وقال في الرَّوْضَةِ هل يَجِبُ الْمُسَمَّى في الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فيه رِوَايَتَانِ
فَائِدَةٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إذَا لم يَتَسَلَّمْهَا وَلَوْ بَذَلَهَا له الْمَالِكُ وهو صَحِيحٌ وَلَا خِلَافَ فيه
قَوْلُهُ وَإِنْ اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عنها دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ
لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك
____________________
(6/88)
بَابُ السَّبَقِ
قَوْلُهُ يَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ على الدَّوَابِّ وَالْأَقْدَامِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالسُّفُنِ وَالْمَزَارِيقِ وَغَيْرِهَا
يَعْنِي يَجُوزُ ذلك بِلَا عِوَضٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وقال الْآمِدِيُّ يَجُوزُ في ذلك كُلِّهِ إلَّا بِالْحَمَامِ
وَقِيلَ لَا بِالْحَمَامِ وَالطَّيْرِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَصِحُّ السَّبَقُ بِلَا عِوَضٍ على أَقْدَامٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ
وَقِيلَ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَطُيُورٍ وَرِمَاحٍ وَحِرَابٍ وَمَزَارِيقَ وَشُخُوتٍ وَمَنَاجِيقٍ وَرَمْيِ أَحْجَارٍ وَسُفُنٍ وَمَقَالِيعَ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وفي الطُّيُورِ وَجْهَانِ
وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الرَّوْضَةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَكَرِهَ أبو بَكْرٍ الرَّمْيَ عن قَوْسٍ فَارِسِيَّةٍ
وقال في الْفَائِقِ وَمَنَعَ منه أبو بَكْرٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا في كَرَاهَةِ لَعِبٍ غَيْرِ مُعِينٍ على عَدُوٍّ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ له في ذلك قَصْدٌ حَسَنٌ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَكُلُّ ما يُسَمَّى لَعِبًا مَكْرُوهٌ إلَّا ما كان مُعِينًا على قِتَالِ الْعَدُوِّ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عليه
وَذَكَرَ في الْوَسِيلَةِ يُكْرَهُ الرَّقْصُ وَاللَّعِبُ كُلُّهُ وَمَجَالِسُ الشَّعْرِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا
____________________
(6/89)
وقال أَيْضًا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ اللَّعِبِ مُطْلَقًا
وقال الْآجُرِّيُّ في النَّصِيحَةِ من وَثَبَ وَثْبَةً مَرِحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ فَانْقَلَبَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ عَصَى وَقَضَى الصَّلَاةَ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ما قد يَكُونُ فيه مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لم يَكُنْ فيه مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ
وقال أَيْضًا وما أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عنه وَإِنْ لم يُحَرَّمْ جِنْسُهُ كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ اللَّعِبُ بالة الْحَرْبِ قال جَمَاعَةٌ وَالثِّقَاف
نَقَلَ أبو دَاوُد لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَعَلَّمَ بِسَيْفٍ حَدِيدٍ بَلْ بِسَيْفٍ خَشَبٍ
وَلَيْسَ من اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ تَأْدِيبُ فَرَسِهِ وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ وَرَمْيُهُ عن قَوْسِهِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ في ذلك
وقال الزَّرْكَشِيُّ وَيَجُوزُ الصِّرَاعُ وَرَفْعُ الْحِجَارَةِ لِيُعْرَفَ الْأَشَدُّ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ إلَّا في الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَذَكَرَ بن الْبَنَّا وَجْهًا يَجُوزُ بِعِوَضٍ في الطَّيْرِ الْمُعَدَّةِ لِأَخْبَارِ الْأَعْدَاءِ انْتَهَى
وَذَكَرَ في النَّظْمِ وَجْهًا بَعِيدًا يَجُوزُ بِعِوَضٍ في الْفِيَلَةِ
وقد صَارَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رُكَانَةَ على شَاةٍ فَصَرَعَهُ ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَصَرَعَهُ فَأَسْلَمَ فَرَدَّ عليه غَنَمَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد في مَرَاسِيلِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا وَغَيْرُهُ مع الْكُفَّارِ من جِنْسِ جِهَادِهِمْ فَهُوَ في مَعْنَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فإن جِنْسَهَا جِهَادٌ وَهِيَ مَذْمُومَةٌ إذَا أُرِيدَ بها الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالظُّلْمُ
____________________
(6/90)
وَالصِّرَاعُ وَالسَّبَقُ بالأقدام وَنَحْوُهُمَا طَاعَةٌ إذَا قُصِدَ بها نَصْرُ الْإِسْلَامِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عليه أَخْذٌ بِالْحَقِّ فَالْمُغَالَبَةُ الْجَائِزَةُ تَحِلُّ بِالْعِوَضِ إذَا كانت مِمَّا يُعِينُ على الدِّينِ كما في مُرَاهَنَةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه
وَاخْتَارَ هذا كُلَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا مُعْتَمِدًا على ما ذَكَرَهُ بن الْبَنَّا
قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْمُرَاهَنَةِ بِعِوَضٍ في بَابِ الْعِلْمِ لِقِيَامِ الدِّينِ بِالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ
وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وهو حَسَنٌ
وقال في الرَّوْضَةِ السَّبَقُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْحَافِرِ فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي حَافِرٍ وَالْخُفِّ فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي خُفٍّ وَالنَّصْلِ فَيَخْتَصُّ بِالنِّشَابِ وَالنَّبْلِ وَلَا يَصِحُّ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ في غيرهما ( ( ( غيرها ) ) ) مع الْجُعْلِ وَعَدَمِهِ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلِتَعْمِيمِهِ وَجْهٌ وَيَتَوَجَّهُ عليه تَعْمِيمُ النَّصْلِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ في الشُّرُوطِ أَحَدُهَا تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ يَعْنِي بِالرُّؤْيَةِ وَالرُّمَاةِ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أو جَمَاعَتَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ قال في التَّرْغِيبِ في عَدَدِ الرُّمَاةِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ من نَوْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ بين عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وهو وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
____________________
(6/91)
قال في الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ بِنَاءً على تَسَاوِيهِمَا في السَّهْمِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَتَسَاوِيهِمَا في النَّجَابَةِ وَالْبَطَالَةِ وَتَكَافُئِهِمَا
قَوْلُهُ وَلَا بين قَوْسٍ عَرَبِيٍّ وَفَارِسِيٍّ
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وقال هذا الْمَذْهَبُ
وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وهو وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال أبو بَكْرٍ لَا يَجُوزُ قَالَهُ في الْفَائِقِ
وقال في الْفُرُوعِ وَكَرِهَهُ أبو بَكْرٍ كما تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ
الثَّانِيَةُ إذَا عَقَدَا النِّضَالَ ولم يَذْكُرَا قَوْسًا صَحَّ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَيَسْتَوِيَانِ في الْعَرَبِيَّةِ أو غَيْرِهَا
وقال غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَا نَوْعَ الْقَوْسِ الذي يَرْمِيَانِ عنه في الِابْتِدَاءِ
قَوْلُهُ وَمَدَى الرَّمْيِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُعْرَفُ ذلك إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أو بِالذِّرَاعِ نَحْوُ مِائَةِ ذِرَاعٍ أو مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وما لم تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ وهو ما زَادَ على ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَلَا يَصِحُّ
وقد قِيلَ إنَّهُ ما رَمَى في أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَّا عُقْبَةَ بن عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه
____________________
(6/92)
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ تُنَاضِلُهُمَا على أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ زَادَ في التَّرْغِيبِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ
وَقِيلَ يَصِحُّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الرُّمَاةِ الْآنَ في أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا مُبَاحًا بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطِ سَبْقِهِ فَلِهَذَا قال في الِانْتِصَارِ في شَرِكَةِ الْعِنَانِ الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ من غَيْرِ مُحَلِّلٍ
قال وَعَدَمُ الْمُحَلِّلِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ من كَوْنِ السَّبَقِ من أَحَدِهِمَا وَأَبْلَغُ في تَحْصِيلِ مَقْصُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا وهو بَيَانُ عَجْزِ الْآخَرِ وَأَنَّ الْمَيْسِرَ وَالْقِمَارَ منه لم يَحْرُمْ لِمُجَرَّدِ الْمُخَاطَرَةِ بَلْ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ أو لِلْمُخَاطَرَةِ المتضمنه له انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ
قَوْلُهُ يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا أو بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا أو رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا ولم يَأْخُذَا منه شيئا وَإِنْ سَبَقَ أَحَدَهُمَا أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ معه الْمُحَلِّلُ فَسَبَقُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا بِلَا نِزَاعٍ في ذلك كُلِّهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا الِاكْتِفَاءُ بِالْمُحَلِّلِ الْوَاحِدِ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(6/93)
قال الْآمِدِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ من وَاحِدٍ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَكْثَرُ من وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ أَصْحَابَهُ أو غَيْرَهُمْ لم يَصِحَّ الشَّرْطُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ شَرْطُ السَّبْقِ للاستاذ وَلِشِرَاءِ قَوْسٍ وَكِرَاءِ حَانُوتٍ وَإِطْعَامِهِ لِلْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعِينُ على الرَّمْيِ
قَوْلُهُ وفي صِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَالْمُسَابَقَةُ جِعَالَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ ليس لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(6/94)
وفي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ في حَقِّ الْمُحَلِّلِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ مَغْبُوطٌ كَمُرْتَهِنٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ له الْفَسْخُ دُونَ صَاحِبِهِ
وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَا يُؤْخَذُ رَهْنٌ وَلَا كَفِيلٌ بِعِوَضِهِمَا
وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا على هذا الْوَجْهِ يَجُوزُ فَسْخُهُ وَالِامْتِنَاعُ منه وَالزِّيَادَةُ في الْعِوَضِ
زَادَ غَيْرُهُمْ وَأَخْذُهُ بِهِ رَهْنًا أو كَفِيلًا
قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا ليس لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاكِبَيْنِ وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ
وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ على هذا الْقَوْلِ
وَقَوْلُهُ وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ له وَارِثٌ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ من تَرِكَتِهِ
هذا إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ
فَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ من يَقُومُ مَقَامَهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ وهو كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ في كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ لِقَطْعِهِمْ بِفَسْخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْحَاوِي
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَارِثُهُ كَهُوَ في ذلك ثُمَّ الْحَاكِمُ جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وهو كَالصَّرِيحِ في الْبُلْغَةِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فيه
____________________
(6/95)
لَكِنْ جَعَلَ الْوَارِثَ بِالْخِيَرَةِ في ذلك وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْبُلْغَةِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فيه قبل الْعَمَلِ وَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ بَلْ يَبْدَأُ بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ قبل الْعِوَضِ
قَوْلُهُ وَالسَّبَقُ في الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إذَا تَمَاثَلَتْ الْأَعْنَاقُ وفي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ
وكذا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الْفُرُوعِ وَالسَّبَقُ بِالرَّأْسِ في مُتَمَاثِلِ عُنُقِهِ وفي مُخْتَلِفِهِ وَإِبِلٍ بِكَتِفِهِ وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ
وقال في الْمُحَرَّرِ وَالسَّبَقُ في الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ سَبَقُ الْكَتِفِ وَتَبِعَهُ في الْمُنَوِّرِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالسَّبَقُ في الْخَيْلِ بِالْعُنُقِ وَقِيلَ بِالرَّأْسِ
زَادَ في الْكُبْرَى مع تَسَاوِي الْأَعْنَاقِ
ثُمَّ قال فِيهِمَا وفي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ
زَادَ في الْكُبْرَى أو بِبَعْضِهِ ثُمَّ قال فِيهِمَا وَقُلْت في الْكُلِّ بِالْأَقْدَامِ انْتَهَى
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ شَرَطَ السَّبَقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ كَثَلَاثَةٍ أو أَكْثَرَ أو أَقَلَّ لم يَصِحَّ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا مع فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ على الْعَدْوِ وَلَا يَصِيحُ بِهِ في وَقْتِ سِبَاقِهِ
هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي فِعْلَ ذلك مُحَرَّمٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
____________________
(6/96)
وقال بن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ يَكْرَهَانِ
وَفَسَّرَ الْقَاضِي الْجَنْبَ بِأَنْ يُجَنِّبَ فَرَسًا آخَرَ معه فإذا قَصَّرَ الْمَرْكُوبُ رَكِبَ الْمَجْنُوبَ
قَوْلُهُ في الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ لها شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ على من يُحْسِنُ الرَّمْيَ فَإِنْ كان في أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ من لَا يُحْسِنُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فيه وَأُخْرِجَ من الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلُهُ وَلَهُمْ الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا
فَظَاهِرُهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الْعَقْدِ لِقَوْلِهِ وَلَهُمْ الْفَسْخُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وفي بُطْلَانِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وقد عَلِمْت قَبْلُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ في الْبَاقِي على الصَّحِيحِ فَكَذَا هُنَا
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو عَقَدَ النِّضَالَ جَمَاعَةٌ لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَمَالَا إلَيْهِ
فَعَلَى هذا إذَا تَفَاصَلُوا عَقَدُوا النِّضَالَ بَعْدَهُ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا ثُمَّ يَخْتَارُ الْآخَرُ آخَرَ حتى يَفْرُغَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْخِيرَةِ اقْتَرَعَا وَلَا يَقْتَسِمَانِ بِقُرْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا وَلَا الْخِيَرَةِ في تَمَيُّزِهِمَا إلَيْهِ وَلَا السَّبَقِ عليه
الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(6/97)
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَهُمَا وَجْهَانِ في التَّرْغِيبِ وَاحْتِمَالَانِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاحْتِمَالُ وَجْهَيْنِ في الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
الثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فيه إصَابَةٌ مُمْكِنَةٌ في الْعَادَةِ
قَوْلُهُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ هل هو مُنَاضَلَةً أو مُبَادَرَةً
وَكَذَا هل هو مُحَاطَّةٌ وهو حَطُّ ما تَسَاوَيَا فيه بِإِصَابَةٍ من رَشْقٍ مَعْلُومٍ مع تَسَاوِيهِمَا في الرَّمَيَاتِ فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَجِبُ بَيَانُ حُكْمِ الْإِصَابَةِ هل هِيَ مُنَاضَلَةٌ أو غَيْرُهَا وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ انْتَهَى
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ ذلك لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّضَالِ الْمُبَادَرَةُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا وَيُسَنُّ أَنْ يَصِفَا الْإِصَابَةَ فَيَقُولَانِ خَوَاصِلُ وَنَحْوُهُ
وَقِيلَ يَجِبُ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَا خَوَاسِقُ وهو ما خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فيه
هَكَذَا قال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
ثُمَّ قال وَقِيلَ أو مَرِقَ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ ثَقْبِهِ أو خَدْشِهِ أو نَقْبِهِ ولم يَثْبُتْ فيه فَوَجْهَانِ انْتَهَى
____________________
(6/98)
قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا في الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُقَدَّمُ من له مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ مُتَّهَمًا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كان شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ احْتَسَبَ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان خَوَاسِقَ لم يُحْتَسَبْ له بِهِ وَلَا عليه
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
وقال الْقَاضِي نَنْظُرُ فَإِنْ كانت صَلَابَةُ الْهَدَفِ كَصَلَابَةِ الْغَرَضِ فَثَبَتَ في الْهَدَفِ احْتَسَبَ له بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُحْتَسَبُ له بِهِ وَلَا عليه
قَوْلُهُ وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ من كَسْرِ قَوْسٍ أو قَطْعِ وَتَرٍ أو رِيحٍ شَدِيدَةٍ لم يَحْتَسِبْ عليه بِالسَّهْمِ
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْتَسَبُ له بِهِ إنْ أَصَابَ وهو أَحَدُ الْأَوْجُهِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَحْتَسِبُ عليه بِالسَّهْمِ إنْ أَخْطَأَ
وَقِيلَ لَا يَحْتَسِبُ عليه وَلَا له وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ عَرَضَ لِأَحَدِهِمَا كَسْرُ قَوْسٍ أو قَطْعُ وَتَرٍ أو رِيحٌ في يَدِهِ أو رَدَّتْ سَهْمَهُ عَرْضًا فَأَصَابَ حُسِبَ له وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ بَلَى
____________________
(6/99)
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا لِمَا فيه من كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَحْرُمُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ في مَدْحِ الْمُصِيبِ وَالْكَرَاهَةُ في عَيْبِ غَيْرِهِ
قال وَيَتَوَجَّهُ في شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ من الطَّلَبَةِ وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ انْتَهَى
قُلْت إنْ كان مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ أو كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ قوى التَّحْرِيمُ وَإِنْ كان فيه تَحْرِيضٌ على الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
(6/100)
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ
قَوْلُهُ وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أنها إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ
وقال اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ وَالْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَدْخُلُ على الْأَوَّلِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ بِإِعَارَةٍ
وقال الْفَرْقُ بين الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ في الشَّيْءِ كما يَسْتَفِيدُهُ فيه بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْإِبَاحَةُ رَفْعُ الْحَرَجِ عن تَنَاوُلِ ما ليس مَمْلُوكًا له فَالتَّنَاوُلُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِبَاحَةِ وفي الْأَوَّلِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْمِلْكِ
وقال في تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الثَّانِي فإن الْمَنْفَعَةَ لو مُلِكَتْ بِمُجَرَّدِ الْإِعَارَةِ لَاسْتَقَلَّ الْمُسْتَعِيرُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ كما في الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلْعَارِيَّةِ بِمَا قال تَوَسُّعٌ لَا يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ في هذا الْمَقَامِ إذْ الْهِبَةُ مَصْدَرٌ وَالْمَصَادِرُ لَيْسَتْ أَعْيَانًا والعارية نَفْسُ الْعَيْنِ وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى الْفِعْلِ
قال وَالْأَوْلَى إيرَادُ التَّعْرِيفِ على لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَيُقَالُ الْإِعَارَةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ
____________________
(6/101)
فَوَائِدُ
الْأُولَى تَجِبُ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فيه ولم يَجِدْ غَيْرَهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَخَرَّجَهُ بن عَقِيلٍ في كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا من الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ واهل الفتاوي وَأَنَّ ذلك وَاجِبٌ نَقَلَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ
قَوْلُهُ تَجُوزُ في كل الْمَنَافِعِ إلَّا مَنَافِعَ الْبُضْعِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في الْجُمْلَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ كَلْبِ الصَّيْدِ وَفَحْلِ الضِّرَابِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
وَنَسَبَهُ الْحَارِثِيُّ إلَى التَّذْكِرَةِ ولم أَرَهُ فيها في هذا الْبَابِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ أَمَةٍ شَابَّةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَامْرَأَةٍ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَقِيلَ تَجِبُ الْعَارِيَّةُ مع غِنَى الْمَالِكِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ اعارة ما يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِمُحَرَّمٍ فَهَذَا التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ
الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ فيها كَوْنُ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بها مع بَقَاءِ عَيْنِهَا
وَاسْتَثْنَى الْحَارِثِيُّ جَوَازَ إعَارَةِ الْعَنْزِ وَشَبَهِهَا لِأَخْذِ لَبَنِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ في ذلك وَعَلَّلَهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ
يَعْنِي لِلْخِدْمَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/102)
وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِخِدْمَةِ ذِمِّيٍّ على الْأَصَحِّ وَكَذَا إعَارَتُهُ
وقال في بَابِ الْعَارِيَّةِ وَيَجُوزُ إعَارَةُ ذِي نَفْعٍ جَائِزٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ إلَّا الْبُضْعَ وما حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَحْرَمٍ
وفي التَّبْصِرَةِ وَعَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ وَيَتَوَجَّهُ كَإِجَارَةٍ
وَقِيلَ فيه بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا
وَقُلْت إنْ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ جَازَ إعَارَتُهُ وَإِلَّا فَلَا
وقال الْحَارِثِيُّ لَا يَتَخَرَّجُ هُنَا من الْخِلَافِ مِثْلُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ فَتَدْخُلُ في جِنْسِ الْبِيَاعَاتِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ
قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ إعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمِهَا
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ
قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
قال الْحَارِثِيُّ قال أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَنْزِيهًا
وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ بِتَحْرِيمِهِ
قال بن عَقِيلٍ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا من الْعُزَّابِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال النَّاظِمُ
% وَأَنْ يَسْتَعِيرَ الْمُشْتَهَاةَ أَجْنَبِيٌّ % إنْ تُخَفْ خَلْوَةٌ وَالْحَظْرُ لما ( ( ( لها ) ) ) أَبْعَدُ %
وقال في الْمُغْنِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا إنْ كانت جَمِيلَةً إنْ كان يَخْلُو بها أو يَنْظُرُ إلَيْهَا
وقال في التَّلْخِيصِ إنْ كانت بَرْزَةً جَازَ إعَارَتُهَا مُطْلَقًا
قال في الْبُلْغَةِ تُكْرَهُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ من غَيْرِ مَحْرَمٍ أو امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَرْزَةً
____________________
(6/103)
قَوْلُهُ وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ ما لم يَأْذَنْ أَيْ الْمُعِيرُ في شَغْلِهِ بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ في الْجُمْلَةِ
قال الْحَارِثِيُّ عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ إنْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قبل انْتِفَاعِهِ بها مع الْإِطْلَاقِ
قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِيهِ ذَكَرَهُ في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ
قال الْقَاضِي الْقَبْضُ شَرْطٌ في لُزُومِهَا
وقال أَيْضًا يَحْصُلُ بها الْمِلْكُ مع عَدَمِ قَبْضِهَا
وقال بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ في ضَمَانِ الْمَبِيعِ الْمُتَعَيِّنِ بِالْعَقْدِ الْمِلْكُ أَبْطَأُ حُصُولًا وَأَكْثَرُ شُرُوطًا من الضَّمَانِ بِإِبَاحَةِ الطَّعَامِ بِتَقْدِيمِهِ إلَى مَالِكِهِ وَضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ بِعَارِيَّةِ الْعَيْنِ وَلَا مِلْكَ فإذا حَصَلَ بِالتَّعْيِينِ هذا الْإِبْطَاءُ فَأَوْلَى حُصُولُ الْإِسْرَاعِ وهو الضَّمَانُ
قال الْحَارِثِيُّ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ له الرُّجُوعُ قبل الِانْتِفَاعِ حتى بَعْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ عليه
قال وهو مُشْكِلٌ على الْمَذْهَبِ جِدًّا فإن الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ من الْإِعَارَةِ ابْتِدَاءً فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ بَعْدُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ على حَالَةِ ضَرَرِ الْمَالِكِ أو حَاجَتِهِ إلَيْهِ انْتَهَى
قُلْت يتصور ( ( ( بتصور ) ) ) ذلك في غَيْرِ ما قال وهو حَيْثُ لم تَلْزَمْ الْإِعَارَةُ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ أو وُجُودِ مَانِعٍ على ما تَقَدَّمَ
فَائِدَةٌ قال أبو الْخَطَّابِ لَا يُمْلَكُ مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ سَلَّمَ وَيَكُونُ قَرْضًا فإنه يَمْلِكُ بِهِ وَبِالْقَبْضِ
____________________
(6/104)
وقال في الِانْتِصَارِ لَفْظُ الْعَارِيَّةِ في الْأَثْمَانِ قَرْضٌ
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَإِنْ اسْتَعَارَهُمَا لِلنَّفَقَةِ فَقَرْضٌ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ
وَنَقَلَ صَالِحٌ مِنْحَةُ لَبَنٍ هو الْعَارِيَّةُ وَمِنْحَةُ وَرِقٍ هو الْقَرْضُ
وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ خِلَافًا في صِحَّةِ إعَارَةِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِلتَّجَمُّلِ وَالزِّينَةِ
وقال في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَصِحُّ إعَارَةُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِلْوَزْنِ وَالتَّزْيِينِ
زَادَ في الرِّعَايَةِ لِتَزْيِينِ امْرَأَةٍ أو مَكَان
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ لو أَعَارَهُ شيئا وَشَرَطَ عليه الْعِوَضَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا على وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَيَكُونُ كِنَايَةً عن الْقَرْضِ فَيَمْلِكُ بِالْقَبْضِ إذَا كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ
وقال أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ في مَوْضِعٍ يَصِحُّ عِنْدَنَا شَرْطُ الْعِوَضِ في الْعَارِيَّةِ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَفْسُدُ بِذَلِكَ
وَجَعَلَهُ أبو الْخَطَّابِ في مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَذْهَبَ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُخْرِجُهَا عن مَوْضُوعِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ لم يَرْجِعْ حتى يَبْلَى الْمَيِّتُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ حتى يَبْلَى وَيَصِيرَ رَمِيمًا
وقال بن الْجَوْزِيِّ يُخْرِجُ عِظَامَهُ وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ
____________________
(6/105)
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عليه أَطْرَافَ خَشَبِهِ لم يَرْجِعْ ما دَامَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالرُّجُوعِ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ
قَوْلُهُ فَإِنْ سَقَطَ عنه لِهَدْمٍ أو غَيْرِهِ لم يَمْلِكْ رَدَّهُ
هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ أُعِيدَ الْحَائِطُ بِآلَتِهِ الْأُولَى أو بِغَيْرِهَا جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في آخَرِينَ من الْأَصْحَابِ
قال وقال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ في بَابِ الصُّلْحِ له إعَادَتُهُ إلَى الْحَائِطِ
قال وهو الصَّحِيحُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْبَيْتَ مُسْتَمِرٌّ فَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُسْتَمِرًّا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ لم يَرْجِعْ إلَى الْحَصَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدُهُ في وَقْتِ قَصْلِهِ عُرْفًا بِلَا نِزَاعٍ
وَيَأْتِي حُكْمُ الْأُجْرَةِ من حِينِ رُجُوعِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَشَرَطَ عليه الْقَلْعَ في وَقْتٍ أو عِنْدَ رُجُوعِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ الْقَلْعُ بِلَا نِزَاعٍ مَجَّانًا
وَقَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(6/106)
وَإِنْ شَرَطَ على الْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعَ وَشَرَطَ عليه تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ لَزِمَهُ مع الْقَلْعِ تَسْوِيَتُهَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
وَإِنْ شَرَطَ عليه الْقَلْعَ ولم يَشْرِطْ عليه تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ لم يَلْزَمْهُ تَسْوِيَتُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ
قال جَمَاعَةٌ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَالْحَالَةُ هذه
قال في الْقَوَاعِدِ إنْ شَرَطَ الْمُعِيرُ عليه قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذلك وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ عليه الْقَلْعَ لم يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُعِيرُ النَّقْصَ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ لَا يَضْمَنُ النَّقْصَ
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ
يَعْنِي إذَا قَلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْحَالَةُ ما تَقَدَّمَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ ولم يَشْتَرِطْ عليه الْمُعِيرُ الْقَلْعَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فيه وفي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
____________________
(6/107)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كما تَقَدَّمَ
فَإِنْ قال ذلك بعد ما ذَكَرَ شَرْطَ الْقَلْعِ وَعَدَمَ شَرْطِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ
وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا مع الْإِطْلَاقِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ
يَعْنِي إذَا أَبَى الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ في الْحَالِ التي لَا يُجْبَرُ فيها فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُهَنَّا وبن مَنْصُورٍ
وَكَذَا نَقَلَ عنه جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ لَكِنْ قال في رِوَايَتِهِ يَتَمَسَّكُهُ بِالنَّفَقَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَا بُدَّ من رِضَى الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وهو الصَّحِيحُ فَإِنْ أَبَى ذلك يَعْنِي الْمُعِيرُ من دَفْعِ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ من الْقَلْعِ وَدَفْعِ الْأَجْرِ بَيْعًا لَهُمَا فَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ أَبَيَاهُ بَقِيَ فيها مَجَّانًا في الْأَصَحِّ حتى يَتَّفِقَا
وَقُلْت بَلْ يَبِيعُهُمَا الْحَاكِمُ انْتَهَى
فَلَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا فَهَلْ يُجْبَرُ على الْبَيْعِ مع صَاحِبِهِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ
أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أُجْبِرَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْبَرُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِهِ مُنْفَرِدًا لِمَنْ شَاءَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(6/108)
وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْمُعِيرُ لِغَيْرِ الْمُسْتَعِيرِ
قَوْلُهُ ولم يذكر أَصْحَابُنَا عليه أُجْرَةً من حِينِ الرُّجُوعِ
يَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَ من الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ
وَذَكَرُوا عليه أُجْرَةً في الزَّرْعِ وَهَذَا مِثْلُهُ فَيَخْرُجُ فِيهِمَا وفي سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَجْهَانِ
ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ عليه الْأُجْرَةَ في الزَّرْعِ من حِينِ الرُّجُوعِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ له وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهًا
قال في الْقَوَاعِدِ وَيَشْهَدُ له ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَالْحَارِثِيُّ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَأَمَّا الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ وَالسَّفِينَةُ إذَا رَجَعَ وَهِيَ في لُجَّةِ الْبَحْرِ وَالْأَرْضُ إذَا أَعَارَهَا لِلدَّفْنِ وَرَجَعَ قبل أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ وَالْحَائِطُ إذَا أَعَارَهُ لِوَضْعِ أَطْرَافِ الْخَشَبِ عليه وَرَجَعَ وَنَحْوُ ذلك فلم يذكر الْأَصْحَابُ أَنَّ عليه أُجْرَةً من حِينِ الرُّجُوعِ
وَخَرَجَ الْمُصَنِّفُ في ذلك كُلِّهِ من الْأُجْرَةِ في الزَّرْعِ وَجْهَيْنِ
وَجْهٌ بِعَدَمِ الْأُجْرَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَمَالَ الْحَارِثِيُّ إلَى عَدَمِ التَّخْرِيجِ وَأَبْدَى فَرْقًا
وَوَجْهٌ بِوُجُوبِهَا قِيَاسًا على ما ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ في الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ في الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ
وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ في الْجَمِيعِ أَعْنِي وُجُوبَ الْأُجْرَةِ في الْجَمِيعِ
وَجَزَمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ في مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ وَالْحَائِطِ لِوَضْعِ الْخَشَبِ وَالسَّفِينَةِ
____________________
(6/109)
وَجَزَمَ في التَّبْصِرَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ في مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ
اخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ فِيمَا سِوَى الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضٍ فَنَبَتَ فيها فَهُوَ لِصَاحِبِهِ مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وهو الْمَذْهَبُ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالْحَارِثِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَصَّ عليه
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ لو حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فيها فَهَلْ يَلْحَقُ بِزَرْعِ الْغَاصِبِ أو بِزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ أو الْمُسْتَأْجِرِ من بَعْدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ على وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ كَزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِهِ أبي الْحُسَيْنِ وبن عَقِيلٍ
وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالتَّلْخِيصِ
فَعَلَى هذا قال الْقَاضِي لَا أُجْرَةَ له وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ
وَقِيلَ له الْأُجْرَةُ وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ أَيْضًا عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ
قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ
قال في الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقِيلَ هو لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَذْرِ
وزاد في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ بَلْ بِقِيمَتِهِ إذَنْ
زَادَ في الْكُبْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَزَرْعِ غَاصِبٍ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْقَوَاعِدِ
____________________
(6/110)
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْمُسَاقَاةِ إذَا نَبَتَ السَّاقِطُ من الْحَصَادِ في عَامٍ قَابِلٍ أَنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ فَنَبَتَ في أَرْضِ غَيْرِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ أو كَغَرْسِ الْغَاصِبِ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال النَّاظِمُ هذا الْأَقْوَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
الْوَجْهُ الثَّانِي هو كَغَرْسِ الْغَاصِبِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت بَلْ كَغَرْسِ مُشْتَرِي شِقْصٍ له شُفْعَةٌ وَعَلَى كل حَالٍ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْغَرْسِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ فيه تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فَهَلْ هو كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الذي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ وَلِهَذَا قال الْحَارِثِيُّ وهو سَهْوٌ وَقَعَ في الْكِتَابِ انْتَهَى
مع أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى وَكَذَا حُكْمُ النَّوَى وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذَا حَمَلَهُ السَّيْلُ فَنَبَتَ
الثَّانِيَةُ لو تَرَكَ صَاحِبُ الزَّرْعِ أو الشَّجَرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ من ذلك لم يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ وَلَا غير ذلك
الثَّالِثَةُ لو حَمَلَ السَّيْلُ أَرْضًا بِشَجَرِهَا فَنَبَتَتْ في أَرْضٍ أُخْرَى كما كانت فَهِيَ لِمَالِكِهَا يُجْبَرُ على إزَالَتِهَا ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
____________________
(6/111)
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ في اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ
يَعْنِي أَنَّهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ في اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ قام مَقَامَهُ وفي اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا وما دُونَهَا في الضَّرَرِ من نَوْعِهَا إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ في شَيْئَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ وَلَا الْإِجَارَةَ على ما يَأْتِي
الثَّانِي الْإِعَارَةُ لَا يُشْتَرَطُ لها تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ في كل ما هو مُهَيَّأٌ له كَالْأَرْضِ مَثَلًا هذا الصَّحِيحُ
وَفِيهِ وَجْهٌ أنها كَالْإِجَارَةِ في هذا ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا يوم التَّلَفِ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ لم يَتَعَدَّ فيها كَثِيرٌ مُتَكَرِّرٌ جِدًّا من جَمَاعَاتٍ وَقَفَ على رِوَايَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَهَا
قال في الْفُرُوعِ وَقَاسَ جَمَاعَةٌ هذه الْمَسْأَلَةَ على الْمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ فَدَلَّ على رِوَايَةٍ مُخَرَّجَةٍ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ خِلَافًا لَا يَضْمَنُ
وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الهدى
____________________
(6/112)
قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ذُكِرَ له ذلك فقال الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ فَيَدُلُّ على نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ
فَهَذِهِ رِوَايَةٌ بِالضَّمَانِ إنْ لم يَشْرُطْ نَفْيُهُ وَجَزَمَ بها في التَّبْصِرَةِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ إنْ شَرَطَهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَقَوْلُهُ وَكُلُّ ما كان أَمَانَةً لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ كما تَقَدَّمَ
فَائِدَةٌ لَا يَضْمَنُ الْوَقْفَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَكُتُبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا في ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَلَى هذا لو اسْتَعَارَهُ بِرَهْنٍ ثُمَّ تَلِفَ أَنَّ الرَّهْنَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّهِ
قُلْت فَيُعَايَى بها فِيهِمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَخُمْلِ الْمِنْشَفَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
أَصْلُهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ إذَا كان اسْتِعْمَالُهَا بِالْمَعْرُوفِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ لم يَضْمَنْ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ في التَّعْلِيقِ وَالْمُحَرَّرِ
____________________
(6/113)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُ وَكَلَامُهُ في الْوَجِيزِ مُحْتَمَلٌ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَلِفَتْ كُلُّهَا بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَحُكْمُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ لو تَلِفَ وَلَدُ الْعَارِيَّةِ أو الزِّيَادَةُ
وفي ضَمَانِ وَلَدِ الْمُؤَجَّرَةِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) الْوَجْهَانِ
وَتَقَدَّمَ في أَثْنَاءِ بَابِ الضَّمَانِ في أَوَاخِرِ الْمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ حُكْمُ وَلَدِ الْجِنَايَةِ وَالضَّامِنَةِ وَالشَّاهِدَةِ وَالْمُوصَى بها
وَيَأْتِي حُكْمُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ في بَابَيْهِمَا
الثَّانِيَةُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّهُ ما تَعَدَّى بِلَا نِزَاعٍ
وَلَا يَضْمَنُ رَائِضٌ وَوَكِيلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعِيرٍ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ انْتَهَى
وَقِيلَ له ذلك
قال الشَّارِحُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي اللَّهُ عنه
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وقال أَصْلُهُمَا هل هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ أَمْ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ فيه وَجْهَانِ
وَكَذَا هو ظَاهِرُ بَحْثِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(6/114)
قال الْحَارِثِيُّ أَصْلُ هذا ما قَدَّمْنَا من أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ
وقال عن الْوَجْهِ الثَّانِي يَتَفَرَّعُ على رِوَايَةِ اللُّزُومِ في الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ انْتَهَى
قُلْت قَطَعَ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا قِيلَ بِلُزُومِهَا وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فيها انْتَهَى
قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا ليس مَبْنِيًّا فَإِنَّهُمْ قالوا هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ
وَقَالُوا ليس لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ وَذَكَرَ في الْمُنْتَخَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ
قال في التَّرْغِيبِ يَكْفِي ما دَلَّ على الرِّضَى من قَوْلٍ أو فِعْلٍ فَلَوْ سمع من يقول أَرَدْت من يُعِيرُنِي كَذَا فَأَعْطَاهُ كَفَى لِأَنَّهُ إبَاحَةُ عَقْدٍ انْتَهَى
وَقِيلَ له أَنْ يُعِيرَهَا إذَا وَقَّتَ له الْمُعِيرُ وَقْتًا وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَأْذَنْ الْمُعِيرُ له فَأَمَّا إنْ أَذِنَ له فإنه يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وهو وَاضِحٌ
الثَّانِيَةُ ليس لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ ما اسْتَعَارَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ له ذلك في الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ
وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّتِهَا فإن الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَضْمَنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ
قُلْت فيعابى ( ( ( فيعايى ) ) ) بها
____________________
(6/115)
وَتَقَدَّمَ عَكْسُهَا في الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ وهو لو أَعَارَ الْمُسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ من غَيْرِ تَعَدٍّ هل يَضْمَنُهَا
وَتَقَدَّمَ في بَابِ الرَّهْنِ جَوَازُ رَهْنِ الْمُعَارِ وَأَحْكَامُهُ فَلْيُعَاوَدْ
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ سَهْمِ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ
فَوَائِدُ
منها لو قال إنْسَانٌ لَا أَرْكَبُ الدَّابَّةَ إلَّا بِأُجْرَةٍ وقال رَبُّهَا لَا آخُذُ لها أُجْرَةً وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا فَرَكِبَهَا وَتَلِفَتْ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال قُلْت إنْ قُدِّرَ إجَارَتُهَا فَهِيَ إجَارَةٌ مُهْدَرَةٌ وَإِلَّا فَلَا
وَمِنْهَا لو أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ
وَمِنْهَا لو أَرْدَفَ الْمَالِكُ شَخْصًا فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ شيئا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَاوِي
قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ مُؤْنَةُ رَدِّهَا على الْمَالِكِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ
قَوْلُهُ فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إلَى اصطبل الْمَالِكِ أو غُلَامِهِ لم يَبْرَأْ من الضَّمَانِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَتَيْنِ اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِرَدِّهَا إلَى غُلَامِهِ
____________________
(6/116)
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى من جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذلك على يَدِهِ كَالسَّائِسِ وَنَحْوِهِ
كَزَوْجَتِهِ وَالْخَازِنِ وَالْوَكِيلِ الْعَامِّ في قَبْضِ حُقُوقِهِ قَالَهُ في الْمُجَرَّدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا إلَى من جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذلك على يَدِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ لَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهَا إلَى السَّائِسِ
فَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا أو وَكِيلِهِ فَقَطْ
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الْوَدِيعَةِ
فَائِدَةٌ لو سَلَّمَ شَرِيكٌ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ بِأَنْ سَاقَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ وَنَحْوَهُ لم يَضْمَنْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ كَعَارِيَّةٍ إنْ كان عَارِيَّةً وَإِلَّا لم يَضْمَنْ
قُلْت قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فيه فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً
وقال في الْفُنُونِ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ
وَيَأْتِي ذلك في قَبْضِ الْهِبَةِ
قَوْلُهُ وإذا اخْتَلَفَا فقال أَجَّرْتُك قال بَلْ أَعَرْتنِي إذَا كان الِاخْتِلَافُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ بِلَا نِزَاعٍ وَالْحَالَةُ هذه فَلَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ
وَإِنْ كان بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى من الْمُدَّةِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ في الْأَصَحِّ في
____________________
(6/117)
مَاضِيهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا اخْتَلَفَا عَقِبَ قَبْضِ الْعَيْنِ وَقَبْلَ انْتِفَاعِ الْقَابِضِ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى
قال في التَّلْخِيصِ وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَهُ على ظَاهِرِهِ وَعَلَّلَهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَحْلِفُ على نَفْيِ الْإِعَارَةِ
وَهَلْ يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ
قال الْحَارِثِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ التَّعَرُّضُ
وقال في التَّلْخِيصِ لَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ وَلَا لِلْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ وَقَطَعَ بِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ من الْمُسَمَّى أو أُجْرَةُ الْمِثْلِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أو المدعي إنْ زَادَ عليها على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْمُحَرَّرِ
أَحَدُهُمَا له أُجْرَةُ الْمِثْلِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/118)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي إنْ زَادَ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ
وَقِيلَ له الْأَقَلُّ من الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ اخْتَارَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُنَّ الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو ادَّعَى بَعْدَ زَرْعِ الْأَرْضِ أنها عَارِيَّةٌ وقال رَبُّ الْأَرْضِ بَلْ إجَارَةٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قُلْت وَكَذَا جَمِيعُ ما يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَعَرْتُك قال بَلْ أَجَّرْتنِي وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا مِثْلُهَا في الْحُكْمِ لو قال أَعَرْتنِي قال بَلْ أَوْدَعْتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَيَضْمَنُ ما انْتَفَعَ منها وَكَذَا لو اخْتَلَفَا في رَدِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال أَعَرْتنِي أو أَجَّرْتنِي قال بَلْ غَصَبْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ
في أَنَّهُ ما أَجَّرَ وَلَا أَعَارَ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ هُنَا صُورَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَقُولَ أَعَرْتنِي فيقول الْمَالِكُ بَلْ غَصَبْتنِي فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ أَخَذَهَا الْمَالِكُ وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ وَكَذَا إنْ كانت تَالِفَةً قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْلِفُ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَيَجِبُ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْقَوْلَ
____________________
(6/119)
قَوْلُ الْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قال أَجَّرْتنِي قال بَلْ غَصَبْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَصَحَّحُوهُ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في هذه الصُّورَةِ مع التَّلَفِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ على الْمَذْهَبِ
وَعَلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ على الرَّاكِبِ وَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ
وَمَعَ عَدَمِ التَّلَفِ يَرْجِعُ بِالْعَيْنِ في الْحَالِ مع الْيَمِينِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ هُنَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَأَمَّا الْأُجْرَةُ فَمُتَّفِقَانِ عليها اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَفَاوَتَ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنْ كان أَجْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَكَذَلِكَ لو اسْتَوَيَا وَيَحْلِفُ على الصَّحِيحِ وَإِنْ كان الْأَجْرُ أَكْثَرَ حَلَفَ وَلَا بُدَّ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فيه تَجَوُّزٌ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْحَسَنِ وكان الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ الْقَابِضُ أو الرَّاكِبُ وَنَحْوُهُ إذْ قَبُولُ الْقَوْلِ يُنَافِي كَوْنَهُ غَاصِبًا انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو قال الْمَالِكُ أَعَرْتُك قال بَلْ أَوْدَعْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَيَسْتَحِقُّ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ كانت تَالِفَةً
وَلَوْ قال الْمَالِكُ أَوْدَعْتُك قال بَلْ أَعَرْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ أَيْضًا وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ ما انْتَفَعَ بها فَهُوَ كما لو قال غَصَبْتنِي ذَكَرَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
____________________
(6/120)
كِتَابُ الْغَصْبِ
قَوْلُهُ وهو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ دُخُولِ غَصْبِ الْكَلْبِ وَخَمْرِ الذِّمِّيِّ وَالْمَنَافِعِ وَالْحُقُوقِ وَالِاخْتِصَاصِ
قال الْحَارِثِيُّ وَحُقُوقُ الْوِلَايَاتِ كَمَنْصِبِ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ
قال الزَّرْكَشِيُّ الِاسْتِيلَاءُ يَسْتَدْعِي الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ فَإِذَنْ قَوْلُهُ قَهْرًا زِيَادَةٌ في الْحَدِّ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ في الْمُغْنِي انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَشْمَلُ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَغَيْرَهُمَا فَلَوْ اقْتَصَرَ على الِاسْتِيلَاءِ لَوَرَدَ عليه الْمَسْرُوقُ وَالْمُنْتَهَبُ وَالْمُخْتَلَسُ فإن ذلك لَا يُسَمَّى غَصْبًا وَيُقَالُ اسْتَوْلَى عليه
وقال في الْمَطْلَعِ فَلَوْ قال الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ لَصَحَّ لَفْظًا وَعَمَّ مَعْنًى انْتَهَى
وَقَوْلُهُ لَصَحَّ لَفْظًا لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ على غَيْرُ
قال وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَدَمُ دُخُولِهِمَا عليها
قُلْت قد حَكَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عن غَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا دُخُولَهُمَا على غَيْرُ
وَمِمَّنْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ على غَيْرُ من الْأَصْحَابِ من تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَارِثِيُّ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ هو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ظُلْمًا
وَيَرِدُ عليه ما تَقَدَّمَ
وقال في الْفُرُوعِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هو الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا ظُلْمًا
____________________
(6/121)
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَسَدُّ الْحُدُودِ
قُلْت فَهُوَ أَوْلَى من حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ وَأَمْنَعُ فإنه يَرِدُ على حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ لو اسْتَوْلَى على حَقِّ غَيْرِهِ من غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا قَهْرٍ أَنَّهُ يُسَمَّى غَصْبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذلك مع بَقِيَّةِ حَدِّ الْمُصَنِّفِ وهو الظَّاهِرُ
وقال في الْوَجِيزِ هو الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ غَيْرِهِ ظُلْمًا
وَيَرِدُ عليه ما أُخِذَ من غَيْرِ قَهْرٍ
وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هو اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ
قُلْت هو أَصَحُّ الْحُدُودِ وَأَسْلَمُهَا
وَيَرِدُ على حَدِّ غَيْرِهِ اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فإنه اسْتِيلَاءٌ على حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَيْسَ بِغَصْبٍ على ما يَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في الْمُحَرَّرِ هو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا
وَتَابَعَهُ في الْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمَعْنَاهُ في الْكَافِي وَالْعُمْدَةِ وَالْمُغْنِي
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ على مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا يَدْخُلُ فيه مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ وهو الْمَالُ الْمَعْصُومُ وَيَخْرُجُ منه اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ على أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فإنه ليس بِظُلْمٍ
وَيَدْخُلُ فيه اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ على مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فإنه ليس من الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ هذا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا بِالتَّلَفِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في وُجُوبِ رَدِّ عَيْنِهِ إذَا قَدَرْنَا على أَخْذِهِ وَأَمَّا أَمْوَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ على عَيْنِهَا وَمَتَى اتلفت ( ( ( أتلف ) ) ) بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ على عَيْنِهَا ضُمِنَتْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في ضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ وَقْتَ الْحَرْبِ
وَيَدْخُلُ فيه ما أَخَذَهُ الْمُلُوكُ وَالْقُطَّاعُ من أَمْوَالِ الناس بِغَيْرِ حَقٍّ من الْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا
فَأَمَّا اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ فَيَدْخُلُ فيه وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ
____________________
(6/122)
لِأَنَّهُ ظُلْمٌ فَيَحْرُمُ عليهم قَتْلُ النُّفُوسِ وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ
لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا كان الْمَأْخُوذُ مُبَاحًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لم يَصِرْ ظُلْمًا في حَقِّنَا وَلَا في حَقِّ من أَسْلَمَ منهم
فَأَمَّا ما أُخِذَ من الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ أو أُتْلِفَ مِنْهُمَا في حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ أُقِرَّ قَرَارُهُ لِأَنَّهُ كان مُبَاحًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَفَا عنه فَهُوَ عَفْوٌ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمَانِ فَلَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ حَكَمْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ انْتَهَى
قُلْت وَيَرِدُ عليه ما وَرَدَ على الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَيَرِدُ عليه ايضا الْمَسْرُوقُ وَالْمُخْتَلَسُ وَنَحْوُهُمَا
قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ حتى إنَّ الْقَاضِيَ وَأَكْثَرَ أَصْحَابِهِ لم يَذْكُرُوا فيه خِلَافًا
وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَحْصُلُ الْغَصْبُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا ظُلْمًا كما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ في غَصْبِ ما يُنْقَلُ نَقَلَهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ فيه
وفي التَّرْغِيبِ فقال إلَّا في رُكُوبِهِ دَابَّةً وَجُلُوسِهِ على فِرَاشٍ فإنه غَاصِبٌ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الرِّعَايَةِ
وقال وَمَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ أو جَلَسَ على فِرَاشِهِ أو سَرِيرِهِ قَهْرًا فَهُوَ غَاصِبٌ
الثَّالِثَةُ قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالتِّسْعِينَ من الْأَصْحَابِ من قال مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمَا وَفَرَّعُوا عليه صِحَّةَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَهْرَهَا وَلَوْ حَبَسَهَا عن النِّكَاحِ حتى فَاتَ بِالْكِبَرِ
____________________
(6/123)
وَخَالَفَ بن الْمُنَى وَجَزَمَ في تَعْلِيقِهِ بِضَمَانِ مَهْرِ الْأَمَةِ بِتَفْوِيتِ النِّكَاحِ وَذَكَرَ في الْحُرَّةِ تَرَدُّدًا لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْيَدِ عليها
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فيه نَفْعٌ أو خَمْرَ ذِمِّيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ لَا تُرَدُّ الْخَمْرُ وَتَلْزَمُ إرَاقَتُهَا إنْ حُدَّ وَإِلَّا لَزِمَهُ تَرْكُهُ وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ تَعْذِيرُ مُرِيقِهِ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لو غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ ذِمِّيٍّ انْبَنَى وُجُوبُ رَدِّهَا على مِلْكِهَا لهم وَفِيهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَغَيْرُهُ
إحْدَاهُمَا يَمْلِكُونَهَا فَيَجِبُ الرَّدُّ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا
وَالثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُونَهَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الرَّدِّ
وقد يُقَالُ لَا يَجِبُ
وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على إرَاقَتِهَا إذَا أَظْهَرَهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا لم يَضْمَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِضَمَانِ قِيمَتِهَا إذَا قُلْنَا إنَّهَا مَالٌ لهم وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ
وحكى لنا قَوْلٌ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ
وقال في التَّرْغِيبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ تُرَدُّ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَيُرَدُّ ما تَخَلَّلَ بيده إلَّا ما أُرِيقَ فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا
وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لنا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً وَهِيَ خَمْرَةُ الْخَلَّالِ
وَيَأْتِي في حَدِّ الْمُسْكِرِ هل يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
____________________
(6/124)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كانت مَسْتُورَةً فَأَمَّا إذَا لم تَكُنْ مَسْتُورَةً فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا قَوْلًا وَاحِدًا
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وهو صَحِيحٌ لَكِنْ لو تَخَلَّلَتْ في يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ رَدُّهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لم تَزُلْ عنها بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ في يَدِهِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ
وقال وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ في زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الزَّوَالَ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ لم يَزُلْ منهم صَاحِبُ الْمُغْنِي في كِتَابِ الْحَجِّ وفي كَلَامِ الْقَاضِي ما يَدُلُّ عليه
وَبِكُلِّ حَالٍ لو عَادَ خَلًّا عَادَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِحُقُوقِهِ من ثُبُوتِ الرَّهِينَةِ وَغَيْرِهَا حتى لو خَلَّفَ خَمْرًا وَدَيْنًا فَتَخَلَّلَتْ قَضَى منه دَيْنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في الرَّهْنِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهُ لم يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وعنه يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ
وَخَرَّجَ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهَا
قال في الْفُرُوعِ وعنه يَرُدُّ قِيمَتَهَا وَقِيلَ ذِمِّيٌّ
وقال في الْإِيضَاحِ يَضْمَنُ الْكَلْبَ
____________________
(6/125)
وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَادَ بِالْكَلْبِ وَغَيْرِهِ من الْجَوَارِحِ هل يَرُدُّ الصَّيْدَ وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا أَمْ لَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّمَانِ إذَا أَسْلَمَ الْمَضْمُونُ له أو الْمَضْمُونُ عنه هل يَسْقُطُ الدَّيْنُ إذَا كان خَمْرًا
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ على طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِهَا
فَإِنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَجَبَ رَدُّهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ لم يَجِبْ رَدُّهُ
وقد عَلِمْت إن الْمَذْهَبَ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ هُنَا
هذا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَ هذه الطَّرِيقَةَ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ
وقال في الْفُرُوعِ وفي رَدِّ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَجْهَانِ وَقِيلَ وَلَوْ طَهُرَ
فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ أَنَّ الْخِلَافَ على الْقَوْلِ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الخمرة ( ( ( الخمر ) ) ) الْمُتَخَلَّلَةِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
____________________
(6/126)
قال الْحَارِثِيُّ وفي هذا الْفَرْقِ بَحْثٌ
وَأَطْلَقَ في الْفُرُوعِ في لُزُومِ رَدِّهِ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَجْهَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَإِنْ كان الْغَاصِبُ دَبَغَهُ فَفِي رَدِّهِ الْوَجْهَانِ الْمَبْنِيَّانِ
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ لم يَجِبْ رَدُّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَجِبُ رَدُّهُ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ في الْيَابِسَاتِ وَكَذَلِكَ قبل الدَّبْغِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ
وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ كما تَقَدَّمَ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَوْجُهٌ الرَّدُّ وَعَدَمُهُ
وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ أو يَنْتَفِعُ بِهِ في يَابِسٍ رَدَّهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَهَدَرٌ وَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا يَطْهُرُ رَدَّهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَوْلَى على حُرٍّ لم يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِغَصْبِهِ في الْأَصَحِّ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا على الْحُرِّ
وفي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ بِثُبُوتِ الْيَدِ عليه
وَبَنَى على هذا هل لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ إيجَارُهُ من آخَرَ إنْ قِيلَ بِعَدَمِ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِيجَارُ وَإِنَّمَا هو يُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو غَصَبَ دَابَّةً عليها مَالِكُهَا وَمَتَاعُهُ لم يَضْمَنْ ذلك الْغَاصِبُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ
____________________
(6/127)
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقَدَّمَ في النَّظْمِ أَنَّ الصَّغِيرَ لو لُدِغَ أو صُعِقَ وُجُوبُ الدِّيَةِ
وقال بن عَقِيلٍ لَا تَجِبُ كما لو مَرِضَ على الصَّحِيحِ
وَيَأْتِي هذا في أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحِلْيَتَهُ على الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَضْمَنُهَا صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ في أُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ على ما يَأْتِي وَإِيجَارُ الْمُسْتَأْجِرِ له قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ هُنَا بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْحَرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ من غَيْرِ حَبْسٍ وَلَوْ عَبْدًا لم يَلْزَمْهُ أُجْرَتُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/128)
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ بَلَى فِيهِمَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو في الْعَبْدِ آكَدُ
وقال في التَّرْغِيبِ في مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهَانِ
وقال في الِانْتِصَارِ لَا يَلْزَمُهُ بِإِمْسَاكِهِ لآن الْحُرَّ في يَدِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ معه كما لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الذي عليه بِخِلَافِ الْعَبْدِ
وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَمْسَكَهُ لِأَنَّ الْحُرَّ في يَدِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ معه كما لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الذي عليه بِخِلَافِ الْعَبْدِ فإن يَدَ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عليه وَمَنْفَعَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا احْتِمَالَانِ في الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فيها وفي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ دَلَّ نَصُّهُ
وَتَقَدَّمَ في التي قَبْلَهَا ما يُسْتَأْنَسُ بِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ منه لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ إنْ أَمْكَنَ
وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ وَإِنْ لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ منه فَسَيَأْتِي في أَوَّلِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ من الْبَابِ
قَوْلُهُ وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا
____________________
(6/129)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَنَقَلَ حَرْبٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّرْعِ الذي لم يُحْصَدْ
قال في الْفَائِقِ قُلْت وَجَنَحَ بن عَقِيلٍ إلَى مُسَاوَاةِ الْحُكْمَيْنِ
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ في غَيْرِ الْفَائِقِ وَرَدَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ وَوَهَمَ أبو حَفْصٍ نَاقِلُهَا على أَنَّ من الْأَصْحَابِ من رَجَّحَهَا بِنَاءً على أَنَّ الزَّرْعَ نَبَتَ على مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَالْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ
قال وعنه يَحْدُثُ على مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَمَنَعَ في تَعْلِيقِهِ من كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ
وقال لَا فَرْقَ بين ما قبل الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ على ما نَقَلَهُ حَرْبٌ
قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ الْكَبِيرِ فِيمَا أَظُنُّ أو أَجْزِمُ وَأَوْرَدَهُ شَيْخُنَا أبو بَكْرٍ بن الصَّيْرَفِيِّ في كِتَابِ نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ انْتَهَى
قال في الْفَائِقِ وقال الْقَاضِي يَعْقُوبُ لَا فَرْقَ بين ما قبل الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَبَنَاهُ على أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ هل يَحْدُثُ على مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ أو صَاحِبِ الْأَرْضِ على رِوَايَتَيْنِ وَالْحُدُوثُ على مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هو الْمُخْتَارُ انْتَهَى
وقال أَيْضًا وَهَلْ الْقِيَاسُ كَوْنُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ أو لِرَبِّ الْأَرْضِ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ
وقال بن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّانِي
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا يَنْبَنِي هذا على الْمَدْفُوعِ إنْ كان النَّفَقَةُ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مُطْلَقًا وَالْمَنْصُوصُ التَّفْرِقَةُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ على الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
____________________
(6/130)
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِلْغَاصِبِ نَفَقَةُ الزَّرْعِ وَأَمَّا مُؤْنَةُ الْحَصَادِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ
هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قد حَصَدَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال في الرِّعَايَةِ قِيلَ أو اُسْتُحْصِدَ قَبْلَهُ ولم يَحْصُدْ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ خُيِّرَ بين تَرْكِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال الْحَارِثِيُّ تَوَاتَرَ النَّصُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالشَّيْخَيْنِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَلَاهُمْ وَالْمُصَنِّفِ في سَائِرِ كُتُبِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُهَا
% بالإحترام اُحْكُمْ لِزَرْعِ الْغَاصِبِ % وَلَيْسَ كَالْبَانِي أو كَالنَّاصِبِ %
% إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَ الزَّرْعِ % بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهٌ مَرْعِي %
% أو مِلْكَهُ إنْ شَاءَ بِالْإِنْفَاقِ % أو قِيمَةً لِلزَّرْعِ بِالْوِفَاقِ %
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَهَذَا الإحتمال لِأَبِي الْخَطَّابِ وَقِيلَ له قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَهُ
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أن الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَالْوَلَدِ فإنه لِسَيِّدِ الْأُمِّ لَكِنْ المنى لَا قِيمَةَ له بِخِلَافِ الْبَذْرِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(6/131)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في عَامَّةِ نُصُوصِهِ وَالْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيِّ وبن أبي مُوسَى فِيمَا أَظُنُّ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَكَذَا قال الْحَارِثِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ من تَقَدَّمَ من الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى عَدَمُ التَّخْيِيرِ فإن كُلًّا منهم قال الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ
وَهَذَا بِعَيْنِهِ هو الْمُتَوَاتِرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ولم يذكر أَحَدٌ عنه تَخْيِيرًا وهو الصَّوَابُ وَعَلَّلَهُ انْتَهَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ من زَرَعَ فيها له نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ قَسَمَ ما زَرَعَهُ في نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ قال وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ معه أو يُهَايِئَهُ فيها فَأَبَى فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ في قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فيها بَيْتَانِ سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ الناس غَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَهَلْ ذلك قِيمَتُهُ أو نَفَقَتُهُ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا وَجْهَانِ في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وفي نُسْخَةٍ رِوَايَتَانِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وبن مُنَجَّا
قال الْحَارِثِيُّ حَكَاهُمَا مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ في كِتَابِهِ الْكَبِيرِ رِوَايَتَيْنِ وَأَوْرَدَهُمَا هُنَا وَجْهَيْنِ
قال وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ
قال هو وَالشَّارِحُ وَالْمَنْقُولُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ في ذلك رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ
أحداهما يَأْخُذُهُ بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ ما أَنْفَقَ من الْبَذْرِ وَمُؤْنَةِ الزَّرْعِ من الْحَرْثِ
____________________
(6/132)
وَالسَّقْيِ وَغَيْرِهِمَا وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيِّ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في رؤوس الْمَسَائِلِ وبن عَقِيلٍ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في كِتَابَيْ الْمُجَرَّدِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وبن عَقِيلٍ لِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ المتقدمه فيه انْتَهَى
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ زَرْعًا الْآنَ
صَحَّحَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ
قال بن الزَّاغُونِيِّ أَصْلُهُمَا هل يَضْمَنُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ بمثله أو قِيمَتِهِ
وعنه رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَأْخُذُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ نَقَلَهَا مُهَنَّا قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ في كِتَابِ التَّمَامِ عن أَخِيهِ أبي الْقَاسِمِ رِوَايَةً بِالتَّخْيِيرِ وهو الظَّاهِرُ من إيرَادِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ في التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ نَصَّ مُهَنَّا
وقال في الْفَائِقِ وَخَرَّجَ أبو الْقَاسِمِ بن الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْخِيَرَةِ فَكَأَنَّهُ ما اطَّلَعَ على كَلَامِ الْحَارِثِيِّ أو أَنَّ لِأَبِي الْقَاسِمِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ ثُمَّ اطَّلَعَ فَوَافَقَ التَّخْرِيجَ لها
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاحْتِمَالِ أبي الْخَطَّابِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَتُهَا إلَى حِينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ له وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بن الْحَارِثِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَعْنِي إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ النَّفَقَةِ فقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَرُدُّ
____________________
(6/133)
مِثْلَ الْبَذْرِ وَبِهِ قال بن الزَّاغُونِيِّ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِثْلِيٌّ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَجِبُ ثَمَنُ الْبَذْرِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عن عِوَضِ الزَّرْعِ وَكَذَلِكَ عَبَّرَ أبو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ لِوَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُعَوَّضِ وَدُخُولُ الزَّرْعِ في مِلْكِ الْغَاصِبِ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ كما تَقَدَّمَ فَبَطَلَ كَوْنُهَا عِوَضًا عنه
الثَّانِي الْأَصْلُ في الْمُعَاوَضَةِ تَفَاوُتُهُمَا وَتَبَاعُدُهُمَا فَدَلَّ على انْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ
وَالصَّوَابُ أنها عِوَضُ الْبَذْرِ وَلَوَاحِقِهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ إنْ أَخَذَهُ قبل وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عليه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ أَخْذِهِ على الصَّحِيحِ كما تَقَدَّمَ
وَعَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ وَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّ الزَّرْعَ من أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَى هذا يَكُونُ هذا الْمَذْهَبُ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَرَسَهَا أو بَنَى فيها أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَأَرْشِ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا
وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ
إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قال لَزِمَهُ الْقَلْعُ في الْأَصَحِّ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ وَالْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وعنه لَا يُقْلَعُ بَلْ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ
____________________
(6/134)
وَعَلَيْهَا لَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ كَذَلِكَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ما لو كان الْغَارِسُ أو الْبَانِي أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ وهو كَذَلِكَ حتى وَلَوْ لم يَغْصِبْهُ لَكِنْ غَرَسَ أو بَنَى من غَيْرِ إذْنٍ وهو صَحِيحٌ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا في أَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا قال إنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ
وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في الشُّفْعَةِ
فَوَائِدُ
منها لو زَرَعَ فيها شَجَرًا بِنَوَاهُ فَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ له كما في الْغِرَاسِ
وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِدُخُولِهِ في عُمُومِ أَخْبَارِ الزَّرْعِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَمِنْهَا لو أَثْمَرَ ما غَرَسَ الْغَاصِبُ فقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَنَوَادِرِ الْمُذْهَبِ الثَّمَرُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ كَالزَّرْعِ إنْ أَدْرَكَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّ النَّفَقَةَ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ
قال في الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ فِيمَنْ غَرَسَ أَرْضًا الثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن رَزِينٍ لو أَثْمَرَ ما غَرَسَهُ الْغَاصِبُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْجَذَاذِ فَلِلْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ قَبْلَهُ
وعنه لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ انْتَهَوْا
قال بن رَزِينٍ عن الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ليس بِشَيْءٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ بِكُلِّ حَالٍ
وَحَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ في كِتَابِ الشُّرُوطِ رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(6/135)
قال وَهَذَا أَصَحُّ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ
قال وَالْقِيَاسُ على الزَّرْعِ ضَعِيفٌ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَمِنْهَا لو جَصَّصَ الدَّارَ وَزَوَّقَهَا فَحُكْمُهَا كَالْبِنَاءِ قَالَهُ في الْكَافِي وَلَوْ وَهَبَ ذلك لِمَالِكِهَا فَفِي إجْبَارِهِ على قَبُولِهِ وَجْهَانِ كَالصَّبْغِ في الثَّوْبِ على ما يَأْتِي
وَمِنْهَا لو غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَاهَا دَارًا بِتُرَابٍ منها وَآلَاتٍ من الْمَغْصُوبِ منه فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً وَإِنْ كانت آلَاتُهَا من مَالِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ دُونَ بِنَائِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءُ له فلم يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مَالِهِ فَلَوْ أَجَّرَهَا فَالْأُجْرَةُ لَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا
نَقَلَ بن مَنْصُورٍ فِيمَنْ بَنَى فيها وَيُؤَجِّرُهَا الْغَلَّةَ على النَّصِيبِ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ أَيْضًا وَيَكُونُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ بِنَاءٍ
وَمِنْهَا لو طَلَبَ أَخْذَ الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ وَأَبَى مَالِكُهُ إلَّا الْقَلْعَ فَلَهُ ذلك وَلَا يُجْبَرُ على أَخْذِ الْقِيمَةِ وفي الْبِنَاءِ تَخْرِيجٌ إذَا بَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ على قَبُولِهَا إذَا لم يَكُنْ في النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وهو لِلْمُصَنِّفِ وَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً فيه لَا يَلْزَمُهُ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ وَنَقَلَهُ بن الْحَكَمِ
وَرَوَى الْخَلَّالُ فيه عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها مَرْفُوعًا له ما نَقَصَ
قال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ هذا مَنَعَنَا من الْقِيَاسِ
وَنَقَلَ جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ فيها لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ وزاد وَتَرَكَهُ بِأُجْرَةٍ انْتَهَى
وَمِنْهَا إذَا اتَّفَقَا على الْقِيمَةِ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا حَكَاهُ بن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ
وَإِنْ وَهَبَهُمَا الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِيَدْفَعَ عن نَفْسِهِ كُلْفَةَ الْقَلْعِ فَقَبِلَهُ جَازَ
____________________
(6/136)
وَإِنْ أَبَى إلَّا الْقَلْعَ وكان في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لم يُجْبَرْ على الْقَبُولِ وَإِنْ لم يَكُنْ له في الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَفِي إجْبَارِهِ على الْقَوْلِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ
قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ وَهَبَهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ لم يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ إنْ أَرَادَ الْقَلْعَ وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى
قُلْت الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ
وَمِنْهَا لو غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا من شَخْصٍ وَاحِدٍ فَغَرْسُهُ فيها فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فَإِنْ طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَلَهُ في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عليه وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ الْغِرَاسِ
وَإِنْ لم يَكُنْ في قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لم يُجْبَرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُجْبَرُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ
وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ ابْتِدَاءً فَلَهُ مَنْعُهُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مَبْنِيًّا كما تَقَدَّمَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو غَرَسَ الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ ولم يَعْلَمْ بِالْحَالِ فقال بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ عليه الْمُتَأَخِّرُونَ لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ على من غَرَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ الْحُكْمُ كما تَقَدَّمَ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَلَا يقلع ( ( ( بقلع ) ) ) مَجَّانًا نَقَلَهُ حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ قال وَلَا يَثْبُتُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ سِوَاهُ وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى
____________________
(6/137)
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما هو أَعَمُّ من ذلك في الْبَابِ في قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا وَبَنَى فيها فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً
الثَّانِيَةُ الرَّطْبَةُ وَنَحْوُهَا هل هِيَ كَالزَّرْعِ في الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ أو كَالْغِرَاسِ فيه احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَقَوَاعِدِ بن رَجَبٍ وَالزَّرْكَشِيِّ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالزَّرْعِ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال لِأَنَّهُ زَرْعٌ ليس له فَرْعٌ قَوِيٌّ فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قُلْت وَكَذَا غَيْرُهُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هو كَالْغِرَاسِ
قال النَّاظِمُ وَكَالْغَرْسِ في الْأَقْوَى الْمُكَرَّرِ جَزُّهُ
وَيَأْتِي قَرِيبًا لو حَفَرَ في الْأَرْضِ بِئْرًا
قَوْلُهُ وَإِنْ غصب ( ( ( غصبه ) ) ) لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً لم يُقْلَعْ حتى ترسى
يَعْنِي إذَا كان يَخَافُ من قَلْعِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُقْلَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فيه حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ أو مَالٌ لِلْغَيْرِ جَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمُطْلَقُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى يَقْتَضِيهِ فإنه قال من اغْتَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عليها حَائِطًا أو جَعَلَهَا في سَفِينَةٍ قُلِعَتْ من الْحَائِطِ أو السَّفِينَةِ وَإِنْ اسْتُهْدِمَا بِالْقَلْعِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ الْقَلْعُ فَلِلْمَالِكِ الْقِيمَةُ ثُمَّ إذَا أَمْكَنَ الرَّدُّ أَخَذَهُ مع
____________________
(6/138)
الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ وَاسْتَرَدَّ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ كما لو أَبَقَ الْمَغْصُوبُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت وقد شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي حَيْثُ قال وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبْقَ أو فَرَسًا فَشَرَدَ أو شيئا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مع بَقَائِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ
وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ تَتَعَيَّنُ له الْأُجْرَةُ إلَى أَنْ يُقْلَعَ لَكَانَ مُتَّجَهًا
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ وَخِيفَ عليه من قَلْعِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ على وَجْهَيْنِ
إذَا غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخَافَ على الْحَيَوَانِ بِقَلْعِهِ أو لَا فَإِنْ لم يَخَفْ عليه بِقَلْعِهِ قَلَعَ
وَإِنْ خِيفَ عليه فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا أو لَا فَإِنْ لم يَكُنْ مَأْكُولًا فَلَا يَخْلُو أما أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا أو لَا فَإِنْ كان غير مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ قَلْعُهُ منه بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كان مُحْتَرَمًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أو غَيْرَهُ فَإِنْ كان آدَمِيًّا لم يُقْلَعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إذَا خِيفَ عليه الضَّرَرُ وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ لَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا خِيفَ تَلَفُهُ وَيُقْلَعُ كَغَيْرِهِ من الْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ فإنه لَا بُدَّ فيها من خَوْفِ التَّلَفِ على الصَّحِيحِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ
وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالتَّلَفِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَإِنْ كان مَأْكُولًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَاصِبِ أو لَا فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْغَاصِبِ لم يُقْلَعْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/139)
وَإِنْ كان لِلْغَاصِبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا
أَحَدُهُمَا يُذْبَحُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُذْبَحُ وَتُرَدُّ قِيمَتُهُ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ كان مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ ذُبِحَ وَرَدَّهُ وَإِلَّا فَلَا وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو حَسَنٌ وَأَطْلَقَهُنَّ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِمَوْتِ الْآدَمِيِّ
قال بن شِهَابٍ الْحَيَوَانُ أَكْثَرُ حُرْمَةً من بَقِيَّةِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ مَائِهِ منه وَلَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عن مَالِهِ قُتِلَ لَا عن نَفْسِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ فقال الْأَصْحَابُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ
وقال إنْ كانت مَأْكُولَةً ذُبِحَتْ على الْأَشْهَرِ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ مَتَى كانت أَكْثَرَ قِيمَةً من
____________________
(6/140)
الْحَيَوَانِ ذَبَحَ الْحَيَوَانَ وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا وَضَمَانُ الْحَيَوَانِ على الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا
الثَّانِيَةُ لو ابْتَلَعَتْ شَاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غير مَغْصُوبَةٍ وَتَوَقَّفَ الْإِخْرَاجُ على الذَّبْحِ ذُبِحَتْ بِقَيْدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْقَيْدِ وَعَلَى مَالِكِ الْجَوْهَرَةِ ضَمَانُ نَقْصِ الذَّبْحِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ مَالِكُ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عليها فَلَا شَيْءَ له لِتَفْرِيطِهِ
الثَّالِثَةُ لو أَدْخَلَتْ الشَّاةُ رَأْسَهَا في قُمْقُمٍ وَنَحْوِهِ ولم يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِذَبْحِهَا أو كَسْرِهِ فَهُنَا حَالَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً فَلِلْأَصْحَابِ فيها طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ إنْ كان لَا بِتَفْرِيطٍ من أَحَدٍ كُسِرَ الْقِدْرُ وَوَجَبَ الْأَرْشُ على مَالِكِ الْبَهِيمَةِ وَإِنْ كان بِتَفْرِيطِ مَالِكِهَا بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بيده أو كانت يَدُهُ عليها وَنَحْوُهُ ذُبِحَتْ من غَيْرِ ضَمَانٍ
وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا بِعَدَمِ الذَّبْحِ فَيَجِبُ الْكَسْرُ وَالضَّمَانُ
وَإِنْ كانت بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الْقِدْرِ بِأَنْ أَدْخَلَهُ بيده أو أَلْقَاهَا في الطَّرِيقِ كُسِرَتْ وَلَا أَرْشَ قال ذلك الْحَارِثِيُّ
الطَّرِيقُ الثَّانِي وهو ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ إنْ كان الْكَسْرُ هو الْأَقَلَّ تَعَيَّنَ وَإِلَّا ذُبِحَ وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ
ثُمَّ التَّفْرِيطُ من أَيِّهِمَا حَصَلَ كان الضَّمَانُ عليه وَإِنْ لم يَحْصُلْ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالضَّمَانُ على مَالِكِ الْبَهِيمَةِ إنْ كُسِرَ الْقِدْرُ وَإِنْ ذُبِحَتْ الْبَهِيمَةُ فَالضَّمَانُ على صَاحِبِ الْقِدْرِ وَإِنْ اتَّفَقَا على تَرْكِ الْحَالِ على ما هو عليه لم يَجُزْ
وَلَوْ قال من عليه الضَّمَانُ أنا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شيئا لِلْآخَرِ كان له ذلك
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ غير مَأْكُولَةٍ فَتُكْسَرُ الْقِدْرُ وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(6/141)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ من الْأَصْحَابِ
وَعَلَى هذا لو اتَّفَقَا على الْقَتْلِ لم يُمَكَّنَا
وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْكُولِ على ما تَقَدَّمَ
وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ كانت الْجِنَايَةُ من مَالِكِهَا أو الْقَتْلُ أَقَلَّ ضَرَرًا
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَظَاهِرُ الْحَارِثِيِّ الْإِطْلَاقُ
الرَّابِعَةُ لو سَقَطَ دِينَارٌ أو دِرْهَمٌ أو أَقَلُّ أو أَكْثَرُ في مِحْبَرَةِ الْغَيْرِ وَعَسِرَ إخْرَاجُهُ فَإِنْ كان بِفِعْلِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ كُسِرَتْ مَجَّانًا مُطْلَقًا
وَإِنْ كان بِفِعْلِ مَالِكِ الدِّينَارِ فقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يُخَيَّرُ بين تَرْكِهِ فيها وَبَيْنَ كَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا
وَعَلَى هذا لو بَذَلَ مَالِكُ الْمِحْبَرَةِ لِمَالِكِ الدِّينَارِ مِثْلَ دِينَارِهِ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فيه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ في إجْبَارِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ على الْكَسْرِ ابْتِدَاءً وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يُجْبَرُ قَالَا وَعَلَيْهِ نَقْضُ الْمِحْبَرَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَجِبُ على هذا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ بَذْلِ الدِّينَارِ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْبَرُ وَعَلَى مَالِكِ الدِّينَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ هو حَاصِلُ ما قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ من التَّخْيِيرِ بين التَّرْكِ وَالْكَسْرِ
____________________
(6/142)
وَكَيْفَمَا كان لو بَادَرَ وَكَسَرَ عُدْوَانًا لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ من قِيمَتِهَا وَجْهًا وَاحِدًا
وَإِنْ كان السُّقُوطُ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ بِأَنْ سَقَطَ من مَكَان أو أَلْقَاهُ طَائِرٌ أو هِرٌّ وَجَبَ الْكَسْرُ وَعَلَى رَبِّ الدِّينَارِ الْأَرْشُ
فَإِنْ كانت الْمِحْبَرَةُ ثَمِينَةً وَامْتَنَعَ رَبُّ الدِّينَارِ من ضَمَانِهَا في مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ فقال بن عَقِيلٍ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ له إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ وَإِلَّا فَاتْرُكْ وَلَا شَيْءَ لَك
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُقُوطُ حَقِّهِ من الْكَسْرِ هُنَا وَيَصْطَلِحَانِ عليه
وَلَوْ غَصَبَ الدِّينَارَ وَأَلْقَاهُ في مِحْبَرَةِ آخَرَ أو سَقَطَ فيها بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَالْكَسْرُ مُتَعَيِّنٌ وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهَا إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ على التَّبْقِيَةِ فَيَسْقُطَ وَيَجِبُ على الْغَاصِبِ ضَمَانُ الدِّينَارِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ
الْخَامِسَةُ لو حَصَلَ مُهْرٌ أو فَصِيلٌ في دَارِهِ لِآخَرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ وَجَبَ النَّقْضُ
ثُمَّ إنْ كان عن تَفْرِيطِ مَالِكِ الدَّارِ بِأَنْ غَصَبَهُ وَأَدْخَلَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ كان لَا عن تَفْرِيطٍ من أَحَدٍ فَضَمَانُ النَّقْضِ على مَالِكِ الْحَيَوَانِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ فَإِنْ كان النَّقْضُ أَقَلَّ فَكَمَا قُلْنَا وَإِنْ كان أَكْثَرَ ذُبِحَ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَوْلَى
وَعَلَى هذا إنْ كان الْحَيَوَانُ غير مَأْكُولٍ تَعَيَّنَ النَّقْضُ
وَإِنْ كان عن تَفْرِيطِ مَالِكِ الْحَيَوَانِ لم يُنْقَضْ وَذُبِحَ وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ حَكَاهُ في الْمُغْنِي
وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وُجُوبَ النَّقْضِ وَغُرْمَ الْأَرْشِ
وَكَلَامُ بن عَقِيلٍ نَحْوُهُ أو قَرِيبٌ منه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/143)
وقال الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ
وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ خَشَبَةً فَأَدْخَلَهَا الدَّارَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ يُنْقَضُ الْبَابُ لِإِخْرَاجِهَا
السَّادِسَةُ لو بَاعَ دَارًا وَفِيهَا ما يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ فقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ يُنْقَضُ الْبَابُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْضِ
وقال الْمُصَنِّفُ يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ إنْ زَادَ بَقَاؤُهُ في الدَّارِ أو تَفْكِيكُهُ إنْ كان مُرَكَّبًا أو ذَبَحَهُ إنْ كان حَيَوَانًا على النَّقْضِ نُقِضَ مع الْأَرْشِ
وَإِنْ كان بِالْعَكْسِ فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ
قال وَيَصْطَلِحَانِ إمَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ أو غَيْرُ ذلك انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ أو شبكه أو شَرَكًا فَأَمْسَكَ شيئا أو فَرَسًا فَصَادَ عليه أو غَنِمَ فَهُوَ لِمَالِكِهِ
إذَا غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ أو فَرَسًا فَصَادَ عليه فَالصَّيْدُ لِلْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وجزم بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَلِرَبِّهِ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ في الصَّيْدِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ في غَيْرِ الْكَلْبِ
وَقِيلَ هو لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوِيٌّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ في صَيْدِ الْكَلْبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ في الْكَلْبِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عليه مَالًا أَنْ يَجْعَلَ الْكَسْبَ بين الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ على قَدْرِ نَفْعِهِمَا بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا
____________________
(6/144)
وَتَقَدَّمَ ذلك في الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو الصَّحِيحُ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ في الْأَظْهَرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ وهو قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ في صَيْدِ الْعَبْدِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا
وَأَمَّا سَهْمُ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ في قَوْلِهِ وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عليه فَسَهْمُهُ لِمَالِكِهِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فيه هُنَاكَ
فَأَمَّا إذَا غَصَبَ شَبَكَةً أو شَرَكًا فَصَادَ بِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لِمَالِكِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ لِلْغَاصِبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صَيْدَ الْكَلْبِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ وَكَذَا أُحْبُولَةٌ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ في كُتُبِ الْخِلَافِ قالوا على قِيَاسِ قَوْلِهِ رِبْحُ الدَّرَاهِمِ لِمَالِكِهَا
فَائِدَةٌ صَيْدُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرُ أَكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ بِلَا نِزَاعٍ وفي لُزُومِ أُجْرَتِهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ وَعَمَلِهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ في الْجَارِحَةِ
قال في التَّلْخِيصِ وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَتُهُ تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ أو غَزْلًا فَنَسَجَهُ أو فِضَّةً
____________________
(6/145)
أو حَدِيدًا فَضَرَبَهُ إبَرًا أو أَوَانِي أو خَشَبًا فَنَجَرَهُ بَابًا وَنَحْوَهُ أو شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا رَدَّ ذلك بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ وَلَا شَيْءَ له
وَكَذَا لو غَصَبَ طِينًا فَضَرَبَهُ لَبِنًا أو جَعَلَهُ فَخَّارًا أو حَبًّا فَطَحَنَهُ وَنَحْوَ ذلك
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ما يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عن صِفَتِهِ وَيَنْقُلُهُ إلَى اسْمٍ آخَرَ كما مَثَّلَ وَنَحْوِهِ فَفِي هذا يَكُونُ الْحُكْمُ كما قال الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ من أَهْلِ الْمَذْهَبِ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو عَلِيِّ بن شِهَابٍ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ قال وهو الْمُخْتَارُ
قال في التَّلْخِيصِ هذا الصَّحِيحُ عِنْدِي وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وعنه يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ فَالْغَاصِبُ شَرِيكُ الْمَالِكِ بِالزِّيَادَةِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وقال رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُ في الْخِلَافِ انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ
وَقِيلَ لِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فَقَطْ إذَا كانت الزِّيَادَةُ مِثْلَهَا فَصَاعِدًا أَوْمَأَ إلَيْهِ بن أبي مُوسَى ذَكَرَهُ عنه في التَّلْخِيصِ
____________________
(6/146)
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ بن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيُّ
فَعَلَى هذا إنْ عَمِلَ ولم يَسْتَأْجِرْ فَلَا شَيْءَ له قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ
وقال أبو بَكْرٍ يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قبل تَغْيِيرِهِ وهو رِوَايَةٌ نَقَلَهَا محمد بن الْحَكَمِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ قَالَا هو قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه فإن مُحَمَّدًا مَاتَ قبل أبي عبد اللَّهِ بِنَحْوٍ من عِشْرِينَ سَنَةً
قُلْت مَوْتُهُ قبل أبي عبد اللَّهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ رَجَعَ عنه بَلْ لَا بُدَّ من دَلِيلٍ على رُجُوعِهِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال نَحْوَهُ فقال وَلَيْسَ يَلْزَمُ من تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الرُّجُوعُ إذْ من الْجَائِزِ تَقَدُّمُ سَمَاعِ من تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ وكان يَجِبُ على ما قاله إلْغَاءُ ما خَالَفَ أبو بَكْرٍ فيه لِرِوَايَةِ من تَأَخَّرَ مَوْتُهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ انْتَهَى
وعنه يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بين الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ
قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ
تَنْبِيهٌ أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عن صِفَتِهِ قَصْرَ الثَّوْبِ وَذَبْحَ الشَّاةِ وَشَيَّهَا
قال في الْفُرُوعِ فذكر جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ
قُلْت منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ وقد أَدْرَجَ هو وَغَيْرُهُ في هذا الْأَصْلِ قِصَارَةَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ بِالْمُخْتَارِ لِانْتِفَاءِ سَلْبِ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى
تَنْبِيهٌ ثَانٍ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذَبْحَ الْغَاصِبِ لِلْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهُ وهو كَذَلِكَ على الصَّحِيحِ وَيَأْتِي ذلك عِنْدَ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ وفي بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ
فَائِدَةٌ ما صوره الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ يَنْقَسِمُ إلَى مُمْكِنِ الرَّدِّ إلَى
____________________
(6/147)
الْحَالَةِ الْأُولَى كَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَالدَّرَاهِمِ فَيُجْبَرُ الْمَالِكُ على الْإِعَادَةِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
والي غَيْرِ مُمْكِنٍ كَالْأَبْوَابِ وَالْفَخَّارِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عليه فِيمَا عَدَا الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا
وقال بن عَقِيلٍ في الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ من التُّرَابِ لِلْمَالِكِ رَدُّهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ التُّرَابِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَحَفَرَ فيها بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا في أَرْضِ مَالِكِهَا لم يَمْلِكْ طَمَّهَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
إذَا حَفَرَ بِئْرًا أو شَقَّ نَهْرًا وَنَحْوَهُ في أَرْضٍ غَصَبَهَا فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ بِطَمِّهَا لَزِمَهُ ذلك إنْ كان لِغَرَضٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّهَا ابْتِدَاءً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أو لَا فَإِنْ كان لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ ما يَقَعُ فيها أو يَكُونُ قد نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ أو مِلْكِ غَيْرِهِ أو إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ فَلَهُ طَمُّهَا من غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْخُلَاصَةِ
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ على ما يَأْتِي من كَلَامِهِمَا
وَإِنْ لم يَكُنْ له غَرَضٌ صَحِيحٌ في ذلك وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قد وَضَعَ التُّرَابَ في أَرْضِ مَالِكِهَا أو في مَوَاتٍ أو أَبْرَأَهُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أو مَنَعَهُ منه فَهَلْ يَمْلِكُ طَمَّهَا فيه وَجْهَانِ
____________________
(6/148)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ
أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا وهو الصَّحِيحُ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْلِكُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَحَفَرَ فيها بِئْرًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا فَأَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّ الْبِئْرِ لم يَكُنْ له ذلك
وقال الْقَاضِي له ذلك من غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ ليس له ذلك إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ فيها انْتَهَيَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُذْهَبِ
قال في التَّلْخِيصِ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ هل الرِّضَى الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ لِلْحَفْرِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَإِنْ حَفَرَ فيها بِئْرًا أو نَحْوَهَا فَلَهُ طَمُّهَا مُطْلَقًا
وَإِنْ سَخِطَ رَبُّهَا فَأَوْجُهٌ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ
وَالثَّالِثُ إنْ أَبْرَأَهُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها وَصَحَّ في وَجْهٍ فَلَا
زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهًا رَابِعًا وهو إنْ كان غَرَضُهُ فيه صَحِيحًا كَدَفْعِ ضَرَرٍ وَخَطَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا
وَخَامِسًا وهو إنْ تَرَكَ تُرَابَهَا في أَرْضِ غَيْرِ رَبِّهَا فَلَا
وَقِيلَ بَلَى مع غَرَضٍ صَحِيحٍ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك وَالصَّحِيحُ منه
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا في الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ عن الْقَاضِي
قال الْحَارِثِيُّ إذَا كان مَأْخُوذًا من غَيْرِ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ فَنَعَمْ وَإِنْ كان من الْمُجَرَّدِ فَكَلَامُهُ فيه مُوَافِقٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فإنه قال وَذَكَرَ كَلَامَهُ
____________________
(6/149)
قُلْت النَّاقِلُ عن الْقَاضِي تِلْمِيذُهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وهو أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ من غَيْرِهِ وَلِلْقَاضِي في مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَكُتُبُهُ كَثِيرَةٌ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ من ضَمَانِ ما يَتْلَفُ بها أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْرَأُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُهُ في الرِّعَايَتَيْنِ في ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْخِلَافُ في صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ أو بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا أو نَوًى فَصَارَ غِرَاسًا
قال في الِانْتِصَارِ أو غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ له وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَيَتَخَرَّجُ فيها مِثْلُ الذي قَبْلَهَا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ
فَعَلَى هذا يَتَخَرَّجُ لنا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ كَالْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا انْتَهَى
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِمَّا تَقَدَّمَ من تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَتَبَدُّلِ اسْمِهَا
فَائِدَةٌ ذَكَرَ في الْكَافِي من صُوَرِ الِاسْتِحَالَةِ الزَّرْعُ يَصِيرُ حَبًّا
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الزَّرْعَ إنْ كان قد سَنْبَلَ حَالَةَ الْغَصْبِ فَهُوَ من قَبِيلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ يَصِيرَانِ تَمْرًا وَزَبِيبًا وَلَيْسَا من الْمُسْتَحِيلِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لم يَكُنْ سَنْبَلَ فَهُوَ في مَعْنَى إثْمَارِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ من قَبِيلِ الْمُتَوَلِّدِ لَا الْمُسْتَحِيلِ لِوُجُودِ الذَّاتِ عَيْنًا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ رَقِيقًا كان أو غَيْرَهُ
____________________
(6/150)
قال الْأَصْحَابُ وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ وَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ
وقال عليه جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ في الْإِتْلَافِ
فَيَجِبُ في يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وفي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَعَلَى هذا فَقِسْ
فَإِنْ كان النَّقْصُ مِمَّا لَا مقدر ( ( ( يقدر ) ) ) فيه كَنَقْصِهِ لِلْكِبَرِ أو الْمَرَضِ أو شَجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ مع الرَّدِّ فَقَطْ
قال الْحَارِثِيُّ هذه الرِّوَايَةُ أَقْوَى
وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا وَانْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بهذا التَّخْرِيجِ هُنَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وعنه في عَيْنِ الدَّابَّةِ من الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ رُبُعُ قِيمَتِهَا نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فقال الْقَاضِي في رِوَايَتَيْهِ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافُ في عَيْنِ الدَّابَّةِ من الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على ذلك
وقال في الْفُرُوعِ وَخَصَّ في الرَّوْضَةِ هذه الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ وَجَعَلَ في عَيْنِ غَيْرِهَا ما نَقَصَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا قال في عَيْنِ الدَّابَّةِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ من الْأَصْحَابِ من قَصَرَ الْخِلَافَ على عَيْنِ الْفَرَسِ دُونَ
____________________
(6/151)
الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنِ بن مُحَمَّدِ الْعُكْبَرِيِّ في آخَرِينَ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْلَ بِالْمُقَدَّرِ
قال وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فإن لَفْظَ الدَّابَّةِ يَشْمَلُ الْبَغْلَ وَالْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَكَذَلِكَ صِيغَةُ الدَّلِيلِ الْمُتَمَسَّكِ بِهِ فَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ مع أَنَّا نَجِدُ في الْفَرَسِ خَصَائِصَ تُنَاسِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِهِ لَكِنْ ما أَخَذْنَا فيه غير الْقِيَاسِ وَلَا يُمْكِنُ إعْمَالُ ما ذَكَرْنَا من الْمُنَاسَبَةِ انْتَهَى
قُلْت وَمِمَّنْ خَصَّ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ من الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ في الْعَيْنَيْنِ ما نَقَصَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ
قال الْحَارِثِيُّ كَذَلِكَ قال الْأَصْحَابُ لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فيه
قال وَعَنْ أبي حَنِيفَةَ نِصْفُ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا بِالرُّبُعِ في إحْدَاهُمَا
قال وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
وَيَأْتِي إذَا شَقَّ ثَوْبًا أو أَتْلَفَ عَصًا أو قَصْعَةً أو كَسَرَ خَلْخَالًا وَنَحْوَهُ في ضَمَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ في الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْخِلَافُ فيه
وَيَأْتِي وَقْتُ لُزُومِ قِيمَتِهِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
تَنْبِيهٌ دخل في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ لو جَنَى على حَيَوَانٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا وهو كَذَلِكَ فَيَجِبُ عليه ضَمَانُ ما نَقَصَ من أُمِّهِ بِالْجِنَايَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ
وقال أبو بَكْرٍ يَجِبُ ضَمَانُ جَنِينِ الْبَهَائِمِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْأَمَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ في الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ أَيْضًا وَيَأْتِي في مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ
____________________
(6/152)
قال وَلَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الرَّهْنِ
أَحَدُهُمَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ حَيًّا لَا غَيْرُ
وَالثَّانِي عليه أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ أو ما نَقَصَتْ الْأُمُّ انْتَهَى
قُلْت الثَّانِي هو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عليه ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ
وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ من الْقِيمَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قال الشَّارِحُ إذَا جَنَى الْغَاصِبُ على الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةً الدِّيَةُ
فَعَلَى قَوْلِنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كما لو جَنَى عليه من غَيْرِ غَصْبٍ
وَإِنْ قُلْنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وهو الصَّحِيحُ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ من أَرْشِ النَّقْصِ أو دِيَةِ ذلك الْعُضْوِ
وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ
قال في الْفُرُوعِ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِهِمَا على الْأَصَحِّ
عنه أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ
ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في الْفَصْلِ الثَّالِثِ من بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وبن عَقِيلٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ
لَكِنْ هذه الرِّوَايَةُ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ الْجَانِي الْغَاصِبَ أو غَيْرَهُ
قال الْحَارِثِيُّ وُجُوبُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ
مِثَالُهُ لو كانت الْقِيمَةُ أَلْفًا فَنَقَصَتْ بِالْقَطْعِ أَرْبَعَمِائَةٍ فَالْوَاجِبُ خَمْسُمِائَةٍ وَلَوْ نَقَصَ سِتَّمِائَةٍ كان هو الْوَاجِبَ
____________________
(6/153)
وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَكَذَلِكَ في السِّتِّمِائَةِ لِأَنَّهُ على وَفْقِ الْمُوجَبِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ لِأَنَّهُ ما نَقَصَ
فَائِدَةٌ لو غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَزَادَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَلْفَيْنِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَنَقَصَ أَلْفًا فَيَجِبُ أَلْفٌ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ نَقَصَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ على الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا
أَمَّا بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَظَاهِرٌ وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ فإذا اسْتَوَيَا كان أَوْلَى
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَعْنِي الْمُقَدَّرَ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَطْ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا لِإِفْضَائِهِ إلَى إلْغَاءِ أَثَرِ الْيَدِ مع وُجُودِهَا انْتَهَى
وَإِنْ نَقَصَ خَمْسُمِائَةٍ فقال الْحَارِثِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْمُقَدَّرِ عليه أَلْفٌ وَعَلَى رِوَايَةِ ما نَقَصَ عليه خَمْسُمِائَةٍ فَقَطْ وهو ظَاهِرٌ وَكَذَا قال غَيْرُهُ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا على الْعَبْدِ إذَا جَنَى عليه الْغَاصِبُ أو جني عليه في حَالِ غَصْبِهِ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وهو ما إذَا جَنَى عليه من غَيْرِ غَصْبٍ وقد ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ في الْفَصْلِ الثَّالِثِ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَإِنْ جَنَى عليه غَيْرُ الْغَاصِبِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ على الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ ما بَقِيَ من النَّقْصِ
هذا مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ
أَمَّا على الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ من شَاءَ مِنْهُمَا وَقَرَارُ الضَّمَانِ على الْجَانِي لِمُبَاشَرَتِهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وهو وَاضِحٌ
____________________
(6/154)
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ
وَكَذَا لو قَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو لِسَانَهُ أو ما تَجِبُ فيه الدِّيَةُ كَامِلَةً من الْحُرِّ فإنه يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ فيه ما في الذي قَبْلَهُ من الْخِلَافِ غير أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ لِاسْتِغْرَاقِ الْقِيمَةِ في الْمُقَدَّرِ وَإِنْ لم تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْخِصَاءِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ يَرُدُّهُ وَمَعَهُ قِيمَتُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ أَيْ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لم يَضْمَنْ نَصَّ عليه
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ
قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ حتى إنَّ الْقَاضِيَ قال لم أَجِدْ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةً بِالضَّمَانِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وعنه يَضْمَنُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ يَضْمَنُ نَقْصَهُ مع تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ إذَا تَلِفَ وَإِلَّا فَلَا
وقال الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ ما لم يَتَّصِلْ التَّلَفُ بِالزِّيَادَةِ
فَإِنْ اتَّصَلَ بِأَنْ غَصَبَ ما قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَارْتَفَعَ السِّعْرُ إلَى مِائَتَيْنِ وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ ضَمِنَ الْمِائَتَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا إذْ الضَّمَانُ مُعْتَبَرٌ بِيَوْمِ التَّلَفِ
وَإِنْ كان مِثْلِيًّا فَالْوَاجِبُ الْمِثْلُ بِلَا خِلَافٍ
وقال في التَّلْخِيصِ لو غَصَبَ شيئا يُسَاوِي خَمْسَةً فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى دِرْهَمٍ ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَهَذَا على اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْغَصْبِ
____________________
(6/155)
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اسْتَرْسَلَ إلَيْهِ من كَلَامِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ
وَلَوْ تَلِفَ نِصْفُ الْعَيْنِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى دِرْهَمٍ فَرَجَعَ الْبَاقِي إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ رَدَّ الْبَاقِيَ وَمَعَهُ قِيمَةُ التَّالِفِ نِصْفُ دِرْهَمٍ
وفي التَّلْخِيصِ يَرُدُّ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ كما قُلْنَا
قال الْحَارِثِيُّ وَإِنَّمَا أَوْرَدْته تَنْبِيهًا
قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَنَصُّهُ يَضْمَنُ
وَحَكَى الْحَارِثِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ بِالضَّمَانِ قال وهو عِنْدِي قوى بَلْ أَقْوَى وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ من النَّصِّ
فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَهُ وَرُبَّمَا كان الْمَذْهَبَ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال نَصَّ عليه
فَائِدَةٌ لو اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ مَعِيبًا مع الْأَرْشِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ في يَدِ مَالِكِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجِبُ رَدُّ الْأَرْشِ لِاسْتِقْرَارِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَكَذَا لو أَخَذَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ أَرْشٍ ثُمَّ زَالَ في يَدِهِ لم يَسْقُطْ الْأَرْشُ كَذَلِكَ
قال الْحَارِثِيُّ وما يُذْكَرُ من الِاسْتِقْرَارِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ
قال وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ النَّقْصِ الْحَادِثِ في الْمُدَّةِ وَيَجِبُ رَدُّ ما زَادَ إنْ كان
____________________
(6/156)
قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ من جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلُ أن تَعَلَّمَ صَنْعَةً فَعَادَتْ الْقِيمَةُ ضَمِنَ النَّقْصَ
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ أو نَحْوِهِ ثُمَّ نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ ضَمِنَ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ
وعنه إذَا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى من جِنْسِهَا
مِثْلُ إنْ كانت قِيمَتُهَا مِائَةً فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ هَزَلَتْ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ سَمِنَتْ فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لم يَضْمَنْهَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهَا وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ لِنَصِّهِ في الْخَلْخَالِ يُكْسَرُ قال يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وهو أَحَدُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(6/157)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ ضَمِنَهَا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت من غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى لم يَسْقُطْ ضَمَانُهَا
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وقال هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
فَائِدَةٌ من صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ لو كان الذَّاهِبُ عِلْمًا أو صِنَاعَةً فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ أو صِنَاعَةً أُخْرَى قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو كَعَوْدِ السِّمَنِ يَجْرِي فيها الْوَجْهَانِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غير مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بين أَخْذِ مِثْلِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا حتى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا
هذا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ
قال الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ
وَقِيلَ له أَرْشُ ما نَقَصَ بِهِ من غَيْرِ تَخْيِيرٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِبَدَلِهِ كما في الْهَالِكِ
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وبن
____________________
(6/158)
عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ وَالشِّيرَازِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَالشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ وَاخْتَارَهُ بن بَكْرُوسٍ
وَخَيَّرَهُ في التَّرْغِيبِ بين أَخْذِهِ مع أَرْشِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَسْتَقِرَّ الْعَفَنُ أَمَّا إنْ اسْتَقَرَّ فَالْأَرْشُ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ سَوَاءٌ جَنَى على سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ
إنْ جَنَى على غَيْرِ سَيِّدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ في ذلك ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ من النَّقْصِ الذي لَحِقَ الْعَبْدَ
وَإِنْ جَنَى على سَيِّدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا أَرْشُ الْجِنَايَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ على سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ إذَا جَنَى على سَيِّدِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ له بِالْقِيَاسِ على الْأَجْنَبِيِّ قال وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى هذا حَالَةَ الِاقْتِصَاصِ لِوُجُودِ الْفَوَاتِ
أَمَّا حَالَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَاصِ فَلَا لِأَنَّ الْفَوَاتَ مُنْتَفٍ فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ
وَإِنَّمَا قُلْنَا الْفَوَاتُ مُنْتَفٍ لِأَنَّ الْغَايَةَ إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ وهو غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَجْنِيِّ عليه فيها حَاصِلٌ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فَيَكُونُ حَالَةَ عَدَمِ الْقِصَاصِ هَدَرٌ
ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك وَأَمَّا الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّقَبَةِ وَعَلَى الْغَاصِبِ تَخْلِيصُهَا بِالْفِدَاءِ وَبِمَا يفدى
____________________
(6/159)
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من الْقِيمَةِ أو أَرْشِ الْجِنَايَةِ
ولم يُورِدُوا هُنَا الْقَوْلَ بِالْأَرْشِ بَالِغًا ما بَلَغَ كما في فِدَاءِ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الذي ذَكَرُوهُ هو الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وفي كَوْنِ الْأَوَّلِ هو الْأَصَحَّ بَحْثٌ انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَجِنَايَتُهُ على الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ
بِلَا نِزَاعٍ
وَقَوْلُهُ وَيَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ إذَا تَلِفَتْ أو نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ
فإذا غَصَبَ حَامِلًا أو حَائِلًا فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عليه
ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا أو مَيِّتًا
فَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وكان قد غَصَبَهَا حَامِلًا فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ
وَإِنْ كان غَصَبَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي
وَعِنْدَ أبيه أبي الْحُسَيْنِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لو كان حَيًّا
وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ
وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يوم تَلَفِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ في هذا الْبَابِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ منه وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةٌ لَا يَدَ عليها ظاهرة وَلَوْ كانت مَغْصُوبَةً لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
____________________
(6/160)
وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ من الْمَالِكِ وَلَا ذِمَّةَ لها فَيَتَعَلَّقُ بها وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا
وَيُبَيِّنُ ذلك أَنَّهُمْ ذَكَرُوا جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهَا
وَقَالُوا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَضَمِنَهَا لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ في يَدِ الْمَغْصُوبِ
فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ في الْبَهِيمَةِ
قال وَهَذَا فيه نَظَرٌ وَلِهَذَا قال بن عَقِيلٍ في جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ لو نَقَبَ لِصٌّ وَتَرَكَ النَّقْبَ فَخَرَجَتْ منه بَهِيمَةٌ ضَمِنَهَا وَضَمِنَ ما تَجْنِي بِإِفْلَاتِهَا وَتَخْلِيَتِهَا
وقد يَحْتَمِلُ إنْ حَازَهَا وَتَرَكَهَا بِمَكَانٍ ضَمِنَ لتعدية بِتَرْكِهَا فيه بِخِلَافِ ما لو تَرَكَهَا بِمَكَانِهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَلِهَذَا قال الْأَصْحَابُ في نَقْلِ التُّرَابِ من الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَرَادَهُ الْغَاصِبُ وَأَبَى الْمَالِكُ فَلِلْغَاصِبِ ذلك مع غَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلُ إنْ كان نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَنْقُلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِالْمَكَانِ أو كان طَرَحَهُ في طَرِيقٍ فَيَضْمَنُ ما يَتَجَدَّدُ بِهِ من جِنَايَةٍ على آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ
وَلَا يَمْلِكُ ذلك بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلُ إنْ كان نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ أو طَرَفِ الْأَرْضِ التي حَفَرَهَا
وَيُفَارِقُ طَمَّ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عن غَرَضٍ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَفْرِ
زَادَ بن عَقِيلٍ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ أو جِنَايَةُ الْغَيْرِ بِالتُّرَابِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
وَمَحَلُّ هذه الْفَائِدَةِ عِنْدَ ضَمَانِ ما أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ لَكِنْ لها هُنَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ على وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِثْلُ أن خَلَطَ حِنْطَةً أو زَيْتًا بمثله
قال في الرِّعَايَةِ ولم يَشْتَرِكَا فِيهِمَا انْتَهَى لَزِمَهُ مِثْلُهُ منه في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(6/161)
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ فِيمَا إذَا خَلَطَ زَيْتَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ
وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْعُمْدَةِ
قال في الْوَجِيزِ فَهُمَا شَرِيكَانِ
وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ
وفي الْآخَرِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ من حَيْثُ شَاءَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
وقال هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ وقال في الْوَسِيلَةِ وَالْمُوجِزِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا انْتَهَى
وقال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وهو الشَّرِكَةُ كما في الْأَوَّلِ لَكِنْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ على الْحِصَّةِ كَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بن إبْرَاهِيمَ في تَعْلِيقِهِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمَا في رؤوس مَسَائِلِهِمْ حتى قالوا بِهِ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ
وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَأَظُنُّهُ قَوْلَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ انْتَهَى
ثُمَّ قال وَأَمَّا إجْرَاءُ هذا الْوَجْهِ في الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَوَاهٍ جِدًّا لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَقِسْمَتُهَا مُمْكِنَةٌ فَأَيُّ فَائِدَةٍ في الْبَيْعِ وَرَدَّ هذا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ
فَائِدَةٌ هل يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في قَدْرِ مَالِهِ فيه أَمْ لَا
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ قد اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عنه كُلِّهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ
____________________
(6/162)
وَأَنْكَرَ قَوْلَ من قال يَخْرُجُ منه بِقَدْرِ ما خَالَطَهُ
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ التَّحْرِيمَ لِامْتِزَاجِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ فيه وَاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ
وَعَلَى هذا ليس له إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ منه بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ منه وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ فَيَتَخَرَّجُ بِهِ قَدْرُ الْحَرَامِ وَلَوْ من غَيْرِهِ قَالَهُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ أو بِخَيْرٍ منه أو بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَعْنِي على وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ لَزِمَهُ مِثْلُهُ في قِيَاسِ التي قَبْلَهَا
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِثْلُهُ
وَاخْتَارَهُ في الْكَافِي وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْفُرُوعِ فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا من غَيْرِ غَصْبٍ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ من سَمَّيْنَاهُ في الْوَجْهِ الثَّالِثِ انْتَهَى
قال في الْمُذْهَبِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
وقال الْقَاضِي أَيْضًا ما تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَتَالِفٍ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ من حَيْثُ شَاءَ
فَشَمَلَ كَلَامُهُ هذه الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو خَلَطَ الزَّيْتَ بِالشَّيْرَجِ وَدُهْنَ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ وَدَقِيقَ
____________________
(6/163)
الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ فَالْمَنْصُوصُ الشَّرِكَةُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وقد شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقَاضِي
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَظْهَرُ
الثَّانِيَةُ لو خَلَطَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ فَتَلِفَ اثْنَانِ فما بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أو نِصْفَيْنِ يَتَوَجَّهُ فيه وَجْهَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ نِصْفَ الْبَاقِي لَا غَيْرُ
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ مَالَهُ كَامِلًا فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي فَتَسَاوَيَا لَا يَحْتَمِلُ غير ذلك وَمَالُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ
غَايَتُهُ أَنَّهُ أَبْهَمَ عَلَيْنَا
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أو سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا أو قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ النَّقْصَ وَإِنْ لم تَنْقُصْ ولم تَزِدْ أو زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ ما لَهُمَا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ
هذه الْجُمْلَةُ لَا خِلَافَ فيها
لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ الضَّمِيرُ في نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا عَائِدٌ على الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ وَالسَّوِيقِ وَالزَّيْتِ لآنها إحْدَى الْحَالَاتِ الْوَارِدَةِ في قِيمَةِ الْمَالَيْنِ من الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّسَاوِي
وفي عَوْدِهِ على مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَالصَّبْغَ في صُورَةِ النَّقْصِ
____________________
(6/164)
مُنَاقَشَةٌ فإن ضَمَانَ الْغَاصِبِ لَا يُتَصَوَّرُ لِنُقْصَانِ الصَّبْغِ إذْ هو مَالُهُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الضَّمَانِ
وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الثَّوْبِ
وَكَذَا قَوْلُهُ أو قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ليس بِالْجَيِّدِ فإنه مُتَنَاوِلٌ لِحَالَةِ النُّقْصَانِ في الصَّبْغِ دُونَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فإن الضَّمَانَ لَا يَجِبُ على هذا التَّقْدِيرِ بِحَالٍ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ
غير أَنَّ الضَّمَانَ إنْ فُسِّرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَاصِبِ يَكُونُ النَّقْصُ مَحْسُوبًا عليه وَقِيلَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ في مَدْلُولِيهِ مَعًا فَيَتَمَشَّى انْتَهَى
فإذا حَصَلَ النُّقْصَانُ لِكَوْنِهِ مَصْبُوغًا أو لِسُوءِ الْعَمَلِ فَعَلَى الْغَاصِبِ
وَعَلَى هذا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ
فإذا كان قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَمَانِيَةٌ فَالنَّقْصُ على الْغَاصِبِ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الثِّيَابِ فَالنَّقْصُ على الْمَالِكِ فَيَكُونُ له ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الصَّبْغِ فَالنَّقْصُ على الْغَاصِبِ فَيَكُونُ له ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان لِانْخِفَاضِهِمَا مَعًا على السَّوَاءِ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ هذا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ يُحْمَلُ النَّقْصُ على الصَّبْغِ في كل حَالٍ وهو قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصَّبْغِ لم يُجْبَرْ الْآخَرُ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُجْبَرُ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ سَوَاءٌ كان الْغَاصِبُ أو الْمَغْصُوبُ منه وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ
____________________
(6/165)
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ
يَعْنِي إذَا اراد الْغَاصِبُ قَلْعَ صَبْغِهِ وَامْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ منه أُجْبِرَ على تَمْكِينِهِ من قَلْعِهِ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ وَهَذَا قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الصِّبْغِ فقال أَصْحَابُنَا له ذلك سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ أو لم يَضُرَّ وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ إنْ نَقَصَ
ولم يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بين ما يَهْلِكُ صبغة بِالْقَلْعِ وَبَيْنَ ما لَا يَهْلِكُ
قال الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنَّ ما يَهْلِكُ بِالْقَلْعِ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الثَّوْبُ لِأَنَّهُ قال الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى أو غَرَسَ في الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ فَلَهُ أَخْذُهُ إذَا لم يَكُنْ في أَخْذِهِ ضَرَرٌ
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ إنْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ منه قَلْعَ الصِّبْغِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يَمْلِكُ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عليه
وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عليه
قال الْقَاضِي هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ من الطَّرَفَيْنِ لو نَقَصَ الثَّوْبُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ نَقَصَ الصِّبْغُ فقال في الْكَافِي لَا شَيْءَ على الْمَالِكِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ
وقال في الْمُحَرَّرِ يَضْمَنُهُ الْمَالِكُ كما في الطَّرَفِ الْآخَرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ أو وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا على وَجْهَيْنِ
____________________
(6/166)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الصَّدَاقِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
قال الْحَارِثِيُّ في التَّزْوِيقِ وَنَحْوِهِ هذا أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو طَلَبَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَ الصِّبْغِ بِالْقِيمَةِ فقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ على الْقَبُولِ وَاخْتَارَاهُ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِالْإِجْبَارِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
الثَّانِيَةُ لو نَسَجَ الْغَزْلَ الْمَغْصُوبَ أو قَصَرَ الثَّوْبَ أو عَمِلَ الْحَدِيدَ إبَرًا أو سُيُوفًا وَنَحْوَ ذلك وَوَهَبَهُ لِمَالِكِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ
وَلَوْ سَمَّرَ بِمَسَامِيرِهِ بَابًا مَغْصُوبًا ثُمَّ وَهَبَ الْمَسَامِيرَ لِرَبِّ الْبَابِ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ
قال في الْفُرُوعِ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا أو زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا احْتَمَلَ أَنْ يكون ( ( ( تكون ) ) ) كَذَلِكَ
يَعْنِي يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا كما لو غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِصِبْغٍ من عِنْدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ ولم يذكر الْأَصْحَابُ سِوَاهُ في صُورَةِ الصَّبْغِ وَجَزَمَ بِهِ في
____________________
(6/167)
التَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ أو مِثْلُهُ إنْ كان مِثْلِيًّا لِأَنَّ الصِّبْغَ وَالزَّيْتَ صَارَا مُسْتَهْلَكَيْنِ أَشْبَهَ ما لو أَتْلَفَهُمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ في الْكِتَابِ قال وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُضَيِّعُ الصِّبْغَ على الْغَاصِبِ وَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مَجَّانًا وَأَطْلَقَ الِاحْتِمَالَيْنِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
قَوْلُهُ وَإِنْ وطىء الْجَارِيَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَإِنْ كانت مُطَاوَعَةً وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وعنه لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِلثَّيِّبِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْخِرَقِيُّ وبن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ولم يُوجِبْ عليه سِوَى أَرْشِ الْبَكَارَةِ نَقَلَهُ عنه في الْفَائِقِ
قال الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ لُزُومِ مَهْرِ الثَّيِّبِ بَعِيدٌ
وعنه لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ في مَهْرِهَا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو وَاهٍ
وَعَنْهُ لَا مَهْرَ مع الْمُطَاوَعَةِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو جَيِّدٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ لو انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ أو لَا
فَإِنْ كان مَاتَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ من الْغَاصِبِ أو من غَيْرِهِ
____________________
(6/168)
فَإِنْ كانت من الْغَاصِبِ فقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا عليه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ
وقال الْحَارِثِيُّ وَالْأَوْلَى أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ من قِيمَةِ الْوَلَدِ أو عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ
وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ من غَيْرِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ بِلَا نِزَاعٍ يَرْجِعُ بِهِ على من شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ على الْجَانِي
وَإِنْ كان مَاتَ من غَيْرِ جِنَايَةٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
وَقِيلَ بِقِيمَتِهِ لو كان حَيًّا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَقْيَسُ
فَوَائِدُ
الْأَوْلَى قال الْحَارِثِيُّ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ في حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ كَذَلِكَ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ
جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَنَّ فيه الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ
الثَّالِثَةُ لو قَتَلَهَا الْغَاصِبُ بِوَطْئِهِ وَجَبَتْ عليه الدِّيَةُ ونقله ( ( ( نقله ) ) ) مُهَنَّا وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
____________________
(6/169)
الرَّابِعَةُ هذا الْحُكْمُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا كان عَالِمًا
فَأَمَّا إنْ كان جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلْغَاصِبِ نَصَّ عليه
فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ
وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا من غَيْرِ جِنَايَةٍ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ بِلَا خِلَافٍ
وَإِنْ كان بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي الضَّمَانُ فَإِنْ كان من الْغَاصِبِ فَغُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عنه لَا يَرِثُ الْغَاصِبُ منها شيئا وَعَلَى السَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ
وَإِنْ كان من غَيْرِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ يَرِثُهَا الْغَاصِبُ دُونَ أُمِّهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ لو غَصَبَهَا
الْخَامِسَةُ لو غَصَبَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَ الْوِلَادَةِ كما قال الْمُصَنِّفُ
فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فقال الْخِرَقِيُّ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ ما كانت قِيمَتُهُ
وفي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ هل يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمِ مَاتَ أو أَكْثَرُ ما كانت على رِوَايَتَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ
وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَى ما تَقَدَّمَ من التَّفْصِيلِ
وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ وَجَبَ ضَمَانُهَا
وَكَذَلِكَ لو غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ في يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهَا أو وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَوَطِئَهَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ نَقْصُهَا وَمَهْرُهَا وَأُجْرَتُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا إنْ تَلِفَ فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عليه
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/170)
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ
اعْلَمْ إن بَيْعَ الْغَاصِبِ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا على الْمَذْهَبِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ وَيَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ
وَحَكَى فيه رِوَايَةً ثَالِثَةً يَصِحُّ الْبَيْعُ على ما يَأْتِي في تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ وَالتَّفْرِيعُ على الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْهِبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ
إذَا عَلِمْت ذلك فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ في جَوَازِ تَضْمِينِهِمَا ما كان الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسْعِينَ من قَبَضَ مَغْصُوبًا من غَاصِبِهِ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَالْمَشْهُورُ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ في جَوَازِ تَضْمِينِهِ ما كان الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ من عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ انْتَهَى
وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ
وَقَوْلُهُ فَضَمِنَهُمَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ
يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي أو الْمُتَّهِبُ نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ إنْ كانت بِكْرًا رَجَعَا على الْغَاصِبِ بِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ في الْجُمْلَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَعْفَرٍ في الْفِدَاءِ
وفي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ على الْمَهْرِ
وَيَأْتِي التَّفْصِيلُ في ذلك عِنْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ من أَحَدِهِمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِلَا نِزَاعٍ وَيَفْدِيهِ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا
يَجِبُ فِدَاءُ الْوَلَدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ وَالْمَيْمُونِيِّ وَيَعْقُوبَ بن بُخْتَانَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِدَاءُ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ بَدَلُهُمْ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا
____________________
(6/171)
قال الْخَلَّالُ أَحْسَبُهُ قَوْلًا لِأَبِي عبد اللَّهِ أَوَّلَ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ ولم يُعَوِّلْ الْأَصْحَابُ على هذه الرِّوَايَةِ
قَوْلُهُ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا
يَعْنِي من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ في الْجِنْسِ وَالسِّنِّ
لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ أَمَّا السِّنُّ فَلَا يَخْلُو من نَظَرٍ وَفِدَاؤُهُ بمثله في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا هو إحْدَى الرِّوَايَاتِ عن الأمام أَحْمَدَ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو ( ( ( وهي ) ) ) اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِيَيْنِ أبي يَعْلَى وَيَعْقُوبَ بن إبْرَاهِيمَ في تَعْلِيقَيْهِمَا وَأَبِي الْخَطَّابِ في رؤوس مَسَائِلِهِ وَالشَّرِيفِ أبي الْقَاسِمِ الزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ
قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَهِيَ أَصَحُّ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ هو مُخْتَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ في الْقِيمَةِ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ وهو وَجْهٌ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَرِوَايَةٌ في الْمُحَرَّرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَنُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ أبي بَكْرٍ
قُلْت قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عنه وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَتَضْمِينُهُ الْمِثْلَ من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن الزَّاغُونِيِّ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وهو أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَصَّ على أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا مِثْلَ له وهو مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
____________________
(6/172)
وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في الْمُقْنِعِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَعَنْهُ يُفْدَى كُلُّ وَصَيْفٍ بِوَصِيفَيْنِ أَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ عن بن أبي مُوسَى في مَغْرُورِ النِّكَاحِ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يَفْدِيهِ إمَّا بِالْمِثْلِ أو الْقِيمَةِ فَيَكُونُ ذلك يوم وَضْعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَكُونُ الْفِدَاءُ يوم الْخُصُومَةِ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَجَعْفَرٍ وهو وَجْهٌ في الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ بن أبي مُوسَى حِكَايَةُ وَجْهٍ الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْحُكُومَةِ
قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ على الْغَاصِبِ
يَعْنِي بِمَا فَدَى بِهِ الْأَوْلَادَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً لَا يَرْجِعُ بِفِدَاءِ الْوَلَدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا يَرْجِعُ بها إنْ كان مُشْتَرِيًا وَيَرْجِعُ بها الْمُتَّهِبُ
إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمَغْصُوبِ منه وَلَا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ
وفي الْمُغْنِي في بَابِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ على الْغَاصِبِ فَلَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي
وَحَكَاهُ في الْكَافِي في بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا
وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِمِثْلِ ذلك في خِلَافِهِ قَالَهُ بن رَجَبٍ
وقال هو عِنْدِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَوَّاهُ وَاسْتَدَلَّ له بِمَسَائِلَ وَنَظَائِرَ
____________________
(6/173)
فَعَلَى هذا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِلَا نِزَاعٍ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ من الْغَاصِبِ ثَمَنَهَا وَيَأْخُذُ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ من الْبَائِعِ الْغَارِّ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ لو بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كان الْمُشْتَرِي عَالِمًا ضَمِنَ الْمَنْفَعَةَ سَوَاءٌ انْتَفَعَ بها أو لم يَنْتَفِعْ فَإِنْ لم يَعْلَمْ فَقَرَارُ الضَّمَانِ على الْبَائِعِ الظَّالِمِ وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ من يَدِ الْمُشْتَرِي فَأُخِذَتْ منه الْأُجْرَةُ وهو مَعْرُوفٌ رَجَعَ بِذَلِكَ على الْبَائِعِ الْغَارِّ انْتَهَى
وفي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ احْتِمَالٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِمَا زَادَ على الثَّمَنِ وَبِهِ جَزَمَ بن الْمُنَى في خِلَافِهِ
وفي التَّرْغِيبِ أَيْضًا لَا يُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ قبل قَبْضِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قُلْت وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي لَا رُجُوعَ بِمَا زَادَ على الثَّمَنِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
قال الْمُصَنِّفُ في فَتَاوِيهِ وَإِنْ انفق على أَيْتَامِ غَاصِبٍ وصيه ( ( ( وصيته ) ) ) مع عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ لم يَرْجِعْ وَإِلَّا رَجَعَ لِأَنَّ الموصى غَرَّهُ انْتَهَى
وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُتَّهِبِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِرَبِّهَا وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ على الْغَاصِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ وَيَرْجِعُ مُتَّهِبٌ في الْأَصَحِّ
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ كَالْمُشْتَرِي
قال الْحَارِثِيُّ وفي الْكَافِي رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا تَلِفَ لِأَنَّهُ غَرِمَ ما أَتْلَفَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّ ما حَصَلَتْ له بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ
____________________
(6/174)
هذه الرِّوَايَةُ عَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُمَا رَجَعَا على الْغَاصِبِ لَكِنَّ هذه الرِّوَايَةَ رَجَعَ عنها الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ رَجَعَ عنها الْإِمَامُ أَحْمَدُ
قال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ رَجَعَ عن قَوْلِهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ
وإذا كان كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مَذْهَبًا له في شَيْءٍ من هذه الْأُمُورِ أَصْلًا وَفَرْعًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
قُلْت إذَا رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن قَوْلٍ فَهَلْ يُتْرَكُ وَلَا يُذْكَرُ لِرُجُوعِهِ عنه أو يُذْكَرُ وَيُثْبَتُ في التَّصَانِيفِ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذلك في الْخُطْبَةِ وَبَابِ التَّيَمُّمِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا رَجَعَ على الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ على الْغَاصِبِ فَلَا يَخْلُو من أَقْسَامٍ
أحدها ما لَا يَرْجِعُ بِهِ وهو قِيمَتُهَا إذَا تَلِفَتْ كُلُّهَا أو جُزْؤُهَا في يَدِهِ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ
وَالثَّانِي فيه خِلَافٌ وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ وهو أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْمَهْرُ وَأُجْرَةُ نَفْعِهَا
فَأَمَّا أَرْشُ الْبَكَارَةِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ
قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ الرُّجُوعُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو بَكْرٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
____________________
(6/175)
وَأَمَّا الْمَهْرُ وَأُجْرَةُ النَّفْعِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِمَا على الْغَاصِبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَرُجُوعُهُ بِالْمَهْرِ على الْغَاصِبِ من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ لَا يَرْجِعُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
قال في الْفُرُوعِ في حُصُولِ نَفْعٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وبن عَقِيلٍ
قُلْت الْمُصَرَّحُ بِهِ في الْخِرَقِيِّ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَهْرِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَهْرِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
الثَّالِثُ ما يَرْجِعُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو قِيمَةُ الْوَلَدِ كما تَقَدَّمَ
وَالرَّابِعُ ما يَرْجِعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وهو نَقْصُ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٌ فَائِتَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي في نَقْصِ الْوِلَادَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَأَدْخَلَهُ الْبَاقُونَ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ كما في الْمَتْنِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ الْمُتَّهِبِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي وقد حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجَمَاعَةٌ فيه الرِّوَايَتَيْنِ وَحَكَى الْخِلَافَ في الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّوَابُ فإنه مَقِيسٌ على نَصِّهِ
فَائِدَةٌ أُخْرَى حُكْمُ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ الْحَادِثِ في الْمَبِيعِ حُكْمُ الْمَنَافِعِ إذَا ضَمِنَهَا رَجَعَ بِبَدَلِهَا على الْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ من ذلك فَيُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه
____________________
(6/176)
اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ من شَاءَ مِنْهُمَا أَعْنِي الْغَاصِبَ وَمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ منه فَإِنْ ضَمَّنَ غير الْغَاصِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ رَجَعَ على الْغَاصِبِ وهو ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ
أَحَدُهَا قِيمَةُ الْعَيْنِ فَهَذَا إذَا رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِهِ على الْمُشْتَرِي
الثَّانِي قِيمَةُ الْوَلَدِ فإذا رَجَعَ بها على الْغَاصِبِ لم يَرْجِعْ الْغَاصِبُ على الْمُشْتَرِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ فَتَأْتِي الرِّوَايَةُ هُنَا أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِهِ على الْمُشْتَرِي
الثَّالِثُ الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْأُجْرَةُ وَنَحْوُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبِ على الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَهَا الْمَالِكُ هُنَاكَ لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ
وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا
الرَّابِعُ نَقْصُ الْوِلَادَةِ وَالْمَنْفَعَةُ الْفَائِتَةُ فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ لم يَرْجِعْ بِهِ الْغَاصِبُ على الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا على قَوْلِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَهَذَا كُلُّهُ قد شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عليه
فَحَيْثُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ من زَوْجٍ فَمَاتَ الْوَلَدُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ على رِوَايَتَيْنِ
____________________
(6/177)
مِثَالُ ذلك أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِغَصْبِهَا فَيُزَوِّجُهَا لِغَيْرِ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَتَلِدُ منه فَهُوَ مَمْلُوكٌ فَيَضْمَنُهُ من هو في يَدِهِ بِقِيمَتِهِ إذَا تَلِفَ
وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ على رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ في ضَمَانِ النَّفْعِ إذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي على ما تَقَدَّمَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا يَرْجِعُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عليه بِأُجْرَةِ النَّفْعِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَكَذَا هذا
وَالثَّانِيَةُ لَا يَرْجِعُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عليه وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ على الْغَاصِبِ
إذَا اسْتَعَارَهَا من الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهَا فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ
فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لم يَرْجِعْ على الْغَاصِبِ مُطْلَقًا
وَإِنْ كان غير عَالِمٍ بِالْغَصْبِ فَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لم يَرْجِعْ على الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ عليه بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ على الْغَاصِبِ
وَعَنْهُ لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَلِفَتْ بِالِاسْتِيفَاءِ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عليه في مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ ابْتِدَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا الْبِنَاءُ على الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عليه إذَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً رَجَعَ على الْغَاصِبِ هُنَا عليه وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ
____________________
(6/178)
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ على الْقَابِضِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ
فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ من يَدِ الْغَاصِبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَسْأَلَةَ الشِّرَاءِ وَمَسْأَلَةُ الْهِبَةِ وَمَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليها
وقد ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْأَيْدِيَ الْقَابِضَةَ من الْغَاصِبِ مع عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ
منها الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ الْمُتَّهِبِ لِأَجْلِ نَظَائِرِهَا في الْيَدِ التَّاسِعَةِ
فَالْيَدُ الثَّالِثَةُ الْغَاصِبَةُ من الْغَاصِبِ وَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ أُولَى لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأَيْدِي وهو أَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ من الْغَاصِبِ يَتَعَلَّقُ بها الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا وَيَسْتَقِرُّ عليها مع التَّلَفِ تَحْتَهَا وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ على مُدَّتِهَا
الْيَدُ الرَّابِعَةُ يَدٌ آخِذَةٌ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ على الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عليها وَلِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا من غَيْرِ إذْنٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في بَابِ الْمُضَارَبَةِ
قال بن رَجَبٍ وَيَتَخَرَّجُ فيه وَجْهٌ آخَرُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ من الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ في الْمُرْتَهِنِ وَنَحْوِهِ وَأَوْلَى
وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من مُودَعِ الْمُودِعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ له الْإِيدَاعُ فإن الضَّمَانَ على الْأَوَّلِ وَحْدَهُ
كَذَلِكَ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من مَنَعَ ظُهُورَهُ
____________________
(6/179)
الْيَدُ الْخَامِسَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ لِمَصْلَحَتِهَا وَمَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ وَالْمُرْتَهِنِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ تَضْمِينِهَا أَيْضًا وَتَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْ لِدُخُولِهَا على الْأَمَانَةِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الرَّهْنِ احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ
أَحَدُهُمَا اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ على الْقَابِضِ وَحَكَوْا هذا الْوَجْهَ في الْمُضَارِبِ أَيْضًا
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ لِدُخُولِهَا على الْأَمَانَةِ
قال بن رَجَبٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هو الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْقَابِضِ ما لم يَدْخُلْ على ضَمَانِهِ في جَمِيعِ هذه الْأَقْسَامِ
وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ في الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الضَّمَانَ في هذه الْأَمَانَاتِ يَسْتَقِرُّ على من ضَمِنَ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لم يَرْجِعْ على الْآخَرِ
الْيَدُ السَّادِسَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخَلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ إذَا كان مُعَيَّنًا له أو كان الْقَبْضُ وَفَاءً لِدَيْنٍ مُسْتَقَرٍّ في الذِّمَّةِ من ثَمَنِ مَبِيعٍ أو غَيْرِهِ أو صَدَاقًا وَقِيمَةَ ما تَلِفَ وَنَحْوَهُ فإذا تَلِفَتْ هذه الْأَعْيَانُ في يَدِ من قَبَضَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ على الْقَابِضِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ على ما تَقَرَّرَ
قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ أَنْ لَا مُطَالَبَةَ له عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى في الصَّدَاقِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ على الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ فَيَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَ من قِيمَةِ الْمَنَافِعِ لِتَغْرِيرِهِ إلَّا بِمَا انْتَفَعَ بِهِ فإنه مُخَرَّجٌ على الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ فَمُقْتَضَى ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بها
ثُمَّ إنْ كان الْقَبْضُ وَفَاءً عن دَيْنٍ ثَابِتٍ في الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ كان عِوَضًا مُتَعَيَّنًا في الْعَقْدِ لم يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ هُنَا بِاسْتِحْقَاقِهِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ النِّكَاحَ على الْمَغْصُوبِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِانْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ بن
____________________
(6/180)
أبي مُوسَى وَيَرْجِعُ على الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ في الْمَنْصُوصِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
وقال في الْمُجَرَّدِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
وَأَمَّا عِوَضُ الْخَلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ فيها بِقِيمَةِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ وهو الْمَنْصُوصُ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
وَالثَّانِي يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ في الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فإن الْوَاجِبَ فيه قِيمَةُ الْعَبْدِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْبُيُوعِ من خِلَافِهِ وَيُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا جَعَلَ عِتْقَ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا وَقُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ على ذلك أَنَّ عليها قِيمَةَ نَفْسِهَا لَا قِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِهَا
وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُخَرَّجِ في الْبَيْعِ أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ فَهُنَا كَذَلِكَ
الْيَدُ السَّابِعَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ بِمُعَاوَضَةٍ وَهِيَ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ
فقال الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ إذَا ضُمِّنَتْ الْمَنْفَعَةُ لم يَرْجِعْ بها
وَلَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ على الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فَفِيهِ ما مَرَّ من زِيَادَةِ قِيمَةِ الْعَيْنِ على الثَّمَنِ وإذا ضُمِّنَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ رَجَعَتْ بها على الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ
وفي تعليقه الْمَجْدِ يَتَخَرَّجُ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا ضَمَانَ عليه بِحَالٍ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ يَضْمَنُ الْعَيْنَ
وَهَلْ الْقَرَارُ عليه لنا وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا عليه
وَالثَّانِي على الْغَاصِبِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ انْتَهَى
الْيَدُ الثَّامِنَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ لِلشَّرِكَةِ وَهِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ في الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ بِجُزْءٍ من
____________________
(6/181)
النَّمَاءِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمَزَارِعِ وَالْمُسَاقِي وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ على الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِمْ له بِعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ
فَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالْمَزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فَقَدْ دَخَلُوا على أَنْ لَا ضَمَانَ عليهم بِحَالٍ فإذا ضَمِنُوا على الْمَشْهُورِ رَجَعُوا بِمَا ضَمِنُوا إلَّا حِصَّتَهُمْ من الرِّبْحِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الْمُسَاقِي وَالْمَزَارِعِ نَظِيرَهُ
أَمَّا الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عليهم ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ مُطْلَقًا
وَحَكَى الْأَصْحَابُ في الْمُضَارِبِ لِلْمُضَارِبِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ بِنَاءً على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ على من تَلِفَ الْمَالُ بيده
وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُمْ بِحَالٍ وَإِنَّمَا أَعَادَ حُكْمَ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ لِذِكْرِ النَّمَاءِ
وَأَمَّا الْمُسَاقِي إذَا ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ على الْغَاصِبِ وإذا تَلِفَ الثَّمَنُ فَلَهُ حَالَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ من الْغَاصِبِ وَالْعَامِلِ ما قَبَضَهُ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكُلَّ لِلْغَاصِبِ فإذا ضَمَّنَهُ الْكُلَّ رَجَعَ على الْعَامِلِ بِمَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ
وفي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ لَا يَرْجِعُ عليه وَهَلْ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ ذَكَرَ الْقَاضِي فيه احْتِمَالَيْنِ
أَحَدُهُمَا نعم ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ على الْغَاصِبِ بِمَا قَبَضَهُ على الثَّمَرَةِ على الْمَشْهُورِ وَبِالْكُلِّ على الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي لَا
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتْلَفَ الثَّمَرُ قبل الْقِسْمَةِ إمَّا على الشَّجَرِ وَإِمَّا بَعْدَ جَذِّهِ فَفِي التَّلْخِيصِ في مُطَالَبَةِ الْعَامِلِ بِالْجَمِيعِ احْتِمَالَانِ وَكَذَا لو تَلِفَ بَعْضُ الشَّجَرِ
____________________
(6/182)
قال بن رَجَبٍ وهو مُلْتَفِتٌ إلَى أَنَّ يَدَ الْعَامِلِ هل تثبت ( ( ( يثبت ) ) ) على الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ أَمْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَنَا لَا يَنْتَقِلُ في الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ على شجرة بِالتَّخْلِيَةِ
وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً بِثَمَرِهَا فَهَلْ تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ في ضَمَانِهِ تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ قال بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ لَا تَدْخُلُ
قال بن رَجَبٍ وَالْمَذْهَبُ دُخُولُهَا تَبَعًا
الْيَدُ التَّاسِعَةُ يَدٌ قَابِضَةٌ تَمَلُّكًا لَا بِعِوَضٍ إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ أو لِلْمَنْفَعَةِ كالموصي له بِالْمَنَافِعِ وَالْمَشْهُورُ أنها تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا ما يَحْصُلُ لها بِهِ نَفْعٌ فَفِي رُجُوعِهَا بِضَمَانِهِ الرِّوَايَتَانِ
وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أنها لَا تَضْمَنُ ابْتِدَاءً ما لم يَسْتَقِرَّ ضَمَانُهَا عليه
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ رِوَايَةً أنها لَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِحَالٍ
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ في الرُّجُوعِ بِمَا انْتَفَعَتْ بِهِ على طُرُقٍ ثَلَاثٍ
إحْدَاهُنَّ أَنَّ مَحَلَّهُمَا إذَا لم يَقُلْ الْغَاصِبُ هذا مِلْكِي أو ما يَدُلُّ عليه فَإِنْ قال ذلك فَالْقَرَارُ عليه بِغَيْرِ خِلَافٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْقَابِضَ ابْتِدَاءً فَفِي رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ الرِّوَايَتَانِ مُطْلَقًا وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ابْتِدَاءً فَإِنْ كان الْقَابِضُ قد أَقَرَّ له بِالْمَلَكِيَّةِ لم يَرْجِعْ على الْقَابِضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ الْخِلَافُ في الْكُلِّ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ
الْيَدُ الْعَاشِرَةُ يَدٌ مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ نِيَابَةً عن الْغَاصِبِ كَالذَّابِحِ لِلْحَيَوَانِ وَالطَّابِخِ له فَلَا قَرَارَ عليها بِحَالٍ وَإِنَّمَا الْقَرَارُ على الْغَاصِبِ قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ
____________________
(6/183)
قال بن رَجَبٍ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْقَرَارِ عليها مِمَّا أَتْلَفَهُ كَالْمُودِعِ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَأَوْلَى لِمُبَاشَرَتِهَا لِلْإِتْلَافِ
قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ لَا ضَمَانَ عليها بِحَالٍ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ حَفَرَ لِرَجُلٍ بِئْرًا في غَيْرِ مِلْكِهِ فَوَقَعَ فيها إنْسَانٌ فقال الْحَافِرُ ظَنَنْت أنها في مِلْكِهِ فَلَا شَيْءَ عليه وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ
وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ على وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ كَالْقَاتِلَةِ لِلْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُحْرِقَةِ لِلْمَالِ بِإِذْنِ الْغَاصِبِ فِيهِمَا فَفِي التَّلْخِيصِ يَسْتَقِرُّ عليها الضَّمَانُ لِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالتَّحْرِيمِ فَهِيَ كَالْعَالِمَةِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ
وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَهَا في قِسْمِ الْمَغْرُورِ انْتَهَى كَلَامُ بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ مُلَخَّصًا وَلَقَدْ أَجَادَ فَرَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا أو بَنَى فيها فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ
ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْقِسْمَةِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ على الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقَلْعِ
وَأَفَادَنَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي من غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ وَلَا الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وقال هو الْأَصَحُّ
قال في الْقَوَاعِدِ هذا الذي ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَتَبِعَهُ عليه الْمُتَأَخِّرُونَ
وَعَنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَ نَقْصَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ على الْبَائِعِ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
وقال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقَعُ بَلْ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ وَذَكَرَ النَّصَّ من رِوَايَةِ حَرْبٍ
____________________
(6/184)
وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ في غَرْسِ الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ وقال نَقَلَهُ عنه حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ وَذَكَرَ النَّصَّ وقال وَكَذَلِكَ نَقَلَ عنه محمد بن حَرْبٍ الْجُرْجَانِيُّ وقال هذا الصَّحِيحُ وَلَا يَثْبُتُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ سِوَاهُ وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَبِنَائِهِ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا أَعَمُّ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو بَنَى فِيمَا يَظُنُّهُ مِلْكَهُ جَازَ نَقْضُهُ لِتَفْرِيطِهِ وَيَرْجِعُ على من غَرَّهُ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ في الشَّفِيعِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ لو أَخَذَ منه ما اشْتَرَاهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَدَّ بَائِعُهُ ما قَبَضَهُ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ إنْ سَبَقَ الْمِلْكُ الشِّرَاءَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ في الدَّعْوَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه يَعْنِي على الْآكِلِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ لم يَعْلَمْ وقال له الْغَاصِبُ كُلْهُ فإنه طَعَامِي اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ على الْغَاصِبِ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ
وَقِيلَ الضَّمَانُ على الْآكِلِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا
____________________
(6/185)
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَقُلْ يَعْنِي وَإِنْ لم يَقُلْ هو طَعَامِي بَلْ قال له كُلْ فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عليه الضَّمَانُ وَجْهَانِ
أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا في الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ
أَحَدُهُمَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْغَاصِبِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَسْتَقِرُّ على الْآكِلِ
وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ إنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه وَجْهًا وَاحِدًا
وَإِنْ ضَمَّنَ الْآكِلَ فَفِي رُجُوعِهِ على الْغَاصِبِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على رِوَايَتَيْ الْمَغْصُوبِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ قال ذلك فِيمَا إذَا قال هو طَعَامِي فَكُلْهُ وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ ولم يَعْلَمْ لم يَبْرَأْ نَصَّ عليه في رَجُلٍ له عِنْدَ رَجُلٍ تبعه فَأَوْصَلَهَا إلَيْهِ على أنها صِلَةٌ أو هَدِيَّةٌ ولم يَعْلَمْ كَيْفَ هذا قال الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ عَالِمًا أَنَّهُ طَعَامُهُ بريء غَاصِبُهُ وَكَذَا لو أَكَلَهُ بِلَا إذْنِهِ
فَإِنْ لم يَعْلَمْ وقال له الْغَاصِبُ كُلْهُ فإنه طَعَامِي لم يَبْرَأْ الْغَاصِبُ أَيْضًا
وَإِنْ لم يَقُلْ ذلك بَلْ قَدَّمَهُ إلَيْهِ وقال كُلْهُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ
____________________
(6/186)
قال الْحَارِثِيُّ نَصَّ عليه من وُجُوهٍ وَذَكَرَهَا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْحَارِثِيِّ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَبْرَأَ بِنَاءً على ما إذَا أَطْعَمَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فإنه يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْآكِلِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كما تَقَدَّمَ وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى تَخْرِيجًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَطْعَمَهُ لِدَابَّةِ الْمَغْصُوبِ منه أو لِعَبْدِهِ لم يَبْرَأْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصُ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّتِهِ مع عِلْمِهِ بريء من الْغَصْبِ وَإِلَّا فَلَا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال في الْفُرُوعِ لِغَيْرِ عَالِمٍ بِغَصْبِهِ
قال جَمَاعَةٌ أو لِدَابَّتِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عليه
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ جَهِلَ مَالِكُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
الثَّالِثُ لَا يَبْرَأُ إنْ قال هو لي وَإِلَّا بريء انْتَهَى
الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لو وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ أو أَهْدَاهُ إلَيْهِ بريء على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَسْلِيمًا تَامًّا وَكَذَا إنْ بَاعَهُ أَيْضًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أو أَقْرَضَهُ إيَّاهُ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسِّتِّينَ وَالْمَشْهُورُ في الْهِبَةِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مِنَّتَهُ وَرُبَّمَا كَافَأَهُ على ذلك
____________________
(6/187)
وَاخْتَارَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تسلما ( ( ( تسليما ) ) ) تَامًّا وَعَادَتْ سُلْطَتُهُ إلَيْهِ انْتَهَى
وَقَدَّمَ في الْفُرُوعِ أَنَّ أَخْذَهُ بِهِبَةٍ أو شِرَاءٍ أو صَدَقَةٍ أَنَّهُ كَإِطْعَامِهِ لِرَبِّهِ على ما تَقَدَّمَ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ أو جَعَلَهُ صَدَقَةً لم يَبْرَأْ على الْأَصَحِّ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِيَانِ أبو يَعْلَى وَيَعْقُوبُ بن إبْرَاهِيمَ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ أو أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أو أَجَّرَهُ أو اسْتَأْجَرَهُ على قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ لم يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ فَالنَّصُّ قَاضٍ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي في غَيْرِ الرَّهْنِ وَقِيلَ يَبْرَأُ
قال في الْفُرُوعِ وقال جَمَاعَةٌ يَبْرَأُ في وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا
قال الشَّارِحُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَبْرَأُ
قُلْت وَرَأَيْته في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على الْمُصَنِّفِ
وقال أبو الْخَطَّابِ يَبْرَأُ
فَائِدَةٌ لو أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لِلْغَاصِبِ فَأَكَلَهُ قبل عِلْمِهِ ضَمِنَ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ يَعْنِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ
قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الطَّعَامِ كَهُوَ في ذلك وَلَا فَرْقَ
قال في الْفُنُونِ في مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ يَبْقَى الضَّمَانُ بِدَلِيلِ ما لو قَدَّمَ له شَوْكَهُ الذي غَصَبَهُ منه فَسَجَرَهُ وهو لَا يَعْلَمُ انْتَهَى
____________________
(6/188)
وما ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ في الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ ولم يَخُصَّهُ بِالطَّعَامِ بَلْ قال كُلُّ تَصَرُّفٍ تَصَرَّفَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ في مال ( ( ( حال ) ) ) غَيْرِهِ وقد أَذِنَ فيه مَالِكُهُ ولم يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ انْتَهَى
ولم يَرْتَضِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
قُلْت قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ وما ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ فِيمَا ليس بِمَضْمُونٍ كَمَنْ وطىء امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ فإنه لَا مَهْرَ عليه وَلَا غَيْرَهُ وَكَمَا لو أَكَلَ في الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ لم تَغْرُبْ فَتَبَيَّنَ أنها كانت غَرَبَتْ فإنه لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ انْتَهَى وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ بريء عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ إذَا لم يَعْلَمْ لم يَبْرَأْ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمُقْتَضَى النَّصِّ الضَّمَانُ وَبِهِ قال بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وقال اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ ما قَدَّمَهُ في الْكَافِي ولم يُعَارِضْهُ الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعُ فإن الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِمَا
وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ فإنه تَابَعَ الْمُصَنِّفَ في الْمُغْنِي وَلَوْ أَعَادَ النَّظَرَ فَحَكَى الْخِلَافَ كما حَكَاهُ غَيْرُهُ
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ إيَّاهُ أو أَقْرَضَهُ فَقَبَضَهُ جَاهِلًا لم يَبْرَأْ على الْمَنْصُوصِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَبْرَأُ
____________________
(6/189)
قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ منه فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لم يُقْبَلْ على الْآخَرِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ صَدَّقَاهُ مع الْعَبْدِ لم يَبْطُلْ الْعِتْقُ
وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْمُشْتَرِي وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إذَا صَدَّقُوهُ كلهم
يَعْنِي إذَا اتَّفَقُوا عليه كلهم وَيَعُودُ الْعَبْدُ إلَى الْمُدَّعِي
تَنْبِيهٌ الضَّمَانُ هُنَا هو ثَمَنُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقيل ( ( ( قيل ) ) ) بَلْ قِيمَتُهُ حين الْعَقْدِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَقُلْنَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ فَلَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ رَدَّهُ فَلَهُ الْقِيمَةُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو مَاتَ الْعَبْدُ وَخَلَّفَ مَالًا فَهُوَ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ وَارِثًا فَيَأْخُذَهُ وَلَيْسَ له عليه وَلَاءٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ لَزِمَهُ مِثْلُهُ إنْ كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا
وكذا لو أَتْلَفَهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أو تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ وَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَغَيْرِ ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/190)
وَحَكَاهُ بن عبد الْبِرِّ إجْمَاعًا في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ في كِتَابِهِ التَّمَامِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا
وَذَكَرَ أَيْضًا أَخْذَ الْقِيمَةِ في نُقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ لِلْأَثْمَانِ وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ وَكُمَّثْرَى
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْرَةَ بِقِيمَتِهَا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا كان بَاقِيًا على أَصْلِهِ فَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ الْمَغْزُولِ وَنَحْوِ ذلك فإنه يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عن أَصْلِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يوم إعْوَازِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وقال الْقَاضِي في الْخِصَالِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يوم الْقَبْضِ يَعْنِي يوم قَبْضِ الْبَدَلِ
قال في التَّلْخِيصِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يوم تَلَفِهِ
وَقِيلَ أَكْثَرُهُمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يوم الْبَدَلِ وَقِيمَتُهُ يوم التَّلَفِ
____________________
(6/191)
وَعَنْهُ يوم الْمُحَاكَمَةِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يوم غَصْبِهِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يوم الْإِعْوَازِ وَقِيمَتُهُ يوم الْغَصْبِ وهو تَخْرِيجٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
فَوَائِدُ
إحْدَاهُمَا إنْ قَدَرَ على الْمِثْلِ قبل أَخْذِ الْقِيمَةِ وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ على ما إذَا قَدَرَ على الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ثُمَّ عَدِمَهُ
أَمَّا إنْ عَدِمَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْرَج في وُجُوبِ أَدَاءِ الْمِثْلِ خِلَافٌ انْتَهَى
وَإِنْ كان بَعْدَ أَخْذِهَا أَجْزَأَتْ
وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا وَأَخْذُ الْمِثْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ لم يَرُدَّ الْقِيمَةَ في الْأَصَحِّ
قال في التَّلْخِيصِ لم يَرُدَّ الْقِيمَةَ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقِيلَ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْمِثْلَ
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ المثلى هو الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ كَذَلِكَ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بن هَانِئٍ وَحَرْبِ بن إسْمَاعِيلَ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي في السَّبِيكَةِ وَنَحْوِهَا
وقال في الْمُجَرَّدِ الْحَطَبُ وَالْخَشَبُ وَالْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ ليس مِثْلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ
قال الْحَارِثِيُّ وَعُمُومُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على خِلَافِهِ وهو الصِّحَّةُ انْتَهَى
____________________
(6/192)
ذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ كُلَّ ما لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَالرِّبَوِيَّاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْغَالِيَةِ غَيْرُ مِثْلِيٍّ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْمُرَكَّبَاتِ وَالتَّرْكِيبِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالصَّوَابُ إدْرَاجُهُ في الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ
وقال الْحَارِثِيُّ أَيْضًا وَلَعَمْرِي إنَّ اعْتِبَارَ المثلى بِكُلِّ ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ حَسَنٌ وَالتَّشَابُهُ في غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُمْكِنٌ فَلَا مَانِعَ منه وَكَذَلِكَ ما انْقَسَمَ بِالْأَجْزَاءِ بين الشَّرِيكَيْنِ من غَيْرِ تَقْوِيمٍ مُضَافًا إلَى هذا النَّوْعِ لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ وَانْتِفَاءِ التَّخَالُفِ انْتَهَى
الثَّالِثَةُ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ
وقد نَصَّ عليه في الْأَمَةِ من رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وَمُوسَى بن سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بن يحيى الْكَحَّالِ وفي الدَّابَّةِ من رِوَايَةِ مُهَنَّا وفي الثِّيَابِ من رِوَايَةِ الْكَحَّالِ أَيْضًا وبن مُشَيْشٍ وَمُهَنَّا
وَعَنْهُ في الثَّوْبِ وَالْقَصْعَةِ والعصى وَنَحْوِهَا يَضْمَنُهَا بِالْمِثْلِ مُرَاعِيًا لِلْقِيمَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
قال في رِوَايَةِ مُوسَى بن سَعِيدٍ الْمِثْلُ في العصى وَالْقَصْعَةِ إذَا كُسِرَ وفي الثَّوْبِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ مثله
قال الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قال في رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ في العصى وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ
____________________
(6/193)
قُلْت فَلَوْ كان الشَّقُّ قَلِيلًا قال صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا وَذَكَرَ ذلك في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بمثله ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى واختارها ( ( ( واختاره ) ) ) شَيْخُنَا
قال في الِاخْتِيَارَاتِ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى
قال الْحَارِثِيُّ هو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ في الْإِرْشَادِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ
وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بمثله وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ في غَيْرِ الْحَيَوَانِ بمثله ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ
وَذَكَرَ في الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ أَنَّهُ يَنْقُصُ عنه عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ لو حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ في المثلى وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ في الْمُتَقَوِّمِ لم يَنْفُذْ حُكْمُهُ ولم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا أَنَّهُ يُصْلِحُهُ
قَوْلُهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يوم تَلَفِهِ في بَلَدِهِ من نَقْدِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ
وقال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يوم غَصْبِهِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ هذا التَّخْرِيجَ من قَوْلِ الْإِمَامِ
____________________
(6/194)
أَحْمَدَ في حَوَائِجِ الْبَقَّالِ يُعْطِيهِ على سِعْرِ يَوْمِ أَخَذَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَوَائِجَ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بِأَخْذِهَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ انْتَهَى
وَعَنْهُ بِأَكْثَرِهِمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةُ يَوْمِ تَلَفِهِ وَيَوْمِ غَصْبِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من حَكَى رِوَايَةً بِوُجُوبِ أَقْصَى الْقِيَمِ من يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ
وَنُسِبَ إلَى الْخِرَقِيِّ من قَوْلِهِ وَلَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ في يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ أَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا أَكْثَرُ ما كانت قِيمَتُهُ وهو اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ
قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وما وُجِدَتْ رِوَايَةٌ بِمَا قال الْخِرَقِيُّ
وهو عِنْدِي غَيْرُ مَنَافٍ لِلْأَوَّلِ فإن قِيمَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ تَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ تَرْبِيَتِهِ فَتَكُونُ يوم مَوْتِهِ أَكْثَرَ ما كانت
وَعَلَى هذا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ما قال لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وما عَدَاهُ من ذلك لَا يُعْرَفُ من نَصِّهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وما جَرَى مَجْرَاهُ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ في اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ التَّلَفِ وَكَذَا الْمُتْلَفِ بِلَا غَصْبٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَقَدَّمَتْ الْإِحَالَةُ على هذا الْمَكَانِ في أَوَاخِرِ خِيَارِ الْبَيْعِ
وَقَوْلُهُ في بَلَدِهِ هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَيْ في بَلَدِ غَصْبِهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ من نَقْدِ الْبَلَدِ الذي تَلِفَ فيه لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَمَانِهِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
قال الْحَارِثِيُّ عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَذَا قال أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ فَاخْتُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ
قال وفي هذا نَظَرٌ فإنه إنَّمَا يَتَمَشَّى على اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ إذَنْ مَحَلُّ الضَّمَانِ
____________________
(6/195)
أَمَّا على اعْتِبَارِهِ بِيَوْمِ التَّلَفِ كما هو الصَّحِيحُ فَالِاعْتِبَارُ إذَنْ إنَّمَا هو بِمَحَلِّ التَّلَفِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ فيه فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهِ
وقد أَشَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى ما قُلْنَا
فإنه قال لو غُصِبَ في بَلَدٍ وَتَلِفَ في بَلَدٍ آخَرَ وَلَقِيَهُ في ثَالِثٍ كان له الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ من بَلَدِ الْغَصْبِ وَالتَّلَفِ إلَّا أَنْ نَقُولَ الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْقَبْضِ فَيُطَالِبُ بِالْقِيمَةِ في بَلَدِ الْغَصْبِ انْتَهَى
قُلْت قد صَرَّحَ في التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ في بَلَدِ الْغَصْبِ في هذا الْمَحَلِّ من كِتَابِهِ فقال وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ في بَلَدِ الْغَصْبِ
وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ إنْ كان في الْبَلَدِ نَقْدٌ أَخَذَ منه وَإِنْ كان فيه نُقُودٌ أَخَذَ من غَالِبِهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ من جِنْسِ الْمَغْصُوبِ مِثْلَ الْمَصُوغِ وَنَحْوِهِ على ما يَأْتِي
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو نَسَجَ غَزْلًا أو عَجَنَ دَقِيقًا فَقِيلَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أو الْقِيمَةُ
قال في التَّلْخِيصِ وهو أَوْلَى عِنْدِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ لَا قِصَاصَ في الْمَالِ مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ وَمُوسَى بن سَعِيدٍ وَالشَّالَنْجِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذلك
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن أبي مُوسَى
وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ في ذلك قَرِيبًا في قَوْلِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا
وَيَأْتِي هل يُقْتَصُّ من اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا في بَابِ ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ
الثَّالِثَةُ لو غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا فَرَدَّ وَاحِدٌ منهم سَهْمَ وَاحِدٍ إلَيْهِ لم يَجُزْ
____________________
(6/196)
له حتى يعطى شُرَكَاءَهُ نَصَّ عليه وَكَذَا لو صَالَحُوهُ عنه بِمَالٍ نَقَلَهُ حَرْبٌ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَشَاعِ
الرَّابِعَةُ لو زَكَّاهُ رَبُّهُ رَجَعَ بها قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْمَعَالِي لَا يَرْجِعُ
قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ كَمَنْفَعَةٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان مَصُوغًا أو تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ هذا الْمَذْهَبُ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وقال قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَشْهُورُ
وقال الْقَاضِي يَجُوزُ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قال وهو الْأَظْهَرُ
وقال الْحَارِثِيُّ إذَا اسْتَهْلَكَ ذَهَبًا أو فِضَّةً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مَضْرُوبَيْنِ أو لَا فَإِنْ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ فَمِثْلِيَّانِ
وَإِنْ كَانَا غير مَضْرُوبَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ أو لَا
فَإِنْ لم يَكُونَا مَصُوغَيْنِ فَإِنْ قِيلَ بِمِثْلِيَّتِهِ كما هو الصَّوَابُ فَيَضْمَنَانِ بِالْمِثْلِ
وَإِنْ قِيلَ بِتَقْوِيمِهِ وهو الْوَارِدُ في الْكِتَابِ فَإِنْ كان من جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَاسْتَوَيَا زِنَةً وَقِيمَةً فَمَضْمُونٌ بِالزِّنَةِ من نَقْدِ الْبَلَدِ
وَإِنْ اخْتَلَفَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَمَضْمُونٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(6/197)
وَإِنْ كان مُغَايِرًا لِجِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِأَنْ كان الْمُتْلَفُ ذَهَبًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ أو بِالْعَكْسِ ضَمِنَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ
وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ فَإِنْ قِيلَ بِالْمِثْلِيَّةِ في مِثْلِهِ كما تَقَدَّمَ وَجَبَ الْمِثْلُ زِنَةً وَصُورَةً وَإِنْ قِيلَ بِالتَّقْوِيمِ كما هو الْمَشْهُورُ فَإِنْ اتَّحَدَا قِيمَةً وَوَزْنًا لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ ضَمِنَ بِزِنَتِهِ من نَقْدِ الْبَلَدِ كَيْفَ كان وَإِنْ اخْتَلَفَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ من غَيْرِ الْجِنْسِ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يَجُوزُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ من الْجِنْسِ وهو الْأَظْهَرُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا كان مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ فَأَمَّا مُحَرَّمُ الصِّنَاعَةِ كَالْأَوَانِي وَحُلِيِّ الرِّجَالِ الْمُحَرَّمِ فإنه لم يَجُزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ من وَزْنِهِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ
وزاد في الْكُبْرَى فقال وَقِيلَ إنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ ضَمِنَ كَالْمُبَاحِ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ فَإِنْ كان مُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ عَرْضًا
جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ من غَيْرِ الْجِنْسِ وهو الْعَرْضُ مُقَوَّمًا بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَعَلَّلَهُ وقال هذا على أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافَقَتِهِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
أَمَّا على أَصْلِ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ فَجَائِزٌ تَضْمِينُهُ بِالْجِنْسِ على ما مَرَّ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ فَنَقَصَتْ قِيمَةُ باقية كَزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَأَرْشُ النَّقْصِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(6/198)
وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا أَصْلَ له وَلِوَهَائِهِ أَعْرَضَ عنه غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ مع الِاطِّلَاعِ على إيرَادِ أبي الْخَطَّابِ له وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أو فَرَسًا فَشَرَدَ أو شيئا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مع بَقَائِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَإِنْ قَدَرَ عليه بَعْدَ رَدِّهِ أَخَذَ الْقِيمَةَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقَالُوا يَرُدُّ الْقِيمَةَ لِلْغَاصِبِ بِعَيْنِهَا إنْ كانت بَاقِيَةً وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ من سَمْنٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كانت تَالِفَةً فَمِثْلُهَا إنْ كانت مِثْلِيَّةً أو قِيمَتُهَا إنْ كانت مُتَقَوِّمَةً
وَهَلْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ
قال في التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قال وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا هل يَحْبِسُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ على رَدِّ الثَّمَنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ بَلْ يَدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ لِيُسَلِّمَ إلَى كل وَاحِدٍ مَالَهُ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ من الْغَاصِبِ مَلَكَهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ أَصْحَابُنَا
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا حَصَلَ بها الِانْتِفَاعُ في مُقَابَلَةِ ما فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ فما اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ منه نَقَلَهُ عنه في الْفُرُوعِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا يُبَاحُ له الِانْتِفَاعُ بها بِإِزَاءِ ما فَاتَهُ من مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ
____________________
(6/199)
قال الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا جُعِلَ الِانْتِفَاعُ بها عِوَضًا عَمَّا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ
قال الْحَارِثِيُّ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ التَّعَذُّرِ
قال في التَّلْخِيصِ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ على أَخْذِهَا وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ منها
وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَتَوَقَّفَ على خِيرَتِهِ
فَائِدَةٌ لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَعْتِقُ عليه لو كان قَرِيبَهُ
وَيَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى حِينِ دَفْعِ الْبَدَلِ على ما يَأْتِي
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ
رَأَيْت في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا خطة فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ
قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ له مِثْلًا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَرَأَيْت في نُسَخٍ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَالْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَلَبَ خَلًّا رَدَّهُ وما نَقَصَ من قيمة الْعَصِيرِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
____________________
(6/200)
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنَهُ كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا
وقال الْحَارِثِيُّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ وهو الْأَقْوَى وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ
فَائِدَةٌ لو غَلَى الْعَصِيرُ فَنَقَصَ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَكَذَا يَغْرَمُ نَقْصَهُ على الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ في يَدِهِ
يَعْنِي إذَا كانت تَصِحُّ إجَارَتُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في قَضَايَا كَثِيرَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عن ذلك
قال أبو بَكْرٍ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه لِأَنَّ الرَّاوِيَ لها عنه محمد بن الْحَكَمِ وقد مَاتَ قبل الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِعِشْرِينَ سَنَةً
قُلْت مَوْتُهُ قبل الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَدُلُّ على رُجُوعِهِ بَلْ لَا بُدَّ من دَلِيلٍ يَدُلُّ على رُجُوعِهِ غير ذلك
ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال قَرِيبًا من ذلك فقال الِاسْتِدْلَال على الرُّجُوعِ بِتَقَدُّمِ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ لَا يَصِحُّ فإن من تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ من الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ منهم من سمع قبل سَمَاعِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ لَا سِيَّمَا أبو طَالِبٍ فإنه قَدِيمُ الصُّحْبَةِ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(6/201)
قال وَأَحْسَنُ منه التَّأَنُّسُ بِمَا روى أَنَّ بن مَنْصُورٍ بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجَعَ عن بَعْضِ الْمَسَائِلِ التي عَلَّقَهَا فَجَمَعَهَا في جِرَابٍ وَحَمَلَهَا على ظَهْرِهِ وَخَرَجَ إلَى بَغْدَادَ وَعَرَضَ خُطُوطَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عليه في كل مَسْأَلَةٍ فَأَقَرَّ له بها ثَانِيًا
فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذلك كان بَعْدَ مَوْتِ بن الْحَكَمِ وَقَبْلَ وَفَاةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِيَسِيرٍ وبن مَنْصُورٍ مِمَّنْ رَوَى الضَّمَانَ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عن رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ أو غَزْلًا فَنَسَجَهُ
قال في الْفُرُوعِ هُنَا وَنَقَلَ بن الْحَكَمِ لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهِ أو لَا
وَظَاهِرُ الْمُبْهِجِ التَّفْرِقَةُ يَعْنِي إنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرَ ما نُقِلَ عنه
وقد نَقَلَ بن مَنْصُورٍ إنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِهِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ ما اسْتَعْمَلَهَا إلَى رَدِّهِ أو إتْلَافِهِ أو رَدِّ قِيمَتِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كان الْعَبْدُ ذَا صَنَائِعَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا فَقَطْ
الثَّانِيَةُ مَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ أبو بَكْرٍ الْمُبْهَمُ في الْكِتَابِ هو الْخَلَّالُ وَإِطْلَاقُ أبي بَكْرٍ في عُرْفِ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هو أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ لَا الْخَلَّالُ وَإِنْ كان يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من كَلَامِ أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ كما قال فإنه أَدْخَلَ في جَامِعِ الْخَلَّالِ شيئا من كَلَامِهِ فَرُبَّمَا اشْتَبَهَ بِكَلَامِ الْخَلَّالِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرَهُمَا من أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا حَكَوْهُ عن الْخَلَّالِ انْتَهَى
____________________
(6/202)
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ شيئا فَعَجَزَ عن رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ
إنْ كان قبل أَدَاءِ الْقِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا
وَإِنْ كان بَعْدَ أَدَائِهَا فَأَطْلَقَ في وُجُوبِهَا الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وقال ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ على مِلْكِ الْمَغْصُوبِ منه وَالْمَنْفَعَةِ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ إلَى رَدِّهِ مع بَقَائِهِ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ وَنَحْوَهُ خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ
قُلْت الذي يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالضَّمَانِ في ذَهَابِ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال الشَّارِحُ هذا أَظْهَرُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ
قال في التَّلْخِيصِ في بَابِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَثُرَتْ تَصَرُّفَاتُهُ في أَعْيَانِ الْمَغْصُوبَاتِ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْكُلِّ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْبَيْعِ في الشَّرْطِ السَّابِعِ
____________________
(6/203)
وَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ
وَعَنْهُ تَصِحُّ مَوْقُوفَةً على الْإِجَازَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ
وقال وَقِيلَ الصِّحَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا لم يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ من الْعُقُودِ انْتَهَى
قُلْت قال الشَّارِحُ وقد ذَكَرَ شَيْخُنَا في الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً انها صَحِيحَةٌ
وَذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ قال وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ في الْعُقُودِ بِمَا إذَا لم يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ
فَأَمَّا إنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ إبْطَالَهُ فَأَخَذَ الْمَعْقُودَ عليه فَلَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَأَمَّا ما لم يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ فَوَجْهُ التَّصْحِيحِ فيه أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فَفِي الْقَضَاءِ ببطلانها ( ( ( بطلانها ) ) ) ضَرَرٌ كَثِيرٌ وَرُبَّمَا عَادَ الضَّرَرُ على الْمَالِكِ انْتَهَى
وقال ما قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ نَقَلَهُ عنهما في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ مَرَّةً كما هُنَا وَمَرَّةً قال يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ كما قال الشَّارِحُ وقال هو أَشْبَهُ من الْإِطْلَاقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لم أَرَ من تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا الْخَطَّابَ في إيرَادِهَا
وقال أَيْضًا وَأَمَّا الصِّحَّةُ على الْإِطْلَاقِ فَلَا أَعْلَمُ بِهِ أَيْضًا سِوَى نَصِّهِ على مِلْكِ الْمَالِكِ كَرِبْحِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ كما سَنُورِدُهُ في مَسْأَلَةِ الرِّبْحِ
وقال عن كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في تَقْيِيدِ الرِّوَايَةِ أَمَّا طُولُ مُدَّةِ الْغَصْبِ وَكَثْرَةُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ فَلَا يَطَّرِدُ بَلْ كَثِيرٌ من الْمَغْصُوبِ لَا يُتَصَرَّفُ فيه بِعَقْدٍ أَصْلًا وَبِتَقْدِيرِ الِاطِّرَادِ غَالِبًا
____________________
(6/204)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا بَنَى الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَجَمَاعَةٌ تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ على تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَأَثْبَتَ فيه ما في تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ من رِوَايَةِ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا على إجَازَةِ الْمَالِكِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ من جَعَلَ هذه التَّصَرُّفَاتِ من نَفْسِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ قال وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
ثُمَّ قال وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْفُضُولِيِّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ
الثَّانِي هذا الْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وقد قَسَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ عِبَادَاتٌ وَعُقُودٌ
فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَفِيهَا مَسَائِلُ
منها الْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءُ من إنَاءٍ مَغْصُوبٍ وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالصَّلَاةُ في مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ
وقد تَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْآنِيَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
وَمِنْهَا الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ كما قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَصَّ عليه
قال بن أبي مُوسَى وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال في الْخُلَاصَةِ بَاطِلٌ على الْأَصَحِّ
قال الشَّارِحُ بَاطِلٌ على الْأَظْهَرِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَبْطُلُ في كل عِبَادَةٍ على الْأَصَحِّ
وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
____________________
(6/205)
وَقِيلَ عنه يُجْزِئُهُ مع الْكَرَاهَةِ قَالَهُ بن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَقْوَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ فَيَجِبُ بَدَلُ الْمَالِ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ
وَمِنْهَا الْهَدْيُ الْمَغْصُوبُ لَا يُجْزِئُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ
وَعَنْهُ الصِّحَّةُ مَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ الْمَالِكِ
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على الْفَرْقِ بين أَنْ يَعْلَمَ أنها لِغَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَبَيْنَ أَنْ يَظُنَّ أنها لِنَفْسِهِ فَيُجْزِئُهُ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ
وَسَوَّى كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا في حِكَايَةِ الْخِلَافِ
قال في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ وَلَا يَصِحُّ
وَإِنْ كان الثَّمَنُ مَغْصُوبًا لم يُجْزِئْهُ أَيْضًا اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت لو قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ لَكَانَ مُتَّجِهًا
وَمِنْهَا لو أَوْقَعَ الطَّوَافَ أو السَّعْيَ أو الْوُقُوفَ على الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَا الصَّلَاةِ في الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى صِحَّةِ الْوُقُوفِ على الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ
وَمِنْهَا أَدَاءُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ في الزَّكَاةِ غَيْرُ مُجْزِئٍ
قال الْحَارِثِيُّ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ في الزَّكَاةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ كما انْتَظَمَهُ عُمُومُ إيرَادِ الْكِتَابِ
فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ما ذَكَرْنَا من أَدَاءِ الْمَغْصُوبِ عن الْغَاصِبِ وهو الصَّحِيحُ فَهَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَلْبَتَّةَ لَمَا فيه من النَّصِّ فَلَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَدَاءُ عن الْمَالِكِ بِأَنْ أَخْرَجَ عنه من النِّصَابِ الْمَغْصُوبِ وهو بَعِيدٌ جِدًّا فإن الْوَاقِعَ من التَّصَرُّفِ لِلْعِبَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ عن الْغَاصِبِ نَفْسِهِ فَلَا
____________________
(6/206)
يَقْبَلُ أَيْضًا خِلَافًا لِاتِّفَاقِنَا على اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ من الْأَدَاءِ فَيَقْهَرَهُ الْإِمَامُ على الْأَخْذِ منه فَيُجْزِئُ في الظَّاهِرِ وَلَيْسَ هذا بِوَاحِدٍ من الْأَمْرَيْنِ فَلَا يُجْزِئُ بِوَجْهٍ
وَمِنْهَا كُلُّ صَدَقَةٍ من كَفَّارَةٍ أو نَذْرٍ أو غَيْرِهِمَا كَالزَّكَاةِ سَوَاءٌ
وَمِنْهَا عِتْقُ الْمَغْصُوبِ لَا يَنْفُذُ بِلَا خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَمِنْهَا الْوَقْفُ لَا يَنْفُذُ في الْمَغْصُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا
لَكِنْ لو كان ثَمَنُ الْمُعْتَقِ أو الْمَوْقُوفِ مَغْصُوبًا فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ لم يَنْفُذْ وَإِنْ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ إفَادَةِ الْمَالِكِ لم يَنْفُذْ وَإِنْ قِيلَ بِالْإِفَادَةِ نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَأَمَّا الْعُقُودُ من الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه الْأَصْحَابُ
وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الرِّوَايَةِ بِالصِّحَّةِ وَالْكَلَامُ عليها وَالرِّوَايَةُ بِالْوَقْفِ على الْإِجَازَةِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ
أَيْ التي يُحْكَمُ عليها بِصِحَّةٍ أو فَسَادٍ احْتِرَازًا من غَيْرِ الْحُكْمِيَّةِ كَإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ كَأَكْلِهِ الطَّعَامَ أو إشْعَالِهِ الشَّمْعَ وَنَحْوِهِمَا وَكَلُبْسِهِ الثَّوْبَ وَنَحْوِهِ فإن هذا لَا يُقَالُ فيه صَحِيحٌ وَلَا فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْوَجِيزِ وَقَوْلُهُ الْحُكْمِيَّةُ احْتِرَازٌ من التَّصَرُّفَاتِ الصُّورِيَّةِ
فَالْحُكْمِيَّةُ ما له حُكْمٌ من صِحَّةٍ وَفَسَادٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ
وَالصُّورِيَّةُ كَطَحْنِ الْحَبِّ وَنَسْجِ الْغَزْلِ وَنَجْرِ الْخَشَبِ نَحْوِهِ انْتَهَى وهو كَاَلَّذِي قَبْلَهُ
____________________
(6/207)
قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا
يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ بِعَيْنِ الْمَالِ أو بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ فَالْمَالُ وَرِبْحُهُ لِمَالِكِهَا
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال أَصْحَابُنَا الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ له وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بن الْجَعْدِ رضي اللَّهُ عنه
وَنَقَلَ حَرْبٌ في خَبَرِ عُرْوَةَ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ جَوَّزَهُ له وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفُنُونِ وَالتَّرْغِيبِ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إنْ صَحَّ الشِّرَاءُ وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ
وقال الْحَارِثِيُّ وَيَتَخَرَّجُ من الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلرِّبْحِ وهو الْأَقْوَى انْتَهَى
وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِعَيْنِهِ إنْ قُلْنَا النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ
يَعْنِي الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى في الذِّمَّةِ أو بَاعَ سَلَمًا ثُمَّ أَقْبَضَ الْمَغْصُوبَ وَرَبِحَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ على الْمَذْهَبِ وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَرِّئٍ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عليها في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ
وَحَكَى الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَجْهًا يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا على إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَجَازَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ قال وهو أَصَحُّ ما يُقَالُ في الْمَسْأَلَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو مَأْخُوذٌ من مِثْلِهِ في مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ قال وهو مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَقِفُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ على إجَازَةِ غَيْرِهِ انْتَهَى
____________________
(6/208)
وَأَمَّا الرِّبْحُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لِلْمَالِكِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الشَّارِحُ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ حتى أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ إذَا اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَعَنْهُ الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي وهو احْتِمَالٌ في الشَّرْحِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
فَعَلَيْهَا يَجُوزُ له الْوَطْءُ وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ
وَعَلَى هذا إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ من شُبْهَةٍ بيده اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو اتَّجَرَ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ ليس لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا من الْإِمَامِ أَحْمَدَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ وَفْقُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ في تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ وهو أَقْوَى انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لو قَارَضَ بِالْمَغْصُوبِ أو الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ على ما تَقَدَّمَ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ على الْمَالِكِ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا شَيْءَ له على الْغَاصِبِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَهُ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ
____________________
(6/209)
الثَّالِثَةُ إجَارَةُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ وهو كَالْبَيْعِ كما تَقَدَّمَ وهو دَاخِلٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ نَصَّ عليه
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُسَمَّى هو الْوَاجِبُ لِلْمَالِكِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَقْوَى
الرَّابِعَةُ لو أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ فَفِي الْبُطْلَانِ وَالصِّحَّةِ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمَتْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالتَّصْحِيحُ لَا أَصْلَ له فإنه مُقْتَضٍ لِنَفْيِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ في النِّكَاحِ وهو خِلَافُ الْمَذْهَبِ
لَكِنْ قد يَقْرَبُ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْفُضُولِيِّ فَتَأْتِي رِوَايَةُ الِانْعِقَادِ مع الْإِجَازَةِ
الْخَامِسَةُ لو وَهَبَ الْمَغْصُوبَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ على ما تَقَدَّمَ
السَّادِسَةُ تَذْكِيَةُ الْغَاصِبِ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ وفي إفَادَتِهَا لِحِلِّ الْأَكْلِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا هو مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحِلُّ قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو قَوْلُ غَيْرِ أبي بَكْرٍ من الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ
وقد نَبَّهَ عليه الْمُصَنِّفُ قبل ذلك فِيمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَشَوَاهَا
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في ذَبْحِ السَّارِقِ الْحَيَوَانَ الْمَسْرُوقَ في بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ
وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ التَّذْكِيَةُ بِالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ وفي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافٌ يَأْتِي
____________________
(6/210)
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أو قَدْرِهِ أو صِنَاعَةٍ فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ
لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
فَائِدَةٌ لو اخْتَلَفَا في تَلَفِ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ في تَلَفِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ قُبِلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في التَّلْخِيصِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْمَغْصُوبِ منه أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِبَدَلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
وَقِيلَ ليس له مُطَالَبَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في رَدِّهِ أو عَيْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ
بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
لَكِنْ لو شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ فقال الْمَالِكُ حَدَثَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وقال الْغَاصِبُ بَلْ كان فيه قبل غَصْبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالشَّرْحِ
وقال وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كما لو تَبَايَعَا وَاخْتَلَفَا في عَيْبٍ هل كان عِنْدَ الْبَائِعِ أو حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فإن فيه رِوَايَةً أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ كَذَلِكَ هذا إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَتَأَخُّرُ الْحُدُوثِ عن وَقْتِ الْغَصْبِ انْتَهَى
____________________
(6/211)
قُلْت هذه الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ هُنَاكَ على ما تَقَدَّمَ في الْخِيَارِ في الْعَيْبِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا تَصَدَّقَ بها عَنْهُمْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ
إذَا بَقِيَ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ بريء من عُهْدَتِهَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ له التَّصَدُّقُ بها عَنْهُمْ بِشَرْطِ ضَمَانِهَا وَيَسْقُطُ عنه إثْمُ الْغَصْبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ لم يذكر أَصْحَابُنَا فيه خِلَافًا
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَيَتَصَدَّقُ بها عنه على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا
نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بها
وقال في الْغُنْيَةِ عليه ذلك
وَنَقَلَ أَيْضًا على فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إنْ عَرَفَهُ
وَنَقَلَ صَالِحٌ أو بِقِيمَتِهِ
وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا تَجُوزُ محاباه قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا
وَظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ في الثَّانِيَةِ الْكَرَاهَةُ
قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في غَيْرِ مَوْضِعٍ انْتَهَى
وَعَنْهُ ليس له الصَّدَقَةُ بها ذَكَرَهَا الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وهو تَخْرِيجٌ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الرُّهُونُ وَالْوَدَائِعُ وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ
____________________
(6/212)
كَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ نُصُوصًا في ذلك
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَرْهُونِ في آخِرِ الرَّهْنِ
وَيَأْتِي قَرِيبًا من ذلك في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي عِنْدَ حُكْمِ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ
وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ في بَابِهَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْأَخْذُ أَمْ لَا
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ هذه الْأَشْيَاءُ في يَدِهِ وَقُلْنَا له الصَّدَقَةُ بها أَنْ يَأْخُذَ منها لِنَفْسِهِ إذَا كان من أَهْلِ الصَّدَقَةِ نَصَّ عليه
وَخَرَّجَ الْقَاضِي جَوَازَ الْأَكْلِ منها إذَا كان فَقِيرًا على الرِّوَايَتَيْنِ في شِرَاءِ الْوَصِيِّ من نَفْسِهِ نَقَلَهُ عنه بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْغَاصِبِ إذَا تَابَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بها إلَّا مع عَدَمِ مَعْرِفَةِ أَرْبَابِهَا سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا وهو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ له الصَّدَقَةُ بها إذَا عَلِمَ رَبَّهَا وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وهو يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ
وَقَطَعَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ فقال له الصَّدَقَةُ بِهِ عنه نَصَّ عليه في مَوَاضِعَ
وقال الْحَارِثِيُّ إذَا عَلِمَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ فَهُنَا حَالَتَانِ
إحْدَاهُمَا انْقِطَاعُ خَبَرِهِ لِغَيْبَةٍ إمَّا ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَالسِّيَاحَةِ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَلَا وَارِثَ له تَصَدَّقَ بها كما لو جَهِلَ نَصَّ عليه وَإِمَّا ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالْمَفْقُودِ من بَيْنِ أَهْلِهِ أو في مهلكه أو بين الصَّفَّيْنِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا وَارِثَ له تَصَدَّقَ بِهِ أَيْضًا نَصَّ عليه وَإِنْ كان له وَارِثٌ سَلَّمَ إلَيْهِ
وَأَنْكَرَ أبو بَكْرٍ الزِّيَادَةَ على الْأَرْبَعِ سِنِينَ وقال لَا مَعْنَى لِلْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ في ذلك
____________________
(6/213)
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ هل يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ لِلْمُدَّةِ التي تُبَاحُ زَوْجَتُهُ فيها أو لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَقَطْ على رِوَايَتَيْنِ
وَإِنْ لم تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فَفِي الْمَالِ الْمُحَرَّمِ يَتَعَيَّنُ التَّسْلِيمُ إلَى الْحَاكِمِ من غَيْرِ انْتِظَارٍ
وَأَمَّا ما اُؤْتُمِنَ عليه كَالْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ فَلَيْسَ عليه الدَّفْعُ إلَيْهِ
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ فَإِنْ كان غَائِبًا سَلَّمَ إلَى وَكِيلِهِ وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ وَإِنْ كان حَاضِرًا فَإِلَيْهِ أو إلَى وَكِيلِهِ
وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فَإِلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ تَصَدَّقَ بِهِ نَصَّ عليه وَلَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فيه شَيْءٌ
وَيَأْتِي إذَا كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَى الدَّافِعِ وَنَحْوَهُ في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي عِنْدَ الْكَلَامِ على الْهَدِيَّةِ لِلْحَاكِمِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَاللُّقَطَةِ قال الْحَارِثِيُّ الْأَلْيَقُ فيه التَّشْبِيهُ بِأَصْلِ الضَّمَانِ لَا في مَضْمُونِ الصَّدَقَةِ وَالضَّمَانِ فإن الْمَذْهَبَ في اللُّقَطَةِ التَّمَلُّكُ لَا التَّصَدُّقُ انْتَهَى
قُلْت بَلْ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ التي لَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ على ما يَأْتِي من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في اللُّقَطَةِ
قال الشَّارِحُ هُنَا وَعَنْهُ في اللُّقَطَةِ لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بها فَيَتَخَرَّجُ هُنَا مِثْلُهُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قال في الْفُرُوعِ لم يذكر الْأَصْحَابُ في ذلك سِوَى الصَّدَقَةِ بها
وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بن هَانِئٍ يَتَصَدَّقُ بها أو يَشْتَرِي بها كُرَاعًا أو سِلَاحًا يُوقَفُ هو مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
قُلْت قد ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ وقال عن ذلك يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَةِ انْتَهَى
____________________
(6/214)
قال في الْفُرُوعِ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ مَاتَ وكان يَدْخُلُ في أُمُورٍ تنكره ( ( ( تكره ) ) ) فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ فقال إذَا دَفَعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عليه وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا على الْمَسَاكِينِ وَيَتَوَجَّهُ على أَفْضَلِ الْبِرِّ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ وَقَالَهُ في وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا
وقال قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من تَصَرَّفَ فيه بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لم يَضْمَنْ
وقال ليس لِصَاحِبِهِ إذَا عُرِفَ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عليها شَرْعًا لِلْحَاجَةِ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ له وَلَا حَاكِمَ
مع أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْفُ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ لِفَقْدِ الْمَالِكِ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ الرِّوَايَتَانِ
وقال فِيمَنْ اشْتَرَى مَالَ مُسْلِمٍ من التتر ( ( ( التتار ) ) ) لَمَّا دَخَلُوا الشَّامَ إنْ لم يُعْرَفْ صَاحِبُهُ صُرِفَ في الْمَصَالِحِ وَأَعْطَى مُشْتَرِيَهُ ما اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَصِرْ لها إلَّا بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ ذلك كما رَجَّحَهُ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ وَرَبِحَ
وَنَصَّ في وَدِيعَةٍ تُنْتَظَرُ كَمَالِ مَفْقُودٍ وَأَنَّ جَائِزَةَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيْهِ من الصَّدَقَةِ
قال الْقَاضِي إنْ لم يَعْرِفْ أَنَّ عَيْنَهُ مَغْصُوبٌ فَلَهُ قَبُولُهُ
وَسَوَّى بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بين وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ ذَكَرَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كَرَهْنٍ
الثَّانِيَةُ إذَا تَصَدَّقَ بِالْمَالِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ خُيِّرَ بين الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ من الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ اختارالأجر فَذَاكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ فَلَهُ ذلك وَالْأَجْرُ لِلْغَارِمِ نَصَّ عليه في الرَّهْنِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
الثَّالِثَةُ إذَا لم يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ فقال في النَّوَادِرِ يَأْكُلُ عَادَتَهُ لَا ما له عنه غَنِيَّةٌ كَحَلْوَاءَ وَفَاكِهَةٍ
____________________
(6/215)
قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ
سَوَاءٌ كان عَمْدًا أو سَهْوًا
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غير الْمُحْتَرَمِ لَا يَضْمَنُهُ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَالصَّائِلِ وَالْعَبْدِ في حَالِ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوِهِ وهو كَذَلِكَ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من قَوْلِهِ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا ضَمِنَهُ الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْمُسْلِمِ فإنه لَا يَضْمَنُهُ
فَوَائِدُ
منها قال في الْفَائِقِ قُلْت وَلَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ وَثِيقَةً بِمَالٍ لَا يَثْبُتُ ذلك الْمَالُ إلَّا بها فَفِي إلْزَامِهِ ما تَضَمَّنْته احْتِمَالَانِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ
وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْقَطْعِ في السَّرِقَةِ وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ وَمَعًا عَشْرَةٌ ضَمِنَ ثَمَانِيَةً قِيمَةَ الْمُتْلَفِ خَمْسَةٌ وَنَقْصَ التَّفْرِقَةِ ثَلَاثَةٌ
وَقِيلَ دِرْهَمَيْنِ وَلَا قَطْعَ
قال وَضَمَانُ ما في وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عليها انْتَهَى
وقال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وقد يَخْرُجُ الضَّمَانُ لِلْوَثِيقَةِ من مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ أو ضَمَانَ ما عليه وَهُنَا إمَّا أَنْ يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ أو يَضْمَنَ ما فيها إنْ تَعَذَّرَتْ
وَمِنْهَا لو أُكْرِهَ على إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَقِيلَ يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في كِتَابِهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ وبن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
____________________
(6/216)
وَقِيلَ هو كَمُضْطَرٍّ
قال في التَّلْخِيصِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي في بَعْضِ تَعَالِيقِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ أُكْرِهَ على إتْلَافِهِ ضَمِنَهُ يَعْنِي الْمُبَاشِرَ وَقَطَعَ بِهِ انْتَهَى
فإذا ضَمِنَ الْمُبَاشِرُ إنْ كان جَاهِلًا رَجَعَ على مُكْرِهِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ
وَإِنْ كان عَالِمًا لم يَرْجِعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَرْجِعُ لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ على الْقَتْلِ ولم يَخْتَرْهُ بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ
وَهَلْ لِمَالِكِهِ مُطَالَبَةُ مُكْرَهِهِ إذَا كان الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَالِمًا وَقُلْنَا له الرُّجُوعُ عليه فيه وَجْهَانِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت له مُطَالَبَتُهُ
فَإِنْ قُلْنَا له مُطَالَبَتُهُ وَطَالَبَهُ رَجَعَ على الْمُتْلِفِ إنْ لم يَرْجِعْ عليه
وَقِيلَ الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا
وَمِنْهَا لو أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ في إتْلَافِهِ فَأَتْلَفَهُ لم يَضْمَنْ الْمُتْلِفُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال بن عَقِيلٍ إنْ عَيَّنَ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فيه مع غَرَضٍ صَحِيحٍ لم يَضْمَنْ
وقال في الْفُنُونِ لو أَذِنَ في قَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ وَأَثِمَ وَلَوْ أَذِنَ في إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْثَمُ وَلَا كَفَّارَةَ
وقال بَعْدَ ذلك يُمْنَعُ من تَضْيِيعِ الْحَبِّ وَالْبَذْرِ في الْأَرْضِ السَّبِخَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ
____________________
(6/217)
قال في الْفُرُوعِ وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ في الْأَشْهَرِ دَفْنُ شَيْءٍ مع الْكَفَنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عن طَائِرٍ أو حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ أو رِبَاطَ فَرَسٍ ضَمِنَهُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في التَّلْخِيصِ قال أَصْحَابُنَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ في جَمِيعِ ذلك سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذلك فِعْلُهُ أو تَرَاخَى عنه
قال في الْقَوَاعِدِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ
قال الْحَارِثِيُّ لَا يَخْتَلِفُ فيه الْمَذْهَبُ
وقال في الْفُنُونِ إنْ كان الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا لم يَضْمَنْهُ
وقال أَيْضًا الصَّحِيحُ التَّفْرِقَةُ بين ما يُحَالُ الضَّمَانُ على فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ وَبَيْنَ ما لَا يُحَالُ عليه الضَّمَانُ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فإذا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ لم يَضْمَنْ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا ذَهَبُوا عَقِبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ سَوَاءٌ ذَهَبَ عَقِبَ فِعْلِهِ أو مُتَرَاخِيًا عنه وَسَوَاءٌ هَيَّجَ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ حتى ذَهَبَا أو لم يُهَيِّجْهُمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو بَقِيَ الطَّيْرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا حتى نَفَّرَهُمَا آخَرُ ضَمِنَهُمَا الْمُنَفِّرُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
الثَّانِيَةُ لو دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ بِهِ قَيْدَهُ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا
حَكَى في الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ فيه احْتِمَالَيْنِ وَحَكَاهُمَا في الْفُرُوعِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقُوهُمَا
قُلْت الصَّوَابُ الضَّمَانُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/218)
وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحًا إلَى لِصٍّ لم يَضْمَنْ
الثَّالِثَةُ لو حَلَّ قَيْدَ أَسِيرٍ ضَمِنَ كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ وَكَذَا لو فَتَحَ الْإِصْطَبْلَ فَضَاعَتْ الدَّابَّةُ وَكَذَا لو حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ وَسَوَاءٌ كان لِعُصُوفِ رِيحٍ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ الْعُصُوفَ
الرَّابِعَةُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عليه عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ رَجَعَ على الْكَاذِبِ
قُلْت وهو الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ ذلك وَغَيْرُهُ في بَابِ الْحَجْرِ
الْخَامِسَةُ لو كانت الدَّابَّةُ الْمَحْمُولَةُ عَقُورًا وَجَنَتْ ضَمِنَ جِنَايَتَهَا ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ كما لو حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ أو سَاجُورَ كَلْبٍ فَعَقَرَ
وَإِنْ أَفْسَدَتْ زَرْعَ إنْسَانٍ فَكَإِفْسَادِ دَابَّةِ نَفْسِهِ على ما يَأْتِي
السَّادِسَةُ لو وَثَبَتَ هِرَّةٌ على الطَّائِرِ بَعْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَهُ وقد تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وَكَذَا لو كَسَرَ الطَّائِرُ في خُرُوجِهِ قَارُورَةً ضَمِنَهَا
قَوْلُهُ أو حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ أو جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ أو بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ
إذَا حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
وَإِنْ كان مُنْتَصِبًا فَسَقَطَ بِرِيحٍ أو زَلْزَلَةٍ أو طَائِرٍ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَنَصَرَهُ
____________________
(6/219)
وقال الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ ما أَلْقَتْهُ الرِّيحُ وَكَذَا قال أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
وقال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ لَا يَضْمَنُ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ
وَإِنْ ذَابَ بِالشَّمْسِ وَانْدَفَقَ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ وَافَقَ على ذلك الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا
وقال في الْفَائِقِ قال الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَلَعَلَّ له قَوْلَانِ
وقال بن عَقِيلٍ عِنْدِي لَا فَرْقَ بين حَرِّ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ في الْمَوْضِعَيْنِ أو يَجِبَ فِيهِمَا وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا أَيْضًا
وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فيه دُهْنٌ جَامِدٌ فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ أو شَمْسٍ فَوَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً في طَرِيقٍ فَأَتْلَفَتْ
ضَمِنَ شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا فَيَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا وَلَوْ كان ما أَتْلَفَتْهُ بِنَفْحِ رِجْلِهَا نَصَّ عليه
وَمَنْ ضَرَبَهَا فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ في الْفُنُونِ
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً فَظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا أَوْرَدَهُ بن أبي مُوسَى وأبو الْخَطَّابِ مُطْلَقًا وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى
قُلْت وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ لِإِطْلَاقِهِمْ الضَّمَانَ وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وقال هذا الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَ النُّصُوصَ في ذلك
____________________
(6/220)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَضْمَنُ إذَا لم تَكُنْ في يَدِهِ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وقال الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كان وَاقِفًا لِحَاجَةٍ وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى نَظَرًا
فَائِدَةٌ لو تَرَكَ طِينًا في طَرِيقٍ فَزَلِقَ فيه إنْسَانٌ أو خَشَبَةً أو عَمُودًا أو حَجَرًا أو كِيسَ دَرَاهِمَ نَصَّ عليه أو أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ضَمِنَهُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَيَأْتِي في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إذَا صَبَّ مَاءً في طَرِيقٍ أو بَالَتْ فيها دَابَّةٌ أو رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ أو اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ أو خَرَقَ ثَوْبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ دخل مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
إذَا دخل بَيْتَهُ بِإِذْنِهِ فَعَقَرَهُ أو خَرَقَ ثَوْبَهُ أو فَعَلَ ذلك خَارِجَ الْبَيْتِ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ يَضْمَنُ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ إذَا فَعَلَ ذلك خَارِجَ الْمَنْزِلِ
وقال إذَا دخل بِإِذْنِهِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يُنَبِّهْهُ على الْكَلْبِ وَعَلَى كَوْنِهِ غير مُوثَقٍ أَمَّا إنَّ نَبَّهَ فَلَا ضَمَانَ
قال في الرِّعَايَةِ إنْ عَقَرَ خَارِجَ الدَّارِ ضَمِنَ إنْ لم يَكْفِهِ رَبُّهُ أو يُحَذِّرْ منه انْتَهَى
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ
____________________
(6/221)
وَإِنْ دخل بَيْتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَعَلَ ذلك بِهِ لم يَضْمَنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كان الْكَلْبُ مُوثَقًا لم يَضْمَنْ ما عَقَرَ
قَوْلُهُ وَقِيلَ في الْكَلْبِ الْعَقُورِ رِوَايَتَانِ في الْجُمْلَةِ
يَعْنِي رِوَايَتَيْنِ مُطَلَّقَتَيْنِ سَوَاءٌ دخل بِإِذْنٍ أو لَا وَسَوَاءٌ كان في مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أو خَارِجًا عنه ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ذلك من غَيْرِ خِلَافٍ في شَيْءٍ من ذلك
وَحَكَى الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ في الضَّمَانِ مُطْلَقًا من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنٍ رِوَايَتَيْنِ وهو ما حَكَى أبو الْخَطَّابِ في كِتَابَيْهِ عن الْقَاضِي وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَجَرَى على حِكَايَةِ هذا الْخِلَافِ جَمَاعَةٌ من أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ في كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ
وَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ من صَحَّحَ الضَّمَانَ وهو الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَمِنْهُمْ من عَكَسَ وهو قَوْلُ الشَّرِيفِ وَالظَّاهِرُ من كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وبن بَكْرُوسٍ وقال وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ في الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ
قال شَيْخُنَا بن أبي عُمَرَ في شَرْحِهِ سَوَاءٌ كان في مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أو خَارِجًا وَسَوَاءٌ دخل بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أو لَا
قال وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن كَلَامَ أبي الْخَطَّابِ الذي أَخَذَ منه الْمُصَنِّفُ ذلك إنَّمَا هو وَارِدٌ في حَالَةِ الدُّخُولِ وَالْإِجْمَالُ فيه عَائِدٌ على الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ
وَكَذَلِكَ أَوْرَدَ السَّامِرِيُّ في كِتَابِهِ فقال إنْ اقْتَنَى في مَنْزِلِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ فيه إنْسَانًا إنْ كان دخل بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كان بِإِذْنِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ
____________________
(6/222)
قال وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي على رِوَايَتَيْنِ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ فَإِنْ عَقَرَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ ضَمِنَ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ فَخَصَّصَ الْخِلَافَ بِحَالَةِ الْعَقْرِ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ دُونَ خارجة وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى وَهَذَا قَطَعَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى إفْسَادُ الْكَلْبِ بِمَا عَدَا الْعَقْرِ كَبَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ في إنَاءِ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْعَقُورِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لِتَقْيِيدِهِمْ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ
قال الْحَارِثِيُّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ على ما يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ وَأَمَّا ما يَحْرُمُ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْعَقُورِ في مَنْعِ الِاقْتِنَاءِ وَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ ما عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما تَقَدَّمَ فَيَحْصُلُ الْعُدْوَانُ بِإِمْسَاكِهِ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لو اقْتَنَى أَسَدًا أو نَمِرًا أو ذِئْبًا وَنَحْوَ ذلك من السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ فَكَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ في مَعْنَاهُ وَأَوْلَى لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ
الثَّالِثَةُ لو اقْتَنَى هِرَّةً تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ في الْعَادَةِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ما تُتْلِفُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْكَلْبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَقَالُوا إلَّا صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي
قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا
فَإِنْ لم يَكُنْ من عَادَتِهَا ذلك فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ أو سِنَّوْرٌ ضَارٌّ من غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ وَأَفْسَدَ لم يَضْمَنْ
____________________
(6/223)
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْفُصُولِ له قَتْلُهَا حين أَكْلِهَا فَقَطْ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ
وقال في التَّرْغِيبِ له قَتْلُهَا إذَا لم تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا في مِلْكِهِ أو سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ إذَا كان قد أَسْرَفَ فيه أو فَرَّطَ وَإِلَّا فَلَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ وَلِهَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لو أَجَّجَهَا على سَطْحِ دَارٍ فَهَبَّتْ الرِّيحُ فَأَطَارَتْ الشَّرَرَ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ في مِلْكِهِ ولم يُفَرِّطْ وَهُبُوبُ الرِّيحِ ليس من فِعْلِهِ بِخِلَافِ ما لو أَوْقَفَ دَابَّتَهُ في طَرِيقٍ فَبَالَتْ أو رَمَى فيها قِشْرَ بِطِّيخٍ لِأَنَّهُ في غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا يَضْمَنُ في الْأُولَى مُطْلَقًا انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت وَإِنْ كان الْمَكَانُ مَغْصُوبًا ضَمِنَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ فَرَّطَ وَأَسْرَفَ أو لَا إنْ لم يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ أو أَرْسَلَ في الْمَاءِ ما يَغْلِبُ وَيُفِيضُ ضَمِنَ
وَقِيلَ من أَجَّجَ نَارًا في مِلْكٍ بيده له أو لِغَيْرِهِ بِإِيجَارٍ أو إعَارَةٍ وَأَسْرَفَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ مُنِعَ من ذلك لِأَذَى جَارِهِ ضَمِنَ وَإِنْ لم يُسْرِفْ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ أَسْرَفَ فيه أو فَرَّطَ يُغْنِي الِاقْتِصَارُ على لَفْظِ التَّفْرِيطِ لِدُخُولِ الْإِسْرَافِ فيه انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ ليس كَذَلِكَ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عن الْآخَرِ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ عَمْدًا عُدْوَانًا وَأَمَّا التَّفْرِيطُ فَهُوَ التَّقْصِيرُ في الْمَأْمُورِ
____________________
(6/224)
وَلِذَلِكَ قال بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَرَّطَ أو أَفْرَطَ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَفَرَ في فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ ما تَلِفَ بها
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَجَوَّزَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ حَفْرَ بِئْرٍ لِنَفْسِهِ في فِنَائِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلْته من خَطِّهِ في مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ في زَمَنِهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وفي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ له التَّصَرُّفُ في فِنَائِهِ بِمَا شَاءَ من حَفْرٍ وَغَيْرِهِ إذَا لم يَضُرَّ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ لم يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ من الضَّرَرِ ضَمِنَ ما تَلِفَ بها
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ
فَائِدَةٌ لو حَفَرَ الْحَرُّ بِئْرًا بِأُجْرَةٍ أو لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أنها في مِلْكِ غَيْرِهِ نَصَّ عليه ضَمِنَ الْحَافِرُ قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَنَصُّهُ هُمَا
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو مُقْتَضَى إيرَادِ بن أبي مُوسَى يَعْنِي أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ وَإِنْ جَهِلَ ضَمِنَ الْآمِرُ
وَقِيلَ الْحَافِرُ وَيَرْجِعُ على الْآمِرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَفَرَهَا في سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
يَعْنِي إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بهذا الشَّرْطِ
قال في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ إنْ كانت السَّابِلَةُ وَاسِعَةً وهو قَيْدٌ حَسَنٌ كما يَأْتِي جَزَمَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ
____________________
(6/225)
الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَيْضًا وَالنَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ ولم يذكر الْقَاضِي غير هذه الرِّوَايَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا له قُوَّةٌ وَإِنْ كان الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ صَحَّحَا غَيْرَهُ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ إنْ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَإِلَّا ضَمِنَ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَضْمَنُ إذَا كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وبن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى
وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَيْضًا
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ عنه فِيمَا إذَا حَفَرَهَا في مَوْضِعٍ مَائِلٍ عن الْقَارِعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ عليه حَاجِزًا يُعْلَمُ بِهِ ليتوقى ( ( ( ليتوفى ) ) )
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كانت السَّابِلَةُ وَاسِعَةً فَإِنْ كانت ضَيِّقَةً ضَمِنَ بِلَا نِزَاعٍ
قال الْحَارِثِيُّ لو حَفَرَ في سَابِلَةٍ ضَيِّقَةٍ وَجَبَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فيه وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ من الْخِلَافِ وَإِنْ كان ظَاهِرًا لَا يُرَادُ يَشْمَلُهُ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا إذا ( ( ( لما ) ) ) حَفَرَ في غَيْرِ مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ
فَأَمَّا إنْ حَفَرَ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ في مَكَان منه يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَهُوَ كما لو كان الطَّرِيقُ نَفْسُهُ ضَيِّقًا
وَلَا فَرْقَ بين كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أو خَاصَّةٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِهِ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لو حَفَرَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وهو كَذَلِكَ أَذِنَ فيه الْإِمَامُ أو لم يَأْذَنْ
____________________
(6/226)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو حَفَرَهَا في مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أو الِارْتِفَاقِ بها أو الِانْتِفَاعِ الْعَامِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ذَكَرَاهُ في كِتَابِ الدِّيَاتِ
الثانية ( ( ( الثاني ) ) ) حُكْمُ ما لو بَنَى فيها مَسْجِدًا أو غَيْرَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بن سَعِيدٍ في الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لم يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ
وَنَقَلَ عبد اللَّهِ أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ إمَامٍ
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ حُكْمَ هذه الْمَسَاجِدِ التي بُنِيَتْ في الطَّرِيقِ تُهْدَمُ
وَسَأَلَهُ محمد بن يحيى الْكَحَّالُ يَزِيدُ في الْمَسْجِدِ من الطَّرِيقِ قال لَا يُصَلَّى فيه
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عن الْمَسَاجِدِ على الْأَنْهَارِ قال أَخْشَى أَنْ يَكُونَ من الطَّرِيقِ
وَسَأَلَهُ بن إبْرَاهِيمَ عن سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ أَيُصَلَّى فيه قال لَا يُصَلَّى فيه إذَا كان من الطَّرِيقِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأَكْثَرُ من الْأَصْحَابِ قالوا إنْ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ ما لم يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ
وَمِنْهُمْ من أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ في الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى الْحَفْرِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ منها فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا وَحَفْرِ هَدَفِهِ فيها وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَوَضْعِ الْحَصَى في حُفْرَةٍ لِيَمْلَأَهَا وَتَسْقِيفِ سَاقِيَّةٍ فيها وَوَضْعِ حَجَرٍ في طِينٍ فيها لِيَطَأَ الناس عليه فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يُضْمَنُ ما تَلِفَ بِهِ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
____________________
(6/227)
قَالَا وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فيها لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ انْتَهَى كَلَامُهُمَا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ ما بنى وَقْفًا على الْمَسْجِدِ في هذه الْأَمْكِنَةِ حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو فَعَلَ الْعَبْدُ ذلك بِأَمْرِ سَيِّدِهِ كان كَفِعْلِ نَفْسِهِ أَعْتَقَهُ أو لَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ
وقال الْحَارِثِيُّ إنْ كان مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ فَلَا إشْكَالَ فِيمَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ
وَإِنْ كان مِمَّنْ يَعْلَمُهُ فَفِيهِ ما في مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِأَمْرِ السَّيِّدِ إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَفِيهَا رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْقَوَدُ على السَّيِّدِ فَقَطْ وَالْأُخْرَى على الْعَبْدِ
فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ هُنَا بِرَقَبَتِهِ كما لو لم يَأْمُرْ السَّيِّدُ
وَإِنْ حَفَرَ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ
ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ فما تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ
وقال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ الضَّمَانُ على الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فما دُونَهُ
الثَّانِيَةُ لو أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِفِعْلِ ذلك ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَحْدَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَسَطَ في مَسْجِدٍ حَصِيرًا أو عَلَّقَ فيه قِنْدِيلًا لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
____________________
(6/228)
قال الْحَارِثِيُّ هذا ما حَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ في آخَرِينَ عن الْمَذْهَبِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ من التي قَبْلَهَا وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ
قال الْحَارِثِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَفْرَ عُدْوَانٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُرُورِ كَذَلِكَ ما نَحْنُ فيه
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْبِئْرِ
وَتَبِعَهُ على ذلك بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ مع أَنَّهُمَا قَالَا قال أَصْحَابُنَا في بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ على فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ هذا من تَمَامِ مَصْلَحَتِهِ
فَائِدَةٌ لو نَصَبَ فيه بَابًا أو عُمُدًا أو سَقَفَهُ أو جَعَلَ فيه رَفًّا لِيَنْتَفِعَ بِهِ الناس أو بَنَى جِدَارًا أو أَوْقَدَ مِصْبَاحًا فَلَا ضَمَانَ عليه
قال أَصْحَابُنَا في بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ على فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كان بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَلَسَ في مَسْجِدٍ أو طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لم يَضْمَنْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ لَا يَضْمَنُ
قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى
قال في الْفَائِقِ فِيمَا إذَا جَلَسَ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(6/229)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ في الْجَالِسِ في الطَّرِيقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ في الْمَتْنِ أَخْذًا من إيرَادِ أبي الْخَطَّابِ قال ولم أَرَهُمَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ
وَأَصْلُ ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما مَرَّ من الرِّوَايَتَيْنِ في رَبْطِ الدَّابَّةِ في الطَّرِيقِ
وَمَحَلُّهُ ما لم يَكُنْ الْجُلُوسُ مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ في الْمَسْجِدِ مع الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ أو للبيع ( ( ( البيع ) ) ) وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذلك
أَمَّا ما هو مَطْلُوبٌ كَالِاعْتِكَافِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ فيه بِوَجْهٍ
وَكَذَا ما هو مُبَاحٌ من الْجُلُوسِ فيه وفي جَوَانِبِ الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ كَبَيْعِ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ لِامْتِنَاعِ الْخِلَافِ فيه لِأَنَّهُ جَلَسَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالِاخْتِصَاصِ فَهُوَ كَالْجُلُوسِ في مِلْكِهِ من غَيْرِ فَرْقٍ
وقد حَكَى الْقَاضِي الْجَزْمَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ في الْمَسْأَلَةِ في الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ
وَهَذَا التَّقْيِيدُ حَكَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا في كُتُبِهِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَا بُدَّ منه
لَكِنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِالْمَسْجِدِ دُونَ الطَّرِيقِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ إمَّا مُبَاحٌ كما ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ وَإِمَّا غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْجُلُوسِ وَسَطَ الْجَادَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
فَائِدَةٌ حُكْمُ الِاضْطِجَاعِ في الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ حُكْمُ الْجُلُوسِ فِيهِمَا على ما تَقَدَّمَ
وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ من مَرَافِقِ الطُّرُقِ كَالْمُرُورِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو جَلَسَ في طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ وهو كَذَلِكَ
____________________
(6/230)
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ في مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أو مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ
قال في الرِّعَايَةِ نَافِذًا أو غير نَافِذٍ يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ على شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ
وَهَذَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ في ذلك مُحَرَّرًا في بَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا أَنْ يُشْرِعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا
قال في الْفُرُوعِ وَلَوْ بَعْدَ بَيْعٍ وقد طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ انْتَهَى
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَضْمَنُ بِمَا تَلِفَ بِمَا يُبَاحُ من جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ
فَعُلِمَ من ذلك أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا كان ذلك لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ في إخْرَاجِ الْجَنَاحِ في غَيْرِ الدَّرْبِ النَّافِذِ بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ
قال الْحَارِثِيُّ وَمَبْنَى هذا الْأَصْلِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ هل يُبَاحُ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ فلم يَهْدِمْهُ حتى أَتْلَفَ شيئا لم يَضْمَنْهُ
نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَاَلَّذِي عليه متأخروا ( ( ( متأخرو ) ) ) الْأَصْحَابِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْأَصَحَّ من الْمَذْهَبِ عَدَمُ الضَّمَانِ
قال وَأَصْلُ ذلك قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ الْمَنْصُوصُ عنه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ لَا ضَمَانَ عليه سَوَاءٌ طُولِبَ بِنَقْضِهِ أو لم يُطَالَبْ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
____________________
(6/231)
وَأَوْمَأَ في مَوْضِعٍ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عليه فلم يَفْعَلْ ضَمِنَ
وَهَذَا الْإِيمَاءُ ذَكَرَهُ بن بُخْتَانَ وبن هَانِئٍ وَنَصَّ على ذلك في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ ولم يُورِدْ بن أبي مُوسَى سِوَاهَا
وَكَذَلِكَ قال في رؤوس الْمَسَائِلِ وهو من كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وبن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ إنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ فَأَبَى مع إمْكَانِهِ ضَمِنَهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ واما إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ فلم يَفْعَلْ فقد تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن الْجَوَابِ فيها
وقال أَصْحَابُنَا يَضْمَنُ وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّفْرِيعُ عليه وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا
وَخَرَّجَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَجْهًا
قال الشَّارِحُ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا انْتَهَى
وَهَذَا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك في أَوَاخِرِ بَابِ الصُّلْحِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَلِمَ بِمَيَلَانِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
ولم يذكر في التَّرْغِيبِ الْعِلْمَ بِمَيَلَانِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ
____________________
(6/232)
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا كَيْفِيَّةُ الْإِشْهَادِ اشْهَدُوا أَنِّي طَالَبْته بِنَقْضِهِ أو تَقَدَّمْت إلَيْهِ بِنَقْضِهِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي بَعْضَهُ وكذلك كُلُّ لَفْظٍ أَدَّى إلَيْهِ
ثُمَّ الْمَيْلُ إلَى السَّابِلَةِ يَسْتَقِلُّ بها الْإِمَامُ وَمَنْ قام مَقَامَهُ وَكَذَا الْوَاحِدُ من الرَّعِيَّةِ مُسْلِمًا كان أو ذِمِّيًّا
وَإِنْ كان إلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ من أَهْلِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
وَإِنْ كان إلَى دَارِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ اسْتَقَلَّ بِهِ
وَإِنْ كان سَاكِنُهَا الْغَيْرَ فَكَالْمَالِكِ
وَإِنْ كان السَّاكِنُ جَمَاعَةً اسْتَقَلَّ بِهِ أَحَدُهُمْ
وَإِنْ كان غَاصِبًا لم يَمْلِكْهُ وما تَلِفَ له فَغَيْرُ مَضْمُونٍ
الثَّانِيَةُ لو سَقَطَ الْجِدَارُ من غَيْرِ مَيَلَانٍ لم يَضْمَنْ ما تَوَلَّدَ منه بِلَا خِلَافٍ
وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ أو إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ أو مَالَ إلَيْهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لم يَضْمَنْ
وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أو إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ
قال الْمُصَنِّفُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ
الثَّالِثَةُ لَا أَثَرَ لِمُطَالَبَةِ مُسْتَأْجِرِ الدَّارِ وَمُسْتَعِيرِهَا وَمُسْتَوْدِعِهَا وَمُرْتَهِنِهَا وَلَا ضَمَانَ عليهم
فَلَوْ طُولِبَ الْمَالِكُ في هذه الْحَالِ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ اسْتِرْجَاعُهَا أو نَقْضُ الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ كَالْمُعِيرِ وَالْمُودِعِ وَالرَّاهِنِ إذَا أَمْكَنَهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ ولم يَفْعَلْ ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(6/233)
وَإِنْ حُجِرَ على الْمَالِكِ لِسَفَهٍ أو صِغَرٍ أو جُنُونٍ فَطُولِبَ لم يَضْمَنْ
وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ أو وَصِيُّهُ فلم يَنْقُضْهُ ضَمِنَ الْمَالِكُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ بَلْ مُوَلِّيهِ ذَكَرَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ
وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْحَارِثِيِّ
وقال بن عَقِيلٍ الضَّمَانُ على الْوَلِيِّ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ وهو التَّوْجِيهُ الذي ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ
الرَّابِعَةُ لو كان الْمَيَلَانُ إلَى مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ إمَّا وَاحِدٌ أو جَمَاعَةٌ فَأَمْهَلَهُ الْمَالِكُ أو أَبْرَأَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ
وَإِنْ أَمْهَلَهُ سَاكِنُ الْمِلْكِ أو أَبْرَأَهُ فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال بن عَقِيلٍ لَا يَسْقُطُ وَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا أَعْنِي السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ
