- - - - - - - - - - -
التلازم
بين العقيدة والشريعة
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
مع تعليق لسماحة لشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[شريطين مفرّغين](
- - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وليّ الحمد والفضل والإحسان، أنعم علينا ببعثة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؛ {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[الجاثية:18]، وأنعم علينا بأن جعل هذا الدين خاتما للأديان، فرضيه جل وعلا دينا، وأمرنا بتصديق أخباره جل وعلا والالتزام بأمره ونهييه {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام:115] في الأخبار وعدلا في الأمر والنهي، فلن يزيغ عنها إلا هالك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هالك.
اللهم صل على عبد ورسولك محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن الصلاة عليه الغافلون، وعلى الآل والصحب أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا لي ولكم أن نكون ممن إذا أذنب استغفر وإذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر، وهذه الثلاث عنوان السعادة.
ثم إن هذه المحاضرة موضوعها مهم ويحتاجه الناس في كل وقت وفي كل حال عنوانها:
التلازم بين العقيدة والشريعة
يعني أن الاعتقاد والعمل بينهما تلازم لا ينفك أحدهما عن الآخر، فلا عقيدة صحيحة بدون عمل، كما أنه لا عمل يقبل إلا بعقيدة صحيحة، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:97]، وثبت عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «إِنّما الأعْمَالُ بالنّيات، وإِنّمَا لِامْرِئٍ ما نَوَى».(1/1)
وهذا التّلازم بين العقيدة والشريعة ظاهر في عَقْد الإيمان وفي أصل الديانة؛ لأن الشهادتين -شهادتا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله- كل منهما التلازم بين الاعتقاد والعمل بين العقيدة الصحيحة وبين شرائع الإسلام، وكذلك فيما بين الشهادة الأولى والشهادة الثانية تلازم بين الاعتقاد والعمل والشريعة.
شهادة أن لا إله إلا الله معناها: لا معبود حق إلا الله جل وعلا. وهذا النفي لأحقية معبود للعبادة لله جل وعلا يقتضي أن هناك عبادة، والعبادة لا تصح إلا بعقيدة بإخلاص وبتوحيد، والعبادات مختلفة.
فإذن دلّتنا كلمة التوحيد على الارتباط العظيم ما بين العقيدة والدين والتوحيد وما بين الشرائع والعبادات.
وكذلك شهادة أنّ محمدا رسول الله التي معناها أنك تقرّ وتوقن وتعلم وتخبر بأن محمدا بن عبد الله الهاشمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو رسول الله وخاتم الأنبياء وخاتم المرسلين، ومقتضاها تصديقه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
فقولنا (في مقتضاها تصديقه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فيما أخبر) هذا متصل بالاعتقاد، فكل أخبر الله جل وعلا به فواجب تصديقه؛ لأن الله سبحانه هو أصدق القائلين {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}[النساء:122]، ولا أحد يخبر عن الله جل وعلا وعن خلقه بأصدق من الله سبحانه وتعالى، كذلك نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يخبر بوحي من الحق جل وعلا، فلهذا كان كل الأمور الغيبية؛ ما يتصل بالله جل وعلا وصفاته وأسمائه وأفعاله جل وعلا وأمور الجنة والنار والقدر والغيبيات كلها راجعة إلى أن نصدق هذه الأخبار، وهذا هو الاعتقاد والإيمان الباطن.(1/2)
واتّباع أمره عليه الصلاة والسلام واجتناب نهيه هذا هو الشريعة (طاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) يعني في طاعة الأمر امتثال العبادات والإتيان بها تكون على وَفق السنة.
فلهذا دلت شهادة أن محمدا رسول الله على أنه لا انفكاك بين الاعتقاد وبين العمل، لا انفكاك بين الاعتقاد واتباع شريعة الإسلام؛ لأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ جاء بهذا وهذا، جاء بالعقيدة وجاء بالشريعة.
إذا تبين ذلك فأصل لفظ العقيدة والشريعة مما جاءا مطلقا، ويكون أيضا مقيدا بمعنى، وإيضاح ذلك أن الشريعة تطلق ويراد بها العقيدة ويراد بها الأعمال أيضا مع الاعتقاد، فإن دين الإسلام شريعة كما قال جل وعلا {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[الجاثية:18]، وقال جل وعلا {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[الشورى:13]، وقال سبحانه أيضا في السورة نفسها سورة الشورى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}[الشورى:21] الآية، ففي هذه الآيات يبيِّن أن الشريعة هي دين الإسلام كله، هي دين الإسلام بما يشمل الاعتقاد الباطن وبما يشمل الأعمال الظاهرة.
ولهذا نقول: إن الشريعة تطلق ويراد بها الدين كله.
وتطلق الشريعة ويراد بها ما يقابل العقيدة؛ يعني الأعمال والشرائع التفصيلية العملية كما قال سبحانه في سورة المائدة {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48]، وثبت عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى»، وألَّف بعض أهل السنة مؤلفات وأسموها الشريعة ويعنون بها في بعض الاعتقاد ويعنون بها في بعض العمليات.
ولهذا نقول:(1/3)
إن لفظ العقيدة والشريعة قد يترادفان؛ فيكون الاعتقاد هو التشريع والعقيدة هي الشريعة.
وقد يراد بالشريعة ما يكون قسيما للعقيدة فتكون العقيدة بمعنى الإيمان الباطن الذي يعقد المرء عليه قلبه بحيث لا تنفكّ عقدته لشدة يقينه ويعنى بالشريعة الأعمال الظاهرة، كما جاء في الحديث أن رجلا أتى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي. الحديث؛ يعني إن التفصيلات أي الأوامر كثرت علي فأخبرني. إلى آخر الحديث الذي في ذكر الصلاة والصيام والزكاة والحج إلى آخره.
فإذن حين نقول: التلازم بين العقيدة والشريعة نعني به الارتباط بين ما يعتقده الإنسان، ما يعتقده المسلم وما بين عمله، ما بين عقيدة الإسلام وما بين شريعة الإسلام، ما بين أركان الإيمان الستة وما بين أركان الإسلام وتفصيلات شعب الإيمان.
والإيمان نفسه شعب تجمع الشريعة والعقيدة، كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال «الإيمان بضع وستون -أو قال بضع وسبعون شعبة- أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» فذكر عقيدة وذكر فعلا الذي هو إماطة الأذى عن الطريق، ثم قال والحياء شعبة من الإيمان لأنه عمل قلبي.(1/4)
إذن فمرادنا بهذه المحاضرة ما ذكرته لك من أنَّ اعتقاد المؤمن وعمله بالشريعة لا انفكاك بينهما ويوضِّح لك ذلك أن الله جل وعلا في كتابه بيَّن هذا التلازم بكونه سبحانه وتعالى أمر بهذا وهذا جميعا فقال سبحانه وتعالى{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}، هذه أركان للإيمان وذكر البر بذكر العقيدة ثم قال {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} الآية، إلى أن قال {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ}[البقرة:177] فجمع في البر ما بين الاعتقاد وما بين العمل وكذلك في قوله جل وعلا {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[النساء:125]، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} وهذا الإسلام -إسلام الوجه لله- هو إخلاصه لله سبحانه وتعالى في عباداته وفي ما يتقرّب به إلى الرب ثم قال {وَهُوَ مُحْسِنٌ} يعني أن يكون عمله حسنا، والعمل الحسن هو ما كان فيه الإخلاص وفيه متابعة السنة.
فإذن لابد من اجتماع الاعتقاد الصحيح واجتماع العمل الصواب حتى يكون المرء من أهل البر {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ}[البقرة:177] الآية.(1/5)
وكذلك في قوله جل وعلا لهذه الأمة {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}[النساء:36] الآية في سورة النساء، فجمع سبحانه وتعالى في الأمر ما بين العقيدة والتوحيد -وهو عبادته وحده لا شريك له- وما بين الإحسان والعمل.
كذلك في قوله جل وعلا في ذكر بني إسرائيل {وَإِذْ أَخَذْنَا [مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ](1) لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}[البقرة:83] فأمر سبحانه بني إسرائيل واخذ عليهم الميثاق بأن يكونوا أهل توحيد لا يعبدون إلا الله، وفي قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} هذا نفي؛ نفي لعبادة غير الله جل وعلا.
ومن المتقرر في علم المعاني في البلاغة أن العدول عن النهي إلى النفي فيه التأكيد والشديد على ما عُدل عنه؛ لأن أصل الكلام وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل أن لا تعبدوا إلا الله؛ ولكن عدل عن النهي إلى قوله {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} كأن المنهي عنه صار حقيقة واضحة بحيث ينفى وجوده أصلا، وهذا فيه التأكيد الشديد على هذا الأمر، ثم أمر الله جل وعلا بالإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، فلما أمر بالأفعال الحسنة أمر بعدها بالقوال الحسنة فقال {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، ثم انتقل إلى الأمر إلى إقامة الصلاة وهي أعظم الأركان العملية.
وهذا بيّن واضح في أن الآيات الكثيرة في كتاب الله جل وعلا جُمع فيها ما بين العقيدة واتباع الشرائع.
فإذن يكون التفريق ما بين العقيدة والشريعة في العمل أو في التصور هذا تفريق بين متلازمين لا ينفك أحدهما عن الآخر.
__________
(1) الشيخ قال: ميثاقكم.(1/6)
يوضّح لك ذلك أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة بما دلت عليه النصوص يجمع ثلاثة أشياء: يجمع الاعتقاد والقول والعمل. فالإيمان عندنا اعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وقول باللسان.
