الحياء في حياة المسلم
عبدالرحمن بن فؤاد الجار الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أنَّ محمداً رسول الله. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, آمين... أما بعد:
فإن الغاية من خلق الإنسان, وإيجاد البشر, هي عبادة الله عز وجل حقَّ العبادة, كما جاءت في كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ £`إgù:$# وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } (1).
... ... ومع هذا فقد جعل الإسلام العبادات والأخلاق نسيجاً واحداً؛ فللأخلاق صلةٌ وثيقةٌ بعقيدة الأمة ومبادئها، فهي عنوان التمسك بالعقيدة، ودليل الالتزام بالمبادئ والمثل, وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرُكم بأحبِّكم إلى الله، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟. قالوا: بلى، قال: أحسنكم خلقاً). رواه ابن حبان في صحيحه. فأحسنهم خلقاً أقربهم منزلة ومجاورة للحبيب يوم القيامة.
ومن خلال استقراء الكتاب والسنة نجد أنَّ الإسلام شمل تحته أحوال المسلم كلها، ومن ذلك أخلاقه, فمن شمولية هذا الدين وعظمته أنه دين الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة.
والأخلاق هي الجانب العملي للعبادات, والأثر الطبيعي الذي تحدثه العبادة والتدين في سلوك الإنسان. فالناس لا يرون من الإنسان عبادته وعلاقته مع الله عز وجل, وإنما المهم بالنسبة لهم أنْ يجدوا في ذلك الإنسان المتدين, الملتزم بالعبادات, أخلاقاً موازية لتدينه, والتزامه في حقِّ ربه، فالعبادة هي العلاقة بين العبد وربه، والخُلُقُ هو العلاقة بين العبد وبين الناس.
__________
(1) سورة الذاريات ، آية 56 .(1/1)
ولذا سيظل التدين الحقُّ حاجزاً منيعاً في وجه الانحطاط الخلقي؛ لأن القيم مهما كانت عميقة يمكن أنْ تخضع للتطور الذاتي, ويمكن أنْ تؤؤل على نحو يفرغها من مضامينها, ويمكن تجاوزها إذا لم تكن مرتكزة إلى عقيدة وإلى إطار مرجعي غيبي ولا بشري.
وإنَّ الذين يوهنون الحسَّ الإسلامي لدى الأمة يكيدون للأخلاق ويعرضونها لمحنة عظيمة(1).
والأخلاق إضافةً إلى ذلك أساس قيام الحضارات, -كما سيأتي ذلك في الآثار-.
... وصلاح حياة الفرد, واستقامة نظام المجتمع، لا تقوم إلا على توجيهات الشرع الحكيم, ورأس ذلك معاملة الناس بالخلق الحسن الجميل، ومعاملتهم بما يحب أنْ يعاملوه به، حتى يصبحَ المسلمُ أليفاً، يُحبُّ الناسَ ويُحبونه، ويُكرمهم ويُكرمونه، ويُحسن إليهم ويُحسنون إليه، عندها يندفع كل فرد في المجتمع إلى القيام بواجبه راضياً مطمئناً، فتستقيمُ الأمور, وتسودُ القيم, وتقوم الحضارة.
__________
(1) بصائر في العلم والثقافة ، 1/81 .(1/2)
إذا تقرر هذا: فليُعلم أنَّ معيار الأخلاق الحسنة وعلامتها هو الحياء, كما أنه رأس مكارم الأخلاق, قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (رأس مكارم الأخلاق الحياء) (1). وهو علامة الكرم, كما أنَّه شعبة من شعب الإيمان، وخلقٌ نبويٌ كريم, قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير)سيأتي تخريجه., إذن فهو يحمل طابعاً تعبدياً؛ إذ يحث الدين ويأمر به. كما تهتم كثيرٌ من النصوص بإظهار وإبراز مزاياه وفضائله. وهو دليلٌ على كَرِمِ السجية، وطيب المنبت، فالحياءُ فطرةٌ، والحياءُ دين، وهو: حلة جمال, وحلية كمالٌ في عيون الناس صاحبه, ويزداد قدره ويعظم جانبه, وإذا رأى ما يكره غضَّ بصره عنه, وكلما رأى خيراً قلبه وتلقاه, أو أبصر شراً تحاماه, يمتنع عن البغي والعدوان, ويحذر الفسوق والعصيان, يخاطب الناس كأنهم منهم في خجل. ويتجنب محارم الله -عز وجل-. فمن لبِسَ ثوب الحياء استوجب من الخلق الثناء, ومالت إليه القلوب, ونال كلَّ أمرٍ محبوب, ومن قلَّ حياؤه قلت أحباؤه (2).
ومن ثمَّ فإن تحلى به الشخص كان في أحسن صورة, وأحلى تصرف، وأجمل فعال.
كانت تلك صورة الحياء المشرقة, التي تمثلت في حياة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح, سطروها على صفحات بيضاء مشرقة, سيحفظها التاريخ بمداد من ذهب.
وتمر السنون, والقرون, والمبادئ والقيم في انحدار -بشكل عام-, لا يخفى على متأمل, حتى يأتي زمن العولمة, فيحس المصلحون حينها بذلك الانحدار الهائل في القيم والمبادئ, وصاحبه-بداهةً- فقدٌ للحياء فهو أساسٌ لها, فيتجهون إلى توعية المجتمعات, وتوجيههم, ومحاولة الرجوع بهم عن ذلك المنحدر, ولم يمضِ على تلك الصحوة سوى عقود قريبة, فلم يُشعر بفقد الحياء إلا حينذاك.
__________
(1) الآداب الشرعية ، 2/220 ، ومكارم الأخلاق ، 1/34 .
(2) حكم وآداب من مآثر العرب ، 2/129 .(1/3)
ولا يزال المصلحون من الأمة الإسلامية في محاولة إلى تصحيح مسار الأمة في مبادئها وقيمها وسلوكها, ومن ذلك ما قام ويقوم به العلماء -ورثة الأنبياء-, فعليهم المعوَّل في الإصلاح, كذلك المفكرون من النواحي التنظيرية, ومما لا يمكن إغفاله في مثل هذا ما تقوم به مراكز البحوث, والباحثين, والمُصنِفينَ في محاولة النهوض بالأمة في شتى المجالات, ومن ذلك المجال الأخلاقي والسلوكي, والتصنيف فيه قديمٌ, لا يخفى على مُطلِّعٍ, ولا تزال تلك المحاولات وغرضها الأول الرقيُّ بالأمة, ومع تلك المحاولات الكثير إلا أنَّ هذا المجال لم ينضج بعد, وإني ومن خلال هذا الجمع المتواضع في رأس تلك الأخلاق, الذي إنْ كان, كانت الأخلاق, وثمَّ المبادئ, (الحياء), لأرجو أنْ أكون ممن يُسهم في رقيِّ الأمة, والنهوض بها نحو الأفضل كما أراد لها الله عز وجل, متطفلاً بذلك على صفِّ المصلحين, وأهل الفضل, ولمْ أكنْ لأُسْهِمَ فيه لو كان أشبع دراسةً, أو قُتل بحثاً كما يُقال, أو نضج, فلما أنْ رأيتُ أنَّ الحاجة ماسةٌ لمثله, خاصةً أنَّ الوضع العام للأمة لا يزال في انحدارٍ لا يخفى, ولست -بحمد الله- ممن يقطع الرجاء في تغيير العادات وإصلاح الأوضاع, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) (1) .
__________
(1) رواه مسلم (4/2024), برقم(2623), كتاب البر والصلة والآداب, باب النهي من قول هلك الناس .(1/4)
وبهذا الصدد فإن كثيراً من الناس يستقبلون تلك المقولات القاطعة للرجاء في التغيير بالارتياح؛ لأنها تعفيهم من مجاهدة النفس, والارتداع عن سيئ الفعال؛ مع أنَّ من المهام الأساسية للنبي صلى الله عليه و آله وسلم تزكية النفوس, وقد آتت تربيته أكلها. ومهمة المربين الناصحين من بعده القيام بالدور ذاته؛ وقد رأينا الكثير من ثمار جهودهم في إصلاح النفوس, وتقويم الاعوجاج.بصائر في العلم والثقافة1/35-36, بتصرف. أقول: فلما أنْ رأيت الحاجة ماسة لدراسة جادةٍ في الموضوع, تسهم في العلاج, بأُطرٍ شرعية, على فهم السلف الصالح -رحمهم الله-, وأعلم أنْي بهذا أرتقي مرتقاً صعباً, وألج مولجاً صلباً, وليس مثلي من يقوم به, ولكن مُكره أخاك لا بطل, وإبراء للذمة, وتبعاً لذلك تكليف الدراسة الأكاديمية, لمادة البحث العلمي للمستوى الرابع من كلية الشريعة, لهذا وذاك كان هذا البحث المتواضع, سائلاً الله عز وجل التوفيق والسداد, ومنه وحده العون والطول.
... وحرصتُ لعلمي بالعجز عن الإحاطة بجوانب الموضوع, على الإشارة وعلى عُجالة إلى العناصر المحورية, والجوانب الأصيلة, في الموضوع, واجتهدت في اختيار تلك العناصر, والخطأ من لوازم البشرية, ولكنَّ حسبي أنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيب.
وقد سرتُ في الكتاب وفق الخطة التالية:
1. المقدمة: وتشمل ثلاث عناصر:
أولاً: أهمية الموضوع, والحاجة إليه.
ثانياً: أسباب اختيار البحث, والدراسة فيه.
ثالثاً: بيان خطة البحث, والمنهج في الدراسة والبحث.
2. الفصل الأول: حقيقةُ الحياء: واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: تعريفُ الحياء. واشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: تعريفه لغة.
المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً.
المبحث الثاني: العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي، وسبب تسميته بالحياء.
3. الفصل الثاني: منزلة الحياء في الشريعة الإسلامية.
4. الفصل الثالث: بين الحياء والأخلاق.واشتمل عل مبحثين:
المبحث الأول: بين الحياء والخجل.(1/5)
المبحث الثاني: بين الحياء والرياء.
5. الفصل الرابع: تقاسيم الحياء. واشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: تقسيم الحياء من حيث الأصل.
المبحث الثاني: أقسام الحياء.
المبحث الثالث: أنواع الحياء.
المبحث الرابع: درجات الحياء.
6. الفصل الخامس: مواقف من الحياء. واشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: من حياء الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.
المبحث الثاني: من حياء الصحابة - رضي الله عنهم- .
المبحث الثالث: من حياء السلف - رحمهم الله - .
7. الفصل السادس: من مظاهر الحياء. واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: من مظاهر الحياء.
المبحث الثاني: من المظاهر المنافية للحياء.
8. الفصل السابع: وسائل اكتساب الحياء وتنميته.
9. الفصل الثامن: آثار الأخلاق, والحياء على المجتمع والفرد, واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: آثار الأخلاق على المجتمع والأمة والفرد. وفيه مطلبين:
المطلب الأول: بالنسبة للمجتمع والأمة.
المطلب الثاني: بالنسبة للفرد:
المبحث الثاني: آثار الحياء الخاصة.
ثبتُ المصادر والمراجع.
ثبتُ الموضوعات.
... هذا وإني لا أدعي الإحاطة ولا الاستيعاب, لا. فدون ذلك خرط القتاد, وفتُّ الأكباد, فلا يفي بهذا الخُلُق العظيم, والبحر الزاخر, بطون الكتب, ومضامين الأسفار, فضلاً عن هذه الأوراق والسطور, فمثل هذا بحاجةٍ إلى دراسات طويلة, مُعمقة, وموضوعية, وكلُّ هذا مما لا يتقنه مثلي.(1/6)
... وهدفي من هذه الدراسة المتواضعة هو جمع شيءٍ مما تفرق في الموضوع, من خلال جمع أقوال السلف, وأهل العلم- رحمهم الله تعالى-, من بطون الكتب, ومضامين الأسفار(1), فكلُّ الخير في اتباعهم:
... وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
وبذلت فيها جهدي, فمن مقاصد التآليف السبعة التي لا يُؤلَفُ إلا في أحدها: شيء متفرق يجمعه أو شيء مختلط يرتبه ,..., (2).
... و قد حرصت في البحث على إيراد كلام السلف-رحمهم الله تعالى- حسب المناسبة, فيما ظهر لي, وإنْ رأيتُ بها غُنيةً عن التعليق استغنيت, وإنْ رأيت الحاجة ماسةٌ إلى التعليق بذلت جهدي, ومع ذلك فلست كالأول حين قال:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل(3)
__________
(1) ولست بذلك أنحو نحو من قال: (ما ترك الأول للآخر شيئاً), فقد نصَّ أهل العلم على ألا كلمة أضر بالعلم والعلماء والمتعلمين منها. انظر: قواعد التحديث 1/39, و الإبهاج 2/345, وجامع بيان العلم وفضله 1/99.قال الجاحظ كما في معجم الأدباء 4/476: (إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئاً, فاعلم أنه ما يريد أن يفلح)أ.هـ.
والتصنيفُ بالجمع عادةٌ جارية عند الأئمة, والمصنفين, كما قال القاسمي في قواعد التحديث 1/39: (أتأسى في هذا التصنيف الميمون بقول السيد مرتضى اليماني -رحمه الله- في كتابه (إيثار الحق على الخلق): وإنما جمعت هذا المختصر المبارك -إنْ شاء الله تعالى- لمن صنفت لهم التصانيف, وعنيت بهدايتهم العلماء. وهم من جَمَعَ خمسة أوصاف: معظهما الإخلاص, والفهم, والإنصاف, ورابعها -وهو أقلها وجوداً في هذه الأعصار- الحرص على معرفة الحق من أقوال المختلفين, وشدة الداعي إلى ذلك الحامل على الصبر والطلب كثيراً, وبذل الجهد في النظر على الإنصاف, ومفارقة العوائد, وطلب الأوابد)أ.هـ.
(2) انظر: نفح الطيب 3/176, وأبجد العلوم 1/189, وكشف الظنون 1/35.
(3) الحماسة المغربية ، 1/766.(1/7)
... كما أنَّ مما أوردته شيئاً من كلام السابقين فيه من نَفَسِ الصوفية, وقد أُعلق عليها إنْ رأيتُ الحاجة إليه, أو أتركه لوضوحه. وفي تخريج الأحاديث قد أقف على خبرٍ لا أجده في شيء من كتب السنة, وبالتالي أذكر من ذكرته من كتب التخريج مع الإحالة على الجزء, ورقم الصفحة, ورقمه-إنْ وُجد-.
... كما أني استعنت بشيء من المقالات المنشورة في الشبكة العنكبوتية, فيما نقلته من الأقوال, أو الأخبار, وأحياناً, وقد أستفيد من الفكرة الرئيسة للمقال, وقد أُوثق المقال إنْ كان مُوثقاً, ولم أتخذها عادةً؛ لأنه لم تجرِ عادة الباحثين على أنَّ الشبكة مصدراً من مصادر المعلومات, -في حدِّ علمي-.
كما أني قد أستفيد من كتابٍ في فكرةٍ, في أكثر من فقرة في المبحث, فأُحيل عليه في آخر المقال بـ(انظر:...).
وأخيراً:
فإني بالتقصير لمعترفٌ, ومن بحر الخطايا لمغترف, ولكني متشبهٌ بأهل الفضل والعلم, من باب قول الأول:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إنَّ التشبه بالكرام فلاح(1)
على أني-والله- لا أرى للنفس منزلةً تُعدُّ من منازل النبلاء, ولا للذات منهل مورد كمناهل العلماء, كيف ذا؟!, ومن نحنُ إلى جانب تلك الجبال؟!, ولكني أرجو, والرجاء من عادة الموقنين, واليأس من عادة القانطين.سائلاً من الله الإجابة والتوفيق. كما أسأله تعالى مجانبة الزلل, والثبات على صراط الصواب, وأن يثيبني عليه من كرمه سبحانه جزيل الثواب, فله الحمدُ والفضلُ فقد منَّ حتى ظُفر بدررٍّ استُخرجت من الأصداف, وبجواهر أُخرجتْ من الغلاف, فجاء البحث -بحمد الله وتوفيقه- فوق ما في الخواطر, فائقاً بكثرةِ الفوائد والنوادر, فمأمولي من الناظر فيه إن رأى حسناً دعا, أو خللاً يُصلَحُ عفا؛ فإن الإنسان غير معصومٍ (2) ، على أني متمثل في الحال بقول من قال :
ماذا تؤمل من أخي ثقة حملته ما ليس يمكنه
__________
(1) معجم الأدباء ، 5/615 .
(2) عمدة القاري ، 1/4 " بتصرف " .(1/8)
... إن بان عجز منه فهو على عذر يبين إذا يبرهنه
قدمت فيما قلت معتذرا ... هذا طراز لست أحسنه
...
... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،
الفصل الأول
حقيقة الحياء
المبحث الأول : تعريفه :
المطلب الأول : تعريفه لغة:
الحياء: أصله من (ح ي ى), وقيل: من (حيا),وقيل من (ح ي و). وهو مصدر قولهم :( حيّي).
(وحيي منه حياء) بالفتح والمد فهو حيي على وزن فعيل.
يقال: استحيا الرجل يستحى واستحى يستحي معاً, والأول أعلى وأكثر.
وقد حيي منه حياء و استحيا و استحى؛ وقد حذفت الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين.
والحياء على الأصح مشتق من الحياة (1).
يقال: (حيي) بمعنى: أصيبت حياته، ومسي بمعنى أصيب مساه.
ويُقال: استحياه و استحيا منه. بمعنى : من الحياء, ويقال: استحيت، بياءٍ واحدة وأصله استحييت, فأعلوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء, فقالوا: استحيت؛ لمَّا كثُر في كلامهم. وقال الأخفش: يتعدى بنفسه وبالحرف، فيقال: استحيا منك، و استحياك، واستحى منك، و استحاك, واستحييت منه، واستحييته، واستحيا منه, وقيل هما لغتان:
الأولى : استحى بياءٍ واحدة لغة تميم ؛ وإنما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة كما قالوا : لا أدرِ، في لا أدري .
الثانية : بياءين لغة أهل الحجاز وبها جاء القرآن وهي الأصل. (2).
قال الليث: يجوزُ قصر الحياء ومدُّه وهو غلطٌ لا يجوز قصره لغير الشاعر؛ لأن أصْلَه الحياءُ من الاستحياءِ.
__________
(1) المصباح المنير، 1/160 .
(2) مختار الصحياح ، 1/69-70 . بتصرف .(1/9)
ويدل الحياء على الاستحياء الذي هو ضد الْوَقَاحَةُ (1)، وقد يقابله البذاء (2) (أي الفحش).
وفي المعجم في مادة (استحيا) قال: استحيا فلان فلاناً، خَجِلَ منه, وفي مادة (الحياء): الاحتشام(3).
قال الأخفش: وهو الانقباض والانزواء.
وقيل الحَيَاءُ: بالمدِّ التَّوبة والحِشْمَةُ(4).
وجاء في الموسوعة الفقهية: الْحَيَاءُ لُغَةً مَصْدَرُ حَيِيَ , وَهُوَ : تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ (5).
المطلب الثاني : تعريفه اصطلاحاً :
... وردت في تعريفه عباراتٌ كثيرة ولكنها في العموم متقاربة المعنى, وقد جمعتها هنا لأختار منها حدّاً جامعاً مانعاً كما سيأتي:
قال الرَّاغبُ : الحياء : هو انْقِباضُ النَّفْسِ عن القَبائِحِ(6).
وقيل الحياء: هو انقباض النفس عن القبيح وتركه لذلك, ومن القبيح حياء انقبضت نفسه و من الرجل احتشم فهو حيي(7).
وقيل: هو انفعال النفس وتألمها من النقص والقبيح بغريزة حب الكمال.
__________
(1) الْوَقَاحَةُ مأخوذة من الِقْحَةُ وهي : أَنْ يَقِلَّ حَيَاءُ الرَّجُلِ وَيَجْتَرِئَ عَلَى اقْتِرَافِ الْقَبَائِحِ وَلَا يَعْبَأَ بِهَا.
(2) والْبَذَاءَةُ لُغَةً: السَّفَاهَةُ وَالْفُحْشُ فِي الْمَنْطِقِ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ صِدْقًا. وسيأتي مزيد تحرير لها .
(3) المعجم الوسيط ، 1/213 .
(4) تاج العروس ، 37/511-512 .
(5) الموسوعة الفقهية ، 18/259 .
