- - - - - - - - - - -
الإيمان وأثره في حياة المسلم
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[شريط مفرّغ](
- - - - - - - - - - - -
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، أحمد ربي خير حمد وأوفاه على ما أولانا إياه من النعم الظاهرة والباطنة، وأعظمها وأجلها نعمة إنزال القرآن وبعثة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
الحمد له كثيرا كما أنعم كثيرا، ونسأله جل وعلا المزيد من فضله ونعمه والثبات على دينه ونصرة الحق والدعوة إليه، إنه سبحانه جواد كريم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر وهذه الثلاث -كما قال إمام هذه الدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب- هذه الثلاث عنوان السعادة. من إذا أعطي شكر باعتقاده وقلبه وبلسانه وبعمله، ومن إذا ابتلي صبر؛ صبر على مصائب الله وصبر على البلاء ومن إذا أذنب استغفر وكلنا لا يخلو من ذنب، فهذه الثلاث عنوان السعادة لدلالة على إيمان صاحبها وأنه منيب إلى ربه قريب منه جل جلاله وتقدست أسماؤه.(1/1)
ثم إني أشكر لأخي الكريم إمام المسجد ولجماعة من أعيان جماعة هذا المسجد، دعوني إلى هذه المحاضرة الكلمة في هذا الموضوع المهم، فأسأله جل وعلا أن يجزيهم خيرا حيث أعانوني وإياكم على الخير، والدعوة إلى الله جل وعلا يسعى بها الصغير والكبير، فكل له أجره بحسب عمله، والله سبحانه يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة كما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة من صنعه يحتسبه، ومن برى نبله، والذي رماه في سبيل الله» فكل هؤلاء يدخلون الجنة والله جل وعلا يقول {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2].
فأسأله سبحانه للجميع الثواب ممن أعان أو حضر أو استمع أو رغب في الخير وأن يجعل ذلك في موازين أعمال الجميع وأن يبارك لنا في قليل أعمالنا.
موضوع هذه المحاضرة:
الإيمان وأثره في حياة المسلم(1/2)
الإيمان هو الدين، وربنا جل جلاله في كتابه ذكر الإيمان في مواضع كثيرة جدا من جهة تعريفه كقوله جل وعلا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}[البقرة:285]؛ وكقوله جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء:136]، ومن جهة أنه منّ الله جل وعلا به على رسوله محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الذي خليله المصطفى ونبيه المجتبى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فقال سبحانه لنبيه {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا}[الشورى:52]، فالكتاب نور في قلوب أهله وكذلك الإيمان نور في قلوب أهله، وكذلك الله جل وعلا في كتابه الإيمان تعريفا بجزاء أهله في الدنيا قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم:96]، وكذلك جزاء أهله في الآخرة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[العنكبوت:7] وكقوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:58-59].(1/3)
فالإيمان والقرآن دلالة أحدهما على الآخر متلازمة؛ فالقرآن فيه الإيمان ولا إيمان إلا بالقرآن.
لهذا مصدر أخذ الإيمان والتعرف ما به المؤمن وأثر الإيمان في حياة المؤمن الفرد وفي حياة المجتمع، هذا إنما يؤخذ من النص من الكتاب ومن السنة؛ لأنهما المصدر الذي لا يلتبس معه من طلب الحق.
الإيمان من الدين؛ لأن الدين -دين الإسلام- جعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة مراتب؛ فجاءه جبريل عليه السلام في صورة رجل لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد؛ يعني لا يرى عليه أثر السفر يقال قدم من بعيد، ولا يعرفه أحد من أهل المدينة فيقال هو من أهل المدينة، وكان كثيرا ما يأتي في صورة دحية الكلبي يعني جبريل عليه السلام، فجاءه يسأل النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فقال له «يا رسول الله؛ اَخْبِرْنِي عَنِ الإسلام» فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - «الإِسْلاَمُ أنْ تَشْهَدَ أَن لا إلَهَ إلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَدًا رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ بَيْتَ الله الحرام»، قال «صَدَقْتَ». قال عمر فعجبنا له: يسأله ويُصَدِّقُه! قال «فأخبرني عن الإيمان؟»، قال«أنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُِلهِ وَاليَوْمِ الآخِر، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ»، قال: صدقت. قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإحسان؟، قال «أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهْ فَإِِنَّهُ يَرَاكْ».(1/4)
إلى آخر الحديث، في آخره قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «هَذَا جِبْرِيلُ, أَتَاكُمُ يُعَلِمُكُمْ ِدينَكُمْ» فدل هذا على أنّ الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان، لهذا كان من الأصول الثلاثة التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمها كان منها معرفة العبد دينه؛ لأن الأصول الثلاثة معرفة العبد ربه، معرفة العبد دينه، معرفة العبد نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، والدين يشمل هذه الثلاث مراتب التي منها الإيمان.
إذا تبين ذلك، فما الفرق ما بين الإسلام والإيمان؟
الإسلام والإيمان -كما رأيت في الحديث- أن الإسلام عُلق بالعمل الظاهر، والإيمان علق بالإيمان والتصديق الباطن، لهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «الإسلام علانية والإيمان في القلب»؛ يعني أن الإسلام يدل عليه الأعمال الظاهرة، وأما حقيقة الإيمان فيدل عليها تصديق القلب، وفي الأصل أنه لا إسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإيمان، وكما أنه المسلم لا يسمى مسلما حتى يصدق بالله جل وعلا ويوحد ويؤمن بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى، وكذلك الإيمان وهو التصديق لأركان الإيمان الستة التي ستأتي لا يكون المرء مؤمنا حتى يكون معه قدر من الإسلام يصح معه إيمانه، وهو الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله باتفاق أهل العلم، والإتيان بركن الصلاة في قول جمهور أهل العلم.(1/5)
إذا كان كذلك فإن حقيقة الإيمان هي الإيمان بأركان الإيمان الستة التي جاءت في هذا الحديث: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وهذه الأركان الستة جاءت في القرآن في آيات كثيرة منها الآيات التي ذكرتها لكم كقوله {كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}[البقرة:285] وكقوله في القدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[القمر:49] وقال { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }[الفرقان:2]، فالإيمان في هذه الأركان الستة لا يستقيم إسلام أحد حتى يؤمن بالله، حتى يؤمن بالملائكة، حتى يؤمن بالرسل، حتى يؤمن باليوم الآخر، حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
فما معنى الإيمان بهذه الأشياء، حتى نعرف أثر الإيمان على حياة المسلم وعلى حياة المجتمع المسلم، ما معنى الإيمان بهذه الأركان السّتة، الإيمان بالله الذي هو أعظمها هو التصديق الجازم الذي لا ريب معه ويتبعه: عمل فيما فيه عمل، ونطق فيما فيه نطق؛ بأن الله جل وعلا واحد في ربوبيته، واحد في إلهيته، واحد في أسمائه وصفاته.
