لم يَقْصِدْ الطِّيبَ وَلَا يُمْكِنُ لتحرز ( ( ( التحرز ) ) ) منه ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ وَلَوْ عَلِقَ بيده لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلِحَاجَةِ التِّجَارَةِ وَعَنْ بن عَقِيلٍ إنْ حَمَلَهُ مع ظُهُورِ رِيحِهِ لم يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَنَقَلَ بن الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ لِلْعَطَّارِ يَحْمِلُهُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا ما لَا رِيحَ له
الثَّانِيَةُ لو لَبِسَ أو تَطَيَّبَ أو غَطَّى رَأْسَهُ جَاهِلًا فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَكْلِ في الصَّوْمِ جَاهِلًا وقد قال الْقَاضِي لِخَصْمِهِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ ذلك
قَوْلُهُ السَّادِسُ قَتْلُ الصَّيْدِ وَاصْطِيَادُهُ وهو ما كان وَحْشِيًّا مَأْكُولًا
وَهَذَا في قَتْلِهِ الْجَزَاءُ إجْمَاعًا مع تَحْرِيمِهِ إلَّا أَنَّ في بَقَرِ الْوَحْشِ رِوَايَةً لَا جَزَاءَ فيها على ما يَأْتِي وَيَأْتِي إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ مُكْرَهًا أو نَاسِيًا في بَابِ الْفِدْيَةِ
قَوْلُهُ أو مُتَوَلِّدًا منه وَمِنْ غَيْرِهِ
شَمِلَ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بين وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ وَقِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بين وَحْشِيٍّ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ وَكِلَاهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ما أُكِلَ أَبَوَاهُ فُدِيَ وَحَرُمَ قَتْلُهُ وَكَذَا ما أُكِلَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ دُونَهُ وَقِيلَ لَا يفدي كَمُحَرَّمِ الْأَبَوَيْنِ انْتَهَى وفي الْفُرُوعِ هُنَا سَهْوٌ في النَّقْلِ من الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ يَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الْوَحْشِيِّ وما هو مُخْتَلَفٌ فيه عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ في تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ ما دَلَّ عليه أو أَشَارَ إلَيْهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ وبن إبْرَاهِيمَ وأبو الْحَارِثِ في الدَّالِّ وَنَقَلَهُ عبد اللَّهِ في الْمُشِيرِ وَنَقَلَهُ أبو طَالِبٍ في الْمُشِيرِ وفي الذي يُغَيِّرُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
____________________
(3/474)
الْأَصْحَابِ وقال في الْمُبْهِجِ إنْ كانت الدَّلَالَةُ له مُلْجِئَةً لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِلْمُحْرِمِ كَقَوْلِهِ دخل الصَّيْدُ في هذه الْمَفَازَةِ وَإِنْ كانت غير مُلْجِئَةٍ لم يَلْزَمْهُ كَقَوْلِهِ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ مع الْمُبَاشَرَةِ إذَا لم يَكُنْ مُلْجِئًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ على الْقَاتِلِ وَالدَّافِعِ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ
وقال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارِ تَحْرِيمُ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ دُونَ لُزُومِ الضَّمَانِ بِهِمَا
وقال أبو حَكِيمٍ في شَرْحِهِ إذَا أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حتى قَتَلَهُ الْحَلَالُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَيَرْجِعُ بِهِ على الْحَلَالِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ هذا مَحْمُولٌ على أَنَّهُ لم يُمْسِكْهُ لِيَقْتُلَهُ بَلْ أَمْسَكَهُ لِلتَّمَلُّكِ فَقَتَلَهُ الْحَلَالُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَرْجِعُ عليه بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ على الضَّمَانِ بِقَتْلِهِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا ضَمَانَ على دَالٍّ وَمُشِيرٍ إذَا كان قد رَآهُ من يُرِيدُ صَيْدَهُ قبل ذلك وَكَذَا لو وُجِدَ من الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ أو اسْتِشْرَافٌ فَفَطِنَ له غَيْرُهُ فَصَادَهُ أو أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَاسْتَعْمَلَهَا فيه
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما سَبَقَ لو دَلَّهُ فَكَذَّبَهُ لم يَضْمَنْ
الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ دَلَالَةٌ على طِيبٍ وَلِبَاسٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ وَالدَّلَالَةُ على الصَّيْدِ يَتَعَلَّقُ بها حُكْمٌ مَخْصُوصٌ وهو مُخْتَصٌّ وهو تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالْإِثْمِ
الثَّالِثَةُ لو نَصَبَ شَبَكَةً ثُمَّ أَحْرَمَ أو أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ كَدَارِهِ أو لِلْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ كَالْآدَمِيِّ إذَا تَلِفَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَأَطْلَقَ في الِانْتِصَارِ ضَمَانَهُ وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُ من أَطْلَقَ من أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لم يَتَحَيَّلْ فَالْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وإذا يَتَحَيَّلُ فَالْخِلَافُ قال وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ
____________________
(3/475)
وقال في الْفُصُولِ في أَوَاخِرِ الْحَجِّ في دِبْقٍ قبل إحْرَامِهِ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَلْ بَعْدَهُ كَنَصْبِ أُحْبُولَةٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ ورمى اعْتِبَارًا بِحَالَةِ النَّصْبِ وَالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ الضَّمَانُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ
وقال أَيْضًا يَتَصَدَّقُ من آذَاهُ أو أَفْزَعَهُ بِحَسَبِ أَذِيَّتِهِ اسْتِحْسَانًا
قال وَتَقْرِيبُهُ كَلْبًا من مَكَانِ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ كَتَقْرِيبِهِ الصَّيْدَ من مُهْلِكَةٍ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا
يَعْنِي إذَا كان الْقَاتِلُ مُحْرِمًا وَالْمُتَسَبِّبُ في قَتْلِهِ مُحْرِمًا فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ الْجَزَاءَ بَيْنَهُمَا وهو الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهَا بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَصَحَّحَهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ على كل وَاحِدٍ جَزَاءٌ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَحَكَاهُمَا في الْمَذْهَبِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كل وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ
وَلَوْ أَهْدَى وَاحِدٌ وَصَامَ الْآخَرُ فَعَلَى الْمُهْدِي بِحِصَّتِهِ وَعَلَى الصَّائِمِ صَوْمٌ تَامٌّ
نَقَلَ هذه الرِّوَايَةَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وقال الْحَلْوَانِيُّ عليها الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهَا في الْمُبْهِجِ وقال هِيَ أَظْهَرُ
وَقِيلَ لَا جَزَاءَ على مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مع مُحْرِمٍ قَاتِلٍ
قال في الْفُرُوعِ فَيُؤْخَذُ من هذا لَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا مع مُبَاشِرٍ قال وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ فَقَتَلَ مُحِلٌّ انْتَهَى
وَقِيلَ الْقَرَارُ على الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ هو جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ عِلَّةً قال في الْفُرُوعِ
____________________
(3/476)
وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ وَجَزَمَ بن شِهَابٍ أَنَّ الإجزاء ( ( ( الجزاء ) ) ) على الْمُمْسِكِ لِتَأَكُّدِهِ وَأَنَّ عليه الْمَالَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ في قَتْلِ صَيْدٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ لو كان الشَّرِيكُ سَبُعًا فَإِنْ سَبَقَ حَلَالٌ أو سَبُعٌ فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ جزاؤه ( ( ( جزاؤها ) ) ) مَجْرُوحًا وَإِنْ سَبَقَ هو فَجَرَحَهُ وَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْمُحْرِمِ أَرْشُ جُرْحِهِ فَلَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ ضَمِنَ الْجَارِحُ نَقْصَهُ وَضَمِنَ الْقَاتِلُ قِيمَةَ الْجَزَاءِ
وَلَوْ جَرَحَ الْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ مَعًا قِيلَ على الْمُحْرِمِ بِقِسْطِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ عليه جَزَاءٌ كَامِلٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
الثَّانِيَةُ لو كان الدَّالُّ وَالشَّرِيكُ لَا ضَمَانَ عليه كَالْمُحِلِّ مع الْمُحْرِمِ فَالْجَزَاءُ جَمِيعُهُ على الْمُحْرِمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ في الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَقَالَا هذا ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ قال بن الْبَنَّا نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ وَالْمَنْقُولُ عن أَحْمَدَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ ولم ( ( ( لم ) ) ) يُبَيِّنْ
قال الْقَاضِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَهُ وَيُحْتَمَلُ بِحِصَّتِهِ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَغَلَبَ الْإِيجَابُ قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ
الثَّالِثَةُ لو دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا على صَيْدٍ في الْحَرَمِ فَهِيَ كما لو دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا على صَيْدٍ قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(3/477)
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَمَاعَةٌ لَا ضَمَانَ على دَالٍّ في حِلٍّ بَلْ على الْمَدْلُولِ وَحْدِهِ كَحَلَالٍ دَلَّ مُحْرِمًا
وَيَأْتِي ذلك في أَوَّلِ بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ عليه الْأَكْلُ من ذلك كُلِّهِ وَأَكْلُ ما صِيدَ لِأَجْلِهِ
يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ الْأَكْلُ من كل صَيْدٍ صَادَهُ أو ذَبَحَهُ إجْمَاعًا وَكَذَا إنْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا عليه فَقَتَلَهُ أو أَعَانَهُ أو أَشَارَ إلَيْهِ وَيَحْرُمُ عليه ما صِيدَ لِأَجْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ أَكَلَهُ وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَهُ ضَمِنَهُ بمثله من اللَّحْمِ وفي الإنتصار احْتِمَالٌ بِجَوَازِ أَكْلِ ما صِيدَ لِأَجْلِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ما حَرُمَ على الْمُحْرِمِ بِدَلَالَةٍ أو إعَانَةٍ أو صِيدَ له لَا يَحْرُمُ على مُحْرِمٍ غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقِيلَ يَحْرُمُ
الثَّانِيَةُ لو قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ نَصَّ عليه وَكَذَا إنْ حَرُمَ عليه بِالدَّلَالَةِ وَالْإِعَانَةِ عليه أو الْإِشَارَةِ فَأَكَلَ منه لم يَضْمَنْ لِلْأَكْلِ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ مَرَّةً فلم يَجِبْ بِهِ جَزَاءٌ ثَانٍ كما لو أَتْلَفَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْغُنْيَةِ عليه الْجَزَاءُ
تَنْبِيهٌ دخل في قَوْلِهِ وَلَا يَحْرُمُ عليه الْأَكْلُ من غَيْرِ ذلك
لو ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدًا لِغَيْرِهِ من الْمُحْرِمِينَ فإنه يَحْرُمُ على الْمَذْبُوحِ له وَلَا يَحْرُمُ على غَيْرِهِ من الْمُحْرِمِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَحْرُمُ عليه أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ أو نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَفَسَدَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ
إذَا أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ بِفِعْلِهِ أو بِنَقْلٍ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّيْدِ على ما تَقَدَّمَ
____________________
(3/478)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ له قِيمَةٌ كَالْمَذَرِ لَا شَيْءَ عليه فيه وَلَوْ كان فيه فَرْخٌ مَيِّتٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى من الْمَذَرِ بَيْضُ النَّعَامِ فإن الْأَصْحَابَ قالوا لِقِشْرِ بيضة قِيمَةٌ
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ في قِشْرِهِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وقال الْحَلْوَانِيُّ في الْمُوجِزِ إنْ تُصَوِّرَ وَتُخُلِّقَ الْفَرْخُ في بَيْضَتِهِ فَفِيهِ ما في جَنِينِ صَيْدٍ سَقَطَ بِالضَّرْبَةِ مَيِّتًا انْتَهَى
وَإِنْ كَسَرَ بيضة فَخَرَجَ منها فَرْخٌ فَعَاشَ فَلَا شَيْءَ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وقال بن عَقِيلٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنَهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ من الْخَارِجِ إلَى أَنْ يَنْهَضَ فَيَطِيرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ لم يَجْعَلْهُ غير مُمْتَنِعٍ بَعْدَ أَنْ كان متمنعا ( ( ( ممتنعا ) ) ) بَلْ تَرَكَهُ على صِفَتِهِ انْتَهَى
وَيَأْتِي إذَا قَتَلَ حَامِلًا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا في جَزَاءِ الصَّيْدِ
قَوْلُهُ وَلَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ
لَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ ابْتِدَاءً بِشِرَاءٍ وَلَا بِاتِّهَابٍ وَلَا بِاصْطِيَادٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَمْلِكُ صَيْدًا بِاصْطِيَادِهِ بِحَالٍ وَلَا بِشِرَاءٍ وَلَا بِاتِّهَابٍ في الْأَصَحِّ فِيهِمَا فَحَكَى وَجْهًا بِصِحَّةِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ
وقال في الْفُرُوعِ وفي الرِّعَايَةِ يُمْلَكُ بِشِرَاءٍ أو اتِّهَابٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ لَفْظُ قَوْلُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو قَبَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُعَيَّنِ لِمَالِكِهِ وقال في الرِّعَايَةِ لَا شَيْءَ لِوَاهِبِهِ انْتَهَى
____________________
(3/479)
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو قَبَضَهُ رَهْنًا فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَقَطْ وَإِنْ لم يَتْلَفْ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِمَالِكِهِ وَلَيْسَ عليه جَزَاءٌ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ وَلَا يُرْسِلُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إرْسَالُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
وَيَرُدُّ الْمَوْهُوبَ على وَاهِبِهِ على الصَّحِيحِ كَالْمَبِيعِ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَهَدَرٌ وَقَبْلَ الرَّدِّ من ضَمَانِهِ
وَلَا يَتَوَكَّلُ لِمُحْرِمٍ خَرَجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ في بَيْعِ الصَّيْدِ وَلَا شِرَائِهِ فَلَوْ خَالَفَ لم يَصِحَّ عَقْدُهُ
وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الذي بَاعَهُ وهو حَلَالٌ بِخِيَارٍ وَلَا عَيْبٍ في ثَمَنِهِ وَلَا غير ذلك لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عليه بِخِيَارٍ أو عَيْبٍ فَلَهُ ذلك وَيَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إرْسَالُهُ
وَأَمَّا مِلْكُهُ بِالْإِرْثِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضًا
فعليه يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فَيَمْلِكُهُ إذَا حَلَّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حتى تَحَلَّلَ ثُمَّ تَلِفَ أو ذَبَحَهُ ضَمِنَهُ وكان مَيْتَةً
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ فإنه قال له أَكْلُهُ وَيَضْمَنُ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى وَكَذَا الْحُكْمُ لو أَمْسَكَ صَيْدَ الْحَرَمِ وَخَرَجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ
الثَّانِيَةُ لو جَلَبَ الصَّيْدَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ أو بَعْدَ حِلِّهِ ضَمِنَهُ
____________________
(3/480)
بِقِيمَتِهِ وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ في الْفُنُونِ
قُلْت الْأَوْلَى تَحْرِيمُهُ كَأَصْلِهِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مثله بَيْضُهُ
الثَّالِثَةُ لو ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أو قَتَلَهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ على الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ
الرَّابِعَةُ لو ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَمٍ فَكَالْمُحْرِمِ
وَيَأْتِي إذَا اضطر ( ( ( اضطرا ) ) ) إلَى أَكْلِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ هل هو مَيْتَةٌ أو يَحِلُّ بِذَبْحِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الصَّيْدِ فَلَهُ أَكْلُهُ
الْخَامِسَةُ لو كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ حَرُمَ عليه أَكْلُهُ وَيُبَاحُ أَكْلُهُ لِلْحَلَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ لِأَنَّ حِلَّهُ له لَا يَقِفُ على كَسْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ له أَهْلِيَّتُهُ فَلَوْ كَسَرَهُ مَجُوسِيٌّ أو بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ حَلَّ وقال الْقَاضِي يَحْرُمُ على الْحَلَالِ أَيْضًا كَالصَّيْدِ لِأَنَّ كَسْرَهُ جَرَى مَجْرَى الذَّبْحِ بِدَلِيلِ حِلِّهِ لِلْمُحْرِمِ بكسر ( ( ( يكسر ) ) ) الْحَلَالُ له وَتَحْرِيمُهُ عليه بِكَسْرِ الْمُحْرِمِ
وقال في الرِّعَايَةِ يَحْرُمُ عليه ما كَسَرَهُ وَقِيلَ وَعَلَى حَلَالٍ وَمُحْرِمٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ وفي يَدِهِ صَيْدٌ أو دخل الْحَرَمَ بِصَيْدٍ لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ عنه
إذَا أَحْرَمَ وفي يَدِهِ صَيْدٌ لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ مِثْلَ ما إذَا كان في قَبْضَتِهِ أو خَيْمَتِهِ أو رَحْلِهِ أو قَفَصِهِ أو مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ معه وَنَحْوِهِ وَمِلْكُهُ بَاقٍ عليه فَيَرُدُّهُ من أَخَذَهُ وَيَضْمَنُهُ من قَتَلَهُ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ في بَيْتِهِ أو بَلَدِهِ أو في يَدِ نَائِبٍ له أو في غَيْرِ مَكَانِهِ وَمِلْكُهُ بَاقٍ عليه أَيْضًا وَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فيه بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ لَا يَصِحُّ نَقْلُ مِلْكِهِ عَمَّا بيده الْمُشَاهَدَةِ قال فيه نَظَرٌ انْتَهَى
____________________
(3/481)
قُلْت لم أَجِدْ ذلك في الرِّعَايَتَيْنِ بَلْ صَرَّحَ في الْكُبْرَى بِالْجَوَازِ فقال وَمَنْ أَحْرَمَ أو دخل الْحَرَمَ وَلَهُ صَيْدٌ أو مَلَكَهُ بَعْدُ لم يَزُلْ مِلْكُهُ عنه وَإِنْ كان بيده ابْتِدَاءً أو دَوَامًا أو معه في قَفَصٍ أو حَبْلٍ أَرْسَلَهُ وَمِلْكُهُ فيه بَاقٍ وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ بِشَرْطِهِمَا انْتَهَى
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ إنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ زَالَ مِلْكُهُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ مِلْكِهِ وَالنِّكَاحُ يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ فَلِهَذَا لَا يَزُولُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَأَمَّا إذَا دخل الْحَرَمَ بِصَيْدٍ فَالْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الجماعه أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ عنه وَإِرْسَالُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ أو تَلِفَ ضَمِنَهُ كما قال الْمُصَنِّفُ كَصَيْدِ الْحِلِّ في الْحَرَمِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَلَهُ ذَبْحُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فيه لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا نهى عن تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ ولم يُبَيِّنْ مِثْلَ هذا الْحُكْمِ الْخَفِيِّ مع كَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَالصَّحَابَةُ مُخْتَلِفُونَ وَقِيَاسُهُ على الْإِحْرَامِ فيه نَظَرٌ لِأَنَّهُ آكَدُ لِتَحْرِيمِهِ ما لَا يُحَرِّمُهُ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ
إذَا أَحْرَمَ وفي مِلْكِهِ صَيْدٌ وهو في يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حتى تَلِفَ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وبن منجا في شَرْحِهِ وهو تَخْرِيجٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ كَالْمُصَنِّفِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي إنْ أَمْكَنَهُ إرْسَالُهُ فلم يُرْسِلْهُ حتى تَلِفَ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَنَصَّ أَحْمَدُ على التَّفْرِقَةِ بين الْيَدَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَأَمَّا إذَا مَلَكَ الصَّيْدَ في الْحِلِّ وَدَخَلَ بِهِ في الْحَرَمِ ولم يُرْسِلْهُ حتى أَتْلَفَهُ
____________________
(3/482)
أو تَلِفَ في يَدِهِ فإنه يَضْمَنُهُ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ كما تَقَدَّمَ
فَائِدَةٌ لو أَمْسَكَ صَيْدًا في الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ مَاتَ قبل إرْسَالِهِ ضَمِنَهُ مُطْلَقًا قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ من يَدِهِ قَهْرًا فَلَا ضَمَانَ على الْمُرْسِلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَبْطُلُ بِإِحْرَامِهِ وَقَوَّى أَدِلَّتَهُ وَمَالَ إلَيْهَا وقال بَعْدَ ذلك يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ مُتَوَجِّهٌ
قُلْت قَطَعَ بِذَلِكَ في الْمُبْهِجِ فقال في فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ كان في يَدِهِ صَيْدٌ قبل الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ من يَدِهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ سَوَاءٌ كان الْمُرْسِلُ حَلَالًا أو مُحْرِمًا انْتَهَى
وَنَقَلَ هذا في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ ثُمَّ قال اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ حَاكِمًا أو وَلِيَّ صَبِيٍّ فَلَا ضَمَانَ لِلْوِلَايَةِ
ثُمَّ قال هذا كُلُّهُ بِنَاءً على قَوْلِنَا يَجِبُ إرْسَالُهُ وَإِلْحَاقُهُ بِالْوَحْشِيِّ وهو الْمَنْصُوصُ
أَمَّا إنْ قُلْنَا يَجُوزُ له نَقْلُ يَدِهِ عنه إلَى غَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ أو إيدَاعٍ كما قَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في بَابِ الْعَارِيَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو أَمْسَكَهُ حتى حَلَّ فَمِلْكُهُ بَاقٍ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْكَافِي يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ كما لو صَادَهُ وهو مُحْرِمٌ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عليه دَفْعًا عن نَفْسِهِ لم يَضْمَنْهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(3/483)
وَقِيَاسُ قَوْلِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يخشي منه التَّلَفَ أو مَضَرَّةً كَجُرْحِهِ أو إتْلَافَ مَالِهِ أو بَعْضِ حَيَوَانِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ عليه الْجَزَاءُ
قَوْلُهُ أو بِتَخْلِيصِهِ من سَبُعٍ أو شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ لم يَضْمَنْهُ إذَا تَلِفَ
يَعْنِي إذَا فَكَّهُ بِسَبَبِ تَخْلِيصِهِ من سَبُعٍ أو شَبَكَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْأَشْهَرِ وَقِيلَ يَضْمَنُهُ
وَيَأْتِي في بَابِ الْغَصْبِ إذَا حَالَ حَيَوَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَقَتَلَهُ هل يَضْمَنُهُ أَمْ لَا وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الصَّيْدِ أو جَرَحَهُ
قَوْلُهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ في تَحْرِيمِ حَيَوَانِ إنْسِيٍّ وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا شَيْئَيْنِ
أَحَدَهُمَا الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ
وَالثَّانِيَ الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ أَكْلُهُ
فَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ فَلَا يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ وَلَا في الْحَرَمِ إجْمَاعًا لَكِنْ الِاعْتِبَارُ في الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ بِأَصْلِهِ فَالْحَمَامُ الْوَحْشِيُّ وَإِنْ تَأَهَّلَ نَصَّ عليه فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْمُتَوَحِّشِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَطَّ كَالْحَمَامِ فَهُوَ وَحْشِيٌّ وَإِنْ تَأَهَّلَ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ الْمُصَحَّحُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُهُ إذَا كان أَهْلِيًّا لِأَنَّهُ مَأْلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قالوا
وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ في الدَّجَاجِ رِوَايَتَيْنِ وَخَصَّهُمَا بن أبي مُوسَى وَمَنْ
____________________
(3/484)
تَابَعَهُ في دَجَاجِ السِّنْدِيِّ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ الدَّجَاجَ السِّنْدِيَّ وَحْشِيٌّ كَالْحَمَامِ وَأَطْلَقَ في الْفَائِقِ في دَجَاجِ السِّنْدِيِّ وَالْبَطِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أَنَّ في الدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ الْجَزَاءَ
قُلْت هذا مُشْكِلٌ جِدًّا وَرُبَّمَا كان مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارُ في الْأَهْلِيِّ بِأَصْلِهِ فَلَوْ تَوَحَّشَ بَقَرٌ أو غَيْرُهُ فَهُوَ أَهْلِيٌّ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ في بَقَرَةٍ تَوَحَّشَتْ لَا شَيْءَ فيها
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَوَامِيسَ أَهْلِيَّةٌ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ وما تَوَحَّشَ من إنْسِيٍّ أو تَأَنَّسَ من وَحْشِيٍّ فَلَيْسَ صَيْدًا
وَقِيلَ ما تَوَحَّشَ من إنْسِيٍّ فَهُوَ على الْإِبَاحَةِ لِرَبِّهِ وَلِغَيْرِهِ وما تَأَنَّسَ من وَحْشِيٍّ فَكَمَا لو لم يَسْتَأْنِسْ وَقِيلَ ما تَلِفَ من وَحْشِيٍّ لم يَحِلَّ وَفِيهِ الْجَزَاءُ وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ لم يَحْرُمْ انْتَهَى
وَأَمَّا مُحَرَّمُ الْأَكْلِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ في قَتْلِهِ إلَّا ما سَبَقَ من الْمُتَوَلِّدِ وما يَأْتِي في الْقَمْلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا فِدْيَةَ في الضُّفْدَعِ وقال في الْإِرْشَادِ فيه حُكُومَةٌ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَقَلَهُ عبد اللَّهِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا أَعْرِفُ له وَجْهًا وقال بن عَقِيلٍ في الْقَمْلَةِ لُقْمَةٌ أو تَمْرَةٌ إذَا لم تُؤْذِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذلك في النَّحْلَةِ وفي أُمِّ حُسَيْنٍ وَجْهٌ يَضْمَنُهَا بحدى ( ( ( بجدي ) ) ) اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو خِلَافُ الْقِيَاسِ وَأُمُّ حُسَيْنٍ هِيَ الْحِرْبَاءُ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ دَابَّةٌ مَعْرُوفَةٌ مِثْلَ أُمِّ عُرْسٍ وبن آوَى
____________________
(3/485)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هِيَ دَابَّةٌ مُنْتَفِخَةُ الْبَطْنِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في كل مُحَرَّمٍ لم يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ انْتَهَى
وفي السِّنَّوْرِ الأهلى وَجْهٌ أَنَّ فيه الْجَزَاءَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ على الثَّعْلَبِ وَالسِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ وَالْهُدْهُدِ وَالْقِرْدِ وَنَحْوِهَا في بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ
قَوْلُهُ إلَّا الْقَمْلَ في رِوَايَةٍ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ
اعْلَمْ أَنَّ في جَوَازِ قَتْلِ الْقَمْلِ وَصِئْبَانِهِ لِلْمُحْرِمِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن منجا
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ قَتْلُهَا كَالْبَرَاغِيثِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ فَلَا تَفْرِيعَ عليها
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ قَتْلُهَا كَالْبَرَاغِيثِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ من الْمَذْهَبِ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَنْصَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُحَرَّرِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَجِبُ عليه في قَتْلِهَا جَزَاءٌ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْكَافِي
إحْدَاهُمَا لَا جَزَاءَ عليه وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال في الْعُمْدَةِ لَا شَيْءَ فِيمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إلَّا الْمُتَوَلِّدُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ فَلَا تَفْرِيعَ عليها
وَالثَّانِيَةُ عليه جَزَاءٌ وقال في الْمُحَرَّرِ إنْ حَرُمَ قَتْلُهُ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَيْهَا أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كان خَيْرًا منه كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ
____________________
(3/486)
في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الْمَذْهَبِ إذَا قُلْنَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ وكان قد جَعَلَ في رَأْسِهِ زِئْبَقًا قبل الْإِحْرَامِ ثُمَّ يَقَعُ فيها بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدٌ على ما تَقَدَّمَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ في تَحْرِيمِ قَتْلِ الْقَمْلِ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بين قَتْلِهِ وَرَمْيِهِ أو قَتْلِهِ بِالزِّئْبَقِ وَنَحْوِهِ من رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ رَمْيُهُ من غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ كَقَتْلِهِ وقال في الْمَذْهَبِ إذَا قُلْنَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ وكان قد جَعَلَ في رَأْسِهِ زِئْبَقًا قبل الْإِحْرَامِ فَتَلِفَ الْإِحْرَامُ لم يَضْمَنْ انْتَهَى
قُلْت هذا يُفْتِي من نَصَبَ الْأُحْبُولَةَ قبل الْإِحْرَامِ ثُمَّ يَقَعُ فيها بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدٌ ما تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ من شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ وَيَجُوزُ من ظَاهِرِهِ نَقَلَهُ عنهما في الْفُرُوعِ
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَزَالَهُ من شَعْرِهِ أَمَّا ما أَلْقَاهُ من ظَاهِرِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ فيه رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَيَا
قال الزَّرْكَشِيُّ قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وَمَوْضِعُ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَلْقَاهَا من شَعْرِ رَأْسِهِ أو بَدَنِهِ أو لَحْمِهِ أَمَّا إنْ أَلْقَاهَا من ظَاهِرِ بَدَنِهِ أو ثِيَابِهِ أو بَدَنِ مُحِلٍّ أو مُحْرِمٍ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عليه رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ قَتْلُ الْبَرَاغِيثِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَنَّ الْبَرَاغِيثَ كَالْقَمْلِ قال وهو مُتَوَجِّهٌ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ في مَوْضِعٍ لَا يَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ وَلَا الْبَعُوضَ وَذَكَرَهُ
____________________
(3/487)
في مَوْضِعٍ آخَرَ قَوْلًا وزاد وَلَا قُرَادًا وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ قَرَصَهُ ذلك قَتَلَهُ مَجَّانًا وَإِلَّا فَلَا يَقْتُلُهُ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إلَّا الْقَمْلَ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ في الْحَرَمِ وهو صَحِيحٌ فَيُبَاحُ بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ
فَوَائِدُ
يُسْتَحَبُّ قَتْلُ كل مُؤْذٍ من حَيَوَانٍ وَطَيْرٍ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال هو مُرَادُ من أَبَاحَهُ انْتَهَى
فَمِنْهُ الْفَوَاسِقُ الْخَمْسَةُ وَهِيَ الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ وَقِيلَ الْمُرَادُ في الحديث الْأَبْقَعُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ وفي مُسْلِمٍ وَالْحَيَّةُ أَيْضًا وَفِيهِ يُقْتَلْنَ في الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ في مِنًى فَنَصَّ من كل جِنْسٍ على أَدْنَاهُ تَنْبِيهًا وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ على الْمَفْهُومِ إنْ كان وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ
نَقَلَ حَنْبَلٌ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالذِّئْبَ وَالسَّبُعَ وَكُلَّ ما عَدَا من السِّبَاعِ
وَنَقَلَ أبو الْحَارِثِ يَقْتُلُ السَّبُعَ عَدَا أو لم يَعْدُ انْتَهَى
وَمِمَّا يُقْتَلُ أَيْضًا النَّمِرُ وَالْفَهْدُ وَكُلُّ جَارِحٍ كَنَسْرٍ وَبَازِي وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينَ وَعُقَابٍ وَنَحْوِهَا وَذُبَابٍ وَوَزَغٍ وَعَلَقٍ وَطُبُوعٍ وَبَقٍّ وَبَعُوضٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُقْتَلُ الْقِرْدُ وَالنِّسْرُ وَالْعُقَابُ إذَا وَثَبَ وَلَا كَفَّارَةَ
وقال قَوْمٌ لَا يُبَاحُ مِثْلُ غُرَابِ الْبَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ فإنه مَثَّلَ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ فَقَطْ
____________________
(3/488)
فَإِنْ قَتَلَ شيئا من هذه الْأَشْيَاءِ من غَيْرِ أَنْ يَعْدُوَ عليه فَلَا كَفَّارَةَ عليه وَلَا يَنْبَغِي له
وما لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ لَا جَزَاءَ فيه كَالرَّخَمِ وَالْبُومِ وَنَحْوِهِمَا قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ قَتْلُهُ منهم النَّاظِمُ
وَقِيلَ يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ
نَقَلَ ابو دَاوُد وَيَقْتُلُ كُلَّ ما يُؤْذِيهِ
وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ في نَمْلٍ وَنَحْوِهِ وَجَزَمَ في الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ قَتْلُهُ من غَيْرِ أَذًى وَذَكَرَ منها الذُّبَابَ قال في الْفُرُوعِ وَالتَّحْرِيمُ أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الذَّرِّ
وَنَقَلَ مُهَنَّا وَيَقْتُلُ النَّمْلَةَ إذَا عَضَّتْهُ وَالنَّحْلَةَ إذَا آذَتْهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَجُوزُ قَتْلُ نَحْلٍ وَلَوْ بِأَخْذِ كل عَسَلِهِ وقال هو وَغَيْرُهُ إنْ لم يَنْدَفِعْ نَحْلٌ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُدَخِّنُ لِلزَّنَابِيرِ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ هو أَحَبُّ إلَيَّ من تَحْرِيقِهَا وَالنَّمْلُ إذَا آذَاهُ يَقْتُلُهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ على الْمُحْرِمِ
هذا إجْمَاعٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَحْرَ الْمِلْحَ وَالْأَنْهَارَ وَالْعُيُونَ سَوَاءٌ
وَالثَّانِيَةُ ما يَعِيشُ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ كَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِهِمَا كَالسَّمَكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَنَقَلَ عبد اللَّهِ عليه الْجَزَاءُ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ ما يَعِيشُ في الْبَرِّ له حُكْمُهُ وما يَعِيشُ في الْبَحْرِ له حُكْمُهُ وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَبَرِّيٌّ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ يُفَرِّخُ وَيَبِيضُ في الْبَرِّ
____________________
(3/489)
قَوْلُهُ وفي إبَاحَتِهِ في الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن منجا وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ
وقال في الْفُرُوعِ أَيْضًا في أَحْكَامِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وفي صَيْدِ السَّمَكِ في الْحَرَمَيْنِ رِوَايَتَانِ وقد سَبَقَتَا
إحْدَاهُمَا لَا يُبَاحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالشَّرْحِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَنْسَكِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
قال في الْوَجِيزِ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْحَرَمِ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَالثَّانِيَةُ يُبَاحُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْإِفَادَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُصُولِ وهو اخْتِيَارِي وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
قَوْلُهُ وَيُضْمَنُ الْجَرَادُ بِقِيمَتِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَرَادَ إذَا قُتِلَ يُضْمَنُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ قال بن منجا هذا الْمَذْهَبُ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُضْمَنُ على الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالْمُبْهِجِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ
وَعَنْهُ لَا يُضْمَنُ الْجَرَادُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ كما قال الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(3/490)
وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عن كل جَرَادَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ
قال الْقَاضِي هذه الرِّوَايَةُ تَقْوِيمٌ لَا تَقْدِيرٌ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً
قَوْلُهُ فَإِنْ انْفَرَشَ في طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ بِالْمَشْيِ عليه فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن منجا
أَحَدُهُمَا عليه الْجَزَاءُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَالثَّانِي لَا جَزَاءَ عليه قال النَّاظِمُ
% وَيُفْدَى جَرَادٌ في الْأَصَحِّ بِقِيمَةٍ % وَلَوْ في طَرِيقٍ دُسْتَهُ بِمُبْعَدٍ %
قال في الْفُصُولِ وَهَذَا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ بَيْضِ الطَّيْرِ إذَا أَتْلَفَهُ لِحَاجَةٍ كَالْمَشْيِ عليه حُكْمُ الْجَرَادِ إذَا افْتَرَشَ في طَرِيقِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الصَّيْدِ فَلَهُ أَكْلُهُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ لَكِنْ إذَا ذَبَحَهُ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ له أَكْلُ الْمَيْتَةِ أو يَحِلُّ بِالذَّبْحِ
قال الْقَاضِي هو مَيْتَةٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ كُلُّ ما اصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ وَقَتَلَهُ فَإِنَّمَا هو قبل قَتْلِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال الْقَاضِي قال وَيَتَوَجَّهُ حِلُّهُ لِحِلِّ أَكْلِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ لَا فِدَاءَ عليه وَالْحَالَةُ هذه وحكى عن أبي بَكْرٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/491)
تَنْبِيهٌ يَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لو اُضْطُرَّ لِلْأَكْلِ وَوَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وهو مُحْرِمٌ أو في الْحَرَمِ
وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ من هذه الْمَحْظُورَاتِ مِثْلُ أَنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ شَعْرِهِ لِمَرَضٍ أو قَمْلٍ أو غَيْرِهِ أو إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ أو لُبْسِ الْمَخِيطِ وَنَحْوِ ذلك وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ وَقَبْلَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ
فَائِدَةٌ لو كان بِالْمُحْرِمِ شَيْءٌ لَا يَجِبُ أَنْ يَطَّلِعَ عليه أَحَدٌ جَازَ له اللُّبْسُ وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ نَصَّ عليه
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَتَقَدَّمَ إذَا دَلَّ على طِيبٍ أو لِبَاسٍ عِنْدَ عَقْدِ الدَّلَالَةِ على الصَّيْدِ
قَوْلُهُ السَّابِعُ عَقْدُ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ منه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَسَوَاءٌ زَوَّجَ غَيْرَهُ أو تَزَوَّجَ مُحْرِمَةً أو غَيْرَهَا وَلِيًّا كان أو وَكِيلًا
وَعَنْهُ إنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ صَحَّ سَوَاءٌ كان وَلِيًّا أو وَكِيلًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ كما لو حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فَعَقَدَهُ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَصِحُّ
وَلَوْ وَكَّلَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ لم يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو حَلَّ الْمُوَكِّلُ كان لِوَكِيلِهِ عَقْدُهُ في الْأَقْيَسِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(3/492)
فَلَوْ قال عَقَدَهُ قبل إحْرَامِي قُبِلَ قَوْلُهُ وَكَذَا لو قال عَقَدَهُ بَعْدَ إحْرَامِي لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَيَمْلِكُ إقْرَارَهُ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ
وَيَصِحُّ الْعَقْدُ مع جَهْلِهِمَا وُقُوعَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْمُسْلِمِينَ تَعَاطِي الصَّحِيحِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قال الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك بَعْدَ أَنْ أَحْلَلْت فقالت بَلْ وأنا مُحْرِمَةٌ صُدِّقَ الزَّوْجُ وَتُصَدَّقُ هِيَ في نَظِيرَتِهَا في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ ذَكَرَهُ بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ
الثَّانِيَةُ لو أَحْرَمَ الْإِمَامُ مُنِعَ من التَّزْوِيجِ لِنَفْسِهِ وَتَزْوِيجِ أَقَارِبِهِ وَأَمَّا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لم يَجُزْ له أَنْ يُزَوِّجَ وَإِنَّمَا يُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ ما لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ في عَدَمِ تَزْوِيجِهِ وَجَوَازِهِ لِلْحَرَجِ لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ وَاخْتَارَ الْجَوَازَ لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ طَرَأَ
وَاقْتَصَرَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ على حِكَايَةِ كَلَامِ بن عَقِيلٍ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ نَائِبَهُ إذَا أَحْرَمَ مِثْلُ الْإِمَامِ
قُلْت قال بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَائِبِهِ أَنْ يُزَوِّجَ وهو مُحْرِمٌ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ على ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى
قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْهُمَا
قَوْلُهُ وفي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ
يَعْنِي في إبَاحَتِهَا وَصِحَّتِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَهُ في بَابِ الرَّجْعَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُحَرَّرِ
____________________
(3/493)
إحْدَاهُمَا تُبَاحُ وَتَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ اختارها الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ هُنَا وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالتَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ عليها الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال بن عَقِيلٍ لَا تَصِحَّ على الْمَشْهُورِ قال في الْإِيضَاحِ وَهِيَ أَصَحُّ ونصرها ( ( ( ونصره ) ) ) في الْمُبْهِجِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْأَشْهَرُ عن أَحْمَدَ
فَوَائِدُ
الْأُولَى تُكْرَهُ خِطْبَةُ الْمُحْرِمِ كَخِطْبَةِ الْعَقْدِ وَشُهُودِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ يَحْرُمُ ذلك لِتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَطْلَقَ أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ تَحْرِيمَ الْخِطْبَةِ
الثَّانِيَةُ تُكْرَهُ الشَّهَادَةُ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ تَحْرُمُ وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ لَا يَخْطُبُ قال وَمَعْنَاهُ لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ ثُمَّ سَلَّمَهُ وقال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا يُكْرَهُ لِمُحِلٍّ خِطْبَةُ مُحْرِمَةٍ وأن في كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ فيه وجهان ( ( ( وجهين ) ) ) قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
الثَّالِثَةُ يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَمَةِ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ قال الْمُصَنِّفُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ اخْتِيَارُ من أَسْلَمَ على أَكْثَرَ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِبَعْضِهِنَّ في حَالِ إحْرَامِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وبن رَزِينٍ وقال الْقَاضِي لَا يَخْتَارُ وَالْحَالَةُ هذه
وَيَأْتِي ذلك في بَابِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ فإنه مَحَلُّهُ
____________________
(3/494)
قَوْلُهُ الثَّامِنُ الْجِمَاعُ في الْفَرْجِ قُبُلًا كان أو دُبُرًا من آدَمِيٍّ أو غَيْرِهِ فَمَتَى فَعَلَ ذلك قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ
هذا الْمَذْهَبُ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّجَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ من عَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ
أَحَدَهُمَا لَا يَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ وَأَطْلَقَ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ في فَسَادِ النُّسُكِ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَجْهَيْنِ وقال في الْمُذْهَبِ وإذا وطىء بَهِيمَةً فَكَالْوَطْءِ في غَيْرِهَا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَتَقَدَّمَ إذَا أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ في أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ
قَوْلُهُ عَامِدًا كان أو سَاهِيًا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ السَّاهِيَ في فِعْلِ ذلك كَالْعَامِدِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وكذا الْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ في الْجَاهِلِ
وَذَكَرَ في الْفُصُولِ رِوَايَةً لَا يَفْسُدُ حَجُّ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِمْ
وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَمَالَ إلَيْهِ في الْفُرُوعِ وقال هذا مُتَّجَهٌ وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ وقال فيه نَظَرٌ
وقال في الرَّوْضَةِ الْمُكْرَهَةُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهَا وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما يَجِبُ بِالْوَطْءِ في بَابِ الْفِدْيَةِ في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ إذَا وطىء عَامِدًا أو مُخْطِئًا
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ
حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في رِوَايَةِ بن إبْرَاهِيمَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْتَمِرَ من التَّنْعِيمِ يَعْنِي يَجْعَلَ الْحَجَّ عُمْرَةً وَلَا يُقِيمَ على حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ
____________________
(3/495)
قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ على الْفَوْرِ إنْ كان ما أَفْسَدَهُ حَجًّا وَاجِبًا
بِلَا نِزَاعٍ في وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَتُجْزِئُهُ الْحَجَّةُ من قَابِلٍ وَإِنْ كان الذي أَفْسَدَهُ تَطَوُّعًا فَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وُجُوبُ إتْمَامِهِ لَا وُجُوبُهُ في نَفْسِهِ لِقَوْلِهِمْ إنْ تَطَوَّعَ فَيُثَابُ عليه ثَوَابَ نَفْلٍ
وفي الْهِدَايَةِ وَالِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةٌ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ قال الْمَجْدُ لَا أَحْسَبُهَا إلَّا سَهْوًا
قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ على الْفَوْرِ من حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا
إنْ كَانَا أَحْرَمَا قبل الْمِيقَاتِ أو من الْمِيقَاتِ أَحْرَمَا في الْقَضَاءِ من الْمَوْضِعِ الذي أَحْرَمَا منه أَوَّلًا وَإِنْ كَانَا أَحْرَمَا من دُونِ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَا من الْمِيقَاتِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُحْرِمَ من الْمِيقَاتِ مُطْلَقًا وَمَالَ إلَيْهِ
قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ في الْقَضَاءِ عليها إنْ طَاوَعَتْ
بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ أُكْرِهَتْ فَعَلَى الزَّوْجِ
وهو الْمَذْهَبُ وَلَوْ طَلَّقَهَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ على الزَّوْجِ حَمْلُهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ الثَّانِي على إرْسَالِهَا إنْ امْتَنَعَ
وَيَأْتِي في بَابِ الْفِدْيَةِ في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي وُجُوبُ فِدْيَةِ الْوَطْءِ على الْمَرْأَةِ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
قَوْلُهُ وَيَتَفَرَّقَانِ في الْقَضَاءِ من الْمَوْضِعِ الذي أَصَابَهَا فيه إلَى أَنْ يَحِلَّا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
____________________
(3/496)
وَعَنْهُ يَتَفَرَّقَانِ من الْمَوْضِعِ الذي يُحْرِمَانِ منه
قَوْلُهُ وَهَلْ هو وَاجِبٌ أو مُسْتَحَبٌّ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْهَادِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن منجا
أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ وهو الْمَذْهَبُ قال في الشَّرْحِ وهو أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ ذلك وَاجِبٌ جَزَمَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَعْنَى التَّفَرُّقِ أَنْ لَا يَرْكَبَ مَعَهَا في مَحْمَلٍ وَلَا يَنْزِلَ مَعَهَا في فُسْطَاطٍ وَنَحْوِ ذلك قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَتَفَرَّقَانِ في النُّزُولِ وَالْفُسْطَاطِ وَالْمَحْمَلِ وَلَكِنْ يَكُونُ بِقُرْبِهَا انْتَهَى وَذَلِكَ لِيُرَاعِيَ أَحْوَالَهَا فإنه مَحْرَمُهَا
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ زَوْجَهَا الذي وَطِئَهَا يَجُوزُ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لها في حَجَّةِ الْقَضَاءِ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن منجا في شَرْحِهِ يَكُونُ بِقُرْبِهَا لِيُرَاعِيَ أَحْوَالَهَا لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا وَنَقَلَ محمد بن الْحَكَمِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُ الزَّوْجِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
فَوَائِدُ
الْأُولَى حُكْمُ الْعُمْرَةِ حُكْمُ الْحَجِّ في فَسَادِهَا بِالْوَطْءِ قبل الْفَرَاغِ من السَّعْيِ وَوُجُوبِ الْمُضِيِّ في فَسَادِهَا وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كان مَكِّيًّا أو حَصَلَ بها مُجَاوِرًا أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ من الْحِلِّ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بها منه أو من الْحَرَمِ
____________________
(3/497)
وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ وَمَضَى فيها وَأَتَمَّهَا فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَخْرُجُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ منه بِعُمْرَةٍ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ من مَكَّةَ وَعَلَيْهِ دَمٌ فإذا فَرَغَ من الْحَجِّ أَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ التي أَفْسَدَهَا وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِمَا أَفْسَدَ من عُمْرَتِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ وَالْمَيْمُونِيُّ فإذا فَرَغَ منها أَحْرَمَ من ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ ما أَفْسَدَ قال الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ تَفْرِيعًا على رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ إنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ فقال إنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ لِلْقَضَاءِ فَهَلْ هو مُتَمَتِّعٌ إنْ أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ وَإِلَّا فَلَا على ظَاهِرِ نَقْلِ بن إبْرَاهِيمَ إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ
وَنَقَلَ بن إبْرَاهِيمَ رِوَايَةً أُخْرَى تَقْتَضِي إنْ بَلَغَ الْمِيقَاتَ فَمُتَمَتِّعٌ فقال لَا تَكُونُ مُتْعَةً حتى يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ
الثَّانِيَةُ قَضَاءُ الْعَبْدِ كَنَذْرِهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ في حَالِ رِقِّهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عليه بِإِيجَابِهِ قال في الْفُرُوعِ هذا أَشْهَرُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الْمَنَاسِكِ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ
وَإِنْ كان الذي أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فيه قَضَى مَتَى قَدَرَ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ ولم يَمْلِكْ مَنْعَهُ منه لِأَنَّ إذْنَهُ فيه إذْنٌ في مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ
وَإِنْ كان غير مَأْذُونٍ فيه مَلَكَ السَّيِّدُ مَنْعَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ لِوُجُوبِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ
وَإِنْ أُعْتِقَ قبل الْقَضَاءِ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ عِنْدِي لَا يَصِحُّ
الثَّالِثَةُ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إذَا أَفْسَدَهُ نَصَّ عليه لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ كَبَالِغٍ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ احْتِمَالًا
____________________
(3/498)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ الْقَضَاءُ بَعْدَ بُلُوغِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقِيلَ يَصِحُّ قبل بُلُوغِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
الرَّابِعَةُ يَكْفِي الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءُ إنْ كَفَتْ أو صَحَّتْ كَالْأُولَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخَالَفَ بن عَقِيلٍ
وَتَقَدَّمَ ذلك مع أَحْكَامِ الْعَبْدِ بِأَتَمَّ من هذا في أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فَلْيُعَاوَدْ
الْخَامِسَةُ لو أَفْسَدَ الْقَضَاءَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ لَا الْقَضَاءُ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لم يَفْسُدُ حَجُّهُ
هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ إنْ بَقِيَ إحْرَامُهُ وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ
وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ أَنَّ من وطىء في الْحَجِّ قبل الطَّوَافِ فَسَدَ حَجُّهُ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على ما قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ عن كَلَامِ أبي بَكْرٍ يُرِيدُ إذَا لم يَكُنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَا يَكُونُ قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ جَامَعَ قبل تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ قبل جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَأْتِي في صِفَةِ الْحَجِّ بِمَ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ
فَائِدَةٌ هل يَكُونُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمًا ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ
وقال الْقَاضِي أَيْضًا لِإِطْلَاقِ الْمُحْرِمِ على من حَرُمَ عليه الْكُلُّ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ يَبْطُلُ إحْرَامُهُ على احْتِمَالِ وقال في مُفْرَدَاتِهِ هو مُحْرِمٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي هُنَا وَتَبِعَهُ في الشَّرْحِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ وقال في مَسْأَلَةِ ما يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ نَمْنَعُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَإِنَّمَا نَنْفِي بَعْضَ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بن الْحَكَمِ فِيمَنْ وطىء بَعْدَ الرَّمْيِ
____________________
(3/499)
يُنْتَقَضُ إحْرَامُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ لو وطىء بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَلِأَبِي مُحَمَّدٍ في مَوْضِعٍ في لُزُومِ الدَّمِ احْتِمَالَانِ وَجَزَمَ في مَوَاضِعَ أُخَرَ بِلُزُومِ الدَّمِ تَبَعًا لِلْأَصْحَابِ
قَوْلُهُ وَيَمْضِي إلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ لِيَطُوفَ وهو مُحْرِمٌ
اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ من الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بين الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِيَطُوفَ في إحْرَامٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال سَوَاءٌ أَبَعُدَ أو لَا وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْتَمِرُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ هذا الْمَعْنَى يَعْنِي ما تَقَدَّمَ وَسَمَّاهُ عُمْرَةً لِأَنَّ هذا أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةً حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ قالوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وبن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وبن الْجَوْزِيِّ في كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ والمبهج ( ( ( والمنهج ) ) )
قال أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ يَأْتِي بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَبِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَبَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أو شَاةٌ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ في شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ
____________________
(3/500)
والرواية ( ( ( والراوية ) ) ) الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال في عُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْخُلَاصَةِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْكَافِي وَالْعُمْدَةِ وَشَرْحِهَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو طَافَ لِلزِّيَارَةِ ولم يَرْمِ ثُمَّ وطىء فَقَدَّمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ من الْحِلِّ وَلَا دَمَ عليه لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كما سَبَقَ
الثَّانِيَةُ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ وَتَفْسُدُ قبل فَرَاغِ الطَّوَافِ وَكَذَا قبل سَعْيِهَا إنْ قُلْنَا هو رُكْنٌ أو وَاجِبٌ وقال في التَّرْغِيبِ إنْ وطىء قبل السَّعْيِ خَرَجَ على الرِّوَايَتَيْنِ في كَوْنِهِ رُكْنًا أو غَيْرَهُ انْتَهَى
وَلَا تَفْسُدُ قبل الْحَلْقِ إنْ لم يَجِبْ وَكَذَا إنْ وَجَبَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَقَدَّمَ في التَّرْغِيبِ أنها تَفْسُدُ وقال في التَّبْصِرَةِ في فِدَاءٍ في مَحْظُورِهَا قبل الْحَلْقِ الرِّوَايَتَانِ وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يَفْسُدُ الْحَجُّ فَقَطْ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَيَأْتِي في بَابِ الْفِدْيَةِ في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي ما يَجِبُ بِالْوَطْءِ في الْعُمْرَةِ
قَوْلُهُ التَّاسِعُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ وَكَذَا إنْ قَبَّلَ أو لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْإِرْشَادِ قَوْلًا وَاحِدًا وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ عليه شَاةٌ إنْ لم يَفْسُدْ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ في
____________________
(3/501)
نِهَايَتِهِ أَنَّ عليه شَاةً وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا وَأَطْلَقَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كما لو لم يَفْسُدْ قال في الْفُرُوعِ وَالْقِيَاسَانِ ضَعِيفَانِ
وَيَأْتِي أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْفِدْيَةِ في الضَّرْبِ الثَّالِثِ في قَوْلِهِ وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرْشَادِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَفْسُدُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهَا في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ النَّاظِمُ
الثَّانِيَةُ يَفْسُدُ نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال في الْمُبْهِجِ فَسَدَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ في الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُهُمَا
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ إنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشَرَةِ فَسَدَ نُسُكُهُ دُونَ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يُنْزِلْ لم يَفْسُدْ
قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا وقال في الْفُرُوعِ وَسَبَقَ في الصَّوْمِ خِلَافٌ وَمِثْلُهُ الْفِدْيَةُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ فيه خِلَافًا
وَيَأْتِي ما يَجِبُ عليه بِذَلِكَ في بَابِ الْفِدْيَةِ
قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا في وَجْهِهَا
هذا بِلَا نِزَاعٍ فَيَحْرُمُ عليها تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أو نِقَابٍ أو غَيْرِهِمَا وَيَجُوزُ لها أَنْ تَسْدُلَ على وَجْهِهَا لِحَاجَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ جَوَازَ السَّدْلِ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا لها أَنْ تَسْدُلَ على وَجْهِهَا من فَوْقُ وَلَيْسَ لها أَنْ تَرْفَعَ الثَّوْبَ من أَسْفَلَ
____________________
(3/502)
قال الْمُصَنِّفُ كَأَنَّ أَحْمَدَ يَقْصِدُ أَنَّ النِّقَابَ من أَسْفَلَ على وَجْهِهَا
وقال الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ تَسْدُلُ وَلَا يُصِيبُ الْبَشَرَةَ فَإِنْ أَصَابَهَا فلم تَرْفَعْهُ مع الْقُدْرَةِ فَدَتْ لِاسْتِدَامَةِ السَّتْرِ
قال الْمُصَنِّفُ ليس هذا الشَّرْطُ عن أَحْمَدَ وَلَا في الْخَبَرِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فإن الْمَسْدُولَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ من إصَابَةِ الْبَشَرَةِ فَلَوْ كان شَرْطًا لَبَيَّنَهُ
قال في الْفُرُوعِ وما قَالَهُ صَحِيحٌ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ مَسَّ وَجْهَهَا فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّ وَجْهَهَا كَيَدِ الرَّجُلِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ غير الْوَجْهِ لَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا في وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا قال في الْمُبْهِجِ وفي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ وقال في الِانْتِصَارِ الْمَرْأَةُ أُبِيحَ لها كَشْفُ الْوَجْهِ في الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ
فَائِدَةٌ يَجْتَمِعُ في حَقِّ الْمُحْرِمَةِ وُجُوبُ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَتَحْرِيمُ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ كل الرَّأْسِ إلَّا بِتَغْطِيَةِ جُزْءٍ من الْوَجْهِ وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ إلَّا بِكَشْفِ جُزْءٍ من الرَّأْسِ وَالْمُحَافَظَةُ على سَتْرِ الرَّأْسِ كُلِّهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ آكَدُ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قُلْت لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الِاسْتِحْبَابَ وَإِلَّا حَيْثُ قُلْنَا يَجِبُ كَشْفُ الْوَجْهِ فإنه يُعْفَى عن الشَّيْءِ الْيَسِيرِ منه وَحَيْثُ قُلْنَا يَجِبُ سَتْرُ الرَّأْسِ فَيُعْفَى عن الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كما قُلْنَا في مَسْحِ الرَّأْسِ في الْوُضُوءِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ
يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عليها لُبْسُهُمَا نَصَّ عليه وَهُمَا شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ كما يُعْمَلُ
____________________
(3/503)
لِلْبُزَاةِ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ كَالرَّجُلِ فإنه أَيْضًا يُمْنَعُ من لُبْسِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ من تَغْطِيَتِهِمَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ جَوَازُهُ بِهِمَا بِدَلِيلِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَيْهِ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ في الصَّلَاةِ وَلَنَا في الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ أو الْكَفَّانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمُ التَّيَمُّمِ كَالْوَجْهِ
فَائِدَةٌ لو لَفَّتْ على يَدَيْهَا خِرَقًا أو خِرْقَةً وَشَدَّتَهَا على حِنَّاءٍ أَوَّلًا كَشَدِّهِ على جَسَدِهِ شيئا ذَكَرَهُ في الْفُصُولِ عن أَحْمَدَ فقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يَحْرُمُ عليها ذلك وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُمَا كَالْقُفَّازَيْنِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُبَاحُ لها لُبْسُ الْخَلْخَالِ والحلى وَنَحْوِهِمَا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ عليه جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذلك وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا لَكِنْ قال في الْمَطْلَعِ عن كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا عَطَفَ الْخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ على الْقُفَّازَيْنِ وَإِنْ كان لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ مُحَرَّمًا وَلُبْسُ الْخَلْخَالِ والحلى مُبَاحًا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ لُبْسَهُ مَكْرُوهٌ فَفِيهِمَا اشْتِرَاكٌ في رُجْحَانِ التَّرْكِ انْتَهَى
وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ على الْكَرَاهَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَكَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَكِنْ بن منجا شَرَحَ على أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَحَمَلَهُ على ظَاهِرِهِ ولم يَحْكِ خِلَافًا
فَائِدَةٌ لَا يَحْرُمُ عليها لِبَاسُ زِينَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وزاد وَيُكْرَهُ وقال الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كحلى
____________________
(3/504)
قَوْلُهُ وَلَا تَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ
قال الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي الْكُحْلُ بِالْإِثْمِدِ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَإِنَّمَا خصت ( ( ( خص ) ) ) الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الزِّينَةِ وَالْكَرَاهَةُ في حَقِّهَا أَكْثَرُ من الرَّجُلِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ
فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً كان الْكُحْلُ لِلزِّينَةِ أو غَيْرِهَا وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا إذَا كان لِلزِّينَةِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ نَقَلَ بن مَنْصُورٍ لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ بِالسَّوَادِ
فَظَاهِرُهُ التَّخْصِيصُ بِالْمَرْأَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ على الْكَرَاهَةِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ التَّحْرِيمُ وقد يقال ظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وقد أَقَرَّهُ بن الزَّاغُونِيِّ على ذلك فقال هو كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ مَكْرُوهًا وكذا أبو مُحَمَّدٍ ولم يُوجِبْ فيه فِدْيَةً وَسَوَّى بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ والكحلى
يَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كان اللَّابِسُ رَجُلًا أو امْرَأَةً وقال في الْوَاضِحِ يَجُوزُ لُبْسُ ما لم يُنْفَضْ عليه
وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ في غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ أَوْلَى
أَمَّا الكحلى وَغَيْرُهُ من الصِّبَاغِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُهُ من غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا يُسَنُّ لُبْسُ ذلك قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
____________________
(3/505)
قَوْلُهُ وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ
يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ في إحْرَامِهَا وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فَإِنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَتْ فَإِنْ شَدَّتْ يَدَهَا بِخِرْقَةٍ فَدَتْ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ لها الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ في غَيْرِ الْإِحْرَامِ لِمُتَزَوِّجَةٍ لِأَنَّ فيه زِينَةً وَتَحْبِيبًا لِلزَّوْجِ كَالطِّيبِ قال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ لِأَيِّمٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مع خَوْفِ الْفِتْنَةِ وفي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يُسْتَحَبُّ لها وقال في مَكَان آخَرَ كَرِهَهُ أَحْمَدُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هو بِلَا حَاجَةٍ
فَأَمَّا الْخِضَابُ لِلرَّجُلِ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا لَا تَشَبُّهَ فيه بِالنِّسَاءِ
وَأَطْلَقَ في الْمُسْتَوْعِبِ لها الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ وَظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ في الْحِنَّاءِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدَةٌ انْتَهَى وَيُبَاحُ لِحَاجَةٍ
قَوْلُهُ وَالنَّظَرُ في الْمِرْآةِ لَهُمَا جميعا
يَعْنِي يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ النَّظَرُ في الْمِرْآةِ لِلْحَاجَةِ كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ نَبَتَ في عَيْنِهِ وَنَحْوِ ذلك وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وإن ( ( ( ولمن ) ) ) كان النَّظَرُ لِإِزَالَةِ شُعْثٍ أو تَسْوِيَةِ شَعْرٍ أو شَيْءٍ من الزِّينَةِ كُرِهَ ذلك ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَحْرُمُ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وفي تَرْكِ الْأَوْلَى نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ من أَنْ يَأْتُوا شُعْثًا غُبْرًا وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا بَأْسَ بِهِ وَبَعْضُ من أَطْلَقَ قَيَّدَ في مَكَان آخَرَ بِالْحَاجَةِ
فَائِدَةٌ قال الْآجُرِّيُّ وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَيَلْبَسُ الْخَاتَمَ
____________________
(3/506)
وَتَقَدَّمَ جَوَازُ لُبْسِهِ لِلزِّينَةِ فِيمَا يُبَاحُ من فِضَّةٍ لِلرِّجَالِ
قال في الْفُرُوعِ وإذا لم يُكْرَهْ في غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَيَتَوَجَّهُ في كَرَاهَتِهِ لِلْمُحْرِمِ لِزِينَةٍ ما في كُحْلٍ وَنَظَرٍ في مِرْآةٍ
فَائِدَةٌ يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ ما نهى اللَّهُ عنه مِمَّا فُسِّرَ بِهِ الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ وهو السِّبَابُ وَقِيلَ الْمَعَاصِي وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ من ذلك كُلِّهِ وقال ( ( ( وقالت ) ) ) في الْفُصُولِ يَجِبُ اجْتِنَابُ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ قال وهو الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يَحْرُمُ عليه الْفُسُوقُ وهو السِّبَابُ وَالْجِدَالُ وهو الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ كُلُّ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَكُلُّ سِبَابٍ
وَقِيلَ يَحْرُمُ كما يَحْرُمُ على الْمُحِلِّ بَلْ أَوْلَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ وَالْجِدَالَ وَالْمُرَاءَاةَ وَاللَّغْوَ وَغَيْرَ ذلك مِمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ
وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ له كَثْرَةُ الْكَلَامِ بِلَا نَفْعٍ انْتَهَى
وَيَجُوزُ له التِّجَارَةُ وَعَمَلُ الصَّنْعَةِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ ما لم يَشْغَلْهُ عن مُسْتَحَبٍّ أو وَاجِبٍ بَابُ الْفِدْيَةِ
قَوْلُهُ وَهِيَ على ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدِهَا ما هو على التَّخْيِيرِ وهو نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا يُخَيَّرُ فيه بين صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ أو نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ أو شَعِيرٍ أو ذَبْحِ شَاةٍ وَهِيَ فِدْيَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ
هذا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ
____________________
(3/507)
وَأَمَّا من حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كان بِالصِّيَامِ فَيُجْزِئُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ وقال الْآجُرِّيُّ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ
وَإِنْ كان بِالْإِطْعَامِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَشَرْحِ بن منجا وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَشْهَرُ
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ كَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْخُبْزُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ وَيَكُونُ رِطْلَيْنِ عِرَاقِيَّيْنِ كَرِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وقال وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأَدْمٍ وَإِنْ كان مِمَّا يُؤْكَلُ من بُرٍّ وَشَعِيرٍ فَهُوَ أَفْضَلُ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان مَعْذُورًا أو غير مَعْذُورٍ وَذِكْرُهُ الرِّوَايَةَ بَعْدَ ذلك يَدُلُّ عليه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ جَعْفَرٌ وَغَيْرُهُ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَجِبُ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِعُذْرٍ فَيُخَيَّرُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ قال الْمُصَنِّفُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يَتَعَيَّنُ الدَّمُ فَإِنْ عَدِمَهُ أَطْعَمَ فَإِنْ تَعَذَّرَ صَامَ فَيَكُونُ على التَّرْتِيبِ
____________________
(3/508)
فَائِدَةٌ يَجُوزُ له تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ على الْحَلْقِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
قَوْلُهُ الثَّانِي جَزَاءُ الصَّيْدِ يُخَيَّرُ فيه بين الْمِثْلِ أو تَقْوِيمِهِ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بها طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَإِنْ كان مما لَا مِثْلَ له خُيِّرَ بين الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ
أَيْ تَقْوِيمُ الْمِثْلِ بِدَرَاهِمَ يشترى بها طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَإِنْ كان مِمَّا لَا مِثْلَ له خُيِّرَ بين الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ كَفَّارَةَ جَزَاءِ الصَّيْدِ على التَّخْيِيرِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَنْصُوصُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ على التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ فَإِنْ لم يَجِدْ لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ فَإِنْ لم يَجِدْ صَامَ نَقَلَهَا محمد بن الْحَكَمِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ بين الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ إخْرَاجُ الْمِثْلِ أو التَّقْوِيمُ بِطَعَامٍ أو الصِّيَامُ عنه وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ الْخِيَرَةُ بين شَيْئَيْنِ وَهِيَ إخْرَاجُ الْمِثْلِ وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ فيها وَإِنَّمَا ذَكَرَ في الْآيَةِ لِيَعْدِلَ بِهِ الصِّيَامَ لِأَنَّ من قَدَرَ على الْإِطْعَامِ قَدَرَ على الذَّبْحِ نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو أَرَادَ الْإِطْعَامَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلِيَّ كما قال الْمُصَنِّفُ بِدَرَاهِمَ ويشترى بها طَعَامًا
وَعَنْهُ لَا يُقَوِّمُ المثلى وَإِنَّمَا يُقَوِّمُ الصَّيْدَ مَكَانَ إتْلَافِهِ أو بِقُرْبِهِ وَأَطْلَقَهُمَا
____________________
(3/509)
في الْإِرْشَادِ وَحَيْثُ قَوَّمَ الْمِثْلِيَّ أو الصَّيْدَ فإنه يشترى بِهِ طَعَامًا لِلْمَسَاكِينِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ له الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَيْسَتْ الْقِيمَةُ مِمَّا خَيَّرَ اللَّهُ فيه ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فيه احْتِمَالَانِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ التَّقْوِيمُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ الذي أَتْلَفَهُ فيه وَبِقُرْبِهِ نَقَلَهَا بن الْقَاسِمِ وسندى وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُقَوِّمُهُ بِالْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذَبْحِهِ
وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ مَكَانَ إتْلَافِهِ أو بِقُرْبِهِ
الثَّانِي الطَّعَامُ هُنَا هو الذي يَخْرُجُ في الْفِطْرَةِ وَفِدْيَةُ الْأَدْنَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُجْزِئُ أَيْضًا كُلُّ ما يُسَمَّى طَعَامًا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان من الْبُرِّ أو من غَيْرِهِ وَكَذَا هو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَأَجْرَاهُ بن منجا على ظَاهِرِهِ وَشَرَحَ عليه ولم يَتَعَرَّضْ إلَى غَيْرِهِ
وقال الشَّارِحُ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ من غَيْرِ الْبُرِّ أَقَلُّ من نِصْفِ صَاعٍ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ في الشَّرْعِ في مَوْضِعٍ بِأَقَلَّ من ذلك في طُعْمَةِ الْمَسَاكِينِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ
قُلْت وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ
____________________
(3/510)
الرَّابِعُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْضًا أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان من الْبُرِّ أو من غَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا وَتَابَعَهُ في الْإِرْشَادِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْإِيضَاحِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وهو رِوَايَةٌ أَثْبَتَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَصُومُ عن طَعَامِ كل مِسْكِينٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةٍ عنه فقال يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَأَطْلَقَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى فقال يَصُومُ عن كل مُدَّيْنِ يَوْمًا
فَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ عن الْقَاضِي أَنَّهُ قال الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمُدِّ على الْبُرِّ وَرِوَايَةَ الْمُدَّيْنِ على غَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي رَأَيْته في رِوَايَتَيْ الْقَاضِي أَنَّ حَنْبَلًا وبن مَنْصُورٍ نَقَلَا عنه أَنَّهُ يَصُومُ عن كل نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا وَأَنَّ الْأَثْرَمَ نَقَلَ في فِدْيَةِ الْأَذَى عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَعَنْ نِصْفِ صَاعٍ تَمْرًا أو شَعِيرًا يَوْمًا قال وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ قال وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عن كل نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا على أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ من التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا من الْبُرِّ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هذا فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ لَا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ وَإِذًا يَسْهُلُ الْحَمْلُ وَلِذَلِكَ قَطَعَ أبو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنْ عَزَا ذلك إلَى الْخِرَقِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ فَأَقَرَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّصَّيْنِ على ظَاهِرِهِمَا وَحَمَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ذلك على ما سَبَقَ يَعْنِي حَمَلَ رِوَايَةَ الْمُدِّ على الْبُرِّ وَرِوَايَةَ الْمُدَّيْنِ على غَيْرِهِ قال وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
____________________
(3/511)
الثَّانِيَةُ لو بَقِيَ من الطَّعَامِ ما لَا يَعْدِلُ يَوْمًا صَامَ عنه يَوْمًا نَصَّ عليه لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ
الثَّالِثَةُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ في هذا الصِّيَامِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ لِلْآيَةِ
الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عن بَعْضِ الْجَزَاءِ وَيُطْعِمَ عن بَعْضِهِ نَصَّ عليه وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قَوْلُهُ الضَّرْبُ الثَّانِي على التَّرْتِيبِ وهو ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَيَجِبُ الْهَدْيُ
وَلَا خِلَافَ في وُجُوبِهِ وقد تَقَدَّمَ وَقْتُ وُجُوبِهِ وَوَقْتُ ذَبْحِهِ في بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجِبُ على الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ فَإِنْ لم يَجِدْ يَعْنِي في مَوْضِعِهِ فَلَوْ وَجَدَهُ في بَلَدِهِ أو وَجَدَ من يُقْرِضُهُ فَهُوَ كَمَنْ لم يَجِدْهُ نَصَّ عليه فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يوم عَرَفَةَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلَ بِالْحَاجَةِ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يوم التَّرْوِيَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ أَنَّ ذلك مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ على يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَيُحْرِمُ يوم السَّابِعِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُحْرِمُ يوم السَّادِسِ
قُلْت فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى من قَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الذي حَلَّ الْإِحْرَامَ منه بِالْحَجِّ يوم التَّرْوِيَةِ فَيُعَايَى بها
فَوَائِدُ
الْأُولَى يَجُوزُ تَقْدِيمُ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ على الصَّحِيحِ
____________________
(3/512)
من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَشْهَرُ وفي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يوم عَرَفَةَ
وَعَنْهُ يَصُومُهَا إذَا حَلَّ من الْعُمْرَةِ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا قبل الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَجُوزُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ لِيَكُونَ السَّبَبَ
قال بن عَقِيلٍ أَحَدُ نُسُكَيْ التَّمَتُّعِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عليه كَالْحَجِّ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن هذه الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَحْمَدُ مُنَزَّهٌ عن هذه الْمُخَالَفَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ
الثَّالِثَةُ وَقْتُ وُجُوبِ صَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ وقال الْقَاضِي وَعِنْدَنَا يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وقد قال أَحْمَدُ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ عن صِيَامِ الْمُتْعَةِ مَتَى يَجِبُ قال إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال الْقَاضِي أَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَيَّنُ قبل يَوْمِ النَّحْرِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْهَدْيِ انْتَهَى
الرَّابِعَةُ ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ إنْ أَخَّرَ صِيَامَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَضَاءٌ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ على مَنْعِ صِيَامِهِ وَإِلَّا كان أَدَاءً وَلَعَلَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ على عَدَمِ مَنْعِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزِيَادَةِ عَدَمِ وَبِهَا يَتَّضِحُ الْمَعْنَى
قَوْلُهُ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَإِنْ صَامَ قبل ذلك أَجْزَأَ
يَعْنِي بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَصَّ
____________________
(3/513)
عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِبَقَاءِ أَعْمَالِ الْحَجِّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ صَوْمُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَعْنِي إذَا كان قد طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذَا رَجَعْتُمْ } يَعْنِي من عَمَلِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الصَّوْمِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَصُمْ قبل يَوْمِ النَّحْرِ
يَعْنِي الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى
قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ أَقْسَامِ النُّسُكِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يَصُومُهَا
وَتَقَدَّمَ ذلك مع زِيَادَةٍ حَسَنَةٍ في أَوَاخِرِ بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذَكَرَ من قَدَّمَ وَأَطْلَقَ وَصَحَّحَ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى لو صَامَهَا فَلَا دَمَ عليه جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال لَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ بِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عن أَيَّامِ الْحَجِّ
وَقَوْلُهُ وَيَصُومُ بَعْدَ ذلك عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ
يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَيَّامِ مِنًى وَكَذَا لو قُلْنَا يَجُوزُ صَوْمُهَا ولم يَصُمْهَا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ عليه دَمًا على هذه الرِّوَايَةِ وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
وَعَنْهُ إنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ لم يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ مع فِعْلِهِ دَمٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ في الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدَّمَ بن منجا في شَرْحِهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ عليه دَمٌ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمَعْذُورِ
وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِحَالٍ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عنه قال
____________________
(3/514)
الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ التي نَصَّهَا الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعِ وقال التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في غَيْرِ الْمَعْذُورِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ
وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْهَدْيِ عن أَيَّامِ النَّحْرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فيه دَمٌ أَمْ يَلْزَمُهُ مع عَدَمِ الْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ مع الْعُذْرِ فيه الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ في الدَّمِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
إحْدَاهُنَّ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِحَالٍ سِوَى الْهَدْيِ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَالثَّالِثَةُ إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ لم يَلْزَمْهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ بن منجا في الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَيْضًا وُجُوبُ الدَّمِ على غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في غَيْرِ الْمَعْذُورِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ
وَحَكَى جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ في الْمَعْذُورِ وَجْهَيْنِ وفي غَيْرِ الْمَعْذُورِ رِوَايَتَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ في الصِّيَامِ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ وَلَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ وَلَا التَّتَابُعُ بين الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَى كَسَائِرِ الصَّوْمِ
____________________
(3/515)
الثَّانِيَةُ لو مَاتَ قبل الصَّوْمِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَوْمِ رَمَضَانَ على ما سَبَقَ يُمْكِنُ منه أو لَا نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَمَتَى وَجَبَ عليه الصَّوْمُ فَشَرَعَ فيه ثُمَّ قَدَرَ على الْهَدْيِ لم يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ تَخْرِيجٌ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ وَخَرَّجُوهُ من اعْتِبَارِ الْأَغْلَظِ في الْكَفَّارَةِ وقال بن الزَّاغُونِيِّ في وَاضِحِهِ إنْ قَرَعَهُ ثُمَّ قَدَرَ يوم النَّحْرِ عليه نَحَرَهُ إنْ وَجَبَ إذَنْ وإن دَمَ الْقِرَانِ يَجِبُ بِإِحْرَامٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ لو كَفَّرَ الْمُتَمَتِّعُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ على الْهَدْيِ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَصَرَّحَ بن الزَّاغُونِيِّ في الْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ بَلْ وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَصْرِيحٌ بِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَبَ ولم يَشْرَعْ فيه فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن منجا وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذه الْمَذْهَبُ انْتَهَى وَصَحَّحَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَالْقَاضِي الْمُوَفَّقُ في شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخِرَقِيِّ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ لِأَنَّهُمْ قالوا لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ بَعْدَ
____________________
(3/516)
الشُّرُوعِ قال في التَّلْخِيصِ وَمَبْنَى الْخِلَافِ هل الِاعْتِبَارُ في الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ أو بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ فيه رِوَايَتَانِ انْتَهَى
قُلْت الْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ في الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ كما يَأْتِي في كَلَامِهِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو قَدَرَ على الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ وهو مُوسِرٌ في بَلَدِهِ لم يَلْزَمْهُ ذلك بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
فَائِدَةٌ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ إذَا عَدِمَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَوَجَبَ الصِّيَامُ عليه ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ قبل الشُّرُوعِ فيه فَهَلْ يَجِبُ عليه الِانْتِقَالُ أَمْ لَا يَنْبَنِي على أَنَّ الِاعْتِبَارَ في الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ أو بِحَالِ الْفِعْلِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَهُ في التَّلْخِيصِ فَإِنْ قُلْنَا بِحَالِ الْوُجُوبِ صَارَ الصَّوْمُ أَصْلًا لَا بَدَلًا وَعَلَى هذا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فِعْلُ الْأَصْلِ وهو الْهَدْيُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَحَكَى الْقَاضِي في شَرْحِ الْمَذْهَبِ عن بن حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ
قُلْت يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَثْنَاءِ الظِّهَارِ بِخِلَافٍ في ذلك وَأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ
قَوْلُهُ النَّوْعُ الثَّانِي الْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لم يَجِدْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ حَلَّ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ عن الْبَيْتِ بِعَدُوٍّ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِأَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وُجُوبًا مَكَانَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَهُ في الْحِلِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَنْحَرُهُ في الْحَرَمِ وَعَنْهُ يَنْحَرُهُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ يوم النَّحْرِ
وَيَأْتِي ذلك في قَوْلِهِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ
فَإِنْ لم يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ حَلَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/517)
وَلَا إطْعَامَ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ بَلَى وقال الْآجُرِّيُّ إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ قال وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حتى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عليه حَلَّ ثُمَّ صَامَ
وَيَأْتِي حُكْمُ الْفَوَاتِ قَرِيبًا وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْمُحْصَرِ في بَابِهِ بِأَتَمَّ من هذا
قَوْلُهُ النَّوْعُ الثَّالِثُ فِدْيَةُ الْوَطْءِ تَجِبُ بَدَنَةٌ فَإِنْ لم يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَدَمِ الْمُتْعَةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ
هذا الْمَذْهَبُ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْتَقِلُ من الْهَدْيِ إلَى الصِّيَامِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وقال الْقَاضِي إنْ لم يَجِدْ الْبَدَنَةَ أَخْرَجَ بَقَرَةً فَإِنْ لم يَجِدْ فَسَبْعًا من الْغَنَمِ فَإِنْ لم يَجِدْ أَخْرَجَ بقيمتهما ( ( ( بقيمتها ) ) ) أَيْ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ لم يَجِدْ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا
وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا فَإِنْ لم يَجِدْ صَامَ عن كل مُدِّ بُرٍّ أو نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ أو شَعِيرٍ يَوْمًا وقال في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي يتصدق ( ( ( تصدق ) ) ) بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ لم يَجِدْ صَامَ عن طَعَامِ كل مِسْكِينٍ يَوْمًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ لَا يَنْتَقِلُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا إلَى الْإِطْعَامِ مع وُجُودِ الْمِثْلِ وَلَا إلَى الصِّيَامِ مع الْقُدْرَةِ على الْإِطْعَامِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن الْقَاضِي
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ من وَجَبَتْ عليه بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا سَبْعٌ من الْغَنَمِ على ما يَأْتِي هُنَاكَ
____________________
(3/518)
قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ في هذه الْخَمْسَةِ فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا نَقَلَهُ عنه في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال الشَّارِحُ إنَّمَا صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ بِإِجْزَاءِ سَبْعٍ من الْغَنَمِ مع وُجُودِ الْبَدَنَةِ هَكَذَا ذَكَرَ في كِتَابِهِ وَلَعَلَّ ذلك قد نَقَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عنه في غَيْرِ كِتَابِهِ الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال بن منجا في شَرْحِهِ قال صَاحِبُ النِّهَايَةِ فيها يَعْنِي بَعْدَ هذا مَنْشَأُ الْخِلَافِ بين الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي أَنَّ الْوَطْءَ هل هو من قَبِيلِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أو من قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكَاتِ فَعَلَى هذا إنْ قِيلَ هو من قَبِيلِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ على التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الطِّيبَ وَاللُّبْسَ اسْتِمْتَاعٌ وَهُمَا على التَّخْيِيرِ على الصَّحِيحِ وَإِنْ قِيلَ هو من قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ على التَّرْتِيبِ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ اسْتِهْلَاكٌ وَكَفَّارَتُهُ على التَّرْتِيبِ على الصَّحِيحِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال بن منجا في شَرْحِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِانْتِقَالَ من الْبَدَنَةِ إلَى الصِّيَامِ لم أَجِدْ بِهِ قَوْلًا لِأَحْمَدَ وَلَا لِأَحَدٍ من الْأَصْحَابِ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَارَهُ لِمَا فيه من مُوَافَقَةِ الْعَبَادِلَةِ إلَّا أَنَّ فيه نَظَرًا نَقْلًا وَأَثَرًا
أَمَّا النَّقْلُ فقال في الْمُغْنِي يَجِبُ على الْمُجَامِعِ بَدَنَةٌ فَإِنْ لم يَجِدْ فَشَاةٌ
وَأَيْضًا فإنه شَبَّهَ هُنَا فِدْيَةَ الْوَطْءِ بِفِدْيَةِ الْمُتْعَةِ وَالشَّبَهُ إنَّمَا يَكُونُ في ذَاتِ الْوَاجِبِ أو في نَفْسِ الِانْتِقَالِ
وَيَرِدُ على الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فيها بدنه بَلْ شَاةٌ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ في الْمُتْعَةِ مع الْقُدْرَةِ على الشَّاةِ
قُلْت في كَلَامِ بن منجا شَيْءٌ وهو أَنَّهُ نَقَلَ عن الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي أَنَّهُ قال يَجِبُ على الْمُجَامِعِ بَدَنَةٌ فَإِنْ لم يَجِدْ فَشَاةٌ وَهَذَا لم يَنْقُلْهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي عن أَصْحَابِ
____________________
(3/519)
الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عن الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ فَلَعَلَّهُ كان في النُّسْخَةِ التي عِنْدَهُ نَقْصٌ فَسَقَطَ هذا النَّقْلُ وَالِاعْتِرَاضُ
وَقَوْلُهُ وَالشَّبَهُ إنَّمَا يَكُونُ في ذَاتِ الْوَاجِبِ أو في نَفْسِ الِانْتِقَالِ فَيَرِدُ على الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فيها بَدَنَةٌ بَلْ شَاةٌ
قُلْت هذا غَيْرُ وَارِدٍ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هذا هَدْيٌ وَهَذَا هَدْيٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ من كل وَجْهٍ بَلْ يُكْتَفَى بِجَامِعٍ ما
وَقَوْلُهُ وَيَرِدُ على الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ في الْمُتْعَةِ مع الْقُدْرَةِ على الشَّاةِ
قُلْت وَهَذَا مُسَلَّمٌ فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ من الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ مع الْقُدْرَةِ عليه وَهَكَذَا قال الْمُصَنِّفُ فَلَا يَرِدُ عليه
وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَثَرُ فإن الْمَرْوِيَّ عن الْعَبَادِلَةِ أَنَّ من أَفْسَدَ حَجَّهُ أَفْتَوْهُ إذَا لم يَجِدْ الْهَدْيَ انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَلْزَمُ في حَقِّ من لم يَجِدْ بَدَنَةً أَنْ يُقَالَ عنه لم يَجِدْ الْهَدْيَ لِأَنَّهُ قد لَا يَجِدُ بَدَنَةً وَيَجِدُ بَقَرَةً أو شَاةً
قُلْنَا هذا مُسَلَّمٌ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قد نَبَّهَ على هذا بَعْدَ ذلك بِقَوْلِهِ وَمَنْ وَجَبَتْ عليه بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا سَبْعٌ من الْغَنَمِ على ما يَأْتِي فلم يَمْنَعْ ذلك الْمُصَنِّفُ غَايَتُهُ أَنَّ ذلك ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَيُرَدُّ بِصَرِيحِ كَلَامِهِ الْآتِي وَنُقَيِّدُهُ بِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُقَيِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَهَذَا عَجَبٌ منه إذْ هو شَارِحُ كَلَامِهِ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ بِالْوَطْءِ في الْفَرْجِ بَدَنَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كان قَارِنًا أو غَيْرَهُ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقَارِنَ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ قال في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وقال في الْفُرُوعِ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ إنْ وطىء قبل طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَتْ وَعَلَيْهِ شَاةٌ لِلْحَجِّ وَبَعْدَ طَوَافِهَا لَا تَفْسُدُ بَلْ حَجَّةٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ
____________________
(3/520)
قال الْقَاضِي وَيَتَخَرَّجُ لنا مِثْلُ هذا على رِوَايَتِنَا عليه طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ لنا أَنْ يَلْزَمَهُ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ أَفْسَدَ قَارِنٌ نُسُكَهُ بِوَطْءٍ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ نَصَّ عليه وَشَاةٌ مع دَمِ الْقِرَانِ وَقِيلَ إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَقِيلَ وَسَعْيَانِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ لَهُمَا وَبَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ
قَوْلُهُ وَشَاةٌ إنْ كَانَا من الْعُمْرَةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ أبو طَالِبٍ وقال الْحَلْوَانِيُّ في الْمُوجِزِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ تَجِبُ بَدَنَةٌ كَالْحَجِّ
قَوْلُهُ وُجُوبُ الْبَدَنَةِ بِوَطْئِهِ في الْحَجِّ وَالشَّاةِ بِوَطْئِهِ في الْعُمْرَةِ إنَّمَا هو من حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَمَّا من حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ في آخِرِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فإنه تَارَةً يَكُونُ قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَتَارَةً بَعْدَهُ وما فيه من الْخِلَافِ فَلْيُعْلَمْ ذلك
قَوْلُهُ وَيَجِبُ على الْمَرْأَةِ مِثْلُ ذلك إنْ كانت مُطَاوِعَةً
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ إذَا طَاوَعَتْ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ وَعَنْهُ لَا فِدْيَةَ عليها لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ منها ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت مُكْرَهَةً فَلَا فِدْيَةَ عليها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ عليها الْفِدْيَةُ وَعَنْهُ يفدى عنها الواطىء ( ( ( الواطئ ) ) ) وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ رِوَايَةَ أنها تفدى وَتَرْجِعُ على الواطىء ( ( ( الواطئ ) ) ) من الرِّوَايَةِ التي في الصَّوْمِ
____________________
(3/521)
وقال في الرَّوْضَةِ الْمُكْرَهَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَلَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهَا وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ الضَّرْبُ الثَّالِثُ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ أو لِتَرْكِ وَاجِبٍ أو لِلْمُبَاشَرَةِ في غَيْرِ الْفَرْجِ فما أَوْجَبَ منه بَدَنَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ في الْفَرْجِ
إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِعُذْرِ حَصْرٍ أو غَيْرِهِ ولم يَشْتَرِطْ أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي فَعَلَيْهِ هَدْيٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا هَدْيَ عليه وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْزِئُ من الْهَدْيِ ما اسْتَيْسَرَ مِثْلُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وقال في الْمُوجِزِ هو بَدَنَةٌ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ وُجُوبِهِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ من أَنَّ دَمَ الْفَوَاتِ مَقِيسٌ على دَمِ الْمُتْعَةِ فَهُوَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ فَهُوَ دَاخِلٌ في كَلَامِ الْقَاضِي الْآتِي وَعَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُوجِزِ حُكْمُهَا حُكْمُ صَاحِبِ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ في الْفَرْجِ هذا ما يَظْهَرُ
وَأَمَّا الْخِرَقِيُّ فإنه جَعَلَ الصَّوْمَ عن دَمِ الْفَوَاتِ كَالصَّوْمِ عن جَزَاءِ الصَّيْدِ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَيَأْتِي ذلك في بَابِ الْمُحْصَرِ بِأَتَمَّ من هذا
وَأَمَّا إذَا بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ وَأَوْجَبْنَا عليه بَدَنَةً فإن حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ في الْفَرْجِ على ما تَقَدَّمَ من غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
قَوْلُهُ وما عَدَاهُ
يَعْنِي ما عَدَا ما تَجِبُ فيه الْبَدَنَةُ
____________________
(3/522)
فقال الْقَاضِي ما وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مُلْحَقٌ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وما وَجَبَ لِلْمُبَاشَرَةِ مُلْحَقٌ بِفِدْيَةِ الْأَذَى
مِثَالٌ تَرْكُ الْوَاجِبِ الذي يَجِبُ بِهِ دَمٌ تَرْكُ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أو الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ أو طَوَافُ الْوَدَاعِ أو الْمَبِيتُ بِمِنًى أو الرَّمْيُ أو الْحِلَاقُ وَنَحْوُهَا فَحُكْمُ هذه الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ حُكْمُ دَمِ الْمُتْعَةِ على ما تَقَدَّمَ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفُرُوعِ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوًا جَبَرَهُ بِدَمٍ فَإِنْ عَدِمَهُ فَكَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَالْإِطْعَامِ عنه
وَمِثَالُ فِعْلِ الْمُبَاشَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلدَّمِ كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ يُوجِبُ شَاةً كَالْوَطْءِ في الْعُمْرَةِ وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ في الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِهِ وَالْمُبَاشَرَةِ من غَيْرِ إنْزَالٍ وَنَحْوِ ذلك إذَا قُلْنَا يَجِبُ شَاةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ فِدْيَةِ الْأَذَى على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْبَابِ وَهَذَا أَيْضًا من غَيْرِ خِلَافٍ جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وبن منجا وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ عليه شَاةٌ وَإِنْ لم يَفْسُدْ نُسُكُهُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ وَتَقَدَّمَ ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ في قَوْلِهِ التَّاسِعُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قال الشَّارِحُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ في الصَّحِيحِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَشَرْحُ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ بَدَنَةٌ نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن منجا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ
____________________
(3/523)
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قَبَّلَ أو لَمَسَ بِشَهْوَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وَالْخِرَقِيُّ حَكَمَ بِأَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ أَنْزَلَ بِالْقُبْلَةِ وَعَكَسَهُ بن أبي مُوسَى فَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ في الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْإِفْسَادِ بِالْقُبْلَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أو اسْتَمْنَى فَعَلَيْهِ دَمٌ هل هو بَدَنَةٌ أو شَاةٌ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي
إحْدَاهُمَا عليه بَدَنَةٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ منهم الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
وَالثَّانِيَةُ عليه شَاةٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال في الْخُلَاصَةِ لَزِمَهُ دَمٌ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% وَمُحْرِمٌ بِالنَّظَرِ الْمُكَرَّرِ % أَمْنَى فَدَى بالشاة ( ( ( الشاة ) ) ) أو بِالْجُزُرِ %
فَائِدَةٌ لو نَظَرَ نَظْرَةً فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ شَاةٌ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ لم يُمْنِ فَلَا شَيْءَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً يفدى بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ أَنْزَلَ أَمْ لَا قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ إنْ كَرَّرَ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْذَى بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ
يَعْنِي إذَا أَمْذَى بِتَكْرَارِ النَّظَرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كثير ( ( ( الكثير ) ) ) منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ اتَّفَقَ عليه الْأَصْحَابُ وقال في الْكَافِي لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِتَكْرَارٍ
____________________
(3/524)
نَظَرٍ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه تَخْرِيجٌ لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِغَيْرِ النَّظَرِ وَجَزَمَ بِهِ الآدمي الْبَغْدَادِيُّ في كِتَابِهِ فقال إنْ أَمْذَى بِاسْتِمْنَاءٍ
قُلْت وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ فقال وَإِنْ أَمْذَى بِاسْتِمْنَاءٍ فَلَا فِدْيَةَ وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ التي ذَكَرَهَا الْقَاضِي
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لم يُكَرِّرْ النَّظَرَ وَأَمْنَى لَا شَيْءَ عليه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرَّوْضَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ عليه شَاةٌ بِذَلِكَ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فإنه قال وَإِنْ نَظَرَ فَصَرَفَ بَصَرَهُ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ دَمٌ وَشَرَحَ على ذلك بن الزَّاغُونِيِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا فِدْيَةَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ أبي حَفْصٍ وبن عَقِيلٍ أَنَّهُ كَالنَّظَرِ لِقُدْرَتِهِ عليه وَمُرَادُهُمَا إذَا اسْتَدْعَاهُ أَمَّا إذَا غَلَبَهُ فَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فيه قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْخَطَأُ هُنَا كَالْعَمْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالْوَطْءِ وَقِيلَ لَا كما سَبَقَ في الصَّوْمِ
الثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مع وُجُودِ الشَّهْوَةِ منها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في خَطَأٍ ما سَبَقَ
قَوْلُهُ وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا من جِنْسٍ مِثْلَ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ أو وطىء ثُمَّ وطىء الْمَرْأَةَ الْأُولَى أو غَيْرَهَا قبل التَّكْفِيرِ عن الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ
وَكَذَا لو قَلَّمَ ثُمَّ قَلَّمَ أو لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ وَلَوْ بِمَخِيطٍ على رَأْسِهِ أو بِدَوَاءٍ مُطَيِّبٍ
____________________
(3/525)
فيه أو تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ تَابَعَهُ أو فَرَّقَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ في خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ وهو صَحِيحٌ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ الْجُمْلَةُ فيه على الْجُمْلَةِ في تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ كَذَا الْوَاحِدُ على الْوَاحِدِ في تَكْمِيلِ الدَّمِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ أَنَّ لِكُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةً وَإِنْ لم يُكَفِّرْ عن الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَأَوْجَبَهَا كَالْأَوَّلِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ في غَيْرِهِ
وَعَنْهُ إنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ الْمَحْظُورِ مِثْلُ أَنْ لَبِسَ لِشِدَّةِ الْحَرِّ ثُمَّ لَبِسَ لِلْبَرْدِ ثُمَّ لِلْمَرَضِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ وَإِلَّا وَاحِدَةٌ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ لَبِسَ قَمِيصًا أو جُبَّةً أو عِمَامَةً لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قُلْت فَإِنْ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً ثُمَّ بريء ثُمَّ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً قال عليه كَفَّارَتَانِ
وقال بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ إنْ لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ مُتَفَرِّقًا وَجَبَ دَمَانِ وَإِنْ كان في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ كَفَّرَ عن الْأَوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَا أَجِدُ فيه خِلَافًا إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ وَصَاحِبَ الْفُرُوعِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بَعْدَ ذِكْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَعَادَهَا في الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَعَنْهُ عليه جَزَاءٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عن الْأَوَّلِ أو لَا وَحَكَاهَا في الْفُرُوعِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَتَعَدَّدُ إنْ لم يُكَفِّرْ عن الْأَوَّلِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا إنْ تَعَدَّدَ قَتْلُهُ ثَانِيًا فَلَا جَزَاءَ فيه وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه
فَائِدَةٌ لو قَتَلَ صَيْدَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(3/526)
قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا من أَجْنَاسٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَحْظُورًا من أَجْنَاسٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَّحِدَ كَفَّارَتُهُ أو تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّحَدَتْ وَهِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِحِكَايَتِهِ الْخِلَافَ مِثْلُ أَنْ حَلَقَ وَلَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَنَحْوَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عليه لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةً وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ عليه فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
وَعَنْهُ إنْ كانت في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كانت في أَوْقَاتٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدْيَةٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَقِيلَ إنْ تَبَاعَدَ الْوَقْتُ تَعَدَّدَ الْفِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ وَلَبِسَ الْخُفَّ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ الْكَفَّارَةُ مِثْلُ إنْ حَلَقَ أو لَبِسَ أو تَطَيَّبَ ووطىء ( ( ( ووطئ ) ) ) تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ أو قَلَّمَ أو وطىء أو قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا أو مُخْطِئًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
إذَا حَلَقَ أو قَلَّمَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ كان عَامِدًا أو غير عَامِدٍ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
وَقِيلَ لَا فِدْيَةَ على مُكْرَهٍ وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِمْ وهو رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ من قَتْلِ الصَّيْدِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَخْرُجُ في الْحَلْقِ مِثْلُهُ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ في حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ
واما إذَا وطىء فإن عليه الْكَفَّارَةَ سَوَاءٌ كان عَامِدًا أو غير عَامِدٍ
____________________
(3/527)
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كانت مُكْرَهَةً على ما تَقَدَّمَ فيها من الْخِلَافِ قَرِيبًا مع أنها لَا تَدْخُلُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَأَمَّا إذَا قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ كان عَامِدًا أو غير عَامِدٍ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى منهم صَالِحٌ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ عليه الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ نَقَلَهُ صَالِحٌ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في الْفُرُوعِ الْمُكْرَهُ عِنْدَنَا كَمُخْطِئٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ في مَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِهَ يَعْنِي بِكَسْرِ الرَّاءِ وَجَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
الثَّانِيَةُ عَمْدُ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ خَطَأٌ وَتَقَدَّمَ ذلك قَوْلُهُ وَإِنْ لَبِسَ أو تَطَيَّبَ أو غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عليه
وكذا إنْ كان جَاهِلًا أو مُكْرَهًا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ نَصَرَهَا الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَأَصْحَابُهُ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ هُنَا كَالصَّوْمِ على ما تَقَدَّمَ وَقَالَهُ الْقَاضِي لِخَصْمِهِ يَجِبُ أَنْ تَقُولَ ذلك
____________________
(3/528)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مَتَى زَالَ عُذْرُ من تَطَيَّبَ غَسَلَهُ في الْحَالِ فَلَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَيَجُوزُ له غَسْلُهُ بيده وَبِمَائِعٍ وَغَيْرِهِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ في غَسْلِهِ بِحَلَالٍ فَإِنْ كان الْمَاءُ لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ وَغَسْلَهُ غَسَلَ الطِّيبَ وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ له بَدَلٌ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَمَحَلُّ هذا إذَا لم يَقْدِرْ على قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَإِنْ قَدَرَ على قَطْعِ الرَّائِحَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَعَلَ وَتَوَضَّأَ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَطْعُهَا
وَإِنْ لم يَجِدْ الْمَاءَ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أو حَكَّهُ بِتُرَابٍ أو غَيْرِهِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ
الثَّانِيَةُ لو مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسَّ الطِّيبِ
وَالثَّانِي لَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّهُ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَأَشْبَهَ من جَهِلَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِرَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ كان مُحْصَرًا لم يُبَحْ له التَّحَلُّلُ بَلْ حُكْمُهُ بَاقٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فإذا فَعَلَ مَحْظُورًا بَعْدَ رَفْضِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وكذا لو فَعَلَ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ رَفْضِهِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَحْظُورٍ كَفَّارَةٌ وَإِنْ لم يَتَدَاخَلْ كَمَنْ لم يَرْفُضْ إحْرَامَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا في الْمُسْتَوْعِبِ في آخِرِ بَابِ ما يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ
____________________
(3/529)
فَائِدَةٌ يلزمه ( ( ( لزمه ) ) ) لِرَفْضِهِ دَمٌ ذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لَا شَيْءَ عليه لِرَفْضِهِ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ لم تُفِدْ شيئا
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَتَقَدَّمَ إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ التَّطَوُّعَ وَالْعُمْرَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ في الْبَابِ الذي قبل هذا
قَوْلُهُ وَمَنْ تَطَيَّبَ قبل إحْرَامِهِ في بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذلك
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو نَقَلَهُ من مَكَان إلَى مَكَان من بَدَنِهِ أو نَقَلَهُ عنه ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أو مَسَّهُ بيده فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ سَيَلَانِهِ بِعَرَقٍ وَشَمْسٍ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ له لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ
يَعْنِي بَعْدَ إحْرَامِهِ وَأَمَّا عِنْدَ إحْرَامِهِ فَيَجُوزُ لَكِنْ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ تَطْيِيبِ ثَوْبِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ يَحْرُمُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وَقِيلَ هو كَتَطْيِيبِ بَدَنِهِ وتقدم ( ( ( وقدم ) ) ) ذلك في أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ خَلَعَهُ ولم يَشُقَّهُ
وكذا لو كان عليه سَرَاوِيلُ أو جُبَّةٌ أو غَيْرُهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
مُرَادُهُ وَلَوْ اسْتَدَامَ لَحْظَةً فَأَكْثَرَ فَوْقَ الْمُعْتَادِ في خَلْعِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كان مُطَيَّبًا فَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ منه وكان بِحَيْثُ إذَا رَشَّ فيه مَاءً فَاحَ رِيحُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو افْتَرَشَهُ نَصَّ عليه وَلَوْ كان تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرِ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَلَوْ كان ذلك الْحَائِلُ لَا يَمْنَعُ رِيحَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ وَإِنْ مَنَعَ فَلَا فِدْيَةَ على
____________________
(3/530)
الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ إذَا كان بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كُرِهَ وَلَا فِدْيَةَ عليه
فَائِدَةٌ الْقَارِنُ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْأَحْكَامِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُمَا إحْرَامَانِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ فإنه شَبَّهَهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَحَرُمَ الْإِحْرَامُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هو نِيَّةُ النُّسُكِ وَنِيَّةُ الْحَجِّ غَيْرُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ كَبَيْعِ عَبْدٍ وَدَارٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ وَالْمَبِيعُ اثْنَانِ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ ذَكَرَهَا في الْوَاضِحِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي قال الْقَاضِي إذَا قُلْنَا عليه طَوَافَانِ لَزِمَهُ جزآن ( ( ( جزاءان ) ) ) انْتَهَى وَخَصَّهَا بن عَقِيلٍ بِالصَّيْدِ كما لو أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِحْرَامٍ قال في الْفُرُوعِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَكَمَا لو وطىء وهو مُحْرِمٌ صَائِمٌ
قال الْقَاضِي لَا يَمْتَنِعُ التَّدَاخُلُ ثُمَّ لم يَتَدَاخَلَا لِاخْتِلَافِ كَفَّارَتِهِمَا أو لِأَنَّ الْإِحْرَامَ وَالصِّيَامَ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يَتَدَاخَلَانِ عِنْدَنَا وَخَرَجَ في الْمُغْنِي لُزُومُ بَدَنَةٍ وَشَاةٍ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ إذَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ
قَوْلُهُ وَكُلُّ هَدْيٍ أو إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ على إيصَالِهِ إلَيْهِمْ
يَعْنِي إذَا كان مُتَعَلِّقًا بِالْإِحْرَامِ أو الْحَرَمِ فَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا مُخْتَصَّةٌ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِهِمَا وكذا ما وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ كَالْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَا أَجْزَاءُ الْمَحْظُورَاتِ إذَا فَعَلَهَا في الْحَرَمِ نَصَّ عليه فَيَجِبُ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ وَيُجْزِئُهُ في أَيِّ نَوَاحِي الْحَرَمِ كان
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ
وقال مَالِكٌ لَا يَنْحَرُ في الْحَجِّ إلَّا بِمِنًى وَلَا في الْعُمْرَةِ إلَّا بِمَكَّةَ
قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَوَجِّهٌ
____________________
(3/531)
وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَهُوَ تَبَعٌ لِلنَّحْرِ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قِيلَ في النَّحْرِ فَالطَّعَامُ كَذَلِكَ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَ في الْحَجِّ بِمِنًى وفي الْعُمْرَةِ بِالْمَرْوَةِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ
الثَّانِيَةُ اخْتِصَاصُ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ بِهَدْيِ الْمُحْصَرِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُهَا
% وَهَدْيُهُ فَعِنْدَنَا يَخْتَصُّ % بِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ قد نَصُّوا %
الثَّالِثَةُ لو سَلَّمَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَنَحَرُوهُ أَجْزَأَ فَإِنْ لم يَفْعَلُوا اسْتَرَدَّهُ وَنَحَرَهُ فَإِنْ أَبَى أو عَجَزَ ضَمِنَهُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَضْمَنُ وَيَجِبُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْحَرَمِ وَإِطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ
الرَّابِعَةُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ من كان فيه من أَهْلِهِ وَمَنْ وَرَدَ إلَيْهِ من الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الزَّكَاةُ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ قَدَرَ على إيصَالِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَقْدِرْ على إيصَالِهِ إلَيْهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ هو وَالطَّعَامُ في غَيْرِ الْحَرَمِ وهو صَحِيحٌ وَالصَّحِيحُ من الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ إلَّا فِدْيَةَ الْأَذَى أو اللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا
كَالطِّيبِ وَنَحْوِهِ وزاد في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا لم يُنْزِلْ وقال في الْفُرُوعِ وما وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَحَيْثُ فَعَلَهُ ولم يستثن ( ( ( يستثنى ) ) ) سِوَى جَزَاءِ الصَّيْدِ وَكَذَا قال الزَّرْكَشِيُّ إذَا وَجَدَ سَبَبَهَا في الْحِلِّ فَيُفَرِّقُهَا حَيْثُ وَجَدَ سَبَبَهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(3/532)
وَعَنْهُ يُفَرِّقُهَا في الْحَرَمِ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ في غَيْرِ الْحَلْقِ قال في الْفُصُولِ وَالتَّبْصِرَةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ خُولِفَ فيه لِمَا سَبَقَ
وَاعْتَبَرَ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ الْعُذْرَ في الْمَحْظُورِ وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَعْذُورِ كَسَائِرِ الْهَدْيِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو الْبَرَكَاتِ ما فَعَلَهُ لِعُذْرٍ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ اسْتَبَاحَهُ وما فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا حَيْثُ قِيلَ النَّحْرُ في الْحِلِّ فَذَلِكَ على سَبِيلِ الْجَوَازِ على مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْخِرَقِيِّ وَالتَّلْخِيصِ الْوُجُوبُ
الثَّانِي مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا إذَا وَجَدَ سَبَبَهَا في الْحَرَمِ يُفَرِّقُهَا فيه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُفَرِّقُهُ حَيْثُ فَعَلَهُ كَحَلْقِ الرَّأْسِ ذَكَرَهَا الْقَاضِي قال الْمُصَنِّفُ وَتَقَدَّمَ ذلك
فَوَائِدُ
الْأُولَى جَزَاءُ الصَّيْدِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّارِحُ وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْكِتَابِ وَمَنْصُوصَ أَحْمَدَ فَلَا يُعَوَّلُ عليه وَقِيلَ يُفَرِّقُهُ حَيْثُ قَتَلَهُ لِعُذْرٍ
الثَّانِيَةُ دَمُ الْفَوَاتِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ
الثَّالِثَةُ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا وما أُلْحِقَ بِهِ حين فَعَلَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَبِيحَهُ لِعُذْرٍ فَلَهُ الذَّبْحُ قَبْلَهُ قال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وكذلك ما وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ
الرَّابِعَةُ لو أَمْسَكَ صَيْدًا أو جَرَحَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ جَزَاءَهُ ثُمَّ تَلِفَ الْمَجْرُوحُ
____________________
(3/533)
أو الْمُمْسَكُ أو قَدِمَ من أُبِيحَ له الْحَلْقُ فَدِيَتُهُ قبل الْحَلْقِ ثُمَّ حَلَقَ أَجْزَأَ نَصَّ عليه
وقال في الرِّعَايَةِ إنْ أَخْرَجَ فِدَاءَ صَيْدٍ بيده قبل تَلَفِهِ فَتَلِفَ أَجْزَأَ عنه وهو بَعِيدٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَدَمُ الْإِحْصَارِ يُجْزِئُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا في الْحَرَمِ فَيَبْعَثُهُ إلَيْهِ ويواطىء ( ( ( ويواطئ ) ) ) رَجُلًا على نَحْرِهِ وَقْتَ تَحَلُّلِهِ
قال في الْمُبْهِجِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَنْحَرُ هَدْيَ الْإِحْصَارِ إلَّا بِالْحَرَمِ
قال الْمُصَنِّفُ هذا فِيمَنْ كان حَصْرُهُ خَاصًّا أَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ فَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك عِنْدَ قَوْلِهِ الثَّانِي دَمُ الْمُحْصَرِ
فَوَائِدُ
إحداها قَوْلُهُ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَان
قال في الْفُرُوعِ وَيُجْزِئُ صَوْمٌ وِفَاقًا وَالْحَلْقُ وِفَاقًا وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وِفَاقًا وما يُسَمَّى نُسُكًا بِكُلِّ مَكَان
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وكل ( ( ( كل ) ) ) دَمٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فيه شَاةٌ أو سُبُعُ بَدَنَةٍ
وَيُجْزِئُ أَيْضًا سُبُعُ بَقَرَةٍ وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُ بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ لَكِنْ إذَا ذَبَحَهَا عن الدَّمِ هل تَلْزَمُهُ كُلُّهَا كما لو اخْتَارَ الْأَعْلَى من خِصَالِ الْكَفَّارَةِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ ذَكَرَهُ في الْمَنْذُورِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ أَمْ يَلْزَمُهُ سُبُعُهَا فَقَطْ وَالْبَاقِي له أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فيه لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا كَذَبْحِهِ سَبْعَ شِيَاهٍ
قال بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ فَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً لم تَلْزَمْهُ كُلُّهَا في الْأَشْهَرِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال هذا أَقْيَسُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وقال قُلْت
____________________
(3/534)
وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ على الْخِلَافِ أَيْضًا زِيَادَةُ الثَّوَابِ فإن ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ من ثَوَابِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا فَأَقَلُّ ما يُجْزِئُ شَاةٌ أو سبع بَدَنَةٌ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِيمَا إذَا كان عِنْدَهُ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ فَأَخْرَجَ زَكَاتَهَا بَعِيرًا في بَابِ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
الثَّالِثَةُ حُكْمُ الْهَدْيِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ نَصَّ عليه قِيَاسًا عليها فَلَا يُجْزِئُ في الْهَدْيِ ما لَا يُضَحَّى بِهِ على ما يَأْتِي في بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَتْ عليه بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ
وَكَذَا عَكْسُهَا وَتُجْزِئُهُ أَيْضًا الْبَقَرَةُ في جَزَاءِ الصَّيْدِ عن الْبَدَنَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ النَّعَامَةَ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً في غَيْرِ النَّذْرِ لَا تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ عن الْبَدَنَةِ مُطْلَقًا إلَّا لِعَدَمِهَا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَيَأْتِي في بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ في فَصْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ إذَا نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ
فَائِدَةٌ من لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ أَجْزَأَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ تُجْزِئُ عِنْدَ عَدَمِهَا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا عَشْرُ شِيَاهٍ وَالْبَقَرَةُ كَالْبَدَنَةِ في إجْزَاءِ سَبْعِ شِيَاهٍ عنها بِطَرِيقِ أَوْلَى
وَمَنْ لَزِمَتْهُ سَبْعُ شِيَاهٍ أَجْزَأَهُ بَدَنَةٌ أو بَقَرَةٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي لِإِجْزَائِهَا عن سَبْعَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ تُجْزِئُ إلَّا في جَزَاءِ الصَّيْدِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(3/535)
قال الْمُصَنِّفُ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عن سَبْعِ شِيَاهٍ في الصَّيْدِ وَالظَّاهِرُ عنه لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ لحما ( ( ( لها ) ) ) فَلَا يَعْدِلُ عن الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ
وَيَأْتِي في بَابِ الْهَدْيِ إذَا نَذَرَ بَدَنَةً تُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وهو ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا ما له مِثْلٌ من النَّعَمِ فَيَجِبُ فيه مِثْلُهُ وهو نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا قَضَتْ فيه الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم ففيه ( ( ( فيه ) ) ) ما قَضَتْ
أَنَّهُ لو قَضَى بِذَلِكَ غَيْرُ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَالصَّحَابِيِّ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
وقد نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ هو على ما حَكَمَ الصَّحَابَةُ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ في الصَّحَابَةِ إنْ كان بِنَاءً على أَنَّ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ قُلْنَا فيه رِوَايَتَانِ وَإِنْ كان لِسَبْقِ الْحُكْمِ فيه فَحُكْمُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِثْلُهُ في هذه الْآيَةِ وقد احْتَجَّ بِالْآيَةِ الْقَاضِي
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ كُلَّ ما تَقَدَّمَ من حُكْمٍ فَهُوَ على ذلك
وَنَقَلَ أبو دَاوُد وَيَتْبَعُ ما جاء قد حَكَمَ وَفَرَّعَ منه وقد رَجَعَ الْأَصْحَابُ في بَعْضِ الْمِثْلِ إلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ على ما يَأْتِي انْتَهَى
قَوْلُهُ وفي حِمَارِ الْوَحْشِ وبقرته ( ( ( وبقره ) ) ) وَالْأَيْلِ وَالتَّيْتَلِ وَالْوَعْلِ بَقَرَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ في حِمَارِ الْوَحْشِ بَدَنَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَعَنْهُ في كل وَاحِدٍ من الْأَرْبَعَةِ بَدَنَةٌ ذَكَرَهَا في الْوَاضِحِ وَالتَّبْصِرَةِ وَعَنْهُ الْإِجْزَاءُ في بَقَرَةِ الْوَحْشِ
____________________
(3/536)
فَائِدَةٌ الْأَيْلُ ذَكَرُ الْأَوْعَالِ وَالْوَعْلُ هو الْأَرْوَى وهو التَّيْسُ الْجَبَلِيُّ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَفِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ كما تَقَدَّمَ في الْوَعْلِ جَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قال الْقَاضِي فيها عَضَبٌ وهو ما قَبَضَ قَرْنُهُ من الْبَقَرِ وهو دُونَ الْجَذَعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وفي الضَّبُعِ كَبْشٌ
بِلَا نِزَاعٍ إلَّا أَنَّهُ قال في الْفَائِقِ في الضَّبُعِ شَاةٌ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ كَبْشٌ أو شَاةٌ
قَوْلُهُ وفي الْغَزَالِ وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ
وَالْغَزَالُ ذَكَرُ الظَّبْيَةِ إلَى حِينِ يَقْوَى وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ وَالذَّكَرُ ظَبْيٌ فإذا كان الْغَزَالُ صَغِيرًا فَالْعَنْزُ الْوَاجِبَةُ فيه صَغِيرَةٌ مِثْلُهُ وَإِنْ كان كَبِيرًا فَمِثْلُهُ
وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ فيه عَنْزًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن منجا
وَقِيلَ فيه شَاةٌ في الْجَمَاعَةِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَحَكَاهُ بن منجا في شَرْحِهِ رِوَايَةً
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه فيه لِأَنَّهُ سَبُعٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُبْهِجِ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت أن حَرُمَ أَكْلُهُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ سَوَاءٌ أُبِيحَ أَكْلُهُ أَمْ لَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ
____________________
(3/537)
وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن منجا وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على وُجُوبِ الْقَضَاءِ من غَيْرِ قَيْدٍ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ تَغْلِيبًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْكَافِي في بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وفي الثَّعْلَبِ الْجَزَاءُ مع الْخِلَافِ في أَكْلِهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَة نَقَلَ بَكْرٌ عليه الْجَزَاءُ هو صَيْدٌ لَكِنْ لَا يُؤْكَلُ
وَقِيلَ إنَّمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ على الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَصَحُّ الطَّرِيقَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْخُلَاصَةِ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ فيه الْجَزَاءُ إذَا قُلْنَا إنَّهُ مُبَاحٌ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قال في مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ في تحريم ( ( ( نحو ) ) ) حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وما في حِلِّهِ خِلَافٌ كَثَعْلَبٍ وَسِنَّوْرٍ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ وَغَيْرِهَا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الْخِلَافُ
وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَحْرُمُ قَتْلُ السِّنَّوْرِ وَالثَّعْلَبِ وفي وُجُوبِ الْقِيمَةِ بقتلهما ( ( ( بقتلها ) ) ) رِوَايَتَانِ
وقال في الْمُبْهِجِ وفي الثَّعْلَبِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ صَيْدٌ فيه شَاةٌ وَالْأُخْرَى ليس بِصَيْدٍ وَلَا شَيْءَ فيه
قَوْلُهُ وفي الْوَبْرِ وَالضَّبِّ جَدْيٌ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ في قَتْلِ الْوَبْرِ جَدْيًا جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(3/538)
وَعَنْهُ فيه شَاةٌ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَجَزَمَ بِهِ في الْهَادِي وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ فيه جُفْرَةٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَأَمَّا الضَّبُّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ في قَتْلِهِ جَدْيًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ فيه شَاةٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وفي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ لها أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ جَدْيٌ وَقِيلَ شَاةٌ وَقِيلَ عَنَاقٌ
قَوْلُهُ وفي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قَالَهُ في الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ فيه جَفْرَةٌ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
لَكِنْ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْعَنَاقُ لها ما بين ثُلُثِ سَنَةٍ وَنِصْفِهَا قبل أَنْ تَصِيرَ جَذَعَةٌ وَالْجَفْرَةُ عَنَاقٌ من الْمَعْزِ لها ثُلُثُ سَنَةٍ فَقَطْ وقال في الْفَائِقِ الْجَفْرَةُ لها أَرْبَعُ شُهُورٍ وقال في الْفُرُوعِ الْجَفْرَةُ من الْمَعْزِ لها أَرْبَعُ شُهُورٍ وَالْعَنَاقُ أُنْثَى من وَلَدِ الْمَعْزِ دُونَ الْجَفْرَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وفي الْحَمَامِ وهو كُلُّ ما عَبَّ وَهَدَرَ شَاةٌ
وُجُوبُ الشَّاةِ في الْحَمَامِ لَا خِلَافَ فيه وَالْعَبُّ وَضْعُ الْمِنْقَارِ في الْمَاءِ فَيَكْرَعُ كَالشَّاةِ وَلَا يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ وَالْهَدَرُ الصَّوْتُ
____________________
(3/539)
فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَمَامَ كُلُّ ما عَبَّ وَهَدَرَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْكِسَائِيُّ كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ وقال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرُهُمَا من الْأَصْحَابِ فمما ( ( ( فما ) ) ) يَعُبُّ وَيَهْدُرُ الْحَمَامُ وَتُسَمِّي الْعَرَبُ الْقَطَا حَمَامًا وَكَذَا الْفَوَاخِتُ وَالْوَرَاشِينُ والقمرى وَالدُّبْسِيُّ وَالسَّفَانِينُ وَأَمَّا الْحَجَلُ فأنه لَا يَعُبُّ وهو مُطَوَّقٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ
قَوْلُهُ النَّوْعُ الثَّانِي ما لم يَقْضِ فيه الصَّحَابَةُ فَيَرْجِعُ فيه إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ من أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا
نَصَّ عليه وَأَنْ يَكُونَ الْقَاتِلَيْنِ أَيْضًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا ما تَقَدَّمَ عن صَاحِبِ الْفُرُوعِ من أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ في أَوَّلِ الْبَابِ وَقَيَّدَ بن عَقِيلٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كان قَتَلَهُ خَطَأً قال لِأَنَّ الْعَمْدَ يُنَافِي الْعَدَالَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ لِعَدَمِ فِسْقِهِ
قُلْت وهو قَوِيٌّ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ
قال بَعْضُهُمْ وَعَلَى قِيَاسِهِ قَتْلُهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ
وَيَأْتِي في اواخر بَابِ شُرُوطِ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ على فِعْلِ نَفْسِهِ
وَتَقَدَّمَ هل تَجِبُ فِدْيَةٌ في الضُّفْدَعِ وَالنَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَالسِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ أَمْ لَا وَهَلْ يَجِبُ في الْبَطِّ وَالدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمُحْرِمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ في تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ وَمُحَرَّمِ الْأَكْلِ
فَائِدَةٌ في سِنَّوْرِ الْبَرِّ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ حُكُومَةٌ إنْ أَلْحَقَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في الثَّعْلَبِ
____________________
(3/540)
قَوْلُهُ وَيَجِبُ في كل وَاحِدٍ من الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِثْلُهُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في الْفُرُوعِ وَقِيَاسُ قَوْلِ أبي بَكْرٍ في الزَّكَاةِ يَضْمَنُ مَعِيبًا بِصَحِيحٍ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَخَرَّجَهُ في الْفُصُولِ احْتِمَالًا من الرِّوَايَةِ هُنَاكَ وَفِيهَا يُعْتَبَرُ الْكَبِيرُ أَيْضًا فَهُنَا مِثْلُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
فَلَوْ قَتَلَ فَرْخَ حَمَامٍ كان فيه صَغِيرٌ من أَوْلَادِ الْغَنَمِ وفي فَرْخِ النَّعَامَةِ جَزَاءٌ وَفِيمَا عَدَاهَا قِيمَتُهُ إلَّا ما كان أَكْبَرَ من الْحَمَامِ فَفِيهِ ما يَذْكُرُهُ قَرِيبًا
قَوْلُهُ إلَّا الْمَاخِضَ تُفْدَى بِقِيمَةِ مِثْلِهَا
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وقال أبو الْخَطَّابِ يَجِبُ فيها مِثْلُهَا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
وَقِيلَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ مِثْلِهَا أو بِحَائِلٍ لِأَنَّ هذا لَا يَزِيدُ في لَحْمِهَا كَلَوْنِهَا قَالَهُ في الْفَائِقِ على الْأَوَّلِ وَلَوْ فَدَاهَا بِغَيْرِ مَاخِضٍ فَاحْتِمَالَانِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتُفْدَى الْمَاخِضُ بِمِثْلِهَا فَإِنْ عَدِمَ الْمَاخِضَ فَقِيمَةُ مَاخِضٍ مِثْلِهَا وَقِيلَ قِيمَةُ غَيْرِ مَاخِضٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو جَنَى على حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَمْلَ في الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ وقال في الْمُبْهِجِ إذَا صَادَ حَامِلًا فَإِنْ تَلِفَ حَمْلُهَا
____________________
(3/541)
ضَمِنَهُ وقال في الْفُصُولِ يَضْمَنُهُ إنْ تَهَيَّأَ لِنَفْخِ الرُّوحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَصِيرُ حَيَوَانًا كما يُضْمَنُ جَنِينُ امْرَأَةٍ بَعْدَهُ
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ إنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ إذَا كان لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ وَإِنْ كان لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقَاسَ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وُجُوبَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ على قَوْلِ أبي بَكْرٍ في وُجُوبِ عُشْرِ قِيمَةِ جَنِينِ الدَّابَّةِ على ما يَأْتِي في الْغَصْبِ وَمَقَادِيرِ الدِّيَاتِ
وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ الْبَيْضِ الْمَذَرُ وما فيه من الْفِرَاخِ وكذا لو خَرَجَ من كَسْرَةِ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ فَعَاشَ أو مَاتَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ من عَيْنٍ بِأَعْوَرَ من أُخْرَى
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وكذا يَجُوزُ فِدَاءُ أَعْرَجَ من قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ من أُخْرَى لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَلَا عَكْسُهُ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وفي فدئها ( ( ( فدائها ) ) ) بِهِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ فَيُفْدَى بها وَاقْتَصَرَ عليه وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ تُفْدَى أُنْثَى بِمِثْلِهَا فَظَاهِرُ ذلك عَدَمُ الْجَوَازِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي الْبَغْدَادِيِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
____________________
(3/542)
قَوْلُهُ الضَّرْبُ الثَّانِي ما لَا مِثْلَ له وهو سَائِرُ الطَّيْرِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ
بِلَا نِزَاعٍ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ إلَّا ما كان أَكْبَرَ من الْحَمَامِ كالأوز وَالْحُبَارَى وَالْحَجَلِ على قَوْلِ غَيْرِ الْكِسَائِيّ وَالْكَبِيرِ من طَيْرِ الْمَاءِ والكركى وَالْكَرَوَانِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ تَجِبُ فيه قِيمَتُهُ أو شَاةٌ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
أَحَدُهُمَا تَجِبُ فيه قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ خُولِفَ في الْحَمَامِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في النَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على وُجُوبِ الشَّاةِ في الْحَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فيه شَاةٌ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن أبي مُوسَى وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْخُلَاصَةِ فَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْحَمَامِ وَقِيلَ الْقِيمَةُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَمَنْ أَتْلَفَ جُزْءًا من صَيْدٍ فَفِيهِ ما نَقَصَ من قِيمَتِهِ أو قِيمَةِ مِثْلِهِ إنْ كان مِثْلِيًّا
إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا من صَيْدٍ وَانْدَمَلَ وهو مُتَمَتِّعٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا مِثْلَ له أو مِمَّا له مِثْلٌ فَإِنْ كان مِمَّا لَا مِثْلَ له فإنه يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ تُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهُ
وَإِنْ كان له مِثْلٌ فَهَلْ يُضْمَنُ بمثله من مِثْلِهِ لَحْمًا أو يُضْمَنُ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا يُضْمَنُ بمثله من مِثْلِهِ لَحْمًا وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في
____________________
(3/543)
الْوَجِيزِ قال في الْمُغْنِي والشرح وهو أَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ وقال وَيُضْمَنُ بَعْضُهُ بمثله لَحْمًا لِضَمَانِ أَصْلِهِ بمثله من النَّعَمِ وَلَا مَشَقَّةَ فيه لِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى عَدْلِهِ من طَعَامٍ أو صَوْمٍ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ لَا يُعْرَفُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَوْ قُلْنَا بِهِ لم يَمْتَنِعْ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ لِأَنَّهُ لم يُوجِبْ في شَعْرِهِ ثُلُثَ دَمٍ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ لَا يُضْمَنُ بِهِ كَطَعَامٍ مُسَوَّسٍ في يَدِ الْغَاصِبِ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ فلم نُوجِبْ كما في الزَّكَاةِ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَجِبُ قِيمَةُ مِثْلِهِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ بن منجا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ لو نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ
وَكَذَا لو نَقَصَ في حَالِ نُفُورِهِ ضَمِنَهُ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا وَلَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ في مَكَانِهِ بَعْدَ أَمْنِهِ من نُفُورِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُضْمَنُ
وَلَوْ تَلِفَ في حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى الضَّمَانُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ سَبَبٌ وَغَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ على غَيْرِ السَّبَبِ هُنَا فَيُغَيِّرُ السَّبَبَ ثُمَّ وَجَدْته في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ وقال وَقِيلَ لَا يُضْمَنُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ في الْأَصَحِّ
قُلْت وَالضَّمَانُ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو كَالصَّرِيحِ في كَلَامِهِ في الْكَافِي
الثَّانِيَةُ لو رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ سَقَطَ على آخَرَ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا فَلَوْ مَشَى الْمَجْرُوحُ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ على آخَرَ ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ فَقَطْ على الصَّحِيحِ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما سَبَقَ يَضْمَنُهُمَا
____________________
(3/544)
قُلْت هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا تَلِفَ في مَكَانِهِ بَعْدَ أَمْنِهِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَرَحَهُ فَغَابَ ولم يَعْلَمْ خَبَرَهُ فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ
يَعْنِي إذَا كان الْجُرْحُ غير مُوحٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ عليه أَرْشَ ما نَقَصَ بِالْجُرْحِ كما قال الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ على ما يَأْتِي بَعْدَ ذلك
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُقَوِّمُهُ صَحِيحًا أو جَرِيحًا غير مُنْدَمِلٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ فَيَجِبُ ما بَيْنَهُمَا فَإِنْ كان سُدُسُهُ فَقِيلَ يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ
قُلْت وهو الصَّحِيحُ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قِيَاسًا على ما إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا من الصَّيْدِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وقد صَرَّحَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ وَكَذَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمُوا وُجُوبَ مِثْلِهِ من مِثْلِهِ لَحْمًا كما تَقَدَّمَ
وَقِيلَ يَجِبُ قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ بِقِيلِ وَقِيلَ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا ولم يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ
إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ عنه ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَلَا يَعْلَمُ هل مَوْتُهُ بِجِنَايَتِهِ أَمْ لَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما جَرَحَهُ وَغَابَ ولم يَعْلَمْ خَبَرَهُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ هُنَا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَ إتْلَافِهِ منه ولم يَعْلَمْ له سَبَبًا آخَرَ فَوَجَبَ إحَالَتُهُ على السَّبَبِ الْمَعْلُومِ
____________________
(3/545)
قال الشَّارِحُ وَهَذَا أَقْيَسُ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ كَنَظَائِرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْقَوَاعِدِ
فَائِدَةٌ لو جَرَحَهُ جُرْحًا غير مُوحٍ فَوَقَعَ في مَاءٍ أو تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ انْدَمَلَ غير مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ
وَكَذَا إنْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُوحِيًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ تَخْرِيجًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى ما نَقَصَ فِيمَا إذَا انْدَمَلَ غير مُمْتَنِعٍ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ وُجُوبَ الْجَزَاءِ كَامِلًا فِيمَا إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ خَبَرَهُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على ما تَقَدَّمَ فإن كَلَامَهُ مُطْلَقٌ
فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجُرْحَ لو كان غير مُوحٍ وَغَابَ أَنَّ عليه الْجَزَاءَ كَامِلًا
قَوْلُهُ وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ فَلَا شَيْءَ عليه
وَكَذَا إنْ نَتَفَ شَعْرَهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ هو قَوْلُ غَيْرِ أبي بَكْرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ عليه قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَ أبو بَكْرٍ أَنَّ عليه حُكُومَةً وَيَأْتِي نَظِيرُهَا إذَا قَطَعَ غُصْنًا ثُمَّ عَادَ في الْبَابِ الذي بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ إذَا تَلِفَ بَيْضُ صَيْدٍ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
____________________
(3/546)
فَائِدَةٌ لو صَادَ غير مُمْتَنِعٍ بِنَتْفِ رِيشِهِ أو شَعْرِهِ فَكَالْجُرْحِ على ما سَبَقَ وَإِنْ غَابَ فَفِيهِ ما نَقَصَ لِإِمْكَانِ زَوَالِ نَقْصِهِ كما لو جَرَحَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ حاله
قَوْلُهُ وكلما ( ( ( كلما ) ) ) قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إلَّا في الْمَرَّةِ الْأُولَى وَعَنْهُ إنْ كَفَّرَ عن الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا
وَتَقَدَّمَ ذلك في مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ في قَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا بِأَتَمَّ من هذا
قَوْلُهُ وإذا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ في قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ
وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا وَسَوَاءٌ بَاشَرُوا الْقَتْلَ أو كان بَعْضُهُمْ مُمْسِكًا وَالْآخَرُ مُبَاشِرًا اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي أَيْضًا وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَصَحَّحَهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمُخْتَارُ من الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخُلَاصَةِ وَعَنْهُ على كل وَاحِدٍ جَزَاءٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَعَنْهُ إنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ فَعَلَى كل وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عن الْأَكْثَرِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا جَزَاءَ على مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مع مُحْرِمٍ مُبَاشِرٍ
قال في الْفُرُوعِ فَيُؤْخَذُ منه لَا يَلْزَمُ مُسَبِّبًا مع مُبَاشِرٍ قال وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ فَقَتَلَهُ مُحِلٌّ
وَقِيلَ الْقِرَانُ على الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ هو الذي جَعَلَ فِعْلَ الممسك ( ( ( ذلك ) ) ) عِلَّةً قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجَهٌ وَجَزَمَ بن شِهَابٍ أَنَّ الْجَزَاءَ على الْمُمْسِكِ وَأَنَّ عَكْسَهُ
____________________
(3/547)
الْمَالُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ في قَتْلِ الصَّيْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فإن حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرِيكُ السَّبُعِ وَشَرِيكُ الْحَلَالِ بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
قَوْلُهُ فَمَنْ أَتْلَفَ من صَيْدِهِ شيئا فَعَلَيْهِ ما على الْمُحْرِمِ في مِثْلِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يَلْزَمُ جَزَاءَانِ جَزَاءٌ لِلْحَرَمِ وَجَزَاءٌ لِلْإِحْرَامِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَتْلَفَ كَافِرٌ صَيْدًا في الْحَرَمِ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ في بَحْثِ مَسْأَلَةِ كَفَّارَةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ على أَنَّهُمْ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا قال ( ( ( يقال ) ) ) في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ جَيِّدٍ وهو كما قال
الثَّانِيَةُ لو دَلَّ مُحِلٌّ حَلَالًا على صَيْدٍ في الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَاهُ مَعًا بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ على الدَّالِّ في حِلٍّ بَلْ على الْمَدْلُولِ وَحْدَهُ كَحَلَالِ دَلَّ مُحْرِمًا
قَوْلُهُ وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ من الْحِلِّ صَيْدًا في الْحَرَمِ أو أَرْسَلَ كَلْبَهُ عليه أو قَتَلَ صَيْدًا على غُصْنٍ في الْحَرَمِ أَصْلُهُ في الْحِلِّ أو أَمْسَكَ طَائِرًا في الْحِلِّ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ في الْحَرَمِ ضَمِنَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلَا يَضْمَنُ الْأُمَّ فِيمَا تَلِفَ فِرَاخُهُ في
____________________
(3/548)
الْحَرَمِ قال في الْقَوَاعِدِ لو رَمَى الْحَلَالُ من الْحِلِّ صَيْدًا في الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ
وَحَكَى الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَةً بِعَدَمِ الضَّمَانِ وهو ضَعِيفٌ وَلَا يَثْبُتُ عن أَحْمَدَ وَرَدُّوهُ لِوُجُوهٍ جَيِّدَةٍ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْقَاتِلَ حَلَالٌ في الْحِلِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا إذَا هَلَكَ فِرَاخُ الطَّائِرِ الْمُمْسَكِ فَقَدَّمُوا الضَّمَانَ مُطْلَقًا
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ الضَّمَانُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو رَمَى الْحَلَالُ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ قبل أَنْ يُصِيبَهُ ضَمِنَهُ وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ حَلَّ قبل الْإِصَابَةِ لم يَضْمَنْهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ فِيهِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ في الْجِنَايَاتِ قال وَيَجِيءُ عليه قَوْلُ أَحْمَدَ إنَّهُ يَضْمَنُ في الْمَوْضِعَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ وَيَتَخَرَّجُ عَدَمُ الضَّمَانِ عليه
الثَّانِيَةُ هل الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الرَّمْيِ أو بِحَالِ الْإِصَابَةِ فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْإِصَابَةِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ فَلَوْ رَمَى بَيْنَهُمَا وهو مُحْرِمٌ فَوَقَعَ بِالصَّيْدِ وقد حَلَّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَوْ كان بِالْعَكْسِ لم يَحِلَّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ قَالَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الصَّيْدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ من الْحَرَمِ صَيْدًا في الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أو كَلْبِهِ أو صَيْدًا على غُصْنٍ في الْحِلِّ أَصْلُهُ في الْحَرَمِ أو أَمْسَكَ حَمَامَةً في الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا في الْحِلِّ لم يَضْمَنْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ
____________________
(3/549)
في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَضْمَنُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِالْقَاتِلِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
قال في الْإِرْشَادِ فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ في الْحَرَمِ فَاصْطَادَ في الْحِلِّ فَالْأَظْهَرُ عنه أَنْ لَا جَزَاءَ عليه وَقِيلَ عنه عليه الْجَزَاءُ قال وهو اخْتِيَارِيٌّ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ فِيمَا إذَا هَلَكَ فِرَاخُ الطَّائِرِ الْمُمْسَكِ
وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ إلَّا ما تَقَدَّمَ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ في الطَّائِرِ على الْغُصْنِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ وقال أَيْضًا وَيَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْفِرَاخِ إذَا تَلِفَ في الْحِلِّ وَقَدَّمَهُ أَيْضًا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ كما تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ
فَوَائِدُ
منها لو فَرَّخَ الطَّيْرُ في مَكَان يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ عنه فَنَقَلَهُ فَهَلَكَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ
وَمِنْهَا لو كان بَعْضُ قَوَائِمِ الصَّيْدِ في الْحِلِّ وَبَعْضُهَا في الْحَرَمِ حَرُمَ قَتْلُهُ وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وفي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ولم يَثْبُتْ أَنَّهُ من صَيْدِ الْحَرَمِ
وَمِنْهَا لو كان رَأْسُهُ في الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ الْأَرْبَعَةُ في الْحِلِّ فقال الْقَاضِي يَخْرُجُ على الرِّوَايَتَيْنِ وَاقْتَصَرَ
قُلْت الْأَوْلَى هُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
____________________
(3/550)
وَحَكَى في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ من الْحِلِّ على صَيْدٍ في الْحِلِّ فَقَتَلَ صَيْدًا في الْحَرَمِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَالثَّانِي يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ إنْ رسله ( ( ( أرسله ) ) ) بِقُرْبِ الْحَرَمِ لِتَفْرِيطِهِ وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وبن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْخِلَافُ رِوَايَاتٌ عن أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ لو قَتَلَ الْكَلْبُ صَيْدًا غير الصَّيْدِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَعَنْهُ يَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ في الْحَرَمِ غَيْرُ الصَّيْدِ الذي أَرْسَلَهُ عليه
وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا يَحْكُونَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِيمَا إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ المرسول ( ( ( المرسل ) ) ) عليه في الْحَرَمِ وَلَكِنْ صَرَّحَ في الْكَافِي بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ
قُلْت لَكِنْ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا قَتَلَ غير المرسول ( ( ( المرسل ) ) ) عليه أَوْلَى وَأَقْوَى
____________________
(3/551)
قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ ذلك بِسَهْمِهِ ضَمِنَهُ
إن قَتَلَ السَّهْمُ صَيْدًا قَصَدَهُ وكان الصَّيْدُ في الْحَرَمِ فَقَدْ تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا غير الذي قَصَدَهُ بِأَنْ شَطَحَ السَّهْمُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكَلْبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَالشَّارِحُ
واما إذَا رَمَى صَيْدًا في الْحِلِّ فَقَتَلَهُ بِعَيْنِهِ في الْحَرَمِ فَهَذِهِ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ يَضْمَنُهُ منهم ( ( ( منه ) ) ) صَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ بَلْ هو كَالصَّرِيحِ في ذلك
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو دخل سَهْمُهُ وَكَلْبُهُ الْحَرَمَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَهُ في الْحِلِّ لم يَضْمَنْ وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ في الْحِلِّ فَتَحَامَلَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ وَمَاتَ فيه حَلَّ أَكْلُهُ ولم يَضْمَنْ كما لو جَرَحَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ فَمَاتَ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِمَوْتِهِ في الْحَرَمِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ عليه الصَّيْدُ في هذه الْمَوَاضِعِ سَوَاءٌ ضَمِنَهُ أو لَا لِأَنَّهُ قُتِلَ في الْحَرَمِ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ
يَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ إجْمَاعًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَلْعُ حَشِيشِهِ وَنَبَاتِهِ حتى السِّوَاكِ وَالْوَرَقِ
إلَّا الْيَابِسَ فإنه مُبَاحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ
____________________
(3/552)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا زَالَ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْمُصَنِّفُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا لِأَنَّ الْخَبَرَ في الْقَطْعِ انْتَهَى
قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا يَحْرُمُ عُودٌ وَوَرَقٌ زَالَا من شَجَرَةٍ أو زَالَتْ هِيَ بِلَا نِزَاعٍ فيه وما انْكَسَرَ ولم يَنْقَطِعْ فَهُوَ كَالظُّفُرِ الْمُنْكَسِرِ على ما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ تُبَاحُ الْكَمْأَةُ وَالْفَقْعُ وَالتَّمْرَةُ كَالْإِذْخِرِ
قَوْلُهُ وما زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ
ما زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ من الْبُقُولِ وَالزَّرْعِ وَالرَّيَاحِينِ لَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ وَلَا جَزَاءَ فيه بِلَا نِزَاعٍ وَلَا جَزَاءَ أَيْضًا فِيمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ من الشَّجَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وبن إبْرَاهِيمَ وأبو طَالِبٍ وقد سُئِلَ عن الرَّيْحَانِ وَالْبُقُولِ في الْحَرَمِ فقال ما زَرَعْته أنت فَلَا بَأْسَ وما نَبَتَ فَلَا
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ له أَخْذَ جَمِيعِ ما زَرَعَهُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ كَالزَّرْعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَجَزَمَ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ بِالْجَزَاءِ في الشَّجَرِ لِلنَّهْيِ عن قَطْعِ شَجَرِهَا سَوَاءٌ أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ أو نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَنَسَبَهُ بن منجا في شَرْحِهِ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَنُقِلَ عن الْقَاضِي أَنَّهُ قال ما أَنْبَتَهُ في الْحَرَمِ أَوَّلًا فَفِيهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ أَنْبَتَهُ في الْحِلِّ ثُمَّ غَرَسَهُ في الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ فيه
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي إنْ كان ما أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ من جِنْسِ شَجَرِهِمْ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالنَّخْلِ وَنَحْوِهَا لم يَحْرُمْ قِيَاسًا على ما أَنْبَتُوهُ من الزَّرْعِ وَالْأَهْلِيِّ من الْحَيَوَانِ
____________________
(3/553)
تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وما زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ اخْتِصَاصَهُ بِالزَّرْعِ دُونَ الشَّجَرِ فَيَكُونُ مَفْهُومُ كَلَامِهِ تَحْرِيمَ قَطْعِ الشَّجَرِ الذي أَنْبَتَهُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كما جَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا قال بن منجا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ من إطْلَاقِ الزَّرْعِ ذلك انْتَهَى
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ على إطْلَاقِهِ فَيَعُمُّ الشَّجَرَ كما هو الْمَذْهَبُ
قُلْت وهو أَقْرَبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على التَّخْصِيصِ لَا سِيَّمَا إذَا وَافَقَ الصَّحِيحَ وَلِأَنَّ ما من أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَلَكِنْ فيه تَجَوُّزٌ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ ما يُنْبِتُ الْآدَمِيُّونَ جِنْسَهُ كما اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَذَكَرَ هذه الِاحْتِمَالَاتِ الشَّارِحُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا ما اسْتَثْنَيَاهُ فَلَا يُبَاحُ قَطْعُ الشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ وما فيه مَضَرَّةٌ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال في الْمُحَرَّرِ وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَنَبَاتُهُ مُحَرَّمٌ إلَّا الْيَابِسَ وَالْإِذْخِرَ وما زَرَعَهُ الْإِنْسَانُ أو غَرَسَهُ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ
قُلْت ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَوَازَ قَطْعِ ذلك منهم الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لِأَنَّهُ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ أَشْبَهَ السِّبَاعَ قال الزَّرْكَشِيُّ عليه جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
قَوْلُهُ وفي جَوَازِ الرَّعْيِ وَجْهَانِ
أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كَالْمُصَنِّفِ وَحَكَاهُ أبو الْحُسَيْنِ
____________________
(3/554)
وَجَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن منجا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ وبن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا في كُتُبِ الْخِلَافِ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ في الْمُنْتَخَبِ وَالتَّنْبِيهِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
الْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَدْخَلَ بَهَائِمَهُ لِرَعْيِهِ أَمَّا إنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَةٍ لم يَضْمَنْهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِشَاشُ لِلْبَهَائِمِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقد مَنَعَ الْمُصَنِّفُ في أَوَّلِ الْبَابِ من الِاحْتِشَاشِ مُطْلَقًا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ احْتَشَّهُ لِبَهَائِمِهِ فَهُوَ كَرَعْيِهِ وكذا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ إنَّ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا
قَوْلُهُ وَمَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ
وَعَنْهُ يَضْمَنُهَا بِبَدَنَةٍ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ
____________________
(3/555)
في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الكبرى ( ( ( الصغرى ) ) ) وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الصَّغِيرَةُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها تُضْمَنُ بِشَاةٍ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَمِنْهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا
فَائِدَةٌ يَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِبَقَرَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ بِقِيمَتِهَا
وَأَمَّا ضَمَانُ الْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ بِقِيمَتِهِ فَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَنَصَّ عليه
وَأَمَّا الْغُصْنُ فَيَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ ومسبوك ( ( ( مسبوك ) ) ) الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْوَجِيزِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَضْمَنُهُ بِنَقْصِ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ وَعَنْهُ يَضْمَنُ الْغُصْنَ الْكَبِيرَ بِشَاةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ هو أو الْحَشِيشُ سَقَطَ الضَّمَانُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن منجا وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
____________________
(3/556)
أَحَدُهُمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قال في الْفُرُوعِ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بِاسْتِخْلَافِهِ في أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ هو الصَّحِيحُ عِنْدِي كَحَلْقِ الْمُحْرِمِ شَعْرًا ثُمَّ عَادَ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا إذَا نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه كَالصَّيْدِ وَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو قَلَعَ شَجَرًا من الْحَرَمِ فَغَرَسَهُ في الْحِلِّ لَزِمَهُ رَدُّهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ أو يَبِسَ ضَمِنَهُ فَإِنْ رَدَّهُ وَثَبَتَ كما كان فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ ثَبَتَ نَاقِصًا فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ
الثَّالِثَةُ إذَا لم يَجِدْ الْجَزَاءَ قَوَّمَهُ ثُمَّ صَامَ نَقَلَهُ بن الْقَاسِمِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال في الْفُصُولِ من لم يَجِدْ قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَالصَّيْدِ قال في الْوَجِيزِ وَيُخَيَّرُ بين إخْرَاجِ الْبَقَرَةِ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا وَأَنْ يَفْعَلَ في ثَمَنِهَا كما قُلْنَا في جَزَاءِ الصَّيْدِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا في الْحِلِّ أَصْلُهُ في الْحَرَمِ ضَمِنَهُ
بِلَا نِزَاعٍ وكذا لو كان بَعْضُهُ في الْحِلِّ وَبَعْضُهُ في الْحَرَمِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَهُ في الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ في الْحِلِّ لم يَضْمَنْهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهَادِي
____________________
(3/557)
أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُهُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وتصحيح ( ( ( وصحيح ) ) ) الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَضْمَنُهُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ
فَوَائِدُ
منها قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُخْرَجُ من تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا يُدْخَلُ إلَيْهِ من الْحِلِّ وَلَا يُخْرَجُ من حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ على كَرَاهَةِ إخْرَاجِهِ وَجَزَمَ في مَكَان آخَرَ بِكَرَاهَتِهِمَا وقال بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ إلَى حِلٍّ وفي إدْخَالِهِ إلَى الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ وقال في الْفُصُولِ لَا يَجُوزُ في تُرَابِ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوْلَى أَنَّ تُرَابَ الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ لِلتَّبَرُّكِ وَلِغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ يَحْرُمُ