قال الْحَارِثِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ فَلَيْسَ كما قال لِأَنَّ من مَلَكَ حَقًّا مَلَكَ إسْقَاطُهُ وَإِنْ كان بِالنِّسْبَةِ إلَى من لم يَبْرَأْ فَنَعَمْ وَذَلِكَ على سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لَا يَقْبَلُ خِلَافًا
وَإِنْ كان الْمَيَلَانُ إلَى دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ أو إلَى سَابِلَةٍ فَأَبْرَأَهُ الْبَعْضَ أو أَمْهَلَهُ بريء بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ أو الْمُمْهِلِ
الْخَامِسَةُ لو كان الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا فَطُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْضِهِ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(6/234)
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ
السَّادِسَةُ لو بَاعَ الْجِدَارَ مَائِلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ في فُرُوقِهِ لَا ضَمَانَ عليه لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ من الْهَدْمِ حَالَةَ السُّقُوطِ
قال الْمُصَنِّفُ وَلَا على الْمُشْتَرِي لِانْتِفَاءِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ
وَكَذَا الْحَكَمُ لو وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ
وَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِ الْهِبَةِ زَالَ الضَّمَانُ عنه بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ انْتَهَى
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إنْ بَاعَهُ فِرَارًا لم يَسْقُطْ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْمَيْلَ لَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ بَعْدَ وُجُوبِهَا انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عليه مُطْلَقًا
وقال بن عَقِيلٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا لو بَاعَ فَخًّا أو شَبَكَةً مَنْصُوبَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ في الْحَرَمِ أو مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ لم يَسْقُطْ عنه ضَمَانُهُ
قال بن رَجَبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُخَالِفُ في هذه الصُّورَةِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ
وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ على من انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إذَا اسْتَدَامَهُ أَمْ لَا الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ عليه كَمَنْ اشْتَرَى حَائِطًا مَائِلًا فإنه يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فيه فإذا طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ فلم يَفْعَلْ ضَمِنَ على رِوَايَةٍ انْتَهَى
السَّابِعَةُ إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا لم يُوجِبْ نَقْضَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ
وَإِنْ تَشَقَّقَ عَرْضًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَائِلِ على ما تَقَدَّمَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ وما أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ على صَاحِبِهَا
____________________
(6/235)
وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كان التَّالِفُ صَيْدَ حَرَمٍ أو غَيْرَهُ
قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ
قال وَيَتَوَجَّهُ إلَّا الضَّارِيَةَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ
وقد قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا ضَمِنَهُ إنْ لم يُعْلِمْهُ بها
وقال في الْفُصُولِ من أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أو دَابَّةً رَفُوسًا أو عَضُوضًا على الناس وَخَلَّاهُ في طَرِيقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ فَأَتْلَفَ مَالًا أو نَفْسًا ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَكَذَا إنْ كان له طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ الناس وَحَيَوَانَاتِهِمْ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ قال في الِانْتِصَارِ الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا
وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ إذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ يَجِبُ على مَالِكِهَا قَتْلُهَا وَعَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إذَا صَالَتْ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ على وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لم يَضْمَنْ كَمُرْتَدٍّ
وَتَقَدَّمَ إذَا كانت الْبَهِيمَةُ مَغْصُوبَةً وَأَتْلَفَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ في يَدِ إنْسَانٍ كَالرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ
يَعْنِي إذَا كان قَادِرًا على التَّصَرُّفِ فيها فَيَضْمَنُ ما جَنَتْ يَدُهَا أو فَمُهَا دُونَ ما جَنَتْ رِجْلُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَخِلَافُهُ الصَّغِيرُ
____________________
(6/236)
وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ السَّائِقُ جِنَايَةَ رِجْلِهَا
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَهِيَ أَصَحُّ لِتَمَكُّنِ السَّائِقِ من مُرَاعَاةِ الرِّجْلِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ ما جَنَتْ بِرِجْلِهَا سَوَاءٌ كان سَائِقًا أو قَائِدًا أو رَاكِبًا ذَكَرَهَا في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَأَوْرَدَ في الْمُغْنِي هذا الْخِلَافَ مُطْلَقًا في الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالصَّوَابُ ما حَكَاهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ من التَّقْيِيدِ بِالسَّائِقِ فإنه مَأْخُوذٌ من الْقَاضِي وَالْقَاضِي إنَّمَا ذَكَرَهُ في السَّائِقِ فَقَطْ انْتَهَى
قُلْت هذا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ من الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ جَمَاعَةً من الْأَصْحَابِ حَكَوْا الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ على النَّافِي
وقال في الْمُحَرَّرِ يَضْمَنُ إذَا كان مَعَهَا رَاكِبٌ أو قَائِدٌ أو سَائِقٌ ما جَنَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا وَوَطْءِ رِجْلِهَا دُونَ نَفْحِهَا ابْتِدَاءً انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وقال بن الْبَنَّا إنْ نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا وهو يَسِيرُ عليها فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كان سَائِقًا ضَمِنَ ما جَنَتْ بِرِجْلِهَا
فَوَائِدُ
منها لو كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ زِيَادَةً على الْمُعْتَادِ أو ضَرَبَهَا في الْوَجْهِ ضَمِنَ ما جَنَتْ رِجْلُهَا أَيْضًا وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ
قال الْحَارِثِيُّ لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ في وُجُوبِ الضَّمَانِ وَطْئًا وَنَفْحًا
وَظَاهِرُ نَقْلِ بن هَانِئٍ في الْوَطْءِ لَا يَضْمَنُ
____________________
(6/237)
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يَضْمَنُ ما أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا أو نَفَحَتْ بها لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على حَبْسِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ ما جَنَتْ بِذَنَبِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَرِجْلِهَا
قال في الْفُرُوعِ وَلَا ضَمَانَ بِذَنَبِهَا في الْأَصَحِّ جَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ مع ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ في الرِّجْلِ وَقِيلَ يَضْمَنُ
قال الْحَارِثِيُّ وَالذَّنَبُ كَالرِّجْلِ يَجْرِي فيه الْخِلَافُ في السَّائِقِ وَلَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ كما لَا يَضْمَنُ بِالرِّجْلِ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا أَوْرَدَهُ في الْكَافِي انْتَهَى
وَمِنْهَا لو كان السَّبَبُ من غَيْرِ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ مِثْلَ إنْ نَخَسَهَا أو نَفَّرَهَا غَيْرُهُ فَالضَّمَانُ على من فَعَلَ ذلك جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَمِنْهَا لو جَنَى وَلَدُ الدَّابَّةِ ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَقَطَعَا بِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ نحو أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوسًا وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَمِنْهَا لو كان الرَّاكِبُ اثْنَانِ فَالضَّمَانُ على الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أو مَرِيضًا وَنَحْوَهُمَا وكان الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَهَا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عليه
قال الْحَارِثِيُّ وَإِنْ اشْتَرَكَا في التَّصَرُّفِ اشْتَرَكَا في الضَّمَانِ
وَإِنْ كان مع الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا على الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(6/238)
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ الضَّمَانُ على الْقَائِدِ وَحْدَهُ
قال وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ
وَإِنْ كان مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ اشْتَرَكُوا في الضَّمَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ الضَّمَانُ على الرَّاكِبِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ الْقَائِدُ فَقَطْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
وَمِنْهَا الْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقَطَّرَةِ كَالْبَهِيمَةِ الْوَاحِدَةِ على قَائِدِهَا الضَّمَانُ وَإِنْ كان معه سَائِقٌ شَارَكَهُ في ضَمَانِ الْأَخِيرِ منها دُونَ ما قَبْلَهُ هذا إذَا كان في آخِرِهَا فَإِنْ كان في أَوَّلِهَا شَارَكَ في الْكُلِّ وَإِنْ كان فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ شَارَكَ في ضَمَانِ ما بَاشَرَ سَوْقَهُ دُونَ ما قَبْلَهُ وَشَارَكَ فِيمَا بَعْدَهُ
وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ وكان على أَوَّلِهِ ضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ الْمَقْطُورُ على الْجَمَلِ الْمَرْكُوبِ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْقَائِدِ له
فَأَمَّا الْمَقْطُورُ على الْجَمَلِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ جِنَايَتَهُ لِأَنَّ الرَّاكِبَ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ عن الْجِنَايَةِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فإن ما بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عن الْجِنَايَةِ فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ على ما تَحْتَهُ انْتَهَى
وَمِنْهَا لو انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ مِمَّنْ هِيَ في يَدِهِ وَأَفْسَدَتْ فَلَا ضَمَانَ نَصَّ عليه
فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الضَّمَانُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَمِنْهَا لَا فَرْقَ في الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بين الْمَالِكِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ والموصى إلَيْهِ بِالْمَنْفَعَةِ وَعُمُومُ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقْتَضِيهِ
قَوْلُهُ وما أَفْسَدَتْ من الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَعْنِي يَضْمَنُهُ رَبُّهَا
____________________
(6/239)
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ انْفَلَتَتْ بِاخْتِيَارِهِ أو بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ منهم بن مَنْصُورٍ وبن هَانِئٍ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وبن الْبَنَّا وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لم يُفَرِّطْ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ
قال بن مُنَجَّا وَكَلَامُهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِهِ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ على ضَمَانِ ما جَنَتْ يَدُهَا أو فَمُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا في يَدِ إنْسَانٍ مَوْصُوفٍ بِمَا ذَكَرَ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ أَمَّا إذَا لم يُفَرِّطْ فإنه لَا يَضْمَنُ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أبو يَعْلَى وَابْنُهُ الْحُسَيْنُ وبن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالسَّامِرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ كَسَرَتْ الْبَابَ أو فَتَحَتْهُ فَهَدَرٌ وَلَوْ فَتَحَهُ آدَمِيٌّ ضَمِنَ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وما أَفْسَدَتْ من الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَضْمَنُهُ رَبُّهَا خَصَّصَ الضَّمَانَ بِالْأَمْرَيْنِ وَهَكَذَا قال في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَجَمَاعَةٌ
قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ في هذا الْكِتَابِ
وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَجَزَمَ في الْمُغْنِي والوجيز أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى الزَّرْعِ
فقال في الْمُغْنِي إنْ أَتْلَفَتْ غير الزَّرْعِ لم يَضْمَنْ مَالِكُهَا نَهَارًا كان إتْلَافُهَا أو لَيْلًا
____________________
(6/240)
قال الْحَارِثِيُّ وبن مُنَجَّا ولم أَجِدْهُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ انْتَهَيَا
قُلْت هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِاقْتِصَارِهِ عليه
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ما أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا
قال الْحَارِثِيُّ وَكَافَّةُ الْأَصْحَابِ على التَّعْمِيمِ لِكُلِّ مَالٍ بَلْ منهم من صَرَّحَ بِالتَّسْوِيَةِ بين الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ أَيْضًا
وقال في الْوَاضِحِ يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْ لَيْلًا من سَائِرِ الْمَالِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ وَاضِعُهُ إلَى تَفْرِيطٍ
فَائِدَةٌ لو ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ لَيْلًا وَوُجِدَ في الزَّرْعِ أَثَرُ غَنَمٍ قضى بِالضَّمَانِ على صَاحِبِ الْغَنَمِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا من الْقِيَافَةِ في الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ في الْأَنْسَابِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ لَا يكتفي بِذَلِكَ
قُلْت وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ غَنَمٌ لِغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ ما أَفْسَدَتْ من ذلك نَهَارًا
ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ ما تُفْسِدُهُ عَادَةً أو لَا وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ من أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
____________________
(6/241)
وقال الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهَا بِقُرْبِ ما تُتْلِفُهُ عَادَةً فَيَضْمَنَ
وَذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى قال الْحَارِثِيُّ لو جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَبِإِرْسَالِهَا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّ هذا نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ في التَّخْصِيصِ
الثَّانِيَةُ إرْسَالُ الْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ نَهَارًا كان أو لَيْلًا وَإِرْسَالُ الْمُودِعِ كَإِرْسَالِ الْمَالِكِ في انْتِفَاءِ الضَّمَانِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِحِفْظِ دَوَابِّهِ فَأَرْسَلَهَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْكَفَّ عن الزَّرْعِ فَيَضْمَنَ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الْمَالِكِ على الْمُودِعِ ضَبْطَهَا نَهَارًا
الثَّالِثَةُ لو طَرَدَ دَابَّةً من مَزْرَعَتِهِ لم يَضْمَنْ ما جَنَتْ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ فَيَضْمَنَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ صَبَرَ لِيَرْجِعَ على صَاحِبِهَا
وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا فَهَدَرٌ
الرَّابِعَةُ الْحَطَبُ الذي على الدَّابَّةِ إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرِفًا فَهُوَ هَدَرٌ وَكَذَلِكَ لو كان مُسْتَدْبِرًا وَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا له وَإِلَّا ضَمِنَهُ فِيهِمَا ذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الْخَامِسَةُ لو أَرْسَلَ طَائِرًا فأفسد ( ( ( فأفسده ) ) ) أو لَقَطَ حَبًّا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ في الْمُغْنِي وَالْحَارِثِيُّ
____________________
(6/242)
وَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ بن مُفْلِحٍ في الْآدَابِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ بن الْقَيِّمِ في الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ ولم يَذْكُرْهَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَمَنْ صَالَ عليه آدَمِيٌّ أو غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عن نَفْسِهِ لم يَضْمَنْهُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لو دَفَعَ صَائِلًا عليه بِالْقَتْلِ لم يَضْمَنْهُ وَلَوْ دَفَعَهُ عن غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وفي الْفَتَاوَى الرُّحْبَيَاتِ عن بن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيِّ لَا ضَمَانَ عليه أَيْضًا
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ من قِتَالِ اللُّصُوصِ في الْفِتْنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عليه وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ منه إذَنْ وَهَذَا لَا عَمَلَ عليه انْتَهَى
قُلْت أَمَّا وُرُودُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ فَفِي النَّفْسِ من هذا شَيْءٌ
وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا بِالضَّمَانِ بِقَتْلِ الْبَهِيمِ الصَّائِلِ بِنَاءً على ما قَالَهُ أبو بَكْرٍ في الصَّيْدِ الصَّائِلِ على الْمُحْرِمِ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا في آخِرِ بَابِ الْمُحَارَبِينَ بِأَتَمَّ من هذا وَمَسَائِلُ أُخَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَائِدَةٌ لو حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ولم يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
قُلْت قد يَقْرَبُ من ذلك ما لو انْفَرَشَ الْجَرَادُ في طَرِيقِ الْمُحْرِمِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ هل يَضْمَنُهُ أَمْ لَا على ما تَقَدَّمَ
____________________
(6/243)
وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في آخِرِ بَابِ الدِّيَاتِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها
هَكَذَا أَطْلَقَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ إذَا فَرَّطَ
قال الْحَارِثِيُّ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها وَإِنْ لم يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ وَمَنْ عَدَاهُ من الْأَصْحَابِ
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على نَحْوِهِ من رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ
مع أَنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ لَا يَقْتَضِيهِ غير أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ التَّفْرِيطِ التي قَدَّمْنَاهَا على ما ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ من غَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته بَيْنَهُمْ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلَفَ الْآخَرِ
وفي الْمُغْنِي إنْ فَرَّطَا وَقَالَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وما فيها كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْحَارِثِيُّ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الضَّمَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في السَّبَبِ فإنه حَصَلَ من كل وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُهْدَرًا في حَقِّ نَفْسِهِ مَضْمُونًا في حَقِّ الْآخَرِ كما في التَّلَفِ من جِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَجِرَاحَةِ غَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا له قُوَّةٌ
____________________
(6/244)
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ فلم يَقْدِرْ على ضَبْطِهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
وفي الْوَاضِحِ وَجْهٌ لَا تُضْمَنُ مُنْحَدِرَةٌ
وقال في التَّرْغِيبِ السَّفِينَةُ كَدَابَّةٍ وَالْمَلَّاحُ كَرَاكِبٍ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ سَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ في هذه الْحَالَةِ أو لَا على ما صَرَّحَ بِهِ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في الْمُغْنِي إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٌ فَالضَّمَانُ على الْمُصْعِدِ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ في أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخِذُ بِتَفْرِيطِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَلَّاحِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَلَبَةِ رِيحٍ
وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ فَشَرِيكَانِ في إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَنْ فِيهِمَا
فَإِنْ قُتِلَ في الْغَالِبِ فَالْقَوَدُ وَإِلَّا شِبْهَ عَمْدٍ
وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ مع عَمْدٍ
وَلَوْ حَرَقَهَا عَمْدًا أو شَبَهَهُ أو خَطَأً عُمِلَ على ذلك قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْحَارِثِيُّ إنْ عَمَدَ ما لَا يُهْلِكُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَكَذَا ما لو قَصَدَ إصْلَاحَهَا فَقَطَعَ لَوْحًا أو أَصْلَحَ مِسْمَارًا فَخَرَقَ مَوْضِعًا حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالصَّحِيحِ أَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِعْلًا مُبَاحًا
وَهَلْ يَضْمَنُ من أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ فَغَرَّقَهَا وما فيها أو نِصْفَهُ أو بِحِصَّتِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا
____________________
(6/245)
قُلْت هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ بِالدَّابَّةِ مَكَانَ الْإِجَارَةِ أو حَمَّلَهَا زِيَادَةً على الْمَأْجُورِ فَتَلِفَتْ أو زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا فَقَتَلَهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ هُنَاكَ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ على ما تَقَدَّمَ
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَذَلِكَ هُنَا
وَجَزَمَ في الْفُصُولِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ما فيها ذَكَرَهُ في أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لَمَا إذَا زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا في وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً
وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي جَعَلَهَا أَصْلًا في وُجُوبِ ضَمَانِ الدَّابَّةِ كَامِلَةً إذَا جَاوَزَ بها مَكَانَ الْإِجَارَةِ أو زَادَ على الْحَدِّ سَوْطًا
وَلَوْ أَشْرَفَتْ على الْغَرَقِ فَعَلَى الرُّكْبَانِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ حَسَبَ الْحَاجَةِ
وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الدَّوَابِّ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّخْفِيفُ بِالْأَمْتِعَةِ وَإِنْ أَلْجَأَتْ ضَرُورَةٌ إلَى إلْقَائِهَا جَازَ صَوْنًا لِلْآدَمِيِّينَ وَالْعَبِيدُ كَالْأَحْرَارِ
وَإِنْ تَقَاعَدُوا عن الْإِلْقَاءِ مع الْإِمْكَانِ أَثِمُوا
وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ فيه وَجْهَانِ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَدَمَهُ
وَالثَّانِي يَضْمَنُ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ على أَحَدٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَإِنْ امْتَنَعَ من إلْقَاءِ مَتَاعِهِ فَلِلْغَيْرِ إلْقَاؤُهُ من غَيْرِ رِضَاهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ لَكِنْ يَضْمَنُهُ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ مَالِكٍ رضي اللَّهُ عنه لَا يَضْمَنُ اعْتِبَارًا بِدَفْعِ الصَّائِلِ
قال وَيَتَخَرَّجُ لنا مِثْلُهُ بِنَاءً على انْتِفَاءِ الضَّمَانِ بِمَا لو أَرْسَلَ صَيْدًا من يَدِ مُحْرِمٍ
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ
____________________
(6/246)
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الضَّمَانِ بَعْضُ ذلك وَمَسَائِلُ أُخَرُ تَتَعَلَّقُ بهذا فَلْيُعَاوَدْ
الثَّانِيَةُ لو كانت إحْدَاهُمَا وَاقِفَةً وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَعَلَى قَيِّمِ السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ إنْ فَرَّطَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ إذَا اصْطَدَمَ نَفْسَانِ أو أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ فَاصْطَدَمَا وَنَحْوَهُمَا
قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا أو طُنْبُورًا أو صَلِيبًا أو كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أو ذَهَبٍ أو إنَاءَ خَمْرٍ لم يَضْمَنْهُ
وَكَذَا الْعُودُ وَالطَّبْلُ وَالنَّرْدُ وَآلَةُ السِّحْرِ وَالتَّعْزِيمِ وَالتَّنْجِيمِ وَصُوَرُ خَيَالٍ وَالْأَوْثَانُ وَالْأَصْنَامُ وَكُتُبُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضِلَّةُ وَكُتُبُ الْكُفْرِ وَنَحْوُ ذلك
وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَقَدَّمُوهُ في الْبَاقِي من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحُوهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ في الْجَمِيعِ
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ لَا ضَمَانَ في الْمَشْهُورِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ غير الصَّلِيبِ مما ( ( ( بما ) ) ) ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَأَطْلَقَ في الْمُحَرَّرِ في ضَمَانِ كَسْرِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَمْرِ رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَ في التَّلْخِيصِ في ضَمَانِ كَسْرِ أَوَانِي الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهِ رِوَايَتَيْنِ
قال في الْمُغْنِي حَكَى أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِأَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا كَسَرَ أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ في تَعْلِيقِهِ وأبو الْحُسَيْنِ في التَّمَامِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(6/247)
قال الْحَارِثِيُّ إنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الإجزاء وهو ظَاهِرُ إيرَادِهِمْ فإن بَعْضَهُمْ عَلَّلَهُ بِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عليها وَالْقَطْعُ بِسَرِقَتِهَا فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ ليس مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه
وَإِنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَرْشِ وهو فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا أَعْلَمُ له وَجْهًا وَذَكَرَ مَأْخَذَهُمْ من الرِّوَايَةِ وَرَدَّهُ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ إنْ كان يُنْتَفَعُ بها في غَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ غير آلَةِ اللَّهْوِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ غير الدُّفِّ
وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في ضَمَانِ دُفِّ الصُّنُوجِ رِوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ دُفَّ الْعُرْسِ أَعْنِي التي ليس فيها صُنُوجٌ ذَكَرَهَا الْحَارِثِيُّ
وَحَكَى الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ رِوَايَةً بِجَوَازِ إتْلَافِهِ في اللَّعِبِ بِمَا عَدَا النِّكَاحِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ
وقال في الْفُنُونِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ آلَةَ اللَّهْوِ إذَا كان يُرْغَبُ في مَادَّتِهَا كَعُودٍ وَدَاقُورَةٍ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في آنِيَةِ الْخَمْرِ إذَا كان مَأْمُورًا بِإِرَاقَتِهَا
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آنِيَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُ سَوَاءٌ قَدَرَ على إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أو لَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ إنْ لم يَقْدِرْ على إرَاقَتِهَا إلَّا بِتَلَفِهَا لم يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ
فَوَائِدُ
منها لَا يَضْمَنُ مَخْزَنَ الْخَمْرِ إذَا أَحْرَقَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ بن بَطَّةَ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَضْمَنُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
____________________
(6/248)
وقال بن الْقَيِّمِ في الهدى يَجُوزُ تَحْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا كما حَرَّقَ رسول اللَّهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ
وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ كِتَابًا فيه أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ حَرَقَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الِانْتِصَارِ فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ على نَصِّهِ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ في سَتْرٍ فيه تَصَاوِيرُ
وَنَصَّ على تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ
وَمِنْهَا لَا يَضْمَنُ حُلِيًّا مُحَرَّمًا على الرِّجَالِ لم يَسْتَعْمِلُوهُ يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
ومنها ( ( ( منها ) ) ) قال صَاحِبُ الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشِّطْرَنْجَ من آلَةِ اللَّهْوِ
قُلْت بَلْ هِيَ من أَعْظَمِهَا وقد عَمَّ الْبَلَاءُ بها
وَنَقَلَ أبو دَاوُد لَا شَيْءَ عليه فيه
____________________
(6/249)
كِتَابُ الشُّفْعَةِ
قَوْلُهُ وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ من يَدِ مُشْتَرِيهَا
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَالْخُلَاصَةِ وزاد قَهْرًا
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ وَنَحْوِ ذلك منه
قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عن ذلك بِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ بَيْعٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما يَأْتِي فَالْمَوْهُوبُ له مُشْتَرٍ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ يسمى فيه بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قالوا فِيهِمَا هو بَيْعٌ فَهُوَ إذَنْ جَامِعٌ
وقال في الْمُغْنِي هِيَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الْمُنْتَقِلَةِ عنه من يَدِ من انْتَقَلَتْ إلَيْهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ ما انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْأَرْشِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ أو بِغَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ على الْمَشْهُورِ كَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ
قال فَالْأَجْوَدُ إذَنْ أَنْ يُقَالَ من يَدِ من انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ أو مُطْلَقًا انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْحَارِثِيُّ وَلَا خَفَاءَ بِالْقُيُودِ في حَدِّ الْمُصَنِّفِ
فَقَيْدُ الشَّرِكَةِ مُخْرِجٌ لِلْجِوَارِ وَالْخُلْطَةِ بِالطَّرِيقِ
وَقَيْدُ الشِّرَاءِ مُخْرِجٌ لِلْمَوْهُوبِ والموصي بِهِ وَالْمَوْرُوثِ وَالْمَمْهُورِ وَالْعِوَضِ في الْخَلْعِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ وفي بَعْضِهِ خِلَافٌ
____________________
(6/250)
قال وَأَوْرَدَ على قَيْدِ الشَّرِكَةِ أَنْ لو كان من تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ لَمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ هل تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ أَمْ لَا انْتَهَى
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِيَالُ لِإِسْقَاطِهَا بِلَا نِزَاعٍ في الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّحَيُّلِ أَيْضًا نَصَّ عليه
وقد ذَكَرَ الْأَصْحَابُ لِلْحِيلَةِ في إسْقَاطِهَا صُوَرًا
الْأُولَى أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً وَلِلْمُشْتَرِي عَرْضٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَيَبِيعُهُ الْعَرْضَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ يَشْتَرِي الشِّقْصَ منه بِمِائَتَيْنِ وَيَتَقَاصَّانِ أو يَتَوَاطَآنِ على أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عن الْمِائَتَيْنِ وَهِيَ أَقَلُّ من الْمِائَتَيْنِ فَلَا يُقْدِمُ الشَّفِيعُ عليه لِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ عن الْمِائَتَيْنِ
الثَّانِيَةُ إظْهَارُ كَوْنِ الثَّمَنِ مِائَةً وَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ عِشْرِينَ فَقَطْ
الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيُبَرِّئُهُ من ثَمَانِينَ
الرَّابِعَةُ أَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ له الثَّمَنَ
الْخَامِسَةُ أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِالْمُشَاهَدَةِ مَجْهُولَةِ الْمِقْدَارِ أو بِجَوْهَرَةٍ وَنَحْوِهَا
فَالشَّفِيعُ على شُفْعَتِهِ في جَمِيعِ ذلك فَيَدْفَعُ في الْأُولَى قِيمَةَ الْعَرْضِ مِائَةً أو مِثْلَ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وفي الثَّانِيَةِ عِشْرِينَ وفي الثَّالِثَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حِيلَةٌ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَأْخُذُ الْجُزْءَ الْمَبِيعَ من الشِّقْصِ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كُلَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَجَزَمَ بهذا الِاحْتِمَالِ في الْمُسْتَوْعِبِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
____________________
(6/251)
وفي الرَّابِعَةِ يَرْجِعُ في الثَّمَنِ الْمَوْهُوبِ له
وفي الْخَامِسَةِ يَدْفَعُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْمَجْهُولِ أو قِيمَتَهُ إنْ كان بَاقِيًا وَلَوْ تَعَذَّرَ بِتَلَفٍ أو مَوْتٍ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الشِّقْصِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْحَابُ نَقَلَهُ في التَّلْخِيصِ
وَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ من غَيْرِ حِيلَةٍ بِأَنْ قال الْمُشْتَرِي لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ مع يَمِينِهِ وَأَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ حِيلَةً وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ
وقال في الْفَائِقِ قُلْت وَمِنْ صُوَرِ التَّحَيُّلِ أَنْ يَقِفَهُ الْمُشْتَرِي أو يَهَبَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَغْلَطُ من يَحْكُمُ بهذا مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِدُونِ حُكْمٍ انْتَهَى
قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ هذا الْأَظْهَرُ
قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ الْمَالِ كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخَلْعِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ
أَحَدُهُمَا لَا شُفْعَةَ في ذلك وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْكَافِي لَا شُفْعَةَ فيه في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ
قال بن مُنَجَّا هذا أَوْلَى
قال الْحَارِثِيُّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال بِانْتِفَاءِ الشُّفْعَةِ منهم أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وأبو عَلِيِّ بن شِهَابٍ وَالْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وبن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالْعُكْبَرِيُّ وبن بَكْرُوسٍ وَالْمُصَنِّفُ وَهَذَا هو الْمَذْهَبُ وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ في الْمَتْنِ انْتَهَى
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وجزم بِهِ في الْعُمْدَةِ
____________________
(6/252)
وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فيه الشُّفْعَةُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ
وَقِيلَ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ من مَهْرٍ وَدِيَةٍ حَكَاهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ عن بن حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَسَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ
فَوَائِدُ
منها قال في الْفُرُوعِ وَعَلَى قِيَاسِ هذه الْمَسْأَلَةِ ما أُخِذَ أُجْرَةً أو ثَمَنًا في سَلَمٍ أو عِوَضًا في كِتَابَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْكَافِي وَمِثْلُهُ ما اشْتَرَاهُ الذِّمِّيُّ بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَطَرَدَ أَصْحَابُنَا الْوَجْهَيْنِ في الشِّقْصِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً في الْإِجَارَةِ
وَلَكِنْ نَقُولُ الْإِجَارَةُ نَوْعٌ من الْبَيْعِ فَيَبْعُدُ طَرْدُ الْخِلَافِ إذَنْ
فَالصَّحِيحُ على أَصْلِنَا جَرَيَانُ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَلَوْ كان الشِّقْصُ جُعْلًا في جِعَالَةٍ فَكَذَلِكَ من غَيْرِ فَرْقٍ
وَطَرَدَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ أَيْضًا في الشِّقْصِ الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عن نُجُومِ الْكِتَابَةِ
وَمِنْهُمْ من قَطَعَ بِنَفْيِ الشُّفْعَةِ فيه وهو الْقَاضِي يَعْقُوبُ ولا أَعْلَمُ لِذَلِكَ وَجْهًا
وَحَكَى بَعْضُ شُيُوخِنَا فِيمَا قَرَأْت عليه طَرْدَ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا في الْمَجْعُولِ رَأْسَ مَالٍ في السَّلَمِ وهو أَيْضًا بَعِيدٌ فإن السَّلَمَ نَوْعٌ من الْبَيْعِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
____________________
(6/253)
ثُمَّ قال إذَا تَقَرَّرَ ما قُلْنَا في الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عن نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الدَّفْعِ وَرَقَّ هل تَجِبُ الشُّفْعَةُ إذَنْ
قال في التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نعم وَالثَّانِي لَا وهو أَوْلَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قال لِأُمِّ وَلَدِهِ إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي شَهْرًا فَلَكَ هذا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ اسْتَحَقَّتْهُ وَهَلْ تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا نعم وَهَذَا على الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ في الْإِجَارَةِ
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الثَّانِي هو الصَّوَابُ
الثَّانِيَةُ إذَا قِيلَ بِالشُّفْعَةِ في الْمَمْهُورِ فَطَلَّقَ الزَّوْجُ قبل الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فَالشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ في النِّصْفِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وما بَقِيَ إنْ عَفَا عنه الزَّوْجُ فَهِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا شُفْعَةَ فيه على الصَّحِيحِ
وقال بن عَقِيلٍ يَسْتَحِقُّهُ الشَّفِيعُ
وَإِنْ لم يَعْفُ فَلَا شُفْعَةَ فيه أَيْضًا على الصَّحِيحِ لِدُخُولِهِ في مِلْكِ الزَّوْجِ قبل الْأَخْذِ قَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَخْذُ هُنَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَتَمَشَّى على أُصُولِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ قبل الطَّلَاقِ فَالشُّفْعَةُ مَاضِيَةٌ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من نِصْفِ قِيمَتِهِ يوم إصْدَاقِهَا وَيَوْمَ إقْبَاضِهَا
____________________
(6/254)
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ شِقْصًا مُشَاعًا من عَقَارٍ يَنْقَسِمُ
يَعْنِي قِسْمَةَ إجْبَارٍ
فَأَمَّا الْمَقْسُومُ الْمَحْدُودُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فيه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ
وَحَكَاهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ في التَّبْصِرَةِ وبن الزَّاغُونِيِّ عن قَوْمٍ من الْأَصْحَابِ رِوَايَةً
قال الزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِيمَا أَظُنُّ وَأَخَذَ الرِّوَايَةَ من نَصِّهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَمُثَنًّى لَا يَحْلِفُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَثْبُتُ بهذا رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْفَائِقِ وهو مَأْخَذٌ ضَعِيفٌ
وَقِيلَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ في مَصَالِحِ عَقَارٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وقد سَأَلَهُ عن الشُّفْعَةِ فقال إذَا كان طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا شُرَكَاءَ لم يَقْتَسِمُوا فإذا صُرِفَتْ الطُّرُقُ وَعُرِفَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ
وَهَذَا هو الذي اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ لَا كما ظَنَّهُ الزَّرْكَشِيُّ من أَنَّهُ اخْتَارَ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ مُطْلَقًا
فإن الْحَارِثِيَّ قال وَمِنْ الناس من قال بِالْجَوَازِ لَكِنْ بِقَيْدِ الشَّرِكَةِ في الطَّرِيقِ
وَذَكَرَ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ قال وَهَذَا الصَّحِيحُ الذي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ
ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّتَهُ وقال في هذا الْمَذْهَبُ جمعا ( ( ( جمع ) ) ) بين الْأَخْبَارِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ
____________________
(6/255)
فَوَائِدُ
منها شَرِيكُ الْمَبِيعِ أَوْلَى من شَرِيكِ الطَّرِيقِ على الْقَوْلِ بِالْأَخْذِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَمِنْهَا عَدَمُ الْفَرْقِ في الطَّرِيقِ بين كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بِمِلْكٍ أو بِاخْتِصَاصٍ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال وَمِنْ الناس من قال الْمُعْتَبَرُ شَرِكَةُ الْمِلْكِ لَا شَرِكَةُ الِاخْتِصَاصِ وهو الصَّحِيحُ
وَمِنْهَا لو بِيعَتْ دَارٌ في طَرِيقٍ لها دَرْبٌ في طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ فَالْأَشْهَرُ تَجِبُ إنْ كان لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ أو أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إلَى شَارِعٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فيه فَقَطْ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَقِيلَ بَلَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَإِنْ كان نَصِيبُ الْمُشْتَرِي فَوْقَ حَاجَتِهِ فَفِي الزَّائِدِ وَجْهَانِ اخْتَارَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ في الزَّائِدِ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالصَّحِيحُ لَا شُفْعَةَ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَالْفُرُوعِ
وَكَذَا دِهْلِيزُ الْجَارِ وَصَحْنُ دَارِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
وَمِنْهَا لَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ في الشُّرْبِ مُطْلَقًا وهو النَّهْرُ أو الْبِئْرُ يسقى أَرْضَ هذا وَأَرْضَ هذا فإذا بَاعَ أَحَدُهُمَا أَرْضَهُ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ من الشُّرْبِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَالْبِئْرِ وَالطُّرُقِ وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ وَلَا ما ليس بِعَقَارٍ كَالشَّجَرِ وَالْحَيَوَانِ
____________________
(6/256)
وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ وَكَالْجَوْهَرَةِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
إحْدَاهُمَا لَا شُفْعَةَ فيه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَظْهَرُهُمَا لَا شُفْعَةَ فيه
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ لَا شُفْعَةَ فيه في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فيه الشُّفْعَةُ
اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ
وَعَنْهُ تَجِبُ في كل مَالٍ حَاشَا مَنْقُولًا لَا يَنْقَسِمُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ تَجِبُ في زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُفْرَدٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُؤْخَذُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كما تَقَدَّمَ
قال الْمُصَنِّفُ قال الْحَارِثِيُّ لَا خِلَافَ فِيهِمَا على كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ
زَادَ في الرِّعَايَةِ مِمَّا يَدْخُلُ تَبَعًا النَّهْرُ وَالْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ وَالرَّحَى وَالدُّولَابُ
فَائِدَةٌ الْمُرَادُ بِمَا يَنْقَسِمُ ما تَجِبُ قِسْمَتُهُ إجْبَارًا وَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا ما يُنْتَفَعُ بِهِ مَقْسُومًا مَنْفَعَتُهُ التي كانت وَلَوْ على تَضَايُقٍ كَجَعْلِ الْبَيْتِ بَيْتَيْنِ
قال في التَّلْخِيصِ وهو الْأَظْهَرُ
قال الْخِرَقِيُّ وَيَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا
____________________
(6/257)
قال الْحَارِثِيُّ وَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَقْتَضِي التَّعْوِيلَ على هذه الرِّوَايَةِ دُونَ ما عَدَاهَا لِأَنَّهُ مِثْلُ ما لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِالْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ الصَّغِيرَيْنِ وَالطُّرُقِ وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ وَكَذَلِكَ أبو الْخَطَّابِ في كِتَابِهِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَشْهَرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصَحُّ وجزم بِهِ في الْعُمْدَةِ في بَابِ الْقِسْمَةِ
قال في التَّلْخِيصِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَيَّ مَنْفَعَةٍ كانت وَلَوْ كانت بِالسُّكْنَى وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ في الْمُجَرَّدِ انْتَهَى
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ما ذَكَرْنَا أو أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ بِالْقِسْمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ
وَاعْتِبَارُ النَّقْصِ هو ما مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ في بَابِ الْقِسْمَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْقِسْمَةِ بِأَتَمَّ من ذلك مُحَرَّرًا
قَوْلُهُ وَلَا تُؤْخَذُ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ تَبَعًا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وبن عَقِيلٍ وَالشَّرِيفِ أبو جَعْفَرٍ في آخَرِينَ انْتَهَى
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تُؤْخَذُ تَبَعًا كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وقال أبو الْخَطَّابِ تُؤْخَذُ الثِّمَارُ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الزَّرْعُ
قال الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَدِيمًا في رؤوس الْمَسَائِلِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ
____________________
(6/258)
وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْإِطْلَاقُ
وَأَكْثَرُهُمْ إنَّمَا حَكَى الِاحْتِمَالَ أو الْوَجْهَ في الثَّمَرِ وَخَرَجَ منه إلَى الزَّرْعِ
وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الثَّمَرَةَ بِالظَّاهِرَةِ وَأَنَّ غير الظَّاهِرَةِ تَدْخُلُ تَبَعًا مع أَنَّهُ قال في الْمُغْنِي إنْ اشْتَرَاهُ وَفِيهِ طَلْعٌ لم يُؤَبَّرْ فَأَبَّرَهُ لم يَأْخُذْ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِحِصَّتِهِ كما في شِقْصٍ وَسَيْفٍ
وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ إذَا لم يَدْخُلْ فإنه يَأْخُذُ الْأَصْلَ بِحِصَّتِهِ
فَائِدَةٌ لو كان السُّفْلُ لِشَخْصٍ وَالْعُلْوُ مُشْتَرَكًا وَالسَّقْفُ مختص ( ( ( مختصا ) ) ) بِصَاحِبِ السُّفْلِ أو مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْعُلْوِ فَلَا شُفْعَةَ في السَّقْفِ لِأَنَّهُ لَا أَرْضَ له فَهُوَ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُفْرَدَةِ
وَإِنْ كان السَّقْفُ لِأَصْحَابِ الْعُلْوِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ قَرَارَهُ كَالْأَرْضِ قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فيه لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلسُّفْلِ وَإِنَّمَا له عليه حَقٌّ فَأَشْبَهَ مُسْتَأْجِرَ الْأَرْضِ خَرَّجَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وقال فَاوَضْت فيها بَعْضَ أَصْحَابِنَا وَتَقَرَّرَ حُكْمُهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ على ما بَيَّنْت
وَهَذَا الْوَجْهُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي فقال وَإِنْ بِيعَتْ حِصَّةٌ من عُلْوِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ نُظِرَتْ فَإِنْ كان السَّقْفُ الذي تَحْتَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَلَا شُفْعَةَ في الْعُلْوِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُنْفَرِدٌ وَإِنْ كان لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فكذلك لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُنْفَرِدٌ لِكَوْنِهِ لَا أَرْضَ له فَهُوَ كما لو لم يَكُنْ السَّقْفُ له
وَيَحْتَمِلُ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ له قَرَارًا فَهُوَ كَالسُّفْلِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ من عُلْوٍ مُشْتَرَكٍ على سَقْفٍ لِمَالِكِ السُّفْلِ فقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِ الْعُلْوِ لِانْفِرَادِ الْبِنَاءِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/259)
وَإِنْ كان السَّقْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْعُلْوِ فَكَذَلِكَ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وَإِنْ كان السُّفْلُ مُشْتَرَكًا وَالْعُلْوُ خَالِصًا لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَبَاعَ الْعُلْوَ وَنَصِيبَهُ من السُّفْلِ فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ في السُّفْلِ لَا في الْعُلْوِ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ فيه
قَوْلُهُ الثَّالِثُ الْمُطَالَبَةُ بها على الْفَوْرِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه بَلْ هو الْمَشْهُورُ عنه
وَعَنْهُ أنها على التَّرَاخِي ما لم يَرْضَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وَحَكَى جَمَاعَةٌ وَعَدَّهُمْ رِوَايَةً بِثُبُوتِهَا على التَّرَاخِي لَا تَسْقُطُ ما لم يُوجَدْ منه ما يَدُلُّ على الرِّضَى أو دَلِيلِهِ كَالْمُطَالَبَةِ بِقِسْمَةٍ أو بَيْعٍ أو هِبَةٍ نحو بِعْنِيهِ أو هَبْهُ لي أو قَاسِمْنِي أو بِعْهُ لِفُلَانٍ أو هَبْهُ له انْتَهَى وَالتَّفْرِيعُ على الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ سَاعَةَ يَعْلَمُ
نَصَّ عليه هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّ الْمُطَالَبَةَ على الْفَوْرِ سَاعَةَ يَعْلَمُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
نَقَلَ بن مَنْصُورٍ لَا بُدَّ من طَلَبِهَا حين يَسْمَعُ حتى يَعْلَمَ طَلَبَهُ ثُمَّ له أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي له طَلَبُهَا في الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(6/260)
وَاخْتَارَهَا بن حَامِدٍ أَيْضًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْقَاضِي منهم الشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وبن عَقِيلٍ وَالْعُكْبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا يَتَخَرَّجُ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على مِثْلِهِ في خِيَارِ الْمُجْبَرَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ
قال وَهَذَا مُتَفَرِّعٌ على الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ كما في التَّمَامِ وفي الْمُغْنِي لِأَنَّ الْمَجْلِسَ كُلَّهُ في مَعْنَى حَالَةِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ التَّقَابُضِ فيه لَمَّا يُعْتَبَرُ له الْقَبْضُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حَالَةِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّ إيرَادَهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِهِ قَسِيمًا لِلْفَوْرِيَّةِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قُلْت ليس كما قال عن الْخِرَقِيِّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ فإنه قال وَمَنْ لم يُطَالِبْ بِالشُّفْعَةِ في وَقْتِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ له انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
تَنْبِيهَانِ
أحدهما قال الْحَارِثِيُّ وفي جَعْلِ هذا شَرْطًا إشْكَالٌ وهو أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْحَقِّ فَرْعُ ثُبُوتِ ذلك الْحَقِّ وَرُتْبَةُ ذلك الشَّرْطِ تَقَدُّمُهُ على الْمَشْرُوطِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِتَقَدُّمِ الْمُطَالَبَةِ على ما هو أَصْلٌ له هذا خَلَفٌ
أو نَقُولُ اشْتِرَاطُ الْمُطَالَبَةِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الثُّبُوتِ عليها وَلَا شَكَّ في تَوَقُّفِ الْمُطَالَبَةِ على الثُّبُوتِ فَيَكُونُ دَوْرًا
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِاسْتِدَامَةِ الشُّفْعَةِ لَا لِأَصْلِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَلِهَذَا قال فَإِنْ أخره ( ( ( أخبره ) ) ) سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ انْتَهَى
الثَّانِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كان عُذْرٌ مِثْلَ أَنْ لَا يَعْلَمَ أو عَلِمَ لَيْلًا فَأَخَّرَهُ إلَى الصُّبْحِ أو أَخَّرَهُ لِشِدَّةِ جُوعٍ أو عَطَشٍ حتى أَكَلَ أو شَرِبَ أو أَخَّرَهُ لِطَهَارَةٍ أو إغْلَاقِ بَابٍ أو لِيَخْرُجَ من الْحَمَّامِ أو
____________________
(6/261)
لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أو لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ وَيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ وَسُنَّتِهَا أو لِيَشْهَدَهَا في جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا وَنَحْوَ ذلك
وفي التَّلْخِيصِ احْتِمَالٌ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وهو كما قال فَلَا تَسْقُطُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا عِنْدَهُ في هذه الْأَحْوَالِ فَمُطَالَبَتُهُ مُمْكِنَةٌ ما عَدَا الصَّلَاةِ وَلَيْسَ عليه تَخْفِيفُهَا وَلَا الِاقْتِصَارُ على أَقَلِّ ما يُجْزِئُ
ثُمَّ إنْ كان غَائِبًا عن الْمَجْلِسِ حَاضِرًا في الْبَلَدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَ على الطَّلَبِ وَيُبَادِرَ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ
فَإِنْ بَادَرَ هو أو وَكِيلُهُ من غَيْرِ إشْهَادٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ على شُفْعَتِهِ صَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ وهو ظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ في آخَرِينَ
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وَيَأْتِي هل يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ أَمْ لَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ
وَأَمَّا إنْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ سَقَطَ بِلَا نِزَاعٍ وَالْحَالَةُ هذه لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ
وَإِنْ اقْتَصَرَ على الطَّلَبِ مُجَرَّدًا عن مُوَاجِهَةِ الْمُشْتَرِي قال الْحَارِثِيُّ فَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ
قال وَكَذَلِكَ قال أبو الْحَسَنِ بن الزَّاغُونِيِّ في الْمَبْسُوطِ وَنَقَلْته من خَطِّهِ فقال الذي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ ذلك يُغْنِي عن الْمُطَالَبَةِ بِمَحْضَرِ الْخَصْمِ فإن ذلك ليس بِشَرْطٍ في صِحَّةِ الْمُطَالَبَةِ
وهو ظَاهِرُ ما نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في رؤوس مَسَائِلِهِ وَالْقَاضِي أبي الْحُسَيْنِ في تَمَامِهِ
____________________
(6/262)
وَصَرَّحَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ لَكِنْ بِقَيْدِ الْإِشْهَادِ وهو الْمَنْصُوصُ من رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَالْأَثْرَمِ وَهَذَا اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ
وَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَاجَهَةُ وَلِهَذَا قال فَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عنهما كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا لَا يَعْجِزَانِ عن مُنَاطَقَةِ أَنْفُسِهِمَا بِالطَّلَبِ
وقد صَرَّحَ بِهِ في الْعُمْدَةِ فقال إنْ أَخَّرَهَا يَعْنِي الْمُطَالَبَةَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عنها لِغَيْبَةٍ أو حَبْسٍ أو مَرَضٍ فَيَكُونُ على شُفْعَتِهِ مَتَى قَدَرَ عليها انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
يَعْنِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقد تَقَدَّمَتْ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ على التَّرَاخِي
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وهو غَائِبٌ فَيَشْهَدَ على الطَّلَبِ بها ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إمْكَانِهِ أو لم يَشْهَدْ لَكِنَّهُ سَارَ في طَلَبِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
شَمَلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْهَدَ على الطَّلَبِ حين يَعْلَمُ وَيُؤَخِّرُ الطَّلَبَ بَعْدَهُ مع إمْكَانِهِ فَأَطْلَقَ في سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
إحْدَاهُمَا لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ
____________________
(6/263)
وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيِّ وقال هذا الْمَذْهَبُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَسْقُطُ إذَا لم يَكُنْ عُذْرٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا حَكَى الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ الْقَاضِي
قال الْحَارِثِيُّ ولم يَحْكِهِ أَحَدٌ عن الْقَاضِي سِوَاهُ وَاَلَّذِي عَرَفْت من كَلَامِ الْقَاضِي خِلَافَهُ
وَنَقَلَ كَلَامَهُ من كُتُبِهِ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي حَكَاهُ في الْمُغْنِي عنه إنَّمَا قَالَهُ في الْمُجَرَّدِ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ أَشْهَدَ على الطَّلَبِ وَلَيْسَ بِالْمَسْأَلَةِ نَبَّهْت عليه خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِنَقْلِ الْوَجْهِ الذي أَوْرَدَهُ انْتَهَى
الثَّانِي قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قال في الْمُغْنِي وَإِنْ أَخَّرَ الْقُدُومَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ وهو صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ الطَّلَبَ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ بِخِلَافِ الْقُدُومِ فإنه مُمْكِنٌ وَتَأْخِيرُ ما يُمْكِنُ لِإِسْقَاطِهِ الشُّفْعَةَ وَجْهٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ ما لَا يُمْكِنُ انْتَهَى
وَكَذَلِكَ الْحَارِثِيُّ مِثْلُ بِمَا لو تَرَاخَى السَّيْرُ انْتَهَى
فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ إذَا وُجِدَ عُذْرٌ مِثْلَ أَنْ لَا يَجِدَ من يُشْهِدُهُ أو وُجِدَ من لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا أو وُجِدَ من لَا يُقْدِمُ معه إلَى مَوْضِعِ الْمُطَالَبَةِ لم تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ
وَإِنْ لم يَجِدْ إلَّا مَسْتُورِي الْحَالِ فلم يَشْهَدْهُمَا فَهَلْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَمْ لَا فيه احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ
____________________
(6/264)
قُلْت الصَّوَابُ أنها لَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ شَهَادَةَ مَسْتُورِي الْحَالِ لَا تُقْبَلُ فَهُمَا كَالْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ أَشْهَدَهُمَا لم تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَلَوْ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا
وَكَذَلِكَ إنْ لم يَقْدِرْ إلَّا على شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَأَشْهَدَهُ أو تَرَكَ إشْهَادَهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال الْحَارِثِيُّ وَإِنْ وَجَدَ عَدْلًا وَاحِدًا فَفِي الْمُغْنِي إشْهَادُهُ وَتَرْكُ إشْهَادِهِ سَوَاءٌ قال وهو سَهْوٌ فإن شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَعْمُولٌ بها مع يَمِينِ الطَّالِبِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُهَا
وَلَوْ قَدَرَ على التَّوْكِيلِ فلم يُوَكِّلْ فَهَلْ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَبْطُلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ لَفْظُ الطَّالِبِ أنا طَالِبٌ أو مُطَالِبٌ أو آخُذُ بِالشُّفْعَةِ أو قَائِمٌ على الشُّفْعَةِ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا كان غَائِبًا فَسَارَ حين عَلِمَ في طَلَبِهَا ولم يَشْهَدْ مع الْقُدْرَةِ على الْإِشْهَادِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في سُقُوطِهَا وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَسْقُطُ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ
____________________
(6/265)
قال الْقَاضِي إنْ سَارَ عَقِبَ عِلْمِهِ إلَى الْبَلَدِ الذي فيه الْمُشْتَرِي من غَيْرِ إشْهَادٍ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَبْطُلَ شُفْعَتُهُ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يُبَادِرُ إلَيْهَا بِالْمُضِيِّ الْمُعْتَادِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ حَمَّامٍ وَطَعَامٍ وَنَافِلَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ بَلَى وَكَذَا الْحَكَمُ لو كان غَائِبًا عن الْمَجْلِسِ حَاضِرًا في الْبَلَدِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قال الْحَارِثِيُّ حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَكَذَا أبو الْخَطَّابِ وَإِنَّمَا هُمَا رِوَايَتَانِ
ثُمَّ قال وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ في كَلَامِهِمَا احْتِمَالَانِ أَوْرَدَهُمَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالِاحْتِمَالَانِ إنَّمَا أَوْرَدَهُمَا في الْإِشْهَادِ على السَّيْرِ لِلطَّلَبِ وَذَلِكَ مُغَايِرٌ لِلْإِشْهَادِ على الطَّلَبِ حين الْعِلْمِ وَلِهَذَا قال ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَعِنْدَ إمْكَانِهِ أَبَى السَّيْرَ لِلطَّلَبِ مُوَاجِهَةً فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْخِلَافِ في الطَّلَبِ الْأَوَّلِ مُتَلَقًّى عن الْخِلَافِ في الطَّلَبِ الثَّانِي انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ ولم يَعْتَبِرْ في الْمُحَرَّرِ إشْهَادًا فِيمَا عَدَا هذا وَالْإِشْهَادُ على الطَّلَبِ عِنْدَهُ عِبَارَةٌ عن ذلك وهو خِلَافُ ما قال الْأَصْحَابُ
وَأَيْضًا فَالْإِشْهَادُ على ما قال ليس إشْهَادًا على الطَّلَبِ في الْحَقِيقَةِ بَلْ هو إشْهَادٌ على فِعْلٍ يَتَعَقَّبُهُ الطَّلَبُ
الثَّانِي اسْتَفَدْنَا من قُوَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذا عَلِمَ وَأَشْهَدَ عليه بِالطَّلَبِ وَسَارَ في طَلَبِهَا عِنْدَ إمْكَانِهِ أنها لَا تَسْقُطُ وهو صَحِيحٌ
وَكَذَا لو أَشْهَدَ عليه وَسَارَ وَكِيلُهُ وَكَذَا لو تَرَاخَى السَّيْرُ لِعُذْرٍ
فَوَائِدُ
إحداها لو لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عليه ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالطَّلَبِ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
____________________
(6/266)
وَكَذَا لو قال بَعْدَ السَّلَامِ بَارَكَ اللَّهُ لَك في صَفْقَتِك ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَكَذَا لو دَعَا له بِالْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ تَسْقُطُ بِذَلِكَ
الثَّانِيَةُ الْحَاضِرُ الْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ كَالْغَائِبِ في اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فَإِنْ تَرَكَ فَفِي السُّقُوطِ ما مر من الْخِلَافِ
الثَّالِثَةُ لو نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ أو الْبَيْعَ أو جَهِلَهَا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قال في الْمُغْنِي إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ نِسْيَانًا له أو لِلْبَيْعِ أو تَرَكَهُ جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَقَاسَهُ هو وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي على الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أنها لَا تَسْقُطُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وقال يَحْسُنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ على الرِّوَايَتَيْنِ في خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ إذَا مَكَّنْته من الْوَطْءِ جَهْلًا بِمِلْكِهَا لِلْفَسْخِ على ما يَأْتِي
وَإِنْ أَخَّرَهُ جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ فَإِنْ كان مثله لَا يَجْهَلُهُ سَقَطَتْ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ كان مثله يَجْهَلُهُ فقال في التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا تَسْقُطُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ
قُلْت وهو الصواب ( ( ( الصوب ) ) )
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَسْقُطُ
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قبل عِلْمِهِ
وَلَوْ قال له بِكَمْ اشْتَرَيْت أو اشْتَرَيْت رَخِيصًا فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(6/267)
قُلْت قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي سُقُوطَهَا مع عِلْمِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هو فَهُوَ على شُفْعَتِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أنها تَسْقُطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أخبره من يُقْبَلُ خَبَرُهُ فلم يُصَدِّقْهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
إذَا أخبره عَدْلٌ وَاحِدٌ فلم يُصَدِّقْهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَالْمَجْدُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي
قال في التَّلْخِيصِ بِنَاءً على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ في الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالرِّسَالَةِ هل يُقْبَلُ منها خَبَرُ الْوَاحِدِ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ
قُلْت الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فيها من اثْنَيْنِ على ما يَأْتِي في بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّانِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا غَيْرُ الصَّحِيحِ هُنَاكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(6/268)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال الْقَاضِي هُمَا كَالْفَاسِقِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَإِلْحَاقُ الْعَبْدِ بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ غَلَطٌ لِكَوْنِهِ من أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ انْتَهَى
وَإِنْ أخبره ( ( ( أخبر ) ) ) مَسْتُورُ الْحَالِ سَقَطَتْ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَإِنْ أخبره فَاسِقٌ أو صَبِيٌّ لم تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ
إذَا عَلِمْت ذلك فإذا تَرَكَ تَكْذِيبًا لِلْعَدْلِ أو الْعَدْلَيْنِ على ما مَرَّ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا ما أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
قال وَيَتَّجِهُ التَّقْيِيدُ بِمَا إذَا كانت الْعَدَالَةُ مَعْلُومَةً أو ظَاهِرَةً لَا تَخْفَى على مِثْلِهِ
أَمَّا إنْ جَهِلَ أو كانت بِمَحَلِّ الْخَفَاءِ أو التَّرَدُّدِ فَالشُّفْعَةُ بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ الْعُذْرِ
هذا كُلُّهُ إذَا لم يَبْلُغْ الْخَبَرُ حَدَّ التَّوَاتُرِ أَمَّا إنْ بَلَغَ فَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِالتَّرْكِ وَلَا بُدَّ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً على ما لَا يَخْفَى انْتَهَى
التَّنْبِيهُ الثَّانِي مَحَلُّ ما تَقَدَّمَ إذَا لم يُصَدِّقْهُ
أَمَّا إنْ صَدَّقَهُ ولم يُطَالِبْ بها فَإِنَّهَا تَسْقُطُ سَوَاءٌ كان الْمُخْبِرُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ أو يُقْبَلُ لِأَنَّ الْعِلْمَ قد يَحْصُلُ بِخَبَرِ من لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ لِقَرَائِنَ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ أو قال لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي ما اشْتَرَيْت أو صَالِحْنِي سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
إذَا قال لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي ما اشْتَرَيْت أو هَبْهُ لي أو ائْتَمِنِّي عليه سَقَطَتْ
____________________
(6/269)
شُفْعَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَالْحَارِثِيِّ وقال يَقْوَى عِنْدِي انْتِفَاءُ السُّقُوطِ كَقَوْلِ أَشْهَبَ صَاحِبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
وَإِنْ قال صَالِحْنِي عليه سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ في بَابِ الصُّلْحِ
وَكَذَا جَزَمَ بِهِ هُنَاكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ هُنَاكَ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ أَيْضًا
وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ الصُّلْحِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وهو وَاضِحٌ
أَمَّا الصُّلْحُ عنها بِعِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في بَابِ الصُّلْحِ
فَائِدَةٌ لو قال بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت أو وَلِّهِ إيَّاهُ أو هَبْهُ له وَنَحْوَ هذا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ
وَكَذَا لو قال اكرني أو سَاقِنِي أو اكْتَرَى منه أو سَاقَاهُ
وَإِنْ قال إنْ بَاعَنِي وَإِلَّا فَلِي الشُّفْعَةُ فَهُوَ كما لو قال بِعْنِي قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ لم يَبِعْهُ أنها لَا تَسْقُطُ
وَلَوْ قال له الْمُشْتَرِي بِعْتُك أو وَلَّيْتُك فَقَبِلَ سَقَطَتْ
____________________
(6/270)
قَوْلُهُ وَإِنْ دَلَّ في الْبَيْعِ أو تَوَكَّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ
وَإِنْ دَلَّ على الْبَيْعِ أَيْ صَارَ دَلَّالًا وهو السَّفِيرُ في الْبَيْعِ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ تَوَكَّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهُوَ على شُفْعَتِهِ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ قال الْأَصْحَابُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ
قال في الْفُرُوعِ لَا تَسْقُطُ بِتَوْكِيلِهِ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
وَقِيلَ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ إذَا كان وَكِيلًا لِلْبَائِعِ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ إذَا كان وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ وَحِكَايَةُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ عَدَمُ السُّقُوطِ وَكَذَا هو في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ غَرِيبٌ من الْحَارِثِيِّ فإنه إذَا لم يَطَّلِعْ على الْمَكَانِ الذي نَقَلَ منه الْمُصَنِّفُ تَكَلَّمَ في ذلك وَاعْتَرَضَ على الْمُصَنِّفِ وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ فإن الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ له أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ في كُتُبِهِ وقد تَكُونُ في غَيْرِ أَمَاكِنِهَا
وقد تَقَدَّمَ له نَظِيرُ ذلك في مَسَائِلَ
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال في صُورَةِ الْبَيْعِ يَنْبَنِي على اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ في الشِّرَاءِ من نَفْسِهِ إنْ قُلْنَا لَا فَلَا شُفْعَةَ وَإِنْ قُلْنَا نعم فَنَعَمْ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قبل الْبَيْعِ لم تَسْقُطْ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/271)
قال الزَّرْكَشِيُّ عليه الْأَصْحَابُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا أبو بَكْرٍ في الشَّافِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فيها حَظٌّ لم تَسْقُطْ وَلَهُ الْأَخْذُ بها إذَا كَبِرَ وَإِنْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فيها سَقَطَتْ
هذا أَحَدُ الْوُجُوهِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ
وَقِيلَ تَسْقُطُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ الْأَخْذُ إذَا كَبِرَ اخْتَارَهُ بن بَطَّةَ وكان يُفْتِي بِهِ نقله ( ( ( نقل ) ) ) عنه أبو حَفْصٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا وَلَهُ الْأَخْذُ بها إذَا كَبِرَ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قال في الْمُحَرَّرِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ
قال في الْخُلَاصَةِ وإذا عَفَا وَلِيُّ الصَّبِيِّ عن شُفْعَتِهِ لم تَسْقُطْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدِي وَإِنْ كان الْأَصْحَابُ على خِلَافِهِ لِنَصِّهِ في خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ على ما بَيَّنَّا
قال في الْفُرُوعِ فَنَصُّهُ لَا تَسْقُطُ وَقِيلَ بَلَى
وَقِيلَ مع عَدَمِ الْحَظِّ وَأَطْلَقَهُنَّ بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ
فَوَائِدُ
منها لو بِيعَ شِقْصٌ في شِرْكَةِ حَمْلٍ فَالْأَخْذُ له مُتَعَذِّرٌ إذْ لَا يَدْخُلُ في
____________________
(6/272)
مِلْكِهِ بِذَلِكَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَمِنْهَا الْأَخْذُ لِلْحَمْلِ بِالشُّفْعَةِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ قال الْأَصْحَابُ لَا يُؤْخَذُ له
ثُمَّ منهم من عَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَمِنْهُمْ من عَلَّلَ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ
قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْأَخْذِ له بِالشُّفْعَةِ بِنَاءً على أَنَّ له حُكْمًا وَمِلْكًا انْتَهَى
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إذَا وُلِدَ وَكَبِرَ فَلَهُ الْأَخْذُ إذَا لم يَأْخُذْ له الْوَلِيُّ كَالصَّبِيِّ
وَمِنْهَا لو أَخَذَ الْوَلِيُّ بِالشُّفْعَةِ وَلَا حَظَّ فيها لم يَصِحَّ الْأَخْذُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَإِلَّا اسْتَقَرَّ أَخْذُهُ
وَمِنْهَا لو كان الْأَخْذُ أَحَظَّ لِلْوَلَدِ لَزِمَ وَلِيَّهُ الْأَخْذُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرُوهُ في آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ
قال الْحَارِثِيُّ عليه الْأَصْحَابُ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وقال غَيْرُ الْمُصَنِّفِ له الْأَخْذُ من غَيْرِ لُزُومٍ
وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على ما قَالُوهُ في الْحَجْرِ في الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا
وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْتَقِرُّ أَخْذُهُ وَيَلْزَمُ في حَقِّ الصَّبِيِّ
وَلَوْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ مَصْلَحَةً إمَّا لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِأَكْثَرَ من الْقِيمَةِ أو لِأَنَّ الثَّمَنَ يَحْتَاجُ إلَى إنْفَاقِهِ أو صَرْفِهِ فِيمَا هو أَهَمُّ أو لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يُرْغَبُ في مِثْلِهِ أو لِأَنَّ أَخْذَهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ ما إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أو إلَى اسْتِقْرَاضِ ثَمَنِهِ وَرَهْنِ مَالِهِ أو إلَى ضَرَرٍ وَفِتْنَةٍ وَنَحْوِ ذلك فَالتَّرْكُ مُتَعَيَّنٌ
وَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ الْأَخْذُ عِنْدَ الْبُلُوغِ وهو مَقْصُودُ الْمَسْأَلَةِ
قال الْمُصَنِّفُ عن بن حَامِدٍ نعم وَاخْتَارَهُ بن بَطَّةَ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(6/273)
قال بن عَقِيلٍ وهو أَصَحُّ عِنْدِي
قال في الْفُرُوعِ لم يَصِحَّ على الْأَصَحِّ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ السُّقُوطِ وَمَالَ إلَيْهِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ
وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ يُحْكَمُ لِلصَّغِيرِ بِالشُّفْعَةِ إذَا بَلَغَ وَنَحْوُهُ عِبَارَةُ بن أبي مُوسَى وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذلك قبل ذلك
وَمِنْهَا لو عَفَا الْوَلِيُّ عن الشُّفْعَةِ التي فيها حَظٌّ له ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهَا فَلَهُ ذلك في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( وللشارح ) ) )
قُلْت فَقَدْ يُعَايَى بها
وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ في ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ فيها مَصْلَحَةٌ لم يَمْلِكْهُ لِاسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ
وَإِنْ تَجَدَّدَ الْحَظُّ فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ أَخَذَ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَإِنْ قِيلَ بِالسُّقُوطِ لم يَأْخُذْ بِحَالٍ لِانْقِطَاعِ الْحَقِّ بِالتَّرْكِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا حُكْمُ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ وَالسَّفِيهِ حُكْمُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ الْمُطْبَقُ هو الذي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ حَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ وقال هو الْأَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ وَبِأُصُولِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ شُيُوخَنَا الْأَوَائِلَ قالوا في المعضوب ( ( ( المغصوب ) ) ) الذي يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عنه هو الذي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ
وَحَكَى عن قَوْمٍ تَحْدِيدَ الْمُطْبَقِ بِالْحَوْلِ فما زَادَ قِيَاسًا على تَرَبُّصِ الْعُنَّةِ
وَعَنْ قَوْمٍ التَّحْدِيدُ بِالشَّهْرِ وما نَقَصَ مُلْحَقٌ بِالْإِغْمَاءِ ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ
وَمِنْهَا حُكْمُ الْمُغْمَى عليه وَالْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبَقِ حُكْمُ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ يَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُمَا
____________________
(6/274)
وَمِنْهَا لِلْمُفْلِسِ الأخذ ( ( ( للأخذ ) ) ) بها والعفو ( ( ( وللعفو ) ) ) عنها وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ إجْبَارُهُ على الْأَخْذِ بها ولو ( ( ( وكان ) ) ) كان فيها حَظٌّ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَيَتَخَرَّجُ من إجْبَارِهِ على التَّكَسُّبِ إجْبَارُهُ على الْأَخْذِ إذَا كان أَحَظَّ لِلْغُرَمَاءِ انْتَهَى
وَلَيْسَ لهم الْأَخْذُ بها
وَمِنْهَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَخْذُ وَالتَّرْكُ وَلِلْمَأْذُونِ له من الْعَبِيدِ الْأَخْذُ دُونَ التَّرْكِ وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ سَقَطَتْ
وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ هل يَأْخُذُ السَّيِّدُ بِالشُّفْعَةِ من الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ له
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الشَّرْطُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ من كَوْنِهِ ليس شَرْطًا لِأَصْلِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فإن أَخْذَ الْجَمِيعِ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ وَالنَّظَرُ في كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ فَرْعُ اسْتِقْرَارِهِ فَيَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ شَرْطًا لِثُبُوتِ أَصْلِهِ
قال وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِلِاسْتِدَامَةِ كما في الذي قَبْلَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ جميعا تَفَاوُتُ الشُّفْعَةِ بِتَفَاوُتِ الْحِصَصِ
قال في الْفَائِقِ الشُّفْعَةُ بِقَدْرِ الْحَقِّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمَا
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قُلْت منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وأبو حَفْصٍ وَالْقَاضِي
____________________
(6/275)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ
وَعَنْهُ الشُّفْعَةُ على عَدَدِ الرؤوس ( ( ( الرءوس ) ) ) اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ فقال في الْفُصُولِ هذا الصَّحِيحُ عِنْدِي
وَرَوَى الْأَثْرَمُ عنه الْوَقْفَ في ذلك حَكَاهُ الْحَارِثِيُّ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ لم يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الْكُلَّ أو يَتْرُكَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا
وَكَذَا لو حَضَرَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ وَغَابَ الْبَاقُونَ
فقال الْأَصْحَابُ ليس له إلَّا أَخْذَ الْكُلِّ أو التَّرْكِ
قال الْحَارِثِيُّ وَإِطْلَاقُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْتَظِرُ بِالْغَالِبِ من رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ على حِصَّتِهِ
قال وَهَذَا أَقْوَى وَالتَّفْرِيعُ على الْأَوَّلِ
فقال في التَّلْخِيصِ ليس له تَأْخِيرُ شَيْءٍ من الثَّمَنِ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِينَ
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَاهُمَا
أَحَدُهُمَا لَا يُؤَخِّرُ شيئا فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ حَقُّهُ من الشُّفْعَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي له ذلك وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ وهو ما أَوْرَدَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
فَإِنْ كان الْغَائِبُ اثْنَيْنِ وَأَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ النِّصْفَ من الْحَاضِرِ أو الْعَفْوَ
فَإِنْ أَخَذَ ثُمَّ قَدِمَ الْآخَرُ فَلَهُ مُقَاسَمَتُهُمَا يَأْخُذُ من كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَ ما في يَدِهِ هَكَذَا قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال بن الزَّاغُونِيِّ الْقَادِمُ بِالْخِيَارِ بين الْأَخْذِ من الْحَاضِرِ وَبَيْنَ نَقْضِ
____________________
(6/276)
شُفْعَتِهِ في قَدْرِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُ من الْمُشْتَرِي إنْ تَرَاضَوْا على ذلك وَإِلَّا نَقَضَ الْحَاكِمُ كما قُلْنَا ولم يُجْبَرْ الْحَاضِرُ على التَّسْلِيمِ إلَى الْقَادِمِ
قال وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا حَكَاهُ في كِتَابِ الشُّرُوطِ
ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا فعهدة ( ( ( فهذه ) ) ) الثَّلَاثَةُ على الْمُشْتَرِي قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
وَكَلَامُ بن الزَّاغُونِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ عُهْدَةَ كل وَاحِدٍ مِمَّنْ تَسَلَّمَ منه
وإذا أَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ على حِصَّتِهِ وَامْتَنَعَ من أَخْذِ النِّصْفِ فقال أَصْحَابُنَا له ذلك
فإذا أَخَذَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ الثَّانِي فَإِنْ أَخَذَ من الْحَاضِرِ سَهْمَيْنِ ولم يَتَعَرَّضْ لِلْقَادِمِ الْأَوَّلِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ تَعَرَّضَ فقال الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ له أَنْ يَأْخُذَ منه ثُلُثَيْ سَهْمٍ وهو ثُلُثُ ما في يَدِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ يَأْخُذُ الثَّانِي من الْحَاضِرِ نِصْفَ ما في يَدِهِ وهو الثُّلُثُ قال وهو أَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ
مِثَالُ ذلك أَنْ تَكُونَ الدَّارُ بين ثَلَاثَةٍ فَيَشْتَرِي أَحَدُهُمْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَالشِّقْصُ بين الْمُشْتَرِي وَشَرِيكِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا أَعْلَمُ فيه نِزَاعًا
لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ عَبَّرَ في الْمَتْنِ عن هذا بِقَوْلِهِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ
وكذا عَبَّرَ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ فإن حَقِيقَةَ الشُّفْعَةِ انْتِزَاعُ الشِّقْصِ من يَدِ من انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وهو مُتَخَلِّفٌ في حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ هذا
قَوْلُهُ وإذا كانت دَارًا بين اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَتَيْنِ ثُمَّ عَلِمَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بالبيعين ( ( ( باليمين ) ) ) وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا
____________________
(6/277)
قَالَهُ الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَهِيَ تَعَدُّدُ الْعَقْدِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّانِي شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي في شُفْعَتِهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ فيها اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وهو إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عن الْأَوَّلِ شَارَكَهُ في الثَّانِي
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا لم يُشَارِكْهُ في شُفْعَةِ الْأَوَّلِ بِلَا نِزَاعٍ
وَهَلْ يُشَارِكُهُ في شُفْعَةِ الثَّانِي على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا يُشَارِكُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا
إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ بِأَنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ أو جَمَاعَةٌ شِقْصًا من وَاحِدٍ فقال بن الزَّاغُونِيِّ في الْمَبْسُوطِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ على أَنَّ شِرَاءَ الِاثْنَيْنِ من الْوَاحِدِ عَقْدَانِ وَصَفْقَتَانِ فَلِلشَّفِيعِ إذَنْ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَتَرْكُ الْبَاقِي كما قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(6/278)
وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَارِثِيِّ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ هو عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا الْكُلَّ أو يَتْرُكُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اشْتَرَى الْوَاحِدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوِكَالَةِ شِقْصًا من وَاحِدٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِتَعَدُّدِ من وَقَعَ الْعَقْدُ له وَكَذَا ما لو كان وَكِيلًا لِاثْنَيْنِ وَاشْتَرَى لَهُمَا
وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
الثَّانِيَةُ لو بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ من ثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ من الْجَمِيعِ وَمِنْ الْبَعْضِ
فَإِنْ أَخَذَ من الْبَعْضِ فَلَيْسَ لِمَنْ عَدَاهُ الشَّرِكَةُ في الشُّفْعَةِ
وَإِنْ بَاعَ كُلًّا منهم على حِدَةٍ ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ فَلَهُ الْأَخْذُ من الْكُلِّ وَمِنْ الْبَعْضِ
فَإِنْ أَخَذَ من الْأَوَّلِ فَلَا شَرِكَةَ لِلْآخَرِينَ وَإِنْ أَخَذَ من الثَّانِي فَلَا شَرِكَةَ لِلثَّالِثِ وَلِلْأَوَّلِ الشَّرِكَةُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وفي الْآخَرِ لَا
وَإِنْ أَخَذَ من الثَّالِثِ فَفِي شَرِكَةِ الْأَوَّلَيْنِ الْوَجْهَانِ
وَإِنْ أَخَذَ من الْكُلِّ فَفِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ في الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالثَّانِي في الثَّالِثِ وَجْهَانِ
فَإِنْ قِيلَ بِالشَّرِكَةِ وَالْمَبِيعُ متساوي ( ( ( متساو ) ) ) فَالسُّدُسُ الْأَوَّلُ لِلشَّفِيعِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّانِي وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثَّالِثِ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ رُبُعُ السُّدُسِ الثَّانِي وَخُمُسُ الثَّالِثِ وَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي الْخُمُسُ الْبَاقِي من الثَّالِثِ
وَتَصِحُّ من مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِلشَّفِيعِ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ
____________________
(6/279)
وَإِنْ قِيلَ بالرؤوس ( ( ( بالرءوس ) ) ) فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ نِصْفُ السُّدُسِ الثَّانِي وَثُلُثُ الثَّالِثِ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ الْبَاقِي من الثَّالِثِ فَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِلشَّفِيعِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلثَّانِي خَمْسَةٌ وَلِلثَّالِثِ اثْنَانِ ذَكَرَ ذلك الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ أو اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ من أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَالشَّرِيكُ وَاحِدٌ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا تَعَدُّدُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ بِأَنْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا من وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ عليه الْأَصْحَابُ حتى الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ لِتَوَقُّفِ نَقْلِ الْمِلْكِ عن كل وَاحِدٍ من الْبَائِعَيْنِ على عَقْدٍ فَمَلَكَ الِاقْتِصَارَ على أَحَدِهِمَا كما لو كَانَا مُتَعَاقِبَيْنِ أو الْمُشْتَرِي اثْنَانِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ حَفِيدِهِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَغَيْرُهُمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أو التَّرْكُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ورؤوس ( ( ( ورءوس ) ) ) الْمَسَائِلِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ له أَخْذُ أَحَدِهِمَا هُنَا دُونَ التي بَعْدَهَا جَزَمَ بِهِ في الْفُنُونِ وَقَاسَهُ على تَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي بِكَلَامٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَهِيَ تَعَدُّدُ الْبَائِعِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ التَّعَدُّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ بِأَنْ بَاعَ شِقْصَيْنِ من دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً
____________________
(6/280)
من وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُمَا جميعا وَإِنْ أَخَذَ أَحَدَهُمَا فَلَهُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَحَفِيدُهُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَغَيْرُهُمْ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له أَخْذُ أَحَدِهِمَا وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
قال بَعْضُهُمْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَهِيَ تَعَدُّدُ الْمَبِيعِ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ إنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا لِتَرْكِ الْبَعْضِ مع إمْكَانِ أَخْذِ الْكُلِّ وَكَمَا لو كان شِقْصًا وَاحِدًا
تَنْبِيهٌ هذا إذَا اتَّحَدَ الشَّفِيعُ فَإِنْ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَفِيعٌ فَلَهُمَا أَخْذُ الْجَمِيعِ وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ على الْقِيمَةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْجَمِيعِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
نعم له الِاقْتِصَارُ على ما هو شَرِيكٌ فيه بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَافَقَهُ الْآخَرُ بِالْأَخْذِ أو خَالَفَهُ
وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ انْتِفَاءَ الشُّفْعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ من مَسْأَلَةِ الشِّقْصِ وَالسَّيْفِ
فَائِدَةٌ بَقِيَ مَعَنَا لِلتَّعَدُّدِ صُورَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا من اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالتَّعَدُّدُ وَاقِعٌ من الطَّرَفَيْنِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ
قال الْحَارِثِيُّ وَلِهَذَا قال أَصْحَابُنَا هِيَ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ صَفَقَاتٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقَالَا هِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ إذْ عَقْدُ الْوَاحِدِ مع الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ
____________________
(6/281)
الْكُلِّ أو ما شَاءَ مِنْهُمَا وَذَلِكَ خَمْسَةٌ أَخِيرَةٌ أَخْذُ الْكُلِّ أَخْذُ نِصْفِهِ وَرُبُعِهِ مِنْهُمَا أَخْذُ نِصْفِهِ مِنْهُمَا أَخْذُ نِصْفِهِ من أَحَدِهِمَا أَخْذُ رُبُعِهِ من أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا
وَقِيلَ ذلك عَقْدَانِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَالْمَبِيعُ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ والمشتري فعلى وجهين
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ
وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَعْدَهُ بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
فَائِدَةٌ أَخْذُ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ لَا يُثْبِتُ خِيَارَ التَّفْرِيقِ لِلْمُشْتَرِي قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ بن حَامِدٍ اخْتَارَ أَنَّهُ إنْ كان تَلَفُهُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ له أَخْذُهُ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كما نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عنه
فَائِدَةٌ لو تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ من الْعُيُوبِ الْمُنْقِصَةِ لِلثَّمَنِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلَيْسَ له الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ او التَّرْكِ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ له الْأَخْذُ بِالْحِصَّةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ
قال الْحَارِثِيُّ وَأَظُنُّ أو أَجْزِمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ قال وهو الصَّحِيحُ
____________________
(6/282)
قَوْلُهُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ فَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا على صَاحِبِهِ بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّبْقَ فَتَحَالَفَا أو تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ في تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ
فَإِنْ قِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَقَضَى له
وَإِنْ قِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقِسْمَةِ فَلَا أَثَرَ لها ها هنا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَيْنَهُمَا مُنْقَسِمَةٌ إلَّا أَنْ تَتَفَاوَتَ الشَّرِكَةُ فَيُفِيدَ التَّنْصِيفُ وَلَا يَمِينَ إذًا على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
إذَا بِيعَ طِلْقٌ في شَرِكَةِ وَقْفٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْقُوفُ عليه لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ نَقُولَ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ أو لَا
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وهو الْمَذْهَبُ على ما يَأْتِي فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ هُنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ له جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وبن عَقِيلٍ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في آخَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وقال أبو الْخَطَّابِ له الشُّفْعَةُ
قال الْحَارِثِيُّ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ على قَوْلِنَا بِالْمِلْكِ هو الْحَقُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ فَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من
____________________
(6/283)
الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ له الشُّفْعَةُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
اخْتَارَ في التَّرْغِيبِ إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إقرار ( ( ( إفراز ) ) ) وَجَبَتْ هِيَ وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا
فَعَلَى هذا الْأَصَحِّ يُؤْخَذُ بها مَوْقُوفٌ جَازَ بَيْعُهُ
قال في التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ أبي الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمَ وَيَتَخَرَّجُ عِنْدِي وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ في الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أَنَّهُ هل يُقَسَّمُ الْوَقْفُ وَالطِّلْقُ أَمْ لَا
فَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ قُسِّمَ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَلَا قِسْمَةَ وَلَا شُفْعَةَ انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الطَّرِيقَتَيْنِ هذا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ على الْمَذْهَبِ في جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ من الطِّلْقِ
أَمَّا على الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ القسمة ( ( ( القسم ) ) ) فَلَا شُفْعَةَ إذ ( ( ( إذا ) ) ) لَا شُفْعَةَ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ من الْعَقَارِ
وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ على الْخِلَافِ في قَبُولِ الْقِسْمَةِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ هذه الطَّرِيقَةُ التي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ إنْ قُلْنَا الْمَوْقُوفُ عليه يَمْلِكُ الْوَقْفَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أو لَا يَمْلِكُ فَلَا شُفْعَةَ هِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ
وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ أَمْ لَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرُهُ
وَمِنْهُمْ من قال إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا شُفْعَةَ
وَإِنْ قِيلَ بِالْمِلْكِ فَوَجْهَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ لَكِنْ بَنَاهُ على ما تَقَدَّمَ
____________________
(6/284)
قَوْلُهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي في الْمَبِيعِ قبل الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أو هِبَةٍ وَكَذَا بِصَدَقَةٍ سَقَطَتْ وكذا لو أَعْتَقَهُ
نَصَّ عليه وَقُلْنَا فيه الشُّفْعَةُ على ما تَقَدَّمَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في الْجَمِيعِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ وقال أَصْحَابُنَا إنْ تَصَرَّفَ بِالْهِبَةِ أو الصَّدَقَةِ أو الْوَقْفِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
فقال بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ
% جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ على هذا النَّمَطِ % وَالْقَاضِي قال النَّصُّ في الْوَقْفِ فَقَطْ %
وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَلَوْ بَنَى حِصَّتَهُ مَسْجِدًا كان الْبِنَاءُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَقَعَ في غَيْرِ مِلْكٍ تَامٍّ له هذا لَفْظُهُ
قال الْمُصَنِّفُ الْقِيَاسُ قَوْلُ أبي بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوِيٌّ جِدًّا
وقال حَكَى الْقَاضِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قال في التَّنْبِيهِ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يُقِرَّهُ على ما تَصَرَّفَ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ التَّصَرُّفَ فَإِنْ كان وَقْفًا على قَوْمٍ فَسَخَهُ وَإِنْ كان مَسْجِدًا نَقَضَهُ اعْتِبَارًا بِهِ لو تَصَرَّفَ بِالْبَيْعِ
قال وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عليه
وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عنه
قال ولم أَرَ هذا في التَّنْبِيهِ إنَّمَا فيه ما ذَكَرْنَا أَوَّلًا من بُطْلَانِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَبَيْنَهُمَا من الْبَوْنِ ما لَا يَخْفَى انْتَهَى
وقال في الْفَائِقِ وَخَصَّ الْقَاضِي النَّصَّ بِالْوَقْفِ ولم يَجْعَلْ غَيْرَهُ مُسْقِطًا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا انْتَهَى
____________________
(6/285)
قال في الْفُصُولِ وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَضَعَّفَهُ بِوَقْفِ غَصْبٍ أو مَرِيضٍ مَسْجِدًا
تَنْبِيهٌ قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ صَرَّحَ الْقَاضِي بِجَوَازِ الْوَقْفِ وَالْإِقْدَامِ عليه وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في مَسْأَلَةِ التَّحَيُّلِ على إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْرِيمُهُ وهو الْأَظْهَرُ انْتَهَى
قُلْت قد تَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ في ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يَسْقُطُ رَهْنُهُ الشُّفْعَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ الرَّهْنُ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال الْحَارِثِيُّ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الرَّهْنَ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وهو بَعِيدٌ عن نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فإنه أَبْطَلَ في الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ بِالْخُرُوجِ عن الْيَدِ وَالْمِلْكِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ خَارِجٍ عن الْمِلْكِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ انْتَهَى
وقال في الْفَائِقِ وَخَصَّ الْقَاضِي النَّصَّ بِالْوَقْفِ ولم يَجْعَلْ غَيْرَهُ مُسْقِطًا
اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَكَلَامُ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَكُلَّ عَقْدٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فيه لِلْوَقْفِ
قال يَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أو عِوَضًا عن خُلْعٍ انْبَنَى على الْوَجْهَيْنِ في الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ انْتَهَى
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ سُقُوطَهَا بِإِجَارَةٍ وَصَدَقَةٍ
الثَّانِيَةُ لو أَوْصَى بِالشِّقْصِ فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ قبل الْقَبُولِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(6/286)
وَإِنْ طَلَبَ ولم يَأْخُذْ بَعْدُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَإِنْ كان الموصى له قَبِلَ قبل أَخْذِ الشَّفِيعِ أو طَلَبِهِ فَكَمَا مَرَّ في الْهِبَةِ تَنْقَطِعُ الشُّفْعَةُ بها على الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَلَى المحكى عن أبي بَكْرٍ وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ عنه لَا تنقطع ( ( ( ينقطع ) ) ) وهو الْحَقُّ انْتَهَى
وهو مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ البيعين ( ( ( البيعتين ) ) ) شَاءَ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وقال بن أبي مُوسَى يَأْخُذُهُ مِمَّنْ هو في يَدِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ لِأَنَّهُ قال إذَا خَرَجَ من يَدِهِ وَمِلْكِهِ كَيْفَ يُسَلِّمُ
وَقِيلَ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ
وقال في آخِرِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي في الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ يَصِحُّ وَيَقِفُ على إجَازَةِ الشَّفِيعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ إذَا تَقَايَلَا الشِّقْصَ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي إنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ فَلَهُ الْأَخْذُ من أَيِّهِمَا شَاءَ
فَإِنْ أَخَذَ من الْمُشْتَرِي نَقَضَ الْإِقَالَةَ لِيَعُودَ الشِّقْصُ إلَيْهِ فَيَأْخُذَ منه وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في آخَرِينَ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(6/287)
قال الْحَارِثِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْإِقَالَةَ لِيَرْجِعَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذَ منه
قال الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ مَعَهَا
وقال بن أبي مُوسَى لِلشَّفِيعِ انْتِزَاعُهُ من يَدِ الْبَائِعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ الِانْتِزَاعُ من يَدِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مَعَهَا
وقد نَصَّ الْإِمَامُ احمد رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ على بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على أَنَّ الشَّفِيعَ عَفَا ولم يُطَالِبْ وَتَبِعَهُ بن عَقِيلٍ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَعِنْدِي أَنَّ الْكَلَامَ على ظَاهِرِهِ وَمَتَى تَقَايَلَا قبل
الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ لم تَجِبْ الشُّفْعَةُ وكذا قال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وزاد فَيَكُونُ على رِوَايَتَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْبُطْلَانُ هو الذي يَصِحُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَائِدَةٌ لو تَقَايَلَا بَعْدَ عَفْوِ الشَّفِيعِ ثُمَّ عَنَّ له الْمُطَالَبَةُ فَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ إنْ قِيلَ الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَلَا شَيْءَ له وَإِنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ تَجَدَّدَتْ الشُّفْعَةُ وَأَخَذَ من الْبَائِعِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ فَهُوَ كَالْعَوْدِ إلَيْهِ بِالْبَيْعِ الصَّرِيحِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ وَطَالَبَ مُقَدَّمًا على الْعَيْبِ فقال الْمُصَنِّفُ هُنَا له الشُّفْعَةُ كَذَا قال الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ في آخَرِينَ
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ ليس له الْأَخْذُ إذَا فُسِخَ بِعَيْبٍ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ أَخْذًا من نَصِّهِ في رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ في الْمُقَايَلَةِ
وَأَكْثَرُهُمْ حَكَاهُ قَوْلًا وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/288)
فَوَائِدُ
منها لو بَاعَ شِقْصًا بِعَبْدٍ ثُمَّ وَجَدَ الْعَبْدَ مَعِيبًا فقال في الْمُغْنِي وَالْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَغَيْرِهِمْ له رَدُّ الْعَبْدِ وَاسْتِرْجَاعُ الشِّقْصِ وَلَا شَيْءَ لِلشَّفِيعِ وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ له انْتَهَى
قال الْأَصْحَابُ وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ لم يَمْلِكْ اسْتِرْدَادَ الشِّقْصِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عنه بُطْلَانُ عَقْدٍ آخَرَ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَالْمُشْتَرِي قد أَخَذَ من الشَّفِيعِ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَذَاكَ وَإِنْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَفِي رُجُوعِ بَاذِلِ الزِّيَادَةِ من الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ على صَاحِبِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ
وَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ دَفْعِ قِيمَتِهِ بِبَيْعٍ أو إرْثٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِهَا فَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ على الْبَائِعِ وَلَا لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ليس لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ انْتَهَيَا
وَإِنْ أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ ولم يُرِدْ فَإِنْ كان الشَّفِيعُ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا فَلَا رُجُوعَ للمشترى عليه وَإِنْ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّى من الْأَرْشِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
وَلَوْ عَفَا الْبَائِعُ مَجَّانًا بالقيمة ( ( ( وبالقيمة ) ) ) صَحِيحًا فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا يَرْجِعُ الشَّفِيعُ على الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(6/289)
وَمِنْهَا لو اشْتَرَى شِقْصًا بِعَبْدٍ أو بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَظَهَرَ مُسْتَحَقًّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الشِّقْصِ إنْ أَخَذَهُ وَإِنْ ظَهَرَ الْبَعْضُ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فيه وفي الْبَاقِي رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَمِنْهَا لو كان الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ وَنَقَدَهُ فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا لم يَبْطُلْ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ بِحَالِهَا وَيَرُدُّ الثَّمَنَ إلَى مَالِكِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنٌ صَحِيحٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أو غَيْرِهِ فَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ ويقدم ( ( ( وتقدم ) ) ) حَقُّ الشَّفِيعِ
وَمِنْهَا لو كان الثَّمَنُ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا فَتَلِفَ قبل قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَانْتَفَتْ الشُّفْعَةُ فَإِنْ كان الشَّفِيعُ أَخَذَ الشُّفْعَةَ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتِرْدَادُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَمِنْهَا لو ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي وَقُتِلَ أو مَاتَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ من بَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ أو تَحَالَفَا
يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ في قَدْرِ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ وَتَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قبل أَخْذِ الشَّفِيعِ أو بَعْدَهُ
فَإِنْ كان قبل أَخْذِ الشَّفِيعِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَتَخَرَّجُ انْتِفَاءُ الشُّفْعَةِ من مِثْلِهِ في الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ على الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ وَأَوْلَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُهُ بِمَا حَلَفَ عليه الْبَائِعُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الذي حَلَفَ عليه وَمُقِرٌّ له بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ وُجِدَ التَّفَاسُخُ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَقَرَّ بِيَدِ الشَّفِيعِ وكان عليه لِلْبَائِعِ ما حَلَفَ عليه
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ أَجَّرَهُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَلَهُ الْأُجْرَةُ من يَوْمِ أَخْذِهِ
____________________
(6/290)
أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ وَيَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الْأُجْرَةَ من يَوْمِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ وهو أَحَدُ الْوُجُوهِ
جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالنَّظْمِ
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ إشْكَالٌ
والوجه ( ( ( الوجه ) ) ) الثَّانِي تَنْفَسِخُ من حِينِ أَخْذِهِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وفي الْإِجَارَةِ في الْكَافِي الْخِلَافُ في هِبَةٍ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ بين فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَتَرْكِهَا
قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ في مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْعَارِيَّةِ قال وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَيَتَخَرَّجُ من الْوَجْهِ الذي نَقُولُ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ على إجَازَةِ الْبَطْنِ الثَّانِي في الْوَقْفِ إجَازَةُ الشَّفِيعِ هُنَا إنْ أَجَازَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ في حَقِّهِ بِالْأَوْلَى قال وَهَذَا أَقْوَى انْتَهَى
وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ في الْقَوَاعِدِ ولم يذكر الْوَجْهَ الثَّالِثَ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ فَالْغَلَّةُ له بِلَا نِزَاعٍ
وإن أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَفِيهِ زَرْعٌ أو ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي مُبْقَاةٌ إلَى الْحَصَادِ والجداد ( ( ( والجذاذ ) ) ) يَعْنِي بِلَا أُجْرَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَقِيلَ تَجِبُ في الزَّرْعِ الْأُجْرَةُ من حِينِ أَخَذَ الشَّفِيعُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(6/291)
قال بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه تَخْرِيجٌ في الثَّمَرَةِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ بَحْثِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
قال الْحَارِثِيُّ لَمَّا عَلَّلَ بِكَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلشَّفِيعِ في الْمُؤَجَّرِ مُشْكِلٌ جِدًّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ هُنَا من وُجُوبِهَا هُنَاكَ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ
أَنَّ ما لم يَظْهَرْ يَكُونُ مِلْكًا لِلشَّفِيعِ وَذَلِكَ كَالشَّجَرِ إذَا كَبِرَ وَالطَّلْعِ إذَا لم يُؤَبَّرْ وَنَحْوِهِمَا وهو كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
فَائِدَةٌ لو تَأَبَّرَ الطَّلْعُ الْمَشْمُولُ بِالْبَيْعِ في يَدِ الْمُشْتَرِي كانت الثمرة ( ( ( التمرة ) ) ) له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ هِيَ لِلشَّفِيعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ أو قَاسَمَ الشَّفِيعَ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ له زِيَادَةً في الثَّمَنِ أو نَحْوِهِ وَغَرَسَ أو بَنَى فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَيُمَلِّكَهُ أو يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ النَّقْصَ
إذَا أَبَى الْمُشْتَرِي أَخْذَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ كان لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالْحَالَةُ هذه وَلَهُ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(6/292)
قال في الِانْتِصَارِ أو أَقَرَّهُ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ أَبَى فَلَا شُفْعَةَ
قال الْحَارِثِيُّ إذَا لم يَقْلَعْ الْمُشْتَرِي فَفِي الْكِتَابِ تَخْيِيرُ الشَّفِيعِ بين أَخْذِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ وَبَيْنَ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ وَهَذَا ما قَالَهُ الْقَاضِي وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ
قال وَلَا أَعْرِفُهُ نَقْلًا عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عنه رِوَايَتَانِ التَّخْيِيرُ من غَيْرِ أَرْشٍ
وَالْأُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عنه إيجَابُ الْقِيمَةِ من غَيْرِ تَخْيِيرٍ وهو ما ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وهو الْمَذْهَبُ
زَادَ بن أبي مُوسَى وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِقَلْعِ بِنَائِهِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ له قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَلَا يَقْلَعُهُ
وَنَقَلَ سِنْدِيٌّ أَلَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَمْ قِيمَةُ النَّقْصِ قال لَا قِيمَةُ الْبِنَاءِ
فَائِدَةٌ إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ قال الْحَارِثِيُّ يُعْتَبَرُ بَذْلُ الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ بِمَا يُسَاوِيهِ حين التَّقْوِيمِ لَا بِمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي زَادَ على الْقِيمَةِ أو نَقَصَ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا انْتَهَى
وقال في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهِ بَاقِيًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَلَا قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا لِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَمَلَكَ الْقَلْعَ مَجَّانًا وَلِأَنَّهُ قد يَكُونُ لَا قِيمَةَ له إذَا قَلَعَ
قَالَا ولم يذكر أَصْحَابُنَا كَيْفِيَّةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَرْضَ تُقَوَّمُ مَغْرُوسَةً وَمَبْنِيَّةً ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً فَيَكُونُ ما بَيْنَهُمَا قِيمَةُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَجَزَمَ بهذا بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَوَّمَ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ مُسْتَحَقًّا لِلتَّرْكِ بِالْأُجْرَةِ أو لِأَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ إذَا امْتَنَعَا من قَلْعِهِ انْتَهَيَا
____________________
(6/293)
قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي وهو صَاحِبُهُ قَلْعَهُ فَلَهُ ذلك إذَا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ والآدمي الْبَغْدَادِيُّ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ له الْقَلْعَ سَوَاءٌ كان فيه ضَرَرٌ أو لَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ ولم يَعْتَبِرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ الضَّرَرَ وَعَدَمَهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بَلْ الذي جَزَمُوا بِهِ له ذلك سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ أو لم يَضُرَّ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ الذي أَوْرَدَهُ من أَوْرَدَهُ من الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا ليس بِالْجَيِّدِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَنْزِيلُهُ إمَّا على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَإِمَّا على ما قبل الْأَخْذِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ على هذه الْحَالَةِ لَا غَيْرُ
وَحَيْثُ قِيلَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الضَّرَرِ فَفِيمَا بَعْدَ الْأَخْذِ وهو ظَاهِرُ ما أَوْرَدَهُ في التَّذْكِرَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي وهو صَاحِبُهُ لم يَضْمَنْ نَقْصَ الْأَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
قال في الْفُرُوعِ لَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْأَرْضِ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَعَلَّلَهُ بِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ مع أَنَّهُ جَزَمَ في بَابِ الْعَارِيَّةِ بِخِلَافِهِ
____________________
(6/294)
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ وقال وَالْكَلَامُ في تَسْوِيَةِ الْحَفْرِ كَالْكَلَامِ في ضَمَانِ أَرْشِ النَّقْصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ في الشِّقْصِ الذي اشْتَرَاهُ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ في الْجُمْلَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
قال في رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ ليس هذا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ
وقال في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ لِأَنَّهُ عَمَّرَ وهو يَظُنُّ أَنَّهُ ملكه ( ( ( ملكا ) ) ) وَلَيْسَ كما إذَا زَرَعَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ
قال الْحَارِثِيُّ إنَّمَا هذا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّمْيِيزِ لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ في خَالِصِ مِلْكِهِ أَمَّا قبل الْقِسْمَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ وَلِلشَّفِيعِ إذَا قَلَعَ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ مَجَّانًا لِلشَّرِكَةِ لَا لِلشُّفْعَةِ فإن أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا انْفَرَدَ بهذا التَّصَرُّفِ كان لِلْآخَرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا
قال جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ سَمِعْت أَبَا عبد اللَّهِ يُسْأَلُ عن رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا في أَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا قال إنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا لَا شَكَّ فيه
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قبل الْعِلْمِ لم تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
وَالثَّانِي تَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
____________________
(6/295)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْبَائِعِ الثَّانِي وهو الشَّفِيعُ أَخْذُ الشِّقْصِ من الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ
فَإِنْ عَفَا عنه فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَخْذُ الشِّقْصِ من الْمُشْتَرِي الثَّانِي
فَإِنْ أَخَذَ منه فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَخْذُ من الثَّانِي على الْوَجْهَيْنِ وهو قَوْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا شُفْعَةَ له وَأَطْلَقَهُمَا في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا خِلَافَ في ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ على الْمُشْتَرِي الثَّانِي في مَبِيعِ الشَّفِيعِ لِسَبْقِ شَرِكَتِهِ على الْمَبِيعِ وَاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ إن الشَّفِيعَ لو بَاعَ مِلْكَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّ شُفْعَتَهُ تَسْقُطُ وهو صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فيه أَعْلَمُهُ
لَكِنْ لو بَاعَ بَعْضَهُ عَالِمًا فَفِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا تَسْقُطُ
وَالثَّانِي لَا تَسْقُطُ لآنه قد بَقِيَ من مِلْكِهِ ما يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ في جَمِيعِ الْمَبِيعِ لو انْفَرَدَ فَكَذَلِكَ إذَا بَقِيَ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وهو الشَّرِكَةُ
وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ على الْمُشْتَرِي الثَّانِي في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
وفي الثَّانِيَةِ إذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ شفعه الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَسْقُطُ شُفْعَةُ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ من الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ
وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ على الْمُشْتَرِي الثَّانِي فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(6/296)
أَحَدُهُمَا له الشُّفْعَةُ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وهو الْقِيَاسُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا شُفْعَةَ له
فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ على الْمُشْتَرِي الثَّانِي سَوَاءٌ أَخَذَ منه الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ أو لم يَأْخُذْ وَلِلْبَائِعِ الثَّانِي إذَا بَاعَ بَعْضَ الشِّقْصِ الْأَخْذُ من الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَائِدَةٌ لو بَاعَ بَعْضَ الْحِصَّةِ جَاهِلًا فَإِنْ قِيلَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لو بَاعَ الْكُلَّ في هذه الْحَالِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِهَا فيه فَهُنَا وَجْهَانِ أَوْرَدَهُمَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَجْهُهُمَا ما تَقَدَّمَ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُ الشُّفْعَةِ بِالْأَوْلَى
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ
إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قد مَاتَ قبل طَلَبِهَا أو بَعْدَهُ
فَإِنْ مَاتَ قبل طَلَبِهَا لم يَسْتَحِقَّ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه مِرَارًا
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لَا تُورَثُ مُطَالَبَةُ الشُّفْعَةِ من غَيْرِ مُطَالَبَةِ رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَهُ مَأْخَذَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَقٌّ له فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ مُطَالَبَتِهِ وَلَوْ عُلِمَتْ رَغْبَتُهُ من غَيْرِ مُطَالَبَتِهِ لَكَفَى في الْإِرْثِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي أَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ بِتَرْكِهِ وَإِعْرَاضِهِ لَا سِيَّمَا على قَوْلِنَا إنَّهَا على الْفَوْرِ
____________________
(6/297)
فَعَلَى هذا لو كان غَائِبًا فَلِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ وَلَيْسَ ذلك على الْأَوَّلِ انْتَهَى
وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إذَا مَاتَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ فَلِوَلَدِهِ أَنْ يَطْلُبُوا الشُّفْعَةَ لِمُوَرِّثِهِمْ
قال في الْقَوَاعِدِ وَظَاهِرُ هذا أَنَّ لهم الْمُطَالَبَةَ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ طَالَبَ بها اسْتَحَقَّهَا الْوَرَثَةُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وقد تَوَقَّفَ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وقال وهو مَوْضِعُ نَظَرٍ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في آخِرِ فَصْلِ خِيَارِ الشَّرْطِ
قال الْحَارِثِيُّ ثُمَّ من الْأَصْحَابِ من يُعَلِّلُ بِإِفَادَةِ الطَّلَبِ لِلْمِلْكِ فَيَكُونُ الْحَقُّ مَوْرُوثًا بهذا الِاعْتِبَارِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا على إفَادَةِ الْمِلْكِ
وَمِنْهُمْ من يُعَلِّلُ بِأَنَّ الطَّلَبَ مُقَرِّرٌ لِلْحَقِّ وَلِهَذَا لم تَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْأَخْذِ بعده وَتَسْقُطُ قَبْلَهُ وإذا تَقَرَّرَ الْحَقُّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ على أَنَّ الطَّلَبَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ وهو أَحَدُ الْوُجُوهِ فَلَا بُدَّ لِلتَّمَلُّكِ من أَخْذِ الشِّقْصِ أو يَأْتِي بِلَفْظٍ يَدُلُّ على أَخْذِهِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَقُولَ قد أَخَذْته بِالثَّمَنِ أو تَمَلَّكْته بِالثَّمَنِ وَنَحْوِ ذلك وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ
وقال اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ إذَا كان مَلِيئًا بِالثَّمَنِ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ
____________________
(6/298)
فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قبل قَبْضِهِ فيه
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمُطَالَبَتِهِ وَقَبْضِهِ
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ في تَذْكِرَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْصُلُ الْمِلْكُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْضًا ذَكَرَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ في نَوَادِرِهِ وقال بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ الا بِدَفْعِ ثَمَنِهِ ما لم يصبر ( ( ( يصر ) ) ) مُشْتَرِيهِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا حَكَاهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَيَشْهَدُ له نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا لم يُحْضِرْ الْمَالَ مُدَّةً طَوِيلَةً بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّ له التَّصَرُّفَ قبل قَبْضِهِ وَتَمَلُّكِهِ
وقال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ على ثَمَنِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ كَالْمِيرَاثِ وَالْبَيْعِ عن رِضًى
وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا في خِيَارِ الشَّرْطِ وَكَذَا خِيَارُ مَجْلِسٍ من جِهَةِ شَفِيعٍ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ قبل قَبْضِهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ بِإِرْثٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الذي وَقَعَ عليه الْعَقْدُ
قال الْحَارِثِيُّ فيه مُضْمَرٌ حُذِفَ اخْتِصَارًا وَتَقْدِيرُهُ مِثْلَ الثَّمَنِ أو قَدْرَهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ الْمَأْخُوذِ بِهِ لِلْمُشْتَرِي غَيْرُ مُمْكِنٍ فَتَعَيَّنَ الْإِضْمَارُ
وَإِذَنْ فَالظَّاهِرُ إرَادَةُ الثَّانِي وهو الْقَدْرُ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِوَصْفِ التَّأْجِيلِ وَالْمِثْلِيَّةِ وَالتَّقْوِيمِ فِيمَا بَعْدُ فَلَوْ كان الْمِثْلُ مُرَادًا لَكَانَ تَكْرِيرًا لِشُمُولِ الْمِثْلِ لِلصِّفَةِ وَالذَّاتِ انْتَهَى
فَوَائِدُ
منها تَنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ على حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ وبن رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(6/299)
وَمِنْهَا لَا فَرْقَ في الْوَارِثِ بين ذَوِي الرَّحِمِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَبَيْتِ الْمَالِ فيأخذ ( ( ( فأخذ ) ) ) الْإِمَامُ بها صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَمِنْهَا إشْهَادُ الشَّفِيعِ على الطَّلَبِ حَالَةَ الْعُذْرِ يَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبِ في الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ
وَمِنْهَا شَفِيعَانِ في شِقْصٍ عَفَا أَحَدُهُمَا وَطَالَبَ الْآخَرُ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْعَافِي له أَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وكذا لو قَذَفَ رَجُلٌ أُمَّهُمَا الْمَيِّتَةَ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَطَالَبَ الْآخَرُ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْعَافِي كان له اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالنِّيَابَةِ عن أَخِيهِ إذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَذْفِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ عنه أو عن بَعْضِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
وَلَوْ أتى بِرَهْنٍ أو ضَامِنٍ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ يُنْظَرُ ثَلَاثًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ حتى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ
نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ
وَعَنْهُ لَا يُنْظَرُ إلَّا يَوْمَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَعَنْهُ يَرْجِعُ في ذلك إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ في وَقْتِنَا هذا
فإذا مَضَى الْأَجَلُ فَسَخَ الْمُشْتَرِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ قَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
____________________
(6/300)
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَنْصُوصُ من رِوَايَةِ الْحَمَّالِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا وهو ما قال في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيْعٍ لِأَنَّهُ دَفْعُ مَالٍ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ له الْعِلْمُ بِالشِّقْصِ وَبِالثَّمَنِ فَلَا يَصِحُّ مع جَهَالَتِهِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ مع الْجَهَالَةِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ وَذَكَرَ احْتِمَالًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ مع جَهَالَةِ الشِّقْصِ بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ
الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ حتى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَقَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ
الثَّالِثَةُ لو تَسَلَّمَ الشِّقْصَ وَالثَّمَنَ في الذِّمَّةِ فَأَفْلَسَ فقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بين الْفَسْخِ وَالضَّرْبِ مع الغرماء ( ( ( الغرباء ) ) ) بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي
الرَّابِعَةُ في رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ على مشتري ( ( ( مشتر ) ) ) عَفَا عنه بَائِعٌ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ ثُمَّ وَجَدْته في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَارِثِيِّ قَطَعُوا بِذَلِكَ
وَتَقَدَّمَ ذلك بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إنْ كان مَلِيئًا وَإِلَّا أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيئًا وَأَخَذَ بِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
لَكِنْ شَرَطَ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَوَلَدُهُ أبو الْحُسَيْنِ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَصْفَ الثِّقَةِ مع الْمَلَاءَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِدُونِهِمَا
____________________
(6/301)
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ من النَّصِّ
فَائِدَةٌ لو أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ ثُمَّ مَاتَ هو أو الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ حَلَّ الثَّمَنُ عليه ولم يَحِلَّ على الْحَيِّ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ قال الْحَارِثِيُّ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ كان مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ بِالْأَجَلِ إنْ كان مَلِيئًا يُفِيدُ ما لو لم يَتَّفِقْ طَلَبُ الشَّفِيعِ إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أو بَعْدَهُ أَنْ يَثْبُتَ له اسْتِئْنَافُ الْأَجَلِ وَقَطَعَ بِهِ وَنَصَرَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان الثَّمَنُ عَرَضًا أَعْطَاهُ مثله إنْ كان ذَا مِثْلٍ وَإِلَّا قِيمَتَهُ
اعْلَمْ إن الثَّمَنَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا أو مُتَقَوِّمًا فَإِنْ كان مِثْلِيًّا انْقَسَمَ إلَى نَقْدٍ وَعَرَضٍ وَأَيَّا ما كان فَالْمُمَاثَلَةُ فيه تَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ
أحدها الْجِنْسُ فَيَجِبُ مِثْلُهُ من الْجِنْسِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ حَالَةَ الْأَخْذِ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ كما في الْغَصْبِ حَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ مَحَلَّ وِفَاقٍ
وفي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ أو لَا وَأَمَّا الْمَذْرُوعُ كَالثِّيَابِ فقال بن الزَّاغُونِيِّ في شُرُوطِهِ الْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ فيه هُنَا مَبْنِيٌّ على السَّلَمِ فيه فَحَيْثُ صَحَّحْنَا السَّلَمَ فيه أَخَذَ مِثْلَهَا إلَّا على الرِّوَايَةِ في أنها مَضْمُونَةُ بالقيمة ( ( ( القيمة ) ) ) فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ
وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تَصِحُّ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ وَالْأَوْلَى الْقِيمَةُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَالْقِيمَةُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ
وَأَمَّا الْمَعْدُودُ كَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِ فقال بن الزَّاغُونِيِّ يَنْبَنِي على السَّلَمِ فيه إنْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فَفِيهِ ما في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ
الثَّانِي الْمِقْدَارُ فَيَجِبُ مِثْلُ الثَّمَنِ قَدْرًا من غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَإِنْ وَقَعَ
____________________
(6/302)
الْعَقْدُ على ما هو مُقَدَّرٌ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فذاك ( ( ( فذلك ) ) ) وَإِنْ كان بِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَلْفِ رَطْلٍ من حِنْطَةٍ فقال في التَّلْخِيصِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكَالُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مِثْلُ مَكِيلِهِ لِأَنَّ الرِّبَوِيَّاتِ تَمَاثُلُهَا بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَكَذَلِكَ إقْرَاضُ الْحِنْطَةِ بِالْوَزْنِ قال يَكْفِي عِنْدِي الْوَزْنُ هُنَا إذْ الْمَبْذُولُ في مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ وَقَدْرِ الثَّمَنِ مِعْيَارُهُ لَا عِوَضُهُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ في الْحِيَلِ إذَا جَهِلَ الثَّمَنَ ما يَأْخُذُ
الثَّالِثُ الصِّفَةُ في الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ وَالسُّودِ وَنَقْدِ الْبَلَدِ وَالْحُلُولِ وَضِدِّهَا فَيَجِبُ مِثْلُهُ صِفَةً
وَإِنْ كان مُتَقَوِّمًا كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَنَحْوِهِمَا فَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُهُ بِالْقِيمَةِ يوم الْبَيْعِ
وقال في الرِّعَايَةِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمَا اسْتَقَرَّ عليه الْعَقْدُ من ثَمَنِ مثلى أو قِيمَةِ غَيْرِهِ وَقْتَ لُزُومِ الْعَقْدِ
وَقِيلَ بَلْ وَقْتَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو تَبَايَعَ ذِمِّيَّانِ بِخَمْرِ إنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مَالًا لهم فَلَا شُفْعَةَ بِحَالٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَإِنْ قُلْنَا هِيَ مَالٌ لهم فَأَطْلَقَ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ وَكَذَا قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
ثُمَّ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كما لو اتلف على ذِمِّيٍّ خَمْرًا
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(6/303)
لَكِنْ لو أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ من الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِثَمَنِهِ فقال الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَقْتَضِيهِ اطلاق الْخِرَقِيِّ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ
وَقِيلَ تَتَعَارَضَانِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقُرْعَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَوَجَّهَ الْحَارِثِيُّ قَوْلًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قال قَوْلُ الْأَصْحَابِ هُنَا مُخَالِفٌ لَمَا قَالُوهُ في بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَيْثُ قَدَّمُوا بَيِّنَةَ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ بِزِيَادَةٍ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ في الْمُشْتَرِي هُنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فيه بِمِثْلِ ذلك انْتَهَى
فَوَائِدُ
إحداها لو قال الْمُشْتَرِي لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ لِأَنَّ ذلك وَفْقُ الْجَوَابِ وَإِذَنْ لَا شُفْعَةَ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِدُونِ الْبَدَلِ وَإِيجَابُ الْبَدَلِ مُتَعَذِّرٌ لِلْجَهَالَةِ
ولو ( ( ( لو ) ) ) ادَّعَى الْمُشْتَرِي جَهْلَ قِيمَةِ الْعَرَضِ فَكَدَعْوَى جَهْلِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك بَعْدَ ذِكْرِ الْحِيَلِ أَوَّلَ الْبَابِ