وانظر : مشارق الأنوار ، 1/218 ، والنهاية في غريب الأثر ، 1/470 ، والمصباح المنير ، 1/160 ، ومشارق الأنوار ، 1/218 ،ومختار الصحاح ، 1/69 ، و تهذيب اللغة ، 5/189 ، و لسان العرب ، 14/217 .
(6) تاج العروس ، 37/511-512 .
(7) المعجم الوسيط ، 1/213 ، المفردات في غريب القرآن ، 1/140 .(1/10)
وقيل: أنه انكسار وتغير في النفس يلم بها إذا نسب إليها أو عرض لها فعل تعتقد قبحه، فيقال: استحيا من عمل كذا. أي انفعلت نفسه وتألمت حين عرض عليه أن يفعله فرآه شيئاً ناقصاً·
وقيل الحياء: هو تغير وانكسارٌ يعتري ويصيبُ النفس بسبب فعلٍ مذمومٍ أو الوقوع في قبيحٍ,أو خوف ما يُعاب.
وعرَّفه ابن حجر - رحمه الله - بقوله : " هوخلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق" (1).
وقد يطلق الحياءُ على مجرد ترك الشيء بسببٍ ، والترك إنما هو من لوازمه(2).
وعرَّفه أبو القاسم الجنيد رحمه الله فقال: (الحياء رؤية الآلاء أي النعم ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء) (3).
... وجاء في الموسوعة الفقهية: وَفِي الشَّرْعِ: خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ , وَيُمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ (4).
... والتعريف المُختار للحياء ، وهو المشتهر، أنْ يقال: هو الخلق الذي يبعث ويحمل على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال، ويمنع من التقصير في حق الله المتفضل المنعم سبحانه، والتقصير في حق ذي الحق .حيث أنَّه شامل وحادٌ وكما يقول المناطقة: (جامعٌ مانعٌ) لما نريد تناوله في هذا البحث المتواضع؛ لأنَّ حامله إذا تعرى عنه وعطل من التحلي به فلا تسلْ عما سيتصرفه من رذائل ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت),وسيأتي تخريجه.فأصحاب الفطر السليمة يغشاهم الحياء, ويتحرجون ويكسوهم الخجل من فعل مالا ينبغي فعله, ومن كان هذا ديدنه فهو حيُّ الضمير، زكي العنصر, نقيُّ المعدن.
__________
(1) فتح الباري ، 1/52 .
(2) فتح الباري ، 1/52 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم ، 2/5 .
(4) الموسوعة الفقهية ، 18/259 .(1/11)
فالحياء هنا أشبه بحجر كبير يعترض دربك حينما تهم النفس الأمارة بالسوء بالمشي في أوحال كل ما هو قبيح وذميم ومرفوض وبذيء.
المبحث الثاني : العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي، وسبب تسميته بالحياء :
... كما سبق في التعريف اللغوي للحياء أن أصله من (حيي) بمعنى: أصيبت حياته، وقالوا: حيي بمعنى: أصيبت حياته، ومسي: بمعنى أصيب مساه؛ فإذن كأنما من الخصائص الحيوية أنَّ الإنسان عندما يقع في أمرٍ ما يشعر بأنها تأخذه في الانزواء بسبب هذه الإصابة التي تؤدي به إلى الاستحياء من الغير.
قال الإمام الواحدي: ( قال أهل اللغة: الاستحياء من الحياة ، واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب. قال: فالحياء من قوة الحسِّ ولطفه وقرة الحياة) (1).
سبب تسمية الخلق بالحياء:
... سُمي الحَيَاءُ باسم الحياءِ من الاستحياء؛ لأنه يُسْتَرُ من الآدميّ ويكنّى عنه من الحيوان، ويستفحش التصريح بذكره واسمه الموضوع له، ويستحى من ذلك، ويكنى عنه، ولذا سُمّي حياءً لهذا المعنى (2).
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم ، 2/5 .
(2) انظر : تهذيب اللغة ، 5/189 ، لسان العرب ، 14/217 ، المعجم الوسيط ، 1/213 .(1/12)
... قال ابن القيم-رحمه الله-: (الحياء مشتق من الحياة فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان) (1), وقال: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق) (2). فإن الحي يدفع ما يؤذيه بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يسمى وقحاً, والوقاحة: الصلابة: وهو اليبس المخالف للرطوبة والحياة, فإذا كان وقحاً يابساً، صلب الوجه، لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيه وطء الأقدام بخلاف الأرض الخضرة؛ ولهذا كان الحيي يظهر عليه التأثر بالقبح وله إرادة تمنعه عن فعل القبيح بخلاف الوقح والذي ليس بحيي فإنه لا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك فالقلب إذا كان حياً فمات الإنسان بفراق روحه بدنه، كان موت النفس فراقها للبدن ليست هي في نفسها ميتة بمعنى زوال حياتها عنها) (3).
الفصل الثاني
منزلة الحياء في الشريعة الإسلامية.
__________
(1) سيأتي تخريجه .
(2) سيأتي تخريجه .
(3) أمراض القلوب ، 1/13 .(1/13)
... الحياء خلق عظيم جاء به الشرع، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغَّب فيها. لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ) (1). واتصف به النبي صلى الله عليه وسلم الموصوف بمكارم الأخلاق, كما قال عز وجل: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } (2), وقد أمرنا الله باتباع هديه, والسير على سنته, كما قال الله تعالى: ). { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ×puZ|،xm لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ uچ½zFy$# uچx.sŒur اللَّهَ #[ژچدVx. (21) } (3) , فلنا في الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, فقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَشَدّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا , فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ).متفق عليه(4).
... بل لمكانة الحياء في الشريعة الإسلامية كان قرين الإيمان مما يُشعر بعظمته, فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا , فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ) (5).
__________
(1) رواه ابن ماجه 2/1399, برقم(4182), كتاب الزهد, باب الحياء, ومالك في الموطأ 2/905, برقم(1610), كتاب حسن الخلق, باب ماجاء في الحياء, ونحوه مارواه الطبراني في الكبير 10/320, برقم(10780).
(2) سورة القلم ، آية 4 .
(3) سورة الأحزاب ، آية 23 .
(4) رواه البخاري 5/2263, برقم(5751), كتاب الأدب, باب من لم يواجه الناس بالعتاب. ومسلم 4/1809, برقم(2320), كتاب الفضائل, باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم.
(5) رواه الحاكم في مستدركه1/73, برقم (58), ورواه ابن أبي شيبة موقوفاً على ابن عمر 5/213, برقم(25350).
وفي رواية عن ابن عباس: (فإذا انتزع أحدهما من العبد اتبعه الآخر). رواه البيهقي في شعب الإيمان 6/140, برقم (7725).وفي رواية عنه: (فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر). رواه البيهقي في شعب الإيمان 6/140, برقم (7726), في الرابع والخمسون من شعب الإيمان : وهو باب الحياء بفصوله. وفي إسنادهما ضعفٌ.(1/14)
... و لقد جعله النبي صلى الله عليه جزءاً من الإيمان لا يتم إلا به, فعن أبي بكرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ , وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ , وَالْبَذَاءَةُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ) (1).
والْبَذَاءَةُ لُغَةً : السَّفَاهَةُ وَالْفُحْشُ فِي الْمَنْطِقِ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ صِدْقًا, فَجَعَلَ الْبَذَاءَةَ مُقَابِلَةً لِلْحَيَاءِ . وَقَرِيبٌ مِنْ الْبَذَاءَةِ الْفُحْشُ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : (مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ) (2).
... فالحياء وإن كان في الغرائز والطباع إلا أنه من خصال الإيمان, ومما يمنع ما يمنع منه الإيمان (3).وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ) (4).
... والسر في كون الحياء من الإيمان: أنَّ كلاً منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.
__________
(1) رواه ابن ماجه 2/1400, برقم (4184), كتاب الزهد, باب الحياء, وابن حبان في صحيحه 2/374, برقم (609)من رواية أبي هريرة, كتاب الرقاق, باب الحياء, في ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم الحياء عند تزيين الشيطان له ارتكاب ما زجر عنه.
(2) الموسوعة الفقهية 18/260.
(3) مشارق الأنوار 1/218 , بتصرف.
(4) رواه مسلم 1/63 ، برقم (35) ، كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان .(1/15)
... وجعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب؛ لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن تكن له تقية فصار الإيمان الذي يقطع بينها وبينه وإنما جعله بعضه لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به وانتهاء عما نهى الله عنه فإذا حصل الإنتهاء بالحياء كان بعض الإيمان (1).
... ... ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
... وذكر ابن عبد البر عن سليمان عليه السلام قومه : (الحياء نظام الإيمان فإذا انحل النظام ذهب ما فيه) (2) . ولذا فإن المسلم عفيفٌ حييي, والحياء خلق له, والحياء من الإيمان, والإيمان عقيدة المسلم وقوام حياته.
... وقد جُعلَ الحَياء بَعْض الإِيمانِ لأنَّ الإِيمانَ يَنْقَسِم إلى ائْتِمارٍ بما أمر الله به وانْتِهاءٍ عمَّا نَهَى اللَّهُ عنه فإذا حصلَ الإنْتِهاءُ بالحَياءِ كانَ بَعْض الإيمان (3).
يقول الطحاوي في العلاقة بين الإيمان والحياء -لمَّا سُئل عن ذلك-: ( أَنَّا وَجَدْنَا الْحَيَاءَ يَقْطَعُ صَاحِبَهُ عَنْ رُكُوبِ الْمَعَاصِي أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا كَمَا يَقْطَعُ الْإِيمَانُ أَهْلَهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ, وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ فِيمَا ذَكَرْنَا يَعْمَلَانِ عَمَلًا وَاحِدًا كَانَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُقِيمُ الشَّيْءَ مَكَانَ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ شَبِيهُهُ) (4).
__________
(1) النهاية في غريب الأثر ، 1/470 .
(2) الآداب الشرعية ، 2/219 .
(3) المعجم الوسيط ، 1/213 .
(4) مشكل الآثار ، 1/190 -191 .(1/16)
... ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير فهو مادة الخير بل الخير كله. لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ) (1).
... وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله), قال الراوي: أو قال: (الحياء كله خير) (2).
قَالَ النَّوَوِيُّ: (وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يَسْتَحْيِ أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ , قَالَ : وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله أَنَّ هَذَا الْمَانِعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمُهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ , وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَلْقٌ يُبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا...) (3).
__________
(1) رواه البخاري 5/2267, برقم(5766) كتاب الأدب ، باب الحياء , ومسلم 1/64, برقم(37) ، كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان .
(2) رواه مسلم 1/64, برقم (37), كتاب الإيمان ، باب بيان شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان ، وأحمد 4/440, برقم (19971) .
(3) طرح التثريب ، 8/148-149 .(1/17)
... فالحياء خلق رفيع يمنع الإنسان عن الاتصاف بالأخلاق الوضيعة, وعن السمعة المشينة, وعن الأقوال الفاحشة, وعن كل ما لا يرضاه الطبع السوي. فإنَّ المرء إذا فقده فعل ما شاء من معاصٍ أو آثام أو سوء خلق, ولم يخشَ في ذلك لوم لائم.
... فحقيقة الحياء -كما سبق- أنه خُلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، والحياء يكون بين العبد وبين ربه عز وجل فيستحي العبد من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، و هو أعلى درجات الحياء فيستحي من ربه أن يجده حيث نهاه, وهذا الحياء الذي بين العبد وربه قد بُيِّنَ في الحديث الذي رَوَاه التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: (اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ . قَالَ : قُلْنَا : إنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ , قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى , وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى , وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى , وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) (1).فقد بيّن في هذا الحديث علامات الحياء من الله عز وجل أنها تكون بحفظ الجوارح عن معاصي الله، وبتذكر الموت، وتقصير الأمل في الدنيا، وعدم الانشغال عن الآخرة بملاذ الشهوات والانسياق وراء الدنيا. وقد كان عباد الله الصالحون من هذه الأمة ينصرفون من الصلاة على إستحياء من الله تعالى حيث هم موقنون بتقصيرهم، وبذلك كانوا من الذين:
{
__________
(1) رواه الترمذي 4/637, برقم(2458), وابن أبي شيبة في مصنفه 7/77, برقم (34320) ، كتاب صفة القيامة والدقائق والورع ، باب . وأحمد 1/387, برقم (3671) ، كتاب الزهد ، باب ما ذكر عن نبيا محمد صلى الله عليه وسلم .(1/18)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ ى's#إ_ur ِNهk®Xr& إِلَى ِNخkحh5u' tbqمèإ_¨u' (60) } (1). وقد جاء في الحديث الآخر: (فمن استحيى من الله تعالى في الدنيا مما صنع استحيى الله تعالى من تفتيشه و سؤاله و لا يجمع عليه حيائين...) (2).
... وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا يدركني زمانٌ, ولا تدركوا زماناً لا يتبع فيه العليم, ولا يستحي فيه من الحليم, قلوبهم قلوب الأعاجم, وألسنتهم ألسنة العرب) (3).
... وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بعد أنْ طلب منه الوصية, فقال: (استح الله, كما تستحيى رجلاً صالحاً من قومك) (4).
__________
(1) سورة التوبة ، آية 103 .
(2) نوادر الأصول في أحاديث الرسول ، 1/418 .
(3) رواه الإمام أحمد ، 5/340 ، برقم ( 22930 ) .
(4) آداب الصحبة 1/50, برقم (25), تاريخ واسط 1/209(1/19)
قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْحَيَاءُ مِنْ الْحَيَاةِ , وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ فِيهِ قُوَّةُ خُلُقِ الْحَيَاءِ , وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ مِنْ مَوْتِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ , وَأَوْلَى الْحَيَاءِ : الْحَيَاءُ مِنْ اللَّهِ , وَالْحَيَاءُ مِنْهُ أَلَّا يَرَاك حَيْثُ نَهَاك , وَيَكُونُ ذَلِكَ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل الطويل لمَّا سأله عن الإحسان: (الْإِحْسَانُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) (1).فهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان
__________
(1) متفق عليه ، البخاري ، 1/27 ، برقم (50) كتاب الإيمان ، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له .... . ، ومسلم ، 1/39 ، برقم (9) ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ، ووجوب الإيمان بإثبات من الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول في حقه .(1/20)
... فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه, لأنه جزء من عقيدته وإيمانه, فعن عبدالله بن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ [أي: يعاتبه فيه لأنه أضرَّ به], فَقَالَ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ) (1). فقد أمر الرسول ذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو ترتب عليه أنْ منع صاحبه من استيفاء حقوقه. إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حيائه الذي هو من إيمانه وميزة إنسانيته وخيريته. فالرجل كان يعظ أخاه أن يترك الخجل؛ لأنه كان يتصور أن الخَجل يفقد الإنسان كثيرا من الحقوق. وهنا ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا التصور للحياء, بل جعل الحياء جزءٌ من الإيمان. فالذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعداً عما يذم من قبيح الخصال وسيء الأعمال والأفعال، فلا يكون سبَّاباً، ولا نماماً أو مغتاباً، ولا يكون فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجاهر بمعصية، ولا يتظاهر بقبيح. فحياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة؛ ومن لمْ يستح سقط, وصار كأنه لا إيمان له. كما روى شعبة عن منصور بن ربعي عن أبي منصور البدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى : إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت) (2).والحديث لَفْظُه أَمْرٌ ومعْناهُ تَوْبيخٌ وتَهْديدٌ . وهذا الحديثُ له تَأوِيلان:
__________
(1) رواه البخاري ، 1/17 ، برقم (24) ، كتاب الإيمان ، باب الحياء من الإيمان .
(2) رواه البخاري 3/1284, برقم (3296) ، كتاب الأدب ، باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت . وابن ماجه 2/1400, برقم (4183) ، كتاب الزهد ، باب الحياء . المعجم الوسيط 1/213.(1/21)
أحدهما: المشهور: أي إذا لم تَسْتَحْيِ من العيْب, ولم تَخْش العارَ مما تفعله فافعل ما تُحَدّثُك به نفْسُك من أغراضها حَسَنا كان أو قبيحاً، ولفظه أمر، ومعناه توبيخٌ وتهديد، وفيه إشعار بأن الذي يَرْدَع الإنسان عن مُواقعة السوء هو الحَياء، فإذا انْخَلع منه كان كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة.
والثاني: أن يُحْمل الأمر على بابه، يقول: إذا كنت في فعلك آمِناً أن تَسْتَحْيِي منه لجريك فيه على سَنَن الصواب، وليس من الأفعال التي يُسْتَحيا منها فاصنع ما شئت (1).
قال أبو عبيد: قال جرير: فمعناه أنْ يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من الناس, كأنه يخاف مذهب الرياء, يقول: فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت.
قال أبو عبيد: والذي ذهب إليه جرير معنىً صحيح في مذهبه, وهو شبيه بالحديث الآخر: ( إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي, فقال: إنك ترائي فزدها طولاً).
وفي هذا أحاديثٌ والمعنى قائمٌ فيه ولكن الحديث الأول لايأتي سياقه ولا لفظه على هذا التفسير ولا يُحمل عليه, و إنما وجهه أبو عبيد: بأنه أراد بقوله إنما هو من لم يستحى صنع ما شاء على جهة الذمِّ, لترك الحياء, ولم يُرِدْ بقوله: (فاصنع ما شئت), أن يأمره بذلك أمراً. وهذا جائز في كلام العرب أن يقول: افعل كذا وكذا, وليس بأمر, ولكنه أمر فيه معنى الخبر, كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار), فليس معناه: أنه يأمره بذلك, إنما معناه: من كذب علي متعمدا تبوأ مقعده من النار أي: كان له مقعد من النار, فهي لفظة أمرٍ على معنى الخبر وتأويل الجزاء. فيراد من الحديث أنه يحث على الحياء, ويأمر به, ويعيب تركه(2).
قال الإمام الماوردي: (واختلف أهل العلم في معنى هذا الخبر:
__________
(1) النهاية في غريب الأثر ، 1/470 -471، " بتصرف " .
(2) غريب الحديث ، 3/31-32 ، " بتصرف " .(1/22)
o فقال أبوبكر بن محمد الشاشي -في أصول الفقه-: معنى هذا الحديث: أنَّ من لم يستحي دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء لا يردعه عنه رادع, فليستحي المرء فإن الحياء يردعه.
وقال أبو بكر الرازي -من أصحاب أبي حنيفة-: أنَّ المعنى فيه: إذا عُرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستحي منها؛ لحسنها, وجمالها, فاصنع ما شئت منها .فجَعَلَ الحياء حكماً على أفعاله.
... وكلا القولين حسنٌ والأول أشبه؛ لأنَّ الكلام خرج من النبي صلى الله عليه وسلم مخرج الذم لا مخرج المدح, ولكن قد جاء أثر بما يضاهي الثاني وهو: (ما أحببت أن تسمعه أذناك فأته, وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه) (1). ويجوز أن يُحمل هذا الحديث على المعنى الصريح فيه,ويكون التأويل الأول في الحديث المتقدم أصح,إذ ليس يلزم أن تكون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها متفقة المعاني, بل اختلاف معانيها أدخل في الحكمة, وأبلغ في الفصاحة إذا لم يضاد بعضها بعضاً) (2).
فمن هذا كله يتبين لنا أنَّ الحياء من أخلاق الإسلام العظام, التي حثَّ عليها, ورغبَّ فيها.
فهو جزءٌ من الإيمان الكامل, لا يتم إلا به, وصاحبه مقتدٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم, وأصحابه الكرام, وأهل القرون المفضلة من سلف الأمة الصالح (3).
وسيأتي-بإذن الله- مزيد كلام حول هذا الموضوع في ثنايا البحث.
الفصل الثالث
بين الحياء والأخلاق
__________
(1) لم أجد له أصلاً ولكنه ورد في مجمع الأمثال ، 2/411 .
(2) أدب الدنيا والدين ، ص249 .و انظر : مشكل الآثار ، 1/198-199 .
(3) وانظر : الموسوعة الفقهية ، 18/260-261-262 , و بناء الأخلاق ، ص63-65 .(1/23)
... فإنَّ مما تختص به الأخلاق الإسلامية, تداخلها مع أضدادها نتيجة للتوسع في استخدام لفظ الخُلق, وقد يكون التوسع المقصود فعلياًّ, ويكون بمالغة الإنسان بالتخلق به مما يؤدي إلى أضداده, ولم يسلمْ الحياءُ من هذا, بل قد كان له قَسَمُ السبق في ذلك, ورأيت أنَّ من الأهمية بمكان أنْ لا يُغفل مثل هذا الموضوع, فتناولته بشيء من الاستحياء, وقسمتُ هذا الفصل على مبحثين:
المبحث الأول: بين الحياء والخجل:
لا بد ابتداءاً من التفريق بين الحياء والخجل-وقد سبق شيء من ذلك-, وقد سبق تعريف الحياء, وذكرتُ أنها صفةٌ لازمة للإنسان المسلم.