واحد في ربوبيته يعني أنه سبحانه رب هذا الملكوت على عظمه لا يصرفه ولا يدبره إلا هو سبحانه جل جلاله، وإلا من أمره سبحانه بذلك يعني من الملائكة.(1/6)
فالله جل وعلا واحد في ربوبيته؛ يعني أنه لا شريك له في تدبير هذا الملكوت، وهذا التوحيد الذي هو توحيد الربوبية -الإيمان بربوبية بالله جل وعلا وهو أنه هو وحده يدبر الأمر- هذا أمر مرفوض في فطر أعظم الخلق؛ بل مرفوض في فطر جميع الخلق، ولهذا احتج به نبينا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على المشركين لما أنكروا توحيد الإلهية وعبادة الله وحده جل وعلا، قال له سبحانه وتعالى -يعني لنبيه- {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}[يونس:31]، هذه أمور من الربوبية يعني من الذي يدبر من الذي يحيي؟ من الذي يميت؟ من الذي يتصرف في هذا الملكوت؟ قال المشركون الله {فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ} فالحظ الفاء هنا ترتيبية التي تُرَتِّب القول على جوابهم {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}؛ يعني أتعتقدون هذا الاعتقاد بأن الله هو الذي يدبر وحده، فلا تتقون الشرك بالله جل وعلا، فلا تتقون عبادة غير الله سبحانه وتعالى، فلا تتقون فتصدقون بما جاء به محمد الذي هو مرسل من عند الله جل جلاله، {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس:31-32].(1/7)
الإيمان بالله جل وعلا أول مراتبه الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى، الإيمان بأنه هو مالك الملك، هو الذي يصرف القلوب، هو الذي يحيي، هو الذي يميت، هو الذي يشفي الأمراض، هو الذي يعطي من يشاء ويفتح رحمته على من يشاء بلا حساب {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}[فاطر:2]، هو الذي يمسّ بالضر ويمسّ بالخير {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}[الأنعام:17]، وقال جل وعلا في الآية الأخرى {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}[يونس:107]، هذا الاعتقاد وهذا الإيمان بربوبية الله جل وعلا الاعتقاد الحق وأنه سبحانه هو الذي يملك أرزاق العباد وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي يصرف السموات ويصرف الأراضين ويصرف قلوب العباد، هذا إذا قام في قلب المؤمن يقينا، وكلّما قوي في قلب العبد كلما كان توكّله على الله جل وعلا أعظم، وكان رغبه في الله جل وعلا أعظم، لهذا يؤتى العبد إذا نظر إلى الدنيا ورَكَن إلى أسباب الدنيا وركن إلى الخلق، يؤتى من قبل فعله، والله جل وعلا يسلب العبد توفيقه ويسلب إعانته إذا التفت إلى غيره، وخاصة إذا كان يعرف ربه جل وعلا.(1/8)
ولهذا الإيمان بالربوبية بهذه المعاني تجعل العبد يعتمد على الله جل وعلا وحده، تجعله في داخله يعلم أنّ الله سبحانه وتعالى هو وليّه وهو ناصره وهو الذي ييسر أمره، فإذا احتاج إلى عبد من العباد في أمر في علاج أو في واسطة أو في أي أمر من الأمور يحتاج إليه ظاهرا؛ لكن قلبه متوكّل على الله، قلبه مطمئن بالله، فهذا الفرق ما بين شخص وشخص، ما بين إنسان وإنسان؛ في فعل الأسباب الظاهرة، هذا يفعل السب وهذا يفعل السب؛ ولكن يفعل السبب مع الركون إليه ومع النظر إليه وأنه رأى أنه فعل كقول الذي قال {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا}[القصص:78]، وآخر؛ إنسان آخر مؤمن بالله جل وعلا يعلم أنه مطلوب منه أن يفعل الأسباب؛ لكن قلبه متعلّق بمسبب الأسباب، بالذي يجعل السبب نافعا، بالذي يعطف قلوب الخلق بالذي يعطف قلوب الخلق على فلان أو يجعل يده صائبة.
فهذا الطبيب مثلا الطبيب عاجز في نفسه على أن يملك لنفه نفعا أو ضرا.
قل للطبيب تخطّفته يد الرّدى يا شافي الأمراض من أرداك
إذا نظر إلى فعله فإن هذا سبب من الأسباب؛ لكن من الذي ييسر للطبيب الفهم؟ من الذي يقوي تركيزه: من الذي يسببه؟ رب العالمين؛ لهذا عظم التوكل على الله جل وعلا وتصويب الأمر إليه بعد فعل السبب هو حقيقة الإيمان بتوحيد الربوبية؛ حقيقة الإيمان بأن الله واحد في تصرفه في ملكوته، {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}[يونس:107]، يقول علماء البلاغة والنحو، هذا حصر {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}؛ يعني لا أحد يكشف.
فإذن ما فِعل الناس؟ هذا فعل الأسباب.(1/9)
كذلك احتجت من أحد شيء من الذي يصرف قلبه؟ يُحدث عنده القناعة في عقله أن ييسر لك أمرك، أن يتبنى هذا الموضوع، أن يفعل؟ إنما هو رب العالمين، إن شاء فتح وإن شاء أمسك {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}[فاطر:2].
الإيمان بهذا التوحيد بأن الله واحد في ربوبيته، معه راحة العبد، فلو كادته السماوات والأرض جعل الله له من بينها مخرجا، قال جل وعلا {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[فصلت:17-18]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}[فصلت:30].
إذن هذا الإيمان هذا أثر؛ الإيمان بربوبية الله جل وعلا، لكن هنا السؤال وهو لأن العبد المؤمن يعلم أن الله جل وعلا أنه هو ربه؛ لكن كثير منا ما يحس بأثر هذا الإيمان أو ما يحس بقوة هذا الإيمان ويقين العبد منه.
فيقول: أنا أريد أن أكون قويا في إيماني، في معرفتي لأفراد ربوبية الله جل وعلا، فكيف يكون ذلك ما السبيل إلى تقوية الإيمان؟
السبيل التفكر وخاصة في هذا الزمن، ولأن الدنيا بملذاتها بمالها بجاهها بالانشغال اليومي من الصباح إلى أن ينام العبد في أمور كثيرة، تفقد العبد أن يتأمل وأن يتدبر في تصرّفات الرب جل وعلا وتدبيره لهذا الملكوت وعجائب خلقه وبديع صنعه، فما السبيل إلى تقوية الإيمان بربوبية الله جل وعلا؟ أن تتفكر، والله سبحانه أمر عباده بالتفكر وهذه عبادة عظيمة.
قالت أم الدرداء عن أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عنْهُ قالت: كانت أكثر عبادة أبي الدرداء التفكر.(1/10)
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قالت عائشة في الحديث بدء الوحي المعروف في أول البخاري وغيره قالت: أوّل بدئ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحي الرؤية الصالحة، فكان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه التحنّث وهو التعبد الليالي ذوات العدد، حتى فجأه الملك إلى آخر الحديث.
حبب إليه التحنث والتعبد، ليس معناه أنه ظل طول الأيام والليالي التي يمكث فيها في غار حراء عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يمكث صائما أو راكعا أو ساجدا، ما بعد فرضت الصلوات وما كان أتاه وحي بذلك عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ لكن كان يتأمل في ملكوت الله جل وعلا، وينظر إلى عظم حق الله جل وعلا، إذا كان الله سبحانه هو المتفرد بهذا الملكوت هذا عليه الأثر على النفس والقلب بقوة اليقين بالله جل وعلا.
فإذن مما يعظم به اليقين أن تتفكر، الناس تركوا التفكر؛ لأن المدينة أنوار وصخب وذهاب ومجيء؛ لكن التفكر عبادة عظيمة، بم يتفكر؟ أولا يتفكر في خلق السموات والأرض، قال سبحانه في وصف خاصة عباده {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:191]، ينظر المرء إلى السماء، هل هذا صنعها سهل خلقها سهل؟ ينظر إلى الأرض مما فيها من العجائب هل هذا سهل؟ سحاب مسخر بين السماء والأرض، تقسيم الأرزاق، هذا الجمال في هذا الملكوت هل هو سهل؟ إنما يعجب منه المتفكرون.
ولهذا بعض الناس ينتبه إلى شيء من الأشياء مما يراه، قد لا يتفكر في الملكوت، قد ما تفكر في السماء؛ لكن يعجبه الجمال، يعجبه مظاهر الجمال، الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال وخلق الجمال؛ لأنه هو جميل، فكل جمال يراه العبد هو من آثار جماله سبحانه تعالى في ذاته وفي أسمائه وصفاته وفي أفعاله، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
.........................(1/11)
فجمال سائر هذه الأكوان
من بعض آثار الجميل فربها أولى وأجدر عند ذي العرفان
العاقل يعلم أنه هذا الجمال الذي تراه في الخلق، في المناظر الطبيعية، فيما تراه، في تنوع ما في البحر، في تنوع الطير، هذا الجمال الذي تراه وهذا التناثر الذي تنافس المتنافسون أن يقربوا من الطبيعة -كما يقولون في علم الجمال-؛ لكن أنى لهم ذلك، هذا أنه صنع الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.
