- - - - - - - - - - -
الاعتصام بالكتاب والسنة
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[شريط مفرّغ](
- - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي برحمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
الحمد لله الذي أضل وهدى، وأسعد وأشقى، وأمات وأحيى، وأغنى وأقنى، سبحانه من إله حكيم عليم قادر، أجرى حكمته البالغة في كونه وفي شرعه، بما حارت معه الألباب، فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد رسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سلاما هو كالعهد بين المسلم والمسلم ألا يأتيه منه إلا ما فيه السلامة له في ذاته وماله وعرضه، فمن ألقى السلام فقد عاهد أخاه أن لا يأتيه منه إلا ما فيه السلامة له، ومن خالف ذلك في عرضٍ أو مال أو ذات أو تعدٍّ فقد خالف مقتضى هذا السلام الذي هو من علامات المؤمنين الفارقة بينهم وبين الكافرين في الدنيا والآخرة وتحية أهل الجنة يوم القيامة.
ثم أني أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من المنيبين إليه حقا وممن اجتهدوا في النجاة من الغفلة والنجاة من الفتن والابتلاء والله جل وعلا أقام الحياة على الابتلاء بل وأقام الموت على الابتلاء {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[تبارك:2]، وقال {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35]، فهذه الحياة عصيبة وليست بالأيام السهلة اليسيرة في معناها؛ بل هذه الحياة إما بعدها إلى نعيم سرمدي أبدي، وإما إلى عذاب سرمدي أبدي.(1/1)
فأهل الإيمان والإسلام مصيرهم إلى الجنة وأهل النفاق والكفر والشقاق مصيرهم إلى النار والعياذ بالله، ولأجل عظمة هذا الأمر ولأجل عظمة هذا الابتلاء بعث الله جل وعلا رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، فجاءت الرسل وبينوا للناس أنه لا نجاة إلا بالاعتصام بحبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي هو دين الإسلام العام وبعد بعثة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ دين الإسلام الأخص الذي هو عقيدة الإسلام وشريعة الإسلام.
فالمسألة عظيمة، ولهذا أجمعت الرسل بوحي الله جل وعلا لهم أنّ هذه الحياة فيها الابتلاء والفتنة، ولا نجاة فيها إلا بالاعتصام بحبل الله جل وعلا، فكل رسول أمر بالاعتصام بحبل الله جل وعلا، وحبل الله جل وعلا هو كتابه المنزّل ورسوله الذي أمر باتباعه، وحبل الله هو صراطه المستقيم الذي يكون في كل زمان وفي كل مكان، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
موضوع هذه المحاضرة:
الاعتصام بالكتاب والسنة
وهنا يأتي سؤال: لم يختار مثل هذا الموضوع؟ هل الكتاب والسنة الناس منها في شك؟ هل القرآن وأحاديث النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الناس في اتباعها في تردّد؟ أم لِم يختار مثل هذا الموضوع الذي يظن أنه واضح عند الجميع.
هذا الموضوع إذا عُرض وهو الاعتصام بالكتاب والسنة فإن معناه جواب سؤال وهو: ما المخرج من الفتنة؟ ما المخرج من التفرّق؟ ما المخرج من الاختلاف في الدين وبين الناس؟ ما المخرج من كل ما يسوء الناس؟
جوابه: المخرج الاعتصام بالكتاب والسنة.(1/2)
ولهذا لو كُرّر هذا الموضوع في كل مجلس وفي كل منتدى وفي كل جريدة ومجلة لم يكن كثيرا ولو قيل لك كل يوم؛ لأنه به يحصل البصيرة ويحصل الثبات، لهذا أمر الله جل وعلا عباده بالاعتصام بحبله جل وعلا فقال سبحانه {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران:103] الآية، وفي هذه الآية التي هي الأصل في هذا الباب أمر الله جل وعلا أن يُعتصم بحبله، وحبل الله هو الطريق الموصل إليه سبحانه، وهذا من جهة التمثيل فإن الحبل هو ما يوصل -ما يكون متدليا- يوصل بين شيئين، والله سبحانه أمرنا بالاعتصام بحبله؛ يعني أن نستمسك بهذا الحبل، كما يستمسك الغريق إذا وجد ذلك الحبل وهو يخشى الغرق.(1/3)
ولفظة (الاعتصام) في الكتاب والسنة جائية على الحقيقة اللغوية فيها، وهي أن -يعني غير منقولة من الحقيقة اللغوية إلى الحقيقة الشرعية- وهي أن لفظ الاعتصام راجع إلى ما تحصل لك به العصمة، ما تحصل لك به العصمة، ما يحصل به لك النجاة، ما يحصل لك به دفع الشر عنك، ولهذا قال سبحانه {قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}[هود:43]، وقال سبحانه {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً}[الأحزاب:17]، الآية من سورة الأحزاب، وهذه الآيات وغيرها مما فيه لفظ الاعتصام والعصمة ينبغي أن تتأمل من جهة أن الاعتصام فيه تحقيق ما به العصمة ولاحظ في الآية أن الله جل وعلا أمر بالاعتصام بحبله، وأضاف الحبل إلى نفسه الجليلة جل وعلا فقال {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وحبل الله هو صراطه المستقيم وهو القرآن، وهو السنة يعني أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو طريق المؤمنين؛ لأن هذا من الألفاظ التي تختلف عند اجتماعها وتجتمع عند افتراقها، فلفظ البر في القرآن ولفظ التقوى ولفظ الصراط المستقيم والحبل -حبل الله- وأسباب ذلك معناها السير على كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجع ذلك إلى قوله جل وعلا {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}[الفاتحة:6]، الذي هو القرآن وسنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولأجل أن الاعتصام تعظم الحاجة إليه عند حصول الفرقة قرن الله جل وعلا في آية آل عمان ما بين الأمر بالاعتصام بحبله والنهي عن التفرق فقال سبحانه {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، والتفرق الذي نهي عنه هنا عام لأنه من المتقرر في لم الأصول أن النكرة في سياق النهي تعم والفعل المضارع ولا تفرقوا تفرقوا الفعل المضارع منسبك من حدث وزمن، والحدث(1/4)
نكرة فصار الفعل المضارع في سياق النهي نكرة في سياق النهي فتعم أنواع التفرق، فنهى الله جل وعلا بعد الأمر بالاعتصام بحبله نهى عن التفرق.
فهل التفرق أنواع؛ لأن الآية عمت بنهي الله جل وعلا أنواع التفرق؟
والجواب: نعم، التفرق في الكتاب والسنة نوعان:
? تفرق في الدين.
? وتفرق في الأبدان.
ولهذا فكر أهل العلم (الجماعة) في قولهم أهل السنة والجماعة أو الجماعة التي أمر بها فسروها بمضادة التفرق، ففسرت الجماعة بأنها الاجتماع في الدين والاجتماع بالأبدان؛ لأن التفرق الذي نهي عنه بالكتاب والسنة تفرق في الدين وتفرق في الأبدان.
قال جل وعلا في هذه الآية { وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} فبهذا التمثيل ظهر أحد نوعي التفرق وهو التفرق بالأبدان تفرق النفوس تفرق المعاداة ما بين أهل الملة الواحدة إذ قال { كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}.
والنوع الثاني من التفرق لم يذكر في هذه الآية وإن كان داخلا في عموم قوله ولا تفرقوا ذكر في آيات أخر كقول الله جل وعلا {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:13].(1/5)
فإذن الاعتصام بالكتاب والسنة مَخرج من التفرق في الدين، ومَخرج ومنجاة من التفرق في الأبدان؛ يعني أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو الذي شرعه الله جل وعلا لجميع الأنبياء سنة كل نبي في أمته؛ لأنه قال { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ومن المتقرر عند أهل العلم من أهل السنة والجماعة أن الذي أوحي للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ نوعان: القرآن والسنة، فالقرآن وحي الله جل جلاله والسنة وحي أيضا أنزل على محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في أحوال مختلفة.