أما الخجل:فهي الصورة المتطرفة و المذمومة للحياء. ويمكن تعريفه بأنه: حيرة النفس؛ لفرط الحياء. ويُحمد في النساء والصبيان ويُذمُّ باتفاق في الرجال (1).
قَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ : (الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَجَلِ وَالْحَيَاءِ:
__________
(1) فيض القدير ، 3/426 .(1/24)
أَنَّ الْخَجَلَ مَعْنًى يَظْهَرُ فِي الْوَجْهِ لِغَمٍّ يَلْحَقُ الْقَلْبَ عِنْدَ ذَهَابِ حُجَّةٍ , أَوْ ظُهُورٍ عَلَى رِيبَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ شَيْءٌ تَتَغَيَّرُ بِهِ الْهَيْئَةُ , وَالْحَيَاءُ هُوَ الِارْتِدَاعُ بِقُوَّةِ الْحَيَاءِ , وَلِهَذَا يُقَالُ فُلَانٌ يَسْتَحْيِ فِي هَذَا الْحَالِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا , وَلَا يُقَالُ يَخْجَلُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ , لِأَنَّ هَيْئَتَهُ لَا تَتَغَيَّرُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ , فَالْخَجَلُ مِمَّا كَانَ وَالْحَيَاءُ مِمَّا يَكُونُ , وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْحَيَاءُ مَوْضِعَ الْخَجَلِ تَوَسُّعًا. وَقَالَ الْأَنْبَارِيُّ : أَصْلُ الْخَجَلِ فِي اللُّغَةِ : الْكَسَلُ وَالْتَوَانِي وَقِلَّةُ الْحَرَكَةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ لَهُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ عَلَى مَعْنَى الِانْقِطَاعِ فِي الْكَلَامِ, وَفِي الْحَدِيثِ: (إذَا جُعْتُنَّ وَدقَعْتُنَّ (1)وَإِذَا شَبِعْتُنَّ خَجِلْتُنَّ) (2).
__________
(1) دقعتن: الدقع الخضوع في طلب الحاجة, مأخوذ من الدقعاء: وهو التراب, أي: لصقتن به. النهاية (2/127).
(2) كنز العمال 6/161, برقم (16136) عن عائشة. وقال: أراد بالخجل: الكسل والتواني؛ لأن الخجل يسكت ويسكن ولا يتحرك وقيل: الخجل ههنا: الأشر والبطر من خجل الوادي إذا كثر نباته وعشبه.النهاية(2/12).
ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن منصور بن المعتمر مرسلا_أي أخرجه_.(1/25)
وَقَعْتُنَّ أَيْ ذَلَلْتُنَّ وَخَجِلْتُنَّ كَسِلْتُنَّ, وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْخَجَلُ هَاهُنَا الْأَشَرُ , وَقِيلَ : هُوَ سُوءُ احْتِمَالِ الْعَنَاءِ , وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْعَرَبِ الْخَجَلُ بِمَعْنَى الدَّهَشِ. قَالَ الْكُمَيْتُ : فَلَمْ يَدْفَعُوا عِنْدَنَا مَا لَهُمْ لِوَقْعِ الْحُرُوبِ وَلَمْ يَخْجَلُوا . أَيْ لَمْ يَبْقَوْا دَهِشِينَ مَبْهُوتِينَ)ا.هـ (1).
وجاء في الموسوعة الفقهية: (الْخَجَلُ : وَهُوَ : الِاسْتِرْخَاءُ مِنْ الْحَيَاءِ , وَيَكُونُ مِنْ الذُّلِّ , يُقَالُ : بِهِ خَجْلَةٌ أَيْ حَيَاءٌ , وَهُوَ التَّحَيُّرُ وَالدَّهَشُ مِنْ الِاسْتِحْيَاءِ . يُقَالُ : خَجِلَ الرَّجُلُ خَجَلًا : فَعَلَ فِعْلًا فَاسْتَحَى مِنْهُ) (2).
وقال الزبيدي: (وفَرّق بعضُهم بينَ الخَجَل والحَياء وقال إنّ الخَجَل أخَصُّ مِن الحَياء فإنه لا يكون إلّا بعدَ صُدُورِ أمرٍ زائدٍ لا يُريدُه القائمُ به بخِلاف الحَياء فإنه قد يكون لِما لَم يَقَع فيه فيترُك لأجلِه نقلَه شيخُنا قلت وهو مَفْهومُ عِبارةِ الأزهريُّ فتأمَّلْ)ا.هـ(3).
قال ابن حجر-رحمه الله-: (وقد تقدم أن الحياء من الإيمان وهو الشرعي الذي يقع على وجه الاجلال والاحترام للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس هو بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة...) (4). ويريد بالمذموم الخجل.
قال ابن مفلح-رحمه الله-: (وَإِنْ حَملَّ شَيْءٌ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِخْلَالِ بِحَقٍّ فَهُوَ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ , وَتَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مَجَازٌ. وحقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح والله أعلم) (5).
__________
(1) الفرق ، 1/268 - 289 .
(2) الموسوعة الفقهية ، 18/259-260 .
(3) تاج العروس 28/396 .
(4) فتح الباري 1/229.
(5) الآداب الشرعية 2/219.(1/26)
قال القرافي في قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بِالتَّأْثِيرِ: (وَلَهُ أَمْثِلَة), وذكر منها: (تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْحَيَاءَ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْقِحَةُ فَقَالَ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَيَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ, وَالِقْحَةَ لَا يَنْزَجِرُ صَاحِبُهَا عَنْ مَكْرُوهٍ وَلَا تَحُثُّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ) (1).
... وترجع أسباب الخجل إلى مخاوف مكبوتة في أعماق النفس؛ بتأثير التربية القاسية التي تحيط بالطفل أحيانا, والحماية الزائدة عن حدها أحيانا أخرى!, مما يجعل الإنسان فيما بعد يتهيب المجتمع, ويخاف الآخرين, ويتجنبهم!.وهو ما يسمى اجتماعياً بالخجل.
ولعلاجه: فهذه نصائح عاجلة:
1. كن أكثر ثقة بنفسك وشخصيتك .
2. عند مواجهة الآخرين في أيِّ موقف كان لا تنشغل كثيراً بنفسك بل انتبه للموقف ذاته.
3. نجاحك في العمل -أياً كان- يخفف كثيراً من حدة الحساسية والخجل؛ لأنه يجعلك موضع إعجاب الآخرين. فأتقن عملك وانجح فيه, واندمج وتفاعل مع الآخرين بقدر المستطاع.
4. تأكد أن من تشعر بالخجل في حضرتهم لزيادة حساسيتك بنفسك ربما لا يفكرون فيك أبداً. بل ربما كانوا يفكرون مثلك في أنفسهم!! (2).
المبحث الثاني: بين الحياء والرياء:
__________
(1) أنوار البروق 2/224.
(2) بتصرف نقلاً عن كتاب: مشاكلنا النفسية, تأليف: معروف زريق, بواسطة مقال في الشبكة.(1/27)
إنَّ الله عز وجل جبل الإنسان على أوصاف جالبةٍ للنفع, وعلى أوصاف دافعة للضر, فخلق الحياء لجلب النفع ودفع الضر جميعاً, فيحمل الحياء العبد على فعل ما يستحي من تركه وترك ما يستحي من فعله, فقد جمع من الخير ما تفرق في غيره؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان) فشبهه بالإيمان؛ لاستوائهما في الحثِّ على كل حسن, والزجر عن كل قبيح.
والإنسان قد يفعل البر حياء وقد يفعله رياء.
وما يفعله الإنسان حياءاً: مثل أنْ يسأل شيئا من أنواع البر فيدفعه حياء من السائل أن يمنعه, فله أربعة أحوال:
1. أن يدفعه رياء: فهذا مذموم لأنه قدم الحياء من الخلق على الحياء من الله سبحانه وتعالى.
2. أن يفعله إخلاصاً وحياء: فهذا ممدوح مأجور لأنه استعمل الحياء في موضع ينبغي أن يستعمل الحياء فيه.
3. أن يتردد بين كونه مرائياً أو كونه مستحياً: فلا يقضى بإثمه ولا بكونه مخلصا لأننا لا نتحقق إخلاصه فيكون مأجوراً ولا نتحقق رياءه فيكون مأزوراً.
4. أن يعلم أنه فعله حياء من غير إخلاص ولا رياء: فهذا محمودٌ لا مأجورٌ ولا مأزور, ومثل هذا عزيز الوجود فيفعل العبد فعلاً لا لغرض.
ومن أمثلة ترك البر حياء: أن يرى إنساناً قد ألم بذنب يجب الإنكار عليه, فيترك الإنكار عليه؛ حياء من شيبته ووقاره, فهذا عاص لله تعالى من وجهين:
1. أنه ترك النكير على من يجب عليه الإنكار.
2. أنه قدم استحيائه من ذلك الإنسان على استحيائه من الملك القدير, ولو لاحظ عظمة الله تعالى لم يستح إلا منه, ولكن الغفلة عن ملاحظة العظمة أوجبت له ذلك(1).
__________
(1) انظر: مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل (1/107-109), فصلٌ في سبب التباس الحياء بالرياء.(1/28)
قال الخادمي فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ أَوْ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى: ( يَدْخُلُ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ ) أَيْ الرِّيَاءِ وَمُقَابِلُهُ ( تَلْبِيسُ إبْلِيسٍ ) فَلْيَكُنْ السَّالِكُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَيَقُّظٍ) (1).
قال: وَمِنْ الْأُمُورِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْحَيَاءِ: أَنْ يَمْشِيَ رَجُلٌ عَلَى الْعَجَلَةِ فَيُرَى وَاحِدًا مِنْ ذَوِي الْوَجَاهَةِ وَالْجَاهِ وَالشَّرَفِ فَإِنَّهُ َلَا يُغَيِّرُ صَنِيعَهُ فَيَعُودُ إلَى الْهُدُوءِ , أَوْ يَضْحَكُ فِي خَلْوَتِهِ أَوْ عِنْدَ النَّاسِ الَّذِينَ لَهُمْ مَعَهُ أُلْفَةٌ وَمُؤَانَسَةٌ فَعِنْدَ رُؤْيَةِ كَبِيرٍ أَوْ غَرِيبٍ تَرْكِ الضَّحِكِ .وَالْأَغْلَبُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ الرِّيَاءُ لِأَنَّ الْحَيَاءَ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا عَلَى قِلَّةٍ فَإِنْ قِيلَ الْحَيَاءُ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى فِعْلِ الْجَمِيلِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا وَلَوْ قِلَّةً قُلْنَا التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقَبَائِحُ شَامِلَةً لِمَا هِيَ عِبَادِيَّةٌ ثُمَّ نَقُولُ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا أَيْ الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ لَيْسَ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالذُّنُوبِ فَيَنْتِجُ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي لَيْسَ فِيهِمَا حَيَاءٌ فِي الْأَكْثَرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حَيَاءٌ فَمَا فِيهِمَا هُوَ الرِّيَاءُ فِي الْأَغْلَبِ فَيَشْكُلُ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَةِ فَتَأَمَّلْ أَوَّلًا وَثَانِيًا.
__________
(1) بريقة محمودية 2/134.(1/29)
ومن تلك الأخلاق التي لم يسعُ المقام لذكرها, الحياء والغيرة, وغيره كثير, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الفصل الرابع
تقاسيم الحياء
... اختلف أهل العلم-رحمهم الله- في تقسيم الحياء, فقسموه بعدة اعتبارات, فكلٌّ يُقسِّم بما يظهر له من خلال استقرائه للنصوص, فمن مكثرٍ من الأقسام ومن مُقلٍّ. ولكني رأيتُ ولعدة اعتبارات, ومن خلال الاستقراء رأيت أن أُقسِّمه وأُنوعه إلى أنواعٍ عدة, من خلال الاستنباط من تلك التقاسيم ، ورتبتها على مباحث الفصل كما يلي :
المبحث الأول : تقسيمه من حيث الأصل:
... فيمكن تقسيم الحياء من حيث الأصل إلى قسمين : -
1. حياءٌ فطري غريزي: وهو الذي يكون جبليّاً ، موجوداً في أصل الخلقة .
2. حياءٌ مكتسب: قال القرطبي: ( الحياء المكتسب: هو الذي جعله الشارع من الإيمان, غير أنَّ من كانت فيه غريزة الحياء فإنها تعينه على المكتسب, وقد يتطبع بالمكتسب حتى يصير غريزياً...).
قال غير واحد: (قد يكون الحياء تخلقاً واكتساباً, كسائر أعمال البر. وقد يكون غريزةً واستعماله على مقتضى الشرع يحتاج إلى كسبٍ ونيةٍ وعلمٍ) (1).
... وقال القرطبي : (وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جُمع له النوعان من الحياء: المكتسب, والغريزي, وكان في الغريزي أشدَّ حياء من العذراء في خدرها. وكان في المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم) (2) .
المبحث الثاني : أقسام الحياء:-
وهو أقسام أربعة :
__________
(1) الآداب الشرعية ، 2/219 .
(2) سبل السلام ، 4/206 ، نقلاً عن المفهم شرح مسلم .(1/30)
1. الحياء من الله: وهو أعظم الحياء, ويكون بأن لا يقابل العبد إحسان الله ونعمته بالإساءة والكفر والجحود والطغيان ، وأن لا يتضجر عند البلاء فينسى قديم إحسانه ومنته ورحمته به ، وأن يلتزم أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه وأن يخاف منه حق الخوف ، ولا يتولد هذا الحياء إلا حين يطالع العبد نِعَمَ الله عليه، ويتفكر فيها، ويدرك تمامها وشمولها، ثم يراجع نفسه بعد ذلك ويحاسبها على الخلل والزلل والتقصير، قال بعض السلف: (خَفِ الله على قدر قدرته عليك, واستح منه على قدر قربه منك) (1).
قال الله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ 3"uچtƒ (14) } (2)، وقال تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ ¨,xm ے¾دnح'ô‰s% } (3)، وقال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (4).
... فتجرؤ العبد على المعاصي, واستخفافه بالأوامر والنواهي الشرعية يدلُّ على عدم إجلاله لربه وعدم مراقبته له.
... قال سهل بن عبدالله: (أول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم) (5).
وقال بشر بن الحارث الحافي: (لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه) (6) .
فيكون الحياء من الله: باتباع الأوامر واجتناب النواهي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { استحيوا من الله حق الحياء } قالوا : يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله, قال: { ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى, وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء } (7).
__________
(1) فتح الباري ، 1/75 .
(2) سورة العلق ، آية 14 .
(3) سورة الأنعام ، آية 91 .
(4) سورة النساء ، آية 1 .
(5) مدارج السالكين ، 2/278 .
(6) تفسير ابن كثير ، 1/439 .
(7) وهذا الحديث من أبلغ الوصايا .(1/31)
معنى الحديث: ( استحيوا من الله حق الحياء) أي: استحيوا من الله قدر استطاعتكم؛ لأنه من المعلوم أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يقوم بكل ما عليه تاماً كاملاً, ولكن كلٌّ على حسب طاقته ووسعه, قال تعالى:
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1).
( قال قلنا: إنا نستحي والحمد لله ): أجابوا بذلك؛ لأنهم قصدوا أنهم يفعلون الحسن, ويتركون القبيح, على حسب استطاعتهم. فردَّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ المقصود ليس كذلك؛ لأنَّ هناك شروطاً للحياء الحق, وهي كما يلي:
1. { أن يحفظ الرأس وما وعى } أي: ما جَمَعَ من الأعضاء: العقل والبصر والسمع واللسان. قال تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } (2).
2. { وليحفظ البطن وما حوى } أي يحفظ بطنه, ومايتبعه من حفظ الفرج عن الحرام, فيحفظ بطنه من أن يدخله طعام حرام, أو من مال حرام. فالبدن ينبت ويقوى من الطعام. والرب عز وجل لا يقبل من عبده أن يتقوى على طاعته بمطعم حرامٍ, ولا مشرب حرام؛ لأن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً.
3. { وليذكر الموت والبلى } : أنْ يذكر الموت دائماً؛ لأن المرء في هذه الدنيا ليس مخلداً , وإنما سيموت, وسيقف بين يدي الله تبارك وتعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأكثروا من ذكر هادم اللذات الموت) (3) .
4. { ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا } ، ويمكن أن يعبر عنه بالزهد : لأنه ترك مالا ينفع في الآخرة ، قال تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ نouچ½zFy$# نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا tbrك‰ƒحچمƒ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) } (4).
__________
(1) سورة التغابن ، آية 16 .
(2) سورة الإسراء ، آية 36 .
(3) سنن رواه الترمذي 4/639, برقم (2460) , كتاب صفة القيامة والرقائق والورع. والطبراني في الأوسط 1/213, برقم(691).
(4) سورة القصص ، آية 83 .(1/32)
... فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه وزواجره, ومراقبة الله في السر والعلن. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- : (استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) (1).
... ومما يندرج تحت هذا القسم من الأنواع التي ذكرها الإمام ابن القيم - رحمه الله - كما سيأتي حياء العبودية ، وحياءُ الإجلال . وكذلك كانت حقيقة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا الحياء أيضاً:
حياء الجناية والذنب.
ومن أمثلة الحياء من الله:
... الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق: كالتعري كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: (عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟), فقال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك). قال: ( يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟), قال: (فالله أحق أن يستحي منه الناس) (2).
__________
(1) تاريخ واسط 1/209, التيسير بشرح الجامع الصغير 1/386, وأخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار 1/118, برقم (455) عن أبي هريرة (1 166), وقال: ( الخرائطي في مكارم الأخلاق, والبيهقي في الشعب من حديث سعيد بن زيد مرسلاً بنحوه, وأرسله البيهقي بزيادة ابن عمر في السند, وفي العلل للدارقطني عن ابن عم له وقال: إنه أشبه شيء بالصواب؛ لوروده من حديث سعيد بن زيد- أحد العشرة-)ا.هـ.
(2) رواه النسائي في الكبرى 5/313, برقم(8972), كتاب عشرة النساء, باب في المرأة تبيت مهاجرة لفراش زوجها. وأبو داود 4/40, برقم(4017), كتاب الحمام, باب ما جاء في التعري. و ابن ماجه 1/618, برقم(1920), كتاب النكاح, باب التستر عند الجماع.
أخرجه في كشف الخفاء 1/59 ,(143), وقال:
قوله: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. زاد قيل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟, قال: (إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها). قيل: إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: (الله أحق أن يستحى منه من الناس), وسببه ما رواه معاوية بن حيدة القشيري, قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فذكر الحديث. قال: الترمذي والحاكم: صحيح ووافقه الذهبي ورواه البخاري معلقاً.
وأخرجه في نوادر الأصول في أحاديث الرسول 2/120.في باب: الاعتبار بكلِّ شيء والاتعاظ بكلِّ شيء.(1/33)
وقد ورد أنَّ أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه ظهري إذا أخذت ثوبي حياءً من ربي(1).
... وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يخطب الناس: (يا معشر المسلمين استحيوا من الله. فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطي رأسي؛ استحياء من ربي) (2).
... وكان عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ليكون في البيت, والباب عليه مغلق, فما يضع عنه الثوب؛ ليفيض عليه الماء؛ يمنعه الحياء أن يقيم صلبه(3).
... ولقد بلغ الإيمان بسلف الأمة رحمهم الله أنهم أصبحوا يستحيون من الله من التقصير في النوافل, وكأنهم قد ضيعوا الفرائض. قال الفضيل بن عياض: (أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجعة, إنما هو على الجنب, فإذا تحرك قال: ليس هذا لك, قومي خذي حظك من الآخرة) (4).
... فعجيب شأن الإنسان؛ لا يستحي من ربه وهو ينعم عليه آناء الليل وأطراف النهار مع فقره الشديد إليه، والرب العظيم يستحي من عبده مع غناه عنه وعدم حاجته إليه.
