/117)
ذكر قصة خواجة أحرار وسعد الدين الكاشغري حين تفرجا على ميدان مصارعة ورأيا فيه متصارعين فقال أحدهما للآخر: نعطي الهمة لفلان وننظر ماذا يكون فلما أعطياه صرع صاحبه بلا توقف ثم منحاها صاحبه فانعكس الأمر، وكان أحدهما ظعيفاً والأخر قويا، وكلما اهتما بالظعيف صرع القوي، والناس يتعجبون لعدم علمهم بالسبب(1).
قلت : الهمة كما يزعمون، هي القوة الخارقة التي يمتلكها الولي بحيث لو سلّطها على العالم لأهلكه، وكثيراً ما شاركت همم الصوفية في الحروب، ولكن العجيب أنهم لا يأبهون بالجهاد وحتى لو اضطروا له خلقوا أعذاراً شنيعة .
خرج شيخنا مع جم غفير من المتطوعة مدداً للمجاهدين ضد الغزاة الروس فلما قارب بلدة (وان) رجع بمن معه لما كوشف بأن أمر الفريقين يستتب بالمصالحة قبل انتهائه إليهم وكان كما كوشف (2).
* * * *
الفصل الرابع : الخزنوية والجهاد
لم أرى عداوة متجّذرة حتى النخاع، أكثر من عداوة الصوفية للجهاد، ولذلك ما سمعنا بصوفي مجاهد إلا ما ندر، هناك صوفي فيلسوف، وهناك صوفي مغني أو ملحد ماجن، هناك صوفي اتحادي إباحي، أما مجاهد فلا .
ولذلك غلبت النزعة الجبرية والسلبية على أكثرهم، مما أثّر في تفكير عامة المسلمين ، وجعلهم يعتقدون أن الإنسان مسير لا مخير، وأن لا فائدة من مقاومة الفساد ومحاربة الباطل، لأن الله أقام العباد فيما أراد " وشاع بينهم هذا القول: دع الملك للمالك ، واترك الخلق للخالق". وهذا أدى إلى تغليب الروح الانهزامية أو الإنسحابية في حياة جمهور المسلمين .
بل إنه مسخ الشخصية العربية ، التي من خصائصها إباء الضيم والخسف، وتفضيل الموت على الذل ومن رضي بالذل فحقه أن يلحق بالبهائم والجمادات
ولا يقيم على ذل يسام به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد
__________
(1) الكلم ات القدسية :منحة 157
(2) المصدر السابق : منحة 182(1/118)
أما الصوفية فجاءوا بفلسفة جديدة، تحبب للناس الذل باسم التواضع، والمهانة باسم الرضا بالقدر فقالوا:
وكن أرضاً لينبت فيك ورد ... فإن الورد منبته التراب
واستعبدوا الناس باسم التربية ، فحوّلوهم إلى عبيد والعبد لا يحسن الكرّ والفرّ .
والخزنوية من أولئك الذين حطّموا شخصية الإنسان العربي في الجزيرة، فأحمد الخزنوي عاش كل حياته في فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، فما قاوم لا بالسلاح ولا بالقلم ولا باللسان ، وعلى هذا سار أنجاله معتمدين على آيتين من أبيهم ( لا نتدخل في السياسة ولا نجمع أموال الناس ) أما عدم جمع أموال الناس فهو كذب صريح، و أمّا عدم التدخل في السياسة ، فهو الحق الذي لم يحد عنه القدماء ولا المحدثين ، ولشدة تمسّكهم بهذه القاعدة، درجوا تحتها كثير من الجزئيات التي لم تكن فيها، فالجهاد سياسة والحديث عنه سياسة، حتى قراءة آيات الجهاد سياسة الحديث عن المجاهدين كالحديث عن الشياطين ، بل الدعاء لهم ممنوع عند الخزنوية فما سمعت يوماً أن الخزنوية دعوا للمجاهدين الأفغان أيام السوفييت، ولا لأهل البوسنة والهرسك ولا للشيشان .(1/119)
حتى أنه في حرب العراق، شارك الكثير من أهل الجزيرة في الجهاد، باستثناء أتباع الخزنوية بل إن الشيخ بهمهتة الخادعة، ثبّط الكثير من أتباعه الذين ثارت في نفوسهم أثارة من حميّة. استطاع هؤلاء تفريغ الجهاد من معناه، فالجهاد عند الخزنوية إذا أطلق فلا يراد منه غير جهاد النفس ، ويستندون إلى حديث الجهاد الأكبر والأصغر وهذا الحديث لا أصل له(1) وإن سلّمنا جدلاً بصحته ، فهو لا يعني ترك جهاد الأعداء كما يفهم الصوفية، ولا يعني ترك الجهاد بالمال واللسان، أو على القليل الدعاء للمجاهدين ولا أعلم بدعة شر من مقولة "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة" وهذه المقولة قيلت منذ زمن بعيد، وزوّرت ظلما على المسيح حيث قال: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) أما نحن المسلمون، فقيصر وماله كله لله، ويخضح لمنهج الله بل إن أفضل الجهاد كلمة حق يجابه بها قيصر وأزلامه.
وكيف يطبق المسلم الشريعة على وجهها، إن خرج من هذه الساحة التي تشمل حياته كلها ؟ والشريعة تتدخل بكل كبيرة وصغيرة، تتدخل في أكله وشربه ، نومه ويقظته، سفره وحضره حربه وسلمه، علاقته بأسرته ومجتمعه، وإذا كان إبداء الرأي في المجتمعات المتحضرة، مسألة شخصية وحرية فردية ، وترف فكري لك الحق في السكوت أو الاعتراض، فهذا شأنهم ، أما نحن المسلمون فالتفكير واجب والسعي إلى تغيير المنكر فرض على كل مسلم .
* * * *
الفصل الخامس
الخزنوية وعالم النساء
للخزنوية تاريخ حافل في باب النساء، ويبدأ هذا التاريخ بكيفية زواج الشيخ أحمد الجد الكبير للعائلة، حيث أختطف زوجته رغماً عن أهلها، وهي أم المشايخ الذين أتوا بعده، وهذا أول المخالفات الشرعية، إن لم يعد في باب الكبائر وتذكر الروايات : أنه تم العقد الشرعي، بعد رضوخ أهل الفتاة لرغبة الخاطف والمخطوفة .
__________
(1) "الأسرار المرفوعة" (211) . "تذكرة الموضوعات" للفتني (191).(1/120)
ومن تدابير القدر أن يرزق الشيخ أحمد ببنت، وتصبو نفسها إلى أحد الطلبة ولكن يرفض أل الخزنوي ارتباطها به، فيلجأ الطالب إلى سنة أستاذه بخطف معشوقته وتبقى أياماً إلا أن أخيها الكبير الشيخ معصوم، يرفض هذا ويعيد أخته إلى بيت أبيها، ويزوجوها لابن عمها وهذا الرفض يعتبر البداية لرؤية آل الخزنوية لأنفسهم ولمنزلتهم التي لا تدانى ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، كي لا يعطى الميراث للأجانب عن العائلة المقدسة، وهذا ما أثبته الشيخ عز الدين الخزنوي بعد وفاة أخويه معصوم وعلاء الدين. حيث أجبر بنات أخويه على الزواج من أبناء عمومتهن كما أجبر بناته على الزواج من أبناء أخويه ، ولكن بعد توتّر علاقته مع أبناء أخيه، لم يزوج ابنته الصغيرة من هؤلاء، ولم يختر لها الدين والخلق أو العلم، وإنما أختار لها العنصرية والمال الذي يقدًسه ؟ حيث زوجها لأحد أغنياء الأكراد في تركيا، بينما كان لها من الأكفاء من طلبته الكثير، ولكنهم من العرب الفقراء أومن خدمه وعبيده ، والعبد لا يكافئ الحرة، ولا زلت أذكر مظاهرة بعض الطلبة لذاك الزواج ولكن كانت زوبعة في فنجان، وأنّا للعبيد والخدم العصيان ؟؟
كما أن الشيخ ودّع حياته المليئة بالعنصرية البغيضة، بتوزيع حفيداته على أحفاده بالسوية العادلة ورفض طلب أحد أحفاده من الزواج من فتاة أحبها ، كانت تخدم أمه بقوله :كيف ترضى الزواج من خادمتك ؟؟(1/121)
إذاً على هذه الخلفية التاريخية لموضوع النساء عند الخزنوية، نقرأ تاريخ العائلة الحالي يبدأ الشبق الجنسي من رأس الهرم في العائلة، وهو محمد الخزنوي، هذا الرجل الذي يملك تاريخاً غير مشرف، منذ نعومة أظفاره وحتى الآن، ففي مراهقته اعتدى على فتاة من أهل القرية فأحبلها فغضب عمه علاء الدين وأراد عقابه ولكن والده عز الدين اعترض، بحجّة الشريعة التي تطالبه بأربع شهود، فلم يعاقب الولد المدلل وحدث شرخ بين الأخوين لهذا السبب، حتى أنه حينما توفي علاء الدين لم يكن معه بل كان مغاضباً لأخيه. إذاً كانت هذه القصة باكورة معاصي محمد الخزنوي ومنها كان منطلقه، فما دخلت فتاة على قصر والده إلا عبث بها، حتى قريباته فقد سمعت عن بعضهن أنهن كن في غاية الخوف منه ، لما يرينه من شدّة شبقه وقلّة دينه وضميره ثم تحوّل إلى إغواء نساء المريدين فكان يختلف إلى بيت إحداهن بعد مغادرة زوجها إلى خدمة عتبة والده المقدسة ويرافقه في الخيانة ابن عمه ، حتى أنه روى للناس مرة عن شدة شهوة محمد الخزنوي في تلك الأيام فقال كنت أحاول سحبه من فوق تلك المرأة بقوة فلا يتحرك؟ ثم استفحل أمره وأصبح يتقلب من حضن إلى حضن، وينوّع فمن غجرية إلى كردية ومن بدوية إلى حضرية ، ولم تكن أرض حلب الشهباء قد فتحت ولا أنوار النقشبندية لاحت عليها بعد ثم أغوى زوجة ابن عمه، فكانت نعم الخليلة، فقد حدثني صديق لي بعد اعتزاله الخزنوية وكان من المتزمتين والمحبين له، قال : ركبت معه في السيارة ، ودخلنا المدينة فأوقف سيارته عند مدخل بيت وقال لي : انزل وأطرق الباب، فإن تكلمت امرأة فقل : محمد يقول ردوا على الهاتف، وفعلاً كان ما قال . وقصصه المشينة لا تعدّ ولكن نكتفي ببعضها، لاسيما تلك التي تنطوي على قمة الخبث والخديعة والدناءة وقلّة الضمير بل عدمه... أما الزنا فذنب من الذنوب قد يضعف أمامه الإنسان، أما بهذا المستوى القبيح وبهذا الأسلوب الرخيص الذي يندى له الجبين(1/122)
فلا .
