ـ[الإيجاز والعرض فى أن إعفاء اللحية فرض]ـ
رسالة : الإيجاز والعرض فى أن إعفاء اللحية فرض
جمع و إعداد : أبي دُجانة علاء الدين جابر أبو السعود
تقديم فضيلة الشيخ الدكتور : أحمد فريد
الناشر : دار الصفا والمروة
الطبعة : الأولى
السنة : 1426 هـ - 2005 م بالتاريخ الصليبي
أعده للشاملة : أبو الوليد المقتدي [ غفر الله له وهداه سنن البشير] .
أحد أعضاء ملتقى أهل الحديث : http://www.ahlalhdeeth.com
[الكتاب مرقم آلياً - موافق للمطبوع](1/1)
حقوق الطبع محفوظة(1/2)
مقدمة الشيخ / أحمد فريد
إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
ثُم أما بعدُ :
فإنى قد قرأتُ رسالة : ( الإيجاز والعرض فى أن إعفاء اللحية فرض ) لأحد أبنائنا الذين تربوا فى الربوع السلفية من طلاب العلم الشريف ، وهو الأخ / علاء الدين جابر أبو السعود ، فألفيتها وافية بالغرض من ذكر وجوب إعفاء اللحية ونقل أقوال العلماء فى(1/3)
حُرمة حلقها ، وكيف أن حلقها مخالفة للأمر الصريح من النبى -صلى الله عليه وسلم- ، وظاهر الأمر الوجوب كما هم مُقرر فى علم الأصول وكذا حلقها تغيير لخلق الله بغير إذن من الله ، وكذا هو تشبه بالكفار ، ومن تشبه بقوم فهم منهم . وتشبّه بالنساء ؛ وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تشبه بالنساء من الرجال ، ومن تشبه بالرجال من النساء ، وردَّ جزاه الله خيرا على شُبهات العوام ، الذين يستهينون بحلق اللحية ، فأسأل الله تعالى أن يتقبّل هذه الرسالة بقبول حسنٍ ، وأن ينفعَ بها جامعها وناشرها وقارئها ، واللهُ الموفّق للطاعات ، والهادى لأعلى الدرجات ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .
كتبه / أحمد فريد(1/4)
تمهيد
إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
ثم أما بعد :
فمن علامات الساعة أن يُرفع العلم وينزل الجهل ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من علامات الساعة أن يُرفع العلم ويثبت الجهل " ( مُتفق عليه )
وحيث أصبحنا فى عصر قلّ فيه العلماء وركن كثير من الناس الى تقليد من سبقهم(1/5)
من الآباء وتقليد الناس من حولهم ، وأصبح مقياس كثير من الناس ما درج عليه المجتمع وما اعتاده الناس ، وذلك خطر عظيم ؛ حيث إن الإتباع يجب أن يكون لكتاب الله -عزّ وجلّ- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الصحابة الأبرار ومن تبعهم بإحسان -رضوان الله عليهم أجمعين.
ولما رأيت إعراض الكثير من الناس عن قراءة كتب العلم والتعرف على الأحكام لعدم وجود همة عالية ، وكذلك إغترار الكثير من الناس بحلق من ينتسبون الى العلم للحية ، توكلت على الله وعزمت على إعداد كتيب يحمل الأدلة التى تثبت أن(1/6)
إعفاء اللحية فرض وحلقها حرام ، الى جانب ذكر أقول أئمة أهل العلم فى ذلك ، كما تضمنت الرسالة الرد على بعض الشبهات ، راجيا أن تكون عونا لطلاب العلم المُبتدئين وكذا عوام المُسلمين ، ومن أراد التوسّع فى هذا الأمر فليرجع الى :
1- كتاب ( ادلة تحريم حلق اللحية ) لشيخنا فضيلة الشيخ الدكتور / محمد بن إسماعيل المُقدّم .
2- فتاوى العلماء:
-العلامة: عبد العزيز بن باز
-العلامة: ناصر الدين الالبانى
-العلامة: محمد بن صالح العثيمين(1/7)
- شيخ الأزهر السابق: جاد الحق على جاد حق
- وغيره من علماء الأزهر ، ولجنة الإفتاء بالسعودية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو دُجانة / علاء الدين جابر أبو السعود(1/8)
مقدمة
اللحية شعيرة من شعائر الإسلام ، اللحية صفة النبى-صلى الله عليه وسلم- ، وصفة الأنبياء والمرسلين -صلوات الله عليهم وأجمعين- ، وصفة الصحابة ومن تبعهم بإحسان -رضوان الله عليهم أجمعين- .
حيث إنّ النبى -صلى الله عليه وسلم- حرص على تميز واستقلالية الشخصية الإسلامية فى شكلها الظاهرى ، والمشركون وأهل الكتاب قديما، والأوربيون والأمريكان على وجه الخصوص وسائر أصحاب الملل الأخرى كذلك حريصون على تشبه المسلمين بهم ، كما أنهم حريصون على فصل المسلمين عن سلفهم الأول - رضوان الله عليهم أجمعين -.(1/9)
يقول أحد المستشرقين : " إذا أردتم الإنتصار على المسلمين فافصلوهم عن تاريخهم " ، وما تاريخ المسلمين إلا تاريخ أشرف أمة حملتها الأرضُ من الصحابة -رِضوان الله عليهم أجمعين- أمثال أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ...
جاء فى جريدة التايمز " اقتراحات لبعض المُستشرقين حول اقتراح وسائل للسيطرة على المسلمين " ، فاقترح بعضهم نشر البدع والخرافات بين المُسلمين . ا.هـ
وهذا سلاح خطير ، لأن نشر البدع من آثاره الخطيرة إماتة السنن ، وبهذا يقضون على الإسلام الذى هو سلاح المسلمين وعين قوتهم ، فيتحقق لهم ما يُريدون .(1/10)
وهو سلاح قديم ، فقد كان الإنجليز أثناء احتلالهم لمصر يرعون الصوفية والقبوريين ، وما ذاك بمحبة لهم ، حاشاهم ذلك ، ولكنّه مُخطط صليبى للقضاء على الإسلام والمُسلمين .
جلادستون : أمسك هذا القائد الإنجليزى المُصحف فى مجلس العموم البريطانى وقال : لا أمل لنا فى إخضاع المسلمين مادام هذا الكتاب باقيا .
زويمر : ( كبير المُبشرين النصارى فى فترة الثلاثينات فى البلاد العربية ) ، قال : إن الهدف من التبشير النصرانى ليس إدخال المسلمين فى النصرانية ، فإنّ ذلك جدٌ عسير ، وإنما هو إخراجهم من الإسلام . ا.هـ(1/11)
فاعلم يا أخى !
أنهم حريصون على فصلِنا عن عن ديننا عن طريق فصلنا عن العهد الأول وهم السلف الصالح ، وعلى رأسهم الصحابة بكل ما يُمثله ذلك العهد من التمسّك بِكتاب الله وسنة رسوله عن طريق نشر البدع ، ولا سبيل الى النجاة إلا بالرجوع الى الدين بِفهم السلف والتمسّك بكل صغيرة وكبيرة فيه .