__________
(1) وسيأتي تخريجه .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، 1/100 ، برقم (1127) ، كتاب الطهارة ، باب من كره أن ترى عورته .
(3) مسند الإمام أحمد ، 1/73 ، برقم ( 543 ) .
(4) حلية الأولياء ، 8/108 ، صفة الصفوة ، 2/241 .(1/34)
... ويقول أبو الحسن الماوردي عن نفسه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة, فقلت يا رسول الله, أوصني, فقال: استحي من الله عز وجل حق الحياء... ثم قال: تغير الناس. قلت: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي, فأرى من وجهه البشر والحياء, وأنا أنظر إليه اليوم, فلا أرى ذلك في وجهه. ثم تكلم بعد ذلك بوصايا وعظات تصورتها , وأذهلني السرور عن حفظها ووددت أني لو حفظتها . فلم يبدأ بشيء صلى الله عليه وسلم قبل الوصية بالحياء من الله عز وجل , وجعل ما سلبه الصبي من البشر والحياء سببا لتغير الناس , وخصَّ الصبي ; لأن ما يأتيه بالطبع من غير تكلف) (1).ورُوي أن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه- أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا فتنكب الطريق عن الناس , وقال: (لا خير فيمن لا يستحي من الناس) (2).
2. الحياء من الملائكة:
فمن المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار. وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات, كالخارج في طلب العلم, والمجتمعين على مجالس الذكر, والزائر للمريض, وغير ذلك.
وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة . { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ tûüدàدے"utm: (10) $YB#uچد. كَاتِبِينَ (11) } (3).
... فعلى المؤمن إذاً أن يستحي من الملائكة الكرام, فالحياء من الكريم من صفات الكرام, ولا ألأم ممن لا يستحيي من الكريم.
... و يكون ذلك: بالبعد عن المعاصي والقبائح, وإكرامهم عن مجالس الخنا, وأقوال السوء, والأفعال المذمومة المستقبحة. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه, كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار) (4).
__________
(1) أدب الدنيا والدين ، ص249 .
(2) المرجع السابق ، ص249 .
(3) سورة الانفطار ، آية 10 ، 11 .
(4) كنز العمال ، 3/51 ، برقم ( 5751 ) .(1/35)
... وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى في قوله تعالى: { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا ×,ح !$y™ س‰ٹخkyur (21) } (1), (ما على أحدكم إذا خلى أن يقول: اكتب رحمك الله. فيُملي خيراً) (2). ومراده من ذلك: أنْ يحسن العمل, فيكتب الكاتبون في صحائفه خيراً حياءً من الله ومن ملائكته.
... وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط, وحين يُفضي الرجل إلى أهله. فاستحيوهم وأكرموهم) (3).
وقال الرازي: (إنَّ الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب؛ لأن من آمن يعتقد جلالة الملائكة, وعلو مراتبهم, فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها, زجره الحياء منهم عن الإقدام عليها, كما يزجره عنها إذا حضره من يعطيه من البشر, وإذا علم أن الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال كان ذلك أيضاً رادعاً له عنها, وإذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل) (4).
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقوكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجذم حائطٍ) (5).
__________
(1) سورة ق ، آية 21 .
(2) حلية الأولياء ، 4/352 .
(3) رواه الترمذي ، 5/112 ، برقم ( 2800) ، كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في الاستتار عند الجماع. وقال " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
(4) التفسير الكبير ، 19/17 .
(5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (1/401-402): (رواه إبراهيم الحربي ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد). أ . هـ .
قلت : ولم أجده في شيء من كتب السنة مع طول التتبع.(1/36)
نقول ومما نقل من حياء السلف رحمهم الله ما روي عن أبي بكر بن عياش أنه قال وهو يدعو: (يا ملكي ادعوا الله لي؛ فإنكما أطوع لله مني) (1).
3. الحياء من الناس:
... فإذا العبد إذا استحيا من ربه حقَّ الحياء و استحى من نفسه_كما سيأتي_ انعكس ذلك عليه بالتأدب والتخلق بأخلاق النفس الكريمة على ممارساته, وسلوكه اليومي, وعلاقاته مع الناس الآخرين, فيجتنب عمل القبيح أمامهم كما اجتنب القبيح أمام الله ، ويكون قريباً من الصدق والاستقامة مع الله ومع النفس ومع الناس.
... ومن أسباب هذا الحياء مجالسة من يُستحيى منه, فلو لم يكن في صحبة الصالحين إلا أنها تمنع من اقتراف المعاصي لكفى. كما سبق من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار) (2).
وهذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق, ومنبع كل فضيلة؛ لأنه يترتب عليه القول الطيب, والفعل الحسن, والعفة والنزاهة... والحياء من الناس على قسمين:
أ قسمٌ صاحبه مستحيٍّ من الناس, جازمٌ بأنه لا يأتي هذا المنكر, والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً, ثم اتقاء ملامة الناس وذمهم ثانيا.ً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً؛ لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته, إذ ترتب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق. وهذا القسم أحسن الحياء وأكمله وأتمه.
ب قسم يترك القبائح والرذائل حياءً من الناس, وإذا خلا من الناس لا يتحرج من فعلها. وهذا النوع من الناس عنده حياءٌ, ولكنه حياءٌ ناقص ضعيف يحتاج إلى علاجٍ وتذكير بعظمة ربه وجلاله, وأنه أحقُّ أن يستحيا منه .
__________
(1) حلية الأولياء ، 8/303 .
(2) سبق تخريجه .(1/37)
... وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً, لا في الدنيا ولا في الآخرة, ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه الذي ليس له غنىً عنه.
فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح.
... أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله, ولا من الناس فهذا من شر ما منيت به النفس, وانتهكت به العفة؛ لأن المعاصي داء سريع الانتقال, لا يلبث أن يعم شرها ، ويتفاقم خطبها فشرها عظيم وخطرها كبير .
ومن ذلك: الحياء من الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم حين الوقوف أمامه على الحوض, فيعاتب عتاباً يُقطِّعُ نياط القلوب: هل ابتدعت في دين الله عز وجل؟, ماذا فعلت بميراث النبوة؟, ماذا صنعت للدعوة إلى الله -عز وجل-؟, هل كانت نيتك خالصةً لوجه الله عز وجل؟. فيستحي العبد منه .
الحياء مع الوالدين: فلا يتأفف أمامها بل يُسمعهما أحسن القول { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا $VJƒحچں2 (23) } (1), فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام : من هذا ؟ قال: أبي، قال: فلا تمش أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه) (2).
__________
(1) سورة الإسراء ، آية 23 .
(2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة 1/353, برقم(395), باب النهي عن أن يسمي الرجل أباه باسمه, ورواه الطبراني في الأوسط 4/267, برقم(4159), مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عائشة-رضي الله عنها-, ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد 8/137 عن الطبراني قوله: (لا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد-الذي روى به في الأوسط- عن شيخه علي بن سعيد بن بشير وهو ليِّنٌ, وقد نقل ابن دقيق العيد أنه وُثِّق ومحمداً بن عروة بن البرند لم أعرفه, وبقيةُ رجاله رجال الصحيح)ا.هـ.(1/38)
1. الحياء مع ذوي الفضل والعلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم, وتعلموا للعلم السكينة والوقار, وتواضعوا لمن تعلمون منه) (1).فقد كان أئمة السلف على جانب عظيم من الحياء وما نالوا مكانتهم في سيادة المسلمين إلا لأنهم تخرجوا من مدرسة الحياء ، حتى أن الفضيل بن عياض رحمه الله يروي أنه وأقرانه ما كانوا يواجهون مشايخهم مواجهةً ، لما كان هناك من حياء ، يقول : " كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلاً للجلوس معهم ، فنجلس دونهم ونسترق السمع فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه " . واليوم يتعلم الشاب ثلاث مسائل فيروح يعاند العلماء ، ويطيل الاعتراض ، ويرفع الصوت (2).
4. الحياء من النفس: وهو حياء النفوس العزيزة من أن تَرضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون .
قال فيثاغورس: (احذر أنْ تركب قبيحاً من الأمر, لا في خلوةٍ ولا مع غيرك. وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كلِّ أحدٍ) (3).
... فيكون الإنسان ذا سمعة كريمة وضيئة مضيئة، في بيته ومجلسه وسوقه, فلا يتحدث بالذي يكون بينه وبين أهله، أو عن ماضيه القبيح وما كان فيه من الآثام والمعاصي، بل يحرص على تزكية نفسه وتنقيتها وحملها على الوقوف مواقف الخير والصلاح في كل موطنٍ, فضلاً عن الارتقاء بها إلى مراتب الحكمة والمسؤولية؛ لتكون الناصح الأقرب إليه, والواعظ الأكبر له ، والرقيب الزاجر عن فعل السيء.
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط ، 6/200 ، برقم ( 6184 ) ، و الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، 1/93 ، برقم ( 41 ) ، موقوفاً من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزاد فيه : ( ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم ) . وإسناده ضعيف .
(2) آفاق الجمال ، ص22 . بتصرف .
(3) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، 1/67 .(1/39)
ويكون هذا الحياء: بالعفة, وصيانة الخلوات, وحسن السريرة. فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى. وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.
قال الماوردي: (قال بعض الحكماء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده
قدر) (1).
... والحقيقة أن هناك نفساً أمَّارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسان امرأة العزيز:
{ * وَمَا ن-حhچt/é& نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ 8ou'$¨B{ دنûq ،9$$خ/ إِلَّا مَا رَحِمَ 'دn1u' إِنَّ 'دn1u' غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) } (2). والنفس الثانية هي النفس الأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.
قال تعالى: { $pkçJƒr'¯"tƒ النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ Zpuإت#u' Zpإتَگ£D (28) 'ج?نzôٹ$$sù فِي عِبَادِي (29) 'ج?نzôٹ$#ur جَنَّتِي (30) } (3).
... إذاً فعلى الإنسان أن يُجاهد نفسه, فلا يجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله، حتى يكون ممن قال الله تعالى فيهم : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ِNهk¨]tƒد‰÷ks]s9 سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) } (4).
ومما يدخل تحت هذا النوع:
حياء المرأة: فلا تخدش حيائها بما يُغضب الله تعالى ويعود عليها بالذلة والمهانة في الدنيا والآخرة, { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ دp¨ٹد=خg"yfّ9$# الْأُولَى } (5).(6)
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في تقسيم هذه الأقسام :
" فأما الإمام أبو الحسن الماوردي-رحمه الله- فقد بيَّن أنَّ الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه, فهو أقسامٌ ثلاثة على رأيه, وهي:
1. حياؤه من الله تعالى.
__________
(1) فيض القدير ، 3/267 .
(2) سورة يوسف ، آية 53 .
(3) سورة الفجر ، آية 27-30 .
(4) سورة العنكبوت ، آية 69 .
(5) سورة الأحزاب ، آية 33 .
(6) انظر : الحياء ( مطوية ) .(1/40)
2. حياؤه من الناس.
3. حياؤه من نفسه(1).
وأما بيانها فقد سبق شيءٌ منه في بيان الأنواع السابقة.
وأما الإمام أبو حاتم-رحمه الله- فقد قسم الحياء إلى قسمين كما يلي:
1. استحياء العبد من الله جل وعلا: ويكون عند الإهتمام بمباشرة ما خطر عليه. فلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه فرض.
2. استحياء من المخلوقين: ويكون عند الدخول فيما يكرهون من القول والفعل معاً. ولزوم الحياء عند مقارفة ما يكره الناس فضلٌ.
وهما جميعاً محمودان(2).
المبحث الثالث : أنواع الحياء:
فقد قسم ابن القيم -رحمه الله- الحياء إلى عشرة أنواع, وإن كان جُلها مما انفرد به - عما ذكرنا آنفاً- يرجع إليه في الحقيقة, وهي كما ذكر ذلك -رحمه الله-:
1. حياءُ الجناية:
ومنه حياء آدم عندما فرَّ هارباً في الجنة. فقال الله تعالى له: أفراراً مني يا آدم؟, فقال: لا بل حياء منك يارب مما جنيت(3).
2. حياءُ التقصير:
مثل حياء الملائكة الذين { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا tbrمژنIّےtƒ (20) } (4). فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
3. حياء الإجلال:
وهو حياء المعرفة, ويكون بحسب معرفة العبد بربه .
وحياء الإجلال مُتبعَهُ معرفة الرب عز وجل ، وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه .
4. حياء الكرم:
... مثل حياء النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وأطالوا الجلوس عنده, فقام واستحى أن يقول لهم: انصرفوا (5).
5. حياء الحشمة:
__________
(1) انظر : أدب الدنيا والدين ، ص249 .
(2) انظر : روضة العقلاء ، 1/57 .
(3) أخرجه في كنز العمال ، 15/257 .
(4) سورة الأنبياء ، آية 3 .
(5) رواه مسلم 2/1048, برقم (1428), في كتاب النكاح, باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس. ورواه الإمام أحمد في مسنده 3/195, برقم (13044) .(1/41)
... مثل حياء علي بن طالب -رضي الله عنه- أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه. فعنه-رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً مذاءً ، وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن الأسود فسأله. فقال: (يغسل ذكره ويتوضأ) (1).
6. حياء الإستحقار واستصغار النفس:
مثل حياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه احتقاراً لشأن نفسه, واستصغاراً لها, وفي أثر إسرائيلي:(إنَّ موسى عليه السلام قال: يا رب إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا ، فأستحيي أن أسألك هي يا رب ، فقال الله تعالى: سلني حتى ملح عجينتك ، وعلف شاتك) (2).ولهذا النوع من الحياء سببان:
1. استحقار السائل نفسه واستعظام ذنوبه وخطاياه.
2. استعظام مسؤله-وهو الحقُّ عزوجل-.
7. حياء المحبة:
... وهو حياء المُحِبِّ من محبوبه, حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه, وأحسَّ به في وجهه لا يدري ما سببه, وكذلك يعرض عند ملاقاته محبوبه, ومناجاته له روعةٌ شديدةٌ, وسبب هذا أنّ للمحبة سلطاناً قاهراً للقلب. أعظم من سلطان من يقهر البدن, فأين من يقهر قلبك وروحك إلى من يقهر بدنك؟!, ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق ، وقهر المحبوب لهم وذلهم له. فإذا فاجأ المحبوب مُحِبَهُ ورآه بغتةً أحسَّ القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف.
__________
(1) رواه البخاري 1/105, برقم(266),كتاب الغسل, باب غسل المذي والوضوء منه. ومسلم 1/247, برقم(303), كتاب الحيض, باب المذي. واللفظ لمسلم .
(2) مدارج السالكين ، 2/262 .(1/42)
وسأل ابن القيم يوماً شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه المسألة فذكر ابن القيم هذا الجواب. فتبسم شيخ الإسلام ولم يقل شيئاً. وأما الحياء الذي يعتريه منه وإن كان قادراً عليه كأمته وزوجته فسببه -والله أعلم- أنَّ هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه فتولد منها الحياء, وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب فظاهرٌ؛ لاستيلائه على قلبه فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه.
8. حياء العبودية:
... وهو حياء ممتزج من محبةٍ وخوفٍ ومشاهدةِ عدم صلاح عبوديته لمعبوده, وأنَّ قدر معبوده أعلى وأجلُّ منها, فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة. فهو يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين, وهي مرتبة الإحسان, التي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه, وأنه يراه في كل حركاته وسكناته, فيتزين لربه بالطاعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل. قال ذو النون: ( الحياء وجود الهيبة في القلب, مع وحشة مما سبق منك إلى ربك) (1).
9. حياء الشرف والعزة:
... فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها ، من بذل أو عطاء وإحسان فإنه يستحي مع بذله حياء شرف نفس وعزة. وله سببان:
1. ما ذكر آنفاً .
2. استحياؤه من الآخذ حتى كأنه هو الآخذ السائل, حتى إنَّ بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه، وهذا يدخل في حياء التلوم؛ لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.
10. حياء المرء من نفسه:
... وهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون, فيجد نفسه مستحياً من نفسه حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى, وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأنْ يستحيي من غيره أجدر(2).
المبحث الرابع : درجات الحياء:
__________
(1) مرقاة المفاتيح ، 9/265 .
(2) مدارج السالكين ، 2/261-264 . " بتصرف " .(1/43)
... فقد قسم صاحب منازل السائرين الحياءَ إلى درجات ثلاثٍ(1).-وفي تقسيمه شيءٌ من نَفَسِ الصوفية لا يخفى-, كما نقله عنه ابن القيم-رحمه الله- في كتابه العُجاب مدارج السالكين. أنقله هنا مع مزيد بيان أُورِدُهُ بتصرف, فقد قُسِّمَ الحياء إلى درجات ثلاث:
الدرجة الأولى: حياء يتولد من علم العبد بنظر الله إليه: فيجذبه إلى تحمل هذه المجاهدة، ويحمله على استقباح الجناية ويسكته عن الشكوى:
أي: أنَّ العبد متى علم أنَّ الرب تعالى ناظرٌ إليه أورثه هذا العلم حياءً منه يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة, والرب تعالى لا يغيب نظره عن عبده, ولكنْ يغيب نظر القلب والتفاته إلى نظره الله إلى عباده, فإن القلب إذا غاب نظره وقلَّ التفاته إلى نظر الله تبارك وتعالى إليه تولد من ذلك قلة الحياء والقحة, وكذلك يحمله على استقباح جنايته؛ ولذلك فإن هذا الحياء يَكفُّ العبد أن يشتكي لغير الله فيكون قد شكا الله إلى خلقه, ولا يمنع الشكوى إليه سبحانه فإن الشكوى إليه سبحانه فقرٌ وذلةٌ وفاقةٌ وعبوديةٌ فالحياء منه في مثل هذا لا ينافيها.
الدرجة الثانية: حياء يتولد من النظر في علم القُرْب، فيدعوه إلى ركوب المحبة، ويربطه بروح الأنس ويُكرِّهُ إليه ملابسة الخلق:
فالنظر في علم القرب يُحقق للقلب المعية الخاصة مع الله, فإن المعية نوعان:
1. عامة: وهي معية العلم والإحاطة, كقوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } (2).
2. خاصة: وهي معية القرب, كقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } (3) فهذه معية قُرْبٍ تتضمن الموالاة والنصر والحفظ.
__________
(1) منازل السائرين ، 1/54 ، باب الحياء .
(2) سورة الحديد ، آية 4 .
(3) سورة النحل ، آية 128 .(1/44)
... وكلا المعنيين مصاحبةٌ من الله للعبد, لكن تلك مصاحبة اطلاع وإحاطة, وهذه مصاحبة موالاة ونصر وإعانة, فالمعية في لغة العرب تُفيد الصحبة اللائقة, ولا تُشعر بامتزاجٍ ولا اختلاطٍ ولا مجاورةٍ ولا مجانبة, فمن ظنَّ شيئاً من هذا فقد أُتي من سوء فهمه.
... وأما القُرب فلا يقع في القرآن إلا خاصاً, وهو نوعان:
1. قربه من داعيه بالإجابة: كقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي سةi_tم 'دoTخ*sù ë=ƒحچs% أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } (1)؛ ولهذا نزلت جواباً للصحابة -رضي الله عنهم- وقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ربنا قريبٌ فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟, فأنزل الله تعالى هذه الآية(2).
2. قربه من عابده بالإثابة: كأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, وأقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل فهذا قربه من أهل طاعته (3).
... والقصدُ أنَّ هذا القُرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبة, فكلما ازداد حباً ازداد قرباً، فالمحبة بين قُربين, قربٌ قبلها, وقرب بعدها. وبين معرفتين, معرفة قبلها حَمَلتْ عليها ودعت إليها ودلت عليها, ومعرفة بعدها هي من نتائجها وآثارها.
... وأما ربطه بروح الأنس فهو تعلقُ قلبه بروح الأنس بالله تعلقاً لازماً لا يفارقه، بل يجعل بين القلب والأنس رابطةً لازمةً، ولا ريب أنَّ هذا يكره إليه ملابسة الخلق, بل يجد الوحشة في ملابستهم بقدر أُنْسه بربه، وقرة عينه بحبه وقربه منه؛ فإنه ليس مع الله غيره، فإن لابسهم لابسهم برسمه دون سره وروحه وقلبه، فقلبه وروحه في ملأ، وبدنه ورسمه في ملأ.