فالعمل جزء من مسمى الإيمان، والاعتقاد جزء من مسمى الإيمان، كذلك القول جزء من مسمى الإيمان، فلا يصحّ إيمان بعقيدة دون عمل، فمن لم يعمل من شرائع الإسلام بشيء البتة فلا يصح إيمانه، ولهذا كل مؤمن لابد أن يكون معه عمل يصحح به إيمانه، فإن لم يكن معه عمل يصحح به إيمانه، فإنه لا يقبل منه الإيمان؛ بل يكون الإيمان دعوى، وأعظم هذه الأعمال الصلاة فهي الفارقة ما بين الإيمان وبين الكفر كما ثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «بين الرجل وبين الشرك -أو قال الكفر- ترك الصلاة» وفي حديث بريدة في السنن «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
المقصود من هذا أن يتّضح لك أن الإيمان عندنا بما دلت عليه النصوص عقيدة في القلب وعمل بالأركان وقول باللسان.
وهذا الأصل العظيم، يجعل أنه في حال أي أحد لا يُتصور أن يكون ذا عقيدة صحيحة وليس له عمل، لا يُتصور أن يكون ذا إيمان صحيح صادق ولا يعمل خيرا البتة مع تمكنه من ذلك.
ولهذا ضلّت المرجئة وفئام من هذه الأمة حيث قالوا: إن الاعتقاد يكفي في الإيمان، أو إن الاعتقاد مع القول يكفي. على اختلاف أقوال المرجئة في ذلك.(1/7)
فالعمل من الإيمان والله جل وعلا حين قال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(1) وقال {وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[العصر:1-3]، العطف هذا عطف خاص على عام؛ لأن الإيمان عام يشمل العمل وزيادة والعقيدة والقول، فعطف العمل على الإيمان، لم؟ لينبه أنّ العمل مهم في الإيمان؛ لأن عطف الخاص على العام موجود في القرآن في مواضع ومعروف في اللغة، ويفيد في البلاغة والاهتمام بهذا الخاص الذي أفرد بالذكر وعطف على العام.
وهذا يدلك على أنّ العمل في الإيمان مهم؛ بل إن الله جل وعلا ذكر الإيمان في القرآن مقرونا بالعمل الصالح في أكثر المواضع، فالاستمساك بالعروة الوثقى والاستمساك بالديانة الصحيحة أن يكون المرء مؤمنا بالله جل وعلا وملائكته وكتله ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ويكون عاملا بما آمن به؛ لأن إيمانه بالله يقتضي العمل، وإيمانه بالرسل يقتضي العمل، وإيمانه بالكتب يقتضي العمل، وإيمانه باليوم الآخر يقتضي العمل، فكل من خاف الدار الآخرة عمل.
فإذن كل ركن من أركان الإيمان يدلنا على التلازم فيما بين العقيدة وفيما بين الشريعة.
والاعتقاد الذي أمرنا به هو الإيمان بالأركان السنة كما جاء في آية البقرة {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة:177] الآية، وكما في قوله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة:275] الآية، وكذلك في قوله {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49].
__________
(1) البقرة: 277، الكهف:107، مريم:96، لقمان:8، البروج:11، البينة:7.(1/8)
فالإيمان بأركان الإيمان هذه تُنتج أمرا لا محيد عنه ألا وهو العمل، فمن صدق في إيمانه اتجه للعمل؛ لأن هذه الأركان تجعل في القلب عقيدة في الله جل وعلا تُلزمه بالتقرب إلى الله جل وعلا، وكلما قوي إيمانه قوي تقربه إلى الله جل وعلا، وكلما عظم الإيمان في القلب عظم إتيانه لشرائع الإسلام وإتيانه للواجبات وللمستحبات ومن قصّر في شيء من الواجبات، فإنه ينقص من إيمانه بقدر ذلك كما أن من ارتكب بعض المنهيات منقص من إيمانه بقدر ذلك.
العقيدة أيضا مرتبطة بالشريعة مرتبطة بالعمل من جهة أن العمل منشؤه العقيدة، وأن العقيدة تزيد بالعمل وتنقص بالعمل، فالإعتقاد أهله ليسوا في أصله سواء، وإنما يختلفون فيه بقدر ما في قلوبهم من اليقين الذي يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح بما دلتهم عليه النصوص من الكتاب والسنة الكثيرة والمعروفة في مواضعها، كان من اعتقادهم أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، الإيمان بالله يزيد بالعمل وينقص بالعصيان أو بترك العمل الواجب، الإيمان باليوم الآخر يزيد بالعمل وينقص بترك العمل الواجب أو بالإتيان بشيء من المحرمات.
ولهذا أحسن أيَّما إحسان الحسن البصري رحمه الله تعالى إذ دلَّك على أن القلب إذا ورد ما فيه على العمل، زاد العمل ثم رجع العمل على القلب بزيادة في العقيدة وزيادة في التوحيد، فالعقيدة تُلزم صاحبها بالعمل الصالح وكلَّما قويت قوي العمل، وإذا أحسن عمله من أثر الاعتقاد الصحيح والتوحيد الصحيح فإنه يرجع ذلك العمل إلى العقيدة بقوتها وزيادتها.
ولهذا قال الحسن -كما أشرتُ- كلمة عظيمة قال: عاملنا القلوب بالتفكر فأورثها التذكر فرجعنا بالتذكر على التفكر وحركنا القلوب بهما فإذا القلوب لها أسماع وأبصار.(1/9)
عاملنا القلوب بالتفكر امتثالا لقوله جل وعلا {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:191]، عاملنا القلوب بالتفكر في آلاء الله، في آياته في دلائل نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، في المآل، في الجنة، في النار، عاملنا القلوب بالتفكر، وتخلصنا من الغفلة، فنتج من هذا التفكر التذكُّر لالتزام الشريعة، تذكُّر لالتزام العمل، تذكُّر للازدياد من الطاعة والبعد عن المعصية، فرجعنا بالتذكُّر هذا بالعمل الصالح، على التفكر؛ يعني على العقيدة، وحركنا القلوب بهما؛ يعني لا تزال ما بين توحيد وإخلاص وعقيدة يؤول بك إلى العمل ثم ترجع بالعمل إلى العقيدة فتحرِّك القلب بهذا وهذا.
قال الحسن: وحركنا القلوب بهما فإذا القلوب لها أسماع وأبصار. وهذا من ثمرات الاعتقاد الصحيح أن يجعل العمل لازما لصاحب الاعتقاد، وهذا أمر بيّن واضح.
ويدلك أيضا على أنّ العقيدة والشريعة متلازمة أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بتوحيده وعدم الشرك به والبراءة من الشرك وأهله، وأمرنا بترك المحرمات، في مواضع كثيرة من كتابه جل وعلا، كما قال سبحانه في آخر سورة الأنعام في الآية التي تسمى آية الوصايا العشر {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الأنعام:150] الآيات.(1/10)
فإذن إذا صحَّت عقيدتك صح عملك، وإذا أردت أن يُقبَل عملك فعليك بمتابعة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فإنّ الله جل وعلا ابتلى الناس جميعا بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، كما ثبت في الصحيح -صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله- من حديث عياض بن حمار أنه قال «قال الله تعالى: يا محمد إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك». وهذا الابتلاء بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ابتلاء لنا بما بُعث به وقد بعث عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بعقيدة؛ يعني بأخبار يجب علينا أن نؤمن بها، وبأوامر ونواهي يجب علينا أن نمتثل بها، فحقيقة الابتلاء ابتلاء الناس بما أنزل الله جل وعلا في كتابه وما أنزله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هل يصدقون بالأخبار أم لا يصدقون؟ هل يعتقدون بالاعتقاد الصحيح بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر أم لا؟ وهل يمتثلون الأمر والنهي أم لا يمتثلون؟
وهذه هي زبدة الرسالة؛ العقيدة والشريعة، عقيدة باطنة يعقد عليها القلب قولَه واعتقادَه، وعمل هو نتيجة تلك العقيدة.
مما يدلك أيضا على ذلك -كما ذكرتُ- أن الله سبحانه ابتلانا بحسن العمل كما قال سبحانه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك:2]، وحفظتم تفسير حسن العمل لأن العمل الحسن هو الخالص الصواب خالص من الشرك والرياء فلا يقصد به إلا وجه الله جل وعلا، وخالص أيضا صوابا من متابعة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خالص من متابعة غيره عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وصواب على السنة بمتابعة الخليل محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.(1/11)
فإذن المسألة واضحة في أن العقيدة والشريعة، الاعتقاد والعمل، هذان أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا وُجدت العقيدة الصحيحة وُجد العمل، وإذا وُجد العمل الصحيح وُجدت العقيدة، فهذا وهذا أمران يدل أحدهنا على الآخر.
إذا تقرر هذا، والموضوع له شعب ويطول تقريره، وفي القرآن من الآيات الشيء الكثير، مما يدل على هذا الارتباط العظيم، مما نذكره في هذا المقام أنّ هذا الارتباط ما بين العقيدة والشريعة والتلازم فيما بينهما له آثاره على المؤمنين في أنفسهم وفي تعاملهم مع من حولهم، وكذلك له آثاره على مجتمع أهل الإسلام وأمة أهل الإسلام ودولة أهل الإسلام، فإن الله جل وعلا أمر عباده إذا مكّنهم في الأرض أن يعبدوه وأن لا يشركوا به شيئا وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة.