وموضوع حديثنا هو اللحية والتى حرص الإحتلال على أن نُقلده فى حلقها ؛ حتى خرجت الأجيال التالية فظنّت أن حلق اللحية هو الأصل على الرغم من ان إعفاء اللحية فرض بِكتاب
الله وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وفيما يلى عرض للأدلة :(1/12)
أدلة وجوب إعفاء اللحية
( أ ) إعفاء اللحية أمر النبى - صلى الله عليه وسلم -
قاعدة : أى أمر فى القرآن أو السنة فهو على الوجوب ( فرض) ، ما لم تصرفه قرينة الى الإستحباب ( السنة ) ، وأى نهى فى القرآن أو السنة فهو على التحريم ، ما لم تصرفه قرينة الى الكراهة .
وقد عُبّر عن تِلك القاعدة بتعبيرات مُختلفة :
1-الشيخ محمد سليمان الأشقر (1): الأمر يدل على الوجوب إلا أن يمنعه مانع.
2- العلامة الشنقيطى (2): والحق أن الأمر على الوجوب إلا بدليل صارف عنه.
_______________________
(1) الواضح فى أصول الفقه صـ 115
(2) مُذكرة فى أصول الفقه صـ229(1/13)
3-الشيخ محمد بن مصطفى بن سلامة (1): يخرج النهى عن التحريم الى الكراهة بقرينة تقتضى ذلك.
4-الإمام الشوكانى (2): دل الدليل على أن الأمر للوجوب ، ولا تكون لغيره من المعانى إلا بدليل ، ولم يأت من خالف (يعنى القاعدة) بدليل يُعتّدّ به أصلا.
أدلة تلك القاعدة :
1-قال الله -سبحانه وتعالى- : -
{فليحذرالذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب
_______________________
(1) التأسيس صـ97
(2) إرشاد الفحول صـ ( 96 - 97 ) ، مع اختصار وتصرف(1/14)
أليم} (النور:63)(1) ،
قال الشنقيطي (2) : فتحذير الفتنة والعذاب الأليم في مُخالفة الأمر يدل على الوجوب.
2- وقال تعالى :
3- {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
(الأحزاب:31)(3) ،
وقال الشنقيطي : فإنه -سبحانه وتعالى- جعل أمره وأمر رسوله مانع من الإختيار وذلك دليل على الوجوب.
قال العلامة الشوكاني : احتج من قال أن الأمر حقيقة في الندب ؛ بما ورد بالصحيحين من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله
_____________________________
(1)، (2)، (3) هذه الأدلة متكررة في كتب الفقه السالفة الذكر جميعها ، وقد أفاض في هذه الأدلة ومناقشة الآراء المخالفة العلامة الشوكاني ، فليراجع فإنه هام .(1/15)
صلى الله عليه وسلم يقول :
(( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ))
فرد ذلك إلى مشيئتهم وهو معنى الندب !!
الرد : قال الشوكاني : بل هو دليل لمن قال إن حقيقة الأمر الوجوب ، لأن مالا نستطيعه لا يجب علينا ، وإنما يجب علينا ما نستطيع ، والمندوب (السنة) لا حرج في تركه مع الإستطاعة .
مثال : خروج الأمر عن الحرمة إلى الكراهة : نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشرب من قيام ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال :
قال صلى الله عليه وسلم :
( لا يشربن أحد منكم قائما ) .
وعن أنس : (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائما )) .(1/16)
فهنا النهي على التحريم لأنه يحرم على المسلم الشرب قائما إلا أن هذا النهي صرفته قرينة من التحريم إلى الكراهة وهي ( شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما ) ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(( سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم))
( رواه البخاري ومسلم )
قال الإمام النووي (1) : والنهي هنا محمول على الكراهة .
قال الإمام ابن حجر (2) : والذي يظهر أن أحاديث شربه قائما على الجواز وأحاديث النهي تحمل على الإستحباب والحث على ما هو أولى .
_______________
(1) ((صحيح مسلم شرح النوو ى)) المجلد التاسع
(2) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) الجزء العاشر نقلاً عن المازري(1/17)
خروج الأمر عن الوجوب إلى الإستحباب :
من القاعدة السالفة الذكر يتبين أن الأمر على الوجوب مالم تصرفه قرينة إلى الإستحباب .
مثال 1 : قال تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } ( البقرة : 282) ،
فالأمر هنا على الوجوب (الفرض) إلا أنه صرفته قرينة وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث اشترى من أعرابي فرسا ولم يشهد عليه أحد .
مثال 2 : قوله تعالى { اعملوا ما شئتم } ( فصلت: 40 )
فهو أمر يفيد الوجوب صرفته قرينة وهو أن هذا الأسلوب في القرآن يأتي للتهديد(2)
________________
(1) التأسيس محمد مصطفى سلامة
(2) ((إرشاد الفحول )) وقد ذكر الشوكاني 26 استعمالاً لصيغة الأمر .(1/18)
الأمر باللحية على الوجوب لأنه لم تصرفه قرينة للإستحباب :
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بإعفاء اللحية ، فالأمر هنا على الوجوب ، ولم تصرفه قرينة إلى الإستحباب حيث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلق لحيته ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم أحدا حالقا لحيته وأقره على ذلك ، كما أنه لم يثبت أن أحدا من السلف فعله .
بعض الأحاديث التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بإعفاء اللحية :
1-روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية.(1/19)
2- روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم "أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى ".
3- روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم:
"جذوا الشوارب وأرخوا اللحى" ... الحديث.
وورد الأمر بإعفاء اللحية في أحاديث كلها صحيحة بألفاظ عديدة وهي :
(اعفوا - أوفوا - أرخوا - وفروا)
وورد ألفاظ عديدة في الأخذ من الشارب وهي :
(قصوا - حفوا - أنهكوا - جذوا)
كل هذه لألفاظ وردت في السنة بصيغة الأمر ، الواحد منها يكفي للدلالة أن اللحية فرض حيث لا يوجد قرينة تصرفه إلى
الإستحباب فما بالك بها مجتمعة .(1/20)
( ب ) حلق اللحية تشبّه بالكفار
والتشبّه بالكفار أمر مُحرّم ( 1 ) بالكتاب والسنة ، والتشبّه بهم عام فى جميع شئونهم .
1- قال تعالى { ثُم جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } (الجاثية: 18 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : جعل الله -سبحانه وتعالى- محمدا على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن
_________________
(1) ومن أراد التوسع فى هذه المسألة فليرجع الى كتاب ( اقتضاء الصراط المستقيم / مخالفة أصحاب الجحيم ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ، و ( أحكام أهل الذمة ) لابن القيم ، و ( الولاء والبراء ) للقحطانى(1/21)
اتباع اهواء الذين لا يعلمون ، ( وقد دخل فى الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته )
وأهواؤهم : هى كل ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذى هو من موجبات دينهم الباطل ، فهم يهوونه وموافقتهم له اتباع لما يهوونه ، لِذلك يفرح الكفار بموافقة المسلمين لهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك.