* * * *
قصة منجي التونسي
هذا الشاب الطيب جاء من تونس زائراً و سرعان ما تلقته أيدي دعاة الخزنوية الكذّابين، فأتوا به إلى شيخهم وأدخلوه في الطريقة، فأحبهم وبقي عندهم سنتين أو أكثر، غادر بعدها إلى تونس، ثم عاد ومعه خطيبته الجميلة التي جاء بها لتتبرك ببيت الشيخ قبل الزواج، وما درى أنه أتى بالشاة إلى جزارها، وما درى أنه ألقى صيداً سميناً في واد ليس فيه إلا الذئاب و الضباع .
ودخلت القصر ورآها الضبع اللئيم، وسال لعابه فما جرّب بعد الظباء المغربية فكيف يحتال لها وما أسرع ما انقدح في ذهنه حيلة ومكيدة خسيسة .
ابلغ الأجهزة الأمنية عن تهمة أمنية وألصقها بمنجي، اعتقل على أثرها، واختفى أثره وانقطعت أخباره، بقيت خطيبته وحيدة لا قريب ولا معيل، فقام صاحب الشهامة والنبل محمد الخزنوي وسافر بها إلى الشام ليوصلها إلى قريبها، أو يرسلها إلى تونس ولكنه هناك أغراها واستمالها وبقيت تحته سنين ، أنجبت منه طفلة ماتت في ظروف غامضة، أما خطيبها فقد خرج بعد سنين ولكن على أن لا يدخل البلد مرة ثانية .
ومرّت سنين وفتحت بلد الحور العين، ونيط عن سوق الجواري اللثام، فتحت مدينة حلب وضرب القواد الكذّاب ملا علي الأسود أطنابه فيها، وأخذ يرسل ما يستحسنه من الجواري والغلمان إلى بيت الشيخ ، ينتقي محمد الخزنوي منهن ما شاء ، وما بقي إن كانت جميلة وناعمة تبقى مدة تخدم نساء الشيخ ، ونساء أبنائه ومن هنا وهناك يسرق الأحفاد النظرات وبعض القبل منهن ، أما الغلمان فهي لهم خاصة ، ثم إن الشيخ لديه اهتمام عظيم بتزويج مريديه من مريداته ، أو عشيقاته إن صح التعبير ، ولكن لا يزوّج الجميلات جداً إلا من المغفلين جداً، وهذا كان يردّ علمه إلى الشيخ وحده فهو أعلم بحكمته ومراده ، ولكن بعد فضيحته الكبرى مع خديجة، تبين أن السبب هو لتخلص الجميلة له وحده .
* * * *
الفضيحة الكبرى(1/123)
دخل شاب جميل اسمه نديم العقاد في الطريقة ومعه أهله فاحتضنوه واحتضنوا أهله وما درى المسكين ما يخبئ له الخزنوية من نوايا خبيثة .
جعل هذا الشاب مشرفاً ومسئولاً عن مسجد النساء، وهي مرتبة لا تعطى لكل الناس وكعادة أي مريد صادق أن يجلب أهله لبيت الشيخ حتى يتبركوا ويستفيدوا فكان على رأس القادمين خديجة أخت نديم، فتاة مكتنزة الجسم فاتنة المحاسن أغواها محمد الخزنوي، وعبث بها، وكعادته في كل مريدة يزني بها وتكون بكراً يزوجها لأحد مردائه المخلصين، ولكن هذه الفتاة وجد منها تجاوباً أكثر من غيرها وقد أوتيت الحسن فزوجها لمريد له، ما أشبهه بالرجال، شخص ضعيف البنية ، نصف أهبل و اسمه بكري واختاره أهبل حتى لا يعترض على زوجته مهما فعلت، وضعف البنية حتى تكون زوجته خالصة لمحمد الخزنوي، فهو يكره الشرك في هذا الباب .
أصبحت هذه المرأة ملازمة للشيخ، تذهب معه حيثما حلّ وارتحل(1) بحجة أنها تخدم أهله ، ولا يجوز أن يعترض أحد، فالشيخ لا يسأل عما يفعل، حتى أن نديم العقاد درس الشريعة، ولكنه لا يفقه ولا يعي، حظر الشريعة لهذا السفر الغير مبرر .
مضت سنون وأصبحت خديجة، سكرتيرة الشيخ الخاصة بالنساء القادمات من شتى النواحي تحمل في يدها جدولاً بأسماء المريدات الموجودات للدراسة على زعمهم في هذا الجدول الأسماء والصفات الخارجية والداخلية إن أمكن، حجم العين واللون الطول والرشاقة، حجم الصدر واكتنازها، نسبة الجمال فيها على الإجمال ولعشرة السكرتيرة الطويلة مع مديرها، أصبحت ذات خبرة عالية في مقياس الجمال عند الشيخ .
* * * *
كيف افتضح أمره
__________
(1) حين يسافر داخل سوريا وخارجها ، لاسيما إلى تركية ،وهناك أيضاً زوجة عادل قباقبجي التي لديها جواز سفر كخديجة ولكن زوجها اعترض بعض الشيء فأنبّه الشيخ وشنّع عليه بل شنّ عليه حرباً شعواء ، بقيادة قوّاده العظيم ملا علي الأسود ، ولا زلت أذكر حينما قال له : يجب أن تضع حذائها فوق رأسك ؟!(1/124)
لدى محمد الخزنوي فتاة اسمها متمنى هذه الفتاة ذكية نوعاً ما ، وتدرك الأمور على ما يبدو كانت ترافق أبيها أحياناً، وهذا ليس من باب الحنان الأبوي ، وإنما يجعل من ابنته ربيطة للصيد وحجة دامغة لرفقة العشيقات معه، وليخلو له المكان ، فكان يصطحبها أكثر مما يصطحب زوجتيه .
في إحدى الليالي الحمراء مع خديجة، ترى الفتاة أبيها ذاك المقدس عندها، وقد افترش الخنا وادثر بالخيانة، وبرز أمام ناظريها وقد تجرد ولكن ليس من الدنيا، وإنما من ثيابه تلك الثياب التي كانت تستر ضبعاً لئيماً، قبل قليل قبّلت يده التي كانت مباركة، لتنام ملئ جفونها، فقد حصّنت نفسها من الهواجس وأخذت حرزاً عظيماً من الشيطان فأبيها هو الغوث المعظّم وقطب الأرض الذي لا يرام حماه .