الشق الأول دلت عليه آية النور{يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:55].
الشق الثاني الأمر والنهي وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة دل عليه قوله تعالى في سورة الحج {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}[الحج:41].(1/12)
فعبادة الله وحده لا شريك له هي الإصلاح والصلاح، فنشر العقيدة الصالحة في الناس في أمة الإسلام نشر للصلاح والإصلاح، ونشر ضد ذلك من الخرافة والشرك أو البدع ووسائل الشرك ووسائل البدع هذا إفساد في الأرض بعد إصلاحها، كما قال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}[الأعراف:56]، قال أهل التفسير: الإفساد في الأرض بعد إصلاحها بالشرك بعد أن أصلحها الله بالتوحيد ببعثة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ. فإذا صلُحت الأرض وازدانت وأصبحت جميلة فإنما ذلك بالتوحيد، إنما ذلك بهدم كل مظهر من مظاهر الشرك والوثنية وكل مظهر من مظاهر وسائل الشرك الذي يدعو إلى تعظيم غير الله جل وعلا بما لا يجوز تعظيم ذلك الغير به، ووسائل الشرك محرمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
فإذن أثر الارتباط ما بين العقيدة والشريعة يظهر لك في مجتمع أهل الإسلام، ففي عهده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ظهر ذلك أيّما ظهور، صلاح في الاعتقاد وصلاح أيضا في الأمر والنهي، وتحكيم الشرع، وإقامة حدود الله جل وعلا، والأخذ على يد السفيه و[...] على يد الظالم، وهذا الارتباط لابد منه ولا يجوز أن يظن ظان أنه يكتفي بعقيدة دون تطبيق بشرائع الإسلام، أو يقول نطبق الحدود ولا نقيم توحيد الله جل وعلا، وكلتا المسألتين دعوى ادعاها طائفة من الناس، فإنه يجب على أهل الإسلام في مجتمعهم وفي دولتهم أن يقيموا توحيد الله جل وعلا وأن يتبرؤوا من الشرك قولا فعلا وأن يحكموا شرع الله بإقامة الأمر والنهي وإقامة الحدود وحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ العقل إلى آخر حفظ الضروريات.(1/13)
وهذا تلازم لا بد منه، فاجتماعهما إصلاح، والإخلال بهما إفساد، وكلما ازداد أهل الإسلام تمسكا بالعقيدة والشريعة في أنفسهم وفي مجتمعهم زاد صلاحهم في أنفسهم وفي مجتمعاتهم، يظهر لك ذلك بآثار إقامة هذا التلازم وهذا الارتباط بين العقيدة والشريعة، فإن الله سبحانه وتعالى وعد الذين آمنوا ولم يَلبسوا إيمانهم بظلم وعدهم بالأمن في الدنيا والأمن في الآخرة، كما قال سبحانه في آية الأنعام {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[الأنعام:82]، لهم الأمن في الدنيا ولهم الأمن في الآخرة، وهذا الظلم الذي لم يلبسه أهل الإيمان ولم يتلبّسوا به هو الشرك كما ثبت ذلك التفسير على النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في الصحيح.
إذا تقرر لك ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يحب المتقين ويحب الصادقين، والتقوى والصدق جِماعهما راجع إلى العقيدة وإلى العمل، فإن التقوى أُمر بها الناس جميعا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ}(1) يعني بتوحيده سبحانه وترك الشرك، وأُمر بها أهل الإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحجر:18]، بأن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله وتبتعد عنها على نور من الله تخشى عقاب الله جل وعلا.
__________
(1) النساء:1، الحج:1، لقمان:33.(1/14)
فإذا جمعت في أمرك ما بين الالتزام بتوحيد الله جل وعلا والإنابة إليه والخضوع والإخلاص له وتوطين القلب على أن لا يكون فيه إلا الحق جل وعلا وعملت بما عمل به النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ما استطعت من ذلك فاتقوا الله ما استطعتم، فأنت على خير، وإلا فإنه بقدر النقص في أداء الواجبات أو في ترك المنهيات يكون الوعيد ويكون التهديد، قال جل وعلا بسم الله الرحمن الرحيم {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[غافر:1-3].
آثار هذا التلازم في حياة الفرد
في حياتك أيها المؤمن في نفسك:
العقيدة الصحيحة من ثمراتها العظيمة أن الله جل وعلا يبارك في عملهم وإن قلّ، فالعمل الصالح وإن كان قليلا مع عقيدة صحيحة يبارك الله جل وعلا فيه ويربي لأهله الحسنات حتى تكون كأمثال الجبال.
ومن أحسن ما قيل في ذلك قول أبي الدرداء رضي الله عنه -حكيم هذه الأمة- إذ قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى صومهم، ولمثقال ذرة من بر -يعني من عمل صالح- مع تقوى ويقين -يعني مع عقيدة صحيحة- أعظم وأكثر من أمثال الجبال عبادة من المغترين. رواه الإمام أحمد في الزهد وغيره بإسناد لا بأس له.
فمن فوائد العقيدة الصحيحة من فوائد التوحيد أن العمل وإن قل يبارك الله جل وعلا فيه.(1/15)
ومن فوائد العقيدة الصحيحة أنّ المؤمن إذا عمل فإنه يرجى به المغفرة قال سبحانه وتعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(1) وفي حديث أنس المعروف أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «قال الله تعالى: يا عبدي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» فلابد من العمل الصالح مع عقيدة صحيحة، فإن كان المرء مع ذلك يخلط عملا صالحا وآخر سيئا فإنه إن صحّ اعتقاده وصحّ عمله الصالح نتيجة لتلك العقيدة فإنه يُرجى له أن تغفر خطيئته.
وما أحسن ما ذُكر عن الأحنف بن قيس -الحكيم المعروف- حيث قيل له: يا أحنف أين تجد نفسك أمِنْ أهل الجنة أم مِّنْ أهل النار؟ فقال: أمهلوني. ثم قال لهم بعد مدة: عرضت نفسي على صفة أهل الجنة، فإذا فيها قول جل وعلا في سورة الذاريات {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20)}[الذاريات:15-20] الآيات، فلم أجد نفسي في صفة أهل الجنة، ثم عرضت نفسي على صفة أهل النار فما وجدت نفسي ممن وصف الله جل وعلا من أهل النار، ثم نظرتُ فإذا شأني أني خلطت عملا صالحا وآخر سيئا، عسى اللهُ أن يعفو عني.
__________
(1) النساء: 38، 116.(1/16)
وهذا إنما يكون لمن صحّ اعتقاده؛ بأن يكون دائما يرى نفسه مقصِّرا، يرى نفسه مذنبا، يرى نفسه ظالما، فإذا صحت العقيدة وُجد معها عمل في حياتك أيها المسلم ووُجد مع العمل والعقيدة الصحيحة التي تجاهد نفسك عليها وُجد معها خوف، واستحضر دائما قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لأبي بكر في تعلميه للدعاء في آخر الصلاة «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي» وهو أبو بكر رضي الله عنه قال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا».
فإذن إذا صحت العقيدة صح العمل بالشريعة في حياتك، وكنت مع ذلك على خوف من ألا تكون ممن غفر الله لهم أو تقبّل الله جل وعلا عملهم.
من ثمرات الارتباط في حياتك ما بين العقيدة وما بين العمل والشريعة أن تسعى فيما تعمل لابتغاء وجه الله جل وعلا، وكثير من الناس قد يعمل العمل ولا يجاهد نفسه في أن يكون عمله خالصا ابتغاء مرضاة الله جل وعلا والْحَظْ قوله سبحانه وتعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114]، فأثبت الله جل وعلا أن في هذه الثلاث خير ولكن هل يؤجر عليها قال سبحانه وتعالى بعد ذلك {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:114].
إذن فالعمل، إذا صح عندك الاعتقاد وصح عندك العمل جاهدت نفسك في أنه في كل عمل تعمله تريد به ابتغاء وجه الله جل وعلا.
وانظر إلى خاصة ابن مسعود الربيع ابن خثيم رحمه الله تعالى.
وكان مبصرا وكانت بنت ابن مسعود تسميه الأعمى؛ لأنه ما طرق يوما باب ابن مسعود وهو فاتح عينيه خشية أن يرى من بيت معلمه وشيخه ما لا يحب أن يراه فكانت بنته تقول لابن مسعود جاء الأعمى من أنها لم تره إلا مغمضا عينيه، الربيع بن خثيم من سادات التابعين وكان من صالحيهم.(1/17)
قال مرة لأهله: اصنعوا لي طعاما ووصفه من أنفس أنواع الطعام، فصنعوا ذلك الطعام ظنا منهم أنه سيأكله، فحمله معه رحمه الله تعالى إلى رجل في الكوفة أعمى لا يرى وأبكم وأصم لا يتكلم ولا يسمع ولا يرى، فجلس الربيع بجنبه وأخذ يطعمه الطعام ويأكل معه، فقال له بعض تلامذته: يا ربيع هذا أعمى وأبكم وأعمى وأصم لا يدري هل أتيته أو لم تأته، فلو بعثت إليه وجلست تعلمنا. قال: هو لا يرى ولا يسمع ولكن الله يسمع ويرى.