ولو فُرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم فى ذلك أحسم لمادة متابعتهم وأعون على حصول مرضاة الله فى تركها ، وأن موافقتهم فى غيره فإن من حام حول الحمى يوشك أن يواقعه .(1/22)
? وقال أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية متحدّثا عن آثاء مشابهة الكفار ، فقال -رحمه الله- : ومنها أن مشاركتهم فى الهدى الظاهر توجب اختلاط الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرا بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين ، هذا إنْ لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحا محضا ولو تجرّد عن مشابهتهم . فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر فموافقتهم موافقة فى نوع من أنواع معاصيهم .
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " من تشبّه بقوم فهو منهم "
(رواه أبو داود وصححه الألبانى وأحمد شاكر)
قال شيخ الإسلام مُعلّقا على هذا الحديث : هذا أقل أحواله أن يقتضى تحريم التشبّه به(1/23)
وقال في موضع آخر : جنس المخالفة أمر مقصود للشرع ، وقال أيضاً : وهو علة تامة.
قال القحطاني : إن الله جعل بني آدم وسائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئيين المتشابهين ، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم ، لأجل هذا وقع التأثير والتأثر في بني آدم .
قال شيخ الإسلام : المشابهة في الظاهر توجب المشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي ، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفراً والمسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود أقل إيماناً .(1/24)
وقال شيخ الإسلام في موضع آخر : من فعل شئ واتفق أن الغير فعله ولم يأخذ أحدهما عن صابه ففي كون هذا تشبه نظر ، ولكن ينهى عنه لئلا يكون ذريعة للتشبه ولما فيه من المخالفة .
قال الألباني (1) : تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءً التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم وذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوى جهلاً بدينهم أو
________________
(1) " حجاب المرأة المسلمة" محمد ناصر الدين الألباني .(1/25)
تبعاً لأهوائهم أو انجرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم . اهـ.
قال تعالى: { و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد... } الآية ( الحديد : 16 )
قال شيخ الإسلام : ولا يكونوا نهي مطلق عن مشابهتهم . قال ابن كثير : ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في الأمور الأصلية والفرعية .
قال ابن كثير أيضاً : نهى الله عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعلهم .
ولما عرض النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه أن يقترحوا علامة يعرفون بها وقت الصلاة(1/26)
فاقترح بعضهم ناقوس النصارى واقترح البعض بوق اليهود فلم يعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: " هذا من أمر اليهود وهذا من أمر النصارى . "
قال شيخ الإسلام : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كره ذلك علل أنه من أمر اليهود والنصارى ، لأن ذكر السبب عقيب الحكم يدل على أنه علة له ، وهذا يقتضي نهيه لأنه من أمر اليهود والنصارى .
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب ، وعلل ذلك بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وأنه حين ذلك يسجد لها الكفار .(1/27)
قال شيخ الإسلام : ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق وسداً للذريعة . فالنبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن الأمر وإن لم يقصد به صاحبه قصد المشركين .
قال -صلى الله عليه وسلم- " لا يزال الدين ظاهرا ما عجّل الناس الفِطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون " ، قال شيخ الإسلام : وهذا نص فى أن ظهور الدين حاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى ، وإذا كان مخالفتهم سبب لظهور الدين فإنّ المقصود بإرسال الرسول أن يظهر الدين كله فتكون مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة .(1/28)
? خرج النبى -صلى الله عليه وسلم- على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم ، فقال : " يا معشر الأنصار حمروا أو صفروا ، خالفوا أهل الكتاب ... فإن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " .
قال شيخ الإسلام : فأمر -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة المشركين مطلقا . قال الشوكانى : والحديث يدل على أن العلة فى شرعية الصِباغ وتغيير الشيب هى مخالفة اليهود والنصارى .
قال شيخ الإسلام : فإنه إذا نهى عن التشبه بهم فى بقاء بياض الشئ الذى ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى . قال المناوى : فيه ندب مخالفة اليهود والنصارى مطلقا .(1/29)
خرج شيخ الإسلام من هنا بقاعدة وهى : " أن التشبه بهم منهى عنه وإن لم يقصد صاحبه التشبه بهم " .
قال الألبانى معلقا على الآيات والأحاديث ، ومعلقا على الأقوال السابقة : فثبت مما تقد أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية ، فالواجب على كل مسلم رجالا ونساءً أن يراعوا ذلك فى شؤونهم وذلك وبصورة خاصة أزيائهم وألبستهم .
ويقول شيخ الإسلام : إن التشبه ليس أمرا تعبديا محضا بل هو معقول المعنى وضرب لذلك مثالا ، قال -رحمه الله- لو أن اثنين فى سفر وبينهم تشابه فى العمامة أو الثياب(1/30)
فسيكون بينهما من الود أكثر من غيرهما فدلل على ذلك بأن الظاهر يؤثر فى الباطن .
والمعنى أن عدم التشبه فى الظاهر المقصود به الحفاظ على الباطن .وبذلك يتبيّن أن مشابهة الكفار أمرٌ نهى عنه الله -سبحانه وتعالى- ونهى عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأجمع عليه السلف لما فى مخالفتهم من المنافع ، وعلى رأسها تميز المسلم عن غيره إذ أن المشابهة فى الظاهر لها أضرار جسيمة .
وقد فهم عُمر بن الخطاب ذلك جيدا فشرط لأهل الذمة شروطا يلتزمون بها ، وأجمع عليها الصحابة ،
وكانت بمثابة الدستور لمن بعده من الخلفاء ، وكان منها(1/31)
إلزام النصارى بلباس معين مثل شد الزنار على وسطهم حتى يتميّز المسلم من غيره ، فانظر الى الآيات والأجاديث وأقوال أهل العلم وكلها هادفة الى الإحالة بين المسلم وبين تقليده لليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل الأخرى حتى يظل عزيزا متميزا ، وقد كان النبى -صلى الله عليه وسلم- حريصا أشد الحرص على مخالفتهم فى سائر شؤونهم حتى علم اليهود منه ذلك فقالوا :
" مالهذا الرجل ، لا يُريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه "
(حسّنه الألبانى)
? فالتشبّه بأهل الكتاب والكفار أمر نهى الله -سبحانه وتعالى- ونهى عنه النبى -صلى الله عليه وسلم- عمليا بين يدى الصحابة ورباهم(1/32)
على ذلك ، فسار عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان ... فاللهمّ ارزقنا السير على نهجهم وجنبنا مشابهة الكفار وأهل الكتاب .
الأدلة على أن حلق اللحية مشابهة بالكفار :
1- قال -صلى الله عليه وسلم- : " خالفوا المشركين وأحفوا الشوارب وأوفوا اللحى " ( رواه البخارى وأبو عوانة ) ، وفى رواية أبو عوانة " المجوس" بدلا من المشركين .
2- قال صلى الله عليه وسلم : " جذوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس " ( رواه مُسلم )
شبهة : يقول البعض إن العلة من إعفاء اللحية مخالفة المشركين ، وهم اليوم يعفون اللحية فينبغى ان نخالفهم بحلقها .(1/33)
الرد على الشبهة :
1- المخالفة بعض العِلة وليست كل العلة ، فقد ورد الأمر بإعفاء اللحية دون النهى عن التشبه بأحد ، كما فى حديث ابن عُمر عند مسلم .