هذا يفتح لك باب التفكر في أن الله سبحانه هو الأحق بذلك، فيعظم في العبد الإيمان الحق بربوبية الله سبحانه وتعالى.
إذن فسبيل تقوية الإيمان بتوحيد الربوبية الإيمانبربوبية الله سبحانه وتعالى وتصرفه في هذا الملكوت أن تتأمل، والله جل وعلا قال قل {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}[يونس:101]، {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}[يوسف:105-106].
فإذن التأمل في الآيات، التأمل في خلق الله جل وعلا يحدث بيقين أن الله سبحانه وتعالى هو المدبر وحده. وإذا كان كذبك فإن العبد لا يكون في قلبه إلا الرب جل جلاله، ويتعامل تعاملا ظاهريا في الدنيا؛ لكن في قلبه ربه سبحانه وتعالى ينطق بكلماته ويفعل له جل وعلا ويتوجه إليه ولا يرضى إلا بمتابعة أمره جل جلاله، وهذا ُيحدث للعبد الأنس بالله جل وجلاله والتلذذ بطاعة الرب سبحانه وتعالى.
هذا القسم الأول من الإيمان.(1/12)
الإيمان بالله الذي هو الركن الأول من أركان الإيمان: إيمان بأن الله حل وعلا واحد في ألوهيته؛ يعني واحد في استحقاقه العبادة، فلا أحد يستحق العبادة إلا هو جل وعلا، فعبادة غير الله باطلة؛ لأنه ما عبد غير الله إلا بالظلم وابغي والطغيان من العباد، لم يعبد أحد من دون الله بحق، لهذا قال سبحانه تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[لقمان:30]، وفي الآية الأخرى قال {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:62]، ما معنى ذلك؟ معناه أن لا نعبد إلا الله جل وعلا.
فيكون إذن التوجه بأي مخلوق سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا أو جنيا أو صالحا أو طالحا أو شجرا أو حجرا توجه له بالعبادة سواء، ما فيه فرق بين أن يعبد الإنسان ملك أو يعبد حجر؛ لأن المقصود هو عبادة الله وحده، الملَك والنبي والحجر من جهة صرف العبادة له، من صرف العبادة لغير الله جل وعلا من ملك أو نبي أو ولي أو شجر أو حجر فه مشرك لم يوحد الله جل وعلا توحيد العبادة.(1/13)
فإذن من عبد غير الله؛ توجه إلى الجن بالذبح والاستجارة والاستعاذة، مثل ما قد يحصل عند بعض الناس أنهم إذا أرادوا أن ينزلوا منزلا يأتي أمام البيت يذبح يريق الدم لماذا؟ خوفا من الجن، أو يأتي إذا صبوا عتبة الباب أو صب القواعد أتاه مقاول وقال اذبحوا عليها، هذه شرك إلى الله جل وعلا لأنهها تقرب إلى الجن لأن لا يؤذوا صاحب هذا البيت ولا يصيب هذا البيت ضرر، هذا من اعتقادات أهل الجاهلية، عبادة غير الله عبادة الأموات التوجه للأولياء في قبورهم بالدعاء يدعونهم من دون الله أو يستغيثون به أو يستشفعون بهم، كل هذا من أصنف الإشراك ومن فعله لم يؤمن بالله جل وعلا في ألوهيته؛ لأنه معنى الإيمان بالألوهية أن يعتقد العبد أنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله وحده دونما سواه، قال جل وعلا {قَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:59]، ونبينا محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال لقومه قولوا لا إله إلا الله، وقال لهم كما في أول سورة هود {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ}[هود:2]، عبادة الله وحده، هذا من أجله بعثت الرسل، هذا أعظم الأمر؛ لكن كيف يعبد الله جل وعلا وحده من كان يعبد غيره؟ لا يمكن.
فإذن الإيمان ركنه الأول الإيمان بالله، الإيمان بالله لابد معه أن يكون العبد موحدا في إلهية الرب جل جلاله، وهذا يدلك على بطلان عبادة غيره سبحانه وتعالى.
لهذا ما معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) معناها لا معبود بحق إلا الله، كيف لا معبود بحق؟ يعني أن من عبد يعتقد العبد وينطق ويجحد ويعلن للناس أن من عبد غير الله فلم يعبده بحق إنما عبده بباطل، والله جل وعلا هو الحق وحده سبحانه وتعالى وأن يدعون من دونه هو الباطل.(1/14)
الإيمان بتوحيد الإلهية يجعل القلب لا يتوجه إلا إلى الله سبحانه وتعالى، عبادات القلب كثيرة، الرجاء؛ رجاء العبادة، محبة العبادة، الخوف خوف السر، الاستغاثة؛ الاستغاثة التي هي تعلق القلب، التوكل على الله جل وعلا وحده، هذه كلها عبادات لا تصلح إلا لله جل وعلا، كذلك العمل الظاهر مثل الدعاء ومثل الصلاة ومثل الطواف ومثل الذبح ومثال النذر هذه كلها لا تصلح إلا لله جل وعلا.
من كان في قلبه غير الله جل وعلا خُذل، من توجه إلى غير الله خذل في نفسه وفي مجتمعه، ولهذا ربنا جل وعلا جعل أعظم ما وصف به عباده المؤمنين إذا مكنهم في الأرض أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ فقال سبحانه {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]، أمروا بالمعروف ما هو أعلى المعروف؟ التوحيد، ونهوا عن المنكر ما أقبح المنكر وأرذل المنكر وأبشع المنكر؟ الشرك بالله جل وعلا، فمدح الله عباده أنهم مكنهم في الأرض فإنهم يأمرون بتوحيده وينهون عن الشرك به جل جلاله.
فإذن من مكنه الله في الأرض ولم يأمر بتوحيده ولم ينه عن الشرك به جل وعلا فإنه لم يؤمن بالله جل وعلا حقا، ولم يشكر الله جل وعلا على نعمة التمكين.(1/15)
الثالث من أركان الإيمان بالله: الإيمان بأن الله واحد في أسمائه وصفاته، واحد في أسمائه وصفاته يعني أن الله سبحانه لا مثل له ولا ند في أسمائه ولا في صفاته وفي أفعاله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]، هو سبحانه وتعالى الرب الذي له الاتصاف بكمال الربوبية، وهو جل وعلا الملك الذي له الاتصاف بكمال الملك، سمّى الله بعض عباده ملكا، وقال {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}[يوسف:43]، ونحو ذلك سمى الله جل وعلا في القرآن بعض عباده ملكا؛ لكن الملك ليس كالملك.
فإذن الله جل وعلا في اتصافه بالصفات وفي ما سمى به نفسه من الأسماء الحسنى هذا إيماننا بأنه لا ند له في ذلك ومثله ولا مشابه على وجه الكمال له جل وعلا في ذلك، لهذا قال العلماء: الإيمان بتوحيد السماء والصفات معناه أن نُثبت لله جل وعلا ما أثبت لنفسه من السماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، على قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
هنا تنتبه إلى أن الله جل وعلا قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثم قال {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، لماذا خصّ هذين الاسمين بالذكر السميع البصير بعد قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ لأن صفة السمع والبصر مشتركة بين أكثر المخلوقات بل بين كل المخلوقات الحية التي حياتها بالروح؛ لأن الحياة حياة المخلوقات قسمان:
منها ما حياتها بالنماء.
ومنها ما حياتها بالنفس بحلول النفس فيها.
السمع والبصر مشترك فإذن البعوضة لها سمع ولها بصر.
النملة لها سمع ولها بصر {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا}[النمل:18-19] لها إحساس لها سمع لها بصر.
كذلك الطير له سمع وبصر أكبر من النملة في الحجم.(1/16)
كذلك الذي أكبر في الحيوانات له سمع وله بصر.
الإنسان له سمع وله بصر.
لكن في هذه جميعا على اختلاف طبقاتها وأنواعها، هل السمع واحد؟ هل البصر واحد؟ ليس كذلك، فسمع الإنسان ليس كسمع الحيوان، بصر الإنسان ليس كبصر الحيوان، سمع البعوضة ليس كسمع الإنسان، وهكذا.