هذا الارتباط ما بين العقيدة والعمل إصلاح للعمل عمل ومجاهدة في الإصلاح بإخلاص الدين لله جل وعلا بأن لا يكون للناس حظ في عملك البتة، هذا من ثمرات إخلاص العمل، رضوا أو لم يرضوا حمدوك أو لم يحمدوا، المهم أنك صححت عقيدتك وصححت عملك وسرت موافقا للأمر والنهي، وهذا لو جاهدنا أنفسنا عليه لذهبت كثير من مظاهر السوء فيما بيننا من الرياء والسمعة والحسد وأشباه ذلك؛ لأن الله جل وعلا مراقب العباد ألا إنه بكل شيء محيط سبحانه وتعالى.
من ثمرات هذا الارتباط في حياة المؤمن بين العقيدة وما بين الشريعة أن صلته بمن حوله قائمة على إحسان العمل، لهذا قال جل وعلا في قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}[البقرة:83]، قال {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}[البقرة:83، فصحة العمل وصحة الاعتقاد يتبعه أن يكون المرء ذا عفوٍ وعفة، أن يكون ذا خلق حسن؛ لأنه كلما صح الاعتقاد وصح العمل ازدرى المرء نفسه، وكثير من السلف كان يقول: إنه لا يقوم في قلبي إلا أن كل أحد من المسلمين خير مني، فإذا نظرت للناس على هذا الاعتبار فإنك ستأتي إليهم ما تحب أن يأتوا إليك؛ بل ستحب المرء لا تحبه إلا لله جل وعلا.(1/18)
في المعاملات، في البيع والشراء، في صلة الرحم، فيما تأتي مع في بيتك وأسرتك، وفي أداء الأمانات المختلفة، في الوظيفة، وفي أنواع الأعمال، الارتباط في نفسك ما بين صحة يقينك بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره مؤثر في أنواع عملك، فمن صحَّ اعتقاده في قلبه وآمن إيمانا صحيحا بأركان الإيمان وأخلص لله جل وعلا عمِل في أداء الأمانات وفي معاملته للمسلمين بما أوجب الله جل وعلا عليه، ولو فُعل هذا وانتشر لصحت أفعال المسلمين وصحت أعمالهم وارتباطاتهم، فكل سوء تراه وكل كبيرة تظهر وكل عمل سيئ يظهر إنما هو نتيجة للتفريط في العمل الذي هو نتيجة لضعف الإيمان.
أيضا ننبه على مسألة ومهمة وهو ما يشيع عند بعض الناس في تساهله بالأعمال الصالحة -بأداء الواجبات وفي ارتكاب المحرمات- بأنه صاحب عقيدة صحيحة، فيقال مثلا أهل البلد الفلاني أو أهل القطر الفلاني هؤلاء أصحاب عقيدة، ويعبرون من هذه الكلمة إلى التساهل في ترك الواجبات وارتكاب المحرمات، وهذا جهل عظيم؛ لأنه لو صحت عقائدهم وقويت لقوي عملهم؛ بل إذا ضعف العمل ضعف الإيمان، وإذا قوي العمل قوي الإيمان.
فعندنا الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فإذا قويت عقيدة أحد قوي عمله -يعني حسن عمله-، وإذا قوي العمل يعني حسن فإن عقيدته صحيحة، إذا كان عمله على الصواب.
وليس المراد كما هو معلوم بقوة العمل كثرة العمل؛ بل المراد أن يكون عملا على وفق الكتاب والسنة عاملا بالأمر والنهي والمؤمنون كما هو معلوم ثلاث درجات {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:32].(1/19)
فإذن لا يحسن؛ بل لا يجوز أن تظنَّ أن المرء يأتي ما شاء من المعاصي ويترك ما شاء من الواجبات ثم يقول: أنا على عقيدة صحيحة. هذا غلط عظيم بل يجاهد نفسه في العمل الصالح في ترك المحرمات لتقوى عقيدته ويقوى إيمانه. نعم كل مسلم معه من الإيمان ما يصحّح به إسلامه بقدرٍ الذي هو أصل الإيمان؛ لكن كلما ازداد العمل الصالح ازداد الإيمان.
من ثمرات الترابط والتلازم ما بين الشريعة في أحوال المسلمين أن خاصة أهل الإيمان وهم أهل العلم أو طلبة العلم أو الدعاة إلى الله جل وعلا أو المجاهد في سبيل الله جل وعلا أن يكون عنده هذا التلازم ما بين إيقانه بالعقيدة الصحيحة التوحيد الخالص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله بمتابعة السلف الصالح بالإيمان بما أقره أهل السنة والجماعة وما بين العمل.
وقد يُرى أن طائفة تعظم العمل ولكنها في الاعتقاد ليست على شيء، وهؤلاء لهم سلف، وهم الخوارج فإن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وصفهم بقوله «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
وطائفة قالوا نحن على عقيدة صحيحة وعلى عقيدة أهل السنة والجماعة وعلى اتباع للسلف الصالح؛ لكن إذا رأيت عملهم لم تجده عمل السلف، وإذا رأيت خلقهم لم تجده خلق السلف، ألسنتهم مطلقة في كل شيء، في غيبة وفي نميمة وفي تعد وفي قيل وقال، وعملهم للناس ليس بالحسن، ولهذا تجد أن أهل السنة والجماعة يذكرون فصلا في عقائدهم كما في آخر الواسطية وكما في آخر اعتقاد أهل الحديث الذي ساقه الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين في أنّ من صفات أهل السنة والجماعة أهل الحديث أهل الأثر أنهم يقولون القول الأحسن وأنهم يجتنبون الغيبة والنميمة وأنهم يُصلون ويتقربون إلى الله جل وعلا وأنهم يعفون عن الناس وأنهم يأتون للناس ما يحبّون أن يأتي الناس إليهم، وهذا منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب؛ لكن هذا ثمرات الاعتقاد الصحيح.(1/20)
فإذن العقيدة -يا أهل العقيدة- إذا صحت في القلوب صار لها أثر على اللسان، صار لها أثر علي العين، صار لها أثر على السمع، صار لها أثر على الجوارح.
فالدعوة بأنك صاحب عقيدة صحيحة وأنك متّبع للسلف الصالح رضوان الله عليهم وأنك على طريقة أهل السنة والجماعة، ومع ذلك لسانك وقّاع في كل محرم، وعينك في كل شيء هذا لاشك أنه نقص في الاعتقاد، ولا يصح أن يوصف هؤلاء بطريقة أهل السنة والجماعة بالإطلاق؛ بل هم من معتقد أهل السنة وطريقتهم بقدر ما حقّقوا وينقصون من ذلك بقدر ما نقصوا.
في هذا الزمن ظهرت دعوى عظيمة ألا وهي أن الإيمان الذي هو اعتقاد باطن يكفي عن تطبيق الشريعة في المجتمعات، ويزعم هؤلاء أن الدِّين إنما الإيمان الباطن، وأما تحكيم الشريعة في المجتمعات فهذا راجع إلى نظر الناس، فإن رؤوا فيه مصلحة فعلوه وإن لم يروا فيه المصلحة تركوه، ويرددون كثيرا هذا مؤمن بالله وهذا خلاف أهل الإيمان مع أنهم يدّعون أو يدْعُون إلى فصل الشريعة عن الحياة وعن التطبيق والله جل وعلا...
نعود إلى ذكر تلك الدعوى التي يدعيها طائفة حتى من المنتسبين للإسلام في أن المجتمعات يمكن أن تكون مؤمنة ولو لم يحكَّم فيها شرع الله جل وعلا؛ يعني لو لم يرضوا بشرع الله جل وعلا أو رفضوه، إنما الإيمان هو العقيدة التي في القلب وهي الكافية، وهذه الدعوى أثّرت في كثير من الناس وفي عوام المسلمين، حتى آل بهم الأمر أنهم لم يكفروا بالطاغوت والعياذ بالله الذي هو الحكم بغير شريعة الإسلام، الذي هو الحكم بحكم البشر من هنا وهناك، فالإيمان عقيدة فيها العمل، الإيمان عقيدة في القلب وعمل، ولا انفكاك في المجتمع ما بين العقيدة والعمل.(1/21)
فالذي يجب على كل المؤمنين وعلى كل المسلمين أن يعتقدوا أنّ دعوى التفريق ما بين العقيدة والشريعة هذه دعوى للإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، هذه دعوى للكفر دعوى لعدم الإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنما بعث محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ للحكم لشريعته {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44].
وإذا تبين لك ذلك فلا تنخدع بوصف بعضهم لمن يفرق ما بين العقيدة والشريعة بأن هذا يدعو إلى الإيمان، أو الذي يدعو للربوبية دون توحيد الألوهية بأن فعله يقوي الإيمان ونحو ذلك؛ بل العقيدة التي هي أركان الإيمان الست وما اتصل بذلك هذه شيء واحد لو لم يؤمن بالقدر ما نفعه إيمانه كله، لو أنه لم يؤمن باليوم الآخر لم ينفعه إيمانه كله، لو لم يؤمن بتوحيد الله جل وعلا في أسمائه وصفاته لم ينفعه إيمانه، لو لم يؤمن بتوحيد الله في أولهيته أنه المستحق للعيادة وحده دونما سواه فليس من أهل الإيمان.
فهناك مظاهر للتفريق ما بين العقيدة والشريعة، ما بين إلزام الناس بالاعتقاد الصحيح بالإيمان بالله وما بين تحكيم الشريعة في مجتمعاتهم، والله جل وعلا جعل الشهادتين ركنا واحدا، وشهادة أن لا إله إلا الله فيها التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله في الحكم بشريعته، فمن فرق ما بين الإيمان وما بين الحكم بالشريعة فقد فرق بين متلازمين لا انفكاك لأحدهما على الآخر.