قال بعدها {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} يعني الذي أوحي إليك وأوحي إلى الذي من قبلك {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
فحصل من ذلك قاعدة عظيمة وهي أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو الدين، الاعتصام بالكتاب والسنة أعظم فرائض الإسلام وأعظم أركان الإسلام؛ لأن حقيقته تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، وقد قال جل وعلا {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
التفرق في الدين والتفرق في الأبدان يضادهما -كما ذكرت لك- الاجتماع؛ الاجتماع في الدين والاجتماع في الأبدان.(1/6)
ومن العجائب الكونية التي أجراها الله جل وعلا في كونه بحكمته أن ثَم تلازما ما بين الاجتماع في الدين والاجتماع في الأبدان، وأن ثم تلازما ما بين التفرق في الدين والتفرق في الأبدان، فإذا حقق العباد الأول وهو الاجتماع في الدين حقق لهم التوفيق بالاجتماع في الأبدان والله جل وعلا هو الذي يؤلف بين القلوب كما قال سبحانه {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال:63] فإذا استمسك العباد بالاجتماع في الدين وعدم التفرق فيه مُنّ عليهم ووفقوا وسددوا إلى الاجتماع في الأبدان لأن لا يكون للشيطان عليهم مدخلا عليهم، ولهذا عوقب النصارى بعقاب عظيم، وهو أنهم ضربت بينهم الفرقة والخلاف، كما قال سبحانه في سورة المائدة {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} يعني بإيش؟ بالاعتصام بما أنزل الله جل وعلا وبما جاءهم به عيسى عليه السلام، { أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } إيش الذي حصل؟ فقال {فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}[المائدة:14]، نسوا يعني تركوا والنسيان بمعنى الترك {فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} يعني تركوا نصيبا مما ذكروا به مع علمهم فهم يعلمون ولكنهم؛ {فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}.(1/7)
بالمناسبة الإمام مالك لما كان يقرأ في المسجد يروي أحاديث النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وكان عنده يحيى بن يحيى الليثي -راوي الموطأ عنه-، والطلاب حول الإمام مالك، فصاح صائح: جاء للمدينة فيل عظيم. لم يكن أهل المدينة رأوا فيلا؛ لأن الفيل ليس موطن هذه البلاد، فهرع الطلبة كلهم ليروا الفيل، وتروا مالكا؛ إلا يحيى بن يجيى الليثي فقط، فقال له مالك: لم؟ هل رأيت الفيل قبل ذلك. قال: إنما رحلت لأرى مالكا لا لأرى الفيل. وبهذا أثابه الله جل وعلا بأن الرواية التي تُروى الآن في شرق الأرض وغربها المعتمدة لموطأ الإمام مالك هي رواية يحيى بن يجيى الليثي، مع أنه من صغار طلبته هناك روايات أناس أكبر منه لم يكتب لها القبول، ومسلم في الصحيح يروي من طريق يحيى بن يجيى الليثي.
فإذن ننتبه ما يُشغل القلب دائما عما تقصده قال جل وعلا {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[المائدة:14] فقال شيخ الإسلام وتلميذه وغيره من المحققين من المفسرين: دلت الآية على أن الإغراء بينهم بالعداوة والبغضاء كان نتيجة لتفريقهم الدّين وتركهم نصيبا مما ذكروا به.(1/8)
فالاجتماع على الدين بعدم التفريق فيما نتبع الكتاب والسنة وبين مسألة ومسألة أو ما بين علم وعلم أو ما بين مذهب ومذهب، هذا إذا اجتمع عليه العباد ولم يرضوا بغيره أثابهم الله جل وعلا بالاستماع ويسر عليهم سبله، وأولئك الذين نسوا حظا مما ذُكروا به مع علمهم وتركوا ما أنزل الله جل وعلا وما جاء في سنة رسولهم عُوقبوا بالإغراء بالعداوة والبغضاء، ولهذا تأخذ قاعدة أنها لا تحصل فرقة في الأبدان بعد اجتماع في الأبدان إلا والعباد قد فرّقوا الدين وتركوا بعض أمر الدين، فلم يجتمع عليه، وإلا لو اجتمعوا عليه واعتصموا بحبل الله جميعا ولم يتفرقوا لا يأتيهم الشيطان.
ولهذا جاءت الفرقة في عهد الصحابة متى؟ لما ظهرت الخوارج في عهد عثمان وحصل مقتل عثمان رَضِيَ اللهُ عنْهُ بدأت الفتن في الأمة؛ لأن أناسا كثيرين أتوا إلى المدينة وناصروا الخوارج إلى غير ذلك.
حتى قاتل علي: عبد الرحمن ملجم الخارجي المعروف، كان في عهد عمر من خيرة الناس حتى قال عمر لوالي على مصر: إني مرسل لك رجلا آثرتك به على نفسي، هو عبد الرحمن بن ملجم، فافتح له دارا يعلم الناس فيها القرآن. فلما حمل عبد الرحمن الرسالة إلى الوالي مصر من قِبَل عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ قرأها اتخذ له دارا وأصبح يعلم الناس القرآن، فأتاه الخلل من جهة من اختلط به، حتى آووه فأصبح من الخوارج، حصلت الفتنة لأنه لم يعتصم بنصوص الكتاب والسنة.
ولو اعتصم الناس بنصوص الكتاب والسنة، وعند الاختلاف يرجعون إليها ويأخذون بمحكم إلى هذه النصوص، لرجعوا إلى أمر بين واضح وصراط مستقيم، والله جل وعلا تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعد النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إلا هالك، ترك هذه الأمة نبينا على بيضاء نقية.(1/9)
فإذن نقول: الاعتصام بالكتاب والسنة يأتي معك في الدين بأن لا تتفرق في الدين، وأن لا تأخذ قول الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، ونأخذه بالاعتصام بالائتلاف والجماعة الواحدة.
إذا تبين ذلك فنأتي إلى تاريخ الأمة الطويل العجيب الذي بدأ فيه الانحراف وترك الاعتصام بالكتاب والسنة من ظهور الخوارج، وأول ما ظهرت الخوارج في عهد النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حيث قال له رجل: يا رسول الله اعدل في قسمة المال. فقال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟» ثم قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «يخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» حصل الافتراق في الأمة يترك الاعتصام بالكتاب والسنة، الخوارج يقولون: ما في القرآن نقبله وما جاء في الأحاديث عن هؤلاء الصحابة الذين نقاتلهم لا نقبله. ففرقوا دينهم، فقبلوا بعضا وتركوا بعضا، حتى فيما قبلوه من القرآن استدلوا بالمتشابه وتركوا المحكمات.
خرجت المرجئة والطريق نفسها لم يعتصموا بالكتاب والسنة بالنصوص في الدين، خرجت القدرية، خرج المعتزلة، خرج الجهمية، خرج غلاة الصوفية، خرج المتكلمون إلى آخره، لِم ظهرت هذه الفرق؟ لتحكيم العقل وعدم الرجوع للكتاب والسنة.