ما وضعت جبينها على الوسادة حتى سمعت صوتاً مشبوهاً، وهمهمة ليست غريبة على مسامعها وتقوم لترى ذاك المشهد القبيح لأبيها ومع من؟ مع أخت من يخدمه ويفديه بالمال، والنفس آلا سحقاً للخائنين. صدمت الفتاة بأبيها، وعلمت سرّ اهتمام الشيخ بمرافقة خديجة لها .
وما إن رجعت إلى بيتها حتى أخبرت نديم بما جرى بينه وبين أخته، ونديم في الفترة الأخيرة أخذت تنتابه الهواجس ، فزوجته تشتكي من تصرّفات الشيخ معها، فكثيراً ما يغازلها على الهاتف ، ويراودها عن نفسها ، ولكن كان يقال إنه امتحان من الشيخ وأما وقد وضح الصبح لذي عينين ، فأحتمل حوائجه وسافر إلى حلب وهناك سجّل أشرطة للشيخ مع أخته خديجة وتكشف هذه الأشرطة قمة اللؤم والخيانة لمحمد الخزنوي، و مدى الشبق الجنسي المستحكم في داخله .
وانتشر الخبر وسمع جلاوزة الخزنوي تهم نديم لشيخهم المقدس، فما كان منهم إلا أن هجموا بالسكاكين على بيت نديم وصهره علي سلمو وما خرجوا إلا بعد شعورهم أنهم قضوا عليهما ولكن شاء الله أن يعيشا، ثم تدخلت الدولة، وأغلقت الموضوع بعد فترة من الزمن .(1/125)
كشفت خديجة كثيراً من الأسرار التي طوتها يد الخزنوي عن الأنظار، فمثلاً تعليمها للنساء كيفية معاملة الغوث الأعظم، وهذا الغوث يسمح له كل شيء، ولا يعترض عليه لاسيما حين يريد إزالة الحجاب بينها وبين الله كما يزعم، وهذا الحجاب هو حجاب الشهوة ولا تزال الشهوة إلا بالشهوة، وكشفت أيضاً زنا الخزنوي بنساء حلب الجميلات المتزوجات بحيل منها : يعطي المرأة ماء لتتبرّك به وفيه مخدر، وعندما تتخدّر المرأة يجردها من ثيابها ويزني بها، ثم يصورها عارية، فإذا فاقت من المخدّر هددها بالصورة، ثم يزني بها مرة أخرى وقد اعترفت بعض النساء لأزواجهم بهذا العمل، ولكن أسكتهم خوف الفضيحة وعدم جدواها، فالرجل يده طائلة كما يقولون ، وعديم الضمير .
أما الخزنوي بعد هذه الفضيحة، فما زعزعته وما حركت له ساكن بل زادته ضراوة وشبق وقد حاول مع أخت أحد الطلبة، وهي من عائلة بازر باشا وكانت محاولة فاشلة علىحد زعم أهل الفتاة ، زعموا أنه أمرها بالتجرد من ثيابها ليحصل لها النور والوصول، ولكنها خافت وهربت ، والمصيبة أن أبيها قال إن الشيخ اختبرها وامتحنها، ولكنها فشلت في الامتحان .(1/126)
وكذلك قصته مع زوجة عبد الله محمود، وهي قصة تدل على مزيد من الخسّة والنذالة ، فهذا الشاب أرقّه طلب الولد كما أرّق زوجته، وهما من المخلصين للخزنوي ، المطيعين له طاعة عمياء ، وقد حدّثني أحد الأخوة بكل ما جرى قال أمرني الشيخ باللحاق به إلى الشام، ليرسلني إلى طبيب لعل الله يرزقني ولداً والتقينا بالشيخ ، وركبنا معه في السيارة ، وأخذ يجول بنا في شوارع الشام حتى انتصف النهار ، فأمرني أن انزل واشتري له دواءً من الصيدلية، ونزلت وبحثت عن صيدلية، فلم أجد وبقيت فترة لابأس بها، ثم إني رجعت وانطلقنا إلى عيادة الطبيب ولم استفد شيئاً، ثم ركبنا مرّة أخرى معه، فقال لنا : لماذا لا تنامون عندنا فوالدتي موجودة هنا ؟ فقلت برأي الشيخ –بكيف الشيخ- قال : لا بكيف زوجتك فسألتها، فقالت : لن أنام عندهم، وهكذا كرر الشيخ السؤال وكررت زوجتي الإجابة فغضبت منها كيف ترد كلام الشيخ ؟!
حتى أني أردت طلاقها في تلك الساعة، والخلاصة بعد نزولنا من سيارته قالت لي ودمعها يسبق ألفاظها: إن الشيخ راودني عن نفسي، وأراد أن يحتال عليك بالمبيت حتى يخلو بي ، وقال : إن زوجك عقيم، وإن أردت الولد فتعالي معي وسيكون الولد مني، ولما رفضت وقلت له : وكيف وأنت الشيخ ؟ فقال : إنني لا أتأثر بالمعصية، فنقطة البول لا تؤثر بالبحر !! قال : ثم إننا توجهنا إلى حلب وقصدنا بيت الشيخ، وسألنا عن والدته، فقالوا : إنها موجودة هنا، عندها تبين لي كذب الشيخ وصدق زوجتي.
وأما حديثه في أوربا فحديث ذو شجون .(1/127)
فقد سمعت عن أحد خلفاء الشيخ عز الدين الخزنوي أنه قال: أنهم كانوا على علم بعلاقاته المشبوهة منذ زمن طويل، لاسيما في حياة أبيه، وذكر أنه في سفر أبيه الأخير إلى بريطانيا، جاء أحد المخلصين والصادقين إلى أبيه، وقال : لقد رأينا ابنك في أسوء مكان، فغضب الشيخ على ولده، وأراد محو اسمه من الخلافة، ولكنني جئت ومعي أكثر من ملا، وحلفنا للشيخ أن ابنه بريء، مما أرضى عز الدين على ولده، وكان الحلف بالله كذباً وزوراً .
ولا يزال محمد الخزنوي يمارس الزنا، واللعب بأعراض الناس باسم الدين والعلم والتصوف فقد حدثني أحد الأخوة، أنه يجلب كل سنة عشرات النساء الجميلات من تركيا بحجة الدراسة ويضعهن في بيته في حلب ليفرغ لهن، وليخلو له الجو ولا يزال يزوج كل فتاة يفتضها، من أحد طلبته وخدمه البلهاء، ولا يزال يزوج الجميلات المقربات إليه من المجانين والدراويش .
ولا ننسى قصة ذاك الصوفي الكبير، الذي كان قائداً للصوفية الخزنوية في دمشق وهو أبو محمد الشرطي، هذا الرجل اعترف أنه كثيراً ما أخذ فتيات إلى الأطباء ليجهضن بأمر الشيخ والحجة : أنها فتاة أخطأت ولجأت إلى بيت الشيخ ليخلصها من القتل والعار .
* * * *
الفصل السادس
الخزنوية وفنّ الكذب
كثيراً ما كنت اسمع من رجل من المخلصين للخزنوية ، يدعى سيد لطيف أنه قال للشيخ عز الدين : يا سيدي إننا نكذب في حديثنا عنكم أمام الناس، فما هو قولكم فقال الشيخ : قل يا سيد ما بدي لك، فكل ما تقول صحيح على السادات ؟
والمعنى اكذب كما تشاء، فكل كذبة تصدق على مشايخنا ؟
وهذه العبارة هي آية المريدين، التي يسعون في تطبيقها، فما تكلم متكلم إلا وأضاف من مخيلته ما يعجز القلم عن وصفه، من صنوف الكذب والتزوير ولأنهم ينكرون أقوالهم، إذا حوصروا بالحجج ، أثرت أن اثبت كذبهم، عن طريق مجلاتهم التي تصدر كل سنة، باسم الذكرى السنوية وإليك أهمها يبدأ محمد الخزنوي الكذب في بداية الصفحات من الذكرى الثالثة :(1/128)
أحد يدانيك في تقوى وجود يد ... فيك الهدى والندى والفضل لا
أنت الجمال وفيك الحسن أجمعه ... ولن يرى مثل هذا الحسن في أحد
وهذا الكلام عام، والمعنى أن الشيخ الذي قصده، فاق الرسل والصحابة والتابعين بالتقوى والجود ، وكذلك البيت الآخر، ولا يخفى على من أوتي حظاً من العلم مدى الكذب الذي وصل إليه صاحب هذا البيت، بل هناك أبيات شنيعة تدل على سوء طوية وقلة دين، للشاعر إبراهيم الأسود وهاك بعضها:
أواه أواه يا تموز لو عقرت ... بك الليالي رشوت الحظ دينارا
كسفت شمساً بتل معروف طالعة ... كانت تمد نجوم الكون أنوارا
ذهبت منا بمولانا وسيدنا ... يا أنت يالك يا تموز غدارا
إلى أن يصل لوصف محمد الخزنوي :
تضاءل الكون مأخوذاً بهيبته ... وأطرق الدهر إجلالاً وإكبارا
هناك ولد لمحمد الخزنوي، حرق نفسه إثر حبل خادمته ، التي أراد الزواج منها بعد ذلك ولكن أباه رفض، ففضل الانتحار ، والقصة معروفة لدى كل الناس .