والواجب علينا أنه في الإيمان لا عقيدة إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقيدة، وأن العقيدة والشريعة متلازمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر.
وفي الختام أسأل الله جل وعلا لي ولكم العفو والعافية وأن يجعلنا ممن أناب إليه وأخبت إليه وتوكل عليه وفوض أمره إليه جل وعلا.(1/22)
اللهم ارحمنا وارحم والدينا، اللهم واحفظ وأصلح وولاة أمورنا ودلهم على الرشاد وباعد بينهم وبين بين أهل البغي والفساد واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى.
اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعافى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم وفق علماءنا لما تحب وترضى وخذ بأيديهم إلى البر والتقوى واجعلهم من عبادك المخلِصين المخلَصين، ووفقهم اللهم في أقوالهم وفي أعمالهم وسدّد رأيهم وكلامهم وأفعالهم.
اللهم وارحمنا واغفر جما، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سمعنا جميعا هذه المحاضرة القيّمة التي تفضّل بها صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ في موضوع عظيم، جدير بالعناية والفهم، وهو موضوع:
التلازم بين العقيدة والشريعة
وقد بسط الكلام في ذلك وأجاد وأفاد جزاه الله خيرا وضاعف مثوبته، وزادنا وإياه علما وهدى وتوفيقا ونفعنا جميعا لما سمعنا، ونسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا جميعا وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يضاعف الأجر للمحاضر ويزيده من التقوى والعلم إنه جل وعلا جواد كريم.
أيها الإخوة في الله إنّ هذا الموضوع موضوع عظيم جدير بأن يفهم ويعلم وهو موضوع التلازم بين العقيدة والشريعة.(1/23)
الله جل وعلا بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام بعقيدة يجب أن يؤمنوا بها ويلتزموا بها وبشريعة يجب أن يعملوا بها ويسيروا عليها، وهذا عام لجميع الرسل وهو دين الإسلام عقيدة وشريعة {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}[آل عمران:19]، فجميع الرسل والأنبياء بُعثوا بهذا الدين العظيم، بالإسلام، بتوحيد الله وطاعته وتعظيم أمره ونهيه واتباع ما شرع وترك ما نهى عنه، كلهم بعثوا بهذا، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، قال تعالى {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}النساء:165].
الواجب على جميع الشعوب اتباع الرسل فيما جاؤوا به، ولهذا لما انحرف كثير من الأمم عن ذلك ولم يقبلوا هدى الله عاقبهم بعقوبات عظيمة التي قصها علينا سبحانه وتعالى في كتابه:
أولهم قوم نوح ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله فاستكبروا فعاقبهم الله بالغرق أنبع الله الماء من أسفل وأنزل المطر من الفوق والتقى الماءان على أمر قد قدر، ولم ينج إلا من كان مع نوح في السفينة، كما قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}[العنكبوت:14-15].
وهكذا قوم هود عذبوا بالريح العقيم لما استكبروا عن الحق.
وهكذا قوم صالح عذبوا بالصيحة والرجفة لما استكبروا.
وهكذا قوم لوط عذبوا بالرجم والخسف.
وهكذا قوم شعيب عذبوا بالرجفة والصيحة.(1/24)
وهكذا من بعدهم ممن عصى الرسل وخالف ما جاءوا به، ومن ذلك ما قصه الله علينا من أتباع فرعون وما حصل عليه من الغرق هو ومن معه في لحظة واحدة لما اعتدى وطغى وبغى وخالف موسى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ثم ختم الله جل وعلا الشرائع والنبوة بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فهو خاتم الأنبياء وهو أشرفهم وأفضلهم قال تعالى {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب:40]، وقال {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158] جعله الله رسولا للناس، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ:28]، وصح في الأحاديث وتوانر في الأحاديث أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فهو رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس بالعقيدة والشريعة فالواجب على الثقلين جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم، ذكورهم وإناثهم، الواجب عليهم أن يتبعوا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يعتقدوا ما جاء به، وأن ينقادوا لشرعه عن إيمان وعن صدق وعن محبة وعن رغبة حتى يلقوا ربهم، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي} يعني قل يا محمد للناس {إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، وقال قبلها {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157]، ثم بعدها قال {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يعني قل يا محمد للناس {إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ(1/25)
بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف:158]، ويقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» لابد من الإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعه هذا واجب على الجميع على الجن والإنس على النساء والرجال العرب والعجم الأغنياء والفقراء الضيوف والشعوب على جميع الثقلين {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158] الناس يشمل الجميع.
بعثه الله بعقيدة وشريعة.(1/26)
عقيدة لابد من الإيمان بها في القلوب، بيّنها في القرآن جل وعلا في آيات كثيرات في كتاب الله من تدبر القرآن عرف هذه العقيدة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة:177]، في آيات كثيرات بيّن فيها شرعه لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثه به، فمن تدبر القرآن عرف ذلك، وهذا القرآن هو كتاب الله وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب وأصدق كتاب، أنزله الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكمل كتاب وأصدق كتاب، يقول سبحانه وتعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل:89] فيه الهدى والرحمة، ويقول جل وعلا {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}[الأنعام:19]، ويقول سبحانه {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[ص:29]، ويقول سبحانه {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام:155] ويقول عز وجل {هَذَا(1/27)
بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[إبراهيم:52]، ويقول سبحانه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24] ويقول جل وعلا {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}[الشعراء:193]؛ يعني جبرائيل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يعني القرآن {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}[الشعراء:193-195].
فعليك يا عبد الله، على جميع الثقلين الجن والإنس، على الرجال والنساء، العرب والعجم: التدبر والتعلم من هذا الكتاب حتى يعلم ما أوجب الله وما حرم الله على كل مسلم، على كل مكلف أن يعرف ما رحم عليه وما أوجب عليه وأن يتعلم ما لا يسعه جهله، وعلى أهل العلم وعلى طلبة العلم أن يتدبروا هذا القرآن ويتعلموه ويتعقلوا ما فيه حتى يبلغوا الناس وحتى يعلموا الناس دينهم، وعليهم أن يفهموا السنة -سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي الأحاديث فإن الله جل وعلا ا‘طاه القرآن وأعطاه الحكمة وهي الوحي الثاني السنة يقول «إني أوتيت القرآن ومثله معه» فلابد من الإيمان بالكتاب ولابد من الإيمان بالسنة ولابد من تبليغ ذلك وعلى يستفيق إلا بما بعث الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل يجب الإيمان بالجميع والعمل بالجميع، وقد أكر الله على من أراد ذلك فقال {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}[النساء:150-151].(1/28)
فلابد من الإيمان بالله والإيمان برسله والإيمان بكل ما بعث اللهُ به رسله، والإيمان بهذا الشرع العظيم الذي جاء به محمد، لابد من الإيمان، لابد أن نؤمن بجميع المرسلين، ونؤمن بما بعثهم الله به، وأنهم بعثوا بالحق والهدى، ونؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن أمر الآخرة والجنة والنار والحساب والجزاء، لابد أن نؤمن بكل ما أخبر الله به إيمانا مجملا وإيمانا مفصلا، مجملا بما أجمله الله ومفصلا بما فصله الله.(1/29)
ولا يجوز التفريق بين العقيدة والشريعة، ففي يوم من الأيام ونبينا جالس بين الناس فجاءه جبرائيل -وجبرائيل هو أفضل الملائكة وهو السفير من الله إلى الرسل- في صورة إنسان أعرابي لا يعرف، فجاء وجلس بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه أحد من الحاضرين فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت، قال: أخبرني عن الإيمان. قال «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» قال: صدقت، قال: أخبرني عن الإحسان. قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قال: فأخبرني عن الساعة؛ يعني متى تقوم؟ قال «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»؛ ما أعلم أنا ولا أنت. قال: أخبرني عن أماراتها. يعني ما فيها، قال «أن تلد الأمة ربتها» يعني المملوكة أن تلد سيدتها يكثر الجواري بين الناس «أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» يعني العرب كان هذا حالهم قبل بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانوا حفاة عراة؛ يعني غالبهم يغلب عليهم هذا، وهذا الذي أخبر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أخبار الساعة التي وُجدت ووقعت، ولها أسرار لم تقع وستقع وهي أشراطها العظمى سوف تقع:
منها خروج المهدي يخرج من أهل البيت يدعو إلى توحيد الله وشرع الله ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.
منها نزول المسيح بن مريم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ومنها خروج الدجال.
ومنها خروج يأجوج ومأجوج.
ومنها هدم الكعبة.
ومنها نزع القرآن من الصحف ومن الصدور.
ومنها خروج الدابة ومنها طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها فلن يقبل من أحد الإسلام بعد ذلك.
وآخرها حشر النار.(1/30)
ولا تقوم الساعة إلا على أهل الكفر بالله فلا تقوم الساعة على مسلم، يبعث الله ريحا على أهل الزمان بعد طلوع الشمس من مغربها فيقبض بها الله روح كل مؤمن ومؤمنة، فلا يبقى إلا الأشرار وعليهم تقوم الساعة.