فإذن من أصول الاعتصام بالكتاب والسنة وقواعده العظام أن يُترك العقل عند ورود النص، فالعقل تابع للنص، مفسر للنص فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وأما أن يكون العقل حاكما على النص فهذا أول طرق الضلال، ويكون تحكيم العقل حاكما على النص ومقدما عليه بأنواع -تارة كما عند المتكلمين- بقولهم الدليل القولي قاطع والدليل النقلي ظني فلا نقدم الظني على القطعي، وهذا باب من أبواب الضلال به قدموا العقليات بأهوائهم على ما جاء في النصوص كلام الله جل وعلا وكلام نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/10)
أهل الأهواء في المصالح المختلفة الذين يقولون المصلحة في كذا وهم ليسوا من فقهاء الكتاب والسنة، ويعارضون بالمصالح المتوهمة ما جاء في النصوص، كما قال قائلهم: حيث ما وجدت المصلحة فثم شرع الله. يعني أنظر أين توجد المصلحة، فحيث وجدت المصلحة فثم الشريعة، فجعل الشريعة تابعة للمصلحة التي يتوهّمها هو مع أن الاعتصام الصحيح بالكتاب والسنة يقضي بأنه حيث وُجد النص من الكتاب والسنة أو حيث وجد الحكم الشرعي فثم المصلحة وليس العكس.
وهذا من أصول الاعتصام بالكتاب والسنة أن المصالح تبع للنصوص؛ لأن النصوص من الله جل وعلا ومن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أحد أعلم بالله وبخلقه من الله جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى العليم بالناس وبأدواء النفوس.
إذا تبين لك ذلك فتاريخ الأمة الطويل حصل فيه افتراق في أبواب كثيرة من أبواب الاعتقاد، وهذا الافتراق في كل مسألة من مسائله ارجع به إلى تَرك نص من النصوص؛ لأن العقيدة والتوحيد لا يجوز أن يظن ظان أنه تُركت هذه الأمة بغير بيان في العقيدة والتوحيد؛ بل هذا أصل الأصول، هذا العلم بالله جل وعلا، وهو أعظم العلوم وأنفعها، هو العلم بكتاب الله جل وعلا وما جاء فيه من وصف الله سبحانه وتعالى وذِكر الأحكام الشرعية وأمور الغيب إلى آخره، ولهذا ابن القيم ذكر أنفه أنواع العلوم فقال رحمه الله تعالى في نونيته في أبياته المشهورة التي يحفظها العلماء ويرددونها:
والجهلُ داء قاتلٌ ............. .....................
يعني ما يأتي يأخذ من الكتاب والسنة بلا عالم كمن يذهب إلى الصيدلي ويقول أنا والله مريض مرض كذا أعطني أعطني دواء هذا اللون وأعطني هذا وأعطني هذا ولا يصلح إلا لعالم كما قال ابن القيم هنا:
................وشفاؤه أمران في التركيب متفقانِ
نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
والعلم أقسام ثلاث ما لها من رابع والحق ذو تبيانِ(1/11)
علم بأوصاف الإله ونعته وكذلك الأسماء للديانِ
والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني
[والكلُّ في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالفرقان]
والله ما قال امرِئ متحذلق بسواهما إلا من الهذيان
وهذا حق؛ لأن حصول أي اختلاف وحصول أي ضلال سببه ترك الاعتصام بالكتاب والسنة، ترك اللجأ، معنى الاعتصام بالكتاب والسنة ترك الالتجاء إلى النصوص إلى الكتاب والسنة، فإذا جاءت مشكلة إذا جاءت معضلة إذا اختلف الناس في شيء من ترك الاعتصام أن يأتي كل واحد بفهمه مع أن المسألة يكون فيها نص، يكون فيها سنة يكون فيها حديث عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، يكون فيها آية وفيه تفسيرها الذي يبينها، فيأتي الناس بأهوائهم ولا تظنّن أنك إذا قدمت رأيا قبل الرجوع إلى الكتاب والسنة أنه لن يؤثر؛ لأن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله؛ بل الواجب أن [...] لسانك عن الكلام إلا فيما تعلم أنه صواب كما قال جل وعلا {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114].(1/12)
تفرقت الأمة في توحيد الإلهية؛ يعني في معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وجاء التفرّق من جهة أعداء هذه الأمة من الباطنية الإسماعيلية والرافضة، فجاءوا بظنهم أن التقرب إلى الله جل وعلا بأرواح الصالحين أن هذا أمر سائغ مع أن النصوص بالكتاب والسنة تنهى عن ذلك قالوا: إرشاد الناس إلى التعلق بالأموات التعلق بالقبور بناء المشاهد عليها هذا يقوي إيمانهم، يدلّهم على هؤلاء لتقوى صلتهم بالله فعارضوا النص بعقل وقياس، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في مرضه الأخير في وصيته التي لو كانت وصية لأب واحد منا لنفذها حرفيا فكيف برسول الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال في مرض موته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك»، فجاءت الأمة في افتراق عظيم تعلمون في الشرك ووسائل الشرك.
هذا الافتراق لم يزل ينمى في الأهواء ويُترك الاعتصام للكتاب والسنة في مقابل الاستمساك بالعقول والآراء في هذه المسألة، وتساهل الناس في هذا الأمر حتى صار في القرون المتأخرة قد شاعت في كثير من بلاد المسلمين كما ظاهر لكم، وتعلق الجهال وجُني على كثير بل أكثر جهال المسلمين بمثل هذه الأمور.
الاعتصام بالكتاب والسنة -كما ذكرت لك- يأتي معك في كل أمر من أمور الدين، إذن التفرق الذي حصل هو بسبب ترك الاعتصام، فإذا أردت أن تجعل نصوص الاعتصام بالكتاب والسنة دليلا على رد قول الخرافيين بعامة فهذا واقع، على رد قول نفاة الصفات والمعتزلة وأشباههم فهذا صحيح، وإذا أرادت أن تستدل بنصوص الكتاب والسنة بالرد على من قدّم العقل على النص فكل هذا اخل في الاعتصام بالكتاب والسنة.
فإذن الدين في كل شبهة طرأت عليه وجاء بها إبليس ومن تبعه، فهذا راجع القدح في الكتاب والقدح في الاستدلال بسنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.(1/13)
نأخذ مسار آخر في ذلك وهو مسار الاجتماع وهو النوع الثاني من أنواع التفرق، الاجتماع أمر الله جل وعلا به في كتابه وأمر به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته في أحاديث كثيرة فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في حديث العرباض بن سارية المشهور الذي في السنن «إنه من يعش منكم فيسرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة»، وقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في التشديد في البيعة والأمر بالطاعة لولي الأمر المسلم الذي بايعه أهل الحل والعقد من المؤمنين، قال في التشديد على ذلك «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وقال «من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان».
إذن فالأمر بالاجتماع نهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع والنهي عن التفرق معناه الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، فالذي يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ولا يُدخل كل ما حصل فيه الافتراق في الأمة راجعا إلى الاعتصام بالكتاب والسنة فلم يفهم معنى الاعتصام بالكتاب والسنة، فأي افتراق حدث عن طريقة الصحابة ما قرره أهل السنة والجماعة في كتبهم، فإن سبب ذلك راجع إلى عدم الاعتصام بالكتاب والسنة.