وَمِنْهَا لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ مَاءِ زَمْزَمَ قال أَحْمَدُ أَخْرَجَهُ كَعْبٌ ولم يَزِدْ على ذلك
وَمِنْهَا حَدّ الْحَرَمِ من طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا وقال الْقَاضِي حَدُّهُ من طَرِيقِ الْمَدِينَةِ دُونَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَارٍ على ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ إضَاحَةِ أَضَاةٍ لِبْنٍ وَمِنْ الْعِرَاقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ على ثَنِيَّةِ رِجْلٍ وهو جَبَلٌ بِالْمُنْقَطِعِ وَقِيلَ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ في شِعْبٍ ينسب ( ( ( ينتسب ) ) ) إلَى عبد اللَّهِ بن خَالِدِ بن أَسَدٍ وَمِنْ جَدَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ
____________________
(3/558)
عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْأَعْشَاشِ وَمِنْ الطَّائِفِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا
قال بن الْجَوْزِيِّ ويقال عِنْدَ أضاة لِبْنٍ مَكَانُ أضاحة لِبْنٍ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا هو الْمَعْرُوفُ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ
نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ لو فَعَلَ وَذَبَحَ صَحَّتْ تذكيته ( ( ( ذكيته ) ) ) على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في صِحَّتِهَا احْتِمَالَانِ وَالْمَنْعُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ الْآتِي وَغَيْرِهِ
وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا إلَّا ما تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ من شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوِسَادَةِ وَالْمَسْنَدِ وهو عُودُ الْبَكَرَةِ
وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ وَمَنْ أَدْخَل إلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ
وَهَذَا ما لَا أَعْلَمُ فيه نِزَاعًا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ إلَّا في مَسْأَلَةِ من أَدْخَلَ صَيْدًا أو أَخَذَ ما تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ من الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْخَلَ إلَيْهِ صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ
قد تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ في صِحَّةِ تَذْكِيَةِ الصَّيْدِ احْتِمَالَانِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ
قَوْلُهُ وَلَا جَزَاءَ في صَيْدِ الْمَدِينَةِ
هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
قُلْت منهم الْمُصَنِّفُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْكَافِي وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ
____________________
(3/559)
وَعَنْهُ جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ وهو الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ في كُتُبِ الْخِلَافِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ وَحَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَشَرْحِ بن منجا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا سَلَبُ الْقَاتِلِ ثِيَابُهُ قال جماعة ( ( ( الجماعة ) ) ) منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالسَّرَاوِيلُ وقال في الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ وَالزِّينَةُ من السَّلَبِ كَالْمِنْطَقَةِ وَالسِّوَارِ وَالْخَاتَمِ وَالْجُبَّةِ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من آلَةِ الِاصْطِيَادِ لِأَنَّهَا آلَةُ الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ كما قال في سَلَبِ الْمَقْتُولِ قال غَيْرُهُ وَلَيْسَتْ الدَّابَّةُ منه
الثَّانِيَةُ إذَا لم يَسْلُبْهُ أَحَدٌ فإنه يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا فَعَلَ
قَوْلُهُ وَحَرَمُهَا ما بين ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ
وهو ما بين لَابَتَيْهَا وَقَدْرُهُ بَرِيدٌ في بَرِيدٍ نَصَّ عليه قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قال أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ لَا يُعْرَفُ بها ثَوْرٌ وَلَا عَيْرٌ وَإِنَّمَا هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ أَرَادَ قَدْرَ ما بين ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ جَبَلَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَسَمَّاهُمَا ثَوْرًا وَعَيْرًا تَجَوُّزًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وقال في الْمَطْلَعِ عَيْرٌ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورٌ وقد أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ قال مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ ليس بِالْمَدِينَةِ عَيْرٌ وَلَا ثَوْرٌ
وَأَمَّا ثَوْرٌ فَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ مَعْرُوفٌ فيه الْغَارُ الذي تَوَارَى فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه وقد صَحَّ عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قال الْمَدِينَةُ حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ
قال عِيَاضٌ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ في الْبُخَارِيِّ ذَكَرُوا عَيْرًا فَأَمَّا ثَوْرٌ فَمِنْهُمْ
____________________
(3/560)
من كَنَّى عنه بِكَذَا وَمِنْهُمْ من تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا لِأَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ ثَوْرٍ خَطَأً
قال أبو عُبَيْدٍ أَصْلُ الحديث من عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ وَكَذَا قال الْحَازِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ وقال الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ وَقَدَّرُوا كما قَدَّرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الْمَطْلَعِ وَهَذَا كُلُّهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ثَوْرًا بِالْمَدِينَةِ وقد أخبرنا الْعَلَّامَةُ عَفِيفُ الدِّينِ عبد السَّلَامِ بن مَزْرُوعٍ الْبَصْرِيُّ قال صَحِبْت طَائِفَةً من الْعَرَبِ من بَنِي هَيْثَمٍ وَكُنْت إذَا صَحِبْت الْعَرَبَ أَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَرَاهُ من جَبَلٍ أو وَادٍ وَغَيْرِ ذلك فَمَرَرْنَا بِجَبَلٍ خَلَفَ أُحُدٍ فَقُلْت ما يُقَالُ لِهَذَا الْجَبَلِ قالوا هذا جَبَلُ ثَوْرٍ فَقُلْت ما تَقُولُونَ قالوا هذا ثَوْرٌ مَعْرُوفٌ من زَمَنِ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا فَنَزَلْت وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى
قال الْعَلَّامَةُ بن حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أبو بَكْرِ بن حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيُّ نزيل ( ( ( نزل ) ) ) الْمَدِينَةَ في مختصره ( ( ( مختصر ) ) ) لِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عن سَلَفِهِمْ أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ من جِهَةِ الشِّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ يُسَمَّى ثَوْرًا قال وقد تَحَقَّقْته بِالْمُشَاهَدَةِ انْتَهَى
وقال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ أبي عُبَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ قال أخبرني الثِّقَةُ الْعَالِمُ عبد السَّلَامِ الْبَصْرِيُّ أَنَّ حَدَّ أُحُدٍ عن يَسَارِهِ جَانِحًا إلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ يُقَالُ له ثَوْرٌ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُهُ عنه لِطَوَائِفَ من الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ وما فيها من الْجِبَالِ فَكُلٌّ أَخْبَرَ أَنَّ ذلك الْجَبَلَ اسْمُهُ ثَوْرٌ وَتَوَارَدُوا على ذلك قال فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ في الحديث صَحِيحٌ وَأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عنه قال وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَحَرَمُهَا ما بين جَبَلَيْهَا وَقِيلَ كما بين ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ
قال في الْفُرُوعِ وَحَرَمُهَا ما بين لَابَتَيْهَا بَرِيدٌ في بَرِيدٍ نَصَّ عليه انْتَهَى
____________________
(3/561)
وقد وَرَدَ أُحَرِّمُ ما بين لَابَتَيْهَا وفي رِوَايَةٍ ما بين جَبَلَيْهَا وفي رِوَايَةٍ ما بين مَأْزِمَيْهَا
قال الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ بن حَجَرٍ في شَرْحِهِ رِوَايَةُ ما بين لَابَتَيْهَا أَرْجَحُ لِتَوَارُدِ الرِّوَايَةِ عليها وَرِوَايَةُ جَبَلَيْهَا لَا تُنَافِيهَا فَيَكُونُ عِنْدَ كل جَبَلٍ لَابَةٌ أو لَابَتَيْهَا من جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ وجبليها من جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَعَاكَسَهُ في الْمَطْلَعِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَأْزِمَيْهَا فَالْمَأْزِمُ الْمَضِيقُ بين الْجَبَلَيْنِ وقد يُطْلَقُ على الْجَبَلِ نَفْسِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى مَكَّةُ أَفْضَلُ من الْمَدِينَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ
وَأَخَذَهُ من رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وقد سُئِلَ عن الْجِوَارِ بِمَكَّةَ فقال كَيْفَ لنا بِهِ وقد قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ وَإِنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلى وَعَنْهُ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ من مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ فَأَمَّا وهو فيها فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ لِأَنَّ في الْحُجْرَةِ جَسَدًا لو وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ التُّرْبَةَ على الْخِلَافِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَضَّلَ التُّرْبَةَ على الْكَعْبَةِ إلَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ ولم يَسْبِقْهُ أَحَدٌ
وقال في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ مَحَلُّ الْخِلَافِ في الْمُجَاوَرَةِ وَجَزَمُوا بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ
____________________
(3/562)
وَغَيْرِهَا في مَكَّةَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرٌ وَمَعْنَى ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ وَيَجُوزُ لِمَنْ هَاجَرَ منها الْمُجَاوَرَةُ بها
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه الْجِوَارَ بِمَكَّةَ لِمَنْ هَاجَرَ منها قال في الْفُرُوعِ فَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِهِ فَيَكُونُ فيه رِوَايَتَانِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُجَاوَرَةُ في مَكَان يَتَمَكَّنُ فيه إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ أَفْضَلُ حَيْثُ كان انْتَهَى
الثَّالِثَةُ تَضَاعُفُ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ بِمَكَانٍ أو زَمَانٍ فَاضِلٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وبن الْجَوْزِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقد سُئِلَ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ قال لَا إلَّا بِمَكَّةَ وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ ولم يذكر السَّيِّئَاتِ
الرَّابِعَةُ لَا يَحْرُمُ صَيْدُ وَجٍّ وَشَجَرِهِ وهو وَادٍ بِالطَّائِفِ وَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو دَاوُد عن الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهِهِ حَرَمٌ مَحْرَمٌ لِلَّهِ لَكِنَّ الحديث ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ من النُّقَّادِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُ وَجٍّ وهو خَطَأٌ لَا شَكَّ فيه لِأَنَّ الْخِلَافَ الذي وَقَعَ بين الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هو في إبَاحَتِهِ لِلْمُحِلِّ فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يُبَاحُ له وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُبَاحُ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَا يُبَاحُ له بِلَا نِزَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
(3/563)
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ
أَنَّهُ سَوَاءً كان دُخُولُهَا لَيْلًا أو نَهَارًا أَمَّا دُخُولُهَا في النَّهَارِ فَمُسْتَحَبٌّ بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا دُخُولُهَا في اللَّيْلِ فَمُسْتَحَبٌّ أَيْضًا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وقد نَقَلَ بن هَانِئِ لَا بَأْسَ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ من السُّرَّاقِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا في اللَّيْلِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَحَبُّوا الدُّخُولَ نَهَارًا
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ إذَا خَرَجَ من مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ من الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى من كُدَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ من بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
أَنَّهُ لَا يقول حين دُخُولِهِ شيئا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْهِدَايَةِ يقول عِنْدَ دُخُولِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لنا أَبْوَابَ فَضْلِك انْتَهَى وقال في الرِّعَايَةِ يقول بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَابَ فَضْلِك انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ يقول إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ ما وَرَدَ في ذلك من الْأَحَادِيثِ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا من الْأَصْحَابِ لَا يَسْتَحِبُّ قَوْلَ ذلك فإنه مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ كل مَسْجِدٍ فَالْمَسْجِدُ الْعَتِيقُ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَإِنَّمَا سَكَتُوا عنه هُنَا اعْتِمَادًا على ما قَالُوهُ هُنَاكَ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ هُنَا ما هو مُخْتَصٌّ بِهِ هذا ما يَظْهَرُ
قَوْلُهُ فإذا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ
وَنَصَّ عليه وَقَوْلُهُ وَكَبَّرَ هذا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وفي الْهَادِي
____________________
(4/3)
وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ وَيُهَلِّلُ أَيْضًا قال في النَّظْمِ وَكَبَّرَ وَمَجَّدَ وَجَزَمَ بِهِ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وقال في الْعُمْدَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ وَدَعَا وَقِيلَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو فَقَطْ
وَمِنْهُ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يَشْتَغِلُ بِدُعَاءٍ وَاقْتَصَرَ في الرَّوْضَةِ على قَوْلِ اللَّهُمَّ زِدْ هذا الْبَيْتَ إلَى قَوْلِ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا
قَوْلُهُ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ
جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَجْهَرُ بِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْجَهْرِ بِذَلِكَ ولم أَرَ أَحَدًا قَدَّمَهُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ قَالَا قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَهُمَا وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْكُوتٌ عنها عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَبَعْضُهُمْ قال يَجْهَرُ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنْ كان مُعْتَمِرًا أو بِطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِشَيْءٍ أَوَّلَ من الطَّوَافِ ما لم تَقُمْ الصَّلَاةُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ يَفْعَلُ ذلك بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قال في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ
____________________
(4/4)
فَائِدَةٌ يُسَمَّى طَوَافُ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الأطباع ( ( ( الاضطباع ) ) ) يَكُونُ في جَمِيعِ الْأُسْبُوعِ وفي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً يَكُونُ الأطباع ( ( ( الاضطباع ) ) ) في رَمْلِهِ فَقَطْ وَقَالَهُ الْأَثْرَمُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ ولم يذكر بن الزَّاغُونِيُّ في مَنْسَكِهِ الأطباع ( ( ( الاضطباع ) ) ) إلَّا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيُقَالُ في طَوَافِ الْوَدَاعِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ من الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ
إذَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ أَجْزَأَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ حَاذَى بَعْضَ الْحَجَرِ بِكُلِّ بَدَنِهِ أَجْزَأَ أَيْضًا قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ قال في أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ وَلْيَمُرَّ بِكُلِّ بَدَنِهِ وَإِنْ حَاذَى الْحَجَرَ أو بَعْضَهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ ذلك الشَّوْطُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يَجْزِيهِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ وَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ وَإِنْ شَقَّ أَشَارَ إلَيْهِ
خَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بين الِاسْتِلَامِ مع التَّقْبِيلِ وَبَيْنَ الِاسْتِلَامِ مع تَقْبِيلِ يَدِهِ وَبَيْنَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ما مَعْنَاهُ إنَّهُ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ فَإِنْ شَقَّ الِاسْتِلَامُ أَشَارَ إلَيْهِ فَجَعَلُوا ذلك مُرَتَّبًا
وقال في الْفُرُوعِ ثُمَّ اسْتَلَمَهُ بيده الْيُمْنَى نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَسْجُدُ عليه وَإِنْ
____________________
(4/5)
شَاءَ قَبَّلَ يَدَهُ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ لَا بَأْسَ وقال الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ وقال في الرَّوْضَةِ هل يُقَبِّلُ يَدَهُ فيه خِلَافٌ بين أَصْحَابِنَا وَإِلَّا اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ وَقَبَّلَهُ
وفي الرَّوْضَةِ في تَقْبِيلِهِ الْخِلَافُ في الْيَدِ وَيُقَبِّلُهُ وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِ بيده أو بِشَيْءٍ في الْأَصَحِّ انْتَهَى
يَعْنِي لَا يُقَبِّلُ الْمُشَارَ بِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ
وَقِيلَ بَلْ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُ يَدَهُ كما لو عَسُرَ تَقْبِيلُهُ نَصَّ عليه
وَإِنْ لَمَسَهُ بِشَيْءٍ في يَدِهِ فَقَبَّلَهُ فَإِنْ عَسُرَ لَمْسُهُ أَشَارَ إلَيْهِ بيده وَقَامَ نَحْوَهُ
وَقِيلَ وَيُقَبِّلُهَا إذَنْ انْتَهَى
فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا أَعْلَمُ له مُتَابِعًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ جَوَازَ هذه الصِّفَاتِ لَا الِاسْتِحْبَابَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ بِوَجْهِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هو السُّنَّةُ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيُّ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ قام بِحِذَائِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ لَكِنْ هذا مَخْصُوصٌ بِصُورَةٍ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ أَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَجِبُ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ غير مُسْتَقْبِلٍ له كما في الطَّوَافِ مُحْدِثًا وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّانِيَةُ الِاسْتِلَامُ هو مَسْحُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ أو بِالْقُبْلَةِ من السَّلَامِ وهو التَّحِيَّةُ وَقِيلَ من السِّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ واحدها سَلِمَةٌ يَعْنِي بِفَتْحِ السِّينِ وَبِكَسْرِ اللَّامِ وَقِيلَ من الْمُسَالَمَةِ كَأَنَّهُ فَعَلَ ما يَفْعَلُهُ الْمُسَالِمُ
____________________
(4/6)
وَقِيلَ الِاسْتِلَامُ أَنْ يحيى نَفْسَهُ عِنْدَ الْحَجَرِ بِالسَّلَامَةِ
وَقِيلَ هو مَهْمُوزُ الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ من الْمُلَاءَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَقِيلَ من اللَّأْمَةِ وَهِيَ السِّلَاحُ كَأَنَّهُ حَصَّنَ نَفْسَهُ بِمَسِّ الْحَجَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ
هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ ولم يَذْكُرْهُ آخَرُونَ وزاد جَمَاعَةٌ على الْأَوَّلِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ الا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عن يَسَارِهِ
وَذَلِكَ لِيُقَرِّبَ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذلك لِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحَرَكَةُ الدَّوْرِيَّةُ يُعْتَمَدُ فيها الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فلما كان الْإِكْرَامُ في ذلك لِلْخَارِجِ جُعِلَ لِلْيُمْنَى
قَوْلُهُ فإذا جاء على الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ
جَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ مع الِاسْتِلَامِ من غَيْرِ تَقْبِيلِ الرُّكْنِ وهو أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يَسْتَلِمُهُ من غَيْرِ تَقْبِيلٍ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هذا الْأَصْحَابُ الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَيُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وقال في الْمُذْهِبِ وفي تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَجْهَانِ
____________________
(4/7)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ يَرْمُلُ في الثَّلَاثَةِ الْأُولَى
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ولم يَذْكُرْهُ بن الزَّاغُونِيِّ إلَّا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَنَفَاهُ في طَوَافِ الْوَدَاعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو لم يَرْمُلْ فِيهِنَّ أو في بَعْضِهِنَّ لم يَقْضِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لو تَرَكَ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ في هذا الطَّوَافِ أو لم يَسْعَ في طَوَافِ الْقُدُومِ أتى بِهِمَا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ أو غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا تَرَكَهُ عمدا ( ( ( عامدا ) ) )
قال الزَّرْكَشِيُّ قد يُحْمَلُ على اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ
الثَّانِيَةُ لو طَافَ رَاكِبًا لم يَرْمُلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا
وقال الْقَاضِي يَخُبُّ بِهِ مَرْكُوبُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وهو إسْرَاعُ الْمَشْيِ مع تَقَارُبِ الْخُطَى
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو كان قُرْبَ الْبَيْتِ زِحَامٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لم يُؤْذِ أَحَدًا وَيُمْكِنُ الرَّمَلُ وَقَفَ لِيَجْمَعَ بين الرَّمَلِ وَالدُّنُوِّ من الْبَيْتِ وَإِنْ لم يَظُنَّ ذلك وَظَنَّ أَنَّهُ إذَا كان في حَاشِيَةِ الناس تَمَكَّنَ من الرَّمَلِ فَعَلَ وكان أَوْلَى من الدُّنُوِّ وَإِنْ كان لَا يَتَمَكَّنُ من الرَّمَلِ أَيْضًا أو يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ فَالدُّنُوُّ من الْبَيْتِ أَوْلَى وَالتَّأْخِيرُ لِلرَّمَلِ وَالدُّنُوِّ من الْبَيْتِ حتى يَقْدِرَ عليه أَوْلَى من عَدَمِ الرَّمَلِ وَالْبُعْدِ من الْبَيْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْفُصُولِ لَا يَنْتَظِرُ الرَّمَلَ كما لَا يَتْرُكُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِتَعَذُّرِ التَّجَافِي في الصَّلَاةِ
____________________
(4/8)
قال في التَّلْخِيصِ وَالْإِتْيَانُ بِهِ في الزِّحَامِ مع الْقُرْبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّمَلُ أَوْلَى من الِانْتِظَارِ كَالتَّجَافِي في الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِهِ
وقال في الْفُصُولِ أَيْضًا في فُصُولِ اللِّبَاسِ من صَلَاةِ الْخَوْفِ الْعَدْوُ في الْمَسْجِدِ على مِثْلِ هذا الْوَجْهِ مَكْرُوهٌ جِدًّا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَيُتَوَجَّهُ تَرْكُ الْأُولَى
قَوْلُهُ وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا أو أَشَارَ إلَيْهِمَا
يَعْنِي اسْتَلَمَهُمَا إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِمَا كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ اسْتَلَمَهُ بِلَا نِزَاعٍ إنْ تَيَسَّرَ له وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِ وَكُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَسْتَلِمُهُمَا كُلَّ مَرَّةٍ وَقِيلَ الْيَمَانِيَّ فَقَطْ
قُلْت وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا
وَقِيلَ يُقَبِّلُ يَدَهُ أَيْضًا كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا في أَوَّلِ طَوَافِهِ
وقال الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كما تَقَدَّمَ عنهما
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ عَسُرَ قَبَّلَ يَدَهُ فَإِنْ عَسُرَ لَمْسُهُ أَشَارَ إلَيْهِ وقال إنْ شَاءَ أَشَارَ إلَيْهِمَا
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وكلما ( ( ( كلما ) ) ) حَاذَاهُمَا فَعَلَ فِيهِمَا من الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ على ما ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا
قَوْلُهُ وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
هَكَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
____________________
(4/9)
وَقِيلَ يُكَبِّرُ فَقَطْ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وقال يقول اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا يقول عِنْدَ الْحَجَرِ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في ابْتِدَاءِ أَوَّلِ الطَّوَافِ وهو قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ أَنَّهُ يقول ذلك في كل طَوْفَةٍ إلَى فَرَاغِ الْأُسْبُوعِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يقول ذلك في أَشْوَاطِ الرَّمَلِ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَيَقُولُ بين الرُّكْنَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْمُحَرَّرِ يقول ذلك بين الرُّكْنَيْنِ آخِرَ طَوْفَةٍ وَتَبِعَهُ على ذلك في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ يقول بَعْدَ الذِّكْرِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ في بَقِيَّةِ الرَّمَلِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَيَقُولُ في الْأَرْبَعَةِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ فلم يَخُصَّهَا بِالدُّعَاءِ بين الرُّكْنَيْنِ
____________________
(4/10)
قَوْلُهُ وفي سَائِرِ الطَّوَافِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وقال في الْمُحَرَّرِ يقول في بَقِيَّةِ الرَّمَلِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وفي الْأَرْبَعَةِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَقَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيُكْثِرُ في بَقِيَّةِ رَمَلِهِ من الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهُ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِ لِلطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ وَتَقَدَّمَ ما قَالَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا في بَقِيَّةِ الرَّمَلِ وفي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْوَاطِ الْبَاقِيَةِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ وَأَنْ يَقِفَ في كل شَوْطٍ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَالْمِيزَابِ وَعِنْدَ كل رُكْنٍ وَيَدْعُو وَذَكَرَ أَدْعِيَةً تَخُصُّ كُلَّ مَكَان من ذلك فَلْيُرَاجِعْهُ من أَرَادَهُ
فَائِدَةٌ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ لِلطَّائِفِ نَصَّ عليه وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا وَقَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ أبو دَاوُد أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك قال كُلٌّ
وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ قال في التَّرْغِيبِ لِتَغْلِيطِ الْمُصَلِّينَ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ليس له الْقِرَاءَةُ إذَا غَلَّطَ الْمُصَلِّينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وقال أَيْضًا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فيه لَا الْجَهْرُ بها وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ من الطَّوَافِ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ في هذا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(4/11)
وَقِيلَ من تَرَكَ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ في هذا الطَّوَافِ أتى بِهِمَا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ أو في غَيْرِهِ
قال الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ لو تَرَكَ الرَّمَلَ في الْقُدُومِ أتى بِهِ في الزِّيَارَةِ وَلَوْ رَمَلَ في الْقُدُومِ ولم يَسْعَ عَقِبَهُ إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ رَمَلَ
ولم يذكر بن الزَّاغُونِيُّ في مَنْسَكِهِ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ إلَّا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَنَفَاهُمَا في طَوَافِ الْوَدَاعِ
فَائِدَةٌ لَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ لِلْحَامِلِ الْمَعْذُورِ على الصَّحِيحِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ يَرْمُلُ بِالْمَحْمُولِ انْتَهَى
وَلَا يُسَنُّ الرَّمَلُ إذَا طَافَ أو سَعَى رَاكِبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قال الزَّرْكَشِيُّ أَظُنُّهُ في الْمُجَرَّدِ أو غَيْرِهِ يَجِبُ فيه
قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أو مَحْمُولًا أَجْزَأَ عنه
قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ الطَّوَافَ يُجْزِئُ من الرَّاكِبِ مُطْلَقًا
وَتَحْرِيرُ ذلك أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَكِبَ لِعُذْرٍ أو لَا فَإِنْ كان رَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَ طَوَافُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْإِجْزَاءَ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ اختارها أبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُهُ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَخِيرًا وَالشَّرِيفِ
____________________
(4/12)
أبي جَعْفَرٍ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَعَنْهُ تُجْزِئُ وَعَلَيْهِ دَمٌ قال الزَّرْكَشِيُّ حَكَاهَا أبو مُحَمَّدٍ ولم أَرَهَا لِغَيْرِهِ بَلْ قد أَنْكَرَ ذلك أَحْمَدُ في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ في الرَّدِّ على أبي حَنِيفَةَ قال طَافَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على بَعِيرِهِ وقال هو إذَا حُمِلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى
قُلْت وَلَا يَلْزَمُ من إنْكَارِهِ وَرَدِّهِ أَنْ لَا يَكُونَ نُقِلَ عنه وَالْمُجْتَهِدُ هذه صِفَتُهُ وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ على النَّافِي وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا طَافَ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على بَعِيرِهِ لِيَرَاهُ الناس
قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ فَيَجِيءُ من هذا لَا بَأْسَ بِهِ من الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِيَرَاهُ الْجُهَّالُ
فَائِدَةٌ السَّعْيُ رَاكِبًا كَالطَّوَافِ رَاكِبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِالْجَوَازِ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ
وَأَمَّا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا
وَتَحْرِيرُهُ إنْ كان لِعُذْرٍ أَجْزَأَ قَوْلًا وَاحِدًا بِشَرْطِهِ وَإِنْ كان لِغَيْرِ عُذْرٍ فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قال بن منجا هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُهُ وهو الْمَذْهَبُ
وَلَمَّا قَدَّمَ في الْفُرُوعِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ في الطَّوَافِ رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَحَكَى الْخِلَافَ قال وَكَذَا الْمَحْمُولُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَخِيرًا وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ كَالطَّوَافِ رَاكِبًا
____________________
(4/13)
فَائِدَةٌ إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا لم يَخْلُ عن أَحْوَالٍ
أَحَدُهَا أَنْ يَنْوِيَا جميعا عن الْمَحْمُولِ فَتَخْتَصُّ الصِّحَّةُ بِهِ
الثَّانِي أَنْ يَنْوِيَا جميعا عن الْحَامِلِ فَيَصِحُّ له فَقَطْ بِلَا رَيْبٍ
الثَّالِثُ نَوَى الْمَحْمُولَ عن نَفْسِهِ ولم يَنْوِ الْحَامِلُ شيئا فَيَصِحُّ عن الْمَحْمُولِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَا بُدَّ من نِيَّةِ الْحَامِلِ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ
الرَّابِعُ عَكْسُهَا نَوَى الْحَامِلُ عن نَفْسِهِ ولم يَنْوِ الْمَحْمُولُ شيئا فَيَصِحُّ عن الْحَامِلِ
الْخَامِسُ لم يَنْوِيَا شيئا فَلَا يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
السَّادِسُ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ لم يَصِحَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
السَّابِعُ أَنْ يَقْصِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن نَفْسِهِ فَيَقَعُ الطَّوَافُ عن الْمَحْمُولِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْفُرُوعِ وقال وَصِحَّةُ أَخْذِ الْحَامِلِ الْأُجْرَةَ تَدُلُّ على أَنَّهُ قَصَدَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهَا عَمَّا يَفْعَلُهُ عن نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ انْتَهَى
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَوُقُوعُهُ عن الْمَحْمُولِ أَوْلَى وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّهُمَا قَالَا وَلَا يُجْزِئُ من حَمَلَهُ مُطْلَقًا
وَقِيلَ يَقَعُ عنهما وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ قال الْمُصَنِّفُ وهو قَوْلٌ حَسَنٌ وهو مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ
وَقِيلَ يَقَعُ عنهما لِعُذْرٍ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ
وَقِيلَ يَقَعُ عن حَامِلِهِ
____________________
(4/14)
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذلك لِأَنَّهُ هو الطَّائِفُ وقد نَوَاهُ لِنَفْسِهِ
وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ لَا يُجْزِئُ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ مُنَكِّسًا أو على جِدَارِ الْحِجْرِ أو شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أو تَرَكَ شيئا من الطَّوَافِ وَإِنْ قَلَّ أو لم يَنْوِهِ لم يُجْزِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ إذَا طَافَ على شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ لَا يَجْزِيهِ وَقَطَعُوا بِهِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ ليس من الْكَعْبَةِ بَلْ جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ لو مَسَّ الْجِدَارَ بيده في مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ صَحَّ لِأَنَّ مُعْظَمَهُ خَارِجٌ عن الْبَيْتِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا
قُلْت وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الصِّحَّةِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو طَافَ في الْمَسْجِدِ من وَرَاءِ حَائِلٍ كَالْقُبَّةِ وَغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ في الْمَسْجِدِ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لم يُجْزِئْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُصُولِ إنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ وَاقْتَصَرَ عليه
الثَّالِثَةُ إذَا طَافَ على سَطْحِ الْمَسْجِدِ فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ الْإِجْزَاءُ كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا
الرَّابِعَةُ لو قَصَدَ بِطَوَافِهِ غَرَضًا وَقَصَدَ معه طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ
____________________
(4/15)
قال في الْفُرُوعِ تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ في قِيَاسِ قَوْلِهِمْ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً وفي الْإِجْزَاءِ عن فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في صِفَةِ الصَّلَاةِ
وقال في الِانْتِصَارِ في الضَّرُورَةِ أَفْعَالُ الْحَجِّ لَا تَتْبَعُ إحْرَامَهُ فَتَتَرَاخَى عنه وَيَنْفَرِدُ بِمَكَانٍ وَزَمَنٍ وَنِيَّةٍ فَلَوْ مَرَّ بِعَرَفَةَ أو عَدَا حَوْلَ الْبَيْتِ بِنِيَّةِ طَلَبِ غَرِيمٍ أو صَيْدٍ لم يَجْزِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ في الْوُقُوفِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أو عُرْيَانًا لم يَجْزِهِ
إذَا طَافَ مُحْدِثًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هو كَالصَّلَاةِ في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا في إبَاحَةِ النُّطْقِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ
قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ إنْ لم يَكُنْ بِمَكَّةَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ من نَاسٍ وَمَعْذُورٍ فَقَطْ وَعَنْهُ يَصِحُّ مِنْهُمَا فَقَطْ مع جُبْرَانِهِ بِدَمٍ
وَعَنْهُ يَصِحُّ من الْحَائِضِ تَجْبُرُهُ بِدَمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ منها وَمِنْ كل مَعْذُورٍ وَأَنَّهُ لَا دَمَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وقال هل الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ أو سُنَّةٌ لها فيه قَوْلَانِ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ وَالتَّطَوُّعُ أَيْسَرُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَأَوَائِلِ بَابِ الْحَيْضِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَلْزَمُ الناس انْتِظَارُ الْحَائِضِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَقَطْ حتى تَطُوفَ إنْ أَمْكَنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ بن شِهَابٍ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ
____________________
(4/16)
الثَّانِيَةُ لو طَافَ فِيمَا لَا يَجُوزُ له لُبْسُهُ صَحَّ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الثَّالِثَةُ النَّجِسُ وَالْعُرْيَانُ كَالْمُحْدِثِ فِيمَا تَقَدَّمَ من أَحْكَامِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْدَثَ في بَعْضِ طَوَافِهِ أو قَطَعَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ ابْتَدَأَهُ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ
وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الطَّائِفِ إذَا أَحْدَثَ في أَثْنَاءِ طَوَافِهِ حُكْمُ الْمُصَلِّي إذَا أَحْدَثَ في صَلَاتِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَيُبْطِلُهُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
وَعَنْهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ مع الْعُذْرِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ وَذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَجْهًا وهو رِوَايَةٌ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا
وَأَمَّا إذَا كان يَسِيرًا أو أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أو حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فإنه مَعْفُوٌّ عنه يُصَلِّي وَيَبْنِي كما قال الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ بِنَائِهِ من عِنْدِ الْحِجْرِ وَلَوْ كان الْقَطْعُ في أَثْنَاءِ الشَّوْطِ نَصَّ عليه وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ لو شَكَّ في عَدَدِ الْأَشْوَاطِ في نَفْسِ الطَّوَافِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالْيَقِينِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَيَأْخُذُ أَيْضًا بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ انْتَهَى وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
وَقَوْلُ أبي بَكْرٍ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَكَّ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
وَقِيلَ لَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَأْخُذُ أَيْضًا بِقَوْلِ عَدْلٍ وَقَطَعَا بِهِ
____________________
(4/17)
قَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَا خَلْفَ الْمَقَامِ
هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
فَائِدَةٌ لو صلى الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ الطَّوَافِ أَجْزَأَ عنهما على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يُصَلِّيهِمَا أَيْضًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ أُخْرَى لَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَلَا مَسْحُهُ قال في الْفُرُوعِ إجْمَاعًا قال في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ لَا يَمَسُّهُ وَنَقَلَ الْفَضْلُ يُكْرَهُ مَسُّهُ وَتَقْبِيلُهُ وفي مَنْسَكِ بن الزَّاغُونِيِّ فإذا بَلَغَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ فَلْيَمَسَّ الصَّخْرَةَ بيده وَلْيُمَكِّنْ منها كَفَّهُ وَيَدْعُو
قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وفي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ قبل صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ
فَوَائِدُ
الْأَوْلَى يَجُوزُ جَمْعُ أَسَابِيعَ ثُمَّ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ منها رَكْعَتَيْنِ نَصَّ عليه وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَطْعُ الْأَسَابِيعِ على شَفْعٍ كَأُسْبُوعَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَنَحْوِهَا قال في الْفُرُوعِ فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ إذَنْ ذَكَرَهُ في الْخِلَافِ وَالْمُوجِزِ ولم يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ له تَأْخِيرُ سَعْيِهِ عن طَوَافِهِ بِطَوَافٍ وَغَيْرِهِ نَصَّ عليه
الثَّالِثَةُ إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كان على غَيْرِ طَهَارَةٍ في أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ وَجَهِلَهُ لَزِمَهُ الْأَشَدُّ وهو كَوْنُهُ في طَوَافِ الْعُمْرَةِ فلم تَصِحَّ ولم يَحِلَّ منها
____________________
(4/18)
فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ وَيَكُونُ قد أَدْخَلَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِلْحَجِّ عن النُّسُكَيْنِ
وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ من الْحَجِّ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ على التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍ بِهِ
وَإِنْ كان وطىء بَعْدَ حِلِّهِ من الْعُمْرَةِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا على عَمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ وَيَلْغُو ما فَعَلَهُ من أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ الذي قَصَدَهُ لِلْحَجِّ من عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ وَدَمٌ لِلْوَطْءِ في عُمْرَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ له حَجٌّ وَعُمْرَةٌ
وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ من الْحَجِّ لم يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ من إعَادَةِ أَكْثَرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيَحْصُلُ له الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ
الرَّابِعَةُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُتَفَرِّقَةً إلَّا الْخُرُوجَ عن الْمَسْجِدِ النِّيَّةُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَتَكْمِيلُ السَّبْعِ وَجَعْلُ الْبَيْتِ عن يَسَارِهِ وَأَنْ لَا يَمْشِيَ على شَيْءٍ منه وَأَنْ لَا يَخْرُجَ عن الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَهُ وَأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيهِ وفي بَعْضِ ذلك خِلَافٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَسُنَنُهُ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ وَتَقْبِيلُهُ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ من الْإِشَارَةِ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ وَالْمَشْيُ في مَوَاضِعِهِ وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالطَّوَافُ مَاشِيًا وَالدُّنُوُّ من الْبَيْتِ وفي بَعْضِ ذلك خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ
ذَكَرَ ذلك الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَّا من بَابِهِ وَيَسْعَى سَعْيًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا فَيَرْقَى عليه حتى يَرَى الْبَيْتَ فَيَسْتَقْبِلَهُ بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(4/19)
قَوْلُهُ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
يَعْنِي يقول ذلك إذَا رَقَى على الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ يُكَرِّرُ ذلك ثَلَاثًا
وقال في الْفُرُوعِ يقول ذلك ثَلَاثًا إلَى قَوْلِهِ هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ولم يذكر ما بَعْدَهُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يُلَبِّي
يَعْنِي بَعْدَ هذا الدُّعَاءِ وَهَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيُلَبِّي عَقِيبَ كل مَرَّةٍ ولم يذكر التَّلْبِيَةَ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَيَدْعُو
اقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وقال جَمَاعَةٌ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ
ولم يذكر الْمُحَرَّرَ وَجَمَاعَةٌ الدُّعَاءَ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْزِلُ من الصَّفَا وَيَمْشِي حتى يَأْتِيَ الْعَلَمَ
هَكَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يَمْشِي حتى يَأْتِيَ الْعَلَمَ منهم الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وقال جَمَاعَةٌ يَمْشِي إلَى أَنْ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
____________________
(4/20)
وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قَوْلُهُ فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إلَى الْعَلَمِ
هَكَذَا قال جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَعْنِي قالوا يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وقال جَمَاعَةٌ يَرْمُلُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ
وَتَقَدَّمَ هل يَفْعَلُ ذلك إنْ كان رَاكِبًا عِنْدَ الرَّمَلِ في الطَّوَافِ
فَائِدَةٌ لَا يُجْزِئُ السَّعْيُ قبل الطَّوَافِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يُجْزِئُ مُطْلَقًا من غَيْرِ دَمٍ ذَكَرَهَا في الْمُذْهَبِ
وَعَنْهُ يُجْزِئُ مُطْلَقًا مع دَمٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي
وَعَنْهُ يُجْزِئُ مع السَّهْوِ وَالْجَهْلِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا مُسْتَتِرًا مُتَوَالِيًا
أَمَّا السُّتْرَةُ وَالطَّهَارَةُ فَسُنَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ عن الطَّهَارَتَيْنِ هو الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وقال عن السُّتْرَةِ الْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِذَلِكَ من غَيْرِ خِلَافٍ
وَقِيلَ هُمَا في السَّعْيِ كَالطَّوَافِ على ما تَقَدَّمَ
وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أنها سُنَّةٌ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
____________________
(4/21)
وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وهو تَخْرِيجٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَعَنْهُ أنها شَرْطٌ كَالطَّوَافِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ عليها الْأَكْثَرُ
قُلْت منهم الْقَاضِي
وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ
وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ مع الْعُذْرِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا في السَّعْيِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ وَضَعْفٌ وَقِيلَ هِيَ شَرْطٌ فيه
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا من الْأَصْحَابِ يقول غير ذلك وَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا
وزاد في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَأَنْ لَا يُقَدِّمَ السَّعْيَ على أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَصَرَّحَ أبو الْخَطَّابِ بِخِلَافِ ذلك وقال لَا أَعْرِفُ مَنْعَهُ عن أَحْمَدْ
وَذَكَرَ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ سيعه ( ( ( سعيه ) ) ) مُغْمًى عليه أو سَكْرَانُ كَوُقُوفِهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ فَإِنْ كان مُعْتَمِرًا قَصَّرَ من شَعْرِهِ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَفْضَلَ
____________________
(4/22)
أَنْ يُقَصِّر من شَعْرِهِ في الْعُمْرَةِ لِيَحْلِقَ في الْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَلْقُ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَفْضَلُ من التَّقْصِيرِ
وقال في الْمُحَرَّرِ حَلَقَ أو قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْهُمَا
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ قد سَاقَ هَدْيًا فَلَا يَحِلُّ حتى يَحُجَّ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَحِلُّ كَمَنْ لم يُهْدِ وهو مُقْتَضَى ما نَقَلَهُ يُوسُفُ بن مُوسَى قَالَهُ الْقَاضِي
وقال في الْكَافِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ له التَّقْصِيرُ من شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً دُونَ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ انْتَهَى
وَعَنْهُ إنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ وَنَقَلَ يُوسُفُ بن أبي مُوسَى يَنْحَرُ وَيَحِلُّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ وقال مَالِكٌ يَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيُّ وَتَقَدَّمَ ذلك بِعَيْنِهِ في بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لم يَكُنْ له أَنْ يَحِلَّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قبل تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ فإذا ذَبَحَهُ يوم النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا نَصَّ عليه وَتَقَدَّمَ هذا أَيْضًا هُنَاكَ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَحَلُّ ما تَقَدَّمَ في الْمُتَمَتِّعِ أَمَّا الْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ فإنه يَحِلُّ وَلَوْ كان معه هَدْيٌ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لم يَسُقْ الْهَدْيَ يَحِلُّ سَوَاءٌ كان مُلَبِّدًا رَأْسَهُ أو لَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(4/23)
وَقِيلَ لَا يَحِلُّ من لَبَّدَ رَأْسَهُ حتى يَحُجَّ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَمَنْ كان مُتَمَتِّعًا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا وَصَلَ الْبَيْتَ
وَكَذَا قال الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنْهُ يَقْطَعُهَا بِرُؤْيَةِ الْبَيْتِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَشَرَعَ في الطَّوَافِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَحَنْبَلٍ وَالْأَثْرَمِ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَحَمَلَ الْأَوَّلَ على ظَاهِرِهِ وَالثَّانِيَ عليه وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ على الْمَنْصُوصِ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ على ظَاهِرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَجُوزُ حَمْلُهُ على ظَاهِرِهِ وَجَوَّزَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ الِاحْتِمَالَيْنِ
وَحَمَلَ بن منجا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ على الْمَنْصُوصِ وَالشَّارِحُ شَرَحَ على الْمَنْصُوصِ ولم يَحْكِ خِلَافًا
فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّلْبِيَةِ في طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عن أبي الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يلبى فيه قال الْأَصْحَابُ لَا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ فيه وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْتَحَبُّ وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي يُكْرَهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وفي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ يُسَنُّ
وَالسَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَذَلِكَ وهو مُرَادُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ وَأَمَّا وَقْتُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ في الْحَجِّ فَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ في الْبَابِ الذي بَعْدَ هذا وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مع ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ
____________________
(4/24)
بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الذي حَلَّ وَغَيْرِهِ من الْمَحَلَّيْنِ بِمَكَّةَ الْإِحْرَامُ يوم التَّرْوِيَةِ وهو الثَّامِنُ من ذِي الْحِجَّةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمَكِّيُّ يُهِلُّ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قال كَذَا يُرْوَى عن عُمَرَ
قال الْقَاضِي فَنَصَّ على أَنَّهُ يُهِلُّ قبل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ
وقال في التَّرْغِيبِ يُحْرِمُ الْمُتَمَتِّعُ يوم التَّرْوِيَةِ فَلَوْ جَاوَزَهُ غير مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مع دَمِ التَّمَتُّعِ على الْأَصَحِّ
وقال في الرِّعَايَةِ يُحْرِمُ يوم التَّرْوِيَةِ أو غَيْرَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ في غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ
وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لم يَحِلَّ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ
وَيُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ الْمُتَمَتِّعُ إذَا لم يَجِدْ الْهَدْيَ وَصَامَ فإنه يُحْرِمُ يوم السَّابِعِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الْفِدْيَةِ فيعايى بها
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هذا ما يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ من الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّجَرُّدِ عن الْمَخِيطِ وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ
الثَّانِيَةُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَطُوفُ بَعْدَهُ قبل خُرُوجِهِ لِوَدَاعِ الْبَيْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ وأبو دَاوُد لَا يَخْرُجُ حتى يُوَدِّعَهُ وَطَوَافُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ من مِنًى لِلْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَاضِحِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ
____________________
(4/25)
فَعَلَى الْأَوَّلِ لو أتى بِهِ وَسَعَى بَعْدَهُ لم يُجْزِهِ عن السَّعْيِ الْوَاجِبِ
قَوْلُهُ من مَكَّةَ وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ جَازَ
الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ من مَكَّةَ بِلَا نِزَاعٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِمَكَانٍ على غَيْرِهِ وَنَقَلَ حَرْبٌ يُحْرِمُ من الْمَسْجِدِ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ عنه خِلَافَهُ ولم يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا في الْإِيضَاحِ فإنه قال يُحْرِمُ بِهِ من تَحْتِ الْمِيزَابِ
قُلْت وَكَذَا قال في الْمُبْهِجِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْمَوَاقِيتِ
قَوْلُهُ وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ جَازَ
يَجُوزُ الْإِحْرَامُ من جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وبن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ مِيقَاتُ حَجِّهِ من مَكَّةَ فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ منها
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ في بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ لِحَجِّهِ منها نَصَّ عليه وَقِيلَ من الْحَرَمِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بِهِ من الْحِلِّ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ من الْحَرَمِ وَاجِبًا فَلَوْ أَحَلَّ بِهِ كان عليه دَمٌ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وقال إنْ مَرَّ من الْحَرَمِ قبل مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عليه وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَلَا دَمَ عليه نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وبن مَنْصُورٍ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ كما تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ في وُجُوبِ الدَّمِ وَتَقَدَّمَ ذلك بِأَتَمَّ من هذا في بَابِ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ
____________________
(4/26)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ قبل الزَّوَالِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بها خَمْسَ صَلَوَاتٍ نَصَّ عليه
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يوم السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وهو صَحِيحٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَيُعْلِمُهُمْ ما يَفْعَلُونَ يوم التَّرْوِيَةِ
قَوْلُهُ فإذا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارَ إلَى عَرَفَةَ فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ حتى تَزُولَ الشَّمْسُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وقال من ذَكَرَ الْخِلَافَ غير صَاحِبِ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقِيلَ يُقِيمُ بِعَرَفَةَ وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وقال يُقِيمُ بِعُرَنَةَ بِالنُّونِ قبل أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ
قُلْت وقد يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَرَفَةُ تصحيف ( ( ( تصحيفا ) ) ) من عُرَنَةَ
وقال الزَّرْكَشِيُّ نَمِرَةُ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وهو الْجَبَلُ الذي عليه أَنْصَابُ الْحَرَمِ على يَمِينِك إذَا خَرَجَتْ من مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ قَالَهُ بن الْمُنْذِرِ وقال وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَقَامَ بِنَمِرَةَ وَقِيلَ بِعَرَفَةَ ليس بِجَيِّدٍ إذْ نَمِرَةُ من عَرَفَةَ انْتَهَى
وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على كَلَامِ من قَبْلَهُ
____________________
(4/27)
وقال في الْخُلَاصَةِ أَقَامَ بِنَمِرَةَ أو بِعَرَفَةَ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بِعَرَنَةْ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنَّ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ يُقِيمُ بِبَطْنِ نَمِرَةَ وَقِيلَ بعرنة ( ( ( بعرفة ) ) ) وَقِيلَ بِوَادِيهَا انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فيها الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ وَالدَّفْعَ منه وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُقَصِّرُهَا وَيَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْزِلُ فيصلى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ
وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا نَصَّ عليه وَيَأْتِي هذا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ
وقد تَقَدَّمَ هل يُشْرَعُ الْأَذَانُ في الْجَمْعِ في بَابِ الْأَذَانِ وَتَقَدَّمَ في الْجَمْعِ هل يَجْمَعُ أَهْلُ مَكَّةَ وَيَقْصُرُونَ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ رَاكِبًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ الرَّاجِلُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْحَارِثِ انْتَهَى
____________________
(4/28)
وَقِيلَ الْكُلُّ سَوَاءٌ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عن الْجَوَابِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ رَاكِبًا ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ الْحَجِّ عَلَيْهِمَا يَعْنِي هل الْحَجُّ مَاشِيًا أَفْضَلُ أو رَاكِبًا أو هُمَا سَوَاءٌ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في مُفْرَدَاتِهِ الْمَشْيُ أَفْضَلُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ فإنه ذَكَرَ الْأَخْبَارَ في ذلك وَعَنْ جَمَاعَةٍ من الْعُبَّادِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الناس وَنَصُّهُ صَرِيحٌ في مَرِيضٍ بِحَجَّةٍ يُحَجُّ عنه رَاجِلًا أو رَاكِبًا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ وقال في الْفَائِقِ قُلْت الْمُسِنُّونَ تحري مَوْقِفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَثْبُتْ في جَبَلِ الرَّحْمَةِ دَلِيلٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَوَقَّتَ الْوُقُوفَ من طُلُوعِ الْفَجْرِ يوم عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يوم النَّحْرِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وقال بن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ وَقَّتَ الْوُقُوفَ من الزَّوَالِ يوم عَرَفَةَ وَحَكَى رِوَايَةً
قال في الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَحَكَاهُ بن عبد الْبَرِّ إجْمَاعًا
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ في شَيْءٍ من هذا الْوَقْتِ وهو عَاقِلٌ تَمَّ حَجَّهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذلك فَاتَهُ الْحَجُّ
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ من الْمَجْنُونِ وهو صَحِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ وُقُوفُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
____________________
(4/29)
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا كَإِحْرَامٍ وَطَوَافٍ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا وَقِيلَ يَصِحُّ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَيَدْخُلُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي في قَوْلِهِ وهو عَاقِلٌ النَّائِمُ وَالْجَاهِلُ بها وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ مع نَوْمٍ وَجَهْلٍ بها في الْأَصَحِّ قال في الْفَائِقِ يَصِحُّ من النَّائِمِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْجَاهِلِ بها وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في النَّائِمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِيهِمَا
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا وَقَدَّمَهُ في شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهُ مع النَّوْمِ دُونَ الْإِغْمَاءِ وَالْجَهْلِ وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ لَا يَصِحُّ مع الْجَهْلِ بها وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عليه
قَوْلُهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذلك فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ وَقَفَ بها وَدَفَعَ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ
هذا الْمَذْهَب وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا دَمَ عليه كَوَاقِفٍ لَيْلًا وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ فِيمَنْ نَسِيَ نَفَقَتَهُ بِمِنًى وهو بِعَرَفَةَ يُخْبِرُ الْإِمَامَ فإذا أَذِنَ له ذَهَبَ وَلَا يَرْجِعُ
قال الْقَاضِي فَرُخِّصَ له لِلْعُذْرِ
وَعَنْهُ يَلْزَمُ من دَفَعَ قبل الْإِمَامِ دَمٌ وَلَوْ كان بَعْدَ الْغُرُوبِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الدَّمِ إذَا لم يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قبل الْغُرُوبِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْإِيضَاحِ فلم يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قبل الْفَجْرِ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ في
____________________
(4/30)
مُفْرَدَاتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْمَوْقِفِ قبل ( ( ( بعد ) ) ) الْغُرُوبِ أو قبل الْفَجْرِ عِنْدَ من يقول بِهِ فَلَا دَمَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ عليه دَمٌ وَلَوْ عَادَ مُطْلَقًا وفي الْوَاضِحِ وَلَا عُذْرَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبّ الدَّفْعُ مع الْإِمَامِ فَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَلَا شَيْءَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ بِتَرْكِهِ دَمٌ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ
وَيَأْتِي ذلك في الْوَاجِبَاتِ
الثَّانِيَةُ لو خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ إنْ صلى صَلَاةَ آمِنٍ فَقِيلَ يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ وَلَوْ فَاتَ الْوُقُوفَ
قُلْت وَفِيهِ بُعْدٌ وَإِنْ كان ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ
وَقِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَمْنِهِ وهو احْتِمَالٌ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْأَوَّلَانِ احْتِمَالَانِ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ ذلك في آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَافَاهَا لَيْلًا فَوَقَفَ بها فَلَا دَمَ عليه بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال أبو حَكِيمٍ وَيَكُونُ مُسْتَغْفِرًا
____________________
(4/31)
قَوْلُهُ يَبِيتُ بها فَإِنْ دَفَعَ قبل نِصْفِ اللَّيْلِ يَعْنِي من مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ كَرُعَاةٍ وَسُقَاةٍ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْفَرْعِ وَيَتَخَرَّجُ لَا دَمَ عليه من لَيَالِي مِنًى قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
تَنْبِيهٌ وُجُوبُ الدَّمِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَعُدْ إلَيْهَا لَيْلًا فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلًا فَلَا دَمَ عليه نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ جاء بَعْدَ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ
بِلَا نِزَاعٍ في ذلك
قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ من طَرِيقِهِ أو من مُزْدَلِفَةَ أو من حَيْثُ أَخَذَهُ جَازَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَخْذَهُ قبل وُصُولِهِ مِنًى وَيُكْرَهُ من الْحَرَمِ وَتَكْسِيرُهُ أَيْضًا قال في الْفُصُولِ وَمِنْ الْحَشِّ
قَوْلُهُ وَيَكُونُ أَكْبَرَ من الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ فَيَكُونُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ حَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُجْزِئُهُ الرَّمْي بِالْكَبِيرِ مع تَرْكِ السُّنَّةِ
قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ نَصَّ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ خَالَفَ
____________________
(4/32)
وَرَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَهُ على الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ الْحَجَرِيَّةِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْقَوْلَانِ في الصَّغِيرِ
قَوْلُهُ وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
وَعَنْهُ عَدَدُهُ سِتُّونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسِتَّةٍ
وَعَنْهُ عَدَدُهُ خَمْسُونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِخَمْسَةٍ
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَثْنَاءِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وفي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ
أَنَّهُ لو رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً لم يَصِحَّ وهو صَحِيحٌ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَيُؤَدَّبُ على هذه الْغَفْلَةِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَوَائِدُ
منها يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ حُصُولَ الْحَصَى في الْمَرْمَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَكْفِي ظَنُّهُ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بن الْبَنَّا رِوَايَةً في الْخِصَالِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مع الشَّكِّ أَيْضًا وهو وَجْهٌ أَيْضًا في الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ
وَمِنْهَا لو وَضَعَهَا بيده في الْمَرْمَى لم يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَمِنْهَا لو طَرَحَهَا في الْمَرْمَى طَرْحًا أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لم يَرْمِ بها
وَمِنْهَا لو رَمَى حَصَاةً فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ قبل وُصُولِهَا لم يُجْزِهِ
____________________
(4/33)
قُلْت وَعَلَى قِيَاسِهِ لو رَمَاهَا فَذَهَبَ بها رِيحٌ عن الْمَرْمَى قبل وُصُولِهَا إلَيْهِ
وَمِنْهَا لو رَمَاهَا فَوَقَعَتْ في مَوْضِعٍ صُلْبٍ في غَيْرِ الْمَرْمَى ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى أو وَقَعَتْ على ثَوْبِ إنْسَانٍ ثُمَّ طَارَتْ فَوَقَعَتْ في الْمَرْمَى أَجْزَأَتْهُ
وَمِنْهَا لو نَفَضَهَا من وَقَعَتْ على ثَوْبِهِ فَوَقَعَتْ في الْمَرْمَى أَجْزَأَتْهُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وقال بن عَقِيلٍ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ حُصُولَهَا في الْمَرْمَى بِفِعْلِ الثَّانِي قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في التَّلْخِيصِ يُكَبِّرُ بَدَلًا عن التَّلْبِيَةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ يَرْمِي ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ وَيَقُولُ أرضى الرَّحْمَنَ وَأُسْخِطُ الشَّيْطَانَ
قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَهُ يَعْنِي الرَّامِيَ بها وَهِيَ الْيُمْنَى حتى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ
ذَكَرَ ذلك أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ولم يَذْكُرْهُ آخَرُونَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك أو يَرْمِيَ على جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَلَهُ رَمْيُهَا من فَوْقِهَا
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَهَا وهو مَاشٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ
____________________
(4/34)
عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَرْمِيهَا مَاشِيًا
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا يَرْمِيهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا وَكَيْفَمَا شَاءَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَمَاهَا وهو على رَاحِلَتِهِ وَكَذَلِكَ بن عَمْرٍو وَكَذَلِكَ بن عُمَرَ رَمْيًا سَائِرَهَا مَاشِيَيْنِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وفي هذا بَيَانٌ لِلتَّفْرِيقِ بين هذه الْجَمْرَةِ وَغَيْرِهَا وَمَالَا إلَى أَنْ يَرْمِيَهُمَا رَاكِبًا قال في الْفُرُوعِ يَرْمِيهِمَا رَاكِبًا إنْ كان وَالْأَكْثَرُ مَاشِيًا نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مع ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ
هَكَذَا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُلَبِّي حتى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن مَنْجَا في شَرْحِهِ وَالْهِدَايَةُ وَالْمُذْهَبَ وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْخُلَاصَةُ وَالْوَجِيزُ وَغَيْرُهُمْ
وقال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حتى يَفْرُغَ من جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
وَتَقَدَّمَ آخِرَ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ وَقْتُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ إذَا كان مُتَمَتِّعًا
قَوْلُهُ فَإِنْ رَمَى بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو بِحَصًى أو بِحَجَرٍ قد رَمَى بِهِ لم يُجْزِهِ
إذَا رَمَى بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لم يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وإذا رَمَى بِغَيْرِ الْحَصَى لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُ بِالْكُحْلِ وَالْجَوَاهِرِ الْمُنْطَبِعَةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ
____________________
(4/35)
وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ بِغَيْرِهِ مع الْكَرَاهَةِ وَعَنْهُ إنْ كان بِغَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ
تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ الْحَصَى الْحَصَى الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ وَالْكِدَانَ وَالْأَحْمَرَ من الْمَرْمَرِ وَالْبِرَامِ وَالْمَرْوِ وهو الصِّوَانُ وَالرُّخَامِ وَحَجَرِ الْمِسَنِّ وهو الصَّحِيحُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو الصَّوَابُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحَجَرِ الْمَعْهُودِ فَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَجَرِ الْكُحْلِ وَالْبِرَامِ وَالرُّخَامِ وَالْمِسَنِّ وَنَحْوِهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وقال في الْفُصُولِ إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ نهى عن إخْرَاجِ تُرَابِهِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لو تَيَمَّمَ أَجْزَأَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ من مَنْعِهِ الْمَنْعُ هُنَا وَأَمَّا إذَا رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ فإنه لَا يُجْزِئُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يُجْزِئُ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في التَّصْحِيحِ يُكْرَهُ الرَّمْيُ من الْجِمَارِ أو من حَصَى الْمَسْجِدِ أو مَكَان نَجِسٍ
فَوَائِدُ
الْأَوْلَى لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَصًى نَجِسٍ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ولا يُجْزِئُ بِنَجَسٍ في الْأَصَحِّ قال في الْفَائِقِ وفي الْإِجْزَاءِ بِنَجَسٍ وَجْهٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
____________________
(4/36)
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ فيه حَجَرٌ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْحَجَرَ تَبَعٌ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُ وَصَحَّحَهُ في الْفُصُولِ
الثَّالِثَةُ لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْحَصَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ صَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
قَوْلُهُ وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
بِلَا نِزَاعٍ وهو الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لِلرَّمْيِ
فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ
وقال بن عَقِيلٍ نَصُّهُ لِلرُّعَاةِ خَاصَّةً الرَّمْيُ لَيْلًا نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ رَمْيُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
____________________
(4/37)
فَائِدَةٌ إذَا لم يَرْمِ حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لم يَرْمِ إلَّا من الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَقِفُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ من جَمِيعِ شَعْرِهِ
إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَيَدْعُو وَقْتَ الْحَلْقِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ يُكَبِّرُ وَقْتَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ
فَائِدَةٌ الْأُولَى أَنْ لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ على أُجْرَتِهِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَالَهُ أبو حَكِيمٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال أبو حَكِيمٍ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَأَمَّا إنْ قَصَّرَ فَيَكُونُ من جَمِيعِ رَأْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا من كل شَعْرَةٍ
قُلْت هذا لَا يُعْدَلُ عنه وَلَا يَسْمَعُ الناس غَيْرَهُ وتقير ( ( ( وتقصير ) ) ) كل شَعْرَةٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى وَلَا شَعْرَةٌ مُشْقٍ جِدًّا
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَجِبُ التَّقْصِيرُ من كل شَعْرَةٍ لِأَنَّ ذلك لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ
وَعَنْهُ يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِهِ وَكَذَا تَقْصِيرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في التَّقْصِيرِ فَقَطْ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُجْزِئُ تَقْصِيرُ ما نَزَلَ عن رَأْسِهِ لِأَنَّهُ من شَعْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ ليس رَأْسًا ذَكَرَهُ في الْخِلَافِ في الْفُصُولِ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الشَّعْرَ الْمَضْفُورَ وَالْمَعْقُوصَ وَالْمُلَبَّدَ وَغَيْرَهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ في الْمُلَبَّدِ وَالْمَضْفُورِ وَالْمَعْقُوصِ لِيَحْلِقَ
____________________
(4/38)
قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّقْصِيرُ منه كُلِّهِ
قُلْت حَيْثُ امْتَنَعَ التَّقْصِيرُ منه كُلِّهِ على الْقَوْلِ بِهِ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ وَلِهَذَا قال في الْفَائِقِ وَلَوْ كان مُلَبَّدًا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ في الْمَنْصُوصِ وقال الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَتَعَيَّنُ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وقال الْخِرَقِيُّ في الْعَبْدِ يُقَصِّرُ قال جَمَاعَةٌ من شُرَّاحِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ في قِيمَتِهِ منهم الزَّرْكَشِيُّ قال في الْوَجِيزِ وَيُقَصِّرُ الْعَبْدُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَلَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ
قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ من شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ
يَعْنِي فَأَقَلَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وقال بن الزَّاغُونِيِّ في مَنْسَكِهِ يَجِبُ تَقْصِيرُ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ الْمُسِنَّةُ لها أُنْمُلَةٌ وَيَجُوزُ أَقَلُّ منها
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ له أَيْضًا أَخْذُ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَلِحْيَتِهِ
الثَّانِيَةُ لو عَدِمَ الشَّعْرَ اُسْتُحِبَّ له إمْرَارُ الْمُوسَى قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ أبو حَكِيمٍ في خِتَانِهِ
قُلْت وفي النَّفْسِ من ذلك شَيْءٌ وهو قَرِيبٌ من الْعَبَثِ
وقال الْقَاضِي يَأْخُذُ من شَارِبِهِ عن حَلْقِ رَأْسِهِ ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ ثُمَّ حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْقَاضِي وَابْنُهُ وبن الزَّاغُونِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ إلَّا النِّسَاءَ وَعَقَدَ النِّكَاحَ
قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وهو الصَّحِيحُ
____________________
(4/39)
فَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وبن شِهَابٍ وبن الْجَوْزِيِّ حِلُّ الْعَقْدِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ عن أَحْمَدَ وَعَنْهُ إلَّا الْوَطْءَ في الْفَرَجِ
قَوْلُهُ وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فَيَلْزَمُهُ في تَرْكِهِ دَمٌ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُمَا نُسُكٌ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
قال في الْكَافِي هذا أَصَحُّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ من الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ لَا شَيْءَ في تَرْكِهِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَنَقَلَ مُهَنَّا في مُعْتَمِرٍ تَرَكَ الْحِلَاقَ وَالتَّقْصِيرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ الدَّمُ كَثِيرٌ عليه أَقَلُّ من دَمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا وَاجِبٌ وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُ وَاجِبٍ
قَوْلُهُ إنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ على رِوَايَتَيْنِ
يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا نُسُكٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا دَمَ عليه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ قال بن مَنْجَا في شَرْحِهِ وهو أَوْلَى
الْوَجْهُ الثَّانِي عليه دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى الصَّحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَخْرَجَهُ عن أَيَّامِ مِنًى كما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ أَخَّرَهُ
____________________
(4/40)
عن أَيَّامِ النَّحْرِ فَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمَا إنْ أَخَّرَهُ عن الْيَوْمِ الثَّانِي من أَيَّامِ مِنًى وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بَعْدَ الرِّوَايَةِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ من تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ على قَوْلِنَا الْحِلَاقُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ لَا على قَوْلِنَا هو نُسُكٌ
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلُ ثُمَّ قد حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ مَعًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّحَلُّلَ بِلَفْظِ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَأَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ أو يُحَصِّلُهَا اثْنَيْنِ من ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ فيه رِوَايَتَانِ عن أَحْمَدَ
إحْدَاهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ اثْنَيْنِ من الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في الْكَافِي اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وهو مُوَافِقٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِوَاحِدٍ من رَمْيٍ وَطَوَافٍ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْبَاقِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مَنْجَا وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْحَلْقُ إطْلَاقٌ منى مَحْظُورٍ على الصَّحِيحِ
وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ بَلْ نُسُكٌ كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ في الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَيَحِلُّ قَبْلَهُ
____________________
(4/41)
قال بن مَنْجَا فيه نَظَرٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نُسُكٌ في جَوَازِ حِلِّهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ
وفي مَنْسَكِ بن الزَّاغُونِيِّ وَإِنْ كان سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا لم يَحِلَّ هذا التَّحَلُّلَ إلَّا بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ وَالطَّوَافِ فَيَحِلُّ من الْكُلِّ وهو التَّحَلُّلُ الثَّانِي
قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ على الرَّمْيِ أو النَّحْرِ جَاهِلًا أو نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عليه
وكذا لو طَافَ لِلزِّيَارَةِ أو نَحَرَ قبل رَمْيِهِ
وَإِنْ كان عَالِمًا فَهَلْ عليه دَمٌ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا لَا دَمَ عليه وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِعْلُ ذلك وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عليه دَمٌ نَقَلَهَا أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ هذه الرِّوَايَةَ
فَظَاهِرُهَا يَلْزَمُ الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ دَمٌ أَيْضًا وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَرُّوذِيِّ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً
يَعْنِي يَخْطُبُ يوم النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فيها النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ تَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ
____________________
(4/42)
قُلْت الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ بُكْرَةً في أَوَّلِ النَّهَارِ حتى يُعَلِّمَهُمْ الرَّمْيَ وَالنَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ
وَعَنْهُ لَا يَخْطُبُ نَصَرَهُ الْقَاضِي قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ
فَائِدَةٌ أُخْرَى إذَا أتى الْمُتَمَتِّعُ مَكَّةَ طَافَ لِلْقُدُومِ نَصَّ عليه كَعُمْرَتِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَكَذَا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ نَصَّ عليه ما لم يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ قبل يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَاحِدٌ منهم اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَ الْأَوَّلُ وقال لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عبد اللَّهِ على ذلك
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ وهو الْأَصَحُّ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ بَعْدَ رُجُوعِهِ من عَرَفَةَ قبل الْإِفَاضَةِ وقال هذا هو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ من لَيْلَةِ النَّحْرِ
يَعْنِي وَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ وَقْتُهُ من فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عنه وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عن يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ مِنًى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وقال في الْوَاضِحِ عليه دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عن يَوْمِ النَّحْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً بِوُجُوبِ الدَّمِ إذَا أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ مِنًى
فَائِدَةٌ لو أَخَّرَ السَّعْيَ عن أَيَّامِ مِنًى جَازَ وَلَا شَيْءَ عليه
وَوَجْهٌ في الْفُرُوعِ مِمَّا خَرَّجَهُ في الطَّوَافِ مِثْلُهُ في السَّعْيِ
____________________
(4/43)
قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْعَى بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كان مُتَمَتِّعًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يكتفى بِسَعْيِ عُمْرَتِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ أو لم يَكُنْ سَعَى مع طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ كان قد سَعَى لم يَسْعَ
هذا الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً بِأَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ سَعْيَانِ سَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا قُلْنَا السَّعْيُ في الْحَجِّ رُكْنٌ وَجَبَ عليه فِعْلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كان مُتَمَتِّعًا أو مُفْرِدًا أو قَارِنًا ولم يَكُنْ سَعَا مع طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ عَالِمًا لم يُعْتَدَّ بِهِ وَأَعَادَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَإِنْ كان نَاسِيًا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فيه رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ ذَكَرَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ
وَإِنْ قُلْنَا السَّعْيُ وَاجِبٌ أو سُنَّةٌ فقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ قِيلَ السَّعْيُ ليس رُكْنًا قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبٌ فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحِلُّ قبل السَّعْيِ لِإِطْلَاقِهِمْ الْإِحْلَالَ بَعْدَ الطَّوَافِ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ثُمَّ قد حَلَّ له كُلُّ شَيْءٍ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَرَجَ من مَكَّةَ قبل فِعْلِهِ رَجَعَ حَرَامًا حتى يَطُوفَ وَلَوْ اسْتَمَرَّ بَقِيَ مُحْرِمًا وَيَرْجِعُ مَتَى أَمْكَنَهُ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ منها لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضَلَّعُ منه