فأنت يا عبد الله وأنت يا أمة الله كل منكما عليه أن يعتني بالشريعة، كل مكلف أن يعتني بالشريعة عقيدة وعملا، فأن يؤمن بأنه عبد مأمور فيلتزم بالإسلام من توحيد الله والشهادة بأنه سبحانه بأنه هو المعبود بالحق والإيمان بأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم، والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه هو الموصوف بالوصف اللائق به لا شبيه له ولا مثيل له، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، مع الإيمان بأن الرسل حق، وأن محمدا هو رسول حق والإيمان بكل ما أخبر به الرسول من الصلاة والزكاة والصيام والحج والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، لابد من هذا، لابد أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله مما بلغك وعلمته، وأن تصدق به بقلبك، تعلم أن سبحانه هو المعبود بحق، وأنه لا يجوز أن يعبد سواه لا بالدعاء ولا بالخوف ولا بالرجاء ولا بالذبح ولا بالنذر ولا بغير ذلك، العبادة حق الله كما قال تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء:23]، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:5]، قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[الحج:62].(1/31)
لابد من الإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة بقلبك، تؤمن بهذا وتعمل به، تؤمن وتعمل بأن هو المستحق للعبادة ومن زعم أنه يجوز أن يعبد غيره فهو كافر، من زعم أنه يجوز أن يعبد مع الله سواه كفر ولو لم يفعل ذلك؛ لابد من الإيمان أنه مستحق للعبادة، وأنها لا تجوز لأحد غيره كائنا من كان، ولابد من الإيمان أنه خلاق عليم وأنه رب العالمين لا ب رسوله ولا خالق غيره، ولابد من الإيمان بأسماء الله وصفاته واعتقاد أنها حق وأنه موصوف بها وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته فلا شبيه له ولا كفء له ولا ند له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}[الإخلاص]، ويقول سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11] لابد من الإيمان بذلك.
فلابد أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله.
تؤمن بأن الصلاة حق فريضة على المسلمين.
والزكاة حق فريضة على المسلمين.
وصوم رمضان حق فريضة على المسلمين المكلفين.
والحج فرض على المكلفين من المستطيعين من الرجال والنساء.
ولابد أن تؤمن بالله وبأن الله حق، وأنه هو المعبود بالحق وأنه ربّ العالمين.
وتؤمن بملائكة الله خلقهم الله من النور وهم عبيده يأمرهم لما يأمرهم به ويعملون بأمره عَلَيْهِم الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
وتؤمن بكتب الله المنزلة، لا بد أن تؤمن بكل ما أنزل الله من الكتب تفصيلا وإجمالا {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}[الحديد:25]، وتؤمن بأن الله أنزل الكتب وأرسل الرسل وأنهم قالوا الحق، وأن كتبه هي الحق، ومنها القرآن والتوراة والزبور والإنجيل هذه من كتب الله المنزلة، وأعظمها وأشرفها القرآن الكريم، فلابد أن تؤمن بذلك.(1/32)
ولابد أن تؤمن بالرسل وأن لله رسلا أرسلهم أولهم نوح وآخرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم آدم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أرسل لذريته، فتؤمن بأن الله أرسل الرسل يدعون إلى توحيد الله وطاعته {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، ومن سماه منهم آمنا به باسمه ومن لم يسمه آمنا بأن الله أرسل الرسل، منهم من قصّ علينا ومنهم من لم يقصص، أرسل الرسل يدعون إلى توحيد الله وطاعته وإلى أوامره وترك نواهيه.
وتؤمن بأن محمدا خاتمهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هو رسول الله حقا، بعثه الله إلى هذه الأمة عربها وعجمها، جنها وإنسها، على حين فترة من الرسل، بعثه من مكة وأقام لها ثلاثة عشرة سنة بعد النبوة، ثم هاجر المدينة وأقام بها عشر سنين عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ثم توفاه الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هناك عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بعدما بلغ البلاغ المبين، بعدما أكمل ما حمله الله إياه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]، هذه نزلت عليه يوم الجمعة وهو واقف بعرفة في حجة الوداع في آخر حياته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، أكمل له الدين ثم أتمك عليه النعم ثم قبضه إلى الرفيق الأعلى؛ إلى الجنة، جسده في الأرض وروحه في الجنة في أعلى عليين عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وهكذا روح كل مؤمن، كل روح مؤمن في الجنة وجسده في الأرض، فعلى العبد أن يؤمن بهذا.(1/33)
ويؤمن أيضا باليوم الآخر وهو الأصل الخامس من أصول الإيمان وهو البعث والنشور والجنة والنار وما أخبر الله به عن يوم القيامة؛ من الصراط والميزان والحساب وتوزيع الكتب بين الناس هذا آخذ كتابه بيمينه وهذا بشماله والميزان، يؤمن بكل ما أخبر به الله ورسله يؤمن باليوم الآخر والبعث والنشور والجنة والنار.
والسادس الإيمان بالقدر وأنّ الله قدر الأشياء وعملها فما شاء كان وما لم يشأ، فقد علم جميع ما يكون قدر كل شيء سبحانه وتعالى، وقد ثبت في الصحيح أن قال «إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» وقال سبحانه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]. وقال سبحانه {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحج:70].
فالله جل وعلا قدر الأشياء وعلمها وعلم آجال الناس وأرزاقهم ومدة حياتهم وما هم عاملون وعلم جزاهم يوم القيامة وكل ميسر لما خلق له.(1/34)
كان جالسا يوما عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فقال للصحابة «ما منكم من أحد إلا وقد عُلم مقعده من الجنة ومقعده من النار» قالوا: يا رسول الله فلم العمل؟ قال «اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة أما أهل الشقاوة فميسرون لعمل أهل الشقاوة ثم تلا قوله سبحانه {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:5-10]»، فالأمور كلها مقدرة، وقد علم الله سبحانه أهل الجنة وأهل النار، وشرع الشرائع وأمر بالأحكام، فالواجب على العبد أن يعمل بشرع الله وأن ينقاد لأمر الله، وقد أعطاه الله عقلا وأعطاه سمعا وبصرا وأعطاه البصيرة وأرسل له رسولا وأنزل عليه كتابا، فعليه أن يتفقه في الدين وتعلم ويعمل، ويسأل الله الهداية، ويجتهد في طاعة ربه ويحذر من معصيته، والله يهدي من يشاء، يسأل ربه الهداية ويتضرع إليه أن يهدي قلبه وأن يصلحه وأن يعيذه من الشيطان.
وعليه أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسولُه.
ثم التلازم بين العقيدة والشريعة أمر لابد منه، لابد من الإيمان بالشرع الذي شرعه الله من الأحكام، ولابد من العقيدة التي سمعت؛ وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى آخره، والإيمان بما شرع الله من الإسلام والإيمان بكل الأحكام التي شرعها الله، ولابد من العمل الذي أمرك الله به، لابد أن تعمل، فالإيمان لابد منه ومحله القلب ولابد من تصديقه بالقول والعمل، قول وعمل، فالقول والعمل يصدقان ما في القلب.
الإيمان: قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي جاءت به الرسل ودرج عليه أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتباعهم بإحسان، أن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.(1/35)
لابد من الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، ولابد من توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام والإيمان بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولابد من العمل، فمن استكمل العمل تمّ إيمانه وكمل إيمانه وصدق الله من قال فيهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[لقمان:8]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}[الكهف:107]، من آمن وعمل بما شرع الله وأدى ما أوجب الله وترك ما حرم الله دخل في هذه الآيات {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}[البينة:7-8]، هذه حال المؤمنين المصدقين بأمره.(1/36)
وإن فرط في بعض العمل نقص إيمانه، من فرط في بعض العمل نقص إيمانه وصار على خطر، كمن مات وقد زنى ولم يتب، أو مات وقد سرق ولم يتب، أو ما ت وهو عاق لوالديه، أو مات وهو قاطع لرَحِمه، أو مات وهو يشرب المسكر وما أشبه ذلك، هذا ناقص الإيمان، ناقص الإيمان وهو على خطر من دخول النار إلا أن يعفو الله عنه، إيمانه ناقص بهذه المعاصي، فإن دخل النار لم يخلد فيها، يعذب على قدر المعاصي لكن لا يخلد، إنما بخلد الكفار الذين ماتوا على الكفر بالله، أما العاصي يعذب إذا دخل على قدر معصيته، ثم يُخرجه الله من النار إما بشفاعة الشفعاء وإما بمجرد فضله ورحمته سبحانه وتعالى، ولا يخلد في النار إلا الكفار كما قال في حقهم {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167]، هؤلاء هم الكفار، قال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}[المائدة:37]، هؤلاء الكفار، أما العصاة الذي مات على الزنى أو العقوق لوالديه أو لأحدهما أو قطيعة الرحم أو شرب المسكر أو الغيبة والنميمة أو الربا، أو غير هذا من المعاصي، فهذا تحت مشيئة الله، إذا كان لم يتب إن شاء الله غفر له وإن شاء عذّبه، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(1)
__________
(1) النساء: 38، 116..(1/37)
من مات على الشرك، لا، هو في النار، الذي مات على الكفر بالله الكفر الأكبر صار إلى النار والشرك الأكبر، أما من مات على المعاصي هذا تحت مشيئة الله، إذا كان يؤمن بتحريمها، يعلم أنه محرم يؤمن ولكن ففعلها تبعا للهوى، فهذا تحت مشيئة الله، أما إذا استحل الزنا أو العقوق أو الربا كفر، لابد أن يؤمن بأن الزنا حرام والربا حرام، ولابد من أن يؤمن بأن العقوق حرام، وهكذا، لابد من الإيمان، لابد من التزام الشريعة والعقيدة، لابد من تلازمهما، يؤمن بأنّ الله حرم عليه هذه المعاصي، فأما إذا لم يؤمن يكن كافرا، وهكذا في الصلاة وفي الصوم لابد أن يؤمن بأن الصلاة واجبة والصوم واجب -رمضان- والزكاة واجبة والحج بعد الاستطاعة لابد من الإيمان بهذا.