فلهذا نقول: كل مسألة يجب أن يستدل عليها أولا بنصوص الاجتماع ونصوص الاعتصام وبالكتاب والسنة؛ لأنه ما من مسألة إلا وإرجاعها إلى دليل من الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى بين أن خصلة المنافقين أنهم {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}[النور:48]، وقال جل وعلا {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:65]؛ يعني في الأمور الاجتهادية وفي أمور العملية وفي أمور الاعتقادات لابد من تحكيم الكتاب والسنة.(1/14)
إذا تبين لك ذلك وظهر لك العلاقة ما بين الاجتماع والافتراق والاعتصام بالكتاب والسنة، ننتقل إلى مسألة أخرى متعلقة بهذا العصر الذي نعيش فيه وهي حصول افتراق جديد لم يعهد مثله في الأزمنة الماضية ألا وهو ترك تحكيم شريعة الله جل وعلا في الحكم والتحاكم والفصل بين المتخاصمين، وتطبيقها في جميع مناحي الحياة، لا شك أن هذا نوع من التفرق عن دين الله، ومن ما يدخل في قوله جل وعلا {نَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[المائدة:14]، فما ترى من الافتراق بين هذه الأمم والدول إلى آخره، وعدم الاجتماع والائتلاف تُدخله ضمن أنهم فرقوا دينهم ولم يقبلوا شريعة الله جل وعلا كاملة، فعاقبهم الله جل وعلا بالتفرق والاختلاف، حتى لا يكاد الناس يجتمعون على قول، لو تجتمع مع عشرة من بلاد مختلفة وجدت أن لكل واحد منهم رأيا مختلفا وهذا لأجل الأهواء وعدم الرجوع إلى الكتاب والسنة.(1/15)
هذه المسألة العظيمة نوع من الترفق الحادث الجديد، ولا شك أن واجب على الناس والواجب على العباد أن يعتصموا بالقرآن والسنة وأن يحكموا شرع الله جل وعلا في الأمور الكبيرة وفي الأمور الصغيرة لأن الله سبحانه أمر عباده بذلك فقال لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}[المائدة:48] وقال جل وعلا لنبيه أيضا {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44] وقال أيضا وقال أيضا جل وعلا {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50] والآيات في هذا كثيرة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء:60].
فإذن هذه المسألة من المسائل الحادثة التي يجب تنبيه الناس عليها، وكل واحد ينبه عليه حتى تستقر في النفوس وأنها شيء لا إشكال فيه، كما يروَّج له؛ بل الواجب على العباد جميعا أن يتواصوا بالحق وأن يتواصوا بالصبر، وأن يبينوا أن معنى الشهادتين راجع إلى تحقيق التوحيد توحيد العبادة وإلى الحكم بشرع الله جل وعلا، وأن الأمة إذا أرادت أن تجتمع في أبدانها وأن تجتمع على أعدائها فلتبدأ في الاجتماع في دين الله جل وعلا؛ لأنه هذا هو الأساس.(1/16)
وأنتم ترون في بلاد مختلفة أقاموا في بعض البلاد صار جهادا وصار وصار لما لم يجتمعوا في الأصل على كتاب وسنة لم يجتمعوا على منهج واحد يقاتلون عليه ويجاهدون عليه حصل لهم ما حصل، والواجب أن يجتمع الناس على نهج واحد واضح واعتصام بالكتاب والسنة، ثم بعد ذلك تأتي القضايا الأخرى، فإنما يقوم بالجهاد من كان صفّه واحدا، أما إذا كانت الصفوف مختلفة فكيف يقام بجهاد، لاشك أنه سيحصل فرقة وسيحصل خلاف، والشيطان يزغ بين العباد.
لهذه المسألة منهج سلفي واضح بيّن، وهي أن كل مسألة يدعى إليها فيجب أن يرجع فيها إلى الكتاب والسنة، في الأمور العامة للناس جميعا، وفي الأمور الخاصة، في أمور الدول وفي أمور الجماعات العاملة للإسلام، وفي أمور الأفراد المتعاونين على الدعوة، لابد أن يرجع إلى النص من الكتاب والسنة وإلا لا نكون فعلنا شيئا، سوف تكون مجرد محاولات يعود أصحابها من حيث بدؤوا والشواهد على ذلك كثيرة.(1/17)
من هنا نصل إلى كلمة للدعاة إلى الله جل وعلا؛ وهي أن الاعتصام بالكتاب والسنة -وهم الدعاة إلى الكتاب والسنة- يأتيهم في كل حال سواء أكانوا مجتمعين أم كانوا أفرادا، يأتيهم في أن الدعوة ميدان لمزلة الأقدام، والتفرق الحاصل بين الدعاة في بلاد كثيرة، ذهبنا إلى أمريكا وإلى بعض البلاد في الشرق، وجدنا أن المسلمين في مسجد واحد لهم عدة آراء، ربما يصلي خمسة كل واحد له جهة في تفكيره حتى في الأمور الحادثة؛ ولاشك أن هذا يؤسف، إذا دخلت أنت إلى مسجد من المساجد يصلون فيه الفجر مثلا سبعة ثمانية أو عشرة أو صف، ورأيت الخاصة منهم وكل واحد له رأي هذا ناتج من إيش؟ هل الكتاب والسنة فيها اشتباه؟ الاشتباه في المنهج، والاعتصام بالكتاب والسنة يوحد المنهج في الرؤية لما حولك من الأمور، فما حولك من الأشياء المنهج في النظر إليها واحد؛ لأن ما حولك إما أن يكونوا مسلمين وحقّ المسلمين معروف من النصوص في الكتاب والسنة، وإما أن يكونوا كفارا والكفار معروف حكمهم وكيف التعامل معهم في الكتاب والسنة بتفصيل الكافر المحارب والكافر المستأمن والمعادي إلى آخره مما هو واضح في القرآن وفي سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، كيف يعامل العاصي موجود في النصوص، كيف يعامل المبتدع موجود في النصوص، كيف يعامل الجاهل موجود في النصوص، والذي يحصل من كثير ممن يريدون الخير أنّهم لا يرجعون إلى الاعتصام بالكتاب والسنة في نهج الدعوة.
والدعوة إذا لم ينهج فيها بالكتاب والسنة فإن الأقوال والآراء ستختلف، وهل اختلاف الآراء والأقوال طبيعي؟ لا، إنما جاء من جهة ترك نصيب مما ذكر به العباد، كما ذكرنا لكم في أول المحاضرة {فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[المائدة:14].(1/18)
فإذن الاعتصام بالكتاب والسنة يوصى به الخاصة، يوصى به الدعاة، يوصى به الشباب الذين يدعون إلى الله جل وعلا، يوصى المعلمون يوصى به أهل البلاد في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، إذا رجعنا إلى شيء واحد ائتلفنا واجتمعنا وكنا قوة على أعداء الإسلام.
أما إذا اختلفنا وجاء الشيطان لينزغ بيننا في أمور مختلفة، لاشك أن هذا سوف يكون تفرقا في الدين وتفرقا في الأبدان.
منهج الدعوة إلى الله جل وعلا أعظم ما يُحتاج فيه إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وذلك في مسائل:
أما المسألة الأولى فهي مسألة ترتيب الأولويات في الدعوة: الدعاة في كثير من اختلافاتهم رجعت إلى ما هي أولويات الدعوة؟ ما الذي ندعو الناس إليه أولا؟ ما الذي يبث في الناس؟ الناس يجمعون على أي شيء؟ ما الهدف من وراء ذلك؟ وما مسائله؟
هذه قضية يختلف فيها الدعاة كثيرا، ومن اختلافهم مثل اختلافهم في جماعات مختلفة في عدد من بلاد المسلمين.
لم حصل الاختلاف؟ له تاريخه، ما سبب الاختلاف؟ عدم الاعتصام بالكتاب والسنة.