بينما يذكر في الذكرى الثانية والثالثة بأنه شهيد، ويصفوه بأوصاف عظيمة، ثم يعيدوا الكذب في الذكرى الرابعة عن كيفية وفاته ( لكن هذا الشاب وافاه القدر حيث انفجرت عليه اسطوانة الغاز وشبت عليه حريقاً، كان فيه أخر حياته وهو في رحلة قام بها، مع بعض مدرسي وطلبة المعهد)لاحظ الكاتب بهذين السطرين، صوّر هذا الشاب، في قمة الأخلاق والتواضع، إذ ما الذي قرب إليه أسطوانة الغاز لولا أنه كان يخدمهم، بإشرافه على الطبخ وهذا من جانب، والجانب الآخر هذه الرحلة الخيالية، مع بعض مدرسي وطلبة المعهد وهذا الشهيد كان متربع على عرش التكبر، ومن اشد المتسلطين بين أبناء المشايخ وأكثر ما كان يحتقر هم طلبة المعهد ومدرسيه، حتى أنه اعتدى على أحد هؤلاء المدرسين ،ولم يكن يرافق إلا أسوء الناس سلوكاً وخلقاً، ثم إن أكثر المدرسين اصطحبهم الشيخ في تضليله للناس في مدينة دير الزور ، وما يسمى زوراً بالإرشاد .(1/129)
في مجلة الذكرى الثامنة(1) ( إن مريدي الشيخ في كل بلد وقرية ومدينة، بل في دول إسلامية وحتى غير إسلامية ) والمفهوم أن أتباع الخزنوي في كل مكان، إذ أن كلمة كل من صيغ العموم ، والتعميم ليس في سوريا، وإنما في كل بقاع الأرض، وهذا كذب صريح لا يحتاج إلى أدلة وبراهين ، فلا يوجد في الدول الإسلامية مريد للخز نوي ، اللهم إلا أكراد تركية حصراً والذين انتقل بعضهم إلى أوربا ، و أفراد منهم هم المعنيون بقول عريف الحفل الكذاب بسام حين يرحب ويشكر الوفود القادمة من الدول الأوربية .
واذكر هنا أنه كان لديهم طالب من تشاد، وطالب من تونس وضيف تقطّعت به السبل من مصر، فطلبوا من الطالب التشادي إلقاء كلمة في الحضور ينوه فيها بالمعهد، ويذكر أن المعهد يضم الكثير الكثير من الطلاب الأجانب من تشادين وتونسيين ومصريين ، وهذا من صغائر الكذب عندهم .
( (2) لقد كانت أفعاله دروساً وعظات للأجيال، ومثلاً رائعة في نكران الذات والاستخفاف بالمنافع الشخصية ) إلى أن يقو ل: وصدق من قال:
هم القوم من أصفاهم الود مخلصاً ... تمسك في أخراه بالسبب الأقوى
هم القوم فاقو العالمين مناقبا ... محاسنهم تحكى وآياتهم تروى
موالاتهم فرض وحبهم هدى ... وطاعتهم ود وودهم تقوى
ولا أدري أي فعل للشيخ الراحل والحالي، يدل على نكران الذات والاستخفاف بالمنافع الشخصية ؟ أهو تميّيزه لنفسه وأولاده بالجبب الفاخرة والعمامة ؟
أم بالقصور التي يسكنها ؟ أم باستخدامهم للناس في أغراضهم الشخصية ؟
بل حصر الخدمة فيهم من دون العالمين، وأي نكران للذات والشيخ الراحل يوصي ولده : أن لا يحرم إخوانه من الجاه، والجاه هنا : هو تقديس الناس لهم كما في حياة أبيهم، والعبارة الصحيحة ( ومثلاً رائعة في تمجيد الذات ، والاهتمام بالمنافع الشخصية ) وأما الأبيات فلا تعليق عليها .
__________
(1) ص13.
(2) الثامنة ص18.(1/130)
(1) وكم من معدم عضه الفقر بأنيابه، فأزال عنه بؤسه وأعطاه عطاء جزيلاً )
لا أدري من هو هذا الرجل الذي يتكلم عنه هذا الكاتب الدجال ؟ ، فمن هو ذاك الفقير الذي أزيل بؤسه ؟، ولا تزال صورة ذاك الضرير الذي خدم تكية الشيخ سنين عددا، كيف أزال الشيخ بؤسه في حياته، وأقام له صرحاً تذكارياً بعد وفاته حيث بنى محمد الخزنوي على أنقاض بيته ، محلاً تجارياً ضخماً، وهو ما يسميه الأتباع "سوبر ماركت الشيخ " هذا الرجل الذي يسمى بحق" الجندي المجهول "
كان من أفقر الخلق، ومن أحوج الناس للمساعدة، ما رأيت آل الخزنوي، ولا خدمهم من مد له يد المساعدة، هذا الرجل كثيراً ما رأيته ، يصعد على سطح منزله الطيني، ليصلحه هو وزوجته العجوز ، بينما يمر المئات من الخدم الذاهبين إلى قصور الخزنوي ومزارعه . وهذه صورة واحدة من الصور التي كانت بارزة للعيان ويعلمها الجميع لاسيما الطلبة، لأن بيت هذا الضرير يقع قبالة باب المعهد الخزنوي للعلوم الإلهية، فما بالك بأحوال البعيدين عن الأنظار من الأرامل والأيتام والعجزة والمساكين الذين لا كاسب لهم، الذين يزعم الكاتب أن الشيخ يعيلهم لاسيما أنهم لم يخدموا عتبة الخزنوي ؟
( فلقد أنشأ المدارس وبنى المساجد )(2) أي مدارس وأي مساجد تلك التي بناها أو شارك في بنائها ؟، أما محمد الخزنوي فنعرف أنه كون ثروة لا يستهان بها، من وراء بيع مواد البناء في السوق السوداء ، التي اشتريت برخص بناء المعهد والمسجد .
( والسعي في تقديم النفع من غير تمييز بين فقير وغني 000والإنفاق على زائريه وطلابه ومرتادي تكيته، إنفاق من لا يخشى الفقر )(3) ( من أزهد الزهاد"وفي هذا نظر" ومن أعبد العباد " ( وزهد في الآخرة ونعيمها عدولا إلى الله ) .
__________
(1) نفس المصدر ص20.
(2) المصدر ذاته ص32.
(3) ص35.(1/131)
قلت : يعلم كل الذين عاشوا في تل معروف، أن الشيخ عديم المشاركة المادية للناس ، حتى للمخلصين من أتباعه ، فكثيراً ما تجابه شكواهم التي ترفع إلى الشيخ بالدعاء والألم والهمهمة والأنين ، أما الإنفاق الحاتمي على الزائرين والطلاب، فإن كان بحساء العدس المقدس في الشتاء وفي الصيف اللبن والقثاء فاللهم نعم ، وألف نعم .
فصل الحديث عن كرمه (1) كان مدراراً على الفقراء والمساكين، وخصوصاً فقراء المدينة المنورة وروى من ذهبوا معه، أن خدم المسجد النبوي الشريف عندما يرون الشيخ يصطفون أمامه فيدر عليهم العطايا والهبات، مما لا يحصي ولا يعد فقد أصبح عند هؤلاء الخدم، معروفاً بالعطاء الكثير، والكرم الغزير. ) لاحظ فنّ الكذب والتزوير،كيف يصوّر خدم المسجد النبوي، وهم مستشرفين لعطاء الخزنوي بكل شوق وأدب، و الكاتب أخذ الصورة بتمامها ولكنها لغير أهلها، يذكر هذا وينسى خدم مرقد الخزنوي، وهم يلحفون في طلب الدنيا وتعريضهم بالحاجة أمام الوافدين للمرقد كما هي عادة الصوفية الموجودين في قرية الشيخ والملالي المعترين، حين يقدم الأتراك وأغنياء الجزيرة إلى قرية الخزنوي، ولا أدري لماذا ينفق حاتم الطائي على أهل المدينة المنورة، وينسى أهل قريته بل أتباعه وطلابه وأعز خدمه ؟!.