وإن اشتركوا في أصل الصفة في أصول وجود السمع في أصل وجود البصر لكن سعة الصفة وقوة الصفة السمع والبصر يختلف.
لهذا نبه الله جل وعلا على عدم مماثلة لأحد له جل جلاله بصفتي السمع والبصر؛ لأنه سبحانه هو السميع البصير، وكثير من مخلوقاته سميع بصير؛ لكن السمع ليس كالسمع والبصر ليس كالبصر.
فإذن إثباتنا للأسماء الحسنى والصفات العلى إثبات لها على ظاهرها بما دلّت عليه؛ لكن مع قطع الإدراك مع قطع الطمع في بإدراك الكيفيات ومع لليقين بأن الله سبحانه لا مماثل له جل جلاله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
هناك من تأول الصفات؛ يأتي للرحمة يقول: لا، الله جل وعلا ليس برحيم. كقول بعض أهل البدع من الأشاعرة وغيرهم والمعتزلة، يقول: لا، الله جل وعلا ما يطلق الرحمة. لماذا؟ قال الرحمة انكسار في القلب وضعف والله جل وعلا أعظم من أن يكون كذلك، لماذا عرفتم بأنها انكسار في القلب، عرفتموها بالنظر إلى المخلوق، فأضفتم إلى الله ما نظرتموه في المخلوق. وهذا باطل.
الرحمة صفة عامة، لك أن تقول الرحمة في الإنسان انكسارٌ في القلب وعطف، في الإنسان؛ لكن الله جل وعلا رحمته سبحانه وسعت كل شيء رحمته جل وعلا كما يليق بجلال ذاته وعظيم سلطان.
فإذن إثبات الصفات لله جل وعلا إثبات وجود، وإثبات معنى ونؤمن بها على قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
إذا تبين ذلك ما أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته على حياة العبد؟(1/17)
بعض الناس يعرض لهذه المسائل خاصة في بعض الدراسات الجامعية أو في المدارس يعرضون على أنها مباحث عقلية، أسماء وصفات ونثبت وننفي، وقال المؤولة. وهذا ليس بجيد.
الإيمان بالأسماء والصفات به يحصل في القلب العمل ويحصل في القلب اليقين وعلى اليقين ينتج العمل، به ينتج مراقبة الله سبحانه وتعالى، فمن آمن بأن الله جل وعلا في أسماء جلاله جل وعلا، هو سبحانه الجليل هو الملك هو مدبر الأمر هو الذي يجير ولا يجار عليه، من الأسماء والصفات، هو سبحانه وتعالى الجبار، هو القهار، هذه الأسماء لاشك أنه إذا آمن بها العبد ورأى أثرها في الملكوت بأحوال الناس، يعظم تعلقه بربه وتعظم ذلته لله جل وعلا.
كذلك أسماء الجمال أن الله سبحانه وتعالى هو الغفور هو الودود هو الرحيم هو الرؤوف هو الجميل سبحانه وتعالى هو النور ونحو ذلك من الأسماء والصفات جل وعلا، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[الشورى:26].
هذه الصفات صفات الجمال تبعث في قلب العبد محبة الرب جل وعلا والتحرك لفضله إذا أذنب العبد.(1/18)
ثم تأتي صفات أخر لله جل وعلا إذا أيقن لها العبد وآمن بها إيمانا حقا فإنه يعظم إجلاله لربه وتعظم مراقبته لله سبحانه وتعالى، صفات وأسماء المراقبة؛ أن الله سبحانه وتعالى هو الرقيب هو الحفيظ هو السميع هو البصير، من أثر هذه الصفات قال جل وعلا لعباده {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[يونس:61]، وقال جل وعلا في الآية الأخرى آية سورة النساء {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:107-110] حتى في مجادلتك عن من يختان نفسه لا تجادل ادع له بالهدى ادع له بالمغفرة لكن التبرير والمجادلات من عدم مراقبة الله جل وعلا، كيف بفعل المعصية، كيف بالمداومة عليها، العبد الصالح يعظم الزلل لا يتساهل بذنب من الذنوب.(1/19)
ولهذا قال طائفة من أهل العلم: لا تنظر إلى صغر المعصية؛ ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت، لا تقل هذا أمر سهل هذا بسيط إلى آخره، والشيطان يأتيك تدرجا شيئا فشيئا حتى يوقعك في الأمور الكبيرة، ناس تخلصوا شيئا فشيئا عن الصلاة يتأخرون يفوتون فرض إلى آخره، ثم بعد ذلك صاروا ما يصلون في المسجد، ثم صاروا يفوتون الصلاة عن الوقت إلى الوقت الآخر يجمع، ثم بعد ذلك يفوت إلى آخره، كذلك في المسائل التي هي مسائل المحرمات في المال، في مسائل في المحرمات بالنظر شيئا فشيئا يتساهل بالنظر، ثم يتساهل بالخلوة، ثم يتساهل بلين الكلام في الهاتف أو غيره، ثم يتساهل في اللقاء، ثم تقع المصائب.
لكن من راقب الله جل وعلا وعلم أنه سبحانه على قلب كل عبد وقوله وعند لسانه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[طه:18]، خاف.
إذن الإيمان له ثمرة عظيمة في حياتنا في حياة العبد في الاستقامة على دين الله والخوف منه جل وعلا والإقبال عليه سبحانه وتعالى.
ولهذا تأمل ذكر الصفات بعد الآيات، الآيات في القرآن، أكثر الآيات في القرآن يأتي بعدها ذكر أسماء لله جل وعلا وذكر صفات سبحانه وتعالى، مثلا في الآيات التي ذكرنا {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}[النساء:108]، وقال جل وعلا {إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58] قال جل وعلا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[المائدة:38].
مناسبة مجيء هذه الأسماء والصفات بعد موضوع الآية، هذا يحتاج منك إلى تأمل، وإذا تأملته وتدبرته فإنه يفتح على القلب أنواع من الأنس بالله واليقين والعمل الصالح.(1/20)
هذا ملخص لأركان الإيمان بالله جل وعلا الثلاثة إيمان بربوبيته سبحانه، إيمان بإلهيته، إيمان بأسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه.
الركن الثاني من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة؛ لأن أركان الإيمان الستة أن تؤمن بالله وملائكته.
الملائكة هنا لماذا جعلهم الله جل وعلا في الإيمان بعد الإيمان به؟ لأنهم الملأ الأعلى ولأنهم هم أهل السماوات الذين عمروها بالعبادة، قال جل وعلا في ذكر الملائكة { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206] وقال جل وعلا أيضا في وصف الملائكة {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50]، وقال جل وعلا {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[ص:67-69]؛ يعني الملائكة يختصمون في أفضل الأعمال، يختصمون في الكفارات إلى آخره.
الملائكة خلق من خلق الله، خلقهم من نور، صفاتهم مختلفة، حياتهم مختلفة، طبيعتهم مختلفة.
جاء في الحديث الصحيح أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «خلقت الملائكة من نور وخلقت الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم» رواه مسلم في الصحيح.
الإيمان بالملائكة ركن الإيمان، ما معناه أن يؤمن العبد بأن الله جل وعلا خلق خلقا جعلهم لعبادته في السماء هم الملائكة، هذا القدر هو الركن، يؤمن بالغيب يؤمن بوجود الملائكة.
فمن أنكر قال لا والله الملائكة لا أعرف هل هم موجودون أم ليسوا بموجودين؟ هذا كفر، إلا إذا كان لتوه أسلم ومثله يجهل فإنه يُعرّف بذلك.(1/21)
وهناك قدر زائد على ذلك وهو الإيمان التفصيلي بالملائكة وهو أن كل ملك أخبر الله جل وعلا عنه في القرآن أو أخبر عنه نبينا في السنة فإنه يجب في الإيمان به؛ لأن التصديق بالقرآن واجب، والغيب لا طريق إلى العلم به إلا من الله جل وعلا أو من رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
نُصّ القرآن على جبريل على ميكائيل ونُصّ على ملك الموت وفي السنة على إسرافيل ونص على عدد من الملائكة.