فمن لم يؤمن بأن الصلاة حق أو الزكاة أو الصوم أو الحج يكون كافرا والعياذ بالله الكفر الأكبر.
وهكذا الصلاة إذا تركها عمدا على الصحيح يكون كافرا بصفة خاصة الصلاة عند جمع من أهل العلم يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» الصلاة لها خصوصية ولها شأن عظيم، فمن جحد وجوبها كفر بإجماع المسلمين، ومن تركها تكاسلا ويعلم أنها واجبة تركها بعض الأحيان أو دائما هذا يكفر على الأصح، وقال بعض أهل العلم أنه يكون ناقص الإيمان ويكفر الكفر الأصغر إذا كان لا يجحد وجوبها، والأرجح أنه كفر أكبر والعياذ بالله.(1/38)
أما الزكاة إذا لم يزكي أو لم يصم رمضان أو لم يحج فهذا يكون عاصيا وتحت مشيئة الله، ولا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون عاصيا تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وأدخله النار حتى يطهر في النار ثم يخرج من النار إلى الجنة وإن شاء عفا عنه، وهكذا إذا مات على قطيعة الرحم أو العقوق أو أكل الربا ولم يتب تحت مشيئة الله، إذا لم يستحلّه يكن تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء أدخله الله النار وعفا عنه على قدرها، وثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث المتواترة أنه يشفع في كثير من العصاة، دخلوا النار في معاصيهم فيشفع فيهم شفاعات، يستأذن ربه يسجد تحت العرش، ويسأل ربه فيشفع لهم فيشفع لديه:
أولا في أهل الموقف حتى يقضي بينهم فيشفِّعه الله حتى يقضي بين الناس سبحانه وتعالى.
ويشفع في أهل الجنة ليدخلوا الجنة فيشفعه الله ليدخلوا الجنة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ثم يشفع في أناس دخلوا النار بمعاصيهم فيحد الله له حدا فيخرجهم من النار.
ثم يشفع مرة ثانية في أناس في النار دخلوها بمعاصيهم فيحد الله له حدا فيخرجهم من النار.
ثم يشفع لهم مرة ثالثة فيحد الله له حدا.
ثم يشفع مرة أخرى فيحد الله له حدا.(1/39)
ويشفع الأنبياء والمؤمنون والأفراط ويبقى في النار بقية من العصاة موحدون مؤمنون لكن بإيمان ناقص؛ إيمان أضعفته المعاصي والسيئات، يبقى في النار ما شاء الله ثم يخرجهم الله برحمته من النار بعدما احترقوا فيها ويُبقون في نهر الحياة فينبتون كما تنب الحبة في حميل السيل بعدما احترقوا رحمهم الله وأخرجهم؛ لأنهم ماتوا على أصل التوحيد وإيمان لكن عندهم معاصي وسيئات اقترفوها دخلوا بها النار، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين كفروا بالله وأشركوا به الشرك الأكبر هؤلاء يبقون في النار خالدين فيها أبدا، كلما خمدت زادهم سعيرا سبحانه كلما خمدت زادهم سعيرا ويقول سبحانه في حقهم {فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}[النبأ:30]، وقيل فيهم { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167] ويقول سبحانه فيهم{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فيقول لهم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}[فاطر:37]، هذه حالهم نعوذ بالله منها لا حيلة في ذالك بل لهم العذاب السرمدي {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.(1/40)
نسأل الله لنا ولكم العافية، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يستعملنا وإياكم لطاعته، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يمنحنهم الفقه في الدين أن يولي عليهم خيارهم وأن يصلح قادتهم، كما أسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وأن يعينهم على كل خير وأن ينصر به الحق وأن يصلح لهم البطانة وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، إنه جل وعلا جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
المقدّم: جزا الله سماحة الشيخ عن هذا التعليق المبارك.
[أسئلة يجيب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز]
س1/ سماحة الشيخ يقول السائل ما معنى العقيدة وكيف يطبقها الإنسان وجزاكم الله خيرا؟
ج/ العقيدة هو ما يعتقده بقلبه، هذه العقيدة من إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة ليس لغيره حظ فيها؛ بل من صرف شيء بغير الله كفر، والعقيدة بأن الله بعث الرسل وأنزل الكتب وخاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام، والعقيدة بأنه أمر بالصلاة والزكاة وفرض صيام رمضان وفرض الحج وحرم الزنا وحرم العقوق وحرم الربا وحرم اللواط، هكذا هذه العقيدة بهذه الأشياء التي بينها الله في كتابه ونبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعمل، يؤمن ويعمل، فالعقيدة محلها القلوب ينتج عنها العمل القول والعمل فيصدق ويسمع بقلبه بقوله وعمله.
س2/ شخص نوى الصيام في الليل ثم أصبح فنسي أنه صائم وأكل ولم يتذكر أنه صائم إلا بعد صلاة العصر فهل يقبل صيامه أفيدونا جزاكم الله خيرا؟(1/41)
ج/ نعم، إذا أكل ناسيا فصيامه صحيح، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من نسي أنه صائم فأكل وشرب فقد أتمّ صومه» الصوم لا يبطل بالكل والشرب عن النسيان من نسي فأكل وشرب فقد أطعمه الله وسقاه.
س3/ سماحة الشيخ يقول السائل كيف يكون إحسان الظن بالله تعالى؟
ج/ إحسان الظن بالله أن تظن به أنه أهلٌ للإحسان والجود والكرم والعفو لمن يستحق العفو والمغفرة لمن يستحق المغفرة وأنه سبحانه هو الجواد الكريم والمنعم على عباده وهو أرجم الراحمين، فتحسن ظنك به مع الحذر تحسن ظنك به مع الحذر من السيئات والأمان أما حسن الظن مع الإقامة على المعاصي فهذا غرور، حسن الظن يوجب حسن عمل، فعليك أن تظن بالله أحسن الظن وعليك أن تعمل بطاعة الله وأن تحذر معاصيه، والله يقول «أنا عند ظن عبدي بي» فالواجب عليك أن تظن بالله الظن الحسن وأنه سبحانه هو العفو الغفور الكريم الجواد بما أطاعه واتبع رضاه أما من خالف أمره وعصاه واتبع الهوى هو الحري بالعقوبة بكونه خالف أمر الله وتعدى حدوده واستهان بأوامره ونواهيه، نسأل الله العافية.
س4/ سماحة الشيخ يقول السائل: ما هي أركان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟
ج/ الشهادة لها ركنان النفي والإثبات؛ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنه لا معبود بحق إلا الله وأن الله هو المعبود بالحق سبحانه وتعالى وأن ما يعبدون الناس من دونه الباطل كما قال تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة:265]، فلابد من الإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة ولا بد من الإيمان أن عبادة غيره باطلة، ولابد من العمل، هذا هو الإيمان، ولابد أن تعمل بمقتضى ذلك، فتخص الله بالعبادة دونما كل سواه وتبتعد عن عبادة كل ما سواه جل وعلا تنفيذا لهذه العقيدة.(1/42)
وتشهد بأن محمدا رسول الله وأن الواجب اتباعه، تشهد بأنه رسول الله وأنه واجب اتباعه تطيعه فيما أمر وتنتهي عما عنه نهى وزجر ولا تعبد إلا بشريعته وتصدقه في أخباره، لابد من هذا، هذا مقتضى هذه الشهادة؛ طاعة الرسول فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بشريعته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، الإيمان بأن محمدا رسول الله معناه أن تؤمن بأن الله أرسل محمدا إلى الناس يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله وإلى ترك ما نهى الله عنه تشهد بهذه الشهادة وتعمل بمقتضاها.
س5/ نسيت ليلة العيد إخراج زكاة الفطر فهل قضاؤها بعد صلاة العيد يجزئ وهل هنالك كفارة؟
ج/ من نسي زكاة الفطر حتى تَعَيَّد لزمه إخراجها مع التوبة إلى الله تجزئ عليه التوبة إلى الله؛ لأن الرسول أمر بإخراجها قبل صلاة العيد، فمن أداها قبل الزكاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات يجب أداؤها فهي فريضة دين عليه حتى يؤدها إلى الفقراء والمساكين مع التوبة إلى الله من تركها وإذا كان ناسيا فلا شيء عليه ناسي معفو فلا شيء عليه الله سبحانه يقول {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:286] قال الله: قد كانت.
س6/ لي عمة تسكن مع أولادها في بيت ملك لهم وزوجها متوفي، وهي تنفق على أولادها الصغار، ولها ابنان موظفان، فهل تستحق الزكاة؟
ج/ إذا كانت فقيرة وأولادها فقراء تعطى من الزكاة، إذا كان الموظفان لا يقومان بحاجاتها؛ لأنهما يحتاجان إلى دخلهما وراتبهما، فإنها فتعطى، المهم أن تكون فقيرة وأولادها الصغار، ما عندها من يقوم بها وابناها الموظفان لا يقومان بحالها لعجزهما أو لعدم قيامهما باللازم تعطى لها الزكاة.