في ترتيب الأولويات وهي المسألة الأولى عندنا الأدلة واضحة كيف ترتب الأولويات في الدعوة، فهناك مقاصد وهناك وسائل، ولاشك أن المقاصد هذه إذا كانت شرعية فالوسائل لها أحكام الغايات، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن لنا كيف نرتّب الدعوة في قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لمعاذ «إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكمن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أهل الكتاب رتب لهم هذا أولا، والمسلم إذا جهل أو نسي أو غفل أو صارت له شبهة معنى الشهادتين في التوحيد وفي تحكيم شرع الله جل وعلا، لابد أن تكون هذه هي الأولوية الأولى؛ لأن معنى الشهادتين هو توحيد الله جل وعلا في عبادته والحكم بما جاء به النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، «فإنّ هم أجابوك بذلك فأعلمهم أن اله افترض علهم خمس صلوات في اليوم والليلة» الحديث.(1/19)
فإذن الأولويات في التفكير أن كل بلد تختلف عن البلد الأخرى فيما يُنشر فيها، فيما يدعى أهل البلد إليها، في بلد يكون الغالب عليهم الجهل بالتوحيد هنا تكون الأولوية الدعوة إلى هذا تعلم الناس توحيد الله حتى ينقضوا من النار، في بلد يكون عندهم وضوح في التوحيد لكن تهاون في الشهوات؛ فهنا تكون من الأولويات أن تُصد هذه الشهوات وأن ينبّه عليها مع بقاء الدعوة إلى التوحيد بقدر ما يدخل في القلوب،وهكذا، هذا مقصد، وسيلة هذا المقصد ما هي؟ وسيلة تحصيل هذه الدعوة ما هي؟ هل يجوز تأخير الناس في أمر دعوة لهم على هذا الأصل على توحيد الله جل وعلا وتحقيق الشهادتين إلى أن تقوم دولة في بلد ليس فيه دولة إسلام؟ فالدولة تنفذ هذه الأشياء في الناس؟ هذا طرح موجود في بعض الدعوات، يقولون: لابد نعم تدعو إلى التوحيد أولا لكن متى إذا قامت دولة الإسلام، هنا حصلت الوسيلة للإلزام الناس بذلك، وهذا طرح غير صحيح لم؟ لأن الناس حتى يصلوا إلى دولة في بلد ليس في دولة إسلام يموت آلاف، يموت عشرات الآلاف، يموت مئات الآلاف، إذا مات على الجهل بالتوحيد، إذا مات على عقيدة سليمة فهو على خطأ، إذا مات على الشرك فمن يمت وهو مشرك فهو من أهل النار {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة:72].(1/20)
لهذا من أخر الدعوة إلى توحيد الله وإنقاذ الناس من الجهل بحق الله جل وعلا وبالتوحيد ومن الوقوع في الشركيات حتى تقوم الدولة، هذا لم يعتصم بالكتاب والسنة حقيقة في ترتيب أولويات الدعوة، وجنى على الناس؛ حيث جعل فئام كثيرين يموت وهم جهلة بهذا الأمر، أصبح عند الناس في فترة عقود من الزمان كما هو في بعض البلاد عندهم فقه سياسي؛ لأنهم يقرؤون في المجلات أسبوعيا وفي الجرائد يوميا وكتابات إسلامية وتحليلات إسلامية سياسية إلى آخر ذلك، مر عقد عقدين ثلاثة أربعة خمسين سنة ستين سنة سبعين سنة، ما حصل، الأفواج التي ماتت هذه أليست مسؤولية الداعي إلى الله جل وعلا؟ لاشك أن من لم يدعو الناس إلى ما يجعلهم من أهل الجنة برحمة الله جل وعلا ويقيهم عذاب النار فقد خانهم.
ولهذا كل من دعا إلى غير ما رتب الني عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الأولويات في حديث معاذ فإنه لم يعتصم بالكتاب والسنة كما أمر الله جل وعلا؛ بل فرق الدين وجعل الوسائل مقدمة على الغايات، الوسيلة وسيلة لتحقيق الغاية؛ لكن أن تنقلب الوسيلة غاية ويموت مئات وآلاف وعشرات الآلاف وأمم وأجيال حتى ننتظر ما يقال إنه حصل فإنه يلزم الناس بشرع الله فهذا ليس إلا من أماني الشيطان يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
المسألة الثانية المتعلقة بالاعتصام بالكتاب والسنة في الدعوة أن الداعية يجب عليه أن لا ينظر إلى المصالح التي تعارض ما دلّت عليه الأدلة، فالدين مبني على فقه بالنصوص، والأمناء على الشريعة هم الفقهاء بالكتاب والسنة.
والله جل وعلا جعل لنا مثلين عظيمين ببعثة أول أرسل نوح عليه السلام ببعثة خاتم الرسل محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.(1/21)
فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما والحصيلة وما آمن معه إلا قليل، أكثر ما جاء في روايات المفسرين كم كانوا؟ سبعين أو ثمانين ممن أمن معه حصيلة ألف سنة إلا خمسين عاما، تسعمائة وخمسين سنة في الدعوة إلى أصل واحد وبيان واحد.
والمثل الآخر محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو إلى توحيد الله في المدينة عشر سنين بعد ذلك، وفي خلال هذه الثلاث وعشرين سنة آمن معه ممن حج معه حجة الوداع نحو مائة ألف في ثلاث وعشرين سنة.
ونوح وهو أول الرسل ومن أولي العزم من الرسل هو أولهم بذل كل مجال في الدعوة لكن ما أذن الله جل وعلا فقال {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:5-9] إلى آخر الآيات في سورة نوح، ألف سنة إلا خمسين عاما هذا مثل.
والمثل الآخر ثلاث وعشرين سنة والحصيلة مائة ألف.
فإذن في هذين المثلين يظهر لك أن الدعوة في اعتصام الداعي بالكتاب والسنة وأن ينظر إلى دعوته إلى أي شيء يدعو، أما هدى الناس فليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، ولهذا من أصول أهل العلم أن الاغترار بالكثرة هذا من وسائل الشيطان، أن يغتر بالكثرة في مدح ما عليه الكثرة، قد يكون الكثرة على باطل، وقد يكون الكثرة على حق إذا كانوا على الكتاب والسنة، وقد يكون الكثرة على باطل.(1/22)
والأمر الثاني أن تحصيل الكثرة بدون تأسيس الدعوة على لكتاب والسنة بالاعتصام بها وبما جاء بها وبترتيب أولوياتها هذا يجعل الناس يذهبون إلى وسيلة ويتركون الغاية، وانظر في سورة يوسف عليه السلام إذ قال الله جل وعلا في آخرها وهي سورة تسمى سورة الدعوة والداعية لما اشتملت من قصة دعوة يوسف عليه السلام قال جل وعلا في آخرها {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف:103]، وهو نبينا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}؛ لأن هذه حكمة الله جل وعلا والآية الثانية {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}[يوسف:106]، في آخر سورة الدعوة والداعية سورة يوسف عليه السلام، قال فيها ما نهى عن الاغترار بالكثرة قال جل وعلا قل يا محمد {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}[يوسف:108] يعني المذكورة في السورة فسبيل محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في الدعوة هي السبيل الأنبياء والمرسلين جميعا خذها من سورة يوسف عليه السلام كما قال جل وعلا في أثناء السورة {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[يوسف:40]، هذه هي الدعوة دعا إليها يوسف في السجن ودعا إليها لما قابل الملك ودعا إليها لما أتى إخوته وهكذا حتى دعا الله جل وعلا في الدعاء الأخير {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف:101]، {قُلْ هَذِهِ} يعني المذكور في السورة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}والبصيرة هي الاعتصام بالكتاب والسنة فمن كان فقيها بالكتاب والسنة فهو على بصيرة من دعوته {أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108]، وفي السورة نفسها بعد هذه الآية قال جل وعلا {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ(1/23)
قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا}[يوسف:110] لأن الداعي إلى الله سبحانه وتعالى يرغب ويميل بل ويسأل الله جل وعلا أن يأتي نصره الذي وعد بظهور الحق على الباطل وظهور التوحيد على الشرك وظهور الشريعة على غيرها يرغب قال حجل وعلا {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[يوسف:110] ثم قال جل وعلا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف:111].