ملك الموت يسميه العامة عزرائيل، وهذه التسمية لم تثبت في السنة، وإنما هي من أخبار بني إسرائيل، والذي جاء في القرآن وفي السنة أنه ملك الموت.
هؤلاء الملائكة خلقهم الله جل وعلا لعبادته، وجعلهم مطهرين من الذنوب، ولم يُجر عليهم التكليف يسبحونه الليل والنهار لا يفترون، التسبيح في الملائكة مثل النفس عند بني آدم، الإنسان يمشي ويذهب ويجيء وهو يتنفس لا يقطعه العمل عن التنفس، الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون وهم في أعمالهم، أعمال الملائكة متنوعة.
جعل الله جل وعلا سادات الملائكة ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، وهؤلاء الثلاثة موكلون بثلاثة أمور عظيمة.
أما جبريل فوكله الله جل وعلا بالوحي.
قد يقول قائل: كيف تقول وكله الله، الله جل وعلا يوكل؟ هذا لأجل لقول الله جل وعلا {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[السجدة:11] فالملائكة موكلون بأفعال، موكلون لا لحاجة الموكِّل جل وعلا ولكن لتشريف الموكَّل بأن يعبد الله وأن يمتثل أمره جل وعلا.(1/22)
جبريل مناط به أن يسمع الوحي من الله جل وعلا فينزل به على من شاء من عباده من رسل الله جل وعلا وأنبيائه، فجبريل أمين الوحي، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ}[النحل:102]، روح القدس جبريل عليه السلام هو الذي ينزل بالوحي، {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}[الشعراء:192-193] يعني جبريل .
الثاني ميكائيل جعل الله جل وعلا له القطر وتوزيع الأمطار والسحاب ونحو ذلك وإنبات النبات، وميكائيل عليه السلام جعل الله جل وعلا له أن يمتثل أوامره وهو مسخر لأمر القطر والسحاب وأمر النبات بما شاء الله جل وعلا .
إسرافيل موكل بالنفخ في الصور إذا أراد جل وعلا ذلك ليصعق الناس ثم يبعثوا إلى يوم القيامة وقف العلماء عند هذا.
وقفة ما مناسبة أن هؤلاء الثلاثة جبرائيل ميكائيل إسرافيل يكونون سادات الملائكة أو هم رؤوس الملائكة؟ قالوا: لأن هذه الثلاث مهمات بينها مناسبة.(1/23)
أما الأول وهو جبريل فموكل بالوحي والوحي به حياة القلوب وتعلقها بربها جل وعلا، وهذه أعظم حياة أن تحيى القلوب، ولا حياة القلوب إلا بالوحي، تأمل قوله جل وعلا في سورة الحديد {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:16]، لما ذكر هذه {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} قال في الآية بعدها {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الحديد:16]، {اعْلَمُوا} بعد ذكر التنزيل، ليش؟ {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} الأرض هنا يعني القلوب القلب يحييه الله جل وعلا بالوحي فإذن جبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب.
أما ميكائيل فهو موكل بالماء وبالنبات الذي به حياة الأبدان.
وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الحياة ليوم الفزع الأكبر.
فكلهم موكلون بنوع من أنواع الحياة.
الملائكة لهم مهمات كثيرة، ملك الموت معه الأعوان كثير، هذا جاء في القرآن فهو يفعل، وكذلك رسله تقبض من أمر الله جل وعلا بقبض روحه وانتهى أجله، قال سبحانه {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} هذا بذكر ملك الموت وحده، وفي ذكر الملائكة يعني رسل ملك الموت قال جل وعلا {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام:61-62].(1/24)
منهم من هو موكل بابن آدم لحفظ بني آدم كل إنسان معه أربعة ملائكة لحفظه ويسمون الحفظة، وهم الذين ذكرهم الله في سورة الرعد في قوله {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ}[الرعد:11]، حفظهم له بأمر الله ويحفظونه من أمر الله هنا، وقف ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُ هنا وغيره هنا وقال {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} يعني ماذا؟ قال: يحفظونه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. يعني إيش؟ الملائكة الأعراض في الجو كثيرة والمصائب كثيرة والأشياء كثيرة، لو يترك الإنسان وكل ما في ما الجو أصابت الجميع؛ لكن الله جل وعلا جعل للإنسان حفظة يحفظونه، فإذا قدّر الله على العبد ما قدر فإنهم يُخلون ما بين الإنسان وبين ما قدّره الله جل وعلا عليه، هؤلاء حفظة.
فيه الكتبة {كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:11-12] إلى آخر أصناف الملائكة.
منهم حملة العرش الذين خصّهم الله جل وعلا بهذا الشرف والقرب منه سبحانه وتعالى.
الإيمان بالملائكة ما أثره على العبد المؤمن؟ الناس يتفاوتون في الإيمان بقدر تفاوتهم في أجزائه، الإيمان بالملائكة ما له أثر في حياتنا؟ لا؛ له أثر عظيم.(1/25)
أولا الملائكة يحبونك، فأيضا أحبهم، كيف يحبون العبد؟ قال جل وعلا في وصف الملائكة {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ}[غافر:7-9] ملائكة السماء يدعون للمؤمن وقال جل وعلا في الآية الأخرى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ}[الشورى:5] يعني لأهل الإيمان.
فالمؤمن يحب الملائكة -ملائكة الرحمن جل وعلا- ويكرمهم بما يأنسوا له، وهم يأنسون لماذا؟ يأنسون للعمل الصالح، لا يفارقون العبد كتبة وحفظة ويستغفرون للذين آمنوا يحبون عباد الله المؤمنين، فالعبد يحب ملائكة الرحمن جل وعلا ويوقّرهم أيضا، ولهذا قال بعض السلف: استحيوا ممن لا يفارقكم. فيه غيب عظيم يؤمن معك من معك من لا تراه من ملائكة الله جل وعلا قال: استحيوا ممن لا ترونهم، ممن يصاحبكم وأنتم لا ترونه. هذا الاستحياء.(1/26)
من ثمرات الإيمان بالملائكة أن يعلم العبد أن الملائكة بريئون من إشراك من أشرك، الآن يأتي سحرة وكهنة يظهرون كرامات، يظهر شيء من علم الغيب وهو من الجن من الشياطين جاءتهم به، فإذا قيل له، قال هذا الملك، الملك يخبرني، الملك برئ أن يتجاوز أمر الله جل وعلا، الملك ما يوحي للعبد، الملك ما يخبر الإنسان بالمغيبات إلا أن يكون رسولا قال جل وعلا {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[الجن:26-27]؛ يعني يرسل له ملكا.
إذن الإيمان بالملك يعلم العبد به أن من نسب الملك ما يضاد الشرع فإنه مبطل، يجب التبرؤ منه حماية وولاية ونصرة لملائكة الرحمن جل وعلا، تكذبه وترد عليه، كيف ملك يعينك على باطل؟ ملك يخبرك بالمغيبات؟ وهذه كلها من جراء الكهنة والسحرة.(1/27)
الإيمان بالملائكة به تعلم بطلان عبادة من عبد غير الله جل وعلا، المشركون مشركو العرب ما عبدوا غير الله سبحانه وتعالى بلا شبهة، لهم شبهة يقولون هنا: الأرواح الخيرة يعني الملائكة تحل عند روح هذا العبد الصالح المقبور أو عند الصنم المصوَّر على صورة النبي أو على صورة العبد الصالح. تحل عنده الأرواح الخيرة؛ يعني الملائكة فيسألونهم يقولون: في الحقيقة نحن نسأل الملك الحاضر نسأل هذه الروح الخيرة لترفع إلى الله جل وعلا، ولهذا ربنا سبحانه وتعالى أبطل هذا الادعاء بقوله في سورة سبأ {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} يعني هل كانوا يدعونكم وأنتم الأرواح التي من تسمعونهم {أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ} تنزيها لك وتعظيما وإجلالا أن يكونوا عبدونا {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}[سبأ:40-41].