2- من العلل أن حلقها تشبّه بالنساء وتغيير لخلق الله ، وكلاهما منهى عنه.
3- أنها من سنن الفطرة وسنن الفطرة لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
4- إنْ أعفى الكفار اللحية سلمت فطرتهم فى ذلك ، وإن حلقوا اللحية فنحن نخالفهم فى ذات الأمر ، وإن أعفوا الشوارب واللحى أو قصروا اللحى تقصير فوق القبضة فنحن نخالفهم فى صفة الأمر .(1/34)
أول من فعل بدعة حلق اللحية الملك بطرس ملك روسيا فى أول القرن الـ 17 ، ثم شاعت وانتشرت لا سيما بعد الإحتلالات الأوربية لبلاد الإسلام وحرصهم على تشبه المسلمين بهم ، ومحاولة فصل المسلمين عن دينهم .
وخلاصة الكلام : أن حلق اللحية تشبه بالمشركين وهو أمر مُحرم .
( جـ ) حلق اللحية تشبّه بالنساء
والتشبّه بالنساء أمر مُحرّم ، فعن ابن عباس -رضى الله عنهما- " لعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المُخنثين من الرجال والمترجلات من النساء "( رواه البخارى )
ـــــــــــــــــــــ
أقوال الأئمة فى أنّ حلق اللحية تشبّه بالنساء.
ـــــــــــــــــــــ
عدّها الإمام ابن حجر الهيثمى من الكبائر فى كتابه: (الزواجر عن اقتراف الكبائر)(1/35)
الإمام النووى ، يُحرّم تشبه النساء بالرجال والنساء وبالرجال.
الإمام الطبرى ، الحكمة من حُرمة التشبّه إخراجه عن الصفة التى وضعه الله عليه.
اقوال الائمة في ان حلق اللحية تشبه بالنساء
الإمام ابن القيم: تحدّث عن فوائد اللحية فقال من بين ما قال: "التمييز بين الرجال والنساء"
الإمام أبو حامد الغزالى: وبها أى (اللحية) يتميز الرجال عن النساء .
وخلاصة الكلام أنّ تشبه الرجال بالنساء مُحرّم وحلق اللحية تشبّه بالنساء ، فحلق اللحية إذا مُحرّم .(1/36)
( د ) حلق اللحية تغيير لخلق الله
وتغيير خلق الله أمر مُحرم حيث: " لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ... المغيّرات لخلق الله. "
* وسبب لعن الله ولعن الرسول هو التغيير لخلق الله ، إذا فتغيّير خلق الله أمر مُحرم ، قال تعالى على لسان إبليس : " { ولآمرنّهم فليُغيِّرُنّ خلق الله } ( النساء : 119 )
وهذا توعّد من إبليس بإضلال الخلق وحملهم على تغيير خلق الله إذا فهو طاعة للشيطان عصيان للرحمن.
شبهة : قد يحتج البعض فيقول : على ذلك يكون نتف الإبط وحلق العانة تغيير(1/37)
لخلق الله . ويجيب عن هذه الشبهة العلامة الألبانى ، قال -رحمه الله- مُعلّقا على الآية ، فقال -رحمه الله- : فهذا نص فى أن تغيير خلق الله دون إذن منه طاعة للشيطان عصيان للرحمن .
وقوله -رحمه الله- دون إذن منه يستثنى بذلك ما أمر الله بإزالته مثل ( حلق العانة ونتف الإبط ... ) اهـ.
قاعدة : إزالة أى جزء من الجسم أمر توقيفى ؛ بمعنى أنه لا يجوز إزالة أى جزء من الجسم دون إذن من الشرع وإزالة أى جزء من الجسم الأصل فيه الحرمة حتى يرد دليل يجيز ذلك ، فمثلا حلق العانة ونتف الإبط الأصل فيه حُرمة إزالتها حتى يرد(1/38)
دليل من الشرع يُجيز لنا إزالتها وبما أنه قد ورد دليل يُجيز ذلك فعِندئذ يجوز لنا حلقها .
أما اللحية فالأصل فى حلقها الحُرمة حتى يرد دليل يُجيز لنا حلقها ويما أنه لم يرد أى دليل فى الشرع يُجيز لنا حلقها فعندئذ يكون حلقها مُحرّما .
ولو لم يرد أى دليل على حُرمة حلق اللحية سوى هذا لكفانا ولكن تعددت الأدلة .
قال العلامة الألبانى : ومما لا ريب فيه عند من سلمت فطرته وحسنت طويته أن الأدلة السالفة .. يعنى :(1/39)
(أ) إعفاء اللحية أمر النبى -صلى الله عليه وسلم-
(ب) حلق اللحية تشبّه بالكفار
(ج) حلق اللحية تشبّه بالنساء
(د) حلق اللحية تغيير لخلق اللهكاف لإثبات وجوب اللحية وحُرمة حلقها فكيف بها مُجتمعة ، وقال نحوا من هذا العلامة ابن باز والعلامة ابن العثيمين
لمزيد من الأدلة الدالة على تحريم حلق اللحية نذكر ما يلي :
1- اللحية صفة النبي صلى الله عليه وسلم : قيل لأحد الصحابة بما كنتم تعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية ؟ قالوا : باهتزاز لحيته .
حيث كان صلى الله عليه وسلم لحيته كثة عظيمة تملأ ما بين عارضيه .(1/40)
وعندما أتى رسولا كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدهما حالقين للحية فأدار وجهه عنهما وقال : " ويلكما من أمركما بهذا ؟" قالا : أمرنا بهذا ربُّنا (يعنيان كِسرى ) فقال صلى الله عليه وسلم: " وأمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي..."الحديث .
فهل ترضى أخي أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويدير وجهه عنك . فاللهم رحماك .
2-اللحية سنة الخلفاء الراشدين: حيث ورد في وصفهم أن لحاهم كانت عظيمة ، وهي سنة السلف الصالح أجمعين.
3-اللحية سنة الأنبياء ، قال -عز وجل- حاكياً عن هارون وهو يُخاطب موسى :
.(1/41)
{ قال يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } ( طه : 94 )
وقال -عز وجل- آمراً بالإقتداء بهم :
{ فبهداهم اقتده } (الأنعام: 90)
4-قال صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ... " الحديث
...
أقوال العلماء في معنى الفطرة :
1- ابن القيم : الفطرة فطرتان : فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وهي تزكي الروح ، وفطرة تتعلق بالبدن وهي تزكي البدن ، وكل منهما تمد الأخرى . اهـ.
2- الفطرة من سنن الأنبياء الذين أمرنا بالإقتداء بهم.(1/42)
3- سنن إبراهيم ، قال تعالى:
{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } (البقرة: 124)
قال ابن عباس ... " هى سنن الفطرة " ... ... ... - فطرة الله ، التي اختارها لأول مفطور من البشر .
5- السنن التي لا تنسخ وتنتقل بين الشرائع.
أقوال العلماء في وجوب اللحية وحرمة حلقها :
1- قال عمر بن عبد العزيز: حلق اللحية مُثلة.