الدرجة الثالثة: حياء يتولد من شهود الحضرة وهي التي لا تشوبها هيبةٌ, ولا تقارنها تفرقة, ولا يوقف لها على غاية:
__________
(1) سورة البقرة ، آية 186 .
(2) انظر : لباب النقول ، 1/33 ، العجاب في بيان الأسباب ، 1/434 .
(3) انظر : تحفة الأحوذي ، 10/28-29 .(1/45)
فأما قوله: (شهود الحضرة): أي: انجذاب الروح والقلب من الكائنات, وعكوفه على رب البريات, فهو في حضرة قربه مشاهداً لها, وإذا وصل القلب إليها غشيته الهيبة, وزالت عنه التفرقة, إذ ما مع الله سواه فلا يخطر بباله في تلك الحال سوى الله وحده.
وأما قوله: (ولا يوقف لها على غاية): فيعني أنَّ كل من وصل إلى مطلوبه وظفر به وصل إلى الغاية, إلا صاحب هذا المشهد فإنه لا يقف بحضرة الربوبية على غاية, فإن ذلك مستحيل بل إذا شهد تلك الروابي, ووقف على تلك الربوع, وعاين الحضرة التي هي غاية الغايات شارفَ أمراً لا غاية ولا نهاية له. والغايات والنهايات كلها تنتهي إلى الله { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ 4'pkyJYكJّ9$# (42) } (1)فانتهت إليه الغايات والنهايات, وليس له سبحانه غاية ولا نهاية لا في وجوده ولا في مزيد جوده (2).
الفصل الخامس
صور من الحياء
...
... الحياء في السير وكتب التراجم مما يصعب على الباحث والقارئ حصره ، فهي كثيرة لا تحصى ، وكذلك في كتب السنة ، والصور لم تختص بالأمة الإسلامية ، بل تعدت ذلك إلى الجاهليين (3). ومما وقفت عليه من تلك الأمثلة ما يلي ، وقد قسمتها على مباحث ثلاثة وهي كالتالي :
المبحث الأول: من حياء الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام : -
أولاً : حياء النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة النجم ، آية 42 .
(2) منازل السائرين ، 1/54 ، مدارج السالكين ، 2/264 -268 " بتصرف " .
(3) فقد كان بعضهم يتحرج من القبائح بدافع الحياء, كقصة أبي سفيان مع هرقل, وانظر: صحيح البخاري 1/7, برقم(7), باب بدء الوحي, وما حصل مع خويلد والد خديجة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم, وانظر: مسند الإمام أحمد 1/312, برقم(2851), والطبراني في الكبير12/186, برقم(12838). وانظر: ديوان المعاني 1/228..(1/46)
... وقد سبق ذكر شيءٍ من ذلك في ثنايا البحث. ومن ذلك أنَّ علي رضي الله عنه قال: أَنَّ يهوديّاً يُقالُ له: فلانٌ حَبْرٌ, كانَ له على رسولِ الله دنانيرُ فتقاضى النبيَّ فقال له: (يا يهوديُّ ما عندي ما أُعطيكَ), قال: فإني لا أُفارِقُكَ يا محمَّدُ حتى تعطيني. فقال رسولُ الله: (إذاً أجلسُ معَكَ) فجلسَ معَه, فصلَّى رسولُ الله الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ الآخرةَ والغَداةَ, وكانَ أصحابُ رسولِ الله يتهدَّدونَه ويتوعَّدونه, ففطنَ رسولُ الله ما الذي يصنعونَ به, فقالوا يا رسولَ الله: يهوديٌّ يحبسُكَ. فقال رسولُ الله: (منَعني ربِّي أن أظلمَ معاهدَاً وغيرَه). فلمَّا ترجَّلَ النهارُ قال اليهوديُّ: أشهدُ أنْ لا إله إلا اللَّهُ وأشهدُ أنّكَ رسولُ الله, وشطَرُ مالي في سبيلِ الله, أَمَا والله ما فعلتُ بكَ الذي فعلتُ بكَ إلاَّ لأنظرَ إلى نعتكَ في التّوراةِ محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ مولدهُ بمكة ومهاجَرُه بطيبَةَ ومُلكُه بالشام, ليسَ بفظِّ ولا غليظٍ, ولا سخَّابٍ في الأسواقِ, ولا مُتزَيٍّ بالفُحشِ ولا قولِ الخنَا. أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وأنَّكَ رسولُ الله, وهذا مالي فاحكم فيهِ بما أراكَ اللَّهُ. وكانَ اليهودي كثيرَ المالِ(1).
... بل إنَّ وصف الحياء كان ملازماً له صلى الله عليه وسلم, فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا , وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ) .متفق عليه(2).
__________
(1) مشكاة المصابيح ، 3/1621 ، برقم ( 5832 ) ، البيهقي في دلائل النبوة 6/280 . وانظر: الأخلاق الإسلامية , 2/512 , 1/457.
(2) رواه البخاري 5/2263, برقم(5751), كتاب الأدب, باب من لم يواجه الناس بالعتاب. ومسلم 4/1809, برقم(2320), كتاب الفضائل, باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم.(1/47)
ثانياً: حياء موسى عليه السلام:
... فقد جاء في وصفه أنه كان حيياً ستيراً, حتى كان يستر بدنه, ويستحيي أن يظهر مما تحت الثياب شيئاً حتى مما ليس بعورة. وبسبب تستره الزائد آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم, فقالوا: ما يبلغ في ستر نفسه إلا من عيب في جسمه, أو من أدرة (1) ، هو مصاب بها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً, لا يُرى من جلده شيءٌ استحياء منه, فآذاه من آذاه من بني إسرائيل, فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيبٍ بجلده إما برص, وإما أدْرةٍ, وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى, فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر, ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه, فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر, فجعل يقول: ثوبي حجر, ثوبي حجر. حتى انتهى إلى ملأٍ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله, وأبرأه مما يقولون, وقام الحجر, فأخذ ثوبه فلبسه, وطفق بالحجر ضرباً بعصاه, فوالله إنَّ بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً, أو أربعاً, أو خمساً, فذلك قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) } (2) (3) .
وحياء موسى الزائد كان من همته العلية التي تنشد الكمال, وقد رأى في ذوقه الرفيع أنَّ ستر بدنه أكثر كمالاً من كشفه, فكان يستحيي من كشفه للناس (4).
المبحث الثاني : من حياء الصحابة رضي الله عنهم :
__________
(1) الأدرة: هي انتفاخ في الخُصي بسبب فتق
(2) سورة الأحزاب ، آية 69 .
(3) رواه البخاري (3/1249), برقم(3223), كتاب الأنبياء, باب طوفان من السيل, ومسلم (4/1842), برقم(339), كتاب الفضائل, باب فضائل موسى صلى الله عليه وسلم.
(4) انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها 2/512.(1/48)
أولاً : أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق-رضي الله عنها-:
... قالت-رضي الله عنها-: (كنتُ أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي فأضع ثوبي. فأقول: إنما هو زوجي وأبي. فلما دفن عمر معهم, فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه (1).
ثانياً : أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه-:
... قال -رضي الله عنه-: إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه ظهري إذا أخذت ثوبي حياءً من ربي.
وجاء عنه أنه كان له تبانٌ ينام فيه مخافةَ أن ينكشف (2).
المبحث الثالث : من حياء السلف - رحمهم الله - : -
أولاً : عامر بن عبد قيس:
__________
(1) رواه الإمام أحمد ، 6/202 ، برقم ( 25701 ) ورجاله رجال الصحيح ، وانظر : مجمع الزوائد ، 8/26 .
(2) انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/100, برقم(1128), الزهد لإمام أحمد 1/198, سير أعلام النبلاء 2/401, الطبقات الكبرى 4/113-114, صفة الصفوة 1/559, الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام 1/50, تعظيم قدر الصلاة 2/829, برقم(829).(1/49)
... جاء في سيرته أنه هبط واديا يقال له: وادي السباع. وفي الوادي عابد حبشي, يقال له: حممة. فانفرد عامر في ناحية, وحممة في ناحية يصليان, لا هذا ينصرف إلى هذا, ولا هذا ينصرف إلى هذا, أربعين يوماً وأربعين ليلة, إذا جاء وقت الفريضة صليا, ثم أقبلا يتطوعان, ثم انصرف عامرٌ بعد أربعين يوماً فجاء إلى حممة, فقال : من أنت يرحمك الله؟, قال: دعني وهمي. قال: أقسمت عليك. قال: أنا حممة. قال عامر: لئن كنتَ أنتَ حممة الذي ذُكِرَ لي لأنت أعبدُ منْ في الأرض, فأخبرني عن أفضل خصلة؟, قال: إني لمقصر, ولولا مواقيت الصلاة تقطع عليَّ القيام والسجود, لأحببت أنْ أجعل عمري راكعاً, ووجهي مفترشاً حتى ألقاه, ولكنَّ الفرائض لا تدعني أفعل ذلك. فمن أنتَ يرحمك الله؟, قال: أنا عامر بن عبد قيس. قال: إنْ كنتَ عامر بن عبد قيس الذي ذُكِرَ لي فأنت أعبد الناس. فأخبرني بأفضل خصلة؟, قال: إني لمقصر, ولئن واحدة عظمت هيبة الله في صدري حتى ما أهاب شيئا غيره. فاكتنفته السباع فأتاه سبعٌ منها فوثب عليه من خلفه, فوضع يديه على منكبيه. وعامر يتلو هذه الآية: { y7د9¨sŒ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ y7د9¨sŒur يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) } (1). فلما رأى السبع أنه لا يكترث له ذهب. فقال حممة: بالله يا عامر ما هالك ما رأيت؟, قال: إني لأستحي من الله أنْ أهاب شيئاً غيره. قال حممة: لولا أن الله ابتلانا بالبطن, فإذا أكلنا لابد لنا من الحدث ما رآني ربي عز وجل إلا راكعاً وساجداً (2).
ثانياً : عمرو بن عقبة بن فرقد:
وقد نقل عنه نحو ما نقل عن عامر بن عبد قيس ، وجاء في سيرته أنه كان يصلى يوماً في شدة الحر فأظلته غمامةٌ, وكان السبع يحميه وهو يرعى ركاب أصحابه لأنه كان يشترط على أصحابه في الغزو أنه يخدمهم (3).
__________
(1) سورة هود ، آية 103 .
(2) انظر : تاريخ مدينة دمشق ، 26/25-26 ، حلية الأولياء ، 2/89 .
(3) مجموع الفتاوى ، 11/281 .(1/50)
ثالثاً : محمد بن سيرين:
قال-رحمه الله-: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله. -يعني زوجته-.
وقال: إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها (1) .
رابعاً : أبو الحسن بنان الواسطي, المعروف بـ(بنان الحمَّال):
كان-رحمه الله- صاحب كرامات وآيات(2), سطرتها كتب التراجم ، وأفاضت في ذكرها كتب طبقات المتصوفة.
... ومن كراماته أنَّ ابن طولون غضب عليه, وذلك أنه قام إلى وزيره فأنزله عن دابته وكان نصرانياً, وقال له: لا تركب الخيل, ويلزمك ما هو مأخوذ عليكم في ملتكم. فأمر به أنْ يُلقى بين يدي سَبُعٍ, فجعل السبع يشمه ولا يضره. فلما أصبحوا وجدوه قاعداً مستقبل القبلة, والسبع بين يديه, فلما أُخرج من بين يدي السبع, قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمك؟, قال: كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها. فأطلقه واعتذر إليه(3).
... وتلك الصور كثيرة ، يستحيل حصرها ، ولكن حسبك بالقلادة ما أحاط بالعنق .
الفصل السادس
مظاهر الحياء
__________
(1) المنتظم ، 7/139 ، تاريخ مدينة دمشق ، 53/205 ، تاريخ بغداد ، 5/336 .
(2) سير أعلام النبلاء ، 14/489 .
(3) الأنساب 2/254, صفة الصفوة 2/449, تاريخ الإسلام 23/509, النجوم الزاهرة 3/221.
* وسبب تسميته بـ(الحمَّال): أنه خرج إلى الحج سنةً, وحمل على رقبته زاداً وكان يتوكل, فرأته عجوزٌ في البادية فقالت: أنت حمال ما أنت متوكل ما ظننت أن الله يرزقك حتى حملت الزاد إلى بيته ومائدته. فرمى ما على رقبته. فكان يلقب بذلك بسبب هذه الحكاية.
انظر : الأنساب 2/254.(1/51)
... إنَّ المتأمل لواقعنا, يجد أنَّا نختزل الحياء, وفقده في مظاهر معينة محددة, وإذا كانت النصوص النبوية تناولت الحياء بصوره الشاملة فلماذا نختزله نحن ومصيبة فقده في مظاهر معينة لا تتعدى غالباً التركيز على ما يحدث في حياة شباب اليوم وفتياته فحسب؟!. وبذلك نمنح كلَّ من هو خارج هذه الدائرة ضوءاً أخضر لاختراق حاجز الحياء وتجاوزه.
... فكثير من الأحاديث الشفهية التي قُدر لنا أن تستمع لها- ليس فقط في مجالس العوام, وإنما حتى داخل مجالس من يحسبون على الدين- لا تخضع لميزان الحياء, ولا يمكن أن نفكر بعرضها عليه. وبعض الكلمات المكتوبة التي يُرغمك الزمان الذي تحيا فيه على قراءته لها, سواءً في المجلات, أو الصحف اليومية, أو القنوات الفضائية, وغيرها, وهي تجيء في أثوابٍ مختلفة مابين فنٍّ هابط، ونقد جارح، وثناء مفرط، واسترزاق مفضوح,...إلخ.
... فمن المستبعد أن تجد فيها استحياء ولو حرصت, ومع هذا وفي ظلِّ التصور المختزل سنعجز عن وصفها وغيرها من المظاهر يوماً بأنها كلمات غير حيية, أو طرح لم يستح من قارئِه(1).
... لذا فإني سأحاول أن أكون شمولياً من خلال التوسع قليلاً في المظاهر, ولم ولن أحصيها فهي أكثر من أن تحصى.
... ولقد حرصت على إدراج ما رأيت أنه ظاهرة -مع علمي أني قد أُنازع في بعضها-, وقسمتها على مبحثين, وهي كما يلي:
المبحث الأول: من مظاهر الحياء:
__________
(1) بتصرف من مقال بمجلة الأسرة, العدد(121), بقلم: فاطمة البطاح, بواسطة مقال في الشبكة.(1/52)
1. أنْ يُطهِّر المسلم لسانه من الفحش والرذيلة ومعيب الألفاظ فـ(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). فالحياء مستحبٌ في كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو عمل؛ والحياء في القول هو أن يطهر الإنسان فمه من الفحش، وأن ينزه لسانه من العيب، وأن يخجل من ذكر العورات، فإن من سوء الخلق وسوء الأدب أن يتلفظ الإنسان بالكلمات البذيئة دون أن يحسب حساباً لما ينتج عنها من ردود فعل نحوه ونحو من كان يستمع إلى ألفاظه البذيئة.
2. القصد في الحديث في المجالس والأماكن العامة, فلا يتكلم إلا فيما يعنيه ويفيده ويخصه (قل خيرا أو اصمت).
3. أن يتوقى الإنسان ويتحاشى عن كلِّ ما يجلب له السوء من موارد الشبه ومواطن الإشاعات السيئة. فمن الحياء أن يحرص المسلم على سمعته فلا يقول أو يفعل ما يشوه سمعته، ويعرضه للهزء والسخرية والاحتقار، ومن مصلحة الإنسان أن تظل سمعته نظيفة نقية بعيدة عن الإشاعات السيئة، والأقاويل المغرضة. قال الأصمعي سمعت أعرابياً يقول: (من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه)(1).
4. محافظة المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها، ومراقبة ربها، وحفظها حق بعلها، والبعد عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة.
__________
(1) الآداب الشرعية ج2/ص220.(1/53)
5. أن يعرف لأصحاب الحقوق منازلهم ومراتبهم ، فيؤتى كل ذي فضل فضله, وإجلال الأكابر واحترامهم, كحال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة يوماً فقال: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها, وهي مثل المسلم, حدثوني ما هي؟), فوقع الناس في شجر البادية, ووقع في نفسي أنها النخلة, قال عبد الله: فاستحييت, فقالوا يا رسول الله: أخبرنا بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة, قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي, فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا (1) .
... فاستحيا عبد الله أنْ يجيب, ويعلل حياءه-كما في رواية البزار وغيره- بأنه كان أصغر القوم وأحدثهم سناً, وفي رواية أنه رأى أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكره أن يتكلم (2).
6. أن يستحي المسلم من الخَلْق فلا يكشف لهم عورة ولا يقصر لهم في حق ولا ينكر لهم معروفاً.
7. إنكار المنكر وعدم السكوت عنه ، و قبول الحق من قائله ولو كان عدواً. وذلك غير مانع له أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر.
ومن المواقف في ذلك:
__________
(1) رواه البخاري 1/61, برقم(131), كتاب العلم, باب الحياء في العلم , ومسلم 4/2164, برقم(2811), كتاب صفة القيامة والجنة والنار, باب مثل المؤمن مثل النخلة
(2) انظر: فتح الباري 1/146.(1/54)
" أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة؟!، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فلم يمنع الحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يقول لأسامة في غضب: (أتشفع في حد من حدود الله). ثم قام فخطب، قال : (يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) (1).
" ولم يمنع الحياء أم سليم رضي الله عنها أنْ تجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: يا رسول الله, إن الله لا يستحيي من الحق, فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأت الماء), فغطت أم سلمة -تعني وجهها- وقالت يا رسول الله :وتحتلم المرأة؟, قال: (نعم تربت يمينك, فبم يشبهها ولدها؟!) (2).وفي رواية عند مسلم: مثل معناه. وزاد : قالت قلت : فضحت النساء(3) .
__________
(1) متفق عليه رواه البخاري 3/1282, برقم(3288), كتاب الأنبياء, باب حديث الغار, ومسلم 3/1315, برقم(1688), كتاب الحدود, باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود.واللفظ للبخاري.
(2) صحيح البخاري 1/60, برقم(130), كتاب العلم, باب الحياء في العلم .
(3) رواه مسلم 1/251, برقم(313), كتاب الحيض, باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منه.(1/55)
... ولذا قالت عائشة: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) (1). ومرادهم أنَّ الله لا يأمر بالحياء في الحق, ولا يبيحه؛ وليس المراد بالحياء الحياء الحقيقي, لأن الحياء خير كله, ولا يأتي إلا بخير والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر, فكيف يكون حياء؟! (2).
" قال عمر بن الخطاب : لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس: ما ذاك لك؟, قال: ولم؟, قالت: لأن الله قال: (وآتيتم إحداهن قنطارا...) الآية, فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ فيه. فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق النساء, ولم يمنع عمر أن يعتذر عن الخطأ (3).
" قال مجاهد: (لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر) (4).
... فهكذا يجب أن يستحي الإنسان من أهله وأصدقائه وأفراد مجتمعه, فلا يقول أو يفعل إلا ما يرضي الله ورسوله.
المبحث الثاني: من المظاهر المنافية للحياء:
وأما هذا فهو البحر الذي لا ساحل له, فمع انفتاح العالم, وانتكاس القيم, أصبح المعروف منكراً, والمنكر معروفاً, ولذا فيصعب على العادِّ أنْ يحصرها, ولذا فحسبي من القلادة ما أحاط بالعنق: فمن تلك المظاهر:
1. ألا يطرق أبواب المساجد ولا يعرفها، إلا أن يرى مخلوقاً فيستحي منه, وأما حياءً من الله وخوفاً منه فلا تسل.
__________
(1) أخرجه البخاري 1/60, كتاب العلم, باب الحياء في العلم, ومسلم 1/261, برقم(332), كتاب الحيض, باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم .
(2) انظر: فتح الباري 1/389, شرح النووي على صحيح مسلم 3/224.
(3) أخرجه ابن كثير في تفسيره 2/213, وفيه انقطاع. وابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ 2/929, بسند مشهور. وابن حجر في الفتح 9/111, بسند منقطع.
(4) رواه البخاري 1/60, كتاب العلم, باب الحياء في العلم .(1/56)
2. من لا يعرف القرآن، بل إنه قد يحترم صورة فاجرةٍ، ويُكرمها، وهو بذلك يهين كتاب الله، ومع ذلك تجده غير مبالٍ.