الركن الثالث والرابع من أركان الإيمان: الإيمان بالكتب والرسل، نؤمن بكل كتاب أنزله الله جل وعلا كما قال سبحانه {وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}[الشورى:15]، فالعبد يؤمن أن الله جل وعلا أنزل كتبا على عبيده على رسله وخصهم بذلك.
كتب الله جل وعلا مختلفة في موضوعاتها، مختلفة في ترتيبها، مختلفة في هيئتها، والله جل وعلا يختص من شاء من عباده بما شاء من كلامه جل وعلا.
أنزل الله جل وعلا التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داوود، فنؤمن بذلك على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل.(1/28)
ونؤمن أيضا بهذا الكتاب الخاتم الذي هو القرآن، ما معنى الإيمان بالقرآن؟ الإيمان بالقرآن تعلم أن الله جل وعلا أنزله على عبده، وأنه خاتم الكتب، وأن اتباعه واجب، وأن كل هدى وإنما هو فيه، وأنّ الله جل وعلا جعل فيه الشريعة التي يجب أن تحكم الناس إلى قيام الساعة.
فحقيقة الإيمان بالقرآن أن يؤمن العبد بأنه كلام الله جل جلاله، وأثر ذلك أن يُحتفى له، الناس يحتفون بكلام العظماء من البشر، كلام من يقدرون من البشر، فكيف بكلام الجليل جل وعلا كلام الرب، كلام من؟ كلام الله جل وعلا الذي له هذا الملك إليه مآب وإليه وهو الذي يحاسب العباد وهو بيده، هذا كلام الله {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}[ص:67-68]، ما هو هذا النبأ؟ هو القرآن، {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}[النبأ:1-2]، النبأ العظيم هو القرآن، نبأ لكنه عَظيم عظيم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
فإذن من آثار الإيمان بأنه كلام الله جل وعلا أن يحتفل العبد يحتفل به يعني يحتفي به يعني تعلق به بتلاوته، يتعلق به عملا يتعلق به درسا لا يهجر القرآن، نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شكا إلى ربه جل وعلا هجر المشركين للقرآن بعدم اتباعه، فقال جل وعلا {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:3]، هجروه من جهة الاتباع هجروا التصديق بخبره وهجروا العمل بأوامره ونواهيه.
فإذن إيمانك بالقرآن يوجب عليك أن تُعظِّم القرآن في نفسك وأن تجله لأنه كلام الله جل وعلا فمن إجلالك له أن تحفظه في مكان موقر مكان معظم في منزلك، ما يجعل القرآن كأي كتاب، تراه على الطاولة، وتراه على الأرض ومع الأطفال، يُعلم الأطفال يعلم النساء، يعلم الكبير والصغير كلام الله جل وعلا كتابه، يُجعل كأي كتاب! تجده بين الكتب تجده فوقه أوراق تحته أوراق، تجد هذا من عدم تعظيمه.(1/29)
فالواجب على العباد أن يعظموا شعائر الله قال سبحانه {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32]، وقال {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}[الحج:30].
من آثار الإيمان بالقرآن العظيم أن يؤمن العبد، من آثار الإيمان أن يعمل العبد بهذا القرآن، القرآن ما أنزل ليتخذ مزامير، ما أنزل لنتلذذ بالأصوات نتلذذ بصوت القارئ،لا، أنزل ليتدبر ثم يعمل به يتدبر ثم يعمل به، القرآن أنزل للتدبر قال سبحانه في بيان علة إنزال القرآن في سورة ص {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} يعني فيه الخير الكثير في الدنيا والآخرة لماذا أنزله قال {مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[ص:29].
فأنزل الله جل وعلا القرآن لغايتين: الأولى أن يتدبر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24] القرآن تحرك به القلوب، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: لا تهذوه هذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب. حتى قلبك حركه بالقرآن، كرر الآيات، حرك نفسك الإيمان ينتج من القرآن {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[الشورى:52]، لا إيمان إلا بالقرآن، ما يمكن عظم الإيمان في القلب إلا بالتوجه لهذا القرآن العظيم تلذذا بسماعه وعملا بما جاء فيه من الأوامر والنواهيـ وتصديق خبره واعتقاد ما أخبر الله جل وعلا به في كتابه.(1/30)
إذن حق القرآن علينا عظيم، من حق القرآن على الناس وهذا من ثمرات الإيمان؛ بل من أعظم ثمرات الإيمان أن لا يتقدم بين يدي القرآن، ما يعارض القرآن بالعقل، ما نعارض القرآن بالعقل، إذا الإنسان يعارض القرآن بعقله والله أنا أرى كذا، والله جل وعلا يقول في القرآن كذا، أنت تقول أرى وحكم الله سبحانه وتعالى، كذلك إذا حكم الله جل وعلا علينا بحكم نرضاه مطمئنين {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ} يعني في القرآن {وَرَسُولُهُ} يعني في سنته {أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب:36]، وقال سبحانه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء:65]، حتى الحرج ما يكون في صدرك، ما يكون في صدرك غيض ولا حرج من القرآن، ثمرات الإيمان من القرآن عظيمة.
فإذن من ثمراته في حياتك أيها المسلم أن تُحل حلاله وأن تحرم حرامه، أن تقرأ القرآن وتعمل به وهذا فيه رفعة لك يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «يؤتى يوم القيامة بأهل القرآن الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايات أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما» يأتي القرآن صاحب القبر يقول من أنت؟ فيقول القرآن، يسره لأنه اشغل نفسه به، القرآن هو مصدر التلقي مع السنة ما نتلقى بعقولنا لا نتلقى بآرائنا ولا نحكّم الهوى على كتاب الله جل وعلا.
الإيمان بالرسل -نختصر بسرعة- أن نؤمن بكل رسول أرسله الله جل وعلا، الرسل غير الأنبياء كل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
من هو الرسول ومن هو النبي؟
الرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه إلى قوم مخالفين.
والنبي: من أوحي إليه وأمر بتبليغه إلى قوم موافقين أو لم يؤمر بالتبليغ.
هذا الفرق بين الرسول والنبي.(1/31)
فنؤمن بكل رسول لا نفرق بين أحد من رسله.
فالرسل أولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أيدهم الله جل وعلا بالآيات والبراهين.
آدم عليه السلام هل هو رسول؟ لا، آدم نبي لأن الله كلمه وأوحي إليه لكن ليس برسول، أول الرسل نوح عليه السلام.
فالرسل دينهم واحد؛ لكن الشرائع مختلفة، ما الفرق بين الدين والشريعة؛ يعني التوحيد كلهم دينهم الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ}[آل عمران:19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:85]. {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}[البقرة:112]، {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا}[الحج:78]، فكل رسول دينه الإسلام.
ما الإسلام؟ الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة بحسب ما جاء به الرسول والبراءة من الشرك وأهله. هذا الإسلام الذي جاء به كل نبي.
كذلك اشتركوا في دين واحد في الإيمان بالأركان الستة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، هذا القدْر مشترك بين الرسل، الرسل ما بينهم فرق في الإسلام في التوحيد في العمل بطاعة الله في البراءة من الشرك وأهله والكفر بالطاغوت، فالدين واحد قال جل وعلا {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48]، يعني الشرائع مختلفة والحديث الصحيح قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «الدين واحد الأنبياء إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى» الدين واحد يعني مثل الأب واحد والشرائع مختلفة شتى لكن الدين واحد الذي هو الإسلام، وهو تشبيه بليغ منه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.(1/32)
نؤمن بكل رسول نعلم جاء واحد، الآن قالوا اليهود نتبع موسى، في الواقع ما يتبعون موسى النصارى نتبع عيسى نحن أتباع عيسى، في الواقع ما يتبعون عيسى عليه السلام، وليسوا أولياء لموسى ولا لعيسى عليهما السلام.
لماذا؟ لأن موسى يتبعونه ليس هو موسى عليه السلام الذي ذكر الله جل وعلا خبره، فهم صوروا صورة لموسى عليه السلام في أذهانهم وفي أوامره وفي نواهيه، موسى عليه السلام لم يأمر باتخاذ عزير ولدا ولم يأمر بأن يتخذ العجل ولم يأمر بهذه الشرائع المحرمة ولم يأمر بما حرفوا به التوراة.