نأخذ من ذلك أن الداعية إلى الله جل وعلا في أموره يجب عليه أن يعتصم بالكتاب والسنة قبِل الناس ما قبلوا لا يستعجل، لا يترك الصبر بالاستمساك بالكتاب والسنة لأجل عدم قبول الناس، الناس يستخفون لأن أكثر الناس لا يوقنون والله جل وعلا نهى نبيه وهو المصطفى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بقوله {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الروم:60] الذين لا يوقنون يستخفون لو عمل كذا لو عمل كذا بصار أحسن وصار أحسن، وهي أوهام، هنا ننظر إذا كان أحسن مع تأييد الكتاب والسنة فهذا مبارك، إذا كان أحسن مظنون وهو مضاد للكتاب والسنة فليس ثَم قبول له.
المسألة الثالثة في هذا الأمر أن الاعتصام بالكتاب والسنة يأتي معك في أنواع التعامل كما ذكرت لك، ولهذا يجب علينا أن نضع منهجا واضحا في أنواع التعامل.
وكنت ألقيت كلمة فيما مضى محاضرة في أنواع التعامل المختلفة، وقسمت الخلق إلى عشرة أقسام كل نوع منها ابتداء من نفسك له نصوص تحكم التعامل معه، فإذا تعاملت في موضع بما لم يكن الفقه الصحيح أن تتعامل فيه بهذه الطريقة فربما صددت عن دين الله وأنت لا تشعر.(1/24)
لهذا من حمل على نفسه وألزمها الصبر والالتزام للكتاب والسنة فإنه هدي إلى صراط مستقيم، كما قال سبحانه {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[آل عمران:101]، تعامل لابد أن تفقه، تارة يأتي الشيطان للإنسان ويجعله يغلّب جانبا مأمورا به في الجملة على جهة أخرى مأمور بها أيضا في الجملة؛ لكن في غير هذا الموضع.
فمثلا يأتيه بعزة المسلم فيأتي يعامل الكافر بغير المعاملة الشرعية؛ يظن لأن العزة هنا أو البراء في هذا الموطن سائغ ويكون مخطئا، والكفار كما هو معلوم في ديار الإسلام على قسمين كفار معاهدين وكفار مستأمنين، والكافر الذي يكون خارج حربي أو الرسل التي تأتي للملوك ونحو ذلك فالكارف المظهر للعداوة، هذا له حكم، الكافر العادي الذي لم يظهر عداوة للإسلام وغيره وإنما أتى لطلب الرزق ويريد أن يعيش ونحو ذلك هذا له حكم، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ زار غلام يهوديا وهو في النزع كما هو معلوم في الحديث، زار غلاما يهوديا مريضا فلما أتاه -وجده يغرغر- وجده ليس يغرغر وجده في الحالة الأخير، فقال للغلام اليهودي وكان يخدم النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال له «يا غلام قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» فنظر الغلام اليهودي إلى أبيه ما يريد أن يخالف أباه لضعف الغلام فقال أبوه له: يا غلام أطع أبا القاسم. فقال: الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فرفع النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يديه وقال «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار»، كان تعاهد جيرانه حتى جيرانه من غير المسلمين بإنه إذا طبخ مرقا فيه لحم أرسل إلى جيرانه؛ يعني أن أنواع التعامل يأتي الشيطان ويقول في هذا الموطن أظهر عزتك اغضب أو انْهَ عن المنكر، ويكون الموطن ليس موطن نهي عن المنكر إنما موطن دعوة فيغلط من جهة جهله من جهة ما دل عليه النصوص من الكتاب والسنة.(1/25)
وأوصيكم بالفقه في الشريعة، الفقه في الكتاب والسنة؛ لأنه بالفقه يحصل الاعتصام، الاعتصام إجمالي بما تقر به وتعتقد وهناك اعتقاد تفصيلي وهذا لا يكون إلا بالعلم ولذلك أحرى الناس بالاعتصام بالكتاب والسنة أهل العلم بالكتاب والسنة.
في الختام أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من المؤمنين حقا، وممن اعتصموا بكتاب الله جل وعلا وبسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكما ذكرت لكم في بداية المحاضرة أن كل مسألة من مسائل الشبهات أو من مسائل الشهوات يمكن أن تدرج ضمن هذا الموضع الاعتصام بالكتاب والسنة، كل نصوص الاهتمام بالسنة في حديث النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ تأتي في هذا الباب، كل نصوص اتباع الرسل واتباع محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في القرآن تأتي في الباب، ولاشك أن هذا يطول تفصيله.
فأسأل الله أن يعفو عني وعنكم، وأن يجعل عاقبتنا إلى خير، وأن يرحمنا ويرحم آباءنا وأمهاتنا وأن يرفع درجاتنا في الجنة.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ومحمد.
[الأسئلة]
س1/ أشكل علينا نحن مجموعة من طلبة العلم الفرق بين الاختلاف في العقائد والاختلاف في المذاهب وما معنى الأصول والفروع، وهل في الإسلام ذلك؛ أي فيه أصول وفروع أرجو التوضيح مشكورا؟
ج/ الجواب أن الخلاف أو الاختلاف الذي وقع في الأمة نوعان:
? اختلاف مذموم.
? واختلاف معذور أصحابه فيه.
والاختلاف المذموم هو كل اختلاف ليس لصاحبه مستند من النص، فعارض النص برأيه، وحصل الخلاف باقتفاء رأيه الذي يعارض به النص، أو الذي يخالف النص، فكل اختلاف مبني على رأي يعارض النصوص، سواء أكان في العقائد أم في الشرائع أم في الشريعة أو في الأحكام، فإن هذا اختلاف مذموم.(1/26)
والقسم الثاني من الاختلاف اختلاف معذور أصحابه فيه، وهو ما يسوغ فيه الاجتهاد قد ثبت في الصحيح أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد والحاكم فأخطأ فله أجر واحد» يعني له أجر اجتهاده؛ لأن الاجتهاد طلب حكم الله جل وعلا في المسألة، وهذا الطلب عبادة كونه يجتهد ويتعب لكل يحصل أمر الله جل وعلا في هذه المسألة هذا عبادة؛ لذلك له أجر واحد، والمصيب له أجران أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، فما ساغ فيه الاجتهاد وهو ما لم يأت النص به أو كان النص محتملا، النص نعني به الدليل، ليس النص عند الأصوليين؛ لأن النص ليس محتملا وإنما النص بمعنى الدليل، إذا كان الدليل محتملا الدليل من الكتاب والنية محتملا فاجتهد المجتهد في أني كون في فهمه للدليل، هذا فيه سعة.
لهذا نعذر الأئمة في اختلافهم قد ألّف ابن تيمية رحمه الله كتابا سماه رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وعلماء المذاهب في وقته رضوا هذا الكتاب منه أو هذه الرسالة لثنائه فيها وعذره للعلماء الذين اختلفوا في المسائل الفقهية.(1/27)
إذا تقرر ذلك فمسائل العقيدة؛ الإيمان، التوحيد، العقائد بعامة، هذه ليست المسألة نص واحد دليل واحد إنما في كل مسألة فيها أدلة متكاثرة، إما عامة أو خاصة، إما إجمالية أو تفصيلية، لهذا لا مجال للاجتهاد في مسائل الغيبيات البتة، ولا مجال للاجتهاد في أمور العقائد والتوحيد؛ لأن هذه النصوص فيها كثيرة والاجتهاد أو الرأي معناه مخالفة الدليل من الكتاب والسنة؛ لأنه ليس في المسألة دليل واحد، نقول: هذا نزع فيه إلى كذا وهذا نزع إلى كذا. ثم ينزل هذه المسائل على فهم الصحابة، ونحن نعلم قطعيا أن الصحابة رضوان الله عليهم ما اختلفوا في مسائل العقيدة التوحيد وإنما اتفقوا على ذلك، وما ينقل أنهم اختلفوا في مسألة أو مسألتين في كل مسألة لها تخريجها عند المحققين من أهل العلم، ونقصد بها المسائل الأصلية، أما الوسائل فقد يكون فيها اجتهادات أو بعض تطبيقات السنن كفعل ابن عمر في مسائل وابن عباس في بعض المسائل المعروفة التي هي ليست من التوحيد والعقيدة وإنما من المتممات أو من الوسائل.