3. من أدخل في بيته الفضائيات, وعرضها في بيته فسمح لنفسه ونسائه وأبنائه بالنظر إلى مناظر الفجور وقتل الأخلاق وإثارة الشهوة والدعوة إلى الفحشاء والمنكر.
4. من اشترى الأفلام الخليعة، وعرضها في بيته أمام نسائه وأولاده بما فيها من مناظر الفجور, وقتل الأخلاق، وإثارة الشهوة، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر.
5. ومن الصور المهمة في ذلك: ما ظهر في كثيرٍ من النساء من الخروج إلى الأسواق متطيبات متجملات لابسات لأنواع الحلي والزينة ومخالطتهن بالرجال الأجانب بحجاب رقيق وزينة فاتنة وطيب ذي رائحة فواحة, وعدم التستر والحجاب، لا يبالين بنظر الرجال إليهن، بل ربما يفتخرن بذلك، ومنهن من تغطي وجهها في الشارع وإذا دخلت المعرض كشفت عن وجهها وذراعيها عند صاحب المعرض؛ لتطمع الذي في قلبه مرض.
6. تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من الأمور الخاصة. وقد وصف النبي من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عسى أحدكم يخبر بما صنع بأهله, وعسى إحداكن أن تخبر بما صنع بها زوجها) فقامت امرأة سوداء فقالت: يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمثل ذلك مثل ذلك؟, كمثل الشيطان لقي شيطانة فوقع عليها في الطريق والناس ينظرون, فقضى حاجته منها, والناس ينظرون) (1) .
7. تبسط بعض النساء بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
8. تشبه النساء بالرجال, وكذلك تشبه الرجال بالنساء, وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة 4/39, برقم(17560), ونحوه الطبراني في الكبير 24/162, برقم(414).(1/57)
9. لبس الملابس شديدة الضيق اللاصقة أو الملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة فلم يراعوا ديناً ولا حياء ولا مروءة.
10. أكل أموال المسلمين, من يتامى وأرامل وخدم وعمال مع إنعام الله عليه بكثرة الأموال والخيرات.
11. التاجر الذي يخدع الزبائن، ويدلس في السلع، ويكذب على الناس.
12. من استدان الأموال الكثيرة من خلق الله ثم هو يماطل بعد ذلك في ردها مع قدرته على ذلك.
13. من إذا خالط الناس أظهر لهم الحسن وما يحبونه منه ، وإذا خلى بربه أظهر له القبيح وانتهك حرمة ربه.
14. من يُعامل الناس والأصحاب بمكارم الأخلاق ثم هو يبخل بها على والديه وزوجته وأولاده فلا يجدون منه إلا الفظاظة والغلظة.
15. من أنعم الله عليه بالمال الكثير ثم هو يسخره في شهوات وملذات محرمة حتى إذا ما دعي للإنفاق في سبيل الله بخل وقتر على نفسه.
16. الشغف باستماع الأغاني والمزامير الماجنة, وتدنيس السمع بما حوتْ من فسوق ومجون وتعريض للزنا ودعوة إليه, وما يلحق به من الزنا ونحوه. ولو رأى المُقارفُ لها قبحها لهرب إلى الموت خجلاً واستحياءً.
17. من جاهر ربه بالتدخين, في مجامع الناس, ليكون معول هدم لأبناء المسلمين.
18. من أضاع أبناءه في الحياة بلا تربية ولا خلق، ومن أضاعهم في الشوارع يخالطون من شاؤوا ويصاحبون ما هب ودب من ذوي الأخلاق السيئة, ليسيحون في الأرض يؤذون المسلمين ويتبعون عوراتهم, ، أو يضايقون الناس في طرقاتهم, أو يهددون حياتهم بالعبث بالسيارات.
19. استقدام بعض الناس النساء الأجنبيات السافرات أو الكافرات وخلطهم لهن مع عوائلهم داخل بيوتهم وجعلهن يزاولن الأعمال بين الرجال، وربما يستقبلن الزائرين، ويقمن بصب القهوة للرجال. أو استقدامهم للرجال الأجانب سائقين وخدامين, يطلعون على محارمهم ويخلون مع نسائهم في البيوت وفي السيارات في الذهاب بهن إلى المدارس والأسواق.(1/58)
20. العشق والتعلق بغير الله, وما يُصاحب ذلك من المظاهر المنافية لمحبة الله عز وجل, وتقديره في القلب.
والذي حمل هؤلاء على النزول إلى هذه المستويات الهابطة هو ذهاب الحياء فـ(إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
فيا له من قبح عندما يُلْبس لباس الإيمان، ولباس التقوى، ولباس الفضيلة، فيستكبر المرء، وينزعه، ليلبس القبيح من كلِّ منكر من القول والعمل، ويتولى ويدبر إلى مستنقع الرذيلة والجحيم، وعند ما يُلبس لباس العلم بالله، فيستكبر، وينزعه، ويلبس لباس الجهل، والبهيمية. وعندما يستبعد لقاء الله، وهو منه قريب.
فأين الحياء من الله عز وجل؟!.
فحريٌّ بالإنسان أنْ يلتفتُ إلى نفسه؛ ليستخرج منها العفن والوقاحة ... إلى نعيم الطهر والنزاهة، إلى جنة الدنيا بالتقى، والعلم, وجنة الآخرة .. (1)
الفصل السابع
وسائل اكتساب الحياء وتنميته
... فقد سبق ذكرُ ما للأخلاق الفاضلة والحياء من منزلةٍ رفيعةٍ في الدين, وما لها من ارتباط قويٍّ بقوة الإيمان وكماله, وتدين الإنسان والتزامه، و ما لها من عظيم الأثر في قوة الأمة ووحدة صفوفها؛ ولأن الأخلاق عامةً ومنها الحياء على رأس الهرم يمكن اكتسابها, كان من المهم ونحن نتناوله بالبحثِ الحديثُ عن وسائل اكتسابه, وطُرق تنميته, فقد قال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: (الواجب على العاقل أن يعودِّ نفسه لزوم الحياء من الناس) (2).
__________
(1) للاستزادة: انظر: هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً ص221-227.
(2) روضة العقلاء ، 1/58 .(1/59)
... فالحديث عن الأخلاق وفضلها والتغني بها وسرد جمالها وثمارها سهل وميسور وكلٌّ يدرك ذلك, ولكن تبقى مسألة التطبيق الفعلي بصبرٍ واحتساب(1)؛ ولذا فسأتناول في هذا المبحث ما استطعت الوقوف عليه من تلك الوسائل الخاصة بالحياء, وأما وسائل اكتساب الأخلاق الحسنة عامةً فلم أذكر منها إلا ما أرى أنه لازمٌ لا يُستغنى عنه؛ فهي كثيرة دون حصرها القتاد, كما أنها مما أُفردت فيها مصنفات خاصة فلتُراجع في مظانها.
أقول: لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرًا ولا مستحيلاً، فقد غيَّر الصحابة أديانهم ومعتقداتهم وهي أصعب ما يمكن تغييره. ولاكتساب الأخلاق أسباب ووسائل يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق, واكتسابه يحتاج إلى نيةٍ صادقة وعلمٍ نافع, قال الصنعاني-رحمه الله-: (والحياء وإن كان قد يكون غريزة فهو في استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتسابٍ, وعلمٍ, ونية؛ فلذلك كان من الإيمان) (2). ومن تلك الوسائل المعينة على اكتساب الحياء والتحلي به:
1. الدعاء: وهو سلاح المؤمن, فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء، ويصرف عنه سيء الأخلاق, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: (...واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) الحديث (3).
وكان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء) (4).ولا ريب أنَّ الحياء من الأخلاق الحسنة.
__________
(1) في ظلال التربية ، ص11 .
(2) سبل السلام ، 4/206 .
(3) رواه مسلم ، 1/535 ، برقم ( 771) ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه .
(4) رواه الترمذي 5/575 ، برقم ( 3591) ، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب دعاء أم سلمة . وقال : الترمذي هذا حديث حسن غريب .(1/60)
2. مراقبة الله تعالى في السر والعلن: ومن ثمَّ فيقوى الإيمان في القلب بزيادة الطاعات واجتناب المنكرات.قال المحاسبي : (المراقبة علم القلب بقرب الرب, كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره) (1).
وقد سبق أنْ ذكرنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلاً أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من قومه.قال بعضهم: (استح من الله على قدر قربه منك, وخف الله على قدر قدرته
عليك) (2).
وقال الغزالي: (وأما بالمعنى الثاني-يعني: اليقين- وهو المقصود فهو عزيزٌ يختص به الصديقون, وثمرته أن يكون الإنسان في خلوته متأدبا في جميع أحواله... ويكون في فكرته الباطنة كهو في أعماله الظاهرة إذ يتحقق أن الله تعالى مُطلِّعٌ على سريرته... وهذا المقام في اليقين يورث الحياء, والخوف, والانكسار, والذل, والاستكانة, والخضوع, وجملةً من الأخلاق المحمودة) (3).
وقال ابن القيم-رحمه الله- عن الله عز وجل: (فإن العبد متى علم بنظره إليه, ومقامه عليه, وأنه بمرأى منه, ومسمع, وكان حيياً, استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه) (4).
كما أنَّ تذكُّرَ الإنسان لما اقترفه من المعاصي والتجاوزات في حقِّ الله, واستحضاره لها مما يعينه على الحياء من الله ومراقبته, قال الشيخ عبد الرحمن السعدي-رحمه الله-: (وإنْ رأى نفسه مقصراً في أمرٍ من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره فإن ذلك يوجب له الحياء لا محالة) (5).
قَالَ الْجُنَيْدُ -رحمه الله- : (الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ, وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى: الْحَيَاءَ) (6).
__________
(1) الإخلاص ، ص50 .
(2) كلمة الإخلاص ، ص50 .
(3) إحياء علوم الدين ، 1/75 .
(4) طريق الهجرتين ، 1/408 .
(5) تفسير السعدي ، 1/853 .
(6) شرح النووي على صحيح مسلم ، 2/5 .(1/61)
قال عمرو بن عثمان: (فدوام المراقبة يفشي الحياء, ويمده, ويزيد فيه...) (1).
3. المجاهدة : فإن الخلق الحسن ومنه الحياء نوعٌ من الهداية, يحصل بالمجاهدة، قال الله عزوجل:
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ِNهk¨]tƒد‰÷ks]s9 سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) } (2).
ولا تعني المجاهدة أن يجاهد المرء نفسه مرة، أو مرتين، أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت؛ ذلك أن المجاهدة عبادة، فتدخل في عموم قول الله تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ 4س®Lxm يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) } (3).
4. المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت ما يخلُّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصَّرتْ أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد؛ فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل (4).
5. التفكر بمعرفة الله عز وجل: وذلك من خلال أسمائه وصفاته التي تستوجب مراقبته, كالرقيب والشهيد والعليم والسميع والبصير، فإن أمعن وأكثر من ذلك نما في قلبه تعظيم الله عز وجل. قال حاتم الأصم: (تعاهد نفسك في ثلاث مواضع: إذا عملت: فاذكر نظر الله تعالى عليك, وإذا تكلمت: فانظر سمع الله منك, وإذا سكتَّ: فانظر علم الله فيك) (5).
... وقال بعضهم : (صدق الإيمان التعظيم لله؛ وثمرته الحياء من الله) (6).
... ثم إذا عظم الله عز وجل في القلب, وراقبه العبد, وعبده كأنه يراه, كان من أهل الإحسان, والمعتنين بأعمال القلوب من السلف يجعلون الإحسان على مقامين: مقام المشاهدة والمراقبة.
__________
(1) حلية الأولياء ، 10/295 .
(2) سورة العنكبوت ، آية 69 .
(3) سورة الحجر ، آية 99 .
(4) في ظلال التربية ، ص11 ، بتصرف .
(5) حلية الأولياء 8/75 ، سير أعلام النبلاء ، 11/485 .
(6) التعرف لمذهب أهل التصوف ، 1/82 .(1/62)
... فكلما عظم مقام المشاهدة أو المراقبة حسُنَ العمل. وأعلى من مقام المراقبة مقام المشاهدة، والمقصود بالمشاهدة: مشاهدة الصفات لا مشاهدة الذات؛ لأن الصوفية والضُّلال هم الذين جعلوا ذلك مدخلا لمشاهدة الذات -زعموا-، وهذا من أعظم الباطل والبهتان، وإنما الممكن مشاهدة الصفات، ويُعْنَى بها مشاهدة آثار صفات الله -جل وعلا- في خلقه.
... فإن العبد المؤمن كلما عظم عِلمه وعظم يقينه بصفات الله -جل وعلا- وبأسمائه أرجعَ كل شيء يحصل في ملكوت الله إلى اسم من أسماء الله -جل وعلا- أو إلى صفة من صفاته.
... فإذا رأى حسنًا أمامه أرجعه إلى صفة من صفات الله وإلى أثر من آثار أسمائه الحسنى في ملكوته، وإذا رأى سيئًا أرجعه إلى صفة من صفاته، وهكذا ..., فأيُّ حالةٍ يراها في السماء أو في الأرض فإن مقام مشاهدته لصفات الله يقتضي أنه يُرجع كلَّ شيء يراه إلى آثار أسماء الله -جل وعلا- وصفاته في خلقه.
... وهكذا يحصل هذا المقام لمن عظُمَ علمه بأسماء الله - عز وجل - وبصفاته وبأثرها في ملكوته، فيأتي لعظم علمه بذلك فيشهد صفة إحاطة الله -جل وعلا- بالعبد، وأنَّ الله -جل وعلا- رقيب عليه, محيطٌ به، وأنه شاهد عليه, فيعظم ذلك في نفسه حتى يستحي أنْ يكشف عورته في خلوةٍ لا يراه إلا هو -كما جاء في الحديث-، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في كشف العورة: (إن الله أحق أن يستحيى منه) (1)؛ كلُّ هذا لأجل مقام المشاهدة العظيم (2).
__________
(1) سيأتي تخريجه .
(2) انظر : شرح الأربعين النووية ، ص 42-44 .(1/63)
6. معرفة أهمية الخلق في الإسلام والتفكر في الآثار المترتبة عليها: ومن ذلك الحياء خاصة والأخلاق الحسنة بعامة؛ فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها؛ من دواعي فعلها، وتمثلها، والسعي إليها. والمرء إنْ رغب في مكارم الأخلاق، وأدرك أنها من أولى ما اكتسبته النفوس، وأجلُّ غنيمة غنمها الموفقون؛ سَهُل عليه نيلها واكتسابها. -وقد مرَّ معنا شيء من تلك الأهمية من خلال النصوص الشرعية-, وإلا فحصرها دونه خَرْطُ القتاد وفتُّ الأكباد.
7. النظر في عواقب التخلي عن الحياء: وذلك بتأمل ما يجلبه التخلي عنه من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، ويبعثه على التحلي به, والتلبس بمحاسن الأخلاق.
8. الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بشيءٍ مما يُسيء الأخلاق وحاول التخلص منه فلم يفلح, أيس من إصلاح نفسه، وترك المجاهدة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمؤمن القوي, بل ينبغي عليه أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجُدَّ في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس من تبدلت حاله، وسمتْ نفسه، وقلتْ عيوبه, بسبب مجاهدته، وسعيه، وجده، ومغالبته لطبعه؟!.
9. شكر النعم : فإن نعم الله تعالى على عباده تترى، وأفضاله على خلقه لا تحصى ، والله يقول: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ ِNن3¯Ry‰ƒخ-{ } (1). وبالتالي فإنَّ الإنسان إذا تأمل في نعم الله عليه وتقلبه فيها, أدى ذلك إلى حياءه من الله-عز وجل-, قال ابن حجر-رحمه الله-: (وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه, فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته) (2).
__________
(1) سورة إبراهيم ، آية 7 .
(2) فتح الباري ، 1/75 .(1/64)
... قَالَ الْجُنَيْدُ-رحمه الله-: (الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ , وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى : الْحَيَاءَ) (1).
10. مداومة القراءة في فضائل الحياء, وما يُرغب فيه, وقراءة كتب الشمائل والأخلاق: فإنها تُنَبِّه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكِّره بفضلها، وتعينه على اكتسابها, وترديد ذلك في القلب, وجَمْعُ الهمة على تحصيله ، والصبر ومجاهدة النفس على التحلي به دون مللٍ أو كللٍ.
11. مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم: قال مجاهد: (إنَّ المسلم لو لم يُصبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه) (2).والمرء فطرةً مولعٌ بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه.
... ... فالصداقة المتينة لا تحلُّ في نفسٍ إلا هذبت أخلاقها الذميمة. فإذا كان الأمر كذلك فحريٌّ بالمرء أن يبحث عن إخوان صدقٍ؛ يعينوه على كلِّ خير، ويقصروه عن كلِّ شر.
... ... ومنه الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءة: فاختلاف المرء إلى مثلهم، والإكثار من لقائهم؛ مما يعين على التَخَلُّقِ بأخلاقهم، والقبس من سمتهم ودلِّهم. يُروى أنَّ الأحنف بن قيس قال: (كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم الحلم, كما نختلف إلى العلماء نتعلم العلم) (3).
__________
(1) شرح النووي على مسلم ، 2/5 .
(2) رواه البيهقي في شعب الإيمان ، 6/504 ، وابن أبي شيبة ، 7/215 ، برقم ( 35451 ) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 3/280 , ومكارم الأخلاق 1/41.
(3) شعب الإيمان ، 6/358 .(1/65)
... ... ولا يلزم أنْ يكون أولئك من أهل العلم، بل قد يوجد من العوام من جُبِلَ على كريم الخلال, وحميد الخصال، قال ابن حزم-رحمه الله-: (وقد رأيت من غمار العامة من يجري من الاعتدال, وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه, ولكنه قليل جداً. ورأيت ممن طالع العلوم, وعرف عهود الأنبياء عليهم السلام, ووصايا الحكماء, وهو لا يتقدمه في خبث السيرة, وفساد العلانية, والسريرة, شرار الخلق وهذا كثيرٌ جداً فعلمت أنهما مواهب وحرمان من الله تعالى) (1). فمجالستهم مما يعين على الكفِّ عن المعاصي.
... وهذا مماعُلِمَ بالتجربة في مجال التربية, فإنَّ المتربي قد يكون في بداية أمره لا يملك حياءً غريزياً, أو أنَّ عنده حياءً غريزياً ناقصاً, ثم ينشأ في جو يُنمِّي بواعث الحياء في قلبه, ويدله على خصال الحياء, فإن هذا المتربي سيكتسب الحياء شيئاً فشيئاً, ويقوى الحياء في قلبه بالتوجيه والتربية حتى يصبح الحياء خلقاً ملازماً له، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: (وَمِنْ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ أَحْيُوا الْحَيَاءَ بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ, وَعِمَارَةُ الْقَلْبِ بِالْهَيْبَةِ وَالْحَيَاءِ, فَإِذَا ذَهَبَا مِنْ الْقَلْبِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ خَيْرٌ). وهذا الكلام بديع المعنى بعيد الفقه، حيثُ أنَّ كثرة مجالسة من لا يُستحيا منه؛ لقلة قدره ومروءته, أو غيرها, تخلق في النفس نوعَ تجانسٍ معهم, ثم إنَّ قلة قدرهم عنده تجعله لا يستحي منهم, فيصنع ما يشاء بحضرة تلك الجماعة, فتضعف عنده خصلة الحياء شيئاً فشيئاً, فيتعَّود أنْ يصنع ما يشاء أمام الناس جميعاً. أما مجالسة من يُستحيا منه؛ لصلاحهم, وعلو قدرهم, فإنها تحيي في القلب الحياء. فيظل الإنسان يراقب أفعاله وأقواله قبل صدورها حياءً ممن يجالسه, فيكون هذا خلقاً له ملازماً, فتتعود نفسه إتيان الخصال المحمودة, ومجانبة الخصال المذمومة.
__________
(1) مداواة النفوس ، 1/25 .(1/66)
... فمجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه، أما مجالسة الأرذال فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.
12. مطالعة سير الصالحين من القدوات الكبار: وعلى رأس الهرم سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: فإن إدامة النظر فيها يضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية، والله تعالى يقول : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ×puZ|،xm لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ uچ½zFy$# uچx.sŒur اللَّهَ #[ژچدVx. (21) } (1).
... وقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } (2). قال ابن حزم -رحمه الله-: (من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة, والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فَلْيَقْتَدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الإتساء به بمنه آمين) (3) .