2- قال الشيخ علي محفوظ (من جهابذة علماء الأزهر): اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها.(1/43)
3- الإمام ابن حزم: حكى الإمام ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض.
4- الإمام ابن عبد البر (مالكي) ، وهو إمام جهبذ متقن: يحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.
5- الإمام ابن عابدين (حنفي المذهب): يحرم على الرجل حلق لحيته.
6- شيخ الإسلام ابن تيمية: يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة ، ولم يبح
7- قال الشيخ حسن عبد الله العدوي (من علماء الأزهر): واعلم أن حرمة حلق اللحية(1/44)
هي دين الله وشرعه ، ولم يشرع الله سوى هذا وأن القول بغير هذا خطأ وسفه وغباوة أو فسق وضلال أو عناد وجهالة أو غفلة عن هدي صاحب الرسالة ، علام يعتمدون ؟! وبأي شئ يستدلون ؟! لا كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح ، يا قوم أليس الله يقول :
{ فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول } (النساء:59) ،
ويقول :
{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثو لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويُسلموا تسليما } (النساء :65)
8-شيخ الأزهر السابق (جاد الحق علي جاد الحق) ، واستُفتِيَ -رحمه الله- عام 1980
عن بعض المجندين الذين يتمسكون باللحية وهل يجوز إجبارهم على حلقها.(1/45)
أجاب بعدم جواز ذلك ، وذكر الأدلة على ذلك ورد على بعض الشبهات التي تجيز حلق اللحية .
9- ولي الله الدهلوي: قص اللحية فيه تغيير لخلق الله.
10- حكيم الأمة التهانوي: حلق اللحية داخل في التغيير لخلق الله.
11- حكيم الأمة التهانوي: من أصر على حلق اللحية واستحسنه وظن أن إعفاء اللحية عار ومذلة وسخر بأصحاب اللحية ، فلا يمكن أن يكون إيمانه سالما ، بل يجب عليه قطعا أن يتوب.
12- العلامة ابن العثيمين: كل هذه الأوامر تدل على أن إعفاء اللحية واجب ، يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "أعفوا ، أرخوا ، وفروا ... "الحديث.(1/46)
13- العلامة أبو بكر الجزائري: وأما اللحية فيجب عليه أن يوفرها حتى تملأ وجهه وترويه ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أرخوا اللحى، أعفوا اللحى " بمعنى كثروها ووفروها ، فيحرم على ذلك حلقها.
14- حكيم الأمة التهانوي: ويشتد الأسف عندما ترى طلبة العلوم الشرعية مبتلين بمعصية حلق اللحية وهؤلاء مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا ، و يجب على القائمين على تلك المدارس أن يخرجوهم منها لأن الإقتداء بهم مهلك للأمة.
*قلت: وماذا يقول التهانوي لو رأى شيوخ كبرى في المؤسسات الدينية حالقين للحية.(1/47)
كيفية الأخذ من الشارب و إعفاء اللحية :
1- اللحية أختلف العلماء ما بين تركها على أصلها وعد أخذ شيء منها وبين أخذ ما زاد على القبضة أو أخذ شيء منها
إذا فحش طولها.
2- أختلف العلماء في الأخذ من الشارب ما بين الحلق وهو ما نزل على الشفة وبين جزه بالكلية ( وهو خلاف سائغ بين العلماء)
مكانة اللحية عند السلف :
كان للحية مكانة كبيرة عند السلف يتضح ذلك من بعض الأقوال التي نقلت عنهم
كان الأحنف بن قيسسيدا في الأنصار وكان بلا لحية قالت الأنصار عنه : نِعْمَ(1/48)
الرجل هو إلا أنه لا لحية له ، ولو كانت اللحية تشترى لأشتريناها له
كان القاضي شريح بلا لحية فقال : وددت أن لي لحية بعشرة ألاف درهم
قلت : فكيف بهم لو رأوا رجال عصرنا الذين لا يقيمون لتلك النعمة وزنا ويبترونها صباح مساء .
بعدما علمت الأدلة وأقوال أهل العلم في المسألة وهي لا شك ظاهرة غاية الظهور في الدلالة على أن إعفاء اللحية فرض ومع ذلك لازال البعض يُلبس على المسلمين ويعمل على وضع الشبهات لصدهم عن طاعة الله ، وفيما يلي عرض لأشهر تلك الشبهات والرد عليها في إيجاز :(1/49)
شبهة 1 : يقول بعض المعاصرين إن إعفاء اللحية من قشور الدين (1) .
واعلم أخي -أكرمني الله وإياك- أن تقسيم الدين إلى قشر ولب تقسيم مبتدع ، لأن الدين كله لباب وليس فيه قشور ، إذ كيف تسمي الشريعة وأوامر وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وكلام الله سبحانه قشوراً ؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم .
- وإذا ما سألت أحدهم عن تعريف القشر واللب ما استطاع أن يُجيبك،
ذلك لأنها مقولة مبتدعة لم يعرفها السلف ، والذين كل الخير في اتباعهم.
__________________
(1)لقد سمعت هذه المقولة من اثنين من الدكاترة أثناء دراستي الجامعية . راجع كتاب " تقسيم الدين إلى قشر ولباب" د.محمد إسماعيل .(1/50)
وقد سُئل بعض علماء السلف : هل يجوز القول بأن في الدين قشوراً ؟
( أ ) فأجاب سلطان العلماء العز بن عبد السلام (مختصراً) : لا يجوز التعبير عن الشريعة من كثرة مافيها من المنافع والخير بالقشور ، وكيف يكون الأمر في الطاعة قشراً ولا يطلق مثل هذه الألقاب إلا غبي ، شقي ، قليل الأدب .
(ب ) تقي الدين السبكي : أجاب عن ذلك -رحمه الله- فقال: إن أراد ما الفقهاء عليه من العلم ومعرفة الأحكام فليس من القشور بل من اللب ، ومن قال عليه أنه من القشور استحق الأدب . اهـ .(1/51)
-وعلينا أخي أن نتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا قشو إنما القشور في من خالف هديه .
شبهة 2 : قول بعضهم الإسلام لا يهتم بالمظاهر أو كما يعبر عنها العامة ربك رب قلوب .
? وقد رد العلامة الألباني على تلك الشبهة بذكر أحاديث تثبت أن الإسلام يهتم بالمظاهر الشكلية.
1-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ".
2- " لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتلفجات للحسن المغيرات خلق الله... " فهذه الأحاديث تدل على اهتمام الإسلام بالمظاهر الشكلية .(1/52)
شبهة 3 : لا عبرة بالظاهر المهم الباطن ( القلب )
وما علم أن الظاهر يؤثر في الباطن ، فإذا لم يتبع ما أمره الله به في شكله الظاهري فإن ذلك يؤثر على باطنه .
-وقد ذكر العلامة الألباني مثالاً واقعياً يثبت به أن الظاهر يؤثر في الباطن ، فقال -رحمه الله- : أذا لبس رجل ملابس بالية قديمة فإنك ستجده يمشي منكسراً ، رأسه إلى الأرض.
وإذا لبس نفس الرجل ملابس فاخرة فسيرفع رأسه ويمشي مشية استعلاء عن سابقتها.