__________
(1) مجلة الذكرى السابعة ص100.(1/132)
( أوتى الكمال الإنساني ، فهو نور إلهي، لمع سناه فأضاء ما بين الخافقين، إلى أن يقول :فكم أدنى بعلي همته ، من كان بعيداً من حضرة قدسه، فعاد وهو من خير الجلاس، إمام لا تحصى عجائب إرشاده، ولا تحصر غرائب إمداده(1) ) أي نور هذا ؟ ثم كي ف لا تحصى عجائب إرشاده، ولا تحصر غرائب إمداده ؟ والمدد معروف عند الصوفية، وهو الدفق النوراني والفيض الروحاني، الذي يهبه أوليائهم لمن استغاث بهم من المحبين ، سواء كانوا مسلمين، أم نصارى وبوذيين ؟ ولا عجب إن قلنا ذلك ، فمن الروايات أن نصراني أسمه صورو كان خادماً لشيخ الخزنوي المسمى" حضرة " بقي على نصرا نيته ، وهو من المحبين الأوفياء وعندما سئل بعد وفاة شيخه، لماذا لا تسلم وأنت محب للشيخ ؟
فأجاب والدموع تنهمر من عينيه : أخشى إن أسلمت أصبح مثلكم - مثلكم في قلة المحبة - ففضل المحبة على الإسلام ؟ وهذه الحكاية تروى لشحذ قلوب الأتباع وتعتبر من أروع قصص المحبين ؟
( لقد غض نفسه عن الدنيا جملة وتفصيلاً، ولئن اجتمعت المحاسن في إنسان، فهو إنسان عينها الأفضل، وتفتخر الأكارم بأن لا تعويل لهم بعد الله ورسوله إلا عليه(2) ) فأما العبارة الأولى فتكذّبها قصور الشيخ الملونة، والثانية إن لم نكذبها فهو إقرار منا بأن الشيخ أفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، وحاشى أن يكون الخلوف المرضى المغمورين أفضل من أدنى التابعين .
__________
(1) الذكرى الثامنة ص25.
(2) المصدر ذاته ص26.(1/133)
( وما إن شب واكتمل في ريعان شبابه، حتى تفتحت له الأبواب، وتمزق عنه كل حجاب فجاءه الإذن الظاهري والباطني، باستواء على عرش الإرشاد، تتحرك محبة الله في قلب من أبصره ، وينقدح النور الإلهي في وجه من حضر صحبته ) قلت : لا يعنيني إلا العبارة الأخيرة، وهي كيفية انقداح النور الإلهي لا لرؤيته، وإنما لمجرد حضوره مجلس ذكر الشيخ وهي ما يسمى عندهم بالصحبة ..ألا ساء ما يدعون . ( إنفاقه على المدرسة ومستلزماتها من بناء وصيانة وماء وكهرباء وفرش ومراوح في الصيف للتبريد !! ومدافئ في الشتاء للتدفئة !! (1) ) أما الماء والكهرباء فعلى حساب الدولة ، وأما الفرش والمراوح والمدافئ فلا وجود لها إلا في خيال الكاتب .
( تقديمه للطلاب الطعام والكتب، والعلاج للمريض، والاهتمام بمن لا كاسب له ولا معيل ) أما تقديم الطعام فهو رغيفان صغيران فقط في الصباح، بينما يشتري الطلاب طعام الفطور ، مع أن بيت الشيخ الكرماء، يبيعوا اللبن في مدينة القامشلي لصانعي البوظة، أما طعام الغداء فهو ثلاث أرغفة صغار ، وصحن متوسط الحجم، من حساء العدس الدائم، وهذا الصحن مخصص لعشر طلاب وأما العشاء فأغلبه من البرغل السيء الطبخ، وأما الكتب فكان يبيعها أحد الملالي بأسعار خيالية، أما الآن فقد احتكر الشيخ بيعها فلا تباع إلا في محله، وما سمعنا يوماً بشراء الشيخ للكتب والأدوية ، وتوزيعها على الطلبة، ولكن إن لم تستح فاصنع ما شئت. بعد هذا يرجع الكاتب الكاذب إلى أن تقديم الطعام بشكل دائم ثلاث وجبات يومياً للضيوف، الذين تتجاوز أعدادهم الألوف، بل أحياناً عشرات الألوف، والضيوف لا يفدون بكثرة إلى القرية إلا في المناسبات كالأعياد والجمع ، وعند قدوم الشيخ من سفره الدائم ، ثم إن كلمة عشرات الألوف فيها مبالغة كبيرة، أما بقية الأيام فلا تكاد ترى أحداً.
__________
(1) الذكرى الثامنة -ص69 :كرم الشيخ.(1/134)
أما كذب الخطباء في الذكرى السنوية للشيخ الخزنوي، فحدث ولا حرج والغريب والمؤسف أنه يحضر هذه البدعة، ويسمع الكذب والتزوير دون نكير بعض علماء الشام، أمثال الدكتور البغا ، بله يحاول الترويج لها بحضوره المستمر ومحاولته تأصيلها والذود عنها بخطابه كل سنة، ولكل مصيبة " إنا لله وإنا إليه راجعون "وينسى الدكتور وأمثاله، أن أول عمل مشين في الذكرى، تعطل صلاة العشاء جماعة، وصلاة الناس فرادى، ومن يدري لعل حضور الذكرى أفضل وأكثر أجراً، لاسيما أنها مليئة بالشركيات ومجانبة الحقيقة ؟ ولا أدري لماذا لا يقوم البغا، بذكرى سنوية لشيخه وشيخ علماء الشام " الشيخ الميداني " وهو من يستحق الذكرى إن كانت مشروعة ؟ أم أن محمد الخزنوي أكثر وفاءً لشيخه منه ؟، أم أن الميداني أقل علماً وولايةً من الخزنوي؟ ولا يعنيني مناقشة كون الذكرى بدعة أم سنة ؟ فالمسألة واضحة لأدنى طالب علم، فضلاً عن كونه أستاذً في جامعة؟ ولكن ما يعنيني تسجيل فقرات بسيطة من مجمل الكذب الذي يهتف به في مجلس الذكرى .(1/135)
تبدأ الذكرى بالكذّاب، الشيخ بسام عريف الحفل، الذي يقول في الذكرى السادسة : من علينا بما "يشحذ "همتنا من همة شيخنا، ومرشدنا، وعظيمنا ومربينا الشيخ عز الدين، ويقول : لقد انتقل الشيخ وهو على طريق الجهاد ! وكأنه يقول: اسمعوا مني أيها الناس أبين لكم ، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. قلت : لا أدري أي جهاد والشيخ في مصيفه في الزبداني يخدّر الناس بله يميت فيهم روح الجهاد، لاسيما أنه توفي في العام الذي كان يستأصل فيه المسلمون، في البوسنة والهرسك وفي الشيشان، والذي يؤرّخ للشيخ المجاهد أنه توفي وما ذكر هؤلاء في خير ولا شر، رغم دروسه الكثيرة ، حتى أنه بخل حتى في الدعاء لهم، وكذا أيام جهاد الأفغان، ثم يقول : أجل أيها الأحبة أيتها القلوب المنورة "المستمدة "روحانيتها من روحانية شيخها ومرشدها الخزنوي. ولا أدري هذه الجملة بأي ميزان توزن ؟ .(1/136)
وكذلك دعائه بعد هذا : اللهم أدخلنا جميعاً، تحت ظل عطفك، بكرمك بعزك بسّر من نجتمع اليوم من أجله ولأجله، بسرّ من نقف اليوم خاشعين في محرابه متطلعين إلى سماء جنابه، ثم يتوجه بالدعاء : اللهم اجعلنا خدماً حقيقيين له وارزقنا أن نكون أرضاً يطأها برجله -يعني محمد الخزنوي- ثم يتابع الخطيب الإطراء والكذب، ومنه : ذكره أن الناس وفدوا من كل مكان من كل قرية وبلد، من كل بقاع العالم . وهذا غير صحيح، ومن الكذب تقديمه لشخص يدعى" الملا حسن عبد الله" كل سنة، على أنه من الكويت الشقيق، وأنه جاء مع وفد كويتي وهو مواطن سوري، من مدينة "أبو كمال" يعمل في الكويت، ولم يأتي مع وفد اللهم إلا وفد عمال قرية "الشعفة "التابعة لتلك المدينة، الذين يعملون في الكويت وكل سنة يلقي هذا الملا كلمة، ومن جملة خطاب هذا الخريّت ؟ في الذكرى السنوية الخامسة : إننا نعيش في روحانية الشيخ وفي ظل بركته، عيشة حقيقية محسوسة ظاهرة كطلوع القمر –كيف يعيش هذا الضال في روحانية الشيخ ،وفي ظل بركته عيشة حقيقية ومحسوسة ؟! - ثم يقول : أخاطبك يا سيدي بكاف الخطاب، لأنني أومن أن روحك الطاهرة، وأرواح المشايخ العظام ترفرف في سمائنا الآن يا سيدي، ويا ذخري ويا ملجئي ويا منقذي - ولا أدري في أي باب من أبواب التوحيد يقع هذا الكلام- ، وفي الذكرى السابعة يقول : حضرة مولاي وسيدي، وسندي محمد الخزنوي قدس سره، الضيوف الأكارم، حياكم الله في روضة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفي روضة السادات الكرام الخزنوية –وهذا من الكلام المشروع عند الدكتور البغا –سيدي وسندي إنني لتأخذني الرهبة ،حتى أكاد أن أحجم عن الخوض في خضم أوصاف الشيخ الراحل 000إلى أن يصل إلى زيارة الشيخ للكويت، كيف كانت مواعظه تذرف العيون ، وترجف القلوب، وتقشعر الأجساد ، وهذا مردّه روحانية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وإمداد الشيخ أحمد الخزنوي "، وأنجاله الكرام ، ثم يكذب بقوله : لم(1/137)
يقتصر بجولاته على الكويت ، لكنه رفع راية الإرشاد في جميع البلدن العربية(1) وأكثر البلدن الأوربية ، فلم لا يكون عظيماً ؟ من رفرفت أعلام دعوته في سماء أوربا خفّاقة عالية (2) ثم يذكر كيف كان مصاب الناس بالشيخ ( وها هو الكون أصابه أهله الوجوم والحيرة " يتساءلون عن النبأ العظيم " "هل وقعت الواقعة أم كانت القارعة" إنه قضاء الله الذي لا معقب لحكمه ، قد استأثر بفرع النبوة، واقتطف" عنصر الدين" والمروة !! فيجب الصبر وخصوصاً إذا كانت هذه "عادة الدهر"(3) .