... ... ثم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وبعدهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم, فهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته، وخلقه, ودله, فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي بهم، والإقتداء بهديهم. والتابعين بعدهم ومن تبعهم من سلف هذه الأمة الأبرار .
وقراءة سير أهل الفضل والحلم، والنظر في تراجمهم عامةً مما يُحرك العزيمة على اكتساب المعالي, ومكارم الأخلاق؛ ذلك أنَّ حيا تهم توحي إلى القارئ بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
__________
(1) سورة الأحزاب ، آية 21 .
(2) سورة القلم ، آية 7 .
(3) مداواة النفوس ، 1/24 .(1/67)
13. علو الهمة: فعلو الهمة يستلزم الجد، ونشدان المعالي، والترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور. ولا يزال بصاحبه يزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى يرفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد، قال ابن القيم -رحمه الله-: (فمن علت همته, وخشعت نفسه اتصف بكل خُلقٍ جميل, ومن دنت همته, وطغت نفسه اتصف بكل خلقٍ رذيلٍ) (1).
وقال: (فالنفوس الشريفة لا ترضي من الأشياء إلا بأعلاها, وأفضلها, وأحمدها عاقبة. والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار. فالنفس الشريفة العليَّةِ لا ترضى بالظلم, ولا بالفواحش, ولا بالسرقة, والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل. والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضدِّ من ذلك) (2). فإن علتْ همة المرء, وحرص على اكتساب الفضائل، وألزم نفسه على التخلق بالمحاسن، ولم يرض من منقبةٍ إلا بأعلاها، ولم يقف عند فضيلة إلا وطلب الزيادة عليها, وفي مقدمة تلك الفضائل والمحاسن سمة الحياء, كان حرصه ذلك من أكبر الأسباب المعينة على التحلي بها.
14. الصبر: فالصبر من الأُسس التي يقوم عليها الخلق الحسن، فهو يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
وقَلَّ مَنْ جدَّ في أمرٍ يطالبه فاستصحبَ الصبرَ إلا فاز بالظفرِ (3)
15. العفة: فهي مما يحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة,..., وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير.
قال الغزالي-رحمه الله-: (وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع) (4).
__________
(1) الفوائد ، 1/144 .
(2) الفوائد ، 1/177 -178 .
(3) السحر الحلال ، 1/65 ، الصناعتين الكتابة والشعر ، 1/391 .
(4) إحياء علوم الدين ، 3/55 .(1/68)
16. التواصي بحسن الخلق عامة والحياء خاصة: وذلك ببث فضائلها، وبالتحذير من مساوئها، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حَسَنِي الأخلاق، فحسن الخلق من الحق، والله يقول: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } (1) .
17. معرفة أحوال الناس ومراعاة عقولهم وطبائعهم من خلال مخالطتهم, ومعاملتهم بمقتضى ذلك: فهذا الأمر مما يعين على اكتساب الحياء, فالرجل العاقل يحكم هذا الأمر، وينتفع به عند لقائه بالناس، فتراه يزن عقول من يلاقونه، فيتيسر له أن يسايرهم إلا أن ينحرفوا عن الرشد، ويتحامى ما يؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق, ومن ثمَّ يترك ماكان ذميماً فيهم ويعمل بما كان طيباً فيهم .
18. قراءة القرآن بتدبر وتعقل: فهو الهدى والنور، وهو كتاب الأخلاق ودستورها الأول، وهو الذي يهدي للتي هي أقوم، وحسن الخلق من جملة ما يهدي إليه القرآن. وفيه من الوصايا العظيمة الجامعة التي لا توجد في غيره، كما أنَّ فيه الكثير من الأُسس والقواعد والأُطر للبناء الخلقي, والتي لو أخذت بها البشرية لتغير مسارها، ولاستنارت سبلها، بل إن آية واحدة في القرآن جمعت مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ َعحچôمr&ur عَنِ ڑْüد=خg"pgù:$# (199) } (2) .ومن جملة ما اشتمل عليه ما يتصل بالحياء فهو رأس مكارم الأخلاق - كما سبق عن عائشة رضي الله عنها - .
19. التخلص من هوى النفس وسلطانها: فإنه مما يُسْهم في بقاء القلب عامراً بتقوى الله, ومقبلاً عليه, والمبادرة إلى مرضاته, قال الغزالي-رحمه الله: (فكلُّ ذلك لتصاعد دخان الهوى إلى القلب حتى يظلم وتنطفيء منه أنواره, فينطفيء نور الحياء, والمروءة, والإيمان, ويسعى في تحصيل مراد الشيطان) (3).
__________
(1) سورة العصر ، آية 3 .
(2) سورة الأعراف ، آية 199 .
(3) إحياء علوم الدين ، 3/47 .(1/69)
20. تزكية النفس بالطاعة: فهذا من أعظم ما يكسب الأخلاق الفاضلة، قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ $yg8ھ.y- (9) } (1) . وقال : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ 4'ھ1u"s? (14) } (2).
21. نماءُ العقل وسمو الأهداف والأفكار: فكلما سما المرء بعقله جره ذلك إلى حُسْن الخلق, والتحلي بمكارم الأخلاق, وفي مقدمتها الحياء, قال الغزالي-رحمه الله-: (فأقل آثار العقل الحياء عن فضيحة
الاجتراء) (3).
22. الوفاء للخالق والوفاء للخلق: فإنَّ من اتصف به أحجمه عن سوء الفعال, ودنيء الخصال, قال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: (ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب) (4).
الفصل الثامن
آثار الأخلاق, والحياء على المجتمع والفرد
__________
(1) سورة الشمس ، آية 9 .
(2) سورة الأعلى ، آية 14 .
(3) فضائح الباطنية ، 1/112 .
(4) روضة العقلاء ، 1/59 .
* وللاستزادة انظر : سوء الخلق ، ص91-151 .(1/70)
... إنّ الْحَيَاءُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مَطْلُوبٌ , وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَغَّبَ فِيهِ , لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنْ الْمَعَاصِي , وَيَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْقَبَائِحِ , وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيَذُمُّ , فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ , لَا يُنْتِجُ إلَّا خَيْرًا , فَاَلَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ اجْتِرَاحِهَا , أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ , أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ , أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الْحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنْ الْكَلَامِ , وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ , فَاَلَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الْآثَارُ الْحَسَنَةُ , فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ (1).
... بل إن آثار الحياء تتعدى ذلك بكثير ، فكما أنها مؤثرة على المتحلي بها فهي كذلك مؤثرة على المجتمع بأثره . ولقد جرت عادة المصنفين أن يذكر الثمرة الناتجة عن المصنف فيه ، كهدف له ، ومن هذا الباب رأيت أن من العناصر المحورية في الموضوع ذكر الآثار والثمار المترتبة على الحياء . ورأيت أن أقسم هذه الآثار والثمار إلى مبحثين :
المبحث الأول : آثار الأخلاق على المجتمع والأمة والفرد :
المطلب الأول: بالنسبة للمجتمع والأمة :
فإن مما يثمره الحياء على مستوى الأمة والمجتمع - على سبيل المثال لا الحصر - :-
__________
(1) الموسوعة الفقهية 18/262.(1/71)
أ- قوة الأمة والزيادة في إنتاجها : فالأخلاق أساس قيام الحضارات, وكثرة القوانين والنظم في مجتمع ما, دليل على فساده وانحطاطه. وقد أثبتت التجربة أن العقائد والأخلاق والآداب هي المحرك الأساسي للمجتمع الصالح. وكثرة القوانين لا تصحح مسيرة المجتمع لكنها تفتح أبواباً جديدة للفساد, لكنه هذه المرة موجه نحو الذين يقومون على تنفيذ القوانين المعقدة (1) .
وحين يصاب المجتمع بالشلل الأخلاقي يكون قد فقد الأساس الذي يقوم عليه الكثير من أنشطته الاجتماعية, والأساس الذي تبنى عليه الثقة بين الناس, وآنذاك يفقد فاعليته الفكرية والروحية وإن كانت إمكاناته الحضارية في نمو وتوسع (2).
ولذا فإنَّا لا نستطيع الاستمرار في اتباع الطرق الصحيحة في الإنتاج, والتطور, إذا لم نملك أخلاقيةً عميقةً, وعادات متأصلة في ذواتنا (3).
ب- كثرة الرزق والبركة من الله تعالى في الديار والعمران: فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنه من أُعطي حظه من الرفق فقد أُعطي حظه من خير الدنيا والآخرة, وصلة الرحم, وحسن الخلق, وحسن الجوار, يعمران الديار ويزيدان في الأعمار) (4) .
ج- احترام سائر الأمم لهذه الأمة, وجعلها قدوة لهم.
د- هيبة سائر الأمم لهذه الأمة.
هـ - أنها سببٌ في بقاء الأمة ورقيها, وتكون بذلك أسرع من باقي الأمم (5) : قال الشنقيطي-رحمه الله-: (وقد أخذت قضية الأخلاق عامة وأخلاقه صلى الله عليه وسلم خاصة محل الصدارة من مباحث الباحثين, وتقرير المرشدين, فهي بالنسبة للعموم أساس قوام الأمم وعامل الحفاظ على بقائها, كما قيل:
__________
(1) بصائر في العلم والثقافة ، 5/61 " بتصرف " .
(2) بصائر في العلم والثقافة ، 5/31 " بتصرف " .
(3) بصائر في العلم والثقافة ، 1/39 " بتصرف " .
(4) رواه الإمام أحمد 6/159.
(5) رسائل فتيان الدعوةص66.(1/72)
إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإنْ هم ذهبتْ أخلاقهم ذَهبوا) (1).
... ... قال أنس بن مالك رضي الله عنه لبكير بن وهب الجزري: أحدثك حديثاً ما أحدثه كلُّ أحد؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب ونحن فيه. فقال: (الأئمة من قريش, إنَّ لهم عليكم حقاً, ولكم عليهم حقاً, أما إن استرحموا رحموا, وإن عاهدوا وفوا, وإن حكموا عدلوا, فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (2).
المطلب الثاني: بالنسبة للفرد:
فآثار الأخلاق عامة على الفرد ما يلي :
أ- شعوره بالأمن والطمأنينة والراحة النفسية حينما يحقق الخلق الحسن مع غيره: قال بعض البلغاء: (الحَسَنُ الخلق من نفسه في راحة, والناس منه في سلامة. والسيء الخلق الناس منه في بلاء وهو من نفسه في عناء) (3).
ب- أمنه على نفسه وماله وعرضه وممتلكاته العامة.
ج- حصوله على حقوقه كاملة, وإعطاؤه لمجتمعه ما يجب عليه كاملاً.
د- زيادة إنتاج وعطاء الفرد لمجتمعه.
ه- شيوع روح المحبة والألفة والترابط بين أفراد المجتمع (4): قال الفضيل بن عياض: (إنَّ الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله, وخفَّ على الناس, وأحبوه. وإنَّ العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس, ومقتوه) (5).
المبحث الثاني : آثار الحياء الخاصة :
وأما آثار الحياء الخاصة فهي كثيرةٌ, أذكر منها مايلي:
__________
(1) أضواء البيان 8/248.
(2) رواه النسائي في الكبرى 3/467, برقم(5942) كتاب القضاء ، باب الأئمة من قريش. ومسند الإمام أحمد 3/129, برقم(12329).
(3) أدب الدنيا والدين ، ص242 .
(4) رسائل فتيان الدعوة ، ص66 .
(5) روضة العقلاء ، (1/64) .(1/73)
1. أنه من أسباب الفوز بالجنة والنجاة من النار: وذلك لعموم الأدلة الدالة على أنَّ حسن الخلق من أسباب دخول الجنة والحياء منها: قال أبو حاتم-رحمه الله-: (كما أن من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه...) (1).
2. أنه من خصال الإِيمان, وأصل كُلِّ شعبه, وهي دليل على حُسن الإسلام:
... قال المناوي في شرح (الحياء من الايمان): (أي من أسباب أصل الإيمان وأخلاق أهله؛ لمنعه من الفواحش, وحمله على البر والخير...), وقال: (الحياء والإيمان مقرونان لا يفترقان إلا جميعاً, أي: كأنهما رضيعا لبان ثدي, أو تقاسما أن لا يفترقا), وقال: (لأن من استحيا من الناس أن يروه يفعل قبحاً, دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يهمل فرضاً ولا يعمل ذنباً. قال بعضهم: الحياء دليل الدين الصحيح, وشاهد الفضل الصريح, وسمة الصلاح الشامل, وعنوان الفلاح الكامل, من كان فيه نظم قلائد المحامد, ونسق وجمع من خلال الكمال ما افترق...) (2).
3. أنه من أسباب حياة القلب: قال عمرو بن عثمان: (والحياء يعمر القلوب بدوام الطهارة, ويُخْرِجُ من القلوب حلاوة الماء, ثم حلاوة الشهوات. ودوام الحياء يوجب على القلوب إعظام حرمات الله, بإعظام مقام الله حياء من جلال الله؛ لأن إجلال حرمات الله في القلوب غاسل للقلوب بماء الحياة الوارد عليها من فوائد الله فتخلق الدنيا في قلوبهم, وتصغر الأشياء فيها ) (3). فتلك والله حياة القلب بعينها .
وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله-: (خمسٌ من علامات الشقاوة : القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل) (4) .
__________
(1) روضة العقلاء ، ( 1/58) .
(2) التيسير بشرح الجامع الصغير( 1/510) .
(3) حلية الأولياء 10/295 ،
(4) مدارج السالكين 2/260.(1/74)
... قال الإمام الترمذي-رحمه الله-: (فصار الحياء من شأنهم-يعني الأنبياء- لطهارة الروح من أسباب النفس) (1).
... وقال المناوي: (ولأن من استحيا كان خاشع القلب لله تعالى, متواضعاً قد برئ الكبر ونحوه, وقالوا: لا يزال الوجه كريماً ما دام حياؤه, ولم يرق باللجاج ماؤه. وقالوا: حياة الوجه بحيائه, كما أن حياة الغرس بمائه...) (2).
4. أنّه مما يعين على التخلص من سلطان الشيطان وكيده: قال الغزالي-رحمه الله: (فكل ذلك لتصاعد دخان الهوى إلى القلب حتى يُظلم وتنطفيء منه أنواره, فينطفيء نور الحياء والمروءة والإيمان, ويسعى في تحصيل مراد الشيطان) (3) .
5. أنه سببٌ كل خيرٍ, وعمدةُ كلِّ فضيلة: فقد قال علي رضي الله عنه: (والحياء سببٌ إلى كلِّ جميل) (4).
... وقال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: (إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه, ودفن مساويه, ونشر محاسنه. ومن ذهب حياؤه ذهب سروره, ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت, ومن مقت أوذى, ومن أوذى حزن, ومن حزن فقد عقله, ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له. ولا دواء لمن لا حياء له), وقال: (وإن من أعظم بركته تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومة) (5).
... قال المناوي: (إذا رأيت من أخيك في الدين ثلاث خصال فأمل أن ينتفع برأيه, ومشورته, وارج له الفلاح, والفوز بالنجاح؛ لما لاح فيه من مخايل الخير, وأمارات الرشد التي من ثمرات هذه الخصال, وهي: الحياء, والأمانة, والصدق. فإنها أمهات مكارم الأخلاق, فإذا وجدت في عبد دل على صلاحه فيرتجى ويرجى له الفلاح.
... وقدم الحياء في الذكر؛ لأنه أصل ما بعده, ورأسه, وعنه يتفرع, ومنه ينشأ.
__________
(1) نوادر الأصول في أحاديث الرسول 2/254.
(2) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/510.
(3) إحياء علوم الدين 3/47
(4) إحياء علوم الدين 4/402.
(5) روضة العقلاء 1/58(1/75)
... وإذا لم ترها مجتمعة فيه فلا ترجه لشيء مما ذكر, ولا تؤمل فلاحه؛ لأنها إذا لم تجتمع في إنسان دل على قلة مبالاته بالعاقبة, وجرأته على الله وعلى عباده) (1).
... وقال: (ما كان الفحش في شيءٍ قط إلا شانه وعابه . والشين العيب ، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه قال الطيبي: فيه مبالغة. أي: لو قُدِّرَ أن يكون الفحش أو الحياء في جماد لشانه أو زانه, فكيف بالإنسان؟ وأشار بهذين إلى أن الأخلاق الرذلة مفتاح كل شر, بل هي الشر كله. والأخلاق الحسنة السنية مفتاح كل خير, بل هي الخير كله) (2).
لطيفة: قال ابن جماعة: (وقد بلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بالفحش والحسد والعجب والرياء وعدم الحياء)أ.هـ, وأقول ليت ابن جماعة عاش إلى الآن حتى رأى علماء هذا الزمان...). فيض القدير 5/461. وأقول: ليت المناوي عاش إلى الآن حتى يرى علماء هذا الزمان. والله المستعان.
... قال بعضهم: (الحياء دليلُ الدين الصحيح, وشاهد الفضل الصريح, وسمة الصلاح الشامل, وعنوان الفلاح الكامل, من كان فيه نظم قلائد المحامد, ونسق وجمع من خلال الكمال ما افترق) (3).
6. أنه سببٌ لهجر المعاصي: ويكون ذلك خجلاً من الله سبحانه وتعالى. (لأن الترك من ثمرات الحياء؛ لأن الإنسان إذا استحيا من فعل شيء تركه, فيكون من باب تسمية المسبب باسم السبب) (4).وقال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: (فإذا لزم المرء الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة, كما أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوماً, وتواتر الشر منه موجوداً؛ لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها, فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها, وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها...) (5).
__________
(1) فيض القدير 1/355.بتصرف.
(2) فيض القدير 5/461.
(3) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/510.
(4) تفسير البحر المحيط ، 1/265 .
(5) روضة العقلاء 1/58.(1/76)
... قال الغزالي-رحمه الله-: (لأنَّ مستنده استشعار تقصير, وتوهم ذنب, ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير, وارتكاب ذنب) (1).
وقال ابن القيم-رحمه الله-: (قاعدةٌ: الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة), وذكر منها: (السبب الثاني: الحياء من الله سبحانه: فإن العبد متى علم بنظره إليه, ومقامه عليه, وأنه بمرأى منه, ومسمع, وكان حييا, استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه) (2).
وقال المناوي: (ولذلك لا يكون المستحي فاسقاً, ولا الفاسق مستحياً؛ لتنافي اجتماع العفة والفسق) (3).
وقال الدهلوي: (ولذلك ترى سقوطَ الشهوة والشبق عند خطور ما يورث في النفس كيفية الحياء) (4).
و قال عمرو بن عثمان: (والحياء يعمر القلوب بدوام الطهارة, ويُخْرِجُ من القلوب حلاوة الماء, ثم حلاوة الشهوات. ودوام الحياء يوجب على القلوب إعظام حرمات الله, بإعظام مقام الله حياء من إجلال الله) (5).
7. أنه من دواعي الإِقبال على الطاعة والعبادة وإتقانها بوازع الحب لله تعالى: قال المناوي: (ومن عرف إحاطة علمه لكل معلوم, ورؤيته لكل مصر, أثمر ذلك العلم الحياء منه, والمراقبة, وإتقان العبادة, وإصلاح القلب, وإخلاص العمل) (6).
... وقال الغزالي-رحمه الله-: (وأما-اليقين- بالمعنى الثاني... وهذا المقام في اليقين يورث الحياء, والخوف, والانكسار, والذل, والاستكانة, والخضوع, وجملة من الأخلاق المحمودة, وهذه الأخلاق تورث أنواعاً من الطاعات رفيعة) (7).
__________
(1) إحياء علوم الدين ، 1/162 .
(2) طريق الهجرتين1/408.
(3) فيض القدير 3/426
(4) حجة الله البالغة 1/114.
(5) حلية الأولياء 10/295.
(6) فيض القدير 6/243.
(7) إحياء علوم الدين 1/75.(1/77)
... قال الغزالي-رحمه الله- في بيان المعاني الباطنة التي تتم بها حياة الصلاة: (اعلم أن هذه المعاني تَكْثُرُ العبارات عنها ولكن يجمعها ستُّ جملٍ, وهي: حضور القلب, والتفهم, والتعظيم, والهيبة, والرجاء, والحياء) (1) . فجعل الحياء من الله من المعاني المتممة للصلاة .
8. أنه من أسباب مغفرة الذنوب: قال الله عز وجل: (ابن آدم: إنك ما استحييت مني أنسيتُ الناس عيوبك، وأنسيتُ بقاع الأرض ذنوبك، ومحوتُ من أُمِّ الكتاب زلاتك، وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة) (2).