كذلك المسائل الفقهية سماها بعض أهل العلم الفروع.
وتقسيم الشريعة يعني الدين إلى أصول وفروع يكون صوابا باعتبار ويكون خطأ باعتبار:
فيكون صوابا إذا التقسيم فنيا بأن يكون الأصول ما عليه المعتمد والرجوع من المسائل العقدية والعملية يعني المسائل الكبار العامة، العقيدة كلها أصول وكذلك المسائل العملية الكبار المجمع عليها تكون أصولا، وتكون المسائل الأخرى باعتبار أنها فروع للأصول كتقسيم، حتى يفرق بين مسألة العقيدة ومسائل الأحكام.
إذا كان هذا المراد فهذا تقسيم لا بأس به، ولهذا ألف عدد من علماء السنة واتباع المذاهب ألفوا كتبا أسموها الفروع، الفروع لابن مفلح وغيره يريدون منها الأحكام الفقهية.(1/28)
التقسيم الثاني أن تقسم إلى أصول وفروع، ويقال فيها: الأصول يكفر المخالف فيها والفروع لا يكفر المخالف فيها، وهذا باطل؛ لأن الفروع مقسمة إلى ما يكفر المخالف فيها أيضا وإلى ما لا يكفر وهذا تقسيم للمعتزلة.
أو يقال الأصول قطعية والفروع ظنية، وهذا أيضا ليس بصحيح، أخذوا منه أن الأحاديث أحاديث لا تثبت بها الأصول والعقائد، وهذا باطل، إلى غير ذلك من المذاهب.
لهذا تجد في كلام بعض الأئمة إنكار لهذا التقسيم، وأن التقسيم الدين إلى أصول وفروع باطل وهذا ليس علا إطلاقه، كما ذكرت لك يقر هذا التقسيم باعتبار ولا يقر باعتبار آخر.
فتحصّل لك من الجواب أنّ كل خلاف في العقيدة عمّا كان عليه السلف الصالح الذين قالوا بأقوالٍ متابعة للنصوص فهو افتراق في الدين وخطأ واختلاف لا يعذر أصحابه به تعد على الشريعة.
وأن الاختلاف في الفروع التي يسع فيها الاجتهاد هذا لا باس به والمجتهد ـأر إذا اجتهد فيما يسوغ فيه الاجتهاد.
س2/ كيف يمكن لطالب العلم أن يتوصل إلى قضية ما أنها من منهج السلف مع تشعب الأقوال وكثرتها؟
ج/ الجواب أنّ منهج السلف يعرف بكتب السلف، وهذه المسألة في تأصيلها واضحة، فهناك أصول عامة وقواعد عظيمة قررها أهل السنة والجماعة في كتبهم من أئمة الإسلام كسفيان والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وسائر الأئمة فيما دوّنوه في كتبهم، نقلوا عن الصحابة فهمهم للدين، ونقلوا عن التابعين فهمهم للدين، ودوّنوا ذلك على ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، فتفهم وتأخذ منهج السلف الصالح من كتب أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح أهل الحديث والأثر هذه فيها صفاء العقيدة وصفاء المشرب واعتمادهم على أمور واضحة لا لبس فيها يعني من حيث الاستدلال، وهذا من حيث الإطار العام.
أما تفصيلات منهج السلف، فهذه مسألة ألناس فيها طرفان ووسط كما يقال في غيرها من المسائل:(1/29)
منهم من يغلو ويجعل منهج السلف محددا في كل قضية، هذا غير صحيح، فإن السلف في بعض المسائل اختلفوا في تنزيل بعض الأمور على الواقع.
ومنهم من يجفو ويقول منهج السلف مضطرب فخُذ أنت أصلا من الكتاب والسنة أو خذ ما تجتهد فيه كما هو حال طوائف، وهذا لاشك أنه جفاء؛ لأن الواجب اتباع النصوص على هدي ونهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.
والوسط أن المسائل المختلف فيها هل هي من منهج السلف أم ليست من منهج السلف؟ يجب ردها إلى أهل العلم الراسخين في العلم لأنها تكون من النوازل التي تحتاج إلى تحقيق مناط فيها، والله جل وعلا أمر عباده أن يرجعوا إلى أهل العلم فقال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(1) فإن كنت لا تعلم فاسأل أهل الذكر.
ومنهج السف كما ذكرت لك قد تجد منه مسائل مشكلة وهي في الموافق في الحكم بالتعامل وهذا راجع إلى ما ذكرته لكم آنفا في المحاضرة التي قبل هذه، من أن كلام السلف قام على بساط حال عاشوه، والفقيه لابد أن ينزل منهجهم على بساط حالهم، فإذا نزل منهجهم على غير بساط حالهم فإنه لا يفقه منهج السلف تجد أن بعض الأئمة له كلام اجتهد فيه ربما يعارض بعض كلام السلف؛ لكن في الحقيقة يتفق معهم، فالناظر يقول هذا الكلام مثلا لابن تيمية أو بعض علماء أو نحو ذلك يخالف طريقة السلف يخالف منهج السلف، وفي الواقع إذا تأمله الفقيه الراسخ في العلم بجد أن هذا وهذا يسير أو يخرج من مشكاة واحدة؛ لأن السلف في بعض المسائل اجتهدوا واختلفوا فيها، وفي بعض المسائل يصير الصواب مع أحد الفريقين على الآخر في وبعضها تكون المسألة مورد الاجتهاد.
أما في منهج العقيدة ولله الحمد والمنهج العام التأصيل العام لم يختلفوا في ذلك، والمسألة مهمة وإذا جُهل شيء ولابد أن يرجع فيه الشباب إلى أهل العلم الراسخين فيه حتى يأتلف الناس وتجتمع الكلمة ولا يتفرق أهل الملة الواحدة.
__________
(1) النحل:43، الأنبياء:7.(1/30)
س/ ما الفرق بين العلم والمعرفة ؟
ج/ العلم والمعرفة هذه التفريق تقرأها في شروح الكتب والحواشي في التفسير أيضا.
العلم والمعرفة ليس بمترادفين؛ لأن على التحقيق في اللغة لا ترادف في اللغة العربية البتة؛ بل تختلف الألفاظ أصل المعنى يزيد لفظ على لفظ في بعض المعنى الذي دل عليه اللفظ.
المعرفة والعلم لفظان يجتمعان في إدراك المعلوم.
ويفترقان في أن العلم قد لا يسبقه جهل، والمعرفة قد يسبقها جهل، ولهذا أُطلق العلم في صفات الله جل وعلا ولم تُطلق المعرفة. هذا من جهة.
والجهة الثانية في التفريق أن العلم والمعرفة يتواردان في أن كل منهما أُدرك به الشيء بطريقة من طرق الإدراك، يتواردان يتفقان لأن يدرك بهما الشيء بطريقة من طرق الإدراك، قد يدرك بالحواس قد يدرك الكتابة قد يدرك بالتعلم إلى آخره فهذا وهذا يشتركان أن وسيلة إدراك العلم ووسيلة إدراك المعرفة واحدة، وأقول هذا تبعا لما قال أهل العلم بذلك؛ لأن المناط يشمل الفلاسفة يسمون إدراك المعلومات بنظرية المعرفة، نظرية المعرفة هذه عندهم يعني تلقي المعلومات {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل:78] الآية.