الثَّانِيَةُ لو قال الْبَائِعُ الثَّمَنُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وقال الْمُشْتَرِي أَلْفَانِ وقال الشَّفِيعُ أَلْفٌ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ على ما تَقَدَّمَ لِدَعْوَى الزِّيَادَةِ
الثَّالِثَةُ لو كان الثَّمَنُ عَرَضًا وَاخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي في قِيمَتِهِ فَإِنْ وُجِدَ
____________________
(6/304)
قُوِّمَ وَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِقِيمَتِهِ قال الْحَارِثِيُّ فَالْأَظْهَرُ التَّعَارُضُ وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالْأَلْفِ بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي غَلِطْت أو نَسِيت أو كَذَبْت فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ
قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ كما لو أَخْبَرَ في الْمُرَابَحَةِ ثُمَّ قال غَلِطْت بَلْ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ قد قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِكَذِبِهِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْأَقْوَى
قال في الْهِدَايَةِ لَمَّا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْمُخْبِرِ في الْمُرَابَحَةِ إذَا قال غَلِطْت
وقد تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَبِلُوا قَوْلَهُ في ادِّعَائِهِ غَلَطًا في الْمُرَابَحَةِ وَصَحَّحَهُ هُنَا في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
والوجه ( ( ( الوجه ) ) ) الثَّانِي لَا يُقْبَلُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ في الْمُرَابَحَةِ إنْ كان الْبَائِعُ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ قبل قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا
____________________
(6/305)
قال الْحَارِثِيُّ فَيُخْرِجُ مثله هُنَا
وقال وَمِنْ الْأَصْحَابِ من أبي الْإِلْحَاقَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ
قال بن عَقِيلٍ عِنْدِي أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الذَّرَائِعَ مَحْسُومَةٌ وَهَذَا فَتْحٌ لِبَابِ الِاسْتِدْرَاكِ لِكُلِّ قَوْلٍ يُوجِبُ حَقًّا
ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ كان فيها أَمِينًا حَيْثُ رَجَعَ إلَيْهِ في الْإِخْبَارِ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ الْمُشْتَرِي أَمِينًا لِلشَّفِيعِ وَإِنَّمَا هو خَصْمُهُ فَافْتَرَقَا
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُهُ بِمَا حَلَفَ عليه الْبَائِعُ لَا الْمُشْتَرِي
قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّك اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ فقال بَلْ اتَّهَبْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ نَكَلَ عنها أو قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَخْذُهُ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ منه
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الشَّفِيعُ على بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دَعْوَى مُحَرَّرَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ وقال إنَّمَا اتَّهَبْته أو وَرِثْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ
فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ بِالشِّرَاءِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ
فَإِنْ قال لَا أَسْتَحِقُّهُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنْ يُقَالَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ منه كَالْمُكَاتَبِ إذَا جاء بِالنَّجْمِ قبل وَقْتِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ
اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا
وَقِيلَ يَبْقَى في يَدِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمُشْتَرِي فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ
____________________
(6/306)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَهَذَا أَوْلَى
قال الْحَارِثِيُّ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ يحفظه ( ( ( بحفظه ) ) ) لِصَاحِبِهِ إلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ فَمَتَى ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي دَفَعَ إلَيْهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ في التَّلْخِيصِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ أَصَرَّ على الْهِبَةِ أو الْإِرْثِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالشِّرَاءِ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ على قَوْلِ الْقَاضِي فَقَطَعَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ أو تُبَرِّئَ فَإِنْ أَبَى من ذلك فَيَأْتِيَ الْخِلَافُ وهو أَنَّهُ هل يَكُونُ عِنْدَ الشَّفِيعِ أو الْحَاكِمِ
فَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الشَّفِيعِ
وَقَطَعَ بن عَبْدُوسٍ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ يَحْفَظُهُ له
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت عِوَضًا في الْخُلْعِ أو النِّكَاحِ أو عن دَمِ الْعَمْدِ
فقال الْقَاضِي يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قِيَاسُ قَوْلِ بن حَامِدٍ الْأَخْذُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ
وقال غَيْرُهُ يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ اخْتَارَهَا بن حَامِدٍ حَكَاهُ عنه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ
وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غير الْقَاضِي من الْأَصْحَابِ قال ذلك وَفِيهِ نَظَرٌ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
____________________
(6/307)
تَنْبِيهٌ هذا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ في ذلك وهو قَوْلُ بن حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْبَابِ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ أَيْضًا على الْخِلَافِ هُنَاكَ
وَأَمَّا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَا يَأْتِي الْخِلَافُ
فَائِدَةٌ تَقْوِيمُ الشِّقْصِ أو تَقْوِيمُ مُقَابِلِهِ على كِلَا الْوَجْهَيْنِ مُعْتَبَرٌ في الْمَهْرِ بِيَوْمِ النِّكَاحِ وفي الْخُلْعِ بِيَوْمِ الْبَيْنُونَةِ
وَإِنْ كان مُتْعَةً في طَلَاقٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَأْخُذُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ كما في الْخُلْعِ بِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ بِمُتْعَةِ مِثْلِهَا قال وهو الْأَقْرَبُ
قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ في بَيْعِ الْخِيَارِ قبل انْقِضَائِهِ
نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ في الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فَلَا تَثْبُتُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ على الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
فَمِنْ الْأَصْحَابِ من عَلَّلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لم يَسْتَقِرَّ
وَعَلَّلَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ من الْخِيَارِ ولذلك ( ( ( وذلك ) ) ) لم تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ في مُدَّتِهِ
فَعَلَى هذا لو كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ انْتَهَى
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ مُطْلَقًا وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ
وَقِيلَ تَجِبُ في خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وهو مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ كما قَالَهُ في الْفَوَائِدِ عنه
____________________
(6/308)
وَتَقَدَّمَ ذلك في الْخِيَارِ في الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حُكْمُ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا تَجِبُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ وبن عَقِيلٍ وبن بَكْرُوسٍ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن الزَّاغُونِيِّ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ شُيُوخُنَا الْأَوَائِلُ
قال وَلِأَنَّ أَصْحَابَنَا قالوا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي في الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَا حَلَفَ عليه الْبَائِعُ
فاثبتوا له ( ( ( به ) ) ) الشُّفْعَةَ مع بُطْلَانِ الْبَيْعِ في حَقِّ الْمُشْتَرِي انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجِبُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ
قال في التَّلْخِيصِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَقْوَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَقْبِضُ الشَّفِيعُ من الْبَائِعِ
وَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ أو لَا فَإِنْ لم يُقِرَّ بِقَبْضِهِ فإنه يُسَلِّمُ إلَى الْبَائِعِ وَالْعُهْدَةُ عليه وَلَا عُهْدَةَ على الْمُشْتَرِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ منهم
____________________
(6/309)
الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ عنه وهو مُشْكِلٌ
وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُشْكِلٌ لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ عليه
ثُمَّ قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ ليس لِلشَّفِيعِ وَلَا لِلْبَائِعِ مُحَاكَمَةُ الْمُشْتَرِي لِيَثْبُتَ الْبَيْعُ في حَقِّهِ وَتَجِبُ الْعُهْدَةُ عليه لِأَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ الثَّمَنُ وقد حَصَلَ من الشَّفِيعِ وَمَقْصُودُ الشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ وقد حَصَلَا من الْبَائِعِ فَلَا فَائِدَةَ في الْمُحَاكَمَةِ انْتَهَى
وقد حَكَى في التَّلْخِيصِ وَجْهًا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى نَائِبٍ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ عن الْمُشْتَرِي
قال وهو مُشْكِلٌ لِأَنَّ إقَامَةَ نَائِبٍ عن مُنْكِرٍ بَعِيدٌ
وَإِنْ كان الْبَائِعُ مقرى بِقَبْضِ الثَّمَنِ من الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الثَّمَنُ على الشَّفِيعِ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ فَفِيهِ ثلاثة أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ منه قِيَاسًا على نُجُومِ الْكِتَابَةِ إذَا قال السَّيِّدُ هِيَ غَصْبٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْقَى في ذِمَّةِ الشَّفِيعِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ عنه وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا حُكْمًا وَخِلَافًا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وفي جَمِيعِ ذلك مَتَى ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أو الْمُشْتَرِي دَفَعَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَبَحْثٌ
وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جميعا وَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْقَبْضَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي
____________________
(6/310)
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ على الْمُشْتَرِي وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ يُسْتَثْنَى من ذلك إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ على ما تَقَدَّمَ فإن الْعُهْدَةَ على الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ له من جِهَتِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وهو وَاضِحٌ
والعهدة فُعْلَةٌ من الْعَهْدِ وَهِيَ في الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ على ضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَعَلَى مَعْنَاهَا في بَابِ الضَّمَانِ
وَالْمُرَادُ هُنَا رُجُوعُ من انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ على من انْتَقَلَ عنه بِالثَّمَنِ أو بِالْأَرْشِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الشِّقْصِ أو عَيْبِهِ فَيَكُونُ وَثِيقَةً لِلْبَيْعِ لَازِمَةً لِلْمُتَلَقَّى عنه فَيَكُونُ عُهْدَةً بهذا الِاعْتِبَارِ
فَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ ولم يَعْلَمْهُ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْأَخْذِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلشَّفِيعِ الرَّدُّ وَالْأَخْذُ بِالْأَرْشِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِانْتِفَاءِ الْأَرْشِ
وَإِنْ عَلِمَهُ الشَّفِيعُ ولم يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أَرْشَ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وفي الشَّرْحِ وَجْهٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وهو ما قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ
فَعَلَيْهِ إنْ أَخَذَهُ سَقَطَ عن الشَّفِيعِ ما قَابَلَهُ من الثَّمَنِ تَحْقِيقًا لِمُمَاثَلَةِ الثَّمَنِ الذي اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عليه
وَإِنْ عَلِمَاهُ فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أَرْشَ
وفي صُورَةِ عَدَمِ عِلْمِهِمَا إنْ لم يَرُدَّ الشَّفِيعُ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ ارشه من الْمُشْتَرِي أخذه ( ( ( أخذ ) ) ) الْمُشْتَرِي من الْبَائِعِ وَإِنْ لم يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ فَفِي أَخْذِ الْمُشْتَرِي الْوَجْهَانِ
____________________
(6/311)
وَعَلَى الْوَجْهِ بِالْأَخْذِ إنْ لم يُسْقِطْهُ الشَّفِيعُ عن الْمُشْتَرِي سَقَطَ عنه بِقَدْرِهِ من الثَّمَنِ وَإِنْ أَسْقَطَهُ تَوَفَّرَ على الْمُشْتَرِي
قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عليه
وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالشِّيرَازِيُّ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ من يَدِ الْبَائِعِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أو الْمَشْهُورَ لُزُومُ الْعَقْدِ في بَيْعِ الْعَقَارِ قبل قَبْضِهِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فيه بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولُ في ضَمَانِهِ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ
نَصَّ عليه من وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ له الشُّفْعَةُ ذَكَرَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِكَافِرٍ على كَافِرٍ وَسَوَاءٌ كان الْبَائِعُ مُسْلِمًا أو كَافِرًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا
قال في التَّلْخِيصِ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا شُفْعَةَ له إذَا كان الْبَائِعُ مُسْلِمًا
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ
____________________
(6/312)
وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا ثُبُوتُهَا لِلْمُسْلِمِ على الْكَافِرِ وهو من بَابِ أَوْلَى
فَائِدَةٌ لو تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ لم يَنْقُضْ ما فَعَلُوهُ
وَإِنْ جَرَى التَّقَابُضُ بين الْمُتَبَايِعَيْنِ دُونَ الشَّفِيعِ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَلَا شُفْعَةَ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما لو تَبَايَعَا بِخِنْزِيرٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال أبو الْخَطَّابِ إنْ تَبَايَعُوا بِخَمْرٍ وَقُلْنَا هِيَ مَالٌ لهم حَكَمْنَا لهم بِالشُّفْعَةِ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك قبل قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ
قَوْلُهُ وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ على رَبِّ الْمَالِ أو لِرَبِّ الْمَالِ على الْمُضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ على وَجْهَيْنِ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا هل تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ على رَبِّ الْمَالِ أَمْ لَا
مِثَالُ ذلك أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ شِقْصٌ فِيمَا تَجِبُ فيه الشُّفْعَةُ ثُمَّ يَشْتَرِي من مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا من شَرِكَةِ الْمُضَارِبِ فَهَلْ تَجِبُ لِلْمُضَارِبِ شُفْعَةٌ فِيمَا اشْتَرَاهُ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا تَخْرِيجًا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
وَاعْلَمْ أَنَّ في مَحَلِّ الْخِلَافِ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأَصْحَابِ
إحْدَاهُمَا أَنَّهُمَا جَارِيَانِ سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ أَمْ لَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ
أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ له وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وأبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ
____________________
(6/313)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَجِبُ خَرَّجَهُ أبو الْخَطَّابِ من وُجُوبِ الزَّكَاةِ عليه في حِصَّتِهِ قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَوْلَى
قال بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ بَعْدَ تَخْرِيجِ أبي الْخَطَّابِ فَالْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بحالة ( ( ( بحال ) ) ) ظُهُورِ الرِّبْحِ وَلَا بُدَّ انْتَهَى
الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالنَّاظِمِ وجماعة إنْ لم يَظْهَرْ رِبْحٌ في الْمَالِ أو كان فيه رِبْحٌ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ فَكَذَا الْأَخْذُ منه
وَإِنْ كان فيه رِبْحٌ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَفِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ له وَجْهَانِ بِنَاءً على شِرَاءِ الْعَامِلِ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مِلْكِهِ من الرِّبْحِ على ما سَبَقَ في الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ شيئا
وَصَحَّحَ هذه الطَّرِيقَةَ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ عَدَمَ الْأَخْذِ ذَكَرَ ذلك في بَابِ الْمُضَارَبَةِ
المسالة الثَّانِيَةُ هل تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ على الْمُضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ
مِثَالُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا في شَرِكَةِ رَبِّ الْمَالِ
فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ
أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ أبو الْمَعَالِي في نِهَايَتِهِ وَخُلَاصَتِهِ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في الْمُضَارَبَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَجِبُ فيه الشُّفْعَةُ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(6/314)
وَبَنَى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ على الرِّوَايَتَيْنِ في شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ
وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ في ذلك وَأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ في بَابِ الْمُضَارَبَةِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو بِيعَ شِقْصٌ من شَرِكَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلِلْعَامِلِ الْأَخْذُ بها إذَا كان الْحَظُّ فيها فَإِنْ تَرَكَهَا فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَخْذُ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ الْعَامِلِ
وَلَوْ كان الْعَقَارُ لِثَلَاثَةٍ فَقَارَضَ أَحَدُهُمْ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى بِهِ نِصْفَ نَصِيبِ الثَّالِثِ فَلَا شُفْعَةَ فيه في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ احدهما مَالِكُ الْمَالِ وَالْآخَرَ عَامِلٌ فيه فَهُمَا كَشَرِيكَيْنِ في مُشَاعٍ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ شُفْعَةً ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فيه الشُّفْعَةُ
قالوا وَلَوْ بَاعَ الثَّالِثُ بَقِيَّةَ نَصِيبِهِ لِأَجْنَبِيٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا لِلْمَالِكِ خُمُسَاهَا وَلِلْعَامِلِ مِثْلُهُ وَلِمَالِ الْمُضَارَبَةِ خُمُسُهَا بِالسُّدُسِ الذي له جُعِلَا لِمَالِ المضاربة ( ( ( الضاربة ) ) ) كَشَرِيكٍ آخَرَ
الثَّانِيَةُ لو بَاعَ الْمُضَارِبُ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا في شَرِكَةِ نَفْسِهِ لم يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ من نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
الثَّالِثَةُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلسَّيِّدِ على مُكَاتَبِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ ما في يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ منه
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له فَإِنْ كان لَا دَيْنَ عليه فَلَا شُفْعَةَ بِحَالٍ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ
____________________
(6/315)
كان عليه دَيْنٌ فَالشُّفْعَةُ عليه تَنْبَنِي على جَوَازِ الشِّرَاءِ منه على ما تَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ الْحَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
وَتَقَدَّمَ أَخْذُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ له بِالشُّفْعَةِ قبل قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا
بَابُ الْوَدِيعَةِ
فَائِدَةٌ الْوَدِيعَةُ عِبَارَةٌ عن تَوَكُّلٍ لِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ تَبَرُّعًا بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا تَصَرُّفٍ فيه
وقال في الْكُبْرَى وَالْإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ أو اسْتِنَابَةٌ في حِفْظِ مَالِ زَيْدٍ تَبَرُّعًا وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ
وَيُعْتَبَرُ لها أَرْكَانُ الْوِكَالَةِ وَتَبْطُلُ بِمُبْطِلَاتِهَا
وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فَهِيَ بَعْدَهُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ حُكْمُهَا في يَدِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من خِلَافِهِ في مَسْأَلَةِ الْوِكَالَةِ الْوَدِيعَةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا تَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا أو بِأَنْ يَتَعَدَّى الْمُودِعُ فيها
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هذا تَفْرِيقًا بين فَسْخِ الْمُودِعِ وَالْمُودَعِ أو يَكُونَ منه اخْتِلَافًا في الْمَسْأَلَةِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ إنْ بَطَلَ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ بَقِيَ الْمَالُ في يَدِهِ أَمَانَةً فَإِنْ تَلِفَ قبل التَّمَكُّنِ من رَدِّهِ فَهَدَرٌ وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ
وقال أَيْضًا يَكْفِي الْقَبْضُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقِيلَ لَا
قَوْلُهُ وَإِنْ تلفت ( ( ( تلف ) ) ) من بَيْنِ مَالِهِ لم يَضْمَنْ في اصح الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(6/316)
يَعْنِي إذَا لم يَتَعَدَّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ في آخَرِينَ أَنَّهُ أَصَحُّ
قال الْقَاضِي هذا أَصَحُّ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
قال في الْكَافِي هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَضْمَنُ نَصَّ عليها
قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الرِّوَايَةِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ أَمَّا إنْ ثَبَتَ التَّلَفُ فإنه يَنْبَغِي انْتِفَاءُ الضَّمَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً
فَائِدَةٌ لو تَلِفَتْ مع مَالِهِ من غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عليه بِلَا نِزَاعٍ في الْمَذْهَبِ وقد تَوَاتَرَ النَّصُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ
وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ وَتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ بِلَا خِلَافٍ
قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا في حِرْزِ مِثْلِهَا
يَعْنِي عُرْفًا كَالْحِرْزِ في السَّرِقَةِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هذا إذَا لم يُعَيِّنْ له صَاحِبُهَا حِرْزًا
قَوْلُهُ فَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا فَجَعَلَهَا في دُونِهِ ضَمِنَ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا الذي عينه له أو لَا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ إنْ رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا الذي عَيَّنَهُ له فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ حَكَاهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(6/317)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ عَيَّنَ رَبُّهَا حِرْزًا فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ ضَمِنَ
قُلْت ولم يَرُدَّهَا إلَى حِرْزِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَزَهَا بمثله أو فَوْقَهُ لم يَضْمَنُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وَجَزَمَ بِهِ في الثَّانِيَةِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وأبو حَكِيمٍ وهو رِوَايَةٌ في التَّبْصِرَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ يَضْمَنُ إنْ أَحْرَزَهَا بمثله وَلَا يَضْمَنُ إنْ أَحْرَزَهَا بِأَعْلَى منه ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَقْيَسُ وَأَطْلَقَهُنَّ فِيهِمَا
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ بين الْجُعْلِ أو لا في غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ
قال في التَّلْخِيصِ وَأَصْحَابُنَا لم يُفَرِّقُوا بين تَلَفِهَا بِسَبَبِ النَّقْلِ وَبَيْنَ تَلَفِهَا بِغَيْرِهِ
وَعِنْدِي إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ضَمِنَ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَهَاهُ عن إخْرَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ فيه التَّوَى لم يَضْمَنْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
____________________
(6/318)
لَكِنْ إذَا أَخْرَجَهَا فَلَا يُحْرِزُهَا إلَّا في حِرْزٍ مِثْلِهَا أو فَوْقَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَالْحَالَةُ هذه وَنَقَلَ إلَى أَدْنَى فَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ لِأَنَّهُ إذَنْ أَحْفَظُ وَلَيْسَ في الْوُسْعِ سِوَاهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها
قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ
هذا الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَالْحَالَةُ هذه
قال في الْكَافِي هذا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَصَحُّ
قال في الْفُرُوعِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا في الْأَصَحِّ
قال في الْفَائِقِ ضَمِنَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهَا
فَائِدَةٌ لو تَعَذَّرَ الْأَمْثَلُ وَالْمُمَاثِلُ وَالْحَالَةُ هذه فَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْت عليها فاخرجها عِنْدَ الْخَوْفِ أو تَرَكَهَا لم يَضْمَنْ
____________________
(6/319)
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ إنْ وَافَقَهُ أو خَالَفَهُ ضَمِنَ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ جِدًّا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو أَخْرَجَهَا من غَيْرِ خَوْفٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً فلم يَعْلِفْهَا حتى مَاتَتْ ضَمِنَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
قُلْت لَكِنْ يَحْرُمُ تَرْكُ عَلَفِهَا وَيَأْثَمُ حتى وَلَوْ قال له لَا تَعْلِفْهَا على ما يَأْتِي
فَوَائِدُ
منها لو أَمَرَهُ بِعَلَفِهَا لَزِمَهُ ذلك مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مع قَبُولِهِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
وَمِنْهَا لو نَهَاهُ عن عَلَفِهَا انْتَفَى وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَظِّ الْمَالِكِ
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرْمَةِ فَلَا أَثَرَ لِنَهْيِهِ وَالْوُجُوبُ بَاقٍ بِحَالِهِ
قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ يَضْمَنُ
وَمِنْهَا إنْ كان إنْفَاقُهُ عليها بِإِذْنِ رَبِّهَا فَلَا كَلَامَ وَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ فَأَنْفَقَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ بِهِ وَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كان مع تَعَذُّرِهِ وَأَشْهَدَ على الْإِنْفَاقِ فَلَهُ الرُّجُوعُ
____________________
(6/320)
قال الْحَارِثِيُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً حَكَاهُ الْأَصْحَابُ
وَإِنْ كان مع إمْكَانِ إذْنِ الْحَاكِمِ ولم يستاذنه بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ فَقَطْ لم يَرْجِعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ هُنَا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ في بَابِ الرَّهْنِ وَالْمُنَوِّرِ
وَقِيلَ يَرْجِعُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ في بَابِ الرَّهْنِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ إذَا أَنْفَقَ الْمُودِعُ على الْحَيَوَانِ الْمُسْتَوْدَعِ نَاوِيًا لِلرُّجُوعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُ مَالِكِهِ رَجَعَ وَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ فَطَرِيقَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنَّهُ على الرِّوَايَتَيْنِ في قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً في نَفْسِهِ تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ على قَضَاءِ الدَّيْنِ أَحْيَانًا وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي
وَالثَّانِيَةُ لَا يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ مُتَابَعَةً لِأَبِي الْخَطَّابِ انْتَهَى
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الرَّهْنِ أَيْضًا
ومنها ( ( ( منها ) ) ) لو خِيفَ على الثَّوْبِ الْعُثُّ وَجَبَ عليه نَشْرُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَتَلِفَ ضَمِنَ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال اُتْرُكْهَا في كُمِّك فَتَرَكَهَا في جَيْبِهِ لم يَضْمَنْ
____________________
(6/321)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَيَتَخَرَّجُ على الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ بِالضَّمَانِ بِالْإِحْرَازِ فِيمَا فَوْقَ الْعَيْنِ وُجُوبُ الضَّمَانِ هُنَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا في يَدِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا لَا يَضْمَنُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالثَّانِي يَضْمَنُ وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي
قال الْحَارِثِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ في كِتَابَيْهِ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ
وفي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ تَلِفَتْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الْيَدَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَحْرَزُ
وَإِنْ تَلِفَتْ لِنَوْمٍ أو نِسْيَانٍ ضَمِنَ لِأَنَّهَا لو كانت في الْكُمِّ مَرْبُوطَةً لَمَا ذَهَبَتْ
فَوَائِدُ
الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ وَالْخِلَافُ لو قال اُتْرُكْهَا في يَدِك فَتَرَكَهَا في كُمِّهِ قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْقَاضِي الْيَدُ أَحْرَزُ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ وَالْكُمُّ احرز عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَالَبَةِ
فَعَلَى هذا إنْ أَمَرَهُ بِتَرْكِهَا في يَدِهِ فَشَدَّهَا في كُمِّهِ في غَيْرِ حَالِ الْمُغَالَبَةِ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ فَعَلَ ذلك عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ ضَمِنَ
الثَّانِيَةُ لو جَاءَهُ إلَى السُّوقِ وَأَمَرَهُ بِحِفْظِهَا في بَيْتِهِ فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ إلَى مُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ ضَمِنَ
____________________
(6/322)
جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ فقال الْأَصْحَابُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَالْحَالَةُ هذه وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَمَالَ إلَيْهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّالِثَةُ لو دَفَعَهَا إلَيْهِ وَأَطْلَقَ ولم يُعَيِّنْ مَوْضِعًا فَتَرَكَهَا بِجَيْبِهِ أو يده ( ( ( بيده ) ) ) أو شَدَّهَا في كُمِّهِ أو تَرَكَ في كُمِّهِ ثِقَلًا بِلَا شَدٍّ أو تَرَكَهَا في وَسَطِهِ وَشَدَّ عليها سَرَاوِيلَهُ لم يَضْمَنْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وكذا لو شَدَّهَا على عَضُدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْقَاضِي إنْ شَدَّهَا على عَضُدِهِ من جَانِبِ الْجَيْبِ لم يَضْمَنْهَا وَإِنْ شَدَّهَا من الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَمِنَ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إنْ تَرَكَهَا في جَيْبٍ أو كُمٍّ ضَمِنَ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ إنَّ الطَّرَّارَ لَا يُقْطَعُ
وقال أَيْضًا إنْ تَرَكَهُ في رَأْسِهِ أو غَرَزَهُ في عِمَامَتِهِ أو تَحْتَ قَلَنْسُوَتِهِ احْتَمَلَ أَنَّهُ حِرْزٌ مِثْلُهُ
الرَّابِعَةُ إذَا اسْتَوْدَعَهُ خَاتَمًا وقال اجْعَلْهُ في الْخِنْصَرِ فَلَبِسَهُ في الْبِنْصِرِ فَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ فَهِيَ أَحْرَزُ
وَفِيهِ الْوَجْهُ الْمُخَرَّجُ الْمُتَقَدِّمُ
لَكِنْ إنْ انْكَسَرَ لِغِلَظِهَا ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا
وَإِنْ قال اجْعَلْهُ في الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ في الْخِنْصَرِ ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ أَيْضًا
____________________
(6/323)
وَإِنْ جَعَلَهُ في الْوُسْطَى وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ في جَمِيعِهَا لم يَضْمَنْ ذَكَرَهُ في الْكَافِي وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ أَيْضًا
وَإِنْ لم يَدْخُلْ في جَمِيعِهَا فَجَعَلَهُ في بَعْضِهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَدْنَى من الْمَأْمُورِ بِهِ
الْخَامِسَةُ لو قال احْفَظْهَا في هذا الْبَيْتِ وَلَا تُدْخِلْهُ أَحَدًا فَخَالَفَ وَتَلِفَتْ بِحَرْقٍ أو غَرَقٍ أو سَرِقَةٍ غير الدَّاخِلِ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَالثَّانِي يَضْمَنُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ
قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى من يَحْفَظُ مَالَهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ لم يَضْمَنْ
وَكَذَا خَادِمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيِّ وَنَصَرَهُ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَضْمَنُ ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى
قال الْحَارِثِيُّ وَأَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ عن بن أبي مُوسَى وَجْهًا ولم أَجِدْهُ في الْإِرْشَادِ
فَوَائِدُ
منها أَلْحَقَ في الرَّوْضَةِ الْوَلَدَ وَنَحْوَهُ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ
قُلْت إنْ كان مِمَّنْ يَحْفَظُ مَالَهُ فَلَا إشْكَالَ في إدْخَالِهِ وَإِلَّا فَلَا في الْجَمِيعِ حتى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ وَالْخَادِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ وكذلك قال الْحَارِثِيُّ
وَقَوْلُهُ إلَى من يَحْفَظُ مَالَهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ اعْتِبَارٌ لِوُجُودِ وَصْفِ الْحِفْظِ لِمَالِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ على ما تَقَدَّمَ فَإِنْ لم يُوجَدْ ضَمِنَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ وهو كما قال انْتَهَى
____________________
(6/324)
وَمِنْهَا لو رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى من جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَ الْمُودِعِ بِكَسْرِ الدَّالِ كَزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَعَبْدِهِ فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ نَصَّ عليه
وَقِيلَ يَضْمَنُ حَكَاهُ بن أبي مُوسَى وَجْهًا
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْعَارِيَّةِ
وَمِنْهَا لو دَفَعَهَا إلَى الشَّرِيكِ ضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ
وَمِنْهَا له الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجَانِبِ في الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ وَسَقْيِ الدَّابَّةِ وَعَلَفِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ أو حَاكِمٍ ضَمِنَ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ وقال الْقَاضِي له ذلك
إذَا أَوْدَعَ الْمُودَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْوَدِيعَةَ لِأَجْنَبِيٍّ أو حَاكِمٍ فَلَا يَخْلُو فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ كان لِعُذْرٍ جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ في الْجُمْلَةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ من تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ له الْإِيدَاعُ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ كان لِغَيْرِ عُذْرٍ لم يَجُزْ وَيَضْمَنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يَجُوزُ إيدَاعُهَا لِلْحَاكِمِ مع الْإِقَامَةِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ
وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ في الْفُرُوعِ فَهُوَ أَعَمُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كان الثَّانِي عَالِمًا بِالْحَالِ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان جَاهِلًا لم يَلْزَمْهُ
وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ ليس له مُطَالَبَتُهُ أَيْ تَضْمِينُهُ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَقَالَا إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ليس لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ على
____________________
(6/325)
الْمَنْصُوصِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ والفائق ( ( ( الفائق ) ) ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في التَّلْخِيصِ وهو ضَعِيفٌ
وقال الْقَاضِي له ذلك يَعْنِي مُطَالَبَتُهُ
قال في الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ له تَضْمِينَ الثَّانِي ايضا لَكِنْ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْأَوَّلِ وهو رِوَايَةٌ في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال في التَّعْلِيقِ هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
قال الشَّارِحُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
فقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَوْدَعَهَا بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَا وَقَرَارُهُ عليه فَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي إنْ جَهِلَ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا كَمُرْتَهِنٍ في وَجْهٍ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا أو خَافَ عليها عِنْدَهُ رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا
وكذا إلَى وَكِيلِهِ في قَبْضِهَا إنْ كان
فَإِنْ لم يَجِدْهُ حَمَلَهَا معه إن كان أَحْفَظَ لها
مُرَادُهُ إذَا لم يَنْهَهُ عن حَمْلِهَا معه
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا وكان مَالِكُهَا غَائِبًا وَوَكِيلُهُ فَلَهُ السَّفَرُ بها إنْ كان أَحْفَظَ لها ولم يَنْهَهُ عن حَمْلِهَا
وَإِنْ كان حَاضِرًا أو وَكِيلُهُ في قَبْضِهَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا بِإِذْنٍ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
____________________
(6/326)
قال في الْمُغْنِي وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ بها مع الْمَقْدِرَةِ على مَالِكِهَا أو نَائِبِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ أَنَّهُ مُفَرِّطٌ عليه الضَّمَانُ انْتَهَى
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وهو الصَّوَابُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي له السَّفَرُ بها إنْ كان أَحْفَظَ لها ولم يَنْهَهُ عنها وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
تنبيهان ( ( ( تنبيهات ) ) )
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَجِدْهُ حَمَلَهَا معه إنْ كان أَحْفَظَ لها أَنَّ له السَّفَرَ بِشَرْطِهِ وَلَا يَضْمَنُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وقال الْقَاضِي في رؤوس الْمَسَائِلِ إذَا سَافَرَ بها ضَمِنَ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ في الْخَوْفِ مع الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُهَا معه وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ النَّصِّ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو الصَّوَابُ
قال في الْمُبْهِجِ لَا يُسَافِرُ بها إلَّا إذَا كان الْغَالِبُ السَّلَامَةَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي له حَمْلُهَا وأطلقهما في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَوَائِدُ
منها جَوَازُ السَّفَرِ بها مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لم يَنْهَهُ عن حَمْلِهَا معه فَإِنْ نَهَاهُ امْتَنَعَ وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بها لِعُذْرٍ كَجَلَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُجُومِ عَدُوٍّ أو حَرَقٍ أو غَرَقٍ فَلَا ضَمَانَ
____________________
(6/327)
وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ بِالتَّرْكِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا تَرَكَ فِعْلَ الْأَصْلَحِ وَالْحَالَةُ هذه
وَمِنْهَا لو أَوْدَعَ مُسَافِرًا فَسَافَرَ بها وَتَلِفَتْ في السَّفَرِ فَلَا ضَمَانَ عليه
وَمِنْهَا لو هَجَمَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عليه فَأَلْقَى الْمَتَاعَ إخْفَاءً له وَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عليه
وَمِنْهَا له الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عليها بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال وَيَتَوَجَّهُ فيه كَنَظَائِرِهِ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ
وفي مُؤْنَةِ رَدِّ من بَعُدَ خِلَافٌ في الِانْتِصَارِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِلَّا دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ
يَعْنِي إذَا خَافَ عليها بِحَمْلِهَا ولم يَجِدْ مَالِكَهَا وَلَا وَكِيلَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عليه دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ إنْ قَدَرَ عليه قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ثِقَةٍ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ خَافَ عليها أَوْدَعَهَا حَاكِمًا أو أَمِينًا
وَقِيلَ لَا تُودَعُ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ هُنَا أَنْ يراعي الْأَصْلَحُ في دَفْعِهَا إلَى الْحَاكِمِ أو الثِّقَةِ فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرُ فَالْحَاكِمُ
فَائِدَةٌ الْوَدَائِعُ التي جُهِلَ مُلَّاكُهَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيها بِدُونِ حَاكِمٍ نَصَّ عليه وكذا وان فُقِدَ ولم يُطَّلَعْ على خَبَرِهِ وَلَيْسَ له وَرَثَةٌ يَتَصَدَّقُ بها نَصَّ عليه ولم يَعْتَبِرْ حَاكِمًا
____________________
(6/328)
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ليس له الصَّدَقَةُ بها إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إذْنُ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْغَصْبِ وَآخِرِ الرَّهْنِ
وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ قَبُولُ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَدَيْنِ الْغَائِبِ وَالْمَالِ الضَّائِعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في التَّلْخِيصِ الْأَصَحُّ اللُّزُومُ في قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَالْغُصُوبِ وَالدَّيْنِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ ذلك
يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ أَوْدَعَهَا ثِقَةً
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ لَا تُودَعُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ وَقَطَعَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى غَيْرِ الْحَاكِمِ لِعُذْرٍ أو غَيْرِ عُذْرٍ
ثُمَّ أَوَّلًا ذلك على الدَّفْعِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أو مع الْقُدْرَةِ على الْحَاكِمِ
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ النَّصُّ صَرِيحٌ في ذلك وَذَكَرَهُ
وَقِيلَ لَا تُودَعُ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ نَصًّا
قال في الرِّعَايَةِ وَنَصُّهُ مَنْعُهُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ
وقال في النَّوَادِرِ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِيدَاعَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِخَوْفِهِ عليها وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على الْمُقِيمِ لَا الْمُسَافِرِ
____________________
(6/329)
فَائِدَةٌ حُكْمُ من حَضَرَهُ الْمَوْتُ حُكْمُ من أَرَادَ سَفَرًا على ما تَقَدَّمَ من أَحْكَامِهِ إلَّا في أَخْذِهَا معه
قَوْلُهُ أو دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بها ثِقَةً يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ
يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ بِالْخِيرَةِ بين دَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ وَبَيْنَ دَفْنِهَا وَإِعْلَامِ ثِقَةٍ يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ بها
قال الْحَارِثِيُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ دَفَنَهَا بِمَكَانٍ واعلم بها سَاكِنَهُ فَكَإِيدَاعِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَلَوْ دَفَنَهَا بِمَكَانٍ وَأَعْلَمَ السَّاكِنَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَقِيلَ إعْلَامُهُ كَإِيدَاعِهِ انْتَهَوْا
وَأَطْلَقَ في ضَمَانِهَا إذَا دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بها ثِقَةً وَجْهَيْنِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا تَبَرَّمَ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) فَلَيْسَ له الدَّفْعُ إلَى غَيْرِ الْمُودِعِ أو وَكِيلِهِ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِمَا أو لَا وَسَوَاءٌ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وهو كَذَلِكَ وَنَصَّ على الْمَنْعِ من إيدَاعِ الْغَيْرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال في الْكَافِي إنْ لم يَجِدْ الْمَالِكَ دَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَدَّى فيها فَرَكِبَ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ نَفْعِهَا وَلَبِسَ الثَّوْبَ وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا أو لِشَهْوَةِ رُؤْيَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا أو جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بها أو كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا وَكَذَا لو حَلَّهُ ضَمِنَهَا
إذَا تَعَدَّى فيها فَفَعَلَ ما ذَكَرَ غير جُحُودِهَا ثُمَّ إقْرَارُهُ بها فَالصَّحِيحُ من
____________________
(6/330)
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الْفَائِقِ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ ما يَدُلُّ على نَفْيِ الضَّمَانِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ إذَا أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا أو لِشَهْوَةِ رُؤْيَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا اخْتَارَهُ بن الزَّاغُونِيِّ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا أو حَلَّهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَعُودُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ
وَأَمَّا إذَا جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بها فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا من حَيْثُ الْجُمْلَةِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وقال وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ ما يَدُلُّ على نَفْيِ الضَّمَانِ
قَوْلُهُ أو خَلَطَهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ منه ضَمِنَهَا
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في التَّلْخِيصِ وَمَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ يَضْمَنُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال ظَاهِرُ نَقْلِ الْبَغَوِيّ لَا يَضْمَنُ ولم يَتَأَوَّلْهُ في النَّوَادِرِ
وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمَنْثُورِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال لِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ في الْوَكِيلِ كَوَدِيعَتِهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَضْمَنُ بِخَلْطِ النُّقُودِ وَنَقَلَهُ عبد اللَّهِ الْبَغَوِيّ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ لو تَلِفَ بَعْضُ الْمُخْتَلَطِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ جَعَلَ التَّلَفَ كُلَّهُ من مَالِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ من الْوَدِيعَةِ نَصَّ عليه
____________________
(6/331)
فَائِدَةٌ لو اخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ثُمَّ ضَاعَ الْبَعْضُ جَعَلَ من مَالِ الْمُودِعِ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ أَنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ
قال الْمَجْدُ وَلَا يَبْعُدُ على هذا أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ لم يَضْمَنْ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ على نَقْصِهَا بِالْخَلْطِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فَضَاعَ الْكُلُّ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ التَّعْلِيقِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ
وهو عَجِيبٌ من الشَّارِحِ إذْ الْكِتَابُ الْمَشْرُوحُ حَكَى الْخِلَافَ لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُغْنِيَ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ إنْ لم يَفْتَحْ الْوَدِيعَةَ
وقيل ( ( ( وقل ) ) ) لَا يَضْمَنُ شيئا
قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا فَكَذَلِكَ
يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فيه كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا رَدَّ الْمَأْخُوذَ بِعَيْنِهِ جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ
وكذا الْحُكْمُ لو أَذِنَ صَاحِبُهَا له في الْأَخْذِ منها فَأَخَذَ ثُمَّ رَدَّ بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان غير مُتَمَيِّزٍ ضَمِنَ الْجَمِيعَ
____________________
(6/332)
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ إن لَا يَضْمَنَ غَيْرَهُ
وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
وَحَكَى عنه من رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِتَضْمِينِ الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ قال هو قَوْلُ سُوءٍ
وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَقَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وقال هو الْمَذْهَبُ
وَمَالَ إلَيْهِ في الْمُغْنِي وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمُحَرَّرِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنْ لم يَدْرِ أَيَّهُمَا ضَاعَ ضَمِنَ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ لو كان الدِّرْهَمُ أو بَدَلُهُ غير مُتَمَيِّزٍ وَتَلِفَ نِصْفُ الْمَالِ فَقِيلَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ الدِّرْهَمِ أو بَدَلِهِ وَلَا يَجِبُ مع الشَّكِّ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ قال الزَّرْكَشِيُّ إذَا رَدَّ بَدَلَ ما أَخَذَ فَلِلْأَصْحَابِ في ذلك طُرُقٌ
أَحَدُهَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِقْدَارُ ما أَخَذَ سَوَاءٌ كان الْبَدَلُ مُتَمَيِّزًا أو غير مُتَمَيِّزٍ
وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
وَأَنْكَرَ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ على من يقول بِتَضْمِينِ الْجَمِيعِ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَمَيَّزَ الْبَدَلُ ضَمِنَ قَدْرَ ما أَخَذَ فَقَطْ وَإِنْ لم يَتَمَيَّزْ
____________________
(6/333)
فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمَجْدِ
وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فيهما ( ( ( فيها ) ) ) وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ
وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ إنْ تَمَيَّزَ الْبَدَلُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ لم يَتَمَيَّزْ ضَمِنَ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ في التَّلْخِيصِ
وَيَقْرَبُ منه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في الْمُقْنِعِ وَكَلَامُ الْقَاضِي على ما حَكَاهُ في الْمُغْنِي
وَبِالْجُمْلَةِ هذه الطَّرِيقَةُ وَإِنْ كانت حَسَنَةً لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِنُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى
الثَّانِي شَرَطَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ وَنَحْوُهَا غير مَخْتُومَةٍ وَلَا مَشْدُودَةٍ فَلَوْ كانت كَذَلِكَ فَحَلَّ الشَّدَّ أو فَكَّ الْخَتْمَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ قَوْلًا وَاحِدًا
قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ هو قِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ مِمَّا إذَا فَتَحَ قَفَصًا عن طَائِرٍ فَطَارَ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَا يَصِحُّ هذا الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْفَتْحَ عن الطَّائِرِ إضَاعَةٌ له فَهُوَ كَحَلِّ الزِّقِّ
وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا ما أَخَذَ
قال في التَّلْخِيصِ وَرَوَى الْبَغَوِيّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على ذلك
وَيَنْبَنِي على ذلك لو خَرَقَ الْكِيسَ فَإِنْ كان من فَوْقِ الشَّدِّ لم يَضْمَنْ إلَّا الْخَرْقَ وَإِنْ كان من تَحْتِ الشَّدِّ ضَمِنَ الْجَمِيعَ على الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
الثَّالِثُ قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّعَدِّي بَلْ لَا بُدَّ من فِعْلٍ أو قَوْلٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ
____________________
(6/334)
وقال الْقَاضِي وقد قِيلَ إنَّهُ يَضْمَنُ بِالنِّيَّةِ لِاقْتِرَانِهَا بِالْإِمْسَاكِ وهو فِعْلٌ كَمُلْتَقِطٍ نَوَى التَّمَلُّكَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وفي التَّرْغِيبِ قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَجْهًا بِالضَّمَانِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يَنْبَنِي على هذا الْوَجْهِ على أَنَّ الذي لَا يُؤَاخِذُ بِهِ هو الْهَمُّ أَمَّا الْعَزْمُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى
وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ اللُّقَطَةِ في بَابِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عليها
قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً ضَمِنَهَا ولم يَبْرَأْ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى وَلِيِّهِ
إنْ كان الصَّبِيُّ غير مُمَيِّزٍ فَالْحُكْمُ كما قال الْمُصَنِّفُ
وَكَذَا أن كان مُمَيِّزًا ولم يَكُنْ مَأْذُونًا له
وَإِنْ كان مَأْذُونًا له صَحَّ إيدَاعُهُ فِيمَا أُذِنَ له بِالتَّصَرُّفِ فيه قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
فَائِدَةٌ لو أَخَذَ الْوَدِيعَةَ من الصَّبِيِّ تَخْلِيصًا لها من الْهَلَاكِ على وَجْهِ الْحِسْبَةِ
فقال في التَّلْخِيصِ يحتمل ( ( ( ويحتمل ) ) ) أَنْ لَا يَضْمَنَ كَالْمِلْكِ الضَّائِعِ إذَا حَفِظَهُ لِصَاحِبِهِ وهو الْأَصَحُّ ويحتمل ( ( ( يحتمل ) ) ) أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له عليه
قال وَهَكَذَا يَخْرُجُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ من الْغَاصِبِ تَخْلِيصًا لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ انْتَهَى
وَاقْتَصَرَ الْحَارِثِيُّ على حِكَايَةِ كَلَامِهِ وَقَدَّمَ ما صَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وفي الرِّعَايَةِ وَقَطَعَ بِهِ في الْكَافِي
قَوْلُهُ وَإِنْ أُودِعَ الصَّبِيُّ وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ لم يَضْمَنْ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ
____________________
(6/335)
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وأطلقهما في الْفُرُوعِ في أَوَّلِ بَابِ الْحَجْرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهَا لم يَضْمَنْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وقال غَيْرُ الْقَاضِي من أَصْحَابِنَا لَا يَضْمَنُ انْتَهَوْا
قال الْحَارِثِيُّ قال بن حَامِدٍ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَإِلَيْهِ صَارَ الْقَاضِي آخِرًا وَذَكَرَهُ وَلَدُهُ أبو الْحُسَيْنِ ولم يذكر الْقَاضِي في رؤوس الْمَسَائِلِ سِوَاهُ
وَكَذَا قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ
قال بن عَقِيلٍ وهو أَصَحُّ عِنْدِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وقال الْقَاضِي يَضْمَنُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ أبو عَلِيِّ بن شِهَابٍ ولم يُورِدْ الشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وأبو الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنُ بن مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بن الْحَسَنِ الْحَدَّادُ سِوَاهُ انْتَهَى وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ وكذا السَّفِيهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَجَمَاعَةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ
وَقِيلَ إتْلَافُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ كَالرَّشِيدِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ
____________________
(6/336)
قال الْحَارِثِيُّ وَإِلْحَاقُهُ بِالرَّشِيدِ أَقْرَبُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا في رَقَبَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
قال الْحَارِثِيُّ وَبِهِ قال الْأَكْثَرُونَ من الْأَصْحَابِ أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وأبو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وبن بَكْرُوسٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهَا في ذِمَّتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَلَنَا وَجْهٌ في الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا من مِثْلِهِ في الصَّبِيِّ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ
تَنْبِيهٌ قِيلَ إنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ في الْعَبْدِ مَبْنِيَّانِ على الْوَجْهَيْنِ في الصَّبِيِّ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْقَاضِي وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَيَضْمَنُ وَيَكُونُ في رَقَبَتِهِ سَوَاءٌ كان مَحْجُورًا عليه أو مَأْذُونًا له
قال الْحَارِثِيُّ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وهو مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كما في الْجِنَايَةِ على النَّفْسِ انْتَهَى
وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
فَائِدَةٌ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ على صِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَالْمُودَعُ أَمِينٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ من رَدٍّ وَتَلَفٍ
____________________
(6/337)
يَعْنِي مع يَمِينِهِ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وعليه جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ هذا الْمَذْهَبُ
وَعَنْهُ إنْ دَفَعَهَا الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ إلَى الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ بِبَيِّنَةٍ لم تُقْبَلْ دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وبن مَنْصُورٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا ما قَالَهُ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ
وَخَرَّجَهَا بن عَقِيلٍ على أَنَّ الْإِشْهَادَ على دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا فَيَجِبُ فيه الضَّمَانُ
وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ مع دَعْوَى التَّلَفِ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ لَا يَحْلِفُ مُدَّعِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ إذَا لم يُتَّهَمْ
وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا بِأَتَمَّ من هذا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا لم يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ فَإِنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ فَإِنْ أَبْدَى سَبَبًا خَفِيًّا من سَرِقَةٍ أو ضَيَاعٍ وَنَحْوِهِ قُبِلَ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
وَإِنْ أَبْدَى سَبَبًا ظَاهِرًا من حَرِيقِ مَنْزِلٍ أو غَرَقِهِ أو هُجُومِ غَارَةٍ وَنَحْوِ ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِوُجُودِ ذلك السَّبَبِ في تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ وفي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يُشْعِرُ بِهِ
قال في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَيَكْفِي في ثُبُوتِ السَّبَبِ الِاسْتِفَاضَةُ وَقَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال في الْمُغْنِي وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْوِكَالَةِ
____________________
(6/338)
فَائِدَةٌ لو مَنَعَ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ منها أو مَطَلَهُ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عن الْأَمَانَةِ قَوْلُهُ وَأَذِنَ في دَفْعِهَا إلَى انسان يَعْنِي إذَا قال الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلْمُودِعِ أَذِنْت لي في دَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قال الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قال الْحَارِثِيُّ وهو قوى وَقِيلَ ذلك كَوِكَالَةٍ في قَضَاءِ دَيْنٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عليه لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ ما لم يُقِرَّ بِالْقَبْضِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رسول مُوَكِّلٍ وَمُودِعٍ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ضَمِنَ لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ وَيَحْتَمِلُ لَا وَإِنْ أَقَرَّ وقال قَصَّرْت لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ قال وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لو وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ في غَيْبَتِهِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ لِأَنَّ مَبْنَى الدَّيْنِ على الضَّمَانِ وَيَحْتَمِلُ إنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
____________________
(6/339)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو ادَّعَى الْأَدَاءَ إلَى وَارِثٍ لِمَالِكٍ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وَكَذَا دَعْوَى الْأَدَاءِ إلَى الْحَاكِمِ
الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى الْأَدَاءَ على يَدِ عَبْدِهِ أو زَوْجَتِهِ أو خَازِنِهِ فَكَدَعْوَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ
قَوْلُهُ وما يدعى عليه من خِيَانَةٍ أو تَفْرِيطٍ
يَعْنِي الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
فَائِدَةٌ هل يَحْلِفُ مدعى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ وَالْإِذْنُ في الدَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ وَمُنْكِرِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ وَنَحْوِ ذلك
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا نَصَّ عليه من وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَكَذَا قال الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى في الْوَكِيلِ
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ وَكَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وُجُوبَ التحلف ( ( ( التخلف ) ) )
قال وَلَا أَعْلَمُهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصًّا وَلَا إيمَاءً انْتَهَى
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على بَعْضِهِ قَرِيبًا
قَوْلُهُ وَإِنْ قال لم يُودِعْنِي ثُمَّ أَقَرَّ بها أو ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى الرَّدَّ أو التَّلَفَ لم يُقْبَلْ وَإِنْ أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً
نَصَّ عليه مُرَادُهُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أو التَّلَفَ قبل جُحُودِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ عليه الْوَدِيعَةَ يوم الْجُمُعَةِ فَيُنْكِرَهَا ثُمَّ يُقِرَّ أو تَقُومَ بَيِّنَةٌ بها فَيُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا تَلِفَتْ أو رَدَّهَا يوم الْخَمِيسِ أو قَبْلَهُ مَثَلًا فَالْمَذْهَبُ في هذا كما قال الْمُصَنِّفُ من أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/340)
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ من رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وهو الْحَقُّ
وقال وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَأَمَّا إنْ ادَّعَى الرَّدَّ أو التَّلَفَ بَعْدَ جُحُودِهِ بها بِأَنْ يَدَّعِيَ عليه يوم الْجُمُعَةِ فَيُنْكِرَ ثُمَّ يُقِرَّ وَتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ بِتَلَفِهَا أو رَدِّهَا يوم السَّبْتِ أو بَعْدَهُ مَثَلًا فَهَذَا تُقْبَلُ فيه الْبَيِّنَةُ بِالرَّدِّ قَوْلًا وَاحِدًا
وَتُقْبَلُ في التَّلَفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ وَتُسْمَعُ بِتَلَفٍ
وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَجَمَاعَةٍ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَاقْتَصَرَ في الْمُحَرَّرِ على قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا ادَّعَى رَدًّا مُتَأَخِّرًا
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تَلَفًا مُتَأَخِّرًا لَا يُقْبَلُ وكذا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ أو الرَّدِّ ولم تُعَيِّنْ هل ذلك قبل جُحُودِهِ أو بَعْدَهُ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لم يَسْقُطْ الضَّمَانُ
قُلْت وَيَحْتَمِلُ السُّقُوطُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ
الثَّانِيَةُ لو قال لَك وَدِيعَةٌ ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ بَقَائِهَا ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا أو ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْأُولَى في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
____________________
(6/341)
وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وإذا قال عِنْدِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ قال وَدِيعَةٌ
وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ في بَابِ ما إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وقال الْقَاضِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ قال في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ إذَا قال لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ دَفَعْتهَا إلَيْك صُدِّقَ انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ
وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا وأنكره ( ( ( وأنكر ) ) ) وَرَثَتُهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كما لو كان حَيًّا
ثُمَّ وَجَدْته في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال ما لَك عِنْدِي شَيْءٌ قبل قَوْلِهِ في الرَّدِّ وَالتَّلَفِ بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ إنْ وَقَعَ التَّلَفُ بَعْدَ الْجُحُودِ وَجَبَ الضَّمَانُ لإستقرار حُكْمِهِ بِالْجُحُودِ فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وقال وَالْإِطْلَاقُ هُنَا مَحْمُولٌ عليه
وقال الزَّرْكَشِيُّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ في الرَّدِّ وَالتَّلَفِ
وَلَا فَرْقَ بين قَبْلِ الْجُحُودِ وَبَعْدَهُ على ظَاهِرِ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وقد قِيلَ إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ
قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُودَعُ فَادَّعَى وَارِثُهُ الرَّدَّ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِلَا نِزَاعٍ
وَكَذَا حُكْمُ دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ وَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ
____________________
(6/342)
قال في الْقَوَاعِدِ وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُ دَعْوَاهُ في حَالَةٍ لَا يَضْمَنُ فيها بِالتَّلَفِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا في هذه الْحَالَةِ
وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا لم يُقْبَلْ أَيْضًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ وقد يَتَخَرَّجُ لنا قَوْلٌ بِالْقَبُولِ من أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا كان عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ في حَيَاتِهِ لم تُوجَدْ بِعَيْنِهَا وَلَا يَعْلَمُ بَقَاءَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُصُولِ في يَدِ الْوَارِثِ وكذلك ما لو ادَّعَى التَّلَفَ في يَدِ مُوَرِّثِهِ انْتَهَى
قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْرِيجِ إذَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ على هذا الْوَجْهِ مُنْتَفٍ سَوَاءٌ ادَّعَى الْوَارِثُ الرَّدَّ أو التَّلَفَ أو لم يَدَّعِ شيئا
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْوَارِثِ قبل إمْكَانِ رَدِّهَا لم يَضْمَنْهَا بِلَا نِزَاعٍ وَبَعْدَهُ يَضْمَنُهَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمَشْهُورُ الضَّمَانُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وقال ذَكَرَهُ أكثر ( ( ( أكبر ) ) ) الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُهَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ إلَّا الْمُصَنِّفَ
قُلْت قد أَشَارَ إلَيْهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وأطلقهما في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا إنْ لم يَعْلَمْ بها صَاحِبُهَا جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
____________________
(6/343)
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو أَوْلَى وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ إذَا حَصَلَ في يَدِهِ أَمَانَةٌ بِدُونِ رِضَى صَاحِبِهَا وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى رَدِّهَا مع الْعِلْمِ بِصَاحِبِهَا وَالتَّمَكُّنِ منه وَدَخَلَ في ذلك اللُّقَطَةُ
وَكَذَا الْوَدِيعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالرَّهْنُ وَنَحْوُهَا إذَا مَاتَ الْمُؤْتَمَنُ وَانْتَقَلَتْ إلَى وارثة
وكذا لو أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ لِغَيْرِهِ
ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا من الْأَصْحَابِ قالوا هُنَا الْوَاجِبُ الرَّدُّ
وَصَرَّحَ كَثِيرٌ منهم بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الرَّدُّ أو الْإِعْلَامُ كما في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ بن عَقِيلٍ وهو مُرَادُ غَيْرِهِمْ
ثُمَّ إنَّ الثَّوْبَ هل يَحْصُلُ في يَدِهِ لِسُقُوطِهِ في دَارِهِ من غَيْرِ إمْسَاكٍ أو لَا
قال الْقَاضِي لَا يَحْصُلُ في يَدِهِ بِذَلِكَ وَخَالَفَ بن عَقِيلٍ
وَالْخِلَافُ هُنَا مُنَزَّلٌ على الْخِلَافِ فِيمَا إذَا حَصَلَ في أَرْضِهِ من الْمُبَاحَاتِ هل يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الْبَيْعِ
وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَانَاتِ إذَا فَسَخَهَا الْمَالِكُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْوِكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَجِبُ الرَّدُّ على الْفَوْرِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَسَوَاءٌ كان الْفَسْخُ في حَضْرَةِ الْأَمِينِ أو غَيْبَتِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ
وَعَلَى قِيَاسِ ذلك الرَّهْنُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ
وَذَكَرَ طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ في الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لَا يَجِبُ على الْمُسْتَأْجِرِ فِعْلُ الرَّدِّ وَمِنْهُمْ من ذَكَرَ في الرَّهْنِ كَذَلِكَ
ذَكَرَ مَعْنَى ذلك في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمُودَعُ ولم يُبَيِّنْ الْوَدِيعَةَ ولم تُعْلَمْ فَهِيَ دَيْنٌ في تَرِكَتِهِ
تَقَدَّمَ ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ
____________________
(6/344)
فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ تَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ أو وَرَثَتِهِ أو بَيِّنَتِهِ
وَإِنْ وُجِدَ خَطُّ موروثة لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَعَلَى كِيسٍ هذا لِفُلَانٍ عُمِلَ بِهِ وُجُوبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَيُعْمَلُ بِهِ على الْأَصَحِّ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ في الْوَصِيَّةِ وَنَصَرَهُ وَرَّدَ غَيْرُهُ
وقال قَالَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ
وَقِيلَ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ تَرِكَةً
اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَنَصَرَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ
وَإِنْ وُجِدَ خَطُّهُ بِدَيْنٍ له على فُلَانٍ حَلَفَ الْوَارِثُ وَدَفَعَ إلَيْهِ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَإِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ
وَإِنْ وُجِدَ خَطُّهُ بِدَيْنٍ عليه فَقِيلَ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ تَرِكَةً مَقْسُومَةً
اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ يُعْمَلُ بِهِ وَيَدْفَعُ إلَى من هو مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ
قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى من هو مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ أَوْمَأَ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
وهو الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ هو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَارِثِيِّ فإنه قال والكتابه بِالدُّيُونِ عليه كَالْكِتَابَةِ بالوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) كما قَدَّمْنَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ منهم السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ انْتَهَى
____________________
(6/345)
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ فَأَقَرَّ بها لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ له مع يَمِينِهِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
لَكِنْ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا اللَّفْظُ ليس على ظَاهِرِهِ من جهة أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ كَمَالَ الِاسْتِحْقَاقِ يَتَوَقَّفُ على الْيَمِينِ وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ حَالَ رَدِّهَا على الْمُدَّعِي عِنْدَ من قال بِهِ أو حَالَ تَعَذُّرِ كَمَالِ الْبَيِّنَةِ وما نَحْنُ فيه ليس وَاحِدًا من الْأَمْرَيْنِ
لَا يُقَالُ الْمُودِعُ شَاهِدٌ وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَاعْتُبِرَتْ له الْعَدَالَةُ وَصِيغَةُ الشَّهَادَةِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ على حَلِفِهِ لِلْمُدَّعِي انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْضًا للمدعى الْآخَرِ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ هُنَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ حَلَفَ في الْأَصَحِّ ذَكَرَاهُ في بَابِ الدعاوي
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ نَكَلَ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلثَّانِي بِلَا نِزَاعٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَبَيَّنَ لِلْمُقِرِّ بَعْدَ الِاقْتِرَاعِ أنها لِلْمَقْرُوعِ فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ قد مَضَى الْحُكْمُ أَيْ لَا تُنْزَعُ من الْقَارِعِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَقْرُوعِ
الثَّانِيَةُ لو دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى من يَظُنُّهُ صَاحِبُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ضَمِنَهَا لِتَفْرِيطِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي
وَخَرَّجَ في الْقَوَاعِدِ وَجْهًا بِعَدَمِ الضَّمَانِ عليه وَإِنَّمَا هو على الْمُتْلِفِ وَحْدَهُ
____________________
(6/346)
قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بها لَهُمَا فَهِيَ لَهُمَا وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
فَإِنْ نَكَلَ فَعَلَيْهِ بَذْلُ نِصْفِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَلِفُ لِصَاحِبِهِ كما تَقَدَّمَ
ولم يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ
قَوْلُهُ فَإِنْ قال لَا أَعْرِفُ صَاحِبُهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ
يَعْنِي يَمِينًا وَاحِدَةً
إذَا أَقَرَّ بها لِأَحَدِهِمَا وقال لَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ
فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ أو لَا فَإِنْ صَدَّقَاهُ فَلَا يَمِينَ عليه إذْ لَا اخْتِلَافَ وَعَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لِأَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ مع يَمِينِهِ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ وقال هو الْمَذْهَبُ وَنُصُوصُ أَحْمَدَ تَقْتَضِيهِ
وَإِنْ لم يُصَدِّقَاهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُكَذِّبَاهُ أو يَسْكُتَا فَإِنْ لم يُكَذِّبَاهُ قبل قَوْلِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ
ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ منهم أبو الْخَطَّابِ وأبو الْحُسَيْنِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَذَكَرَ عن الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا آخَرَ وَعَلَّلَهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ حَقٌّ إنْ لم يَقُمْ دَلِيلٌ على اعْتِبَارِ صَرِيحِ الدَّعْوَى لِوُجُوبِ الْيَمِينِ انْتَهَى
ثُمَّ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يُقْرَعُ بين الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أنها له وأعطى
وَإِنْ كَذَّبَاهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كما قال الْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ من الْأَصْحَابِ
وَتَقَدَّمَ ان الْمَذْهَبَ لَا يَمِينَ على مدعى التَّلَفِ وَمُنْكِرِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ وَنَحْوِهِ
____________________
(6/347)
إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا وَهَذَا كَذَلِكَ فَلَا يَمِينَ على الْمَذْهَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْحَلِفِ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْحَارِثِيُّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ كما في إنْكَارِ أَصْلِ الْإِيدَاعِ قال وَهَذَا قَوِيٌّ انْتَهَى
وإذا تَحَرَّرَ هذا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَ كما قال الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عليه في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ من وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ
وَإِنْ نَكَلَ الْمُودَعُ عن الْيَمِينِ فقال في الْمُجَرَّدِ يقضي عليه بِالنُّكُولِ فَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِالْإِقْرَارِ لِأَحَدِهِمَا
فَإِنْ أَبَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ولم يذكر غُرْمًا
وقال في التَّلْخِيصِ يَقْوَى عِنْدِي أَنَّ من جُمْلَةِ الْقَضَايَا لِنُكُولِ غُرْمِ الْقِيمَةِ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ
قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا قال غَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ
فَعَلَى هذا يُؤْخَذُ بِالْقِيمَةِ مع الْعَيْنِ فَيَقْتَرِعَانِ عليها أو يَتَّفِقَانِ
هذه طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ وقال في كَلَامِ الْمُحَرَّرِ ما يَقْتَضِي الِاقْتِرَاعَ على الْعَيْنِ فَمَنْ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ لِلْآخَرِ قال وهو أَوْلَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ ما يَدَّعِيهِ في هذه الْحَالَةِ أو بَدَلَهُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَالتَّعَذُّرُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَخْذِ فَتَعَيَّنَ الِاقْتِرَاعُ انْتَهَى
قال في التَّلْخِيصِ كَذَلِكَ إذَا قال أَعْلَمُ الْمُسْتَحَقَّ وَلَا أَحْلِفُ
وَيَأْتِي الْكَلَامُ بِأَتَمَّ من هذا في بَابِ الدعاوي وَالْبَيِّنَاتِ في الْقِسْمِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(6/348)
فَائِدَةٌ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْعَيْنِ لِأَخْذِ الْقِيمَةِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ وَرُدَّتْ الْقِيمَةُ إلَى الْمُودِعِ وَلَا شَيْءَ لِلْقَارِعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ
مُرَادُهُ إذَا كان يَنْقَسِمُ وهو مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْقُصُ بِتَفْرِقَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أو الْحَاكِمِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالنَّاظِمُ
وَكَذَا الْحُكْمُ لو كان الشَّرِيكُ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ من الْمُطَالَبَةِ بِنَصِيبِهِ وَالْإِذْنُ في التَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غُصِبَتْ الْوَدِيعَةُ فَهَلْ لِلْمُودِعِ الْمُطَالَبَةُ بها على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا له الْمُطَالَبَةُ بها وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له ذلك اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ
فَوَائِدُ
إحداها حُكْمُ الْمُضَارِبِ وَالْمُرْتَهَنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ في الْمُطَالَبَةِ إذَا غُصِبَ منهم ما بِأَيْدِيهِمْ حُكْمُ الْمُودَعِ قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقدم ( ( ( وقدمه ) ) ) في الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ ليس له
____________________
(6/349)
الْمُطَالَبَةُ في الْوَدِيعَةِ وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ في الْمُرْتَهَنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُضَارِبِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ مع حُضُورِ رَبِّ الْمَالِ
الثَّانِيَةُ لو أُكْرِهَ على دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِ رَبِّهَا لم يَضْمَنْ قَالَهُ الْأَصْحَابُ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْمَذْهَبُ لَا يَضْمَنُ انْتَهَى
وفي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عن أبي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ الضَّمَانُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ افْتَدَى بِهِ ضَرَرَهُ
وَعَنْ بن الزَّاغُونِيِّ إنْ أُكْرِهَ على التسليم ( ( ( التسلم ) ) ) بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا إثْمَ وَإِنْ نَالَهُ الْعَذَابُ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ
وَإِنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال أبو الْوَفَاءِ يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ
وَإِنْ أَخَذَهَا منه قَهْرًا لم يَضْمَنْ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وَقَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ
وَعِنْدَ أبي الْوَفَاءِ إنْ ظَنَّ أَخْذَهَا منه بِإِقْرَارِهِ كان دَالًّا وَيَضْمَنُ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَضْمَنُ الْمَالَ بِالدَّلَالَةِ وهو الْمُودَعُ
وفي فَتَاوَى بن الزَّاغُونِيِّ من صَادَرَهُ سُلْطَانٌ وَنَادَى بِتَهْدِيدِ من عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فلم يَحْمِلْهَا إنْ لم يُعَيِّنْهُ أو عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ ولم يَنَلْهُ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وإذا قِيلَ التَّوَعُّدُ ليس إكْرَاهًا فَتَوَعَّدَهُ السُّلْطَانُ حتى سَلَّمَ
____________________
(6/350)
فَجَوَابُ أبي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيِّ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَلَا إثْمَ وَفِيهِ بَحْثٌ
وإذا قِيلَ إنَّهُ إكْرَاهٌ فَنَادَى السُّلْطَانُ من لم يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهَا من غَيْرِ مُطَالَبَةٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَبِهِ أَجَابَ أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ في فَتَاوِيهِمَا
وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ حَلَفَ مُتَأَوِّلًا
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ له جَحْدُهَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لم يَحْلِفْ حتى أُخِذَتْ منه وَجَبَ الضَّمَانُ لِلتَّفْرِيطِ وَإِنْ حَلَفَ ولم يَتَأَوَّلْ أَثِمَ
وفي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا أبو الْخَطَّابِ في الْفَتَاوَى
قُلْت وَالصَّوَابُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مع إمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَقُدْرَتِهِ عليه وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ ولم يَفْعَلْهُ
ثُمَّ وَجَدْت في الْفُرُوعِ في بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ قال وَيُكَفِّرُ على الْأَصَحِّ إنْ أُكْرِهَ على الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ
فَأَجَابَ أبو الْخَطَّابِ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ كما لو أُكْرِهَ على إيقَاعِ الطَّلَاقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ بَحْثٌ وَحَاصِلُهُ إنْ كان الضَّرَرُ الْحَاصِلُ بِالتَّغْرِيمِ كَثِيرًا يُوَازِي الضَّرَرَ في صُوَرِ الْإِكْرَاهِ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ وَإِلَّا وَقَعَ على الْمَذْهَبُ انْتَهَى
وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ لَا يَسْقُطُ لِخَوْفِهِ من وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عن يَمِينِهِ
وفي فَتَاوَى بن الزَّاغُونِيِّ إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أو غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا وَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا وهو تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ نَقَلَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ
____________________
(6/351)
الثَّالِثَةُ لو أَخَّرَ رَدَّ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ وَبِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ كَالْخَوْفِ في الطَّرِيقِ وَالْعَجْزِ عن الْحَمْلِ وَعَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا لِسَيْلٍ أو نَارٍ وَنَحْوِ ذلك
وفي مَعْنَى ذلك إتْمَامُ الْمَكْتُوبَةِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَمُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ يَخَافُ فَوْتَهُ وَيُمْهَلُ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَالْمَطَرِ الْكَثِيرِ وَالْوَحْلِ الْغَزِيرِ أو لِكَوْنِهِ في حَمَّامٍ حتى يَخْرُجَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ إنْ قال أَمْهِلُونِي حتى آكُلَ فَإِنِّي جَائِعٌ أو أَنَامَ فَإِنِّي نَاعِسٌ أو يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ عَنِّي فَإِنِّي مُمْتَلِئٌ أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذلك
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ قال وَالظَّاهِرُ من كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَنْعُ التَّأْخِيرِ اعْتِبَارًا بِإِمْكَانِ الدَّفْعِ قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وقال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ إنْ أُخِّرَ لِكَوْنِهِ في حَمَّامٍ أو على طَعَامٍ إلَى قَضَاءِ غَرَضِهِ ضَمِنَ وَإِنْ لم يَأْثَمْ على وَجْهٍ
وَاخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ فقال يَجِبُ الرَّدُّ بِحَسَبِ الْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرٍ وَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ فلم أَرَ نَصًّا وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جَازَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ انْتَهَى
الرَّابِعَةُ لو أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ لم يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا طَلَبَهَا وَكِيلُهُ وَأَبَى الرَّدَّ
وإذا دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ ولم يُشْهِدْ ثُمَّ جَحَدَ الْوَكِيلُ لم يَضْمَنْ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ في قَضَاءِ الدَّيْنِ فإنه يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ شَأْنَ الْوَدِيعَةِ الْإِخْفَاءُ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
____________________
(6/352)
وَتَقَدَّمَ إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ في دَفْعِهَا إلَى إنْسَانٍ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُنَاكَ ما يَتَعَلَّقُ بهذا
الْخَامِسَةُ لو أَخَّرَ دَفْعَ مَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ كما تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الْوَدِيعَةِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَاخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي بِنَاءً على اخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ
قُلْت الْأَمْرُ الْمُجَرَّدُ عن الْقَرِينَةِ هل يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَمْ لَا
فيه خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا لِلْعُلَمَاءِ
من جُمْلَتِهَا أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوُجُوبِ دُونَ غَيْرِهِ كما اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا
ذَكَرَ الْأَقْوَالَ وَمَنْ قال بِكُلِّ قَوْلٍ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
السَّادِسَةُ لو قال خُذْ هذا وَدِيعَةً الْيَوْمَ لَا غَدًا وَبَعْدَهُ يَعُودُ وَدِيعَةً فَقِيلَ لَا تَصِحُّ الْوَدِيعَةُ من أَصْلِهَا
وَقِيلَ تَصِحُّ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ
وَقِيلَ تَصِحُّ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وفي بَعْدِ الْغَدِ
قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ هِيَ وَدِيعَةٌ على الدَّوَامِ ذَكَرَهُ عنه الْحَارِثِيُّ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَإِنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ في غَدٍ وَبَعْدَهُ تَعُودُ وَدِيعَةً تَعَيَّنَ رَدُّهُ
السَّابِعَةُ لو قال له كُلَّمَا خُنْت ثُمَّ عُدْت إلَى الْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ على الشَّرْطِ كَالْوِكَالَةِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
____________________
(6/353)
بَابُ احياء الْمَوَاتِ
قَوْلُهُ وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ التي لَا يُعْلَمُ أنها مُلِكَتْ
قال أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَوَاتُ من الْأَرْضِ هِيَ التي لم تُسْتَخْرَجْ ولم تُعْمَرْ
قال الْحَارِثِيُّ وَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ تَعْرِيفُ الْمَوَاتِ بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ الِانْدِرَاسُ وَانْتِفَاءُ الْعِلْمِ تَحْصِيلًا لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ عن أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ الذي لم يُسْتَخْرَجْ ولم يُعْمَرْ وَعَلَيْهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَذَكَرَهُ
قال وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ على ما قالوا لَكَانَ أَوْلَى وَأَبْيَنَ فإن الدُّثُورَ يَقْتَضِي حُدُوثَ الْعُطَلِ بَعْدَ أَنْ لم يَكُنْ حَيْثُ قالوا قَدِمَ وَدَرَسَ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ عِمَارَةٍ وهو مَنَافٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ
قال وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بالداثرة ( ( ( بالدائرة ) ) ) التي لم تُسْتَخْرَجْ ولم تُعْمَرْ وهو الْأَظْهَرُ من إيرَادِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ كان فيها آثَارُ الْمِلْكِ
فَعَلَى هذا يَكُونُ وَصْفُ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ تَعْرِيفًا لِمَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ من الْمَوَاتِ لَا لِمَاهِيَّةِ الْمَوَاتِ وَذَلِكَ حُكْمٌ من الْأَحْكَامِ
ثُمَّ ما يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ لَا يَكْفِي فيه ما قال فإن حَرِيمَ الْعَامِرِ وما كان حِمًى أو مُصَلًّى لَا يَمْلِكُ مع أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ
وَيَرِدُ أَيْضًا على ما قال ما عُلِمَ مِلْكُهُ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ فإنه جَائِزُ الْإِحْيَاءِ
قال وَالْأَضْبَطُ في هذا ما قِيلَ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عن الِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكُ الْمَعْصُومِ فَيَدْخُلُ كُلُّ ما يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَيَخْرُجُ كُلُّ ما لَا يُمْلَكُ بِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ كان فيها آثَارُ الْمِلْكِ وَلَا يُعْلَمُ لها مَالِكٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
إنْ كان الْمَوَاتُ لم يَجْرِ عليه مِلْكٌ لِأَحَدٍ ولم يُوجَدْ فيه أَثَرُ عِمَارَةٍ مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عليه مِرَارًا
وَإِنْ عُلِمَ له مَالِكٌ بِشِرَاءٍ أو عَطِيَّةٍ وَالْمَالِكُ مَوْجُودٌ هو أو أَحَدٌ من وَرَثَتِهِ
____________________
(6/354)
لم يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ هو إجْمَاعٌ حَكَاهُ بن عبد الْبَرِّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ كان قد مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ ثُمَّ تُرِكَ حتى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا فَهَذَا أَيْضًا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَذَلِكَ إذَا كان لِمَعْصُومٍ
وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فإذا أَحْيَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْدَرَسَ كان كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْإِحْيَاءِ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ نُصُوصِهِ
وَإِنْ كان لَا يُعْلَمُ له مَالِكٌ فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ
أَحَدُهَا ما أَثَّرَ الْمِلْكُ فيه غَيْرُ جَاهِلِيٍّ كَالْقُرَى الْخَرِبَةِ التي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا وَدُرِسَتْ آثَارُهَا وقد شَمَلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَفِي مِلْكِهَا بِالْإِحْيَاءِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
إحْدَاهُمَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقُوا
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ التَّفْرِقَةُ بين دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ كما يَأْتِي قَرِيبًا
تَنْبِيهٌ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْخِلَافِ في الْمُنْدَرِسِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَبِدَارِ الْحَرْبِ
وقد صَرَّحَ بِهِ في كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي والشارح ( ( ( والشرح ) ) ) وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا قال الْأَصْحَابُ
بِخِلَافِ دَارِ الْحَرْبِ فإن الْأَصَحَّ فيه الْجَوَازُ ولم يذكر بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ سِوَاهُ
____________________
(6/355)
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَتُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ على الْأَصَحِّ قَرْيَةٌ خَرَابٌ لم يَمْلِكْهَا مَعْصُومٌ
وإذا قِيلَ بِالْمَنْعِ في دَارِ الْإِسْلَامِ كان لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ
الْقِسْمُ الثَّانِي ما أَثَّرَ الْمِلْكُ فيه جَاهِلِيٌّ قَدِيمٌ كَدِيَارِ عَادٍ وَمَسَاكِنِ ثَمُودَ وَآثَارِ الرُّومِ وقد شَمَلَهَا أَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
ولم يذكر الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ خِلَافًا في جَوَازِ إحْيَائِهِ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمَا
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فإن الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُ قولهم ( ( ( قوله ) ) ) في الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ وهو نَصٌّ منه في خُصُوصِ النَّوْعِ
وَصَحَّحَ الْمِلْكَ فيه بِالْإِحْيَاءِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ
الْقِسْمُ الثَّالِثُ ما لَا أَثَرَ فيه جَاهِلِيٌّ قَرِيبٌ وقد شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُمْلَكُ
الْقِسْمُ الرَّابِعُ ما تَرَدَّدَ في جَرَيَانِ الْمِلْكِ عليه وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالُوا الْأَصَحُّ الْجَوَازُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَدَمُ الْجَوَازِ
____________________
(6/356)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو مَلَكَهَا من له حُرْمَةٌ أو من يُشَكُّ فيه ولم يَعْلَمْ لم يَمْلِكْ بِالْإِحْيَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا فَيْءٌ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ عنه وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيِّ انْتَهَى
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ
قال في الْفَائِقِ مُلِكَتْ في أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ
وَعَنْهُ تُمْلَكُ مع الشَّكِّ في سَابِقِ الْعِصْمَةِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ منهم صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ
الثَّانِيَةُ لو عُلِمَ مَالِكُهَا وَلَكِنَّهُ مَاتَ ولم يُعْقِبْ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ
وَعَنْهُ تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا لِمَنْ شَاءَ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ له مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو غَيْرِ إذْنِهِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا إلَّا ما أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ في أَرْضِ الْكُفَّارِ التي صُولِحُوا عليها وما قَرُبَ من الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ لم يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسَائِلَ
إحْدَاهَا ما أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ من الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ فَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ
____________________
(6/357)
الثَّانِيَةُ ما أَحْيَاهُ الْكُفَّارُ وَهُمْ صِنْفَانِ
صِنْفٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ فَيَمْلِكُونَ ما أَحْيَوْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ وهو ظَاهِرُ قَوْلِ بن حَامِدٍ لَكِنْ حَمَلَ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ ذلك على دَارِ الْإِسْلَامِ قال الْحَارِثِيُّ وَذَهَبَ فَرِيقٌ من الْأَصْحَابِ إلَى الْمَنْعِ منهم بن حَامِدٍ أَخْذًا من امْتِنَاعِ شُفْعَتِهِ على الْمُسْلِمِ وَرُدَّ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ في دَارِ الْإِسْلَامِ
قال الْقَاضِي هو مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَامِدٍ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَمْلِكُهُ الذِّمِّيُّ في دَارِ الشِّرْكِ وفي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ إنْ أَحْيَا عَنْوَةً لَزِمَهُ عنه الْخَرَاجُ وَإِنْ أَحْيَا غَيْرُهُ فَلَا شَيْءَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ عليه عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ
وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَهْلُ حَرْبٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ في ذلك كُلِّهِ وهو ظَاهِرُ كلام جَمَاعَةٍ منهم صَاحِبُ الْوَجِيزِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(6/358)
قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ من أَطْلَقَ على أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ جَارِيَةٌ عليهم
لَكِنْ يَرِدُ على ذلك كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ ذَاتُ خِلَافٍ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
ويرده ( ( ( ويرد ) ) ) كَوْنُ الْمُصَنِّفِ لم يَحْكِ في كُتُبِهِ خِلَافًا
قال الْحَارِثِيُّ وَالْكَافِرُ على إطْلَاقِهِ صَحِيحٌ في أَرَاضِيِ الْكُفَّارِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وهو الصَّوَابُ
الثَّالِثَةُ إنْ كان الْإِحْيَاءُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ
وَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِ مَلَكَهُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ في ذلك وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ عليه الْأَصْحَابُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وهو وَجْهٌ في الْمُبْهِجِ وَرِوَايَةٌ في الْإِقْنَاعِ وَالْوَاضِحِ
الرَّابِعَةُ ما أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ من أَرْضِ الْكُفَّارِ التي صُولِحُوا عليها على أنها لهم فَهَذِهِ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَفِيهِ احْتِمَالٌ أنها تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَغَيْرِهَا
الْخَامِسَةُ ما قَرُبَ من الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ وَمُلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاتِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطِبِهِ وحريم ( ( ( وحريمه ) ) ) وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ وَمَدْفِنِ الْأَمْوَاتِ وَمُنَاخِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا
فَهَذَا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه من رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ وَقِيلَ لِمِلْكِهِ له
____________________
(6/359)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَوَاتَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَغَيْرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَقْوَى
وَعَنْهُ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لَكِنْ تُقَرُّ بيده بِخَرَاجِهَا كما لو أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى وَأَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ
قال أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى
وَعَنْهُ إنْ أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ
وَعَنْهُ على ذِمِّيٍّ أَحْيَا غير عَنْوَةٍ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ
وَقِيلَ لَا مَوَاتَ في أَرْضِ السَّوَادِ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على عَامِرِهِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا مَوَاتَ في عَامِرِ السَّوَادِ وَقِيلَ وَلَا عامرة ( ( ( غامره ) ) )
فَائِدَةٌ هل يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ مَوَاتَ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ بِإِحْيَائِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذلك بِالْإِحْيَاءِ ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال هذا الْحَقُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْكَافِي هذا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَنَصُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(6/360)
وَالثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُهُ بِإِحْيَائِهِ
وَقِيلَ يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْعَامِرِ دُونَ غَيْرِهِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا حُكْمُ إقْطَاعِ ذلك حُكْمُ إحْيَائِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ لو اخْتَلَفُوا في الطَّرِيقِ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ جُعِلَتْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ لِلْخَبَرِ وَلَا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِهَا وَإِنْ زَادَتْ على سَبْعَةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ نَصَّ عليه
وَاخْتَارَ بن بَطَّةَ أَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ في أَرْبَابِ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهُ وَاخْتَلَفُوا في قَدْرِ حَاجَتِهِمْ
قُلْت قال الْجُوزَجَانِيُّ في الْمُتَرْجَمِ عن قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ إذَا لم يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ عَنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ من الضَّرَرِ بِالطَّرِيقِ ما وَقَّتَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من السَّبْعِ الْأَذْرُعِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ كَذَا قال قال وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ إذَا فَضَلَ من الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اخْتَلَفْتُمْ في الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ في أَرْضٍ مملوكة ( ( ( مملوك ) ) ) لِقَوْمٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ وَتَشَاحُّوا في مِقْدَارِ ما يَتْرُكُونَهُ منها لِلطَّرِيقِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ بن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَنْكَرُوا جَوَازَ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ إلَى أَنْ يَبْقَى سَبْعَةُ أَذْرُعٍ انْتَهَى
وَقَدَّمَ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
الثَّالِثَةُ إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عن جَزِيرَةٍ فَلَهَا حُكْمُ الْمَوَاتِ لِكُلِّ أَحَدٍ إحْيَاؤُهَا بَعُدَتْ أو قَرُبَتْ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وغيرهم ( ( ( وغيره ) ) ) وَنَصَّ عليه
____________________
(6/361)
قال الْحَارِثِيُّ هذا مع عَدَمِ الضَّرَرِ وَنَصَّ عليه انْتَهَى
الرَّابِعَةُ ما غَلَبَ الْمَاءُ عليه من الْأَمْلَاكِ وَاسْتَبْحَرَ بَاقٍ على مِلْكِ مُلَّاكِهِ لهم أَخْذُهُ إذَا نَضَبَ عنه نَصَّ عليه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وقال في الْفُرُوعِ وَلَا يُمْلَكُ ما نَضَبَ مَاؤُهُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ
كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالْجَصِّ وكذلك الْمَاءُ وَالْكِبْرِيتُ وَالْمُومْيَا وَالْبِرَامُ وَالْيَاقُوتُ وَمَقَاطِعُ الطِّينِ وَنَحْوُهُ أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ تُمْلَكُ وهو وَجْهٌ وَاحْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فَلَا تُمْلَكُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ قال الْأَصْحَابُ لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وغيره ( ( ( وغيرهم ) ) )
فَائِدَةٌ حُكْمُ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ إذَا كانت ظَاهِرَةً حُكْمُ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ الْأَصْلِ
التَّنْبِيهُ الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ عن الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ إقْطَاعَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ أَدِلَّةَ ذلك وقال هذا قَاطِعٌ في الْجَوَازِ فَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقد هَدَاهُمْ اللَّهُ إلَى الصَّوَابِ انْتَهَى
قال في الْفَائِقِ وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُ ما لا يُمْلَكُ من الْمَعَادِنِ نَصَّ عليه
وقال الشَّيْخُ يَجُوزُ فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ إدْخَالُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ في اخْتِيَارِ الشَّيْخِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ
____________________
(6/362)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَهُ أَصْحَابُنَا
وَكَذَا قال الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا
تَنْبِيهٌ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ من الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ بِالْمِلْحِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ على ظَاهِرِهِ فإن منه ما يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَحَفْرٍ وَذَلِكَ من قَبِيلِ الْبَاطِنِ
وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَائِيَّ منه من الظَّاهِرِ وكذا الظَّاهِرُ من الْجَبَلِ وما احْتَاجَ إلَى كَشْفٍ يَسِيرٍ
وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَالْحَفْرِ فَمِنْ قَبِيلِ الْبَاطِنِ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إذَا حَصَلَ فيه الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ
قال في الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ
قَوْلُهُ وإذا مَلَكَ الْمُحْيِي مَلَكَهُ بِمَا فيه من الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكهَا بِمَا ظَهَرَ فيها من الْمَعَادِنِ ظَاهِرًا كان أو بَاطِنًا
قَالَهُ الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا لَا تَفِي بِذَلِكَ فإنه اقْتَصَرَ في مَوْضِعِ الْجَامِدِ
____________________
(6/363)
على لَفْظِ الْبَاطِنِ وَهِيَ عِبَارَةُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ما قَالَهُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وفي الْإِيرَادِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِيهِ وهو جَعْلُ الْجَارِي قَسِيمًا لِلْبَاطِنِ
وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ مِمَّا هو جَامِدٌ لَا يَدْخُلُ في الْمِلْكِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ ظَهَرَ فيه عَيْنُ مَاءٍ أو مَعْدِنٌ جَارٍ أو كَلَأٌ أو شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهَلْ يَمْلِكُهُ على رِوَايَتَيْنِ
إذَا ظَهَرَ فيه عَيْنُ مَاءٍ فَهُوَ أَحَقُّ بها وَهَلْ يَمْلِكُهُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ
وهذه ( ( ( هذه ) ) ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَصَحُّ
قال في الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ في الْمَاءِ وَالْكَلَأِ لَا يَمْلِكُ وهو اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْلِكُ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ
قال في الْقَوَاعِدِ وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ على الْمِلْكِ
وإذا ظَهَرَ فيه مَعْدِنٌ جَارٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهَلْ يَمْلِكُ بِذَلِكَ فيه الرِّوَايَتَانِ
قال الْحَارِثِيُّ مَأْخُوذَتَانِ من رِوَايَتَيْ مِلْكِ الْمَاءِ وَلِهَذَا صَحَّحُوا عَدَمَ الْمِلْكِ هُنَا لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ هُنَاكَ انْتَهَى
وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي عَدَمَ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَصَحَّحَهُ من صَحَّحَهُ في عَدَمِ الْمِلْكِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ يَمْلِكُ قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/364)
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْمَنْصُوصُ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ
وَإِنْ ظَهَرَ كَلَأٌ أو شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهَلْ يَمْلِكُهُ
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ
قال في الْهِدَايَةِ عليه عَامَّةُ أَصْحَابِنَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَهُ في الْبَيْعِ من كِتَابِهِ الْكَبِيرِ ولم يُورِدْ أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ سِوَاهُ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْلِكُهُ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
قَوْلُهُ وما فَضَلَ من مَائِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ
هذا الصَّحِيحُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَجِدَ الْبَهَائِمُ مَاءً مُبَاحًا ولم يَتَضَرَّرْ بِذَلِكَ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَجَمَاعَةٌ اتِّصَالَهُ بِالْمَرْعَى
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذلك وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو الْمَذْهَبُ
وبذل ( ( ( وبذلك ) ) ) ما فَضَلَ من مَائِهِ لُزُومًا من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ وهو الْمَذْهَبُ
____________________
(6/365)
قال في الْفُرُوعِ يَلْزَمُهُ على الْأَصَحِّ لَكِنْ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ أو له فيه مَاءُ السَّمَاءِ فَيَخَافُ عَطَشًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ منهم أبو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ليس له أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَاءٍ يَمْنَعُ بِهِ الْكَلَأَ لِلْخَبَرِ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ هذا الصَّحِيحُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وبن عَقِيلٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وقال في الرَّوْضَةِ يُكْرَهُ مَنْعُهُ فَضْلَ مَائِهِ لِيَسْقِ بِهِ لِلْخَبَرِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ جَازَ له بَيْعُهُ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ
وَيَحْرُمُ أَيْضًا بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِالرَّيِّ أو جُزَافًا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قال الْقَاضِي وَإِنْ بَاعَ آصُعًا مَعْلُومَةً من سَائِحٍ جَازَ كَمَاءِ عَيْنٍ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ
وإن بَاعَ كُلَّ الْمَاءِ لم يَجُزْ لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ إذَا حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ في مَائِهَا وَالْحَافِرُ كَأَحَدِهِمْ في السَّقْيِ وَالزَّرْعِ وَالشُّرْبِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَمَعَ الضِّيقِ يُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ
____________________
(6/366)
ثُمَّ الْحَيَوَانُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ زَادَ في الْفَائِقِ ثُمَّ الزَّرْعُ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ
وقال في التَّلْخِيصِ وَمَعَ الضِّيقِ لِلْحَيَوَانِ وَمَعَ الضِّيقِ لِلْآدَمِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ
الثَّالِثَةُ لو حَفَرَهَا ارْتِفَاقًا كَحَفْرِ السُّفَارَةِ في بَعْضِ الْمَنَازِلِ وَكَالْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ يَنْتَجِعُونَ أَرْضًا فَيَحْتَفِرُونَ لِشُرْبِهِمْ وَشُرْبِ دَوَابِّهِمْ فَالْبِئْرُ مِلْكٌ لهم ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو أَصَحُّ وهو الصَّوَابُ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ لَا يَمْلِكُونَهَا وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْفُرُوعِ فَهُمْ أَحَقُّ بِمَائِهَا ما أَقَامُوا
وفي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَعَلَيْهِمْ بَذْلُ الْفَاضِلِ لِشَارِبِهِ فَقَطْ وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ تَكُونُ سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ
فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَفِقُونَ إلَيْهَا فَهَلْ يَخْتَصُّونَ بها أَمْ هُمْ كَغَيْرِهِمْ فيه وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا هُمْ كَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُمْ أَحَقُّ بها من غَيْرِهِمْ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في بَعْضِ تَعَالِيقِهِ
قال السَّامِرِيُّ رَأَيْت بِخَطِّ أبي الْخَطَّابِ على هَامِشِ نُسْخَةٍ من الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قال مَحْفُوظٌ يَعْنِي نَفْسَهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إذَا عَادُوا كَانُوا أَحَقَّ بها ( ( ( به ) ) ) لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ بِالْإِحْيَاءِ وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَرْحَلُوا في كل سَنَةٍ ثُمَّ يَعُودُونَ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُمْ عنها بِالرَّحِيلِ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
____________________
(6/367)
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَهُوَ أَوْلَى بها في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
الرَّابِعَةُ لو حَفَرَ تَمَلُّكًا أو بِمِلْكِهِ الْحَيَّ فَنَفْسُ الْبِئْرِ مِلْكٌ له جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الرِّعَايَةِ مَلَكَهَا في الْأَقْيَسِ
قال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ احْتَاجَتْ طَيًّا مَلَكَهَا بَعْدَهُ وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وقال هو وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَإِنْ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ تَمَلَّكَهَا فما لم يَخْرُجْ الْمَاءُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ في الْإِحْيَاءِ وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ بِطَيِّهَا انْتَهَيَا
وَتَقَدَّمَ هل يَمْلِكُ الذي يَظْهَرُ فيها أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ أو يُجْرِيَ لها مَاءً أو يَحْفِرَ فيها بِئْرًا
مُرَادُهُ بِالْحَائِطِ أَنْ يَكُونَ مَنِيعًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ أو لِلزَّرْعِ أو حَظِيرَةٍ لِلْغَنَمِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِمَا وَهَذَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ إحْيَاءُ الْأَرْضِ ما عُدَّ إحْيَاءً وهو عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ منها من زَرْعٍ أو بِنَاءٍ أو إجْرَاءِ مَاءٍ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ وبن الزَّاغُونِيِّ وَالْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَغَيْرُهُمْ
وَعَلَى هذا قالوا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ غَرَضِ الْمُحْيِي من مَسْكَنٍ وَحَظِيرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ كان مَسْكَنًا اُعْتُبِرَ بِنَاءُ حَائِطٍ بما ( ( ( مما ) ) ) هو مُعْتَادٌ وَأَنْ يُسَقِّفَهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعَهَا وَيَسْقِيَهَا وَلَا أَنْ
____________________
(6/368)
يُفَصِّلَهَا تَفْصِيلَ الزَّرْعِ وَيَحُوطَهَا من التُّرَابِ بِحَاجِزٍ وَلَا أَنْ يُقَسِّمَ الْبُيُوتَ إذَا كانت لِلسُّكْنَى في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا
وَالْأُخْرَى يُشْتَرَطُ جَمِيعُ ذلك ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْخِصَالِ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْقِيفِ وَقَطَعَ بِهِ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا يُعْتَبَرُ في إحْيَاءِ الْأَرْضِ لِلسُّكْنَى نَصْبُ الْأَبْوَابِ على الْبُيُوتِ
وَقِيلَ ما يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ وَالْحَرْثِ فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وما لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إحْيَاءٌ
قال الْحَارِثِيُّ ولم يُورِدْ في الْمُغْنِي خِلَافَهُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو يُجْرِيَ لها مَاءً يَعْنِي إحْيَاءَ الْأَرْضِ أَنْ يُجْرِيَ لها مَاءً إنْ كانت لَا تُزْرَعُ إلَّا بِالْمَاءِ
وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ أَيْضًا بِالْغِرَاسِ وَيَمْلِكُهَا بِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَمْلِكُهُ بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ نَصَّ عَلَيْهِمَا
فَائِدَةٌ فَإِنْ كانت الْأَرْضُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إلَّا بِحَبْسِ الْمَاءِ عنها كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ وَنَحْوِهَا فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّ الْمَاءِ عنها وَجَعْلِهَا بِحَالٍ يُمْكِنُ زَرْعُهَا وَهَذَا مُسْتَثْنًى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لم يَسْتَثْنِهِ
وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ كَرَبَ حَوْلَهَا قال لَا يَسْتَحِقُّ ذلك حتى يُحِيطَ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَةً مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَإِنْ لم تَكُنْ عَادِيَةً فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا
____________________
(6/369)
يَعْنِي من كل جَانِبٍ فِيهِمَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في التَّلْخِيصِ هذا الْمَشْهُورُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَشْهُورُ عن أبي عبد اللَّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ نَصَّ عليه
وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمْ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُهَا
% بِحَفْرِ بِئْرٍ في مَوَاتٍ يَمْلِكُ % حَرِيمَهَا مَعَهَا بِذَرْعٍ يَسْلُكُ %
% فَخَمْسَةٌ تُمْلَكُ وَالْعِشْرُونَ % وَإِنْ تَكُنْ عَادِيَةً خَمْسُونَ %
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ في التَّقْدِيرِ نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وهو غَلَطٌ قال وَلَوْ تَأَمَّلُوا النَّصَّ بِكَمَالِهِ من مَسَائِلِ حَرْبٍ وَالْخَلَّالِ لَمَا قالوا ذلك
وَعِنْدَ الْقَاضِي حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا من كل جَانِبٍ
وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ
قال في التَّلْخِيصِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ
قال الْحَارِثِيُّ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْقَاضِي هُنَا ما حَكَيْنَاهُ في الْمُجَرَّدِ الْآتِي الْمُوَافِقِ لِاخْتِيَارِ أبي الْخَطَّابِ
وَقِيلَ قَدْرُ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ في تَرْقِيَةِ مَائِهَا
____________________
(6/370)
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحُ وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ ليس هذا الذَّرْعُ الْمَذْكُورُ على سَبِيلِ التَّحْدِيدِ بَلْ حَرِيمُهَا على الْحَقِيقَةِ ما تَحْتَاجُ إلَيْهِ من تَرْقِيَةِ مَائِهَا منها فَإِنْ كان بِدُولَابٍ فَقَدْرُ مَدَارِ الثَّوْرِ أو غَيْرِهِ وَإِنْ كان بساينة ( ( ( بساقية ) ) ) فَقَدْرُ طُولِ الْبِئْرِ وَإِنْ كان يستقى منها بيده فَقَدْرُ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الواقف ( ( ( الموافق ) ) ) عِنْدَهَا وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ إنْ كان قَدْرُ الْحَاجَةِ أَكْثَرَ فَهُوَ حَرِيمُهَا
وَإِنْ كان التَّحْدِيدُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ فَهُوَ حَرِيمُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو الْحَسَنِ بن بَكْرُوسٍ
وَعِنْدَ أبي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ إنْ حَفَرَهَا في مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا من كل جَانِبٍ وَإِنْ كانت كَبِيرَةً فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا
فَائِدَةٌ الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْقَدِيمَةُ نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ مَنْسُوبَةً إلَى عَادٍ ولم يَرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا لَكِنْ لَمَّا كانت عَادٌ في الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ لها آبَارٌ في الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَادِيَّةُ هِيَ التي أُعِيدَتْ
وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ الْعَادِيَّةُ هِيَ التي لم تَزَلْ وَأَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ دُخُولُهُ لِأَنَّهُ قد مَلَكَهُ
فَوَائِدُ
منها حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ نَصَّ عليه من رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وبن بَكْرُوسٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/371)
وَقِيلَ قَدْرُ الْحَاجَةِ وَلَوْ كان أَلْفَ ذِرَاعٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ
وَمِنْهَا حَرِيمُ النَّهْرِ من جَانِبَيْهِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ وَطَرِيقِ شَاوِيهِ وما يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عليه وَإِنْ كَثُرَ
قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ كان بِجَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بها في ذلك ضَرُورَةً
وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ على النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعُ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوُهُمَا انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمَنْ حَفَرَ عَيْنًا مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ
وَقِيلَ بَلْ قَدْرُ الْحَاجَةِ
قُلْت وَكَذَا النَّهْرُ
وَقِيلَ بَلْ ما يَحْتَاجُهُ لِتَنْظِيفِهِ انْتَهَى
وَمِنْهَا حَرِيمُ الْقَنَاةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وقال وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بِحَرِيمِ النَّهْرِ
وَمِنْهَا حَرِيمُ الشَّجَرِ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا حَرِيمُ الْأَرْضِ التي لِلزَّرْعِ ما يَحْتَاجُهُ في سَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبْخِهَا وَغَيْرِ ذلك
وَحَرِيمُ الدَّارِ من مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ التُّرَابِ وَالْكُنَاسَةِ وَالثَّلْجِ وَمَاءِ الْمِيزَابِ وَالْمَمَرِّ إلَى الْبَابِ
وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِ الْغَيْرِ
وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ في مِلْكِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ على ما جَرَتْ الْعَادَةُ عُرْفًا فَإِنْ تَعَدَّى مُنِعَ
____________________
(6/372)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في الْمُغْنِي وَمَنْ تَابَعَهُ إنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرُّوبِ فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ في الْإِحْيَاءِ فَإِنْ طَعِمَهُ مَلَكَهُ وَحَرِيمُهُ تَهَيُّؤُهُ لِمَا يُرَادُ منه
الثَّانِيَةُ لو أَذِنَ لِغَيْرِهِ في عَمَلِهِ في مَعْدِنِهِ وَالْخَارِجُ له بِغَيْرِ عِوَضٍ صَحَّ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِعْهُ بِكَذَا فما زَادَ فَلَكَ
وقال الْمَجْدُ فيه نَظَرٌ لِكَوْنِهِ هِبَةَ مَجْهُولٍ
وَلَوْ قال على أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَلْفًا مِمَّا لَقِيَ أو مُنَاصَفَةً فَالْبَقِيَّةُ له فَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ لم يُرَخَّصْ فيه
وَلَوْ قال على أَنَّ ما رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قال الْحَارِثِيُّ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ
قال الْقَاضِي هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ولم يُورِدْ سِوَاهُ وَذُكِرَ فيه نَصٌّ الإمام ( ( ( للإمام ) ) ) أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قال صِفْ لي هذا الزَّرْعَ على أَنَّ لَك ثُلُثَهُ أو رُبُعَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ
قَوْلُهُ وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا لم يَمْلِكْهُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه
قال الْحَارِثِيُّ الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ انْتَهَى وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةُ أَنَّهُ ما أَفَادَهُ الْمِلْكُ وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى
____________________
(6/373)
قَوْلُهُ وهو أَحَقُّ بِهِ وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ وَمَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ
وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ له بَيْعُهُ
هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَجُوزُ له بَيْعُهُ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ عن الْقَوْلِ الذي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ قد يُرَادُ بِهِ إفَادَةُ التَّحَجُّرِ لِلْمِلْكِ وقد يُرَادُ بِهِ الْجَوَازُ مع عَدَمِ الْمِلْكِ وهو ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ وَإِيرَادِ أبي الْخَطَّابِ في كِتَابِهِ
قال وَالتَّجْوِيزُ مع عَدَمِ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ جِدًّا وهو كما قال
فَائِدَةٌ تَحَجُّرُ الْمَوَاتِ هو الشُّرُوعُ في إحْيَائِهِ مِثْلَ أَنْ يُدِيرَ حَوْلَ الْأَرْضِ تُرَابًا أو أَحْجَارًا أو يُحِيطَهَا بِجِدَارٍ صَغِيرٍ أو يَحْفِرَ بِئْرًا لم يَصِلْ إلَى مَائِهَا نَقَلَهُ حَرْبٌ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ
أو يَسْقِيَ شَجَرًا مُبَاحًا وَيُصْلِحَهُ ولم يُرَكِّبْهُ فَإِنْ رَكَّبَهُ مَلَكَهُ كما تَقَدَّمَ وَمَلَكَ حَرِيمَهُ وَكَذَا لو قَطَعَ مَوَاتًا لم يَمْلِكْهُ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يُتِمَّ إحْيَاءَهُ
يَعْنِي وَطَالَتْ الْمُدَّةُ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرُهُمْ فَيُقَالُ له إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أو تَتْرُكَهُ فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَهَكَذَا قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَيُمْهَلُ شَهْرَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثَةً
____________________
(6/374)
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةٌ امهل الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ عليه الْمُعْظَمُ
قال في الْوَجِيزِ وَيُمْهَلُ مُدَّةً قَرِيبَةً بِسُؤَالِهِ انْتَهَى
قُلْت فَلَعَلَّ ذلك يَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ
ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قال وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ من الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ بِحَسَبِ الْحَالِ
قال وَالثَّلَاثَةُ انْفَرَدَ بها الْمُصَنِّفُ هُنَا وكأنه ( ( ( كأنه ) ) ) ما رَاجَعَ الْمُسْتَوْعِبَ وَالشَّرْحَ
تَنْبِيهٌ فَائِدَةُ الْإِمْهَالِ انْقِطَاعُ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ على التَّرْكِ
قال في الْمُغْنِي وَإِنْ لم يَكُنْ له عُذْرٌ في التَّرْكِ قِيلَ له إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَك فَإِنْ لم يُعَمِّرْهَا كان لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ما تَقَدَّمَ من الْإِمْهَالِ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الْعُذْرِ أو الِاعْتِذَارِ أَمَّا إنْ عُلِمَ انْتِفَاءُ الْعُذْرِ فَلَا مُهْلَةَ
قال وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْحَالِ بِوُجُودِ مُتَشَوِّفٍ إلَى الْإِحْيَاءِ أَمَّا مع عَدَمِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ سِوَى تَرْكٍ لِعُذْرٍ أو لَا انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ على وَجْهَيْنِ
يَعْنِي لو بَادَرَ غَيْرُهُ في مُدَّةِ الْإِمْهَالِ وَأَحْيَاهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُهُ صَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(6/375)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْلِكُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قال النَّاظِمُ وهو بَعِيدٌ
فَائِدَتَانِ
الْأُولَى لو أَحْيَاهُ غَيْرُهُ قبل ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ لم يَمْلِكْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ حُكْمُ الْإِحْيَاءِ قبل ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ حُكْمُ الْإِحْيَاءِ في مُدَّةِ الْمُهْلَةِ على ما تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وَأَمَّا إذَا أَحْيَاهُ الْغَيْرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُهْلَةِ فإنه يَمْلِكُهُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَتَقَدَّمَ ذلك
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في نُزُولِهِ عن وَظِيفَتِهِ لِزَيْدٍ هل يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ فيها
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ نُزِلَ له عن وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ له وَيُوَلِّي من إلَيْهِ الْوِلَايَةُ من يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا
وقال بن أبي الْمَجْدِ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمَنْزُولِ له فَإِنْ لم يُقَرِّرْهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَالْوَظِيفَةُ بَاقِيَةٌ لِلنَّازِلِ انْتَهَى
قُلْت وَقَرِيبٌ منه ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْبِقَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قام مَقَامَ الْجَالِسِ في اسْتِحْقَاقِ مَكَانِهِ أَشْبَهَ ما لو تَحَجَّرَ مَوَاتًا ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ
وقال بن عَقِيلٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَائِمَ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْقِيَامِ فَبَقِيَ على الْأَصْلِ فَكَانَ السَّابِقُ إلَيْهِ أَحَقَّ بِهِ كَمَنْ وَسَّعَ لِرَجُلٍ في طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
وَيُفَارِقُ التَّوْسِعَةَ في الطَّرِيقِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فيها كَمَنْ انْتَقَلَ من مَكَان فيها لم يَبْقَ له حَقٌّ حتى يُؤْثِرَ بِهِ وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فيه وَلِذَلِكَ
____________________
(6/376)
لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُنْتَقِلِ منه إذَا انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ وَهَذَا إنَّمَا انْتَقَلَ مُؤْثِرًا لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ النَّائِبَ الذي بَعَثَهُ إنْسَانٌ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ له انْتَهَى
قُلْت الذي يَتَعَيَّنُ ما قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا إذَا كان الْمَنْزُولُ له أَهْلًا وَيُوجَدُ غَيْرُ أَهْلٍ فإن الْمَنْزُولَ له أَحَقُّ مع أَنَّ هذا لَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ يَكُونُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ في الْإِحْيَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وقال مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الْإِقْطَاعِ يَبِيعُ وَيَهَبُ وَيَتَصَرَّفُ وَيُورَثُ عنه قال وهو الصَّحِيحُ إعْمَالًا لِحَقِيقَةِ الْإِقْطَاعِ وهو التَّمْلِيكُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ غَيْرِهَا
الثَّانِيَةُ قَسَّمَ الْأَصْحَابُ الْإِقْطَاعَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ
وَقَسَمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ إلَى مَوَاتٍ وَعَامِرٍ وَمَعَادِنَ
وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ على ضَرْبَيْنِ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ
وَإِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ وَلَهُ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ في الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ ما لم يُضَيِّقْ على الناس فَيَحْرُمُ وَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فيها ما لم يَعُدْ فيه الْإِمَامُ
____________________
(6/377)
تَنْبِيهٌ تَجْوِيزُ الْمُصَنِّفِ إقْطَاعَ الْجُلُوسِ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ اخْتِيَارٌ منه لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مَسْجِدًا لِامْتِنَاعِ ذلك في الْمَسْجِدِ وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْمَجْدِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَتَقَدَّمَ هل رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ من الْمَسْجِدِ أو لَا في بَابِ الِاعْتِكَافِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يُقْطِعْهَا فَلِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا الْجُلُوسُ فيها وَيَكُونُ أَحَقَّ بها ما لم يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عنها هذا الْمَذْهَبُ
أَعْنِي أنها من الْمَرَافِقِ وَأَنَّ له الْجُلُوسَ فيها ما بَقِيَ قُمَاشُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَمَعَ عَدَمِ إقْطَاعٍ لِلسَّابِقِ الْجُلُوسُ على الْأَصَحِّ ما ( ( ( مما ) ) ) بَقِيَ قُمَاشُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ ليس له ذلك وَعَنْهُ له ذلك إلَى اللَّيْلِ
قال الْحَارِثِيُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ رِوَايَةً بِالْمَنْعِ من الْجُلُوسِ في الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ لِلتَّعَامُلِ فيها فَلَا تَكُونُ من الْمَرَافِقِ
قال وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ في الْجُلُوسِ في هذه الْأَمْكِنَةِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ في ذلك وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
قال في الْقَوَاعِدِ هذا قَوْلُ الْأَكْثَرِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يُفْتَقَرُ إلَى إذْنٍ وهو رِوَايَةٌ حَكَاهَا في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَجْلَسَ غُلَامَهُ أو أَجْنَبِيًّا لِيَجْلِسَ هو إذَا عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ كما لو تَرَكَ الْمَتَاعَ فيه لِاسْتِمْرَارِ يَدِهِ بِمَنْ هو في جِهَتِهِ وَلَوْ آثَرَ بِهِ رَجُلًا فَهَلْ لِلْغَيْرِ السَّبْقُ إلَيْهِ فيه وَجْهَانِ
____________________
(6/378)
أَحَدُهُمَا لَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالثَّانِي نعم
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَتُشْبِهُ هذه الْمَسْأَلَةَ ما ذَكَرْنَا في آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ لو آثَرَ بِمَكَانِهِ شَخْصًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ على ما تَقَدَّمَ هُنَاكَ
الثَّانِيَةُ له أَنْ يُظْلِلَ على نَفْسِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فيه من بَارِيَةٍ وَكِسَاءٍ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ له أَنْ يَبْنِيَ دَكَّةً وَلَا غَيْرَهَا
قَوْلُهُ فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فيها فَهَلْ يُزَالُ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا يُزَالُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا اللَّائِقُ بِأُصُولِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قالوا بِالْإِقْطَاعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُزَالُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ
قال في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ مُنِعَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
قال في الْقَوَاعِدِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَجُزِمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/379)
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ من يَرَى مِنْهُمَا
وهو وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي فَمَنْ بَعْدَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْمُذْهَبِ وَالشَّرْحِ
وَكَذَا الْحُكْمُ لو اسْتَبَقَا إلَى مَوْضِعٍ في رِبَاطِ مُسْبَلٍ أو خَانٍ أو اسْتَبَقَ فَقِيهَانِ إلَى مَدْرَسَةٍ أو صُوفِيَّانِ إلَى خَانِقَاهُ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ في الْقَوَاعِدِ وقال هذا يُتَوَجَّهُ على أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا في الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِوَصْفٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا على تَنْزِيلِ نَاظِرٍ
فَأَمَّا على الْوَجْهِ الْآخَرِ وهو تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ على تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَ إلَّا تَرْجِيحُهُ له بِنَوْعٍ من التَّرْجِيحَاتِ
وقد يُقَالُ إنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ مع التَّسَاوِي انْتَهَى
قَوْلُهُ وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ منه
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ من أَخَذَ من مَعْدِنٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ منه ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ فيه بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مُنِعَ من ذلك
قَوْلُهُ وَهَلْ يُمْنَعُ إذَا طَالَ مَقَامُهُ يَعْنِي الْآخِذَ على وَجْهَيْنِ
أَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يُمْنَعُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
____________________
(6/380)
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ ما دَامَ آخِذًا
قال الْحَارِثِيُّ أَصَحُّهُمَا لَا يُمْنَعُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُمْنَعُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي
وَقِيلَ يُمْنَعُ مع ضِيقِ الْمَكَانِ
قال الْحَارِثِيُّ قَطَعَ بِهِ بن عَقِيلٍ
فَائِدَةٌ لو اسْتَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ فَضَاقَ الْمَكَانُ عن أَخْذِهِمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ مَعًا وَضَاقَ بِهِمَا اقْتَرَعَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ من شَاءَ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ بِالْقِسْمَةِ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا رَابِعًا وهو أَنَّ الْإِمَامَ يُنَصِّبُ من يَأْخُذُ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا
وقال الْقَاضِي أَيْضًا إنْ كان أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ هايأها ( ( ( هايأه ) ) ) الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أو السَّاعَةِ بِحَسْبِ ما يَرَى لِأَنَّهُ يَطُولُ
وَإِنْ كان لِلْحَاجَةِ فَاحْتِمَالَاتٌ أَحَدُهَا الْقُرْعَةُ وَالثَّانِي يُنَصِّبُ من يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ وَالثَّالِثُ يُقَدِّمُ من يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ فَإِنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ وَقِيلَ لَا
وَقِيلَ إنْ أَخَذَهُ لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْمُهَايَأَةُ وَالْقُرْعَةُ وَتَقْدِيمُ من يَرَى الْإِمَامُ وَأَنْ يُنَصِّبَ من يَأْخُذُهُ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
وَذُكِرَ في الْفُرُوعِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ من تَتِمَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي
____________________
(6/381)
قَوْلُهُ وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ وَعَنْبَرٍ وَسَمَكٍ وَلُؤْلُؤٍ وَمِرْجَانٍ وَحَطَبٍ وَثَمَرٍ وما يَنْتَبِذُهُ الناس رَغْبَةً عنه فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
وَكَذَا لو سَبَقَ إلَى ما ضَاعَ من الناس مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ وَكَذَا اللَّقِيطُ وما يَسْقُطُ من الثَّلْجِ وَالْمَنِّ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجُزِمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَأَمَّا أن وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا على الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ كان في كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ما يُوهِمُ خِلَافَ ذلك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَقْتَرِعَانِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا شَاءَ
وقال الْحَارِثِيُّ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ في كِتَابِهِ قَيَّدَ اقْتِسَامَهُمَا بِمَا إذَا كان الْأَخْذُ لِلتِّجَارَةِ
ثُمَّ قال وَإِنْ كان لِلْحَاجَةِ اُحْتُمِلَ ذلك أَيْضًا وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِمَامُ من يَرَى مِنْهُمَا
وَتَابَعَهُ عليه السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا
وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ فإن الْمُبَاحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الأخذ اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ عليه وَلَا بُدَّ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُفِيدِ له مع أَنَّ الْقُرْعَةَ لم تَرِدْ في هذا النَّوْعِ وَلَا شَيْءٍ منه
وَكَيْفَ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا مع قِيَامِ السَّبَبِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
نعم قد يَجْرِي ما قال فِيمَا إذَا ازْدَحَمَا عليه لِيَأْخُذَاهُ
____________________
(6/382)
ثُمَّ قال وَالصَّوَابُ ما اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ من الِاقْتِسَامِ مع عَدَمِ الْفَرْقِ بين التِّجَارَةِ وَالْحَاجَةِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الْحَارِثِيُّ إنَّمَا يَتَأَتَّى هذا في الْمُنْضَبِطِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْيَدِ كَالصَّيْدِ وَالسَّمَكِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْمَنْبُوذِ
أَمَّا ما لَا يَنْضَبِطُ كَالشَّعْرِ أو ثَمَرِ الْجَبَلِ فَالْمِلْكُ فيه مَقْصُورٌ على الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ قَلَّ أو كَثُرَ انْتَهَى
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ في السَّبْقِ إلَى الطَّرِيقِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الأدمى الْبَغْدَادِيُّ بِالْقِسْمَةِ هُنَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلَاةٍ أو مَهْلَكَةٍ لِيَأْسِهِ منها أو عَجْزِهِ عن عَلَفِهَا مَلَكَهَا آخِذُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ صَالِحٍ وبن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهَا وهو وَجْهٌ خَرَّجَهُ بن أبي مُوسَى كَالرَّقِيقِ وترك ( ( ( وتر ) ) ) الْمَتَاعُ عَجْزًا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا
وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ على الرَّقِيقِ وَأُجْرَةِ حَمْلِ الْمَتَاعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَخْذًا من انْتِفَاءِ الْأَخْذِ في اللُّقَطَةِ وهو رِوَايَةٌ في الْعَبْدِ ذَكَرَهَا أبو بَكْرٍ
الثَّانِيَةُ لو أَلْقَى مَتَاعَهُ في الْبَحْرِ خَوْفَ الْغَرَقِ فقال الْحَارِثِيُّ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في الْمَتَاعِ يَقْتَضِي أَنَّ ما يُلْقِيهِ رُكَّابُ السَّفِينَةِ مَخَافَةَ الْغَرَقِ بَاقٍ على مِلْكِهِمْ انْتَهَى وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَصَحَّحَهُ في
____________________
(6/383)
النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَذَكَرَهُ في آخِرِ اللُّقَطَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِآخِذِهِ الْأُجْرَةُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا أُجْرَةَ له
قَوْلُهُ وإذا كان الْمَاءُ في نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ فَلِمَنْ في أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ حتى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَ إلَى من يَلِيهِ
الْمَاءُ إذَا كان جَارِيًا وهو غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وما أَشْبَهَهَا أو لَا
فَإِنْ كان نَهْرًا عَظِيمًا فَهَذَا لَا تَرَاحُمَ فيه وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْقِيَ منه ما شَاءَ مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ
وَإِنْ كان نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ الناس فيه وَيَتَشَاحُّونَ في مَائِهِ أو سَيْلًا يَتَشَاحُّ فيه أَهْلُ الْأَرْضِينَ الشَّارِبَةِ منه فإنه يُبْدَأُ بِمَنْ في أَوَّلِ النَّهْرِ فَيَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حتى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ نَصَّ عليه ثُمَّ يُرْسِلُ إلَى من يَلِيهِ كَذَلِكَ وَعَلَى هذا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا فَإِنْ لم يَفْضُلْ عن الْأَوَّلِ شَيْءٌ أو عن الثَّانِي أو من يَلِيهِمْ فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِينَ
فَإِنْ كانت أَرْضُ صَاحِبِ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً منها ما هو مستعمل ( ( ( مستعل ) ) ) وَمِنْهَا ما هو مستقل ( ( ( مستفل ) ) ) سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا على حِدَتِهَا قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في التَّرْغِيبِ إنْ كانت الْأَرْضُ الْعُلْيَا مستقله ( ( ( مستفلة ) ) ) سَدَّهَا إذَا سَقَى حتى يَصْعَدَ إلَى الثَّانِي
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اسْتَوَى اثْنَانِ في الْقُرْبِ من أَوَّلِ النَّهْرِ اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لم يُمْكِنْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَدَّمُ من قُرِعَ
____________________
(6/384)
فَإِنْ كان الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عن أَحَدِهِمَا سَقَى من تَقَعُ له الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ من الْمَاءِ ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ وَلَيْسَ له أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ له وَإِنَّمَا القرعه لِلتَّقَدُّمِ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مع الْأَسْفَلِ فإنه ليس لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا في الْفَاضِلِ عن الْأَعْلَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وهو وَاضِحٌ
وإن كانت أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ من أَرْضِ الْآخَرِ قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ الْأَرْضِ
الثَّانِيَةُ لو احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى الشُّرْبِ ثَانِيًا قبل انْتِهَاءِ سَقْيِ الْأَرَاضِي لم يَكُنْ له ذلك قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ
وقال الْقَاضِي له ذلك
قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ بِسَقْيِهَا منه جَازَ ما لم يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ منه
إذَا كان لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ من نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أو سَيْلٍ فَجَاءَ إنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ من أَرْضِهِمْ لم يَكُنْ له أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ على الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ أَنَّ له ذلك قال وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعُمُومُهَا يَدُلُّ على اعْتِبَارِ السَّبْقِ إلَى أَعْلَى النَّهْرِ مُطْلَقًا
قال وهو الصَّحِيحُ
وَهَلْ لهم مَنْعُهُ من إحْيَاءِ ذلك الْمَوَاتِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا ليس لهم مَنْعُهُ من ذلك
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لهم مَنْعُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَفْهُومُ من إيرَادِ الْكِتَابِ
____________________
(6/385)
فَعَلَى الْأَوَّلِ لو سَبَقَ إلَى مَسِيلِ مَاءٍ أو نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَأَحْيَا في أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ أَحْيَا آخَرُ فَوْقَهُ ثُمَّ أَحْيَا ثَالِثٌ فَوْقَ الثَّانِي كان لِلَّذِي أَحْيَا السُّفْلَ أَوَّلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثِ فَيُقَدَّمُ السَّبْقُ إلَى الْإِحْيَاءِ على السَّبْقِ إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ وَعَلَى ما اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ يَنْعَكِسُ ذلك
فَائِدَةٌ لو كان الْمَاءُ بِنَهْرٍ مَمْلُوكٍ كَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا صَغِيرًا سَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ من نَهْرٍ كَبِيرٍ فما حَصَلَ فيه مِلْكُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَيَجِيءُ على قَوْلِنَا إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ أَنَّ حُكْمَ هذا الْمَاءِ في هذا النَّهْرِ حُكْمُهُ في نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ في نَهْرِهِ كَدُخُولِهِ في قريته ( ( ( قربته ) ) ) وَرَاوِيَتِهِ وَمَصْنَعِهِ
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ على الْإِبَاحَةِ كما قبل الدُّخُولِ إلَّا أَنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ على حَسَبِ الْعَمَلِ والنفقه
فَإِنْ كَفَى جَمِيعَهُمْ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ لم يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا على قِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ أو غَيْرِهَا جَازَ
فَإِنْ تَشَاحُّوا في قِسْمَتِهِ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ
فَيَأْخُذُ خَشَبَةً صُلْبَةً أو حَجَرًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ فَيُوضَعُ على مَوْضِعٍ مستوى ( ( ( مستو ) ) ) من الْأَرْضِ في مصدم الْمَاءِ فيه حُزُوزٌ أو ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ في السَّعَةِ على قَدْرِ حُقُوقِهِمْ يَخْرُجُ من حَزٍّ أو ثَقْبٍ إلَى سَاقِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم فإذا حَصَلَ في سَاقِيَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ ما شَاءَ من الْأَرْضِ سَوَاءٌ كان لها رَسْمُ شُرْبٍ من هذا النَّهْرِ أو لم يَكُنْ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ من يَسْقِي بِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
وَقَدَّمَهُ أَيْضًا في الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ في بَابِ الْقِسْمَةِ
____________________
(6/386)
وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك مُصَرَّحًا بِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْقِسْمَةِ
وقال الْقَاضِي ليس له سَقْيُ أَرْضٍ لها رَسْمُ شِرْبٍ من هذا الْمَاءِ انْتَهَى
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ من الشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في سَاقِيَّتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ من عَمَلِ رَحًى عليها أو دُولَابٍ أو عَبَّارَةٍ وَهِيَ خَشَبَةٌ تُمَدُّ على طَرِيقِ النَّهْرِ أو قَنْطَرَةٌ يُعْبَرُ الْمَاءُ فيها وَغَيْرُ ذلك من التَّصَرُّفَاتِ
فَأَمَّا النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ منهم أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه بِشَيْءٍ من ذلك
قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وبن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ هل له أَنْ يُنَصِّبَ عَبَّارَةً يَجْرِي الْمَاءُ فيها من مَوْضِعٍ آخَرَ على رِوَايَتَيْنِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ في أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْقِيَ زَرْعَهُ وكان بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ هل يَجُوزُ على رِوَايَتَيْنِ
زَادَ بن عَقِيلٍ الأصح ( ( ( والأصح ) ) ) الْمَنْعُ وكذا قال الْمُصَنِّفُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هذا على إجْرَاءِ الْمَاءِ في أَرْضِ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وما حَمَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ بِلَا نِزَاعٍ
وَسَوَاءٌ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَاهُ لِنَفْسِهِ أو لِغَيْرِهِ وَهَذَا مع بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَنْ أَحْيَا منه شيئا لم يَمْلِكْهُ
لَكِنْ لو زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَقِيلَ يَجُوزُ نَقْضُهُ وَالْحَالَةُ هذه
قَوْلُهُ وما حَمَاهُ غَيْرُهُ من الْأَئِمَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ على وَجْهَيْنِ
____________________
(6/387)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ في نقض ( ( ( بعض ) ) ) الْإِطْلَاقَاتِ الْخِلَافُ
وَنَقَلَ حَرْبٌ الْقَطَائِعُ جَائِزٌ وَأَنْكَرَ شَدِيدًا قَوْلَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ
وقال يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِهِمْ
وقال في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ من الْمَكْرُوهَةِ كانت لِبَنِي أُمَيَّةَ فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ
وَنَقَلَ محمد بن دَاوُد ما أَدْرِي ما هذه الْقَطَائِعُ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شاؤوا
قال أبو بَكْرٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا من أَقْطَعَهَا فَكَيْفَ تَخْرُجُ منه
____________________
(6/388)
بَابُ الْجَعَالَةِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ من رَدَّ عَبْدِي أو لُقَطَتِي أو بَنَى لي هذا الْحَائِطَ فَلَهُ كَذَا
قال في الرِّعَايَةِ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ زَيْدٌ شيئا مَعْلُومًا لِمَنْ يَعْمَلُ له عَمَلًا مَعْلُومًا أو مَجْهُولًا مُدَّةً مَجْهُولَةً
قال الْحَارِثِيُّ وَهِيَ في اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ جَعْلُ الشَّيْءِ من الْمَالِ لِمَنْ يَفْعَلُ أَمْرَ كَذَا
قال وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا قال الْمُصَنِّفُ لِتَنَاوُلِهِ الْفَاعِلَ الْمُبْهَمَ وَالْمُعَيَّنَ وما قال لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ انْتَهَى
قُلْت لَكِنَّهُ يَدْخُلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ من رَدَّ عَبْدِي يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ في رَدِّ الْآبِقِ
وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّ لِرَدِّ الْآبِقِ جُعْلًا مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ
فَالْمُسْتَفَادُ إذَنْ بِالْعَقْدِ ما زَادَ على الْمُقَدَّرِ الْمَشْرُوعِ
فَوُجُودُ الْجَعَالَةِ يُوجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ من الْمُقَدَّرِ وَالْمَشْرُوطِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ما شَرَطَهُ له وَإِنْ كان أَقَلَّ من دِينَارٍ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ الْجَعَالَةُ نَوْعُ إجَارَةٍ لِوُقُوعِ الْعِوَضِ في مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا تُمَيَّزُ بِكَوْنِ الْفَاعِلِ لَا يَلْتَزِمُ الْفِعْلَ وَبِكَوْنِ الْعَقْدِ قد يَقَعُ مُبْهَمًا لَا مع مُعَيَّنٍ وَيَجُوزُ في الْجَعَالَةِ الْجَمْعُ بين تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا كَالْإِجَارَةِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في الْإِجَارَةِ أَيْضًا
____________________
(6/389)
قَوْلُهُ فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعَلُ اسْتَحَقَّهُ بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ
وَإِنْ بَلَغَهُ في أَثْنَائِهِ اسْتَحَقَّ بِالْقِسْطِ
فَإِنْ تَلِفَ الْجُعْلُ كان له مِثْلُهُ إنْ كان مِثْلِيًّا وَإِلَّا قِيمَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في التَّبْصِرَةِ إذَا عَيَّنَ عِوَضًا مَلَكَهُ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ فَلَوْ تَلِفَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
فَائِدَةٌ لو رَدَّهُ من نِصْفِ الطَّرِيقِ الْمُعَيَّنَةِ أو قال من رَدَّ عَبْدَيَّ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ الْجُعْلِ وَإِنْ رَدَّهُ من ثُلُثِ الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ وَمِنْ ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَيْنِ
فَيَسْتَحِقُّ إذَا رَدَّهُ من أَقْرَبَ من الْمَوْضِعِ الذي عَيَّنَهُ بِالْقِسْطِ
وَإِنْ رَدَّهُ من مَسَافَةٍ أَبْعَدَ من الْمُعَيَّنَةِ فَلَهُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَتَصِحُّ على مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ إذَا كان الْعِوَضُ مَعْلُومًا
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَالْأُجْرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ مع الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ إذَا كان الْجَهْلُ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ نحو أَنْ يَقُولَ من رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ وَمَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قال الْأَمِيرُ في الْغَزْوِ من جاء بِعَشَرَةِ رؤوس فَلَهُ رَأْسٌ جَازَ
____________________
(6/390)
وَقَالُوا إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ على قَلْعَةٍ أو طَرِيقٍ سَهْلٍ وكان الْجُعْلُ من مَالِ الْكُفَّارِ كَجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا جَازَ فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ انْتَهَى
وقال الْحَارِثِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجُعْلِ مَعْلُومًا
فَإِنْ شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا فَسَدَ الْعَقْدُ
وَإِنْ قال فَلَكَ ثُلُثُ الضَّالَّةِ أو رُبُعُهَا صَحَّ على ما نُصَّ عليه في الثَّوْبِ يُنْسَجُ بِثُلُثِهِ وَالزَّرْعِ يُحْصَدُ وَالنَّخْلِ يُصْرَمُ بِسُدُسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وفي الْغَزْوِ من جاء بِعَشَرَةِ أرؤس فَلَهُ رَأْسٌ جَازَ
وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِحُّ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهًا بِجَوَازِ الْجَهَالَةِ التي لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ وَنَظَرَ بِمَسْأَلَةِ الثُّلُثِ وَاسْتَشْهَدَ بِنَصِّهِ الذي حَكَيْنَاهُ في الْغَزْوِ وَبِمَا إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ على قَلْعَةٍ أو طَرِيقٍ سَهْلٍ وكان الْجُعْلُ من مَالِ الْكُفَّارِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا كَجَارِيَةٍ يُعَيِّنُهَا لِلْعَامِلِ قال فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ انْتَهَى
وقد قُطِعَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ مع اشْتِرَاطِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا فَظَاهِرُهُ أَنَّ جُعْلَ جُزْءٍ مُشَاعٍ من الضَّالَّةِ ليس بِمَجْهُولٍ
فَائِدَةٌ إذَا كانت الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ لم تَصِحَّ الْجَعَالَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مُطْلَقًا وكذا إنْ كانت لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ على الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
فَائِدَةٌ لو قال من دَاوَى لي هذا حتى يَبْرَأَ من جُرْحِهِ أو مَرَضِهِ أو رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا لم يَصِحَّ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَقِيلَ تَصِحُّ جَعَالَةٌ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ في الْإِجَارَةِ
____________________
(6/391)
وَقِيلَ تَصِحُّ إجَارَةً
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْجُعْلِ أو قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ
هذا الْمَذْهَبُ في قَدْرِهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ في قَدْرِ الْجُعْلِ قِيَاسًا على اخْتِلَافِ الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ في قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي وَتَبِعَهُ من بَعْدَهُ على ذلك وهو تَخْرِيجٌ في الرِّعَايَةِ
فَعَلَيْهِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
تَنْبِيهٌ قال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ تَجُوزُ منه فإنه ليس بِجَاعِلٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْجَعَالَةِ انْتَهَى
قُلْت إنَّمَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ جَاعِلًا في الْمَسْأَلَتَيْنِ في الْجُمْلَةِ
أَمَّا في اخْتِلَافِهِمْ في قَدْرِ الْجُعْلِ فَهُوَ جَاعِلٌ بِلَا رَيْبٍ
وَأَمَّا في اخْتِلَافِهِمْ في أَصْلِ الْجُعْلِ فَلَيْسَ بِجَاعِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ وهو جاعل ( ( ( جاهل ) ) ) بِالنِّسْبَةِ إلَى زَعْمِ غَرِيمِهِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ من بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ وهو كَثِيرٌ شَائِعٌ في كَلَامِهِمْ على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْمَسَافَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ له
وَلَوْ كان الْعَمَلُ تَخْلِيصَ مَتَاعِ غَيْرِهِ من فَلَاةٍ وَلَوْ كان هلاكه ( ( ( هلاكا ) ) ) فيه مُحَقَّقًا أو قَرِيبًا منه كَالْبَحْرِ وَفَمِ السَّبُعِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَلَهُ احْتِمَالٌ بِذَلِكَ في غَيْرِ الْمُجَرَّدِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ
____________________
(6/392)
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ في ذلك بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَكَذَلِكَ لو انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ من الْبَحْرِ فإنه يَجِبُ لهم الْأُجْرَةُ على الْمُلَّاكِ ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
وَأَلْحَقَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ بِذَلِكَ الْعَبْدَ إذَا خَلَّصَهُ من فَلَاةٍ مُهْلِكَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
ذَكَرَهُ في بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ
وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذلك هُنَاكَ
وَحَكَى الْقَاضِي احْتِمَالًا في الْعَبْدِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَاللُّقَطَةِ
وَأُورِدَ في الْمُجَرَّدِ على نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ خَلَّصَ من فَمِ السَّبُعِ شَاةً أو خَرُوفًا أو غيرهما ( ( ( غيرهم ) ) ) أَنَّهُ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُخَلِّصِ
وقال الْمَجْدُ في مُسَوَّدَتِهِ وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على ظَاهِرِهِ في وُجُوبِ الْأُجْرَةِ على تَخْلِيصِ الْمَتَاعِ من الْمَهَالِكِ دُونَ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ اهل في الْجُمْلَةِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يَكُونُ صَغِيرًا أو عَاجِزًا وَتَخْلِيصُهُ أَهَمُّ وَأَوْلَى من الْمَتَاعِ وَلَيْسَ في كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَفْرِقَةٌ انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَلِفَ ما خَلَّصَهُ من هَلَكَةٍ لم يَضْمَنْهُ مُنْقِذُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ حَكَاهُ في التَّلْخِيصِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَفِيهِ بَعْدُ
الثَّانِيَةُ مَتَى كان الْعَمَلُ في مَالِ الْغَيْرِ إنْقَاذًا له من التَّلَفِ الْمُشْرِفِ عليه كان جَائِزًا كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ إذَا خِيفَ مَوْتُهُ صُرِّحَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(6/393)
وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَاقْتَصَرَ عليه في آخِرِ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ وقال وَيُفِيدُ هذا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ما نَقَصَ بِذَبْحِهِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ له غير الْمُعَدِّ لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ
فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِأَخْذِهَا فَلَهُ الْأُجْرَةُ قَطْعًا كَالْمَلَّاحِ وَالْمُكَارِي وَالْحَجَّامِ وَالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ فإذا عَمِلَ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ نُصَّ عليه
وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في بَابِ الْإِجَارَةِ
قَوْلُهُ إلَّا في رَدِّ الْآبِقِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنُصَّ عليه
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ لِرَادِّهِ من غَيْرِ جَعَالَةٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَنَازَعَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُصَنِّفَ في كَوْنِ هذا رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أو أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قَوْلُهُ فإن له بِالشَّرْعِ دِينَارًا أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا
هذا الْمَذْهَبُ قال في الرِّعَايَةِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ كان يُسَاوِيهِمَا أو لَا وَسَوَاءٌ كان زَوْجًا أو ذَا رَحِمٍ في عِيَالِ الْمَالِكِ أو لَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ إنْ رَدَّهُ من خَارِجِ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أو بَعُدَتْ
قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَالْفَائِقُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
وَعَنْهُ من الْمِصْرِ عَشَرَةٌ قال الْخَلَّالُ اسْتَقَرَّتْ عليه الرِّوَايَةُ
____________________
(6/394)
قال الْقَاضِي هذه رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وقال الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ من خَارِجِ الْمِصْرِ دِينَارٌ أو عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ رَدَّ الْآبِقَ فَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ
وَعَنْهُ اثنى عَشَرَ
وَعَنْهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا من خَارِجِ الْمِصْرِ
قال الزَّرْكَشِيُّ في الْمُغْنِي إذَا رَدَّهُ من الْمِصْرِ دِينَارٌ أو عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وفي الْكَافِي دِينَارٌ أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وفي رِوَايَةٍ اخرى دِينَارٌ
وفي خِلَافَيْ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ دِينَارٌ أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا في رِوَايَةٍ وفي أُخْرَى عَشَرَةُ دَرَاهِمَ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي وبن الْبَنَّا وَالْحَلْوَانِيِّ
وقال الْحَارِثِيُّ إذَا رَدَّهُ من دَاخِلِ الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَوْلًا وَاحِدًا نُصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ وقال لَا أَعْلَمُ نَصًّا بِخِلَافِهِ
وفي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ لِلْقَاضِي لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ إذَا جاء بِهِ من الْمِصْرِ أَنَّ له عَشَرَةَ دَرَاهِمَ
وَقَالَهُ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ
وَنَقَلَهُ أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ وَالتَّنْبِيهِ
وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ ولم يُورِدُوا سِوَاهُ
قال فَأَمَّا في الْمُقْنِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْأَعْلَامِ لِابْنِ بَكْرُوسٍ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ من التَّقْدِيرِ بِالدِّينَارِ أو اثْنَيْ عَشَرَ وفي دَاخِلِ الْمِصْرِ كما في خَارِجِهِ فَلَا يَثْبُتُ
وَأَصْلُ ذلك كُلِّهِ قَوْلُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ من رَدَّ آبِقًا اسْتَحَقَّ دِينَارًا أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا سَوَاءٌ جاء بِهِ من الْمِصْرِ أو خَارِجِ الْمِصْرِ في إحْدَى
____________________
(6/395)
الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى إنْ جاء بِهِ من الْمِصْرِ اسْتَحَقَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَإِنْ جاء بِهِ من خَارِجِ الْمِصْرِ اسْتَحَقَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا
فَمِنْهُمْ من حَكَى ذلك كُلَّهُ وَمِنْهُمْ من اخْتَصَّ الْعَشَرَةَ في الْمِصْرِ بِنَاءً على أنها مَعْنَى الدِّينَارِ وَأَنَّ الدِّينَارَ قد يُقَوَّمُ بِالْعَشَرَةِ والإثني عَشَرَ فَيَكُونُ دَاخِلًا في الرِّوَايَةِ الْأُولَى
قال وَهَذَا الذي قَالَهُ الْقَاضِي من اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ أو الِاثْنَيْ عَشَرَ في الْمِصْرِ لَا أَصْلَ له في كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلْبَتَّةَ وَلَا دَلِيلَ عليه انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ نَاقِلَ هذه الرِّوَايَةِ هو الْقَاضِي وهو الثِّقَةُ الْأَمِينُ في النَّقْلِ بَلْ هو نَاقِلُ غَالِبِ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِ اطِّلَاعِ الْحَارِثِيِّ على هذه الرِّوَايَةِ أَنْ لَا تَكُونَ نُقِلَتْ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ خُصُوصًا وَأَنَّهُ قد تَابَعَهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ الْمُحَقِّقُونَ
تَنْبِيهٌ دخل في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لو رَدَّهُ الْإِمَامُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ حَرْبٌ إنْ رَدَّهُ الْإِمَامُ فَلَا شَيْءَ له وَجَزَمَ بِهِ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ
وقال وَذَلِكَ لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ وَلَهُ حَقٌّ في بَيْتِ الْمَالِ على ذلك
وكذا قال الْحَارِثِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في عَامِلِ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ منه ما أَنْفَقَ عليه في قُوتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ أَمْ لَا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ من غَيْرِ خِلَافٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ
وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ
____________________
(6/396)
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ
وَاشْتَرَطَ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ الْعَجْزَ عن اسْتِئْذَانِ الْمَالِكِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَلَا يَتَوَقَّفُ الرُّجُوعُ على تَسْلِيمِهِ بَلْ لو أَبَقَ قبل ذلك فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عليه نُصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا عَلَفُ الدَّابَّةِ كَالنَّفَقَةِ
الثَّانِيَةُ لو أَرَادَ اسْتِخْدَامَهُ بَدَلَ النَّفَقَةِ فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا أبو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ في الْكِفَايَةِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَذَكَرَهُمَا في الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذلك في الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَكَذَا هُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ جَوَازَ أَخْذِ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ وهو صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عليه أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَرْتَدَّ أو يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ في الْبِلَادِ بِخِلَافِ الضَّوَالِّ التي تَحْفَظُ نَفْسَهَا
إذَا عَلِمَ ذلك فَهُوَ أَمَانَةٌ في يَدِهِ إذَا أَخَذَهُ إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ وَجَدَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ إذَا اعْتَرَفَ الْعَبْدُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ أو أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً
فَإِنْ لم يَجِدْ سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ أو يَبِيعُهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فيه
وَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ بَيْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ لِأَنَّهُ يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَقَوْلُهُمَا يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ على أَنَّهُمَا أَرَادَا الْكَبِيرَ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ
وَيَأْتِي في بَابِ اللُّقَطَةِ
____________________
(6/397)
فَإِنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ كان أَعْتَقَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ في اللُّقَطَةِ
الثَّالِثَةُ الْعَبْدُ وَغَيْرُهُ أَمَانَةٌ في يَدِهِ لَا ضَمَانَ عليه إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى نُصَّ عليه على ما تَقَدَّمَ
الرَّابِعَةُ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا جاء بِهِمَا إلَى السَّيِّدِ
فَإِنْ مَاتَ قبل وُصُولِهِمَا إلَيْهِ فَلَا جُعْلَ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ فَالْعَمَلُ لم يَتِمَّ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فإنه يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ حَالَ الْحَيَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بتخليص ( ( ( بتلخيص ) ) ) مَتَاعِ غَيْرِهِ من مهلكه
____________________
(6/398)
بَابُ اللُّقَطَةِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ من رَبِّهِ
هو تَعْرِيفٌ لِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ وَكَذَا قال غَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَلَى هذا سُؤَالَانِ
أَحَدُهُمَا قد يَكُونُ الْمُلْتَقَطُ غير ضَائِعٍ كَالْمَتْرُوكِ قَصْدًا لِأَمْرٍ يَقْتَضِيهِ وَمِنْهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَالشَّيْءُ الذي يُتْرَكُ ثِقَةً بِهِ كَأَحْجَارِ الطَّحْنِ وَالْخَشَبِ الْكِبَارِ
وَالثَّانِي أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في الْتِقَاطِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْتِقَاطِهِ يَكُونُ خَارِجًا عَمَّا ذُكِرَ
وَمَنْ قال من الْأَصْحَابِ لَا يُلْتَقَطُ إنَّمَا قال لِأَجْلِ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بِنَابِهِ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَيُعْصَمُ من السُّؤَالِ أَنْ يُضَافَ إلَى الْحَدِّ ما جَرَى مَجْرَى الْمَالِ
قَوْلُهُ وَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ
يَعْنِي هِمَّةَ أَوْسَاطِ الناس وَلَوْ كَثُرَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وجزم بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَمَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِالسَّوْطِ وَالشِّسْعِ وَالرَّغِيفِ
وَمَثَّلَهُ في الْإِرْشَادِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجَمَاعَةٍ بِالتَّمْرَةِ وَالْكِسْرَةِ وَشِسْعِ النَّعْلِ وما أَشْبَهَهُ
وَمَثَّلَهُ في الْمُغْنِي بِالْعَصَا وَالْحَبْلِ وما قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ ذلك
قال الْحَارِثِيُّ ما لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَحَنْبَلٍ أَنَّهُ ما كان مِثْلَ التَّمْرَةِ وَالْكِسْرَةِ وَالْخِرْقَةِ وما لَا خَطَرَ له فَلَا بَأْسَ
وقال في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ الذي يُعَرَّفُ من اللُّقَطَةِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا ما لَا قِيمَةَ له
____________________
(6/399)
وَسُئِلَ الْإِمَامُ احمد رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ حَرْبٍ الرَّجُلُ يُصِيبُ الشِّسْعَ في الطَّرِيقِ أَيَأْخُذُهُ قال إذَا كان جَيِّدًا مِمَّا لَا يُطْرَحُ مِثْلُهُ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كان رَدِيئًا قد طَرَحَهُ صَاحِبُهُ فَلَا بَأْسَ
قال الْحَارِثِيُّ فَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُوَافِقُ ما قال في الْمُغْنِي وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَبْلَ وَالسَّوْطَ وَالرَّغِيفَ يَزِيدُ على التَّمْرَةِ وَالْكِسْرَةِ
قال وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ على ما قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك كُلِّهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ الْمُصَنِّفَ إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ في الشِّسْعِ فَقَطْ انْتَهَى
قال في الرِّعَايَةِ وما قَلَّ كَتَمْرَةٍ وَخِرْقَةٍ وَشِسْعِ نَعْلٍ وَكِسْرَةٍ وَقِيلَ وَرَغِيفٍ انْتَهَى
فحكى في الرَّغِيفِ الْخِلَافُ
وَقِيلَ هو ما دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ
قال في الْكَافِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ تَعْرِيفُ ما لَا يُقْطَعُ فيه السَّارِقُ
وَقِيلَ هو ما دُونَ قِيرَاطٍ من عَيْنٍ أو وَرَقٍ اخْتَارَهُ أبو الْفَرَجِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى دَانِقًا من ذَهَبٍ
وكذا قال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ بَلْ ما فَوْقَ دَانِقٍ ذَهَبٍ
وقال أَيْضًا وَعَنْهُ يُعَرَّفُ الدِّرْهَمُ فَأَكْثَرُ
فَائِدَةٌ لو وَجَدَ كَنَّاسٌ أو نَخَّالٌ أو مُقَلِّشٌ قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ وَإِنْ كَثُرَتْ
قَوْلُهُ فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ
____________________
(6/400)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ مُدَّةً يُظَنُّ طَلَبُ رَبِّهِ له اخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ
فَوَائِدُ
منها ما قَالَهُ في التَّبْصِرَةِ إنَّ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ أَوْلَى
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ بَدَلِهِ إذَا وَجَدَ رَبَّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَقْتَضِيهِ لِقَوْلِهِ فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في التَّبْصِرَةِ يَلْزَمُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَكَلَامُهُمْ فيه يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في التَّمْرَةِ يَجِدُهَا أو يُلْقِيهَا عُصْفُورٌ أَيَأْكُلُهَا
قال لَا قال أَيُطْعِمُهَا صَبِيًّا أو يَتَصَدَّقُ بها قال لَا يَعْرِضُ لها
نَقَلَهَا أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقِ
وَمِنْهَا لَا يُعَرِّفُ الْكَلْبَ إذَا وَجَدَهُ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ إذَا كان مُبَاحًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُعَرِّفُ سَنَةً وَيَأْتِي قَرِيبًا
قَوْلُهُ الثَّانِي الضَّوَالُّ التي تَمْتَنِعُ من صِغَارِ السِّبَاعِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالظِّبَاءِ وَالطَّيْرِ وَالْفُهُودِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا بِلَا نِزَاعٍ
فَوَائِدُ
منها الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحُمُرَ مِمَّا يَمْتَنِعُ من صِغَارِ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(6/401)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي في آخَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا
وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الْحُمُرَ بِالشَّاةِ وَنَحْوِهَا
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَوْلَى
وَمِنْهَا قال الْحَارِثِيُّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَمْتَنِعُ الْتِقَاطُهُ كما اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ هُنَا وَصَرِيحُ لَفْظِهِ في الْمُغْنِي اعْتِبَارًا بِمَنَعَتِهِ بِنَابِهِ
وَجَوَّزَ الْتِقَاطَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وهو أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ في الْمَنْعِ وَلَيْسَ في مَعْنَى الْمَمْنُوعِ وفي أَخْذِهِ حِفْظُهُ على مُسْتَحِقِّهِ أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ وَأَوْلَى من جِهَةِ أَنَّهُ ليس مَالًا فَيَكُونُ أَخَفَّ
وَعَلَى هذا هل يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ فيه وَجْهَانِ وَفِيهِمَا طَرِيقَانِ
إحْدَاهُمَا بِنَاءُ الْخِلَافِ على الْخِلَافِ في تَمَلُّكِ الشَّاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي
وَالْأُخْرَى بِنَاءُ الِانْتِفَاعِ على التَّمَلُّكِ لِمَا يُتَمَلَّكُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبِنَاءُ مَنْعِ الِانْتِفَاعِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِمَا ضَاعَ منه بِالْقِيمَةِ لو تَلِفَ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مَالًا فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا وهو خِلَافُ الْأَصْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ
وَمِنْهَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَخْذُ ما يَمْتَنِعُ من صِغَارِ السِّبَاعِ وَحِفْظُهُ لِرَبِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَلَا يكتفي فيها بِالصِّفَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا أَخْذُ شَيْءٍ من ذلك لِحِفْظِهِ لِرَبِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ يَجُوزُ أَخْذُهَا إذَا خِيفَ عليها كما لو كانت في
____________________
(6/402)
أَرْضِ مَسْبَعَةٍ أو قَرِيبًا من دَارِ الْحَرْبِ أو بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أو في بَرِيَّةٍ لَا مَاءَ فيها وَلَا مَرْعَى وَلَا ضَمَانَ على آخِذِهَا لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ من الْهَلَاكِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو كما قال وَجَزَمَ بِهِ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قُلْت لو قِيلَ بِوُجُوبِ أَخْذِهَا وَالْحَالَةُ هذه لَكَانَ له وَجْهٌ
وَمِنْهَا قَطْعُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ بِجَوَازِ الْتِقَاطِ الصَّيُودِ الْمُتَوَحِّشَةِ التي إذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْجِزَ عنها صَاحِبُهَا وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ عَدَمُ الْجَوَازِ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ إنَّمَا حكى ذلك عنه في طَيْرٍ مُتَوَحِّشَةٍ
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ من ذلك
وَمِنْهَا قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَحْجَارُ الطَّوَاحِينِ وَالْقُدُورُ الضَّخْمَةُ وَالْأَخْشَابُ الْكَبِيرَةُ وَنَحْوُهَا مُلْحَقَةٌ بِالْإِبِلِ في مَنْعِ الِالْتِقَاطِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بَلْ أَوْلَى
قال الْحَارِثِيُّ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ جَوَازُ الِالْتِقَاطِ وَكَذَا نصة في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ في الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا
يَعْنِي إذَا تَلِفَتْ وَيَضْمَنُ نَقْصَهَا إذَا تَعَيَّبَتْ
لَكِنَّ إتْلَافَهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قد كَتَمَهَا أو لَا
فَإِنْ كان ما كَتَمَهَا وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا كَغَاصِبٍ
وَإِنْ كان كَتَمَهَا حتى تَلِفَتْ ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا مَرَّتَيْنِ على الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ إمَامًا كان أو غَيْرَهُ
____________________
(6/403)
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ وقال بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
قال في الْفُرُوعِ وَيَضْمَنُهُ كَغَاصِبٍ وَنَصُّهُ وَقَالَهُ أبو بَكْرٍ يَضْمَنُ ضَالَّةً مَكْتُومَةً بِالْقِيمَةِ مَرَّتَيْنِ لِلْخَبَرِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى نَائِبِ الْإِمَامِ زَالَ عنه الضَّمَانُ بِلَا نِزَاعٍ
قال الْحَارِثِيُّ هذا يَنْبَنِي على أَنَّ لِنَائِبِ الْإِمَامِ أَخْذَهَا ابْتِدَاءً لِلْحِفْظِ وهو شَيْءٌ قَالَهُ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
وَكَذَا لو أَمَرَهُ بِرَدِّهَا إلَى مَوْضِعِهَا وَرَدَّهَا بريء قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ منه لم يَلْزَمْهُ تَعْرِيفُهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ الثَّالِثُ سَائِرُ الْأَمْوَالِ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَتَاعِ وَالْغَنَمِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْأَفْلَاءِ
يَعْنِي يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفَائِقِ قُلْت وَكَذَا مَرِيضٌ لَا يَنْبَعِثُ وَلَوْ كان كَبِيرًا
وَعَنْهُ في شَاةٍ وَفَصِيلٍ وَعِجْلٍ وَفَلْوٍ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ لَا يَلْتَقِطُ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا إلَّا الْإِمَامُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَذَكَرَ أبو الْفَرَجِ في الْعَرْضِ رِوَايَةً لَا يَلْتَقِطُهُ
____________________
(6/404)
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ وَالْجَارِيَةَ وهو صَحِيحٌ
قال في الرِّعَايَةِ وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَالشَّاةِ وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ تَحْرُمُ على الْمُلْتَقِطِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
قال الْحَارِثِيُّ وَصِغَارُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ على ذلك
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ بِالتَّعْرِيفِ
قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فيها نَظَرٌ فإن اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يُعَبِّرُ عن نَفْسِهِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لم يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لِأَنَّ الطِّفْلَ لَا قَوْلَ له وَلَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ في ذلك لَاعْتُبِرَ في تَعْرِيفِهِ سَيِّدَهُ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عليها وَقَوِيَ على تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهَا
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ إنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ من هذا الْقَوْلِ وُجُوبَ أَخْذِهَا وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وقوى على تَعْرِيفِهَا أَنَّ الْعَاجِزَ عن التَّعْرِيفِ ليس له أَخْذُهَا
____________________
(6/405)
وهو صَحِيحٌ وَكَذَا الْحَكَمُ إنْ لم يَأْمَنْ نَفْسَهُ عليها
وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ يَمْلِكُهَا ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ لو أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ طَرَأَ قَصْدُ الْخِيَانَةِ قال في التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ كما لَا يَضْمَنُ لو كان أَوْدَعَهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وهو الصَّحِيحُ انْتَهَى
وَالثَّانِي يَضْمَنُ
قال في التَّلْخِيصِ وهو الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا في التَّضْمِينِ بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِ الْكِتْمَانِ وَيُخَالِفُ الْمُودَعَ فإنه مُسَلَّطٌ من جِهَةِ الْمَالِكِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْوَدِيعَةِ قبل قَوْلِهِ وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ حِكَايَةً عن صَاحِبِ التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ وَمَتَى أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أو فَرَّطَ فيها ضَمِنَهَا
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا الْتَقَطَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ أو لَا
فَإِنْ كانت مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ ضَمِنَهَا إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ أو نَائِبُهُ بِذَلِكَ فإنه لَا يَضْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ كما تَقَدَّمَ
وَإِنْ كانت مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ إذَا رَدَّهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ أو لَا
فَإِنْ كان بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا لم يَضْمَنْ
وَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(6/406)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَزُولُ عنه الضَّمَانُ لو أَخَذَهَا وَدَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ
فَائِدَةٌ لو أَخَذَ من نَائِمٍ شيئا لم يَبْرَأْ منه إلَّا بِتَسْلِيمِهِ له بَعْدَ انْتِبَاهِهِ وَكَذَلِكَ السَّاهِي
قَوْلُهُ وَهِيَ على ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا حَيَوَانٌ فَيُخَيَّرُ بين أَكْلِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ حِفْظِهِ وَالْإِنْفَاقِ عليه من مَالِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لم يذكر أَصْحَابُنَا له تَعْرِيفًا وَمُرَادُهُ إذَا اسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ
أَمَّا إذَا كان أَحَدُهُمَا أَحَظَّ فإنه يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لِمَالِكِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وفي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ في بَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ عليه نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى من الْمَصْلَحَةِ بَيْعَهَا وَحِفْظَ ثَمَنِهَا أو بَيْعَ الْبَعْضِ في مُؤْنَةِ ما بَقِيَ أو أَنْ يَسْتَقْرِضَ على الْمَالِكِ أو يُؤَجِّرَ في الْمُؤْنَةِ فَعَلَ انْتَهَى
وقال في التَّرْغِيبِ لَا يَبِيعُ بَعْضَ الْحَيَوَانِ
وَأَفْتَى أبو الْخَطَّابِ وبن الزَّاغُونِيِّ بِأَكْلِهِ بِمَضْيَعَةٍ بِشَرْطِ ضَمَانِهِ وَإِلَّا لم يَجُزْ تَعْجِيلُ ذَبْحِهِ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ
وقال أبو الْحُسَيْنِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وبن بَكْرُوسٍ لَا يَتَصَرَّفُ قبل الْحَوْلِ في شَاةٍ وَنَحْوِهَا بِأَكْلٍ وَلَا غَيْرِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَنَحْوُهُ قَوْلُ أبي بَكْرٍ
قال في زَادِ الْمُسَافِرِ وَضَالَّةُ الْغَنَمِ إذَا أَخَذَهَا يُعَرِّفُهَا سَنَةً وهو الْوَاجِبُ فإذا مَضَتْ السَّنَةُ ولم يَعْرِفْ صَاحِبَهَا كانت له مِثْلَ ما الْتَقَطَ من غَيْرِهَا
____________________
(6/407)
قال الْحَارِثِيُّ وقد قال الشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ لَا تُمْلَكُ الشَّاةُ قبل الْحَوْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَكَذَا حَكَى السَّامِرِيُّ قال إنْ كانت اللُّقَطَةُ حَيَوَانًا يَجُوزُ أَخْذُهُ كَالْغَنَمِ وما حُكْمُهُ حُكْمُهَا لم يَمْلِكْهَا قبل الْحَوْلِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْحَيَوَانَ يُعَرَّفُ كَغَيْرِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَام صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا يَنْفِي اخْتِيَارَ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ عَاجِلٌ وَهَذَا أَعْنِي الْحِفْظَ من غَيْرِ تَخْيِيرٍ هو الصَّحِيحُ فَكَانَ قبل ذلك أَوْلَى الْأُمُورِ الْحِفْظُ مع الْإِنْفَاقِ ثُمَّ الْبَيْعُ وَحِفْظُ ثَمَنِهِ ثُمَّ الْأَكْلُ وَغُرْمُ الْقِيمَةِ انْتَهَى
وقال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% وَالشَّاةُ في الْحَالِ وَلَوْ في الْمِصْرِ % تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ إنْ لم يبرى %
قَوْلُهُ وَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالزَّرْكَشِيِّ
أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ وَالرُّجُوعُ هو الْمَنْصُوصُ في الْآبِقِ وَالْآبِقُ من نَحْوِ الضَّالَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِرْشَادِ
قال أبو بَكْرٍ يَرْجِعُ مع تَرْكِ التَّعَدِّي فَإِنْ تَعَدَّى يُحْسَبُ له
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ إنْ كانت النَّفَقَةُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ وَإِنْ لم تَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ
____________________
(6/408)
يَعْنِي اللَّتَيْنِ فِيمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عن غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الرُّجُوعُ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الضَّمَانِ فَكَذَا هُنَا
قال بن رَجَبٍ وَمِنْهُمْ من رَجَّحَ هُنَا عَدَمَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ حِفْظَهَا لم يَكُنْ مُتَعَيِّنًا بَلْ كان مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا
وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْفَقَ غير مُتَطَوِّعٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بها وَإِنْ كان مُحْتَسِبًا فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ كان بِإِذْنِ حَاكِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ولم يَشْهَدْ بِالرُّجُوعِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَإِنْ أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بها وَأَشْهَدَ على ذلك فَهَلْ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ على رِوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ الثَّانِي ما يُخْشَى فَسَادُهُ فَيُخَيَّرُ بين بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ
يَعْنِي إذَا اسْتَوَيَا وَإِلَّا فَعَلَ الْأَحَظَّ كما تَقَدَّمَ
قال في الْفُرُوعِ وَلَهُ أَكْلُ الْحَيَوَانِ وما يَخْشَى فَسَادَهُ بِقِيمَتِهِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا
وقال في الْمُغْنِي يَقْتَضِي قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْعُرُوضَ لَا تُمْلَكُ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بين الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَذَكَرَ نَصًّا يَدُلُّ على ذلك انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ ما لَا يَبْقَى
قال الْمُصَنِّفُ فيه وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يَتَخَيَّرُ بين بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ كَذَا أَوْرَدُوا مُطْلَقًا
وَقَيَّدَ أبو الْخَطَّابِ بِمَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ فإنه قال عَرَّفَهُ بِقَدْرِ ما يَخَافُ فَسَادَهُ ثُمَّ هو بِالْخِيَارِ
قال وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ ما يَخَافُ فَسَادَهُ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هو بِقَدْرِ ما لَا يَخَافُ
قُلْت وَتَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ على هذه الْعِبَارَةِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةٍ
وَمَشَى على الصَّوَابِ في الْخُلَاصَةِ فقال عَرَّفَهُ ما لم يُخْشَ فَسَادُهُ
____________________
(6/409)
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْإِبْقَاءُ ما لم يَفْسُدْ من غَيْرِ تَخْيِيرٍ على ما مَرَّ نَصُّهُ في الشَّاةِ وهو الصَّحِيحُ فإذا دَنَا الْفَسَادُ فَرِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهِ مَضْمُونًا عليه
وَالثَّانِيَةُ الْبَيْعُ وَحِفْظُ الثَّمَنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
وقال بن أبي مُوسَى يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ انْتَهَى
وَمَعَ تَعَذُّرِ الْبَيْعِ أو الصَّدَقَةِ يَجُوزُ له أَكْلُهُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يُبَاعُ فإن الْبَائِعَ الْمُلْتَقِطُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كان يَسِيرًا أو كَثِيرًا تَعَذَّرَ الْحَاكِمُ أو لَا
وَعَنْهُ يَبِيعُ الْيَسِيرَ وَيَرْفَعُ الْكَثِيرَ إلَى الْحَاكِمِ
وَعَنْهُ يَبِيعُهُ كُلَّهُ إنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ وَإِلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ
فَائِدَةٌ لو تَرَكَهُ حتى تَلِفَ ضَمِنَهُ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ كَالْعِنَبِ فَيَفْعَلَ ما يَرَى فيه الْحَظَّ لِمَالِكِهِ
أَيْ من التَّجْفِيفِ وَالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي
ولم يَجْعَلْ له الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ الْأَكْلَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ قبل انْقِضَاءِ التَّعْرِيفِ فِيمَا يَبْقَى وهو خِلَافُ الْأَصْلِ وَاقْتَصَرُوا على الْأَحَظِّ من التَّجْفِيفِ وَالْبَيْعِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
وقال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ من رِوَايَةِ مُهَنَّا وَإِسْحَاقَ التَّسْوِيَةُ بين هذا النَّوْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ
وَكَذَا كَلَامُ بن أبي مُوسَى قال فيجرى فيه ما مَرَّ من الْخِلَافِ انْتَهَى
____________________
(6/410)
قَوْلُهُ وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ يَعْنِي وُجُوبًا بِالنِّدَاءِ عليه في مَجَامِعِ الناس كَالْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ في أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ حَوْلًا كَامِلًا من ضَاعَ منه شَيْءٌ أو نفقه
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ
وَوَقْتُ التَّعْرِيفِ النَّهَارُ وَيَكُونُ في الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ في كل يَوْمٍ
قال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ مَرَّةً في كل أُسْبُوعٍ من شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّةً في كل شَهْرٍ
وَقِيلَ على الْعَادَةِ بِالنِّدَاءِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَيَكُونُ ذلك على الْفَوْرِ
وَقِيلَ يُعَرِّفُهَا بِقُرْبِ الصَّحْرَاءِ إذَا وَجَدَهَا فيها
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت في أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ منه
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَأَبَا الْحُسَيْنِ وبن عَقِيلٍ وبن بَكْرُوسٍ وَالشَّرِيفَيْنِ وَغَيْرَهُمْ قالوا لَا يَتَصَرَّفُ في شَاةٍ وَلَا في غَيْرِهَا قبل الْحَوْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ تَعَرُّفَ الشَّاةِ وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
وقال في الْفُرُوعِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لم يَذْكُرُوا لِلْحَيَوَانِ تَعْرِيفًا
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ ما يُخْشَى فَسَادُهُ يُعَرَّفُ بِمِقْدَارِ ما لَا يُخَافُ فَسَادُهُ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وبن الْجَوْزِيِّ وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَصَحُّ أنها تُعَرَّفُ حَوْلًا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ أَنَّهُ لَا يُعَرِّفُهَا في نَفْسِ الْمَسَاجِدِ وهو صَحِيحٌ بَلْ يُكْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ يَحْرُمُ وَقَالَهُ بن بَطَّةَ في إنْشَادِهَا
____________________
(6/411)
فَائِدَةٌ لو أَخَّرَ التَّعْرِيفَ عن الْحَوْلِ الْأَوَّلِ مع إمْكَانِهِ أَثِمَ وَسَقَطَ التَّعْرِيفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَخَرَجَ عَدَمُ السُّقُوطِ من نَصِّهِ على تَعْرِيفِ ما يُوجَدُ من دَفْنِ الْمُسْلِمِينَ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي
قال ( ( ( قاله ) ) ) الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
فَيَأْتِي بِهِ في الْحَوْلِ الثَّانِي أو يُكْمِلُهُ إنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ الْأَوَّلِ
وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ فِيمَا عَدَا الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لو تَرَكَ التَّعْرِيفَ في بَعْضِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَهُ
وفي الصَّدَقَةِ بِهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ في الْعُرُوضِ
أَمَّا إنْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِعَجْزِهِ عنه كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ أو لِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ أو ضَاعَتْ فَعَرَّفَهَا الثَّانِي في الْحَوْلِ الثَّانِي فَقِيلَ يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ وَلَا يَمْلِكُهَا قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَقِيلَ يَمْلِكُهَا وَلَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي عليه
يَعْنِي على الْمُلْتَقِطِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وقال أبو الْخَطَّابِ ما لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ وما يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عليه
قُلْت وهو الصَّوَابُ
____________________
(6/412)
وقال بن عَقِيلٍ ما لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ يَرْجِعُ عليه بِالْأُجْرَةِ
وَذَكَرَ في الْفُنُونِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا
وَقِيلَ على رَبِّهَا مُطْلَقًا
وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ الْأُجْرَةُ من نَفْسِ اللُّقَطَةِ كما لو جَفَّفَ الْعِنَبَ وَنَحْوَهُ
وَقِيلَ من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخَذَهَا الْحَاكِمُ من رَبِّهَا
قَوْلُهُ فَإِنْ لم تُعَرَّفْ دَخَلَتْ في مِلْكِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْمِلْكَ قهرى يَثْبُتُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ كَالْإِرْثِ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَجُزِمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ لَا يَمْلِكُهُ حتى يَخْتَارَ وهو رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا في الْوَاضِحِ فَيَتَوَقَّفُ على الرِّضَى كَالشِّرَاءِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
تَنْبِيهٌ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لُقَطَةَ الْحَرَمِ كَغَيْرِهَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ عَدَمُ الْفَرْقِ هو الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه
قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ وَقَدَّمَهُ في المحرر ( ( ( المحرز ) ) ) وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
____________________
(6/413)
وَعَنْهُ لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ من الْمُتَأَخِّرِينَ
قال في الْفَائِقِ أَيْضًا وهو الْمُخْتَارُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
قال في الِانْتِصَارِ وَنُقِلَ عنه ما يَدُلُّ على أَنَّ اللُّقَطَةَ لَا تُمْلَكُ مُطْلَقًا
قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وهو غَرِيبٌ لَا تَفْرِيعَ عليه وَلَا عَمَلَ
وَعَنْهُ يَتَمَلَّكُهَا فَقِيرٌ غَيْرُ ذَوِي الْقُرْبَى
قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُ لَكِنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ مع فَقْرِهِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَأَنْكَرَهُ الْخَلَّالُ
تَنْبِيهٌ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ غير الْأَثْمَانِ كَالْأَثْمَانِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا
قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ
قال بن رَزِينٍ هذا الْأَظْهَرُ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَثْمَانَ وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هذا أَشْهَرُ
قال في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتُمْلَكُ الْأَثْمَانُ وَلَا تُمْلَكُ الْعُرُوض على الْأَصَحِّ انْتَهَيَا
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(6/414)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْقَاضِي نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فقال
% مُلْتَقِطُ الْأَثْمَانِ مُذْ عَرَّفَهَا % حَوْلًا فَقَهَرَ ذَا الْغِنَى يَمْلِكُهَا %
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ وَهِيَ الْمَشْهُورُ في النَّقْلِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تُمْلَكُ دُونَ الْعُرُوضِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَهَلْ له الصَّدَقَةُ بِغَيْرِهَا على رِوَايَتَيْنِ
يَعْنِي على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غير الْأَثْمَانِ
وَعَلَى هذا قال الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَى الْحَاكِمِ وَبَرِئَ وَإِنْ شَاءَ لم يُسَلِّمْ وَعَرَّفَهَا أَبَدًا
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ وَهَلْ له الصَّدَقَةُ بها على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ هُنَا
إحْدَاهُمَا له الصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْخَلَّالُ كُلُّ من رَوَى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى عنه أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بها
قال في الْفَائِقِ هو الْمَنْصُوصُ أَخِيرًا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ يَتَصَدَّقُ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ليس له ذلك بَلْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا نَقَلَهُ عنه طَاهِرُ بن مُحَمَّدٍ
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
____________________
(6/415)
قال الْحَارِثِيُّ في الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ انْتَهَى
لَكِنْ قال الْخَلَّالُ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه وَكُلُّ من رَوَى عنه رَوَى عنه أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بها
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ إنْ كان يَسِيرًا بَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كان كَثِيرًا رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ وقال نَقَلَهُ مُهَنَّا وَرَدَّهُ الْمَجْدُ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ
وَتَقَدَّمَتْ هذه الْمَسْأَلَةُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَظَائِرُهَا في أَوَاخِرِ الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا
تَنْبِيهٌ تَلَخَّصَ لنا مِمَّا تَقَدَّمَ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَدْخُلُ في مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ حَيْثُ قُلْنَا تُمْلَكُ وَأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ التَّسْوِيَةُ بين لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهَا
وَأَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قالوا لَا يَمْلِكُ غير الْأَثْمَانِ وهو الْمَشْهُورُ عنه وهو الْمَذْهَبُ
لَكِنْ على الْمُصْطَلَحِ الذي تَقَدَّمَ في الْخُطْبَةِ يَكُونُ الْمَذْهَبُ الْمِلْكَ في الْكُلِّ قَهْرًا
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ اللَّتَانِ في الصَّدَقَةِ في غَيْرِ الْأَثْمَانِ أَنْ يَأْتِيَا فِيمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ من اللُّصُوصِ إذَا لم يَعْرِفْ رَبَّهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو الْتَقَطَ اثْنَانِ وَعَرَّفَا مَلَكَاهَا
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاخْتِيَارِ لو اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ مَلَكَ النِّصْفَ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِهِ
____________________
(6/416)
الثَّانِيَةُ لو رَأَى اللُّقَطَةَ اثْنَانِ فقال أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هَاتِهَا فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ لِلْآخِذِ وأن أَخَذَهَا لِلْآمِرِ فَهِيَ له أَعْنِي لِلْآمِرِ كما في التَّوْكِيلِ في الِاصْطِيَادِ ذَكَرَ ذلك الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ في اللُّقَطَةِ حتى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَقَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَيُسْتَحَبُّ ذلك عِنْدَ وُجْدَانِهَا
الْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذلك عِنْدَ الْتِقَاطِهَا
وَإِنْ أَخَّرَ مَعْرِفَةَ ذلك إلَى مَجِيءِ صَاحِبِهَا جَازَ
فَإِنْ لم يَجِئْ وَأَرَادَ التَّصَرُّفَ فيها بَعْدَ الْحَوْلِ لم يَجُزْ حتى يَعْرِفَ صِفَتَهَا
وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ خَلْطَهَا بِمَالِهِ على وَجْهٍ لَا تَتَمَيَّزُ
وقال في الْمُغْنِي تَجِبُ حَالَةَ الْأَخْذِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَحَالَةَ إرَادَةِ التَّصَرُّفِ وُجُوبًا مُضَيَّقًا
فَائِدَةٌ الْوِعَاءُ هو ظَرْفُهَا وَالْوِكَاءُ هو الْخَيْطُ الذي تُشَدُّ بِهِ وَالْعِفَاصُ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ هو الشَّدُّ وَالْعَقْدُ وَقِيلَ هو صِمَامُ الْقَارُورَةِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ الصُّرَّةُ وهو ظَرْفُهَا
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْوِعَاءُ الذي تَكُونُ فيه من خِرْقَةٍ أو غَيْرِهَا
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْوِكَاءُ ما يُشَدُّ بِهِ وَالْعِفَاصُ هو صِفَةُ شَدِّهِ وَعَقْدِهِ
وَقِيلَ بَلْ سِدَادَةُ الْقَارُورَةِ وَقِيلَ بَلْ الْوِعَاءُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ الْعِفَاصُ مَقُولٌ على الْوِعَاءِ وَوَرَدَ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا
وَالْعِفَاصُ في هذه الرِّوَايَةِ صِمَامُ الْقَارُورَةِ أَيْ الْجِلْدُ الْمَجْعُولُ على رَأْسِهَا يُقَالُ عليه أَيْضًا فَيَتَعَرَّفُ الْوِعَاءَ كِيسًا هو أو غير ذلك وَهَلْ هو من خِرَقٍ أو جُلُودٍ أو وَرَقٍ
____________________
(6/417)
وقال بن عَقِيلٍ وَيَتَعَرَّفُ هل هو إبْرَيْسَمٌ أو كَتَّانٌ
وَإِنْ كان ثِيَابًا تَعَرَّفَ لَفَائِفَهَا أو مَائِعًا تَعَرَّفَ ظَرْفَهُ خِرَقٌ أو خَشَبٌ أو جِلْدٌ
وَيَتَعَرَّفُ الْوِكَاءَ وهو ما يُرْبَطُ بِهِ سَيْرٌ أَمْ خَيْطٌ أَمْ شرابه
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَيَتَعَرَّفُ الرَّبْطَ هل هو عُقْدَةٌ أو عُقْدَتَانِ وَأُنْشُوطَةٌ أو غَيْرُهَا
قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ عليها
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عليها وَيَكُونَانِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَجِبُ الْإِشْهَادُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وبن أبي مُوسَى
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
قال في الْفَائِقِ وهو الْمَنْصُوصُ
تَنْبِيهٌ يَكُونُ الْإِشْهَادُ عليها لَا على صِفَتِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَكُونُ عليها وَعَلَى صِفَتِهَا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ فَمَتَى جاء طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ
يَعْنِي من غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ غَلَبَ على ظَنِّهِ صِدْقُهُ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه
____________________
(6/418)
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ إذَا وَصَفَهَا إلَّا مع ظَنِّ صدقة وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال في الْمُبْهِجِ وَالتَّبْصِرَةِ جَازَ الدَّفْعُ
وَنَقَلَ بن هَانِئٍ وَيُوسُفُ بن مُوسَى لَا بَأْسَ بِهِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَصَفَهَا فَقَطْ
أَمَّا إذَا قَامَتْ له بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا وهو وَاضِحٌ
فَائِدَةٌ قال الْحَارِثِيُّ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّفْعِ إذَا وَصَفَهَا فقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالْقَاسِمُ بن الْحَسَنِ بن الْحَدَّادِ في كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ إذَا وَصَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ لَزِمَ الدَّفْعُ وَنُصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مُشَيْشٍ
وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ إذَا جاء بِالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ
قَوْلُهُ وَزِيَادَتُهَا الْمُنْفَصِلَةُ لِمَالِكِهَا قبل الْحَوْلِ وَلِوَاجِدِهَا بَعْدَهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَيْضًا اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
____________________
(6/419)
قال في الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْأَبِ إذَا اسْتَرْجَعَ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ
وقال أبو الْخَطَّابِ أَيْضًا عن الْوَجْهِ الثَّانِي بِنَاءً على الْمُفْلِسِ
وقال الْحَارِثِيُّ هُمَا مَبْنِيَّانِ على الْخِلَافِ في مِثْلِهِ في الْمَبِيعِ الْمُرْتَجَعِ من الْمُفْلِسِ وَالْمَوْهُوبِ الْمُرْتَجَعِ من الْوَلَدِ انْتَهَى
قُلْت أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ في الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا رَجَعَ فيها الْأَبُ فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ على ما يَأْتِي في الْهِبَةِ
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ في الْمَبِيعِ الْمَأْخُوذِ من الْمُفْلِسِ فَالْخِلَافُ فيها قَوِيٌّ
وَالْمَذْهَبُ أنها لِلْبَائِعِ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أنها لِلْمُفْلِسِ على ما تَقَدَّمَ
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فَهِيَ لِمَالِكِهَا على كل حَالٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ أو نَقَصَتْ قبل الْحَوْلِ لم يَضْمَنْهَا
مُرَادُهُ إذَا لم يُفَرِّطْ فيها لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ في يَدِهِ
وَإِنْ كان بَعْدَهُ ضَمِنَهَا وَلَوْ لم يُفَرِّطْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَرُوهُ
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ
حَكَى بن أبي مُوسَى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوَّحَ في مَوْضِعٍ إذَا أَنْفَقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَالتَّعْرِيفِ لم يَضْمَنْهَا لِحَدِيثِ عِيَاضِ بن حِمَارٍ رضي اللَّهُ عنه
وَقِيلَ لَا يَرُدُّهَا إنْ كانت بَاقِيَةً
____________________
(6/420)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ
فَأَمَّا على الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فإنه لَا يَضْمَنُهَا إذَا لم يُفَرِّطْ بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو قال مَالِكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّلَفِ لِلْمُلْتَقِطِ أَخَذْتَهَا لِتَذْهَبَ بها وقال الْمُلْتَقِطُ بَلْ لِأُعَرِّفهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ نَقَلَهُ عنه الْحَارِثِيُّ في آخِرِ الْبَابِ
الثَّانِيَةُ إذَا تَصَرَّفَ في اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ كانت مِثْلِيَّةً ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ لم تَكُنْ مِثْلِيَّةً ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا يوم عَرَفَ رَبَّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يوم مَلَكَهَا قَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يوم غَرِمَ بَدَلَهَا
الثَّالِثَةُ لو أَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مَبِيعَةً أو مَوْهُوبَةً فَلَيْسَ له إلَّا الْبَدَلُ كما في التَّلَفِ وَلَوْ أَدْرَكَهَا في زَمَنِ الْخِيَارِ فَوَجْهَانِ
أَصَحُّهَا وُجُوبُ الْفَسْخِ وَالرَّدِّ إلَيْهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الْوُجُوبِ وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي زَمَنَ الْخِيَارِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَلَوْ كان عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أو شِرَاءٍ أو غَيْرِ ذلك أَخَذَهُ الْمَالِكُ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/421)
وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَرْهُونًا مَلَكَ انْتِزَاعَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ في الرَّهْنِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت وَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الِانْتِزَاعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ
وَالرَّابِعَةُ تَدْخُلُ اللُّقَطَةُ في مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ من غَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِظُهُورِ الْمَالِكِ كما يَتَجَدَّدُ بِهِ زَوَالُ الملك ( ( ( المالك ) ) ) عن الْعَيْنِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ
وقال الْقَاضِي إنَّمَا يَمْلِكُ بِعِوَضٍ كَالْقَرْضِ
ثُمَّ قال إنَّمَا تجب ( ( ( يملك ) ) ) الْقِيمَةَ بِحُضُورِ الْمَالِكِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا تَنَاقُضٌ
وقال ما قَالَهُ الْقَاضِي وَكَثِيرٌ من أَصْحَابِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَكَذَا قال في الْمُذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ
وفي الْأُخْرَى يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا
وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْقُرْعَةُ وَدَفْعُهَا إلَى الْقَارِعِ مع يَمِينِهِ نُصَّ عليه
وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في كِتَابَيْهِ
وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ كما في تَدَاعِي الْوَدِيعَةِ
قال الشَّارِحُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا في يَدِ غَيْرِهِمَا انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال هذا أَقْيَسُ
____________________
(6/422)
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا وَصَفَاهَا مَعًا أو وَصَفَهَا الثَّانِي قبل دَفْعِهَا إلَى الْأَوَّلِ
أَمَّا إذَا وَصَفَهَا وَاحِدٌ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ثُمَّ وَصَفَهَا آخَرُ فإن الثَّانِيَ لَا يَسْتَحِقُّ شيئا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ إنْ زَادَ في وَصْفِهَا اُحْتُمِلَ تَخْرِيجُهُ على بَيِّنَةِ النِّتَاجِ وَالنَّسَّاجِ فَإِنْ رَجَّحْنَا بِهِ هُنَاكَ رَجَّحْنَا بِهِ هُنَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو ادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ حَلَفَ وَأَخَذَهَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَمِثْلُهُ وَصْفُهُ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا ذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ على قِيَاسِ قَوْلِهِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ في دَفْنِ الدَّارِ فَمَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ له
وَقِيلَ لَا كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ
الثَّانِيَةُ يَلْزَمُ مُدَّعِيَ اللُّقَطَةِ مع صِفَتِهَا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْتِقَاطِ الْعَبْدِ لها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ لَا يَصِحُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ صَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أنها له أَخَذَهَا من الْوَاصِفِ فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا من شَاءَ من الْوَاصِفِ أو الدَّافِعِ إلَيْهِ وهو الْمُلْتَقِطُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عليه
____________________
(6/423)
إنْ دَفَعَهَا إلَى الْوَاصِفِ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عليه قَوْلًا وَاحِدًا
وَإِنْ لم يَكُنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بين تَضْمِينِ الْوَاصِفِ وَالدَّافِعِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قُلْت منهم الْقَاضِي ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ رَجَعَ على الْوَاصِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد أَقَرَّ له بِالْمِلْكِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهِ وهو تَخْرِيجٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ فَعَلَ ما أُمِرَ بِهِ وَلَا مَنْدُوحَةَ عنه كما لو كان بِقَضَاءِ قَاضٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَمَتَى ضَمِنَ الدَّافِعُ رَجَعَ على الْوَاصِفِ
مُرَادُهُ إذَا لم يَعْتَرِفْ له بِالْمِلْكِ
فَأَمَّا إنْ اعْتَرَفَ له بِالْمِلْكِ فإنه لَا يَرْجِعُ عليه ألبته
قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بين كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أو فَقِيرًا مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا عَدْلًا أو فَاسِقًا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عليها
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
____________________
(6/424)
قال في الْخُلَاصَةِ فَإِنْ كان الْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ على تَعْرِيفِهَا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ انْتَهَى
وَقِيلَ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ في تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا
وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو الْحَسَنِ بن الْبَنَّا وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
وقال في الْفَائِقِ وَيُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ أو السُّلْطَانُ بها أَقَرَّهَا في يَدِهِ وَضَمَّ إلَيْهِ مُشْرِفًا يُشْرِفُ عليه وَيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا
وَقِيلَ يُضَمُّ إلَى الذِّمِّيِّ عَدْلٌ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إنْ عَلِمَ بها الْحَاكِمُ أَقَرَّهَا في يَدِهِ وَضَمَّ إلَيْهِ مُشْرِفًا عَدْلًا يُشْرِفُ عليه وَيُعَرِّفُهَا
قال الْحَارِثِيُّ وَلَا بُدَّ من مُشْرِفٍ يُشْرِفُ عليه
وَقِيلَ تُنْزَعُ لُقَطَةُ الذِّمِّيِّ من يَدِهِ وَتُوضَعُ على يَدِ عَدْلٍ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ أو سَفِيهٌ قام وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا فإذا عَرَّفَهَا فَهِيَ لِوَاجِدِهَا
وَكَذَا الْمَجْنُونُ قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْأَصْحَابُ يَضْمَنُ الْوَلِيُّ إنْ أَبْقَاهَا بِيَدِ الصَّبِيِّ بَعْدَ عِلْمِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ في يَدِ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهَا في مَالِهِ نَصَّ عليه في صَبِيٍّ كَإِتْلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وفي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ
____________________
(6/425)
الثَّانِيَةُ لو كان الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَعَرَّفَ قال الْحَارِثِيُّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ
وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَاقْتُصِرَ على كَلَامِهِمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا منه وَتَرْكُهَا معه وَيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إذَا كان عَدْلًا
لِلْعَبْدِ أَنْ يَلْتَقِطَ وَأَنْ يُعَرِّفَهَا مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ له ذلك في الْأَصَحِّ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ على الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَقِيلَ ليس له ذلك بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وهو رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ أبي بَكْرٍ يَتَوَقَّفُ الْتِقَاطُهُ على إذْنِ السَّيِّدِ ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ أَخْذًا من قَوْلِهِ في التَّنْبِيهِ إذَا الْتَقَطَ الْعَبْدُ فَضَاعَتْ منه أو أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا
قال فَسَوَّى بين الْإِتْلَافِ وَالضَّيَاعِ ولم يُفَرِّقْ بين الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ فَدَلَّ على عَدَمِ الصِّحَّةِ بِدُونِ إذْنٍ
قال الْحَارِثِيُّ وفي اسْتِنْبَاطِ السَّامِرِيِّ نَظَرٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهَا قبل الْحَوْلِ فَهِيَ في رَقَبَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَهُ فَهِيَ في ذِمَّتِهِ
هذا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(6/426)
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ إذَا أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَفِي ذِمَّتِهِ على الْأَظْهَرِ
وَيَأْتِي كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ على هذا الْقَوْلِ
وَقِيلَ إنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا فَهِيَ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا فَهِيَ في رَقَبَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ على ما يَأْتِي
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ هل يَحْصُلُ له الْمِلْكُ من غَيْرِ تَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا فيه خِلَافٌ سَبَقَ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْفَوَائِدِ التي ذُكِرَتْ هُنَاكَ
فَمَتَى أَتْلَفَهَا أو فَرَّطَ حتى تَلِفَتْ فَإِنْ كان قبل الْحَوْلِ فَهِيَ في رَقَبَتِهِ نُصَّ عليه وَعَلَى السَّيِّدِ الْفِدَاءُ أو التَّسْلِيمُ
وَإِنْ كان بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا فَهِيَ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا فَهِيَ في رَقَبَتِهِ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ على تَقْدِيرِ أَنَّ السَّيِّدَ لم يَمْلِكْ لِكَوْنِهِ لم يَتَمَلَّكْ اسْتِنَادًا إلَى تَوَقُّفِ الْمِلْكِ على التَّمَلُّكِ وَفِيهِ بُعْدٌ
وقال في الشَّرْحِ أَيْضًا وَيَصْلُحُ أَنْ يَنْبَنِيَ على اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ هل تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو ذِمَّتِهِ على رِوَايَتَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو تَخْرِيجٌ حَسَنٌ لِشِبْهِ الْغُرْمِ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ بِأَدَاءِ الْمُقْتَرَضِ
وقال أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ لِأَبِي عبد اللَّهِ في ضَمَانِ ما أَتْلَفَهُ الْعَبْدُ قَوْلَانِ أَيْ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا في رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ
وَالْأُخْرَى في ذِمَّتِهِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ
قال السَّامِرِيُّ ولم يُفَرَّقْ قبل الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ
وقال بن عَقِيلٍ لَا يُتَّجَهُ الْفَرْقُ في التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ بين ما قبل الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ
____________________
(6/427)
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى
وقال الزَّرْكَشِيُّ عن كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَنْ تَابَعَهُ كَلَامُهُمْ مُتَوَجَّهٌ إنْ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ كما صَرَّحَ بِهِ أبو مُحَمَّدٍ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ فَالْجِنَايَةُ على مَالِ السَّيِّدِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَلَا بِرَقَبَتِهِ بَلْ الذي يَنْبَغِي أَنْ تَتَعَلَّقَ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَلَا السَّيِّدَ تَعَيَّنَ التَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ كَجِنَايَتِهِ انْتَهَى
وقال في الْكَافِي وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْعَبْدُ فَحُكْمُ ذلك حُكْمُ جِنَايَتِهِ انْتَهَى
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ جِنَايَتَهُ في رَقَبَتِهِ وَإِنْ خَرَقَ ثَوْبَ رَجُلٍ فَهُوَ دَيْنٌ عليه
قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ بِلَا نِزَاعٍ
وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْعَبْدِ بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا
قَوْلُهُ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَهَلْ تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ بَلْ تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِير
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ فإذا وَجَدَهَا في نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ له جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحَكَمُ في النَّادِرِ من كَسْبِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا
تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في دُخُولِ نَوَادِرِ الْأَكْسَابِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَالرِّكَازِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(6/428)
فَوَائِدُ
منها لو وَجَدَ لُقَطَةً في غَيْرِ طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ فَهِيَ لُقَطَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَالرِّكَازِ
وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَجَعَلَهُ في الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا له
وَمِنْهَا لو أَخَذَ مَتَاعَهُ أو ثَوْبَهُ وَتَرَكَ له بَدَلَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لُقَطَةٌ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وبن بُخْتَانَ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَعْرِفُهُ مع قَرِينَةِ سَرِقَةٍ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ
قُلْت وهو عَيْنُ الصَّوَابِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ
وقال قد يُقَالُ فيه بِمَعْنَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْعُ الْأَخْذِ فيها
فَعَلَيْهَا هل يَتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ
إنْ قُلْنَا يُعَرِّفُهُ أو يَأْخُذُ حَقَّهُ بِنَفْسِهِ أو بِإِذْنِ حَاكِمٍ فيه أَوْجُهٌ
وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ الْقَوْلُ بِأَخْذِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا قَوِيٌّ على أَصْلِ من يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ على اللَّفْظِ
أَمَّا على التَّوَقُّفِ فَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ هذا
قال وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ
وَمِنْهَا لو وَجَدَ في جَوْفِ حَيَوَانٍ دُرَّةً أو نَقْدًا فَهُوَ لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ على
____________________
(6/429)
الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَصَحَّحَهُ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ تَكُونُ لُقَطَةً لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَكَلَهُ عِنْدَهُ فَهُوَ له
فَأَمَّا إنْ كانت الدُّرَّةُ غير مَثْقُوبَةٍ في السَّمَكَةِ فَهِيَ لِلصَّيَّادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا من مَعْدِنِهَا
وَمِنْهَا لو وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ الْحَرْبِ وهو في الْجَيْشِ عَرَّفَهَا ثُمَّ وَضَعَهَا في الْمَغْنَمِ نُصَّ عليه
وَإِنْ كان دخل بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا ثُمَّ هِيَ له إلَّا أَنْ يَكُونَ في جَيْشٍ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا
وَإِنْ دخل مُتَلَصِّصًا عَرَّفَهَا ثُمَّ هِيَ كَالْغَنِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ له من غَيْرِ تَعْرِيفٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ وَكَيْفَ يُعَرِّفُ ذلك
وَمِنْهَا مُؤْنَةُ رَدِّ اللُّقَطَةِ على رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ لِتَبَرُّعِهِ
وَمَعْنَاهُ في شَرْحِ الْمَجْدِ في عَدَمِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ بِتَلَفِ الْمَالِ قبل التَّمَكُّنِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ على الْمُلْتَقِطِ
وَمِنْهَا ضَمَانُهَا بِمَوْتِهِ كَالْوَدِيعَةِ
وَقِيلَ بِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَوَارِثُهُ كَهُوَ
ومنها ( ( ( منها ) ) ) الِالْتِقَاطُ يَشْتَمِلُ على أَمَانَةٍ وَاكْتِسَابٍ
قال الْحَارِثِيُّ وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ في الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا منهم من قال الْكَسْبُ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ
وَمِنْهُمْ من قال الْأَمَانَةُ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى أَهْلِهِ وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ الْحِفْظُ وَالتَّعْرِيفُ أَوَّلًا وَالْمِلْكُ آخِرًا عِنْدَ ضَعْفِ التَّرَجِّي لِلْمَالِكِ
____________________
(6/430)
وَمِنْهَا لو اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ في ثَوْبِهِ دَرَاهِمَ لَا يَعْلَمُ من صَرَّهَا فَهِيَ له وَلَا تَعْرِيفَ
وَلِلْإِمَامِ احمد رَحِمَهُ اللَّهُ نَصٌّ يُوجِبُ التَّعْرِيفَ وَيَنْفِي الْمِلْكَ
وَمِنْهَا لو أَلْقَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبَ إنْسَانٍ فَإِنْ جَهِلَ الْمَالِكَ فلقطه فَإِنْ عَلِمَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ضَمِنَ بِحَبْسِ مَالِ الْغَيْرِ من غَيْرِ إذْنٍ وَلَا تَعْرِيفٍ
وَمِنْهَا لو سَقَطَ طَائِرٌ في دَارِهِ فقال في الْمُغْنِي لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَهَذَا ما لم يَنْقَطِعْ عنه
أَمَّا إنْ انْقَطَعَ وَجَبَ حِفْظُهُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ضَائِعٌ عنه
____________________
(6/431)
بَابُ اللَّقِيطِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وهو الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ
قال الْحَارِثِيُّ تَعْرِيفُ اللَّقِيطِ بِالْمَنْبُوذِ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ لِتَضَادِّ ما بين اللَّقْطِ وَالنَّبْذِ كما بُيِّنَ
وَمَعَ هذا فَلَيْسَ جَامِعًا لِأَنَّ الطِّفْلَ قد يَكُونُ ضَائِعًا لَا مَنْبُوذًا وَمِنْهُمْ من عَرَّفَ بِأَنَّهُ الضَّائِعُ وَفِيهِ ما فيه
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَجِيزِ هو كُلُّ طِفْلٍ نُبِذَ أو ضَلَّ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وهو الطِّفْلُ
يَعْنِي في الْوَاقِعِ في الْغَالِبِ وَإِلَّا فَهُوَ لَقِيطٌ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ وَالْمُمَيِّزُ أَيْضًا إلَى الْبُلُوغِ
قال في الْفَائِقِ وهو الْمَشْهُورُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
قال في التَّلْخِيصِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَكُونُ لَقِيطًا لِأَنَّهُمْ قالوا إذَا الْتَقَطَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَعًا من له أَكْثَرُ من سَبْعِ سِنِينَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ولم يُخَيَّرْ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ
قَوْلُهُ وهو حُرٌّ
يَعْنِي في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجُزِمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ إلَّا في الْقَوَدِ وَمِثْلُهُ دَعْوَى قاذفة رقة على ما يَأْتِي
____________________
(6/432)
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُلْتَقِطِ الْإِشْهَادُ عليه وَعَلَى ما معه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَجِبُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في اللُّقَطَةِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ يُنْفَقُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ إنْ لم يَكُنْ معه ما يُنْفَقُ عليه بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ عليه قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى من عَلِمَ حاله الْإِنْفَاقُ فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْتِقَاطِهِ
وَهَذَا الْإِنْفَاقُ يَجِبُ مَجَّانًا عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُوجِزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَقَالَا له أَنْ يُنْفِقَ عليه من الزَّكَاةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ
وقال وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْعِوَضِ لِلْمُنْفِقِ إنْ اقْتَرَنَ بِالْإِنْفَاقِ قَصْدُ الرُّجُوعِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِنْفَاقَ عليه بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ كَمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عن غَيْرِهِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الضَّمَانِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ أَدَّى حقا وَاجِبًا عن غَيْرِهِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الضَّمَانِ
وَمِنْهُمْ من قال يَرْجِعُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي لِأَنَّ له وِلَايَةً على اللَّقِيطِ
وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ على بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى
وقال النَّاظِمُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ رَجَعَ على الطِّفْلِ بَعْدَ الرُّشْدِ وَإِلَّا رَجَعَ على بَيْتِ الْمَالِ
قال الْحَارِثِيُّ وَنَاقَضَ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ فَقَالَا بَعْدَ تَعَذُّرِ
____________________
(6/433)
الِاقْتِرَاضِ على بَيْتِ الْمَالِ وَامْتِنَاعِ من وَجَبَ عليه الْإِنْفَاقُ مبلغا وإن أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ رَجَعَ على اللَّقِيطِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَالْأُخْرَى لَا يَرْجِعُ ما لم يَكُنْ الْحَاكِمُ أَذِنَ له في الْإِنْفَاقِ زَادَ في التَّلْخِيصِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَالْوُجُوبُ مَجَّانًا وَاسْتِحْقَاقُ الْعِوَضِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنَّمَا ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما إذَا كان لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ إنْفَاقُهُ لِمَانِعٍ أو يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ من وَقْفٍ أو غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِلَا نِزَاعٍ إلَّا أَنْ يُوجَدَ في بَلَدِ الْكُفَّارِ وَلَا مُسْلِمَ فيه فَيَكُونُ كَافِرًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال الْقَاضِي يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فيه مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إيمَانَهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجْهًا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ اعْتِبَارًا بِفَقْدِ أَبَوَيْهِ
فَائِدَةٌ لو كان في دَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدٌ كُلُّ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ وَوُجِدَ فيها لَقِيطٌ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَإِنْ كان فيها مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَوْلًا وَاحِدًا فِيهِمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كان كُلُّ أَهْلِهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان فيه مُسْلِمٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
____________________
(6/434)
يَعْنِي إذَا كان في بَلَدِ الْكُفَّارِ مُسْلِمٌ وَلَوْ وَاحِدًا قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْكَافِي وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ جُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْحَارِثِيُّ مَثَّلَ الْأَصْحَابُ في الْمُسْلِمِ هُنَا بِالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ وَاعْتَبَرُوا إقَامَتَهُ زَمَنًا ما حتى صَرَّحَ في التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُرُورُهُ مُسَافِرًا
وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ كان فيها مُسْلِمٌ سَاكِنٌ فَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ
الثَّانِيَةُ قال في الْفَائِقِ لو كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ في بَلَدِ الْكُفَّارِ فَلَقِيطُهَا مُسْلِمٌ
وَقَالَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ
وَمَثَّلَ مَسْأَلَةَ الْخِلَافِ في الرِّعَايَةِ بِالْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ
قَوْلُهُ وما وُجِدَ معه من فِرَاشٍ تَحْتَهُ أو ثِيَابٍ أو مَالٍ في جَيْبِهِ أو تَحْتَ فِرَاشِهِ أو حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِبَابِهِ فَهُوَ له وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وكذا لو كان مَدْفُونًا في دَارٍ أو خَيْمَةٍ تَكُونُ له
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ خِلَافُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان مَدْفُونًا تَحْتَهُ يَعْنِي إذَا كان الدَّفْنُ طَرِيًّا أو مَطْرُوحًا قَرِيبًا منه فَعَلَى وَجْهَيْنِ
____________________
(6/435)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا إذَا كان مَدْفُونًا تَحْتَهُ وَالدِّفْنُ طَرِيًّا فَأَطْلَقَ فيه وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا يَكُونُ له وهو الْمَذْهَبُ
صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَطَعَ بِهِ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكُونُ له قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وهو الْمَذْهَبُ على الْمُصْطَلَحِ في الْخُطْبَةِ
وَحَكَى في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَجْهًا أَنَّهُ له وَلَوْ لم يَكُنْ الدَّفْنُ طَرِيًّا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وهو بَعِيدٌ جِدًّا
ولم يَذْكُرْهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
الثَّانِيَةُ إذَا كان مَطْرُوحًا قَرِيبًا منه فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه الْوَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ
أَحَدُهُمَا يَكُونُ له وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكُونُ له قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ بن الْبَنَّاءِ
وَلَنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ في أَصْلِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْفَرْقِ بين الْمُلْقَى قَرِيبًا منه وَبَيْنَ الْمَدْفُونِ
____________________
(6/436)
تَحْتَهُ فَيَكُونُ الْمُلْقَى الْقَرِيبُ له دُونَ الْمَدْفُونِ تَحْتَهُ قَالَهُ في الْمُجَرَّدِ وَقَطَعَ بِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَقْتَضِيهِ إيرَادُهُ في الْمُغْنِي
قُلْت قَدَّمَ في الْكَافِي وَالنَّظْمِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَدْفُونَ
وَأَطْلَقَ في الْمُلْقَى الْقَرِيبِ الْوَجْهَيْنِ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عليه مِمَّا وُجِدَ معه بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ إلَّا بِإِذْنِهِ
وهو وَجْهٌ في شَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَرَدَّ هذه الرِّوَايَةَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ وَالْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا أَنْفَقَ عليه من مَالِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ
فَوَائِدُ
منها وَكَذَا الْحُكْمُ في حِفْظِ مَالِهِ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
وقال في التَّلْخِيصِ يُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ إذْنِ الْحَاكِمِ فيه
وَمِنْهَا قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ
قال الْحَارِثِيُّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ في الْمُغْنِي أَنَّهُ لِلْمُلْتَقِطِ
وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لِلْحَاكِمِ
قُلْت كَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ في ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ كان فَاسِقًا أو رَقِيقًا أو كَافِرًا وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ أو بَدْوِيًّا يَنْتَقِلُ في الْمَوَاضِعِ أو وَجَدَهُ في الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ لم يُقَرَّ في يَدِهِ
يُشْتَرَطُ في الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(6/437)
وقد قال الْمُصَنِّفُ قبل ذلك أَوْلَى الناس بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إنْ كان أَمِينًا
اخْتَارَهُ الْقَاضِي وقال الْمَذْهَبُ على ذلك وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْفَائِقِ وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِ الْأَمَانَةِ في الْمُلْتَقِطِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَطَعَ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِيَدِ فَاسِقٍ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُقَرُّ بِيَدِ الْفَاسِقِ إذَا كان أَمِينًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ في مَوْضِعٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
فإنه قال وَإِنْ لم يَكُنْ من وَجَدَ اللَّقِيطَ أَمِينًا مُنِعَ من السَّفَرِ بِهِ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بِهِ كان أَحَقَّ بِهِ وَإِنْ كان فَاسِقًا
وَأَجْرَاهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا على ظَاهِرِهِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ على قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ من يُشْرِفُ عليه وَيَشْهَدُ عليه وَيُشِيعُ أَمْرَهُ لِيُؤْمَنَ من التَّفْرِيطِ فيه
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ كان فَاسِقًا لم يُقَرَّ في يَدِهِ أَنَّ مَسْتُورَ الْحَالِ يُقَرُّ في يَدِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
لَكِنْ لو أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ فَهَلْ يُقَرُّ بيده فيه وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
احدهما لَا يُقَرُّ بيده جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
____________________
(6/438)
وَالثَّانِي يُقَرُّ في يَدِهِ
واما الرَّقِيقُ فَلَيْسَ له الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ من يَلْتَقِطُهُ فَيَجِبُ الْتِقَاطُهُ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ له من الْهَلَكَةِ
أَمَّا مع وُجُودِ من هو أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ فَقَطَعَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ بِمَنْعِهِ من الْأَخْذِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ في يَدِهِ أو بِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن أَخْذَ اللَّقِيطِ قُرْبَةٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِحُرٍّ وَعَدَمُ الْإِقْرَارِ بيده دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ فَهُوَ نَائِبُهُ وَلَيْسَ له الرُّجُوعُ في الْإِذْنِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ
وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ كَالْقِنِّ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَالْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ
واما الْكَافِرُ فَلَيْسَ له الْتِقَاطُ الْمُسْلِمِ وَلَا يُقَرُّ بيده وَمُرَادُهُ بِالْكَافِرِ هُنَا الذِّمِّيُّ وَإِنْ كان الْحَرْبِيُّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا الْتَقَطَ من حُكِمَ بِكُفْرِهِ أَنَّهُ يُقَرُّ بيده وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ
لَكِنْ لو الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فقال الْأَصْحَابُ هُمَا سَوَاءٌ وهو الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالنَّاظِمُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ بِلَا تَرَدُّدٍ
وَيَأْتِي ذلك في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا
____________________
(6/439)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُشْتَرَطُ في الْمُلْتَقِطِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَلَا يُقَرُّ بِيَدِ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ
الثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ الرُّشْدُ فَلَا يُقَرُّ بِيَدِ السَّفِيهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
ثُمَّ قال قُلْت وَالسَّفِيهُ كَالْفَاسِقِ انْتَهَى
لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له على نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَلِيًّا على غَيْرِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُقَرُّ بيده لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْأَمَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَمَّا إذَا الْتَقَطَهُ الْبَدْوِيُّ الذي يَنْتَقِلُ في الْمَوَاضِعِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ في يَدِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ وَجُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَقْوَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَرُّ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وقال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ مَتَى وَجَدَهُ في فَضَاءٍ خَالٍ فَلَهُ نَقْلُهُ حَيْثُ شَاءَ
وَأَمَّا إذَا الْتَقَطَهُ من في الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَتَهُ إلَى الْبَادِيَةِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ
____________________
(6/440)
لَا يُقَرُّ في يَدِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُقَرُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ وَإِنْ الْتَقَطَهُ في الْحَضَرِ من يُرِيدُ النُّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَهَلْ يُقَرُّ في يَدِهِ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ
أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ في يَدِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَرُّ وهو ظَاهِرُ ما جُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ
فَوَائِدُ
إحداها وَكَذَا الْحُكْمُ لو نَقَلَهُ من بَلَدٍ إلَى قَرْيَةٍ فيه الْوَجْهَانِ قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو نَقَلَهُ من حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من هذه الْمَسَائِلِ لو كان الْبَلَدُ وئيبا ( ( ( وبيئا ) ) ) كَغَوْرِ بَيْسَانَ وَنَحْوِهِ فإنه يَجُوزُ النَّقْلُ إلَى الْبَادِيَةِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ في النَّقْلِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت فَيُعَايَى بها
____________________
(6/441)
الثَّالِثَةُ حَيْثُ يُقَالُ بِانْتِزَاعِهِ من الْمُلْتَقِطِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْمَسَائِلِ فَإِنَّمَا ذلك عِنْدَ وُجُودِ الْأَوْلَى بِهِ
أَمَّا إذَا لم يُوجَدْ فَإِقْرَارُهُ بيده أَوْلَى كَيْفَ كان لِرُجْحَانِهِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ الْمُوسِرُ مِنْهُمَا على الْمُعْسِرِ وَالْمُقِيمُ على الْمُسَافِرِ
لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْبَلَدِيَّ وَضِدَّهُ وَالْكَرِيمَ وَضِدَّهُ وَظَاهِرَ الْعَدَالَةِ وَضِدَّهُ في ذلك على حَدٍّ سَوَاءٍ وهو كَذَلِكَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وقال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ يُقَدَّمُ الْبَلَدِيُّ على ضِدِّهِ
وقال في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ في تَقْدِيمِ الْمُوسِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَّادُ على الْبَخِيلِ انْتَهَى
وَقِيلَ يُقَدَّمُ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ على ضِدِّهِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ الْحَارِثِيُّ
فَائِدَةٌ الشَّرِكَةُ في الِالْتِقَاطِ أَنْ يَأْخُذَاهُ جميعا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقِيَامِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حَقِيقَةُ الْأَخْذِ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ الْغَيْرُ بِأَمْرِهِ فَالْمُلْتَقِطُ هو الْآمِرُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ نَائِبٌ عنه فَهُوَ كَاسْتِنَابَتِهِ في أَخْذِ الْمُبَاحِ
تَنْبِيهٌ دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لو الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ وهو كَذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْحَارِثِيُّ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا
قَوْلُهُ فَإِنْ تَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم صَاحِبُ
____________________
(6/442)
الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
وَقِيلَ يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ إلَى من شَاءَ مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا
وقال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ في بَابِ الْحَضَانَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا كان بَعْضُهُ حُرًّا تَهَايَأَ في حَضَانَتِهِ سَيِّدُهُ وَنَسِيبُهُ
وحكى ذلك عن أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ
قال فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ من له بَيِّنَةٌ بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ كان لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ
وَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أو أُطْلِقَتَا أو أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى تَعَارَضَتَا وَهَلْ يَسْقُطَانِ أو يُسْتَعْمَلَانِ فيه وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا يَسْقُطَانِ فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا
وَجُزِمَ بِهِ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَالثَّانِي يُسْتَعْمَلَانِ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ كان أَوْلَى بِهِ
قال في الْكَافِي وَإِنْ تَسَاوَيَا في الْيَدِ أو عَدَمِهَا سَقَطَتَا وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ بها أَحَدُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَمَحَلُّهُمَا إذَا لم يَكُنْ في يَدِ أَحَدِهِمَا
____________________
(6/443)
قال الْحَارِثِيُّ وفي بَيِّنَةِ الْمَالِ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْمُطْلَقَةِ على الْمُؤَرَّخَةِ وهو ضَعِيفٌ بَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْمُؤَرَّخَةِ انْتَهَى
وَيَأْتِي ذلك في بَابِ الدَّعَاوَى مُحَرَّرًا
فَإِنْ كان اللَّقِيطُ في يَدِ أَحَدِهِمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ فيه وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على الرِّوَايَتَيْنِ في دَعْوَى الْمَالِ على ما يَأْتِي في بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ
وقال في الْفُرُوعِ يُقَدَّمُ رَبُّ الْيَدِ مع بَيِّنَةٍ وفي يَمِينِهِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ هل يَحْلِفُ مَعَهَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا يَحْلِفُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْلِفُ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ فَإِنْ كان في أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ سُلِّمَ إلَيْهِ مع يَمِينِهِ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا تُشْرَعُ الْيَمِينُ هُنَا وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْقُرْعَةِ له وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي
الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ منه قَهْرًا وَسَأَلَ الْحَاكِمَ يَمِينَهُ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ أحلافه
وقال في الْمُنْتَخَبِ لَا يَحْلِفُ كَطَلَاقٍ ادعى على الزَّوْجِ
____________________
(6/444)
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا
يَعْنِي بِعَلَامَةٍ مَسْتُورَةٍ في جَسَدِهِ قُدِّمَ هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْمُحَرَّرِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوع وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْوَسِيلَةِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَاصِفُهُ
وَذَكَرَهُ في الْفُنُونِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ عن أَصْحَابِنَا وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْحَارِثِيِّ فإنه نَظَرَ على تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ لو وَصَفَاهُ جميعا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
قال في التَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ وَإِلَّا سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إلَى من يَرَى مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا
يَعْنِي إذَا لم يَكُنْ في أَيْدِيهِمَا وَلَا في يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا وَلَا وَصَفَاهُ وَلَا أَحَدُهُمَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ قال الْأَصْحَابُ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا يُسَلِّمُهُ الْقَاضِي إلَى من يَرَى مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ قال الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ لَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا فيه وَيُعْطِيهِ الْحَاكِمُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا انْتَهَى وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا كما لو كان في أَيْدِيهِمَا
فَائِدَةٌ من أَسْقَطَ حَقَّهُ منه سَقَطَ
قَوْلُهُ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(6/445)
وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَكَى رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَرِثُهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَصَرَهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال الْحَارِثِيُّ وهو الْحَقُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَ في التَّلْخِيصِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ له حَقُّ الِاقْتِصَاصِ وَأَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ خَرَّجَهُ
قال وَوَجْهُهُ أَنَّهُ ليس له وَارِثٌ مُعَيَّنٌ فَالْمُسْتَحِقُّ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمْ صِبْيَانٌ وَمَجَانِينُ فَكَيْفَ يُسْتَوْفَى
قال وَهَذَا يَجْرِي في قَتْلِ كل من لَا وَارِثَ له انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ عَمْدًا اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ
يَعْنِي مع رُشْدِهِ هذا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ يُنْتَظَرُ رُشْدُهُ إذَا قُطِعَ طَرَفُهُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ قبل الْبُلُوغِ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
قال في الْفَائِقِ وهو الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا مَجْنُونًا فَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ على مَالٍ يُنْفَقُ عليه
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
____________________
(6/446)
وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عن نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ ليس له ذلك
قال في الْمُقْنِعِ في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى النَّفَقَةِ يَعْنِي الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونَ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ على الدِّيَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
فَعَلَى هذا يَجِبُ على الْإِمَامِ فِعْلُ ذلك لِأَنَّ عليه رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ وَالتَّعْجِيلُ هُنَا هو الْأَصْلَحُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وهو الصَّوَابُ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يُسْتَحَبُّ ذلك وَلَا يَجِبُ
تَنْبِيهٌ دخل في عُمُومِ قَوْلِهِ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ أَنَّهُ لو كان فَقِيرًا عَاقِلًا فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ على مَالٍ يُنْفَقُ عليه وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ هُنَا وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي هُنَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلْإِمَامِ ذلك وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ في بَابِ الْقَوَدِ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ في الْقَتْلِ هذا أَصَحُّ
وَكَذَا قال في الْكَافِي في بَابِ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ
وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عن نَصِّ الْإِمَامِ احمد رَحِمَهُ اللَّهُ
وفي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ هُنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا أو مَجْنُونًا بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ
وقد قال الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى النَّفَقَةِ يَعْنِي الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عن الدِّيَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
____________________
(6/447)
وَكَذَا قال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وَدَخَلَ أَيْضًا في عُمُومِ كَلَامِهِ لو كان مَجْنُونًا غَنِيًّا فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ على مَالٍ بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَقُطِعَ بِهِ في الشَّرْحِ
وَذَكَرَ في التَّلْخِيصِ وَجْهًا لِلْإِمَامِ ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ أو الْعَقْلُ فإن الْجَانِيَ يُحْبَسُ إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّعْجِيلِ وَأَخْذِ الْمَالِ لو طَلَبَ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ الْقِصَاصَ وَرَدُّ الْمَالِ لم يَجِبْ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عليه أو قَاذِفُهُ رِقَّهُ فَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ في قَتْلِ من لَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى رِقَّهُ وَجْهًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ
وَعَنْ الْقَاضِي في كِتَابِ الْخِصَالِ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ في قَذْفِ من لَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى رِقَّهُ رِوَايَةً بِقَبُولِ قَوْلِهِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الرِّقِّ شُبْهَةٌ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ
____________________
(6/448)
فَائِدَةٌ لو كان اللَّقِيطُ مُمَيِّزًا يَطَأُ مِثْلُهُ وَجَبَ الْحَدُّ على قَاذِفِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه
وَخَرَجَ وَجْهٌ بِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ وَقِيلَ هو رِوَايَةٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهِ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُطَالَبَةُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي ذلك في اوائل بَابِ الْقَذْفِ
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ في مِلْكِهِ
إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ له بَيِّنَةٌ أو لَا
فَإِنْ لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ في يَدِهِ أو لَا
فَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهِ فَلَا شَيْءَ له
وَإِنْ كان في يَدِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أو غَيْرُهُ
فَإِنْ كان هو الْمُلْتَقِطَ فَلَا شَيْءَ له أَيْضًا ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وَإِنْ كان غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ هو صُدِّقَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ لِدَلَالَةِ الْيَدِ على الْمِلْكِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وُجُوبُ يَمِينِهِ وهو الصَّوَابُ لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا بُدَّ من يَمِينٍ تُزِيلُ أَثَرَ ذلك
ثُمَّ إذَا بَلَغَ وقال أنا حُرٌّ لم يُقْبَلْ
وَإِنْ كان له بَيِّنَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَشْهَدَ بيده أو بِمِلْكِهِ أو بِسَبَبِ مِلْكِهِ
فَإِنْ شَهِدَتْ بيده فَإِنْ كان غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ حُكِمَ له بها وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ في الْمِلْكِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي أَيْضًا لِدَلَالَةِ الْيَدِ على الْمِلْكِ
زَادَ الْقَاضِي وَأَنَّهُ ضَلَّ عنه أو ذَهَبَ أو غُصِبَ
وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ في مِلْكِهِ فَعِنْدَ الْأَصْحَابِ هو له
____________________
(6/449)
وَإِنْ اقْتَصَرَتْ على أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ ولم تَقُلْ في مِلْكِهِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ في مِلْكِهِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ في مُنْتَخَبِ الأدمى وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في أَثْنَاءِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ في مِلْكِهِ بَلْ يَكْفِي الشَّهَادَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَإِنْ شَهِدَتْ له أَنَّهُ مِلْكُهُ أو مَمْلُوكُهُ أو عَبْدُهُ أو رَقِيقُهُ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قُطِعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا بُدَّ من ذِكْرِ السَّبَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ لِاحْتِمَالِ التَّعْوِيلِ على ظَاهِرِ الْيَدِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ من الْمُلْتَقِطِ وَتُسْمَعُ من غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ تَعْوِيلِهَا على يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَيَدُهُ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
فَائِدَةٌ قال في الْمُغْنِي إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ أو بِالْيَدِ لم يُقْبَلْ إلَّا رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْوَلَاءِ قُبِلَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أو رَجُلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ
وقال الْقَاضِي يُقْبَلُ فيه شَاهِدَانِ وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا يُقْبَلُ فيه النِّسَاءُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ
____________________
(6/450)
قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لم يُقْبَلْ
إذَا أَقَرَّ اللَّقِيطُ بِالرِّقِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ تَصَرُّفٌ أو إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ أو لَا
فَإِنْ لم يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ بَلْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ جَوَابًا أو ابْتِدَاءً وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ له فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ وَالْحَالَةُ هذه صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَجْهًا
وَقَطَعَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
وَإِنْ تَقَدَّمَ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ تَصَرُّفٌ بِبَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو نِكَاحٍ أو إصْدَاقٍ وَنَحْوِهِ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يُقْبَلُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ
وقال الْقَاضِي يُقْبَلُ فِيمَا عليه رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَهَلْ يُقْبَلُ في غَيْرِهِ على رِوَايَتَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ وَحَكَى أبو الْخَطَّابِ في كِتَابِهِ وَالسَّامِرِيُّ عن الْقَاضِي اخْتِصَاصُ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا تَضَمَّنَ حَقًّا له أَمَّا ما تَضَمَّنَ حَقًّا عليه فَيُقْبَلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً
قال وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُطْلَقًا عنه
وَإِنْ تَقَدَّمَ إقْرَارُهُ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ فلم يُصَدِّقْهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ
ثُمَّ إنْ أَقَرَّ لِعَمْرٍو وَقُلْنَا بِقَبُولِ الْإِقْرَارِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي قَبُولِهِ له وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ وَالْفُرُوعِ وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
____________________
(6/451)
وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال إنِّي كَافِرٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ
إذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ سِنًّا يَصِحُّ منه الْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ فيه على ما يَأْتِي في بَابِ الرِّدَّةِ فَنَطَقَ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ إنْ قال إنِّي كَافِرٌ فَهُوَ مُرْتَدٌّ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ وَبَلَغَ وقال إنِّي كَافِرٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَرُّ على ما قَالَهُ الْقَاضِي قال إلَّا أَنْ يَكُونَ قد نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وهو يَعْقِلُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو وَجْهٌ بَعِيدٌ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ قال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا إنْ وَصَفَ كُفْرًا يُقَرُّ عليه بِالْجِزْيَةِ عُقِدَتْ له الذِّمَّةُ وَأَقَرَّ في الدَّارِ وَإِنْ لم يُبْدِلْهَا أو كان كُفْرًا لَا يُقَرُّ عليه أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ
قال في الْمُغْنِي وهو بَعِيدٌ جِدًّا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ أُلْحِقَ بِهِ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا رَجُلًا كان أو امْرَأَةً حَيًّا كان اللَّقِيطُ أو مَيِّتًا
إذَا أَقَرَّ بِهِ حُرٌّ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه لَحِقَ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَنُصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ
وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ذِمِّيٌّ أُلْحِقَ بِهِ نَسَبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وهو دَاخِلٌ في عُمُومِ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ لَا يُلْحَقُ بِهِ أَيْضًا في النَّسَبِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
____________________
(6/452)
إذَا عَلِمْت ذلك فَلَا يَلْحَقُهُ في الدِّينِ بِلَا نِزَاعٍ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهِ في النَّفَقَاتِ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وإذا بَلَغَ فَوَصَفَ الْإِسْلَامَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لم يَزَلْ مُسْلِمًا
وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ فَهَلْ يُقَرُّ فيه الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ في الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا
قَوْلُهُ وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ في دِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ وُلِدَ على فِرَاشِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَجُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال الشَّارِحُ هذا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَلْحَقُهُ في الدِّينِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وُلِدَ بين كَافِرَيْنِ حَيَّيْنِ لِأَنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ بإسلامه ( ( ( إسلامه ) ) ) بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أو مَوْتِهِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ قال الْأَصْحَابُ إنْ أَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً بِوِلَادَتِهِ على فِرَاشِهِ لَحِقَهُ في الدِّينِ أَيْضًا لِثُبُوتِ أَنَّهُ وُلِدَ بين ذِمِّيَّيْنِ فَكَمَا لو لم يَكُنْ لَقِيطًا
وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِاسْتِمْرَارِ أَبَوَيْهِ على الْحَيَاةِ وَالْكُفْرِ وقد أَشَارَ إلَيْهِ في الْكَافِي لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لو مَاتَ أو أَسْلَمَ لَحُكِمَ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ فَلَا بُدَّ فِيمَا قالوا من ذلك انْتَهَى
وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ أُلْحِقَ بها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَى هذا قال الْأَصْحَابُ لَا يَسْرِي اللِّحَاقُ إلَى الزَّوْجِ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ أو قِيَامِ بَيِّنَةٍ بِوِلَادَتِهِ على فِرَاشِهِ
وَعَنْهُ لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ من وَجْهٍ
____________________
(6/453)
لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ لها نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أو إخْوَةٌ
وَقِيلَ لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ بِحَالٍ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لو أَقَرَّ بِهِ عَبْدٌ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ اسْتِلْحَاقُ الْعَبْدِ كَاسْتِلْحَاقِ الْحُرِّ في لِحَاقِ النَّسَبِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ انْتَهَى
وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عليه وَلَا على سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ من بَيْتِ الْمَالِ
تَنْبِيهٌ آخَرُ شَمِلَ قَوْلُهُ أو امْرَأَةً لو أَقَرَّتْ أمه بِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ في دَعْوَى النَّسَبِ على ما ذَكَرْنَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّهِ بِدُونِ بَيِّنَةٍ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَنُصَّ عليه من رِوَايَةِ بن مُشَيْشٍ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ منه وكان مَجْهُولَ النَّسَبِ
الثَّانِيَةُ كُلُّ من ثَبَتَ لِحَاقُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ لو بَلَغَ وَأَنْكَرَ لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ
وَيَأْتِي حُكْمُ الْإِرْثِ في بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ في الْمِيرَاثِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ
الثَّالِثَةُ لو ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مع بَقَاءِ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَوْ مع بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ
قال في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ وَإِنْ كان رَجُلًا عَرَبِيًّا فَرِوَايَتَانِ وفي مُمَيِّزٍ وَجْهَانِ
____________________
(6/454)
أَحَدُهُمَا صِحَّةُ إسْلَامِهِ وَاقْتُصِرَ على ذلك في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أو أَكْثَرُ لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ قُدِّمَ بها فَإِنْ تَسَاوَوْا في بَيِّنَةٍ أو عَدَمِهَا عُرِضَ مَعَهُمَا على الْقَافَةِ أو مع أَقَارِبِهِمَا وَإِنْ مَاتَا
سَمَاعُ دَعْوَى الْكَافِرِ وَلَوْ لم يَكُنْ له بينه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وفي الْإِرْشَادِ وَجْهٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْكَافِرِ بِلَا بَيِّنَةٍ
وقال في التَّلْخِيصِ إنْ كان لِأَحَدِهِمَا يَدٌ غَيْرُ يَدِ الِالْتِقَاطِ وكان قد سَبَقَ اسْتِلْحَاقُهُ فإنه يُقَدَّمُ على مُسْتَلْحِقِهِ من بَعْدُ
وَإِنْ لم يُسْمَعْ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا عِنْدَ دَعْوَى الثَّانِي فَفِي تَقْدِيمِهِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ احْتِمَالَانِ انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كان في يَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا
وَيَأْتِي في الدعاوي وَالْبَيِّنَاتِ
الثَّانِيَةُ لو كان في يَدِ امْرَأَةٍ قُدِّمَتْ على امْرَأَةٍ ادَّعَتْهُ بِلَا بينه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ما هو اعم من ذلك
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ عُرِضَ مَعَهُمَا على الْقَافَةِ أو مع أَقَارِبِهِمَا إنْ مَاتَا
وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَوْلَادِهِمْ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ
أنها لو تَوَقَّفَتْ في إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَتْهُ عن الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِاَلَّذِي
____________________
(6/455)
تَوَقَّفَتْ فيه وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْمُحَرَّرِ يَلْحَقُ بِهِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ من اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ لَحِقَ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ
قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَنَصَرُوهُ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ نَاظِمُهَا
وقال الْحَارِثِيُّ وقال أبو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ لَكِنْ عِنْدَهُ لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ من خَمْسَةٍ
وقال بن حَامِدٍ لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ
وَعَنْهُ يَلْحَقُ بثلاثه فَقَطْ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا أَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهُ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ لَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ منهم لِظُهُورِ خَطَئِهِمْ
فَائِدَةٌ يَرِثُ كُلُّ من لَحِقَ بِهِ مِيرَاثُ وَلَدٍ كَامِلٍ وَيَرِثُونَهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لو أُوصِيَ له قَبِلُوا له جميعا لِيَحْصُلَ له
وَإِنْ مَاتَ وَخَلَفَ أَحَدَهُمْ فَلَهُ مِيرَاثُ أَبٍ كَامِلٍ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَامِلٌ من الْمَيِّتِ نُصَّ عليه
وَلِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ لَحِقَ بِهِمَا مع أُمِّ أُمٍّ نِصْفُ السُّدُسِ وَلِأُمِّ الْأُمِّ نِصْفُهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها
____________________
(6/456)
فَائِدَةٌ أُخْرَى امْرَأَةٌ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُخْرَى أُنْثَى وَادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَّ الذَّكَرَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُنْثَى فقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا الْعَرْضُ على الْقَافَةِ مع الْوَلَدَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما مَرَّ من نَصِّهِ من رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَرْضُ لَبَنِهَا على أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ فإن لَبَنَ الذَّكَرِ يُخَالِفُ لَبَنَ الْأُنْثَى في طَبْعِهِ وَزِنَتِهِ
وَقِيلَ لَبَنُ الذَّكَرِ ثَقِيلٌ وَلَبَنُ الْأُنْثَى خَفِيفٌ فَيُعْتَبَرَانِ بِطَبْعِهِمَا وَزِنَتِهِمَا وما يَخْتَلِفَانِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الِاعْتِبَارُ إنْ كان مُطَّرِدًا في الْعَادَةِ غير مُخْتَلِفٍ فَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَظْهَرُ من الْأَوَّلِ فإن أُصُولَ السُّنَّةِ قد تَخْفَى على الْقَائِفِ
قال في الْمُغْنِي فَإِنْ لم يُوجَدْ قَافَةٌ اُعْتُبِرَ بِاللَّبَنِ خَاصَّةً
وَإِنْ كان الْوَلَدَانِ ذَكَرَيْنِ أو أُنْثَيَيْنِ وَادَّعَتَا أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ الْعَرْضُ على الْقَافَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ أو أَشْكَلَ عليهم أو لم يُوجَدْ قَافَةٌ أو اخْتَلَفَ قَائِفَانِ ضَاعَ نَسَبُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
قال الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أبي بَكْرٍ أَقْرَبُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وفي الْآخَرِ يُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى من شَاءَ منهم
قال الْقَاضِي وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَقَطَعَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
____________________
(6/457)
قال الْحَارِثِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ من مُمَيِّزٍ أَيْضًا تَفْرِيعًا على وَصِيَّتِهِ وَطَلَاقِهِ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ على رِوَايَةٍ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ هو لِمَنْ يَمِيلُ بِطَبْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْفَرْعَ يَمِيلُ إلَى الْأَصْلِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ إحْسَانٌ
وَقِيلَ يَلْحَقُ بِهِمَا اخْتَارَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَنَقَلَ بن هَانِئٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ولم يذكر قَافَةً
وَعَنْهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَيُلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْقُرْعَةِ
وَذَكَرَهَا في الْمُغْنِي في كِتَابِ الْفَرَائِضِ نَقَلَهُ عنه في الْقَوَاعِدِ
فَوَائِدُ
منها على قَوْلِ بن حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ لو أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بَعْدَ انْتِسَابِهِ بِغَيْرِ من انْتَسَبَ إلَيْهِ بَطَلَ انْتِسَابُهُ
وَمِنْهَا ليس له الِانْتِسَابُ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ الذي تُثِيرُهُ الْوِلَادَةُ
وَمِنْهَا يَسْتَقِرُّ نَسَبُهُ بِالِانْتِسَابِ فَلَوْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَنَّ له الِانْتِسَابُ إلَى الثَّانِي أو الِانْتِفَاءُ من الْأَوَّلِ لم يُقْبَلْ
وَمِنْهَا لو انْتَسَبَ إلَيْهِمَا جميعا لِمَيْلِهِ لَحِقَ بِهِمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا لو بَلَغَ ولم يَنْتَسِبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ مَيْلِهِ ضَاعَ نَسَبُهُ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ وَلَوْ انْتَسَبَ إلَى من عَدَاهُمَا وَادَّعَاهُ ذلك الْمُنْتَسَبُ إلَيْهِ لَحِقَهُ
وَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ عَلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ بِمُوجِبِهَا وهو الْوِلَادَةُ وَكَذَلِكَ في مُدَّةِ انْتِظَارِ الْبَيِّنَةِ أو الْقَافَةِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو لم يُوجَدْ قَافَةٌ حَقِيقَةُ الْعَدَمِ الْعَدَمُ الْكُلِّيُّ فَلَوْ وُجِدَتْ بَعِيدَةً ذَهَبُوا إلَيْهَا
وَمِنْهَا لو قَتَلَهُ من ادَّعَيَاهُ قبل أَنْ يَلْحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ على وَاحِدٍ
____________________
(6/458)
مِنْهُمَا وَلَوْ رَجَعَا لِعَدَمِ قَبُولِهِ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى عنه وهو كَشَرِيكِ الْأَبِ على ما يَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ وطىء اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أو جَارِيَةً مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُمَا في طُهْرٍ وَاحِدٍ أو وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أو أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ منه فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ من الْوَاطِئِ أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَسَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أو جَحَدَاهُ أو أَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَشَرَطَ أبو الْخَطَّابِ في وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ أَنَّهُ من الشُّبْهَةِ
فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ اخْتَصَّ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ
وفي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ مِثْلُ ذلك
وَنَقَلَ أبو الْحَارِثِ في امْرَأَةِ رَجُلٍ غُصِبَتْ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى زَوْجِهَا كَيْفَ يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ في مِثْلِ هذا إنَّمَا يَكُونُ له إذَا ادَّعَاهُ وَهَذَا لَا يَدَّعِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ
وَقِيلَ إنْ عُدِمَتْ الْقَافَةُ فَهُوَ لِرَبِّ الْفِرَاشِ
وَيَأْتِي في آخِرِ اللِّعَانِ هل لِلزَّوْجِ أو لِلسَّيِّدِ نَفْيُهُ إذَا أُلْحِقَ بِهِ أو بِهِمَا
قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إلَّا إن يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا مُجَرَّبًا في الْإِصَابَةِ
يُشْتَرَطُ في الْقَائِفِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مُجَرَّبًا في الْإِصَابَةِ بِلَا نِزَاعٍ
وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَدْلًا مُجَرَّبًا في الْإِصَابَةِ على ما قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنْ يُتْرَكَ الصَّبِيُّ بين عَشَرَةِ رِجَالٍ من غَيْرِ من يَدَّعِيهِ وَيُرِيَهُمْ إيَّاهُ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ
____________________
(6/459)
منهم سَقَطَ قَوْلُهُ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ وَإِنْ لم يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ منهم أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مع عِشْرِينَ فِيهِمْ مُدَّعِيهِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَهُ
وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ مع قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أو أَخُوهُ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ عُرِفَتْ إصَابَتُهُ وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ جَازَ
وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ على الْقَافَةِ لِلِاحْتِيَاطِ في مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَلَوْ لم نُجَرِّبْهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ في مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ جَازَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّةُ الْقَائِفِ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
ذَكَرُوهُ فِيمَا يَلْحَقُ من النَّسَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ
وَقِيلَ تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ
وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ عن الْأَصْحَابِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ الْأَكْثَرُونَ على أَنَّهُ كَحَاكِمٍ فَتُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ
وَجُزِمَ به في التَّرْغِيبِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ فيه شُرُوطُ الشَّهَادَةِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى يَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَإِسْمَاعِيلَ بن سَعِيدٍ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
____________________
(6/460)
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن دَاوُد الْمِصِّيصِيِّ وَالْأَثْرَمِ وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ
وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَالْكَافِي وَالزَّرْكَشِيِّ
وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ
وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِقَائِفٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْعَدَمِ من نَصِّهِ على الِاكْتِفَاءِ بِالطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ إذَا لم يُوجَدْ سِوَاهُ وَأَوْلَى فإن الْقَائِفَ أَعَزُّ وُجُودًا مِنْهُمَا
تَنْبِيهٌ هذا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عِنْدَ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ على أَنَّهُ هل هو شَاهِدٌ أو حَاكِمٌ
فَإِنْ قُلْنَا هو شَاهِدٌ اعْتَبَرْنَا الْعَدَدَ وَإِنْ قُلْنَا هو حَاكِمٌ فَلَا
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ ليس الْخِلَافُ مَبْنِيًّا على ذلك بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ قُلْنَا الْقَائِفُ حَاكِمٌ أو شَاهِدٌ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا هو حَاكِمٌ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّعَدُّدُ في الْحُكْمِ كما يُعْتَبَرُ حَاكِمَانِ في جَزَاءِ الصَّيْدِ
وَإِنْ قُلْنَا شَاهِدٌ فَلَا تَمْتَنِعُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ كما في الْمَرْأَةِ حَيْثُ قَبِلْنَا شَهَادَتَهَا وَشَهَادَةَ الطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ هذا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ شَاهِدٌ أو مُخْبِرٌ
فَإِنْ جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا اعْتَبَرْنَا التَّعَدُّدَ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُخْبِرًا لم نَعْتَبِرْ التَّعَدُّدَ كَالْخَبَرِ في الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ
الثانية ( ( ( الثاني ) ) ) الْقَائِفُ كَالْحَاكِمِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْحَارِثِيُّ وَقَطَعَ بِهِ في الْكَافِي
وَقِيلَ هو كَالشَّاهِدِ وهو الصَّحِيحُ على ما تَقَدَّمَ
وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ الْقَائِفِ مَبْنِيَّةٌ على هذا الْخِلَافِ
____________________
(6/461)
الثَّالِثَةُ هل يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ من الْقَائِفِ
قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مِنْهُمَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ نُصَّ عليه وَكَذَا قال في الْفَائِقِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ من أَصْلِنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ في مَوَاضِعَ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ انْتَهَى
قُلْت في تَنْظِيرِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ من نَقَلَ عن الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا نَقَلُوا ذلك عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقد رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قال لَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ حتى يَجْتَمِعَ اثْنَانِ فَيَكُونَا شَاهِدَيْنِ
وإذا شَهِدَ اثْنَانِ من الْقَافَةِ أَنَّهُ لِهَذَا فَهُوَ له
وَكَذَا قال في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن دَاوُد الْمِصِّيصِيِّ
فَاَلَّذِي نَقَلَ ذلك قال يُعْتَبَرُ من الِاثْنَيْنِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وهو مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ في الْوَاحِدِ وَلَا عَدَمُهُ
غَايَتُهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ على النَّصِّ فَلَا اعْتِرَاضَ عليه في ذلك
وقال في الِانْتِصَارِ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ كما في الْمُقَوِّمِينَ
الرَّابِعَةُ لو عَارَضَ قَوْلُ اثْنَيْنِ قَوْلَ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ أو تَعَارَضَ اثْنَانِ سَقَطَ الْكُلُّ
وَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ وَخَالَفَ ثَالِثٌ أُخِذَ بِقَوْلِ الِاثْنَيْنِ نُصَّ عليه وَلَوْ رَجَعَا
فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَحِقَ بِالْآخَرِ
قال في الْمُنْتَخَبِ وَمِثْلُهُ بَيْطَارَانِ وَطَبِيبَانِ في عَيْبٍ
الْخَامِسَةُ يُعْمَلُ بِالْقَافَةِ في غَيْرِ بُنُوَّةٍ كَأُخُوَّةٍ وَعُمُومَةٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ لَا يُعْمَلُ بها في غَيْرِ الْبُنُوَّةِ كَإِخْبَارِ رَاعٍ بِشَبَهٍ
____________________
(6/462)
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في التَّفْرِقَةِ بين الْوَلَدِ وَالْفَصِيلِ لِأَنَّا وَقَفْنَا على مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلِتَأَكُّدِ النَّسَبِ لِثُبُوتِهِ مع السُّكُوتِ
السَّادِسَةُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ على الْوَاطِئِينَ فإذا لَحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ على الْآخَرِ بِنَفَقَتِهِ
وَنَقَلَ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ أَرَى الْقُرْعَةَ وَالْحُكْمَ بها
يُرْوَى عنه عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَنَّهُ أَقْرَعَ في خَمْسِ مَوَاضِعَ فَذُكِرَ منها إقْرَاعُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه في الْوَلَدِ بين الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ وَقَعُوا على الْأَمَةِ في طُهْرٍ وَاحِدٍ ولم يُرَ هذا في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِاضْطِرَابِهِ
وقال بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الهدى الْقُرْعَةُ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ فِقْدَانِ مُرَجِّحٍ سِوَاهَا من بَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ أو قَافَةٍ
قال وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ تَعْيِينُ الْمُسْتَحِقِّ في هذه الْحَالِ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا غَايَةُ الْمَقْدُورِ عليه من تَرْجِيحِ الدَّعْوَى وَلَهَا دُخُولٌ في دَعْوَى الْأَمْلَاكِ التي لَا تَثْبُتُ بِقَرِينَةٍ وَلَا أَمَارَةٍ فَدُخُولُهَا في النَّسَبِ الذي يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْخَفِيِّ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِ قَائِفٍ أَوْلَى
____________________
(6/463)
بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الْوَقْفِ
قَوْلُهُ ( وهو تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ )
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَرَادَ من حَدَّ بهذا الْحَدِّ مع شُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَدْخَلَ غَيْرُهُمْ الشُّرُوطَ في الْحَدِّ انْتَهَى
وقال في الْمَطْلَعِ وَحَدُّ الْمُصَنِّفِ لم يَجْمَعْ شُرُوطَ الْوَقْفِ وَحَدَّهُ غَيْرُهُ فقال تَحْبِيسُ مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ في رَقَبَتِهِ يَصْرِفُ رِيعَهُ إلَى جِهَةِ بِرٍّ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ في الْوَقْفِ أَنَّهُ كُلُّ عَيْنٍ تَجُوزُ عَارِيَّتُهَا
فَأَدْخَلَ في حَدِّهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَا يَجُوزُ وَقْفُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ يَأْتِي حُكْمُهَا
قَوْلُهُ ( وَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عليه )
كما مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ مَذْهَبُ أبي عبد اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ انْعِقَادُ الْوَقْفِ بِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ
____________________
(7/3)
لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالْكَافِي وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ كما مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَاخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ
وَمَنَعَ الْمُصَنِّفُ دَلَالَتَهَا وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الْحَارِثِيُّ
فَائِدَةٌ قال في الْمَطْلَعِ السِّقَايَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الذي يُتَّخَذُ فيه الشَّرَابُ في الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا عن بن عَبَّادٍ قال وَالْمُرَادُ هُنَا بِالسِّقَايَةِ الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ
قال ولم أَرَهُ مَنْصُوصًا عليه في شَيْءٍ من كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ إلَّا بِمَعْنَى مَوْضِعِ الشَّرَابِ وَبِمَعْنَى الصُّوَاعِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ أَرَادَ بِالسِّقَايَةِ مَوْضِعَ التَّطَهُّرِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِقَيْدِ وُجُودِ الْمَاءِ قال ولم أَجِدْ ذلك في كُتُبِ اللُّغَوِيِّينَ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ مَقُولَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ على الْإِنَاءِ الذي يُسْقَى بِهِ وَعَلَى مَوْضِعِ السَّقْيِ أَيْ الْمَكَانِ الْمُتَّخَذِ بِهِ الْمَاءُ غير أَنَّ هذا يُقَرِّبُ ما أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَشَرَعَهَا أَيْ فَتَحَ بَابَهَا وقد يُرِيدُ بِهِ مَعْنَى الْوُرُودِ انْتَهَى
قُلْت لَعَلَّهُ أَرَادَ أَعَمَّ مِمَّا قَالَا فَيَدْخُلُ في كَلَامِهِ لو وَقَفَ خَابِيَةً لِلْمَاءِ على الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ وَبَنَى عليها وَيَكُونُ ذلك تَسْبِيلًا له وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ لو وَقَفَ سِقَايَةً مِلْكَ الشُّرْبِ منها لَكِنْ يَرِدُ على ذلك قَوْلُهُ وَيَشْرَعُهَا لهم
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا )
أَيْ يبنى بُنْيَانًا على هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ
( وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ في الصَّلَاةِ فيه
____________________
(7/4)
أَيْ إذْنًا عَامًّا لِأَنَّ الْإِذْنَ الْخَاصَّ قد يَقَعُ على غَيْرِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ ( وَصَرِيحُهُ وَقَفْت وَحَبَسْت وَسَبَّلْت )
وَقَفْت وَحَبَسْت صَرِيحٌ في الْوَقْفِ بِلَا نِزَاعٍ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ على مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ في الرَّقَبَةِ عن التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ
وَأَمَّا سَبَّلْت فَصَرِيحَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْحَارِثِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ليس صَرِيحًا لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَبَسَ الْأَصْلَ وَسَبَّلَ الثَّمَرَةَ
غَايَرَ بين مَعْنَى التَّحْبِيسِ والتسبيل فَامْتَنَعَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا في الْآخَرِ
وقد عُلِمَ كَوْنُ الْوَقْفِ هو الْإِمْسَاكَ في الرَّقَبَةِ عن أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ وَالتَّسْبِيلُ إطْلَاقُ التَّمْلِيكِ فَكَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا في الْوَقْفِ انْتَهَى
قَوْلُهُ ( وَكِنَايَتُهُ تَصَدَّقْت وَحَرَّمْت وَأَبَّدْت )
أَمَّا تَصَدَّقْت وَحَرَّمْت فَكِنَايَةٌ فيه بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
وَأَمَّا أَبَّدْت فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها من أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ
وَذَكَرَ أبو الْفَرَجِ أَنَّ أَبَّدْت صَرِيحٌ فيه
قَوْلُهُ ( فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ) بِلَا نِزَاعٍ
( أو يَقْرِنَ بها أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ )
يَعْنِي الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ من الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ
أو حُكْمُ الْوَقْفِ فيقول تَصَدَّقْت صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أو مُحْبَسَةً
____________________
(7/5)
أو مُسَبَّلَةً أو مُحَرَّمَةً أو مُؤَبَّدَةً أو لاتباع وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَذَكَرَ أبو الْفَرَجِ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أو مُؤَبَّدَةً أو لَا يُبَاعُ كِنَايَةً
وقال الْحَارِثِيُّ إضَافَةُ التَّسْبِيلِ بِمُجَرَّدِهِ إلَى الصَّدَقَةِ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الِاشْتِرَاكِ فإن التَّسْبِيلَ إنَّمَا يُفِيدُ ما تُفِيدُهُ الصَّدَقَةُ أو بَعْضُهُ فَلَا يُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا
وَكَذَا لو اقْتَصَرَ على إضَافَةِ التَّأْبِيدِ إلَى التَّحْرِيمِ لَا يُفِيدُ الْوَقْفَ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ قد يُرِيدُ بِهِ دَوَامَ التَّحْرِيمِ فَلَا يَخْلُصُ اللَّفْظُ عن الِاشْتِرَاكِ قال وَهَذَا الصَّحِيحُ انْتَهَى
وقد قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لو جَعَلَ عُلُوَّ بَيْتِهِ أو سُفْلَهُ مَسْجِدًا صَحَّ وَكَذَا لو جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا ولم يذكر الِاسْتِطْرَاقَ صَحَّ كَالْبَيْعِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ وهو أَظْهَرُ على أَصْلِنَا فَيَصِحُّ جَعَلْت هذا لِلْمَسْجِدِ أو في الْمَسْجِدِ وَنَحْوُهُ وهو ظَاهِرُ نُصُوصِهِ
وَصَحَّحَ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ وَقْفَ من قال قَرْيَتِي التي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِيَّ الَّذِينَ بِهِ وَلِأَوْلَادِهِمْ قَالَهُ شَيْخُنَا
وقال إذَا قال وَاحِدٌ أو جَمَاعَةٌ جَعَلْنَا هذا الْمَكَانَ مَسْجِدًا أو وَقْفًا صَارَ مَسْجِدًا وَوَقْفًا بِذَلِكَ وَإِنْ لم يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ
وإذا قال كُلٌّ منهم جَعَلْت مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ أو في الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ ذلك صَارَ بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمَسْجِدِ انْتَهَى
____________________
(7/6)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا قال تَصَدَّقْت بِأَرْضِي على فلانا ( ( ( فلان ) ) ) وَذَكَرَ مُعَيَّنًا أو مُعَيَّنَيْنِ وَالنَّظَرُ لي أَيَّامَ حَيَاتِي أو لِفُلَانٍ ثُمَّ من بَعْدِهِ لِفُلَانٍ كان مُفِيدًا لِلْوَقْفِ وَكَذَا لو قال تَصَدَّقْت بِهِ على فُلَانٍ ثُمَّ من بَعْدِهِ على وَلَدِهِ أو على فُلَانٍ أو تَصَدَّقْت بِهِ على قَبِيلَةِ كَذَا أو طَائِفَةِ كَذَا كان مُفِيدًا لِلْوَقْفِ لِأَنَّ ذلك لَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَاهُ فَالشَّرِكَةُ مُنْتَفِيَةٌ
الثَّانِيَةُ لو قال تَصَدَّقْت بِدَارِي على فُلَانٍ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك أَرَدْت الْوَقْفَ ولم يُصَدِّقْهُ فُلَانٌ لم يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ في الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ
قُلْت فيعايي ( ( ( فيعايا ) ) ) بها
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ في عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بها دَائِمًا مع بَقَاءِ عَيْنِهَا )
يَعْنِي في الْعُرْفِ كَالْإِجَارَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَاعْتَبَرَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بَقَاءَ مُتَطَاوِلًا أَدْنَاهُ عُمْرُ الْحَيَوَانِ
قَوْلُهُ ( كَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأَثَاثِ وَالسِّلَاحِ )
أَمَّا وَقْفُ غَيْرِ الْمَنْقُولِ فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ
وَأَمَّا وَقْفُ الْمَنْقُولِ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَثَاثِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهَا
فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ وَقْفِهَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ الْعَقَارِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ
وَمَنَعَ الْحَارِثِيُّ دَلَالَةَ هذه الرِّوَايَةِ وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَجُوزُ وَقْفُ السِّلَاحِ ذكره ( ( ( وذكر ) ) ) أبو بَكْرٍ
وقال في الْإِرْشَادِ لَا يَصِحُّ وَقْفُ الثِّيَابِ
____________________
(7/7)
قَوْلُهُ ( وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً
وفي طريقة ( ( ( طريق ) ) ) بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَيَتَوَجَّهُ من عَدَمِ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِهِ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لو وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ فيه حُكْمُ الْمَسْجِدِ في الْحَالِ فَيُمْنَعُ من الْجُنُبِ ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ انْتَهَى
وَكَذَا ذَكَرَهُ بن الصَّلَاحِ
قَوْلُهُ ( وَيَصِحُّ وَقْفُ الحلى لِلُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ
وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ في آخَرِينَ وَنَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في الحلى وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
قال في التَّلْخِيصِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَبْنِيَّةٌ على ما حَكَيْنَاهُ عنه في الْمَنْعِ في وَقْفِ الْمَنْقُولِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ لو أَطْلَقَ وَقْفَ الحلى لم يَصِحَّ قَطَعَ بِهِ في الْفَائِقِ
قُلْت لو قِيلَ بِالصِّحَّةِ وَيُصْرَفُ إلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ لَكَانَ مُتَّجِهًا وَلَهُ نَظَائِرُ
____________________
(7/8)
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ )
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في التَّلْخِيصِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ كَالْعِتْقِ
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا ولم يَحُدَّهَا قال يَصِحُّ وَإِنْ لم يَحُدَّهَا إذَا كانت مَعْرُوفَةً اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَعَلَى الصِّحَّةِ يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَلْبِ )
أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَطَعَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَصِحُّ قَالَهُ في الْفَائِقِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قُلْت فَلَعَلَّ مُرَادَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ إذَا قِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا أو أَنَّهُ يَصِحُّ ما دَامَ سَيِّدُهَا حَيًّا على ( ( ( وعلى ) ) ) قَوْلٍ يَأْتِي
ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال وفي أُمِّ الْوَلَدِ وَجْهَانِ
قُلْت إنْ صَحَّ بَيْعَهَا صَحَّ وَقْفُهَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
لَكِنْ يَنْبَغِي على هذا أَنْ يَصِحَّ وَقْفُهَا قَوْلًا وَاحِدًا
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنَافِعِ أُمِّ الْوَلَدِ في حَيَاتِهِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهَا قال الْحَارِثِيُّ الْمُكَاتَبُ إنْ قِيلَ بِمَنْعِ بَيْعِهِ فَكَأُمِّ الْوَلَدِ
وَإِنْ قِيلَ بِالْجَوَازِ كما هو الْمَذْهَبُ فَمُقْتَضَى ذلك صِحَّةُ وَقْفِهِ وَلَكِنْ إذَا أَدَّى هل يَبْطُلُ الْوَقْفُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ حُكْمُ وَقْفِ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ بَيْعِهِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(7/9)
وَأَمَّا الْكَلْبُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
وقال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وقد تَخْرُجُ الصِّحَّةُ من جَوَازِ إعَارَةِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كما خَرَجَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ لِحُصُولِ نَقْلِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ
قال وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النهى عن الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن بن الزُّبَيْرِ عن ( ( ( وعن ) ) ) جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنهما قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ
وفي مَعْنَاهُ جَوَارِحُ الطَّيْرِ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ الصَّيَّادَةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيَّادَةِ
وَمَرَّ في الْمُذْهَبِ رِوَايَةٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا أعنى الصَّيَّادَةَ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وما لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهِ
قَوْلُهُ ( وَلَا مالا يُنْتَفَعُ بِهِ مع بَقَائِهِ دَائِمًا كَالْأَثْمَانِ )
إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقِفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ أو غَيْرِ ذلك
فَإِنْ وَقَفَهَا للتحلى وَالْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ
قال الْحَارِثِيُّ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ
وَقِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا على الْإِجَارَةِ
قال في التَّلْخِيصِ إنْ وَقَفَهَا لِلزِّينَةِ بها فَقِيَاسُ قَوْلِنَا في الْإِجَارَةِ أنه يَصِحُّ
فَعَلَى هذا إنْ وَقَفَهَا وَأَطْلَقَ بَطَلَ الْوَقْفُ على الصَّحِيحِ
____________________
(7/10)
وَقِيلَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا
وَإِنْ وَقَفَهَا لِغَيْرِ ذلك لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ فَيُنْتَفَعُ بها في الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في الاختبارات ( ( ( الاختيارات ) ) ) وَلَوْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ على الْمُحْتَاجِينَ لم يَكُنْ جَوَازُ هذا بَعِيدًا فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو وَقَفَ قِنْدِيلَ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ على مَسْجِدٍ لم يَصِحَّ وهو بَاقٍ على مِلْكِ رَبِّهِ فَيُزَكِّيهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَصِحُّ فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ في مَصَالِحِهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لو وَقَفَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم صُرِفَ لِجِيرَانِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيمَتُهُ
وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ النَّذْرُ لِلْقُبُورِ هو لِلْمَصَالِحِ ما لم يَعْلَمْ رَبُّهُ وفي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ وَإِنَّ من الْحَسَنِ صَرْفَهُ في نَظِيرِهِ من الْمَشْرُوعِ
وَلَوْ وَقَفَ فَرَسًا بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ صَحَّ نَصَّ عليه تَبَعًا
وَعَنْهُ تُبَاعُ الْفِضَّةُ وَتُصْرَفُ في وَقْفٍ مِثْلِهِ وَعَنْهُ يُنْفَقُ عليه
الثَّانِيَةُ قال في الْفَائِقِ وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ وفي الْجَامِعِ يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ قال الْفَضْلُ سَأَلْته عن وَقْفِ الْمَاءِ فقال إنْ كان شيئا اسْتَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ على وَقْفِ مَكَانِهِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا النَّصُّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ كما يَفْعَلُهُ أَهْلُ دِمَشْقَ يَقِفُ أَحَدُهُمْ حِصَّةً أو بَعْضَهَا من مَاءِ النَّهْرِ وهو مُشْكِلٌ من وَجْهَيْنِ
____________________
(7/11)
أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لم يَمْلِكْهُ بَعْدُ فإن الْمَاءَ يَتَحَدَّدُ شيئا فَشَيْئًا
الثَّانِي ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ
وَلَكِنْ قد يُقَالُ بَقَاءُ مَادَّةِ الْحُصُولِ من غَيْرِ تَأَثُّرٍ بِالِانْتِفَاعِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ مع الِانْتِفَاعِ
وَيُؤَيِّدُ هذا صِحَّةُ وَقْفِ الْبِئْرِ فإن الْوَقْفَ وَارِدٌ على مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَالْحَفِيرَةِ فَالْمَاءُ أَصْلٌ في الْوَقْفِ وهو الْمَقْصُودُ من الْبِئْرِ ثُمَّ لَا أَثَرَ لِذَهَابِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَجَدُّدِ بَدَلِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ كَذَلِكَ انْتَهَى
قَوْلُهُ ( وَالْمَطْعُومُ وَالرَّيَاحِينُ )
يَعْنِي لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لو تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ على مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فيه جَازَ وهو من بَابِ الْوَقْفِ وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وُقِفَ على تِلْكَ الْجِهَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ في غَيْرِهَا لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ وهو جَارٍ في الشَّرْعِ
وقال أَيْضًا يَصِحُّ وَقْفُ الرِّيحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
قال وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كِسْوَتِهَا فَعُلِمَ أَنَّ التَّطْيِيبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ لَكِنْ قد تَطُولُ مُدَّةُ التَّطَيُّبِ وقد تَقْصُرُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ
قال الْحَارِثِيُّ وما يَبْقَى أَثَرُهُ من الطِّيبِ كَالنِّدِّ وَالصَّنْدَلِ وَقِطَعِ الْكَافُورِ لِشَمِّ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ على ذلك لِبَقَائِهِ مع الِانْتِفَاعِ وقد صَحَّتْ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ فَصَحَّ وَقْفُهُ انْتَهَى
وَهَذَا ليس دَاخِلًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا من الْمُتَّفَقِ على صِحَّتِهِ لِوُجُودِ شُرُوطِ الْوَقْفِ
قَوْلُهُ ( الثَّانِي أَنْ يَكُونَ على بِرٍّ
____________________
(7/12)
وَسَوَاءٌ كان الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَصِحُّ الْوَقْفُ على مُبَاحٍ أَيْضًا وَقِيلَ يَصِحُّ على مُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ
قال في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ الْمُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ على جِهَةِ مَعْصِيَةٍ سَوَاءٌ كان قُرْبَةً وَثَوَابًا أو لم يَكُنْ انْتَهَى
فَعَلَى هذا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْأَغْنِيَاءِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْعُزُوبَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَصْفَ ليس قُرْبَةً وَلِتَمْيِيزِ الْغِنَى عليه
وَعَلَى هذا هل يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَعُمُّ أو يَلْغُو الْوَقْفُ أو يُفَرَّقُ بين أَنْ يَقِفَ وَيَشْتَرِطَ أو يَذْكُرَ الْوَصْفَ ابْتِدَاءً فَيُلْغَى في الِاشْتِرَاطِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ
يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا قَالَهُ في الْفَائِقِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَبْطَلَ بن عَقِيلٍ وَقْفَ السُّتُورِ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَحَّحَهُ بن الزَّاغُونِيِّ فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَةٍ نَقَلَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ عنهما
وفي فَتَاوَى بن الزَّاغُونِيِّ الْمَعْصِيَةُ لَا تَنْعَقِدُ
وَأَفْتَى أبو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا على عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ كَالطَّوَافِ
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ على حُجْرَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسِ الْحَائِطِ وَنَحْوِ ذلك ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
____________________
(7/13)
قَوْلُهُ ( مُسْلِمِينَ كَانُوا أو من أَهْلِ الذِّمَّةِ )
يَعْنِي إذَا وَقَفَ على أَقَارِبِهِ من أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قد يُقَالُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على ذِمِّيٍّ غَيْرِ قَرَابَتِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ منهم صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ يَصِحُّ على الذِّمِّيِّ وَإِنْ كان أَجْنَبِيًّا من الْوَاقِفِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْمُنْتَخَبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفَائِقِ وَيَصِحُّ على ذِمِّيٍّ من أَقَارِبِهِ نَصَّ عليه وَعَلَى غَيْرِهِ من مُعَيَّنٍ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ انْتَهَى
وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال الْحَلْوَانِيُّ يَصِحُّ على الْفُقَرَاءِ منهم دُونَ غَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَ في الْوَاضِحِ صِحَّةَ الْوَقْفِ من ذِمِّيٍّ عليه دُونَ غَيْرِهِ
الثَّانِي قال الْحَارِثِيُّ قال الْأَصْحَابُ إنْ وَقَفَ على من يَنْزِلُ الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ من الْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ صَحَّ
قالوا لِأَنَّ هذا الْوَقْفَ عليهم لَا على الْبُقْعَةِ وَالصَّدَقَةُ عليهم جَائِزَةٌ وَصَالِحَةٌ لِلْقُرْبَةِ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ إنْ خَصَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فَوَقَفَ على الْمَارَّةِ منهم لم يَصِحَّ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وفي الْمُنْتَخَبِ وَالرِّعَايَةِ يَصِحُّ على الْمَارَّةِ بها منهم يعنى من أَهْلِ الذِّمَّةِ
____________________
(7/14)
وَقَالَهُ في المغنى في بِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُ منهم
ولم أَرَ ما قال عنه صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيهِمَا في مَظِنَّتِهِ بَلْ قال وَيَصِحُّ منها على ذِمِّيٍّ بِهِمَا أو يَنْزِلُهُمَا أو يُجْتَازُ رَاجِلًا أو رَاكِبًا
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ على الْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النَّارِ )
وَكَذَا الْبِيَعُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه في الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ
وفي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ على الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ كَمَارٍّ بِهِمَا فَوَائِدُ
الْأُولَى الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ في عَدَمِ الصِّحَّةِ في ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الذِّمِّيِّ على الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ المنار ( ( ( النار ) ) ) وَنَحْوِهَا وَلَا على مَصَالِحِ شَيْءٍ من ذلك كَالْمُسْلِمِ نَصَّ عليه وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
قال الْمُصَنِّفُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَصَحَّحَ في الْوَاضِحِ وَقْفَ الذِّمِّيِّ على الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في وَقْفِ الذِّمِّيِّ على الذِّمِّيِّ
الثَّانِيَةُ الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ في ذلك كُلِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ من كَافِرٍ
وقال في الِانْتِصَارِ لو نَذَرَ الصَّدَقَةَ على ذمية ( ( ( ذمته ) ) ) لَزِمَهُ
وَذَكَرَ في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ يَصِحُّ لِلْكُلِّ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً
وَذَكَرَ الْقَاضِي صِحَّتَهَا بِحَصِيرٍ وَقَنَادِيلَ
قال في التَّبْصِرَةِ إنْ وَصَّى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فيه وَلَا بِرَّ كَكَنِيسَةٍ أو كُتُبِ التَّوْرَاةِ لم يَصِحَّ وَعَنْهُ يَصِحُّ
____________________
(7/15)
الثَّالِثَةُ لو وَقَفَ على ذِمِّيٍّ وَشَرَطَ اسْتِحْقَاقَهُ ما دَامَ كَذَلِكَ فَأَسْلَمَ اسْتَحَقَّ ما كان يَسْتَحِقُّهُ قبل الْإِسْلَامِ ولغى الشَّرْطُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ هذا الشَّرْطَ
وقال لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ على الذِّمِّيِّ من أَهْلِهِ دُونَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لهم حَالَ الْكُفْرِ فَأَيُّ فَرْقٍ
قَوْلُهُ ( وَلَا على حَرْبِيٍّ أو مُرْتَدٍّ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ منهم صَاحِبُ المغنى وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
وقال الْحَارِثِيُّ هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قال في الْمُجَرَّدِ في كِتَابِ الْوَصَايَا إذَا أَوْصَى مُسْلِمٌ لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أو قَرَابَتِهِ لم يَتَنَاوَلْ كَافِرَهُمْ إلَّا بِتَسْمِيَتِهِ
قال في الْمُحَرَّرِ وَالْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ في ذلك كُلِّهِ
قال الْحَارِثِيُّ فَصَحَّحَهُ على الْكَافِرِ الْقَرِيبِ وَالْمُعَيَّنِ قال وهو الصَّحِيحُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُقَاتِلًا وَلَا مُخْرِجًا لِلْمُسْلِمِينَ من دِيَارِهِمْ وَلَا مُظَاهِرًا لِلْأَعْدَاءِ على الْإِخْرَاجِ انْتَهَى
وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ على نَفْسِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ )
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى
قال في الْفُصُولِ هذه الرِّوَايَةُ أَصَحُّ
قال الشَّارِحُ هذا أَقْيَسُ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ على نَفْسِهِ على الْأَصَحِّ
____________________
(7/16)
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا الْأَصَحُّ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفِ وَقَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ نَقَلَ حَنْبَلٌ وأبو طَالِبٍ ما سَمِعْت بهذا وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا ما أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَصِحُّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ وَيُوسُفَ بن أبي مُوسَى وَالْفَضْلِ بن زِيَادٍ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ صَحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا هو الصَّحِيحُ
قال أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ يَصِحُّ على الْأَصَحِّ
قال النَّاظِمُ يَجُوزُ على الْمَنْصُورِ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في مُسَوَّدَتِهِ على الْهِدَايَةِ وقال نَصَّ عليه
قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وقال بن عَقِيلٍ هِيَ أَصَحُّ
قُلْت الذي رَأَيْته في الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ ما ذَكَرْته آنِفًا ولم يذكر الْمَسْأَلَةَ في التَّذْكِرَةِ فَلَعَلَّهُمَا اخْتَارَاهُ في غَيْرِ ذلك لَكِنَّ عِبَارَتَهُ في الْفُصُولِ مُوهِمَةٌ
____________________
(7/17)
قُلْت وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عليها الْعَمَلُ في زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ عِنْدَ حُكَّامِنَا من أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ وهو الصَّوَابُ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ وَتَرْغِيبٌ في فِعْلِ الْخَيْرِ وهو من مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ
وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْبُلْغَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَصِحُّ على من بَعْدَهُ على وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ على الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ
فَائِدَةٌ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَيْثُ يَجُوزُ له الْحُكْمُ
فقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ الْحَكَمُ ظَاهِرًا وَفِيهِ في الْبَاطِنِ الْخِلَافُ
وفي فتاوي بن الصَّلَاحِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ وَأَنْفَذَهُ شَافِعِيٌّ لِلْوَاقِفِ نَقْضُهُ إذَا لم يَكُنْ الصَّحِيحَ من مَذْهَبِ أبي حَنِيفَة وَإِلَّا جَازَ نَقْضُهُ في الْبَاطِنِ فَقَطْ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ في الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ حَيَاتَهُ لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَالْفَائِدَةِ فيه ذَكَرَهَا بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى الْأَكْلَ منه مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وبن مُنَجَّا وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو اسْتَثْنَى الْأَكْلَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً
وَكَذَا لو اسْتَثْنَى الْأَكْلَ وَالِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ أو يُطْعِمُ صَدِيقَهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(7/18)
قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ شَرْطُ غَلَّتِهِ له أو لِوَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ في الْمَنْصُوصِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ لِأَوْلَادِهِ أو لِبَعْضِهِمْ سُكْنَى الْوَقْفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ جَازَ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ أو شَرَطَ السُّكْنَى لِأَوْلَادِهِ أو لِبَعْضِهِمْ ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو اسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَمَاتَ في أَثْنَائِهَا فقال في المغنى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك لِوَرَثَتِهِ كما لو بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ السُّكْنَى مُدَّةً فَمَاتَ في أَثْنَائِهَا وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَجُوزُ إيجَارُهَا لِلْمَوْقُوفِ عليه وَلِغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو وَقَفَ على الْفُقَرَاءِ ثُمَّ افْتَقَرَ أُبِيحَ له التَّنَاوُلُ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ
قال في التَّلْخِيصِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ
قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ شَمِلَهُ في الْأَصَحِّ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ يَدْخُلُ على الْأَصَحِّ في الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا يُبَاحُ ذلك وهو احْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في دُخُولِهِ إذَا افْتَقَرَ على قَوْلِنَا فإن الْوَقْفَ على النَّفْسِ يَصِحُّ
وَأَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَلَا يَدْخُلُ في الْعُمُومِ إذَا افْتَقَرَ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَا يُتَنَاوَلُ بِالْخُصُوصِ فَلَا يُتَنَاوَلُ بِالْعُمُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ دَارِهِ مَسْجِدًا أو أَرْضَهُ مَقْبَرَةً أو بِئْرَهُ ليستقى منها الْمُسْلِمُونَ
____________________
(7/19)
أو بَنَى مَدْرَسَةً لِعُمُومِ الْفُقَهَاءِ أو لِطَائِفَةٍ منهم أو رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ وَنَحْوَ ذلك مِمَّا يَعُمُّ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ كَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ له ذلك من غَيْرِ خِلَافٍ
قَوْلُهُ ( الثَّالِثُ أَنْ يَقِفَ على مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ وَلَا يَصِحُّ على مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ ) بِلَا نِزَاعٍ
وَكَذَا لَا يَصِحُّ لو كان مُبْهَمًا كَأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَصِحُّ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا
وَقِيلَ يَصِحُّ إنْ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْوَقْفُ إلَى قَبُولٍ مُخْرَجٌ من وَقْفِ إحْدَى الدَّارَيْنِ وهو احْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ
فَعَلَى الصِّحَّةِ يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت وهو مُرَادُ من يقول بِذَلِكَ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا وَقَفَ أَحَدَ هَذَيْنِ
قَوْلُهُ ( وَلَا على حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ )
لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْعَبْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْأَكْثَرُونَ على أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْعَبْدِ على الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَصِحُّ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا حَيْثُ اشْتَرَطَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ الْمِلْكِ
قال في الرِّعَايَةِ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ
____________________
(7/20)
وَقِيلَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عليه سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أو لَا وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على أُمِّ الْوَلَدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الصِّحَّةَ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ على أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ
وَإِنْ وَقَفَ على غَيْرِهَا على أَنْ يُنْفِقَ عليها مُدَّةَ حَيَاتِهِ أو يَكُونَ الرِّيعُ لها مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ فإن اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ
وَإِنْ وَقَفَ عليها مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ صَحَّحْنَا الْوَقْفَ على النَّفْسِ صَحَّ لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ ما يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ
وَإِنْ لم نُصَحِّحْهُ فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ هو كَالْوَقْفِ على الْعَبْدِ الْقِنِّ
وَيَتَوَجَّهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَمْلِكُ بِحَالٍ وَفِيهِ نَظَرٌ
وقد يُخَرَّجُ على مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ فإن هذا نَوْعَ تَمْلِيكٍ لِأُمِّ وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ فإنه قد يَخْرُجُ عن مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ
وإذا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ تُخَرَّجُ هذه الْمَسْأَلَةُ على مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ على أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رِقِّهَا وَعِتْقِهَا فإذا لم يَصِحَّ في إحْدَى الْحَالَيْنِ خَرَجَ في الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ
فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوَقْفَ الْمُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ يَصِحُّ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذلك
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَهَذَا كَذَلِكَ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْمُكَاتَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/21)
وَقِيلَ يَصِحُّ وَيَحْتَمِلُهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وقد يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ أَنْ يَقِفَ على مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ
وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ ( وَالْحَمْلُ )
يَعْنِي لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْحَمْلِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
منهم بن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَ بن عَقِيلٍ جَوَازَ الْوَقْفِ على الْحَمْلِ ابْتِدَاءً وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَصِحُّ على حَمْلٍ بِنَاءً على أَنَّهُ تَمْلِيكٌ إذًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَفِيهِمَا نِزَاعٌ
تَنْبِيهٌ إيرَادُ الْمُصَنِّفِ في مَنْعِ الْوَقْفِ على الْحَمْلِ يَخْتَصُّ بِمَا إذَا كان الْحَمْلُ أَصْلًا في الْوَقْفِ
أَمَّا إذَا كان تَبَعًا بأن وَقَفَ على أَوْلَادِهِ أو أَوْلَادِ فُلَانٍ وَفِيهِمْ حَمْلٌ أو انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ وَفِيهِمْ حَمْلٌ فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَا يُشَارِكُهُمْ قبل وِلَادَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وقال بن عَقِيلٍ يَثْبُتُ له اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ في حَالِ كَوْنِهِ حَمْلًا حتى صَحَّحَ الْوَقْفَ على الْحَمْلِ ابْتِدَاءً كما تَقَدَّمَ
وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْلِ من الْوَقْفِ أَيْضًا
____________________
(7/22)
فَائِدَةٌ لو قال وَقَفْت على من سَيُولَدُ لي أو من سَيُولَدُ لِفُلَانٍ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَحْمِلُ هذه الْمَرْأَةُ
وقال الْمَجْدُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّتُهُ وَرَدَّهُ بن رَجَبٍ قَوْلُهُ ( وَالْبَهِيمَةُ )
يَعْنِي لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عليها وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الصِّحَّةَ وقال وهو الْأَظْهَرُ عِنْدِي كما في الْوَقْفِ على الْقَنْطَرَةِ وَالسِّقَايَةِ وَيُنْفِقُ عليها
قَوْلُهُ ( الرَّابِعُ أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا فَإِنْ عَلَّقَهُ على شَرْطٍ لم يَصِحَّ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ وقال الصِّحَّةُ أَظْهَرُ وَنَصَرَهُ
وقال بن حَمْدَانَ من عِنْدِهِ إنْ قِيلَ الْمِلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى صَحَّ التَّعْلِيقُ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يَقُولَ هو وَقْفٌ من بَعْدِ مَوْتِي )
فَيَصِحُّ في قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وهو الْمَذْهَبُ
اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في خلافة الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(7/23)
وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْقَوَاعِدِ وهو أَصَحُّ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَالْوَصَايَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ لَا تَصِحُّ
وَاخْتَارَهُ بن الْبَنَّا وَالْقَاضِي وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ على أَنَّهُ قال قِفُوا بَعْدَ مَوْتِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً بِالْوَقْفِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ فَوَائِدُ
منها قال الْحَارِثِيُّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ على الْمَوْتِ أو على شَرْطٍ في الْحَيَاةِ لَا يَقَعُ لَازِمًا قبل وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عليه لِأَنَّ ما هو مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ في قَوْلِهِمْ لَا تَلْزَمُ قبل الْمَوْتِ وَالْمُعَلَّقُ على شَرْطٍ في الْحَيَاةِ في مَعْنَاهَا فَيَثْبُتُ فيه مِثْلُ حُكْمِهَا في ذلك
قال وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ احمد رَحِمَهُ اللَّهُ في الْمُعَلَّقِ على الْمَوْتِ هو اللُّزُومُ
قال الْمَيْمُونِيُّ في كِتَابِهِ سَأَلْته عن الرَّجُلِ يُوقِفُ على أَهْلِ بَيْتِهِ أو على الْمَسَاكِينِ بَعْدَهُ فَاحْتَاجَ إلَيْهَا أَيَبِيعُ على قِصَّةِ الْمُدَبَّرِ فابتدأنى أبو عبد اللَّهِ بِالْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ فقال الْوُقُوفُ إنَّمَا كانت من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنْ لَا يَبِيعُوا وَلَا يَهَبُوا
قُلْت فَمَنْ شَبَّهَهُ وَتَأَوَّلَ الْمُدَبَّرَ عليه وَالْمُدَبَّرُ قد يَأْتِي عليه وَقْتٌ يَكُونُ فيه حُرًّا وَالْمَوْقُوفُ إنَّمَا هو شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ وهو مِلْكُ السَّاعَةِ
قال لي إذَا كان يَتَأَوَّلُ
قال الْمَيْمُونِيُّ وَإِنَّمَا نَاظَرْته بهذا لِأَنَّهُ قال الْمُدَبَّرُ ليس لِأَحَدٍ فيه شَيْءٌ وهو مِلْكُ السَّاعَةِ وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ على قَوْمٍ مَسَاكِينَ فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شيئا
فَقُلْت هَكَذَا الْوُقُوفُ ليس لِأَحَدٍ فيها شَيْءٌ السَّاعَةَ هو مِلْكٌ وَإِنَّمَا
____________________
(7/24)
اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْوَفَاةِ كما أَنَّ الْمُدَبَّرَ السَّاعَةَ ليس بِحُرٍّ ثُمَّ يَأْتِي عليه وَقْتٌ يَكُونُ فيه حُرًّا انْتَهَى
فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على الْفَرْقِ بين الْوَقْفِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ قال الْحَارِثِيُّ وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا
وَتَابَعَ في التَّلْخِيصِ الْمَنْصُوصَ فقال أَحْكَامُ الْوَقْفِ خَمْسَةٌ
منها لُزُومُهُ في الْحَالِ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ أَمْ لم يُخْرِجْهُ وَعِنْدَ ذلك يَنْقَطِعُ تَصَرُّفُهُ فيه
وَشَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ في حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ لَمَّا لم يَطَّلِعْ على نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَدَّ كَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَتَأَوَّلَهُ اعْتِمَادًا على أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ليس فيها مَنْقُولٌ مع أَنَّهُ وَافَقَ الْحَارِثِيَّ على أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا يَقَعُ الْوَقْفُ وَالْحَالَةُ هذه لَازِمًا
قُلْت كَلَامُهُ في الْقَوَاعِدِ يُشْعِرُ أَنَّ فيه خِلَافًا هل هو لَازِمٌ أَمْ لَا
قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ في تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ
وَمِنْهَا الْمُعَلَّقُ وَقْفُهَا بِالْمَوْتِ إنْ قُلْنَا هو لَازِمٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ انْتَهَى
فَظَاهِرُ قَوْلِهِ إنْ قُلْنَا هو لَازِمٌ يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ
وَمِنْهَا لو شَرَطَ في الْوَقْفِ أَنْ يَبِيعَهُ أو يَهَبَهُ أو يَرْجِعَ فيه مَتَى شَاءَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ في أَحَدِ الْأَوْجُهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قال الْمُصَنِّفُ في المغنى لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَقِيلَ يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَ الْوَقْفِ وهو تَخْرِيجٌ من الْبَيْعِ وما هو بِبَعِيدٍ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ في الْكُلِّ نَقَلَهُ عنه في الْفَائِقِ
وَمِنْهَا لو شَرَطَ الْخِيَارَ في الْوَقْفِ فَسَدَ نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ وحرج ( ( ( وخرج ) ) ) فَسَادُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ من الْبَيْعِ
____________________
(7/25)
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَشْبَهُ
وَمِنْهَا لو شَرَطَ الْبَيْعَ عِنْدَ خَرَابِهِ وَصَرْفَ الثَّمَنِ في مِثْلِهِ أو شَرَطَهُ للمتولى بَعْدَهُ فقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجْهًا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ ذَكَرَ ذلك الْحَارِثِيُّ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَشَرْطُ بَيْعِهِ إذَا خَرِبَ فَاسِدٌ في الْمَنْصُوصِ نَقَلَهُ حَرْبٌ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لهم
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ على تَعْلِيلِهِ لو شُرِطَ عَدَمُهُ عِنْدَ تَعْطِيلِهِ
وَقِيلَ الشَّرْطُ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ على آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ )
إذَا وَقَفَ وَقْفًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ على آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ أو غَيْرِهِ
فَإِنْ كان على غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَذَكَرَ النَّاظِمُ احْتِمَالًا أَنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ يَقْبَلُهُ
وَإِنْ كان الْمَوْقُوفُ عليه آدَمِيًّا مُعَيَّنًا زَادَ في الرِّعَايَتَيْنِ أو جَمْعًا مَحْصُورًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ
فيه وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا
أَحَدُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الكافى هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الشَّارِحُ هذا أَوْلَى
____________________
(7/26)
قال الْحَارِثِيُّ هذا أَقْوَى وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
قال في الْفَائِقِ لَا يُشْتَرَطُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ
قال في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ يُشْتَرَطُ في الْأَصَحِّ
قال النَّاظِمُ هذا أَقْوَى
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخْذُ الرِّيعِ قَبُولٌ
تَنْبِيهٌ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ من غَيْرِ بِنَاءٍ
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَنْبَنِيَ ذلك على أَنَّ الْمِلْكَ هل يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عليه أَمْ لَا
فَإِنْ قِيلَ بِالِانْتِقَالِ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا
قال الْحَارِثِيُّ وَبَنَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ على ذلك
قال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت إنْ قُلْنَا هو لِلَّهِ تَعَالَى لم يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ وَإِنْ قُلْنَا هو لِلْمُعَيَّنِ وَالْجَمْعِ الْمَحْصُورِ أعتبر فيه الْقَبُولُ
قال الْحَارِثِيُّ وفي ذلك نَظَرٌ فإن الْقَبُولَ إنْ أُنِيطَ بِالتَّمْلِيكِ فَالْوَقْفُ لَا يَخْلُو من تَمْلِيكٍ سَوَاءٌ قِيلَ بِالِامْتِنَاعِ أو عَدَمِهِ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ على الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ إذْ لَا نِزَاعَ بين الْأَصْحَابِ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَوْقُوفِ عليه هو الْمَذْهَبُ مع اخْتِلَافِهِمْ في الْمُخْتَارِ هُنَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ فَرَدُّهُ وَقَبُولُهُ وَعَدَمُهُمَا وَاحِدٌ كَالْعِتْقِ
____________________
(7/27)
جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ
وقال أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ إنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْوَكِيلِ إذَا رَدَّ الْوَكَالَةَ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ لها الْقَبُولَ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ قال الْحَارِثِيُّ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ فَإِنْ تَرَاخَى عنه بَطَلَ كما يَبْطُلُ في الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ
وَعَلَّلَهُ ثُمَّ قال وإذا عُلِمَ هذا فَيَتَفَرَّعُ عليه عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ من الْمُسْتَحِقِّ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَمِنْ بَعْدِ تراخى اسْتِحْقَاقِهِمْ عن الْإِيجَابِ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
قال وَهَذَا يُشْكِلُ بِقَبُولِ الْوَصِيَّةِ مُتَرَاخِيًا عن الْإِيجَابِ انْتَهَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ على الْمُعَيَّنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَجْلِسُ بَلْ يَلْحَقُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ مُعَجَّلًا وَمُؤَجَّلًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَأَخْذُ رِيعِهِ قَبُولٌ
وَقَطْعٌ وَاخْتَارَ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَوْقُوفِ عليه الْمُعَيَّنِ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ
قَوْلُهُ ( فَإِنْ لم يَقْبَلْهُ أو رَدَّهُ بَطَلَ في حَقِّهِ دُونَ من بَعْدَهُ )
وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ
فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ على ما يَأْتِي بَعْدَ ذلك فَيَأْتِي فيه وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
أَعْنِي كَوْنَهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ يَصِحُّ هذا وَإِنْ لم تُصَحَّحْ في الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ وهو الصَّحِيحُ
قال في الْفُرُوعِ وهو أَصَحُّ كَتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فيه
____________________
(7/28)
قال الْحَارِثِيُّ هذا الصَّحِيحُ
فَعَلَى هذا يَصِحُّ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ بَلْ الْوَقْفُ هُنَا صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ ( وكان كما لو وَقَفَ على من لَا يَجُوزُ ثُمَّ على من يَجُوزُ )
هذا الْوَقْفُ الْمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ وهو صَحِيحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَبَنَاهُ في المغنى وَمَنْ تَابَعَهُ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَأَجْرَى وَجْهًا بِالْبُطْلَانِ قال وَفِيهِ بُعْدٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُصْرَفُ في الْحَالِ إلَى من بَعْدَهُ كما قال الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كان من لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عليه يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ صُرِفَ إلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ يَعْنِي الْمُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ على ما يَأْتِي
صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ ثُمَّ يُصْرَفَ إلَى من بَعْدَهُ
وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ قَالَهُ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ ولم يذكر له مالا أو على من يَجُوزُ ثُمَّ على من لَا يَجُوزُ ) انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ من يَجُوزُ ( الْوَقْفُ عليه إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عليهم في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(7/29)
وهو الْمَذْهَبُ قال في الْكَافِي هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَعَلَيْهَا يُقْسَمُ على قَدْرِ إرْثِهِمْ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال الْقَاضِي فَلِلْبِنْتِ مع الِابْنِ الثُّلُثُ وَلَهُ الْبَاقِي وَلِلْأَخِ من الْأُمِّ مع الْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلَهُ ما بَقِيَ
وَإِنْ كان جَدٌّ وَأَخٌ قَاسَمَهُ وَإِنْ كان أَخٌ وَعَمٌّ انْفَرَدَ بِهِ الْأَخُ وَإِنْ كان عَمٌّ وبن عَمٍّ انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ
وقال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِمَنْ يَرِثُ من الْأَقَارِبِ في حَالٍ دُونَ حَالٍ وَتَفْضِيلٌ لِبَعْضٍ على بَعْضٍ
وهو لو وَقَفَ على أَقَارِبِهِ لَمَا قالوا فيه بهذا التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ
وَكَذَا لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ أو أَوْلَادِ زَيْدٍ لَا يُفَضَّلُ فيه الذَّكَرُ على الْأُنْثَى وقد قالوا هُنَا إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ وَقْفًا انْتَهَى
فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَالَ إلَى عَدَمِ الْمُفَاضَلَةِ وما هو بِبَعِيدٍ
قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ في أَقَارِبِهِ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ انْتَهَى
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يصرف ( ( ( تصرف ) ) ) إلَى عَصَبَتِهِ ولم يذكر أَقْرَبَ وَأَطْلَقَهُمَا بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
فَعَلَيْهِمَا يَكُونُ وَقْفًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ
وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/30)
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
قال في المغنى نَصَّ عليه
قال الْحَارِثِيُّ وَإِنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ الْوَقْفِ في الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ في رِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ انْتَهَى
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ في الْوَرَثَةِ يَكُونُ وَقْفًا عليهم على أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ لَا يَكُونُ وَقْفًا
وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ فقال من الناس من حَمَلَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على الْعَوْدِ مِلْكًا
قال لِأَنَّهُ قَيَّدَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْوَقْفِ وَأَطْلَقَ هُنَا وَأَثْبَتَ بِذَلِكَ وَجْهًا
قال وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن الْعَوْدَ إلَى الْأَقْرَبِ مِلْكًا إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِرْثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِ الْعَصَبَةِ
وَأَيْضًا فَقَدْ حَكَى خِلَافًا في اخْتِصَاصِ الْعَوْدِ بِالْفُقَرَاءِ بِهِمْ وَلَوْ كان إرْثًا لَمَا اخْتَصَّ بِالْفُقَرَاءِ مع أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِالْوَقْفِ في ذلك في كِتَابَيْهِ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلَ من كُتُبِهِمْ كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ انْتَهَى
وَعَنْهُ يَكُونُ مِلْكًا
قال في الْفَائِقِ وَقِيلَ يَكُونُ مِلْكًا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ
قال في المغنى وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ
قال في الْفَائِقِ وقال بن أبي مُوسَى إنْ رَجَعَ إلَى الْوَرَثَةِ كان مِلْكًا بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ( هل يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ على وَجْهَيْنِ
____________________
(7/31)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْأَصَحُّ في الْمَذْهَبِ
قال النَّاظِمُ هذا الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْخِرَقِيِّ
وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ
فَائِدَةٌ مَتَى قُلْنَا بِرُجُوعِهِ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وكان الْوَاقِفُ حَيًّا فَفِي رُجُوعِهِ إلَيْهِ أو إلَى عَصَبَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رِوَايَتَانِ
حَكَاهُمَا بن الزاغونى في الْإِقْنَاعِ رِوَايَةً
إحْدَاهُمَا يَدْخُلُ قَطَعَ بِهِ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ
وَكَذَا لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ وَأَنْسَالِهِمْ على أَنَّ من تُوُفِّيَ منهم عن غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَقْرَبِ الناس إلَيْهِ فَتُوُفِّيَ أُحُدُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ عن غَيْرِ وَلَدٍ وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ فَهَلْ يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ الناس إلَيْهِ أَمْ لَا تُخَرَّجُ على ما قَبْلَهَا قَالَهُ بن رَجَبٍ
وَالْمَسْأَلَةُ مُلْتَفِتَةٌ إلَى دُخُولِ الْمُخَاطَبِ في خِطَابِهِ
تَنْبِيهٌ لو لم يَكُنْ لِلْوَاقِفِ أَقَارِبُ رَجَعَ على الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وقال بن أبي مُوسَى يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ في الْمَسَاكِينِ
وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن إبْرَاهِيمَ وَأَبِي طَالِبٍ وغيرهما ( ( ( وغيرها ) ) )
____________________
(7/32)
وَقَطَعَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا
وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وفي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ما قَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا على الْمَسَاكِينِ
وَالْمَوْضِعُ الذي قَالَهُ الْقَاضِي فيه هو في كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وهو رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال النَّاظِمُ هِيَ أَوْلَى الرِّوَايَاتِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ نَصًّا عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْمُصَنِّفُ إنْ كان في أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فُقَرَاءُ فَهُمْ أَوْلَى بِهِ لَا على الْوُجُوبِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ يُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وقال نَصَّ عليه قال وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وأبو جَعْفَرٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَصُّ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ في بَيْتِ الْمَالِ يُصْرَفُ في مَصَالِحِهِمْ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ يَكُونُ وَقْفًا أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ
وَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ قبل وَرَثَتِهِ لورثه الْمَوْقُوفِ عليه
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ إنْ وَقَفَ على عَبِيدِهِ لم يَسْتَقِمْ قُلْت فَيُعْتِقُهُمْ قال جَائِزٌ
فَإِنْ مَاتُوا وَلَهُمْ أَوْلَادٌ فَهُوَ لهم وَإِلَّا فَلِلْعَصَبَةِ فَإِنْ لم يَكُنْ عَصَبَةٌ بِيعَ وَفُرِّقَ على الْفُقَرَاءِ
فَائِدَةٌ لِلْوَقْفِ صِفَاتٌ
____________________
(7/33)
إحْدَاهَا مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالْوَسَطِ وَالِانْتِهَاءِ
الثَّانِيَةُ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ مُتَّصِلُ الِانْتِهَاءِ
الثَّالِثَةُ مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ عَكْسُ الذي قَبْلَهُ
الرَّابِعَةُ مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ
الْخَامِسَةُ عَكْسُ الذي قَبْلَهُ مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ صَحِيحُ الْوَسَطِ وَأَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَخَرَجَ وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ في الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ من تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ على ما تَقَدَّمَ وَرِوَايَةٌ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ
قال في الرِّعَايَةِ في مُنْقَطِعِ الْآخَرِ صَحَّ في الْأَصَحِّ
السَّادِسَةُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ مِثْلُ أَنْ يَقِفَ على من لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عليه وَيَسْكُتُ أو يَذْكُرُ ما لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عليه أَيْضًا فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ
فَالصِّفَةُ الْأُولَى هِيَ الْأَصْلُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ تُؤْخَذُ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قال وكان كما لو وَقَفَ على من لَا يَجُوزُ ثُمَّ على من يَجُوزُ
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ تُؤْخَذُ من كَلَامِهِ أَيْضًا حَيْثُ قال وَإِنْ وَقَفَ على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ ولم يذكر له مَآلًا أو على من يَجُوزُ ثُمَّ على من لَا يَجُوزُ
وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ لم يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ
قَوْلُهُ ( أو قال وَقَفْت وَسَكَتَ )
يعنى أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْت وَيَسْكُتُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في الرَّوْضَةِ على الصَّحِيحِ عِنْدَنَا انْتَهَى
____________________
(7/34)
فَظَاهِرُهُ أَنَّ في الصِّحَّةِ خِلَافًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ في مَصْرِفِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال نَصَّ عليه
وقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ يُصْرَفُ في وُجُوهِ الْبِرِّ
قال الْحَارِثِيُّ الْوَجْهُ الثَّانِي يُصْرَفُ في وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو عَلِيِّ بن شِهَابٍ وأبو الْخَطَّابِ في الْخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وأبو الْحُسَيْنِ الْقَاضِي والعكبرى في آخَرِينَ
وفي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وكان لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
وفي بَعْضِهَا صُرِفَ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَعْنَى مُتَّحِدٌ
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وفي قَوْلِهِ تَصَدَّقْت تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ قال وَقَفْته سَنَةً لم يَصِحَّ ) هذا الْمَذْهَبُ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ وَيُصْرَفَ بَعْدَهَا مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ يعنى مُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَيَلْغُو تَوْقِيتُهُ
____________________
(7/35)
فَائِدَةٌ لو وَقَفَهُ على وَلَدِهِ سَنَةً ثُمَّ على زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ على عَمْرٍو سَنَةً ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ صَحَّ لِاتِّصَالِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً
وَكَذَا لو قال وَقَفْته على ولدى مُدَّةَ حَيَاتِي ثُمَّ على زَيْدٍ ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ صَحَّ
قَوْلُهُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عن يَدِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ )
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في التَّلْخِيصِ وهو الْأَشْبَهُ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَالْمَنْصُورُ عِنْدَهُمْ في الْخِلَافِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ الْمَعْمُولُ بِهِ من الرِّوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْرِجَهُ عن يَدِهِ قَطَعَ بِهِ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى في كِتَابَيْهِمَا وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ على هذا أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ
قال في الفرع ( ( ( الفروع ) ) ) وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قال قال الْقَاضِي في خِلَافِهِ لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ يَصْرِفُهُ في مَصَارِفِهِ ولم يُخْرِجْهُ عن يَدِهِ أَنَّهُ بقع ( ( ( يقع ) ) ) بَاطِلًا انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّسْلِيمُ إلَى نَاظِرٍ يَقُومُ بِهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْآبَارُ ونحوها ( ( ( ونحوهما ) ) ) يَكْفِي التَّخْلِيَةُ بين الناس وبينها ( ( ( وبينهما ) ) ) من غَيْرِ خِلَافٍ
____________________
(7/36)
قال وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ إلَى الْمُعَيَّنِ الْمَوْقُوفِ عليه إذَا قِيلَ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَإِلَى النَّاظِرِ أو الْحَاكِمِ انْتَهَى
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ أَيْضًا لو شَرَطَ نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ سَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ ارْتَجَعَهُ منه قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ إلَى من يُنَصِّبُهُ هو فَالْمَنْصُوبُ إمَّا غَيْرُ نَاظِرٍ فَوَكِيلٌ مَحْضٌ يَدُهُ كَيَدِهِ وَإِمَّا نَاظِرٌ فَالنَّظَرُ لَا يَجِبُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَالتَّسْلِيمُ إلَى الْغَيْرِ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى
قُلْت وهذا ( ( ( هذا ) ) ) هو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ إذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ فَهَلْ هو شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ أو لِلُزُومِهِ
ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ منهم صَاحِبُ الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ فقال وَلَيْسَ شَرْطًا في الصِّحَّةِ بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ
وَصَرَّحَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
فَعَلَى هذا قال بن أبي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ إنْ مَاتَ قبل إخْرَاجِهِ وَحِيَازَتِهِ بَطَلَ وكان مِيرَاثًا
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْلَى هُنَا اللُّزُومُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْخِلَافَ في صِحَّةِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا هل يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عن يَدِ الْوَاقِفِ على رِوَايَتَيْنِ
قال في الْخُلَاصَةِ لَا يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عن يَدِهِ
____________________
(7/37)
قَوْلُهُ ( وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ )
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وبن بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ هو مِلْكٌ لِلَّهِ وهو ظَاهِرُ اخْتِيَارِ بن أبي مُوسَى قِيَاسًا على الْعِتْقِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قال الْحَارِثِيُّ وَبِهِ أَقُولُ
وَعَنْهُ مُلْكُ لِلْوَاقِفِ ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ
قال الْحَارِثِيُّ ولم يُوَافِقْهُمَا على ذلك أَحَدٌ من متقدمى أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا مُتَأَخِّرِيهِمْ انْتَهَى
وقد ذَكَرَهَا من بَعْدَهُمْ من الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
قال بن رَجَبٍ في فَوَائِدِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَهَلْ هو مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ أو لِلَّهِ فيه خِلَافٌ
تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ
منها ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا
فَمِنْهَا لو وطىء الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ فَلَا حَدَّ عليه وَلَا مَهْرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَتَّجِهُ أَنْ يَنْبَنِيَ على الْمِلْكِ أن جَعَلْنَاهُ له فَلَا حَدَّ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ
قال وفي المغنى وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْحَدِّ في وَطْءِ الموضى ( ( ( الموصى ) ) ) له بِالْمَنْفَعَةِ
قال لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ فَلَزِمَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ
____________________
(7/38)
قال الْحَارِثِيُّ فَيَطَّرِدُ الْحَدُّ هُنَا على الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بها ما يَقُومُ مَقَامَهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ )
يعنى تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ قُلْنَا هِيَ مِلْكٌ له وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ وَهِيَ وَقْفٌ بِحَالِهَا
قَوْلُهُ ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ )
يعنى قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ إذَا أَوْلَدَهَا
وَعَزَاهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ إلَى اخْتِيَارِ أبي الْخَطَّابِ
قَوْلُهُ ( وَتَجِبُ قِيمَتُهَا في تَرِكَتِهِ يَشْتَرِي بها مِثْلَهَا تَكُونُ وَقْفًا )
هذا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وَقِيلَ تُصْرَفُ قِيمَتُهَا لِلْبَطْنِ الثَّانِي إنْ تَلَقَّى الْوَقْفَ من وَاقِفِهِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وقال فَدَلَّ على خلاف ( ( ( الخلاف ) ) )
وقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ والمغنى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الْبَطْنُ الثَّانِي يَتَلَقَّوْنَهُ من وَاقِفِهِ لَا من الْبَطْنِ الْأَوَّلِ
وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ في قَوَاعِدِهِ
فَلَهُمْ الْيَمِينُ مع شَاهِدِهِمْ لِثُبُوتِ الْوَقْفِ مع امْتِنَاعِ بَعْضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ منها
قال في الْفَائِقِ وَهَلْ يَتَلَقَّى الْبَطْنُ الثَّانِي الْوَقْفَ من الْبَطْنِ الذي قَبْلَهُ أو من الواقف ( ( ( الوقف ) ) ) فيه وَجْهَانِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ
____________________
(7/39)
الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا )
يَعْنِي يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ أُمِّهِ إذَا تَلِفَتْ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا إنْ بَلَغَ أو شِقْصًا إنْ لم يَبْلُغْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الْوَلَدِ ها هنا
يعنى يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه قِيمَةَ الْوَلَدِ هُنَا على هذا الِاحْتِمَالِ
وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
فَائِدَةٌ لو أَتْلَفَهَا إنْسَانٌ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا يَشْتَرِي بها مِثْلَهَا
وَإِنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ في جُزْءٍ بها كَقَطْعِ طَرَفٍ مَثَلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يشترى بِأَرْشِهَا شقص ( ( ( شقصا ) ) ) يَكُونُ وَقْفًا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَقِيلَ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عليه وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في التَّلْخِيصِ
وَإِنْ جَنَى عليها من غَيْرِ إتْلَافٍ فَالْأَرْشُ لِلْمَوْقُوفِ عليه قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ أُخْرَى لو قَتَلَ الْمَوْقُوفَ عَبْدٌ مُكَافِئٌ
فقال في المغنى الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْقُوفُ عليه فلم يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ منه قَاتِلُهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَتَحْرِيرُ قَوْلِهِ في المغنى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ مُشْتَرَكٌ بين الْمُلَّاكِ وَمِنْ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مُطَالَبَةُ كل الشُّرَكَاءِ وهو مُتَعَذِّرٌ
قال وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَكَرَهُ وَمَالَ إلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقْفِيَّةُ الْبَدَلِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لِاسْتِدْعَاءِ
____________________
(7/40)
الْبَدَلِيَّةِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا الْبَدَلِ وهو الصَّحِيحُ من الْوَجْهَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ من إنْشَاءِ عَقْدِ الْوَقْفِ
فإنه قال وإذا خَرِبَ الْوَقْفُ ولم يَرُدَّ شيئا بِيعَ واشترى بِثَمَنِهِ ما يُرَدُّ على أَهْلِ الْوَقْفِ وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ
قال الْحَارِثِيُّ وَكَذَا نَصَّ أبو عبد اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بَكْرِ بن مُحَمَّدٍ قال وَبِهَذَا أَقُولُ
وَيَأْتِي في آخِرِ بَيْعِ الْوَقْفِ بِأَتَمَّ من هذا وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ
يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ
وَعَلَى الثَّالِثَةِ يُزَوِّجُهَا الْوَاقِفُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وبن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَالْحَارِثِيُّ لَكِنْ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْمَوْقُوفِ عليه قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وهو وَاضِحٌ وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَاقِفُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ من عِنْدِهِ
قُلْت هو مُرَادُ من لم يَذْكُرْهُ قَطْعًا
وقد طَرَدَهُ الْحَارِثِيُّ في الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ إذَا قِيلَ بِوِلَايَتِهِمَا
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ إلَّا إذَا طَلَبَتْهُ وهو وَجْهٌ في المغنى
قال في الرِّعَايَةِ وَيَحْتَمِلُ مَنْعَ تَزْوِيجِهَا إنْ لم تَطْلُبْهُ
قَوْلُهُ ( وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا )
هذا الْمُذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
( وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ ) الْمَوْقُوفُ عليه
وهو اخْتِيَارٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ كما تَقَدَّمَ في نَظِيرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَنَسَبَ الْأَوَّلَ إلَى الْأَصْحَابِ
____________________
(7/41)
وَيَأْتِي هل يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عليه أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عليه في الْفَوَائِدِ قَرِيبًا
وَمِنْ الْفَوَائِدِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ خَطَأً فَالْأَرْشُ على الْمَوْقُوفِ عليه )
يعنى إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَ عليه وهو الْمَذْهَبُ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَكُونُ جِنَايَتُهُ في كَسْبِهِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ في بَيْتِ الْمَالِ وهو رِوَايَةٌ في التَّبْصِرَةِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عليه الْأَرْشُ على الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
وَأَمَّا على الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ على الْوَاقِفِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ في كَسْبِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ من عِنْدِهِ
وقال الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ وهو الْوُجُوبُ على الْوَاقِفِ قال وَفِيهِ بَحْثٌ
تَنْبِيهٌ هذا كُلُّهُ إذَا كان الْمَوْقُوفُ عليه مُعَيَّنًا
أَمَّا إنْ كان غير مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ فقال في المغنى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ في كَسْبِهِ لِأَنَّهُ ليس له مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عليه وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَتِهِ فتعين ( ( ( فتتعين ) ) ) في كَسْبِهِ
قال وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ في بَيْتِ الْمَالِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْفِدَاءَ فَهُوَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ من الْقِيمَةِ أو أَرْشِ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا بِأُمِّ الْوَلَدِ
تَنْبِيهٌ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ من فَوَائِدِ الْخِلَافِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ
____________________
(7/42)
وَمِنْهَا لو كان الْمَوْقُوفُ مَاشِيَةً لم تَجِبْ زَكَاتُهَا على الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَتَجِبُ على الْمَوْقُوفِ عليه على الْأُولَى على ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتِيَارِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قال النَّاظِمُ * وَلَكِنْ لِيَخْرُجَ من سِوَاهَا وَيُمْدَدْ *
قُلْت فيعايي ( ( ( فيعايا ) ) ) بها
وَقِيلَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا لِضَعْفِ الْمِلْكِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
فَأَمَّا الشَّجَرُ الْمَوْقُوفُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ في ثَمَرِهِ على الْمَوْقُوفِ عليه وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْمَوْقُوفِ عليه قَالَهُ في الْفَوَائِدِ قال الشِّيرَازِيُّ لَا زَكَاةَ فيه مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ رِوَايَةً
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ على ذلك في كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا زَكَاةَ في السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ بِأَتَمَّ من هذا فَلْيُرَاجَعْ
وَمِنْهَا النَّظَرُ على الْمَوْقُوفِ عليه إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ مِلْكَ النَّظَرِ عليه على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَنْظُرُ فيه هو مُطْلَقًا أو وَلِيُّهُ إنْ لم يَكُنْ أَهْلًا
وَقِيلَ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ
وَعَلَى الثَّالِثَةِ لِلْوَاقِفِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ من عِنْدِهِ
وَمِنْهَا هل يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ فيه طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا الْبِنَاءُ فَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُهُ اسْتَحَقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَإِلَّا فَلَا
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْوَجْهَانِ بِنَاءً على قَوْلِنَا يَمْلِكُهُ قَالَهُ الْمَجْدُ
وَهَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ على الْمُذْهَبِ في جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ من الطَّلْقِ
____________________
(7/43)
أَمَّا على الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ الْقِسْمَةِ فَلَا شُفْعَةَ وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا على الْخِلَافِ في قَبُولِ الْقِسْمَةِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ
وَمِنْهَا نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ الْمَوْقُوفِ فَتَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ وَمَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ تَجِبُ في كَسْبِهِ وَمَعَ عَدَمِهِ تَجِبُ على من الْمِلْكُ له قَالَهُ في التَّلْخِيصِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ من عِنْدِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ تَجِبُ في بَيْتِ الْمَالِ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَإِنْ لم تَكُنْ له غَلَّةٌ فَوَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا نَفَقَتُهُ على الْمَوْقُوفِ عليه
وَالثَّانِي في بَيْتِ الْمَالِ
فَقِيلَ هُمَا مَبْنِيَّانِ على انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ
وقد يُقَالُ بِالْوُجُوبِ عليه وَإِنْ كان الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ كما نَقُولُ بِوُجُوبِهَا على الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ على وَجْهٍ انْتَهَى
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عليه أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عليه على الْأُولَى وَيَجُوزُ على الثَّانِيَةِ
قُلْت وَعَلَى الثَّالِثَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ هذا الْبِنَاءُ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
قال وَفِيهِ نَظَرٌ فإنه يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ على كِلَا القوالين ( ( ( القولين ) ) ) وَلِهَذَا يَكُونُ الْمَهْرُ له انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ فَعَلَى الْأُولَى لو وُقِفَتْ عليه زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ
وَمِنْهَا لو سَرَقَ الْوَقْفَ أو نَمَاءَهُ فَعَلَى الْأُولَى يُقْطَعُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ لم يُقْطَعْ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُقْطَعُ
____________________
(7/44)
وَمَحَلُّ ذلك كُلِّهِ إذَا كان الْوَقْفُ على مُعَيَّنٍ
وَمِنْهَا وُجُوبُ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ على الْمَوْقُوفِ عليه على الْأُولَى على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ عليه
وَأَمَّا إذَا اشترى عَبْدٌ من غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ فإن الْفُطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فيه قَالَهُ أبو الْمَعَالِي
وَيُعَايَى بِمَمْلُوكٍ لَا مَالِكَ له وهو عَبْدٌ وُقِفَ على خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ في الْمَنْثُورِ
وَمِنْهَا لو زَرَعَ الغاضب ( ( ( الغاصب ) ) ) الْوَقْفِ فَعَلَى الْأُولَى لِلْمَوْقُوفِ عليه التَّمَلُّكُ بِالنَّفَقَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فيه تَرَدُّدٌ ذَكَرَهُ في الْفَوَائِدِ من الْقَوَاعِدِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على ثَلَاثَةٍ ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ فَمَنْ مَاتَ منهم رَجَعَ نَصِيبُهُ على الْآخَرَيْنِ )
وَكَذَا لو رَدَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ
أَحَدُهُمَا الصَّرْفُ مُدَّةَ بَقَاءِ الْآخَرَيْنِ مَصْرِفُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ لِسُكُوتِهِ عن الْمَصْرِفِ في هذه الْحَالَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الِانْتِقَالُ إلَى الْمَسَاكِينِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ له فإن مُقْتَضَاهُ الصَّرْفُ إلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ انْقِرَاضِ من عَيَّنَ فَصَرْفُ نَصِيبِ كُلٍّ منهم عِنْدَ انْقِرَاضِهِ إلَى الْمَسَاكِينِ دَاخِلٌ تَحْتَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَرَجَّحَهُ على الذي قَبْلَهُ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو وَقَفَ على ثَلَاثَةٍ ولم يذكر له مَآلًا فَمَنْ مَاتَ منهم فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ كما لو مَاتُوا جميعا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(7/45)
وقال على ما في الْكِتَابِ يُصْرَفُ إلَى من بقى
وَقَطَعَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَكَذَا الْحَكَمُ لو رَدَّ بَعْضُهُمْ قَالَهُ فيها أَيْضًا
الثَّانِيَةُ لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ ثُمَّ على أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ هذا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ على مِثْلِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شيئا قبل انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ هذا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ فَيَكُونُ من بَابِ تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ
وَقِيلَ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ فَيَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ نَصِيبَ أبيه بَعْدَهُ فَهُوَ من تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ بين كل شَخْصٍ وَأَبِيهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
قال في الِانْتِصَارِ عِنْدَ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالْهِلَالِ إذَا قُوبِلَ جَمْعٌ بِجَمْعٍ اقْتَضَى مقابله الْفَرْدِ منه بِالْفَرْدِ لُغَةً
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَلَى هذا الْأَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ وَإِنْ لم يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ
وقال الْأَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ على وَلَدَيْهِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ على أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَعَقِبِهِمَا بَعْدَهُمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كل وَاحِدٍ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ
وقال من ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ فَإِنْ لم يَكُنْ أَبُوهُ أَخَذَ شيئا لم يَأْخُذْ هو فلم يَقُلْهُ أَحَدٌ من الْأَئِمَّةِ ولم يَدْرِ ما يقول
وَلِهَذَا لو انْتَفَتْ الشُّرُوطُ في الطَّبَقَةِ الْأُولَى أو بَعْضِهِمْ لم تَحْرُمْ الثَّانِيَةُ مع وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ إجْمَاعًا وَلَا فَرْقَ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَقَوْلُ الْوَاقِفِ من مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَعُمُّ ما اسْتَحَقَّهُ وما يَسْتَحِقُّهُ مع صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّهُ أو لَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ
____________________
(7/46)
بِأَدْنَى ملابسه وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ وَيَقْصِدُونَهُ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لم يَرِثْ هو وَأَبُوهُ من الْجَدِّ وَلِأَنَّ في صُورَةِ الْإِجْمَاعِ يَنْتَقِلُ مع وُجُودِ الْمَانِعِ إلَى وَلَدِهِ لَكِنْ هُنَا هل يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ وَإِنْ لم يَتَنَاوَلْ إلَّا ما اسْتَحَقَّهُ فَمَفْهُومٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وقد تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ على أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا أن قال بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَنَحْوَهُ فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ مع أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ
فَإِنْ زَادَ الْوَاقِفُ على أَنَّهُ إنْ توفى أَحَدٌ من أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عليه ابْتِدَاءً في حَيَاةِ وَالِدِهِ وَلَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عن أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذي مَاتَ أَبُوهُ قبل اسْتِحْقَاقِهِ فَلَهُ مَعَهُمْ ما لِأَبِيهِ لو كان حَيًّا فَهُوَ صَرِيحٌ في تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قال بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ولم يَزِدْ شيئا هذه الْمَسْأَلَةُ فيها نِزَاعٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ نَصِيبَ كل وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا مُشَارَكَةَ انْتَهَى
الثَّالِثَةُ لو كان له ثَلَاثُ بَنِينَ فقال وَقَفْت على ولدى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَعَلَى وَلَدِ ولدى كان الْوَقْفُ على المسمين ( ( ( المسلمين ) ) ) وَأَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّالِثِ
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارًا له وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقَوَّاهُ شَيْخُنَا في حَوَاشِيهِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يَدْخُلُ الِابْنُ الثَّالِثُ
وَنَقَلَهُ حَرْبٌ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فقال فَالْمَنْصُوصُ دُخُولُ الْجَمِيعِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ ويتخرج ( ( ( ويخرج ) ) ) وَجْهٌ بالإختصاص بِوَلَدِ من وَقَفَ عليهم اعْتِبَارًا بِآبَائِهِمْ
وَكَذَا الْحَكَمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ لو قال وَقَفْت على وَلَدَيَّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ هل يَشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِهِ أَمْ لَا
____________________
(7/47)
وَقِيلَ يَشْمَلُهُ هُنَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا من عِنْدِهِ
الرَّابِعَةُ لو وَقَفَ على فُلَانٍ فإذا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ كان بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لِأَوْلَادِهِ ثُمَّ من بَعْدِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي
وَقِيلَ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ حتى يَنْقَرِضَ أَوْلَادُهُ ثُمَّ يُصْرَفُ على الْمَسَاكِينِ
الْخَامِسَةُ لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ اشْتَرَكُوا حَالًا وَلَوْ قال فيه على أَنَّ من توفى عن غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ كان لِلِاشْتِرَاكِ أَيْضًا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
قُلْت وهو أَوْلَى
قال في الْقَوَاعِدِ وقد زَعَمَ الْمَجْدُ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَدُلُّ على أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بين الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ ثُمَّ يُضَافُ إلَى كل وَلَدٍ نَصِيبُ وَالِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ
قال وَلَيْسَ في كَلَامِ الْقَاضِي ما يَدُلُّ على ذلك لِمَنْ رَاجَعَهُ وَتَأَمَّلَهُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ بين كل وَلَدٍ وَأَبِيهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَلَوْ رَتَّبَ بِقَوْلِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أو الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أو الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي فَهَذَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ على مِثْلِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شيئا قبل انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ قَالَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في التَّلْخِيصِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ
وَلَوْ قال بَعْدَ التَّرْتِيبِ بين أَوْلَادِهِ ثُمَّ على أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا أو مُشْتَرَكًا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
____________________
(7/48)
قُلْت الصَّوَابُ التَّرْتِيبُ
وَلَوْ رَتَّبَ بين أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ بِ ثُمَّ ثُمَّ قال وَمَنْ توفى عن وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أبيه نَصِيبَهُ
وَلَوْ قال على أولادى ثُمَّ على أَوْلَادِ أَوْلَادِي على أَنَّهُ من توفى منهم عن غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أبيه بَعْدَهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا
قال في الْفَائِقِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
وَهُمَا يَنْزِعَانِ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ
وقد تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فيها
قُلْت هذه الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ
وقد وَافَقَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ على ذلك كَثِيرٌ من الْعُلَمَاءِ من أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ وَجَعَلُوهُ من تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ وهو أَظْهَرُ
وَصَنَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في ذلك مُصَنَّفًا حَافِلًا خَمْسَ كَرَارِيسَ
وَلَوْ قال وَمَنْ مَاتَ عن وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَشْمَلُ النَّصِيبَ الأصلى وَالْعَائِدَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثُ أخوة فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ عن وَلَدٍ وَيَمُوتُ الثَّانِي عن غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ الثَّالِثِ
فإذا مَاتَ الثَّالِثُ عن وَلَدٍ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ ما كان في يَدِ أبيه من الأصلى وَالْعَائِدِ إلَيْهِ من أَخِيهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَشْمَلُ النَّصِيبَ الْأَصْلِيَّ وَيَشْتَرِكُ وَلَدُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَوَلَدُ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ في النَّصِيبِ الْعَائِدِ إلَى أَخِيهِ لِأَنَّ وَالِدَيْهِمَا لو كَانَا حَيَّيْنِ لَاشْتَرَكَا في الْعَائِدِ فَكَذَا وَلَدُهُمَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَلَوْ قال ومن توفى عن غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ وكان الْوَقْفُ مُرَتَّبًا بِالْبُطُونِ كان نَصِيبُ الْمَيِّتِ عن غَيْرِ وَلَدٍ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الذي هو منه
____________________
(7/49)
وَلَوْ كان مُشْتَرَكًا بين أَهْلِ الْبُطُونِ عَادَ إلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قلت وهو الصَّوَابُ فَوُجُودُ هذا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَخْتَصُّ الْبَطْنُ الذي هو منه فَيَسْتَوِي فيه إخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أبيه لِأَنَّهُمْ في الْقُرْبِ سَوَاءٌ قَدَّمَهُ في النَّظْمِ
وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَإِنْ لم يُوجَدْ في دَرَجَتِهِ أَحَدٌ فَالْحُكْمُ كما لو لم يُذْكَرْ الشَّرْطُ قَالَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَلَوْ كان الْوَقْفُ على الْبَطْنِ الْأَوَّلِ على أَنَّ من مَاتَ عن وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَإِنْ مَاتَ عن غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى من في دَرَجَتِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عن غَيْرِ وَلَدٍ فَقِيلَ يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانُوا بُطُونًا وَحَكَمَ بِهِ التقى سُلَيْمَانُ وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ سَوَاءٌ كَانُوا من أَهْلِ الْوَقْفِ حَالًا أو قُوَّةً مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عن بن ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عن ابْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ أَخَاهُ وبن عَمِّهِ وَعَمَّهُ وَابْنًا لِعَمِّهِ الْحَيِّ فَيَكُونُ نَصِيبُهُ بين أَخِيهِ وبن عَمِّهِ الْمَيِّتِ وبن عَمِّهِ الْحَيِّ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ شيئا
وَقِيلَ يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ في أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوِلِينَ له في الْحَالِ
فَعَلَى هذا يَكُونُ لِأَخِيهِ وبن عَمِّهِ الذي مَاتَ أَبُوهُ وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهِ الْحَيِّ وَلَا لِوَلَدِهِ
وَأَطْلَقَهُنَّ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَوُو طَبَقَتِهِ إخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَنَحْوُهُمْ وَمَنْ هو أَعْلَى منه عُمُومَتُهُ وَنَحْوُهُمْ وَمَنْ هو أَسْفَلُ منه وَلَدُهُ وَوَلَدُ أخوته وَطَبَقَتُهُمْ
وَلَا يَسْتَحِقُّ من في دَرَجَتِهِ من غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِحَالٍ كَمَنْ له أَرْبَعُ بَنِينَ
____________________
(7/50)
وَقَفَ على ثَلَاثَةٍ وَتَرَكَ الرَّابِعَ فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عن غَيْرِ وَلَدٍ لم يَكُنْ لِلرَّابِعِ فيه شَيْءٌ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وإذا شَرَطَهُ لِمَنْ في دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِهِ اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ حَالَةَ وَفَاتِهِ وَكَذَا من سَيُوجَدُ منهم في أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ
قال في الْفَائِقِ هذا أَقْوَى الِاحْتِمَالَيْنِ
قال وَرَأَيْت الْمُشَارَكَةَ بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ يعنى الشَّارِحَ وَالنَّوَوِيَّ قال بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ يَخْرُجُ فيه وَجْهَانِ قال وَالدُّخُولُ هُنَا أَوْلَى وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ
قال وَعَلَى هذا لو حَدَثَ من هو أَعْلَى من الْمَوْجُودِينَ وكان في الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى فإنه يَنْتَزِعُهُ منهم قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ
السَّادِسَةُ لو قال على أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ من وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ على أَنَّ من مَاتَ منهم وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفُلَ فَنَصِيبُهُ له فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الأولة ( ( ( الأول ) ) ) وَتَرَكَ بِنْتًا فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ
فقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ما اسْتَحَقَّتْهُ قبل مَوْتِهَا فَهُوَ لهم
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا انْتَهَى
وَلَوْ قال وَمَنْ مَاتَ عن غَيْرِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَنَصِيبُهُ لأخوته ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ عَمَّ من لم يُعْقِبْ وَمَنْ أَعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ غَيْرُهُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عليه قَطْعًا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ نُفُوذُ حُكْمِهِ بِخِلَافِهِ
السَّابِعَةُ لو اجْتَمَعَ صِفَتَانِ أو صِفَاتٌ في شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَاجْتِمَاعِ شَخْصَيْنِ أو أَشْخَاصٍ على الْمَشْهُورِ من الْمَذْهَبِ فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بها كَالْأَعْيَانِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ
____________________
(7/51)
وَلَهُ نَظَائِرُ في الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ وَالزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ
وَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ أَيْضًا وَرَدَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ في ذلك
وَقِيلَ لَا يَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِذَلِكَ
وَيَأْتِي قَرِيبًا من ذلك في الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ من الْفَوَائِدِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا
الثَّامِنَةُ إذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ جُمَلًا عَادَ إلَى الْكُلِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَجْهَيْنِ في قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى
وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالشَّرْطِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقِيلَ لَا وَقِيلَ وَالْجُمَلُ من جِنْسٍ كَالشَّرْطِ
وَكَذَا مُخَصَّصٌ من صِفَةٍ وَعَطْفِ بَيَانٍ وَتَوْكِيدٍ وَبَدَلٍ وَنَحْوِهِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ نَحْوِ على أَنَّهُ أو بِشَرْطِ أَنَّهُ وَنَحْوِ ذلك كَالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلٍ لَا بِاسْمٍ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بين الْعَطْفِ بِوَاوٍ وَفَاءٍ وَثُمَّ وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَ ذلك بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
التَّاسِعَةُ لو وَجَدَ في كِتَابِ وَقْفٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ على فُلَانٍ وَعَلَى بنى بَنِيهِ وَاشْتَبَهَ هل الْمُرَادُ ببنى بَنِيهِ جَمْعُ بن أو بنى بِنْتِهِ وَاحِدَةُ الْبَنَاتِ
فقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا لِتُسَاوِيهِمَا كما في تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس هذا من تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ بَلْ هو بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ كان من تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ على وَلَدِ بِنْتَيْهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ على وَلَدِ الذُّكُورِ فإنه
____________________
(7/52)
يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا كَآبَائِهِمْ وَلِأَنَّهُ لو أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا أو لَشَرَّكَ بين وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ
قال وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ
وَأَفْتَى أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ وَقَفَ على أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ وَجُهِلَ اسْمُهُ أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ
قَوْلُهُ ( وَيُرْجَعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ في قَسْمِهِ على الْمَوْقُوفِ عليه وفي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَإِخْرَاجِ من شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ وفي النَّاظِرِ فيه وَالْإِنْفَاقِ عليه وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ )
وَكَذَا لو شَرَطَ عَدَمَ إيجَارِهِ أو قَدْرَ مُدَّةٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وقال الْحَارِثِيُّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ جَوَازُ زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ على ما شَرَطَهُ النَّاظِرُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ
قال وهو يَحْتَاجُ عِنْدِي إلَى شَيْءٍ من تَفْصِيلٍ
فَقَوْلُهُ يُرْجَعُ في قَسْمِهِ أَيْ في تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ
والتقديم الْبُدَاءَةُ بِبَعْضِ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ كوقفت ( ( ( كوقف ) ) ) على زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَيَبْدَأُ بِالدَّفْعِ إلَى زَيْدٍ أو وَقَفْت على طَائِفَةِ كَذَا ويبدأ ( ( ( يبدأ ) ) ) بِالْأَصْلَحِ أو الْأَفْقَهِ
والتأخير عَكْسُ ذلك وإذا أُضِيفَ تَقْدِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ كان لِلْمُؤَخَّرِ ما فَضَلَ وَإِنْ لم يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَ
والجمع جَمْعُ الِاسْتِحْقَاقِ مُشْتَرَكًا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
والترتيب جَعْلُ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا على آخَرَ كما تَقَدَّمَ
والترتيب مع التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مُتَّحِدٌ مَعْنًى لَكِنَّ الْمُرَادَ في صُورَةِ
____________________
(7/53)
التَّقْدِيمِ بَقَاءُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ على صِفَةِ أَنَّ له ما فَضَلَ وَإِلَّا سَقَطَ وفي صُورَةِ التَّرْتِيبِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ مع وُجُودِ الْمُقَدَّمِ
والتسوية جَعْلُ الرِّيعِ بين أَهْلِ الْوَقْفِ مُتَسَاوِيًا
والتفضيل جَعْلُهُ مُتَفَاوِتًا
وَمَعْنَى الْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ والإدخال بِصِفَةٍ جَعْلُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحِرْمَانِ مُرَتَّبًا على وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ
فَتَرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْوَقْفِ على قَوْمٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ أو صُلَحَاءَ
وَتَرَتُّبُ الْحِرْمَانِ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ فَسَقَ منهم أو اسْتَغْنَى فَلَا شَيْءَ له
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُبَاحَ الذي لَا يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ منه يَجِبُ اعْتِبَارُهُ في كَلَامِ الْوَاقِفِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَالْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ قال وهو الصَّحِيحُ
وقال في الْفَائِقِ وقال شَيْخُنَا يعنى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَخْرُجُ من شَرْطِ كَوْنِهِ قُرْبَةً اشْتِرَاطُ الْقُرْبَةِ في الْأَصْلِ يَلْزَمُ الشُّرُوطَ الْمُبَاحَةَ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يعنى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لُزُومَ الْعَمَلِ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ خَاصَّةً
وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَيُعْذَرُ عليه فَبَذْلُ الْمَالِ فيه سَفَهٌ وَلَا يَجُوزُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ من قال لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ يعنى الْمُبَاحَ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَّلَهُ قال وَهَذَا له قُوَّةٌ على الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبَةِ في أَصْلِ الْجِهَةِ كما هو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
وَإِيَّاهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِيمَا أَرَى
____________________
(7/54)
وَيُؤَيِّدُهُ من نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَكَرَ النَّصَّ في الْوَصِيَّةِ انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ من متأخرى الْأَصْحَابِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وكان في زَمَنِهِ
وفي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى ذلك
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا من قَدَّرَ له الْوَاقِفُ شيئا فَلَهُ أَكْثَرُ منه إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ
وقال أَيْضًا الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا
فَائِدَةٌ لو خَصَّصَ الْمَدْرَسَةَ بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أو بَلَدٍ أو قَبِيلَةٍ تَخَصَّصَتْ وَكَذَلِكَ الرِّبَاطُ والخانقاة وَالْمَقْبَرَةُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا في كِتَابِهِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ
وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَإِنْ عَيَّنَ لِإِمَامَتِهِ شَخْصًا تَعَيَّنَ وَإِنْ خَصَّصَ الْإِمَامَةَ بِمَذْهَبٍ تَخَصَّصَتْ بِهِ ما لم يَكُنْ في شَيْءٍ من أَحْكَامِ الصَّلَاةِ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ السُّنَّةِ أو ظَاهِرِهَا سَوَاءٌ كان لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ أو لِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ
وَإِنْ خَصَّصَ الْمُصَلِّينَ فيه بِمَذْهَبٍ فقال في التَّلْخِيصِ يَخْتَصُّ بِهِمْ على الْأَشْبَهِ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ في أَحْكَامِ الصَّلَاةِ
قال الْحَارِثِيُّ وقال غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ من متأخرى الْأَصْحَابِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَقَوَّى الْحَارِثِيُّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْفَائِقِ قُلْت وَاخْتَارَ بن هُبَيْرَةَ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ في الْمَسْجِدِ بِمَذْهَبٍ في الْإِمَامِ
قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا تَتَعَيَّنُ طَائِفَةٌ وُقِفَ عليها مَسْجِدٌ أو مَقْبَرَةٌ كَالصَّلَاةِ فيه
____________________
(7/55)
وقال أبو الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ إنْ عَيَّنَ من يُصَلِّي فيه من أَهْلِ الحديث أو تَدْرِيسِ الْعِلْمِ اُخْتُصَّ وَإِنْ سَلِمَ فَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّزَاحُمُ بِإِشَاعَتِهِ وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ له
وَقِيلَ تُمْنَعُ التَّسْوِيَةُ بين فُقَهَاءَ كَمُسَابِقَةٍ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ نُصُوصُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ يعنى في الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا في وُجُوبِ الْعَمَلِ مع أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الموصى وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ على عَادَتِهِ في خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ التي يَتَكَلَّمُ بها وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أو لُغَةَ الشَّارِعِ أَمْ لَا
قال وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بها إذَا لم تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ على بَعْضِهَا مع فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بها
قال وَمَنْ شَرَطَ في الْقُرُبَاتِ أَنْ يُقَدِّمَ فيها الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ كَشَرْطِهِ في الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ وَالنَّاظِرُ مُنْفِذٌ لِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ انْتَهَى
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِلَ فَاسِقٌ وَلَا شِرِّيرٌ وَلَا مُتَجَوِّهٌ وَنَحْوُهُ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا تَوَجَّهَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ في فُقَهَاءَ وَنَحْوِهِمْ
وفي إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ الْخِلَافُ
قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامُ شَيْخِنَا في مَوْضِعٍ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فَاسِقٌ في جِهَةٍ دِينِيَّةٍ كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عليه وَعُقُوبَتُهُ فَكَيْفَ يَنْزِلُ
وقال أَيْضًا إنْ نُزِّلَ مُسْتَحِقٌّ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا لم يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لو حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرٍ كَوَقْفٍ فيه شُرُوطٌ ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ غير ثَابِتٍ وَجَبَ ثُبُوتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ
____________________
(7/56)
وقال أَيْضًا لو أَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عليه أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ في هذا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ حُكِمَ له بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَمْنَعُ من ذلك الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ( وَإِخْرَاجُ من شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالُهُ بِصِفَةٍ )
أَنَّ الْوَاقِفَ لو شَرَطَ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجَ من شَاءَ بِصِفَةٍ من أَهْلِ الْوَقْفِ وَإِدْخَالَ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ منهم جَازَ لِأَنَّهُ ليس بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عليه من الْوَقْفِ وَإِنَّمَا هو تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِصِفَةٍ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ له حَقًّا في الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَةِ النَّاظِرِ لِيُعْطِيَهُ ولم يُجْعَلْ له حَقًّا إذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فيه
وَإِنْ شَرَطَ له أَنْ يُخْرِجَ من شَاءَ من أَهْلِ الْوَقْفِ وَيُدْخِلَ من شَاءَ من غَيْرِهِمْ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ ينافى مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ كما لو شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ
قال ذلك الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْحَارِثِيُّ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ قال وَالْفَرْقُ لَا يَتَّجِهُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ له يَفْعَلُ ما يَشَاءُ فَإِنَّمَا هو لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ حتى لو صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِفِعْلِ ما يَهْوَاهُ وما يَرَاهُ مُطْلَقًا فَشَرْطٌ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا وهو بَاطِلٌ على الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ حتى لو تَسَاوَى فِعْلَانِ عُمِلَ بِالْقُرْعَةِ
وإذا قِيلَ هُنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَهُ وَجْهٌ فَوَائِدُ
الْأُولَى يَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى ما هو أَصْلَحُ
____________________
(7/57)
منه وَإِنْ اخْتَلَفَ ذلك بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ حتى لو وَقَفَ على الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ الناس إلَى الْجِهَادِ صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ
وَقِيلَ إنْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ منه
قال في الْفُرُوعِ فَشُرْبُ مَاءٍ مَوْقُوفٍ لِلْوُضُوءِ يَتَوَجَّهُ عليه وَأَوْلَى
وقال الْأَحْرَى في الْفَرَسِ الْحَبِيسِ لَا يُعِيرُهُ ولا يؤجره إلَّا لنفع الْفَرَسَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ في حَاجَةٍ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالِ الْمُسْلِمِينَ ورفعة لهم أو غَيْظٍ لِلْعَدُوِّ
وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ بِتَحْرِيمِ الْوُضُوءِ من مَاءِ زَمْزَمَ
قال في الْفُرُوعِ فَعَلَى نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ
وَقِيلَ لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ لو سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ في كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ منه وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ في فَتَاوَى بن الزَّاغُونِيِّ وغيرها ( ( ( وغيرهما ) ) )
وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ بُسُطِ الْمَسْجِدِ وَحُصْرِهِ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ
وَأَمَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا فَيَجُوزُ نَقَلَهُ الشالنجى وَجَزَمَ به في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَاظِرِهِ أُجْرَةً فَكُلْفَتُهُ عليه حتى تَبْقَى أجره مِثْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ كُلْفَتُهُ من غَلَّةِ الْوَقْفِ
قِيلَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَهُ الْعَادَةُ بِلَا شَرْطٍ فقال ليس له إلَّا ما يُقَابِلُ عَمَلَهُ
وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْحِجْرِ إذَا لم يَشْرِطْ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أجره هل له الْأَخْذُ أَمْ لَا
الثَّالِثَةُ قال الْحَارِثِيُّ إذَا أَسْنَدَ النَّظَرَ إلَى اثْنَيْنِ لم يَتَصَرَّفْ أَحَدُهُمَا بِدُونِ شَرْطٍ
وَكَذَا إنْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ أو النَّاظِرُ إلَيْهِمَا
____________________
(7/58)
وَأَمَّا إذَا شَرَطَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ من اثْنَيْنِ اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ
وقال في المغنى إذَا كان الْمَوْقُوفُ عليه نَاظِرًا إمَّا بِالشَّرْطِ وَإِمَّا لِانْتِفَاءِ نَاظِرٍ مَشْرُوطٍ وكان وَاحِدًا اسْتَقَلَّ بِهِ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَالنَّظَرُ لِلْجَمِيعِ كُلُّ إنْسَانٍ في حِصَّتِهِ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاحِدَ منهم في حَالَةِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَقِلُّ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ مُسْنَدٌ إلَى الْجَمِيعِ فَوَجَبَ الشَّرِكَةُ في مُطْلَقِ النَّظَرِ فما من نَظَرٍ إلَّا وهو مُشْتَرَكٌ
وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى عَدْلَيْنِ من وَلَدِهِ فلم يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ أو أَبَى أَحَدُهُمَا أو مَاتَ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لم يَرْضَ بِوَاحِدٍ
وَإِنْ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا لم يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عنه وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عليه
وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ من وَلَدِهِ وَأَبَى الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ مُدَّةَ بَقَائِهِ أو إلَى من يَلِيهِ فيه الْخِلَافُ الذي فِيمَا إذَا رَدَّ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ على ما تَقَدَّمَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِمَّا إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبَ هل تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْحَاكِمِ أو إلَى من يَلِيهِ من الْأَوْلِيَاءِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَإِنْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمْ لِفَضْلِهِ ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ من هو أَفْضَلُ منه انْتَقَلَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فيه
الرَّابِعَةُ لو تَنَازَعَ نَاظِرَانِ في نَصْبِ إمَامَةٍ نَصَبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا وَالْآخَرُ عَمْرًا إنْ لم يَسْتَقِلَّا لم تتعقد ( ( ( تنعقد ) ) ) الْوِلَايَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَتَعَاقَبَا انْعَقَدَتْ لِلْأَسْبَقِ وَإِنْ اتَّحَدَا وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بالقزعة ( ( ( بالقرعة ) ) )
____________________
(7/59)
الْخَامِسَةُ يَشْتَمِلُ على أَحْكَامٍ جَمَّةٍ من أَحْكَامِ النَّاظِرِ
إذَا عَزَلَ الْوَاقِفُ من شَرَطَ النَّظَرَ له لم يَنْعَزِلْ إلَّا أَنْ يَشْرُطَ لِنَفْسِهِ وِلَايَةَ الْعَزْلِ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَلَوْ مَاتَ هذا النَّاظِرُ في حَيَاةِ الْوَاقِفِ لم يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ نَاظِرٍ بِدُونِ شَرْطٍ وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أو فَوَّضَهُ إلَيْهِ أو أَسْنَدَهُ فَهَلْ له عَزْلُهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا له عَزْلُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فقال وَإِنْ قال وَقَفْت كَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْظُرَ فيه زَيْدٌ أو على أَنْ يَنْظُرَ فيه أو قال عَقِبَهُ جَعَلْته نَاظِرًا فيه أو جَعَلَ النَّظَرَ له صَحَّ ولم يَمْلِكْ عَزْلَهُ
وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لِزَيْدٍ أو قال جَعَلْت نَظَرِي له أو فَوَّضْت إلَيْهِ ما أَمْلِكُهُ من النَّظَرِ أو أَسْنَدْته إلَيْهِ فَلَهُ عَزْلُهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ إذَا كان الْوَقْفُ على جِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أو على مَسْجِدٍ أو مَدْرَسَةٍ أو قَنْطَرَةٍ أو رِبَاطٍ وَنَحْوِ ذلك فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَجْهًا وَاحِدًا
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ
وَبِهِ قال هِلَالُ الرَّأْيِ من الْحَنَفِيَّةِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَقْوَى
فَعَلَيْهِ له نَصْبُ نَاظِرٍ من جِهَتِهِ وَيَكُونُ نَائِبًا عنه يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ
فَكَانَ منصو به نَائِبًا عنه كما في الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ
____________________
(7/60)
وَلَهُ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ إذَا قِيلَ بِنَظَرِهِ له أَنْ يَنْصِبَ وَيَعْزِلَ أَيْضًا كَذَلِكَ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له عَزْلُهُ وهو الِاحْتِمَالُ الذي في الرِّعَايَةِ
وَلِلنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَنْ يَعْزِلَ وَيَنْصِبَ أَيْضًا بِشَرْطِهِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ الموقوف ( ( ( والموقوف ) ) ) عليه أو الْحَاكِمِ قَالَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بن نَصْرِ اللَّهِ
وَأَمَّا النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ فَلَيْسَ له نَصْبُ نَاظِرٍ لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ ولم يَشْرِطْ النَّصْبَ له
وَإِنْ قِيلَ بِرِوَايَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ كان له بِالْأَوْلَى لِتَأَكُّدِ وِلَايَتِهِ من جِهَةِ انْتِفَاءِ عَزْلِهِ بِالْعَزْلِ
وَلَيْسَ له الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ أَيْضًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ ولم يَشْرُطْ الْإِيصَاءَ له خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ
وَمَنْ شَرَطَ لِغَيْرِهِ النَّظَرَ إنْ مَاتَ فَعَزَلَ نَفْسَهُ أو فَسَقَ فَهُوَ كَمَوْتِهِ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا
وقال وَلَوْ قال النَّظَرُ بَعْدَهُ له فَهَلْ هو كَذَلِكَ أو الْمُرَادُ بَعْدَ نَظَرِهِ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ انْتَهَى
وَلِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ في الْوَظَائِفِ
قال في الْفُرُوعِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ في نَاظِرِ الْمَسْجِدِ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَشْرُوطُ له نَظَرُ الْمَسْجِدِ له نَصْبُ من يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ من إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ كما أَنَّ لِنَاظِرِ الْمَوْقُوفِ عليه نَصْبَ من يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ من جَابٍ وَنَحْوِهِ
____________________
(7/61)
وَإِنْ لم يُشْرَطْ نَاظِرٌ لم يَكُنْ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةٍ وبن بُخْتَانَ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْتَمِلُ خلافة على ما تَقَدَّمَ
فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ النَّصْبِ لِأَنَّهُ من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ
وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ كان الْمَسْجِدُ كَبِيرًا كَالْجَوَامِعِ وما عَظُمَ وَكَثُرَ أَهْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ فيها إلَّا من ندبة السُّلْطَانُ وَإِنْ كان من الْمَسَاجِدِ التي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ فَلَا اعْتِرَاضَ عليهم وَالْإِمَامَةُ فيها لِمَنْ اتَّفَقُوا عليه وَلَيْسَ لهم بَعْدَ الرِّضَى بِهِ عَزْلُهُ عن إمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرْ
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَنْصِبُ من لَا يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ وكلك ( ( ( وكذلك ) ) ) النَّاظِرُ الْخَاصُّ لَا يَنْصِبُ من لَا يَرْضَوْنَهُ
وقال الْحَارِثِيُّ أَيْضًا وَهَلْ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ نَصْبُ نَاظِرٍ في مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ليس لهم ذلك كما في نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ
هذا إذَا وُجِدَ نَائِبٌ من جِهَةِ الْإِمَامِ
فَأَمَّا إذَا لم يُوجَدْ كما في الْقُرَى الصِّغَارِ أو الْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ أو وُجِدَ وكان غير مَأْمُونٍ أو يَغْلِبُ عليه نَصْبُ من ليس مَأْمُونًا فَلَا إشْكَالَ في أَنَّ لهم النَّصْبَ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ
وَكَذَا ما عَدَاهُ من الْأَوْقَافِ لِأَهْلِ ذلك الْوَقْفِ أو الْجِهَةِ نَصْبُ نَاظِرٍ فيه كَذَلِكَ
وَإِنْ تَعَذَّرَ النَّصْبُ من جِهَةِ هَؤُلَاءِ فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ أو الْمَكَانِ النَّظَرُ وَالتَّصَرُّفُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على مِثْلِهِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ يُقَرِّرُ في الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ كما تَقَدَّمَ وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ على نَصْبِهِ إلَّا بِشَرْطٍ
وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِ النَّاظِرِ معه
____________________
(7/62)
قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَيَتَوَجَّهُ مع حُضُورِهِ فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ في وظيفة خلت في وَظِيفَةٍ خَلَتْ في غَيْبَتِهِ لِمَا فيه من الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ في الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ
وَلَا حُجَّةَ في تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مع الْبُعْدِ لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ
فَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ
وَلَوْ سَبَقَ تَوْلِيَةُ نَاظِرٍ غَائِبٍ قُدِّمَتْ
وَلِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ فَيُفْتَرَضُ عليه إنْ فَعَلَ ما لَا يَسُوغُ
وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مع تَفْرِيطِهِ أو تُهْمَتِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ
وقال أَيْضًا وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ أو أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قُدِحَ فيه
فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ أو يُعْزَلَ أو يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ على الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ
ثُمَّ إنْ صَارَ هو أو الْوَصِيُّ أَهْلًا عَادَ كما لو صَرَّحَ بِهِ وَكَالْمَوْصُوفِ
وقال أَيْضًا مَتَى فَرَّطَ سَقَطَ مِمَّا له بِقَدْرِ ما فَوَّتَهُ من الْوَاجِبِ انْتَهَى
وقال في التَّلْخِيصِ لو عُزِلَ عن وَظِيفَتِهِ لِلْفِسْقِ مَثَلًا ثُمَّ تَابَ وَأَظْهَرَ الْعَدَالَةَ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فيها ما قِيلَ في مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أو أَوْلَى لِأَنَّ تُهْمَةَ الْإِنْسَانِ في حَقِّ نَفْسِهِ وَمَصْلَحَتِهِ أَبْلَغُ منها في حَقِّ الْغَيْرِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْخِلَافِ الْمَشْهُورِ ما ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ في الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا فَسَقَ يَنْعَزِلُ أو يُضَمُّ أَمِينٌ على ما يَأْتِي
وَيَأْتِي بَيَانُ ذلك أَيْضًا قَرِيبًا في الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ
وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَسْتَحِقُّ مَالُهُ إنْ كان مَعْلُومًا فَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لم يَسْتَحِقَّ ما قَابَلَهُ وَإِنْ كان بِجِنَايَةٍ منه اسْتَحَقَّهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ
____________________
(7/63)
وَإِنْ كان مَجْهُولًا فأجره مِثْلِهِ فَإِنْ كان مُقَدَّرًا في الدِّيوَانِ وَعَمِلَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ
وَإِنْ لم يُسَمِّ له شيئا فقال في الْفُرُوعِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ إنْ كان مَشْهُورًا بِأَخْذِ الجارى على عَمَلِهِ فَلَهُ جارى مِثْلُهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ له
وَلَهُ الْأَجْرُ من وَقْتِ نَظَرِهِ فيه قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ لِحَاكِمٍ شَمِلَ أَيَّ حَاكِمٍ كان سَوَاءٌ كان مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَقْفِ أولا وَإِلَّا لم يَكُنْ له نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ وهو بَاطِلٌ اتِّفَاقًا
وقد أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ في وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنَّ النَّظَرَ فيه لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا من كان بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا يَكُونُ النَّظَرُ فيه لِلسُّلْطَانِ يُوَلِّيهِ من شَاءَ من الْمُتَأَهِّلِينَ لِذَلِكَ
وَوَافَقَ على ذلك الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ بن الْبُلْقِينِيِّ وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ وبن الْهَائِمِ والتفهنى الحنفى وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ
وقال الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ بن حَجِّيٍّ نَقْلًا وَمُوَافَقَةً لِلْمُتَأَخِّرِينَ إنْ كان صَادِرًا من الْوَاقِفِ قبل حُدُوثِ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ فَالْمُرَادُ الشَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَهُوَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا على الرَّاجِحِ
وَلَوْ فَوَّضَهُ حَاكِمٌ لم يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ
وَلَوْ وَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمَا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرِ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا
وقال أَيْضًا وَمَنْ وَقَفَ على مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِلنَّاظِرِ ثُمَّ الْحَاكِمِ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لهم
وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيمِ مُدَرِّسٍ أو غَيْرِهِ بَاطِلٌ لم نَعْلَمْ أَحَدًا يَعْتَدُّ بِهِ قال بِهِ وَلَا بِمَا
____________________
(7/64)
يُشْبِهُهُ وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَالْعُرْفِ أَيْضًا
وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ له وَلَا لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِلْمَصْلَحَةِ
وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ كان بَاطِلًا لِأَنَّهُ لهم
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ وَلَوْ تَفَاوَتُوا في الْمَنْفَعَةِ كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ في الْمَغْنَمِ لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ على التفضيل ( ( ( التفصيل ) ) ) وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ ما يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا وَقَفَ على من يُمْكِنُ حَصْرُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَجَعْلُ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ كَالْقَيِّمِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ من جِنْسٍ وَاحِدٍ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ في مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةٍ وَإِمَامٍ وَقَيِّمٍ وَنَحْوِ ذلك يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا عَامِلِ زَكَاةٍ الثَّمَنُ أو الْأُجْرَةُ انْتَهَى
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ شَرَطَ على مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَإِمَامٍ فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ ذَكَرَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ في لَفْظِ الْمَنَافِعِ
قال صَاحِبُ الْفَائِقِ قُلْت يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَخْذًا من رِوَايَتَيْ مَدْفُوعِ الْعَامِلِ هل هو الثَّمَنُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ أو أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِالنِّسْبَةِ انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً تَقَسَّطَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عليها وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى لِتَقُومَ الْوَظِيفَةُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ خَيْرٌ من التَّعْطِيلِ وَلَا يُنْقَصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ
قال في الْفُرُوعِ فَقَدْ أَدْخَلَ مُغَلَّ سَنَةٍ في سُنَّةٍ
____________________
(7/65)
وقد أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا في زَمَنِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ أَنَّهُ يُتَمِّمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ
وقال وَرَأَيْت غير وَاحِدٍ لَا يَرَاهُ انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ لم يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ عَزَلَهُ من له الْوِلَايَةُ بِمَنْ يَقُومُ بها إذَا لم يَتُبْ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمْ بِالْوَاجِبِ
وَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ في الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقَّ شَرْعًا وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عليه من عَمَلِ وَاجِبٍ
وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى لَا الْوُجُوبُ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ لِأَنَّهُ لو تَرَاضَى الناس بِإِمَامٍ يُصَلِّي لهم صَحَّ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ في الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ الْجَوَامِعُ إلَّا من وَلَّاهُ السُّلْطَانُ لِئَلَّا يَفْتَاتَ عليه فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ
وقال في الرِّعَايَةِ إنْ رَضُوا بِغَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ وَصَحَّ في الْمُذْهَبِ ذَكَرَهُ في آخِرِ الْأَذَانِ
السَّادِسَةُ لو شَرَطَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا وَمُدَرِّسًا وَمُعِيدًا وَإِمَامًا فَهَلْ يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَقُومَ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا وَتَنْحَصِرُ فيه صَرَّحَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ الْكَبِيرِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ في الْفَيْءِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَمَوَّلُ الرَّجُلُ من السَّوَادِ وَأَطَالَ في ذلك
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ بين الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ فَعَلَ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ لِابْنِ رَجَبٍ قَرِيبٌ من ذلك في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ قَرِيبًا
السَّابِعَةُ يُشْتَرَطُ في النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْكِفَايَةُ في التَّصَرُّفِ وَالْخِبْرَةُ بِهِ وَالْقُوَّةُ عليه
وَيُضَمُّ إلَى الضَّعِيفِ قوى أَمِينٌ
____________________
(7/66)
ثُمَّ إنْ كان النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عليه وَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ من الْحَاكِمِ أو النَّاظِرِ فَلَا بُدَّ من شَرْطِ الْعَدَالَةِ فيه
قال الْحَارِثِيُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته
وَإِنْ كانت تَوْلِيَتُهُ من الْوَاقِفِ وهو فَاسِقٌ أو كان عَدْلًا فَفَسَقَ قال الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ يَصِحُّ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ وَيَنْعَزِلُ إذَا فَسَقَ
وقال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ متأخرى الْأَصْحَابِ من قال بِمَا ذَكَرْنَا في الْفِسْقِ الطَّارِئِ دُونَ الْمُقَارِنِ لِلْوِلَايَةِ وَالْعَكْسُ أَنْسَبُ فإن في حَالِ الْمُقَارَنَةِ مُسَامَحَةً لِمَا يُتَوَقَّعُ منه بِخِلَافِ حَالَةِ الطَّرَيَانِ انْتَهَى
وَإِنْ كان النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليه إمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ له أو لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ نَاظِرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ رَجُلًا كان أو امْرَأَةً عَدْلًا كان أو فَاسِقًا لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ
قال الْحَارِثِيُّ أَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ وَلَكِنْ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا فيه من الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ وَحِفْظِ الْوَقْفِ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَتَقَدَّمَ إذَا كان النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليه وكان غير أَهْلٍ لِصِغَرٍ أو سَفَهٍ أو جُنُونٍ فإن وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ في النَّظَرِ إنْ قُلْنَا الْوَقْفُ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عليه وَإِلَّا الْحَاكِمُ
الثَّامِنَةُ وَظِيفَةُ النَّاظِرِ حِفْظُ الْوَقْفِ وَالْعِمَارَةِ وَالْإِيجَارِ وَالزِّرَاعَةِ وَالْمُخَاصَمَةُ فيه وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ من تَأْجِيرِهِ أو زَرْعِهِ أو ثَمَرِهِ وَالِاجْتِهَادُ في تَنْمِيَتِهِ وَصَرْفُهُ في جِهَاتِهِ من عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِ ذلك
____________________
(7/67)
وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عليه وَعَلَى الْأَصْلِ
وَلَكِنْ إذَا شَرَطَ التَّصَرُّفَ له وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ أو عِمَارَتَهُ إلَى وَاحِدٍ وَتَحْصِيلَ رِيعِهِ إلَى آخَرَ فَعَلَى ما شَرَطَ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَصَبَ المستوفى الْجَامِعَ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ وهو بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ لم تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ إلَّا بِهِ وَجَبَ وقد يُسْتَغْنَى عنه لِقِلَّةِ الْعُمَّالِ
قال وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامِ الْمُحَاسِبَةَ بِنَفْسِهِ كَنَصْبِ الْإِمَامِ الْحَاكِمَ وَلِهَذَا كان عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ في الْمَدِينَةِ بِنَفْسِهِ ويولى مع الْبُعْدِ انْتَهَى
التَّاسِعَةُ قال الْأَصْحَابُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ على من وَلَّاهُ الْوَاقِفُ إذَا كان أَمِينًا وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عَمَلِهِ من أَمْرِ وَقْفِهِمْ حتى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فيه
قال في الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ إذَا كان مُتَّهَمًا انْتَهَى
وَلَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ لِيَكُونَ في أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لهم
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ كَالْعَادَةِ
الْعَاشِرَةُ ما يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ من الْوَقْفِ هل هو كَإِجَارَةٍ أو جِعَالَةٍ وَاسْتُحِقَّ بِبَعْضِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَقْدَ عُرْفًا وهو كَالرِّزْقِ من بَيْتِ الْمَالِ
فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَ الْأَخِيرَ
فقال وما يُؤْخَذُ من بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ على الطَّاعَةِ وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ على أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمُوصَى بِهِ أو الْمَنْذُورُ له ليس كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ انتهى ( ( ( وانتهى ) ) )
قال الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ منه ما يُؤْخَذُ أُجْرَةً عن عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذلك أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ بَلْ هو رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ على طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(7/68)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا مِمَّنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ قَوَّمَ لهم رَوَاتِبَ أَضْعَافَ حَاجَتِهِمْ وَقُوَّمَ لهم جِهَاتٍ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ بِيَسِيرٍ
وقال أَيْضًا النِّيَابَةُ في مِثْلِ هذه الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كان النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ وقد يَكُونُ في ذلك مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ في الْإِجَارَةِ على عَمَلٍ في الذِّمَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ ( فَإِنْ لم يَشْتَرِطْ نَاظِرًا فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليه )
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لِلْحَاكِمِ قَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى
وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وقال فَمِنْ الْأَصْحَابِ من بني هذا الْوَجْهَ على الْقَوْلِ بِانْفِكَاكِ الْمَوْقُوفِ عن مِلْكِ الآدمى وَلَيْسَ هو عِنْدِي كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ من يَأْتِي بَعْدُ انْتَهَى
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي
وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذلك مَبْنِيًّا على أَنَّ الْمِلْكَ فيه هل يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عليه أو إلَى اللَّهِ
فَإِنْ قُلْنَا هو لِلْمَوْقُوفِ عليه فَالنَّظَرُ فيه له
3 وَإِنْ قُلْنَا هو لله ( ( ( الله ) ) ) تَعَالَى فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ انْتَهَى
قُلْت قد تَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ هُنَاكَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْحَارِثِيُّ هُنَا إذَا قُلْنَا النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليه فَيَكُونُ بِنَاءً على الْقَوْلِ بِمِلْكِهِ كما هو الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ انْتَهَى
فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ما اطَّلَعَ على ذلك فَوَافَقَ احْتِمَالُهُ ما قَالُوهُ أو تَكُونُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى في الْمُسَلَّمِ وهو أَقْرَبُ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كان الْمَوْقُوفُ عليه مُعَيَّنًا أو جَمْعًا مَحْصُورًا
فَأَمَّا إنْ كان الْمَوْقُوفُ عليهم غير مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أو على
____________________
(7/69)
مَسْجِدٍ أو مَدْرَسَةٍ أو قَنْطَرَةٍ أو رِبَاطٍ وَنَحْوِ ذلك فَالنَّظَرُ فيه لِلْحَاكِمِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عن دَارٍ مَوْقُوفَةٍ على الْمُسْلِمِينَ إنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ فَقَامَ بِأَمْرِهَا وَتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا على الْفُقَرَاءِ فقال ما أَحْسَنَ هذا
قال الْحَارِثِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ قال وهو الْأَقْوَى
قال وَعَلَى هذا له نَصِيبُ نَاظِرٍ من جِهَتِهِ وَيَكُونُ نَائِبًا عنه يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ
وَلَهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ
وَتَقَدَّمَ ذلك وَغَيْرُهُ بِأَتَمَّ من هذا قَرِيبًا
قَوْلُهُ ( وَيُنْفِقُ عليه من غَلَّتِهِ )
مُرَادُهُ إذَا لم يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ النَّفَقَةَ من غَيْرِهِ وهو وَاضِحٌ
فَإِنْ لم يُعَيِّنْهُ من غَيْرِهِ فَهُوَ من غَلَّتِهِ
وَإِنْ عَيَّنَهُ من غَيْرِهِ فَهُوَ منه بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ
وقال الْحَارِثِيُّ وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ في شَيْءٍ منه فَقَالُوا لو شَرَطَ الْمَرَمَّةَ على الْمَوْقُوفِ لم يَجُزْ وَوَجَبَتْ في الْغَلَّةِ
وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُرَدُّ لِلْوَقْفِ ما لم يُقْبَضْ لِأَنَّ ذلك بِمَثَابَةِ الْعِوَضِ فَنَافَى مَوْضُوعَ الصَّدَقَةِ
قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَقْوَى انْتَهَى
وإذا قُلْنَا هو من غَلَّتِهِ فلم تَكُنْ له غَلَّةٌ
فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فيه رَوْحٌ أو لَا
فَإِنْ كان فيه رَوْحٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ على مُعَيَّنٍ أو مُعَيَّنَيْنِ أو غَيْرِهِمْ
____________________
(7/70)
فَإِنْ كان على مُعَيَّنَيْنِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ على الْمَوْقُوفِ عليهم وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ بِنَاءً على أَنَّهُ مِلْكُهُمْ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِوُجُوبِهَا في بَيْتِ الْمَالِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ على انْتِفَاءِ مِلْكِ الآدمى لِلْمَوْقُوفِ قال وَبِهِ أَقُولُ
ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ من بَيْتِ الْمَالِ أو من الْمَوْقُوفِ عليه على الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عليه بِيعَ وَصُرِفَ الثَّمَنُ في عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا لِمَحِلِّ الضَّرُورَةِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَإِنْ كان عَدَمُ الْغَلَّةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ ليس من شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغَلَّ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُهُ وَالْفَرَسِ يَغْزُو عليه أو يَرْكَبُهُ أوجر بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وهو دَاخِلٌ في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَإِنْ كان الْوَقْفُ الذي له رَوْحٌ على غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ فَنَفَقَتُهُ في بَيْتِ الْمَالِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَيَتَّجِهُ إيجَارُهُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ ما لم يَتَعَطَّلْ النَّفْعُ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ
ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ من بَيْتِ الْمَالِ بِيعَ وَلَا بُدَّ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت فَيُعَايَى بها أَيْضًا
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فمؤنه تَجْهِيزِهِ على ما قُلْنَا في نَفَقَتِهِ على ما تَقَدَّمَ
وَإِنْ كان الْوَقْفُ لَا رَوْحَ فيه كَالْعَقَارِ وَنَحْوِهِ لم تَجِبْ عِمَارَتُهُ على أَحَدٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
____________________
(7/71)
قال في الْفُرُوعِ وهو قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ كَالطَّلْقِ
قال في التَّلْخِيصِ إلَّا من يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَيُعَمِّرُهُ بِاخْتِيَارِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ فَوَائِدُ
الْأُولَى لو احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ أو الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ أو الْغُزَاةِ إلَى مَرَمَّةٍ أُوجِرَ جُزْءٌ منه بِقَدْرِ ذلك
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ وتقدم ( ( ( يقدم ) ) ) عِمَارَةُ الْوَقْفِ على أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ أَوْلَى بَلْ قد يَجِبُ انْتَهَى
وقال الْحَارِثِيُّ عِمَارَتُهُ لَا تَخْلُو من أَحْوَالٍ
أَحَدُهَا أَنْ يُشْرَطَ الْبُدَاءَةُ بها كما هو الْمُعْتَادُ فَلَا إشْكَالَ في تَقْدِيمِهَا
الثَّانِي اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْجِهَةِ عليها فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ ما لم يُؤَدِّ إلَى التَّعْطِيلِ فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ فَيَكُونُ عَقْدُ الْوَقْفِ مُخَصَّصًا لِلشَّرْطِ
وَهَذَا على الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ تَأْقِيتِ الْوَقْفِ
أَمَّا على صِحَّتِهِ فَتُقَدَّمُ الْجِهَةُ كَيْفَ كان
الثَّالِثُ اشْتِرَاطُ الصَّرْفِ إلَى الْجِهَةِ في كل شَهْرٍ كَذَا فَهُوَ في مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِهِ على الْعِمَارَةِ فَيَتَرَتَّبُ ما قُلْنَا في الثَّانِي
الرَّابِعُ إيقَاعُ الْوَقْفِ على فُلَانٍ أو جِهَةِ كَذَا وَبَيَّضَ له انْتَهَى
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ على الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نسيئه أو بِنَقْدٍ لم يُعَيِّنْهُ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ في قَرْضِهِ مَالًا كولى
____________________
(7/72)
الرَّابِعَةُ لو أَجَّرَ الْمَوْقُوفُ عليه الْوَقْفَ ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ فَلَا فَسْخَ بِلَا نِزَاعٍ
وَلَوْ أَجَّرَ المتولى ما هو على سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ أَيْضًا فَلَا فَسْخَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفْسَخَ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ
الْخَامِسَةُ إذَا أَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ صَحَّ وَضَمِنَ النَّقْصَ كَبَيْعِ الْوَكِيلِ بِأَنْقَصَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
وقال في الْفَائِقِ وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عليه إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
السَّادِسَةُ يَجُوزُ صَرْفُ الْمَوْقُوفِ على عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ كَبِنَاءِ مَنَارَتِهِ وَإِصْلَاحِهَا وَكَذَا بِنَاءُ مِنْبَرِهِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ منه سُلَّمًا لِلسَّطْحِ وَأَنْ يَبْنِيَ منه ظُلَّتَهُ
وَلَا يَجُوزُ في بِنَاءِ مِرْحَاضٍ وَلَا في زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ وَلَا في شِرَاءِ مَكَانِسَ ومجارف ( ( ( ومجازف ) ) ) قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَأَمَّا إذَا وُقِفَ على مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أو على الْمَسْجِدِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَجَائِزٌ صَرْفُهُ في نَوْعِ الْعِمَارَةِ وفي مَكَانِسَ ومجارف ( ( ( ومجازف ) ) ) ومساحى وَقَنَادِيلَ وَفُرُشٍ وَوَقُودٍ وَرِزْقِ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ
وفي نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ لِابْنِ الصيرفى مَنْعُ الصَّرْفِ منه في إمَامٍ أو بوارى
قال لِأَنَّ ذلك مَصْلَحَةٌ لِلْمُصَلِّينَ لَا لِلْمَسْجِدِ وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ
السَّابِعَةُ قال في نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ لو وَقَفَ دَارِهِ على مَسْجِدٍ وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فيه كان لِلْإِمَامِ نِصْفُ الرِّيعِ كما لو وَقَفَهَا على زَيْدٍ وَعَمْرٍو
قال وَلَوْ وَقَفَهَا على مَسَاجِدِ الْقَرْيَةِ وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي في وَاحِدٍ منها كان الرِّيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كل الْمَسَاجِدِ نِصْفَيْنِ انْتَهَى وَتَابَعَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(7/73)
قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ له بِقَدْرِ ما يَحْصُلُ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَلَهُ نَظَائِرُ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على أَوْلَادِهِ ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ )
نَصَّ عليه وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
لَكِنْ لو حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ بَعْدَ وَقْفِهِ فَفِي دُخُولِهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ
إحْدَاهُمَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَأَفْتَى بِهِ بن الزَّاغُونِيِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ خِلَافٍ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ
وَقِيلَ يَدْخُلُونَ اختاره أبو بَكْرِ بن حَامِدٍ
قال الْحَارِثِيُّ وإذا قِيلَ بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ هل يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ مع إيرَادِهِمْ الْخِلَافَ فيه فِيمَا إذَا قال على أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ كما في الْكِتَابِ
____________________
(7/74)
قال وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ بين الصُّورَتَيْنِ فَيَطَّرِدُ في هذه ما في الْأُخْرَى لِتَنَاوُلِ الْوَلَدِ وَالْأَوْلَادِ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ فما بَعْدَهُ
قَوْلُهُ ( وَهَلْ يَدْخُلُ فيه وَلَدُ الْبَنِينَ على رِوَايَتَيْنِ )
ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ أو لَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمْ
إحْدَاهُمَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَيُوسُفَ بن مُوسَى وَمُحَمَّدِ بن عبد اللَّهِ الْمُنَادِي
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ دُخُولُهُمْ
قال النَّاظِمُ وهو أَوْلَى
وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وبن أبي مُوسَى وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ بِخَطِّهِ على ظَهْرِ خِلَافِهِ وَغَيْرُهُمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا
قال الْمُصَنِّفُ في بَابِ الْوَصَايَا وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ لَا يَدْخُلُونَ بِدُونِ قرينه
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
وَعَنْهُ يَدْخُلُونَ إنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا
قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وقال نَصَّ عليه وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ إنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ لم يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ دخل وَاسْتَشْهَدَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ
____________________
(7/75)
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الْفُرُوعِ في الْمَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ وَقَدَّمَ عَدَمَ الدُّخُولِ في غَيْرِ الْمَوْجُودِينَ
وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا اصْطَلَحْنَا عليه في أَوَّلِ الْكِتَابِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ قال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ إنْ قال على ولدى وَوَلَدِ ولدى ثُمَّ على الْمَسَاكِينِ دخل الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ولم يَدْخُلْ الْبَطْنُ الثَّالِثُ
وَإِنْ قال على ولدى وَوَلَدِ وَلَدِ ولدى دخل ثَلَاثُ بُطُونٍ دُونَ من بَعْدَهُمْ
قال الْحَارِثِيُّ وهو وَفْقُ رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ حَيْثُ قُلْنَا بِدُخُولِهِمْ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بَعْدَ آبَائِهِمْ مُرَتَّبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أو الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ
قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ مُرَتَّبًا
وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ أَيْضًا
وَقِيلَ يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ
وقال وفي التَّرْتِيبِ فَهَلْ هو تَرْتِيبُ بَطْنٍ على بَطْنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ من وَلَدِ الْوَلَدِ شيئا مع وُجُودِ فَرْدٍ من الْأَوْلَادِ أو تَرْتِيبُ فَرْدٍ على فَرْدٍ فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ وَالِدِهِ بَعْدَ فَقْدِهِ على وَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى
الثَّانِي حُكْمُ ما إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ في دُخُولِ وَلَدِ بَنِيهِ حُكْمَ الْوَقْفِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(7/76)
وَحَكَاهُ في الْقَوَاعِدِ عن الْأَصْحَابِ
قال وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ على دُخُولِهِمْ
وَالْمَعْرُوفُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ إنَّمَا هو في الْوَقْفِ
وَأَشَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى دُخُولِهِمْ في الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يتأيد ( ( ( يتأبد ) ) ) وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ لِلْمَوْجُودِينَ فَيَخْتَصُّ بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا الْمَوْجُودَةِ فَوَائِدُ
إحْدَاهُمَا لو قال على وَلَدِ فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ أو قال على أولادى وَأَوْلَادِهِمْ فَلَا تَرْتِيبَ
وَسَأَلَهُ بن هَانِئٍ عَمَّنْ وَقَفَ شيئا على فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلِوَلَدِهِ قال هو له حَيَاتَهُ فإذا مَاتَ فَلِوَلَدِهِ
وإذا قال على ولدى فإذا انْقَرَضُوا فَلِلْفُقَرَاءِ شَمِلَهُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ
الثَّانِيَةُ لو اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ ما يَقْتَضِي الدُّخُولَ دَخَلُوا بِلَا خِلَافٍ كَقَوْلِهِ على أولادى وَهُمْ قبيله أو على أَوْلَادِ أَوْلَادِ أولادى أَبَدًا ما تَعَاقَبُوا وَتَنَاسَلُوا أو على أولادى وَلَيْسَ له إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ أو على أولادى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أو تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وما أَشْبَهَ هذا
وَإِنْ اقْتَضَى عَدَمَ الدُّخُولِ لم يَدْخُلُوا بِلَا خِلَافٍ ك على ولدى لِصُلْبِي أو الَّذِينَ يَلُونَنِي وَنَحْوِ ذلك على ما يَأْتِي في قَوْلِهِ ولدى لِصُلْبِي
الثَّالِثَةُ لو قال على أَوْلَادِي فإذا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي فَعَلَى الْمَسَاكِينِ
فقال في الْمُجَرَّدِ وَالْكَافِي يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلُ إرَادَتِهِمْ بِالْوَقْفِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
____________________
(7/77)
وفي الْكَافِي وَجْهٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ
يُصْرَفُ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ فإذا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُمْ صُرِفَ إلَى الْمَسَاكِينِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
الرَّابِعَةُ قال في التَّلْخِيصِ إذَا جُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَتَعَذَّرَ الْعُثُورُ عليه قُسِمَ على أَرْبَابِهِ بِالسَّوِيَّةِ
فَإِنْ لم يُعْرَفُوا جُعِلَ كَوَقْفٍ مُطْلَقٍ لم يُذْكَرْ مَصْرِفُهُ انْتَهَى
وقال في الْكَافِي لو اخْتَلَفَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فيه رُجِعَ إلَى الْوَاقِفِ
فَإِنْ لم يَكُنْ تَسَاوَوْا فيه لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ ولم يَثْبُتْ التَّفْضِيلُ فَوَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ كما لو شَرَكَ بَيْنَهُمْ بِلَفْظِهِ انْتَهَى
وقال الْحَارِثِيُّ إنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ على شَرْطِ الْوَاقِفِ وأمكن ( ( ( أمكن ) ) ) التَّأَنُّسُ بِتَصَرُّفِ من تَقَدَّمَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ رُجِعَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا عَدَاهُ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَوُقُوعِهِ على الْوَفْقِ
وَإِنْ تَعَذَّرَ وكان الْوَقْفُ على عِمَارَةٍ أو إصْلَاحٍ صُرِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
وَإِنْ كان على قَوْمٍ وَثَمَّ عُرْفٌ في مَقَادِيرِ الصَّرْفِ كَفُقَهَاءِ الْمَدَارِسِ رُجِعَ إلَى الْعُرْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الشَّرْطِ على وَفْقِهِ
وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَقْيِيدِ الْوَاقِفِ فَيَكُونُ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ منه يَثْبُتُ له حُكْمُ الْعُرْفِ
وَإِنْ لم يَكُنْ عُرْفٌ سوى بَيْنَهُمْ لِأَنَّ التَّشْرِيكَ ثَابِتٌ وَالتَّفْضِيلَ لم يَثْبُتْ انْتَهَى
وقال وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَحْوَهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُرْجَعُ في ذلك إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وهو الصَّوَابُ
____________________
(7/78)
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ إذَا ضَاعَ كِتَابُ الْوَقْفِ وَشَرْطُهُ وَاخْتَلَفُوا في التَّفْضِيلِ وَعَدَمِهِ أحتمل أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُفَضَّلَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ على حَسَبِ إرْثِهِمْ منه
وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ قُدِّمَ قَوْلُ من يدعى التَّسْوِيَةَ وَيُنْكِرُ التَّفَاوُتَ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ يَأْتِي في بَابِ الْهِبَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هل تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بين الْأَوْلَادِ أَمْ لَا وَهَلْ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ أَمْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ على حَسَبِ الْمِيرَاثِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على عَقِبِهِ أو وَلَدِ وَلَدِهِ أو ذُرِّيَّتِهِ دخل فيه وَلَدُ الْبَنِينَ ) بِلَا نِزَاعٍ في عَقِبِهِ أو ذُرِّيَّتِهِ
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ على وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَهَلْ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْوَلَدِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا
تَقَدَّمَ عن الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ غير الْمَذْكُورِينَ
وَقَوْلُهُ ( وَنُقِلَ عنه لَا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ الْبَنَاتِ )
إذَا وَقَفَ على وَلَدِ وَلَدِهِ أو قال على أَوْلَادِ أولادى وَإِنْ سَفُلُوا
فَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَلَدِهِ فقال أَصْحَابُنَا لَا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُ قال في الْوَقْفِ على وَلَدِ وَلَدِهِ لَا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ الْبَنَاتِ
قال الزَّرْكَشِيُّ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ وهو أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ وَالشِّيرَازِيُّ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ لم يَشْمَلْ وَلَدَ بَنَاتِهِ إلَّا بقرينه اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
____________________
(7/79)
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ
وَصَحَّحَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالشَّيْخَانِ يَعْنِي بِهِمَا الْمُصَنِّفَ وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ
وَنُقِلَ عنه في الْوَصِيَّةِ يَدْخُلُونَ
وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا مِثْلُهُ
قُلْت بَلْ هِيَ هُنَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ من رِوَايَةِ حَرْبٍ
قال في الْقَوَاعِدِ وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ المغنى
وَهِيَ طَرِيقَةُ بن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ
قال الشَّارِحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ أَصَحُّ وَأَقْوَى دَلِيلًا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ في الْوَصِيَّةِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَجَزَمَ بِهِ في مُنْتَخَبِ الأدمى
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وقال أبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ يَدْخُلُونَ في الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ على وَلَدِ ولدى لصلبى فَلَا يَدْخُلُونَ
وَهِيَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْمُذْهَبِ فَإِنْ قال لِصُلْبِي لم يَدْخُلُوا وَجْهًا وَاحِدًا
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ فَإِنْ قَيَّدَ فقال لِصُلْبِي أو قال من يُنْتَسَبُ إلى منهم فَلَا خِلَافَ في الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ
وَحَكَى الْقَاضِي عن أبي بَكْرٍ وبن حَامِدٍ إذَا قال وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي أَنَّهُ يَدْخُلُ فيه وَلَدُ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ لِأَنَّ بِنْتَ صُلْبِهِ وَلَدُهُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ وَلَدِ وَلَدِهَا
____________________
(7/80)
قال الْحَارِثِيُّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِصُلْبِهِ قد يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبَنِينَ كما هو الْمُرَادُ من إيرَادِ الْمُصَنِّفِ عن أبي بَكْرٍ فَلَا يَدْخُلُونَ جَعْلًا لِوَلَدِ الْبَنِينَ وَلَدَ الظَّهْرِ وَوَلَدِ الْبَنَاتِ وَلَدَ الْبَطْنِ فَلَا يَكُونُ نَصًّا في الْمَسْأَلَةِ
وقد يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبِنْتِ التي تَلِيهِ فَيَكُونُ نَصًّا وهو الظَّاهِرُ انْتَهَى
وفي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ بِدُخُولِ وَلَدِ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِنَّ
تَنْبِيهٌ ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا وَقَفَ على وَلَدِ وَلَدِهِ أو قال على أَوْلَادِ أولادى
وَكَذَا الْحَكَمُ وَالْخِلَافُ وَالْمُذْهَبُ إذَا وَقَفَ على عَقِبِهِ أو ذُرِّيَّتِهِ كما قال الْمُصَنِّفُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ
وَمِمَّنْ قال بِعَدَمِ الدُّخُولِ هُنَا أبو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وبن بَكْرُوسٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وقال قال مَالِكٌ بِالدُّخُولِ في الذُّرِّيَّةِ دُونَ الْعَقِبِ وَبِهِ أَقُولُ
وَكَذَلِكَ الْقَاضِي في بَابِ الْوَصَايَا من الْمُجَرَّدِ وبن أبي مُوسَى وَالشَّرِيفَانِ أبو جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيُّ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ قالوا بِعَدَمِ الدُّخُولِ في الْعَقِبِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وَلَدَ وَلَدِهِ وَعَقِبَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَعَنْهُ يَشْمَلُهُمْ غير وَلَدِ وَلَدِهِ
وقال في التَّبْصِرَةِ يَشْمَلُ الذُّرِّيَّةَ وَأَنَّ الْخِلَافَ في وَلَدِ وَلَدِهِ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عن أبي بَكْرٍ وبن حَامِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا يَدْخُلُونَ في الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ على وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي
وَكَذَا حَكَاهُ عنهما أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ
وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عنهما فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
____________________
(7/81)
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وبن حَامِدٍ اخْتَارَا دُخُولَهُمْ مُطْلَقًا كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ
وقال بن الْبَنَّا في الْخِصَالِ اخْتَارَ بن حَامِدٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ يَدْخُلُونَ إلَّا أَنْ يَقُولَ على وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي
قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا في المغنى الْقَدِيمِ فِيمَا أَظُنُّ
الثَّانِي مَحَلُّ الْخِلَافِ مع عَدَمِ الْقَرِينَةِ
أَمَّا إنْ كان معه ما يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ فَلَا دُخُولَ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ كَقَوْلِهِ على أولادى وَأَوْلَادِ أولادى الْمُنْتَسِبِينَ إلَيَّ وَنَحْوِ ذلك
وَكَذَا إنْ كان في اللَّفْظِ ما يَقْتَضِي الدُّخُولَ فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ كَقَوْلِهِ على اولادى وَأَوْلَادِ أولادى على أَنَّ لِوَلَدِ الْإِنَاثِ سَهْمًا وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ سَهْمَيْنِ أو على أولادى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَأَوْلَادِهِمْ وإذا خَلَتْ الْأَرْضُ مِمَّنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَيَّ من قِبَلِ أَبٍ أو أُمٍّ فَلِلْمَسَاكِينِ أو على أَنَّ من مَاتَ منهم فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَنَحْوِ ذلك
وَلَوْ قال على الْبَطْنِ الْأَوَّلِ من أَوْلَادِي ثُمَّ على الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَأَوْلَادِهِمْ وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَنَاتٌ فَكَذَلِكَ يَدْخُلُونَ بِلَا خِلَافٍ فَوَائِدُ
الْأُولَى لَفْظُ النَّسْلِ كَلَفْظِ الْعَقِبِ وَالذُّرِّيَّةِ في إفَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ
وَكَذَا دُخُولُ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَعَدَمُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ كما قال في الْعَقِبِ وهو اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ خِلَافَهُ أَوْرَدَهُ في الْوَصَايَا
____________________
(7/82)
الثَّانِيَةُ لو قال على بنى بنى أو بنى بنى فُلَانٍ فك أولاد أولادى وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ فُلَانٍ
وَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ فقال الْحَارِثِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَا أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا
الثَّالِثَةُ الْحَفِيدُ يَقَعُ على وَلَدِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ وَكَذَلِكَ السِّبْطُ وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ
الرَّابِعَةُ لو قال الْهَاشِمِيُّ على أولادى وَأَوْلَادِ أولادى الْهَاشِمِيِّينَ لم يَدْخُلْ من أَوْلَادِ بِنْتِهِ من ليس هَاشِمِيًّا وَالْهَاشِمِيُّ منهم في دُخُولِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي على الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
ثُمَّ قال الْمُصَنِّفُ أَوْلَاهُمَا الدُّخُولُ مُعَلِّلًا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ وَصْفِ كَوْنِهِ من أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَوَصْفِ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الدُّخُولِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَوْ قال على أولادى وَأَوْلَادِ أولادى الْمُنْتَسِبِينَ إلَى قَبِيلَتِي فَكَذَلِكَ
الْخَامِسَةُ تَجَدُّدُ حَقِّ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ من ثَمَرٍ وَزَرْعٍ كَمُشْتَرٍ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيُّ
وقال ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ في الْأَوْلَادِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ يَسْتَحِقُّ من زَرَعَ قبل بُلُوغِهِ الْحَصَادَ وَمِنْ نَخْلٍ لم يُؤَبَّرْ
فَإِنْ بَلَغَ الزَّرْعُ الْحَصَادَ أو أُبِّرَ النَّخْلُ لم يُسْتَحَقَّ منه شَيْءٌ
وَقَطَعَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْقَوَاعِدِ
وقال وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ صَرَّحُوا بِالْفَرْقِ بين الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ هُنَا منهم بن
____________________
(7/83)
أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ مُعَلِّلِينَ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ في الْعَقْدِ فَكَذَا في الِاسْتِحْقَاقِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يَسْتَحِقُّ قبل حَصَادِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَرَةُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ التَّأْبِيرِ أو بُدُوِّ الصَّلَاحِ
قال في الْفُرُوعِ وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ إنْ قَدِمَ إلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عليه أو خَرَجَ منه إلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عليه فيه نَقَلَهُ يَعْقُوبُ
وَقِيَاسُهُ من نَزَلَ في مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ
وقال بن عبد الْقَوِيِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ليس كَذَلِكَ لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ في السَّنَةِ كَالْجُعْلِ على اشْتِغَالِ من هو في الْمَدْرَسَةِ عَامًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ من السَّنَةِ من رِيعِ الْوَقْفِ في السَّنَةِ لِئَلَّا يفضى إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا مَثَلًا فَيَأْخُذُ مُغَلَّ جَمِيعِ الْوَقْفِ وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَشَرَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدُهَا انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ من مُغَلِّهِ
وقال من جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على بَنِيهِ أو بنى فُلَانٍ فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً فَيَدْخُلُ فيه النِّسَاءُ دُونَ أَوْلَادِهِنَّ من غَيْرِهِمْ )
إذَا لم يَكُونُوا قَبِيلَةً وقال ذلك اُخْتُصَّ بِهِ الذُّكُورُ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كَانُوا قَبِيلَةً فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ دُخُولِ أَوْلَادِ النِّسَاءِ من غَيْرِهِمْ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ
وَقِيلَ بِدُخُولِهِمْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
____________________
(7/84)
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على قَرَابَتِهِ أو قَرَابَةِ فُلَانٍ فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أبيه وَجَدِّهِ وَجَدِّ أبيه )
يعنى بِالسَّوِيَّةِ بين كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَغَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وعليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالشَّرِيفَيْنِ أبي جَعْفَرٍ وَالزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِوَلَدِهِ وَقَرَابَةِ أبيه وَإِنْ عَلَا مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يعطي من يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ من قِبَلِ أبيه وامه الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى انْتَهَى
وَمِثَالُهُ لو وَقَفَ على أَقَارِبِ الْمُصَنِّفِ وهو عبد اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن قُدَامَةَ بن مِقْدَامِ بن نَصْرٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَالْمُسْتَحَقُّونَ هُمْ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى قُدَامَةَ لِأَنَّهُ الْأَبُ الذي اُشْتُهِرَ انْتِسَابُ الْمُصَنِّفِ إلَيْهِ
وقال في الْهِدَايَةِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ من وَلَدِ الْمَهْدِيِّ فيعطي كُلُّ من يَنْتَسِبُ إلَى الْمَهْدِيِّ
وَمَثَّلَ في الْمُذْهَبِ بِمَا إذَا كان من وَلَدِ الْمُتَوَكِّلِ
وَمَثَّلَ في الْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا كان من وَلَدِ الْعَبَّاسِ
وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ آبَاءَ فَقَطْ
فَعَلَيْهَا لَا يُعْطَى الْوَلَدُ شيئا
____________________
(7/85)
قال الْقَاضِي أَوْلَادُ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ في اسْمِ الْقَرَابَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
وَعَنْهُ يَخْتَصُّ منهم من يَصِلُهُ نَقَلَهُ بن هَانِئٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ
وَنَقَلَ صَالِحٌ إنْ وَصَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ أُعْطُوا وَإِلَّا فَالْفُقَرَاءُ أَوْلَى
وَأَخَذَ منه الْحَارِثِيُّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ في كل لَفْظٍ عَامٍّ
وَاخْتَارَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَنَّ الْقَرَابَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقَرَابَةِ أبيه إلَى أَرْبَعَةِ آبَاءَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَشَذَّ بن الزَّاغُونِيِّ في وَجِيزِهِ بِأَنْ أَعْطَى أَرْبَعَةَ آبَاءِ الْوَاقِفِ فَأَدْخَلَ جَدَّ الْجَدِّ
فَعَلَى هذا لَا يَدْفَعُ إلَى الْوَلَدِ
قال وهو مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ انْتَهَى
قُلْت نَقَلَ صَالِحٌ الْقَرَابَةُ يعطي أَرْبَعَةُ آبَاءٍ
وقد قال في الْخُلَاصَةِ وَإِنْ وَصَّى لِأَقَارِبِهِ دخل في الْوَصِيَّةِ الْأَبُ وَالْجَدُّ وأبو الْجَدِّ وَجَدُّ الْجَدِّ وَأَوْلَادُهُمْ
قال في الرِّعَايَةِ لو وَقَفَ على قَرَابَتِهِ شَمِلَ أَوْلَادَهُ وَأَوْلَادَ أبيه وَجَدَّهُ وَجَدَّ أبيه وَعَنْهُ وَجَدَّ جَدِّهِ
فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ فيه شَيْءٌ وهو أَنَّهُ شذذ ( ( ( شذ ) ) ) من قال ذلك
وقد نَقَلَهُ صَالِحٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَحَكَمَ على الْقَوْلِ بِذَلِكَ بِأَنْ لَا يُدْفَعَ إلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ
وَلَيْسَ ذلك في كَلَامِ بن الزَّاغُونِيِّ بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ في كَلَامِ من قال بِقَوْلِهِ خِلَافُ ذلك وهو صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ التي في الرِّعَايَةِ
وَقِيلَ قَرَابَتُهُ كَآلِهِ على ما يَأْتِي
وَعَنْهُ إنْ كان يَصِلُ قَرَابَتَهُ من قِبَلِ أُمِّهِ في حَيَاتِهِ صُرِفَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا قال الْحَارِثِيُّ وَهَذِهِ عنه أَشْهَرُ
____________________
(7/86)
وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَالَا هِيَ أَصَحُّ
وَقِيلَ تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمِّهِ سَوَاءٌ كان يَصِلُهُمْ أولا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَجِيزِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رِوَايَةٌ
فَعَلَى هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يَدْخُلُ أخوته وَأَخَوَاتُهُ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ وَأَوْلَادُهُمْ
وَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ أَيْضًا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
وفي الْكَافِي احْتِمَالٌ بِدُخُولِ كل من عُرِفَ بِقَرَابَتِهِ من جِهَةِ أبيه وَأُمِّهِ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ وَنَحْوُهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ % من يُوصِي لِلْقَرِيبِ قُلْ لَا يَدْخُلُ % منهم سِوَى من في الْحَيَاةِ يَصِلُ % % فَإِنْ تَكُنْ صِلَاتُهُ منقطعة % قَرَابَةُ الْأُمِّ إذَنْ ممتنعة % % وَعُمِّمَ الْبَاقِي من الْأَقَارِبِ % من جِهَةِ الآبا ( ( ( الآباء ) ) ) ولا تُوَارِبْ % % وفي الْقَرِيبِ كَافِرٌ لَا يَدْخُلُ % وَعَنْ أُهَيْلِ قَرْيَةٍ يَنْعَزِلُ %
تَنْبِيهٌ الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ في هذه الْمَسَائِلِ كما قال الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْمُوصَى له إذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ فَانْقُلْ ما يَأْتِي هُنَاكَ إلَى هُنَا
قَوْلُهُ ( وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الأزجى وَغَيْرُهُمْ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْخِرَقِيُّ يُعْطَى من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ
____________________
(7/87)
وَاخْتَارَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ إن أَهْلَ بَيْتِهِ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ
وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ يُعْطَى من كان يَصِلُهُ في حَيَاتِهِ من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ
وَقِيلَ أَهْلُ بَيْتِهِ كذوى رَحِمِهِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا
وَعَنْهُ أَزْوَاجُهُ من أَهْلِ بَيْتِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في دُخُولِهِنَّ في آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا دُخُولُهُنَّ وإنه قَوْلُ الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْوَسِيلَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَهْلِ كَالْقَرَابَةِ وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ أَنَّهُمْ نُسَبَاؤُهُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ في أَهْلِ بَيْتِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
فَائِدَةٌ آلُهُ كَأَهْلِ بَيْتِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ في الْآلِ في صِفَةِ الصَّلَاةِ فَلْيُعَاوَدْ
وأهله من غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى الْبَيْتِ وَكَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ قَالَهُ الْمَجْدُ
وَذَكَرَ عن الْقَاضِي في دُخُولِ الزَّوْجَاتِ هُنَا وَجْهَيْنِ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الدُّخُولَ وهو الصَّوَابُ وَالسُّنَّةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ ( وَقَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا
وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ هُمَا كَذَوِي رَحِمِهِ
____________________
(7/88)
وَقِيلَ قَوْمُهُ كَقَرَابَتِهِ وَنُسَبَاؤُهُ كَذَوِي رَحِمِهِ جَزَمَ بِهِ في مُنْتَخَبِ الأزجى
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ونسباؤه كَأَهْلِ بَيْتِهِ وَقَوْمِهِ وَقَدَّمَا أَنَّ قَوْمَهُ كَقَرَابَتِهِ
وقال أبو بَكْرٍ هُمَا كَأَهْلِ بَيْتِهِ
وَاقْتَصَرَ عليه في الْهِدَايَةِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُذْهَبِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ما حَكَاهُ أبو الْخَطَّابِ عن أبي بَكْرٍ وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ أَنَّهُ إذَا قال لِأَهْلِ بَيْتِي أو قَوْمِي فَهُوَ من قِبَلِ الْأَبِ
وَإِنْ قال أَنْسِبَائِي فَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ انْتَهَى
وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي في الْأَنْسِبَاءِ عِنْدَ الْكَلَامِ على ذَوِي الرَّحِمِ
وَاخْتَارَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَنَّ قَوْمَهُ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ
وقال بن الْجَوْزِيِّ الْقَوْمُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لقوله تعالى ( 49 11 { لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ من قَوْمٍ }
قَوْلُهُ وَالْعِتْرَةُ هُمْ الْعَشِيرَةُ
هذا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
قال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالشَّارِحُ الْعِتْرَةُ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَوْنَ في عُرْفِ الناس وَوَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَإِنْ سَفُلُوا وَصَحَّحَاهُ
قال في الْوَجِيزِ الْعِتْرَةُ تَخْتَصُّ الْعَشِيرَةُ وَالْوَلَدُ
وَقِيلَ الْعِتْرَةُ الذُّرِّيَّةُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ
وَقِيلَ هِيَ الْعَشِيرَةُ الادنون
وَقِيلَ وَلَدُهُ وَقِيلَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ
وَقِيلَ ذَوُو قَرَابَتِهِ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى
____________________
(7/89)
قال في الْهِدَايَةِ إذَا أَوْصَى لِعِتْرَتِهِ فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ في ذلك عَشِيرَتُهُ وَأَوْلَادُهُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ من كان من وَلَدِهِ
فَائِدَةٌ الْعَشِيرَةُ هِيَ الْقَبِيلَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
وقال الْقَاضِي عِيَاضٌ هِيَ أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ وَهُمْ بَنُو أبيه
قَوْلُهُ ( وَذَوُو رَحِمِهِ كُلُّ قَرَابَةٍ له من جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ )
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُمْ قَرَابَتُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ
وقال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُمْ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ أو وَلَدِهِ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ
وقال الْقَاضِي إذَا قال لِرَحِمِي أو لِأَرْحَامِي أو لِنُسَبَائِي أو لِمُنَاسِبِيَّ صُرِفَ إلَى قَرَابَتِهِ من قِبَلِ أبيه وَأُمِّهِ وَيَتَعَدَّى وَلَدَ الْأَبِ الْخَامِسَ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَعَلَى هذا يُصْرَفُ إلَى كل من يَرِثُ بِفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ أو بِالرَّحِمِ في حَالٍ من الْأَحْوَالِ
وَنَقَلَ صَالِحٌ يَخْتَصُّ من يَصِلُهُ من أَهْلِ أبيه وَأُمِّهِ وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ
قَوْلُهُ ( وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ من الْأَزْوَاجِ له من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الشَّارِحُ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ وَالْعُزَّابُ بِالرِّجَالِ
قال الشَّارِحُ وَهَذَا أَوْلَى وَاخْتَارَهُ في المغنى
____________________
(7/90)
وقال في التَّبْصِرَةِ الْأَيَامَى النِّسَاءُ البلغ ( ( ( البلاغ ) ) )
قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الصَّغِيرُ لَا يُسَمَّى أَيِّمًا عُرْفًا وَإِنَّمَا ذلك صِفَةٌ لِلْبَالِغِ
قَوْلُهُ ( فَأَمَّا الْأَرَامِلُ فهن ( ( ( فمن ) ) ) النِّسَاءِ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ )
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ هو لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قال بن الْجَوْزِيِّ في اللُّغَةِ رَجُلٌ أَرْمَلُ وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ
وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الصَّغِيرَةُ لَا تُسَمَّى أَرْمَلَةً عُرْفًا وَإِنَّمَا ذلك لِلْبَالِغِ كما قال في الْأَيِّمِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْعَانِسُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَكَذَا أخوته وَعُمُومَتُهُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ وَتَنَاوُلُهُ لِبَعِيدٍ كَوَلَدِ وَلَدٍ
قال بن الْجَوْزِيِّ يُقَالُ في اللُّغَةِ رَجُلٌ أَيِّمٌ وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ وَرَجُلٌ بِكْرٌ وَامْرَأَةٌ بِكْرٌ إذَا لم يَتَزَوَّجَا وَرَجُلٌ ثَيِّبٌ وَامْرَأَةٌ ثِيبَةٌ إذَا كَانَا قد تَزَوَّجَا انْتَهَى
وَأَمَّا الثُّيُوبَةُ فَزَوَالُ الْبَكَارَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَطْلَقَ
وقال بن عَقِيلٍ زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِزَوْجِيَّةٍ من رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ
الثَّانِيَةُ الرَّهْطُ ما دُونَ الْعَشَرَةِ من الرِّجَالِ خَاصَّةً لُغَةً
وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ الرَّهْطَ ما بين الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ
وَكَذَا قال في النَّفَرِ أنه ما بين الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ
____________________
(7/91)
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ النَّفَرِ في الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ فِيمَا إذَا وَقَفَ نَفَرٌ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على أَهْلِ قَرْيَتِهِ أو قَرَابَتِهِ ) وَكَذَا لو وَصَّى لهم ( لم يَدْخُلْ فِيهِمْ من يُخَالِفُ دِينَهُ )
وَكَذَا لو وَقَفَ على إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ لم يَدْخُلْ فِيهِمْ من يُخَالِفُ دِينَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ وَإِنْ كان الْوَاقِفُ كَافِرًا وَلَا عَكْسَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم تُوجَدْ قَرِينَةٌ قَوْلِيَّةٌ أو حَالِيَّةٌ
فَإِنْ وُجِدَتْ دَخَلُوا مِثْلَ أَنْ لَا يَكُونَ في الْقَرْيَةِ إلَّا مُسْلِمُونَ أو لَا يَكُونَ فيها إلَّا كَافِرٌ وَاحِدٌ وَبَاقِي أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ كان أَكْثَرُ أَقَارِبِهِ كُفَّارًا اُخْتُصَّ الْمُسْلِمُونَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ لو وَقَفَ الْمُسْلِمُ على قَرَابَتِهِ أو أَهْلِ قَرْيَتِهِ أو أَوْصَى لهم وَفِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ لم يَتَنَاوَلْ الْكُفَّارَ حتى يُصَرِّحَ بِدُخُولِهِمْ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ
وَلَوْ كان فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ فَفِي الِاقْتِصَارِ عليه وَجْهَانِ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ على وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ الدُّخُولُ في هذه الصُّورَةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ أبو مُحَمَّدٍ
الثَّانِي شَمِلَ قَوْلُهُ لم يَدْخُلْ فِيهِمْ من يُخَالِفُ دِينَهُ لو كان فَهُمْ كَافِرٌ على
____________________
(7/92)
غَيْرِ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا وَلَوْ قُلْنَا بِدُخُولِ الْمُسْلِمِ إذَا كان الْوَاقِفُ كَافِرًا وهو كَذَلِكَ
قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ بِنَاءً على تَوْرِيثِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ مع اخْتِلَافِ دِينِهِمْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَجَعَلَهُ في الْفُرُوعِ مَحَلَّ وِفَاقٍ على الْقَوْلِ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرِثُ بَعْضًا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ من فَوْقُ وَمَوَالٍ من أَسْفَلَ تَنَاوَلَ جميعهم ( ( ( جمعهم ) ) ) ) هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال بن حَامِدٍ يُخْتَصُّ الْمَوَالِي من فَوْقُ وَهُمْ مُعْتِقُوهُ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ لِلْعَتِيقِ قال لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِحْسَانِ الْمُعْتِقِينَ إلَى الْعُتَقَاءِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو عُدِمَ الْمَوَالِي كان لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ
قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ يَكُونُ لِمَوَالِي أبيه وَاقْتَصَرَ عليه الشَّارِحُ
وَقِيلَ لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَقِيلَ لِوَارِثِهِ بِوَلَاءٍ
وَقِيلَ كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ
____________________
(7/93)
قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمَوَالِي
وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ لَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ إلَّا مع عَدَمِ مَوَالِيهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لو كان له مَوَالِي أَبٍ حين الْوَقْفِ ثُمَّ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ لم يَكُنْ لِمَوَالِي الْأَبِ شَيْءٌ فَوَائِدُ
الْأُولَى الْعُلَمَاءُ هُمْ حَمَلَةُ الشَّرْعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ من تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ على الْقَوْلَيْنِ
لَكِنْ هل يَخْتَصُّ بِهِ من كان يَصِلُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ قَرَابَتِهِ على ما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ أَهْلُ الحديث من عَرَّفَهُ
وَذَكَرَ بن رَزِينٍ أَنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُتَفَقِّهَةَ كَالْعُلَمَاءِ وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ
فَأَهْلُ الْقُرْآنِ الْآنَ حُفَّاظُهُ وفي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ الْفُقَهَاءُ
الثَّالِثَةُ الصَّبِيُّ وَالْغُلَامُ من لم يَبْلُغْ وَكَذَا الْيَتِيمُ من لم يَبْلُغْ وهو بِلَا أَبٍ
وَلَوْ جُهِلَ بَقَاءُ أبيه فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْطَى من ليس له أَبٌ يُعْرَفُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ قال وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى من وَقْفٍ عَامٍّ
____________________
(7/94)
وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في مَوَاضِعَ
قال وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ وَلَدُ الزنى يَتِيمًا لِأَنَّ الْيُتْمَ انْكِسَارٌ يَدْخُلُ على الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ بَلَغَ خَرَجَ عن حَدِّ اليتم ( ( ( اليتيم ) ) )
الرَّابِعَةُ الشَّابُّ وَالْفَتَى هُمَا من الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ
والكهل من حَدِّ الشَّابِّ إلَى خَمْسِينَ
والشيخ منها إلَى السَّبْعِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال في الْكَافِي إلَى آخِرِ الْعُمُرِ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ فَإِنَّهُمْ قالوا ثُمَّ الشَّيْخُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ
قال الْحَارِثِيُّ لَا يَزَالُ كَهْلًا حتى يَبْلُغَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ هو شَيْخٌ حتى يَمُوتَ وَاقْتَصَرَ عليه
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ الْهَرَمُ منها إلَى الْمَوْتِ
الْخَامِسَةُ أَبْوَابُ الْبِرِّ وَهِيَ الْقُرَبُ كُلُّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ وَيَبْدَأُ بِهِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ يَبْدَأُ بِمَا تَقَدَّمَ في أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ
يعنى الذي تَقَدَّمَ في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
وَيَأْتِي في بَابِ الْمُوصَى له إذَا أَوْصَى في أَبْوَابِ الْبِرِّ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ عليه مُسْتَوْفًى
____________________
(7/95)
السَّادِسَةُ لو وَقَفَ على سَبِيلِ الْخَيْرِ اسْتَحَقَّ من أَخَذَ من الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال أبو الْوَفَاءِ يَعُمُّ فَيَدْخُلُ فيه الْغَارِمُ لِلْإِصْلَاحِ
قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَيَجُوزُ لغنى قَرِيبٍ
السَّابِعَةُ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ وَضَمِيرُهُ يَشْمَلُ الْأُنْثَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقد ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا في أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَصَرُوا أَنَّ النِّسَاءَ يَدْخُلْنَ تَبَعًا
وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهَا كَعَكْسِهِ لَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ
الثَّامِنَةُ الْأَشْرَافُ وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وأهل ( ( ( أهل ) ) ) الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا من كان من بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَثِيرٌ من أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُسَمُّونَهُ إلَّا إذَا كان عَلَوِيًّا
قال ولم يُعَلِّقْ عليه الشَّارِعُ حُكْمًا في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِيُتَلَقَّى حَدُّهُ من جِهَتِهِ والشريف في اللُّغَةِ خِلَافُ الْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ وهو الرِّيَاسَةُ وَالسُّلْطَانُ وَلَمَّا كان أَهْلُ بَيْتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَقَّ الْبُيُوتِ بِالتَّشْرِيفِ صَارَ من كان من أَهْلِ الْبَيْتِ شَرِيفًا
التَّاسِعَةُ لو وَقَفَ على بَنِي هَاشِمٍ أو وَصَّى لهم لم تدخل ( ( ( يدخل ) ) ) مَوَالِيهِمْ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَحَنْبَلٍ
قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فيها لَفْظُ الموصى وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ يُعْتَبَرُ فيه الْمَعْنَى
وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا أَكَلْت سُكَّرًا لِأَنَّهُ حُلْوٌ لم يَعُمَّ غَيْرَهُ من الْحَلَاوَاتِ
____________________
(7/96)
وَكَذَا لو قال عَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ لم يَعْتِقْ غَيْرُهُ من الْعَبِيدِ وَلَوْ قال اللَّهُ حَرَّمْت الْمُسْكِرَ لِأَنَّهُ حُلْوٌ عَمَّ جَمِيعَ الْحَلَاوَاتِ وَكَذَا إذَا قال أعتق عَبْدَك لِأَنَّهُ أَسْوَدُ عَمَّ انْتَهَى
وقد تَقَدَّمَ في آخِرِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا لموالى بَنِي هَاشِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ ما قَالَهُ الْقَاضِي هُنَا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ على جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في الْفَائِقِ وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمُفَاضَلَةِ فِيمَا يُقْصَدُ فيه تَمْيِيزٌ كَالْوَقْفِ على الْفُقَهَاءِ
قُلْت وهذا ( ( ( هذا ) ) ) أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ
وَعَنْهُ إنْ وَصَّى في سكته ( ( ( سكنه ) ) ) وَهُمْ أَهْلُ دربه جَازَ التَّفْضِيلُ لِحَاجَةٍ
قال الْحَارِثِيُّ والأولى ( ( ( الأولى ) ) ) جَوَازُ التَّفْضِيلِ لِلْحَاجَةِ فِيمَا قُصِدَ بِهِ سَدُّ الْخَلَّةِ كَالْمَوْقُوفِ على فُقَرَاءِ أَهْلِهِ انْتَهَى
قال بن عَقِيلٍ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ
وَعَنْهُ فِيمَنْ أَوْصَى في فُقَرَاءِ مَكَّةَ يُنْظَرُ أَحْوَجُهُمْ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا وَقَفَ على مَدَارِسَ وَفُقَهَاءَ هل يسوي بَيْنَهُمْ أو يَتَفَاضَلُونَ في أَحْكَامِ النَّاظِرِ
تَنْبِيهٌ الذي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هذا إذَا لم يَكُنْ قرينه فَإِنْ كان قرينه جَازَ التَّفَاضُلُ بِلَا نِزَاعٍ وَلَهَا نَظَائِرُ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا
فَائِدَةٌ لو كان الْوَقْفُ في ابْتِدَائِهِ على من يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ فَصَارَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ كَوَقْفِ على رضى اللَّهُ عنه على وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فإنه يَجِبُ تَعْمِيمُ من أَمْكَنَ منهم وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(7/97)
قَوْلُهُ ( وَإِلَّا جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ وَالِاقْتِصَارُ على وَاحِدٍ منهم )
يَعْنِي إذَا لم يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ كما لو وَقَفَ على أَصْنَافِ الزَّكَاةِ أو على الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذلك
فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ على وَاحِدٍ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
( وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِيَهُ أَقَلُّ من ثَلَاثَةٍ )
وهو وَجْهٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِنَاءً على قَوْلِنَا في الزَّكَاةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَقِيلَ في إجْزَاءِ الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو وَقَفَ على أَصْنَافِ الزَّكَاةِ أو على الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جَازَ الِاقْتِصَارُ على صِنْفٍ منهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ في الْوَصِيَّةِ والمغنى وَالشَّرْحِ في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ
وَقَالَا في الثَّانِيَةِ لَا بُدَّ من الصَّرْفِ إلَى الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ على أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ من الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ
وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ الْجَمْعُ وحكى عن الْقَاضِي
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ على صِنْفٍ بِنَاءً على الزَّكَاةِ
قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ لِكُلِّ صِنْفٍ منهم الثُّمُنُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
____________________
(7/98)
الثَّانِيَةُ لو وَقَفَ على الْفُقَرَاءِ أو على الْمَسَاكِينِ فَقَطْ جَازَ إعْطَاءُ الصِّنْفِ الْآخَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَفِيهِ وَجْهٌ أخر لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في بَابِ الْمُوصَى له
وَلَوْ افْتَقَرَ الْوَاقِفُ اسْتَحَقَّ من الْوَقْفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ شَمِلَهُ في الْأَصَحِّ
قال في الْقَوَاعِدِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ
وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا منه
وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَقِفَ على مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ
قَوْلُهُ ( وَلَا يُدْفَعُ إلَى وَاحِدٍ أَكْثَرُ من الْقَدْرِ الذي يُدْفَعُ إلَيْهِ من الزَّكَاةِ إذَا كان الْوَقْفُ على صِنْفٍ من أَصْنَافِ الزَّكَاةِ )
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن عَقِيلٍ زِيَادَةَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ على خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ منها في الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ ( وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ في هذا الْفَصْلِ )
هذا صَحِيحٌ لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ من الْوَقْفِ على ما يَأْتِي
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا وَقَفَ على أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ اسْتِوَاءَ الْأَخِ من الْأَبِ وَالْأَخِ من الْأَبَوَيْنِ
ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَذَكَرَ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَ فِيمَا إذَا وَقَفَ على وَلَدِهِ دُخُولَ وَلَدِ الْوَلَدِ في الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَفَرَّقَ بينهما ( ( ( بينهم ) ) )
____________________
(7/99)
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ نَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ
قَوْلُهُ ( وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا وَقَفَ في صِحَّتِهِ ثُمَّ ظَهَرَ عليه دَيْنٌ فَهَلْ يُبَاعُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ
فيه خِلَافٌ في مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ وَمَنْعُهُ قوى
قال جَامِعُ اخْتِيَارَاتِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبى الْعَبَّاسِ وَلَوْ كان الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْمَوْتِ انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ هذا بِأَبْلَغَ من التَّدْبِيرِ وقد ثَبَتَ أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَاعَهُ في الدَّيْنِ
وَتَقَدَّمَ إذَا وَقَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَصَحَّحْنَاهُ هل يَقَعُ لَازِمًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أو لَا يَقَعُ لَازِمًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ فَلْيُعَاوَدْ
فَائِدَةٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ عن يَدِهِ
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبى مُوسَى وَالْحَارِثِيُّ
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ على ذلك عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عن يَدِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَلْيُعَاوَدْ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إذَا لم يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ بِيعَ واشترى بِثَمَنِهِ ما يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لم يُنْتَفَعْ بِهِ في مَوْضِعِهِ
____________________
(7/100)
وَعَنْهُ لَا تباع ( ( ( يباع ) ) ) الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا في عِمَارَتِهِ )
اعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ أو لَا
فَإِنْ لم تَتَعَطَّلْ مَنَافِعُهُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ مُطْلَقًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ قال لَا يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يُغَيَّرُ عن حَالِهِ وَلَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ منه بِشَيْءٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذلك لِمَصْلَحَةٍ وقال هو قِيَاسُ الهدى وَذَكَرَهُ وَجْهًا في الْمُنَاقَلَةِ
وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَنَقَلَ صَالِحٌ يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الناس وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَحَكَمَ بِهِ نَائِبًا عن الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْمُسْلَاتِيِّ
فَعَارَضَهُ الْقَاضِي جَمَالُ الْمِرْدَاوِيُّ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وقال حُكْمُهُ بَاطِلٌ على قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَصَنَّفَ في ذلك مُصَنَّفًا رَدَّ فيه على الْحَاكِمِ سَمَّاهُ الْوَاضِحُ الجلى في نَقْضِ حُكْمِ بن قَاضِي الْجَبَلِ الحنبلى وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ على ذلك
وَصَنَّفَ صَاحِبُ الْفَائِقِ مُصَنَّفًا في جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ سَمَّاهُ الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وما في ذلك من النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ وَأَجَادَ فيه
وَوَافَقَهُ على جَوَازِهَا الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بن بن الْقَيِّمِ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ بن شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ وَصَنَّفَ فيه مُصَنَّفًا سَمَّاهُ رَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ في مَنْعِ الْمُنَاقَلَةِ
وَوَافَقَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ في عَصْرِهِ
وَكُلُّهُمْ تَبَعٌ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك
وَأَطْلَقَ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ في جَوَازِ إبْدَالِ الْوَقْفِ مع عِمَارَتِهِ رِوَايَتَيْنِ
____________________
(7/101)
فَائِدَةٌ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على جَوَازِ تَجْدِيدِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَتِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ بِرِضَى جِيرَانِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ شِرَاءُ دُورِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ وَالْحُكُورَةُ الْمَشْهُورَةُ فَلَا فَرْقَ بين بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ هذا صَرِيحُ لَفْظِهِ
وقال أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا على الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ على جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ يُعَوَّضُ عنه بِمَا لَا ضَرَرَ فيه على الْجِيرَانِ وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا وَالثَّانِي وَقْفًا انْتَهَى
وَيَجُوزُ نقض ( ( ( نقص ) ) ) مَنَارَتِهِ وَجَعْلُهَا في حَائِطِهِ نَصَّ عليه
وَنَقَلَ أبو دَاوُد وقد سُئِلَ عن مَسْجِدٍ فيه خَشَبَتَانِ لَهُمَا ثَمَنٌ تَشَعَّثَ وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَيُبَاعَانِ وَيُنْفَقَانِ على الْمَسْجِدِ وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ قال ما أَرَى بِهِ بَأْسًا انْتَهَى
وَأَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَالْحَالَةُ هذه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ
اخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالْحَارِثِيُّ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى
وَعَنْهُ لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ وَلَا غَيْرُهَا لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا
نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ جَعَلَ خَانًا لِلسَّبِيلِ وَبَنَى بِجَانِبِهِ مَسْجِدًا فَضَاقَ الْمَسْجِدُ أَيُزَادُ منه في الْمَسْجِدِ قال لَا
قِيلَ فإنه إنْ تُرِكَ ليس يَنْزِلُ فيه أَحَدٌ قد عُطِّلَ قال يُتْرَكُ على ما صُيِّرَ له وَاخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ قال في الْفُرُوعِ
____________________
(7/102)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى في التَّلْخِيصِ عن أبي الْخَطَّابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ مُطْلَقًا وهو غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ في كُتُبِهِ انْتَهَى
ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ عنه في كِتَابِ الْبَيْعِ وَحَكَاهُ عنه قَبْلُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تِلْمِيذُ أبي الْخَطَّابِ وهو الْحَلْوَانِيُّ في كِتَابِهِ
قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ في كِتَابِ الْبَيْعِ عَدَمُ الْجَوَازِ فإنه قال وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قالوا إذا إذَا خَرِبَ أو كان فَرَسًا فَعَطِبَ جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ انْتَهَى
وَكَلَامُهُ في الْهِدَايَةِ في كِتَابِ الْوَقْفِ صَرِيحٌ بِالصِّحَّةِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا هذه الرِّوَايَةَ بن عَقِيلٍ وَصَنَّفَ فيها جُزْءًا حَكَاهُ عنه بن رَجَبٍ في طَبَقَاتِهِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا هذه الرِّوَايَةَ وَهِيَ عَدَمُ الْبَيْعِ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُرَادُ بِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ بِخَرَابٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ بِضِيقِ الْمَسْجِدِ عن أَهْلِهِ نَصَّ عليه
أو بِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ نَقَلَهُ عبد اللَّهِ وَهَذَا هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ منه بِشَيْءٍ أَصْلًا بِحَيْثُ لَا يَرُدُّ شيئا
قال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي كُلُّ وَقْفٍ خَرِبَ ولم يَرُدَّ شيئا بِيعَ
وقال في المغنى وَمَنْ تايعه ( ( ( تابعه ) ) ) لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ رِيعُهُ فَلَا يُعَدُّ نَفْعًا
وَقِيلَ أو يَتَعَطَّلَ أَكْثَرُ نَفْعِهِ نَقَلَهُ مُهَنَّا في فَرَسٍ كَبِرَ وَضَعُفَ أو ذَهَبَتْ عَيْنُهُ
فَقُلْت له دَارٌ أو ضَيْعَةٌ ضَعُفَ أَهْلُهَا أَنْ يَقُومُوا عليها قال لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كان أَنْفَعَ لِمَنْ يُنْفَقُ عليه منها
____________________
(7/103)
وَقِيلَ أو خِيفَ تَعَطُّلُ نَفْعِهِ قَرِيبًا جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
قُلْت وهو قَوِيٌّ جِدًّا إذَا غَلَبَ على ظَنِّهِ ذلك
وَقِيلَ أو خِيفَ تَعَطُّلُ أَكْثَرِ نَفْعِهِ قَرِيبًا
سَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ يُبَاعُ إذَا عَطِبَ أو فَسَدَ قال إي وَاَللَّهِ يُبَاعُ إذَا كان يُخَافُ عليه التَّلَفُ وَالْفَسَادُ وَالنَّقْصُ بَاعُوهُ وَرَدُّوهُ في مِثْلِهِ
وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ إنْ أَخَذَ من الْوَقْفِ شيئا فَعَتَقَ في يَدِهِ وَتَغَيَّرَ عن حَالِهِ قال يُحَوَّلُ إلَى مِثْلِهِ
وَكَذَا قال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ لو أَشْرَفَ على كَسْرٍ أو هَدْمٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِّرَ لم يُنْتَفَعْ بِهِ بِيعَ
قُلْت وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه
قال في الْفُرُوعِ وَقَوْلُهُمْ بِيعَ أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ إنَّمَا قَالُوهُ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ بَيْعُهُ بمثله مع الْحَاجَةِ وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ منه لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَجُوزُ بمثله لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ
قال في الْفَائِقِ وَبَيْعُهُ حَالَةَ تَعَطُّلِهِ أَمْرٌ جَائِزٌ عِنْدَ الْبَعْضِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في المغنى وُجُوبُهُ
وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ انْتَهَى فَوَائِدُ
الْأُولَى قال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ لو أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِيُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ بِيعَ وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ
قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ ما قَالَهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ
____________________
(7/104)
قال وَالْمُرَادُ مع اتِّحَادِ الْوَاقِفِ كَالْجِهَةِ ثُمَّ إنْ أَرَادَ عَيْنَيْنِ كَدَارَيْنِ فَظَاهِرٌ
وَكَذَا إنْ أَرَادَ عَيْنًا وَاحِدَةً ولم تنقص ( ( ( تنتقص ) ) ) الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ فَإِنْ نَقَصَتْ تَوَجَّهَ الْبَيْعُ في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أو حَاجَةٍ صَغِيرٍ بَلْ هذا أَسْهَلُ لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَبَيْعُهُ على قَوْلٍ انْتَهَى
وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ مع اتِّحَادِ الواقف ( ( ( الوقف ) ) ) ظَاهِرٌ في أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِمَارَةُ وَقْفٍ من رِيعِ وَقْفٍ آخَرَ وَلَوْ اتَّحَدَتَا الْجِهَةُ
وقد أَفْتَى الشَّيْخُ عُبَادَةُ من أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عِمَارَةِ وَقْفٍ من وَقْفٍ آخَرَ على جِهَتِهِ ذكره ( ( ( وذكره ) ) ) بن رَجَبٍ في طَبَقَاتِهِ في تَرْجَمَتِهِ
قُلْت وهو قوى بَلْ عَمَلُ الناس عليه
لَكِنْ قال شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ إنَّ كَلَامَهُ في الْفُرُوعِ أَظْهَرُ
وقال الْحَارِثِيُّ وما عَدَا الْمَسْجِدَ من الْأَوْقَافِ يُبَاعُ بَعْضُهُ لِإِصْلَاحِ ما بَقِيَ
وقال يَجُوزُ اخْتِصَارُ الْآنِيَةِ إلَى أَصْغَرَ منها إذَا تَعَطَّلَتْ وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ على الْإِصْلَاحِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاخْتِصَارُ احْتَمَلَ جَعْلَهَا نَوْعًا آخَرَ مِمَّا هو أَقْرَبُ إلَى الْأَوَّلِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ وَيُصْرَفَ في آنِيَةٍ مِثْلِهَا وهو الْأَقْرَبُ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّانِيَةُ حَيْثُ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْوَقْفِ فَمَنْ يَلِي بَيْعَهُ
لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذلك أو غَيْرِ ذلك
فَإِنْ كان على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الذي يَلِي الْبَيْعَ الْحَاكِمُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ
منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ في كِتَابِ الْوَقْفِ وَالْحَارِثِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ في كِتَابِ الْجِهَادِ وقال نَصَّ عليه
____________________
(7/105)
وَقِيلَ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ عليه إنْ كان جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في كِتَابِ الْبَيْعِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَإِنْ كان على غَيْرِ ذلك فَهَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ أو الْمَوْقُوفُ عليه أو الْحَاكِمُ على ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وهو الصَّحِيحُ
قال الزَّرْكَشِيُّ إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ فإن النَّاظِرَ فيه يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ ما فيه مَنْفَعَةٌ تُرَدُّ على أَهْلِ الْوَقْفِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفَائِقِ وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ حكاه ( ( ( وحكاه ) ) ) غَيْرُ وَاحِدٍ
وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ فقال يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فيه
قال في التَّلْخِيصِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ الْإِمَامَ أو نائبة نَصَّ عليه
وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ وَهَذَا إذَا لم يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ فقال % وَنَاظِرُهُ شَرْعًا يلى عَقْدَ بَيْعِهِ % وَقِيلَ إنْ يُعَيِّنْ مَالِكُ النَّفْعِ يُعْقَدْ %
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فقال فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَمَعَ عَدَمِهِ يَفْعَلُ ذلك الْمَوْقُوفُ عليه
قُلْت إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ بَلْ يَفْعَلُهُ مُطْلَقًا الْإِمَامُ أو نائبة كَالْوَقْفِ على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
الْقَوْلُ الثَّانِي يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ
فقال فَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ فَالْمَوْقُوفُ عليه بِالْخِيَارِ بين النَّفَقَةِ عليه وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ
وَكَذَا قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وبن الْبَنَّا في عُقُودِهِ وبن الْجَوْزِيِّ في
____________________
(7/106)
الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وأبو الْمَعَالِي بن مُنَجَّا في الْخُلَاصَةِ وبن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فقال وما بَطَلَ نَفْعُهُ فَلِمَنْ وُقِفَ عليه بَيْعُهُ
قُلْت إنْ مَلَكَهُ
وَقِيلَ بَلْ لِنَاظِرِهِ بَيْعُهُ بِشَرْطِهِ انْتَهَى
وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يَلِيهِ الْحَاكِمُ
جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ فقال وإذا خَرِبَ الْوَقْفُ ولم يَرُدَّ شيئا أو خَرِبَ الْمَسْجِدُ وما حَوْلَهُ ولم يُنْتَفَعْ بِهِ فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ انْتَهَى
وَقَدَّمَ هذا في الْفُرُوعِ
وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ وأقيسه وَعَمَلُ الناس عليه وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ الْمُصْطَلَحَ الْمُتَقَدِّمَ
فَعَلَى الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لو عُدِمَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ فَقِيلَ يَلِيهِ الْحَاكِمُ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في كِتَابِ الْعِدَدِ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه مُطْلَقًا
قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا في كِتَابِ الْوَقْفِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَاهُ عن الْأَصْحَابِ
وَكَذَا ما حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَقِيلَ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ
قُلْت وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ
____________________
(7/107)
تَنْبِيهٌ تَلَخَّصَ لنا مِمَّا تَقَدَّمَ فِيمَنْ يَلِي الْبَيْعَ طُرُقٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ أولا
فَإِنْ كان على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ فَلِلْأَصْحَابِ فيه طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا يَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا وهو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في كِتَابِ الْوَقْفِ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَلِيهِ النَّاظِرُ إنْ كان ثُمَّ الْحَاكِمُ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في كِتَابِ الْبَيْعِ وهو الصَّوَابُ
وَإِنْ لم يَكُنْ الْوَقْفُ على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ فَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ
أَحَدُهَا يَلِيهِ النَّاظِرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ في مُحَرَّرِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَعَزَاهُ إلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه قَوْلًا وَاحِدًا
وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُصَنَّفِ بن أبي الْمَجْدِ كما تَقَدَّمَ
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ يَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْحَلْوَانِيِّ في التَّبْصِرَةِ
الطَّرِيقُ الرَّابِعُ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كان فَإِنْ لم يَكُنْ فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ
الطَّرِيقُ الْخَامِسُ هل يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وهو الْمُقَدَّمُ أو الْمَوْقُوفُ عليه فيه وَجْهَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ النَّاظِمِ
الطَّرِيقُ السَّادِسُ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ هل يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه وهو الْمُقَدَّمُ أو إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وَاخْتَارَهُ أو النَّاظِرُ على ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ هِيَ
____________________
(7/108)
الطَّرِيقُ السَّابِعُ هل يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عليه وهو الْمُقَدَّمُ أو النَّاظِرُ فيه وَجْهَانِ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
الطَّرِيقُ الثَّامِنُ طَرِيقَتُهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ هل يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كان هو الْمُقَدَّمَ أو الْحَاكِمُ حَكَاهُ في كِتَابِ الْوَقْفِ فيه قَوْلَانِ
وَإِنْ لم يَكُنْ له نَاظِرٌ خَاصٌّ فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ وهو الْمُقَدَّمُ في كِتَابِ الْبَيْعِ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أو الْمَوْقُوفُ عليه وهو الْمُقَدَّمُ في كِتَابِ الْوَقْفِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وَاخْتَارَهُ على ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
الطَّرِيقُ التَّاسِعُ هل يَلِيهِ الْحَاكِمُ مُطْلَقًا وهو الْمُقَدَّمُ أو الْمَوْقُوفُ عليه على وَجْهَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
الطَّرِيقُ الْعَاشِرُ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كان فَإِنْ لم يَكُنْ فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ أو الْمَوْقُوفُ عليه إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ على وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفَائِقِ
فَهَذِهِ اثْنَتَا عشر ( ( ( عشرة ) ) ) طَرِيقَةً اثنتان فِيمَا هو على سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ وَعَشْرَةٌ في غَيْرِهِ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ إذَا بِيعَ الْوَقْفُ واشترى بَدَلُهُ فَهَلْ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ أَمْ لَا بُدَّ من تَجْدِيدِ وقفيه فيه وَجْهَانِ
ذَكَرَهُمَا بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ عن بَعْضِهِمْ فِيمَا إذَا أَتْلَفَ الْوَقْفَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ فاشترى بها بَدَلُهُ وَأَطْلَقَهُمَا
أَحَدُهُمَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ
قال الْحَارِثِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ في وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا اولدها فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ يُشْتَرَى بها مِثْلُهَا يَكُونُ وَقْفًا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَدَلَ يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ انْتَهَى
____________________
(7/109)
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ هُنَا لِاقْتِصَارِهِمْ على بَيْعِهِ وَشِرَاءِ بَدَلِهِ
وَصَرَّحَ بِهِ في التَّلْخِيصِ فقال في كِتَابِ الْبَيْعِ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ وَيَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ
وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا في الرِّعَايَةِ في مَوْضِعَيْنِ فقال فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ أو بَعْضِ مِثْلِهِ وَيَكُونُ ما اشْتَرَاهُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ
وقال في أَثْنَاءِ الْوَقْفِ فَإِنْ وطىء فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ
ثُمَّ قال وفي أُمِّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهَا من تَرِكَتِهِ يُصْرَفُ في مِثْلِهِ يَكُونُ بِالشِّرَاءِ وَقْفًا مَكَانَهَا وَهَذَا صَرِيحٌ بِلَا شَكَّ
وقال الْحَلْوَانِيُّ في كِفَايَةِ الْمُبْتَدِئِ وإذا تَخَرَّبَ الْوَقْفُ وَانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُهُ بِيعَ واشترى بِثَمَنِهِ ما يُرَدُّ على أَهْلِ الْوَقْفِ وكان وَقْفًا كَالْأَوَّلِ
وقال في الْمُبْهِجِ ويشتري بِثَمَنِهِ ما يَكُونُ وَقْفًا
قال شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن قُنْدُسٍ البعلى في حَوَاشِيهِ على الْمُحَرَّرِ الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ على الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَلَزِمَ الْعَقْدُ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ في الشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ فَكَذَا هذا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ المشتري لها وَلَا يَكُونُ ذلك إلَّا وَقْفًا انْتَهَى وهو الصَّوَابُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا بُدَّ من تَجْدِيدِ الْوَقْفِيَّةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فإنه قال وإذا خَرِبَ الْوَقْفُ ولم يَرُدَّ شيئا بِيعَ واشترى بِثَمَنِهِ ما يُرَدُّ على أَهْلِ الْوَقْفِ وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ فى الْمُجَرَّدِ أَيْضًا فإنه قال بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا إلَى شِرَاءِ دَارٍ وَتُجْعَلُ وَقْفًا مَكَانَهَا
قال الْحَارِثِيُّ وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْوَقْفِ فَلَا بُدَّ لِلْوَقْفِ من سَبَبٍ يُفِيدُهُ انْتَهَى
____________________
(7/110)
وَأَمَّا الزَّرْكَشِيُّ فإنه قال وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بَلْ لَا بُدَّ من إيقَافِ النَّاظِرِ له ولم أَرَ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بها
وَقِيلَ أن فيها وَجْهَيْنِ انْتَهَى
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَمَاعَةٌ على ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يشترى من جِنْسِ الْوَقْفِ الذى بِيعَ بَلْ أى شَيْءٍ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِمَّا يُرَدُّ على أَهْلِ الْوَقْفِ جَازَ
وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فى مِثْلِهِ أو بَعْضِ مِثْلِهِ فقال وَيَصْرِفُهُ فى مِثْلِهِ او بَعْضِ مِثْلِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ كَجِهَتِهِ
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هو الْمَذْهَبُ كما قال في الْكِتَابِ وَمَنْ غَدَاهُ من الْأَصْحَابِ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد في الْحَبِيسِ يُشْتَرَى مِثْلُهُ أو يُنْفَقُ ثَمَنُهُ على الدَّوَابِّ الْحَبِيسِ
الْخَامِسَةُ إذَا بِيعَ الْمَسْجِدُ واشترى بِهِ مَكَانًا يُجْعَلُ مَسْجِدًا فَالْحُكْمُ لِلْمَسْجِدِ الثَّانِي وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَوَّلِ
السَّادِسَةُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ مع إمْكَانِ عِمَارَتِهِ دُونَ الْعِمَارَةِ الْأُولَى قَالَهُ فى الْفُنُونِ وقال أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ وَغَلَّطَهُمْ السَّابِعَةُ يَجُوزُ رَفْعُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ ذلك وَجَعْلُ تَحْتَ أَسْفَلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخَذَ بِهِ الْقَاضِي
قال الزَّرْكَشِيُّ في كِتَابِ الْجِهَادِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ
وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في الْفُرُوعِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ مَسْجِدٍ رَفْعَهُ عن الْأَرْضِ وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ روعى أَكْثَرُهُمْ نَصَّ عليه
وَقِيلَ هذا في مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ إنْشَاءَهُ كَذَلِكَ وهو أَوْلَى انْتَهَى
____________________
(7/111)
وَاخْتَارَ هذا بن حَامِدٍ وَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه اللَّهِ عليه
وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَرَدَّ هذا التَّأْوِيلَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ من وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وهو كما قال
قَوْلُهُ ( وما فَضَلَ من حُصْرِهِ وَزَيْتِهِ عن حَاجَتِهِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَالصَّدَقَةُ بِهِ على فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ في مِثْلِهِ دُونَ الصَّدَقَةِ بِهِ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال أَيْضًا يَجُوزُ صَرْفُهُ في سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ
قال وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ عنه دَائِمًا وَجَبَ صَرْفُهُ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ انْتَهَى
وقال في الْفَائِقِ وما فَضَلَ من حُصُرِ الْمَسْجِدِ أو زَيْتِهِ سَاغَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَالصَّدَقَةُ بِهِ على جِيرَانِهِ نَصَّ عليه
وَعَنْهُ على الْفُقَرَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي في صَرْفِهِ وَمَنْعِهِ رِوَايَتَيْنِ
وَكَذَا الْفَاضِلُ من جَمِيعِ رِيعِهِ وَيُصْرَفُ في مَسْجِدٍ آخَرَ
ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وهو أَصَحُّ
فَائِدَةٌ قال الْحَارِثِيُّ فضله غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ على مُعَيَّنٍ يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ
____________________
(7/112)
قال الْحَارِثِيُّ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كان الصَّرْفُ مُقَدَّرًا وهو وَاضِحٌ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ في الْمَسْجِدِ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ
وَذَكَرَ في الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ أَنَّهُ يُكْرَهُ
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى إنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ قُلِعَتْ إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَحْرُمُ غَرْسُهَا مُطْلَقًا
وَقِيلَ إنْ ضَيَّقَتْ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ تُقْلَعُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ قُلِعَتْ وَقِيلَ إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَكُونُ ثَمَرُهَا لِمَسَاكِينِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ
قال في الْإِرْشَادِ قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ
قال وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ من الْمَسَاكِينِ أَيْضًا
وقال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ هِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسِ بها غَصْبًا انْتَهَى
قَوْلُهُ ( فَإِنْ كانت مَغْرُوسَةً فيه جَازَ الْأَكْلُ منها )
يعنى إذَا كانت مَغْرُوسَةً قبل بِنَائِهِ أو وَقْفُهَا معه
فإذا وَقَفَهَا معه وَعَيَّنَ مَصْرِفَهَا عُمِلَ بِهِ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا كان حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(7/113)
وقال الْمُصَنِّفُ هُنَا جَازَ الْأَكْلُ منها وَهَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ
وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال في الْهِدَايَةِ يعد ( ( ( بعد ) ) ) أَنْ قَدَّمَ الْمَنْصُوصَ وَعِنْدِي أَنَّ هذه الرِّوَايَةَ مَحْمُولَةٌ على ما إذَا لم يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِ ذلك لِأَنَّ الْجِيرَانَ يَعْمُرُونَهُ وَيَكْسُونَهُ وَقَطَعَ بِمَا حَمَلَهُ عليه أبو الْخَطَّابِ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ
وأعلم أَنَّ جَمَاعَةً من الْأَصْحَابِ قالوا يُصْرَفُ في مَصَالِحِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عنها فَلِجَارِهِ أَكْلُ ثَمَرِهِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
وقال جَمَاعَةٌ إذَا اسْتَغْنَى عنها الْمَسْجِدُ فَلِجَارِهِ وَلِغَيْرِهِ الْأَكْلُ منها
وَقِيلَ يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلْجَارِ الْفَقِيرِ
وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فقال وَثَمَرُهَا لِفُقَرَاءِ الدَّرْبِ
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الِاعْتِكَافِ هل يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ في الْمَسْجِدِ أَمْ يَحْرُمُ وَهَلْ يَصِحُّ أو لَا
فَائِدَةٌ يَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ في الْمَسْجِدِ فَإِنْ فُعِلَ طُمَّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لم يَكْرَهْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَفْرَهَا فيه
ثُمَّ قال قُلْت بَلَى إنْ كُرِهَ الْوُضُوءُ فيه انْتَهَى
وقال الْحَارِثِيُّ في الْغَصْبِ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا في الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ما تَلِفَ بها لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ منه إذْ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ
____________________
(7/114)
وَنَصَّ على الْمَنْعِ من رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحَفْرِ في السَّابِلَةِ لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ في كُلٍّ مِنْهُمَا فَالْحَفْرُ في إحْدَاهُمَا كَالْحَفْرِ في الْأُخْرَى فَتَجْرِي فيه رِوَايَةُ بن ثَوَابٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ بَنَى أو غَرَسَ نَاظِرٌ في وَقْفٍ تَوَجَّهَ أَنَّهُ له إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لِلْوَقْفِ وَيَتَوَجَّهُ في أَجْنَبِيٍّ بَنَى أو غَرَسَ أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ على الْمُتَّصِلِ بِهِ ما لم تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهُ بماله بِحُكْمِ إجَارَةٍ أو إعَارَةٍ أو غَصْبٍ
وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ على الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ له دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ
وَيَدُ أَهْلِ الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثَابِتَةٌ على ما فيها بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا مع بينه بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ
____________________
(7/115)
بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ
قَوْلُهُ ( وَهِيَ تَمْلِيكٌ في حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ )
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ الْهِبَةُ تَقْتَضِي عِوَضًا
وَقِيلَ مع ( ( ( ما ) ) ) عُرِفَ
فَلَوْ أَعْطَاهُ لِيُعَاوِضَهُ أو لِيَقْضِيَ له بِهِ حَاجَةً فلم يَفِ فَكَالشَّرْطِ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ ( فَإِنْ شَرَطَ فيها عِوَضًا مَعْلُومًا صَارَتْ بَيْعًا )
حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا هذا الْمَذْهَبُ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عنه وَلَا عن مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُذْهَبِ وَالْهِدَايَةِ
وَقِيلَ هِيَ بَيْعٌ مع التَّقَابُضِ
( وَعَنْهُ يُغَلَّبُ فيها حُكْمُ الْهِبَةِ ) ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وهو الصَّحِيحُ وهو مَتِينٌ جِدًّا
وقال عن الْأَوَّلِ هو ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى
قال الْقَاضِي لَيْسَتْ بَيْعًا وَإِنَّمَا الْهِبَةُ تَارَةً تَكُونُ تَبَرُّعًا وَتَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَلَا يَخْرُجَانِ عن مَوْضُوعِهِمَا
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ شَرَطَهُ وكان مَعْلُومًا صَحَّتْ كَالْعَارِيَّةِ
وَقِيلَ بِقِيمَتِهَا بَيْعًا وَعَنْهُ هِبَةٌ انْتَهَى
____________________
(7/116)
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةَ شَرْطِ الْعِوَضِ فيها وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَجْهُولًا لم تَصِحَّ )
يَعْنِي الْهِبَةَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
منهم الْقَاضِي وبن الْبَنَّا وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ
قال في الْخُلَاصَةِ لم يَصِحَّ في الْأَصَحِّ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ أَنَّهُ قال يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ فَيَصِحُّ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ وَإِسْمَاعِيلَ بن سَعِيدٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي الْخَطَّابِ
وَصَحَّحَ هذه الرِّوَايَةَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فقال فَإِنْ شَرَطَهُ مَجْهُولًا صَحَّتْ في الْأَصَحِّ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُرْضِيهِ فَإِنْ لم يَرْضَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيها فَيَرُدُّهَا بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ نَصَّ عليه
( فَإِنْ تَلِفَتْ ) فَقِيمَتُهَا يوم التَّلَفِ
وَهَذَا الْبِنَاءُ على هذه الرِّوَايَةِ هو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ يُرْضِيهِ بِقِيمَةِ ما وَهَبَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا بِالْبِنَاءِ وهو ما يُعَدُّ ثَوَابًا لِمِثْلِهِ عَادَةً
____________________
(7/117)
فَائِدَةٌ لو ادَّعَى شَرْطَ الْعِوَضِ فَأَنْكَرَ الْمُتَّهَبُ أو قال وَهَبْتنِي هذا قال بَلْ بِعْتُكَهُ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَحَّحَهُ وقال حَكَاهُ في الْكَافِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ
الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
قَوْلُهُ ( وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ الناس هِبَةً من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عليها )
هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا
حتى إنَّ بن عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ صَحَّحُوا الْهِبَةَ بِالْمُعَاطَاةِ ولم يَذْكُرُوا فيها الْخِلَافَ الذي في بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
قال في التَّلْخِيصِ وَهَلْ يَقُومُ الْفِعْلُ مَقَامَ اللَّفْظِ يُخَرَّجُ على الرِّوَايَةِ في الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ
قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ
وفي الْمُسْتَوْعِبِ والمغنى في الصَّدَاقِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْهِبَةِ والعفو والتمليك ( ( ( العفو ) ) )
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي الْعَفْوِ وَجْهَانِ
وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَلْفَاظُهَا وَهَبْت وَأَعْطَيْت وَمَلَّكْت
وَالْقَبُولُ قَبِلْت أو تَمَلَّكْت أو اتَّهَبْت
____________________
(7/118)
فَإِنْ لم يَكُنْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بَلْ إعْطَاءٌ وَأَخْذٌ كانت هَدِيَّةً أو صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ على مِقْدَارِ الْعُرْفِ انْتَهَى
وقال في الِانْتِصَارِ في غِذَاءِ الْمَسَاكِينِ في الظِّهَارِ أَطْعَمْتُكَهُ كَوَهَبْتُكَهُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهِمَا من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ أو لم يُوجَدْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال في الْفَائِقِ وهو ضَعِيفٌ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على هذه الْمَسْأَلَةِ في كِتَابِ الْبَيْعِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَرَاخَى الْقَبُولُ عن الْإِيجَابِ صَحَّ ما دَامَا في الْمَجْلِسِ ولم يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
وقال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عُرْفًا
وقال الزَّرْكَشِيُّ لو تَقَدَّمَ الْقَبُولُ على الْإِيجَابِ فَفِي صِحَّةِ الْهِبَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
قُلْت هِيَ مُشَابِهَةٌ لِلْبَيْعِ فَيَأْتِي هُنَا ما في الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ
ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ ولم يَحْكِ فيه خِلَافًا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ أَنْ يَهَبَهُ شيئا ويستثنى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَبِذَلِكَ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ
قَوْلُهُ ( وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ )
يَعْنِي وَلَا تَلْزَمُ قَبْلَهُ وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْقَاضِي
____________________
(7/119)
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال في الْكُبْرَى تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَتُمْلَكُ بِالْقَبْضِ إنْ اُعْتُبِرَ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ تَلْزَمُ في غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ
قال الشَّارِحُ وَعَلَى قِيَاسِهِ الْمَعْدُودُ وَالْمَذْرُوعُ
قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ تَلْزَمُ في مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قال في الْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال بن عَقِيلٍ هذا الْمَذْهَبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَفْتَقِرُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ في الْقَبْضِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الْهِبَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ ما يُكَالُ وَيُوزَنُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَقْبُوضًا قال الْخِرَقِيُّ وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ إلَّا بِقَبْضِهِ
قال في الِانْتِصَارِ في الْبَيْعِ بِالصِّفَةِ الْقَبْضُ رُكْنٌ في غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ لَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ
وَيَأْتِي كَلَامُ بن عَقِيلٍ قَرِيبًا
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ( في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا تَلْزَمُ فيه إلَّا بِالْقَبْضِ ) مَحْمُولٌ على عُمُومِهِ في كل ما يُكَالُ وَيُوزَنُ
____________________
(7/120)
قال الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ وَخَصَّهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا ليس بِمُتَعَيِّنٍ فيه كَقَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ من زُبْرَةٍ
قال وقد ذَكَرْنَا ذلك في الْبَيْعِ وَرَجَّحْنَا الْعُمُومَ
قال في الْفُرُوعِ كما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ تَلْزَمُ في مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِبَةُ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ كَقَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ من زُبْرَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ بِلَا نِزَاعٍ
فَائِدَةٌ تُمْلَكُ الْهِبَةُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ
وَنَقَلَهُ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ في مَوْضِعٍ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَمِنْهُمْ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ المغنى وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ على الْقَبْضِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ
قال في الْكَافِي لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ له في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا بِقَبْضِهِ وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ
وقال في شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ في الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفَرَّعَ عليه إذَا دخل وَقْتُ الْغُرُوبِ من لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَالْعَبْدُ مَوْهُوبٌ لم يُقْبَضْ ثُمَّ قَبَضَ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ في هِبَتِهِ الْقَبْضُ فَفُطْرَتُهُ على الْوَاهِبِ
وَكَذَا صَرَّحَ بن عَقِيلٍ أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ من أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ في غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عليه أَيْضًا
قال ذلك في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
وَقِيلَ يفع ( ( ( يقع ) ) ) الْمِلْكُ مراعي فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كان لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ
____________________
(7/121)
وحكى عن بن حَامِدٍ وَفَرَّعَ عليه حُكْمَ الْفِطْرَةِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الِانْتِصَارِ في نَقْلِ الْمِلْكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ
قال في الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ النَّمَاءُ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ )
يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وفي صِحَّةِ قَبْضِهِ بِدُونِ إذْنِهِ رِوَايَتَانِ وَالْإِذْنُ لَا يَتَوَقَّفُ على اللَّفْظِ بَلْ الْمُنَاوَلَةُ وَالتَّخْلِيَةُ إذْنٌ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي اعْتِبَارُ اللَّفْظِ فيه
قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْهُ يَصِحُّ الْقَبْضُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قَوْلُهُ ( إلَّا ما كان في يَدِ الْمُتَّهَبِ فَيَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيه )
هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ
وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
وَعَنْهُ ما كان في يَدِ الْمُتَّهِبِ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الشَّارِحُ هذا الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وهو أَوْلَى وكذا قال الْحَارِثِيُّ
وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ حتى يَأْذَنَ فيه أَيْضًا وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيه
____________________
(7/122)
جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ اتَّهَبَ شيئا في يَدِهِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فَقَبِلَهُ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْوَاهِبِ فيه على الاشهر ثُمَّ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فيه لِيَمْلِكَهُ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ مضى الزَّمَنِ دُونَ إذْنِهِ
وَأَطْلَقَ الاولى وَالثَّالِثَةَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ في الْكَافِي
تَنْبِيهٌ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ من قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ لَا من قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا صِفَةُ الْقَبْضِ هُنَا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ من مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيها فَإِنْ كان مَنْقُولًا فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ نَقْلِهِ فيها
وَإِنْ كان مَكِيلًا او مَوْزُونًا فبمضى مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيَالُهُ وَاتِّزَانُهُ فيها
وَإِنْ كان غير مَنْقُولٍ فبمضى مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ
وَإِنْ كان غَائِبًا لم يَصِرْ مَقْبُوضًا حتى يُوَافِيَهُ هو أو وَكِيلُهُ ثُمَّ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فيها
ذَكَرَ مَعْنَى ذلك في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ في بَابِ الرَّهْنِ وَكَذَا حُكْمُ قَبْضِ الرَّهْنِ
الثَّانِيَةُ له أَنْ يَرْجِعَ في الْإِذْنِ قبل الْقَبْضِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في نَفْسِ الْهِبَةِ قبل الْقَبْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِمَا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ في الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ
____________________
(7/123)
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ
وَقَدَّمَهُ فى الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَبْطُلُ عَقْدُ الْهِبَةِ
جَزَمَ بِهِ فى الْفُصُولِ وَقَدَّمَهُ فى المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ
قال فى الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو الْمَنْصُوصُ فى رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَاخْتِيَارُ بن أبي مُوسَى
وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ فى الْهِبَةِ في الصِّحَّةِ
وَأَمَّا فى الْمَرَضِ إذَا مَاتَ قبل إقْبَاضِهَا فَجَعَلَا الْوَرَثَةَ بِالْخِيَارِ لِشَبَهِهَا بِالْوَصِيَّةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مع رسول الْمَوْهُوبِ له أو وَكِيلِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ أو الْمَوْهُوبُ له قبل وُصُولِهَا لَزِمَ حُكْمُهَا وَكَانَتْ لِلْمَوْهُوبِ له لِأَنَّ قَبْضَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ
وَإِنْ أَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مع رسول نَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل وُصُولِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ له أو مَاتَ الموهوب ( ( ( الموهب ) ) ) له بَطَلَتْ وَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ وَلِوَرَثَتِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ
وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ فى الْهَدِيَّةِ نَصَّ على ذلك
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ( قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ ) أَنَّ إذْنَ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وهو صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِمَوْتِ الْمُتَّهَبِ فَوَائِدُ
الْأُولَى لو مَاتَ الْمُتَّهَبُ قبل قَبُولِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ
____________________
(7/124)
الثَّانِيَةُ يَقْبِضُ الْأَبُ لِلطِّفْلِ من نَفْسِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ من نَفْسِهِ على الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ ويكتفي بِقَوْلِهِ وَهَبْته وَقَبَضْته له
وقال الْقَاضِي لَا بُدَّ فى هِبَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ قَبِلْته
وهو مبنى على اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَالْمُذْهَبُ خِلَافُهُ
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُكْتَفَى بِأَحَدِ لَفْظَيْنِ أما أَنْ يَقُولَ قد قَبِلْتُهُ أو قَبَضْتُهُ
وَإِنْ وَهَبَ ولى غَيْرِ الْأَبِ فقال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لابد أَنْ يُوَكِّلَ الْوَاهِبُ من يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ له لِيَكُونَ الْإِيجَابُ من الولى وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ من غَيْرِهِ كما فى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَبِ فإنه يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ وَيَقْبَلَ وَيَقْبِضَ
قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ عندى أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فى هذا سَوَاءٌ
قال فى الْفُرُوعِ وفى قَبْضِ ولى غَيْرِ الْأَبِ من نَفْسِهِ راويتا ( ( ( روايتا ) ) ) شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ له من نَفْسِهِ
الثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا قَبُولُهُ وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا
فَإِنْ لم يَكُنْ له أَبٌ فَوَصِيُّهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فَالْحَاكِمُ الْأَمِينُ أو من يُقِيمُوهُ مَقَامَهُمْ وَلَا يَقُومُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَهُمْ
وقال الْمُصَنِّفُ فى المغنى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ من غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ
الرَّابِعَةُ لَا يَصِحُّ من الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الْهِبَةِ وَلَا قَبُولُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَقَبُولُهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالْحَارِثِيُّ
____________________
(7/125)
وقال في المغنى وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقِفَ صِحَّةُ قَبْضِهِ على إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَ الْقَبُولِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا
وَتَقَدَّمَ في الْحَجْرِ هل تَصِحُّ هِبَتُهُ
وَالسَّفِيهُ كَالْمُمَيِّزِ في ذلك وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ
وَالْوَصِيَّةُ كَالْهِبَةِ في ذلك
الْخَامِسَةُ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فيه فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةٌ بيده انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ يَكُونُ نِصْفُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ يَكُونُ قَبْضُ نِصْفِ الشَّرِيكِ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً انْتَهَى
قُلْت لو قِيلَ إنْ جَازَ له أَنْ يَتَصَرَّفَ وَتَصَرَّفَ كان عَارِيَّةً وَإِنْ لم يَتَصَرَّفْ فَوَدِيعَةً لَكَانَ مُتَّجِهًا
ثُمَّ وَجَدْته في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حَكَى كَلَامَهُ في الْفُنُونِ فقال قال بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ هو عَارِيَّةٌ حَيْثُ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ
قال صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ وهو صَحِيحٌ إنْ كان أَذِنَ له في الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا أَمَّا إنْ طَلَبَ منه أُجْرَةً فَهِيَ إجازة ( ( ( إجارة ) ) )
وَإِنْ لم يَأْذَنْ في الِانْتِفَاعِ بَلْ في الْحِفْظِ فَوَدِيعَةٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ
السَّادِسَةُ لو قال أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ أنت حَبِيسٌ على آخِرِنَا مَوْتًا لم يَعْتِقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَكُونُ في يَدِ الثَّانِي عَارِيَّةً فإذا مَاتَ عَتَقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
وَذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
____________________
(7/126)
قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ من دَيْنِهِ أو وَهَبَهُ له أو أَحَلَّهُ منه بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ )
وَكَذَا إنْ أَسْقَطَهُ عنه أو تَرَكَهُ له أو مَلَّكَهُ له أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو عَفَا عنه بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ( وَإِنْ رَدَّ ذلك ولم يَقْبَلْهُ )
أعلم أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ من دَيْنِهِ او وَهَبَهُ له أو أَحَلَّهُ منه أو نحو ذلك وكان المبريء ( ( ( المبرئ ) ) ) وَالْمُبَرَّأُ يَعْلَمَانِ الدَّيْنَ صَحَّ ذلك وبريء ( ( ( وبرئ ) ) ) وَإِنْ رَدَّهُ ولم يَقْبَلْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ
قال في الْفُرُوعِ وفي المغنى في إبْرَائِهَا له من الْمَهْرِ هل هو إسْقَاطٌ أو تَمْلِيكٌ فَيَتَوَجَّهُ منه احْتِمَالٌ لَا يَصِحُّ بِهِ وَإِنْ صَحَّ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ
وفي الْمُوجَزِ وَالْإِيضَاحِ لَا تَصِحُّ هِبَةٌ في عَيْنٍ
وقال في المغنى إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَبْرَأَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ
قال الْحَارِثِيُّ تَصِحُّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ والعطية مع اقْتِضَائِهِمَا وُجُودَ مُعَيَّنٍ وهو مُنْتَفٍ لِإِفَادَتِهِمَا لِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ هُنَا
قال وَلِهَذَا لو وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقَةً لم يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ
وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ من هو عليه وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عن الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ انْتَهَى
وقال في الِانْتِصَارِ إنْ أَبْرَأَ مَرِيضٌ من دَيْنِهِ وهو كُلُّ مَالِهِ فَفِي بَرَاءَتِهِ من ثُلُثِهِ قبل دَفْعِ ثُلُثَيْهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ انْتَهَى
وَأَمَّا إنْ عَلِمَهُ الْمُبَرَّأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أو جَهِلَهُ وكان المبريء ( ( ( المبرئ ) ) ) بِكَسْرِهَا يَجْهَلُهُ صَحَّ سَوَاءٌ جُهِلَ قَدْرُهُ أو وَصْفُهُ أو هُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(7/127)
جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
قال في الْقَوَاعِدِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ مع جَهْلِ الْمُبَرَّأِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ عِلْمِهِ
وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا عَرَفَهُ الْمَدْيُونُ فيه الرِّوَايَتَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ جَهِلَاهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ
وقال في الْمُحَرَّرِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا إذَا عَرَفَهُ الْمُبَرَّأُ وَظَنَّ الْمُبَرِّئُ جَهْلَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ انْتَهَى
وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ من الْمَجْهُولِ كَالْبَرَاءَةِ من الْعَيْبِ
ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ كما لو كَتَمَهُ الْمُبَرَّأُ خَوْفًا من أَنَّهُ لو عَلِمَهُ المبريء ( ( ( المبرئ ) ) ) لم يُبَرِّئْهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَأَمَّا إنْ كان من عليه الْحَقُّ يَعْلَمُهُ وَيَكْتُمُهُ الْمُسْتَحِقُّ خَوْفًا من أَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ لم يَسْمَحْ بِإِبْرَائِهِ منه فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ فيه لِأَنَّ فيه تَغْرِيرًا بِالْمُبَرِّئِ وقد أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ منه انْتَهَيَا
وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا
قال وَهَذَا أَقْرَبُ فَوَائِدُ
الْأُولَى من صُوَرِ الْبَرَاءَةِ من الْمَجْهُولِ لو أَبْرَأَهُ من أَحَدِهِمَا أو أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْحَارِثِيُّ
وَقَالَا يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ كَطَلَاقِهِ إحْدَاهُمَا وَعِتْقِهِ أَحَدَهُمَا
قال في الْفُرُوعِ يَعْنِي ثُمَّ يُقْرِعُ على الْمَذْهَبِ
الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال أَصْحَابُنَا لو أَبْرَأَهُ من مِائَةٍ وهو يَعْتَقِدُ أَنْ لَا شَيْءَ عليه فَكَانَ له عليه مِائَةٌ فَفِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَجْهَانِ
____________________
(7/128)
صَحَّحَ النَّاظِمُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَظْهَرُ وأطلقهما في الْفُرُوعِ
أَصْلُهُمَا لو بَاعَ مَالًا لِمَوْرُوثِهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَيٌّ وكان قد مَاتَ وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَيْهِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فيه وَجْهَانِ
وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا في كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَكَذَا هُنَا
وقال الْقَاضِي أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ من وَاجَهَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ امْرَأَتَهُ أو وَاجَهَ بِالْعِتْقِ من يَعْتَقِدُهَا حَرَّةً فَبَانَتْ أَمَتَهُ
وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ بَابِ الشَّكِّ في الطَّلَاقِ
الثَّالِثَةُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ من هو في ذِمَّتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كالاعيان ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ
قال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ وهو الْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ حَرْبٍ فَذَكَرَهُ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِهِ
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هِبَةِ دَيْنِ السَّلَمِ في بَابِهِ مُحَرَّرًا فَلْيُعَاوَدْ
الرَّابِعَةُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِشَرْطٍ نَصَّ عليه فِيمَنْ قال إنْ مِتَّ فَأَنْتَ في حِلٍّ فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ فقال إنَّ مِتُّ فَأَنْتَ في حِلٍّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ
وَجَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلًا في حِلٍّ من غَيْبَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ وقال ما احسن الشَّرْطَ
فقال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ
وَأَخَذَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ من شَرْطِهِ أَنْ لَا يَعُودَ رِوَايَةً في صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ
____________________
(7/129)
وَأَنَّ بن شِهَابٍ وَالْقَاضِيَ قَالَا لَا يَصِحُّ على غَيْرِ مَوْتِ الْمُبَرِّئِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ
وَقَدَّمَ الْحَارِثِيُّ ما قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وقال إنَّهُ أَصَحُّ
الْخَامِسَةُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ من الدَّيْنِ قبل وُجُوبِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ نَقَلَهُ الْحَلْوَانِيُّ عنه
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ
وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ ثُمَّ سَقَطَ
وَمَنَعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّهُ ليس مَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى من هو عليه
وقال الْعَفْوُ عن دَمِ الْعَمْدِ تَمْلِيكٌ أَيْضًا
وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا الْيَسْرِ الصَّحَابِيَّ رضي اللَّهُ عنه قال لِغَرِيمِهِ إذَا وَجَدْت قَضَاءً فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ في حِلٍّ
وَأَعْلَمَ بِهِ الْوَلِيدَ بن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي اللَّهُ عنه وَابْنَهُ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ فلم يُنْكِرَاهُ
قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجِهٌ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا
السَّادِسَةُ لو تَبَارَآ وكان لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ دَيْنٌ مَكْتُوبٌ فَادَّعَى اسْتِثْنَاءَهُ بِقَلْبِهِ ولم يُبَرِّئْهُ منه قُبِلَ قَوْلُهُ وَلِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ
ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال في الْفُرُوعِ وَتَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ في مُخَالَفَةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ بِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ
السَّابِعَةُ قال الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ الْإِبْرَاءُ من الْمَجْهُولِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ لَكِنْ هل هو عَامٌّ في جَمِيعِ الْحُقُوقِ أو خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عَامٌّ
____________________
(7/130)
قُلْت صَرَّحَ بِهِ في الْفُرُوعِ في آخِرِ الْقَذْفِ وَقَدَّمَهُ
وقال الشَّيْخُ عبد الْقَادِرِ في الْغُنْيَةِ لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ
وَيَأْتِي ذلك مُحَرَّرًا هُنَاكَ
قَوْلُهُ ( وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ ) هذا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً وفي طريقة ( ( ( طريق ) ) ) بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ لنا من عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ
قوله ( وَكُلُّ ما يَجُوزُ بَيْعُهُ )
يَعْنِي تَصِحُّ هِبَتُهُ وَهَذَا صَحِيحٌ وَنَصَّ عليه
وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وهو الْمَذْهَبُ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَقِيلَ تَصِحُّ هِبَةُ ما يُبَاحُ الإنتفاع بِهِ من النَّجَاسَاتِ جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ
وَتَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَلَيْسَ بين الْقَاضِي وَصَاحِبِ المغنى خِلَافٌ في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ في هذه الْأَعْيَانِ جَائِزٌ كَالْوَصِيَّةِ وقد صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ انْتَهَى
نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ تَرَى ان يُثِيبَ عليه قال هذا خِلَافُ الثَّمَنِ هذا عِوَضٌ من شَيْءٍ فَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا
وَأَطْلَقَ في الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَجْهَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَقِيلَ وَتَصِحُّ أَيْضًا هِبَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ لي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ على الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(7/131)
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يَصِحُّ هُنَا مع الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا
وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ في الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ فَتَعْتِقَ وَتَخْرُجَ من الْهِبَةِ
قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ )
أعلم أَنَّ الْمَوْهُوبَ الْمَجْهُولَ تَارَةً يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ وَتَارَةً لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ
فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصُّلْحِ على الْمَجْهُولِ الْمُتَعَذِّرِ عِلْمُهُ كما تَقَدَّمَ وهو الصِّحَّةُ
قَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ
وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ في هِبَةِ الْمَجْهُولِ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ
وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَحَرْبٍ الْآتِيَتَيْنِ
وَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ
نَقَلَ حَرْبٌ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ
وقال في رِوَايَةِ حَرْبٍ أَيْضًا إذَا قال شَاةً من غَنَمِي يَعْنِي وَهَبْتهَا له لم يَجُزْ
وقال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كان من الْوَاهِبِ مَنَعَ الصِّحَّةَ وَإِنْ كان من الْمَوْهُوبِ له لم يَمْنَعْهَا
____________________
(7/132)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ كَقَوْلِهِ ما أَخَذْت من مَالِي فَهُوَ لَك أو من وَجَدَ شيئا من مَالِي فَهُوَ له
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ صِحَّةَ هِبَةِ الْمَجْهُولِ
فَائِدَةٌ لو قال خُذْ من هذا الْكِيسِ ما شِئْت كان له أَخْذُ ما فيه جميعا
وَلَوْ قال خُذْ من هذه الدَّرَاهِمِ ما شِئْت لم يَمْلِكْ أَخْذَهَا كُلَّهَا إذْ الْكِيسُ ظَرْفًا فإذا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ أَخَذْت من الْكِيسِ ما فيه وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ أَخَذْت من الدَّرَاهِمِ كُلَّهَا نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عن نَوَادِرِ بن الصَّيْرَفِيِّ
قَوْلُهُ ( وَلَا ما لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهِ )
يَعْنِي لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ تَصِحُّ هِبَتُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من هذا الْقَوْلِ جَوَازُ هِبَةِ الْمَعْدُومِ وَغَيْرِهِ
قُلْت اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةَ هِبَةِ الْمَعْدُومِ كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ بِالسَّنَةِ
قال وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ على التَّسْلِيمِ هُنَا فيه نَظَرٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا على شَرْطٍ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ جَوَازَ تَعْلِيقِهَا على شَرْطٍ
قُلْت وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ عنه في الْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( وَلَا شَرَطَ ما يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نحو أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا )
هذا الشَّرْطُ بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(7/133)
لَكِنْ هل تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ بِنَاءً على الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ في الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ
قَوْلُهُ وَلَا تَوْقِيتُهَا كَقَوْلِهِ وَهَبْتُك هذا سَنَةً
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ الْجَوَازَ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ إلَّا في الْعُمْرَى وهو أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ هذه الدَّارَ أو أَرْقَبْتُكَهَا أو جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك أو حَيَاتَك
وَكَذَا قَوْلُهُ أَعْطَيْتُكَهَا أو جَعَلْتهَا لَك عُمْرَى أو رُقْبَى أو ما بَقِيت فإنه يَصِحُّ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ
هذه الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَهِيَ صَحِيحَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الحارثى الْعُمْرَى الْمَشْرُوعَةُ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك من بَعْدِك لَا غَيْرُ
وَنَقَلَ يَعْقُوبُ وبن هَانِئٍ من يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ هل يَطَؤُهَا قال لَا أَرَاهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على الْوَرَعِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو بَعِيدٌ وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ وَحَمَلَهُ على أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ فَائِدَةٌ لو لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ كان لِبَيْتِ الْمَالِ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى الْمُعَمِّرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ عِنْدَ مَوْتِهِ أو قال هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا صَحَّ الشَّرْطُ
____________________
(7/134)
هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ
قال في الْفَائِقِ هذا الْمَذْهَبُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وأطلقهما في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ
قال الْحَارِثِيُّ عن الرِّوَايَةِ الْأُولَى هو الْمَذْهَبُ
وقال عن الثَّانِيَةِ لَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ
تَنْبِيهٌ من لَازِمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلَا عَكْسَ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَقْدَ في هذه الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ
جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ هذا الْمَذْهَبُ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْضًا
قال الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ إعْمَارُهُ الْمَنْفَعَةَ وَلَا إرْقَابُهَا
فَلَوْ قال سُكْنَى هذه الدَّارِ لَك عُمُرَك أو غَلَّةُ هذا الْبُسْتَانِ أو خِدْمَةُ
____________________
(7/135)
هذا الْعَبْدِ لَك عُمُرَك أو مَنَحْتُكَهُ عُمُرَك أو هو لَك عُمُرَك فَذَلِكَ عَارِيَّةٌ له الرُّجُوعُ فيها مَتَى شَاءَ في حَيَاتِهِ أو بَعْدَ مَوْتِهِ
نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إذَا قال هو وَقْفٌ على فُلَانٍ فإذا مَاتَ فَلِوَلَدِي أو لِفُلَانٍ فَكَمَا لو قال إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهِ أو لِمَنْ أَوْصَى له الْوَاقِفُ ليس يَمْلِكُ منه شيئا إنَّمَا هو لِمَنْ وَقَفَهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ مِثْلُ السُّكْنَى وَالسُّكْنَى مَتَى شَاءَ رَجَعَ فيه
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ في الرُّقْبَى وَالْوَقْفِ إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بِخِلَافِ السُّكْنَى
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا العمري والرقبي وَالْوَقْفُ مَعْنًى وَاحِدٌ إذَا لم يَكُنْ فيه شَرْطٌ لم يَرْجِعْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ وَإِنْ شَرَطَ في وَقْفِهِ أَنَّهُ له حَيَاتَهُ رَجَعَ وَإِنْ جَعَلَهُ له حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الذي أَعْمَرَهُ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ
قَوْلُهُ ( وَالْمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَحَرْبٍ وَمُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ وَالْمَرُّوذِيِّ وَالْكَوْسَجِ وَإِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ وَأَبِي طَالِبٍ وبن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ الْمَشْرُوعُ أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كما في النَّفَقَةِ
اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ وَالْحَارِثِيُّ
وفي الْوَاضِحِ وَجْهٌ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بين أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَأُخْتٍ
____________________
(7/136)
قال في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا من وَلَدِهِ في طَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ كان يُقَالَ يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ في الْقُبَلِ
قال في الْفُرُوعِ فَدَخَلَ فيه نَظَرُ وَقْفٍ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجِبُ على الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بين اولاده الذِّمَّةِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ دُخُولَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ
يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ إرْثِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ في وَلَدِ الْوَلَدِ من يَرِثُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هذا الْحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِأَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وهو وَجْهٌ
وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ لَا وَلَدُ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ
الثَّانِي قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تعطى أَنَّ فِعْلَ ذلك على سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْوَاضِحِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذلك يَجِبُ عليه وَلَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيُّ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال هو الْمَذْهَبُ
الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالْمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ أَنَّ الْأَقَارِبَ الْوَارِثِينَ غَيْرُ الْأَوْلَادِ ليس عليه التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
____________________
(7/137)
قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو أَصَحُّ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ فإنه قال يَجِبُ التَّعْدِيلُ في عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ منه
قال الْحَارِثِيُّ هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى
قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ انْتَهَى
وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ الْأَقَارِبِ الْوُرَّاثِ في الْعَطِيَّةِ كَالْأَوْلَادِ نَصَّ عليه
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَلَا يَدْخُلَانِ في لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ فَهُمْ خَارِجُونَ من هذه الْأَحْكَامِ
صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاقِينَ
الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْوِيَةِ في الْإِعْطَاءِ سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كلهم فُقَرَاءَ أو بَعْضُهُمْ
وأعلم أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ على أَنَّهُ يُعْفَى عن الشَّيْءِ التَّافِهِ
وقال الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ يُعْفَى عن الشَّيْءِ الْيَسِيرِ
وَعَنْهُ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا فيه إذَا تَسَاوَوْا في الْفَقْرِ أو الْغِنَى
قَوْلُهُ ( فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أو فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أو إعْطَاءِ الْآخَرِ حتى يَسْتَوُوا )
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/138)
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ يُوسُفَ بن مُوسَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وهو ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ وَنَصَرَهُ
وَتَحْرِيمُ فِعْلِ ذلك في الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَقَارِبِ من الْمُفْرَدَاتِ
وَقِيلَ إنْ أَعْطَاهُ لِمَعْنًى فيه من حَاجَةٍ أو زمانه أو عَمًى أو كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أو لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ أو مَنَعَ بَعْضَ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ أو بِدْعَتِهِ أو لِكَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ وَنَحْوِهِ جَازَ التَّخْصِيصُ
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاقْتَصَرَ عليه بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً
وَقَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ
قُلْت قد رُوِيَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على ذلك
فإنه قال في تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ لَا باس إذَا كان لِحَاجَةٍ وَأَكْرَهُهُ إذَا كان على سَبِيلِ الإثرة وَالْعَطِيَّةُ في مَعْنَى الْوَقْفِ
قُلْت وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا
قَوْلُهُ ( فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أو إعْطَاءِ الْآخَرِ )
هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّ التَّسْوِيَةَ إمَّا بِالرُّجُوعِ وَإِمَّا بِالْإِعْطَاءِ
قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ نَصَّ عليه
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ
ولم يذكر الْإِمَامُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةٍ إلَّا الرُّجُوعَ فَقَطْ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ
____________________
(7/139)
قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَنْقُولَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إنَّمَا هو اخْتِلَافُ حَالَيْنِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو إعْطَاءُ الْآخَرِ وَلَوْ كان إعْطَاؤُهُ في مَرَضِ الْمَوْتِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
قال الشَّارِحُ وهو الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ
قال الزَّرْكَشِيُّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ لَا يُعْطَى في مَرَضِهِ وهو قَوْلٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
قال الْحَارِثِيُّ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصِحُّ
نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَيُوسُفَ بن مُوسَى وَالْفَضْلِ بن زِيَادٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بن الْهَيْثَمِ وَإِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ
وَنَقَل الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَنْفُذُ
وقال أبو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِذْنِ الْبَاقِي ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ بِلَا حِيلَةٍ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ منه شيئا
قَوْلُهُ ( فَإِنْ مَاتَ قبل ذلك ثَبَتَ لِلْمُعْطَى )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ
____________________
(7/140)
قال في الرِّعَايَتَيْنِ لم يَرْجِعْ الْبَاقُونَ على الْأَصَحِّ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ
اخْتَارَهُ أبو عبد اللَّهِ بن بَطَّةَ وَصَاحِبُهُ أبو جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيَّانِ وبن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُفَضَّلُ فَيَنْبَغِي له الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا
قال في المغنى وَالشَّرْحِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْطَى أَنْ يُسَاوِيَ أَخَاهُ في عَطِيَّتِهِ
وحكى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بُطْلَانُ الْعَطِيَّةِ
وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في الصِّحَّةِ رِوَايَتَيْنِ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ حُكْمُ ما إذَا وُلِدَ له وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمُ مَوْتِهِ قبل التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ بِالْإِعْطَاءِ أو الرُّجُوعِ
وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ هُنَا عَدَمَ الْوُجُوبِ
وقال إنْ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا رُجُوعَ لِلْحَادِثِ على إخْوَتِهِ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا
وفي المغنى تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ
الثَّانِيَةُ مَحَلُّ ما تَقَدَّمَ إذَا فَعَلَهُ في غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ
فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ في مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ
____________________
(7/141)
قال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك في مَرَضِ مَوْتِهِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ فيه
الثَّالِثَةُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ على التَّخْصِيصِ لَا تَحَمُّلًا وَلَا آداء قَالَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
قال في الرِّعَايَةِ إنْ عَلِمَ الشُّهُودُ جَوْرَهُ وَكَذِبَهُ لم يَتَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ وَإِنْ تَحَمَّلُوهَا ثُمَّ عَلِمُوا لم يُؤَدُّوهَا في حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا إثْمَ عليهم بِعَدَمِ الْأَدَاءِ وَكَذَا إنْ جَهِلُوا أَنَّ له وَلَدًا آخَرَ ثُمَّ عَلِمُوهُ قُلْت بَلَى إنْ قُلْنَا قد ثَبَتَ الْمَوْهُوبُ لِمَنْ وُهِبَ له وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قال الْحَارِثِيُّ وَالْعِلْمُ بِالتَّفْضِيلِ أو التَّخْصِيصِ يَمْنَعُ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءَهَا مُطْلَقًا حَكَاهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
الرَّابِعَةُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَيِّ قَسْمُ مَالِهِ بين اولاده على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ
وَعَنْهُ يُكْرَهُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَحَدٌ مَالَهُ في حَيَاتِهِ بين وَرَثَتِهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ له وَقَطَعَ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
ونقلى ( ( ( ونقل ) ) ) بن الْحَكَمِ لَا يُعْجِبُنِي
فَلَوْ حَدَثَ له وَلَدٌ سَوَّى بَيْنَهُمْ نَدْبًا
قال في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ
وَقِيلَ وُجُوبًا
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ
وَاقْتَصَرَ على كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في المغنى وَالشَّرْحِ
قُلْت يَتَعَيَّنُ عليه أَنْ يسوى بَيْنَهُمْ
____________________
(7/142)
قَوْلُهُ ( وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمْ في الْوَقْفِ أو وَقَفَ ثُلُثَهُ في مَرَضِهِ على بَعْضِهِمْ جَازَ نَصَّ عليه )
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا إذَا سَوَّى بَيْنَهُمْ في الْوَقْفِ جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ
قال الْحَارِثِيُّ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ
قال الْقَاضِي لَا بَأْسَ بِهِ
وَنَقَلَ بن الْحَكَمِ لَا بَأْسَ قِيلَ فَإِنْ فَضَّلَ قال لَا يُعْجِبُنِي على وَجْهِ الْأَثَرَةِ إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ
وهو احْتِمَالٌ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ إنْ قُلْنَا أنه مِلْكُ من وُقِفَ عليه بَطَلَ وَإِلَّا صَحَّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وقال هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ الْمُسْتَحَبُّ الْقِسْمَةُ على حَسَبِ الْمِيرَاثِ كَالْعَطِيَّةِ
____________________
(7/143)
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا ما قَالَهُ الْقَاضِي لَا أَصْلَ له وهو مُلْغًى بِالْمِيرَاثِ وَالْعَطِيَّةِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا وَقَفَ ثُلُثَهُ في مَرَضِهِ على بَعْضِهِمْ وَكَذَا لو أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ على بَعْضِهِمْ جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ هذه الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ
قال بن مُنَجَّا وَالْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِمَا هذا الْمَذْهَبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَصُّهُمَا
وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ
قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
فَاخْتَارَ عَدَمَ الْجَوَازِ
وَاخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ
قال الْقَاضِي فيما ( ( ( فيها ) ) ) وَجَدْته مُعَلَّقًا عنه بِقَلَمِ الزَّرْكَشِيّ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا
قال في الْفُرُوعِ فَعَنْهُ كَهِبَةٍ فَيَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْإِجَازَةَ ابْتِدَاءُ هِبَةٍ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ وَقَفَ الثُّلُثَ في مَرَضِهِ على وَارِثٍ أو أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عليه صَحَّ وَلَزِمَ نَصَّ عليه
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ
وَعَنْهُ إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ كَالزَّائِدِ على الثُّلُثِ
ثم ( ( ( تم ) ) ) قال قُلْت إنْ قُلْنَا هو لِلَّهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ يَجُوزُ لِدَيْنٍ أو عِلْمٍ أو حَاجَةٍ انْتَهَى
____________________
(7/144)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو سَوَّى بين ابْنِهِ وَابْنَتِهِ في دَارٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَرْدًا فَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا وَقْفٌ بِالسَّوِيَّةِ وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ
وَإِنْ رَدَّ ابْنُهُ وَحْدَهُ فَلَهُ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِبِنْتِهِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا
وَإِنْ رَدَّتْ ابْنَتُهُ وَحْدَهَا فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِابْنِهِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا وَسُدُسُهُمَا إرْثًا لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عليه ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ وَكَذَا له إنْ رَدَّ هو الْوَقْفَ إلَى قَدْرِ الثُّلُثِ وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا
وَقِيلَ لها رُبُعُهُمَا وَقْفًا وَنِصْفُ سُدُسِهِمَا إرْثًا وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ
قال في الْمُحَرَّرِ وهو سَهْوٌ وَرَدَّهُ شَارِحُهُ وهو كما قال
وَقِيلَ نِصْفُ الدَّارِ وَقْفٌ عليه وَرُبُعُهَا وَقْفٌ عليها وَالْبَاقِي إرْثٌ لَهُمَا أَثْلَاثًا انْتَهَى
وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَمَلُك في الدَّارِ كَثُلُثَيْهَا على الثَّالِثَةِ
فَائِدَةٌ لو وَقَفَ على أَجْنَبِيٍّ زَائِدًا على الثُّلُثِ لم يَصِحَّ وَقْفُ الزَّائِدِ على الصَّحِيحِ من الْمُذَهَّبِ
جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ
قُلْت قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ وَقَفَ ثُلُثَهُ على أَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَفِيمَا زَادَ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ إلَّا الْأَبَ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ
وَعَنْهُ ليس له الرُّجُوعُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
____________________
(7/145)
وَعَنْهُ له الرُّجُوعُ إلَّا ان يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ أو رَغْبَةٌ نَحْوُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ أو يُفْلِسَ
وَكَذَا لو فَعَلَ الْوَلَدُ ما يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مُؤَبَّدًا أو مُؤَقَّتًا
وَجَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ في الْوَجِيزِ
وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وبن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا وَالْمُصَنِّفُ
ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال يَرْجِعُ فِيمَا زَادَ على قَدْرِ الدَّيْنِ أو الرَّغْبَةِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ في المغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ
وَقِيلَ إنْ وَهَبَ وَلَدَيْهِ شيئا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ نَصِيبَهُ فَفِي رُجُوعِهِ في الْكُلِّ وَجْهَانِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَرْجِعَ في عَطِيَّتِهِ إذَا كان وَهَبَهُ في حَالِ الْكُفْرِ وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ
فَأَمَّا إذَا وَهَبَهُ حَالَ إسْلَامِ الْوَلَدِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَلَا يُقَرُّ في يَدِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا كان على وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى
وقد صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( أو يُفْلِسَ )
وَكَذَا قال أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
قال الْحَارِثِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَانِعٌ من غَيْرِ خِلَافٍ كما في الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في المغنى وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى
____________________
(7/146)
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْمَرْأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا إنْ كان سَأَلَهَا ذلك رَدَّهُ إلَيْهَا رَضِيَتْ او كَرِهَتْ لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أو إضْرَارِهِ بها بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عليها
نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الادمى
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا بِمَسْأَلَتِهِ على الْأَصَحِّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ
فَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ هُنَا عَدَمَ رُجُوعِهَا إذَا سَأَلَهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وبن أبي مُوسَى وأبو الْخَطَّابِ
وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَفُصُولِ بن عَقِيلٍ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الرُّجُوعِ إنْ لم يَحْصُلْ فيه ضَرَرٌ من طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَهَا الرُّجُوعُ
وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها لَا تَرْجِعُ إذَا وَهَبَتْهُ من غَيْرِ سُؤَالٍ منه وهو صَحِيحٌ
وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الْوَجْهَيْنِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(7/147)
وَقِيلَ لها الرُّجُوعُ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وأطلقهما في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ إنْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فلم يَنْدَفِعْ أو عِوَضٍ أو شَرْطٍ فلم يَحْصُلْ رَجَعَتْ وَإِلَّا فَلَا فَوَائِدُ
إحْدَاهَا ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لم تُبَرِّئِينِي فَأَبْرَأَتْهُ صَحَّ
وَهَلْ تَرْجِعُ فيه ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
ثَالِثُهَا تَرْجِعُ إنْ طَلَّقَهَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قُلْت هذه الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ في الْأَحْكَامِ المتقدمه وَلَكِنْ هُنَا آكَدُ في الرُّجُوعِ
الثَّانِيَةُ يَحْصُلُ رُجُوعُ الْأَبِ بِقَوْلِهِ عَلِمَ الْوَلَدُ أو لم يَعْلَمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا حتى يَرْجِعَ فيها أو يَرُدَّهَا إلَيْهِ فإذا قَبَضَهَا أَعْتَقَهَا حِينَئِذٍ
قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ قَبْضِهِ وَأَنَّهُ يَكْفِي
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ في قَبْضِهِ مع قرينه وَجْهَانِ
الثَّالِثَةُ لو أَسْقَطَ الْأَبُ حَقَّهُ من الرُّجُوعِ فَفِي سُقُوطِهِ احْتِمَالَانِ في الِانْتِصَارِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِهِ له بِالشَّرْعِ كَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ حَقَّهُ من وِلَايَةِ النِّكَاحِ
وقد يَتَرَجَّحُ سُقُوطُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فيه مُجَرَّدُ حَقِّهِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فإنه حَقٌّ عليه لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَرْأَةِ فَلِهَذَا يَأْثَمُ بِعَضْلِهِ وَهَذَا أَوْجَهُ انْتَهَى
____________________
(7/148)
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الْحَضَانَةِ
الرَّابِعَةُ تَصَرُّفُ الْأَبِ ليس بِرُجُوعٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ اكثر الْأَصْحَابِ
وَخَرَّجَ أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ في كِتَابِ حُكْمِ الْوَالِدَيْنِ في مَالِ وَلَدِهِمَا رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الْعِتْقَ من الاب صَحِيحٌ وَيَكُونُ رُجُوعًا
قال في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ وَطْؤُهُ رُجُوعًا
وَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَنَحْوُهَا رُجُوعًا على وَجْهَيْنِ
وَعَلَيْهِمَا لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لم يُلَاقِ الْمِلْكَ
وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ بِنُفُوذِهِ لِاقْتِرَانِ الْمِلْكِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ
قال في المغنى الْأَخْذُ الْمُجَرَّدُ إنْ قَصَدَ بِهِ رُجُوعًا فَرُجُوعٌ وَإِلَّا فَلَا مع عَدَمِ الْقَرِينَةِ وَيُدَيَّنُ في قَصْدِهِ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ ما يَدُلُّ على الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ رُجُوعٌ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
الْخَامِسَةُ حُكْمُ الصَّدَقَةِ حُكْمُ الْهِبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
قال في الْفُرُوعِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ
وقال في الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ في الصَّدَقَةِ بِحَالٍ وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هذا الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هو كَالصَّرِيحِ أَنَّ الْأُمَّ ليس لها الرُّجُوعُ إذَا وَهَبَتْ وَلَدَهَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(7/149)
وَقِيلَ هِيَ كَالْأَبِ في ذلك
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَالَهُ في الْإِفْصَاحِ وَالْوَاضِحِ وَغَيْرِهِمَا
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وأطلقهما في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ [ السادسة ( ( ( السادس ) ) ) لو ادَّعَى اثْنَانِ مَوْلُودًا فَوَهَبَاهُ أو أَحَدُهُمَا فَلَا رُجُوعَ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ ]
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّ الْجَدَّ ليس له الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ هو كَالْأَبِ وأطلقهما في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ أو زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً لم يُمْنَعْ الرُّجُوعُ )
إذَا نَقَصَتْ الْعَيْنُ لم يُمْنَعْ من الرُّجُوعِ بِلَا نِزَاعٍ
وَكَذَا إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وفي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ أنها تُمْنَعُ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لو كانت الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مُنِعَ الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ نَقُولَ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لِلْأَبِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(7/150)
قُلْت فيعايي بها
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْجِهَادِ شَيْءٌ من ذلك
قَوْلُهُ ( وَالزِّيَادَةُ لِلِابْنِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَيَحْتَمِلُ أنها لِلْأَبِ وهو رِوَايَةٌ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَاسْتَثْنَوْا وَلَدَ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ عِنْدَهُمْ بِلَا نِزَاعٍ
وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في الْحَجْرِ وَاللُّقَطَةِ
قَوْلُهُ ( وَهَلْ تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الرُّجُوعَ على رِوَايَتَيْنِ )
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْقَوَاعِدِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وفي مَنْعِ الْمُتَّصِلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى رِوَايَتَانِ
زَادَ في الْكُبْرَى كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَبَلٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ
إحْدَاهُمَا تَمْنَعُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّمَانِينَ بَعْدَ إطْلَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ
وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَمْنَعُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ
____________________
(7/151)
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وقال وَيُشَارِكُ بِالْمُتَّصِلَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ لَا شَيْءَ على الْأَبِ لِلزِّيَادَةِ
فَائِدَةٌ لو اخْتَلَفَ الْأَبُ وَوَلَدُهُ في حُدُوثِ زِيَادَةٍ في الْمَوْهُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ قَوْلُ الْوَلَدِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ بَاعَهُ الْمُتَّهَبُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أو إقَالَةٍ فَهَلْ له الرُّجُوعُ على وَجْهَيْنِ )
وَكَذَا لو رَجَعَ إلَيْهِ بِفَلَسِ الْمُشْتَرِي
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُصَنِّفِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْحَارِثِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ وهو الْمَذْهَبُ
جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَرْجِعُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَهَذَا في الْإِقَالَةِ إذَا قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ
أَمَّا إذَا قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فقال في فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ يَمْتَنِعُ رُجُوعُ الْأَبِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في فَوَائِدِ الْإِقَالَةِ وَهَلْ هِيَ فَسْخٌ أو بَيْعٌ
وَقِيلَ إنْ رَجَعَ بِخِيَارٍ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ او هِبَةٍ لم يَمْلِكْ الرُّجُوعَ ) بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(7/152)
وَكَذَا لو رَجَعَ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أو وَصِيَّةٍ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ لم يَمْلِكْ أَبُوهُ الرُّجُوعَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هو )
إذَا وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ ولم يَرْجِعْ هو لم يَمْلِكْ الْجَدُّ الرُّجُوعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وَفِيهِ احْتِمَالٌ له الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ
قال في التَّلْخِيصِ وهو بَعِيدٌ
قال الْحَارِثِيُّ وهو كما قال وابو الْخَطَّابِ وَهِمَ انْتَهَى
وأطلقهما في الْفُرُوعِ
وَإِنْ رَجَعَ مَلَكَ الْوَاهِبُ الاول الرُّجُوعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ
وأطلقهما في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ كَاتَبَهُ لم يَمْلِكْ الرُّجُوعَ إلَّا ان يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ )
هذا مَبْنِيٌّ على الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ
أَمَّا على الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وهو الْمَذْهَبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ قَالَهُ الشَّارِحُ
____________________
(7/153)
وقد صَرَّحَ قبل ذلك بِجَوَازِ الرُّجُوعِ في الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَكَذَا هُنَا لَكِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ على حُكْمِهَا إذَا رَجَعَ أَيْضًا
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ كَاتَبَهُ وَمَنَعَ بَيْعَ الْمُكَاتَبِ وَزَالَتْ بِفَسْخٍ أو عَجْزٍ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا كما لو بَاعَهُ
وما أَخَذَهُ الِابْنُ من دَيْنِ الْكِتَابَةِ لم يَأْخُذْهُ منه أَبُوهُ بَلْ يَأْخُذُ ما يُؤَدِّيهِ وَقْتَ رُجُوعِهِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ عَجَزَ عَادَ إلَيْهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَشَرْطُ الرُّجُوعِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الِابْنِ كَالرَّهْنِ وَحَجْرِ الْفَلَسِ وَالْكِتَابَةِ وَإِنْ لم يَجُزْ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ
فَائِدَةٌ لَا يَمْنَعُ التَّدْبِيرُ الرُّجُوعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَمْنَعُ
وَهَذَا الْحَكَمُ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ
فَأَمَّا على الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْبَيْعِ فإن الرُّجُوعَ يَمْتَنِعُ كَالِاسْتِيلَاءِ قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ إجَارَةُ الْوَلَدِ له وَتَزْوِيجُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَالْهِبَةُ قبل الْقَبْضِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ
وَكَذَا وَطْءُ الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ
وَكَذَا إبَاقُ الْعَبْدِ ورده الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ إنْ قِيلَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ
وَإِنْ قِيلَ مُرَاعًى فَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ مُنِعَتْ
قَوْلُهُ ( وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِ وَلَدِهِ ما شَاءَ )
هذا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَمَنَعَ من ذلك بن عَقِيلٍ ذَكَرَهُ في مَسْأَلَةِ الْإِعْفَافِ
____________________
(7/154)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ من مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ لَا سِيَّمَا إذَا كان الْوَلَدُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ
قُلْت وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ
وقال أَيْضًا والاشبه ان الْأَبَ الْمُسْلِمَ ليس له أَنْ يَأْخُذَ من مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شيئا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَثْنَى مِمَّا لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِ وَلَدِهِ سُرِّيَّةٌ لِلِابْنِ وَإِنْ لم تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
وَيَأْتِي كَلَامُهُ أَيْضًا قَرِيبًا إذَا تَمَلَّكَ في مَرَضِ مَوْتِهِ أو مَرَضِ مَوْتِ الِابْنِ قَوْلُهُ ( مع الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا )
يَعْنِي مع حَاجَةِ الْأَبِ وَعَدَمِهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ
جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا يَتَمَلَّكُ من مَالِ وَلَدِهِ إلَّا ما احْتَاجَ إلَيْهِ
وَسَأَلَهُ بن مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عن الْأَبِ يَأْكُلُ من مَالِ ابْنِهِ قال نعم إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ فَلَهُ الْقُوتُ فَقَطْ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأُمَّ ليس لها أَنْ تَأْخُذَ من مَالِ وَلَدِهَا كَالْأَبِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ لها ذلك كَالْأَبِ
قَوْلُهُ ( إذَا لم تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الِابْنِ بِهِ
____________________
(7/155)
يُشْتَرَطُ في جَوَازِ أَخْذِ الْأَبِ من مَالِ وَلَدِهِ أَنْ لَا يَضُرَّ الْأَخْذُ بِهِ كما إذَا تَعَلَّقَتْ حاجتة به نَصَّ عليه
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
وَعَنْهُ له الْأَخْذُ ما لم يُجْحِفْ بِهِ
وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي والمغنى وَالشَّرْحُ وَتَذْكِرَةُ بن عَبْدُوسٍ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ قال في المغنى وَالشَّرْحِ وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ من مَالِ وَلَدِهِ ما شَاءَ مع غِنَاهُ وَحَاجَتِهِ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُجْحِفَ بِالِابْنِ وَلَا يَأْخُذَ ما تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ
الثَّانِي أَنْ لَا يَأْخُذَ من أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَيُعْطِيَهُ الْآخَرَ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بن سَعِيدٍ انْتَهَى
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ من مَالِ ابْنِهِ في مَرَضِ مَوْتِ الْأَبِ ما يَخْلُفُ تَرِكَةً لِأَنَّهُ بِمَرَضِهِ قد انْعَقَدَ السَّبَبُ الْقَاطِعُ لِتَمَلُّكِهِ فَهُوَ كما لو تَمَلَّكَ في مَرَضِ مَوْتِ الِابْنِ انْتَهَى
وقال أَيْضًا لو أَخَذَ من مَالِ وَلَدِهِ شيئا ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الذي كان مَالِكَهُ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ أو يَأْخُذُ الزَّوْجُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ التي بَاعَهَا الْوَلَدُ ثُمَّ يَرُدُّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ أو يَأْخُذُ المبيع ( ( ( البيع ) ) ) الذي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُفْلِسُ بِالثَّمَنِ وَنَحْوُ ذلك فَالْأَقْوَى في جَمِيعِ الصُّوَرِ أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ على الْأَبِ انْتَهَى
وَعَنْهُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ كُلِّهِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أنت وَمَالُك لِأَبِيك
قَوْلُهُ ( وَإِنْ تَصَرَّفَ قبل تَمَلُّكِهِ بِبَيْعٍ أو عِتْقٍ أو إبْرَاءٍ من دَيْنٍ لم يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ
____________________
(7/156)
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فيه قبل تَمَلُّكِهِ على الْأَصَحِّ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَعْرُوفُ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وَخَرَّجَ أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالْعِتْقِ قبل الْقَبْضِ
وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ بَيْعُ الْأَبِ على ابْنِهِ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَتُهُ وَوَطْءُ إمَائِهِ ما لم يَكُنْ الِابْنُ قد وطيء جَائِزٌ ويجوز ( ( ( ويحوز ) ) ) له بَيْعُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ وَعِتْقُهُمْ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقْدَحُ في أَهْلِيَّتِهِ لِأَجْلِ الْأَذَى لَا سِيَّمَا بِالْحَبْسِ انْتَهَى
وقال في الْمُوجَزِ لَا يَمْلِكُ إحْضَارَهُ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَادَّعَى فَأَقَرَّ أو قَامَتْ بينه لم يُحْبَسْ
فَائِدَةٌ يَحْصُلُ تَمَلُّكُهُ بِالْقَبْضِ نَصَّ عليه مع الْقَوْلِ أو النِّيَّةِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أو قرينه
وقال في الْمُبْهِجِ في تَصَرُّفِهِ في غَيْرِ مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ رِوَايَتَانِ بِنَاءً على حُصُولِ مِلْكِهِ قبل قَبْضِهِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وطىء جَارِيَةَ ابْنِهِ فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له )
إنْ كان الِابْنُ لم يَكُنْ وَطِئَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ إذَا أَحْبَلَهَا بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان الِابْنُ يَطَؤُهَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أنها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له أَيْضًا إذَا أَحْبَلَهَا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى
وهو كَالصَّرِيحِ فِيمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّارِحُ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/157)
وَقَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ إذَا كان الِابْنُ يَطَؤُهَا نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ كان ابْنُهُ يَطَؤُهَا لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ في الْمَنْصُوصِ
تَنْبِيهٌ هذا إذَا لم يَكُنْ الِابْنُ قد اسْتَوْلَدَهَا
فَإِنْ كان الِابْنُ قد اسْتَوْلَدَهَا لم يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فيها بِاسْتِيلَادِهِ كما لَا يَنْتَقِلُ بِالْعُقُودِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ أنها تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُمَا جميعا كما لو وطىء الشَّرِيكَانِ أَمَتَهُمَا في طُهْرٍ وَاحِدٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا قاله في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ
قَوْلُهُ ( وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ
قَوْلُهُ ( وَلَا مَهْرٌ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَبَ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ جَارِيَةِ ابْنِهِ إذَا أَحْبَلَهَا
قال في الْفُرُوعِ وقد ذَكَرَ جَمَاعَةٌ هُنَا لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ في ذِمَّةِ أبيه شَيْءٌ
قال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهَذَا منه
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ ( وَلَا حَدٌّ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُحَدُّ
____________________
(7/158)
قال جَمَاعَةٌ ما لم يَنْوِ تَمَلُّكَهَا منهم بن حَمْدَانَ في بَابِ حَدِّ الزنى
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا كان الِابْنُ لم يَطَأْهَا
فَأَمَّا إنْ كان الِابْنُ يَطَؤُهَا فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عليه رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
قُلْت ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وفي بَابِ حَدِّ الزنى وفي الْكَافِي والمغنى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عليه سَوَاءٌ كان الْوَلَدُ يَطَؤُهَا أو لَا
وَقَطَعَ بِالْإِطْلَاقِ هُنَاكَ الْجُمْهُورُ
قال الْحَارِثِيُّ هُنَا وَلَا فَرْقَ في انْتِفَاءِ الْحَدِّ بين كَوْنِ الِابْنِ وَطِئَهَا أو لَا ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَالسَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ انْتَهَى
قُلْت الْأَوْلَى وُجُوبُ الْحَدِّ
قَوْلُهُ ( وفي التَّعْزِيرِ وَجْهَانِ )
وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
أَحَدُهُمَا يُعَزَّرُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الشَّارِحُ هذا أَوْلَى
قال في الْفُرُوعِ وَيُعَزَّرُ في الْأَصَحِّ
وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَالنَّظْمِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ في بَابِ حَدِّ الزنى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعَزَّرُ
وَقِيلَ يُعَزَّرُ وَإِنْ لم تَحْبَلْ
قَوْلُهُ ( وَلَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أبيه بِدَيْنٍ وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ وَلَا غَيْرِ ذلك
____________________
(7/159)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ
وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا له في ذِمَّتِهِ مع حَاجَتِهِ إلَيْهِ وَغِنَى وَالِدِهِ عنه
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَلَا يُطَالِبُ أَبَاهُ بِمَا ثَبَتَ له في ذِمَّتِهِ في الْأَصَحِّ بِقَرْضٍ وَإِرْثٍ وَبَيْعٍ وَجِنَايَةٍ وَإِتْلَافٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذلك يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ يُمْنَعُ من الْمُطَالَبَةِ بِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَصَحُّ
وَبِهِ جَزَمَ أبو بَكْرٍ وبن الْبَنَّا وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من يقول بثبوت ( ( ( يثبت ) ) ) الدَّيْنُ وَانْتِفَاءُ الْمُطَالَبَةِ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَقَدَّمَ في الْفُرُوعِ إذَا أَوْلَدَ أَمَةَ ابْنِهِ أَنَّهُ تَثْبُتُ قِيمَتُهَا في ذِمَّتِهِ ذَكَرَهُ في بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَثْبُتُ في ذِمَّةِ الْأَبِ شَيْءٌ لِوَلَدِهِ
وهو الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّصَّ
قال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو قَوْلُهُ إذَا مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ من مَهْرِ ابْنَتِهِ شيئا فَأَنْفَقَهُ ليس عليه شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ من بَعْدِهِ على أَنَّ أَخْذَهُ له وَإِنْفَاقَهُ إيَّاهُ دَلِيلٌ على قَصْدِ التَّمَلُّكِ
____________________
(7/160)
قال الْحَارِثِيُّ مَحَلُّ هذا في غَيْرِ الْمُتْلَفِ
أَمَّا الْمُتْلَفُ فإنه لَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ وهو الْمَذْهَبُ بِلَا إشْكَالٍ
ولم يَحْكِ الْقَاضِي في رؤوس مَسَائِلِهِ فيه خِلَافًا انْتَهَى
وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هل يَمْلِكُ الْأَبُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ من الدَّيْنِ
قال الْقَاضِي فيه نَظَرٌ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْلِكُ الْأَبُ إسْقَاطَ دَيْنِ الِابْنِ عن نَفْسِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ غَيْرُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ كَإِبْرَائِهِ غَرِيمَ الِابْنِ وَقَبْضِهِ منه انْتَهَى
وَيَأْتِي قَرِيبًا في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ هل يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمَوْتِ الْأَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لو وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الذي بَاعَهُ أو أَقْرَضَهُ بَعْدَ مَوْتِ أبيه أَنَّ له أَخْذَهُ إنْ لم يَكُنْ انْتَقَدَ ثَمَنَهُ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَدَّمَ في المغنى كما تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ الِابْنُ في تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ عن الْأَبِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ انْتَهَى
قُلْت هذا في الدَّيْنِ فَفِي الْعَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ليس له أَخْذُهُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُبْهِجِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ
قال في الْمُبْهِجِ وَالْحَارِثِيُّ وَكَذَا لو وَجَدَ بَعْضَهُ فَوَائِدُ
الْأُولَى ليس لِوَرَثَةِ الِابْنِ مُطَالَبَةُ أبيه بِمَا لِلِابْنِ عليه من الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ كَالِابْنِ نَفْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيُّ
____________________
(7/161)
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لهم الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ مَنَعْنَا الِابْنَ منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وقال في الِانْتِصَارِ فِيمَنْ قَتَلَ ابْنَهُ إنْ قُلْنَا الدِّيَةُ لِلْوَارِثِ طَالَبَهُ وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِيَةُ لو أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ فَأَنْكَرَ الِابْنُ رَجَعَ على الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ على الْأَبِ نَقَلَهُ مُهَنَّا
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا يَرْجِعُ مع إقْرَارِهِ
الثَّالِثَةُ لو قَضَى الْأَبُ الدَّيْنَ الذي عليه لِابْنِهِ في مَرَضِهِ أو أَوْصَى له بِقَضَائِهِ كان من رَأْسِ الْمَالِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَإِنْ لم يَقْضِهِ ولم يُوصِ بِهِ لم يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ والمغنى
وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ كَحَبْسِهِ بِهِ في الْأُجْرَةِ فَلَا يَثْبُتُ كَجِنَايَةٍ
قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
وَقِيلَ ما أَخَذَهُ لِيَمْلِكَهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ومالا فَلَا
وَتَقَدَّمَ إذَا وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الذي بَاعَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ
وَتَقَدَّمَ هل يَثْبُتُ له في ذِمَّةِ أبيه دَيْنٌ أَمْ لَا
الرَّابِعَةُ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أبيه بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ عليه قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال في الْوَجِيزِ له مُطَالَبَةٌ بها وَحَبْسُهُ عليها
وهو مُسْتَثْنًى من عُمُومِ كَلَامِ من أَطْلَقَ ويعايي بها
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أبيه بِعَيْنٍ له في يَدِهِ
____________________
(7/162)
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
الْخَامِسَةُ هل لِوَلَدِ وَلَدِهِ مُطَالَبَتُهُ بماله في ذِمَّتِهِ
قال في الرِّعَايَةِ قُلْت يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَهَدَرٌ انْتَهَى
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ له مُطَالَبَتَهُ
قَوْلُهُ ( وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ من الْهِبَةِ )
يعنى في الْأَحْكَامِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْفَائِقِ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ من الْهِبَةِ يَكْفِي الْفِعْلُ فِيهِمَا إيجَابًا وَقَبُولًا على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هُمَا نَوْعَا هِبَةٍ
وَقِيلَ يَكْفِي الْفِعْلُ قَبُولًا
وَقِيلَ وَإِيجَابًا
وقال في الْكُبْرَى وَيَكْفِي الْفِعْلُ فِيهِمَا قَبُولًا في الْأَصَحِّ كَالْقَبْضِ وَقِيلَ وَإِيجَابًا كَالدَّفْعِ
وَقَالَا وَيَصِحُّ قَبْضُهُمَا بِلَا إذْنٍ وَلَا مضى مُدَّةِ إمْكَانِهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِمَا أَحَدٌ
وَقِيلَ إلَّا الْأَبَ
وَقِيلَ بَلْ يَرْجِعُ في الصَّدَقَةِ فَقَطْ على وَلَدِهِ الرَّشِيدِ إنْ كان قَبَضَهَا وَعَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا له بيده منها انْتَهَى
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَالْمَرُّوذِيُّ لَا رُجُوعَ في الصَّدَقَةِ
____________________
(7/163)
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا لَا يُعْتَبَرُ في الْهَدِيَّةِ قَبُولٌ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ
وقال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَلَا رُجُوعَ فِيهِمَا لِأَحَدٍ سِوَى أَبٍ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا وِعَاءُ الْهَدِيَّةِ كَالْهَدِيَّةِ مع الْعُرْفِ
فَإِنْ لم يَكُنْ عُرْفٌ رَدَّهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ لَا يَدْخُلُ الْوِعَاءُ إلَّا ما جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ وَنَحْوِهَا
الثَّانِيَةُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَهُوَ صَدَقَةٌ
وَقِيلَ مع حَاجَةِ الْمُتَّهَبِ
وَإِنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ إكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَتَحَبُّبًا وَمُكَافَأَةً فَهُوَ هَدِيَّةٌ
قال الْحَارِثِيُّ وَمِنْ هُنَا اُخْتُصَّتْ بِالْمَنْقُولَاتِ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ إلَيْهِ فَلَا يُقَالُ أَهْدَى أَرْضًا وَلَا دَارًا انْتَهَى وَغَيْرُهُمَا هِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ
وَقِيلَ الْكُلُّ عَطِيَّةٌ وَالْكُلُّ مَنْدُوبٌ انْتَهَى
وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّحْلَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ
والصدقة والهدية ( ( ( الصدقة ) ) ) مُتَغَايِرَانِ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَأْكُلُ من الْهَدِيَّةِ دُونَ الصَّدَقَةِ
فَالظَّاهِرُ أَنَّ من أَعْطَى شيئا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُحْتَاجِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَنْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ شيئا لِلتَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ له فَهُوَ هَدِيَّةٌ
وَجَمِيعُ ذلك مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مَحْثُوثٌ عليه انْتَهَى
الثَّالِثَةُ لو أعطى شيئا من غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا اسْتِشْرَافٍ وكان مِمَّنْ يَجُوزُ له أَخْذُهُ وَجَبَ عليه الْأَخْذُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(7/164)
اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ لِلْحَدِيثِ في ذلك
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ
قالوا في الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ له وفي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ الْخَلَّالُ في جَامِعِهِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ ( أَمَّا الْمَرِيضُ غير مَرَضِ الْمَوْتِ أو مَرَضًا غير مَخُوفٍ فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءٌ تَصِحُّ في جَمِيعِ مَالِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ مَاتَ بِهِ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في التَّيَمُّمِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ
فَائِدَةٌ لو لم يَكُنْ مَرَضُهُ مَخُوفًا حَالَ التَّبَرُّعِ ثُمَّ صَارَ مَخُوفًا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَكَاهُ السَّامِرِيُّ وَاقْتَصَرَ عليه الْحَارِثِيُّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْعَطِيَّةِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ ( وما قال عَدْلَانِ من اهل الطِّبِّ إنَّهُ مَخُوفٌ فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ )
أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ في ذلك عَدْلٌ وَاحِدٌ مُطْلَقًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/165)
وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُقْبَلُ وَاحِدٌ عِنْدَ الْعَدَمِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ
وَذَكَرَ بن رَزِينٍ الْمَخُوفُ عُرْفًا أو بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ
قَوْلُهُ ( فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ في أنها لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ وَلَا تَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ على الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ مِثْلَ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُحَابَاةِ )
يعنى إذَا مَاتَ من ذلك
أَمَّا إذَا عوفى فَهَذِهِ الْعَطَايَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ
تَنْبِيهٌ تَمْثِيلُهُ بِالْعِتْقِ مع غَيْرِهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ كَغَيْرِهِ في أَنَّهُ يُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَخَرَّجَ بن عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيُّ من مُفْلِسٍ رِوَايَةً هُنَا بِنَفَاذِ عِتْقِهِ من كل الْمَالِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو عَلَّقَ صَحِيحٌ عِتْقَ عَبْدِهِ على شَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ في مَرَضِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ من الثُّلُثِ
قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُمَا
وَقِيلَ يَكُونُ من كل الْمَالِ
وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي في خِلَافِهِ رِوَايَتَيْنِ
ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم تَكُنْ الصِّفَةُ وَاقِعَةً بِاخْتِيَارِ الْمُعَلِّقِ فَإِنْ كانت من فِعْلِهِ فَهُوَ من الثُّلُثِ بِغَيْرِ خِلَافٍ
الثَّانِيَةُ الْمُحَابَاةُ لِغَيْرِ وَارِثٍ من الثُّلُثِ كما قال الْمُصَنِّفُ
____________________
(7/166)
لَكِنْ لو حَابَاهُ في الْكِتَابَةِ جَازَ وكان من رَأْسِ الْمَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ منهم الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَالْمَجْدُ وهو اصح انْتَهَى
وَقِيلَ من الثُّلُثِ
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
وَاخْتَلَفَ فيها كَلَامُ أبي الْخَطَّابِ
وَكَذَا حُكْمُ وَصِيَّتِهِ بِكِتَابَتِهِ وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ بِقِيمَتِهِ
قَوْلُهُ ( فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسُّلِّ وَالْجُذَامِ وَالْفَالِجِ في دَوَامِهِ فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهِيَ مَخُوفَةٌ ) بِلَا نِزَاعٍ
( وَإِلَّا فَلَا )
يعنى وَإِنْ لم يَصِرْ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وقال أبو بَكْرٍ في الشَّافِي فيه وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَطِيَّتَهُ من الثُّلُثِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(7/167)
قَوْلُهُ ( وَمَنْ كان بين الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وفي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ أو وَقَعَ الطَّاعُونُ في بَلَدِهِ أو قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ منه وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ )
يعنى الْمَرِيضَ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ في الْجُمْلَةِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ من الْمَالِ كُلِّهِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ هذه الرِّوَايَةَ من غَيْرِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ
وقال الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الطَّاعُونَ إذَا وَقَعَ بِبَلَدِهِ أَنَّهُ ليس بِمَخُوفٍ فإنه ليس بِمَرِيضٍ وَإِنَّمَا يَخَافُ الْمَرَضَ وما هو بِبَعِيدٍ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ إنْ كان الْغَالِبُ من الْوَلِيِّ الِاقْتِصَاصَ فَمَخُوفٌ وَإِنْ كان الْغَالِبُ منه الْعَفْوُ فَغَيْرُ مَخُوفٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( وَمَنْ كان بين الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ )
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أو مَقْهُورَةً فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ ظُهُورِهَا فَلَيْسَتْ خَائِفَةً
قَوْلُهُ ( قال الْخِرَقِيُّ وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا صَارَ لها سِتَّةُ أَشْهُرٍ )
وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وقال هذا الْمَذْهَبُ انْتَهَى
وَالْمُذْهَبُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ وقال الخرقى بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى
وَعَنْهُ إذَا أَثْقَلَتْ الْحَامِلُ كان مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا
____________________
(7/168)
قال في الرِّعَايَةِ وَعِنْدَ ثِقَلِ الْحَمْلِ وَعِنْدَ الطَّلْقِ
قَوْلُهُ ( وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ )
يعنى حتى تَنْجُوَ من نِفَاسِهَا بِلَا نِزَاعٍ
قِيلَ سَوَاءٌ كان بها أَلَمٌ في هذه الْمُدَّةِ أو لَا
قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ
وَقِيلَ إنَّمَا يَكُونُ مَخُوفًا في هذه الْمُدَّةِ إذَا كان بها أَلَمٌ
قال في الْفُرُوعِ هذا أَشْهَرُ
قال في الْكَافِي وَلَوْ وَضَعَتْ وَبَقِيَتْ مَعَهَا الْمَشِيمَةُ أو حَصَلَ مَرَضٌ أو ضَرَبَانٌ فَمَخُوفٌ وَإِلَّا فَلَا
قال الْحَارِثِيُّ الْأَقْوَى أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ وَجَعٌ فَغَيْرُ مَخُوفٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فَوَائِدُ
منها حُكْمُ السِّقْطِ حُكْمُ الْوَلَدِ التَّامِّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَغَيْرِهِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ وَلَدَتْ صَغِيرًا أو بقى مَرَضٌ أو وَجَعٌ وَضَرَبَانٌ شَدِيدٌ أو رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا أو مَاتَ الْوَلَدُ مَعَهَا أو قُتِلَ وَقِيلَ أو أَسْقَطَتْ وَلَدًا تَامًّا فَهُوَ مَخُوفٌ انْتَهَى
وأن وَضَعَتْ مُضْغَةً فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في المغنى وَالشَّرْحِ فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ إلَّا مع أَلَمٍ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ وَقِيلَ أو وَضَعَتْ مُضْغَةً أو عَلَقَةً مع أَلَمٍ أو مَرَضٍ
وَقِيلَ لَا حُكْمَ لَهُمَا بِلَا أَلَمٍ وَلَا مَرَضٍ
____________________
(7/169)
وَمِنْهَا حُكْمُ من حُبِسَ لِلْقَتْلِ حُكْمُ من قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ منه
وَمِنْهَا الْأَسِيرُ فَإِنْ كان عَادَتُهُمْ الْقَتْلَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ من قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ عَطَايَاهُ من كل الْمَالِ
وَإِنْ لم تَكُنْ عَادَتُهُمْ الْقَتْلَ فَعَطَايَاهُ من كل الْمَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ من الثُّلُثِ نَصَّ عليه
وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي على من عَادَتُهُمْ الْقَتْلُ
وَمِنْهَا لو جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ مع ثَبَاتِ عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ إنْ فَسَدَ عَقْلُهُ وَقِيلَ أو لَا لم تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ
وَمِنْهَا حُكْمُ من ذُبِحَ أو أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرْقُهَا وَقَطْعُهَا فَقَطْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في الْحَرَكَةِ في الطِّفْلِ وفي الْجِنَايَةِ
قال الْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
وقال الْمُصَنِّفُ هُنَا لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ كَمَيِّتٍ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا في فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ ولم تُبَنْ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَرِثَهُ
وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرِثُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ زَهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ ولم يُوجَدْ وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ وَإِنْ كان لَا يَدُلُّ على حَيَاةٍ أَثْبَتَ من حَيَاةِ هذا انْتَهَى
____________________
(7/170)
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ هذا من الشَّيْخِ أَنَّ من ذُبِحَ ليس كَمَيِّتٍ مع بَقَاءِ رُوحِهِ انْتَهَى
قال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ ذُبِحَ أو أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ فَقَوْلُهُ لَغْوٌ
وَإِنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ أو اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَتَبَرُّعُهُ وَوَصِيَّتُهُ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عن التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ
وَعَنْهُ يُقْسَمُ بين الْكُلِّ بِالْحِصَصِ كَالْوَصَايَا وهو وَجْهٌ في الْمُحَرَّرِ
قال الْحَارِثِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قوله ( فَإِنْ تَسَاوَتْ قُسِمَ بين الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ )
إنْ لم يَكُنْ فيها عِتْقٌ وَوَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كان فيها عِتْقٌ فَكَذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وقال الْحَارِثِيُّ في الْعِتْقِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَيُكْمَلُ الْعِتْقُ في بَعْضِهِمْ كما في حَالِ الْوَصِيَّةِ
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ ( وَأَمَّا معاوضة ( ( ( معارضة ) ) ) الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَتَصِحُّ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كانت مع وَارِثٍ
____________________
(7/171)
إنْ كانت الْمُعَاوَضَةُ في الْمَرَضِ مع غَيْرِ الْوَارِثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّتْ من رَأْسِ الْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كانت مع وَارِثٍ وَالْحَالَةُ هذه فَكَذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِوَارِثٍ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِعَيْنِ الْمَالِ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ في الْوَصِيَّةِ
قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ تَصِحُّ مع وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ
وَاخْتَارَهُ في الِانْتِصَارِ في مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ بِمَالٍ
فَائِدَةٌ لو قَضَى بَعْضُ الْغُرَمَاءِ دَيْنَهُ وَتَرِكَتُهُ تَفِي بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ
قال في الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وقال أبو الْخَطَّابِ وبن الْبَنَّا لَا يَصِحُّ إلَّا قَضَاؤُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا ضَاقَ مَالُهُ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ حَابَى وَارِثَهُ فقال الْقَاضِي يَبْطُلُ في قَدْرِ ما حَابَاهُ وَيَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ )
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/172)
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وقال وَهَذَا الْمَذْهَبُ
وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَعَنْهُ يَدْفَعُ قِيمَةَ باقية أو يَفْسَخُ الْبَيْعَ
قال الْحَارِثِيُّ وَيَأْتِي في بَابِ الْوَصَايَا أَنَّ الْأَشْهَرَ لِلْأَصْحَابِ انْتِفَاءُ النُّفُوذِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فيفيد ( ( ( فقيد ) ) ) ما قال هُنَا من الْبُطْلَانِ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ انْتَهَى
وَيَأْتِي في أَوَاخِرِ فَصْلِ وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ حُكْمُ ما إذَا حَابَى أَجْنَبِيًّا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا وَحَابَاهُ وكان شَفِيعُهُ وَارِثًا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ )
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
قال في الْفُرُوعِ أَخَذَ شَفِيعُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي وَالْحَارِثِيِّ وقال هذا الْأَشْهَرُ
وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الشُّفْعَةَ هُنَا
وهو احْتِمَالٌ في المغنى وَالشَّرْحِ
قال الْحَارِثِيُّ والمغنى في الشُّفْعَةِ وَجْهٌ لَا شُفْعَةَ له
قَوْلُهُ ( وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا يَخْرُجُ من ثُلُثِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ وَإِنْ صَارَ عليه دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
قال الْحَارِثِيُّ في اعْتِبَارِ الثُّلُثِ في الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ خِلَافٌ فَيَجْرِي مِثْلُهُ في الْعَطِيَّةِ على الْقَوْلِ بِهِ وَأَوْلَى
قال وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ
____________________
(7/173)
قال وَمِنْ الْأَصْحَابِ من أَوْرَدَ رِوَايَةً أو وَجْهًا يَعْتِقُ ثُلُثُ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا كان عليه دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ الْعَبْدَ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ ( وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ في أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ منها وَالْوَصَايَا يُسَوَّى بين الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ منها )
هذا صَحِيحٌ لَكِنْ لو اجْتَمَعَتْ الْعَطِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ وَضَاقَ الثُّلُثُ عنهما فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُقَدَّمُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَجَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَصَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ التَّسَاوِي قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ لَكِنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ كما تَقَدَّمَ
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ كانت الْوَصِيَّةُ فَقَطْ مِمَّا يَخْرُجُ من أَصْلِ الْمَالِ قُدِّمَتْ وَأُخْرِجَتْ الْعَطِيَّةُ من ثُلُثِ الْبَاقِي
فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ولم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ فقال الْوَرَثَةُ أَعْتَقَهُ في مَرَضِهِ وقال الْعَبْدُ بَلْ في صِحَّتِهِ صُدِّقَ الْوَرَثَةُ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ ( وَإِنْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يساوى عَشْرَةً فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الرَّدِيءِ من قِيمَةِ الْجَيِّدِ ثُمَّ أنسب الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي وهو عَشْرَةٌ من عِشْرِينَ تَجِدْهُ نِصْفَهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ وَيَبْطُلُ فِيمَا بقى ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ شِئْت في عَمَلِهَا أَيْضًا فأنسب ثُلُثَ الْأَكْثَرِ من الْمُحَابَاةِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ وهو هُنَا نِصْفُ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ
____________________
(7/174)
وَإِنْ شِئْت فَاضْرِبْ ما حَابَاهُ في ثَلَاثَةٍ يَبْلُغْ سِتِّينَ ثُمَّ أنسب قِيمَةَ الْجَيِّدِ إلَيْهِ فَهُوَ نِصْفُهَا فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ
وَإِنْ شِئْت فَقُلْ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ الثُّلُثَانِ وَمَخْرَجُهُمَا ثَلَاثَةٌ فَخُذْ لِلْمُشْتَرِي سَهْمَيْنِ منه وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً ثُمَّ أنسب الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ بِالنِّصْفِ فَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْآخَرِ
وَبِالْجَبْرِ يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ من الْأَعْلَى بِشَيْءٍ من الْأَدْنَى قِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ من الْأَعْلَى فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ منه فَأَلْقِهَا منه فَيَبْقَى قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَيْ الْمُحَابَاةِ منه وهو شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ فإذا جَبَرْت وَقَابَلْت عَدْلَ شَيْئَيْنِ فَالشَّيْءُ نِصْفُ قَفِيزٍ
وَإِنَّمَا فُعِلَ هذا لِئَلَّا يفضى إلَى رِبَا الْفَضْلِ
فَلَوْ كان لَا يَحْصُلُ في ذلك رِبًا مِثْلُ ما لو بَاعَهُ عَبْدًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ بِعَشْرَةٍ ولم تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ بَيْعِ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَالْهِبَةِ فَيَرُدُّ الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُمَا وهو عَشْرَةٌ وَيَأْخُذُ عَشْرَةً بِالْمُحَابَاةِ لِنِسْبَتِهَا من قِيمَتِهِ
قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ
قال الْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ في نِصْفِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ كَالْأُولَى لِنِسْبَةِ الثُّلُثِ من الْمُحَابَاةِ فَصَحَّ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي سِوَى الْخِيَارِ
اخْتَارَهُ في المغنى وَالْمُحَرَّرِ
وَلَك عَمَلُهَا بِالْجَبْرِ فَتَقُولُ يَصِحُّ الْبَيْعُ في شَيْءٍ بِثُلُثِ شَيْءٍ فَيَبْقَى الْعَبْدُ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُهُ شيئا وَثُلُثًا فأجبر وَقَابِلْ يَبْقَى عَبْدٌ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ فَالشَّيْءُ نِصْفُهُ فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ
____________________
(7/175)
لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَدُورُ بِأَنَّ ما نَفَذَ الْبَيْعُ فيه خَارِجٌ من التَّرِكَةِ وما قَابَلَهُ من الثَّمَنِ دَاخِلٌ فيها
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ما يَنْفُذُ فيه الْبَيْعُ يَزِيدُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِقَدْرِ نُقْصَانِهَا وَتَزِيدُ التَّرِكَةُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْمُقَابِلِ الدَّاخِلِ وَيَزِيدُ الْمُقَابِلُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ دَوْرٌ
وَعَنْهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَدْفَعُ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عَشْرَةً أو يَفْسَخُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو ضَعِيفٌ وَأَطْلَقَهُنَّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كانت الْمُحَابَاةُ مع وَارِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ على الْأَصَحِّ في ثُلُثِهِ وَلَا مُحَابَاةَ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ يَدْفَعُ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عِشْرِينَ أو يَفْسَخُ
وإذا أَفْضَى إلَى إقَالَةٍ بِزِيَادَةٍ أو رِبَا فَضْلٍ تَعَيَّنَتْ الرِّوَايَةُ الْوُسْطَى كَالْمَسْأَلَةِ التي ذَكَرْت أَوَّلًا أو نَحْوِهَا
قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشْرَةً لَا مَالَ له غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ ذلك بِمَوْتِهَا صَارَ له سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ أجبرها بِنِصْفِ شَيْءٍ وَقَابِلْ يَخْرُجْ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ )
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ نَصَّ عليه )
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
____________________
(7/176)
وَعَنْهُ ( تُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ من الثُّلُثِ قال أبو بَكْرٍ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه )
قال الْحَارِثِيُّ قَوْلُ أبي بَكْرٍ إنَّهُ مَرْجُوعٌ عنه لَا دَلِيلَ عليه من تَارِيخٍ وَلَا غَيْرِهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ إنْ وَرِثَتْهُ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ
قال في الْفُرُوعِ وَزِيَادَةُ مَرِيضٍ على مَهْرِ الْمِثْلِ من ثُلُثِهِ نَصَّ عليه
وَعَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا صَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ كَوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو وَهَبَهَا كُلَّ مَالِهِ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِوَرَثَتِهَا خمسة
وَيَأْتِي في بَابِ الْخُلْعِ إذَا خَالَعَهَا أو حَابَاهَا أو خَالَعَتْهُ في مَرَضِ مَوْتِهَا
الثَّانِيَةُ قال في الِانْتِصَارِ له لُبْسُ النَّاعِمِ وَأَكْلُ الطِّيبِ لِحَاجَتِهِ وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ الْوَرَثَةِ مُنِعَ من ذلك وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ
وفي الِانْتِصَارِ أَيْضًا يُمْنَعُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَعَادَتِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ كَإِتْلَافِهِ
وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ في الْحَجْرِ
وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ الْحَلْوَانِيِّ أَيْضًا وبن شِهَابٍ
وقال لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لم يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ
قَوْلُهُ ( وَلَوْ مَلَكَ بن عَمِّهِ فَأَقَرَّ في مَرَضِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ في صِحَّتِهِ ) عَتَقَ ( ولم يَرِثْهُ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ ) وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( لِأَنَّهُ لو وَرِثَهُ كان إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ
____________________
(7/177)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هذا أَقْيَسُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَرِثُ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وهو احْتِمَالٌ في الشَّرْحِ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْتِقُ من رَأْسِ مَالِهِ على الصَّحِيحِ نَصَّ عليه
وَقِيلَ من الثُّلُثِ
فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لو اشْتَرَى ابْنَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وهو يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ من رَأْسِ مَالِهِ فَوَائِدُ
الْأُولَى لو اشْتَرَى من يَعْتِقُ على وَارِثِهِ صَحَّ وَعَتَقَ على وَارِثِهِ
وَإِنْ دَبَّرَ بن عَمِّهِ عَتَقَ وَالْمَنْصُوصُ لَا يَرِثُ
وَقِيلَ يَرِثُ
الثَّانِيَةُ لو قال أنت حُرٌّ في آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَرِثُ وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً له فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ
الثَّالِثَةُ لو عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ لم يَرِثْهُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له فيه
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ
الرَّابِعَةُ لو عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ على شَيْءٍ فَوُجِدَ وهو مَرِيضٌ عَتَقَ من ثُلُثِ مَالِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ من كُلِّهِ
____________________
(7/178)
وَيَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ لو أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ أو دَبَّرَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ
قَوْلُهُ ( وَكَذَلِكَ على قِيَاسِهِ لو اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ الْمَحْرَمَ في مَرَضِهِ وهو وَارِثُهُ أو وَصَّى له بِهِ أو وُهِبَ له فَقَبِلَهُ في مَرَضِهِ )
يَعْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ على قَوْلِ أبي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ
قال في الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ أو الْوَصِيَّةَ هذا أَقْيَسُ
( وقال الْقَاضِي يَرِثُهُ )
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ إذَا كان عليه دَيْنٌ
وَقِيلَ يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَيُبَاعُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا مَلَكَ من يَعْتِقُ عليه بِهِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ من رَأْسِ الْمَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ في الْمَنْصُوصِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ من الثُّلُثِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا
قُلْت اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو اشْتَرَى من يَعْتِقُ عليه بِالرَّحِمِ فإنه يَعْتِقُ من الثُّلُثِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَعَنْهُ يَعْتِقُ من رَأْسِ مَالِهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(7/179)
وَيَرِثُ أَيْضًا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي وَابْنُهُ وأبو الْحُسَيْنِ وبن بَكْرُوسٍ وَالْمَجْدُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ فإذا أَعْتَقْنَاهُ من الثُّلُثِ وَوَرَّثْنَاهُ فَاشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِثَمَنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ على الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَوَرِثَ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ من نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَوْقُوفِ ولم يَكُنْ لِأَحَدٍ وَلَاءٌ على هذا الْجُزْءِ وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ إرْثٌ لِلِابْنِ يَعْتِقُ عليه وَلَهُ وَلَاؤُهُ
وإذا لم تورثه ( ( ( نورثه ) ) ) فَوَلَاؤُهُ بين ابْنِهِ وبن ابْنِهِ أَثْلَاثًا
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ لو اشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِثَمَنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وهو تِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الْأَبِ سِتَّةٌ فَقَدْ حَصَلَ منه عَطِيَّتَانِ من عَطَايَا الْمَرِيضِ مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَعِتْقُ الْأَبِ إذَا قُلْنَا إنَّ عِتْقَهُ من الثُّلُثِ وَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ يَتَحَاصَّانِ
وَالثَّانِي تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ وَلَا يَعْتِقُ الْأَبُ وهو اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ
قَوْلُهُ ( وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا في مَرَضِهِ لم تَرِثْهُ على قِيَاسِ الْأَوَّلِ )
وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَاخْتَارَهُ بن شَاقِلَا في تَعَالِيقِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ
قُلْت فيعايي بها وَبِأَشْبَاهِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِمْ ليس فِيهِمْ من مَوَانِعِ الْإِرْثِ شَيْءٌ وَلَا يَرِثُونَ
وقال الْقَاضِي تَرِثُهُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه
وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(7/180)
قال الْحَارِثِيُّ هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ
فَائِدَةٌ عِتْقُهَا يَكُونُ من الثُّلُثِ إن خَرَجَتْ من الثُّلُثِ عَتَقَتْ وَصَحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ لم تَخْرُجْ عَتَقَ قدرة وَبَطَلَ النِّكَاحُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ
قَوْلُهُ ( وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ له سِوَاهُمَا وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْعِتْقُ ولم تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا )
قال الْمُصَنِّفُ هذا أَوْلَى
وقال الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْمِائَتَيْنِ وَيَعْتِقُ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَزَوَّجَ في مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَهْرٍ يَزِيدُ على مَهْرِ الْمِثْلِ فَفِي الْمُحَابَاةِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا هِيَ مَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِوَارِثٍ
وَالثَّانِيَةُ تَنْفُذُ من الثُّلُثِ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ والاثرم وَصَالِحٌ وبن مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ بن زِيَادٍ
قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ
الثَّانِيَةُ لو أَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةً وَالْحَالَةُ ما ذُكِرَ صَحَّ وَبَطَلَ الْعِتْقُ في ثُلُثَيْ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ من الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بحالة الْمَوْتِ
وَهَكَذَا لو تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ قبل مَوْتِهِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ من الثُّلُثَيْنِ فقال الْقَاضِي يَصِحُّ الشِّرَاءُ
____________________
(7/181)
وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشِّرَاءَ وَصِيَّةً لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ إنَّمَا يَنْفُذُ في الثُّلُثِ وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ
وَجَزَمَ بهذا بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَلَى قَوْلِ من قال ليس الشِّرَاءُ بِوَصِيَّةٍ يَعْتِقُ الْأَبُ وَيَنْفُذُ من التَّبَرُّعِ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَالِ حَالَ الْمَوْتِ وما بَقِيَ فَلِلْأَبِ سُدُسُهُ وَبَاقِيهِ لِلِابْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
قال الْحَارِثِيُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ قال الْأَصْحَابُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَهَلْ يَعْتِقُ وَيَرِثُ
إنْ قِيلَ بِعِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ من الثُّلُثِ فَلَا عِتْقَ وَلَا إرْثَ
وَإِنْ قِيلَ بِعِتْقِهِ من رَأْسِ الْمَالِ عَتَقَ وَنَفَذَ التَّبَرُّعُ من ثُلُثِ الْمَالِ وَكَذَا فِيمَا زَادَ
____________________
(7/182)
كِتَابُ الْوَصَايَا
قَوْلُهُ ( وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ )
هذا الْحَدُّ هو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وقال أبو الْخَطَّابِ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَا يَقِفُ نُفُوذُهُ على خُرُوجِهِ من الثُّلُثِ
فَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْعَطِيَّةُ في مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وفي حَدِّهِ اخْتِلَافٌ من وُجُوهٍ
أَحَدُهَا أَنَّهُ يَدْخُلُ فيه تَبَرُّعُهُ بِهِبَاتِهِ وَعَطَايَاهُ الْمُنْجَزَةِ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَذَلِكَ لَا يُسَمَّى وَصِيَّةً
وَيَخْرُجُ منه وَصِيَّةٌ بِمَا زَادَ على الثُّلُثِ فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ الْوَرَثَةِ
وَيَخْرُجُ منه أَيْضًا وَصِيَّةٌ بِفِعْلِ الْعِبَادَاتِ وَقَضَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالنَّظَرِ في أَمْرِ الْأَصَاغِرِ من أَوْلَادِهِ وَتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ وَنَحْوِ ذلك
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( وَتَصِحُّ من الْبَالِغِ الرَّشِيدِ عَدْلًا كان أو فَاسِقًا رَجُلًا أو امْرَأَةً مُسْلِمًا أو كَافِرًا )
هذا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ
وقد شَمِلَ الْعَبْدَ وهو صَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ منهم الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كان فِيمَا عَدَا الْمَالِ فَصَحِيحٌ
وَإِنْ كان في الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ قبل الْعِتْقِ فَلَا وَصِيَّةَ على الْمَذْهَبِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ
____________________
(7/183)
وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ صَحَّتْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ
وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا الْمَحْجُورَ عليه لِفَلَسٍ فَتَصِحُّ حتى لو كانت الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ من مَالِهِ لِأَنَّهُ قد يَتَحَوَّلُ ما بَقِيَ من الدَّيْنِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ الْأَوَّلُ إذَنْ لِلْغُرَمَاءِ
وَإِنْ مَاتَ قبل ذلك لَغَتْ الْوَصِيَّةُ
قال في الْكَافِي وَغَيْرِهِ هذا إذَا لم يُعَايِنْ الْمَوْتَ
فَأَمَّا إذَا عَايَنَ الْمَوْتَ لم تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَوْلٌ وَلَا قَوْلَ له وَالْحَالَةُ هذه
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ قبل قَوْلِهِ والحامل ( ( ( الحامل ) ) ) عِنْدَ الْمَخَاضِ ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ
قَوْلُهُ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ بِلَا نِزَاعٍ
وَكَذَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا تَصِحُّ من مُرْتَدٍّ
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ فَيَنْفُذُ فِيمَا عَدَا الْمَالِ
وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ قبل الْعِتْقِ فَلَا وَصِيَّةَ على الْمَذْهَبِ
وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ صَحَّتْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ نَفَذَتْ بِلَا خِلَافٍ
وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ
فَلَوْ قال مَتَى عَتَقْت ثُمَّ مِتّ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ نَفَذَ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ
____________________
(7/184)
قَوْلُهُ ( وَمِنْ السَّفِيهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ )
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَصِحُّ منه حَكَاهُ أبو الْخَطَّابِ
وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمَالٍ
أَمَّا وَصِيَّتُهُ على أَوْلَادِهِ فَلَا تَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ فَوَصِيَّتُهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى قَالَهُ في الْمَطْلَعِ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ في بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ صِحَّةُ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ وهو أَوْلَى بِالصِّحَّةِ من الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذي حَدَاهُ إلَى ذلك تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عليه في تَصَرُّفَاتِهِ أو لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَى الثَّوَابِ وَتَصَرُّفُهُ في هذه مَحْضُ مَصْلَحَةٍ من غَيْرِ ضَرَرٍ لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ لم يَذْهَبْ من مَالِهِ شَيْءٌ
وَلَا يَلْزَمُ من ذلك أَنَّ الْوَصِيَّةَ على أَوْلَادِهِ لَا تَصِحُّ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ في الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ
قَوْلُهُ ( وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ )
إذَا جَاوَزَ الصَّبِيُّ الْعَشْرَ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(7/185)
حتى قال أبو بَكْرٍ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ من له عَشْرُ سِنِينَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ انْتَهَى
وَعَنْهُ تَصِحُّ إذَا بَلَغَ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً نَقَلَهَا بن الْمُنْذِرِ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا تَصِحُّ من بن اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فلم يَطَّلِعْ أبو بَكْرٍ على ذلك وَقِيلَ لَا تَصِحُّ حتى يَبْلُغَ وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي
قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ له دُونَ السَّبْعِ )
يَعْنِي مِمَّنْ لم يُمَيِّزْ على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الصَّلَاةِ
( وَفِيمَا بَيْنَهُمَا رِوَايَتَانِ ) يَعْنِي فِيمَا بين السَّبْعِ وَالْعَشْرِ
وَأَطْلَقَهُمَا أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا لَا تَصِحُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال بن أبي مُوسَى لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ لِدُونِ عَشْرٍ وَلَا إجَازَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى
وأختاره بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْحَارِثِيُّ هذا الْأَشْهَرُ عنه
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ
وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ
قال الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ من الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ
____________________
(7/186)
وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُذْهَبِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
قال الْحَارِثِيُّ لم أَجِدْ هذه مَنْصُوصَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ بِنْتِ تِسْعٍ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى
وَقِيلَ تَصِحُّ لِسَبْعٍ مِنْهُمَا
قَوْلُهُ ( وفي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ )
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ
وَيَأْتِي في أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ في أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسَ رِوَايَاتٍ أو سِتًّا
قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ من اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بها )
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ
يَعْنِي إذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ
____________________
(7/187)
ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْأَوْلَى
وَاسْتَدَلَّ له بِحَدِيثِ رَضِّ الْيَهُودِيِّ رَأْسَ الْجَارِيَةِ وَإِيمَائِهَا إلَيْهِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّةٌ بِخَطِّهِ صَحَّتْ )
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا
قال الزَّرْكَشِيُّ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ على مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أو الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ وَالشَّهَادَةَ على الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرِّوَايَةُ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حتى يَشْهَدَ عليها
وقد خَرَّجَ بن عَقِيلٍ وَمَنْ بَعْدَهُ رِوَايَةً بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَخْذًا من قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا وقال اشْهَدُوا بِمَا فيها أَنَّهُ لَا تَصِحُّ أَيْ شَهَادَتُهُمْ على ذلك
فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في الْأُولَى بِالصِّحَّةِ وفي الثَّانِيَةِ بِعَدَمِهَا حتى يَسْمَعُوا ما فيه أو يُقْرَأَ عليه فَيُقِرَّ بِمَا فيه
فَخَرَّجَ جَمَاعَةٌ منهم الْمَجْدُ في مُحَرَّرِهِ وَغَيْرُهُ في كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَةً من الْأُخْرَى وقد خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ في بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي من الْأُولَى في الثَّانِيَةِ وقال هُنَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ حتى يُشْهِدَ عليها فَهُوَ كَالتَّخْرِيجِ من الثَّانِيَةِ في الْأُولَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ التَّفْرِقَةُ
____________________
(7/188)
فَتَصِحُّ في الْأُولَى وَلَا تَصِحُّ في الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ تَصِحُّ في الثَّانِيَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَيَأْتِي النَّصَّانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي
تَنْبِيهٌ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا وقال اشْهَدُوا بِمَا فيها أنها لَا تَصِحُّ أَيْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ على ذلك
قُلْنَا الْعَمَلُ بِخَطِّهِ في هذه الْوَصِيَّةِ فَحَيْثُ عُلِمَ خَطُّهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ أو بِبَيِّنَةٍ فإنه يُعْمَلُ بها كَالْأُولَى بَلْ هِيَ من أَفْرَادِ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ في الْوَصِيَّةِ
نَبَّهَ على ذلك شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وهو وَاضِحٌ
قُلْت في كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ إيمَاءٌ إلَى ذلك
فإنه قال وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ وما في الْوَصِيَّةِ وَالْحَالُ هذه غَيْرُ مَعْلُومٍ
أَمَّا لو وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ على أَنَّهُ لو وَصَّى فَلَيْسَ في نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ما يَمْنَعُهُ
ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُعْمَلُ بِالْخَطِّ بِشَرْطِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ ( وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ )
هذا الْمَذْهَبُ في الْجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ تَجِبُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَنَقَلَ في التَّبْصِرَةِ عن أبي بَكْرٍ وُجُوبَهَا لِلْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ
قَوْلُهُ ( لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا وهو الْمَالُ الْكَثِيرُ )
يعنى في عُرْفِ الناس على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقَطَعَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(7/189)
وقال الْمُصَنِّفُ وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى كان الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عن غني الْوَرَثَةِ لَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ هو من كان له أَكْثَرُ من ثَلَاثَةِ آلَافٍ
وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
وقال في الْوَجِيزِ تُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَةً وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا لَا دُونَهَا وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ الْمُتَوَسِّطُ في الْمَالِ هو الْمَعْرُوفُ في عُرْفِ الناس بِذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ الْمُتَوَسِّطُ من له ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَالْفَقِيرُ من له دُونَهَا
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ من مَلَكَ من أَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ الْفَقِيرُ من له دُونَ أَلْفٍ وَنَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ
قال في الْفُرُوعِ قال أَصْحَابُنَا هو فَقِيرٌ
قَوْلُهُ ( بِخُمُسِ مَالِهِ )
يعنى يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالشَّرْحِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وقال النَّاظِمُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ له مَالٌ كَثِيرٌ وَوَارِثُهُ غَنِيٌّ الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ
وَقِيلَ بِثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَ كَثْرَتِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ
قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ
وقال في الْإِفْصَاحِ تُسَنُّ الْوَصِيَّةُ بِدُونِ الثُّلُثِ
____________________
(7/190)
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَالْمُتَوَسِّطِ بِالْخُمُسِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أو ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمُسِ ولم يُضَيِّقْ على وَرَثَتِهِ وَإِنْ كان له مَالٌ كَثِيرٌ فَالرُّبُعُ أو الثُّلُثُ
وَأَطْلَقَ في الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ فَإِنْ كان الْقَرِيبُ غَنِيًّا فَلِلْمَسَاكِينِ وَعَالِمٍ وَدَيْنٍ قَطَعَهُ عن السَّبَبِ الْقَدَرُ وَضَيَّقَ عليهم الْوَرَعُ الْحَرَكَةَ فيه وَانْقَلَبَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ فَتَرَكُوهُ وَوَقَفُوا بِالْحَقِّ انْتَهَى
وَكَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ في المغنى اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ قال في الْفُرُوعِ مع أَنَّ دَلِيلَهُ عَامٌّ
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كان له وَرَثَةٌ )
أَيْ تُكْرَهُ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ من تَرَكَ خَيْرًا
فَتُكْرَهُ لِلْفَقِيرِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
نَقَلَ بن مَنْصُورٍ لَا يوصى بِشَيْءٍ
قال في الْوَجِيزِ لَا يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ أَقَلَّ من أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ تُكْرَهُ إذَا كان وَرَثَتُهُ مُحْتَاجِينَ وَإِلَّا فَلَا
قال في التَّبْصِرَةِ رَوَاهُ بن مَنْصُورٍ وَقَالَهُ في المغنى وَغَيْرِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَتَقَدَّمَ إطْلَاقُهُ في الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ
وَتَقَدَّمَ ما اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
____________________
(7/191)
قَوْلُهُ ( فَأَمَّا من لَا وَارِثَ له فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
قال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ هذه الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ في مَنْعِ الرَّدِّ وَتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ تَجُوزُ بِمَالِهِ كُلِّهِ إذَا كان وَارِثُهُ ذَا رَحِمٍ
قال الشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَأَطْلَقَ في الْفَائِقِ في ذَوِي الْأَرْحَامِ وَجْهَيْنِ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ بَنَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ على أَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ
وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي على أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ هل هو جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ أو وَارِثٌ
فَإِنْ قِيلَ هو جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ
وَإِنْ قِيلَ هو وَارِثٌ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ في ذلك مُسْتَوْفًى في آخِرِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجًا أو زَوْجَةً لَا غَيْرُ وَأَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَرُدَّ بَطَلَتْ في قَدْرِ فَرْضِهِ من الثُّلُثَيْنِ فَيَأْخُذُ الموصي له الثُّلُثَ ثُمَّ يَأْخُذُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ من الْبَاقِي وهو الثُّلُثَانِ فَيَأْخُذُ الرُّبُعَ إنْ كان زَوْجَةً وَيَأْخُذُ النِّصْفَ إنْ كان زَوْجًا ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُوصَى له الْبَاقِيَ من الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
____________________
(7/192)
اخْتَارَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقِيلَ لَا يَأْخُذُ الْمُوصَى له مع أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ سِوَى الثُّلُثِ
وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
قُلْت هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قالوا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ له وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ على الثُّلُثِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ لو كان الْوَارِثُ وَاحِدًا من أَهْلِ الْفُرُوضِ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
الثَّانِيَةُ لو أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ فَلَهُ على الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمَالُ كُلُّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا تَصِحُّ
وَلَهُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الثُّلُثُ بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ فَرْضُهُ من الْبَاقِي وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ له وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ على الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ )
يَحْرُمُ عليه فِعْلُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ له ذلك
قال في الْفُرُوعِ وقال في التَّبْصِرَةِ يُكْرَهُ
____________________
(7/193)
قُلْت وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الثَّانِيَةِ وَقَدَّمَهُ في الْأُولَى
وَعَنْهُ يُكْرَهُ في صِحَّتِهِ من كل مَالِهِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ
قُلْت الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ
وَلَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ له وَجْهٌ
قَوْلُهُ ( إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ )
يعنى أنها تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عليها
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ في الْمَذْهَبِ
حتى إنَّ الْقَاضِيَ في التَّعْلِيقِ وَأَبَا الْخَطَّابَ في خِلَافِهِ وَالْمَجْدَ وَجَمَاعَةً لم يَحْكُوا فيه خِلَافًا
وَعَنْهُ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مبتدأه وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
وهو وَجْهٌ في الْفَائِقِ في الْأَجْنَبِيِّ وَرِوَايَةٌ في الْوَارِثِ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ يَكُونُ وَقْفًا على بَعْضِ وَرَثَتِهِ فإنه يَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما تَقَدَّمَ في الْهِبَةِ
وَفِيهِ قَوْلٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ
فَيَكُونُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقًا لَمَا اخْتَارَهُ
قَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يوصى لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ فَهَلْ تَصِحُّ على وَجْهَيْنِ
____________________
(7/194)
وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا تَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ
قال في الْفُرُوعِ وَتَصِحُّ مُعَاوَضَةُ مَرِيضٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ
وَعَنْهُ مع وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ اخْتَارَهُ في الِانْتِصَارِ لِفَوَاتِ حَقِّهِ من الْمُعَيَّنِ
ثُمَّ قال وَمِثْلُهَا وَصِيَّةٌ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ
صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْحَارِثِيُّ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ صَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ لم يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا تَحَاصُّوا فيه وَأُدْخِلَ النَّقْصُ على كل وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَلَوْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ
فَعَلَيْهِمَا هل يَبْدَأُ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بها أو لِأَنَّ الْعِتْقَ تَغْلِيبًا ليس لِلْكِتَابَةِ فيه وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ ( وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ) وهو كما قال
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أنها تَنْفِيذٌ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُورُ في الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في خلافة الصَّغِيرِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى
قال في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الشَّارِحُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِالزِّيَادَةِ على الثُّلُثِ صحيحه مَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ الْوَرَثَةِ
____________________
(7/195)
فَعَلَى هذا تَكُونُ إجَازَتُهُمْ تَنْفِيذًا وَإِجَازَةً مَحْضَةً يَكْفِي فيها قَوْلُ الْوَارِثِ أَجَزْت أو أَمْضَيْت أو نَفَّذْت انْتَهَى
وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَخَصَّهَا في الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ
قال الشَّارِحُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ
فَعَلَى هذا تَكُونُ هِبَةً انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا أبو الْفَرَجِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قِيلَ هذا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ على الثُّلُثِ هل هِيَ بَاطِلَةٌ أو مَوْقُوفَةٌ على الْإِجَازَةِ كما تَقَدَّمَ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّارِحِ قَرِيبًا عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وهو الذي قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ بَلْ هو مَبْنِيٌّ على الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ
أَمَّا على الْبُطْلَانِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَهَذَا أَشْبَهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّانِي لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ
فَمِنْهَا على الْمَذْهَبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَجَزْت وأنفذت وأمضيت ( ( ( أنفذت ) ) ) وَنَحْوِ ذلك
وَعَلَى الثَّانِيَةِ تَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ في صِحَّتِهَا بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ وَجْهَيْنِ
قال الْمَجْدُ وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
____________________
(7/196)
وَمِنْهَا لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْهِبَةِ على الْمَذْهَبِ فَلَوْ كان الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ له لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ فيه
وَعَلَى الثَّانِيَةِ له الرُّجُوعُ
وَمِنْهَا هل يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا لِلْمُجِيزِ
فَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ هو مبنى على الْخِلَافِ وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في المغنى أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَلَكِنْ هل يُصَدَّقُ في دَعْوَى الْجَهَالَةِ على وَجْهَيْنِ
وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال إنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ بِالْمَجْهُولِ وَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ فَوَجْهَانِ
وَمِنْهَا لو كان لِلْمُجَازِ عُتَقَاءُ كان الْوَلَاءُ للموصى تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ على الْمَذْهَبِ
وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَجَازَ وَلَوْ كان أُنْثَى
فَائِدَةٌ لو كَسَبَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَهُوَ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ
وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ
وقال الْمُصَنِّفُ في المغنى في آخِرِ بَابِ الْعِتْقُ كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ انْتَهَى
وَلَوْ كان الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ قبل الْعِتْقِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبِعَهَا الْوَلَدُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَقَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ وقال هذا هو الظَّاهِرُ
وقال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ لَا تَعْتِقُ
وَمِنْهَا لو كان وَقْفًا على الْمُجِيزِينَ فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ صَحَّ الْوَقْفُ وَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ فَهُوَ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ على نَفْسِهِ
____________________
(7/197)
وَمِنْهَا لو حَلَفَ لَا يَهَبُ فَأَجَازَ لم يَحْنَثْ على الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَحْنَثُ
وَمِنْهَا لو قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ قبل الْإِجَازَةِ ثُمَّ أُجِيزَتْ
فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ له من حِينِ قَبُولِهِ
وَإِنْ قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ لم يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَمِنْهَا أَنَّ ما جَاوَزَ الثُّلُثَ من الْوَصَايَا إذَا أُجِيزَ هل يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ الذي لم يجاوزه ( ( ( يجاوز ) ) ) أولا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ
ذَكَرَهُ في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ
قال في الْقَوَاعِدِ وَاسْتُشْكِلَ تَوْجِيهُهُ على الْأَصْحَابِ وهو وَاضِحٌ فإنه إذَا كان مَعَنَا وَصِيَّتَانِ إحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ وَالْأُخْرَى لَا تُجَاوِزُهُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً
فأن قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ زَاحَمَ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا على خمسه لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِلْآخَرِ خُمُسَاهُ ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ
وَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ فَإِنَّمَا يُزَاحَمُ بِثُلُثٍ خَاصٍّ إذْ الزِّيَادَةُ عليه عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ من الْوَرَثَةِ لم تُتَلَقَّ من الْمَيِّتِ فَلَا يُزَاحِمُ بها الْوَصَايَا فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ بِالْإِجَازَةِ أَيْ يُعْطَى ثُلُثًا زَائِدًا على السُّدُسِ الذي أَخَذَهُ من الْوَصِيَّةِ
قال وَهَذَا مبنى على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ عَطِيَّةٌ أو تَنْفِيذٌ
فَيُفَرَّعُ على هذا الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ على الثُّلُثِ وَصِحَّتِهَا كما سَبَقَ انْتَهَى
____________________
(7/198)
وقد تَكَلَّمَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بن نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ على هذه الْمَسْأَلَةِ في كُرَّاسَةٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ
وما قَالَهُ بن رَجَبٍ صَحِيحٌ وَاضِحٌ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُقَالُ إنَّ عَدَمَ الْمُزَاحَمَةِ إنَّمَا هو في الثُّلُثَيْنِ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَخْتَصُّ بِهِمَا وَالْمُجِيزُ يُشْرِكُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا
أَمَّا الثُّلُثُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ [ أَنَّ هذا أَقْوَى وَأَوْلَى وهو مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ في أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ على قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مُطْلَقًا
وقد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ من ذلك في بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ كما لو أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ أو له بِكُلِّ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ
فَقَدْ قَطَعَ هو وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ إذَا رَدُّوا الزَّائِدَ على الثُّلُثِ يَكُونُ الثُّلُثُ على قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ
الثُّلُثَ وَيَأْخُذُ من الثُّلُثِ بِمِقْدَارِ ما يَأْخُذُهُ لوردوا فَعَلَى هذا الْمُزَاحَمَةُ في الثُّلُثِ بِالزَّائِدِ على
الْبِنَاءِ الذي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ طَرِيقَةٌ في الْمَسْأَلَةِ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ إنَّمَا
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ليس في كَلَامِ الْمُحَرَّرِ الْبِنَاءُ على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ
مَسْكُوتٌ عنه أو يُقَالُ بِنَاؤُهُ على أَنَّهُ تَنْفِيذٌ يَدُلُّ على خِلَافِ ذلك على خِلَافِهِ يَنْبَنِي عليه وَلِذَلِكَ قال في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ كَلَامُهُ يَقْتَضِي انْعِكَاسَ ] وَمِنْهَا لو أَجَازَ الْمَرِيضُ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَصِيَّةَ موروثة
____________________
(7/199)
فَإِنْ قُلْنَا إجَازَتُهُ عَطِيَّةً فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ من ثُلُثِهِ
وَإِنْ قُلْنَا هِيَ تَنْفِيذٌ فَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهَا من الثُّلُثِ أَيْضًا قَالَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَالْمَجْدُ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْمَسْأَلَةُ على وَجْهَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَهُمَا مُنَزَّلَانِ على أَصْلِ الْخِلَافِ في حُكْمِ الْإِجَازَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ وقد يُنَزَّلَانِ على أَنَّ الْمِلْكَ هل يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ في الْمُوصَى بِهِ أَمْ تَمْنَعُ الْوَصِيَّةُ الِانْتِقَالَ وَفِيهِ وَجْهَانِ
فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ فَالْإِجَازَةُ من الثُّلُثِ وَإِلَّا فَهِيَ من رَأْسِ مَالِهِ
وَمِنْهَا إجَازَةُ الْمُفْلِسِ قال في المغنى هِيَ نَافِذَةٌ وهو مُنَزَّلٌ على الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَلَا يَبْعُدُ على الْقَاضِي في التي قَبْلَهَا أَنْ لَا يَنْفُذَ
وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى في الشُّفْعَةِ
وَمِنْهَا إجَازَةُ السَّفِيهِ نَافِذَةٌ على الْمَذْهَبِ لَا على الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ مُطْلَقًا وَكَذَا صَاحِبُ الْفَائِقِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أوصى له وهو في الظَّاهِرِ وَارِثٌ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غير وَارِثٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ له وَإِنْ أوصى له وهو غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا بَطَلَتْ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ )
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَأَكْثَرُهُمْ لم يَحْكِ فيه خِلَافًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ في الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْمَوْتِ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ خِلَافًا ضَعِيفًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ كما حَكَى أبو بَكْرٍ وأبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّ الْوَصِيَّةَ في حَالِ
____________________
(7/200)
الصِّحَّةِ من رَأْسِ الْمَالِ وَلَا تَصِحُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَطِيَّةَ الْمُنْجَزَةَ كَذَلِكَ قال الْقَاضِي انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا
قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الموصى وما قبل ذلك لَا عِبْرَةَ بِهِ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ قبل الْمَوْتِ في مَرَضِهِ
خَرَّجَهَا الْقَاضِي أبو حَازِمٍ من إذْنِ الشَّفِيعِ في الشِّرَاءِ
قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَهُ في مَوْضِعٍ بِالْعَفْوِ عن الشُّفْعَةِ فَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ على رِوَايَتَيْنِ
وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ ) يعنى إذَا كانت جُزْءًا مُشَاعًا
( ثُمَّ قال إنَّمَا أَجَزْت لِأَنَّنِي ظَنَنْت الْمَالَ قَلِيلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ على ظَنِّهِ في أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ )
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له الرُّجُوعُ
اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
وَتَقَدَّمَ في الْفَوَائِدِ هل يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا
____________________
(7/201)
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ تَقُومَ عليه بَيِّنَةٌ )
يعنى تَشْهَدَ بِأَنَّهُ كان عَالِمًا بِزِيَادَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ
وَكَذَا لو كان الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عليه لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَهَذَا إذَا قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ
فَأَمَّا إذَا قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ في مِثْلِهِ في الْهِبَةِ
وقد تَقَدَّمَ قَرِيبًا في الْفَوَائِدِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ كان الْمُجَازُ عَيْنًا ) وَكَذَا لو كان مَبْلَغًا مُقَدَّرًا
( فقال ظَنَنْت بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ )
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لو قال ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا فَبَانَ أَكْثَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ
قال وَإِنْ أَجَازَ وقال أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ قُبِلَ انْتَهَى
قَوْلُهُ ( وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى له إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قبل الْمَوْتِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ )
أعلم أَنَّ حُكْمَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِهِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَاحِدٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(7/202)
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في مَوَاضِعَ على أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْوَصِيَّةِ قَبُولٌ فَيَمْلِكُهُ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ
وهو وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عن أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِلَا قَبُولِهِ كَالْمِيرَاثِ
وقال في المغنى وَمَنْ تَابَعَهُ وَطْؤُهُ الْأَمَةَ الْمُوصَى بها قَبُولٌ كرجعه وَبَيْعِ خِيَارٍ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَكْفِي الْفِعْلُ قَبُولًا
وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ أنها لَا تَلْزَمُ في الْمُبْهَمِ بِدُونِ قَبْضٍ
وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَجْهًا ثَالِثًا أنها لَا تَلْزَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ سَوَاءٌ كان مُبْهَمًا أو لَا كَالْهِبَةِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصَى له في الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمَلِكِ قد اسْتَقَرَّ له اسْتِقْرَارًا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَاقْتَصَرَ عليه
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُوصَى بِهِ قبل قَبُولِهِ من وَارِثِهِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ التَّدْبِيرِ
وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ في الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقٍ من الْأَصْحَاب فِيمَا نَعْلَمُهُ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ
وَتَقَدَّمَ في آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ إذَا كان الْمُوصَى له وَاحِدًا أو جَمْعًا مَحْصُورًا
فَأَمَّا إذَا كَانُوا غير مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ أو الْمَسَاكِينِ مَثَلًا أو لِغَيْرِ آدَمِيٍّ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(7/203)
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَتَى يَثْبُتُ الْمِلْكُ له إذَا قَبِلَ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ على الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ إذَا كان الْمَالُ عَيْنًا حَاضِرَةً يُتَمَكَّنُ من قَبْضِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ في رَجُلٍ تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ وَجَبَ الْعَبْدُ لِلْمُوصَى له وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ الْوَرَثَةِ
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في كِتَابِ الْعِتْقِ لَا يَدْخُلُ في ضَمَانِهِمْ بِدُونِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لم يَحْصُلْ في أَيْدِيهِمْ ولم يَنْتَفِعُوا بِهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ وَالْغَائِبَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا لم يَتَمَكَّنُوا من قَبْضِهِ
فَعَلَى هذا إنْ زَادَتْ التَّرِكَةُ قبل الْقَبْضِ فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ نَقَصَتْ لم يُحْسَبْ النَّقْصُ عليهم وَكَانَتْ التَّرِكَةُ ما بَقِيَ
ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ وَعَلَّلَهُ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى له قبل مَوْتِ الموصى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ) بِلَا نزع ( ( ( نزاع ) ) )
لَكِنْ لو مَاتَ الْمُوصَى له بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قبل مَوْتِ الموصى لم تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّ تَفْرِيغَ ذمه الْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَتَفْرِيغِهَا قَبْلَهُ لِوُجُودِ الشَّغْلِ في الْحَالَيْنِ كما لو كان حَيًّا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ
الثَّالِثَةُ لَا تَنْعَقِدُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَوَّضْت أو وَصَّيْت إلَيْك أو إلَى زَيْدٍ بِكَذَا أو أنت أو هو أو جَعَلْته أو جَعَلْتُك وَصِيِّي أو أَعْطُوهُ
____________________
(7/204)
من مَالِي بَعْدَ مَوْتِي كَذَا أو ادْفَعُوهُ إلَيْهِ أو جَعَلْته له أو هو له بَعْدَ مَوْتِي أو هو له من مَالِي بَعْدَ مَوْتِي وَنَحْوَ ذلك تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ( وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ أَيْضًا ) بِلَا نِزَاعٍ
لَكِنْ لو رَدَّهَا بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لم يَصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ قال في الْمَجْدِ هذا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يَصِحُّ رَدُّهُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَقِيلَ يَصِحُّ رَدُّهُ في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ
جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الزَّرْكَشِيُّ إنْ كان الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ لم يَصِحَّ الرَّدُّ وَكَذَا لو كان بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ على ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ
وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ مَذْهَبًا
فَائِدَةٌ إذَا لم يَقْبَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا رَدَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ على ما مَرَّ في بَابِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ لو امْتَنَعَ من الْقَبُولِ أو الرَّدِّ حُكِمَ عليه بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّهُ من الْوَصِيَّةِ
وَقَالَهُ في الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ )
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ قَالَهُ الْمَجْدُ
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(7/205)
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
( وقال الْقَاضِي تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ على قِيَاسِ قَوْلِهِ )
يعنى في خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَهَا عبد اللَّهِ وبن مَنْصُورٍ
وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
وَقَدَّمَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وقال اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ
وَحَكَى الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وَجْهًا أنها تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِلَا قَبُولٍ كَالْخِيَارِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثَبَتَ الْمِلْكُ حين الْقَبُولِ في الصَّحِيحِ )
وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الشَّارِحُ وبن مُنَجَّا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حين الْمَوْتِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
قال في الْعُمْدَةِ وَلَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ فلم يَأْخُذْهُ الموصي له زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ انْتَهَى
وقال في الْوَجِيزِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبُولِ عَقِبَ الْمَوْتِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ
____________________
(7/206)
وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ في الشَّافِي أَنَّ الْمِلْكَ مراعي
فإذا قَبِلَ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ له من حِينِ الْمَوْتِ
وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَحَكَى الشَّرِيفُ عن شَيْخِهِ أَنَّهُ قال هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قُلْت وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْوَجِيزِ الْمُتَقَدِّمُ بَلْ هو ظَاهِرٌ في ذلك
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَهَذَا هو الْوَجْهُ الذي قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ وهو كما قال
وحكى وَجْهٌ بِأَنَّهُ من حِينِ الْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهِ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ( قبل الْقَبُولِ لِلْوَرَثَةِ ) على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَاخْتَارَهُ هو وبن الْبَنَّا وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّارِحُ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَكُونُ على مِلْكِ الْمَيِّتِ وهو مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا
قال الْحَارِثِيُّ وَالْقَوْلُ بِالْبَقَاءِ لِلْمَيِّتِ قال بِهِ أبو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى
وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ فيها
وقال وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قالوا يَكُونُ لِلْمُوصَى له وهو قَوْلُ أبي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وَمَنْصُوصُ الأمام أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى
تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا
منها حُكْمُ نَمَائِهِ بين الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ
فَإِنْ قُلْنَا هو على مِلْكِ الْمُوصَى له فَهُوَ له يُحْتَسَبُ عليه من الثُّلُثِ
إنْ قُلْنَا هو على مِلْكِ الْمَيِّتِ فَتَتَوَفَّرُ بِهِ التَّرِكَةُ فَيَزْدَادُ بِهِ الثُّلُثُ
____________________
(7/207)
فَعَلَى هذا لو وَصَّى بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَثَمَنُهُ عَشْرَةٌ فلم تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَكَسَبَ بين الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ خَمْسَةً دَخَلَهُ الدَّوْرُ
فَتُجْعَلُ الْوَصِيَّةُ شيئا فَتَصِيرُ التَّرِكَةُ عَشْرَةً وَنِصْفَ شَيْءٍ تَعْدِلُ الْوَصِيَّةَ وَالْمِيرَاثَ وَهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فَيَخْرُجُ الشَّيْءُ أَرْبَعَةً بِقَدْرِ خمسي ( ( ( خمس ) ) ) الْعَبْدِ وهو الْوَصِيَّةُ وَتَزْدَادُ التَّرِكَةُ من الْعَبْدِ دِرْهَمَيْنِ
فَأَمَّا بَقِيَّتُهُ فَزَادَتْ على مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو على مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَهُوَ لهم خَاصَّةً
وَذَكَرَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى له لَا يَتَقَدَّمُ الْقَبُولَ وإن النَّمَاءَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ مع أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ على حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ
وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا قُلْنَا إنَّهُ مُرَاعًى وَأَنَّا نَتَبَيَّنُ بِقَبُولِ الْمُوصَى له مِلْكَهُ له من حِينِ الْمَوْتِ فإن النَّمَاءَ يَكُونُ لِلْمُوصَى له مُعْتَبَرًا من الثُّلُثِ
فَإِنْ خَرَجَ من الثُّلُثِ مع الْأَصْلِ فَهُمَا له وَإِلَّا كان له بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ من الثُّلُثِ كان له من النَّمَاءِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ إذَا نَمَا الْمُوصَى بوقفه ( ( ( وقفه ) ) ) بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ إيقَافِهِ فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْوَقْفِ لِأَنَّ نَمَاءَهُ قبل الْوَقْفِ كَنَمَائِهِ بَعْدَهُ
وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ الشَّافِعِيُّ
قال الدَّمِيرِيُّ وهو الظَّاهِرُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ
قُلْت قد تَقَدَّمَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ ما يُشَابِهُ ذلك
وهو إذَا أَوْصَى بِدَرَاهِمَ في وُجُوهِ الْبِرِّ أو لِيَشْتَرِيَ بها ما يُوقَفُ فَاتَّجَرَ بها الْوَصِيُّ فَقَالُوا رِبْحُهُ مع أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ
وَقِيلَ رِبْحُهُ إرْثٌ
____________________
(7/208)
وَمِنْهَا لو نَقَصَ الْمُوصَى بِهِ في سِعْرٍ أو صِفَةٍ
فقال في الْمُحَرَّرِ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ من التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يوم الْمَوْتِ على أَدْنَى صِفَاتِهِ من يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ
وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ من حِينِ الْقَبُولِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يوم الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يوم الْوَصِيَّةِ
ولم يَحْكِ في المغنى فيه خِلَافًا
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ على الْوُجُوهِ كُلِّهَا
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ
قال وهو أَوْجَهُ من كَلَامِ الْمَجْدِ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيُقَوَّمُ بِسُعْرِهِ يوم الْمَوْتِ
ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ ما في الْمُحَرَّرِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ خَاصَّةً انْتَهَى
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْمُوصَى بِهِ في قَوْلِهِ وَإِنْ لم يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ
وَمِنْهَا لو كانت الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قبل الْقَبُولِ وَأَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له وَلَا مَهْرَ عليه وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصَى له
هذا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا من حِينِ الْقَبُولِ وَيَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ
وَمِنْهَا لو وَطِئَهَا الْمُوصَى له قبل الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ
____________________
(7/209)
فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ له فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَإِلَّا فَلَا
وَمِنْهَا لو وَصَّى له بِزَوْجَتِهِ فَأَوْلَدَهَا قبل الْقَبُولِ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ له وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ وَنِكَاحُهُ بَاقٍ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا
وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا بِالْمَوْتِ فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ وَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ بِالْمَوْتِ
وَمِنْهَا لو وَصَّى له بِأَبِيهِ فَمَاتَ قبل الْقَبُولِ فَقَبِلَ ابْنُهُ وَقُلْنَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ في الْقَبُولِ عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ ولم يَرِثْ شيئا إذَا قُلْنَا إنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ
وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ فَقَدْ عَتَقَ بِهِ فَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مَوْتِ أبيه فَيَرِثُ منه
وَمِنْهَا لو كانت الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ في هذه الصُّورَةِ
فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ فَهُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ فَتُوَفَّى منه دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ هو مِلْكٌ لِلْوَارِثِ الذي قَبِلَ ذَكَرَهُ في الْمُحَرَّرِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُوصَى له على كِلَا الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ له فَكَيْفَ يَصِحُّ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِغَيْرِهِ
وَمِنْهَا لو وَصَّى لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ فَبَنَى الْوَارِثُ فيها وَغَرَسَ قبل الْقَبُولِ ثُمَّ قَبِلَ الْمُوصَى له
فَفِي الْإِرْشَادِ إنْ كان الْوَارِثُ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ قُلِعَ بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ مَجَّانًا وَإِنْ كان جَاهِلًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
قال في الْقَوَاعِدِ وهو مُتَوَجِّهٌ على الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ بِالْمَوْتِ
أَمَّا إنْ قِيلَ هِيَ قبل الْقَبُولِ على مِلْكِ الْوَارِثِ فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ وَغَرْسِهِ فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا يُتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَمِنْهَا لو بِيعَ شِقْصٌ في شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى له قبل قَبُولِهِ
____________________
(7/210)
فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ له من حِينِ الْمَوْتِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ في الشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ له فيها
وَمِنْهَا جَرَيَانُهُ من حِينِ الْمَوْتِ في حَوْلِ الزَّكَاةِ
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى له جَرَى في حَوْلِهِ
وَإِنْ قُلْنَا لِلْوَرَثَةِ فَهَلْ يَجْرِي في حَوْلِهِمْ حتى لو تَأَخَّرَ الْقَبُولُ سَنَةً كانت زَكَاتُهُ عليهم أَمْ لَا لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ فيه وَتَزَلْزُلِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى له بِهِ فَهُوَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ
قال في الْقَوَاعِدِ فيه تَرَدُّدٌ
قُلْت الثَّانِي أَوْلَى
قَوْلُهُ ( وإذا قال في الْمُوصَى بِهِ هذا لِوَرَثَتِي أو ما أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كان رُجُوعًا ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
( وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ ولم يَقُلْ ذلك فَهُوَ بَيْنَهُمَا ) هذا الْمَذْهَبُ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ وَالْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَارِثِيُّ
وَقِيلَ هو لِلثَّانِي خَاصَّةً اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ يُؤْخَذُ بِآخِرِ الْوَصِيَّةِ
وقال في التَّبْصِرَةِ هو لِلْأَوَّلِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيُّهُمَا مَاتَ أو رَدَّ قبل مَوْتِ الموصى كان لِلْآخَرِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَهُوَ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ
____________________
(7/211)