بينما في الذكرى الثالثة، يصرح بالكذب فيقول: ها أنا جئتكم من بلاد بعيدة من دولة الكويت التي تشرّ فت واستفادت من ذلك العلم 0
ثم انظر إلى خطبة الذي تربّع على عرش الكذب، ملا علي الأسود "زاد الله وجهه قبحاً وسواداً " عندما يبدأ خطابه : سيدي أبا محمد، يا من نحن في رحابه وحماه ثم يقول :
فرض الله علينا حبهم ... فعلام اللوم يا قومي علاما
__________
(1) ولم يثبت عن الشيخ سفره لنشر الطريقة إلا سفرته الفاشلة إلى الكويت.
(2) كذلك سفره لأوربا كان للعلاج، وأثنائها التقى الشيخ بالجالية " الكردية "من تركيا حصراً .
(3) لاحظ هذه الكلمة عادة الدهر وهل لها تفسير شرعي ؟(1/138)
- وهذا افتراء على الله - سيدي لم لا تأخذني الرهبة ؟ لم لا أحجم عن الخوض أوساط بحرك المتلاطم الأمواج ؟، لم لا أشعر بالظعف إزاء مطاولة هذا الطود الشامخ؟ لم لا تحجزني الدهشة عن إدراك سر هذا المجد الباذخ؟ وأنت أنت، من دهشت الدنيا بمعانيك وأنت من سارت الركبان تتغنى بأمجادك ومعاليك، فماذا عسى أن يصنع مسكين مثلي، وقد تحدثت جميع الألسن بالثناء عليك ، وترنم الناس بمدحك في جميع اللغات .قلت: أي مجد خلّفه الشيخ للأمة عامة ولأتباعه خاصّة ؟ فإن كان باستعباد أبنائه لأتباعه فاللهم نعم وأي ألسن تحدثت بالثناء على الشيخ ، غير تلك التي ربط مصير أصحابها وأرزاقهم ، بحبهم للشيخ والثناء عليه، وأما ترنم الناس بمدح الشيخ بجميع اللغات فظاهر البهتان .
ثم قال : يا ربيعاً للممحلين، يا ثمالا اليتامى يا عصمة للأرامل ؟ سيدي تفضل علينا بإطلالة من روحك الزكية ؟ فيا قطب الإرشاد، من للإرشاد بعدك يحمل رايته ؟
يا كنز العلوم ، من للعلوم بعدك يحمي حوزته ؟ يا روح الأرواح ويا ترياق القلوب ثم أنشأ يقول :
أتى نبأ من تل معروف مصعدا ... أقام جمع العالمين واقعد
فوا عجبا من فرقد حل مرقد ... وأعظم به من مرقد ضم فرقدا
وويح الردى كيف انبرى دفعة له ... وكنا به من قبل نستدفع الدى
عساه أتاه في مخايل سائل ... فراوده عن روحه باسطا يدا
فما رده لما اجتلاه تكرما ... وعادته أن لا يرد من اجتدى
قلت : لا أدري، هؤلاء القوم ماذا تركوا لله من وصف ؟ أخذ وصف عم النبي صلى اله عليه وسلم لابن أخيه، بقوله : يا ثمالا اليتامى يا عصمة للأرامل(1/139)
فقلنا : محب مغالي، بل زاد على أبي طالب بقوله ياربيعا للممحلين، ثم صور ملك الموت بصورة شحاذ يستجدي الشيخ ، فقلنا تصوير مجازي خاطئ، أما أن يصل بشيخه إلى صفات الربوبية فلا . ( فإن من تفكر في وضع الشيخ قدس سره ونظر نظرة فاحصة بتجرد وإنصاف ليعلم علم اليقين بل عين اليقين ، أن النور المحمدي، الذي سطع في شخصه - رضي الله عنه - باق لا يزال ومتجدد لا ينطفئ وذلك أن شمس الحقيقة بعد أن شخص الشيخ قدس سره عن الأنظار، وارتفعت روحه إلى الرفيق الأعلى مع المتقين والأبرار، لمع نورها مرة أخرى على جبين خليفته وازدهر ازدهاراً عظيماً بطالع سعد نجله الأكبر فضيلة الشيخ محمد(1) ) لاحظ "عبارة النور المحمدي " الذي سطع في شخص الشيخ الراحل ، ثم كيف انتقل هذا النور إلى ولده ، وقد كان قبلهما عند الجد والأعمام ، وسينتقل إلى الحفيد وهو ابن محمد الخزنوي بالتأكيد وسيبقى هذا النور حتى يسلم ابن الخزنوي الطريقة إلى المهدي "عجل الله فرجه الشريف"، أو عيسى عليه السلام، ولا عجب فإن الصوفية والشيعة، يتلقون العقيدة والنور والعلم من مشكاة واحدة .
ثم كيف يجزم أتباع الخزنوي بالجنة ، بله الفردوس الأعلى لشيخهم الراحل ؟ وليس هذا بغريب ، فالخزنوية من جملة كشوفا تهم البسيطة ، كشف القبور والجنة والعرش !!
__________
(1) من الذكرى الثامنة -ص13.(1/140)
جاء في البخاري [أَنَّ أُمَّ الْعَلاءِ قالت لعثمان بن مظعون لما توفي : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ](1)
وروى ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في سننه ( قالت امرأته : هنيئاً لك الجنة، فنظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرة غضبان، وقال: وما يدريك ؟ قالت : فارسك وصاحبك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله ما أدري ما يفعل بي ، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من قوله لعثمان وهو أفضلهم ، فلما ماتت رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون )
فهذا الرجل من السابقين الأولين ، ومن الذين هاجروا الهجرتين، وأخو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، ولم يجزم رسول الله في خاتمته، رغم ما قدّم الرجل وغضب من تلك المقولة ، وفي الصحيحين [ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يثني على رجل فقال : ويحك قطعت عنق صاحبك ، ثم قال: إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة ، فليقل : أحسبه كذا، ولا أزكي على الله أحدا](2)
والكذّاب الأكبر هو محمد الخزنوي، يقول في الذكرى السابعة : يخاطب والده الميت : يا شيخي ويا من جفت كل أوردتي ظمأ إليك 00 وهكذا إلى أن يقول :
نحن عوا جزكم وانتم عزنا ... أبداً وحمل العاجزين عليكم
__________
(1) البخاري –رقم 1166.
(2) البخاري – 2662، مسلم 3000.(1/141)
ويقول : كنت الضماد لأوجاعنا كنت الملاذ .. ونعتقد أنك ما زلت الملاذ والطبيب لأجسادنا ولأرواحنا، فمن لنا بعدك(1) ولسان الحال يقول دوماً :
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... ونترك الذكر أحيانا فننتكس
ثم في نهاية كلامه يخبّص أكثر فيقول :
سمعت من الشيخ أن أحد سادتنا ذهب إلى بيت الله الحرام، وتمسّك بالأعتاب بأستار الكعبة ويقول ويبكي ويتضرع إلى الله ، يقول : يا رب اغفر لي ارحمني يارب : إن لم تغفر لي وترحمني احشرني أعمى حتى لا يراني الناس فافتضح فأنا أقول : يا رب إن لم تغفر لي، وترحمني احشرني أعمى ، حتى لا افتضح بين هؤلاء القوم ؟ أعمى الله بصره ، كما أعمى بصيرته لماذا لا يدعوا بعمى الناس حتى يكون الكلام سليماً، لأن عماه أمام الخلق فضيحة كبرى بل العمى علامة مميزة للضالين ، نسأل الله العافية.