9. أنه يكسو صاحبه الوقار: فلا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير, ولا يُؤذي من يستحق الإِكرام, وذلك سببُ البعد عن فضائح الدنيا والآخرة, فيصده عن فعل القبائح, ويحظره عن مماشاة أهل الفضائح وبالتالي يكون من الأخيار, قال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: (ولا حياء لمن لا وفاء له ولا وفاء لمن لا إخاء له ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب) (3).
... وإذا تمَّ له ذلك صار محبوباً إلى الناس, وقريباً منهم, وقدوة لهم, ومرضياً منهم, وذُكر بالخير والثناء الحسن, وهو قبل ذلك كله دليل على عقل صاحبه وعلوّه حتى قيل: (لا ترضَ قول امرئ حتى ترضى فعله ولا فعله حتى ترضى عقله ولا عقله حتى ترضى حياءه) (4).
10. أنه دليل كرم السجية وطيب المنبت: قال أبو حاتم-رحمه الله-: (كما أن من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معا في المعاملة بينه وبين الله والعشرة بينه وبين المخلوقين وإذا قوى حياؤه قوى كرمه وضعف لؤمه وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه) (5).
__________
(1) إحياء علوم الدين 1/161.
(2) مدارج السالكين 2/260. ولم أجده في شيء من كتب السنة .
(3) روضة العقلاء 1/59.
(4) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/510.
(5) روضة العقلاء 1/58.(1/78)
... وقيل: (لا يزال الوجه كريما ما دام حياؤه ، ولم يرق باللجاج ماؤه . وقالوا :حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه...) (1).
11. أن فيه اقتضاء بالأنبياء: فهي صفة من صفات الأنبياء وسلف الأمة من الصحابة والتابعين. أما من صفات الأنبياء فقد جاء عن مليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده رضوان الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من سنن المرسلين: الحياء والحلم و الحجامة والسواك والتعطر) (2) . و في رواية أبي أيوب:(أربع من سنن المرسلين: التعطر والحياء و النكاح و السواك) (3).
... ومعناه أن هذه الخمسة من شأنهم, ومنها الحياء فإن النور إذا دخل القلب تخلصت الروح من أسر النفس فصار إلى طبعه السماوي ، فالحياء خجالة الروح ، و تلكيه عن كلِّ عمل لا يحسن في أهل السماء، فصار الحياء من شأنهم لطهارة الروح من أسباب النفس(4).
12. أنه سبب لمحبة الله عز وجل: فصاحبها يُعد من المحبوبين من الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل حيي ستير ، يحب الحياء والستر ) (5) . و قال ابن القيم -رحمه الله- عن الله:(حيي يحب أهل الحياء) (6). ولأنها من جملة الطاعات والعبادات ، وقد دلت الآيات على محبة الله لأهلها .
__________
(1) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/510.
(2) رواه الطبراني في الكبير 22 /293 ، برقم (749 ) .
(3) رواه الترمذي 3/391 ، برقم (1080 ) ، كتاب النكاح ، باب ما جاء في فضل التزويج والحث عليه ، والطبراني في الكبير 4/183 ، برقم (4085) .
(4) نوادر الأصول في أحاديث الرسول 2/254. بتصرف .
(5) رواه أبو داود ، 4/39 ، برقم ( 4012) ، كتاب الحمام ، باب النهي عن التعري ، والبيهقي في الكبرى ، 1/198 ، برقم (908) ، كتاب الطهارة ، باب الستر في الغسل عند الناس .
(6) شفاء العليل 1/105, روضة المحبين 1/64.(1/79)
13. أنه من أسباب إجابة الدعاء من الله عز وجل: يقول الله: (ما أنصفني عبدي.. يدعوني فأستحي أن أرده ويعصيني ولا يستحي مني) (1).
... قال ابن القيم-رحمه الله-: (وأما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا) (2) .
... وأخيراً: (فلأن الإسلام هو تسليم النفس لله والدين خضوعها وانقيادها؛ فلذلك صار الحياء خلقا للإسلام ووعاء للدين, يستحيي فيتواضع, ويستحيي فيخضع, ويستحيي فيبذل نفسه لله, ولا يبخل بها عليه. ومن الحياء انكسار النفس, وذهاب رجوليتها, ألا ترى أن المرأة لما فضلت على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من الحياء كيف كسرت شهوتها التي فضلت بها على الرجل؟.
... وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة فضلت على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من الشهوة وفضلت من الحياء بتسعة وتسعين جزءاً لتكسر تلك الشهوات ما فضلت به من أجزاء الحياء) (3) . فقد بان لك أن الحياء يكسر ويذهب بالقوة والجلادة والصلابة من النفس وإذا كان ذلك يقوي القلب؛ لأن الحياء من الحياة بالله والحياة بالله من نفس المعرفة) (4) .
... فإنَّ من فقد الحياء تدرج في حياته من السيء إلى الأسوء، وهبط من الرذيلة إلى الأرذل، ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدركات السفلى والعياذ بالله...
ثبتُ المصادر والمراجع
1. ... القرآن الكريم.
2. ... الحماسة المغربية (مختصر كتاب صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب)، تأليف: أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي التادلي، دار النشر: دار الفكر المعاصر - بيروت , 1991م، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد رضوان الداية.
__________
(1) مدارج السالكين 2/260.
(2) مدارج السالكين 2/261.
(3) ولم أجد له أصلاً في كتب السنة .
(4) نوادر الأصول في أحاديث الرسول 4/46-47.(1/80)
3. ... الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، تأليف: علي بن عبد الكافي السبكي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1404هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: جماعة من العلماء.
4. ... إحياء علوم الدين، تأليف: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار االمعرفة - بيروت.
السنن الكبرى، تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1411هـ - 1991م، الطبعة الأولى، تحقيق: د.عبد الغفار سليمان البنداري, سيد كسروي حسن.
5. ... الأخلاق الإسلامية وأسسها, تأليف: عبدالرحمن بن حبنكة الميداني, دار النشر: دار القلم - دمشق , 1423هـ - 2002م , الطبعة السادسة.
6. ... الأخلاق والسير في مداواة النفوس، تأليف: أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، دار النشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت , 1399هـ - 1979م، الطبعة الثانية، بلا تحقيق.
7. ... الآداب الشرعية والمنح المرعية، تأليف: الإمام أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت , 1417هـ - 1996م، الطبعة الثانية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عمر القيام.
8. ... آداب الصحبة، تأليف: أبي عبد الرحمن السلمي، دار النشر: دار الصحابة للتراث -طنطا- مصر, 1410هـ - 1990م، الطبعة الأولى، تحقيق: مجدي فتحي السيد.
9. ... الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام، تأليف: أبو الفداء الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار النشر: دار الوطن للنشر - الرياض , 1418هـ - 1997م، الطبعة الأولى، تحقيق: سامي بن محمد بن جادالله.
10. ... أدب الدنيا والدين, تأليف: علي بن محمد بن حبيب الماوردي, دار النشر: دار مكتبة الحياة.
11. ... الأدب المفرد، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار النشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت , 1409هـ - 1989م، الطبعة الثالثة، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي.(1/81)
12. ... آفاق الجمال, تأليف: محمد أحمد الراشد,دار النشر: دار المحراب للنشر والتوزيع - كندا - سويسرا , 1422هـ - 2002م, الطبعة الأولى.
13. ... أمراض القلوب وشفاؤها، تأليف: أحمد بن تيمية، دار النشر: المطبعة السلفية - القاهرة , 1399هـ، الطبعة الثانية.
14. ... الأنساب، تأليف: أبي سعيد عبد الكريم بن محمد ابن منصور التميمي السمعاني، دار النشر: دار الفكر - بيروت , 1998م، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد الله عمر البارودي.
15. ... أنوار البروق في أنواع الفروق, تأليف: أحمد بن إدريس (القرافي), دار النشر: دار عالم الكتب.
16. ... بريقة محمودية, تأليف: محمد بن محمد بن محمود الخادمي, دار النشر: دار إحياء الكتب العربية.
17. ... بصائر في العلم والثقافة(مستخلصة من كتب أ.د. عبد الكريم بكار), تأليف: الفريق العلمي بدار الإعلام, دار النشر: دار الإعلام - الأردن - عمان ,1424هـ - 2003م, الطبعة الأولى.
18. ... بناء الأخلاق, تأليف: عبدالله سليم القرشي, دار النشر: دار القاسم - الرياض , 1425هـ - 2004م , الطبعة الأولى.
19. ... تاج العروس من جواهر القاموس، تأليف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار النشر: دار الهداية، تحقيق: مجموعة من المحققين.
20. ... تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار النشر: دار الكتاب العربي - لبنان- بيروت , 1407هـ - 1987م، الطبعة الأولى، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري.
21. ... تاريخ بغداد، تأليف: أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
22. ... تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، تأليف: أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي ، دار النشر: دار الفكر - بيروت , 1995م، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري.(1/82)
23. ... الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، تأليف: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1417هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: إبراهيم شمس الدين.
24. ... تفسير البحر المحيط، تأليف: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان- بيروت , 1422هـ -2001م، الطبعة الأولى، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود و الشيخ علي محمد معوض.
25. ... تفسير القرآن العظيم المعروف بـ(تفسير ابن كثير)، تأليف: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار النشر: دار الفكر - بيروت , 1401هـ.
26. ... التفسير الكبير المعروف بـ(مفاتيح الغيب)، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1421هـ - 2000م، الطبعة الأولى.
27. ... تهذيب اللغة ، تأليف: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري ، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 2001م، الطبعة الأولى ، تحقيق: محمد عوض مرعب.
28. ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تأليف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت , 1421هـ- 2000م، تحقيق: عبدالرحمن بن معلا اللويحق.
29. ... التيسير بشرح الجامع الصغير، تأليف: الإمام الحافظ زين الدين عبد الرؤوف المناوي، دار النشر: مكتبة الإمام الشافعي - الرياض , 1408هـ - 1988م، الطبعة الثالثة.
30. ... الجامع الصحيح المختصر، تأليف: الإمام محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار النشر: دار ابن كثير , اليمامة- بيروت , 1407هـ - 1987م، الطبعة الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.
31. ... الجامع الصحيح سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت-، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.(1/83)
32. ... جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، تأليف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت , 1417هـ - 1997م، الطبعة السابعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط و إبراهيم باجس.
33. ... جامع بيان العلم وفضله، تأليف: يوسف بن عبد البر النمري، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1398هـ, الطبعة الأولى.
34. ... حجة الله البالغة، تأليف: الإمام أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبد الرحيم الدهلوي، دار النشر: دار الكتب الحديثة - مكتبة المثنى - القاهرة - بغداد، تحقيق: سيد سابق.
35. ... حكم وآداب من مأثر العرب, تأليف: عبد العزيز بن محمد الأحيدب, دار النشر: دار الإشعاع , 1403هـ , الطبعة الثانية.
36. ... حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، تأليف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت , 1405هـ، الطبعة الرابعة.
نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تأليف: محمد بن علي بن الحسن أبو عبد الله الحكيم الترمذي، دار النشر: دار الجيل - بيروت , 1992م، تحقيق: عبد الرحمن عميرة.
37. ... الحياء (مادة مسموعة), الملقي: الدكتور حسين بن سيد العفاني.
38. ... رسائل فتيان الدعوة, تأليف: اللجنة الثقافية في مؤسسة الكلمة بإشراف الشيخ جاسم الياسين والشيخ أحمد القطان, دار النشر: مؤسسة الكلمة للنشر والتوزيع-الكويت,1414هـ-1994م,.
الحياء وأثره في حياة المسلم, تأليف: عبدالله بن جارالله الجارالله, دار النشر: دار الصميعي للنشر و التوزيع-الرياض, 1411هـ, الطبعة الأولى.
39. ... روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، تأليف: محمد بن حبان البستي أبو حاتم، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1397هـ - 1977م، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد.(1/84)
40. ... روضة المحبين ونزهة المشتاقين، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب أبو عبد الله الزرعي(ابن قيِّم الجوزية)، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1412هـ - 1992م.
41. ... رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت , 1421هـ -2000م، الطبعة الثالثة.
42. ... الزهد، تأليف: هناد بن السري الكوفي، دار النشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت , 1406هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي.
43. ... سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، تأليف: محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت , 1379هـ، الطبعة الرابعة، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي.
44. ... سوء الخلق(مظاهره-أسبابه-علاجه), تأليف: محمد بن إبراهيم الحمد, دار النشر: دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع - الرياض, 1417هـ -1996م, الطبعة الثانية.
45. ... سير أعلام النبلاء، تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت , 1413هـ، الطبعة التاسعة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط و محمد نعيم العرقسوسي.
46. ... شرح العمدة في الفقه، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة العبيكان - الرياض , 1413هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: د. سعود صالح العطيشان.
47. ... شعب الإيمان، تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1410هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد السعيد و بسيوني زغلول.
48. ... شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، دار النشر: دار الفكر - بيروت , 1398هـ، تحقيق: محمد بدر الدين أبو فراس النعساني الحلبي.(1/85)
49. ... صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت , 1414هـ - 1993م، الطبعة الثانية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط.
50. ... صحيح مسلم بشرح النووي، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت , 1392هـ، الطبعة الثانية.
51. ... صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
52. ... صفة الصفوة، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، دار النشر: دار المعرفة - بيروت , 1399هـ - 1979م، الطبعة الثانية، تحقيق: محمود فاخوري و د.محمد رواس قلعه جي.
53. ... طريق الهجرتين وباب السعادتين، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار النشر: دار ابن القيم - الدمام , 1414هـ - 1994م، الطبعة الثانية، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر.
54. ... فضائح الباطنية، تأليف: محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: مؤسسة دار الكتب الثقافية - الكويت، تحقيق: عبد الرحمن بدوي.
55. ... الفوائد، تأليف: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1393هـ - 1973م، الطبعة الثانية.
56. ... فيض القدير شرح الجامع الصغير، تأليف: عبد الرؤوف المناوي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر , 1356هـ، الطبعة الأولى.
57. ... الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، دار النشر: مكتبة الرشد - الرياض , 1409هـ، الطبعة الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت.
58. ... كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.(1/86)
59. ... كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تأليف: إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت, 1405هـ، الطبعة: الرابعة، تحقيق: أحمد القلاش.
60. ... كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف: مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1413هـ - 1992م.
61. ... كلمة الإخلاص وتحقيق معناها، تأليف: ابن رجب الحنبلي، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت , 1397، الطبعة الرابعة، تحقيق: زهير الشاويش.
62. ... كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تأليف: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1419هـ-1998م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمود عمر الدمياطي.
63. ... لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى.
64. ... مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي، دار النشر: دار الريان للتراث/ دار الكتاب العربي - القاهرة , بيروت , 1407هـ.
65. ... مختار الصحاح، تأليف: محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، دار النشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت , 1415هـ - 1995م، الطبعة: طبعة جديدة، تحقيق: محمود خاطر.
66. ... مختصر شعب الإيمان للبيهقي، تأليف: عمر بن عبد الرحمن القزويني أبو المعالي، دار النشر: دار ابن كثير - دمشق , 1405هـ، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط.
67. ... مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت , 1393هـ - 1973م، الطبعة الثانية، تحقيق: محمد حامد الفقي.
68. ... مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تأليف: الملا علي بن سلطان محمد القاري، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان- بيروت , 1422هـ - 2001م، الطبعة: الأولى، تحقيق: جمال عيتاني.(1/87)
69. ... مسند الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، دار النشر: مؤسسة قرطبة - مصر.
70. ... مشارق الأنوار على صحاح الآثار، تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، دار النشر: المكتبة العتيقة ودار التراث.
71. ... مشكاة المصابيح ، تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت , 1985م، الطبعة الثالثة ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني.
72. ... المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ، تأليف: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، دار النشر: المكتبة العلمية - بيروت.
73. ... معجم الأدباء, أو إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تأليف: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1411 هـ - 1991م، الطبعة الأولى.
74. ... المعجم الأوسط، تأليف: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار النشر: دار الحرمين - القاهرة - 1415هـ، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد و عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني.
75. ... المعجم الوسيط بجزأيه ، تأليف: إبراهيم مصطفى و أحمد الزيات و حامد عبد القادر و محمد النجار، دار النشر: دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية.
76. ... المغني عن حمل الأسفار، تأليف: أبو الفضل العراقي، دار النشر: مكتبة طبرية - الرياض , 1415هـ - 1995م، الطبعة: الأولى، تحقيق: أشرف عبد المقصود.
77. ... المفردات في غريب القرآن، تأليف: أبو القاسم الحسين بن محمد ، دار النشر: دار المعرفة - لبنان، تحقيق: محمد سيد كيلاني.
78. ... مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل أو مختصر رعاية المحاسبي، تأليف: سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، دار النشر: دار الفكر - دمشق , 1416هـ - 1995م، الطبعة الأولى، تحقيق: إياد خالد الطباع.(1/88)
79. ... مكارم الأخلاق، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي، دار النشر: مكتبة القرآن - القاهرة , 1411هـ - 1990م، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم.
80. ... منازل السائرين، تأليف: عبد الله الأنصاري الهروي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت , 1408هـ - 1988م.
81. ... المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، دار النشر: دار صادر - بيروت , 1358هـ، الطبعة الأولى.
82. ... المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها، تأليف: أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي، دار النشر: دار الفكر - دمشق - سوريا , 1986م، تحقيق: أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني.
83. ... الموسوعة الفقهية, تأليف: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت, دار النشر: وزارة الأوقاف الكويتية.
84. ... موطأ الإمام مالك، تأليف: مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - مصر ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
85. ... النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تأليف: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردى الأتابكي ، دار النشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي - القاهرة - مصر.
86. ... النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، دار النشر: المكتبة العلمية - بيروت , 1399هـ - 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي.
87. ... هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت , 1379هـ -، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي و محب الدين الخطيب.
88. ... هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً, تأليف: محمود محمد الخزندار, دار النشر: دار طيبة للنشر والتوزيع - الرياض , 1425هـ - 2004م , الطبعة التاسعة.(1/89)
الحياء (مطوية), تأليف: دار القاسم, دار النشر: دار القاسم للنشر والتوزيع - الرياض.
... ...
... ...
ثبتُ الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة . ... 1
خطة البحث . ... 3
الفصل الأول : حقيقة الحياء : ... 7
المبحث الأول : تعريفه . ... 7
المطلب الأول : تعريفه لغة . ... 7
المطلب الثاني : تعريفه اصطلاحاً . ... 8
المبحث الثاني : العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي وسبب تسميته بالحياء . ... 9
الفصل الثاني : منزلة الحياء في الشريعة الإسلامية : ... 11
الفصل الثالث : بين الحياء والأخلاق : ... 16
المبحث الأول : بين الحياء والخجل . ... 16
المبحث الثاني : بين الحياء والرياء . ... 17
الفصل الرابع : تقاسيم الحياء . ... 19
المبحث الأول : تقسيمه من حيث الأصل . ... 19
المبحث الثاني : أقسام الحياء . ... 19
المبحث الثالث : أنواع الحياء . ... 27
المبحث الرابع : درجات الحياء . ... 29
الفصل الخامس : صور من الحياء . ... 31
المبحث الأول : من حياء الأنبياء . ... 31
المبحث الثاني : من حياء الصحابة رضي الله عنهم . ... 32
المبحث الثالث : من حياء السلف رحمهم الله . ... 33
الفصل السادس : مظاهر الحياء . ... 35
المبحث الأول : من مظاهر الحياء . ... 35
المبحث الثاني : من المظاهر المنافية للحياء . ... 37
الفصل السابع : وسائل اكتساب الحياء وتنميته . ... 40
الفصل الثامن : آثار الأخلاق والحياء على المجتمع والفرد . ... 47
المبحث الأول : آثار الأخلاق على المجتمع والأمة والفرد . ... 47
المطلب الأول : بالنسبة للمجتمع والأمة . ... 47
المطلب الثاني : بالنسبة للفرد . ... 48
المبحث الثاني : آثار الحياء الخاصة . ... 49
ثبت المصادر والمراجع . ... 56
ثبت الموضوعات . ... 63(1/90)