-وهناك أحاديث تثبت أن الظاهر يؤثر في الباطن وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً بادياً(1/53)
صدره في الصف فقال صلى الله عليه وسلم: "ولتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم " رواه البخارى ومسلم.
وهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المخالفة في الظاهر تؤثر في الباطن .
شبهة 4 : (1) وهذه الشبهة متعلقة بالتي قبلها إذ أن أصحاب الشبهة السابقة يستدلون على شبهتهم بأحاديث لا علاقة لها بالموضوع مثل قوله صلى الله عليه وسلم :
1- قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى "
__________________
(1) وهذه الشبهة والتي قبلها عانى منها إخواننا الملتحون من غير طلاب العلم كثيرا من بعض العوام ورجعوا لنا في ذلك فاللهم ارزقنا الحق واتباعه(1/54)
2- " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب "
3- " إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "
وللرد على تلك الشبهة لابد أن نعلم أولاً أن قبول الأعمال عند الله -سبحانه وتعالى- لابد لها من شرطين :
1-إخلاص النية
2-موافقه السنة
*وهذه الأحاديث تشير للشرط الأول ، وليس لها علاقة بما يدعيه هؤلاء ، والمعنى هو: إنما الأعمال الصالحة المقبولة بالنيات الخالصة.(1/55)
*والحديث الثاني "إن في الجسد مضغة... " الحديث
.
وهذا أيضاً ليس له علاقة بما يدَّعونه ، حيث إن معناه أن صلاح الإنسان بصلاح قلبه ، فإذا كان قلبه ممتلئاً بمحبة الله وخشية الله نشأ عن ذلك اجتناب المحرمات والشهوات ،
ولو فسد القلب وغلب عليه اتباع الهوى وفعل ما يهواه غير معتبر برضى الله سبحانه ، ولهذا يُمكن الإستدلال على صلاح أو فساد القلب بمدى ما تظهره الجوارح من الإنقياد لشرع الإسلام ،
فلا يتصور قلب عامر وفيه معاندة لشرع الله ، فمن حلق لحيته واحتج بصلاح باطنه ، كذّبه ظاهره ومن أعفاها كانت قرينة على امتثاله لأمر الله في الظاهر وحسابه على الله في الآخرة .(1/56)
*واحتجوا بحديث ثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
" إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ،
وهذا الحديث أيضاً ليس له علاقة بدعواهم بل إن معناه حجة عليهم ،
فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله لا(1) ينظر إلى قلوبكم فقط ولكن قال " إلى قلوبكم وأعمالكم " أيّ : الأعمال التي تصدر من تلك القلوب ،
ولابد أن تكون أعمالاً صالحة يُراد بها وجه الله لأنها صدرت عن قلوب مخلصة ، وفي الحديث إشارة إلى أن المعتبر عند الله التقوى والتي محلها القلب .
قال صلى الله عليه وسلم : " التقوى هاهنا" ، وأشار بيده على صدره ثلاثاً .
_____________________
(1) قلت : هكذا في النسخة التي عندي وأظن أن الصواب بدون لا!(1/57)
وقال تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ( الحجرات : 3 )
والمعنى أن أكرم الناس عند الله أتقاهم وهو أكثرهم طاعة وانكفافاً عن المعاصي لا أكثرهم قوماً أو أشرفهم نسباً ، وليس ميزان الناس عند الله (الصور المليحة أو الثياب الفاخرة) ولكن الميزان التقوى .
قال صلى الله عليه وسلم : " رب أشعث أغبر (1) مدفوع بالأبواب (2) ، لو أقسم على الله لأبره " (رواه مُسلم)
والمعنى أن هذا الرجل ليس له مكانة عند الناس ولكنه مكانته عند الله رفيعة .
_____________________
(1) أشعث: ثائر الرأس.
- أغبر:عليه غبار وهو كناية عن سوء الهيئة.
(2) مدفوع بالأبواب: أي يدفع الناس الأبواب في وجهه لسوء صورته وهيئته.(1/58)
روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل فقال: " ماتقولون في هذا؟ "
قالوا : حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع ، ثم سكت فمر عليه رجل آخر فقال: " ما تقولون في هذا ؟ "
قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع ،
فقال صلى الله عليه وسلم : " هذا خير من ملء الأرض من هذا "
،،
وخلاصة الكلام أن ميزان التقييم عند الله ليس بالأجسام الضخمة ولا بالملابس الفاخرة ولكن بالقلوب التقية النقية والأعمال الخالصة الصادرة عن هذه القلوب .(1/59)
شبهة 5 :
يقول البعض أنتم تدعون الناس لمثل هذه المسائل والمسلمون يذبحون في فلسطين والشيشان .
وقد كفانا مؤنة الرد على هذه الشبهة أحد العلماء وهو الشيخ زاهر بن قاسم العمري اليماني ، قيل له : أنت تنهي عن حلق اللحية وتأمر النساء بتغطية الوجوه والمسلمون يذبحون في أفغانستان ؟؟
فقال : ياهذا ، هب أننا حلقنا اللحية وخرجت النساء عاريات ماذا يستفيد من ذلك الأفغانيون .اهـ.
وبذات القول نرد على هؤلاء المخالفين : بل إن إعفاء اللحية والتي هي فرض عليكم ، نستمطر بها وبأمثالها من الطاعات رحمة الله ونصره -سبحانه وتعالى- ، وإعفاؤها أرجى(1/60)
لاستجابة الدعاء إذا دعوت لهم ، ثم ماهو التعارض بين مناصرتك لإخوانك وبين إعفائك للِّحية ؟!
شبهة 6 :
ويقول آخرون : نريد أن نتقدم ونساير ركب الحضارة والتطور ، وأنتم لازلتم تدعون لإعفاء اللحية .
فنرد عليهم بذات الرد السالف وهو : ما هو التعارض بين إعفاء اللحية ومسايرة العلوم العصرية والتقدم ؟!
إن المسلمين الأوائل تقدموا في سائر العلوم العصرية فلم يتركوا باباً إلا ولجوه في الوقت الذي كانت أوربا غارقة في سبات الجهل والظلام ، بل إن علوم المسلمين هذه كانت الأساسا الذي بنت عليه أوربا حضارتها الحديثة ،ولم يمنعهم(1/61)
إعفاء اللحية أو تقصير الثياب (1) أو غيره من الطاعات ، من التقدم والتحضر .
وتلك الشبهة تفوح منها رائحة الانهزامية والشعور بالدنو ،
يقول المؤرخ الأشره ابن خلدون (2) : " إن المغلوب مولع بالإقتداء بالغالب"اهـ
وذلك لأنه ينظر إليه على أنه أعلى منه وإلى جانب تلك الحالة النفسية فقد عمل الإحتلال الأوربي جاهداً على إماتة روح الإعتزاز بالإسلام (3) ،
والأوربيون ما تقدموا
______________________
(1) رسالة تحت الإعداد " الإيجاز والعرض في أن تقصير الرجال للثياب حتى الكعبين فرض"
(2) كتاب " المقدمة " لابن خلدون
(3) أفضل كتاب وقفت عليه يتحدث في هذا الموضوع (العلمانية) للدكتور سفر الحوالي.(1/62)
ولا تطوروا حتى نبذوا تعاليم الكنيسة التي تحرم عليهم التطور والتقدم ،،
وأما إسلامنا فيشجع على ذلك ، فلسنا مثلهم حتى نتنكر لديننا في الظهر أو الحكم أو غيره ونتشبه بهؤلاء الصليبيين أو المحتلين ،،بل وصلت الإنهزامية عند البعض أن قال :سنأخذ كل ما عند الأوربيين حتى الالتهابات التي في رئيهم والنجاسات التي في أمعائهم .