* * * *
الفصل السابع
الخزنوية وعلم الحديث
__________
(1) أليس هذا من الندب والنياحة المحرمة.(1/142)
الخزنوية ككل الصوفية، من أجهل الناس في الحديث، وهذا يعود لسبب بسيط وهو افتقار الطرق إلى السند الشرعي لمجمل البدع التي تقوم عليها، والذي ثبت تاريخياً ، أن هذا الجهل متعمد، لأن الطرق لا تجد رواجاً إلا عند الجهلة وخصوصاً بالحديث، والعجيب أن الصوفية الذين كشفوا كل شيء، وأطّلعوا على ما في القلوب والغيوب والجيوب، أعيتهم معرفة الحديث، بل إنهم عجزوا رغم ولايتهم المزعومة، التصدّي لأهل الحديث أو علماء الرسوم اللهم إلا ماكان من الدس، وتلفيق التهم لهم عند السلاطين ، والذي يرجع إلى كتب التراجم لأهل السنة، يجد الحرب الكريهة التي شنّها الصوفية على أهل الحديث، لا لشيء إلا لأنهم ينافحون عن نهج المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وينفون عنه دجل المدجلين وزيغ المغالين والخزنوية من هذا الطراز الفذ، بل هم الثمرة النضيجة لتجارب الصوفية على مر التاريخ فإننا نعرف وجود الصوفية على الأغلب في الزوايا والتكايا والخانقاة، التي يرتادها الدراويش والمجانين فقط، أما أن يكونوا في معهد يدرس فيه العلوم الشرعية، فما عرفناه إلا في العصور المتأخرة ، ولكن دور هذا المعهد عند الخزنوية كان لطمس الحقيقة والتمويه على الناس فالحديث يدرس في المعهد ، ولكن لتلوى عنقه ويؤول ، ويستنبط منه قواعد للصوفية .
أما انتشار الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، فحدث ولا حرج .
وأما الاهتمام برواية الموضوعات فلا سبيل لحصره، لأن أتباع الخزنوية لديهم الضوء الأخضر من الشيخ برواية الموضوع، ما دام يخدم الطريقة، وإن كان من نسج خيال المريد، وهذا ليس بجديد على الصوفية، بل إن الشيخ نفسه كثيراً ما يروي الموضوع والحديث الضعيف بصيغة الجزم، في المجالس العامة دون حياء ويبني على هذا الحديث قواعد وحكم، من مثل (حب الدنيا رأس كل خطيئة )(1)
__________
(1) موضوع ."أحاديث القصاص" لابن تيمية (7) . "الأسرار المرفوعة" (1/163) . "تذكرة الموضوعات" (173).(1/143)
وكذلك (يموت المرء على ماعاش عليه ) وهذا الحديث لم نجده في كتب السنة ،ولا يعلم هذا الشيخ أن رواية الموضوع حرام، إلا في موضع البيان والبحث العلمي ولا يدري أنه يدخل تحت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه البخاري ( إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )(1) ولكن ما فائدة هذا الحديث، وكل الصوفية لا يخافون من النار ؟
ولذلك دأبوا على إهمال الحديث ووعيده، ولا يعلم الشيخ أن رواية الضعيف لا تجوز أيضاً إلا بصيغة التمريض، من مثل روي وقيل ونقل وحكي ونحو ذلك فإذا كان هذا حال شيخ الطريقة الولي ، فما يكون حال ا لأتباع :
إذا كان رب البيت بالطبل ضارب ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وحتى لا نوصف بالبهتان إليك بعض نصوصهم التي دونت في مجلاتهم السنوية :
في مجلة الذكرى السنوية الثالثة (2)( روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز الكنوز هاب من كل شيء ) وهذا الحديث بحثت عنه فلم أجد له أصلاً ، وكذلك هذا الحديث(3)(أحب حاتماً لكرمه)
__________
(1) رقم-1209.
(2) ص6.
(3) مجلة الذكرى الثالثة ص47لقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: الحديث.(1/144)
(1)وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المشيخة التي هي وراثة النبوة بقوله: (والذي نفسي بيده لئن سألتم لأقسمن لكم أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويمشون في الأرض بالنصيحة) ولم أجد هذا الحديث بكتب السنة ولكن وجدته في كتاب جامع العلوم والحكم لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (قال الحسن وقال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله، إن أحب عباد الله إلى الله، الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة) وهذا القول لا قيمة له فمن الناقل عن الحسن وبينه وبين مؤلف الكتاب قرون ودهور .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث طويل (2)(ألا فاقتدوا بالعلم خذوا منه ما صفا ودعوا له ما كدر ) وهذا الحديث لا أصل له حتى في كتب الموضوعات ولا يشبه كلام النبوة (3)(قال - صلى الله عليه وسلم -: طوبى لمن تواضع من غير منقصة وجالس أهل الفقر والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة )وهذا الحديث لا أصل له .
(4)وكفى دليلاً على عداوتها "أي النفس" قوله عليه الصلاة والسلام ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ) قال العجلوني في كشف الخفا: رواه البيهقي في الزهد بإسناد ضعيف .
وقال الله تعالى في الحديث القدسي [ إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم .](5) هذا جزء من حديث رواه الأمام أحمد في مسنده وقد تفرد به رشدين بن سعد وهو ضعيف .
__________
(1) المصدر ذاته ص68.
(2) الذكرى الثالثة ص 68.
(3) الذكرى الخامسة ص25.
(4) المصدر ذاته ص58.
(5) المصدر ذاته ص63.(1/145)
نقل الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة رشدين بن سعد: قال أحمد لا يبالي عمن روى وليس به بأس في الرقاق، وقال أرجو أنه صالح الحديث، وقال ابن معين ليس بشيء، وقال أبو زرعة ضعيف ، وقال الجوزجاني : عنده منا كير كثيرة، وقال النسائي : متروك .
الحديث القدسي(1)( يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه )وهذا الحديث لم أعثر عليه في كتب السنة بهذا اللفظ، ولكن بلفظ (أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك))(2) قال الألباني : موضوع.
والحديث (3) من تعلّم العلم ليجادل به العلماء، أو يماري به السفهاء، فكأنما ملأ جوفه قيحاً وصديداً) لم أجده في كتب السنة .
والرسول يقول (4) ذو الوجهين لا يكون وجيهاً عند الله ) وهذا الحديث لا وجود له أيضاً .
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (5) العالم في قومه كالنبي في أمته) قال القاري في المصنوع حديث (الشيخ في قومه كالنبي في أمته) أخرجه ابن حبان والديلمي ضعيف جداً، وفي المقاصد جزم شيخنا وغيره بأنه موضوع، وإنما هو كلام بعض السلف .
والعجلوني في كشف الخفا( الشيخ في قومه كالنبي في أمته) رواه ابن حبان أيضا في ترجمة عبد الله بن عمر الأفريقي عن ابن عمر ثم قال: وهو موضوع، وقال الحافظ ابن حجر كابن تيمية، انه ليس من كلام - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يقوله بعض أهل العلم، وربما أورده بعضهم بلفظ (الشيخ في جماعته كالنبي في قومه ) يتعلمون من علمه ويتأدبون من أدبه، وكل ذلك باطل .
__________
(1) الذكرى الخامسة ص65.
(2) السلسلة الضعيفة(12) تنزيه الشريعة للكناني (2/303).الفوائد المجموعة للشوكاني (712).
(3) الذكرى الخامسة ص73.
(4) المصدر السابق ص76.
(5) المصدر السابق ص94.(1/146)
(1) اتقوا فراسة المؤمن 000وفي الحاشية رواه البخاري والترمذي ) وهذا الحديث مما انفرد به الترمذي وقال حديث غريب .وهوظعيف(2).
(3) لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس) ونسبوه للشيخين . بينما الذي رواه هو الترمذي ،وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ورواه ابن ماجة في الزهد .
( (4) المقولة المشهورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر ) ذكر ابن القيم في كتابه نقد المنقول : أحاديث وضعها ممن ينتسبون للسنة في فضل أبي بكر، منها هذا الحديث وحديث عمر (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يتحدثان وكنت أنا كالزنجي بينهما) وحديث ( لو حدثتكم بفضائل عمر نوح في قومه ما فنيت وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ) .