الفرق الثالث بينهما أو الناحية الثالثة التي يعرف فيها إلى العلم والمعرفة أن العلم في القرآن محمود، وأما المعرفة فإنما وُصف بها أهل الإنكار، وُصف بها اليهود، وصف بها أهل الكتاب، وصف بها أهل الكفر والإشراك فقال جل وعلا {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ}(1) وقال سبحانه وتعالى {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا}[النحل:83]، فجاءت لفظ المعرفة بالكتاب مذمومة إذ نُسبت المعرفة لحال مذمومين، فكأن المعرفة في القرآن علم أُنكر؛ أُدرك ثم أنكر، فعرف ثم أنكر، لهذا قال {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} وأما العلم فهو محمود في القرآن.
__________
(1) البقرة: 146، الأنعام:20.(1/31)
في السنة جاءت المعرفة في بعض الأحاديث بلفظ عرف في نحو قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في حديث معاذ الذي ذكرناه «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة لأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم عرفوا ذلك» في مسلم الحديث فهنا قال «فإن هم عرفوا ذلك أدركوا ذلك» لهذا قلنا الفروق قد يسبقها أن المعرفة قد يسبقها جهل والعلم قد لا يسبقه جهل .
على العموم التفريق هذا يطول الكلام عليه، هذه تأخذها من الشروح المطولة.
س/ ما دورنا تجاه الاختلاف في الكتاب والسنة؟
كيف نجمع بين حديثين «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، والحديث الثاني «تركتم في كم شيئان لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
ج/ الجواب: أن الحديثين واحد (عليكم بسني) سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بيان للقرآن، فالله جل وعلا هو الدال والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هو الدليل ونحن المدلولون.
فدلنا الله جل وعلا عليه، والدليل هو النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، والمدلول نحن، فالسنة والقرآن واحد، فعليكم بسنتي يعني عليكم بكتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن السنة بيان للقرآن.
أما قوله ما دورنا تجاه الاختلاف في الكتاب والسنة؟
دورك الاعتصام بالكتاب والسنة والتعلق بأهل العلم وسؤالهم عما يشكل.
س/ كيف نرد نصوص الكتاب والسنة الواردة في الاعتصام على الخرافيين والمعطلة وغيرهم؟
ج/ الجواب أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة في مسائل التوحيد توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات كثيرة جدا وصنفت كتب التوحد والعقائد في بيان ذلك.(1/32)
وبيان النصوص عند المحاجة مع المخالف ينبغي أن يكون بالتي هي أحسن إذا لم يكن المخالف ظالما، قد قال جل وعلا {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكبوت:46]، وأنا أذكر شيئا ينفعكم في الحجاج بعامة وهو أنه كلما كنت حين المحاجة:
? مستمسكا بدلالة النص واحد.
? غير غضوب رافع للصوت.
فمعك الحق ستكون العاقبة معك.
استمسك بدلالة النص فلن يستطيع يغلب؛ لأن كلام الله جل وعلا وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلو ولا يعلى عليه لا تدخل برأيك لا تدخل بشيء تفهمه بشيء قاله بعض أهل العلم.
استمسك بدلالة النص فهنا إذا رجعت في المحاجة إلى شيء يقر الجميع لنه حجة فإن الحجة ستكون معك.
يأتي الخلاف في أنك تقدم أحيانا قول عالم على الدليل تقول الإمام الفلاني قال كذا، الخصم أو المجادل هو يقتنع بإمامته، فأنت الآن تقيم حجة بما ليس بحجة، وتستدل عليه بما ليس بدليل.
فإذن أول درجات المجادلة النافعة التي يكون أهلها معهم النصرة إن شاء الله أن يستدل بالدليل بلفظه لا يخرج عن لفظ الدليل، الدليل دلّ، لا يخرج لو حاول أن يخرجك فلا تخرج، النص دل كذا ارجع إليه، النص دل كذا، ألم يقل اله جل وعلا كذا، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كذا، فارجع إليه ولا يستخفنك يذهبك عن ميدان النقاش إلى ميدان آخر، فتتركون أصل المسألة وتذهبون إلى مسائل أخر ثم تكون المسألة ليست محاجة ومجادلة بالتي هي أحسن.
المسألة الثانية في المجادلة أن لا تغضب مهما كان المجادل، النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ جادله المشركون في عبادة الأصنام وقالوا: نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة. وسبوه ووضعوا سلا الجزور عليه، ومع ذلك كان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لا ينطق إلا بحق، وهنا يأتي صاحب الحق ويجني على الدعوة إذا انتصر لنفسه، أو إذا لم يصبر والمجادلة لا تصلح لكل أحد.(1/33)
فأنت استرشد دائما بأنك رءوف رحيم بمن تجادله، تريد أن تهديه ولو كان عنده شبهات عظيمة، فأهل الكتاب قال الله جل وعلا لنا في حقهم وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكبوت:46]؛ لأن الله سبحانه وتعالى أذن لنا بالجهر بالسوء من القول لمن ظُلم قال {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}[النساء:148]، مع أن ترك الجهر بالسوء بالقول أفضل.
الهدوء وقت النقاش تصيد الفرصة عليه العقلية التي تجعله كلامه متناقضا، تقول أنت الآن تناقضت، وهذا مما يضعف الخصم كثيرا ويجعله غير متهيئا للاستمرار، وهذا جربته عدة مرات بهذين الأمرين ووجدته نافعا ولله الحمد.
أولا الاستمساك بدلالة النص. واحد.
الثاني الهدوء جدا دائما اجعلك هادئ، لا تغضب رفع الصوت هذا في المجادلة انسحب منه؛ لأنه ربما تتهم أو يتهم الحق الذي معك من نصرة الكتاب والسنة بأنه لولا الضعف لما رفعت صوتك، القوي يتمكن يدلي بالحجة ويقول بها.
ولهذا قيل للإمام مالك رحمه الله: الرجل تكون عنده السنة أيجادل عليها؟ قال: لا، ينطق بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت.
والله جل وعلا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
س/ هذا سائل يقول نرجو أن تذكر لنا بعض كتبكم المطبوعة؟
ج/ هذا لا يحسن مثل هذا السؤال؛ ولكن بما أنه ولله الحمد أكثر الكتب التي نطبعها وقف لله جل وعلا، وليس لنا من نصيبها أو من مؤلفها شيء بل كل الكتب ولله الحمد سنذكرها من باب التعاون على البر والتقوى والدلالة.
الكتب المطبوعة:
أولها كتاب هذه مفاهيمنا.
والثاني كتاب المعيار.
والثالث المنظار.
والرابع الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن.
والخامس والأخير التكميل لما فات تخرجه من إرواء الغليل.
هناك إن شاء الله عدد من الكتب التي ستأتي.(1/34)
نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا أعمالنا الصالحة وأن يعفو عنا زللنا وخطلنا وأن يثيبكم خيرا على هذا الجلوس والاستماع وأن يجعله في موازين أعمالكم وأن يرفعكم به يوم لقاء ربكم.
وأختم دعواي بسؤال الملك العلام جل وعلا أن يميتنا على الفطرة والإسلام، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدينا، اللهم نسألك أن لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، اللهم نور بصائرنا ودلنا على الرشد والسداد، نعوذ بك من الشبهات، ونعوذ بك من تأثير الشهوات ونستغفر اللهم، ربنا تجعلنا من عبادك الذين إذا أذنبوا استغفروا، اللهم إنا ضعفاء فارحمنا، وإنا مكسورون فاجبرنا، اللهم أنت الرحيم الذي وسعت رحمتك كل شيء فلا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا وأصلح ذرارينا وأحبابنا واجعلنا جميعا على ما تحب وترضى.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
(((((
أعدّ هذه المادّة: سالم الجزائري(1/35)