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وزاد في التَّبْصِرَةِ وَيَرُشُّ على بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ
____________________
(4/44)
قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَيَأْتِي في الْوَاجِبَاتِ هل هو وَاجِبٌ أو مُسْتَحَبٌّ
قَوْلُهُ وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بها في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه
قال بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إذَا رَمَى في الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ من أَيَّامِ مِنًى قبل الزَّوَالِ لم يُجْزِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا في الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَيَجُوزُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَجَوَّزَ بن الْجَوْزِيِّ الرَّمْيَ قبل الزَّوَالِ
وقال في الْوَاضِحِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ وَأَطْلَقَ في مَنْسَكِهِ أَيْضًا أَنَّ له الرَّمْيَ من أَوَّلِ يَوْمٍ وَأَنَّهُ يَرْمِي في الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَالْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ يَنْفِرُ
وَعَنْهُ يَجُوزُ رَمْيُ مُتَعَجِّلٍ قبل الزَّوَالِ وَيَنْفِرُ بَعْدَهُ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ إنْ رَمَى عِنْدَ طُلُوعِهَا متعجل ( ( ( متعجلا ) ) ) ثُمَّ نَفَرَ كَأَنَّهُ لم يَرَ عليه دَمًا وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ
فَائِدَةٌ آخِرُ وَقْتِ رَمْيِ كل يَوْمٍ الْمَغْرِبُ وَيُسْتَحَبُّ الرَّمْيُ قبل صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ
قَوْلُهُ في الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَقِفُ وَيَدْعُو
هذا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْجِمَارِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَجْعَلُهَا عن يَمِينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ في الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا
____________________
(4/45)
قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وقال الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ في أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ في جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ نَظَرٌ إذْ ليس في الحديث ذلك
قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ في الرَّمْيِ
يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا الْجَمْرَةَ التي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بَعْدَهَا الْوُسْطَى ثُمَّ الْعَقَبَةَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ نَكَسَ لم يُجْزِهِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مع الْجَهْلِ
قَوْلُهُ وفي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا سَبْعٌ
وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ وَالْأُخْرَى يُجْزِيهِ خَمْسٌ
قال في الْمُغْنِي وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْقُصَ عن سَبْعٍ فَإِنْ نَقَصَ حَصَاةً أو حَصَاتَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَلَا يَنْقُصُ أَكْثَرَ من ذلك نَصَّ عليه وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يُجْزِيهِ سِتٌّ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ من الْأُولَى لم يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَصِحُّ مع الْجَهْلِ دُونَ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَيْ مع رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمَاهُ في آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَ
بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونَ أَدَاءً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ يَكُونُ قَضَاءً وَكَذَا الْحُكْمُ لو أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى الْغَدِ رَمَى رَمْيَيْنِ نَصَّ عليه وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أو تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ
____________________
(4/46)
إذَا أَخَّرَ الرَّمْيَ عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ في مِنًى لَيْلَةً أو أَكْثَرَ
قَوْلُهُ أو تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا
فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ عليه دَمًا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ قَالَهُ الْقَاضِي
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ على أَنَّ الْمَبِيتَ ليس بِوَاجِبٍ على ما يَأْتِي في الْوَاجِبَاتِ
قَوْلُهُ وفي حَصَاةٍ أو في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ما في حَلْقِ شَعْرَةٍ
إذَا تَرَكَ حَصَاةً وَجَبَ عليه ما يَجِبُ في حَلْقِ شَعْرَةٍ على ما مَضَى في أَوَّلِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال الْقَاضِي وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ ذلك في الْعَمْدِ
وَعَنْهُ عليه دَمٌ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وهو خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْحَابِ قال بن عَقِيلٍ ضَعَّفَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه فيها
فَائِدَةٌ لو تَرَكَ حَصَاتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا في الْحَصَاةِ ما في حَلْقِ شَعْرَةٍ فَفِي الْحَصَاتَيْنِ ما في حَلْقِ شَعْرَتَيْنِ وفي ثَلَاثٍ أو أَرْبَعٍ أو خَمْسٍ دَمٌ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ
وَإِنْ قُلْنَا في الْحَصَاةِ دَمٌ فَفِي الْحَصَاتَيْنِ وَالثَّلَاثِ دَمٌ بِطَرِيقِ أَوْلَى
وَعَنْهُ في الْحَصَاتَيْنِ ما في الثَّلَاثِ كَجَمْرَةٍ وَجِمَارٍ
____________________
(4/47)
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ في تَرْكِ حَصَاتَيْنِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الظَّاهِرُ عن أَحْمَدَ لَا شَيْءَ في حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ
واما إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً وَاحِدَةً فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ فيها ما في حَلْقِ شعره وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وبن مَنْجَا في شَرْحِهِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الدَّمِ
وَعَنْهُ تَرْكُ لَيْلَةٍ كَتَرْكِ لَيَالِي مِنًى كُلِّهَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ
وَعَنْهُ عليه دَمٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليه
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَيْسَ على أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى
وهذا ( ( ( هذا ) ) ) بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ لهم الرَّمْيُ لَيْلًا وَنَهَارًا
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ على أهلي ( ( ( أهل ) ) ) سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى أَنَّ غَيْرَهُمْ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ بها مُطْلَقًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ أَهْلُ الأعذار من غَيْرِ الرِّعَاءِ كَالْمَرْضَى وَمَنْ له مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ وَنَحْوَهُمْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الرِّعَاءِ في تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ
قال في الْفُصُولِ وَكَذَا خَوْفُ فَوَاتِ مَالِهِ وَمَوْتِ مَرِيضٍ
قُلْت هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هو الصَّوَابُ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى في يَدِ النَّائِبِ لِيَكُونَ له عَمَلٌ في الرَّمْيِ انْتَهَى
وَلَوْ أُغْمِيَ على الْمُسْتَنِيبِ لم تَنْقَطِعْ النِّيَابَةُ
____________________
(4/48)
قَوْلُهُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ خَرَجَ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وهو النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ وَلَيْسَ عليه في الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمْيٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا
قال في الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأُولَى قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ له طَرْحُهُ وَدَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى
فَعَلَى الْأَوَّلِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَدْفِنُهُ في الْمَرْمَى
وفي مَنْسَكِ بن الزَّاغُونِيِّ أو يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ في اللَّوَاتِي قَبْلَهَا
تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُرِيدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وهو كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ على الِاسْتِحْبَابِ
قَوْلُهُ فَإِنْ غَرَبَتْ وهو بها لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ من الْغَدِ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ أو قَبْلَهُ أَيْضًا وَتَقَدَّمَتْ هذه الرِّوَايَةُ أَيْضًا قَرِيبًا وَهَذَا النَّفْرُ الثَّانِي
فَائِدَةٌ ليس لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ من يَتَأَخَّرُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قُلْت فيعايى بها
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فإذا أتى مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حتى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إذَا فَرَغَ من جَمِيعِ أُمُورِهِ
يَقْتَضِي أَنَّهُ لو أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لَا وَدَاعَ عليه وهو كَذَلِكَ سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قبل النَّفْرِ أو بَعْدَهُ
____________________
(4/49)
قَوْلُهُ فإذا وَدَّعَ الْبَيْتَ ثُمَّ اشْتَغَلَ في تِجَارَةٍ أو أَقَامَ أَعَادَ الْوَدَاعَ
إذَا وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ في تِجَارَةٍ أَعَادَ الْوَدَاعَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ وَنَحْوِهِ أَعَادَ الْوَدَاعَ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ قَضَى حَاجَةً في طَرِيقِهِ لم يُعِدْ أَيْضًا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وقال بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ إنْ تَشَاغَلَ في طَرِيقِهِ بِشِرَاءِ زَادٍ وَنَحْوِهِ لم يُعِدْ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ قَضَى حَاجَتَهُ في طَرِيقِهِ أو اشْتَرَى زَادًا في طَرِيقِهِ لم يُعِدْ زَادَ في الْكُبْرَى أو صلى
فَوَائِدُ
منها يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَيْنِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ
وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالْحِجْرِ منه وَيَكُونُ حَافِيًا بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ وَلَا سِلَاحٍ نَصَّ على ذلك
وَمِنْهَا ما قَالَهُ في الْفُنُونِ تَعْظِيمُ دُخُولِ الْبَيْتِ فَوْقَ الطَّوَافِ يَدُلُّ على قِلَّةِ الْعِلْمِ انْتَهَى
وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ عِبَادَةٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وقال في الْفُصُولِ وَكَذَا رُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَجْزَأَ عن طَوَافِ الْوَدَاعِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ في شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي في كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
____________________
(4/50)
وَعَنْهُ لَا يُجْزِيهِ عنه فَيَطُوفُ له وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي
فَائِدَةٌ لو أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ لم يُجْزِهِ عن طَوَافِ الْوَدَاعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ حَيْثُ اقْتَصَرُوا على الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُجْزِيهِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالُوا نَصَّ عليه زَادَ في الْهِدَايَةِ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ قُلْت هذا الْمَذْهَبُ ولم أَرَ لِمَا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ مُوَافِقًا
قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ
إذَا خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ وكان قَرِيبًا فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إذَا لم يَخَفْ على نَفْسٍ أو مَالٍ أو فَوَاتِ رُفْقَةٍ أو غَيْرِ ذلك فَإِنْ رَجَعَ فَلَا دَمَ عليه
وَإِنْ كان بَعِيدًا وهو مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ رَجَعَ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ لَزِمَهُ دَمٌ في الْمَنْصُوصِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُ الدَّمِ عن الْبَعِيدِ بِرُجُوعِهِ كَالْقَرِيبِ
وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ من مِثْلِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُقَالُ من الْحَرَمِ
وَأَمَّا إذَا لم يُمْكِنْ الرُّجُوعُ لِلْقَرِيبِ فإن عليه دَمًا وَكَذَا لو أَمْكَنَهُ ولم يَرْجِعْ بِطَرِيقِ أَوْلَى
فَمَتَى رَجَعَ الْقَرِيبُ لم يَلْزَمْهُ إحْرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ كَرُجُوعِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ
وَإِنْ رَجَعَ الْبَعِيدُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لُزُومًا وَيَأْتِي بها وَبِطَوَافِ الْوَدَاعِ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ لو وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى ولم يَدْخُلْ مَكَّةَ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ
____________________
(4/51)
وَإِنْ خَرَجَ غير حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا لَا يُوَدِّعُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وهو قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ قبل الْوَدَاعِ كُلَّ حَاجٍّ سَوَاءٌ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَهْلُ الْحَرَمِ لَا وَدَاعَ عليهم
قَوْلُهُ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا
بِلَا نِزَاعٍ وهو مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم تَطْهُرْ قبل مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فَإِنْ طَهُرَتْ قبل مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِلْوَدَاعِ وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ لم يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ وَلَوْ كان قبل مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقَصِّرِ بِالتَّرْكِ
قَوْلُهُ وإذا فَرَغَ من الْوَدَاعِ وَقَفَ في الْمُلْتَزَمِ بين الرُّكْنِ وَالْبَابِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ أَيْضًا وهو تَحْتَ الْمِيزَابِ فَيَدْعُو
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ثُمَّ يَشْرَبُ من مَاءِ زَمْزَمَ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
وَنَقَلَ حَرْبٌ إذَا قَدِمَ مُعْتَمِرًا فَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ فَإِنْ الْتَفَتَ وَدَّعَ نَصَّ عليه وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ على النَّدْبِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيُّ لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حتى يَغِيبَ
قال في الْفَائِقِ لَا يُسَنُّ له الْمَشْيُ القهقري بَعْدَ وَدَاعِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي الْمُحَصَّبَ فَيُصَلِّي فيه الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمُغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ يَهْجَعُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي
____________________
(4/52)
قَوْلُهُ فإذا فَرَغَ من الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ له زِيَارَةُ قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ
وقال في الْفُصُولِ نَقَلَ صَالِحٌ وأبو طَالِبٍ إذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ لم يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ إذَا حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كان في سَبِيلِ الْحَجِّ وَإِنْ كان تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ على سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حَالَ زِيَارَتِهِ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عن يَسَارِهِ وَيَدْعُو ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَرُبَ من الْحُجْرَةِ أو بَعُدَ انْتَهَى
قُلْت الْأَوْلَى الْقُرْبُ قَطْعًا
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَيَدْعُو
قال بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ يُكْرَهُ قَصْدُ الْقُبُورِ لِلدُّعَاءِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أو وُقُوفُهُ أَيْضًا عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ
الثَّانِيَةُ لَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحُهُ بِقَبْرِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ بَلْ يُكْرَهُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ نَقَلَ أبو الْحَارِثِ يَدْنُو منه وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ بَلْ يَقُومُ حِذَاءَهُ فَيُسَلِّمُ وَعَنْهُ يَتَمَسَّحُ بِهِ وَرَخَّصَ في الْمِنْبَرِ
____________________
(4/53)
قال بن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ وَلْيَأْتِ الْمِنْبَرَ فَيَتَبَرَّكُ بِهِ تَبَرُّكًا بِمَنْ كان يَرْتَقِي عليه
قَوْلُهُ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ من كان في الْحَرَمِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ منه
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ إحْرَامَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كان بها من غَيْرِهِمْ وَأَهْلَ الْحَرَمِ يَصِحُّ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وقال بن أبي مُوسَى إنْ كان بِمَكَّةَ من غَيْرُ أَهْلِهَا وَأَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ من دُونِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في بَابِ الْمَوَاقِيتِ في قَوْلِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ من التَّنْعِيمِ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ والمذهب ( ( ( المذهب ) ) ) وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ من الْجِعْرَانَةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ذَكَرَهُ في بَابِ الْمَوَاقِيت وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْكُلُّ سَوَاءٌ
____________________
(4/54)
وما اسْتَحْضَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ في الْمُغْنِي أو لم يَكُنْ في النُّسْخَةِ التي عِنْدَهُ
وَالْأَفْضَلُ بَعْدَهُمَا الْحُدَيْبِيَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ
وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ في الْمَكِّيِّ أَفْضَلُهُ الْبُعْدُ هِيَ على قَدْرِ تَعَبِهَا قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ مُرَادُهُ من الْمِيقَاتِ بَيَّنَهُ في رِوَايَةِ بَكْرِ بن مُحَمَّدٍ
وقال في الرِّعَايَةِ الْأَفْضَلُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ ما بَعُدَ نَصَّ عليه
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ من التَّنْعِيمِ هو في نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وبن مُنَجَّا وفي بَعْضِ النُّسَخِ هذا كُلُّهُ سَاقِطٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْرَمَ من الْحَرَمِ لم يُجْزِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَيَنْعَقِدُ وعليه دَمٌ
بِعَقْدِ إحْرَامِهِ من الْحَرَمِ على الصَّحِيح من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ دَمٌ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من مَكَّةَ أو الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ وَيُجْزِئُهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قبل طَوَافِهَا وَكَذَا بَعْدَهُ كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ وَلَنَا قَوْلٌ لَا انْتَهَى وَتَابَعَهُ على ذلك الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
وقال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بها من الْحَرَمِ أو من مَكَّةَ مُعْتَمِرًا صَحَّ في الْأَصَحِّ وَلَزِمَهُ دَمٌ
وَقِيلَ إنْ أَحْرَمَ بها مَكِّيٌّ من مَكَّةَ أو من بَقِيَّةِ الْحَرَمِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قبل طَوَافِهَا وَقِيلَ قبل إتْمَامِهَا وَعَادَ فَأَتَمَّهَا كَفَتْهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِهَا وَإِنْ أَتَمَّهَا قبل أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا فَفِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ لم يَخْرُج حتى أَتَمَّ أَفْعَالَهَا فَوَجْهَانِ الْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وُجُودُ هذا الطَّوَافِ كَعَدَمِهِ وهو بَاقٍ على إحْرَامِهِ حتى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذلك وَيَسْعَى وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ ذلك فَعَلَيْهِ دَمٌ وكذلك كُلُّ ما فَعَلَهُ من مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ عليه فِدْيَةٌ
____________________
(4/55)
وَإِنْ وطىء أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَيَمْضِي في فَاسِدِهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَقْضِيهَا بِعُمْرَةٍ من الْحِلِّ وَيُجْزِئُهُ عنها وَإِنْ كانت عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ قال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَ بِدَمٍ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ ثُمَّ قد حَلَّ وَهَلْ مَحِلُّهُ قبل الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ على رِوَايَتَيْنِ
أَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ في الْحَجّ هل الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وبن مُنَجَّا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نُسُكٌ
فَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ نُسُكٌ فَلَا يَحِلُّ منها إلَّا بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ فَيَحِلُّ قبل فِعْلِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ
وَيَأْتِي في وَاجِبَاتِ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْحِلَاقَ أو التَّقْصِيرَ وَاجِبٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ وَالْعُمْرَةُ من التَّنْعِيمِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ وأبو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في الْإِحْرَامِ في صِفَةِ الْقِرَانِ
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ من التَّنْعِيمِ فَتُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/56)
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا تُجْزِئُ عن الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ في السَّنَةِ مِرَارًا وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ الْإِكْثَارِ منها وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا قال الْمُصَنِّفُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ هو وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ شَاءَ كُلَّ شَهْرٍ وقال أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وفي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ الْحَلْقُ
وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ منها اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَمَنْ كَرِهَ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا عَرَضَ بِالطَّوَافِ وَإِلَّا لم يُكْرَهْ خِلَافًا لِشَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ
وقال في الْفُصُولِ له أَنْ يَعْتَمِرَ في السَّنَةِ ما شَاءَ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا في رَمَضَانَ لِأَنَّهَا فيه تَعْدِلُ حَجَّةً
وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ إذَا كان تَطَوُّعًا وقال هو بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا صَحَابِيٌّ على عَهْدِهِ إلَّا عَائِشَةَ لَا في رَمَضَانَ وَلَا في غَيْرِهِ اتِّفَاقًا
الثَّانِيَةُ الْعُمْرَةُ في رَمَضَانَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هِيَ فيه تَعْدِلُ حَجَّةً قال وَهِيَ حَجٌّ أَصْغَرُ
الثَّالِثَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعُمْرَةَ في غَيْرِ أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ من فِعْلِهَا فيها ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وبن إبْرَاهِيمَ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ التَّسْوِيَةِ
____________________
(4/57)
قُلْت اخْتَارَ في الهدي أن الْعُمْرَةَ في أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ وَمَالَ إلَى أَنَّ فِعْلَهَا في أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ من فِعْلِهَا في رَمَضَانَ
الرَّابِعَةُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بها يوم عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَ أبو الْحَارِثِ يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً تُكْرَهُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قال في الْفَائِقِ زَادَ أبو الْحُسَيْنِ يوم عَرَفَةَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ تُكْرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وقال وَمَنْ أَحْرَمَ بها قبل مِيقَاتِهَا لم تَصِحَّ في وَجْهٍ
قَوْلُهُ أَرْكَانُ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ
بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا فَلَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رَجَعَ مُعْتَمِرًا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ طَافَ في الْحِجْرِ وَرَجَعَ لِبَغْدَادَ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ على نِيَّةِ إحْرَامِهِ فَإِنْ وطىء أَحْرَمَ من التَّنْعِيمِ على حديث بن عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ
فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدَّمَ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ السَّعْيُ وَالْإِحْرَامُ رُكْنَيْنِ على الْمُقَدَّمِ عنه
أَمَّا السَّعْيُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ هو رُكْنٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هو سُنَّةٌ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ هو وَاجِبٌ اخْتَارَهُ أبو الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمَذْهَبِ
وَأَمَّا الْإِحْرَامُ وهو النِّيَّةُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ نَقَلَهُ عنه في التَّلْخِيصِ
____________________
(4/58)
وَحَكَاهَا في الْفَائِقِ وقال اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهَا التَّمِيمِيُّ أَيْضًا ولم يَذْكُرْهَا في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذه أَصَحُّ في ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ حَكَاهَا في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ عنه إنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ ولم أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَبِهِ قال أبو حَنِيفَةَ
وَذَلِكَ أَنَّ من قال بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى قَاسَ الْإِحْرَامَ على نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ شَرْطٌ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ شرط ( ( ( شرطا ) ) ) وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَجُوزُ فِعْلُهُ قبل دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا كَالطَّهَارَةِ مع الصَّلَاةِ انْتَهَى
وقال أَيْضًا في بَابِ الْإِحْرَامِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ هُنَا لم أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّهُ شَرْطٌ يَعْنِي عن أَحْمَدَ وَإِلَّا كان كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا
وَأَطْلَقَ رِوَايَةَ الشَّرْطِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ في الْفُرُوعِ وقال في كَلَامِ جَمَاعَةٍ ما ظَاهِرُهُ رِوَايَةُ بجواز ( ( ( جواز ) ) ) تَرْكِهِ
وقال في الْإِرْشَادِ وهو سُنَّةٌ وقال الْإِهْلَالُ فَرِيضَةٌ وَعَنْهُ سُنَّةٌ
قَوْلُهُ وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ
بِلَا نِزَاعٍ إنْشَاءً وَدَوَامًا قال في التَّلْخِيصِ وَالْإِنْشَاءُ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ
مُرَادُهُ إذَا وَقَفَ نَهَارًا فَيَجِبُ الْجَمْعُ بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
____________________
(4/59)
قَوْلُهُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى ما بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ
مُرَادُهُ إذَا وَافَاهَا قبل نِصْفِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا جَاءَهَا قبل نِصْفِ اللَّيْلِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ليس بِوَاجِبٍ وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ من ذلك الرُّعَاةَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ فلم يَجْعَلْ عليهم مَبِيتًا بِمُزْدَلِفَةَ قال الزَّرْكَشِيُّ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِمَا إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ حَيْثُ شَرَحَ الْخِرَقِيُّ
قَوْلُهُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى في لَيَالِيهَا وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ سُنَّةٌ
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا ما يَجِبُ في تَرْكِ الْمَبِيتِ بها في لَيَالِيهَا أو في لَيْلَةٍ
قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ
بِلَا نِزَاعٍ وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا وتقدم ( ( ( وقدم ) ) ) أَنَّهُ هل هو شَرْطٌ أَمْ لَا أو مع الْجَهْلِ
قَوْلُهُ وَالْحِلَاقُ
مُرَادُهُ أو التَّقْصِيرُ على ما تَقَدَّمَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ليس بِوَاجِبٍ وَتَقَدَّمَ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ
قَوْلُهُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ ليس بِوَاجِبٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَجِبُ وَلَوْ لم يَكُنْ بِمَكَّةَ قال في الْفُرُوعِ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قال الْآجُرِّيُّ وَيَطُوفُهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ أو مِنًى أو من نَفْرٍ آخَرَ
____________________
(4/60)
قال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ لَا يَجِبُ على غَيْرِ الْحَاجِّ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَمَتَى أَرَادَ الْحَاجُّ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حتى يُوَدِّعَ
فَائِدَةٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ هو طَوَافُ الصَّدْرِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ الصَّدْرُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ وما عَدَا هذا سُنَنٌ مَسَائِلَ فيها خِلَافٌ في الْمَذْهَبِ
منها الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي في الْخِلَافِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَجِبُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَمِنْهَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وفي عُيُونِ الْمَسَائِلِ يَجِبَانِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا نَسِيَ الرَّمَلَ فَلَا شَيْءَ عليه وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ محمد بن حَرْبٍ هو وَاجِبٌ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
وَمِنْهَا الدَّفْع من عَرَفَةَ مع الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَطَعَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ عليه دَمًا بِتَرْكِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ
بِلَا نِزَاعٍ وفي الْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ
____________________
(4/61)
اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا في السَّعْيِ وَالْإِحْرَامِ وفي الْإِحْرَامِ أَيْضًا من الْمِيقَاتِ كَالْخِلَافِ في ذلك في الْحَجِّ على ما تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ أَرْكَانُهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ فَقَطْ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وقال في الْفُصُولِ السَّعْيُ في الْعُمْرَةِ رُكْنٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِرُكْنَيْنِ كَالْحَجِّ
قَوْلُهُ وَوَاجِبَاتُهَا الْحِلَاقُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وهو أَيْضًا مَبْنِيٌّ على وُجُوبِهِ في الْحَجِّ على ما تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ
قَوْلُهُ فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا لم يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ
وكذا لو تَرَكَ النِّيَّةَ له لم يَصِحَّ ذلك الرُّكْنُ إلَّا بها
وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ كان سَهْوًا أو جَهْلًا
وَتَقَدَّمَ في بَعْضِ الْمَسَائِلِ خِلَافٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ كَامِلًا كَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى في لَيَالِيهَا وَنَحْوِهِ وكذا تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ جَهْلًا بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
قَوْلُهُ وَمَنْ طَلَعَ عليه الْفَجْرُ يوم النَّحْرِ ولم يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ
بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لِعُذْرِ حَصْرٍ أو غَيْرِهِ أو لِغَيْرِ عُذْرٍ
قَوْلُهُ وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَقَطْ وَلَوْ لم يَكُنْ عُمْرَةً وهو الظَّاهِرُ وهو قَوْلُ بن حَامِدٍ ذَكَرَهُ عنه جَمَاعَةٌ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ يتحلل ( ( ( تحلل ) ) ) بِعُمْرَةٍ من طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ
____________________
(4/62)
إحْرَامُهُ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ عنه الْقَاضِي وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قال في التَّلْخِيصِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَارِنًا وَغَيْرَهُ منهم أبو بَكْرٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قال الزَّرْكَشِيُّ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يتحلل ( ( ( تحلل ) ) ) بِعُمْرَةٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخَانِ قال فَعَلَى هذا صَرَّحَ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْقَلِبُ بِمُجَرَّدِ الْفَوَاتِ إلَى عُمْرَةٍ قال الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ من قال وَيُجْعَلُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً أَرَادَ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمُعْتَمِرِ من الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا يَكُونُ بين الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ انْتَهَى
وَنَقَلَ بن أبي مُوسَى أَنَّهُ يَمْضِي في حَجٍّ فَاسِدٍ وَيَلْزَمُهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ من مَبِيتٍ وَرَمْيٍ وَغَيْرِهِمَا وَيَقْضِيهِ انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يدخل ( ( ( دخل ) ) ) إحْرَامُ الْحَجِّ فَقَطْ
وقال أبو الْخَطَّابِ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا صَارَتْ عُمْرَةً جَازَ إدْخَالُ الْحَجِّ عليها فَيَصِيرُ قَارِنًا وإذا لم تَصِرْ عُمْرَةً لم يَجُزْ له ذلك
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِعَدَمِ الصِّحَّةِ على أَنَّهُ لم يَبْقَ إحْرَامُ الْحَجِّ وَإِلَّا لم يَصِحَّ وَصَارَ قَارِنًا
وَاحْتَجَّ بن عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لو جَازَ بَقَاؤُهُ لَجَازَ أَدَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِهِ في السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ إمَّا أَنْ يؤدى بِهِ حَجَّةً أو عُمْرَةً فَأَمَّا عَمَلُ عُمْرَةٍ فَلَا
فَائِدَةٌ هذه الْعُمْرَةُ التي انْقَلَبَتْ لَا تُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ وَقِيلَ تُجْزِئُ
قال في الشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامًا بِعُمْرَةٍ بِحَيْثُ يُجْزِيهِ
____________________
(4/63)
عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عليها لَصَارَ قَارِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا بِهِ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَلَبَ الْحَجَّ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ من غَيْرِ سَبَبٍ فَمَعَ الْحَاجَةِ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا
إنْ كان فَرْضًا وَجَبَ عليه الْقَضَاءُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان نَفْلًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عليه وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ عليه الْقَضَاءُ كَالْفَرْضِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وقال الزَّرْكَشِيُّ هذه الرِّوَايَةُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ فِيمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا هَدْيَ عليه
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا نَصَّ عليه
وَيَذْبَحُ الْهَدْيَ في حَجَّةِ الْقَضَاءِ إنْ قُلْنَا عليه قَضَاءٌ وَإِلَّا ذَبَحَهُ في عَامِهِ
____________________
(4/64)
قال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ كان قد سَاقَ هَدْيًا نَحَرَهُ ولم يُجْزِهِ عن دَمِ الْفَوَاتِ وَقَالَهُ بن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا
وقال الْمُصَنِّفُ لَا يُجْزِيهِ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ انْتَهَى
فَعَلَى الْأَوَّلِ مَتَى يَكُونُ قد وَجَبَ عليه فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا وَجَبَ في سَنَتِهِ وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ إخْرَاجُهُ إلَى قَابِلٍ
وَالثَّانِي لم يَجِبْ إلَّا في سَنَةِ الْقَضَاءِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ على الْأَصَحِّ قِيلَ مع الْقَضَاءِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ في عَامِهِ دَمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحٌ إلَّا مع الْقَضَاءِ إنْ وَجَبَ قبل ( ( ( قيل ) ) ) تَحَلُّلُهُ منه كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَإِلَّا في عَامِهِ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ يُخْرِجُهُ في سُنَّةِ الْفَوَاتِ فَقَطْ إنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ وَإِنْ وَجَبَ فَمَعَهُ لَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ وَجَبَ سُنَّةُ الْفَوَاتِ في وَجْهٍ أو سُنَّةُ الْقَضَاءِ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُهُ مع الْقَضَاءِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَةٌ الْهَدْيُ هُنَا دَمٌ وَأَقَلُّهُ شَاةٌ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقطعوا ( ( ( قطعوا ) ) ) بِهِ وقال في الْمُوجَزِ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ الْوُجُوبِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وقال الْخِرَقِيُّ يَصُومُ عن كل مُدٍّ من قِيمَتِهِ يَوْمًا
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في الْفِدْيَةِ في الضَّرْبِ الثَّالِثِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْهَدْيِ إذَا لم يَشْتَرِطْ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي على ما يَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ
____________________
(4/65)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اخْتَارَ من فَاتَهُ الْحَجُّ الْبَقَاءَ على إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ من قَابِلٍ فَلَهُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ليس له ذلك
الثَّانِيَةُ لو كان الذي فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا حَلَّ وَعَلَيْهِ مِثْلُ ما أَهَلَّ بِهِ من قَابِلٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُجْزِئَهُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ذِكْرِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنَّ دَمَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ على الصَّحِيحِ وما يَلْزَمُ الْقَارِنَ إذَا قَضَى قَارِنًا وإذا قَضَى مُفْرِدًا أو مُتَمَتِّعًا فَلْيُعَاوِدْ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الناس فَوَقَفُوا في غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ
سَوَاءٌ كان وُقُوفُهُمْ يوم الثَّامِنِ أو الْعَاشِرِ نَصَّ عَلَيْهِمَا
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَلْ هو يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا فيه خِلَافٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً على أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لَمَا يَطْلُعُ في السَّمَاءِ أو لِمَا يَرَاهُ الناس وَيَعْلَمُونَهُ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ عن أَحْمَدَ فيه رِوَايَتَيْنِ قال وَالثَّانِي الصَّوَابُ وَيَدُلُّ عليه لو أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ في الْعَدَدِ أو في الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ لم يُجْزِ إجْمَاعًا فَلَوْ اُغْتُفِرَ الْخَطَأُ لِلْجَمِيعِ لَا يُغْتَفَرُ لهم في هذه الصُّورَةِ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لو كان هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ وهو بِدْعَةٌ لم يَفْعَلْهُ السَّلَفُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ
وَمَنْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الرَّائِي من مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أو بِمَكَانٍ لَا تَخْتَلِفُ فيه
____________________
(4/66)
الْمَطَالِعُ فَقَوْلٌ لم يَقُلْهُ أَحَدٌ من السَّلَفِ في الْحَجِّ فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لم يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ بَلْ عليهم الْوُقُوفُ مع الْجُمْهُورِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وُقُوفٌ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا من يَرَاهُ قال وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ إنْ أَخْطَئُوا وَالْغَلَطُ في الْعَدَدِ في الرُّؤْيَةِ وَالِاجْتِهَادِ مع الْإِغْمَامِ أَجْزَأَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقِيلَ هو كَحَصْرِ الْعَدُوِّ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وقال في الِانْتِصَارِ إنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ وفي التَّعْلِيقِ فِيمَا إذَا أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ قال الْعَدَدُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ
قال في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ إنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ منهم قال بن قُتَيْبَةَ يقال إنَّ النَّفَرَ ما بين الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَقِيلَ النَّفَرُ في قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا من الْجِنِّ } سَبْعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا قال بن الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّفَرَ لَا يُطْلَقُ على الْكَثِيرِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ وَمَنَعَهُ من الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ ولم يَكُنْ له طَرِيقٌ آمِنٌ إلَى الْحَجِّ وَلَوْ بَعُدَتْ وَفَاتَ الْحَجُّ ذَبَحَ هَدْيًا في مَوْضِعِهِ وَحَلَّ
يَعْنِي يَتَحَلَّلُ بِنَحْرِ هَدْيِهِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا فَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ هُنَا لِلتَّحَلُّلِ ولم تُعْتَبَرْ في غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّ غَيْرَهُ قد أتى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ فَقَدْ أتى بِمَا عليه وَالْمُحْصَرُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ من الْعِبَادَةِ قبل إكْمَالِهَا وَالذَّبْحُ قد يَكُونُ لِغَيْرِ الْحِلِّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَحَصَرَهُ العدد ( ( ( العدو ) ) ) قبل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أو بَعْدَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ
____________________
(4/67)
وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنَّمَا ذلك إذَا كان قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الحصر ( ( ( المحصر ) ) ) عن طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلَيْسَ له أَنْ يَتَحَلَّلَ وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ أتى بِالطَّوَافِ وَتَمَّ حَجُّهُ
قَوْلُهُ ذَبَحَ هَدْيًا في مَوْضِعِهِ
يَعْنِي في مَوْضِعِ حَصْرِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَسَوَاءٌ كان مَوْضِعُهُ في الْحِلِّ أو في الْحَرَمِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا في الْحَرَمِ ويواطىء ( ( ( ويواطئ ) ) ) رَجُلًا على نَحْرِهِ في وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فيه قال الْمُصَنِّفُ هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ كان حَصْرُهُ خَاصًّا فَأَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ أَحَدٌ
وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا في الْحَرَمِ إذَا كان مُفْرِدًا أو كان قَارِنًا وَيَكُونُ يوم النَّحْرِ
قال في الْكَافِي وَكَذَلِكَ من سَاقَ هَدْيًا لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا يوم النَّحْرِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْحَرُ الْهَدْيَ إلَّا يوم النَّحْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِذَبْحِهِ التَّحَلُّلَ بِهِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ النِّيَّةُ طَلَبًا لِلتَّمْيِيزِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ذَبَحَ هَدْيًا يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ يَلْزَمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وعليه الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ بن الْقَيِّمِ في الْهَدْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ هَدْيٌ
فَائِدَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِتَحَلُّلِهِ وَهَدْيٌ لِفَوَاتِهِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ ذَبَحَ هَدْيًا وَحَلَّ أَنَّ الْحِلَّ مُرَتَّبٌ على الذَّبْحِ وهو الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَنْهُ في الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لَا يَحِلُّ إلَّا يَوْمُ النَّحْرِ لِيَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ
____________________
(4/68)
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ هَدْيًا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ حَلَّ
أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فيه وهو صَحِيحٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ فيه إطْعَامٌ وقال الْآجُرِّيُّ إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ وَأَحَبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حتى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عليه حَلَّ ثُمَّ صَامَ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْفِدْيَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو حَصَرَ عن فِعْلٍ وَاجِبٍ لم يَتَحَلَّلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِ دَمٌ له وقال الْقَاضِي يَتَوَجَّهُ فِيمَنْ حَصَرَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الثَّانِي يَتَحَلَّلُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ قال في الْفَائِقِ وقال شَيْخُنَا له التَّحَلُّلُ
الثَّانِيَةُ يُبَاحُ التَّحَلُّلُ لِحَاجَةٍ في الدَّفْعِ إلَى قِتَالٍ أو بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ فَإِنْ كان يَسِيرًا وَالْعَدُوُّ مُسْلِمٌ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ كَالزِّيَادَةِ في ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَذْلُهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُمْ إنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كلام الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْحِلَاقَ أو التَّقْصِيرَ لَا يَجِبُ هُنَا وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ في الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ ليس بِنُسُكٍ خَارِجِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ من تَوَابِعِ الْحَرَمِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ وهو ظاهر ( ( ( ظاهره ) ) ) كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ فيه رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ على أَنَّهُ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ
____________________
(4/69)
وَجَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ في الْكَافِي وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَا الرِّوَايَتَيْنِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في الْحَلْقِ هل هو نُسُكٌ أو إطْلَاقٌ من مَحْظُورٍ
وَقَدَّمَ الْوُجُوبَ في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قبل ذلك لم يَحِلَّ
وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ وفي وُجُوبِ الْقَضَاءِ على الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ
إذَا زَالَ الْحَصْرُ بِعَدَمِ تحلله ( ( ( تحلل ) ) ) وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ فِعْلُهُ في ذلك الْعَامِ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في وُجُوبِ الْقَضَاءِ عليه رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي إذَا كان نَفْلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وفي وُجُوبِ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا قَضَاءَ عليه وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ قال الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجِبُ عليه الْقَضَاءُ نَقَلَهَا أبو الْحَارِثِ وأبو طَالِبٍ وَخَرَجَ منهما ( ( ( منها ) ) ) في الْوَاضِحِ مِثْلُهُ في منذوره
فَائِدَةٌ مِثْلُ الْمُحْصَرِ في هذه الْأَحْكَامِ من جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه قَالَهُ في الِانْتِصَارِ
____________________
(4/70)
قَوْلُهُ فَإِنْ صُدَّ عن عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ
وَلَا شَيْءَ عليه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هو كَمَنْ مُنِعَ من الْبَيْتِ وَعَنْهُ هو كَحَصْرِ مَرَضٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أو ذَهَابِ نَفَقَةٍ لم يَكُنْ له التَّحَلُّلُ حتى يَقْدِرَ على الْبَيْتِ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ له التَّحَلُّلُ كَمَنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال مِثْلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مَقَامُهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا وَرَجَعَتْ ولم تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ أو لِعَجْزِهَا عنه أو لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ
قال في الْفُرُوعِ وَكَذَا من ضَلَّ الطَّرِيقَ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَتَحَلَّلُ
فَوَائِدُ
منها لَا يَنْحَرُ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ إنْ كان معه هَدْيٌ إلَّا بِالْحَرَمِ نَصَّ أَحْمَدُ على التَّفْرِقَةِ وفي لُزُومِ الْقَضَاءِ والهدى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ هذا هو الصَّحِيحُ وَأَوْجَبَ الْآجُرِّيُّ الْقَضَاءَ هُنَا
وَمِنْهَا يَقْضِي الْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ في رَقِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ في أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ
وَمِنْهَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ
____________________
(4/71)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يَصِحُّ قبل بُلُوغِهِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في أَحْكَامِ الصَّبِيِّ في أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا فَلْيُعَاوِدْ
وَمِنْهَا لو أُحْصِرَ في حَجٍّ فَاسِدٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ فَإِنْ حَلَّ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وفي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ في ذلك الْعَامِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ في الْعَامِ الذي أُفْسِدَ الْحَجُّ فيه في غَيْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ
وَقِيلَ لِلْقَاضِي لو جَازَ طَوَافُهُ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَصَحَّ إذَنْ حَجَّتَيْنِ في عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فيه ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قبل الْفَجْرِ وَيَمْضِي فيها وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ من إحْرَامِهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ منه فقال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ
وقد نَقَلَ أبو طَالِبٍ فِيمَنْ لَبَّى بِحَجَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إهْلَالٌ بِشَيْئَيْنِ لِأَنَّ الرَّمْيَ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ مع بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ انْتَهَى
وَقِيلَ يَجُوزُ في مَسْأَلَةِ الْمُحْصَرِ هذه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَمَنْ شَرَطَ في ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذلك وَلَا شَيْءَ عليه
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ معه هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ
وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ ذلك وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْإِحْرَامِ
____________________
(4/72)
بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الْإِبِلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ
يَعْنِي إذَا خَرَجَ كَامِلًا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَالْأَفْضَلُ منها الْأَسْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا ثُمَّ الْأَشْهَبُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ ثُمَّ الْأَسْوَدُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَ فيها الْبِيضَ ثُمَّ الشُّهْبَ ثُمَّ الصُّفْرَ ثُمَّ الْعُفْرَ ثُمَّ الْبُلْقَ ثُمَّ السُّودَ
وَقِيلَ عَفْرَاءُ خَيْرٌ من سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءُ خَيْرٌ من شَهْبَاءَ
قال أَحْمَدُ يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَكْرَهُ السَّوَادَ
وقال في الْكَافِي أَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ ثُمَّ ما كان أَحْسَنَ لَوْنًا
فَائِدَةٌ الْأَشْهَبُ هو الْأَمْلَحُ قال في الْحَاوِيَيْنِ الْأَشْهَبُ هو الْأَبْيَضُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَمْلَحُ ما بَيَاضُهُ أَكْثَرُ من سَوَادِهِ
فَوَائِدُ
منها جَذَعُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ من ثَنِيِّ الْمَعْزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِالضَّأْنِ
وقيل الثَّنِيُّ أَفْضَلُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في الْفَائِقِ
وَمِنْهَا كُلٌّ من الْجَذَعِ وَالثَّنِيُّ أَفْضَلُ من سُبْعِ بَعِيرٍ وَسُبْعِ بَقَرَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الْأَجْرُ على قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا
وَمِنْهَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ من كل وَاحِدٍ من الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ وَهَلْ الْأَفْضَلُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ كَالْعِتْقِ أو الْمُغَالَاةِ في الثَّمَنِ أو الْكُلُّ سَوَاءٌ قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْعَدَدُ أَفْضَلُ نَصًّا
____________________
(4/73)
وَسَأَلَهُ بن مَنْصُورٍ بَدَنَتَانِ سَمِينَتَانِ بِتِسْعَةٍ وَبَدَنَةٌ بِعَشَرَةٍ قال اثنتان أَعْجَبُ إلَيَّ
وَرَجَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَفْضِيلَ الْبَدَنَةِ السَّمِينَةِ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ عَشْرَةَ في سُنَنِ أبي دَاوُد حَدِيثٌ يَدُلُّ عليه
قَوْلُهُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ الذَّكَرُ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ الْأُنْثَى أَفْضَلُ قَدَّمَهُ في الْفُصُولِ
قُلْت الْأَسْمَنُ وَالْأَنْفَعُ من ذلك كُلِّهِ أَفْضَلُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ اسْتَوَيَا في الْفَضْلِ
قال في الْفَائِقِ وَالْخَصِيُّ رَاجِحٌ على النَّعْجَةِ نَصَّ عليه
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْخَصِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا من النَّعْجَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالْكَبْشُ في الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ من الْغَنَمِ لِأَنَّهَا أُضْحِيَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى
قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْجَذَعُ من الضَّأْنِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِمَا كان أَصْغَرَ من الْجَذَعِ من الضَّأْنِ لِمَنْ ذَبَحَ قبل صَلَاةِ الْعِيدِ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُ ما يُعْتَدُّ بِهِ في الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِقِصَّةِ أبي بُرْدَةَ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَنْ تُجْزِئَ عن أَحَدٍ بَعْدَك أَيْ بَعْدَ ذلك
____________________
(4/74)
قَوْلُهُ وهو ما له سِتَّةُ أَشْهُرٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في الْإِرْشَادِ وَلِلْجَذَعِ ثَمَانُ شُهُورٍ
قَوْلُهُ وَثَنِيُّ الْإِبِلِ ما كَمُلَ له خَمْسُ سِنِينَ وَمِنْ الْبَقَرِ ما له سَنَتَانِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْإِرْشَادِ لِثَنِيِّ الْإِبِلِ سِتُّ سِنِينَ كَامِلَةً وَلِثَنِيِّ الْبَقَرِ ثَلَاثُ سِنِينَ كَامِلَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يجزئ ( ( ( يجيء ) ) ) أَعْلَى سِنًّا مِمَّا تَقَدَّمَ قال في الْفُرُوعِ وَيُجْزِئُ أَعْلَى سِنًّا التَّنْبِيهُ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ عن وَاحِدٍ وحكى رِوَايَةً
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ جَذَعُ إبِلٍ أو بَقَرٍ عن وَاحِدٍ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
وَسَأَلَهُ حَرْبٌ أتجزىء ( ( ( أتجزئ ) ) ) عن ثَلَاثٍ قال يُرْوَى عن الْحَسَنِ وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فيه انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ تُجْزِئُ بِنْتُ مَخَاضٍ عن وَاحِدٍ قال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ تُجْزِئُ بِنْتُ الْمَخَاضِ عن وَاحِدٍ
الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُ بَقَرُ الْوَحْشِ في الْأُضْحِيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالزَّكَاةِ قال في الْفُرُوعِ لَا يُجْزِئُ في هَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ في أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ يُجْزِئُ
قَوْلُهُ وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عن الْوَاحِدِ
بِلَا نِزَاعٍ وَتُجْزِئُ عن أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ في الثَّوَابِ لَا في الْإِجْزَاءِ
____________________
(4/75)
قَوْلُهُ وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عن سَبْعٍ سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمْ الْقُرْبَةَ أو بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَلَوْ كان بَعْضُهُمْ ذِمِّيًّا في قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَهُ الْقَاضِي
وَقِيلَ لِلْقَاضِي الشَّرِكَةُ في الثَّمَنِ تُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْطًا من اللَّحْمِ وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا إفْرَازٌ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على الْمَنْعِ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ انْتَهَى
قال في الرِّعَايَةِ وَلَهُمْ قِسْمَتُهَا إنْ جَازَ إبْدَالُهَا وَقِيلَ أو حَرُمَ وَقُلْنَا هِيَ إفْرَازُ حَقٍّ وَإِلَّا مَلَّكَهُ رَبُّهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَبَاعُوهُ إنْ شاؤوا انْتَهَى
فَوَائِدُ
الْأُولَى نَقَلَ أَحْمَدُ في ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا في بَدَنَةِ أُضْحِيَّةٍ وَقَالُوا من جَاءَنَا يُرِيدُ أُضْحِيَّةً شَارَكْنَاهُ فَجَاءَ قَوْمٌ فَشَارَكُوهُمْ قال لَا تُجْزِئُ إلَّا عن الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ أوجبوها ( ( ( أوجبوه ) ) ) عن أَنْفُسِهِمْ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ من الْأَصْحَابِ من جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ على رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ من جَعَلَهَا على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَجَوَّزَ الشَّرِكَةَ قبل الْإِيجَابِ وَمَنَعَ منها بَعْدَ الْإِيجَابِ
قُلْت وَهَذَا اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ وَاقْتَصَرَ عليه الزَّرْكَشِيُّ فقال الِاعْتِبَارُ أَنْ يَشْتَرِك الْجَمِيعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ في بَقَرَةٍ وَذَكَرَ مَعْنَى النَّصِّ لم يُجْزِ إلَّا عن الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لو اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ في بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ لِلتَّضْحِيَةِ فَذَبَحُوهَا على أنهم ( ( ( أنه ) ) ) سَبْعَةٌ فَبَانُوا ثَمَانِيَةً ذَبَحُوا شَاةً وَأَجْزَأَتْهُمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ بن الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في التَّلْخِيصِ في مَوْضِعٍ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/76)
وَنَقَلَ مُهَنَّا تُجْزِئُ عن سَبْعَةٍ وَيَرْضَوْنَ الثَّامِنَ ويضحى وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
قال الشِّيرَازِيُّ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا تُجْزِئُ عن الثَّامِنِ وَيُعِيدُ عن الْأُضْحِيَّةِ
الثَّالِثَةُ لو اشْتَرَكَ اثْنَانِ في شَاتَيْنِ على الشُّيُوعِ أَجْزَأَ على الصَّحِيحِ قال في التَّلْخِيصِ أَشْبَهَ الْوَجْهَيْنِ الْإِجْزَاءُ فَقَاسَهُ على قَوْلِ الْأَصْحَابِ في التي قَبْلَهَا
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ
الرَّابِعَةُ لو اشْتَرَى رَجُلٌ سُبْعَ بَقَرَةٍ ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ على أَنْ يضحى بِهِ لم يُجْزِهِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هو لَحْمٌ اشْتَرَاهُ وَلَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ ولايجزىء ( ( ( ولا ) ) ) فِيهِمَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا
بِلَا نِزَاعٍ قال الْأَصْحَابُ هِيَ التي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا وَذَهَبَتْ فَإِنْ كان بها بَيَاضٌ لَا يَمْنَعُ النَّظَرَ أَجْزَأَتْ وَإِنْ أَذْهَبَ الضَّوْءَ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ فَفِي الْإِجْزَاءِ بها رِوَايَتَانِ في الْخِلَافِ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا لَا تُجْزِئُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ أَصَحُّهُمَا لَا تُجْزِئُ عِنْدِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ
الثَّانِي تُجْزِئُ قال الزَّرْكَشِيُّ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْإِجْزَاءُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَصَّ أَحْمَدُ تُجْزِئُ
قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ كان على عَيْنِهَا بَيَاضٌ ولم يُذْهِبْ الضَّوْءَ جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بها لِأَنَّ عَوَرَهَا ليس بِبَيِّنٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ من طَرِيقِ أَوْلَى أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/77)
قُلْت لو نُقِلَ الْخِلَافُ الذي في الْعَوْرَاءِ التي عليها بَيَاضٌ أَذْهَبَ الضَّوْءَ فَقَطْ إلَى الْعَمْيَاءِ لَكَانَ مُتَّجَهًا
قَوْلُهُ وَلَا تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلَعُهَا فَلَا تَقْدِرُ على الْمَشْيِ مع الْغَنَمِ
لَا تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا في الْجُمْلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا في مِقْدَارِ ما يَمْنَعُ من الْإِجْزَاءِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ التي لَا تَقْدِرُ على الْمَشْيِ مع الْغَنَمِ وَمُشَارَكَتِهِمْ في الْعَلَفِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ هِيَ التي لَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَّبِعَ الْغَنَمَ إلَى الْمَنْحَرِ
وقال أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي هِيَ التي لَا تُطِيقُ أَنْ تَبْلُغَ النُّسُكَ فَإِنْ كانت تَقْدِرُ على الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ أَجْزَأَتْ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْعِيبِ هِيَ التي لَا تَقْدِرُ على الْمَشْيِ مع جِنْسِهَا قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تُجْزِئُ وَذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ
قَوْلُهُ وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا
سَوَاءٌ كانت بِجَرَبٍ أو غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وما بِهِ مَرَضٌ مُفْسِدٌ لِلَّحْمِ كَجَرْبَاءَ
وقال الْخِرَقِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ هِيَ التي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا
وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمْ الْمَرِيضَةُ هِيَ الْجَرْبَاءُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مَثَلًا من الْأَمْثِلَةِ لَا أَنَّ الْمَرَضَ مَخْصُوصٌ بِالْجَرَبِ وهو أَوْلَى فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ
____________________
(4/78)
قَوْلُهُ وَالْعَضْبَاءُ هِيَ التي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أو قَرْنُهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ هِيَ التي ذَهَبَ ثُلُثُ قَرْنِهَا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ وذكر الْخَلَّالُ أنهم ( ( ( أنهما ) ) ) اتَّفَقُوا أَنَّ نِصْفَهُ أو أَكْثَرَ لَا يُجْزِئُ
وَقِيلَ فَوْقَ الثُّلُثِ لَا يُجْزِئُ قَالَهُ الْقَاضِي الْجَمْعُ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً وَكَوْنُ الْعَضْبَاءِ لَا تُجْزِئُ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجُوزُ أَعْضَبُ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ في صِحَّةِ الْخَبَرِ نَظَرًا وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذلك لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يُؤْكَلُ وَالْأُذُنُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهَا غَالِبًا ثُمَّ هِيَ كَقَطْعِ الذَّنَبِ وَأَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ
قُلْت هذا الِاحْتِمَالُ هو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ أو شَقٍّ أو قَطْعٍ لِأَقَلَّ من النِّصْفِ
وَكَذَا الْأَقَلُّ من الثُّلُثِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ في أَقَلَّ من الثُّلُثِ وفي الْخَرْقِ وَالشَّقِّ
وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ إجْزَاءِ ما ذَهَبَ ثُلُثُ أُذُنِهَا أو قَرْنُهَا
وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ ما ذَهَبَ منه أَكْثَرُ من الثُّلُثِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ ما ذَهَبَ أَقَلُّ ثُلُثِ أُذُنِهَا أو قَرْنِهَا وَلَا الْمَعِيبَةُ بِخَرْقٍ أو شَقٍّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لَا تُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ وَهِيَ ما قُطِعَ شَيْءٌ من مُقَدَّمِ أُذُنِهَا وَلَا بِمُدَابَرَةٍ وَهِيَ ما كان ذلك من خَلْفِ أُذُنِهَا وَلَا شَرْقَاءَ وَهِيَ ما شَقَّ الْكَيُّ أُذُنُهَا وَلَا خَرْقَاءُ وَهِيَ ما ثَقَبَ الْكَيُّ أُذُنَهَا وَحَمَلَهُ الْأَصْحَابُ على نَهْيِ التَّنْزِيهِ
____________________
(4/79)
فَوَائِدُ
الْأُولَى ذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّ الْهَتْمَاءَ لَا تُجْزِئُ قال في التَّلْخِيصِ لم أَعْثُرْ لِأَصْحَابِنَا فيها بِشَيْءٍ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أنها لَا تُجْزِئُ وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تُجْزِئُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
إذَا عُلِمْت ذلك فَالْهَتْمَاءُ هِيَ التي ذَهَبَتْ ثَنَايَاهَا من أَصْلِهَا قَالَهُ في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هِيَ التي سَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهَا
الثَّانِيَةُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيِّ لَا تُجْزِئُ الْعَصْمَاءُ وَهِيَ التي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا
الثَّالِثَةُ لو قُطِعَ من الْأَلْيَةِ دُونَ الثُّلُثِ فَنَقَلَ جَعْفَرٌ فيه لَا بَأْسَ بِهِ وَنَقَلَ هَارُونُ كُلُّ ما في الْأُذُنِ وَغَيْرِهِ من الشَّاةِ دُونَ النِّصْفِ لَا بَأْسَ بِهِ
قال الْخَلَّالُ رَوَى هَارُونُ وَحَنْبَلٌ في الْأَلْيَةِ ما كان دُونَ النِّصْفِ أَيْضًا قال فَهَذِهِ رُخْصَةٌ في الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَاخْتِيَارُ أبي عبد اللَّهِ لَا بَأْسَ بِكُلِّ نَقْصٍ دُونَ النِّصْفِ وَعَلَيْهِ أَعْتَمِدُ قال وَرَوَى الْجَمَاعَةُ التَّشْدِيدَ في الْعَيْنِ وَأَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً
الرَّابِعَةُ الْجَدَّاءُ وَالْجَدْبَاءُ وَهِيَ التي شَابَ وَنَشَفَ ضَرْعُهَا وَجَفَّ لَا تُجْزِئُ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ والفائق ( ( ( والتلخيص ) ) ) وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ وَالْبَتْرَاءُ وَالْخَصِيُّ
أَمَّا الْجَمَّاءُ وَهِيَ التي لَا قَرْنَ لها على الصَّحِيحِ وَقِيلَ هِيَ التي انْكَسَرَ كُلُّ قَرْنِهَا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وقال بن الْبَنَّا هِيَ التي لم يُخْلَقْ لها قَرْنٌ وَلَا أُذُنٌ
____________________
(4/80)
فَتُجْزِئُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال بن حَامِدٍ لَا تُجْزِئُ الْجَمَّاءُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
فَائِدَةٌ لو خُلِقَتْ بِلَا أُذُنٍ فَهِيَ كَالْجَمَّاءِ قَالَهُ في الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ في الرِّعَايَةِ بِالْإِجْزَاءِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن الْبَنَّا
وَأَمَّا الْبَتْرَاءُ وَهِيَ التي لَا ذَنَبَ لها فَتُجْزِئُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ نَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يُضَحَّى بِأَبْتَرَ وَلَا بِنَاقِصَةِ الْخَلْقِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالْبَتْرَاءِ ما قُطِعَ ذَنَبُهَا
وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ في التَّلْخِيصِ فإنه قال هِيَ الْمَبْتُورَةُ الذَّنَبِ قال في الرِّعَايَةِ وَالْبَتْرَاءُ الْمَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ وَقِيلَ هِيَ التي لَا ذَنَبَ لها خِلْقَةً
وَأَمَّا الْخَصِيُّ وهو الذي قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ أو سُلِتَا فَقَطْ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُجْزِئُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْعُمْدَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لو رُضَّتْ خُصْيَتَاهُ أَيْضًا
وَلَوْ كان خَصِيًّا مَجْبُوبًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَيُجْزِئُ الْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَقِيلَ يُجْزِئُ جَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَفَسَّرَ الْخَصِيَّ بِمَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(4/81)
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَقِيلَ لِلْقَاضِي في الْخِلَافِ الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ فَكَذَلِكَ في الزَّكَاةِ وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ فقال الْقَصْدُ من الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ وَالْقَصْدُ من الزَّكَاةِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالْحَامِلُ أَقْرَبُ إلَى ذلك من الْحَائِلِ فَأَجْزَأَتْ
قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَفْعَلُ كَيْفَ شَاءَ بَارِكَةً وَقَائِمَةً
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَقُولُ عِنْدَ ذلك بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ هذا مِنْك وَلَك
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذلك وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وبن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ على جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ حين يُحَرِّكُ يَدَهُ بِالْقَطْعِ وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ من فُلَانٍ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يقول اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كما تَقَبَّلْت من إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَيَقُولُ إذَا ذَبَحَ وَجَّهْت وَجْهِي إلَى قَوْلِهِ وأنا من الْمُسْلِمِينَ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ
جَوَازُ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لها وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في غَيْرِ الْإِبِلِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(4/82)
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُهُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْإِرْشَادِ وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وقال الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا جَوَازُ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ على الْيَهُودِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْنَا زَادَ الشَّرِيفُ أو على كِتَابِيٍّ نَصْرَانِيٍّ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى هذا أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ على الْقَوْلِ بِحِلِّ الشُّحُومِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الشُّحُومِ فَلَا يَلِي الْيَهُودَ بلا نِزَاعَ
قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا بيده كان أَفْضَلَ
بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عليه فَإِنْ لم يَفْعَلْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوَكِّلَ في الذَّبْحِ وَيَشْهَدَهُ نَصَّ عليه
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ عَجَزَ عن الذَّبْحِ أَمْسَكَ بيده السِّكِّينَ حَالَ الْإِمْرَارِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَشْهَدْهَا وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ وَكَّلَ في الذَّبْحِ اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ من الْمُوَكِّلِ إذَنْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لَا تَسْمِيَةُ الْمُضَحَّى عنه
وقال في الْمُفْرَدَاتِ تُعْتَبَرُ فيها النِّيَّةُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ وَكَّلَ في الذَّكَاةِ من يَصِحُّ منه نَوَى عِنْدَهَا أو عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَتَكْفِي نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ فَمَنْ أَرَادَ الذَّكَاةَ نَوَى إذَنْ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَوَقْتُ الذَّبْحِ يوم الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أو قَدْرِهَا
ظَاهِرُ هذا أَنَّهُ إذَا دخل وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ فَقَدْ دخل وَقْتُ الذَّبْحِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُ ذلك وَلَا فَرْقَ في هذا بين أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَغَيْرِهِمْ قَالَهُ الشَّارِحُ
____________________
(4/83)
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ أَمَّا وَقْتُ الذَّبْحِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا إذَا مَضَى أَحَدُ أَمْرَيْنِ من صَلَاةِ الْعِيدِ أو قَدْرِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذلك بِلَفْظٍ أو وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ ولم يُفَرِّقْ بين من تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدِ في مَوْضِعِ ذَبْحِهِ أو لم تَقُمْ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَقَطْ في حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيِّ وبن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ فَلَوْ سَبَقَتْ صَلَاةُ إمَامٍ في الْبَلَدِ جَازَ الذَّبْحُ
وَعَنْهُ وَقْتُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي
وقال الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقْتُهُ قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَةِ فلم يَشْتَرِطْ الْفِعْلَ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ ذَكَرَهَا في الرَّوْضَةِ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ الذَّبْحُ قبل الْإِمَامِ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى
وَقِيلَ ذلك مَخْصُوصٌ بِبَلَدِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ فقال وَعَنْهُ إذَا ضَحَّى الْإِمَامُ في بَلَدِهِ ضَحَّوْا انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ
تَنْبِيهٌ تَابَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا أَبَا الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَعِبَارَتُهُ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ كَذَلِكَ
فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَنْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَابِعُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ للمذهب ( ( ( المذهب ) ) ) وَأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَعْنِي في حَقِّ من يُصَلِّيهَا وَقَوْلُهُ أو قَدْرِهَا في حَقِّ من لم يُصَلِّ وَتَكُونُ أو في كَلَامِهِ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لم يَحْكِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ هذا الْقَوْلَ ولم يُعَرِّجْ عليه
____________________
(4/84)
وقد قال في النَّظْمِ
% وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أو % بَعْدَ قَدْرِهَا لِمَنْ لم يُصَلِّ %
وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا
فَغَايَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ فيه إضْمَارٌ مَعْلُومٌ وهو كَثِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ إذْ يَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ حَكَاهُ قَوْلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوَهَّمَ ذلك فَحَكَاهُ قَوْلًا
فَائِدَةٌ حُكْمُ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَا صَلَاةَ عليهم وَمَنْ في حُكْمِهِمْ كَأَصْحَابِ الطُّنُبِ والخركاوات ( ( ( الخركاوات ) ) ) وَنَحْوِهِمْ في وَقْتِ الذَّبْحِ حُكْمُ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْنَا وَقْتُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ في حَقِّهِمْ فَقَدْرُهَا في حَقِّ من لَا تَجِبُ عليه كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَقَدْرُهَا كَذَلِكَ في حَقِّهِمْ وَإِنْ قُلْنَا مع ذلك ذَبَحَ الْإِمَامُ اُعْتُبِرَ قَدْرُ ذلك أَيْضًا وقد عَلِمْت الْمَذْكُورَ ذلك فَكَذَا الْمَذْهَبُ هُنَا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الزَّرْكَشِيُّ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْقَاضِي على ذلك وقال في التَّرْغِيبِ هو كَغَيْرِهِ في الْأَصَحِّ
وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ لَا صَلَاةَ عليهم لِقِلَّتِهِمْ وَمَنْ في حُكْمِهِمْ فَأَوَّلُ وَقْتِهِمْ ذلك الْوَقْتُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وفي الْآخَرِ أَنْ يَمْضِيَ من يَوْمِ الْعِيدِ مِقْدَارُ ذلك
وقال في الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ في اهل الْأَمْصَارِ وَمَنْ في حُكْمِهِمْ من أَهْلِ الْقُرَى وهو وَقْتٌ لِأَهْلِ الْبَرِّ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي مِقْدَارُهُ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقْتُ الذَّبْحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقِيلَ أو قَدْرُهَا لِأَهْلِ الْبَرِّ
____________________
(4/85)
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقْتُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أو قَدْرُهَا لِأَهْلِ الْبِرِّ
وَقِيلَ وَغَيْرُهُمْ
وقال في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ في الْمُغْنِي
قُلْت قَطَعَ بِهِ في الْكَافِي
تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَدْرَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فقال الزَّرْكَشِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ ذلك بِمُتَوَسِّطِ الناس وأبو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَخُطْبَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ في أَخَفِّ ما يَكُونُ
فَوَائِدُ
منها إذَا لم يُصَلِّ الْإِمَامُ في الْمِصْرِ لم يَجُزْ الذَّبْحُ حتى تَزُولَ الشَّمْسُ عِنْدَ من اعْتَبَرَ نَفْسَ الصَّلَاةِ فإذا زَالَتْ جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال بن عَقِيلٍ الذَّبْحُ يَتْبَعُ الصَّلَاةَ قَضَاءً كما يَتْبَعُهَا أَدَاءً ما لم يُؤَخَّرْ عن أَيَّامِ الذَّبْحِ فَيَتْبَعُ الْوَقْتَ ضَرُورَةً
وَمِنْهَا حُكْمُ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ في وَقْتِ الذَّبْحِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ
وَتَقَدَّمَ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهَا في أَوَاخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ
وَتَقَدَّمَ وَقْتُ ذَبْحِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ في بَابِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَجِبُ على الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ
وَمِنْهَا لو ذَبَحَ قبل وَقْتِ الذَّبْحِ لم يَجُزْ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ ما شَاءَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَالْأُضْحِيَّةِ وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْوَاجِبِ
قَوْلُهُ إلَى آخِرِ يَوْمَيْنِ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(4/86)
وقال في الْإِيضَاحِ آخِرُهُ آخِرُ يَوْمٍ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاخْتَارَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الِاخْتِيَارَاتِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ فإن كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ
فَائِدَةٌ أَفْضَلُ وَقْتِ الذَّبْحِ أَوَّلُ يَوْمٍ من وَقْتِهِ ثُمَّ ما يَلِيهِ
قُلْت وَالْأَفْضَلُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَذَبْحِ الْإِمَامِ إنْ كان
قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ في لَيْلَتِهِمَا في قَوْلِ الْخِرَقِيِّ
وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ منهم الْخَلَّالُ قال وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي
وقال غَيْرُهُ يُجْزِئُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم ( ( ( منه ) ) ) الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ قال بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ يُكْرَهُ ذَبْحُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَيْلًا في أَوَّلِ يَوْمٍ وَلَا يُكْرَهُ ذلك في الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرِينَ
قُلْت الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لَيْلًا مُطْلَقًا
قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً وَسَقَطَ التَّطَوُّعَ
فإذا ذَبَحَ الْوَاجِبَ كان حُكْمُهُ حُكْمَ أَصْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال في التَّبْصِرَةِ يَكُونُ لَحْمًا يَتَصَدَّقُ بِهِ لَا أُضْحِيَّةً في الْأَصَحِّ
____________________
(4/87)
قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ هذا هَدْيٌ أو بِتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ مع النِّيَّةِ وَالْأُضْحِيَّةُ بِقَوْلِهِ هذه أُضْحِيَّةٌ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ هذا لِلَّهِ وَنَحْوِهِ من أَلْفَاظِ النَّذْرِ هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا واختاره الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وقال في الْكَافِي إنْ قَلَّدَهُ أو أَشْعَرَهُ وَجَبَ كما لو بَنَى مَسْجِدًا وَأَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فيه ولم يذكر النِّيَّةَ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ خَالَفَ أبو مُحَمَّدٍ الْأَصْحَابَ فقال يُؤْخَذُ بِهِ جَازِمًا بِهِ وقال لَا يُتَابَعُ الْمُصَنِّفُ على كَوْنِ ذلك الْمَذْهَبِ
وَقَطَعَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذلك إلَّا بِالْقَوْلِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ أو بِالنِّيَّةِ فَقَطْ وَقِيلَ مع تَقْلِيدٍ وَإِشْعَارٍ
وقال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ يَعْنِي قَوْلَهُ وَقِيلَ أو بِالنِّيَّةِ فَقَطْ إذْ ظَاهِرُ ذلك أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مع النِّيَّةِ على هذا الْقَوْلِ وَلَا بِقَوْلِهِ هذا هَدْيٌ أو أُضْحِيَّةٌ وهو كما قال
قال في الْفُرُوعِ فإن هذا الْقَوْلَ هو احْتِمَالُ لأبي ( ( ( أبي ) ) ) الْخَطَّابِ وَيَأْتِي قَرِيبًا ولم يذكر لَفْظَةَ فَقَطْ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ولا في غَيْرِهَا
وقال في الْمُوجِزِ وَالتَّبْصِرَةِ إذَا أَوْجَبَهَا بِلَفْظِ الذَّبْحِ نحو لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهَا لَزِمَهُ ذَبْحُهَا وَتَفْرِيقُهَا على الْفُقَرَاءِ وهو مَعْنَى قَوْلِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ هذه الشَّاةِ ثُمَّ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لها
____________________
(4/88)
قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى حَالَ الشِّرَاءِ لم يَتَعَيَّنْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ بِالشِّرَاءِ مع النِّيَّةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الْفَائِقِ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ كما تقدم ( ( ( قدم ) ) )
قَوْلُهُ وإذا تَعَيَّنَتْ لم يَجُزْ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهَا بِخَيْرٍ منها
قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رحمة اللَّهُ عليه أَنَّ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ إذَا تَعَيَّنَا لم يَجُزْ بَيْعُهُمَا وَلَا هِبَتُهُمَا إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا بِخَيْرٍ منهما ( ( ( منهم ) ) ) وهو أَحَدُ الْأَقْوَالِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْمُحَرَّرِ فَإِنْ نَذَرَهَا ابْتِدَاءً بِعَيْنِهَا لم يَجُزْ إبْدَالُهَا إلَّا بِخَيْرٍ منها انْتَهَى