س7/ سماحة الشيخ يقول السائل: اشتبهت علي مسألة وهي أن الذبح لغير الله من الشرك الأصغر لا الأكبر، فأرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟(1/43)
ج/ الذبح لغير الله من الشرك الأكبر ليس من الشرك الأصغر قال تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} يعني ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:163] ويقول جل وعلا {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:1-2] يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لعن الله من ذبح لغير الله» فالذبح لغير الله لأصحاب القبور أو للأصنام أو للجن شرك أكبر مثل يصلي لغير الله أو يسجد لغير الله، نسأل الله العافية، هذا من الشرك الأكبر.
س8/ يقول السائل: سماحة الشيخ هل يجوز إخراج كفارة اليمين من الطعام ما يكفي لعشرة أشخاص لشخص واحد أو لخمسة أشخاص وجزاكم الله خيرا؟
ج/ لابد من عشرة لا يجزئ واحد ولا اثنين ولا ثلاثة لابد من عشرة، كل واحد نصف الصاع كيلوا ونصف من قوت البلد من تمر أو حنطة أو شعير أو زبيب أو أقط أو أرز من قوت البلد نصف صاع كيلو ونصف تقريبا هذا، هذا هو الواجب عشرة لابد من عشرة وإن عشاهم أو غدَّاهم انتهى .
س9/ سماحة الشيخ يقول السائل: أرجو من سماحتكم بسط القول في العدل بين الزوجات وما هي الأمور الواجب إقامة العدل فيها بقة نفع الله بعلمكم وأثابكم خيرا؟(1/44)
ج/ الواجب على من له زوجتان أو أكثر العدل بينهما في القسم والنفقة، أما حب القلب فإلى الله ما يعدل فيما يحب القلب فحب القبل والجماع ليس باختياره، فيعدل في القسم والنفقة ينفق على هذه كما ينفق على هذه، يعزل لهذه ليلة ولهذه ليلة، ما يزيد هذه عن هذه إلا إذا سمحت، إذا سمحت لا بأس، هذا الواجب عليه الله يقول {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]، وكان يقسم بين زوجاته فيقول «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تملني في ما تملك ولا تملك» ويقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» لكن إذا كان عند هذه أطفال وهذه أطفال أقل يعطى هذه بقدر حاجتها وهذه بقدر حاجتها، كل بقدر حاجته، هذا عدل، تعطى هذه قدر حاجتها وأولادها وهذه قدر حاجتها وأولادها وهذه قدر حاجتها وضيفها، وهذه قدر حاجتها وضيفها، تختلف الأحوال كل يعطى حاجته وعاشروهن بالمعروف.
س10/ سماحة الشيخ يقول السائل: بعض الناس يقول عندما يطلب منه أمر يقول أنا سوف أفعل الذي علي والباقي على الله تعالى هل في ذلك شيء؟
ج/ هذه مجملة إذا كان المراد أفعل ما أطيق وأستطيع فهو كلام صحيح، يكلف الله نفسا إلا وسعها، فكل يفعل ما يطيق ويتق الله ما استطاع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
أما إذا أراد أنه يفعل ما يشتهي، لا، ما يصلح، لابد أن يؤدي ما أوجب الله وأن ينتهي ما حرم الله حسب الطاقة، فاتقوا الله ما استطعتهم، في كل شيء في صلاته وزكاته وصومه وحجه وحق عائلته وحق المسلمين، فاتقوا الله ما استطعتم، عليه أن يتقي الله ما استطاع.
س11/ سماحة الشيخ يقول السائل: ما حكم صلاة أربع ركعات قبل الظهر بسلام واحد، نأمل منكم الجواب على هذا السؤال؟
ج/ هذا خلاف السنة، السنة مثنى مثنى، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» السنة أن يسلم من كل ثنتين، هذا هو المشروع، وهو المتعين.(1/45)
ويكون في الليل آكد؛ لأنه يقول في الحديث الصحيح أيضا «صلاة الليل مثنى مثنى» في الصحيحين، يسلم من كل ثنتين، الواجب أن يسلّم من كل ثنتين، أما إذا أوتر بخمس الجميع أو ثلاث لا بأس، أما الشفع أربع أو ست أو ثمان، لا، يسلم من كل ثنتين، لكن إذا أوتر بخمس أو بثلاث أو بسبع جميعا، لا حرج فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي النهار يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه أحمد بسند صحيح ففي النهار وفي الليل يسلم من كل ثنتين هذا هو المشهور.
س12/ سماحة الشيخ يقول السائل: أعطاني رجل مال أمانة عندي فقدت هذا المال، وأنا لا أستطيع أن أرجع المال المفقود فما توجيهكم رعاكم الله؟
ج/ هذا بينك وبين صاحب الأمانة فإن صدقك ولا فرطت ولا تعديت وهداه الله وسامحك فلا بأس وإلا المحكمة بينكما عند المحكمة.
س13/ سماحة الشيخ يقول السائل: هل بين الشرك والكفر فرق وما الدليل؟(1/46)
ج/ الكفر يطلق في الغالب على الجد، جحد الحق، والشرك على صرف العبادة على غير الله، وكل منهما اسم للآخر يقال للكافر مشرك وللمشرك كافر، فمن يجحد وجوب الصلاة كافر ومن لم يصل كافر ويقال له مشرك، والذي يعبد الأصنام أو يبعد الجن كافر مشرك؛ لكن من جحد يسمى كافرا في الغالب، ومن صرف العبادة لغير الله يسمى مشركا، وكل منهما يسمى مشركا ويسمى كافرا جميعا لكن يغلب على من جحد اسم الكفر، ويغلب على من أشرك في العبادة اسم الشرك، وكل منهما يسمى كافرا ويسمى مشركا، فالذي يعبد الجن يسمى كارفا ومشركا، والذي يعبد الأصنام يسمى كافرا ومشركا، والذي لا يصلي يسمى كافرا ومشركا، والذي يجحد تحريم الزنا ويجحد وجوب الصلاة يسمى كافرا مشركا، والذي يقول صوم رمضان ليس واجبا أو يقول الحج ليس واجبا يسمى كافرا ويسمى مشركا، والذي يقول الزكاة ليست واجبة يسمى كافرا ويسمى مشركا؛ كافر كفرا أكبر نسأل الله العافية، والذي يقول الزنى حلال كافر ومشرك، والذي يقول الخمر حلال كافر مشرك، والذي يقول الربا حلال كافر مشرك، نسأل الله العافية والسلامة.
س14/ سماحة الشيخ يقول السائل: هل تحلين المنظومات والقصائد الشعرية على طريقة الأغاني أفضل أم إلقاؤها على طريقة الشعراء ؟
ج/ إلقاؤها على طريقة الشعراء، المفيدة النافعة هذه على طريقة الشعراء، ليست الأغاني الماجنة، على طريقة شعر حسان وكعب بن مالك وغيرهم من الشعراء، مثل ما ذكر ابن القيم في النونية وغيره على طريقة العرب.
س15/ سماحة الشيخ يقول السائل: قمنا في شهر رمضان بعمرة ولكن ما عملنا طواف الوداع، فما حكم عمرتنا وهل علينا شيء ؟(1/47)
ج/ الوداع ليس بالوداع الواجب فإن فعله لا بأس وإن تركه لا بأس، الوداع واجب للحج، أما العمرة ليس لها وداع واجب، فمن ودع فلا بأس ومن ترك فلا بأس؛ لأن العمرة وسعوا فيها وهي تجوز في جميع السنة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يأمر] المعتمرين أن يودعوا، وإنما أمر الحجاج كانوا ينصرفون في كل مصر قال «لا ينفر أحد منها حتى يكون آخر عهده بالبيت».
ولم يحفظ عنه أنه ودع في عمرة القضاء ولا في عمرة جعرانة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
س16/ سماحة الشيخ يقول السائل:ما القول الفصل في مسألة الموازنة بين الحسنات والسيئات عند التحذير من أهل الأهواء؟
ج/ مثل ما قال الله {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون:104]، الله يوازن بينهما، من ثقلت موازينه هو السعيد ونجا ومن خفت موازينه فلا حول ولا قوة إلا بالله، وربنا أعلم بالسيئات والحسنات المكتوبة على العبد وسوف توزن عليه يوم القيامة وتعطى كتابه بيمينه أو بشماله، أمره لله جل وعلا.
س17/ سماحة الشيخ يقول السائل: هل يجوز الزواج أثناء السفر أو أثناء الإقامة في بلد آخر وفي نيته أنه سوف يطلقها بعد انقضاء سفره وما الفرق بين ذلك وبين وزاج المتعة؟
ج/ هذا الزواج بنية الطلاق، عند آخرين لا بأس أن يتزوج وإن كان بنية أن يطلق يخاف من الزنا يخاف من الشر، فيتزوج هنا سفيرا أو طالب علم يحتاج إلى إقامة طويلة، يتزوج وإن كان في نيته إن انتهى السفر أو انتهت سفارته، عند الأكثرين لا بأس بهذا، وقال بعض أهل العلم كالأوزاعي وجماعة ليس له ذلك.
فالأحوط للمؤمن أن لا ينوي يتزوج ولا ينوي الطلاق ينوي أن الله جل وعلا إن جعل في قلبه مودة أبقاها وإن لا طلقها ولا ينوي الطلاق جزما؛ بل لا يكون فيه نية في هذا هو الأحوط والأحسن له.(1/48)
س18/ سماحة الشيخ يقول السائل: كثر في هذه الأيام الحديث عن زواج المسيار فما رأي سماحتكم في هذا الزواج؟
ج/ هذا سيصدر فيه إن شاء الله قرار سيصدر فيه من اللجنة بيان إن شاء الله.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
(((((
أعدَّ هذه المادة: سالم الجزائري(1/49)