فإذن موسى عليه السلام الذي ارتضوا قوله هو غير موسى عليه السلام الذي أرسله الله جل وعلا.
لهذا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «المرء يوم القيامة مع من أحب» يأتي واحد يقول: طيب الذين يحبون موسى ويحبون عيسى معه؟ والذين أحبوا علي رَضِيَ اللهُ عنْهُ من الرافضة هل يدخلون معه؟ لا، لأنهم ما أحبوا موسى على صفاته وعلى ما جاء به، وإنما أحبوا رجلا بحسب ما عندهم من الأهواء والصفات، موسى عليه السلام ما يرتضي بهذه الأفعال،كذلك الذي أحب عيسى عليه السلام عيسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، لا يرتضي أن يكون ابنا لله لا يرتضي أن يكون صلب {اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}[النساء:157]، المرء مع من أحب؛ يعني مع من أحب حقيقة، أحب علي رضي الله عنه مثل الرافضة والشيعة وغيره أحبوا عليه رَضِيَ اللهُ عنْهُ؛ لكن هل أحبوا علي على صفاته؟ لا أحبوا عليا الذي صفاته عندهم في أذهانهم، علي الذي يتبرأ من أبي بكر، علي الذي يتبرأ من عمر، علي الذي يتبرأ من عثمان، علي الذي يقول أنا أحق بالخلافة، علي الذي يقول...، هذا ليس علي بن أبي طالب، كذلك موسى عليه السلام موسى آخر في أدمغتهم، كذلك عيسى عليه السلام عيسى آخر في أدمغتهم.(1/33)
فإذن من أحق بموسى وعيسى ومن أحق بالرسل؟ الذين لا يفرقون بين أحد من رسله {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة:285]، كلهم دينهم واحد، شرائع مختلفة.
فمن قال إن الرسول جاء بعبادة غير الله، أو رسول جاء بعبادة غير الله، أو رسول جاء بأن يقال فلان ابن لله جل وعلا أو هو ابن لله أو عزير ابن لله أو عيسى ابن الله فليس هو رسول الله جل وعلا، وإنما هو شيء أحدثوه في أذهانهم.
إذن من الأولى بالرسل؟ أهل الإيمان، لهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في قصة صوم عاشوراء «نحن أولى بموسى منكم» موسى نحن أولى به؛ لأنه إذا كان موسى شكرا يوم عاشوراء شكرا فنحن نصومه شكرا، قال (نحن أولى بموسى) لأنه نحن أحق بموسى.
فالمؤمنون -أهل الإسلام- يختلفون عن اليهود وعن النصارى نحن نؤمن بكل رسول فيما جاء من عند الله أما هم فلا يؤمنون بكل رسول، اليهود لا يؤمنون بعيسى، والنصارى ما يؤمنون بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إلى آخره.
أما أهل الإسلام فيؤمنون بجميع رسل الله جل وعلا، فشعارهم {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}[البقرة:285]، وشعارهم {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ [فَاتَّقُونِ](1)}[المؤمنون:52].
__________
(1) الشيخ حفظه الله تعالى قال:فاعبدون.(1/34)
الإيمان بالرسل له ثمرات كثيرة يضيق المقام عن ذكرها؛ لكن خاصة الإيمان بالرسل الإيمان بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، الإيمان بمحمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مقتضاه أن يصدق فيما أخبر وأن يطاع فيما أمر وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعد اله إلا بما شرعـ وهذه الأربع دليلها آيتان من كتاب الله جل وعلا {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر:7] وقال {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران:31].
إذن محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطاعته أو من ادعوا محبته؛ لكن جاء الاتباع هل اتبعتموه؟ افعل كفعله، نحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، افعل فعله ما يفعلون، جاءوا أقاموا احتفالات وبدع وموالد واحتفالات إسراء ومعراج، طيب الإسراء والمعارج ما يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ يعلمه، المولد مولده ما يعلمه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؟ يعلمه، لماذا لم يفعله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؟ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}[آل عمران:31]، هل فعل أو لم يفعل، إذا فعل نفعل إذا ما فعل ما نفعل؛ لأن هذا الدين توقيفي، والله جل وعلا يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة:3] الدين كامل ما فيه نقص.
إذن فحقيقة الإيمان بالنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الطاعة والانتهاء عن معاصيه -عما نهى عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ- وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وأن يصدق ما أخبر به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.(1/35)
من الإيمان به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أن يكون هو مصدر التلقي؛ يعني مصدر التلقي عندنا الكتاب والسنة، الذي عارض السنة بعقله تعبير هذا مو معقول، هذا الحديث مو معقول، كيف كان كذا؟ لو كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمامه وقال له هذا الكلام قال: هذا مو معقول. كيف يكون حكمه، يكون الأمر عظيم، وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صحت وكانت دلالتها إذا صحت كانت دلالتها قطعية، يجب الإيمان بها ما يجوز لأحد أن يعترض عليها بعقله أو برأيه.
بقي ركنان من أركان الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، نرجئها إن شاء الله إلى محاضرة أخرى؛ لعله يكون أحد المشايخ يكمل هذين خشية الإطالة عليكم.
نختم بأن هذه الأشياء التي ذكرنا آثار للإيمان في حياة الفرد.
لكن المجتمع ما أثر الإيمان عليه؟ المؤمن المؤمنون يشكلون مجتمع أهل الإيمان، مجتمع المسلمين، دولة الإسلام، بلدنا ممن؟ من المسلمين من المؤمنين.
فالإيمان له أثر على الجميع، الله جل وعلا جعل أعظم آثاره أعظم آثار الإيمان على العباد أن يجعل حياتهم طيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} يعني الرجال والنساء يعني المجتمع {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [وَهُوَ مُؤْمِنٌ] فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:97] وقال جل وعلا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ –لاحظ الإيمان - وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96].(1/36)
إيمان المجتمع أن يحقق هذه الأسباب يحقق التوحيد ويدل الناس عليه وينصره وينصر أهله، وكذلك يحقّق الحكم بشريعة الإسلام، فالواجب في مجتمع أهل الإسلام وفي دولة الإسلام الواجب أن يحقق هذان الأصلان وهو توحيد الله جل وعلا الذي هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، ثم تحكيم شريعة محمد عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ الذي هو معنى وأشهد أن محمدا رسول الله فكلما زاد الإيمان وزاد اليقين بأركان الإيمان، كلما كانت قوة المجتمع وقوة الدولة وقوة الناس في تحقيق هذا قوية، وإذا ضعف الإيمان ضعفت هذه الأمور، فيخشى المرء أن تصيبه الدوائر؛ ولكن من توكل على الله جل وعلا تفاءل.(1/37)
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدأ، بدأ الإسلام غريبا، الدعاة بدؤوا بأشخاص في أزمنة كثيرة، في هذه البلاد المباركة دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بدأها والناس كلهم يعارضونه حتى هيأ الله له الإمام الصالح الأمير محمد بن سعود رحمهم الله تعالى جميعا؛ فنصر دعوته وكتب الله جل وعلا هذا الخير العظيم الذي ترونه في هذه البلاد، من آثار الإيمان، مو من أثر عمل الناس، ولا من آثار جهد شخص، ولا من آثار فعل فاعل، إنما هو سبب من الله جل وعلا، وله أسباب أنّ العباد أيقنوا بما عند الله جل وعلا جاهدوا في سبيل الله حقا وحققوا التوحيد حققوا التوحيد وحكموا بشريعة الله جل وعلا، والله سبحانه ليس بينه وبين عباده [نسب]، بل الفضل لله جل وعلا وحده {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران:103] من الذي ألف بين القلوب؟ الله جل وعلا بنعمته ليس بنعمة غيره، من الذي أنعم؟ ربنا جل وعلا ويقول سبحانه {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ} من الذي آوى؟ رب العالمين {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال:26].