حتى كبرت وعظمت تلك البلية ووصلت إلى حلق اللحية ،
هذا رد موجز على هؤلاء المتنكرين ،،فإياك أخي أن يؤثر فيك هذا الكلام وقارن بين المسلمين قديماً وتمسكهم بالدين ووضعنا الحالي فستعلم هذا جيداً .
فاللهم ارزقنا التزاماً بكتابك وسنة نبيك .(1/63)
شبهة 7 :
يقولون : هل انتهيت من كل شئ ولم يبق إلا اللحية حتى تعفيها ؟!
هذه شبهة مشتهرة على ألسن العوام من الناس ،،
فنقول : من رتب لكم الإلتزام بالسنن على هذا النحو بحيث تكون اللحية آخر شئ تلتزم به ؟!
إنك ما دمت مسلماً توحد الله سبحانه وتؤمن برسوله فإن كان إيمانك صادقاً ومحبتك للنبي صلى الله عليه وسلم صادقة عليك بالإلتزام بأي سنة تعلمها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واللحية سوف يعينك الله سبحانه وتعالى بها على الكثير من الخير .
شبهة 8 :
اللحية ليست كل شئ ولماذا تهتمون بها كل هذا لإهتمام ؟!
لقد اهتمت السنة اهتماماً كبيراً بهذا الشأن ووردت أحاديث كثيرة تبين أن اللحية(1/64)
فرض ،، وتبين فضلها ، فيا أخي الذي ولاها هذا لإهتمام هو قدوتنا صلى الله عليه وسلم ،،
والذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
ويكفي أنها تميزك عن اليهود والنصارى بالصفة التي سنَّها لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلابد أن يكون اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم متميزين عمن يكفرون به وبشريعته ،،
وهذا التميز أولاه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون اهتماماً كبيراً .
شبهة 9 :
يقول بعضهم : ليس لدي قسط من العلم حتى أعفي اللحية .
وهذه شبهة واهية ، لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية للأمة وليس لمن لديه العلم فقط ،،
فيا أخي ليس سبب(1/65)
إعفائك للِّحية هو وجود قسط من العلم فقط ، بل هو إسلامك .
? يقول بعض إخواننا الفضلاء إن الناس إذا وجدوني ذا لحية سألوني أسئلة في الدين فأعجز عن الإجابة
فنقول يا أخي اللحية فرض وهذا ليس عذراً عند ربك.
? ثم إنك لست أحسن حالاً من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أحدهم يسأل السئال فيقول : لا أعلم .
-فهذا الإمام مالك أتاه سائلٌ يسأله وقد قطع له الأسفار ، فأجاب عن بعض الأسئلة واعتذر عن الإجابة عن البعض ،،
ولما قال السائل أرسلني الناس إليك وأنت الإمام وتقول لا أعلم!
قال له مالك : إذا رجعت إلى إخوانك فقل لهم : مالك لا يعلم هذا .(1/66)
?? وهذا الإمام أحمد بن حنبل يحكي عنه تلامذته ، يقولون: سئل أبو عبد الله عن كذا فقال لا أعلم ،،
والأمثلة على هذا لا تحصى عدداً ويضيق المجال بذكرها ، فلست أخي أحسن حالاً من هؤلاء.
شبهة 10 :
ينكر البعض أن تكون اللحية فرضاً ، ويقولون لو كانت فرضاً لورد في القرآن .
فنقول لهم : أنتمن تخلطون بين الدليل السني والحكم السني :
الحكم السني : ويسمى مستحباً (سنة) وهو الأمر الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه .
الدليل السني : هو الأمر الذي ورد دليله في السنة وقد يكون فرضاً وقد يكون سنة مستحبة .(1/67)
مثال : الوقوف بعرفة فرض ويبطل الحج بتركه ، ولم يرد في القرآن ،،
بل ورد في السنة ، قال صلى الله عليه وسلم :
" الحج عرفة "
فهل يجوز لنا أن نقول إن الوقوف بعرفة سنة وليس فرضاً وعدم الوقوف بعرفة يبطل الحج ؟!
شبهة 11 :
بعد كل هذه الأدلة وأقوال الأئمة من السلف والمحدثين نرى من يأتي ويقول مسألة إعفاء اللحية مسألة خلافية بين العلماء فالبعض يقول إنها فرض والبعض يقول أنها سنة.
وليعلم من يقول هذا أن كبار أئمة أهل السنة أنكروا أن يكون في المسألة خلاف ،،
فهذا لإمام ابن حزم الذي نقل إجماع كل علماء السلف على أن اللحية فرض ،، وهذا(1/68)
شيخ الإسلام ابن تيمية قال : ولم يبيحه أحد -يعني حلق اللحية- ،
فنفى أن يكون في المسألة خلاف ،،
فلا عبرة بقول من خالف بعد ذلك ،،
فيا أخي لا تسمح للشيطان أن يجرك إلى شبهات أخرى ويلبس عليك أمر دينك ،
فكل ما يعترض طريق طاعتك إلى ربك شبهات شيطانية ،،
فَنَحِّها جانباً .
فنسأل المولى -جل وعلا- أن يرزقنا طاعته .
شبهة 12 :
قول البعض وجدنا كثير من الملتحين يعصون الله .
فنقول : هذا لا يعد عذراً لكم عند الله وبمقياس عقلي ،
إنه يوجد الكثير من المصلين يعصون الله ،،
فهل يجيز لنا ذلك ترك الصلاة(1/69)
وهي فرض في دين الله -سبحانه وتعالى- ؟!
كل هذا لا يعدو أن يكون إلا تلبيسات شيطانية .
شبهة 13 :
ومما تكرر سماعه من بعض العوام :
لو كانت فرضاً لما حلقها الشيخ فلان والشيخ فلان ؟
فنقول لهم قول أحد السلف :
الحق لا يعرف بالرجال ،،
أي أنك لا تقول هذا حق لأن الشيخ فلان فعله ، ولكن تقول هذا حق لأنه أتى في كتاب الله أو سنة رسول الله أو ورد عن الصحابة .
هذه هي القدوة وهذا هو القياس .
واللحية ، وردت عن النبي وأمر بها صلى الله عليه وسلم على سبيل الفرض ،،
ووردت عن الصحابة(1/70)
ومن تبعهم بإحسان ،،
فمَن حلق لحيته بعد ذلك يكون هو المخطئ والسنة هي الصواب ،،
ولا نقول إن السنة خطأ وفعل الناس هو الصواب
بل الحق ثابت . ومن خالفه مخطئ .
وكل هذه مداخل شيطان فلا تدع لها مجالاً .