(5) لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي) قال العجلوني في كشف الخفا : رواه أبو يعلى والعسكري وأبو عوانة وأحمد وابن حبان وصححه عن سعد بن أبي وقاص رفعه لكن لفظ أحمد وابن حبان خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي. وقال النووي في فتاويه ليس بثابت.
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (6)(من وقر عالما فكأنما وقرني ومن وقرني فكأنما وقر الله) لم نجده بهذا اللفظ وإنما (من وقر عالما فقد وقر ربه ومن فعل فقد استوجب المآب على الله) أورده الذهبي في ترجمة راويه الحكم بن عبد الله، قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وقال ابن معين ليس بثقة، وقال السعدي وأبو حاتم كذاب. قال النسائي والدار قطني وجماعة متروك الحديث فالحديث إن لم يكن موضوعاً فهو ظعيف جداً .
__________
(1) الذكرى السادسة ص31.
(2) "تنزيه الشريعة" للكناني (2/305) . "الموضوعات" للصغاني (74) .
(3) المصدر السابق ص40.
(4) الذكرى السابعة ص22.
(5) المصدر السابق ص38.
(6) ص48.(1/147)
وفي الحديث الشريف ( (1) إذا تحاب اثنان في الله كان أحبهما إلى الله أكثرهما حباً لصاحبه ) لم أجده في أي مصدر من مصادر السنة .
(2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما رجع من غزوة من الغزوات، فقال رجعنا إلى الجهاد الأكبر، وعندما سئل قال جهاد النفس .) لا أصل له(3) .
(4) فما مثلهم إلا كمثل ذلك اليتيم الذي رباه سيدنا علي فرآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة يحمله على عاتقه ويداعبه، فقال يا علي أما أنه سوف يضربك على هذه، وأشار على رأسه حتى يخضب منها هذه، وأشار إلى لحيته وقد ظهرت أخيراً معجزة سيدنا رسول الله صلى اله عليه وسلم ، و فعلاً حينما قتل سيدنا علي - رضي الله عنه -، على يد ذلك اليتيم.)
وهذا ليس بمستغرب فعلماء الشيخ كلهم على هذه الشاكلة فقد خطب أحد ملالي الشيخ وهو أبو صالح خطبة في جامع في المحافظة، ذكر فيها أن الله كلما أصاب قوم فرعون بشيء يخرج فرعون إلى المز ابل، وقد لبس أطماراً، ويأخذ بالبكاء والنحيب ويبادر بالتوبة فيكشف الله عنهم البلاء بدعوة فرعون .
والملا الآخر واسمه نجاة يلقي درساً، يذكر فيه أن العرش اهتز من وفاة سعد بن معاذ لأنه لم يكن يستبرء من بوله .
(5)حديث( اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم عند الله دولة ) وهذا لا أصل له .
(6) يرد على من ينكر على أتباع الشيخ كثرة ذكر شيخهم كيف لا وقد كان الشافعي يهش ويبش إذا ذكر أبي حنيفة بل كان يتغنى ويترنم قائلا :
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع
وكأنّ الشافعي أخذ الطريقة من أبي حنيفة وما دروا هؤلاء الحمقى أن الشافعي ولد في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة، قاتل الجهل والتعصّب الأعمى.
* * * *
خاتمة
__________
(1) مجلة الذكرى الثامنة ص50.
(2) المصدر السابق ص.
(3) "الأسرار المرفوعة" (211) . "تذكرة الموضوعات" للفتني (191)
(4) الذكرى الثامنة ص81.
(5) المصدر السابق ص88.
(6) الم صدر السابق ص89.(1/148)
بعد هذا البحث وهذا التحري الذي أتعبني كثيراً، من جمع أقوال هؤلاء وجمع مصادرهم والنقل عنها ، والبحث عن الأدلة الشرعية، بعد هذا أقول :
إن ما ذكرته إنما هو غيض من فيض، فمآسي الخزنوي، ومصائبه على الأمة كبيرة وكثيرة لا يحصرها كتيب، ويشهد الله أني ما تجنيت عليهم، ولم أحرّف لهم كلمة ولم افتري فيما ذكرته ، بل إنني تجنبت الكثير الكثير من أحاديثهم الخرافية وهرطقة كذّابيهم والكثير من مخازيهم ومخازي جلاوزتهم ، لأنه باب واسع، وأنا أريد الاختصار، لكثرة الشواغل والواجبات .
أسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يكتب له القبول، وينتفع به الناس لاسيما أتباع الخزنوي، فأغلبهم من الدراويش الذين لعب الخزنوي ودعاته بعقولهم وقلوبهم ،وما وجدوا من يوجههم إلى الصراط المستقيم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه عبد الله بن عبد الرحمن الجز يري
المصادر والمراجع
1 القرآن الكريم
ابن جرير الطبري ... 2 جامع البيان
محمد بن أحمد القرطبي ... 3 الجامع لأحكام القرآن
إسماعيل بن كثير ... 4 تفسير القرآن العظيم
محمود الآلوسي ... 5 روح المعاني
البخاري ... 6 صحيح البخاري
مسلم بن الحجاج ... 7 صحيح مسلم
سليمان السجستاني ... 8 سنن أبو داود
أحمد النسائي ... 9 سنن النسائي
محمد بن عيسى الترمذي ... 10 سنن الترمذي
محمد القزويني ... 11 سنن ابن ماجة
أحمد بن حنبل ... 12 مسند الإمام أحمد
مالك بن أنس ... 13 موطأ مالك
الحاكم ... 14 مستدرك الحاكم
ناصر الدين الألباني ... 15 السلسلة الصحيحة والظعيفة
الكتاني ... 16 تنزيه الشريعة
الشوكاني ... 17 الفوائد المجموعة
ابن الجوزي ... 18 الموضوعات
السخاوي ... 19 المقاصد الحسنة
السيوطي ... 20 اللألئ المصنوعة
ابن الجوزي ... 21 العلل المتناهية
الذهبي ... 22 ميزان الاعتدال
ابن حجر العسقلاني ... 23 لسان الميزان
الفتني ... 24 تذكرة الموضوعات
العجلوني ... 25 كشف الخفا(1/149)
ابن أبي حاتم الرازي ... 26 الجرح والتعديل
أبي حامد الغزالي ... 27 إحياء علوم الدين
عبد الرحمن عبد الخالق ... 28 الفكر الصوفي
الخزنوية ... 29 المجلات السنوية
محمد الخاني ... 30 المواهب السرمدية
السنهوتي ... 31 الأنوار القدسية
القشيري ... 32 الرسالة القشيرية
عبد الغني النابلسي ... 34 الفتح الرباني
الشعراني ... 35 الطبقات الكبرى
لمجموعة من مشايخ النقشبندية ... 36 الكلمات القدسية
عبد الرحمن الوكيل ... 37 الصوفية
عبد الرحمن دمشقة ... 38 تهذيب النقشبندية
محمد أمين الكردي ... 39 تنوير القلوب
النبهاني ... 40 جامع كرامات الأولياء
الصاوي ... 41 شرح الصاوي على الجوهرة
نوري الديرشوي ... 42 ردود على شبهات السلفية
ابن قيم الجوزية ... 43 مدارج السالكين
ابن تيمية ... 44 مجموع الفتاوي
الذهبي ... 45 سير أعلام النبلاء
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
مقدمة الطبعة الثانية ... 2
مناجاة ... 4
الخزنوية في سطور ... 6
دعاوي كاذبة ... 9
أركان الطريقة ... 12
الرابطة ... 13
إنكار البوطي على الخزنوي ... 16
الذكر القلبي ... 17
اللطائف ... 19
الختمة (الخواجكان) ... 21
التوجه ... 23
شيخ الطريقة ... 26
قصة الخاتون والحمار ... 27
خصوصيات الشيخ ... 28
الطريقة والمرض ... 32
كسروية المشيخة ... 35
موالاة شيخ الطريقة ... 39
التكية ... 43
المعهد الخزنوي ... 44
اساتذة المعهد ... 45
إدارة المعهد ... 47
طلبة المعهد ... 48
ما يحدث في المعهد ... 49
سلف الخزنوية في اللواطة
المرقد (المشفى الرباني) ... 52
خوارق المرقد ... 55
قواعد وآداب المرقد ... 59
الخدمة ... 61
المخالفات الشرعية ... 65
قضية الغوث والقطب ... 67
الخضر ... 70
الكرامات ... 73
الخزنوية والجهاد ... 78
الخزنوية وعالم النساء ... 80
قصة منجي التونسي ... 81
الفضيحة الكبرى ... 82
الخزنوية وفن الكذب ... 85
الخزنوية وعلم الحديث ... 94
خاتمة ... 99
تم بحمد الله(1/150)