فهذا فضل الله جل وعلا، وهو من ثمار عمل عباد الله جل وعلا، وأعظم من عمل في تحقيق هذا الأمر الوِلاية من الأئمة والملوك في هذه البلاد في تحقيق شرع الله جل وعلا بحسب ما استطاعوا من ذلك.(1/38)
فهذا به تقوى البلاد وبه يقوى المجتمع، والناس إذا ضعف الإيمان المجتمع كله يضعف إيمانه، خلاص تتسلط الدنيا، إذا تسلطت الدنيا تفرقوا وصار بينهم الشحناء وصار بينهم البغضاء لا يأتلفون على مبدأ ى يأتلفون على ولاية إنما يتفرقون، فأساس الاجتماع هو الإيمان، وأساس الافتراق هو الاختلاف في الدين والتفرق عن حبل الله جل وعلا، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103]، وحبل الله هو الدين هو القرآن هو السنة.
الأمن الذي تراه، هل هو من ثمار أجهزة الأمن؟ ليس كذلك فهم فعلوا سببا؛ لكن هذا السبب نفع الله جل وعلا به والذي أعطى الأمن هو ربّ العالمين {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[الأنعام:82] الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة، قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «والله ليتمن الله هذا الأمر» يعني أمر الدين «حتى تسير الضعينة من صنعاء إلى مكة أو قال من العراق إلى مكة لا تخشى إلا الله» الضعينة المرأة تركب بعير أوتركب دابة من إلى مكة الأشهر الطويلة وما فيه أحد يعترضها؟ هذا من تمام هذا الأمر، والله ليتمن الله هذا الأمر.
إذن فالدعوة إلى الإيمان، والدعوة إلى الله جل وعلا، وحث الناس على الخير والعباد يترابطون ويقولون في الله جل وعلا، هذا ثمرته ليس على الأمر في نفسه، وإنما ثمرته على المجتمع، ومن واجبات الولاية ومن واجبات الناس أن يتعاونوا على البر والتقوى كما قال سبحانه { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2].
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين حقا، ومن المصدقين بما أنزل المتعبدين له ذلا ورقا إنه سبحانه جواد كريم.(1/39)
كما أسأل المولى أن يوفق ولاة أمورنا إلى كل خير، وأن يجزيهم خيرا على ما قدموا، وأن يوفقهم ويدلهم على الرشاد، وأن يباعد بينهم وبين سبل أهل الغي والفساد، إنه سبحانه كريم جواد.
كما أسأل المولى جل وعلا أن يوفق علماءنا إلى كل خير، وأن يقويهم في العلم والعمل، وأن يغفر لنا جميعا ويغفر لآبائنا وأمهاتنا وأن يغفر لذرارينا وأن يجعلنا وإياكم ممن لقيه الله وهو عنهم راض اللهم آمين.
نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وأن تعلم ضعفنا، وتعلم كثرة ذنبنا وتعلم ما أنت به أعلم منا، نسألك أن تجعل لسيئاتنا محوا ولذنوبنا غفرانا.
اللهم اجعل لضعفنا رحمة واجعل لنا منك فتحا، فإنك أنت نعم المولى ونعم المصير.
اللهم ثبتنا وكن لنا ولا تكن علينا، ووفقنا إلى الرشاد فأصلح باطنا واجعلنا من عبادك الصالحين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
[الأسئلة]
س1/ أحسن الله إليك، هل من تحقيق التوحيد كما جاء في حديث ابن عباس عن ذكر السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب وذكر في صفاتهم أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون،.......؟
ج/ هذا الحديث حديث مشهور، للعلماء عنه أجوبة كثيرة، وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أن أمته تأتيه يوم القيامة قال «وفيهم سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب» وقالوا: من هم يا رسول الله؟ قال «الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» وفي رواية «الذين لا يرقون ولا يسترقون»، لكن زيادة يرقون هذه ضعيفة وشاذة، ولا تصح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ففي ذكر الثلاث قال (الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون) ثم عمم فقال في الصفة الرابعة (وعلى ربهم يتوكلون)، العلماء اختلفت نظرتهم في هذا، هل معنى ذلك أن معنى تعاطي الأسباب به يدخل المسلم في هذه السبعين ألفا؟ أم أن الحديث له توجيه آخر؟(1/40)
والصحيح من الأقوال أن هذا مخصوص بهذه الثلاث:
فلا يسترقون يعني لا يطلبون الرقية؛ يعني لا يكون عندهم سمة كما جاءهم شيء طلبوا الرقية، وإنما يرقون أنفسهم، وإنما إذا أتى أحد متبرع يرقيهم فإنهم يرضون برقيتهم، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقى ورُقي أيضا، رقاه جبريل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وكانت عائشة رضي الله عنها أيضا تقرأ سورة الإخلاص والمعوذات إلى آخره ثم تنفث في كفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتمسح بهما.
المقصود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُقي زلا يمتنع لا يدخل في الحديث أن يرقى المرء؛ لكن أن يتعلق قلبه بالرقية، هذا ممتنع هذا الأول، فإن هذا فيه ضعف فلا يدخل في ضعف التوكل وتفويض الأمر لله جل وعلا في هذا الباب بخصوصه فيصح به.
الثاني قال (ولا يستوون) والكي أذن به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه دواء مع أن التعذيب بالنار حرام، وقال «إن كان في شيء من أدويتكم شفاء في ثلاث في شربة عسل شرطة محجم وكية نار ولا أحب أن أكتوي».
والكي كانت العرب تعتقد فيه اعتقاد خاص أن الداء لا يبارح الكي إذا كوى فإنه يرتفع الداء، فهذا الاعتقاد في الكي أيضا الكمال كمال الإيمان أن لا يعتقد العبد في هذا السبب أن يؤثر هذا التأثير المباشر؛ بل إنما هو سبب من الأسباب قد ينفع وقد لا ينفع.
والثالث التطير، والتطير معروف وهو أن يستدل بشيء مما يحدثه الله في ملكوته على أمر غيبي من خير أو شر، يقول مثلا: والله ما مسافر جاءت ريح جاء هوى جاء غبار أعوذ بالله أنا ألغيت السفر.
الطيرة تختلف عن التشاؤم، التشاؤم يحصل شيء في النفس فيرده المرء بإيمانه؛ لكن الطيرة هي ما أمضاك أو ردك؛ يعني تشاءمت بشيء، حولت الوجهة مما لم يؤذن فيه بالتشاؤم، حولت الوجهة فهذا تطير.(1/41)
تروح لمكان قابلك واحد اسمه ما هوش زين تعوذت أعوذ بالله أوش هذا، أو واحد يمشي كفعل الجاهلية فرأى طيرا يسير على اليمين قال أفلح سفرنا، رأى طيرا شمالا فقال خبنا في السفر ورجعوا.
فالطيرة ما أمضاك أو ردك فهي نوع من الشرك.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحب الفأل، الفال الكلمة الطيبة وانشراح النفس لفعل من الأفعال بشيء يسمعه بشيء يراه، هذا مأمور به وهو المرغب أن يفعله الإنسان المسلم؛ لأن الفعل فيه حسن ظن بالله جل وعلا، والله يقول: أنا عند ظن عبدي بي.
تتفاءل بالكلمة، تتفاءل بالوجه الطيب، تتفاءل بالشيء تراه، هذا طيب لأنه قصارى الفأل أنه حسن ظن بالله جل وعلا أنه يكون كذا وكذا.
ثانيا في الفأل رجاء أن يكون كذا وكذا من ألأمور المحمودة هذه عبادة أيضا مطلوبة، إذن الفأل محمود التشاؤم أكثره مذموم إلا في ثلاث.
أما الطيرة فهي مذمومة.
لذلك الأوصاف هذه الصحيح أنه يقتصر بها على هذه الأوصاف الثلاث.
أما التداوي فهو مباح وربما كان مستحبا وربما كان واجبا بحسب الحال، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «تداووا بعاد الله ولا تتداووا بحرام» فلا يدخل التدواي تعاطي الأسباب في هذه لكن يجب أن ينتبه العبد أنه ما ينظر للسبب: أنا والله رحت للدكتور هذا جيد خلاص..
(((((
أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري(1/42)