شبهة 14 :
ومما يتكرر على ألسن العوام :
" ليس من المعقول أن يكون كل هؤلاء الناس على خطأ -أي الذين يحلقون اللحية- "
فنقول لهم كما سلف الذكر : الحق ثابت لا يتغير ، وإن خالفه أكثر الناس ،،
وقد تكرر هذا في القرآن كثيراً :
{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( يوسف : 21 (
{ ولكن أكثر الناس لا يشكرون } (البقرة : 243((1/71)
فالكثرة كما ذكرت الآيات على خلاف الحق .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي ومعه الرجل ، والنبي وليس معه أحد"
فبذلك تعلم أن الحق لا يقاس بكثرة الأتباع ولكن يقاس بالكتاب والسنة وماكان عليه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد عبر أحد السلف عن هذا المعنى متأولاً كتاب الله وسنة رسوله وهو القاضي الفضيل بن عياض ، قال -رحمه الله- :
" اسلك طريق الحق ولا تغتر بقلة السالكين ، وإياك وطريق الضلالة ولا يغرك كثرة السالكين "(1/72)
والناس ينظرون إلى الأمر من نهايته لا من بدايته ،،
فقد كان الناس قبل الإحتلالات الأوربة والصليبية جميعهم ملتحين ،،
ففي ذلك الوقت كانت الكثرة هم الذين يعفون اللحية ، وبعد الإحتلالات وحرص المحتلين على أن نقلدهم أصبحت الكثرة على الخطأ والقلة على الصواب .
فعلى أي شئ نقيس ، على القلة أم على الكثرة ؟!
دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على العلاج فقال :
" إنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... " الحديث .
ولم يقل صلى الله عليه وسلم فعليكم بالكثرة أو الأغلبية !(1/73)
فعليك أخي أن ترجع إلى المصدر المعصوم الذي دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
نصيحة : يعاني الكثير من الملتحين من سخرية واستهزاء الناس به ، ويشتد الألم من جانب الإخوة الملتحين من غير طلاب العلم .
فنقول لهم : إن لكم أسوة حسنة في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فكم استهزأ الناس بهم ،
وكم عذبوا ! إلا أنهم صبروا ،،فالطاعة تحتاج إلى صبر ، وليعلموا أن من مداخل الشيطان الأصلية إذا عجز عن النيل من الصالحين الطائعين فإنه يسلط عليهم الناس يسخرون بهم ،
فربما يرجعون عن الطاعة ، وإذا علمت ذلك فاثبت أخي الكريم على طاعتك ودعك(1/74)
من وساوس الشيطان وجنوده لتكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ...
فاللهم وفقنا لطاعتك .
شبهة 15 :
يطالب البعض بأدلة تحريم حلق اللحية وإثبات كونها فرضاً .
وفيما سبق كفاية وإقناع ،،
ولكنا نقول : إن الأصل في إزالة أي شئ من الجسم المنع ، كما سبق بيانه ،
فمن قال بجواز إزالة أي شئ من الجسم فعليه هو بالدليل ،،
فنقول له : إذا قلت ما هو دليل فرضية اللحية نقول أولاً عدم وجود دليل على جواز إزالتها ،،
ونقول : ائت أنت بدليل يجوز حلق اللحية .
فاللهم ارزقنا السير على الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.(1/75)
فتاوي لجنة الإفتاء بالسعودية
برئاسة الإمام / عبد العزيز بن باز
وفيما يلي مختارات من فتاوي لجنة الإفتاء :
1- حالق اللحية يستحق التعذيب في الدنيا ( أي عقوبة الحاكم له على حلق اللحية ، والعذاب إلا أن يتوب إلى الله )
2-الإصرار على حلقها من الكبائر
3- من زعم أن إعفاء اللحية سنة يثاب فاعلها ولا يستحق تاركها العقاب فقد غ
لط وخالف الأحاديث الصحيحة لأن الأصل في الأوامر الوجوب وفي النهي التحريم ، ولا يجوز لأحد أن يخالف ظاهر الأحاديث الصحيحة إلا لحجة تدل على صرفها عن ظاهرها ، وليس هناك حجة تصرف الأحاديث عن ظاهرها(1/76)
4-ومن استهزأ بها فقد أتى منكراً عظيماً يوجب ردته عن الإسلام لأن الإستهزاء بما دل عليه الكتاب والسنة يعتبر كفراً وردة عن الإسلام
5-أجابت لجنة الفتوى عن سؤال هل يدخل شعر الخدين في اللحية ؟ فأجابت بما يلي:
- شعر الخدين داخل في اللحية فلا يجوز إزالته لا بحلق ولا بقص ، وممن نص على أن شعر الخدين داخل في اللحية :
1- الإمام اللغوي : الفيروز أبادي . صاحب القاموس المحيط .
2- الإمام اللغوي: ابن منظور صاحب لسان العرب.
(فتاوي لجنة الفتوى مع تصرف يسير)(1/77)
قلت : ومما تجدر الإشارة إليه :
1- الأخذ من اللحية فيما فوق القبضة إثم وذنب ومن فعل هذا فهو غير معفٍ للحيته ، ولم يأت بما يرفع الإثم من عدم إعفائه للِّحية .
2- ومن التقاليع الفاسدة التي تلبس بها بعض الشباب قيامهم بحلق اللحية بحيث تمثل مع الشارب نصف دائرة ، فهذه مخالفة وإثم مركب ،
أولاً: إثم عدم إعفاء اللحية ،
ثانياً: إثم التشبه بالكفار وهو أمر محرم.
3- ومن الأمور التي تخفي على بعض الآباء الكرام الذين منَّ الله عليهم بالإلتحاء والذين تقدمت بهم السن حتى ابيشت لحاهم ،
فعليهم إتماماً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن(1/78)
يقوموا بصبغ اللحية وأن يتجنبوا صبغها باللون الأسود :
1-خرج النبي صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيش لحاهم ،،
فقال : " يا معشر الأنصار حمروا أوصفروا خالفوا أهل الكتاب "
2- وفي عام الفتح أتوا بوالد أبي بكر الصديق ، وكانت لحيته بيضاء فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أن يذهبوا به إلى بعض أهله يصبغوا له لحيته وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يجنبوه السواد .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ،
أستغفرك وأتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(1/79)
الفهرس
الموضوع ........................................................................... الصفحة
* تقديم الشيخ د/أحمد فريد ............................................................. 3
* تمهيد ................................................................................ 5
* مقدمة المؤلف ........................................................................ 9
* أدلة وجوب اللحية .................................................................. 13
أ- إعفاء اللحية أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - .................................... 13
ب- حلق اللحية تشبّه بالكفار ......................................................... 21
ج- حلق اللحية تشبّه بالنساء ......................................................... 35
د- حلق اللحية تغيير لخلق الله ........................................................ 37
* أقوال العلماء في وجوب اللحية وحرمة حلقها ....................................... 43
كيفية الاخذ من الشارب ..............................................................48
* شبهات حول اللحية ............................................................... 50
* فتاوي لجنة الإفتاء بالسعودية ....................................................... 76
* بعض الضوابط الشرعية لإعفاء اللحية .............................................. 44(1/80)