وَقَطَعَ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بِجَوَازِ إبْدَالِهَا بِخَيْرٍ منها وقال نَصّ عليه
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ له نَقْلُ الْمِلْكِ فيه وَشِرَاءُ خَيْرٍ منه نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْهِدَايَةِ اخْتَارَهُ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا
قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ عليه عَامَّةُ الْأَصْحَابِ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ ذلك لِمَنْ ضَحَّى دُونَ غَيْرِهِ قال بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ إنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يضحى بها صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ انْتَهَى
وَعَنْهُ أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِالْيَقِينِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا وَلَا غَيْرُهُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَخِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَاسْتَشْهَدَ في الْهِدَايَةِ بِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ تَشْهَدُ لِذَلِكَ
____________________
(4/89)
فَعَلَى هذا لو عَيَّنَهُ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ لم يَمْلِكْ الرَّدَّ وَيَمْلِكُهُ على الْأَوَّلِ
وَعَلَيْهِمَا إنْ أَخَذَ أَرْشَهُ فَهَلْ هو له أو هو كَزَائِدٍ عن الْقِيمَةِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَقَدَّمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الزَّائِدِ عن قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ له وَقِيلَ بَلْ لِلْفُقَرَاءِ وَقِيلَ بَلْ يَشْتَرِي لهم بِهِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ فَسَهْمًا من بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلَحْمًا
قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَجْهًا أَنَّ التَّصَرُّفَ في أُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَهَدْيٍ قال وهو سَهْوٌ
فَوَائِدُ
إحداها لو بَانَ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ تَعَيُّنِهِ لَزِمَهُ بَدَلُهُ نَقَلَهُ على بن سَعِيدٍ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه كَأَرْشٍ
الثَّانِيَةُ قال في الْفَائِقِ يَجُوزُ إبْدَالُ اللَّحْمِ بِخَيْرٍ منه نَصَّ عليه وَذَكَرَهُ الْقَاضِي
الثَّالِثَةُ لو أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ منه الْقِيمَةُ أو بَاعَهَا من أَوْجَبَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أو بِالثَّمَنِ مِثْلَهَا فَهَلْ تَصِيرُ مُتَعَيِّنَةً بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ يُخَرَّجُ على وَجْهَيْنِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في آخِرِ الرَّهْنِ وَالْوَقْفِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا بِخَيْرٍ منه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بمثله وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كان في الْهَدْيِ أو الْأُضْحِيَّةِ وَسَوَاءً كان في الْإِبْدَالِ أو الشِّرَاءِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَجُوزُ بمثله نَصَّ عليه قال الْإِمَامُ احمد ما لم يَكُنْ أَهْزَلَ وَهُمَا
____________________
(4/90)
احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ
الثاني ( ( ( الثانية ) ) ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَهُ رُكُوبُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ من غَيْرِ ضَرَرٍ بها جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَضْمَنُ نَقْصَهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ يَضْمَنُ إنْ رَكِبَهَا بَعْدَ الضَّرُورَةِ وَنَقَصَ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدُهَا مَعَهَا بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ عَيَّنَهَا حَامِلًا أو حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ فَلَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ وَلَدِهَا وَسَوْقِهِ فَهُوَ كَالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ على ما يَأْتِي
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَلَا يَشْرَبُ من لَبَنِهَا إلَّا ما فَضَلَ عن وَلَدِهَا بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ حَرُمَ وضمنه
الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ وَيَجُزُّ صُوفَهَا وَوَبَرَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ كان أَنْفَعَ لها
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ زَادَ في الْمُسْتَوْعِبِ يتصدق ( ( ( تصدق ) ) ) بِهِ نَدْبًا وقال في الرَّوْضَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ كانت نَذْرًا وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَيُسْتَحَبُّ له الصَّدَقَةُ بِالشَّعْرِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ أَنَّ اللَّبَنَ وَالصُّوفَ لَا يَدْخُلَانِ في الْإِيجَابِ
____________________
(4/91)
وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا إذَا لم يَضُرَّ بِالْهَدْيِ وَكَذَلِكَ قال صَاحِبُ التَّلْخِيصِ في اللَّبَنِ
قَوْلُهُ وَلَا يعطى الْجَازِرَ أُجْرَتَهُ شيئا منها
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ إنْ دُفِعَ إلَيْهِ على سَبِيلِ الصَّدَقَةِ أو الْهَدِيَّةِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا وَجُلِّهَا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا خِلَافَ في الِانْتِفَاعِ بجلودها ( ( ( بجلودهما ) ) ) وَجِلَالِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ لَا يَنْتَفِعُ بِمَا كان وَاجِبًا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ وَغَيْرُهُمَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ
وَجَزَمَ في الْفُصُولِ والمستوعب ( ( ( المستوعب ) ) ) وَغَيْرِهِمَا يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ وَلَا يبقى منها لَحْمًا وَلَا جِلْدًا وَلَا غَيْرُهُ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِجِلَالِهَا
قَوْلُهُ وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا شيئا منها
يَحْرُمُ بَيْعُ الْجِلْدِ وَالْجَلِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا هو الْمَشْهُورُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَجَزَمَ به في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَجُوزُ ويشترى بِهِ آلَةَ الْبَيْتِ لَا مَأْكُولًا قال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْغِرْبَالِ وَالْمُنْخُلِ وَنَحْوِهِمَا فَيَكُونُ إبْدَالًا بِمَا يَحْصُلُ منه مَقْصُودُهُمَا كما أَجَزْنَا إبْدَالَ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى
____________________
(4/92)
وَقَطَعَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وقال نَصَّ عليه وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أُضْحِيَّةً وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا من الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ دُونَ الشَّاةِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ له بَيْعُ سَوَاقِطِ الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّدَقَةُ بِالثَّمَنِ قال قُلْت وَكَذَا الْهَدْيُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ فَلَا شَيْءَ عليه فيها
وَلَوْ كانت وَاجِبَةً هذا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ ذَبْحُهُ لم يُعَيِّنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ له بَيْعَهُ عِنْدَنَا
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ إنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عنه كما لو نَحَرَهُ وَقَبَضَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا ذَابِحٌ في وَقْتِهَا بِغَيْرِ إذْنٍ أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ على ذَابِحِهَا
وإذا ذَبَحَهَا غَيْرُ رَبِّهَا فَتَارَةً يَنْوِيهَا عن صَاحِبِهَا وَتَارَةً يُطْلِقُ وَتَارَةً يَنْوِيهَا عن نَفْسِهِ فَإِنْ نَوَى ذَبْحَهَا عن صَاحِبِهَا أَجْزَأَتْ عنه وَلَا ضَمَانَ على ذَابِحِهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ أَرْشِ ما بين قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَذْبُوحَةً
وَإِنْ ذَبَحَهَا وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الْإِجْزَاءُ وَعَدَمُ الضَّمَانِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ وَقَالَهُ في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَإِنْ ذَبَحَهَا وَنَوَى عن نَفْسِهِ فَفِي الْإِجْزَاءِ عن صَاحِبِهَا وَالضَّمَانِ رِوَايَتَانِ
____________________
(4/93)
ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا لَا تُجْزِئُ وَيَضْمَنُهَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تُجْزِئُ مُطْلَقًا وَلَا ضَمَانَ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ فُضُولِيٍّ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ حَكَى الْقَاضِي في الْأُضْحِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ تَنْزِلَانِ على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ لَا على اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ فَإِنْ نَوَى الذَّابِحُ بِالذَّبْحِ عن نَفْسِهِ مع عِلْمِهِ بِأَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ لم يُجْزِئْهُ لِغَصْبِهِ وَاسْتِيلَائِهِ على مَالِ الْغَيْرِ وَإِتْلَافِهِ له عُدْوَانًا وَإِنْ كان الذَّابِحُ يَظُنُّ أنها أُضْحِيَّةٌ لِاشْتِبَاهِهَا عليه أَجْزَأَتْ عن الْمَالِكِ وقد نَصَّ أَحْمَدُ على الصُّورَتَيْنِ في رِوَايَةِ أبي الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا مُصَرِّحًا بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ الْخَلَّالُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَعَقَدَ لَهُمَا بَابَيْنِ مُفْرَدَيْنِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ على هذه الرِّوَايَةِ أَنْ يَلِيَ رَبُّهَا تَفْرِقَتَهَا
وقال في الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ واما إذَا فَرَّقَ الْأَجْنَبِيُّ اللَّحْمَ فقال الْأَصْحَابُ لَا يُجْزِئُ وأبدى ( ( ( أبدى ) ) ) بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ احْتِمَالًا بِالْإِجْزَاءِ وَمَالَ إلَيْهِ بن رَجَبٍ وَقَوَّاهُ وَإِنْ لم يُفَرِّقْهَا ضَمِنَ الذَّابِحُ قِيمَةَ اللَّحْمِ
فَإِنْ كان على رِوَايَةِ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ يَعُودُ مِلْكًا قال في الْفُرُوعِ وقد ذَكَرَ الْأَصْحَابُ في كل تَصَرُّفِ غَاصِبٍ حُكْمِيٍّ عِبَادَةً وَعَقَدَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى
قال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ إذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً وَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَجْزَأَتْ عن صَاحِبِهَا ولم يَضْمَنْ الذَّابِحُ شيئا نَصَّ عليه
وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بين أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً أو عن وَاجِبٍ في الذِّمَّةِ
وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بين ما وَجَبَ في الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِ وقال الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا في
____________________
(4/94)
الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لها نِيَّةُ الْمَالِكِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ يَضْمَنُ ما بين كَوْنِهَا حَيَّةً إلَى مَذْبُوحَةً ذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا
بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا يوم تَلَفِهَا قال الشَّارِحُ وَجْهًا وَاحِدًا فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا على ثَمَنِ مِثْلِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ ما لو أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا على ما يَأْتِي فَإِنْ لم تَبْلُغْ الْقِيمَةُ ثَمَنَ الْأُضْحِيَّةِ فَالْحُكْمُ فيه على ما يَأْتِي فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا رَبُّهَا وقال في الْفُرُوعِ ضَمِنَ ما بين كَوْنِهَا حَيَّةً إلَى كَوْنِهَا مَذْبُوحَةً ذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ من مِثْلِهَا أو قِيمَتِهَا
وَلَا خِلَافَ في ضَمَانِ صَاحِبِهَا إذَا أَتْلَفَهَا مُفَرِّطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا في مِقْدَارِ الضَّمَانِ
فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ من مِثْلِهَا أو قِيمَتِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالْقِيمَةِ يوم التَّلَفِ فَيُصْرَفُ في مِثْلِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ
فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ من الْإِيجَابِ إلَى التَّلَفِ وهو الصَّحِيحُ على هذا الْقَوْلِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ
____________________
(4/95)
وقال في التَّبْصِرَةِ من الْإِيجَابِ إلَى النَّحْرِ
وَقِيلَ من التَّلَفُ إلَى وُجُوبِ النَّحْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ
قال في الْقَوَاعِدِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ من يَوْمِ الْإِتْلَافِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ أو من حِينِ التَّلَفِ إلَى جَوَازِ الذَّبْحِ عِنْدَ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالشِّيرَازِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى
ولم أَرَ ذلك عَمَّنْ ذَكَرَ
قوله فَإِنْ ضمنها ( ( ( ضمنهما ) ) ) بِمِثْلِهَا وَأَخْرَجَ فَضْلَ الْقِيمَةِ جَازَ وَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً أو سُبْعَ بَدَنَةٍ
بلا نِزَاعَ لَكِنْ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاويين ( ( ( الحاويين ) ) ) وَغَيْرِهِمْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ فَسَهْمًا من بَدَنَةٍ انْتَهَى
وقال في الْمُحَرَّرِ كَالْمُصَنِّفِ فَإِنْ لم يَبْلُغْ ثَمَنَ شَاةٍ وَلَا سُبْعَ بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا فَتَصَدَّقَ بِهِ أو تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ
فَخَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لم يَبْلُغْ الْفَاضِلُ ما يَشْتَرِي بِهِ دَمًا خَيَّرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَحْمًا يتصدق ( ( ( تصدق ) ) ) بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ شِرَاءُ لَحْمٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وما زَادَ مِنْهُمَا اشْتَرَى بِالْفَضْلَةِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ فَسَهْمًا من بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلَحْمًا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقِيلَ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلَةِ
فَوَائِدُ
منها ( ( ( منهما ) ) ) قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ لم يَضْمَنْهَا بِلَا نِزَاعٍ وَعِنْدَ
____________________
(4/96)
الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ تَلِفَتْ قبل ذَبْحِهِ أو بَعْدَهُ نَصَّ عليه وَنَقَلَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وأبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ كَالزَّكَاةِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو بَعِيدٌ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إذَا نَذَرَ أُضْحِيَّةً أو الصَّدَقَةَ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فتلفت ( ( ( فتلف ) ) ) فَهَلْ يَضْمَنُهَا على رِوَايَتَيْنِ وقال جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَلَوْ تَمَكَّنَ من الْفِعْلِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ تعيين ( ( ( تعين ) ) ) مُسْتَحِقٍّ كَالزَّكَاةِ وَإِلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي
وقال أبو الْمَعَالِي إنْ تَلِفَتْ قبل التَّمَكُّنِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ شَرْعًا ضَمِنَ وَإِنْ قُلْنَا مَسْلَكَ التَّبَرُّعِ لم يَضْمَنْ انْتَهَى
وَمِنْهَا لو فَقَأَ عَيْنَهَا تَصَدَّقَ بِالْأَرْشِ
وَمِنْهَا لو ( ( ( أو ) ) ) مَرِضَتْ فَخَافَ عليها فَذَبَحَهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا وَلَوْ تَرَكَهَا فَمَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عليه قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَمِنْهَا لو ضَحَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن نَفْسِهِ بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ غَلَطًا كَفَتْهُمَا وَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْقِيَاسُ ضِدُّهُمَا وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ في اثْنَيْنِ ضَحَّى هذا بِأُضْحِيَّةِ هذا وَهَذَا بِأُضْحِيَّةِ هذا يَتَبَادَلَانِ اللَّحْمَ وَيُجْزِئُ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ في الطَّرِيقِ نَحَرَهُ في مَوْضِعِهِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لو خَافَ أَنْ يَعْطَبَ ذَبَحَهُ وَفَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ
قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ منه هو وَلَا أَحَدٌ من رُفْقَتِهِ
يَعْنِي يَحْرُمُ عليه الْأَكْلُ هو وَرُفْقَتُهُ من الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
____________________
(4/97)
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَأَبَاحَ الْأَكْلَ منه الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ مع فَقْرِهِ وَاخْتَارَ في التَّبْصِرَةِ إبَاحَتَهُ لِرَفِيقِهِ الْفَقِيرِ
وَقَوْلُهُ وَلَا أَحَدٌ من رُفْقَتِهِ قال في الْوَجِيزِ وَلَا يَأْكُلُ هو وَلَا خَاصَّتُهُ منه
قُلْت وهو مُرَادُ غَيْرِهِ
وقد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الرُّفْقَةَ الَّذِينَ معه مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ في السَّفَرِ
قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا وَأَجْزَأَتْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً قبل التَّعْيِينِ كَالْفِدْيَةِ وَالْمَنْذُورَةِ في الذِّمَّةِ فإن عليه بَدَلَهَا
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تعيب ( ( ( تعين ) ) ) ما عَيَّنَهُ فَتَارَةً يَكُونُ قد عَيَّنَهُ عن وَاجِبٍ في ذِمَّتِهِ كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ في النُّسُكِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أو بِفِعْلِ مَحْظُورٍ أو وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِ التَّعْيِينِ فَإِنْ كان وَاجِبًا بِنَفْسِ التَّعْيِينِ مِثْلَ ما لو وَجَبَ أُضْحِيَّةٌ سَلِيمَةٌ ثُمَّ حَدَثَ بها عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ من غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُنَا عليه ذَبْحُهُ وقد أَجْزَأَ عنه كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه فِيمَنْ جَرَّهَا بِقَرْنِهَا إلَى الْمَنْحَرِ فَانْقَلَعَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْخِرَقِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي الْقِيَاسُ لَا تُجْزِئُهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَخْرُجُ بِالْعَيْبِ عن كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ فإذا زَالَ الْعَيْبُ عَادَتْ أُضْحِيَّةً كما كانت ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ
فَلَوْ تعيبت ( ( ( تعينت ) ) ) هذه بِفِعْلِهِ فَلَهُ بَدَلُهَا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
وَإِنْ كان مُعَيَّنًا عن وَاجِبٍ في الذِّمَّةِ وَتَعَيَّبَ أو تَلِفَ أو ضَلَّ أو عَطِبَ
____________________
(4/98)
أو سُرِقَ أو نحو ذلك لم يُجْزِئْهُ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ وَيَلْزَمُ أَفْضَلُ مِمَّا في الذِّمَّةِ إنْ كان تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ
قال الْإِمَامُ احمد من سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ أو مَاتَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ نَحَرَهُ جَازَ أَكْلُهُ منه وَيُطْعِمُ لِأَنَّ عليه الْبَدَلَ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال كَذَا قال وَأَطْلَقَ في الرَّوْضَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ يَفْعَلُ بِهِ ما شَاءَ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ انْتَهَى
وفي بُطْلَانِ تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وقال في الْفُصُولِ في تَعْيِينِهِ هُنَا احْتِمَالَانِ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إذَا قُلْنَا يَبْطُلُ تَعْيِينُهَا وَتَعُودُ إلَى مَالِكِهَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَبْطُلَ التَّعْيِينُ في وَلَدِهَا تَبَعًا كما ثَبَتَتْ تَبَعًا قِيَاسًا على نَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ بها وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَبْطُلَ وَيَكُونَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا في الْوُجُوبِ حَالَ اتِّصَالِهِ بها ولم يَتْبَعَهَا في زَوَالِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَصِلًا عنها فَهُوَ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ إذَا وُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ في وَلَدِهَا وَالْمُدَبَّرَةُ إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا فَبَطَلَ تَدْبِيرُهَا لَا يَبْطُلُ في وَلَدِهَا انْتَهَى
وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَعْيِينُهُ لِأَنَّهُ بوجوده ( ( ( بوحوده ) ) ) قد صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أُمِّهِ لَكِنْ تَعَذَّرَ في الْأُمِّ فَبَقِيَ حُكْمُ الْوَلَدِ بَاقِيًا
قَوْلُهُ وَهَلْ له اسْتِرْجَاعُ هذا الْعَاطِبِ وَالْمَعِيبِ إلَى مِلْكِهِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالزَّرْكَشِيِّ
إحْدَاهُمَا ليس له اسْتِرْجَاعُهُ إلَى مِلْكِهِ إذَا كان مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ قد تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ ليس له اسْتِرْجَاعُهُ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ
____________________
(4/99)
والرواية ( ( ( الرواية ) ) ) الثَّانِيَةُ له اسْتِرْجَاعُهُ إلَى مِلْكِهِ فَيَصْنَعُ بِهِ ما شَاءَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن أبي مُوسَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
قَوْلُهُ وكذلك إذَا ضَلَّتْ فَذَبَحَ بَدَلَهَا ثُمَّ وَجَدَهَا
يَعْنِي أَنَّ في اسْتِرْجَاعِ الضَّالِّ إلَى مِلْكِهِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ ذَبْحِ بَدَلِهِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فَالْحُكْمَانِ وَاحِدٌ وَالْمُذْهَبُ هُنَا كَالْمَذْهَبِ هُنَاكَ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنَّهُمَا قَطَعَا بِأَنَّهُ يَذْبَحُ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ ولم يَحْكِيَا خِلَافًا وَلَكِنْ خَرَّجَا تَخْرِيجًا أَنَّهُ كَالْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا
وقال بن مُنَجَّا وَيَقْوَى لُزُومُ ذَبْحِهِ مع ذَبْحِ الْوَاجِبِ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى التَّفْرِقَةِ إمَّا لِأَجْلِ الحديث أو لِأَنَّ الْعَاطِبَ وَالْمَعِيبَ قد تَعَذَّرَ إجْزَاؤُهُ عن الْوَاجِبِ فَخَرَجَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ من ذلك إلَى بَدَلِهِ وَأَمَّا الضَّالُّ فَحَقُّ الْفُقَرَاءِ فيه بَاقٍ وَإِنَّمَا امتنع حَقُّهُمْ لِتَعَذُّرِهِ وهو فَقْدُهُ وَجَزَمَ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّهُ يَذْبَحُ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ فَصْلٌ
سَوْقُ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ وَيَجْمَعُ فيه بين الْحِلِّ وَالْحَرَمِ
بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ اشْتَرَاهُ في الْحَرَمِ ولم يُخْرِجْهُ إلَى عَرَفَةَ وَذَبَحَهُ كَفَاهُ نَصَّ عليه
____________________
(4/100)
قَوْلُهُ وَيُسَنُّ إشْعَارُ الْبَدَنَةِ فَيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حتى يَسِيلَ الدَّمُ وَكَذَا ما لَا سَنَامَ له من الْإِبِلِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الشَّقُّ في صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْيُمْنَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ الشَّقُّ من الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أَوْلَى وَعَنْهُ الْخِيَرَةُ وَأَطْلَقَهُنَّ في التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كلام الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْعِرُ غير السَّنَامِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وقال في الْكَافِي يَجُوزُ إشْعَارُ غَيْرِ السَّنَامِ وَذَكَرَهُ في الْفُصُولِ عن أَحْمَدَ
وظاهر ( ( ( وظاهره ) ) ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْعِرُ غير الْإِبِلِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَيُسَنُّ إشْعَارُ مَكَانِ ذلك من الْبَقَرِ
قَوْلُهُ وَيُقَلِّدُهَا وَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ النَّعْلَ نَصَّ عليه وَآذَانُ الْقِرَبِ وَالْعُرَى
هذا الْمَذْهَبُ يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ كُلِّهِ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ نَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْمُنْتَخَبِ يُقَلِّدُ الْغَنَمَ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ تَقْلِيدُ الْبُدْنَ جَائِزٌ وقال الْإِمَامُ
____________________
(4/101)
أَحْمَدُ الْبُدْنُ تُشْعَرُ وَالْغَنَمُ تُقَلَّدُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَهُ حتى يُشْعِرَهُ وَيُجَلِّلَهُ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ وَيُقَلِّدَهُ نَعْلًا أو عِلَاقَةَ قِرْبَةٍ
قَوْلُهُ وإذا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا فَأَقَلُّ ما يُجْزِئُهُ شَاةٌ أو سُبْعُ بَدَنَةٍ
وَكَذَا سُبْعُ بَقَرَةٍ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو ذَبَحَ بَدَنَةً فَالصَّحِيحُ وُجُوبُهَا كُلُّهَا قَدَّمَهُ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
وَقِيلَ الْوَاجِبُ سُبْعُهَا فَقَطْ وَالْبَاقِي له أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فيه وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُذْهَبِ وَالْفَائِقِ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وكل ( ( ( كل ) ) ) هَدْيٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فيه شَاةٌ أو سُبْعُ بَدَنَةٍ وَذَكَرْنَا فَائِدَةَ الْخِلَافِ هُنَاكَ
قَوْلُهُ وإذا نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ
إذَا نَذَرَ بَدَنَةً فَتَارَةً يَنْوِي وَتَارَةً يُطْلِقُ فَإِنْ نَوَى فقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ يَلْزَمُهُ ما نَوَاهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ فَفِي إجْزَاءِ الْبَقَرَةِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
إحْدَاهُمَا تُجْزِئُ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عنه
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ وَجَبَتْ عليه بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ أَجْزَأَهُ ما عَيَّنَهُ صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا من الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ
____________________
(4/102)
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ بِنَذْرِهِ شيئا إلَى مَكَّةَ أو جَعَلَ دَرَاهِمَ هَدْيًا فَهُوَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وبن هَانِئٍ وَيَبْعَثُ ثَمَنَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُلْقِيَ فِضَّةً في مَقَامِ إبْرَاهِيمَ يُلْقِيهِ بِمَكَانِ نَذْرِهِ وَاسْتَحَبَّهُ بن عَقِيلٍ فَيُكَفِّرُ إنْ لم يُلْقِهِ وهو لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ
وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وبن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ له أَنْ يَبْعَثَ ثَمَنَ الْمَنْقُولِ
وقال بن عَقِيلٍ ويقدمه ( ( ( وقدمه ) ) ) وَيَبْعَثُ الْقِيمَةَ وقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ إنْ نَذَرَ بدنه فَلِلْحَرَمِ لَا جَزُورًا وَإِنْ نَذَرَ جَذَعَةً كَفَتْ ثَنِيَّةٌ وَاحِدَةٌ
وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ جَعَلَ على نَفْسِهِ أَنْ يُضَحِّيَ كُلَّ عَامٍ بِشَاتَيْنِ فَأَرَادَ عَامًا أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ إنْ كان نَذَرَ فَيُوفِي بِهِ وَإِلَّا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ قال إنْ لَبِسْت ثَوْبًا من غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَلَبِسَهُ أَهْدَاهُ أو ثَمَنُهُ على الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ من هَدْيِهِ
شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ منه بِلَا نِزَاعٍ وَحُكْمُ الْأَكْلِ هُنَا وَالتَّفْرِقَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَأْكُلُ هُنَا إلَّا الْيَسِيرَ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
____________________
(4/103)
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِالتَّعْيِينِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا في ذِمَّتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ منه أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاقْتَصَرَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ منه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ من وَاجِبٍ إلَّا من دَم الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْأَشْهَرُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا من دَمِ الْمُتْعَةِ فَقَطْ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ كَأَنَّ الْخِرَقِيَّ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ التَّمَتُّعِ عن الْقِرَانِ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَتُّعٍ لِتَرَفُّهِهِ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ انْتَهَى
وقال الْآجُرِّيُّ لَا يَأْكُلُ من هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ في الرَّوْضَةِ
وَعَنْهُ يَأْكُلُ من الْكُلِّ إلَّا من النَّذْرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
وَأَلْحَقَ بن أبي مُوسَى بِهِمَا الْكَفَّارَةَ وَجَوَّزَ الْأَكْلَ مِمَّا عَدَا ذلك
وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ جَوَازَ الْأَكْلِ من الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ على رِوَايَةِ وُجُوبِهَا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ على خِلَافِ ذلك
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا اسْتَحَبَّ الْقَاضِي الْأَكْلَ من دَمِ الْمُتْعَةِ
الثَّانِيَةُ ما جَازَ له أَكْلُهُ جَازَ له هَدِيَّتُهُ وما لَا فَلَا فَإِنْ فَعَلَ ضَمَّنَهُ بمثله لَحْمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ وقال في النَّصِيحَةِ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ بِلَا نِزَاعٍ فيه
____________________
(4/104)
الثَّالِثَةُ لو مَنَعَهُ الْفُقَرَاءَ حتى أَنْتَنَ فقال في الْفُصُولِ عليه قِيمَتُهُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهُ فَقَطْ
قُلْت يَتَوَجَّهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بمثله حَيًّا أَشْبَهَ الْمَعِيبَ الْحَيَّ
قَوْلُهُ وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال في الرِّعَايَةِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا مع الْقُدْرَةِ نَصَّ عليه
وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ مع الْغِنَى ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عن أبي بَكْرٍ وَخَرَّجَهَا أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ من التَّضْحِيَةِ عن الْيَتِيمِ
وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ على الْحَاضِرِ الْغَنِيِّ
فَائِدَةٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي مُسْلِمًا تَامَّ الْمِلْكِ فَلَا يُضَحِّي الْمُكَاتَبُ مُطْلَقًا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُضَحِّي بِإِذْنٍ سيده كَالرَّقِيقِ وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَتَبَرَّعُ منها بِشَيْءٍ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَذَبْحُهَا أَفْضَلُ من الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا
وكذا الْعَقِيقَةُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليهما وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ تَعْيِينُ ما تَقَدَّمَ في صَدَقَةٍ مع غَزْوٍ وَحَجٍّ
قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال أبو بَكْرٍ يَجِبُ إخْرَاجُ الثُّلُثِ هَدِيَّةً وَالثُّلُثِ الْآخَرِ صَدَقَةً نَقَلَهُ عنه
____________________
(4/105)
بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَاضِحِ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا فيه قال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ لَا يَدْفَعُ إلَى الْمَسَاكِينِ ما يَسْتَحْيِي من تَوْجِيهِهِ إلَى خَلِيطِهِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا يَتَصَدَّقُ بِمَا دُونَهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي من هَدِيَّةِ ذلك وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُجْزِئَ في الصَّدَقَةِ إلَّا ما جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَهَادَى بمثله ( ( ( بمثاله ) ) ) انْتَهَى
قُلْت حكى هذا الْأَخِيرُ قَوْلًا في الرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ لو تَصَدَّقَ منها بِأُوقِيَّةٍ كَفَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ
فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ ما يُجْزِئُ في الصَّدَقَةِ على ما يَأْتِي
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا هذا الْحَكَمُ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَجُوزُ له الْأَكْلُ منها على الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ منها قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ له أَكْلُ الثُّلُثِ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَقَطَعَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَأْكُلُ كما يَأْكُلُ من دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ
وَيَأْتِي هذا أَيْضًا قَرِيبًا
الثَّانِي يُسْتَثْنَى من كلام ( ( ( كلم ) ) ) الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ أُضْحِيَّةُ الْيَتِيمِ إذَا قُلْنَا يُضَحَّى عنه على ما يَأْتِي في بَابِ الْحَجْرِ فإن الْوَلِيَّ لَا يَتَصَدَّقُ منها بِشَيْءٍ وَيُوَفِّرُهَا له لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ بِشَيْءٍ من مَالِهِ تَطَوُّعًا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(4/106)
قُلْت لو قِيلَ بِجَوَازِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ منها بِالْيَسِيرِ عُرْفًا لَكَانَ مُتَّجَهًا
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا من ذلك الْمُكَاتَبُ إذَا ضَحَّى على ما قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَبَرَّعُ منها بِشَيْءٍ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهَا وَيُهْدِيَ الْوَسَطَ وَيَأْكُلَ الْأَدْوَنَ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ
وكان من شِعَارِ السَّلَفِ أَكْلُ لُقْمَةٍ من الْأُضْحِيَّةِ من كَبِدِهَا أو غَيْرِهَا تَبَرُّكًا قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْكَافِرَ منها إذَا كانت تَطَوُّعًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا في صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ منها كَالزَّكَاةِ وَلِهَذَا قِيلَ لَا بُدَّ من دَفْعِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَقِيرِ وَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِهْدَاءِ فإنه يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى غَنِيٍّ وَإِطْعَامُهُ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَجُوزُ الْهَدِيَّةُ من نَقَلَهَا إلَى غَنِيٍّ وَقِيلَ من وَاجِبِهَا إنْ جَازَ الْأَكْلُ منها وَإِلَّا فَلَا
الثَّالِثَةُ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ الْفَقِيرِ فَلَا يَكْفِي إطْعَامُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَسُنَّ أَنْ يُفَرِّقَ اللَّحْمَ رَبُّهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ جَازَ
الرَّابِعَةُ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الِادِّخَارِ من الْأَضَاحِيِّ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إلَّا في مَجَاعَةٍ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ
قُلْت اخْتَارَ هذا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو ظَاهِرُ في الْقُوَّةِ
الْخَامِسَةُ لو مَاتَ بَعْدَ ذَبْحِهَا أو تَعْيِينِهَا قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ ولم تُبَعْ في دَيْنِهِ
____________________
(4/107)
قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ وَقُلْت إنْ وَجَبَ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ وَلَهُمْ أَكْلُ ما كان له أَكْلُهُ منها وَيَلْزَمُهُمْ زَكَاتُهَا إنْ مَاتَ قَبْلَهَا
ثُمَّ قال قُلْت إنْ كان دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا فَإِنْ كان قد ذَكَّاهَا أو أَوْجَبَهَا في مَرَضِ مَوْتِهِ فَهَلْ تُبَاعُ كُلُّهَا أو ثُلُثَاهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا هل يَجُوزُ الْأَكْلُ من الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ أَقَلَّ ما يُجْزِئُ في الصَّدَقَةِ منها
وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الْمَذْهَبِ من أنها مُسْتَحَبَّةٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ يَضْمَنُ الثُّلُثَ جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ يَضْمَنُ ما جَرَتْ الْعَادَةُ بِصَدَقَتِهِ
وَأَمَّا على الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فقال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَأْكُلُ كما يَأْكُلُ من دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وقال في الرِّعَايَةِ يَأْكُلُ الثُّلُثَ
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ المتطوع ( ( ( المقطوع ) ) ) بِهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ في هذه الْأَحْكَامِ على الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ فَلَا يَأْخُذُ من شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شيئا
اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ في ذلك فقال في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ كما قال الْمُصَنِّفُ فَظَاهِرُهُ إدْخَالُ الظُّفْرِ وَغَيْرِهِ من الْبَشَرَةِ وَصَرَّحَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ بِذِكْرِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالْبَشَرَةِ
____________________
(4/108)
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن رَجَبٍ وَغَيْرِهِمْ لَا يَأْخُذُ شَعْرًا وَلَا ظُفْرًا
فَظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ على الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ ولم أَرَ في ذلك خِلَافًا
فَلَعَلَّ من خَصَّ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ أَرَادَ ما في مَعْنَاهُمَا أو أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُمَا فَاقْتَصَرُوا على الْغَالِبِ
قَوْلُهُ وَهَلْ ذلك حَرَامٌ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الزَّرْكَشِيّ
أَحَدُهُمَا هو حَرَامٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَمُصَنَّفِ بن أبي الْمَجْدِ وَيَحْرُمُ في الْأَظْهَرِ
وقال في الْفَائِقِ وَالْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَنَسَبَهُ إلَى الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
والوجه ( ( ( الوجه ) ) ) الثَّانِي يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَتَبْصِرَةِ الْوَعْظِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن رَزِينٍ وقال إنَّهُ أَظْهَرُ
قُلْت وهو أَوْلَى وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةَ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَفَعَلَ فَلَيْسَ عليه إلَّا التَّوْبَةُ وَلَا فِدْيَةَ عليه إجْمَاعًا
وَيَنْتَهِي الْمَنْعُ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ كما صَرَّحَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيُّ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الأحمد ( ( ( الأحمدي ) ) ) وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/109)
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ بَعْدَ الذَّبْحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال أَحْمَدُ وهو على ما فَعَلَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قَوْلُهُ وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
يَعْنِي على الْأَبِ وَسَوَاءٌ كان الْوَلَدُ غَنِيًّا أو فَقِيرًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وأبو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ وأبو الْوَفَاءِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى قَوْلُهُ وَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَذْبَحَ عن الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مع الْوِجْدَانِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الشَّاتَانِ مُتَقَارِبَتَيْنِ في السِّنِّ وَالشَّبَهِ نَصَّ عليه فَإِنْ عَدِمَ الشَّاتَانِ فَوَاحِدَةٌ فَإِنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ ما يُغْنِي فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقْتَرِضُ وَأَرْجُو أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عليه
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقْتَرِضُ مع وَفَاءٍ وَيَنْوِيهِ عَقِيقَةً
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ خَالَفَ وَعَقَّ عن الذَّكَرِ بِكَبْشٍ أَجْزَأَ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ يوم سَابِعِهِ
قال في الرَّوْضَةِ من مِيلَادِ الْوَلَدِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ ضَحْوَةَ النَّهَارِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَذَكَرَ بن الْبَنَّاءِ أَنَّهُ يَذْبَحُ إحْدَى الشَّاتَيْنِ يوم الْوِلَادَةِ وَالْأُخْرَى يوم سَابِعِهِ
____________________
(4/110)
الثَّالِثَةُ ذَبْحُهَا يوم السَّابِعِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قبل ذلك وَلَا يَجُوزُ قبل الْوِلَادَةِ
الرَّابِعَةُ لو عَقَّ بِبَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ لم يُجْزِهِ إلَّا كَامِلَةً نَصَّ عليه قال في النِّهَايَةِ وَأَفْضَلُهُ شاة قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في أُضْحِيَّةٍ
الْخَامِسَةُ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ يوم السَّابِعِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ أو قَبْلَهُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ في آدَابِهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ يوم الْوِلَادَةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلْأَبِ لَا لِلْأُمِّ
السَّادِسَةُ لو اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ فَهَلْ يُجْزِئُ عن الْعَقِيقَةِ إنْ لم يَعُقَّ فيه رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ الْإِجْزَاءُ
قال في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أَرْجُو أَنْ تُجْزِئَ الْأُضْحِيَّةُ عن الْعَقِيقَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ وفي مَعْنَاهُ لو اجْتَمَعَ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا تَضْحِيَةَ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا هو الْهَدْيُ
قَوْلُهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ وَرِقًا يوم السَّابِعِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرَّوْضَةِ ليس في حَلْقِ رَأْسِهِ وَوَزْنِ شَعْرِهِ سُنَّةٌ أَكِيدَةٌ وَإِنْ فَعَلَهُ فَحَسَنٌ وَالْعَقِيقَةُ هِيَ السُّنَّةُ
تَنْبِيهٌ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَلْقِ الذَّكَرُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ لَا فَرْقَ في اسْتِحْبَابِ الحق ( ( ( الحلق ) ) ) بين الذُّكُورِ والإناث ( ( ( وللإناث ) ) ) قال وَلَعَلَّهُ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ إلَّا الْإِنَاثَ يُكْرَهُ في حَقِّهِنَّ الْحَلْقُ
____________________
(4/111)
قال بن حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ يَحْلِقُ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ هو سُنَّةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ بَلْ يُلَطَّخُ بِخَلُوقٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى قال بن الْبَنَّا وأبو حَكِيمٍ هو أَفْضَلُ من الدَّمِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَإِنْ فَاتَ يَعْنِي لم لكن ( ( ( يكن ) ) ) في سَبْعٍ فَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ
أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْأَسَابِيعَ بَعْدَ ذلك فَيَعُقُّ بَعْدَ ذلك في أَيِّ يَوْمٍ أَرَادَ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظاهر ( ( ( ظاهره ) ) ) كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ أو ما بَعْدَهُ
قال في الْكَافِي فَإِنْ أَخَّرَهَا عن إحْدَى وَعِشْرِينَ ذَبَحَهَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قد تَحَقَّقَ سَبَبُهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ في الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ فَاتَ فَفِي الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَعَلَى هذا فَقِسْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيد الْعِنَايَةِ
وَعَنْهُ تَخْتَصُّ الْعَقِيقَةُ بِالصَّغِيرِ
فَائِدَةٌ لَا يَعُقُّ غَيْرُ الْأَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/112)
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرَّوْضَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ إذَا بَلَغَ عَقَّ عن نَفْسِهِ
قال في الرِّعَايَةِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَطْلَقَهُمَا في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قال الْحَافِظُ بن حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أو امْتِنَاعٍ
قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ
هَكَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ
وَيُسْتَثْنَى من ذلك أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فيها شِرْكٌ في بَدَنَةٍ وَلَا بَقَرَةٍ كما تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَنْزِعُهَا أَعْضَاءً وَلَا يَكْسِرُ لها عَظْمًا على الْقَوْلَيْنِ
وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسَّوَاقِطُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَحَمَلَ بن مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ على ذلك
قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتُشَارِكُهَا في أَكْثَرِ أَحْكَامِهَا كَالْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالضَّمَانِ وَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالزَّكَاةِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذلك وَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِهَا وَسَوَاقِطِهَا وَرَأْسِهَا وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا نَصَّ عليه انْتَهَى
قال أبو الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ حُكْمُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فَيَخْرُجُ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَحُكْمُهَا فِيمَا يُجْزِئُ من الْحَيَوَانِ وما يُجْتَنَبُ فيها من الْعُيُوبِ وَغَيْرِهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ
قال الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا من حَيْثُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ شُرِعَتْ
____________________
(4/113)
يوم النَّحْرِ فَأَشْبَهَتْ الْهَدْيَ وَالْعَقِيقَةُ شُرِعَتْ عِنْدَ سُرُورٍ حَادِثٍ وَتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَشْبَهَتْ الذَّبْحَ في الْوَلِيمَةِ وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ لم تَخْرُجْ عن مِلْكِهِ هُنَا فَكَانَ له أَنْ يَفْعَلَ فيها ما شَاءَ من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالتَّفْرِقَةُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ
ولم يَعْتَبِرْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّمْلِيكَ
وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ طَبَخَهَا وَدَعَا إخْوَانَهُ فَحَسَنٌ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا طَبْخُهَا أَفْضَلُ نَصَّ عليه
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ يَشُقُّ عليهم قال يَتَحَمَّلُونَ ذلك
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُطْبَخَ منها طَبِيخٌ حُلْوٌ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ اخلاقه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يعطي الْقَابِلَةُ منها فَخْذًا
الثَّانِيَةُ يُؤَذَّنُ في أُذُنِ الْمَوْلُودِ حين يُولَدُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ يُؤَذَّنُ في الْيُمْنَى وَيُقَامُ في الْيُسْرَى
الثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّكَ بِتَمْرَةٍ وقال في الرِّعَايَةِ بِتَمْرٍ أو حُلْوٍ أو غَيْرِهِ
وَتَقَدَّمَ مَتَى يُخْتَنُ في بَابِ السِّوَاكِ
قَوْلُهُ وَلَا تُسَنُّ الْفُرْعَةُ وَهِيَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ وَلَا الْعَتِيرَةُ وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ يُكْرَهُ ذلك وَلَا يُنَافِيهِ ما تَقَدَّمَ
____________________
(4/114)
= كِتَابُ الْجِهَادِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ إلَّا على ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ وهو الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وما يَحْمِلُهُ إذَا كان بَعِيدًا
فَلَا يَجِبُ على أُنْثَى بِلَا نِزَاعٍ وَلَا خُنْثَى صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَلَا عَبْدٍ وَلَوْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يَجِبُ على كَافِرٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في أَوَاخِرِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ
قَوْلُهُ مُسْتَطِيعٍ وهو الصَّحِيحُ هذا شَرْطٌ في الْوُجُوبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُلْزَمُ الْعَاجِزُ بِبَدَنَةٍ في مَالِهِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ في سُورَةِ بَرَاءَةٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُ ضَعِيفًا وَلَا مَرِيضًا مَرَضًا شَدِيدًا أَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الذي لَا يَمْنَعُ الْجِهَادَ كَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ
وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْمَى وَيَلْزَم الْأَعْوَرَ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا الْأَعْشَى وهو الذي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يَلْزَمُ أَشَلَّ وَلَا أَقْطَعَ الْيَدِ أو الرِّجْلِ وَلَا من أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ أو إبْهَامُهُ أو ما يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ نَفْعُ الْيَدِ أو الرِّجْلِ
وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْرَجَ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْعَرَجُ الْيَسِيرُ الذي يَتَمَكَّنُ معه من الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ عليه شِدَّةُ الْعَدْوِ لَا يَمْنَعُ
قال في الْبُلْغَةِ يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا وقال في الْمُذْهَبِ بَعْدَ تَقْدِيمِهِ عَدَمَ اللُّزُومِ وقد قِيلَ في الْأَعْرَجِ إنْ كان يقدر ( ( ( قدر ) ) ) على الْمَشْيِ وَجَبَ عليه
قَوْلُهُ وهو الْوَاجِدُ لِزَادِهِ
كَذَا قال الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ وهو
____________________
(4/115)
الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ بِمِلْكٍ أو بَذْلٍ من الْإِمَامِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بَعِيدًا مَسَافَةُ الْقَصْرِ
فَائِدَةٌ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ على الْجَمِيعِ نَصَّ عليه في الْجِهَادِ وإذا قام بِهِ من يَكْفِي سَقَطَ الْوُجُوبُ عن الْبَاقِينَ لَكِنْ يَكُونُ سُنَّةً في حَقِّهِمْ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وهو مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَأَنَّ ما عَدَا الْقِسْمَيْنِ هُنَا سُنَّةٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت إذَا فَعَلَ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَرَّتَيْنِ فَفِي كَوْنِ الثَّانِي فَرْضًا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ
قال وَكَلَامُ بن عَقِيلٍ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَكَلَامُ أَحْمَدَ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى
وَقَدَّمَ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ أَنَّهُ ليس بِفَرْضٍ
وَيَنْبَنِي على الْخِلَافِ جَوَازُ فِعْلِ الْجِنَازَةِ ثَانِيًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ
وَإِنْ فَعَلَهُ الْجَمِيعُ كان كُلُّهُ فَرْضًا ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ مَحَلُّ وِفَاقٍ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَعَلَّهُ إذَا فَعَلُوهُ جميعا فإنه لَا خِلَافَ فيه انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ فَيَهْجُوهُمْ الشَّاعِرُ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ منه ما يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبَدَنِ فَيَجِبُ بِغَايَةِ ما يُمْكِنُهُ
قَوْلُهُ وَأَقَلُّ ما يُفْعَلُ مَرَّةً في كل عَامٍ
مُرَادُهُ مع الْقُدْرَةِ على فِعْلِهِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ
وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ في كل عَامٍ مَرَّةً مع الْقُدْرَةِ قال في الْمُحَرَّرِ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُهُ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ زَادَ في الرِّعَايَةِ أو قِلَّةِ عَلَفٍ في الطَّرِيقِ أو انْتِظَارِ مَدَدٍ أو غَيْرِ ذلك
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ
____________________
(4/116)
بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ في عَدَدٍ أو عُدَّةٍ أو يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِمَدَدٍ يَسْتَعِينُ بِهِ أو يَكُونُ في الطَّرِيقِ إلَيْهِمْ مَانِعٌ أو ليس فيها عَلَفٌ أو مَاءٌ أو يَعْلَمُ من عَدُوِّهِ حُسْنَ الرَّأْيِ في الْإِسْلَامِ وَيَطْمَعُ في إسلامهم ( ( ( إسلامه ) ) ) إنْ أَخَّرَ قِتَالَهُمْ وَنَحْوَ ذلك جَازَ تَرْكُهُ
قال في الْفُرُوعِ وَيُفْعَلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً إلَّا لِمَانِعٍ بِطَرِيقٍ وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُهَا فَإِنْ وَضَعَهُ على الْخَوْفِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَةٍ وَعَنْهُ وَمَصْلَحَةٍ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ وَهَذَا الذي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ خِلَافُ ما قَطَعَا بِهِ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ من أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ تَعَيَّنَ عليه
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو اسْتَنْفَرَهُ من له اسْتِنْفَارُهُ بِلَا نِزَاعٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ من أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عليه أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ على الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ وهو احد الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ اسْتِئْجَارِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ عليه وَالْحَالَةُ هذه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال النَّاظِمُ
وَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ إيجَابُهُ على النِّسَاءِ في حُضُورِ الصَّفِّ دَفْعًا وأعبد ( ( ( واحدا ) ) )
وقال في الْبُلْغَةِ هُنَا وَيَجِبُ على الْعَبْدِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وقال أَيْضًا هو فَرْضُ عَيْنٍ في مَوْضِعَيْنِ أحداهما إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وهو حَاضِرٌ وَالثَّانِي إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ على أَهْلِهِ النَّفِيرُ إلَيْهِمْ إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ من تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْأَهْلِ أو الْمَكَانِ
____________________
(4/117)
أو الْمَالِ وَالْآخَرُ من يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ من الْخُرُوجِ هذا في أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَمَنْ بِقُرْبِهِمْ أَمَّا الْبَعِيدُ على مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجِبُ عليه إلَّا إذَا لم يَكُنْ دُونَهُمْ كِفَايَةٌ من الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وقال أو كان بَعِيدًا أو عَجَزَ عن قَصْدِ الْعَدُوِّ
قُلْت أو قَرُبَ منه وَقَدَرَ على قَصْدِهِ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ أو بِمَنْعِ أَمِيرٍ أو غَيْرِهِ بِحَقٍّ كَحَبْسِهِ بِدَيْنٍ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَعِيدَ وهو الصَّحِيحُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى حُضُورِهِ كَعَدَمِ كِفَايَةِ الْحَاضِرِينَ لِلْعَدُوِّ فَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا على الْبَعِيدِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْبُلْغَةِ
تَنْبِيهٌ آخَرُ قَوْلُهُ أو حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ هو بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَظَاهِرُ بَحْثِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ في ذلك وَيَلْزَمُ الْحَصْرَ الْحُضُورُ وَلَا عَكْسُهُ
فَوَائِدُ
لو نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ مَعًا صلى وَنَفَرَ بَعْدَهَا إنْ كان الْعَدُوُّ بَعِيدًا وَإِنْ كان قَرِيبًا نَفَرَ وَصَلَّى رَاكِبًا وَذَلِكَ أَفْضَلُ
وَلَا يَنْفِرُ في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لها نَصَّ على الثَّلَاثَةِ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد في الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يَنْفِرُ إنْ كان عليه وَقْتٌ قُلْت لَا يَدْرِي نَفِيرٌ حَقٌّ أَمْ لَا قال إذَا نَادَوْا بِالنَّفِيرِ فَهُوَ حَقٌّ قُلْت إنْ أَكْثَرَ النَّفِيرَ لَا يَكُونُ حَقًّا قال يَنْفِرُ بِكَوْنِهِ يَعْرِفُ مَجِيءَ عَدُوِّهِمْ كَيْفَ هو
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُ ما يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ
هذا الْمَذْهَبُ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ
وَقِيلَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُنَاكَ وَالْحَوَاشِي
____________________
(4/118)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ من الْجِهَادِ الذي لم تَذْهَبْ فيه نَفْسُهُ وَمَالُهُ وَهِيَ في غَيْرِهِ بِعَدْلِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ
وَعَنْهُ الْعِلْمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِأَتَمَّ من هذا
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الْجِهَادُ أَفْضَلُ من الرِّبَاطِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هو الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد اللَّهِ وبن الْحَكَمِ في تَفْضِيلِ تَجْهِيزِ الْغَازِي على الْمُرَابِطِ من غَيْرِ غَزْوٍ
وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ الرِّبَاطُ أَفْضَلُ من الْجِهَادِ لِأَنَّ الرِّبَاطَ أَصْلٌ وَالْجِهَادَ فَرْعُهُ لِأَنَّهُ مَعْقِلٌ لِلْعَدُوِّ وَرَدَّ لهم عن الْمُسْلِمِينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ من النَّفْرِ وفي غَيْرِهَا نَظِيرُهَا وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا هُنَاكَ في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
الثَّانِيَةُ الرِّبَاطُ أَفْضَلُ من الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا وَالصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ من الصَّلَاةِ بِالثَّغْرِ نَصَّ عليه
الثَّالِثَةُ قِتَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ من غَيْرِهِمْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ من غَزْوِ الْبَرِّ وَمَعَ كل بَرٍّ وَفَاجِرٍ
____________________
(4/119)
بِلَا نِزَاعٍ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ منهم مخذلا ( ( ( مخدلا ) ) ) وَلَا مُرْجِفًا وَنَحْوَهُمَا وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا نَصَّ على ذلك
قَوْلُهُ وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وهو لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ
وَهَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيهِمَا وَيُسْتَحَبُّ وَلَوْ سَاعَةً نَصَّ عليه وقال الْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ وبن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَأَقَلُّهُ سَاعَةٌ انْتَهَى
وَأَفْضَلُ الرِّبَاطِ أَشَدُّهُ خَوْفًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ
يَعْنِي يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَنْتَقِلُ بِأَهْلِهِ إلَى مَدِينَةٍ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكِيَةَ وَالرَّمْلَةِ وَدِمَشْقَ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا كان الثَّغْرُ مَخُوفًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ كان الثَّغْرُ آمِنًا لم يُكْرَهْ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
فَأَمَّا أَهْلُ الثُّغُورِ فَلَا بُدَّ لهم من السُّكْنَى بِأَهْلَيْهِمْ وَلَوْلَا ذلك لَخَرِبَتْ الثغور ( ( ( الثغر ) ) ) وَتَعَطَّلَتْ
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ الْغَازِي لَا تَلَقِّيه نَصَّ عليه وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ بِالسَّلَامَةِ من الشَّهَادَةِ
قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في حَجٍّ وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ
وَنَقَلَ عنه في حَجٍّ لَا إنْ كان قَصْدُهُ أو كان ذَا عِلْمٍ أو هَاشِمِيًّا وَيَخَافُ شَرَّهُ وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ لِلْحَجِّ
____________________
(4/120)
وقال في الْفُنُونِ وَتَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ
وفي نِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وقال في الرِّعَايَةِ يُوَدِّعُ الْقَاضِي الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ ما لم يَشْغَلْهُ عن الْحُكْمِ
وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَدْعُوَ له
قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ على من يَعْجِزُ عن إظْهَارِ دِينِهِ في دَارِ الْحَرْبِ
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَدَارُ الْحَرْبِ ما يَغْلِبُ فيها حُكْمُ الْكُفْرِ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أو بَلَدُ بُغَاةٍ أو بِدْعَةٍ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَطَاقَهُ فإذا أَطَاقَهُ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ وَلَوْ كانت امْرَأَةً في الْعِدَّةِ وَلَوْ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ
وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ في قَوْله تَعَالَى { فما لَكُمْ في الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } عن الْقَاضِي أَنَّ الْهِجْرَةَ كانت فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ إنْ أَمِنَتْ على نَفْسِهَا من الْفِتْنَةِ في دِينِهَا لم تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ إنْ أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا وَأَمِنَتْهُمْ على نَفْسِهَا لم تُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ كَالْحَجِّ وَإِنْ لم تَأْمَنْهُمْ جَازَ الْخُرُوجُ حتى وَحْدَهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عليها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال بن الْجَوْزِيِّ تَجِبُ عليه وَأَطْلَقَ
قال في الْفُرُوعِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ
فَائِدَةٌ لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ من بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي
____________________
(4/121)
قَوْلُهُ وَلَا يُجَاهِدُ من عليه دَيْنٌ لَا وَفَاءَ له إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ
وَقِيلَ يَسْتَأْذِنُهُ في دَيْنٍ حَالٍّ فَقَطْ
وَقِيلَ إنْ كان الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا لم يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ
قُلْت يَأْتِي حُكْمُ هذه الْمَسْأَلَةِ في كِتَابِ الْحَجْرِ بِأَتَمَّ من هذا مُحَرَّرًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو أَقَامَ له ضَامِنًا أو رَهْنًا مُحْرِزًا أو وَكِيلًا يَقْضِيهِ جَازَ تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا وَفَاءَ له أَنَّهُ إنْ كان له وَفَاءٌ يُجَاهِدُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو صَحِيحٌ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُهُ في الْفُرُوعِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ
وَقِيلَ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظاهر ( ( ( ظاهره ) ) ) كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ لاطلاقهم عَدَمَ الْمُجَاهَدَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
قُلْت لَعَلَّ مُرَادَ من أَطْلَقَ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فَقَالُوا وَيَسْتَأْذِنُ الْمَدْيُونُ وَقِيلَ الْمُعْسِرُ
الثَّانِي عُمُومُ قَوْلِهِ وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ إلَّا بِإِذْنِ أبيه
يقتضي ( ( ( تقتضي ) ) ) اسْتِئْذَانَ الْأَبَوَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ أو أَحَدَهُمَا كَالْحُرَّيْنِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(4/122)
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ وَقِيلَ أو رَقِيقٌ لم يَتَطَوَّعْ بِلَا إذْنِهِ وَمَعَ رِقِّهِمَا فيه وَجْهَانِ انْتَهَى فَائِدَةٌ لَا إذْنَ لِجَدٍّ وَلَا لِجَدَّةٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
وقال في الْفُرُوعِ وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ عن أَحْمَدَ فيه شَيْءٌ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ في الْجَدِّ أبى الْأَبِ يَعْنِي أَنَّهُ كَالْأَبِ في الِاسْتِئْذَانِ
تنبيهان ( ( ( تبيهان ) ) )
أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عليه الْجِهَادُ فإنه لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنَّهُ إذَا لم يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
وقال في الرَّوْضَةِ حُكْمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ في عَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ حُكْمُ الْمُتَعَيِّنِ عليه
الثَّانِي أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فإنه لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنَّهُ يتعلم ( ( ( تعلم ) ) ) من الْعِلْمِ ما يُقَوِّمُ بِهِ دِينَهُ من غَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ عليه
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجِبُ عليه في نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذلك وَهَذَا خَاصَّةً بِطَلَبِهِ بِلَا إذْنٍ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ فِيمَنْ لَا يَأْذَنُ له أَبَوَاهُ يُطْلَبُ منه بِقَدْرِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ
وقال في الرِّعَايَةِ من لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ وَقِيلَ أو كان فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقِيلَ أو نفلا ( ( ( فلا ) ) ) وَلَا يَحْصُلُ ذلك بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِ أَبَوَيْهِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ هل يُجِيبُ أَبَوَيْهِ وهو في الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ لو دَعَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ من صَفِّهِمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ
____________________
(4/123)
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وقال في الْمُنْتَخَبِ لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ على الِانْفِرَادِ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالنَّصِيحَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ من أَطْلَقَ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وأبو طَالِبٍ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالُ دَفْعٍ أو طَلَبٍ
فَالْأَوَّلُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا يَطِيقُهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَيَخَافُونَ أَنَّهُمْ إنْ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَطَفُوا على من تَخَلَّفَ من الْمُسْلِمِينَ فها ( ( ( فههنا ) ) ) هنا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهِمْ في الدَّفْعِ حتى يُسَلِّمُوا وَمِثْلُهُ لو هَجَمَ عَدُوٌّ على بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُقَاتِلَةُ أَقَلُّ من النِّصْفِ لَكِنْ إنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلَوْا على الْحَرِيمِ
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُصَافَّةِ أو قَبْلَهَا فَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حين الشُّرُوعِ في الْقِتَالِ لَا يَجُوزُ الْإِدْبَارُ مُطْلَقًا إلَّا لِتَحَرُّفٍ أو تَحَيُّزٍ انْتَهَى
يَعْنِي وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ
إذَا عَلِمْت ذلك فقال الْأَصْحَابُ التَّحَرُّفُ أَنْ يَنْحَازَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فيه أَمْكَنَ مِثْلَ أَنْ يَنْحَازَ من مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أو الرِّيحِ وَمِنْ نُزُولٍ إلَى عُلْوٍ وَمِنْ مُعَطِّشَةٍ إلَى مَاءٍ أو يَفِرَّ بين أَيْدِيهِمْ لِيُنْقِضَ صُفُوفَهُمْ أو تنفرد ( ( ( تنفر ) ) ) خَيْلَهُمْ من رَجَّالَتِهِمْ أو لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْجَةً أو يَسْتَنِدَ إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذلك مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَالُوا في التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ سَوَاءٌ كانت قَرِيبَةً أو بَعِيدَةً
قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ فَلَهُمْ الْفِرَارُ
قال الْجُمْهُورُ وَالْفِرَارُ أَوْلَى وَالْحَالَةُ هذه مع ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ في النُّسَخِ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ على الضَّعْفِ
فَائِدَةٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ لو خَشِيَ الْأَسْرَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَ
____________________
(4/124)
حتى يُقْتَلَ وَلَا يَسْتَأْسِرَ وَإِنْ اسْتَأْسَرَ جَازَ لِقِصَّةِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ وَيَأْتِي كَلَامُ الْآجُرِّيِّ قَرِيبًا
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِمْ الظَّفَرُ فَلَيْسَ لهم الْفِرَارُ وَلَوْ زَادُوا على أَضْعَافِهِمْ
وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الثَّبَاتِ عليهم وَالْحَالَةُ هذه وهو ( ( ( وأحد ) ) ) أحد الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ فإنه قال إذَا كان الْعَدُوُّ أَكْثَرَ من مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ ولم يُطِيقُوا قِتَالَهُمْ لم يَعْصِ من انْهَزَمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ الثَّبَاتُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَعْرُوفُ عن الْأَصْحَابِ قال بن مُنَجَّا وهو قَوْلُ من عَلِمْنَا من الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ لو ظَنُّوا الْهَلَاكَ في الْفِرَارِ وفي الثَّبَاتِ فَالْأَوْلَى لهم الْقِتَالُ من غَيْرِ إيجَابٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْهِدَايَةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ من الرِّوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقِتَالُ وَالْحَالَةُ هذه وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ قَالَهُ في الْهِدَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ
قُلْت وهو أَوْلَى
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ما يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرَ يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ الْأَسْرُ شَدِيدٌ وَلَا بُدَّ من الْمَوْتِ وقد قال عَمَّارٌ من اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ فَلِهَذَا قال الْآجُرِّيُّ يَأْثَمُ بِذَلِكَ فإنه قَوْلُ أَحْمَدَ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسَنُّ انْغِمَاسُهُ في الْعَدُوِّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا نهى عنه وهو من التَّهْلُكَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أُلْقِيَ في مَرْكَبِهِمْ نَارٌ فَعَلُوا ما يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فيه
____________________
(4/125)
بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ شَكُّوا فَعَلُوا ما شاؤوا من الْمُقَامِ أو إلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ في الْمَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُمْ الْمُقَامُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وقال بن عَقِيلٍ يَحْرُمُ ذلك وَحَكَاهُ رِوَايَةً عن أَحْمَدَ وَصَحَّحَهَا
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ بِلَا نِزَاعٍ
وَلَوْ قُتِلَ فيه صَبِيٌّ أو امْرَأَةٌ أو غَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ إذَا لم يَقْصِدْهُمْ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُ نَحْلٍ وَلَا تَغْرِيقُهُ بِلَا نِزَاعٍ
وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ شُهْدِهِ كُلِّهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ
قَوْلُهُ وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ إلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ
يَعْنِي لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا لِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاويين ( ( ( الحاويين ) ) ) وَالزَّرْكَشِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَعَنْهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مع الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا في غَيْرِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَا ذلك إجْمَاعًا في دَجَاجٍ وَطَيْرٍ
وَاخْتَارَا أَيْضًا جَوَازَ قَتْلِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ إنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عن سَوْقِهَا وَلَا يَدَعُهَا لهم وَذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
قال في الْفُرُوعِ وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وقال في الْبُلْغَةِ يَجُوزُ قَتْلُ ما قَاتَلُوا عليه في تِلْكَ الْحَالِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
____________________
(4/126)
وَالشَّارِحُ وَقَالَا لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ وَقَالَا ليس في هذا خِلَافٌ وهو كما قَالَا
فَائِدَتَانِ
إحداهما لو حُزْنَا دَوَابَّهُمْ إلَيْنَا لم يَجُزْ قَتْلُهَا إلَّا لِلْأَكْلِ وَلَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ ولم يُشْتَرَ فَلِلْأَمِيرِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ إذْ ما جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ
قال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ غَنِمْنَاهُ ثُمَّ عَجَزْنَا عن نَقْلِهِ إلَى دَارِنَا فقال الْأَمِيرُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له فَمَنْ أَخَذَ منه شيئا فَهُوَ له وَكَذَا إنْ لم يَقُلْ ذلك في أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْهُ غَنِيمَةٌ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في الْبُلْغَةِ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَجِبُ إتْلَافُ كُفْرٍ أو تَبْدِيلٍ
قَوْلُهُ وفي جَوَازِ إحْرَاقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ
اعْلَمْ أَنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ
أَحَدُهَا ما تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ لِغَرَضٍ ما فَهَذَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ
الثَّانِي ما يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ
الثَّالِثُ ما عَدَاهُمَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخِرَقِيُّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
____________________
(4/127)
وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عليهم إلَّا بِهِ أو يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وقال هذا هو الْمُفْتَى بِهِ في الْأَشْهَرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال في الْوَسِيلَةِ لَا يَحْرُقُ شيئا وَلَا بَهِيمَةً إلَّا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِنَا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ على فِعْلِهِمْ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ
وَكَذَا هَدْمُ عَامِرِهِمْ يَعْنِي أَنَّ رَمْيَهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحَ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ كَحَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وهو إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِالْجَوَازِ إذَا عَجَزُوا عن أَخْذِهِ بِغَيْرِ ذلك وَإِلَّا لم يجز ( ( ( يحز ) ) ) وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وإذا ظَفِرَ بِهِمْ لم يُقْتَلْ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا رَاهِبٌ وَلَا شَيْخٌ فَانٍ وَلَا زَمِنٌ وَلَا أَعْمَى لَا رَأْيَ لهم إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا
قال الْأَصْحَابُ أو يُحَرِّضُوا وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ قَتْلِ الرَّاهِبِ بِشَرْطِ عَدَمِ مُخَالَطَةِ الناس فَإِنْ خَالَفَ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ لَا يُقْتَلُ مُطْلَقًا
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ في الْمَرْأَةِ إذَا انْكَشَفَتْ وَشَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ رُمِيَتْ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا ترمي وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ على قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِثْلُهَا إذَا فَعَلَتْ ذلك
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُقْتَلُ غَيْرُ من سَمَّاهُمْ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
____________________
(4/128)
وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ وَلَا الْفَلَاحُ وقال في الْإِرْشَادِ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ مِثْلُهُ لَا يُقَاتِلُ
فَائِدَةٌ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي
وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ إذَا كان مِمَّنْ لو كان صَحِيحًا قَاتَلَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْهَازِ على الْجَرِيحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْيُوسًا من بُرْئِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ لم يَجُزْ رَمْيُهُمْ إلَّا أَنْ يَخَافَ على الْمُسْلِمِينَ فَيَرْمِيَهُمْ وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَخَفْ على الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ عليهم إلَّا بِالرَّمْيِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وقال الْقَاضِي يَجُوزُ رَمْيُهُمْ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فَإِنْ خِيفَ على الْجَيْشِ أو فَوْتُ الْفَتْحِ رَمْينَا بِقَصْدِ الْكُفَّارِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَحْرُمُ الرَّمْيُ فإنه يَجُوزُ لَكِنْ لو قَتَلَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وَلَا دِيَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ عليه الدِّيَةُ وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ في فَصْلٌ وَالْخَطَأُ على ضَرْبَيْنِ
وقال في الْوَسِيلَةِ يَجِبُ الرَّمْيُ وَيُكَفِّرُ وَلَا دِيَةَ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لو قالوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسَرَاكُمْ فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لم يَجُزْ قَتْلُهُ حتى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ من السَّيْرِ معه وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهُ بِضَرْبٍ أو غَيْرِهِ
____________________
(4/129)
هذا الْمَذْهَبُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا
وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في قَتْلِ الْمَرِيضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ قَتْلِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يُخَلِّيهِ وَلَا يَقْتُلُهُ
فَائِدَةٌ يَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرٍ غَيْرِ ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ قَتْلِهِ لِلْمَصْلَحَةِ كَقَتْلِ بِلَالٍ رضي اللَّهُ عنه أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ أَسِيرَ عبد الرحمن بن عَوْفٍ رضي اللَّهُ عنه وقد أَعَانَهُ عليه الْأَنْصَارُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَفَعَلَ فَإِنْ كان الْمَقْتُولُ رَجُلًا فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ كان صَبِيًّا أو امْرَأَةً عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ وَغَرَّمَهُ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً
وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا قبل تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فيه لم يَضْمَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا
قَوْلُهُ وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ في الْأَسْرَى بين الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ أو مَالٍ
يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِمَالٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْخِرَقِيِّ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَاضِي في كُتُبِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بِمَالٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ولم أَرَهَا لِغَيْرِهِ وهو وَجْهٌ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا صححه ( ( ( وصححه ) ) ) في الْخُلَاصَةِ
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ
____________________
(4/130)
وقال الْخِرَقِيُّ فِيمَنْ لَا يُقْبَلُ منه الْحُرِّيَّةُ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ أو الْفِدَاءُ وَكَذَا قال في الْإِيضَاحِ وبن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ
فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ
وقال في الْفُرُوعِ عن الْخِرَقِيِّ أنه قال لَا يُقْبَلُ في غَيْرِ من لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يُرَاجِعْ الْخِرَقِيَّ أو حَصَلَ سَقْطٌ فإن الْفِدَاءَ مَذْكُورٌ في الْخِرَقِيِّ
وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ على الْإِسْلَامِ
قَوْلُهُ إلَّا غير الْكِتَابِيِّ فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ وَإِلَيْهِ مِيلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ
قال في الْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
وقال الشَّارِحُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِمْ مَبْنِيٌّ على أَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ أَخْذِهَا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَإِلَّا فَلَا
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ من تُقْبَلُ منهم الْجِزْيَةُ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَجُوسُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَمُرَادُهُ بِغَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ من لَا تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ
قال الزَّرْكَشِيُّ أبو الْخَطَّابِ وأبو مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا يَحْكُونَ الْخِلَافَ في غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وأبو الْبَرَكَاتِ جَعَلَ مَنَاطَ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ
فَعَلَى قَوْلِهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يَجْرِي فِيهِمْ الْخِلَافُ لِعَدَمِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ منهم
____________________
(4/131)
قال وَيَقْرَبُ من نَحْوِ هذا قَوْلُ الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ فإنه حَكَى الْخِلَافَ في مُشْرِكِي الْعَرَبِ من أَهْلِ الْكِتَابِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِيرَةِ لِلْأَمِيرِ إذَا كان الْأَسِيرُ حُرًّا مُقَاتِلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ من عليه وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ نَسَبِهِ
قال الشَّارِحُ وَعَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ أَيْضًا إذَا كان عليه وَلَاءٌ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ من عليه وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ أَيْضًا
وَجَزَمَ بِهِ وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ في الْبُلْغَةِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وفي رِقِّ من عليه وَلَاءُ مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ وَجْهَانِ
فَائِدَةٌ لَا يُبْطِلُ الِاسْتِرْقَاقُ حَقَّ مُسْلِمٍ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الِانْتِصَارِ لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا في مَالٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ له أو عليه وفي سُقُوطِ الدَّيْنِ من ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ
وقال في الْبُلْغَةِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ فَيَقْضِي منه دَيْنَهُ فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ وَإِنْ أُسِرَ وَأُخِذَ مَالُهُ مَعًا فَالْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ وَالدَّيْنُ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ انْتَهَى
وَقِيلَ إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لم تُسْتَرَقَّ لِحَمْلِهَا منه
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إلَّا الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
قال في الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ
____________________
(4/132)
قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُثَابُ عليه فَمُسْلِمٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَخْتَارَ غير الْأَصْلَحِ ولو ( ( ( وله ) ) ) كان فيه ضَرَرٌ فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ
فَائِدَةٌ لو تَرَدَّدَ رأى الْإِمَامِ وَنَظَرُهُ في ذلك فَالْقَتْلُ أَوْلَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
تَنْبِيهٌ هذه الْخِيَرَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في الْأَحْرَارِ وَالْمُقَاتِلَةِ
أَمَّا الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ فَالْإِمَامُ يُخَيَّرُ بين قَتْلِهِمْ إنْ رَأَى أو تَرْكِهِمْ غَنِيمَةً كَالْبَهَائِمِ
وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَيَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ
وَأَمَّا من يَحْرُمُ قَتْلُهُ غير النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالرَّاهِبِ وَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى فقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ
وَحَكَى بن مُنَجَّا عن الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قال في الْمُغْنِي يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الشَّيْخِ وَالزَّمِنِ وَلَعَلَّهُ في الْمُغْنِي الْقَدِيمِ
وَحَكَى أَيْضًا عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قالوا كُلُّ من لَا يُقْتَلُ كَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِ يَرِقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ
وَأَمَّا الْمَجْدُ فَجَعَلَ من فيه نَفْعٌ من هَؤُلَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ
قُلْت وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ وَمَنْ فيه نَفْعٌ وَلَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ
وفي الْوَاضِحِ من لَا يُقْتَلُ غير الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فيه بِغَيْرِ قَتْلٍ
وقال في الْبُلْغَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ قال وَلَهُ في الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أبيه وَابْنِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمُوا رَقُّوا في الْحَالِ
يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ صَارَ رَقِيقًا في الْحَالِ وَزَالَ التَّخْيِيرُ فيه وَصَارَ حُكْمُهُ
____________________
(4/133)
حُكْمَ النِّسَاءِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وقال عليه الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فيه بين الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَقَالَهُ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصطلحناه في الْخُطْبَةِ
فَعَلَى هذا يَجُوزُ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ من الرِّقِّ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ له من يَمْنَعُهُ من عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا
فَائِدَةٌ لو أَسْلَمَ قبل أَسْرِهِ لم يُسْتَرَقَّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ لو ادَّعَى الْأَسِيرُ إسْلَامًا سَابِقًا يَمْنَعُ رِقَّهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ لم يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ في بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا هُنَاكَ
قَوْلُهُ وَمَنْ سبى من أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا أو مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ
إذَا سبى الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ
فَائِدَةٌ الْمُمَيِّزُ الْمَسْبِيُّ كَالطِّفْلِ في كَوْنِهِ مُسْلِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ يَكُونُ مُسْلِمًا ما لم يَبْلُغْ عَشْرًا
____________________
(4/134)
وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حتى يُسْلِمَ بِنَفْسِهِ كَالْبَالِغِ
وَإِنْ سُبِيَ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وبن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْقَاضِي هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَتْبَعُ أَبَاهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ
وَعَنْهُ يَتْبَعُ الْمَسْبِيَّ معه مِنْهُمَا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ
وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ سُبِيَ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَفِي إسْلَامِهِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَ مع أَبَوَيْهِ فَهُوَ على دِينِهِمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ
فَائِدَةٌ لو سَبَى ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا تَبِعَ سَابِيَهُ حَيْثُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَقِيلَ إنْ سَبَاهُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ
قُلْت يَحْتَمِلُهُ كلام الْمُصَنِّفُ هُنَا بَلْ هو ظَاهِرُهُ
وَنَقَلَ عبد اللَّهِ وَالْفَضْلُ يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ أبو الطِّفْلِ الْكَافِرُ أو أُمُّهُ الْكَافِرَةُ أو أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا
قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/135)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفَسِخَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الِانْفِسَاخَ إنْ تَعَدَّدَ السَّابِي مِثْلَ أَنْ يَسْبِيَ المرأة ( ( ( امرأة ) ) ) وَاحِدٌ وَالزَّوْجَ آخَرُ وَقَالَا لم يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا
قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَعَنْهُ لَا يَنْفَسِخُ نَصَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في التَّبْصِرَةِ كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ
وقال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ سُبِيَتْ دُونَهُ فَهَلْ تُنَجَّزُ الْفُرْقَةُ أو تَقِفُ على فَوَاتِ إسْلَامِهِمَا في الْعِدَّةِ على وَجْهَيْنِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّجُلَ لو سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وقال أبو الْخَطَّابِ يَنْفَسِخُ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ
وَلَعَلَّ أَبَا الْخَطَّابِ اخْتَارَهُ في غَيْرِ الْهِدَايَةِ فَأَمَّا في الْهِدَايَةِ فإنه قال فَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا أو اُسْتُرِقَّ فقال شَيْخُنَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ من اُسْتُرِقَّ منهم لِلْمُشْرِكِينَ على رِوَايَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ بيعهما ( ( ( بيعها ) ) ) لِمُشْرِكٍ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ أَبَوْ جَعْفَرٌ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا يَجُوزُ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ
____________________
(4/136)
وَالشَّرْحِ وقال هو أَوْلَى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كان كَافِرًا
وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ دُونَ غَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ من الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ
وَيَأْتِي في بَابِ الْهَدِيَّةِ جَوَازُ بَيْعِ أَوْلَادِ الْمُحَارَبِينَ من آبَائِهِمْ
فَائِدَةٌ حُكْمُ الْمُفَادَاةِ بِمَالٍ حُكْمُ بَيْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
وَأَمَّا مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُهَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وَلَا نِسَاءٌ إلَى الْكُفَّارِ
وقال في الْبُلْغَةِ في مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ
قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ في الْبَيْعِ بين ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
إنْ كان قبل الْبُلُوغِ لم يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان بَعْدَ الْبُلُوغِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في كِتَابِ الْبَيْعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في مَوْضِعٍ وَلَا يفرق ( ( ( فرق ) ) ) بين كل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَأَطْلَقَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُصُولِ هو الْمَشْهُورُ عنه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
____________________
(4/137)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ
قال الْأَزَجِيُّ في الْمُنْتَخَبِ وَيَحْرُمُ تَفْرِيقٌ بين ذِي الرَّحِمِ قبل الْبُلُوغِ قال النَّاظِمُ وهو أَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بين ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ في الشَّرْحِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا غير الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
فَيَدْخُلُ في ذلك الْعَمَّةُ مع بن أَخِيهَا وَالْخَالَةُ مع بن أُخْتِهَا
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ اخْتِصَاصُ الْأَبَوَيْنِ وَالْجَدَّيْنِ بِذَلِكَ وَنَصَرَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ يَجُوزُ ذلك في غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ وَلَوْ رَضُوا بِهِ وهو صَحِيحٌ
وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُكْمُ التَّفْرِيقِ في الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا كَأَخْذِهِ بِجِنَايَةٍ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا حُكْمُ الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بِالْعِتْقِ وَلَا بِافْتِدَاءِ الْأَسْرَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وعليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ في الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ من الْحَضَانَةِ
وَقِيلَ يَحْرُمُ في افْتِدَاءِ الْأَسْرَى وَيَجُوزُ في الْعِتْقِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/138)
الثَّالِثَةُ لو بَاعَهُمْ على أَنَّ بَيْنَهُمْ نَسَبًا يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ كان لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وإذا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا لَزِمَتْهُ مُصَابَرَتُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فيها فَإِنْ أَسْلَمُوا أو من أَسْلَمَ منهم أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ
يُحْرِزُ بِذَلِكَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ سَوَاءٌ كَانُوا في السَّبْيِ أو في دَارِ الْحَرْبِ وكذا مَالُهُ أَيْنَ كان وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْمَنْفَعَةَ كَالْإِجَارَةِ
وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْحَمْلَ لَا الذي في بَطْنِ امْرَأَتِهِ وَلَا يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الْبُلْغَةِ وَلَوْ سُبِيَتْ الْحَرْبِيَّةُ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ لم يَمْنَعْ رِقَّهَا فَيَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ في الدَّوَامِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ وَيَتَوَقَّفُ على إسْلَامِهَا في الْعِدَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أو غَيْرِهِ جَازَ إنْ كانت الْمَصْلَحَةُ فيه
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قُلْت بَلْ يَلْزَمُهُ ذلك وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِمَالٍ وَغَيْرِهِ اما الْمَالُ فَلَا نِزَاعَ فيه وَأَمَّا إذَا سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
____________________
(4/139)
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُمْ وَيَسْتَضِرَّ بِالْمُقَامِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَلُوا على حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ إذَا كان مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا من أَهْلِ الِاجْتِهَادِ
يَعْنِي في الْجِهَادِ وَلَوْ كان أَعْمَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ولم يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الْبُلْغَةِ يُعْتَبَرُ فيه شُرُوطُ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ
قَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا فيه الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ من الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْفِدَاءِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ لَزِمَ قَبُولُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُ في الْمُقَاتِلَةِ وَلَا يَلْزَمُ في النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أو قَتْلِهِ وَيَجُوزُ له الْمَنُّ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وقال في الْكَافِي وَالْبُلْغَةِ يَجُوزُ الْمَنُّ على مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَا الْغَانِمِينَ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أو سَبْيٍ فَأَسْلَمُوا عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ
بِلَا نِزَاعٍ وفي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وفي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ
____________________
(4/140)
وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَقُّونَ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَرَقُّونَ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو سَأَلُوهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ على حُكْمِ اللَّهِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ وَيُخَيَّرَ فِيهِمْ كَالْأَسْرَى فَيُخَيَّرُ بين الْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْوَاضِحِ يُكْرَهُ وقال في الْمُبْهِجِ لَا يُنْزِلُهُمْ لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا ولم يَرْضَوْا بِهِ
الثَّانِيَةُ لو كان في الْحِصْنِ من لَا جِزْيَةَ عليه فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ
الثَّالِثَةُ لو جَاءَنَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَأُسِرَ سَيِّدُهُ أو غَيْرُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ في هُدْنَةٍ قَالَهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَالْكُلُّ له وَإِنْ أَقَامَ بِدَارِ حَرْبٍ فَرَقِيقٌ وَلَوْ جاء مَوْلَاهُ مُسْلِمًا بَعْدَهُ لم يُرَدَّ إلَيْهِ وَلَوْ جاء قَبْلَهُ مسلما ثُمَّ جاء الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ أو نَزَلَ من حِصْنٍ فَهُوَ حُرٌّ نَصَّ على ذلك قال وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ في حَقٍّ غَنِيمَةٌ فَلَوْ هَرَبَ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جاء بِأَمَانٍ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ لنا
____________________
(4/141)
بَابُ ما يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ
قَوْلُهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُ كَذَا الخ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ فَمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ يَمْنَعُهُ من الدُّخُولِ وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ
فَالْمُخَذِّلُ هو الذي يُقْعِدُ غَيْرَهُ عن الْغَزْوِ
وَالْمُرْجِفُ هو الذي يحدث بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَكَثْرَتِهِمْ وَضَعْفِ غَيْرِهِمْ
وَيَمْنَعُ أَيْضًا من يُكَاتِبُ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَرْمِي بَيْنَهُمْ بِالْفِتَنِ وَمَنْ هو مَعْرُوفٌ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ
وَيَمْنَعُ أَيْضًا الصَّبِيَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ يَمْنَعُ الطِّفْلَ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ اشْتَدَّ من الصِّبْيَانِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ أَنَّهُ لَا يَصْحَبُهُمْ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَصْحَبُهُمْ لِضَرُورَةٍ
الثَّانِي ظَاهِرٌ قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ النِّسَاءَ إلَّا طَاعِنَةً في السِّنِّ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى
مَنَعَ غير ذلك من النِّسَاءِ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا تُمْنَعُ امْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ كَفِعْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
____________________
(4/142)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَنْعَ من ذلك على سَبِيلِ التَّحْرِيمِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَجَزَمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الشَّابَّةِ من النِّسَاءِ أَرْضَ الْعَدُوِّ وَجَوَّزُوا لِلْأَمِيرِ خَاصَّةً أَنْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا
قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ
هذا قَوْلُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْبُلْغَةِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ مع حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ
زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ قَوِيَ جَيْشُهُ عليهم وَعَلَى الْعَدُوِّ لو كَانُوا معه
وفي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبَنَاهُمَا على الْإِسْهَامِ له قَالَهُ في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال في الْبُلْغَةِ يَحْرُمُ إلَّا لِحَاجَةٍ كحسن ( ( ( لحسن ) ) ) الظَّنِّ قال وَقِيلَ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَأَطْلَقَ أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ وَلَا يُعَاوِنُونَ
وَأَخَذَ الْقَاضِي من تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا في الْعِمَالَةِ وَالْكِتَابَةِ
وَسَأَلَهُ أبو طَالِبٍ عن مِثْلِ الْخَرَاجِ فقال لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ في شَيْءٍ
وَأَخَذَ الْقَاضِي منه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا في الزَّكَاةِ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ الْمَسْأَلَةَ على رِوَايَتَيْنِ قال وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ منه مَفَاسِدُ أو يُفْضِي إلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى من مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ
____________________
(4/143)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ من تَوَلَّى منهم دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّغَارَ وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَتَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ في شَيْءٍ من أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فيه أَعْظَمَ الضَّرَرِ وَلِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نَصَّ على ذلك
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ولا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ يَعْنِي يَحْرُمُ إلَّا بِشَرْطِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ يُكْرَهُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَعْقِدُ لهم الْأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ
الْمُسْتَحَبُّ في الْأَلْوِيَةِ أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بها نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَعْقِدُ لهم الْأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ
قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ وَيَتَخَيَّرُ لهم الْمَنَازِلَ وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا فَيَحْفَظُهَا وَيَبْعَثُ الْعُيُونَ على الْعَدُوِّ حتى لَا يَخْفَى عليه أَمْرُهُمْ وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ من الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفَلِ وَيُشَاوِرُ ذَا الرَّأْيِ وَيَصُفُّ جَيْشَهُ وَيَجْعَلُ في كل جَنْبَةٍ كُفُوًا وَلَا يَمِيلُ مع قَرِيبِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ على غَيْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ
وَيَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ على طَرِيقٍ أو قَلْعَةٍ أو مَاءٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إلَّا أَنْ يَكُونَ من مَالِ الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ مَجْهُولًا فَإِنْ جَعَلَ له جَارِيَةً منهم فَمَاتَتْ قبل الْفَتْحِ فَلَا شَيْءَ له بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(4/144)
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَتْ قبل الْفَتْحِ فَلَهُ قيمتها ( ( ( قيمها ) ) ) وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ سُلِّمَتْ إلَيْهِ
وَكَذَا إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَهِيَ أَمَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كافرا ( ( ( كافر ) ) ) فَلَهُ قِيمَتُهَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو أَسْلَمَ بَعْدَ ذلك فَفِي جَوَازِ رَدِّهَا إلَيْهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ أنها لَا تُرَدُّ إلَيْهِ لِاقْتِصَارِهِمْ على إعْطَاءِ قِيمَتِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا ولم يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ فَلَهُ قِيمَتُهَا بِلَا نِزَاعٍ
فَإِنْ أَبَى إلَّا الْجَارِيَةَ وَامْتَنَعُوا من بَذْلِهَا فُسِخَ الصُّلْحُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ فَسْخُ الصُّلْحِ في الْأَشْهَرِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ له إلَّا قِيمَتُهَا وهو وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ وَقَوَّاهُ
قُلْت هو الصَّوَابُ
وَظَاهِرُ نَقْلِ بن هَانِئٍ أنها لِمَنْ سَبَقَ حَقُّهُ وَلِرَبِّ الْحِصْنِ الْقِيمَةُ
فَائِدَةٌ لو بُذِلَتْ له الْجَارِيَةُ مَجَّانًا أو بِالْقِيمَةِ لَزِمَهُ أَخْذُهَا وَإِعْطَاؤُهَا له وَالْمُرَادُ إذَا كانت غير حَرَّةِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا
____________________
(4/145)
قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَ في الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَهُ وَذَلِكَ إذَا دخل الْجَيْشُ بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ وإذا رَجَعَ بَعَثَ أُخْرَى فما أَتَتْ بِهِ أَخْرَجَ خُمُسَهُ وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ ما جُعِلَ لها وَقَسَمَ الْبَاقِيَ في الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ مَعًا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّرِيَّةَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَلَ الْمَذْكُورَ إلَّا بِشَرْطٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ تَسْتَحِقُّهُ من غَيْرِ شَرْطٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَجَوَازُ إعْطَاءِ النَّفْلِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَ ما فيه عَنَاءٌ جُعْلًا كَمَنْ نَقَبَ أو صَعِدَ هذا الْمَكَانَ أو جاء بِكَذَا فَلَهُ من الْغَنِيمَةِ أو من الذي جاء بِهِ كَذَا ما لم يُجَاوِزْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ نَصَّ عليه
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذلك من غَيْرِ شَرْطٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يعطى إلَّا بِشَرْطٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
وَيَحْرُمُ تَجَاوُزُهُ الثُّلُثَ في هذا وفي النَّفْلِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ بِلَا شَرْطٍ فَقَطْ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(4/146)
قَوْلُهُ فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ إلَى الْبِرَازِ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ من نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشُّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ
هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي تَحْرِيمَ الْمُبَارَزَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَلْ هو كَالصَّرِيحِ وَنَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% بِغَيْرِ إذْنٍ تَحْرُمُ الْمُبَارَزَةُ % فَالسَّلْبُ الْمَشْهُورُ لَيْسَتْ جَائِزَةً %
وَعَنْهُ يُكْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي فإنه قال يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْأَمِيرَ في الْمُبَارَزَةِ إذَا أَمْكَنَ
وقال في الْفُصُولِ في اللِّبَاسِ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ الْمُبَارَزَةُ ابْتِدَاءً لِمَا فيها من كَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ أَمْ تُكْرَهُ لِئَلَّا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ فيه احْتِمَالَانِ
وقال الشَّارِحُ الْمُبَارَزَةُ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
إحْدَاهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ المصنف ( ( ( الصنف ) ) )
وَالثَّانِيَةُ مُبَاحَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْتَدِئَ الشُّجَاعُ فَيَطْلُبَهَا فَتُبَاحُ وَلَا تُسْتَحَبُّ
قُلْت في الْبُلْغَةِ إنَّهَا تُسْتَحَبُّ أَيْضًا
الثَّالِثَةُ مَكْرُوهَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْرُزَ الضَّعِيفُ الذي لَا يَثِقُ من نَفْسِهِ فَتُكْرَهُ له
قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إلَيْهِ فَلَهُ شَرْطُهُ
وَكَذَلِكَ لو كانت الْعَادَةُ كَذَلِكَ فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ أو أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ جَاز الدَّفْعُ عنه
قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ أو الْكَافِرُ وفي الْبُلْغَةِ أو أُثْخِنَ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عنه وَالرَّمْيُ
____________________
(4/147)
وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ أو أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ أو عَجَزَ وَقِيلَ أو ظَهَرَ الْكَافِرُ عليه فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عنه وَالرَّمْيُ وَالْقِتَالُ
وَقِيلَ إنْ عَادَ أَحَدُهُمَا مُثْخَنًا أو مُخْتَارًا جَازَ رَمْيُ الْكَافِرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ فَلَهُ سَلَبُهُ وَكُلُّ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرُ مَحْبُوسٍ
هذا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ وَسَوَاءٌ شَرَطَهُ له الْإِمَامُ أَمْ لَا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ كان الْقَاتِلُ من أَهْلِ الْإِسْهَامِ أو الْإِرْضَاخِ حتى الْكَافِرِ صَرَّحَ بِهِ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ شَرَطَهُ له الْإِمَامُ أو لَا على الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَنَاظِمُهَا وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ
وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ أَيْضًا إذْنُ الْإِمَامِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ نَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ كما تَقَدَّمَ لَفْظُهُ قال بن أبي مُوسَى أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ
وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّهُ من كان من أَهْلِ الرَّضْخِ
فَائِدَةٌ لو بَارَزَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَقَتَلَ قَتِيلًا لم يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ عَاصٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال وَكَذَلِكَ كُلُّ عَاصٍ دخل بِغَيْرِ إذْنٍ
وَعَنْهُ فيه يُؤْخَذُ منه الْخُمُسُ وَبَاقِيهِ له قال وَيَخْرُجُ في الْعَبْدِ مِثْلُهُ
قَوْلُهُ إذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ مُنْهَمِكًا على الْقِتَالِ غير مُثْخَنٍ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ في قَتْلِهِ
وَكَذَا لو أَثْخَنَ الْكَافِرُ بِالْجِرَاحِ بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(4/148)
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ أو يُثْخِنَهُ في حَالِ امْتِنَاعِهِ وهو مُقْبِلٌ فَإِنْ قَتَلَهُ وهو مُشْتَغِلٌ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ أو وهو مُنْهَزِمٌ لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ نَصَّ عليه
وقال في التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ فَإِنْ كان مُنْهَزِمًا إلَّا لِانْحِرَافٍ أو لِتَحَيُّزٍ لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ
وقال الْمُصَنِّفُ إذَا انْهَزَمَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَأَدْرَكَهُ وَقَتَلَهُ فَسَلَبُهُ له لِقِصَّةِ سَلَمَةَ بن الْأَكْوَعِ رضي اللَّهُ عنه
وَقَوْلُهُ حَالَ الْحَرْبِ هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في هذا نَظَرٌ فإن في حديث بن الْأَكْوَعِ كان الْمَقْتُولُ مُنْفَرِدًا وَلَا قِتَالَ هُنَاكَ بَلْ كان الْمَقْتُولُ قد هَرَبَ منهم
تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لو قَتَلَ صَبِيًّا أو امْرَأَةً إذَا قَاتَلَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ يُشْتَرَطُ في مُسْتَحِقِّ السَّلَبِ إمَّا أَنْ يَكُونَ من أَهْلِ الْمَغْنَمِ حُرًّا كان أو عَبْدًا رَجُلًا كان أو صَبِيًّا أو امْرَأَةً فَلَوْ كان ليس له حَقٌّ كَالْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ قال في الْكَافِي وَالْكَافِرُ إذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ النَّاظِمِ في الْكَافِرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/149)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ هذا الْمَنْصُوصُ
وقال الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي سَلَبُهُ لَهُمَا
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ إنْ كانت ضَرْبَةُ أَحَدِهِمَا أَبْلَغَ كان السَّلَبُ له وَإِلَّا كان غَنِيمَةً
فَائِدَةٌ لو قَتَلَهُ أَكْثَرُ من اثْنَيْنِ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ بِطَرِيقِ أَوْلَى
وَقِيلَ سَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ
وَكَذَا إنْ رَقَّهُ الْإِمَامُ أو فَدَاهُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وقال الْقَاضِي هو لِمَنْ أَسَرَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ
وَقِيلَ هو لِلْقَاتِلِ وَقِيلَ هو لِلْقَاطِعِ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ
فَائِدَةٌ حُكْمُ من قَطَعَ يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ حُكْمُ من قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ أَنَّ سَلَبَهُ لِلْقَاتِلِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ هو غَنِيمَةٌ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا
وَجَزَمَ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/150)
قَوْلُهُ وَالسَّلَبُ ما كان عليه من ثِيَابٍ وحلى وَسِلَاحٍ وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا
يَعْنِي التي قَاتَلَ عليها هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْخَلَّالُ
وَعَنْهُ أَنَّ الدَّابَّةَ وَآلَتَهَا لَيْسَتْ من السَّلَبِ
وَقِيلَ هِيَ غَنِيمَةٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قال في الْكَافِي وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَغُرَّنَّكَ قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ في الْكَافِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ فإنه وَهْمٌ
وقال في التَّبْصِرَةِ حِلْيَةُ الدَّابَّةِ لَيْسَتْ من السَّلَبِ بَلْ هِيَ غَنِيمَةٌ
وَعَنْهُ أَنَّهُ قال في السَّيْفِ لَا أَدْرِي
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِدَابَّتِهِ الدَّابَّةُ التي قَاتَلَ عليها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ أو كان آخِذًا بِعِنَانِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ وَخَيْمَتُهُ وَرَحْلُهُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ من السَّلَبِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت وَكَذَا حَقِيبَتُهُ الْمَشْدُودَةُ على فَرَسِهِ
وَقِيلَ فِيمَا معه من دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ رِوَايَتَانِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلْبَهُ
____________________
(4/151)
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي يَجُوزُ إذَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فُرْصَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ
وقال في الرَّوْضَةِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عن أَحْمَدَ فَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وَعَنْهُ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ ظاهر ( ( ( ظاهرا ) ) ) أو ( ( ( وخفية ) ) ) خفية جَمَاعَةً وَآحَادًا جَيْشًا أو سَرِيَّةً
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ الْغَزْوُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَهُ كُلُّ أَحَدٍ على الِانْفِرَادِ وَلَا دُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَلَهُمْ فِعْلُ ذلك إذَا كَانُوا عُصْبَةً لهم مَنَعَةٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ دخل قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ لهم دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَغَنِمُوا فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَسَوَاءٌ كَانُوا قَلِيلِينَ أو كَثِيرِينَ حتى وَلَوْ كان وَاحِدًا أو عَبْدًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ
وَعَنْهُ هِيَ لهم بَعْدَ الْخُمُسِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ
وَعَنْهُ هِيَ لهم من غَيْرِ تَخْمِيسٍ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
فَعَلَى الثَّانِيَةِ فِيمَا أَخَذُوهُ بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْبُلْغَةِ فِيمَا أَخَذُوهُ بِسَرِقَةٍ وَاخْتِلَاسٍ الرِّوَايَاتُ الثلاث ( ( ( الثلاثة ) ) ) الْمُتَقَدِّمَةُ وَمَعْنَاهُ في الرَّوْضَةِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ دَخَلُوا لو كان لهم مَنَعَةٌ لم يَكُنْ ما غَنِمُوا فَيْئًا وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ يَعْنِي أَنَّهُ غَنِيمَةٌ فَيُخَمَّسُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَهِيَ أَصَحُّ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/152)
وَعَنْهُ أَنَّهُ فَيْءٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال الشَّارِحُ وَيَخْرُجُ فيه وَجْهٌ كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ هُنَا أَيْضًا
وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هذا الْوَجْهَ يَعْنِي أَنَّهُ لهم من غَيْرِ تَخْمِيسٍ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَ من دَارِ الْحَرْبِ طَعَامًا أو عَلَفًا فَلَهُ أَكْلُهُ وَعَلَفُ دَابَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ
وَلَوْ كانت لِلتِّجَارَةِ
وَعَنْهُ لَا يَعْلِفُ من الدَّوَابِّ إلَّا الْمُعَدَّ لِلرُّكُوبِ ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ وَأَطْلَقَهُمَا وَلَوْ كان غير مُحْتَاجٍ إلَيْهِ على أَشْهَرِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن أبي مُوسَى
وَكَذَا له أَنْ يُطْعِمَ سَبْيًا اشْتَرَاهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُحْرِزَ فَإِنْ أَحْرَزَ بِدَارِ حَرْبٍ فَلَيْسَ له ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ
وَقِيلَ له ذلك وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
وَعَنْهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ كُلِّهِ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْفَهْدَ وَكَلْبَ الصَّيْدِ وَالْجَارِحَ من ذلك وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يَجُوزُ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ وَأَطْلَقَهُمَا
قَوْلُهُ وَلَيْسَ له بَيْعُهُ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ في الْمَغْنَمِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ من غَازٍ أو غَيْرِهِ
____________________
(4/153)
فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَدَّ قِيمَتَهُ أو ثَمَنَهُ إنْ كان أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ لم يَخْلُ إمَّا أَنْ يَبْذُلَهُ بِطَعَامٍ أو عَلَفٍ مِمَّا له الإنتفاع بِهِ أو بِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بمثله فَلَيْسَ هذا بَيْعًا في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ مُبَاحًا وَأَخَذَ مُبَاحًا مثله
فَعَلَى هذا لو بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ أو افْتَرَقَا قبل الْقَبْضِ جَازَ وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً أو أَقْرَضَهُ إيَّاهُ فَأَخَذَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ
وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ وَلَا ثَمَنَ عليه وَإِنْ أَخَذَهُ منه وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ فَضَلَ معه شَيْءٌ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ رَدَّهُ في الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا فَلَهُ أَكْلُهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن إبْرَاهِيمَ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَالْعُمْدَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ في الْمَغْنَمِ نَصَّ عليهما في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَهِيَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ وَالشَّارِحُ والرعايتين ( ( ( في ) ) ) وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْإِرْشَادِ وَالزَّرْكَشِيُّ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَجَزَمَ بِهِ الْمُنَوِّرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ وَإِنْ أَكَلَهُ لم يَرُدَّ قِيمَةَ أَكْلِهِ على الصَّحِيحِ وَعَنْهُ يَرُدُّهَا
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْيَسِيرَ هُنَا يَرْجِعُ قَدْرُهُ إلَى الْعُرْفِ
وقال في التَّبْصِرَةِ وَالْمُوجَزِ هو كَطَعَامِ أو عَلَفِ يَوْمَيْنِ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ
قال في الرِّعَايَةِ الْيَسِيرُ كَعَلَفَةٍ وَعَلَفَتَيْنِ وَطَبْخَةٍ وَطَبْخَتَيْنِ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ غير الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ وهو صَحِيحٌ
____________________
(4/154)
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالصَّابُونِ فَإِنْ غَسَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ في الْمَغْنَمِ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الثَّالِثُ السُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهُمَا كَالطَّعَامِ وفي إلْحَاقِ الْعَقَاقِيرِ بِالطَّعَامِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى إلْحَاقُهُ بِالطَّعَامِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا
وقال في مَوْضِعٍ من الرِّعَايَةِ وَلَهُ شُرْبُ الدَّوَاءِ من الْمَغْنَمِ وَأَكْلُهُ
الرَّابِعُ مَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ وَالْأَكْلِ إذَا لم يَحُزْهَا الْإِمَامُ أَمَّا إذَا حَازَهَا الْإِمَامُ وَوَكَّلَ من يَحْفَظُهَا فإنه لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ منه إلَّا لِضَرُورَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ عنه وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَوَّزَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ الْأَكْلَ منه في دَارِ الْحَرْبِ مُطْلَقًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَدْخُلُ في الْغَنِيمَةِ جَوَارِحُ الصَّيْدِ كَالْفُهُودِ وَالْبُزَاةِ نَقَلَ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِثَمَنِ الْبَازِي انْتَهَى
وَلَا يَدْخُلُ ثَمَنُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِالْكَلْبِ من شَاءَ فَلَوْ رَغِبَ فيها بَعْضُ الْغَانِمِينَ دُونَ بَعْضٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَإِنْ رَغِبَ فيها الْكُلُّ أو نَاسٌ كَثِيرٌ قُسِّمَتْ عَدَدًا من غَيْرِ تَقْوِيمٍ إنْ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا وَإِنْ تَعَذَّرَ أو تَنَازَعُوا في الْجَيِّدِ منها أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ قَالَهُ أَحْمَدُ وَنَقَلَ أبو دَاوُد يَصُبُّ الْخَمْرَ وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ له إذَا كان مُحْتَاجًا دُهْنُ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ وَيَجُوزُ شُرْبُ شَرَابٍ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد دَهْنُهُ بِدُهْنٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي
قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَ سِلَاحًا يَعْنِي من الْغَنِيمَةِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ حتى يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ يَرُدُّهُ
____________________
(4/155)
يَجُوزُ له أَخْذُ السِّلَاحِ الذي أُخِذَ من الْكُفَّارِ لِلْقِتَالِ سَوَاءٌ كان مُحْتَاجًا إلَيْهِ أو لَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ له ذلك مع الْحَاجَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ له رُكُوبُ الْفَرَسِ
يَعْنِي لِيُقَاتِلَ عليها في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بن الْحَارِثِ لَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ أو خَوْفٍ على نَفْسِهِ
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ من الْفَيْءِ وَلَا يَعْجِفُهَا
فَائِدَةٌ حُكْمُ لُبْسِ الثَّوْبِ حُكْمُ رُكُوبِ الْفَرَسِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ
____________________
(4/156)
بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أُخِذَ منهم مَالُ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قبل قَسْمِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا فَهُوَ أَحَقُّ بِقِيمَتِهِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ مَالُ مُسْلِمٍ من الْكُفَّارِ بَعْدَ أَخْذِهِمْ له فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ نَقُولَ هُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أو لَا وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُونَهَا وَأَخَذْنَاهَا منهم فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أولا فَإِنْ لم يُعْرَفْ صَاحِبُهُ قُسِمَ وَجَازَ التَّصَرُّفُ فيه وَإِنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ أو قبل قَسْمِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ قبل قَسْمِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيُرَدُّ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيمَةٌ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْمُحَرَّرِ وهو الْمَشْهُورُ عنه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْإِرْشَادِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا حَقَّ له فيه كما لو وَجَدَهُ بِيَدِ المستولى عليه وقد أَسْلَمَ أو أَتَانَا بِأَمَانٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو بَاعَهُ الْمُغْتَنِمُ قبل أَخْذِ سَيِّدِهِ صَحَّ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ من الثَّانِي وكذلك لو رَهَنَهُ صَحَّ وَيَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ من الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ ولم يُفَرِّقْ بين أَنْ يُطَالِبَ بِأَخْذِهِ أو لَا
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ بِثَمَنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ
____________________
(4/157)
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
قال في الْمُحَرَّرِ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْإِرْشَادِ
وقال الْقَاضِي حُكْمُهُ حُكْمُ ما لو وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ
وهو الْمَذْهَبُ قال في الْمُحَرَّرِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ أَخَذَهُ منه بِغَيْرِ قِيمَةٍ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَعَنْهُ ليس له أَخْذُهُ إلَّا بِقِيمَتِهِ وَعَنْهُ لَا حَقَّ له فيه
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ أو مُتَّهَبُهُ أو وَهَبَاهُ أو كان عَبْدًا فَأَعْتَقَاهُ لَزِمَ تَصَرُّفُهُمَا وَهَلْ له أَخْذُهُ من آخَرَ مُشْتَرٍ أو مُتَّهَبٍ مَبْنِيٌّ على ما سَبَقَ من الْخِلَافِ في الْأَصْلِ
الثَّانِيَةُ إذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا لَزِمَ السَّيِّدَ قبل الْقِسْمَةِ أَخْذُهَا وَيَتَمَكَّنُ منه بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْعِوَضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّالِثَةُ حُكْمُ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قال في الرِّعَايَةِ وَأَمْوَالُ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا اسْتَوْلَى عليها الْكُفَّارُ ثُمَّ قَدَرَ عليها حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ
الرَّابِعَةُ لو بَقِيَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَعَهُمْ حَوْلًا أو أَحْوَالًا فَلَا زَكَاةَ فيه وَلَوْ كان عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ لم يَعْتِقْ وَلَوْ كانت أَمَةً مُزَوَّجَةً فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ انْفِسَاخُ نِكَاحِهَا وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ كَالْحُرَّةِ
____________________
(4/158)
وَرَوَى بن هَانِئٍ عن أَحْمَدَ تَعُودُ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَتْ وَهَذَا يَدُلُّ على انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالسَّبْيِ
تَنْبِيهٌ هذه الْأَحْكَامُ كُلُّهَا على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالْقَهْرِ
واما على الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا فَلَا يُقْسَمُ بِحَالٍ وَتُوقَفُ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا وَلِرَبِّهِ اخذه بِغَيْرِ شَيْءٍ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أو الشِّرَاءِ منهم أو إسْلَامِ آخِذِهِ وهو معه هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في التَّبْصِرَةِ هو أَحَقُّ بِمَا لم يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنٍ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ حُكْمُ الْقَاسِمِينَ
وَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ رِوَايَةُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَيَصِحُّ عِتْقُهُ ولم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الْمُزَوَّجَةِ
قَوْلُهُ وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وهو الْمَذْهَبُ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي يَمْلِكُونَهَا من غَيْرِ خِلَافٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
فَعَلَيْهَا يَمْلِكُونَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ صَرَّحَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَأْتِي ذلك في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ
وقال أبو الْخَطَّابِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا يَعْنِي وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ وَهِيَ رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ في تَعْلِيقِهِ وبن شِهَابٍ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في النَّظْمِ لَا يَمْلِكُونَهُ في الْأَظْهَرِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ وَمُفْرَدَاتِهِ رِوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَ فيها عَدَمَ الْمِلْكِ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا
____________________
(4/159)
قال في الْمُحَرَّرِ وَنَصَّ أبو الْخَطَّابِ في تَعْلِيقِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَحَتَّى لو كان مَقْسُومًا وَمِنْ الْعَدُوِّ إذَا أَسْلَمَ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أَحْمَدَ انْتَهَى
وَأَطْلَقَهُمَا في الْبُلْغَةِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ أَحْمَدَ لم يَنُصَّ على الْمِلْكِ وَلَا على عَدَمِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ على أَحْكَامٍ أُخِذَ منها ذلك
قال وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ من كل وَجْهٍ انْتَهَى
وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُونَهَا حتى يَحُوزُوهَا إلَى دَارِهِمْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُنَّ الشَّارِحُ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وإذا قُلْنَا يَمْلِكُونَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحُوزُوهُ بِدَارِهِمْ فيه رِوَايَتَانِ وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ
وقال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَائِهِمْ بَلْ بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ
وَبَنَى بن الصَّيْرَفِيِّ مِلْكَهُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ على أَنَّهُمْ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا هُمْ مُخَاطَبُونَ لم يَمْلِكُوهَا وَإِلَّا مَلَكُوهَا
وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ من غَيْرِ خِلَافٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ
وَأَيْضًا إنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ في مِلْكِ الْكُفَّارِ وَعَدَمِهِ أَمْوَالَنَا في أَهْلِ الْحَرْبِ أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِلَا خِلَافٍ وَالْخِلَافُ في تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ عَامٌّ في أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ
____________________
(4/160)
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا حَيْثُ قُلْنَا يَمْلِكُونَهَا فَلَا يَمْلِكُونَ الْجَيْشَ وَلَا الْوَقْفَ وَيَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ كَالْوَقْفِ فَلَا يَمْلِكُونَهَا صَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ النَّظْمِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِغَيْرِ ذلك فَلَا يَمْلِكُونَ ما شَرَدَ إلَيْهِمْ من الدَّوَابِّ أو أَبَقَ من الْعَبِيدِ أو أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِمْ من السُّفُنِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَذْهَبُ لَا يَمْلِكُونَهُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ حُكْمُهُ حُكْمُ ما أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْأَحْرَارَ وهو صَحِيحٌ فَلَا يَمْلِكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا بِالِاسْتِيلَاءِ عليه وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ لِحِفْظِهِ من الْأَذَى
وَنَصُّهُ في الذِّمِّيِّ إذَا اُسْتُعِينَ بِهِ وَمَنْ اشْتَرَاهُ منهم بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ
وقال في الْمُحَرَّرِ فَلَهُ عليه ثَمَنُهُ دَيْنًا ما لم يَنْوِ بِهِ التَّبَرُّعَ فَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
____________________
(4/161)
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةَ الْأَسْرَى وَأَهْلِ الثَّغْرِ فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ وَيَأْخُذَ ما وَزَنَ لَا زِيَادَةً فإنه يَرْجِعُ
قَوْلُهُ وما أُخِذَ من دَارِ الْحَرْبِ من رِكَازٍ أو مُبَاحٍ له قِيمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ
إذَا كان مع الْجَيْشِ وَأُخِذَ من دَارِ الْحَرْبِ رِكَازًا وَحْدَهُ أو بِجَمَاعَةٍ منهم لَا يَقْدِرُ عليه إلَّا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ
وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عليه بِنَفْسِهِ كَالْمُتَلَصِّصِ وَنَحْوِهِ فإنه يَكُونُ له فَهُوَ كما لو وَجَدَهُ في دَارِ الْإِسْلَامِ فيه الْخُمُسُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَخَرَجَ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
واما ما أَخَذَهُ من دَارِ الْحَرْبِ من الْمُبَاحِ وَلَهُ قِيمَةٌ كَالصَّيُودِ وَالصَّمْغِ وَالدَّارَصِينِيِّ وَالْحِجَارَةِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُطْلَقًا كما قال الْمُصَنِّفُ
وَنَقَلَ عبد اللَّهِ إنْ صَادَ سَمَكًا وكان يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِمَّا يَبِيعُهُ بِدَانِقٍ أو قِيرَاطٍ وما زَادَ على ذلك يَرُدُّهُ في الْمَغْنَمِ
وقال بن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ وَهَدِيَّةُ مُبَاحٍ وَكَسْبُ طَائِفَةٍ غَنِيمَةٌ في الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَا قِيمَةَ له كَالْأَقْلَامِ فَهُوَ لِآخِذِهِ وَإِنْ صَارَ له قِيمَةٌ يُقَدَّرُ ذلك بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ نَصَّ عليه
وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا
وَيَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ حُكْمُ من أُخِذَ من الْفِدْيَةِ أو ما أُهْدِيَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أو لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ
قَوْلُهُ وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ عليها في دَارِ الْحَرْبِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ
____________________
(4/162)
في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وقال في الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ لَا في فَوْرِ الْهَزِيمَةِ لِالْتِبَاسِ الْأَمْرِ هل هو حِيلَةٌ أو ضَعْفٌ وَقَالَهُ في الْبُلْغَةِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ
وقال الْقَاضِي لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ وَتَرَدَّدَ في الْمِلْكِ قبل الْقِسْمَةِ هل هو بَاقٍ لِلْكُفَّارِ أو أَنَّ مِلْكَهُمْ انْقَطَعَ عنها وَقَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تُمْلَكُ كَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ في الِانْتِصَارِ بِالْقَصْدِ
وَقِيلَ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهَا قبل الْحِيَازَةِ بِدَارِنَا
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَسْمُهَا فيها وكذا تَبَايُعُهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذلك فِيهِمَا وفي البلغة رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فيها
فَائِدَةٌ لو أَرَادَ الْأَمِيرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ منها فَوَكَّلَ من لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا حَرُمَ نَصَّ عليه
وَيَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ إذَا تَبَايَعُوا بَعْدَ قِسْمَتِهَا ثُمَّ غَلَبَ عليها الْعَدُوُّ هل تَكُونُ من مَالِ الْمُشْتَرِي أو الْبَائِعِ
قَوْلُهُ وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ من أَهْلِ الْقِتَالِ قَاتَلَ أو لم يُقَاتِلْ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ مَتَى شَهِدَ الْوَقْعَةَ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا
____________________
(4/163)
وقال الْآجُرِّيُّ لو حَازُوهَا ولم تُقْسَمْ ثُمَّ انْهَزَمَ قَوْمٌ فَلَا شَيْءَ لهم لِأَنَّهَا لم تَصِرْ إلَيْهِمْ حتى صَارُوا عُصَاةً
فَائِدَةٌ يَسْتَحِقُّ أَيْضًا من الْغَنِيمَةِ من بَعَثَهُ الْأَمِيرُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ مِثْلَ الرَّسُولِ وَالدَّلِيلِ وَالْجَاسُوسِ وَأَشْبَاهِهِمْ فَيُسْهِمُ لهم وَإِنْ لم يَحْضُرُوا وَيُسْهِمُ أَيْضًا لِمَنْ خَلَّفَهُمْ الْأَمِيرُ في بِلَادِ الْعَدُوِّ غَزْوًا أو لم يَمُرَّ بِهِمْ فَرَجَعُوا نَصَّ عليه
قَوْلُهُ من تُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمْ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُسْهَمُ للمكاوي ( ( ( للمكاري ) ) ) وَالْبَيْطَارِ وَالْحَدَّادِ وَالْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَالصُّنَّاعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في أَسِيرٍ وَتَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ وَالْإِسْهَامُ لِلتَّاجِرِ من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ لِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ
وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يُسْهَمُ له إذَا قَصَدَ الْجِهَادَ وَكَذَا قال في التَّاجِرِ
وقال في الْمُوجَزِ هل يُسْهَمُ لِتَاجِرِ الْعَسْكَرِ وَسَوْقِهِ وَمُسْتَأْجَرٍ مع جُنْدٍ كَرِكَابِيٍّ وَسَائِسٍ أَمْ يَرْضَخُ لهم فيه رِوَايَتَانِ
وقال في الْوَسِيلَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ تَبَرُّعًا أو بِأُجْرَةٍ وَقَطَعَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ
وَأَمَّا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عن الْقِتَالِ فَلَا حَقَّ له هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وقال الْآجُرِّيُّ من شَهِدَ الْوَقْعَةَ ثُمَّ مَرِضَ أُسْهِمَ له وَإِنْ لم يُقَاتِلْ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ
يَعْنِي لَا حَقَّ لَهُمَا وَلَا لِفَرَسِهِمَا فيها
____________________
(4/164)
قال الْأَصْحَابُ وَلَوْ تَرَكَا ذلك وَقَاتَلَا وَلَا يَرْضَخُ لهم لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ وَلَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا غَزَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ عَاصٍ
وَلَا شَيْءَ لِمَنْ يُعِينُ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا وَلَا لِمَنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ عن الْحُضُورِ وَلَا لِطِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَكَذَا حُكْمُ من هَرَبَ من كَافِرِينَ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَيُسْهَمُ لِمَنْ مُنِعَ من الْجِهَادِ لِدَيْنِهِ فَخَالَفَ أو مَنَعَهُ الْأَبُ من جِهَادِ التَّطَوُّعِ فَخَالَفَ صَرَّحَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ عليه بِحُضُورِ الصَّفِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ
قَوْلُهُ وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ فَلَا حَقَّ له
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُسْهَمُ له وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ
وقال قُلْت وَمِثْلُهُ الْهَرَمُ وَالضَّعِيفُ وَالْعَاجِزُ
وقال في التَّبْصِرَةِ يُسْهَمُ لِفَرَسٍ عَجِيفٍ وَيُحْتَمَلُ لَا وَلَوْ شَهِدَهَا عليه
قَوْلُهُ وإذا لَحِقَ مَدَدٌ أو هَرَبَ أَسِيرٌ فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قبل تَقَضِّيهَا أُسْهِمَ لهم
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُمَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ جاؤوا ( ( ( جاءوا ) ) ) بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لهم
أَنَّهُمْ لو جاؤوا ( ( ( جاءوا ) ) ) قبل إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَبَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لهم وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لهم وَالْحَالَةُ هذه وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ في مَوْضِعٍ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
____________________
(4/165)
قال في الْوَجِيزِ يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ وَالْمَدَدِيِّ إن ( ( ( لمن ) ) ) أَدْرَكَاهَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وقال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ إذَا قُلْنَا تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عليها فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَتُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ تَقَضِّي الْحَرْبِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَمَنْ تَابَعَهُ
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ وهو قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي
فَعَلَى هذا لَا يَسْتَحِقُّ منها إلَّا من شَهِدَ الْإِحْرَازَ
وَعَلَى الْأَوَّلِ اعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ شُهُودَ إحْرَازِ الْوَقْعَةِ وَقَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ من لم يَشْهَدْهُ
وَفَصَلَ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بين الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْمَدَدِ فَيَسْتَحِقُّ الْجَيْشُ بِحُضُورِ جَزْءٍ من الْوَقْعَةِ إذَا كان تَخَلُّفُهُمْ لِعُذْرٍ وَيُعْتَبَرُ في اسْتِحْقَاقِ الْمَدَدِ بِخِلَافِ الْحَرْبِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي
فَائِدَةٌ لو لَحِقَهُمْ مَدَدٌ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ لم يَسْتَحِقُّوا منها شيئا فَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ فَقَاتَلَ الْمَدَدُ مع الْجَيْشِ حتى سَلِمُوا بِالْغَنِيمَةِ لم يَسْتَحِقُّوا أَيْضًا منها شيئا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عن أَصْحَابِهَا لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ في أَيْدِيهمْ وَجَدُوهَا نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ
قَوْلُهُ ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ فَيَقْسِمُ خُمُسَهُ على خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ
الصَّحِيحُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ هذا السَّهْمَ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ
____________________
(4/166)
وَعَنْهُ يُصْرَفُ في الْمُقَاتِلَةِ وَعَنْهُ يُصْرَفُ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ
وَعَنْهُ يُصْرَفُ في الْمُقَاتِلَةِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ
قال في الِانْتِصَارِ وهو لِمَنْ يَلِي بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ ولم يذكر سَهْمَ اللَّهِ وَذَكَرَ مثله في عُيُونِ الْمَسَائِلِ
وقال أبو بَكْرٍ إذَا أَجْرَى ذلك على من قام مَقَامَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ من الْأَئِمَّةِ جَازَ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الرَّدِّ على الرَّافِضِيِّ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّهَ أَضَافَ هذه الْأَمْوَالَ إضَافَةَ مِلْكٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الناس ثُمَّ اخْتَارَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ بَلْ أَمْرُهَا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ
قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ حَيْثُ كَانُوا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا مُجَاهِدِينَ أو لَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ
وَقِيلَ لَا يُعْطُونَ إلَّا من جِهَةِ الْجِهَادِ
قَوْلُهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فيه سَوَاءٌ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فيه سَوَاءٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في
____________________
(4/167)
الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ وَاخْتَارَهُ أبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَجِبُ تَعْمِيمُهُمْ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا حَسَبَ الْإِمْكَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
فَعَلَى هذا يَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ في الْأَقَالِيمِ وَيَنْظُرُ ما حَصَلَ من ذلك فإذا اسْتَوَتْ الْأَخْمَاسُ فَرَّقَ كُلَّ خَمْسٍ فِيمَنْ قَارَبَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُمِرَ بِحَمْلِ الْفَاضِلِ لِيُدْفَعَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ
وقال الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ أو يَشُقُّ فلم يَجِبْ كَالْمَسَاكِينِ وَالْإِمَامُ ليس له حُكْمٌ إلَّا في قَلِيلٍ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ
فَعَلَى هذا يُفَرِّقُهُ كُلُّ سُلْطَانٍ فِيمَا أَمْكَنَ من بِلَادِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَلَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَهُ في هذا انْتَهَى
وقال في الِانْتِصَارِ يَكْفِي وَاحِدٌ إنْ لم يُمْكِنْهُ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ بَلْ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى من الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ في كل إقْلِيمٍ
وَقِيلَ ما حَصَلَ من مَغْزَاهُ
وَقِيلَ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْخُمُسِ في جِهَةِ مَغْزَاهُ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيَأْتِي قَرِيبًا بِأَعَمَّ من هذا
الثَّانِيَةُ لَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ وَلَا لِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ من قُرَيْشٍ
وقال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ حِرْمَانُ الْمَوَالِي هُنَا فيه نَظَرٌ لِأَنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ منهم وَلَكِنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ لِكَوْنِهِمْ منهم فَوَجَبَ أَنْ يُعْطُوا من الْخُمُسِ انْتَهَى
____________________
(4/168)
الثَّالِثَةُ إذَا لم يَأْخُذُوا سَهْمَهُمْ صُرِفَ في الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ
قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ
هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يَسْتَحِقُّ منهم الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ
قال النَّاظِمُ وما هو بِبَعِيدٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ
فَوَائِدُ
إحداهما ( ( ( إحداها ) ) ) الْيَتِيمُ من لَا أَب له إذَا لم يَبْلُغْ الْحُلُمَ قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ
يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْفُقَرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ
الثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ في الْمُسْتَحَقِّينَ من ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السَّبِيلِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ وَأَنْ يُعْطُوا كَالزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعِ وَيَعُمُّ بِسِهَامِهِمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ
وقال في الِانْتِصَارِ يَكْفِي وَاحِدٌ وَاحِدٌ من الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى إنْ لم يُمْكِنْهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إعْطَاءَ الْإِمَامِ من شَاءَ منهم لِلْمَصْلَحَةِ كَالزَّكَاةِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ يُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ
____________________
(4/169)
وَذَكَرَ في رَدِّهِ على الرَّافِضِيِّ أَنَّهُ قَوْلٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَنَّ عن أَحْمَدَ ما يُوَافِقُ ذلك فإنه جَعَلَ مَصْرِفَ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وهو تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً
وَاخْتَارَ بن الْقَيِّمِ في الْهَدْيِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وهو أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُمْ كَالزَّكَاةِ
الثَّالِثَةُ لو اجْتَمَعَ في وَاحِدٍ أَسْبَابٌ كَالْمِسْكِينِ الْيَتِيمِ اسْتَحَقَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لِأَحْكَامٍ فَإِنْ أَعْطَاهُ لِيُتْمِهِ فَزَالَ فَقْرُهُ لم يُعْطَ لِفَقْرِهِ شيئا
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
وَلَهَا نَظَائِرُ تَأْتِي في الْوَقْفِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهِمَا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ ثُمَّ يعطى النَّفَلَ
وهو الزِّيَادَةُ على السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ مِثْلَ نَفْلُ بَعْثَةِ سَرِيَّةٍ تُغِيرُ في الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ على ما تَقَدَّمَ وَكَذَا من جَعَلَ له الْإِمَامُ جُعْلًا
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يعطى النَّفَلَ وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ له
أَنَّ النَّفَلَ وَالرَّضْخَ يَكُونُ إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ فَيَكُونَانِ من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ الرَّضْخُ من أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن أَحْمَدَ ولم نَرَهُ في كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ
وَقِيلَ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ
وَقِيلَ النَّفَلُ وَالرَّضْخُ من أَصْلِ الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ له وَهُمْ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ
____________________
(4/170)
يَرْضَخُ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بِلَا نِزَاعٍ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ بِلَا نِزَاعٍ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُعْطَى نِصْفُ سَهْمِ رَجُلٍ وَنِصْفُ الرَّضْخِ فَإِنْ انْكَشَفَ حَالُهُ فَبَانَ رَجُلًا تَمَّمَ له وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ
وَيَرْضَخُ لِلصَّبِيِّ إذَا كان مُمَيِّزًا إلَى الْبُلُوغِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَرْضَخُ له إذَا كان مُرَاهِقًا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ
وَقِيلَ يَرْضَخُ أَيْضًا لِمَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَرْضَخُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَيُسْهَمُ له بِحِسَابِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ يَرْضَخُ له فَقَطْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ
الثَّانِيَةُ قال الْأَصْحَابُ يَجُوزُ التَّفْضِيلُ بين من يَرْضَخُ لهم على ما يَرَاهُ الْإِمَامُ على قَدْرِ غناءهم ( ( ( غنائهم ) ) ) وَنَفْعِهِمْ
قَوْلُهُ وفي الْكَافِرِ رِوَايَتَانِ
يَعْنِي هل يَرْضَخُ له أو يُسْهَمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَالْإِرْشَادِ
إحْدَاهُمَا يَرْضَخُ له قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَالْأُخْرَى يُسْهَمُ له وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(4/171)
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذه أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَهِيَ منها وَقَدَّمَهَا في الْفُرُوعِ
قال في الْبُلْغَةِ يُسْهَمُ له في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ غَزَا مَعَنَا لم يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَشَرَطَ ذلك الشَّيْخَانِ وأبو الْخَطَّابِ انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ كَالْخِرَقِيِّ
الثَّانِي يُسْتَثْنَى من قَوْلِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلرَّاجِلِ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلِلْفَارِسِ سَهْمُ فَارِسٍ الْعَبْدُ إذَا غَزَا على فَرَسِ سَيِّدِهِ فإنه يُؤْخَذُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مع سَيِّدِهِ فَرَسَانِ
قُلْت وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْكَافِرُ إذَا غَزَا على فَرَسٍ ولم أَرَهُ
الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قبل تَقَضِّي الْحَرْبِ أَسْهَمَ لهم أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ لَا يُسْهَمُ لهم فَيَشْمَلُ صُورَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ فيها وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لهم وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ في مَوْضِعٍ
____________________
(4/172)
وَالثَّانِي يُسْهَمُ لهم وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ وَإِنْ جاؤوا ( ( ( جاءوا ) ) ) بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لهم كما تَقَدَّمَ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هذا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وإذا لَحِقَ مَدَدِيٌّ أو هَرَبَ أَسِيرٌ لَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا في تَغَيُّرِ حَالِ من يَرْضَخُ له بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُسْهَمُ لهم قَوْلًا وَاحِدًا
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ غَزَا الْعَبْدُ على فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ فَسَهْمُ الْفَرَسِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ مع سَيِّدِهِ فَرَسَانِ فَإِنْ كان معه فَرَسَانِ غَيْرُ فَرَسِ الْعَبْدِ لم يُسْهَمْ لِفَرَسِ الْعَبْدِ كما تَقَدَّمَ وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَقْسِمُ بَاقِيَ الْغَنِيمَةِ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ له وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ أو خَلَّفَهُ في أَرْضِ الْعَدُوِّ وَإِنْ لم يَشْهَدْ الْقِتَالَ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا أو بِرْذَوْنًا فَيَكُونُ له سَهْمٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قُلْت منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ
قال في الْإِرْشَادِ هذا أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَالْإِيضَاحِ
قال الْخَلَّالُ تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عن أَحْمَدَ في إسْهَامِ الْبِرْذَوْنِ أَنَّهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ
____________________
(4/173)
وَعَنْهُ له سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وقال رَوَى عنه ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ سَهْمُ الْعَرَبِيِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ فإنه أَطْلَقَ أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُنَوِّرِ وَالشَّرْحِ
وَعَنْهُ له سَهْمَانِ إنْ عَمِلَ كَالْعَرَبِيِّ ذَكَرَهَا أبو بَكْرٍ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ له أَصْلًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُنَّ في الْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَائِدَةٌ الْهَجِينُ من أُمُّهُ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ وَأَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَعَكْسُهُ الْمُقْرِفُ والبرذون من أَبَوَاهُ غَيْرُ عَرَبِيَّيْنِ والعربي من أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ
قَوْلُهُ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ من فَرَسَيْنِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا يُسْهَمُ لِبَعِيرِ على الْأَظْهَرِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ
وقال الْخِرَقِيُّ وَمَنْ غَزَا على بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ على غَيْرِهِ قُسِمَ له وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ
وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ وَاخْتَارَهُ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
____________________
(4/174)
وَعَنْهُ يُسْهَمُ له مُطْلَقًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ
قال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ فَإِنْ كان على بَعِيرٍ فقال أَصْحَابُنَا له سَهْمَانِ سَهْمٌ له وَسَهْمٌ لِبَعِيرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الغاية ( ( ( العناية ) ) ) وَهُنَّ أَوْجُهٌ مُطْلَقَاتٌ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ له يَكُونُ له سَهْمٌ بِلَا نِزَاعٍ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ الْعَامَّةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَسٍ
وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنَّ حُكْمَ الْبَعِيرِ في الْإِسْهَامِ حُكْمُ الْهَجِينِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي
فَائِدَةٌ من شَرْطِ الْإِسْهَامِ لِلْبَعِيرِ أَنْ يَشْهَدَ عليه الْوَقْعَةَ وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عليه فَلَوْ كان ثَقِيلًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ لم يَسْتَحِقَّ شيئا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ
الفيل ( ( ( والفيل ) ) ) وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ حُكْمُ الْفِيلِ حُكْمُ الْبَعِيرِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وهو حَسَنٌ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
قال في الْخُلَاصَةِ وفي الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ رِوَايَتَانِ
وقال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ كَبَعِيرٍ وَقِيلَ سَهْمُ هَجِينٍ انْتَهَى
قُلْت لو قِيلَ سَهْمٌ لِلْفِيلِ كَالْعَرَبِيِّ لَكَانَ مُتَّجَهًا
فَائِدَةٌ لَا يُسْهَمُ لِلْبِغَالِ وَلَا لِلْحَمِيرِ بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(4/175)
وَذَكَرَ الْقَاضِي في ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ أَنَّ أَحْمَدَ قال في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ ليس لِلْبَغْلِ إلَّا النَّفَلُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْبَغْلَ يَجُوزُ الرَّضْخُ له وهو قِيَاسُ الْأُصُولِ وَالْمَذْهَبِ فإن الذي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ له كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ يُرْضَخُ لهم كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الذي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ له كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ يَرْضَخُ لها
قال الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ إنَّمَا قال أَحْمَدُ الْبَغْلُ لِلثِّقَلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلرُّكُوبِ في الْقِتَالِ بَلْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ فَتَصَحَّفَ الثِّقَلُ بِالنَّفْلِ ثُمَّ زِيدَ فيه لَفْظَةُ ليس وإلا
قَوْلُهُ وَمَنْ دخل دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا أو اسْتَعَارَهُ أو اسْتَأْجَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ
يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ أو الْمُسْتَأْجَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ فَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِلَا نِزَاعٍ وَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْعَارِيَّةِ وَعَنْهُ سَهْمُهُ لِلْمُعِيرِ
فَائِدَةٌ لو غَزَا على فَرَسٍ حَبِيسٍ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ في بَابِ الْعَارِيَّةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ دخل فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ أَيْ مَاتَ أو شَرَدَ حتى تَقَضَّى الْحَرْبُ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ
أَنَّهُ لو صَارَ فَارِسًا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ أَنَّ له سَهْمَ رَاجِلٍ وهو صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِتَقَضِّي الْحَرْبِ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/176)
وَقِيلَ له سَهْمُ فَارِسٍ وَالْحَالَةُ هذه
قال الْخِرَقِيُّ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وهو رَاجِلٌ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ وإذا أُحْرِزَتْ وهو فَارِسٌ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ
قال الشَّارِحُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِحِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ الِاسْتِيلَاءَ عليها فَيَكُونُ كَالْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ جَمْعَ الْغَنِيمَةِ وَضَمَّهَا وَإِحْرَازَهَا
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمُعْتَمَدُ أَصْلًا وهو أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ على ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ تَمَامُ الِاسْتِيلَاءِ
فَعَلَى هذا إذَا جاء مَدَدٌ بَعْدَ ذلك أو انْفَلَتَ أَسِيرٌ فَلَا شَيْءَ له وَإِنْ وُجِدَ قبل ذلك شَارَكَهُمْ
وَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَإِنْ لم تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا فِيمَا إذَا لَحِقَ مَدَدٌ وَفِيمَا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قبل تَقَضِّي الْحَرْبِ
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُخْتَلِفٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْفَرْقُ بين ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ وَبَيْنَ هذا الْمَوْضِعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عليه فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَهْمَهُ لِغَاصِبِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ
وَيَأْتِي إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عليه في الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ وفي الْغَصْبِ وفي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَتَأْتِي هذه الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْغَصْبِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/177)
وَقِيلَ لَا رَضْخَ لها وَلَا سَهْمَ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو بَعِيدٌ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لها وَلَوْ كان غَاصِبُهَا من أَصْحَابِ الرَّضْخِ وهو صَحِيحٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ بَلْ يَرْضَخُ لها وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لها وَلَا يَرْضَخُ كما تَقَدَّمَ
وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْعَارِيَّةِ وَسَهْمُ فَرَسٍ مَغْصُوبٍ كَصَيْدِ جَارِحٍ مَغْصُوبٍ
وقال في بَابِ الْغَصْبِ إذَا صَادَ بِالْجَارِحِ هل يَرُدُّ صَيْدَهُ أو أُجْرَتَهُ أو هُمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَطْلَقَهُنَّ
فَائِدَةٌ ليس لِلْأَجِيرِ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ رُكُوبُ دَابَّةٍ من الْغَنِيمَةِ إلَّا بِشَرْطٍ
قَوْلُهُ وإذا قال الْإِمَامُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له أو فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ على بَعْضٍ لم يَجُزْ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وإذا قال الْإِمَامُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
والثانية ( ( ( والثاني ) ) ) يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ وَإِلَّا فَلَا صَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَكَيَاهُ رِوَايَةً
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ إنْ بَقِيَ ما لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ
فَائِدَةٌ لو تَرَكَ صَاحِبُ الْقَسْمِ شيئا من الْغَنِيمَةِ عَجْزًا عن حَمْلِهِ فقال الْإِمَامُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ نَصَّ عليه أَحْمَدُ
____________________
(4/178)
وَسُئِلَ عن قَوْمٍ غَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَتَبَقَّى جَزْءٌ من الْمَتَاعِ مِمَّا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَيَدَعُهُ الْوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْفَخَّارِ وما أشبهه ( ( ( أشبه ) ) ) أَيَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ قال نعم إذَا تَرَكَ ولم يَشْتَرِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ في الْمَتَاعِ لَا يَقْدِرُونَ على حَمْلِهِ إذَا حَمَلَهُ يُقْسَمُ
قال الْخَلَّالُ لَا أَشُكُّ أَنَّ احمد قال هذا أو لَا ثُمَّ تَبَيَّنَ له بَعْدَ ذلك أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبِيحَهُ
الثَّانِيَةُ لو أَخَذَ ما لَا قِيمَةَ له في أَرْضِهِمْ كَالْمِسَنِّ وَالْأَقْلَامِ وَالْأَدْوِيَةِ كان له وهو أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ صَارَ له قِيمَةٌ بِمُعَالَجَتِهِ أو نَقْلِهِ نَصَّ أَحْمَدُ على نَحْوِهِ وَقَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ في جَوَازِ الْأَكْلِ
وَأَمَّا إذَا فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ على بَعْضٍ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَمَحَلُّهُمَا إذَا كان لِمَعْنًى في الْمُعْطَى كَالشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا
فَإِنْ كان لَا لِمَعْنًى له فيه لم يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان لِمَعْنًى فيه ولم يَشْرِطْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذلك جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْلِ
قَوْلُهُ وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ من الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ فَلَيْسَ له إلَّا الْأُجْرَةُ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ من لَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا صِحَّةُ الْإِجَارَةِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ من لَا يَلْزَمُهُ بِحُضُورِهِ كَعَبْدٍ
____________________
(4/179)
وَامْرَأَةٍ صَحَّ في الْأَظْهَرِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ كَافِرًا صَحَّ على الْأَصَحِّ
وَجَزَمَ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْكَافِرِ لِلْجِهَادِ وقال وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ على أَنَّهُمْ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا
وقال في التَّرْغِيبِ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
وقال في الْبُلْغَةِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْإِمَامِ لهم انْتَهَى
وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ على الِاسْتِئْجَارِ لِخِدْمَةِ الْجَيْشِ
فَعَلَى الْأُولَى ليس لهم إلَّا الْأُجْرَةُ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْفُرُوعِ فَلَا يُسْهَمُ لهم على الْأَصَحِّ
قال الشَّارِحُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يُسْهَمُ لهم اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا
وَعَنْهُ يُسْهَمُ لِلْكَافِرِ وَقِيلَ يَرْضَخُ لهم
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ من يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمْ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَعَنْهُ تَصِحُّ وهو ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على ما تَقَدَّمَ
____________________
(4/180)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في ذلك إذَا لم يَتَعَيَّنْ عليه فَإِنْ تَعَيَّنَ عليه ثُمَّ اُسْتُؤْجِرَ لم يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عليه
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَرُدُّ الْأُجْرَةَ وَيُسْهَمُ لهم
وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يُسْهَمُ لهم على الصَّحِيحِ
وَعَنْهُ يُسْهَمُ لهم اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُسْهَمُ له إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ مع الْأُجْرَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ لو مَاتَ أَحَدُهُمْ قبل الْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْمَنْصُوصُ أَنَّ حَقَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ على ذلك
وقال في الْبُلْغَةِ ولم أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا في هذا الْفَرْعِ خِلَافًا وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أنا مَتَى قُلْنَا لم يَمْلِكُوهَا وَإِنَّمَا لهم حَقُّ التَّمَلُّكِ أَنْ لَا يُورَثَ فإن التَّوْرِيثَ يُذْكَرُ على الْوَجْهِ الثَّانِي وَفُرُوعِهِ بِالْإِبْطَالِ فإن من اخْتَارَ جَعَلَهُمْ كَالشَّفِيعِ
وقال في التَّرْغِيبِ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ له وَلَا يُورَثُ عنه كَحَقِّ الشُّفْعَةِ
وَيُحْتَمَلُ على هذا أَنْ يُقَالَ يكتفي بِالْمُطَالَبَةِ في مِيرَاثِ الْحَقِّ كَالشُّفْعَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ أَمْ لَا وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي قَالَهُ في الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بَعْدَ ذلك وَوَارِثٌ كَمُورِثِهِ نَصَّ عليه
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قبل حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ قبل ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ عليها وَاقْتَصَرَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَنَصَرَهُ
____________________
(4/181)
قَوْلُهُ وإذا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ في أَرْضِ الْحَرْبِ فَتَبَايَعُوهَا ثُمَّ غَلَبَ عليها الْعَدُوُّ فَهِيَ من مَالِ الْمُشْتَرِي في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ
وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
وقال في الْخُلَاصَةِ فَهِيَ من مَالِ الْمُشْتَرِي على الْأَصَحِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى من مَالِ الْبَائِعِ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْقَوَاعِدِ
تَنْبِيهٌ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي الْخِلَافَ بِمَا إذَا لم يَحْصُلْ تَفْرِيطٌ من الْمُشْتَرِي اما إذَا حَصَلَ منه تَفْرِيطٌ مِثْلَ ما إذَا خَرَجَ بِمَا اشْتَرَاهُ من الْمُعَسْكَرِ وَنَحْوِهِ فإنه من ضَمَانِهِ وَتَبِعَهُ في الشَّرْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ لو تَبَايَعُوا شيئا من غَيْرِ الْغَنِيمَةِ أَنَّهُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا وهو صَحِيحٌ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الذي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخَانِ وأبو الْخَطَّابِ وَنُصُوصُ أَحْمَدَ إنَّمَا وَرَدَتْ في ذلك
قال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِمَا فإنه تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا تَبَايَعَ نَفْسَانِ في دَارِ الْحَرْبِ وَتَقَابَضَا
وَعَلَّلَ رِوَايَةَ الضَّمَانِ على الْبَائِعِ بانه إذَا كانت حَالَ خَوْفٍ فَالْقَبْضُ غَيْرُ
____________________
(4/182)
حَاصِلٍ بِدَلِيلِ ما لو ابْتَاعَ شيئا في دَارِ الْإِسْلَامِ وَسَلَّمَهُ في مَوْضِعٍ فيه قُطَّاعُ طَرِيقٍ لم يَكُنْ ذلك قَبْضًا صَحِيحًا وَيَتْلَفُ من مَالِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هُنَا
وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالتَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا انْتَهَى
قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ خَصَّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ بِمَالِ الْغَنِيمَةِ وَحَكَى بن عَقِيلٍ في تَبَايُعِ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عليها الْعَدُوُّ قبل قَبْضِهِ وَجْهَيْنِ كَمَالِ الْغَنِيمَةِ
واما ما بِيعَ في دَارِ الْإِسْلَامِ في زَمَنِ نَهْبٍ وَنَحْوِهِ فَمَضْمُونٌ على الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا ذكره كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ كَشِرَاءِ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ هَلَاكُهُ
قَوْلُهُ وَمَنْ وطىء جَارِيَةً من الْمَغْنَمِ مِمَّنْ له فيها حَقٌّ أو لِوَلَدِهِ أُدِّبَ ولم يُبْلَغْ بِهِ الْحَدُّ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْقَاضِي يَسْقُطُ عنه من الْمَهْرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَالْجَارِيَةِ المشتركة ( ( ( المشترية ) ) ) وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَلِدَ منه فَيَكُونُ عليه قِيمَتُهَا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له
إذَا أَوْلَدَ جَارِيَةً من الْمَغْنَمِ له فيها حَقٌّ أو لِوَلَدِهِ لم يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا
وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَهْرَهَا أَيْضًا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ مَبْنَاهُمَا على أَنَّ الْمَهْرَ هل يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ أو لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْوَطْءِ وهو النَّزْعُ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَّ وَهِيَ في مِلْكِهِ انْتَهَى
____________________
(4/183)
وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا أو مَهْرَهَا وَوَلَدَهَا
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ وَلَزِمَهُ منه ما زَادَ على حَقِّهِ منها وَإِنْ رَجَعَتْ له لم يَرُدَّ إلَيْهِ مَهْرَهَا انْتَهَى
قال الْقَاضِي إذَا صَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ يَكُونُ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ
وَحَكَى أبو بَكْرٍ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ
هذا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ
وقال الْقَاضِي في خِلَافِهِ لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً له وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فيها لِأَنَّ حَمْلَهَا بِحُرٍّ يَمْنَعُ بَيْعَهَا وفي تَأْخِيرِ قَسْمِهَا حتى تَضَعَ ضَرَرٌ على أَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَوَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ من حَقِّهِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وهو بَعِيدٌ جِدًّا
وقال الْقَاضِي أَيْضًا إنْ كان مُعْسِرًا حَسَبَ قَدْرِ حِصَّتِهِ من الْغَنِيمَةِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ لِلْغَانِمِينَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَلِأَبِي الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ لَا يَنْفُذَ اسْتِيلَاؤُهَا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فيها وَأَنْ يَنْفُذَ إعْتَاقُهَا كما يَنْفُذُ اسْتِيلَاءُ الِابْنِ في أَمَةِ أبيه دُونَ إعْتَاقِهَا وهو ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
وَحَكَى في تَعْلِيقِهِ على الْهِدَايَةِ احْتِمَالًا آخَرَ بِالْفَرْقِ بين أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا أو أَجْنَاسًا كما ذَكَرَهُ في الْعِتْقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْتَقَ منهم عَبْدًا عَتَقَ عليه قَدْرُ حَقِّهِ وَقُوِّمَ عليه بَاقِيهِ إنْ كان مُوسِرًا وَكَذَلِكَ إنْ كان فِيهِمْ من يَعْتِقُ عليه
وَهَذَا الْمَذْهَبُ فيهما ( ( ( فيها ) ) ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في
____________________
(4/184)
الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
وقال الْقَاضِي في خِلَافِهِ لَا يَعْتِقُ حتى يَسْبِقَ تَمَلُّكُهُ لَفْظًا
وَوَافَقَ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ الْقَاضِي لَكِنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ التَّمَلُّكِ
وقال في الْإِرْشَادِ لو أَعْتَقَ جَارِيَةً قبل الْقِسْمَةِ لم تَعْتِقْ فَإِنْ حَصَلَتْ له بَعْدَ ذلك بِالْقِسْمَةِ عَتَقَتْ إنْ كانت قَدْرَ حَقِّهِ وَإِلَّا قُوِّمَ عليه الْبَاقِي إنْ كان مُوسِرًا وَإِلَّا عَتَقَ قَدْرُ حَقِّهِ انْتَهَى
وقال الْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ وَعِنْدِي إنْ كانت الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا فَكَالْمَنْصُوصِ وَإِنْ كانت أَجْنَاسًا فَكَقَوْلِ الْقَاضِي
وقال في الْبُلْغَةِ إذَا وَقَعَ في الْغَنِيمَةِ من يَعْتِقُ على بَعْضِ الْغَانِمِينَ فَهَلْ يَعْتِقُ عليه فيه ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
الثَّالِثَةُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ في الرَّقِيقِ عَتَقَ عليه وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ وَالْغَالُّ من الْغَنِيمَةِ يُحَرِّقُ رَحْلَهُ
سَوَاءٌ كان ذَكَرًا أو أُنْثَى مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا إلَّا السِّلَاحَ وَالْمُصْحَفَ وَالْحَيَوَانَ
وَكَذَا نَفَقَتُهُ يَعْنِي يَجِبُ حَرْقُ ذلك وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ ولم يَسْتَثْنِ الْخِرَقِيُّ وَالْآجُرِّيُّ من التَّحْرِيقِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ وقال هو قَوْلُ أَحْمَدَ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ تَحْرِيقَ رِجْلِ الْغَالِّ من بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ
قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
____________________
(4/185)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مُرَادُهُ بِالْحَيَوَانِ الْحَيَوَانُ بِآلَتِهِ من سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَحَبْلٍ وَرَحْلٍ وَغَيْرِ ذلك نَصَّ عليه وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الرِّعَايَةِ وَعَلَفِهَا
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُحَرِّقُ كُتُبَ الْعِلْمِ وَثِيَابَهُ التي عليه وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَا يُحَرَّقَانِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ لَا يُحَرِّقُ كُتُبَ عِلْمِ وَثِيَابَهُ التي عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَجَزَمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّ ثِيَابَهُ التي عليه لَا تُحَرَّقُ وقال في كُتُبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُحَرَّقَ انْتَهَيَا
وَقِيلَ تُحَرَّقُ ثِيَابُهُ إلَّا ما يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالنَّظْمِ
قال في الْبُلْغَةِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالْحَيَوَانَ وَثِيَابَ سُتْرَتِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى ما لم تَأْكُلْهُ النَّارُ يَكُونُ لِرَبِّهِ وَكَذَا ما اسْتَثْنَى من التَّحْرِيقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُبَاعُ الْمُصْحَفُ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
الثَّانِيَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ من الْغَنِيمَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ سَهْمُهُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
الثَّالِثَةُ يُؤْخَذُ ما غَلَّهُ من الْمَغْنَمِ فَإِنْ تَابَ قبل الْقِسْمَةِ رَدَّ لِلْمَغْنَمِ وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّ خُمُسَهُ لِلْإِمَامِ وَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي نَصَّ عليه
وقال الْآجُرِّيُّ يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ فَيَصْرِفُهُ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
____________________
(4/186)
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الرَّابِعَةُ يُشْتَرَطُ لِإِحْرَاقِ رَحْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْغَالُّ حَيًّا نَصَّ عليه حُرًّا مُكَلَّفًا وَلَوْ كان ذِمِّيًّا أو امْرَأَةً صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرُ الْفُرُوعِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ مُلْزَمًا ذَكَرَهُ الآدمي الْبَغْدَادِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ
وقال في الرِّعَايَةِ مُسْلِمًا
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُحَرِّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْضًا وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَبَنَيَاهُمَا على صِحَّةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ لم يُحَرِّقْ وَإِلَّا حَرَّقَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
الْخَامِسَةُ يُعَزَّرُ الْغَالُّ أَيْضًا مع إحْرَاقِ رَحْلِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ لَكِنْ لَا ينفي نَصَّ عليه
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّارِقَ من الْغَنِيمَةِ لَا يُحَرَّقُ رَحْلُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَالِّ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كان له سَهْمٌ أو لَا
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّ من سَتَرَ على الْغَالِّ أو أَخَذَ منه ما أُهْدِيَ له منها أو بَاعَهُ أَمَامَهُ أو حَابَاهُ لَا يَكُونُ غَالًّا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْآجُرِّيَّ فإنه قال هو غَالٌّ أَيْضًا
الثَّالِثُ لو غَلَّ عَبْدٌ أو صَبِيٌّ لم يُحَرَّقْ رَحْلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(4/187)
قَوْلُهُ وما أُخِذَ من الْفِدْيَةِ أو أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أو بَعْضِ قُوَّادِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ
فَأَمَّا ما أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أو بَعْضِ قُوَّادِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُهْدَى في أَرْضِ الْحَرْبِ أو لَا فَإِنْ أهدى في دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ هو لِمَنْ أُهْدِيَ له
وَعَنْهُ هو فَيْءٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَإِنْ أهدى من دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقِيلَ هو لِمَنْ أهدى له جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَقِيلَ هو فَيْءٌ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا أهدى لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ في دَارِ الْحَرْبِ فَقِيلَ هو غَنِيمَةٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
وَعَنْهُ يَكُونُ لِمَنْ أهدى له قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ إنْ كان بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ فَلَهُ وَإِلَّا فَغَنِيمَةٌ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَإِنْ كان أُهْدِيَ إلَيْهِ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ له
____________________
(4/188)
الثَّانِيَةُ لو أَسْقَطَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ حَقَّهُ وَلَوْ كان مُفْلِسًا فَهُوَ لِلْبَاقِينَ وفي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُ الْمُتَمَلِّكِ وفي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قبل الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قال الْقَاضِي لَا يَمْلِكُونَ قبل الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ إنْ تَمَلَّكُوا
وقال أَيْضًا لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ لم يَمْلِكْ حَقَّهُ منها إلَّا بِالِاخْتِيَارِ وهو أَنْ يَقُولَ اخْتَرْت تَمَلُّكَهَا فإذا اخْتَارَهُ مَلَّكَهُ حَقَّهُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا ليس بِصَحِيحٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَإِنْ أَسْقَطَ كُلٌّ من الْغَانِمِينَ حَقَّهُ فَهُوَ فَيْءٌ
____________________
(4/189)
بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ
قَوْلُهُ أَحَدُهَا ما فُتِحَ عَنْوَةً وَهِيَ ما أُجْلِيَ عنها أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بين قِسْمَتِهَا
كَمَنْقُولٍ وَلَا خَرَاجَ عليها بَلْ هِيَ أَرْضُ عُشْرٍ
وَوَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ الْوَقْفُ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
زَادَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أو يَتْرُكُهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ مُسْتَمِرٍّ يُؤْخَذُ مِمَّنْ تُقَرُّ بيده من مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ بِلَا أُجْرَةٍ وَتَخْيِيرُ الْإِمَامِ في الْأَرْضِ التي فُتِحَتْ عَنْوَةً بين قِسْمَتِهَا وَبَيْنَ دَفْعِهَا من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ تُقْسَمُ بين الْغَانِمِينَ كَالْمَنْقُولِ
وَعَنْهُ أنها تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ عليها ولا يُعْتَبَرُ لها التَّلَفُّظُ بِالْوَقْفِ بَلْ تَرْكُهُ لها من غَيْرِ قِسْمَةٍ وَقْفٌ لها كما لو قَسَمَهَا بين الْغَانِمِينَ لَا يُحْتَاجُ معه إلَى لَفْظٍ وَتَصِيرُ أَرْضَ عُشْرٍ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ في الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ كَالْمَنْقُولِ قَالَهُ الْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَجَمَاعَةٌ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا قَسَمَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ بين الْغَانِمِينَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُخَمِّسُهَا حَيْثُ قالوا كَالْمَنْقُولِ قال وَعُمُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْقَاضِي وَقِصَّةُ خَيْبَرَ تَدُلُّ على أنها لَا تُخَمَّسُ لِأَنَّهَا فَيْءٌ وَلَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُوقَفُ وَالْأَرْضُ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ وَقَفَهَا وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهَا كما يُقْسَمُ الْفَيْءُ وَلَيْسَ في الْفَيْءِ خُمُسٌ وَرَجَّحَ ذلك
____________________
(4/190)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو جَعَلَهَا الْإِمَامُ فَيْئًا صَارَ ذلك حُكْمًا بَاقِيًا فيها دَائِمًا وَأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْغَانِمِينَ وَيَأْتِي ذلك في كِتَابِ الْبَيْعِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا لِلْإِمَامِ الْخِيَرَةُ فأنه يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَصْلَحِ كالتخيير ( ( ( كالتخير ) ) ) في الْأُسَارَى قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ أو يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أو غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لو مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ لم يَجُزْ
الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ ما فَعَلَهُ الْإِمَامُ من وَقْفٍ وَقِسْمَةٍ ليس لِأَحَدٍ نَقْضُهُ
وقال أَيْضًا في الْمُغْنِي في الْبَيْعِ إنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ صَحَّ بِحُكْمِهِ كَالْمُخْتَلِفَاتِ وَكَذَا بَيْعُ الْإِمَامِ لِلْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْحُكْمِ
قَوْلُهُ الثَّانِي ما جَلَا عنها أَهْلُهَا خَوْفًا فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عليها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ قِيَاسًا عليها فَلَا تَصِيرُ وَقْفًا حتى يَقِفَهَا الْإِمَامُ
وَقِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْفَيْءِ الْمَنْقُولِ
قَوْلُهُ الثَّالِثُ ما صُولِحُوا عليه وهو ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ على أَنَّ الْأَرْضَ لنا وَيُقِرَّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ فَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا أَيْضًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِوَقْفِ الْإِمَامِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَتَكُونُ قبل وَقْفِهَا كَفَيْءٍ مَنْقُولٍ
____________________
(4/191)
فَائِدَةٌ هذه الدَّارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا دَارُ إسْلَامٍ فَيَجِبُ على سَاكِنِهَا من أَهْلِ الذِّمَّةِ الْجِزْيَةُ وَنَحْوُهَا وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ أَهْلِهَا على وَجْهِ الْمِلْكِ لهم ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ الْأَرْضَ مِلْكًا لِأَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَعَلَيْهَا الْخَرَاجُ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يُصَالِحَهُمْ على أنها لهم وَلَنَا الْخَرَاجُ عنها فَهَذِهِ مِلْكٌ لهم
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُمْنَعُونَ من إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ
وقال في التَّرْغِيبِ إنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أو بَاعُوا الْمِلْكَ من مُسْلِمٍ مُنِعُوا إظْهَارَهُ
قَوْلُهُ خَرَاجُهَا كَالْجِزْيَةِ إنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ الذي ضَرَبَهُ عُمَرُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى مُسْلِمٍ فَلَا خَرَاجَ عليه
أنها لو انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ من غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ أَنَّ عليه الْخَرَاجَ وهو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا خَرَاجَ عليها وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/192)
قَوْلُهُ وَالْمَرْجِعُ في الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ من الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ اكثر الْأَصْحَابِ
قال الْخَلَّالُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَعَامَّةِ شُيُوخِنَا
قال في الْهِدَايَةِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ دُونَ النَّقْصِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ دُونَ النَّقْصِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وقال بن أبي مُوسَى لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عن الدِّينَارِ بِحَالٍ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ قال وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى
وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ في الْخَرَاجِ خَاصَّةً وَلَا تَجُوزُ في الْجِزْيَةِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي في رِوَايَتِهِ وقال نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ قال في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو أَصَحُّ
وَذَكَر في الْوَاضِحِ رِوَايَةً يَجُوزُ النَّقْصُ في الْجِزْيَةِ فَقَطْ
وَعَنْهُ يُرْجَعُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ في الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَعَنْهُ يُرْجَعُ إلَى ما ضَرَبَهُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه لَا يُزَادُ عليه وَلَا يُنْقَصُ منه
وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَى وَهَذِهِ في الْبُلْغَةِ
وَيَأْتِي حَدُّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ في بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
____________________
(4/193)
قَوْلُهُ وَقَدْرُ الْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ يَعْنِي بِالْمَكِّيِّ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ
هذا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وقال نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وقال أبو بَكْرٍ قِيلَ إنَّ قَدْرَهُ ثَلَاثُونَ رِطْلًا
وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّ قَدْرَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا نَصَّ عليه
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ الْمَنْقُولُ عن أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِالْمَكِّيِّ
فَائِدَتَانِ
الْأُولَى هذا الْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وهو صَاعُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه نَصَّ عليه وَالْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ مَكُّوكَانِ وهو ثَلَاثُونَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً
الثَّانِيَةُ مِمَّا قَدَّرَهُ عُمَرُ على جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمَانِ وَقَفِيزٌ من طَعَامِهِ وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال هو الْأَشْهَرُ عن عُمَرَ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَخَرَاجُ عُمَرَ على جريبي ( ( ( جريب ) ) ) الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ وَالْحِنْطَةِ أَرْبَعَةٌ وَالرُّطَبَةِ سِتَّةٌ وَالنَّخْلِ ثَمَانِيَةٌ وَالْكُرُومِ عَشْرَةٌ وَالزَّيْتُون اثْنَا عَشَرَ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ وَضَعَ على كل جَرِيبٍ عَامِرٍ أو غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا
وَقِيلَ من نَبْتُهُ فمن ( ( ( في ) ) ) الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ مِثْلُهُمَا وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقِيلَ على جَرِيبِ شَجَرِ الْخِبْطِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ انْتَهَى
قَوْله وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وهو ذِرَاعٌ وَسَطٌ وَقَبْضَتُهُ وَإِبْهَامُهُ قَائِمَةٌ
____________________
(4/194)
هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ بَلْ ذِرَاعٌ هَاشِمِيَّةٌ وَهِيَ أَطْوَلُ من ذِرَاعِ الْبُرِّ بِإِصْبَعَيْنِ وَثُلُثَيْ إصْبَعٍ
وقال الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عن الْأَوَّلِ هِيَ الذِّرَاعُ الْعُمَرِيَّةُ
قال شَارِحُ الْمُحَرَّرِ وهو الذِّرَاعُ الْهَاشِمِيُّ
فَظَاهِرُهُ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأُولَى هِيَ الثَّانِيَةُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَظَاهِرُ من حَكَى الْخِلَافَ التَّنَافِي وهو الصَّوَابُ وَلَعَلَّ في النُّسْخَةِ غَلَطًا أو يَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ ذِرَاعَانِ ذِرَاعُ عُمَرَ وَذِرَاعٌ زَادُوهَا
قَوْلُهُ وما لَا يَنَالُهُ الْمَاءُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ فَلَا خَرَاجَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الْوَاضِحِ فِيمَا لَا نَفْعَ بِهِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْخَرَاجُ على الْأَرْضِ التي لها مَاءٌ تُسْقَى بِهِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ وَعَلَى الْأَرْضِ التي يُمْكِنُ زَرْعُهَا بِمَاءِ السَّمَاءِ قال بن عَقِيلٍ وَالدَّوَالِيبُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فلم يَفْعَلْ وَقِيلَ أو زَرَعَ ما لَا مَاءَ له فَرِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا خَرَاجَ على ما يُمْكِنُ إحْيَاؤُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي
وَقَوْلُهُ وَقِيلَ أو زَرَعَ ما لَا مَاءَ له ذَكَرَ هذا الْقَوْلَ بن عَقِيلٍ أَنَّ حَنْبَلِيًّا قَالَهُ وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا اعْتَرَضَ عليه بِأَنَّ هذا غَلَطٌ لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ في أَرْضٍ لَا مَاءَ لها
____________________
(4/195)
وَلَا زُرِعَتْ فإذا زُرِعَتْ وَجَدَ حَقِيقَةَ التَّصَرُّفِ بَعْدُ كَالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ذَكَرَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ في الْإِجَارَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ في كل عَامٍ
هَكَذَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وما يُرَاحُ عَامًا وَيُزْرَعُ عَامًا عَادَةً
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ كان ما يَنَالُهُ الْمَاءُ لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ حتى يُرَاحَ عَامًا وَيُزْرَعَ عَامًا
وقال في التَّرْغِيبِ أَيْضًا يُؤْخَذُ خَرَاجُ ما لم يُزْرَعْ عن أَقَلِّ ما يُزْرَعُ وَقَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وقال أَيْضًا الْبَيَاضُ الذي بين النَّخْلِ ليس فيه إلَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ وَكَذَا قال في التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أو غَيْرِهِ سَقَطَ من الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ من النَّفْعِ قال وإذا لم يُمْكِنْ النَّفْعُ بِبَيْعٍ أو إجَارَةٍ أو عُمَارَةٍ أو غَيْرِهَا لم يَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو كان بِأَرْضِ الْخَرَاجِ شَجَرٌ وَقْتَ الْمَوْقِفِ فثمره الْمُسْتَقْبَلِ لِمَنْ يُقِرُّ بيده وَفِيهِ عُشْرُ الزَّكَاةِ كَالْمُتَجَدِّدِ فيها وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ هو لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا عُشْرٍ جَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ وَالْخَرَاجُ على الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/196)
وَعَنْهُ على الْمُسْتَأْجِرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَاخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ له أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ ويهدى له لِيَدْفَعَ عنه الظُّلْمَ في خَرَاجِهِ
نَصَّ عليه فَالرِّشْوَةُ ما يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً قاله في التَّرْغِيبِ وَأَمَّا الآخذ فإنه حَرَامٌ عليه بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ هل يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ
وَيَأْتِي في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِأَتَمَّ من هذا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يُحْتَسَبُ بِمَا ظَلَمَ في خَرَاجِهِ من الْعُشْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ غَصْبٌ
وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
الثَّانِيَةُ لَا خَرَاجَ على الْمَسَاكِنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا كان أَحْمَدُ يُخْرِجُ عن دَارِهِ لِأَنَّ بَغْدَادَ كانت مَزَارِعَ وَقْتَ فَتْحِهَا
وَيَأْتِي في كِتَابِ الْبَيْعِ هل على مَزَارِعِ مَكَّةَ خَرَاجٌ وَهَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أو صُلْحًا
قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ في إسْقَاطِ الْخَرَاجِ عن إنْسَانٍ جَازَ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهَا
____________________
(4/197)
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدَعُ خَرَاجًا وَلَوْ تَرَكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كان له هذا فَأَمَّا من دُونَهُ فَلَا بَابُ الْفَيْءِ
قَوْلُهُ وهو ما أُخِذَ من مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَجَزَمَ بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَصْرِفِهِ
تَنْبِيهٌ وَالْعُشْرُ ما تَرَكُوهُ فَزَعًا وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَمَالُ من مَاتَ لَا وَارِثَ له
قد تَقَدَّمَ حُكْمُ قَسْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَأَنَّهُ يُقْسَمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ في خُمُسِهِ الذي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هل يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ أَمْ لَا في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ
قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ في الْمَصَالِحِ
يُصْرَفُ الْفَيْءُ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُقَاتِلَةُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَاخْتَارَ أبو حَكِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلرَّافِضَةِ فيه وَذَكَرَهُ بن الْقَيِّمِ في الهدى عن مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
فَائِدَةٌ لَا يُفْرَدُ عَبْدٌ بِالْإِعْطَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بَلْ يُزَادُ سَيِّدُهُ وَقِيلَ يُفْرَدُ بِالْإِعْطَاءِ
____________________
(4/198)
قَوْلُهُ وَلَا يُخَمَّسُ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ
وقال الْخِرَقِيُّ يُخَمَّسُ وَاخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ
قال الْقَاضِي ولم أَجِدْ عن أَحْمَدَ بِمَا قال الْخِرَقِيُّ نَصًّا
قُلْت وَأَثْبَتَهُ رِوَايَةً في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَى هذا يُصْرَفُ مَصْرِفَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ على ما تَقَدَّمَ
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَسَمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا كُلُّهَا في الْمَصَالِحِ وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ
وقال بن الْجَوْزِيِّ في كَشْفِ الْمُشْكِلِ كان ما لم يُوجِفْ عليه مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً هذا اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ من أَصْحَابِنَا
قَوْلُهُ وَإِنْ فَضَلَ منه فَضْلٌ قُسِمَ بين الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ
مُرَادُهُ إلَّا الْعَبِيدَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهِيَ أَصَحُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي حَكِيمٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا
وَقِيلَ يَدَّخِرُ ما بَقِيَ بَعْدَ الْكِفَايَةِ
قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَيُقَدِّمُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(4/199)
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُقَدِّمُ بَنِي هَاشِمٍ على بَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ بَنِي عبد شَمْسٍ ثُمَّ بَنِي نَوْفَلٍ ثُمَّ بَنِي عبد الْعُزَّى ثُمَّ بَنِي عبد الدَّارِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُفَاضَلُ بَيْنَهُمْ على رِوَايَتَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وفي جَوَازِ التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ رِوَايَتَانِ فَحَصَلَ الْخِلَافُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالزَّرْكَشِيِّ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ بَلْ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ لِمَعْنًى فِيهِمْ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال أبو بَكْرٍ اخْتَارَ أبو عبد اللَّهِ أَنْ لَا تَفَاضُلَ مع جَوَازِهِ
قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ لِفِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
وَعَنْهُ له التَّفْضِيلُ بِالسَّابِقَةِ إسْلَامًا أو هِجْرَةً ذَكَرَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ ذلك مُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَيَفْعَلُ ما يَرَاهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ فَقَدْ فَضَّلَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ ولم يُفَضِّلْ أبو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم أَجْمَعِينَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ من أَهْلِ الْفَيْءِ في دَرَجَةٍ فقال في الْمُجَرَّدِ يُقَدَّمُ أَسَنُّهُمَا ثُمَّ أَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً
____________________
(4/200)
وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُقَدَّمُ بِالسَّابِقَةِ في الْإِسْلَامِ ثُمَّ بِالدِّينِ ثُمَّ بِالسَّبْقِ ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ وَلِيُّ الْأَمْرِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ رَتَّبَهُمَا على رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ نَقَلَهُ في الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ
الثَّانِيَةُ الْعَطَاءُ الْوَاجِبُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ وَيَكُونُ عَاقِلًا حُرًّا بَصِيرًا صَحِيحًا ليس بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ من الْقِتَالِ فَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا غير مَرْجُوِّ الزَّوَالِ كَالزَّمَانَةِ وَنَحْوِهَا خَرَجَ من الْمُقَاتِلَةِ وَسَقَطَ سَهْمُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ له فيه حَقٌّ
قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ دُفِعَ إلَى وَرَثَتِهِ حَقُّهُ وَمَنْ مَاتَ من أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ دُفِعَ إلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كِفَايَتُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ فإذا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا في الْمُقَاتِلَةِ فُرِضَ لهم وَإِنْ لم يَخْتَارُوا تُرِكُوا
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُفْرَضُ لهم ( ( ( ثم ) ) ) إذَا اخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا في الْمُقَاتِلَةِ إذَا كان بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ بَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ وَيَحْرُمُ الْأَخْذُ منه إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ في بَابِ اللُّقَطَةِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا
وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ أَيْضًا في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَا يَجُوزُ له الصَّدَقَةُ بِهِ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْإِمَامِ
____________________
(4/201)
قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في السَّرِقَةِ منه وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقال أَيْضًا لو أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ
وقال أَيْضًا لَا يُتَصَوَّرُ في الْمُشْتَرَكِ عن عَدَمِ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَنْ يَكُون مَمْلُوكًا نحو بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالْوَقْفِ على مُطْلَقٍ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْإِعْطَاءِ أو بِالِاسْتِعْمَالِ أو بِالْفَرْضِ وَالتَّنْزِيلِ أو غَيْرِهِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ في بَيْتِ الْمَالِ أَنَّ الْمَالِكَ له غَيْرُ مُعَيَّنٍ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِلَا إذْنٍ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلْإِمَامِ تَعْيِينُ مَصَارِفِهِ وَتَرْتِيبُهَا فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ
وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ هل بَيْتُ الْمَالِ وَارِثٌ أَمْ لَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ
____________________
(4/202)
بَابُ الْأَمَانِ
قَوْلُهُ وَيَصِحُّ أَمَانُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى حُرًّا أو عَبْدًا مُطْلَقًا أو أَسِيرًا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا يَصِحُّ منهم بِشَرْطِ أَنْ تُعْرَفَ الْمَصْلَحَةُ فيه
قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ في الْمَرْأَةِ بِدُونِ هذا الشَّرْطِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يَصِحُّ أَمَانُ الْمَرْأَةِ عن الْقَتْلِ دُونَ الرِّقِّ
وقال وَيُشْتَرَطُ في أَمَانِ الْإِمَامِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ على عَشْرِ سِنِينَ
وَقَوْلُهُ وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ على عَشْرِ سِنِينَ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْكَافِرِ وَلَوْ كان ذِمِّيًّا وهو كَذَلِكَ وَلَا أَمَانُ الْمَجْنُونِ أو الطِّفْلِ وَالْمُغْمَى عليه وهو كَذَلِكَ
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ السَّكْرَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخَرَّجَ الصِّحَّةَ
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْمُكْرَهِ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وفي أَمَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
إحْدَاهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهَادِي وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ
____________________
(4/203)
في خِلَافَيْهِمَا وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال أبو بَكْرٍ يَصِحُّ أَمَانُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ على غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ
فَائِدَةٌ يَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ وَالْكَافِرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فإنه قال بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِحَّةَ الْأَمَانِ وَقِيلَ يَصِحُّ لِلْأَسِيرِ من الْإِمَامِ وَقِيلَ وَالْأَمِيرِ انْتَهَى وهو مُشْكِلٌ
وَيَصِحُّ من غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ الْكَافِرِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ من غَيْرِ الْإِمَامِ كما لو كان فيه ضَرَرٌ
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ فَلَيْسَ له أَمَانٌ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَصِحُّ انْتَهَيَا
قَوْلُهُ وَأَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَلِلْقَافِلَةِ وَكَذَا لِلْحِصْنِ
مُرَادُهُ بِالْقَافِلَةِ إذَا كانت صَغِيرَةً وَكَذَا إذَا كان الْحِصْنُ صَغِيرًا يَعْنِي عُرْفًا وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ الْقَافِلَةَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ في الْقَافِلَةِ وَالْحِصْنِ أَنْ يَكُونَ مِائَةً فَأَقَلَّ اخْتَارَهُ بن الْبَنَّا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(4/204)
وَأَطْلَقَ في الرَّوْضَةِ الْحِصْنُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْسَانًا أَنْ لَا يُجَارَ على الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ
قَوْلُهُ وَمَنْ قال لِكَافِرٍ قِفْ أو أَلْقِ سِلَاحَك فَقَدْ أَمَّنَهُ
وَكَذَا قَوْلُهُ قُمْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الْمُصَنِّفُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمَانًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ ذلك فَهُوَ على هذا كِنَايَةٌ لَكِنْ إنْ اعْتَقَدَهُ الْكَافِرُ أَمَانًا رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وُجُوبًا ولم يَجُزْ قَتْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ نَظَائِرِهِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ فَظَنَّهُ أَمَانًا فَهُوَ أَمَانٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ فَهُوَ امان وقال إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلُهُ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَهَذَا يَقْتَضِي انْعِقَادَهُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْعِلْجُ وَإِنْ لم يَقْصِدْهُ الْمُسْلِمُ وَلَا صَدَرَ منه ما يَدُلُّ عليه
قَوْلُهُ وَمَنْ جاء بِمُشْرِكٍ فَادَّعَى أَيْ الْمُشْرِكُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ فَأَنْكَرَ يَعْنِي الْمُسْلِمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ يَعْنِي الْمُسْلِمَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
قال في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُسْلِمِ في الْأَظْهَرِ
وَعَنْهُ قَوْلُ الْأَسِيرِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ قَوْلُ من يَدُلُّ الْحَالُ على صِدْقِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَائِدَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ إنِّي أَمَّنْته على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(4/205)
قال في الْفُرُوعِ يُقْبَلُ في الْأَصَحِّ كَإِخْبَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَمَّنَاهُ كَالْمُرْضِعَةِ على طِفْلِهَا
قال الْقَاضِي هو قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ
قَوْلُهُ وَمَنْ أعطى أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا فِيهِمْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ
وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَأَبِي طَالِبٍ وَإِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ
وحرم اسْتِرْقَاقُهُمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن هَانِئٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وقال أبو بَكْرٍ يَخْرُجُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ هذا قَوْلُ أبي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وبن عَقِيلٍ في رِوَايَتَيْهِ انْتَهَى
وَاخْتَارَهُ في التَّبْصِرَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو أَسْلَمَ وَاحِدٌ من أَهْلِ حِصْنٍ وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْهِدَايَةِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/206)
وقال في التَّرْغِيبِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ على عَشْرِ سِنِينَ وفي جَوَازِ إقَامَتِهِمْ في دَارِنَا هذه الْمُدَّةَ بِلَا جِزْيَةٍ وَجْهَانِ انْتَهَى
وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي لَا يَجُوزُ سَنَةً فَصَاعِدًا إلَّا بِجِزْيَةٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
وَقِيلَ يَجُوزُ عَقْدُهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ مُطْلَقًا ذكره ( ( ( وذكره ) ) ) في الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ دخل دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أو تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ منه
وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ تُصَدِّقُهُ عَادَةٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ لم يُعْرَفْ بِتِجَارَةٍ ولم يُشْبِهْهُمْ أو كان معه آلَةُ حَرْبٍ لم يُقْبَلْ منه وَيُحْبَسُ حتى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَيَعْمَلُ في ذلك بِالْقَرَائِنِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لم تُصَدِّقْهُ عَادَةٌ أو لم يَكُنْ معه تِجَارَةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ جاء مُسْتَأْمَنًا فَهُوَ كَالْأَسِيرِ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فيه على ما تَقَدَّمَ
فَائِدَةٌ لو دخل أَحَدٌ من الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ بِتِجَارَةٍ أو رِسَالَةٍ لم يَخُنْهُمْ في شَيْءٍ وَيَحْرُمُ عليه ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ كان مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أو حَمَلَتْهُ الرِّيحُ في مَرْكَبٍ إلَيْنَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ
وَعَنْهُ يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(4/207)
وَنَقَلَ بن هَانِئٍ إنْ دخل قَرْيَةً فَأَخَذُوهُ فَهُوَ لِأَهْلِهَا
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو شَرَدَتْ إلَيْنَا دَابَّةٌ منهم أو فَرَسٌ أو نَدَّ بَعِيرٌ أو أَبَقَ رَقِيقٌ وَنَحْوُهُ
فَائِدَةٌ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ منهم إلَيْنَا إلَّا بِإِذْنٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ وَلِلتَّاجِرِ خَاصَّةً اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وقال في التَّرْغِيبِ دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ أو لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أَمَانٌ بِلَا عَقْدٍ لَا لِتِجَارَةٍ على الْأَصَحِّ فِيهِمَا بِلَا عَادَةٍ
نَقَلَ حَرْبٌ في غُزَاةٍ في الْبَحْرِ وَجَدُوا تُجَّارًا يَقْصِدُونَ بَعْضَ الْبِلَادِ لم يَتَعَرَّضْ لهم
قَوْلُهُ وإذا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا أو أَقْرَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَقِيَ الْأَمَانُ في مَالِهِ وَيَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ إنْ طَلَبَهُ
وَكَذَا إنْ أَوْدَعَهُ لِذِمِّيٍّ أو أَقْرَضَهُ إيَّاهُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُنْقَضُ في مَالِهِ وَيَصِيرُ فَيْئًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ إن هذا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ
فَعَلَى هذا يُعْطَاهُ إنْ طَلَبَهُ وَإِنْ مَاتَ بَعَثَ بِهِ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَارِثٌ فَهُوَ فَيْءٌ
وَيَأْتِي حُكْمُ مَالِ من نَقَضَ الْعَهْدَ من أَهْلِ الذِّمَّةِ في بَابِ أَحْكَامِهِمْ
فَائِدَةٌ لو اُسْتُرِقَّ من كان مُسْتَأْمَنًا أو ذِمِّيًّا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَالُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وُقِفَ مَالُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(4/208)
قال في الْفُرُوعِ هذا أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَكَاهُ في الشَّرْحِ عن الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه
وَقِيلَ يَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا بِمُجَرَّدِ اسْتِرْقَاقِهِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ عَتَقَ رُدَّ إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَهُوَ فَيْءٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ بَلْ هو لِوَارِثِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
قَوْلُهُ وإذا أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا فأطلقوه بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً
وَكَذَا لو شَرَطُوا أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا
لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لهم
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَهْرَبَ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ الْتَزَمَ الشَّرْطَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ما يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ في الْتِزَامِ الْإِقَامَةِ أَبَدًا لِأَنَّ الْهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عليه فَفِيهِ الْتِزَامٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يَمْنَعُوهُ من دِينِهِ فَفِيهِ الْتِزَامُ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَفِيهِ نَظَرٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَشْتَرِطُوا شيئا أو شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرَبَ
إذَا أَطْلَقُوا ولم يشرطوا ( ( ( يشترطوا ) ) ) عليه شيئا فَتَارَةً يُؤَمِّنُونَهُ وَتَارَةً لَا يُؤَمِّنُونَهُ فَإِنْ لم
____________________
(4/209)
يُؤَمِّنُوهُ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرَبَ نَصَّ عليه وَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا غير وَلَيْسَ له الْقَتْلُ وَلَا السَّرِقَةُ فَلَوْ سَرَقَ رَدَّ ما أَخَذَ منهم نَصَّ على ذلك كُلِّهِ وَإِنْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا فَكَذَلِكَ قَالَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
وقال الشَّارِحُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِقَامَةُ إذَا قُلْنَا يلزمه ( ( ( لزمه ) ) ) الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ على ما نَذْكُرُهُ في الْمَسْأَلَةِ التي بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَالًا فَإِنْ عَجَزَ عنه عَادَ إلَيْهِمْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لهم إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ
إذَا كانت امْرَأَةً لم تَرْجِعْ إلَيْهِمْ بِلَا نِزَاعٍ لِخَوْفِ قَتْلِهَا
وَأَلْحَقَ في نَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ الصَّبِيَّ بِالْمَرْأَةِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه أَنْ يَبْدَأَ بِفِدَاءِ جَاهِلٍ لِلْخَوْفِ عليه وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْدَأَ بِفِدَاءِ الْعَالِمِ لِشَرَفِهِ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ انْتَهَى
وَإِنْ كان رَجُلًا وَشَرَطُوا عليه مَالًا وَرَضِيَ بِذَلِكَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ لهم نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْخِرَقِيُّ لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا
وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ
____________________
(4/210)
بَابُ الْهُدْنَةِ
مَعْنَى الْهُدْنَةِ أَنْ يَعْقِدَ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ عَقْدًا على تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً وَيُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إلَّا من الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّهُ قال في التَّرْغِيبِ لِآحَادِ الْوُلَاةِ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مع أَهْلِ قَرْيَةٍ
وَقِيلَ يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ من كل مُسْلِمٍ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال الْقَاضِي يَجُوزُ عَقْدُ ذلك وَنَحْوُهُ مع الْقُوَّةِ أَيْضًا وَالِاسْتِظْهَارُ انْتَهَى
وقال في الْإِرْشَادِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُحَرَّرِ وَيَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مع قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِظْهَارِهِمْ مُدَّةَ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَلَا يَجُوزُ فَوْقَهَا
وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هذه دُونَ عَامٍ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ بِمَالٍ مَنًّا لِلضَّرُورَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْفُنُونِ يَجُوزُ لِضَعْفِنَا مع الْمَصْلَحَةِ
وقال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ لِحَاجَةٍ وَقَالَهُ أبو يَعْلَى الْكَبِيرُ في الْخِلَافِ في الْمُؤَلَّفَةِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَجُوزُ بِمَالٍ مَنًّا
وَقِيلَ بِلَا ضَرُورَةٍ أو لِتَرْكِ تَعْذِيبِ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ أو قَتْلِهِ أو أَسِيرٍ غَيْرِهِ أو خَوْفًا على من عِنْدَهُمْ من ذلك انْتَهَى
قُلْت هذا الْقَوْلُ مُتَعَيِّنٌ وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ ضَعِيفٌ أو سَاقِطٌ
____________________
(4/211)
قَوْلُهُ فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ في عَقْدِ الْهُدْنَةِ جَازَ له عَقْدُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِنْ طَالَتْ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
قال في الْمُنْتَخَبِ يَجُوزُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
وَعَنْهُ لَا يجوز ( ( ( يحوز ) ) ) أَكْثَرُ من عَشْرِ سِنِينَ
قال الْقَاضِي هذا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
فَائِدَةٌ يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَكُونُ أَيْضًا جَائِزًا
قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ على عَشْرٍ بَطَلَ في الزِّيَادَةِ يَعْنِي على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وفي الْعَشْرِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ قال في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ زَادَ فَكَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَيَأْتِي في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ من قَدْرِ الْحَاجَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا لم يَصِحَّ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/212)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَصِحُّ وَتَكُونُ جَائِزَةً وَيُعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِنَبْذِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ وَإِتْمَامِ الْمُؤَقَّتَةِ
فَائِدَةٌ لو قال هَادَنْتُكُمْ ما شِئْنَا وَشَاءَ فُلَانٌ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَلَوْ قال نُقِرُّكُمْ على ما أَقَرَّكُمْ اللَّهُ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَصِحُّ أَيْضًا وَأَنَّ مَعْنَاهُ في قَوْلِهِ ما شِئْنَا
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ أو رَدِّ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ أو صَدَاقِهِنَّ أو سِلَاحِهِمْ أو إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ بَطَلَ الشَّرْطُ
إذَا شَرَطَ في الْمُهَادَنَةِ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أو رَدَّ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ أو سِلَاحِهِمْ أو إدْخَالِهُمْ الْحَرَمَ بَطَلَ الشَّرْطُ قَوْلًا وَاحِدًا وَكَذَا لو شَرَطَ رَدَّ صَبِيٍّ إلَيْهِمْ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ مُمَيِّزٍ وَجَزَمَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الطِّفْلِ دُونَ الْمُمَيِّزِ وَقِيلَ وَجَزَمَ غَيْرُهُمْ بِذَلِكَ
وَأَمَّا إذَا شَرَطَ رَدَّ مُهُورِهِنَّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
قال في الْفُرُوعِ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ على الْأَصَحِّ قال النَّاظِمُ في الْأَظْهَرِ وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أو كَذَا أو كَذَا أو رَدَّ مَهْرِهَا في رِوَايَةٍ بَطَلَ الشَّرْطُ
وَذَكَرَ في الْمُبْهِجِ رِوَايَةً بِرَدِّ مَهْرِ من شَرَطَ رَدَّهَا مُسْلِمَةً وهو أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذلك كما لو لم يَشْتَرِطْ ذِكْرَهُ في آخِرِ الْجِهَادِ في فَصْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ
____________________
(4/213)
وَأَمَّا الْعَقْدُ حَيْثُ قُلْنَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وبن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ بِنَاءً على الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ في الْبَيْعِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إلَّا فِيمَا إذَا شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَظَاهِرُ الْوَجِيزِ صِحَّةُ الْعَقْدِ
فَائِدَةٌ لو دخل نَاسٌ من الْكُفَّارِ في عَقْدٍ بَاطِلٍ دَارَ الْإِسْلَامِ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ كَانُوا آمِنِينَ وَيُرَدُّونَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقِرُّونَ في دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ من جاء من الرِّجَالِ مُسْلِمًا جَازَ
قال الْأَصْحَابُ جَازَ ذلك لِحَاجَةٍ
وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ وَلَا يُجْبِرُهُ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ منهم
وقال في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ يَعْرِضُ له أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِمْ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو هَرَبَ منهم عَبْدٌ لِيُسْلِمَ فَأَسْلَمَ لم يُرَدَّ إلَيْهِمْ وهو حُرٌّ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكُبْرَى وقال وَقِيلَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَذِلُّ وَجَاءَ سَيِّدُهُ في طَلَبِهِ فَلَهُ قِيمَتُهُ من الْفَيْءِ
قال قُلْت وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ
وَتَقَدَّمَ ما يُشْبِهُ ذلك في آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ
الثَّانِيَةُ يَضْمَنُ ما أَتْلَفُوهُ لِمُسْلِمٍ وَلَا يُحَدُّونَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ قَذَفَهُ حُدَّ وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ قُطِعَ على الصَّحِيحِ
____________________
(4/214)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُطِعَ في الْأَقْيَسِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ من هَادَنَهُ من الْمُسْلِمِينَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا حِمَايَتُهُمْ من أَهْلِ الذِّمَّةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ لم يَجُزْ لنا شِرَاؤُهُمْ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ يَجُوزُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً مَنْصُوصَةً يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ من سَابِيهِمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ شِرَاءِ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ منهم وَأَهْلِيهِمْ كَحَرْبِيٍّ بَاعَ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ شِرَاؤُهُمْ كَذِمِّيٍّ بَاعَهُمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ إنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَهُ أو وَرَحِمَهُ على نَفْسِهِ وَبَاعَهُ من مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَقِيلَ يَصِحُّ الْبَيْعُ
نَقْلُ الشَّالَنْجِيِّ لَا بَأْسَ فَإِنْ دخل بِأَمَانٍ لم يَشْتَرِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِتَوَصُّلِهِ بِعِوَضٍ وَإِنْ لم يَكُنْ صَحِيحًا كَدُخُولِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فِرَارًا منهم نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ على الْعِتْقِ على الْحَرْبِيِّ بِالرَّحِمِ هل يَحْصُلُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ انْتَهَى
____________________
(4/215)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَصِحُّ شِرَاءُ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ منه
قُلْت إنْ عَتَقَ عليه بِالْمِلْكِ فَلَا وَكَذَا إنْ قَهَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَمَلَكَهُمَا وَبَاعَهُمَا وَإِنْ قَهَرَ زَوْجَتَهُ وَمَلَكَهَا وَبَاعَهَا صَحَّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عليها انْتَهَى
وَمَنَعَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ في الزَّوْجَةِ
الثَّانِيَةُ لو سَبَى بَعْضُهُمْ أَوْلَادَ بَعْضٍ وَبَاعُوهُمْ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ منهم نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ
بِلَا نِزَاعٍ وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ قبل الْإِغَارَةِ عليهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا خِيفَ منه الْخِيَانَةُ لم يُنْقَضْ عَهْدُهُ
وقال في التَّرْغِيبِ إنْ صَدَرَ من الْمُهَادِنِينَ خِيَانَةٌ فَإِنْ عَلِمُوا أنها خِيَانَةٌ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
قال الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بن الْقَيِّمِ في الهدى في غَزْوَةٍ الْفَتْحِ إنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إذَا حَارَبُوا في ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَعَهْدِهِ صَارُوا بِذَلِكَ أَهْلَ حَرْبٍ نَابِذِينَ لِعَهْدِهِ فَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَهُمْ وَإِنَّمَا يُعْلِمُهُمْ إذَا خَافَ منهم الْخِيَانَةَ وَأَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُ الْجَمِيعِ إذَا لم يُنْكِرُوا عليهم
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ بِنَقْضِ عَهْدِ رِجَالِهِمْ تَبَعًا لهم
الثَّانِيَةُ لو نَقَضَ الْهُدْنَةَ بَعْضُ أَهْلِهَا فَأَنْكَرَ عليهم الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ ظَاهِرٍ أو أَعْلَمُوا الْإِمَامَ بِذَلِكَ كان النَّاقِضُ من خَالَفَ منهم دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ سَكَتُوا عَمَّا فَعَلَهُ النَّاقِضُ ولم يُنْكِرُوهُ ولم يُكَاتِبُوا الْإِمَامَ انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في نَقْضِ الْعَهْدِ
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إذَا قَتَلُوا رَهَائِنَنَا جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/216)
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ
الرَّابِعَةُ مَتَى مَاتَ الْإِمَامُ أو عُزِلَ لَزِمَ من بَعْدَهُ الْوَفَاءُ بِعَقْدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ
وَجَوَّزَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ نَقْضَ ما عَقَدَهُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ نَحْوُ صُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ لِاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ بَاب عَقْدِ الذِّمَّةِ
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الْهُدْنَةِ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ إلَّا من الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلَانِ آخَرَانِ
فَائِدَةٌ يَجِبُ عَقْدُهَا إذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ ما لم يَخَفْ غَائِلَةً منهم
قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إلَّا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ في التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَالسَّامِرَةِ وَالْفَرَنْجِ وَمَنْ له شُبْهَةُ كِتَابٍ وَهُمْ الْمَجُوسُ
لَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْمُصَنِّفُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ إلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ من الْعَرَبِ نَقَلَهَا الْحَسَنُ بن ثَوَابٍ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّ من دَانَ بِصُحُفِ شِيثٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزَّبُورِ تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَيُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ
قال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ في النِّكَاحِ وَيَتَوَجَّهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منهم وَلَوْ لم تَحِلَّ نِسَاؤُهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الرَّدِّ على الرَّافِضِيِّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ من الْكُلِّ وَأَنَّهُ لم يَبْقَ أَحَدٌ من مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْدَ نُزُولِ الْجِزْيَةِ بَلْ كَانُوا قد أَسْلَمُوا
____________________
(4/217)
وقال في الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ من أَخَذَهَا من الْجَمِيعِ أو سَوَّى بين الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قَوْلُهُ فَأَمَّا الصَّابِئُ فَيُنْظَرُ فيه فَإِنْ انْتَسَبَ إلي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فَهُوَ من أَهْلِهِ وَإِلَّا فَلَا
هذا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَجَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في عُقُودِهِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّابِئُ إنْ وَافَقَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى في دِينِهِمْ وَكِتَابِهِمْ فَهُوَ منهم وَإِلَّا فَهُوَ كَعَابِدِ وَثَنٍ
وَقِيلَ بَلْ يُقْتَلُ مُطْلَقًا إنْ قال الْفَلَكُ حَيٌّ نَاطِقٌ وَالْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ آلِهَةٌ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ من تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِثْلَ السَّامِرَةِ وَالْفَرَنْجِ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُمْ جِنْسٌ من النَّصَارَى
وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ النَّصَارَى فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ في الْفُرُوعِ
قال في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا في مَوْضِعٍ آخَرَ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُسْبِتُونَ فإذا أَسْبَتُوا فَهُمْ من الْيَهُودِ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ من ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ فإنه قال هُمْ يُسْبِتُونَ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ
وقال في التَّرْغِيبِ في ذَبِيحَةِ الصَّابِئَةِ رِوَايَتَانِ مَأْخَذُهُمَا هل هُمْ من النَّصَارَى أَمْ لَا
____________________
(4/218)
فَائِدَةٌ صِفَةُ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ أَقْرَرْتُكُمْ بِالْجِزْيَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ أو ما يُؤَدِّي ذلك فيقول أَقْرَرْتُكُمْ على ذلك أو نَحْوُهُمَا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فيه ذِكْرُ قَدْرِ الْجِزْيَةِ وفي الِاسْتِسْلَامِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا في التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ وَمَنْ تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم أو وُلِدَ بين أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ من أَحَدِهِمَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ إذَا تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا محمد صلى اللَّهُ عليه وسلم فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ منه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ
قال في الْوَجِيزِ وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُ مُسْلِمٍ أُقِرَّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ وَلَا تُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت من صَارَ كِتَابِيًّا بَعْدَ عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو جَهِلَ وَقْتَهُ لَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ قبل بَعْثِ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ في التَّبْصِرَةِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ منه مُطْلَقًا
وَذَكَرَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّرْغِيبِ أَنَّهُ لو تَنَصَّرَ أو تَهَوَّدَ قبل الْبَعْثَةِ وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ لَا تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ وَإِلَّا قُبِلَتْ
____________________
(4/219)
وَأَطْلَقَهُ هو وَالْأَوَّلُ في الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ من تَمَجَّسَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ أو قَبْلَهَا بَعْدَ التَّبْدِيلِ أو قَبْلَهُ حُكْمُ من تَنَصَّرَ أو تَهَوَّدَ على ما تَقَدَّمَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ على ذلك بِأَتَمَّ من هذا في آخِرِ بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أو تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لم يُقِرَّ
قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا وُلِدَ بين أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ من أَحَدِهِمَا
يَعْنِي وَاخْتَارَ دِينَ من تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في قَبُولِ الْجِزْيَةِ منه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ
أَحَدُهُمَا تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ وَتُعْقَدُ له الذِّمَّةُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تُقْبَلُ منه الْجِزْيَةُ وَلَا يُقْبَلُ منه غَيْرُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ فَمَنْ بَعْدَهُ
قَوْلُهُ وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ تُقْبَلُ منهم الْجِزْيَةُ لِلْآيَةِ وَكَحَرْبِيٍّ منهم لم يَدْخُلْ في الصُّلْحِ إذَا بَذَلَهَا على الصَّحِيحِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها لَا تُؤْخَذُ منهم وَلَوْ بَذَلُوهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وفي الْمُغْنِي وَمَنْ تَابَعَهُ احْتِمَالٌ تُقْبَلُ إذَا بَذَلُوهَا
فَائِدَةٌ ليس لِلْإِمَامِ نَقْضُ عَهْدِهِمْ وَتَجْدِيدُ الْجِزْيَةِ عليهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ وقد عَقَدَهُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه مَعَهُمْ هَكَذَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(4/220)
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ جَوَازَ ذلك لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وقد فَعَلَهُ عُمَرُ بن عبد الْعَزِيزِ رضي اللَّهُ عنه وَجَعَلَ ذلك جَمَاعَةٌ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَجَزَمَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ بِالْفَرْقِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ في هذا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ ذلك من نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ
وَكَذَا زمناهم ( ( ( زمانهم ) ) ) وَمَكَافِيفِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ وَنَحْوِهِمْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُؤْخَذُ من هَؤُلَاءِ قال الْمُصَنِّفُ هذا أَقْيَسُ فَالْمَأْخُوذُ منه جِزْيَةٌ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ
وقال في الْفُرُوعِ الْأَظْهَرُ إنْ قِيلَ إنَّهَا كَالزَّكَاةِ في الْمَصْرِفِ أُخِذَتْ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عليهم كَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمْ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُؤْخَذُ من فَقِيرٍ وَلَا مِمَّنْ له مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ
قَوْلُهُ وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ
هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْخِرَقِيُّ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وهو رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عن أَحْمَدَ جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَلَا تُؤْخَذُ من كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ
كَمَنْ تَنَصَّرَ من الْعَرَبِ من تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ أو تَهَوَّدَ من كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ أو تَمَجَّسَ من تَمِيمٍ وَنَحْوِهِمْ
____________________
(4/221)
وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذُكِرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وقال الْقَاضِي تُؤْخَذُ من نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ
كَبَنِي تَغْلِبَ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ من كان من الْعَرَبِ من أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَأَبَاهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً وَلَهُ شَوْكَةٌ يَخْشَى الضَّرَرَ منها تَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ على ما صُولِحَ عليه بَنُو تَغْلِبَ وهو الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ أَحْمَدَ أَوَّلًا وَإِطْلَاقُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ وَلِهَذَا قَطَعَ بِهِ أبو الْبَرَكَاتِ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُ أبي مُحَمَّدٍ في الْمُغْنِي إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ مع ذلك أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ بِقَدْرِ ما يَجِبُ عليهم من الْجِزْيَةِ أو أَزْيَدَ وَلَيْسَ هذا في كَلَامِ أَحْمَدَ وَلَا مُشْتَرَطَ في بَنِي تَغْلِبَ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُصَالَحَةُ مثلهم ( ( ( مثله ) ) ) مِمَّنْ يُخْشَى ضَرَرُهُ بِشَوْكَةٍ من الْعَرَبِ إذَا أَبَى دَفْعَهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَلَا جِزْيَةَ على صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى
وَكَذَا لَا جِزْيَةَ على شَيْخٍ فَانٍ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمْ
وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
وَكَذَا لَا جِزْيَةَ على رَاهِبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ عليه الْجِزْيَةُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَلَا يَبْقَى بيده مَالٌ إلَّا بَلَغَتْهُ فَقَطْ وَيُؤْخَذُ ما بيده قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(4/222)
قال وَيُؤْخَذُ منهم ما لنا كَالرِّزْقِ الذي لِلدُّيُورِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَالًا قال وَيَجِبُ ذلك
وقال أَيْضًا وَمَنْ له تِجَارَةٌ أو زِرَاعَةٌ وهو مُخَالِطٌ لهم أو مُعَاوِنُهُمْ على دِينِهِمْ كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِ من رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ
تَنْبِيهٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الْجِزْيَةُ الْوَظِيفَةُ الْمَأْخُوذَةُ من الْكَافِرِ لِإِقَامَتِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ في كل عَامٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ هذا التَّفْرِيعِ أَنَّ الْجِزْيَةَ أُجْرَةُ الدَّارِ مُشْتَقَّةٌ من جَزَاهُ بِمَعْنَى قَضَاهُ
قال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مُشْتَقٌّ من الْجَزَاءِ إمَّا جَزَاءً على كُفْرِهِمْ لِأَخْذِهَا منهم صِغَارًا أو جَزَاءً على أَمَانِنَا لهم لِأَخْذِهَا منهم رِفْقًا
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا أَصَحُّ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو يَرْجِعُ إلَى أنها عُقُوبَةٌ أو أُجْرَةٌ
قَوْلُهُ وَلَا عَبْدٍ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنْهُ عليه الْجِزْيَةُ إذَا كان لِكَافِرٍ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَائِدَةٌ لَا تَجِبُ على عبد الْمُسْلِمِ الذِّمِّيِّ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُمَا
قال في الْفُرُوعِ وَلَا تَلْزَمُ عَبْدًا وَعَنْهُ لِمُسْلِمٍ جَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا
وفي التَّبْصِرَةِ عن الْخِرَقِيِّ تَلْزَمُ عَبْدًا مُسْلِمًا عن عَبْدِهِ
____________________
(4/223)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَلْزَمُ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ ما فيه من الْحُرِّيَّةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا في وُجُوبِ الْجِزْيَةِ على عَبْدٍ ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أو كَافِرٌ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا كان الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا
إحْدَاهُمَا تَجِبُ عليه الْجِزْيَةُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ من الرِّوَايَتَيْنِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وإذا عَتَقَ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ سَوَاءٌ كان مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أو كَافِرًا هذا الصَّحِيحُ عن أَحْمَدَ انْتَهَيَا
وقال في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَتُؤْخَذُ مِمَّنْ صَارَ أَهْلًا لها في آخِرِ الْحَوْلِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا جِزْيَةَ عليه قال الْخَلَّالُ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه وَوَهَنَهَا
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا جِزْيَةَ عليه إذَا كان الْمُعْتِقُ له مُسْلِمًا
الثَّانِيَةُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ فَيُعْطَى حُكْمَهُ
قَوْلُهُ وَلَا فَقِيرٍ يَعْجِزُ عنها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ نَصَّ عليه وَفِيهِ احْتِمَالٌ تَجِبُ عليه وَيُطَالَبُ بها إذَا أَيْسَرَ لِأَنَّهُ من أَهْلِ الْقِتَالِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان مُعْتَمِلًا وَجَبَتْ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ تَجِبُ على الْأَصَحِّ
قال في الْقَوَاعِدِ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ الْوُجُوبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/224)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَبْعَدُ دَلِيلًا وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ لَا تَجِبُ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا تَجِبُ على فَقِيرٍ عَاجِزٍ لَا حِرْفَةَ له أو له حِرْفَةٌ لَا تَكْفِيهِ نَصَّ عليه
وقال في مَكَان آخَرَ وَتَلْزَمُ الْفَقِيرَ الْمُحْتَرِفَ الْحِرْفَةَ التي تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ
فَائِدَةٌ تَجِبُ الْجِزْيَةُ على الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَقِيلَ لَا تَجِبُ عليه
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْكَافِي وَهَذَا الْمَذْهَبُ وأطلقهما في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لو بَانَ رَجُلًا أُخِذَتْ منه لِلْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ من ذَكَرَهُ منهم الْقَاضِي
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَلِلْمَاضِي
قَوْلُهُ وَمَنْ بَلَغَ أو أَفَاقَ أو اسْتَغْنَى وَكَذَا لو عَتَقَ وَقُلْنَا عليه الْجِزْيَةُ فَهُوَ من أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ هو مُخَيَّرٌ بين الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ فَيُجَابُ إلَى ما يَخْتَارُ
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ منه في آخِرِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ ما أَدْرَكَ
____________________
(4/225)
يَعْنِي إذَا بَلَغَ أو أَفَاقَ أو اسْتَغْنَى في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَكَذَا لو عَتَقَ في أَثْنَائِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ لَا جِزْيَةَ على عَتِيقٍ مُسْلِمٍ وَعَنْهُ وَعَتِيقٍ ذِمِّيٍّ جَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ كان يُجَنُّ ثُمَّ يُفِيقُ لُفِّقَتْ إفَاقَتُهُ فإذا بَلَغَتْ حَوْلًا أُخِذَتْ منه
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ إذَا لم يَتَعَسَّرْ ضَبْطُهُ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إذَا كان يُجَنُّ وَيُفِيقُ لَا يَخْلُو عن ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ
أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ غير مَضْبُوطٍ مِثْلَ من يُفِيقُ سَاعَةً من أَيَّامٍ أو من يَوْمٍ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ بِالْأَغْلَبِ
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا مِثْلَ من يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمَيْنِ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ إلَّا أَنَّهُ مَضْبُوطٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ من حَالِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تُلَفَّقُ إفَاقَتُهُ فَعَلَى هذا الْوَجْهِ في أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا تُلَفَّقُ أَيَّامُهُ فإذا بَلَغَتْ حَوْلًا أُخِذَتْ منه
وَالثَّانِي يُؤْخَذُ منه في آخِرِ كل حَوْلٍ بِقَدْرِ ما أَفَاقَ منه
وَإِنْ كان يُجَنُّ ثُلُثَ الْحَوْلِ وَيُفِيقُ ثُلُثَيْهِ أو بِالْعَكْسِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ
فإذا اسْتَوَتْ إفَاقَتُهُ وَجُنُونُهُ مِثْلَ من يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أو يُجَنُّ نِصْفَ الْحَوْلِ وَيُفِيقُ نِصْفَهُ عَادَةً لُفِّقَتْ إفَاقَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْأَغْلَبُ
الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يُجَنَّ نِصْفَ حَوْلٍ ثُمَّ يُفِيقُ إفَاقَةً مُسْتَمِرَّةً أو يُفِيقُ نِصْفَهُ
____________________
(4/226)
ثُمَّ يُجَنُّ جُنُونًا مُسْتَمِرًّا فَلَا جِزْيَةَ عليه في الثَّانِي وَعَلَيْهِ في الْأَوَّلِ الْجِزْيَةُ بِقَدْرِ ما أَفَاقَ كما تَقَدَّمَ انْتَهَيَا
قَوْلُهُ وَتُقْسَمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ فَيُجْعَلُ على الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا
وقد تَقَدَّمَ أَنَّ مَرْجِعَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيُنْقِصَ على قَدْرِ ما يَرَاهُ فَلَا تَفْرِيعَ عليه
وَتَفْرِيعُ الْمُصَنِّفِ هُنَا على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجِزْيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ لَا يُزَادُ عليه وَلَا يَنْقُصُ منه وَهَذَا التَّقْدِيرُ على هذه الرِّوَايَةِ لَا نِزَاعَ فيه وهو تَقْدِيرُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عن كُلٍّ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا دِينَارًا أو قِيمَتَهَا نَصَّ عليه لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فيها
قَوْلُهُ وَالْغَنِيُّ منهم من عَدَّهُ الناس غَنِيًّا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وهو الْمَذْهَبُ كما قال وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
وَقِيلَ الْغَنِيُّ من مَلَكَ نِصَابًا وَحَكَى رِوَايَةً
وَقِيلَ من مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ الْغَنِيُّ من مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارًا وَهِيَ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَنْ مَلَكَ دُونَهَا إلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَمُتَوَسِّطٌ وَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافٍ فما دُونَهَا فَفَقِيرٌ قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ عُرْفًا جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ الذي قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
____________________
(4/227)
قَوْلُهُ وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عليهم لَزِمَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ
وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَيْضًا دَفْعُ من قَصَدَهُمْ بِأَذًى وَلَا مَطْمَعَ بِالذَّبِّ عَمَّنْ بِدَارِ الْحَرْبِ
قال في التَّرْغِيبِ وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ على الْأَشْبَهِ انْتَهَى
وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لم يَصِحَّ الشَّرْطُ
وَيَأْتِي ذلك في أَثْنَاءِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ وَالْمَنْعُ من أَذَاهُمْ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عنه الْجِزْيَةُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْإِيضَاحِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ
وَمَنَعَ في الِانْتِصَارِ وُجُوبَهَا أَصْلًا وَأَنَّهَا مُرَاعَاةٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتْ من تَرِكَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ يَسْقُطُ وَنَصَرَهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو مَاتَ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أنها تَسْقُطُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ تَجِبُ بِقِسْطِهِ
____________________
(4/228)
فَوَائِدُ
الْأُولَى وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ في آخِرِ الْحَوْلِ وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ
قال أبو الْخَطَّابِ وَيُصْفَعُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُقْبَلُ منهم إرْسَالُهَا مع غَيْرِهِمْ لِزَوَالِ الصَّغَارِ عَنْهُمْ كما لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ على قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا فَإِنْ قِيلَ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَقٌّ أو مُسْتَحَبٌّ
قِيلَ فيه خِلَافٌ وَيَتَفَرَّعُ عليه عَدَمُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ إنْ قِيلَ هو مُسْتَحَقٌّ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَحْصُلُ بِأَدَاءِ الضَّامِنِ فَتَفُوتُ الْإِهَانَةُ وَإِنْ قِيلَ هو مُسْتَحَبٌّ انْعَكَسَتْ هذه الْأَحْكَامُ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهَلْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِذِمِّيٍّ في أَدَاءِ جِزْيَتِهِ أو أَنْ يَضْمَنَهَا أو أَنْ يُحِيلَ الذي عليه بها يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ كما سَبَقَ انْتَهَى
قُلْت فَعَلَى الْمَنْعِ يعايى بها في الضَّمَانِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ
وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ فَأَطْلَقُوا الِامْتِهَانَ
الثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْأَصْحَابُ لَا نَأْمَنُ نَقْضَ الْأَمَانِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ من الْعِوَضِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وعند ( ( ( عند ) ) ) أبي الْخَطَّابِ يَصِحُّ وَيَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ
____________________
(4/229)
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عليهم ضِيَافَةَ من يَمُرُّ بِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ وَقَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدَ من يُضَافُ
إذَا شَرَطَ عليهم الضِّيَافَةَ فَيَشْتَرِطُ تَبْيِينَ ذلك لهم كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُبَيِّنُ لهم الْمَنْزِلَ وما هو على الْغِنَى وَالْفَقْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ في ذلك كُلِّهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَجُوزُ إطْلَاقُ ذلك كُلِّهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَاخْتَارَهُ
وَقِيلَ تُقْسَمُ الضِّيَافَةُ على قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَعِبَارَتُهُمْ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَجُوزُ إطْلَاقُ ذلك كُلِّهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَاخْتَارَهُ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنْ شَرَطَ الضِّيَافَةَ مُطْلَقًا صَحَّ في الظَّاهِرِ
قال أبو بَكْرٍ إنْ أَطْلَقَ قَدْرَ الضِّيَافَةِ فَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَقْسِمُ الضِّيَافَةَ على قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ ذلك من غَيْرِ شَرْطٍ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْقَاضِي يَجِبُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
____________________
(4/230)
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَيَلْزَمُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بِلَا شَرْطٍ وَقِيلَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَلَا يَزِيدُ على ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
فَائِدَةٌ لو جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ لَكِنْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهَا أَقَلَّ من الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا الْجِزْيَةُ مُقَدَّرَةٌ الْأَقَلَّ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ على ذلك جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُصُولِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وإذا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ وما شَرَطَ عليهم أَقَرَّهُمْ عليه
وَكَذَا لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لو كان ذلك ظَاهِرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاعْتُبِرَ في الْمُسْتَوْعِبِ ثُبُوتُهُ
قَوْلُهُ وإن ( ( ( وإذا ) ) ) لم يَعْرِفْ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ
يَعْنِي وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ
هذا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ
قال في الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ على ما يؤدى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ رَجَعَ عليهم
____________________
(4/231)
بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ من جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عليهم ( ( ( عليها ) ) )
فَلِذَلِكَ قال الْمُصَنِّفُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ في ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عليهم فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ إنْ شَاءَ لم يُقِمْ عليهم حَدَّ زِنًى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ
قَوْلُهُ وَيُلْزِمُهُمْ التَّمَيُّزَ عن الْمُسْلِمِينَ في شُعُورِهِمْ بِحَذْفِ مَقَادِمِ رؤوسهم ( ( ( رءوسهم ) ) )
قال في الْفُرُوعِ لَا كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ
قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ هو حَلْقُ شَعْرِ التَّحْذِيفِ من الْعِذَارِ وَالنَّزْعَتَيْنِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَكُنَاهُمْ فَلَا يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي عبد اللَّهِ
وَكَذَا أبو الْحَسَنِ وأبو بَكْرٍ وأبو مُحَمَّدٍ وَنَحْوُهَا وَكَذَا الْأَلْقَابُ كَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ يُمْنَعُونَ من ذلك كُلِّهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقد كَنَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ طَبِيبًا نَصْرَانِيًّا فقال يا أَبَا إِسْحَاقَ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ فإن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِأَسْقُفِ نَجْرَانَ يا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وقال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه يا أَبَا حَسَّانَ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ بِالْجَوَازِ لِلْمَصْلَحَةِ وَيُحْمَلُ ما روى عليه
____________________
(4/232)
قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ تَجُوزُ لِلْحَاجَةِ
قال في الْآدَابِ رَأَيْته بِخَطِّ الزَّرِيرَانِيِّ وقد قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو سَلَّمَ عليه ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ رُدَّ على سَلَامِي
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مِثْلُ بُدَاءَتِهِمْ بِالسَّلَامِ قَوْلُهُ لهم كَيْفَ أَصْبَحْت وَكَيْفَ أَمْسَيْت وَكَيْفَ أنت وكيف ( ( ( كيف ) ) ) حَالُك نَصَّ عليه وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ يَجُوزُ بِالنِّيَّةِ كما قَالَهُ الْخِرَقِيُّ يقول أَكْرَمَك اللَّهُ قال نعم يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ قَوْلُهُ هَدَاك اللَّهُ زَادَ أبو الْمَعَالِي وَأَطَالَ بَقَاءَك وَنَحْوُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ قِيلَ له وَعَلَيْكُمْ
يَعْنِي أَنَّهُ بِالْوَاوِ في وَعَلَيْكُمْ أَوْلَى وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا بِالْوَاوِ
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال بن الْقَيِّمِ في بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ وَأَحْكَامِ الذِّمَّةِ له وَالصَّوَابُ إثْبَاتُ الْوَاوِ وَبِهِ جَاءَتْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَهَا الثِّقَاتُ الإثبات انْتَهَى
وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ بِلَا وَاوٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(4/233)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا سَلَّمُوا على مُسْلِمٍ لَزِمَهُ الرَّدُّ عليهم قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَرُدُّ تَحِيَّتَهُ وقال يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ له أَهْلًا وَسَهْلًا وَجَزَمَ في مَوْضِعٍ آخَرَ بِمِثْلِ ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ
الثَّانِيَةُ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُصَافَحَتَهُمْ قِيلَ له فَإِنْ عَطَسَ أَحَدُهُمْ يقول له يَهْدِيكُمْ اللَّهُ قال إيشَ يُقَالُ له كَأَنَّهُ لم يَرَهُ
وقال الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لم يَسْتَحِبَّهُ كما لَا يُسْتَحَبُّ بُدَاءَتُهُ بِالسَّلَامِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فيه الرِّوَايَتَانِ قال وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي يُكْرَهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وبن عَقِيلٍ وَإِنَّمَا بَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ
وَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ أَجَابَهُ
قَوْلُهُ وفي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ فَيُكْرَهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ في بَابِ الْجَنَائِزِ ولم يذكر رِوَايَةَ التَّحْرِيمِ
وَذَكَرَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فَيُبَاحُ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ وَأَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ يُعَادُ وَيُعْرَضُ عليه الْإِسْلَامُ
____________________
(4/234)
قُلْت هذا هو الصَّوَابُ وقد عَادَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صَبِيًّا يَهُودِيًّا كان يَخْدُمُهُ وَعَرَضَ عليه الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ
نَقَلَ أبو دَاوُد أَنَّهُ إنْ كان يُرِيدُ أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَنَعَمْ
وَحَيْثُ قُلْنَا يُعَزِّيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ما يقول في تَعْزِيَتِهِمْ في آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيَدْعُو بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ
زَادَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ
وقد كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ لآنه شَيْءٌ فُرِغَ منه
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَيَسْتَعْمِلُهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُمْنَعُونَ من تَعْلِيَةِ الْبُنْيَانِ على الْمُسْلِمِينَ
أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الْمُسْلِمُ مُلَاصِقًا أو لَا وَسَوَاءٌ رضي الْجَارُ بِذَلِكَ أو لَا وهو صَحِيحٌ
قال أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ زَادَ بن الزَّاغُونِيِّ يَدُومُ بِدَوَامِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ رِضَاهُ سَقَطَ حَقُّ من يَحْدُثُ بَعْدَهُ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَقْفِ قِسْمَةُ مَنَافِعَ لَا تَلْزَمُ لِسُقُوطِ حَقِّ من يَحْدُثُ بَعْدَهُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وكذا لو كان الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لآن ما لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ فَمُحَرَّمٌ
فَائِدَةٌ لو خَالَفُوا وَفَعَلُوا وَجَبَ هَدْمُهُ
قَوْلُهُ وفي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
____________________
(4/235)
وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
أَحَدُهُمَا لَا يُمْنَعُونَ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَلَا يُعْلُونَ على جَارٍ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُمْنَعُونَ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً من مُسْلِمٍ لم يَجِبْ نَقْضُهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَجِبُ نَقْضُهَا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
وَلَوْ انْهَدَمَتْ هذه الدَّارُ أو هُدِمَتْ لم تُعَدْ عَالِيَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بَلَى
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لو بَنَى مُسْلِمٌ دَارًا عِنْدَ دُورِهِمْ دُونَ بُنْيَانِهِمْ
قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ من إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إجْمَاعًا
وَاسْتَثْنَى الْأَصْحَابُ ما اشْتَرَطُوهُ فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا على أنها لنا
فَائِدَةٌ في لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ منها في الْعَنْوَةِ وَقْتَ فَتْحِهَا وَجْهَانِ وَهُمَا في التَّرْغِيبِ إنْ لم يُقِرَّ بِهِ أُخِذَ بِجِزْيَةٍ وَإِلَّا لم يَلْزَمْ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَبَقَاؤُهُ ليس تَمْلِيكًا فَيَأْخُذُهُ لِمَصْلَحَةٍ
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَإِلَيْهِ مَالَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(4/236)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازَ هَدْمِهَا مع عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْنَا
وَقِيلَ يُمْنَعُ من هَدْمِهَا
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَشْهَرُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَلَا يُمْنَعُونَ من رَمِّ شَعَثِهَا
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْكَافِي وقال رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ الْمَنْعُ من ذلك اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قال بن هُبَيْرَةَ كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ
قال في الْمُحَرَّرِ وَنَصَرَهَا الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وفي بِنَاءِ ما اسْتُهْدِمَ منها وَلَوْ كُلَّهَا رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ من ذلك وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
قال بن هُبَيْرَةَ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَيُمْنَعُ من بِنَائِهَا إذَا انْهَدَمَتْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ ذلك قال في الْخُلَاصَةِ وَيَبْنُونَ ما اسْتُهْدِمَ على الْأَصَحِّ وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ عن الْخِلَافِ بِنَاءً على أَنَّ الْإِعَادَةَ هل هِيَ اسْتِدَامَةٌ أو إنْشَاءٌ
____________________
(4/237)
وَقِيلَ إنْ جَازَ بِنَاؤُهَا جَازَ بِنَاءُ بِيعَةٍ مُسْتَهْدَمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ
قال في الْقَوَاعِدِ وَلَوْ فُتِحَ بَلَدٌ عَنْوَةً وَفِيهِ كَنِيسَةٌ مُنْهَدِمَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا فيه طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ منه مُطْلَقًا
وَالثَّانِي بِنَاؤُهُ على الْخِلَافِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْمَهْدُومِ ظُلْمًا حُكْمُ الْمَهْدُومِ بِنَفْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ يُعَادُ الْمَهْدُومُ ظُلْمًا قال في الْفُرُوعِ وهو أَوْلَى
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ من إظْهَارِ الْمُنْكَرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ وَالْجَهْرِ بِكِتَابِهِمْ
يَعْنِي يَجِبُ الْمَنْعُ من ذلك كُلِّهِ
وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا من إظْهَارِ عِيدٍ وَصَلِيبٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ على مَيِّتٍ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيُمْنَعُونَ من إظْهَارِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ في رَمَضَانَ
وَاخْتَارَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ وَنَقَلَهُ عن الْقَاضِي
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وقد يَكُونُ هذا مَبْنِيًّا على تَكْلِيفِهِمْ قال وَالْأَظْهَرُ يُمْنَعُونَ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ انْتَهَى
قُلْت هذا مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ من إظْهَارِ ذلك فَقَطْ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك فِيمَنْ أُبِيحَ له الْفِطْرُ من الْمُسْلِمِينَ في أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لم يُفْطِرْ
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ في رَمَضَانَ مُنِعُوا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ وَظَاهِرُهُ لَا في غَيْرِ سُوقِنَا إنْ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ
____________________
(4/238)
وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا من إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ أَظْهَرُوهُمَا أَتْلَفْنَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا نَصَّ عليه
وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا من شِرَاءِ الْمُصْحَفِ
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَكِتَابُ حَدِيثٍ وَفِيهِ زَادَ في الرِّعَايَةِ وَامْتِهَانُ ذلك وَلَا يَصِحَّانِ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ في الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَجْهَانِ
وَاقْتَصَرَ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ على الْمُصْحَفِ وَسُنَنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَرُوا ثَوْبًا مُطَرَّزًا بِذِكْرِ اللَّهِ أو كَلَامِهِ
قال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ وَالْبُطْلَانُ
وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَعْلِيمُهُمْ الْقُرْآنَ لَا الصَّلَاةَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَالْمَنْصُوصُ التَّحْرِيمُ على ما يَأْتِي قَرِيبًا وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي
قال في الرِّعَايَةِ وَتَعْلِيمُهُمْ بَعْضَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَالْكَرَاهَةُ أَظْهَرُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ من دُخُولِ الْحَرَمِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ غير مُكَلَّفٍ
وَقِيلَ لهم دُخُولُهُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْمَنْعِ من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ
وَقِيلَ يُمْنَعُونَ من دُخُولِ الْحَرَمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وقال بن الْجَوْزِيِّ يُمْنَعُونَ من دُخُولِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ
قال بن تَمِيمٍ في أَوَاخِرِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ ليس لِلْكَافِرِ دُخُولُ الْحَرَمَيْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَطَعَ بِهِ بن حَامِدٍ
____________________
(4/239)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ من دُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وهو صَحِيحٌ فَيَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ
قال في الرِّعَايَةِ قُلْت بِإِذْنِ مُسْلِمٍ
وَقِيلَ يُمْنَعُونَ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ وحكى عن بن حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ من الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ
اعْلَمْ أَنَّ الْحِجَازَ هو الْحَاجِزُ بين تِهَامَةَ وَنَجْدٍ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكَ وما وَالَاهَا من قُرَاهَا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْهُ تَبُوكُ وَنَحْوُهَا وما دُونَ الْمُنْحَنَى وهو عَقَبَةُ الصَّوَّانِ
قَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلُوا لِلتِّجَارَةِ لم يُقِيمُوا في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اكثر من أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقِيمُونَ أَكْثَرَ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
فعليهما ( ( ( فعليه ) ) ) إنْ كان له دَيْنٌ حَالٌّ أَجْبَرَ غَرِيمَهُ على وَفَائِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ لِمَطْلٍ أو تَغَيُّبٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ له الْإِقَامَةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ
____________________
(4/240)
قُلْت لو أَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ بِوَكِيلٍ مُنِعَ من الْإِقَامَةِ
وَإِنْ كان دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لم يُمَكَّنْ من الْإِقَامَةِ وَيُوَكِّلُ من يَسْتَوْفِيهِ
قُلْت فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ من الْإِقَامَةِ إذَا تَعَذَّرَ الْوَكِيلُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَعَنْهُ إنْ مَرِضَ لم يُخْرَجْ حتى يَبْرَأَ
يَعْنِي يَجُوزُ إقَامَتُهُ حتى يَبْرَأَ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ
وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الرِّعَايَةِ وَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِمَنْ يُمَرِّضُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُدْفَنُ بِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت إنْ شَقَّ نَقْلُ الْمَرِيضِ وَالْمَيِّتِ جَازَ إبْقَاءُ الْمَرِيضِ وَدَفْنُ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ وَهَلْ لهم دُخُولُ الْمَسَاجِدِ
يَعْنِي مَسَاجِدَ الْحِلِّ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
إحْدَاهُمَا ليس لهم دُخُولهَا مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
قال في الرِّعَايَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَظْهَرُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ كَاسْتِئْجَارِهِ لِبِنَائِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمُذْهَبِ
____________________
(4/241)
قال في الشَّرْحِ جَازَ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْكَافِي وَتَبِعَهُ بن مُنَجَّا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ إذَا كان لِمَصْلَحَةٍ
وَقَدَّمَ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ الْجَوَازَ لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لهم دُخُولُهَا بِلَا إذْنِ مُسْلِمٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا أَصَحُّ
قال في الرِّعَايَةِ هذا أَظْهَرُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بِلَا إذْنٍ إذَا كان لِمَصْلَحَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ هل يَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُخُولُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ على رِوَايَتَيْنِ
فَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ وَكَلَامِ الْقَاضِي يَقْتَضِي جَوَازَهُ مُطْلَقًا لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ لِيَرِقَّ قَلْبُهُ وَيُرْجَى إسْلَامُهُ
وقال أبو الْمَعَالِي إنْ شُرِطَ الْمَنْعُ في عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ مُنِعُوا وَإِلَّا فَلَا
وَرَوَى أَحْمَدُ عن النبي عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا يَدْخُلُ مَسَاجِدَنَا بَعْدَ عَامِنَا هذا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَدَمِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ فَيَكُونُ لنا رِوَايَةٌ بِالتَّفْرِقَةِ بين الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ
تَنْبِيهٌ قال في الْآدَابِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ ظَهَرَ من هذا أَنَّهُ هل يَجُوزُ لِكَافِرِ دُخُولُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ فيه رِوَايَتَانِ ثُمَّ هل الْخِلَافُ في كل كَافِرٍ أو في أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ فيه طَرِيقَتَانِ وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ مع إذْنِ مُسْلِمٍ لِمَصْلَحَةٍ أو لَا يُعْتَبَرُ أو يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُسْلِمِ فَقَطْ فيه ثَلَاثُ طُرُقٍ انْتَهَى
____________________
(4/242)
وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ منهم من أَطْلَقَهَا يَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَمِنْهُمْ من قَيَّدَهَا بِالْمَصْلَحَةِ وَمِنْهُمْ من جَوَّزَ ذلك بِإِذْنِ مُسْلِمٍ وَمِنْهُمْ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ هل يَجُوزُ دُخُولُهَا وهو جُنُبٌ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ الْغُسْلِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَقَدَّمَ هذا هُنَاكَ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فإنه مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ ابْتِذَالَهَا بِأَكْلٍ وَنَوْمٍ ذَكَرَهُ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يجوز ( ( ( ويجوز ) ) ) اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَكَلَامُ الْقَاضِي في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ يدل ( ( ( دل ) ) ) على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
الثَّانِيَةُ يُمْنَعُونَ من قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وقال الْقَاضِي في التَّخْرِيجِ لَا يُمْنَعُونَ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا على أَنَّهُمْ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ
وَيَأْتِي هل يَصِحُّ إصْدَاقُ الذِّمِّيَّةِ إقْرَاءَ الْقُرْآنِ في الصَّدَاقِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا أُخِذَ منه الْعُشْرُ
هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/243)
وَذَكَرَ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً يَلْزَمُ الذِّمِّيَّ الْعُشْرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَاضِحِ
وَذَكَرَ بن هُبَيْرَةَ عنه يَجِبُ الْعُشْرُ على الْحَرْبِيِّ ما لم يَشْتَرِطْ أَكْثَرَ
وفي الْوَاضِحِ يُؤْخَذُ من الْحَرْبِيِّ الْخُمُسُ
وَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ من تَاجِرِ الْمِيرَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا شَيْءٌ إذَا كان حَرْبِيًّا اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ الْعُشْرِ عن الْحَرْبِيِّ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً
وقال بن عَقِيلٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ من ذلك إلَّا بِشَرْطٍ وَتَرَاضٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ
وقال الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ الذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ يُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ وفي غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا شَيْءَ عليهم غَيْرُهَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا
وَالثَّانِيَةُ عليهم نِصْفُ الْعُشْرِ في أَمْوَالِهِمْ
وَعَلَى ذلك هل يَخْتَصُّ ذلك بِالْأَمْوَالِ التي يَتَّجِرُونَ بها إلَى غَيْرِ بَلَدِنَا على رِوَايَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا يَخْتَصُّ بها
وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ في ذلك وَفِيمَا لَا يَتَّجِرُونَ بِهِ من أَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ
قال وَأَهْلُ الْحَرْبِ إذَا دَخَلُوا إلَيْنَا تُجَّارًا بِأَمَانٍ أُخِذَ منهم الْعُشْرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ عَشَّرُوا هُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلَتْ إلَيْهِمْ أَمْ لَا
وَعَنْهُ إنْ فَعَلُوا ذلك بِالْمُسْلِمِينَ فَعَلَ بِهِمْ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
وَأُخِذَ الْعُشْرُ منهم من الْمُفْرَدَاتِ قال نَاظِمُهَا
% وَالْكَافِرُ التَّاجِرُ إنْ مَرَّ على % عَاشِرِنَا نَأْخُذُ عُشْرًا انْجَلَى %
% حتى وَلَوْ لم ذَا عليهم شَرْطًا % أو لم يَبِيعُوا عِنْدَنَا ما سَقَطَا %
% أو لم يَكُونُوا يفعلون ( ( ( يفعلوا ) ) ) ذَاكَ بِنَا % هذا هو الصَّحِيحُ من مَذْهَبِنَا %
انْتَهَى
____________________
(4/244)
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الذِّمِّيَّ التَّغْلِبِيَّ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو أَقْيَسُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْكَافِي وَذَلِكَ ضِعْفُ ما على الْمُسْلِمِينَ
وَعَنْهُ يَلْزَمُ التَّغْلِبِيَّ الْعُشْرُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في التَّرْغِيبِ بِخِلَافِ ذِمِّيٍّ غَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا شَيْءَ عليه قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال النَّاظِمُ وهو بَعِيدٌ
فَوَائِدُ
إحداها الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّاجِرَةَ كَالرَّجُلِ في جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ
وقال الْقَاضِي ليس على الْمَرْأَةِ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُ عُشْرٍ إلَّا إذَا دَخَلَتْ الْحِجَازَ تَاجِرَةً فَيَجِبُ عليها ذلك لِمَنْعِهَا منه
قال الْمُصَنِّفُ لَا نَعْرِفُ هذا التَّفْصِيلَ عن أَحْمَدَ وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ
الثَّانِيَةُ الصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
الثَّالِثَةُ يَمْنَعُ دَيْنُ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ كما يَمْنَعُ الزَّكَاةَ إنْ ثَبَتَ ذلك بِبَيِّنَةٍ
الرَّابِعَةُ لو كان معه جَارِيَةٌ فَادَّعَى أنها زَوْجَتُهُ أو ابْنَتُهُ فَهَلْ يُصَدَّقُ أَمْ لَا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يُصَدَّقُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّ ذلك لَا يُعْرَفُ إلَّا من جِهَتِهِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يُصَدَّقُ وقال في الرَّوْضَةِ لَا عُشْرَ في زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ
____________________
(4/245)
قَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ من أَقَلَّ من عَشَرَةِ دَنَانِيرَ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كان التَّاجِرُ ذِمِّيًّا أو حَرْبِيًّا نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ من أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي
وَقِيلَ تَجِبُ في تِجَارَتَيْهِمَا
قُلْت اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَأُطْلِقَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَذُكِرَ في التَّبْصِرَةِ عن الْقَاضِي أَنَّهُ قال إنْ بَلَغَتْ تِجَارَتُهُ دِينَارًا فَأَكْثَرَ وَجَبَ فيه
إذَا عَلِمْت ذلك فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسَاوٍ لِلذِّمِّيِّ في هذه الْأَقْوَالِ
قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هذه الْأَقْوَالَ في الذِّمِّيِّ وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَبَلَغَتْ تِجَارَتُهُ كَذِمِّيٍّ انْتَهَى
وَنَقَلَ صَالِحٌ اعْتِبَارَ الْعِشْرِينَ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَشَرَةِ لِلْحَرْبِيِّ
وقال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ يُعَشَّرُ لِلذِّمِّيِّ بِعَشَرَةٍ وَلِلْحَرْبِيِّ خمسة ( ( ( بخمسة ) ) ) انْتَهَى
وَقِيلَ يَجِبُ في نِصْفِ ما يَجِبُ في مِقْدَارِهِ من الذِّمِّيِّ
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ في كل عَامٍ مَرَّةً
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
قال في الْكَافِي هذا الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ أَيْضًا
____________________
(4/246)
وقال بن حَامِدٍ يُؤْخَذُ من الْحَرْبِيِّ كلما دخل إلَيْنَا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا
وَظَاهِرُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ الْإِطْلَاقُ
فَائِدَةٌ لَا يُعَشَّرُ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
وَعَنْهُ يُعَشَّرَانِ جَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَالْغُنْيَةِ وَزَادُوا أَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُ ثَمَنِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَخَرَّجَ الْمَجْدُ يُعَشَّرُ ثَمَنُ الْخَمْرِ دُونَ الْخِنْزِيرِ
قَوْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ وَالْمَنْعُ من أَذَاهُمْ وَاسْتِنْقَاذُ من أُسِرَ منهم
يَلْزَمُ الْإِمَامَ حِمَايَتُهُمْ من مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزُ وَالْمُحَرَّرُ وَغَيْرُهُمْ
وَأَمَّا اسْتِنْقَاذُ من أُسِرَ منهم فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِلُزُومِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
وقال الْقَاضِي إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ في الْقِتَالِ فَسُبُوا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مع بَعْضٍ أو اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ خُيِّرَ بين الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ
هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ أَعْنِي الْخِيرَةَ في الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ وَبَيْنَ الِاسْتِعْدَاءِ وَعَدَمِهِ
قال في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ عنه
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/247)
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ الأعداء وَالْحُكْمُ بَيْنَهُمْ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ وَإِلَّا خُيِّرَ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ إنْ تَظَالَمُوا في حَقِّ آدَمِيٍّ لَزِمَهُمْ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ قال في الْمُحَرَّرِ وهو أَصَحُّ عِنْدِي
وقال في الرَّوْضَةِ في إرْثِ الْمَجُوسِ يُخَيَّرُ إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ التَّخْيِيرُ
قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُ ما تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ على الْخِلَافِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا لَا شَرِيعَتُنَا
تَنْبِيهٌ مَتَى قُلْنَا له الْخِيرَةُ جَازَ له أَنْ يعدى وَيَحْكُمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كما لو كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ اتِّفَاقًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يوم السَّبْتِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أو لَا يُحْضِرُهُ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ
قال بن عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْتَ مُسْتَثْنًى من عَمَلٍ في إجَارَةٍ ذَكَرَ ذلك في الْفُرُوعِ وَاقْتَصَرَ عليه قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ وَالنَّظْمِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وفي بَقَاءِ تَحْرِيمِ يَوْمِ السَّبْتِ عليهم وَجْهَانِ
وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في بَابِ الْوَكَالَةِ
الثَّانِيَةُ لو تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ خُيِّرَ في الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً وَتَقَابَضُوا لم يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ وَإِنْ لم يَتَقَابَضُوا فَسَخَهُ سَوَاءٌ كان قد حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أو لَا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ إذَا لم يَتَقَابَضُوا بُيُوعَهُمْ وَكَانَتْ فَاسِدَةً يَفْسَخُهَا
____________________
(4/248)
وَلَوْ كان قد أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِالْقَبْضِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَهَذَا لِالْتِزَامِهِمْ بِحُكْمِهِ لَا لِلُزُومِهِ لهم
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَغْوٌ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ وهو الْإِسْلَامُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ هُمَا رِوَايَتَانِ
وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ الْقَبْضَ اُحْتُمِلَ نَقْضُهُ وَإِمْضَاؤُهُ انْتَهَى
وَعَنْهُ في الْخَمْرِ الْمَقْبُوضَةِ دُونَ ثَمَنِهَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ أو وَارِثِهِ بِخِلَافِ خِنْزِيرٍ لِحُرْمَةِ عَيْنِهِ فَلَوْ أَسْلَمَ الْوَارِثُ فَلَهُ الثَّمَنُ قَالَهُ في الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ لِثُبُوتِهِ قبل إسْلَامِهِ وَنَقَلَهُ أبو دَاوُد
قَوْلُهُ وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أو تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لم يُقِرَّ ولم يُقْبَلْ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو الدِّينُ الذي كان عليه
هذه إحْدَى الرِّوَايَاتِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ منه إلَّا الْإِسْلَامُ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يُقِرُّ على غَيْرِ الْإِسْلَامِ
وَعَنْهُ يُقِرُّ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الشَّرْحِ
وَعَنْهُ يُقِرُّ على أَفْضَلِ مِمَّا كان عليه كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ في وَجْهٍ ذَكَرَهُ في الْوَسِيلَةِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اتَّفَقُوا على التَّسْوِيَةِ بين الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
____________________
(4/249)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا حَيْثُ قُلْنَا لَا يُقِرُّ فِيمَا تَقَدَّمَ وأبي هُدِّدَ وَضُرِبَ وَحُبِسَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ وهو رِوَايَةٌ في الشَّرْحِ وَأَطْلَقَهُمَا
الثَّانِي حَيْثُ قُلْنَا يُقْتَلُ فَهَلْ يُسْتَتَابُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قُلْت الْأَوْلَى الِاسْتِتَابَةُ لَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ
قَوْلُهُ وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أو انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لم يُقِرَّ
إذَا انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لم يُقَرَّ عليه هذا الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قُلْت وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يُقَرُّ على دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عليه كما إذَا تَمَجَّسَ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ نَصَّ عليه أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَجَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو الدِّينُ الذي كان عليه
وَعَنْهُ يُقْبَلُ منه أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْإِسْلَامُ أو الدِّينُ الذي كان عليه أو دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(4/250)
واما إذَا انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لم يُقِرَّ عليه ولم يُقْبَلْ منه إلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وهو الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ جَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ
وَعَنْهُ يُقْبَلُ منه الْإِسْلَامُ أو دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَعَنْهُ أو دِينُهُ الْأَوَّلُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُقِرَّ
إذَا انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا أو غير مَجُوسِيٍّ فَإِنْ كان غير مَجُوسِيٍّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَرُّ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٌّ إلَى دِينِهِمَا قبل البعث ( ( ( البعثة ) ) ) فَلَهُ حُكْمُهَا وَكَذَا بَعْدَهَا
وَعَنْهُ إنْ لم يُسْلِمْ قُتِلَ وَعَنْهُ وَإِنْ تَمَجَّسَ انْتَهَى
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ منه إلَّا الْإِسْلَامُ
فَإِنْ لم يُسْلِمْ قُتِلَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ
وَإِنْ كان مَجُوسِيًّا فَانْتَقَلَ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَرُّ نَصَّ عليه
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ منه إلَّا الْإِسْلَامُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو دِينُهُ الذي كان عليه وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(4/251)
قَوْلُهُ فَإِنْ تَمَجَّسَ الْوَثَنِيُّ فَهَلْ يُقَرُّ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
إحْدَاهُمَا يُقَرُّ عليه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
وَالثَّانِيَةُ لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ أو السَّيْفُ
تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لو تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ أو تَمَجَّسَ كَافِرٌ قبل الْبِعْثَةِ وَقَبْلَ التَّبْدِيلِ أُقِرَّ بِلَا نِزَاعٍ وَأُخِذَتْ منه الْجِزْيَةُ بِلَا نِزَاعٍ
وَإِنْ كان قبل الْبِعْثَةِ وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ فَهَلْ هو كما قبل التَّبْدِيلِ أو كما بَعْدَ الْبِعْثَةِ فيه خِلَافٌ سَبَقَ في بَابِ الْجِزْيَةِ
وَإِنْ كان بَعْدَ الْبِعْثَةِ أو قَبْلَهَا وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كما بَعْدَ الْبِعْثَةِ فَهَذَا مَحَلُّ هذه الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَالْخِلَافُ إنَّمَا هو في هذا الْأَخِيرِ فَلْيُعْلَمْ ذلك صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ
وقد تَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ التَّنْبِيهُ على بَعْضِ ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وإذا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ من بَذْلِ الْجِزْيَةِ أو الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ
قال الزَّرْكَشِيُّ ولم أَرَ هذا الشَّرْطَ لِغَيْرِهِ انْتَهَى
وكذا لو أَبَى من الصَّغَارِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَكَذَا لو لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُقِيمًا بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(4/252)
قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ
وَكَذَا لو قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ بِلَا خِلَافٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَدَّى على مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ أو قَذْفٍ أو زِنًا أو قَطْعِ طَرِيقٍ أو تَجَسُّسٍ أو إيوَاءِ جَاسُوسٍ أو ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أو كِتَابِهِ أو رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِسُوءٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ لو فَتَنَ مُسْلِمًا عن دِينِهِ أو أَصَابَ مُسْلِمَةً بِاسْمِ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَة وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ولم يذكر الْقَذْفَ في الْكَافِي وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ بَلْ عَدَّا ذلك ثَمَانِيَةً ولم يَذْكُرَاهُ
إحْدَاهُمَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ في غَيْرِ الْقَذْفِ وهو الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ شُرِطَ عليهم أو لَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو حَفْصٍ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يُنْتَقَضُ على الْمَنْصُوصِ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَيَّدَ أبو الْخَطَّابِ الْقَتْلَ بِالْعَمْدِ وهو حَسَنٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْإِطْلَاقُ
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ ما لم يُشْتَرَطْ عليهم لَكِنْ يُقَامُ
____________________
(4/253)
عليه الْحَدُّ فِيمَا يُوجِبُهُ وَيُقْتَصُّ منه فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيُعَزَّرُ فِيمَا سِوَى ذلك بِمَا يَنْكَفُّ بِهِ أَمْثَالُهُ عن فِعْلِهِ
وَذَكَرَ في الْوَسِيلَةِ إنْ لم نَنْقُضْهُ في غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ أو كِتَابِهِ أو رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِسُوءٍ وَشَرَطَ عليه فَوَجْهَانِ
وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ
وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ بِهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَعَنْهُ يُنْقَضُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وهو أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَذَكَرَ هذه الرِّوَايَةَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى أبو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً في الْمُقْنِعِ بِالنَّقْضِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مُخَرِّجَهُ
تَنْبِيهٌ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ في الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من الْأَصْحَابِ
وقال في الْمُحَرَّرِ وَإِنْ قَذَفَ مُسْلِمًا لم يُنْقَضْ نَصَّ عليه
وَقِيلَ بَلَى وَإِنْ فَتَنَهُ عن دِينِهِ وَعَدَّدَ ما تَقَدَّمَ اُنْتُقِضَ نَصَّ عليه
وَقِيلَ فيه رِوَايَتَانِ بِنَاءً على نَصِّهِ في الْقَذْفِ وَالْأَصَحُّ التَّفْرِقَةُ انْتَهَى
وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ وَعَدَّدَ ما تَقَدَّمَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ نَصًّا وَخَرَجَ لَا من قَذْفِ مُسْلِمٍ نَصًّا وَقَدَّمَ هذه الطَّرِيقَةَ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ ما إذَا سَحَرَهُ فَآذَاهُ في تَصَرُّفِهِ حُكْمُ الْقَذْفِ نَصَّ عَلَيْهِمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَرًا أو رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ وَنَحْوِهِ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ
____________________
(4/254)
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الشَّارِحُ قال غَيْرُ الْخِرَقِيِّ من أَصْحَابِنَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ واختاره ( ( ( واختار ) ) ) الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ إنْ كان مَشْرُوطًا عليهم وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا حُكْمُ كل ما شُرِطَ عليهم فَخَالَفُوهُ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ بين الْخِرَقِيِّ وَالْجَمَاعَةِ إذَا اشْتَرَطَ عليهم
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لم يَشْتَرِطْ عليهم لَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ وَإِنْ اشْتَرَطَ عليهم فَقَوْلَانِ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ
وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أتى بِمَا مُنِعَ منه في الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فيه وَجْهَانِ وَإِنْ لَزِمَ أو شُرِطَ تَرْكُهُ فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ في مُنَاظَرَاتِهِ في رَجْمِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا يَحْتَمِلُ نَقْضُ الْعَهْدِ وَيُنْتَقَضُ بِإِظْهَارِ ما أُخِذَ عليهم سَتْرُهُ مِمَّا هو دِينٌ لهم فَكَيْفَ بِإِظْهَارِ ما ليس بِدَيْنٍ انْتَهَى
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ مع الشَّرْطِ فَقَطْ
قال بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ ما ذُكِرَ في شُرُوطِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ بن رَزِينٍ
لَكِنْ قال بن شِهَابٍ من أَقَامَ من الرُّومِ في مَدَائِنِ الشَّامِ لَزِمَتْهُمْ هذه الشُّرُوطُ شُرِطَتْ عليهم أو لَا قال وما عَدَا الشَّامَ فقال الْخِرَقِيُّ إنْ شُرِطَ عليهم في عَقْدِ الذِّمَّةِ
____________________
(4/255)
اُنْتُقِضَ الْعَهْدُ بِمُخَالَفَتِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قال وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عليه حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في نَصْرَانِيٍّ لَعَنَ مُسْلِمًا تَجِبُ عُقُوبَتُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ وَأَمْثَالُهُ عن ذلك وفي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَوْلٌ يُقْتَلُ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ في الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَسَوَاءٌ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أو لَا نَقَلَهُ عبد اللَّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ
وقال في الْعُمْدَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ بِهِمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ في أَوْلَادِهِ كَوَلَدٍ حَادِثٍ بَعْدَ نَقْضِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ نَقَلَهُ عبد اللَّهِ
ولم يُقَيِّدْ في الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ الْوَلَدَ الْحَادِثَ بِدَارِ الْحَرْبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ وَلَوْ عَلِمُوا بِنَقْضِ عَهْدِ أَبِيهِمْ أو زَوْجِهِنَّ ولم يُنْكِرُوهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ يُنْتَقَضُ إذَا عَلِمُوا ولم يُنْكِرُوا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الصُّغْرَى كَالْهُدْنَةِ
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّهُمَا في الْمُمَيِّزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ لو جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ له ذُرِّيَّةٌ عِنْدَنَا ثُمَّ نُقِضَ الْعَهْدُ فَهُوَ كَذِمِّيٍّ ذَكَرَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
____________________
(4/256)
وَتَقَدَّمَ نَقْضُ عَهْدِهِ في ذُرِّيَّتِهِ في الْمُهَادَنَةِ
وَكَذَا من لم يُنْكِرْ عليهم أو لم يغير ( ( ( يغزلهم ) ) ) لهم أو لم يُخْبِرْ بِهِ الْإِمَامَ وَنَحْوُهُ في بَابِ الْهُدْنَةِ
قَوْلُهُ وإذا انْتَقَضَ عَهْدُهُ خُيِّرَ الْإِمَامُ فيه كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ
فَيُخَيَّرُ فيه كما تَقَدَّمَ في أَثْنَاءِ كِتَابِ الْجِهَادِ
هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ هذا الْمَنْصُوصُ
قُلْت هو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ من نَقَضَ الْعَهْدَ بِغَيْرِ الْقِتَالِ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ
وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُ من سَبَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وبن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرُ وَالنَّظْمُ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ هذا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ على الْمَذْهَبِ وَإِنْ أَسْلَمَ
قال الشَّارِحُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ سَبَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عليه
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ ولم يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَمَّا إنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فإنه يَكُونُ كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/257)
وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وفي مَالِهِ الْخِلَافُ الْآتِي قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وَتَقَدَّمَ إذَا رُقَّ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ مَالٌ في بَلَدِ الْإِسْلَامِ ما حُكْمُهُ في بَابِ الْأَمَانِ
الثَّانِيَةُ لو أَسْلَمَ من انْتَقَضَ عَهْدُهُ حَرُمَ قَتْلُهُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَالْمُرَادُ غَيْرُ السَّابِّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه يُقْتَلُ وَلَوْ أَسْلَمَ على ما تَقَدَّمَ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ عَمَّنْ حَرُمَ قَتْلُهُ وَكَذَا يَحْرُمُ رِقُّهُ
وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ رُقَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ رِقُّهُ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ أَحْمَدَ قال فِيمَنْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يُقْتَلُ قِيلَ له فَإِنْ أَسْلَمَ قال يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ هذا قد وَجَبَ عليه
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِيمَنْ قَهَرَ قَوْمًا من الْمُسْلِمِينَ وَنَقَلَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْمُحَارِبِ
قَوْلُهُ وَمَالُهُ فَيْءٌ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَيُنْقَضُ عَهْدُهُ في مَالِهِ كما يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ في نَفْسِهِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَاهُ في أَثْنَاءِ بَابِ الْأَمَانِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ في بَابِ نَقْضِ الْعَهْدِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا
وقال أبو بَكْرٍ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ في مَالِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ فَهُوَ فَيْءٌ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ إرْثٌ فإذا تَابَ قبل قَتْلِهِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُذَهَّبِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
____________________
(4/258)
وقال وَقِيلَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ مَبْنِيٌّ على انْتِقَاضِ الْعَهْدِ في الْمَالِ بِنَقْضِهِ في صَاحِبِهِ فَإِنْ قِيلَ يُنْتَقَضُ كان فَيْئًا وَإِنْ قِيلَ لَا يُنْتَقَضُ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ انْتَهَى
قُلْت هذه طَرِيقَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَمَاعَةٍ = كِتَابُ الْبَيْعِ
قَوْلُهُ وهو مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ
اعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْعِ معنيان ( ( ( معنيين ) ) ) مَعْنًى في اللُّغَةِ وَمَعْنًى في الِاصْطِلَاحِ فَمَعْنَاهُ في اللُّغَةِ دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مُعَوَّضٍ عنه
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِحَدِّهِ بَيَانَ مَعْنَى الْبَيْعِ في اللُّغَةِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ الْبَيْعُ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا تَنَاوَلَ عَيْنَيْنِ أو عَيْنًا بِثَمَنٍ
واما مَعْنَاهُ في الِاصْطِلَاحِ فقال الْقَاضِي وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا هو عِبَارَةٌ عن الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا تَضَمَّنَ عَيْنَيْنِ لِلتَّمْلِيكِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ هو عِبَارَةٌ عن الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا تَضَمَّنَ مَالَيْنِ لِلتَّمْلِيكِ فَأَبْدَلَ الْعَيْنَيْنِ بِمَالَيْنِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا ليس بِمَالٍ
وَلَا يَطَّرِدُ الْحَدَّانِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الرِّبَا وَيَدْخُلُ الْقَرْضُ على الثَّانِي وَلَا يَنْعَكِسَانِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمُعَاطَاةِ وَخُرُوجِ الْمَنَافِعِ وَمَمَرِّ الدَّارِ وَنَحْوُ ذلك
قال الْمُصَنِّفُ وَيَدْخُلُ فيه عُقُودٌ سِوَى الْبَيْعِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هو بَيْعُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وما يتعلق ( ( ( تعلق ) ) ) بِذَلِكَ
وقال الزَّرْكَشِيُّ حَدُّ الْمُصَنِّفِ هُنَا حَدٌّ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ انْتَهَى
قُلْت وهو مُرَادُهُ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ ذلك لَا بِصَدَدِ حَدِّهِ في اللُّغَةِ
____________________
(4/259)
فَدَخَلَ في حَدِّهِ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ لَكِنْ يَرِدُ عليه الْقَرْضُ وَالرِّبَا فَلَيْسَ بِمَانِعٍ وَتَابَعَهُ على هذا الْحَدِّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ
وقال في النَّظْمِ هو مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَيْرِ رِبًا
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا
وقال في الْوَجِيزِ هو عِبَارَةٌ عن تَمْلِيكِ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ أو مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ على التَّأْبِيدِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ
وَيَرِدُ عليه أَيْضًا الرِّبَا وَالْقَرْضُ
وَبِالْجُمْلَةِ قَلَّ أَنْ يُسْلَمَ حَدٌّ
قُلْت لو قِيلَ هو مُبَادَلَةُ عَيْنٍ أو مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا بِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ على التَّأْيِيدِ فِيهِمَا بِغَيْرِ رِبًا وَلَا قَرْضٍ لَسَلِمَ
فَائِدَةٌ اشْتِقَاقُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ من الْبَاعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ منه
قال الزَّرْكَشِيُّ وَرُدَّ من جِهَةِ الصِّنَاعَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كان يُبَايِعُ صَاحِبَهُ أَيْ يُصَافِحُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْبَيْعُ صَفْقَةً
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ الْبَيْعُ مُشْتَقٌّ من الباع ( ( ( البائع ) ) ) وكان أَحَدُهُمْ يَمُدُّ يَدَهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَضْرِبُ عليها وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أو خِيَارٌ انْتَهَى
وَقِيلَ هو مُشْتَقٌّ من الْبَيْعَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَصْدَرُ لَا يَشْتَقُّ من الْمَصْدَرِ ثُمَّ مَعْنَى الْبَيْعِ غَيْرُ مَعْنَى الْمُبَايَعَةِ
وقال في الْفَائِقِ هو مُشْتَقٌّ من الْمُبَايَعَةِ بِمَعْنَى الْمُطَاوَعَةِ لَا من الْبَاعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فيقول الْبَائِعُ بِعْتُك أو مَلَّكْتُك وَنَحْوُهُمَا
____________________
(4/260)
مِثْلُ وَلَّيْتُك أو شَرَّكْتُكَ فيه
وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي ابْتَعْت أو قَبِلْت وما في مَعْنَاهُمَا
مِثْلُ تَمَلَّكْت وما يَأْتِي من الْأَلْفَاظِ التي يَصِحُّ بها الْبَيْعُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ بِدُونِ بِعْت واشتريت لَا غَيْرُهُمَا ذَكَرَهَا في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
فَوَائِدُ
إحداها لو قال بِعْتُك بِكَذَا فقال أنا آخُذُهُ بِذَلِكَ لم يَصِحَّ وَإِنْ قال أَخَذْته مِنْك أو بِذَلِكَ صَحَّ نَقَلَهُ مُهَنَّا
الثَّانِيَةُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ السَّلَفِ والسلم قَالَهُ في التَّلْخِيصِ في بَابِ السَّلَمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَفْظِ السَّلَمِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ
وَقِيلَ يَصِحُّ بِلَفْظِ السَّلَمِ قَالَهُ الْقَاضِي
الثَّالِثَةُ قال في التَّلْخِيصِ في بَابِ الصُّلْحِ في انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَرَدُّدٌ فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَعَدَمَهَا
وقال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ على ظَاهِرِ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُصُولِ وَقَالَهُ في التَّرْغِيبِ
قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ جَازَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ أَيْ يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي أو بِلَفْظِ الطَّلَبِ كَقَوْلِهِ بِعْنِي ثَوْبَك أو مَلِّكْنِيهِ فيقول بِعْتُك جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(4/261)
وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ كَالنِّكَاحِ
قال في النُّكَتِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال الْقَاضِي هذه الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
قال بن هُبَيْرَةَ هذه أَشْهَرُهُمَا عن أَحْمَدَ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِهِ الْمُبْهِجُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ إنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ على الْإِيجَابِ بِلَفْظِ الْمَاضِي صَحَّ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ لم يَصِحَّ
قال في الْمُغْنِي وَالْحَاوِيَيْنِ فَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي صَحَّ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ فَرِوَايَتَانِ
وقال في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي صَحَّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ فَرِوَايَتَانِ
وَقَطَعَ في الْكَافِي بِالصِّحَّةِ إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَعَدَمُ الصِّحَّةِ إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إذَا كان بِلَفْظِ الْمَاضِي الْمُجَرَّدِ عن الِاسْتِفْهَامِ أو بِلَفْظِ الطَّلَبِ لَا غَيْرُ كما تَقَدَّمَ أَمَّا لو كان بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ أو كان بِلَفْظِ الْمَاضِي الْمُسْتَفْهَمِ بِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ أبتعني هذا بِكَذَا أو أَتَبِيعُنِي هذا بِكَذَا فيقول بِعْتُك لم يَصِحَّ نَصَّ عليه حتى يَقُولَ بَعْدَ ذلك ابْتَعْت أو قَبِلْت أو اشْتَرَيْت أو تَمَلَّكْت وَنَحْوُهَا
____________________
(4/262)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو قال الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِهِ بِكَذَا أو ابْتَعْهُ بِكَذَا فقال اشْتَرَيْته أو ابْتَعْته لم يَصِحَّ حتى يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ بِعْتُك أو مَلَّكْتُك قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قال في النُّكَتِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَتَقَدُّمِ الطَّلَبِ من الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ دَالٌّ على الْإِيجَابِ وَالْبَذْلِ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لو قال بِعْتُك أو قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ في آخِرِ بَابِ الْإِقْرَارِ
وَيَأْتِي نَظِيرُهُ في النِّكَاحِ وَيَأْتِي ذلك في بَابِ ما يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عن الْإِيجَابِ صَحَّ ما دَامَا في الْمَجْلِسِ ولم يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ
قَيَّدَ الْأَصْحَابُ قَوْلَهُمْ ولم يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ بِالْعُرْفِ
قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْمُعَاطَاةُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ في الْمَذْهَبِ
وقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ إلَّا في الشَّيْءِ الْيَسِيرِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُنَّ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
تَنْبِيهَاتٌ
أحدها بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ كما مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَمِثْلُ ما لو سَاوَمَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فيقول خُذْهَا أو هِيَ لَك أو قد أَعْطَيْتُكهَا أو يقول ( ( ( قول ) ) ) كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ فيقول
____________________
(4/263)
كَذَا بِدِرْهَمٍ فيقول خُذْ دِرْهَمًا أو زِنْ وَنَحْوُ ذلك مِمَّا يَدُلُّ على الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وقال أَيْضًا وَيَصِحُّ بِشَرْطِ خِيَارٍ مَجْهُولٍ كما في الْمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ وَالْخِيَارِ مع قَطْعِ ثَمَنِهِ عُرْفًا وَعَادَةً
قال في الْفُرُوعِ مِثْلُ الْمُعَاطَاةِ وَضْعُ ثَمَنِهِ عَادَةً وَأَخْذُهُ
الثَّانِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ في أَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ لَا يُسَمَّى إيجَابًا وَقَبُولًا وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فقال الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِلصِّيغَةِ الْمُتَّفَقِ عليها
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وهو تَخْصِيصٌ عُرْفِيٌّ
قال وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ اسْمُ لكل ( ( ( كل ) ) ) تَعَاقُدٍ فَكُلُّ ما انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ من الطَّرَفَيْنِ سمى إثْبَاتُهُ إيجَابًا وَالْتِزَامُهُ قَبُولًا
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِغَيْرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِشَرْطِهَا وَالْمُعَاطَاةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِكُلِّ ما عَدَّهُ الناس بَيْعًا من مُتَعَاقِبٍ وَمُتَرَاخٍ من قَوْلٍ أو فِعْلٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ كَبَيْعِ الْمُعْطَاةِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَمِثْلُهُ الْهِبَةُ
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ صِحَّةَ الْهِبَةِ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ أو لَا انْتَهَى
فَمَتَى قُلْنَا بِالصِّحَّةِ يَكُونُ تَجْهِيزُهُ لِبِنْتِهِ بِجِهَازٍ إلَى زَوْجِهَا تَمْلِيكًا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/264)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ
قال الْقَاضِي قِيَاسُ قَوْلِنَا في بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ أنها تَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
الثَّانِيَةُ لَا بَأْسَ بِذَوْقِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الشِّرَاءِ نَصَّ عليه لِقَوْلِ بن عَبَّاسٍ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَرَّةً لَا أَدْرِي إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ نَصَّ عليه
قَوْلُهُ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا لم يَصِحَّ
هذا الْبَيْعُ هذا الْمَذْهَبُ بشرطه ( ( ( بشرط ) ) ) وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الْفَائِقِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَثُبُوتَ الْخِيَارِ عِنْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قَوْلُهُ التَّرَاضِي بِهِ وهو أَنْ يَأْتِيَا بِهِ اخْتِيَارًا
لو أُكْرِهَ على وَزْنِ مَالٍ فَبَاعَ مِلْكَهُ لِذَلِكَ كُرِهَ الشِّرَاءُ وَصَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وهو بَيْعُ الْمُضْطَرِّ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ تَحْرِيمَهُ وَكَرَاهِيَتَهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ ذَكَرَهُ عنه في الْفَائِقِ
الثَّانِيَةُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْأَمَانَةِ وهو إن يُظْهِرَا بَيْعًا لم يُرِيدَاهُ بَاطِنًا بَلْ خَوْفًا من ظَالِمٍ دَفْعًا له بَاطِلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ أو نَهْبَهُ أو سَرِقَتَهُ أو غَصْبَهُ أو أَخْذَهُ منه ظُلْمًا صَحَّ بَيْعُهُ
قال في الْفُرُوعِ عن كَلَامِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو أَوْدَعَ شَهَادَةً فقال اشْهَدُوا على أَنِّي أَبِيعُهُ أو أَتَبَرَّعُ له بِهِ خَوْفًا أو تَقِيَّةً أَنَّهُ يَصِحُّ ذلك خِلَافًا لِمَالِكٍ في التَّبَرُّعِ
____________________
(4/265)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ من اسْتَوْلَى على مَالِ غَيْرِهِ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَجَحَدَهُ أو مَنَعَهُ إيَّاهُ حتى يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ على هذا الْوَجْهِ فَهَذَا مُكْرَهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ
الثَّالِثَةُ لو أَسَرَّا الثَّمَنَ أَلْفًا بِلَا عَقْدٍ ثُمَّ عَقَدَهُ بِأَلْفَيْنِ فَفِي أَيِّهِمَا الثَّمَنُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في بَابِ الصَّدَاقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَطَعَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ الذي أَسَرَّاهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَحَكَاهُ أبو الْخَطَّابِ وأبو الْحُسَيْنِ عن الْقَاضِي
وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الثَّمَنَ ما أَظْهَرَاهُ وَلَوْ عَقَدَاهُ سِرًّا بِثَمَنٍ وَعَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ فقال الْحَلْوَانِيُّ هو كَالنِّكَاحِ اقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في كِتَابِ الصَّدَاقِ
الرَّابِعَةُ في صِحَّةِ بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ في الْفَائِقِ الْبُطْلَانَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ وقال في الِانْتِصَارِ يُقْبَلُ منه بِقَرِينَةٍ
الْخَامِسَةُ من قال لِآخَرَ اشْتَرِنِي من زَيْدٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ فَاشْتَرَاهُ فَبَانَ حُرًّا لم يَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ حَضَرَ الْبَائِعُ أو غَابَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ منه عَبْدَهُ هذا وَيُؤَدَّبُ هو وَبَائِعُهُ لَكِنْ ما أَخَذَهُ الْمُقِرُّ غَرِمَهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا
وَسَأَلَهُ بن الْحَكَمِ عن رَجُلٍ يُقِرُّ بِالْعُبُودِيَّةِ حتى يُبَاعَ فقال يُؤْخَذُ الْبَائِعُ وَالْمُقِرُّ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو غَابَ أُخِذَ الْآخِرُ بِالثَّمَنِ واختاره الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(4/266)
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْفُرُوعِ يتوجه ( ( ( وتوجه ) ) ) هذا في كل غَارٍّ وما هو بِبَعِيدٍ
وَلَوْ كان الْغَارُّ أُنْثَى حُدَّتْ وَلَا مَهْرَ نَصَّ عليه وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ
السَّادِسَةُ لو أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَرَهَنَهُ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ كَبَيْعٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
ولم يُنْقَلْ عن أَحْمَدَ فيه إلَّا رِوَايَةُ بن الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ وقال بها أبو بَكْرٍ
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ وهو الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ في صِحَّةِ الْبَيْعِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمُمَيِّزِ وَيَقِفُ على إجَازَةِ وَلِيِّهِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا ذَكَرَهَا الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ
وقال في الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ ذَكَرَ أبو بَكْرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ
قَوْلُهُ إلَّا الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ فإنه يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا إلَّا في الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في السَّفِيهِ في بَابِ الْحَجْرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من مَحَلِّ الْخِلَافِ عَدَمُ وَقْفِ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ
قال في الْفُرُوعِ وَالسَّفِيهُ مِثْلُ الْمُمَيِّزِ إلَّا في عَدَمِ وَقْفِهِ يَعْنِي أَنَّ لنا رِوَايَةً في الْمُمَيِّزِ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَوُقُوفِهِ على إجَازَةِ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ السَّفِيهِ
____________________
(4/267)
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا من الْخِلَافِ في الْمُمَيِّزِ وَالْمُرَاهِقِ تَصَرُّفُهُ لِلِاخْتِبَارِ فإنه يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فيه
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا
أَمَّا في الْكَثِيرِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ أَذِنَ فيه الْوَلِيُّ
وَأَمَّا في الْيَسِيرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وهو الصَّوَابُ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فِيمَا يَصِحُّ فيه تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا إلَّا في الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الصَّحِيحُ في الْجُمْلَةِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إنْ تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ فَبَلَغَ أَبَاهُ فَأَجَازَهُ جَازَ
قال جَمَاعَةٌ وَلَوْ أَجَازَهُ هو بَعْدَ رُشْدِهِ لم يَجُزْ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ وأبو الْحَارِثِ وبن مُشَيْشٍ صِحَّةَ عِتْقِهِ إذَا عَقَلَهُ
وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ يَصِحُّ عِتْقُهُ وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ
وَقَدَّمَ في التَّبْصِرَةِ صِحَّةَ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ
وَذَكَرَ في الْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ في صِحَّةِ عِتْقِ الْمَحْجُورِ عليه وبن عَشْرٍ وَابْنَةِ تِسْعٍ رِوَايَتَيْنِ
وقال في الْمُوجِزِ في صِحَّةِ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ
____________________
(4/268)
وقال في الِانْتِصَارِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ الْحَجْرِ وَغَيْرُهُمْ في صِحَّةِ عِتْقِ السَّفِيهِ رِوَايَتَانِ
وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ
وقال بن عَقِيلٍ الصَّحِيحُ عن أَحْمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ عُقُودِهِ وَأَنَّ شَيْخَهُ الْقَاضِيَ قال الصَّحِيحُ عِنْدِي في عُقُودِهِ كُلِّهَا رِوَايَتَانِ
وَقَدَّمَ في التَّبْصِرَةِ صِحَّةَ عِتْقِ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا بَلَغَ عَشْرًا تَزَوَّجَ وَزَوَّجَ وَطَلَّقَ
وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا في صِحَّةِ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَنُفُوذِهِ بِلَا إذْنِ ولى وَإِبْرَائِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَطَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
وَشِرَاءُ السَّفِيهِ في ذِمَّتِهِ وَاقْتِرَاضُهُ لَا يَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَصِحُّ وَيَأْتِي أَحْكَامُ السَّفِيهِ في بَابِ الْحَجْرِ
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ في الْفِقْهِ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَيَأْتِي بَعْضُهَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في وَصِيَّتِهِ وَتَزْوِيجِهِ وَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَشَهَادَتِهِ وَإِقْرَارِهِ وَغَيْرِ ذلك
وفي قَبُولِ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ وَكَذَا الْعَبْدُ هِبَةً وَوَصِيَّةً بِدُونِ إذْنٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
ثَالِثُهَا يَصِحُّ من الْعَبْدِ دُونَ غَيْرِهِ نَصَّ عليه قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَ في الْمُغْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْمُمَيِّزِ وَكَذَا قَبْضُهُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في السَّفِيهِ وَالْمُمَيِّزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ في الصَّغِيرِ
قُلْت الصَّوَابُ الصِّحَّةُ في الْجَمِيعِ وَيُقْبَلُ من مُمَيِّزٍ
قال أبو الْفَرَجِ وَدُونَهُ هَدِيَّةٌ أُرْسِلَ بها وَإِذْنُهُ في دُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا
وفي جَامِعِ الْقَاضِي وَمِنْ فَاسِقٍ وَكَافِرٍ وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ إجْمَاعًا
____________________
(4/269)
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ يُقْبَلُ منه إنْ ظُنَّ صِدْقُهُ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا فَلَا قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجَهٌ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا وهو ما فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ
فَتَقْيِيدُهُ بِمَا فيه مَنْفَعَةٌ احْتِرَازًا عَمَّا لَا مَنْفَعَةَ فيه كَالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا
وَتَقْيِيدُهُ الْمَنْفَعَةَ بِالْإِبَاحَةِ احْتِرَازًا عَمَّا فيه مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا
وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِبَاحَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا عَمَّا فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِضَرُورَةٍ كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ بن مُنَجَّا وقال فَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَضْطَرُّ فَمُرَادُهُ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةُ
وقال الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا من الْمَيْتَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ التي تُبَاحُ في حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَالْخَمْرِ التي تُبَاحُ لِدَفْعِ اللُّقْمَةِ بها انْتَهَى
قُلْت وهو أَقْعَدُ من كَلَامِ بن مُنَجَّا وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ
تَنْبِيهٌ دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ بَيْعٍ مُجَازٍ في مِلْكِ غَيْرِهِ وَمُعَيَّنٍ من حَائِطٍ يَجْعَلُهُ بَابًا وَمِنْ أَرْضِهِ يَصْنَعُهُ بِئْرًا أو بَالُوعَةً وَعُلْوِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ يبنى عليه بِنَاءً مَوْصُوفًا وَلَوْ لم يَكُنْ الْبَيْتُ مَبْنِيًّا على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْهِدَايَةُ وَالْخُلَاصَةُ وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إذَا لم يَكُنْ مَبْنِيًّا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الصُّلْحِ
قَوْلُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ إجْمَاعًا
____________________
(4/270)
وقال الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِمَا وَخَرَّجَهُ بن عَقِيلٍ قَوْلًا
قَوْلُهُ وَدُودِ الْقَزِّ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
قَوْلُهُ وَبِزْرِهِ
يَعْنِي إذَا لم يَدِبَّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ما لم يَدِبَّ وَجَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ إذَا دَبَّ بِزْرُ الْقَزِّ فَهُوَ من دُودِ الْقَزِّ حُكْمُهُ حُكْمُهُ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا وفي كُوَّارَاتِهِ
يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مُنْفَرِدًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
قَوْلُهُ وفي كُوَّارَاتِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مع كُوَّارَاتِهِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا في كُوَّارَاتِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
____________________
(4/271)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ فيها يُشْتَرَطُ أَنْ يُشَاهِدَ النَّحْلَ دَاخِلًا إلَيْهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
قال في الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ هذا في بَيْعِهِ مُنْفَرِدًا وَقِيلَ إذَا رَأَيَاهُ فيها وَعَلِمَا قَدْرَهُ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ وَقِيلَ إنْ رَأَيَاهُ يَدْخُلُهَا وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَجَمَاعَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكُوَّارَةِ بِمَا فيها من عَسَلٍ وَنَحْلٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ صِحَّةُ ذلك انْتَهَى
قُلْت اخْتَارَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَأَمَّا إذَا كان مَسْتُورًا بِأَقْرَاصِهِ فإنه لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ أَنَّ التِّرْيَاقَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ فيه لُحُومَ الْحَيَّاتِ فَعَلَى هذا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ وهو مُحَرَّمٌ فَخَلَا من نَفْعٍ مُبَاحٍ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ وَلَا بِسُمِّ الْأَفَاعِي
فَأَمَّا السُّمُّ من الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ فَإِنْ كان لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أو كان يَقْتُلُ قَلِيلُهُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ نَفْعِهِ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ كَالسَّقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا جَازَ بَيْعُهُ
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ بَيْعُ عَلْقٍ لِمَصِّ دَمٍ وَدِيدَانٍ تُتْرَكُ في الشَّصِّ لِصَيْدِ السَّمَكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
____________________
(4/272)
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ التي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَكَذَا سِبَاعُ الطَّيْرِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
هذا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ الْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ ما يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرُ وَمُنْتَخَبُ الأدمى وَغَيْرُهُمْ
وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَصَاحِبُ الهدى
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ في الْهِرِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا الْفَائِقُ في غَيْرِ الْهِرِّ
وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَا قِيلَ بِطَهَارَتِهِ منها
وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُعَلَّمِ منها دُونَ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ أَرَادَ ما يَصْلُحُ أَنْ يَقْبَلَ التَّعْلِيمَ وهو مَحَلُّ الْخِلَافِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في جَوَازِ بَيْعِ فِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ في الْبَيْضِ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ فِيمَا إذَا كان الْبَيْضُ يُنْتَفَعُ بِهِ بِأَنْ يَصِيرَ فِرَاخًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن رَزِينٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ إنْ قَبِلَ التَّعْلِيمَ جَازَ على الْأَشْهَرِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا
____________________
(4/273)
قال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ لِنَجَاسَتِهِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ التي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ عَائِدٌ إلَى سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عليه لَا إلَى الْهِرِّ وَالْفِيلِ
وقال في الْفُرُوعِ وفي بَيْعِ هِرٍّ وما يُعَلَّمُ من الصَّيْدِ أو يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَفِيلٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ إلَى آخِرِهِ
وقال بَعْدَ ذلك فَإِنْ لم يَقْبَلْ الْفِيلُ وَالْفَهْدُ التَّعْلِيمَ لم يَجُزْ بَيْعُهُ كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَغُرَابٍ
فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ تَعْلِيمَ كل شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَتَعْلِيمُ الْفِيلِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عليه وَنَحْوِهِمَا وَتَعْلِيمُ غَيْرِهِ لِلصَّيْدِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ الْفِيلِ لِلصَّيْدِ فإن هذا لم يُعْهَدْ ولم يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابَ فِيمَا يُصَادُ بِهِ على ما يَأْتِي وَلِشَيْخِنَا عليه كَلَامٌ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى في جَوَازِ بَيْعِ ما يُصَادُ عليه كَالْبُومَةِ التي يَجْعَلُهَا شباشا ( ( ( شباكا ) ) ) لِتَجْمَعَ الطُّيُورَ إلَيْهَا فَيَصِيدُهَا الصَّيَّادُ وَجْهَانِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَكَذَا حُكْمُ اللَّقْلَقِ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَكَذَا قَدَّمَ الْجَوَازَ في اللَّقْلَقِ
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ
الثَّانِيَةُ بَيْعُ الْقِرْدِ إنْ كان لِأَجْلِ اللَّعِبِ بِهِ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ يَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ قَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وقد أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرَاهَةَ بَيْعِ الْقِرَدَةِ وشراءها ( ( ( وشرائها ) ) )
____________________
(4/274)
فَإِنْ كان لِأَجْلِ حِفْظِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ يَصِحُّ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَتَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعُمُومَاتُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ تَقْتَضِي ذلك
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو قِيَاسُ قَوْلِ أبي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ
وقال في آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ قِرْدٍ لِأَجْلِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا
قُلْت الصَّوَابُ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ
الثَّالِثَةُ يَصِحُّ بَيْعُ طَيْرٍ لِأَجْلِ صَوْتِهِ كَالْهَزَارِ وَالْبُلْبُلِ وَالْبَبَّغَاءِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمُ وَشَرْحُ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ جَازَ حَبْسُهُ وفي جَوَازِ حَبْسِهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا بن عَقِيلٍ
وقال في الْمُوجَزِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ ما قُصِدَ صَوْتُهُ كَدِيكٍ وَقُمْرِيٍّ
قال في التَّبْصِرَةِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ ما لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَغَنَمٍ وَدَجَاجٍ وَقُمْرِيٍّ وَبُلْبُلٍ
وقال في الْفُنُونِ يُكْرَهُ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَرِيضِ
أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عليه إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قال يَجُوزُ بَيْعُهُ مع جَوَازِ اسْتِتَابَتِهِ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ لو جَهِلَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَلَهُ الْأَرْشُ سَوَاءٌ قُتِلَ أو لَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّ له الثَّمَنَ كُلَّهُ
____________________
(4/275)
وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِهِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ إنْ كان مَأْيُوسًا منه لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَإِلَّا جَازَ
قَوْلُهُ وفي بَيْعِ الْجَانِي وَالْقَاتِلِ في الْمُحَارَبَةِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَجْهَانِ
أَمَّا بَيْعُ الْجَانِي فَأَطْلَقَ في صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ هو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ قَالَهُ في أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كانت الْجِنَايَةُ عَمْدًا أو خَطَأً على النَّفْسِ وما دُونَهَا ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كان الْبَائِعُ مُعْسِرًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَقُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَإِنْ كان مُوسِرًا بِالْأَرْشِ لَزِمَهُ وكان الْمَبِيعُ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ بين أَنْ يَفْدِيَهُ أو يُسَلِّمَهُ فإذا بَاعَهُ فَقَدْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ
واما الْمُشْتَرِي إذَا لم يَعْلَمْ فَلَهُ الْخِيَارُ بين أَخْذِ الْأَرْشِ أو الرَّدِّ فَإِنْ عَفَا عن الْجِنَايَةِ قبل طَلَبِهَا سَقَطَ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ وإذا قُتِلَ ولم يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ دَمَهُ مُسْتَحَقٌّ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ لَا غَيْرُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَيَأْتِي هذا بِعَيْنِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ خِيَارِ الْعَيْبِ
فَائِدَةٌ السَّرِقَةُ جِنَايَةٌ
____________________
(4/276)
وَيَأْتِي هل يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ في أَبْوَابِهَا
وَأَمَّا بَيْعُ الْقَاتِلِ في الْمُحَارَبَةِ يَعْنِي إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وقدمه ( ( ( وقدم ) ) ) في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ قال الْقَاضِي إذَا قَدَرَ عليه قبل التَّوْبَةِ لم يَصِحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ له انْتَهَى
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فَأَمَّا إذَا تَابَ قبل الْقُدْرَةِ عليه فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَانِي على ما مَرَّ
تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من تَحَتَّمَ قَتْلُهُ في كُفْرٍ بِمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ في الْمُحَارَبَةِ
وَأَمَّا بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى واختاره بن حَامِدٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا إلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
فَعَلَيْهِ لو أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ ضَمِنَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ قَالَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
____________________
(4/277)
وَقِيلَ يَصِحُّ من الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَرَاهَةَ
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ على ذلك
قُلْت وفي تَقْيِيدِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ذلك بِالْآدَمِيَّاتِ إيمَاءٌ إلَى ذلك
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ من نَذَرَ عِتْقَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ الْأَشْهَرُ مَنْعُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ
وقال الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ في بَيْعِهِ نَظَرٌ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ من عِنْدِهِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عليه الصِّحَّةَ قُلْت إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ صَحَّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ
زَادَ في الْكُبْرَى وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِمَا اخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وقال النَّاظِمُ وَقِيلَ قُبَيْلَ الشَّرْطِ بِعْهُ
قَوْلُهُ وفي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا أَعْلَمُ في بَيْعِهِ رُخْصَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَالْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُكْرَهُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى
____________________
(4/278)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَجُوزُ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ
حُكْمُ إجَارَتِهِ حُكْمُ بَيْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَكَذَا رَهْنُهُ قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ
قَوْلُهُ وفي كَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ وهو الْمَذْهَبُ فَقَدْ رَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في شِرَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال في الْفُرُوعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَ بن عَبْدُوسٍ كَرَاهَةَ الشِّرَاءِ وَعَدَمَ كَرَاهَةِ الْإِبْدَالِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ ولم يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ
وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ في الْمُبَادَلَةِ هل هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا على رِوَايَتَيْنِ
وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذلك وقال هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إبْدَالَ الْمُصْحَفِ بمثله لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ على الرَّغْبَةِ عنه وَلَا على الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهُ بِنِصَابٍ من جِنْسِهِ بَنَى على حَوْلِهِ
____________________
(4/279)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في ذلك إذَا كان مُسْلِمًا فَأَمَّا إنْ كان كَافِرًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ له قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أو غَيْرِهِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في أَوَاخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
وَيَأْتِي في أَثْنَاءِ الرَّهْنِ هل تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فيه من غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ فيه
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال الْحَارِثِيُّ في شَرْحِهِ في كِتَابِ الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عن الْبَيْعِ بِمَا عَدَى كَلْبَ الصَّيْدِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بن سَلَمَةَ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنهما قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ قال فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ انْتَهَى
وَيَأْتِي ذلك في كِتَابِ الْوَقْفِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ
وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَاقْتِنَاؤُهُ في بَابِ الْمُوصَى بِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ النَّجِسِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَخَرَجَ قَوْلٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ من الدُّهْنِ النَّجِسِ
قال مُهَنَّا سَأَلْت أَبَا عبد اللَّهِ عن السَّلَمِ في الْبَعْرِ وَالسِّرْجِينِ فقال لَا بَأْسَ
وَأَطْلَقَ بن رَزِينٍ في بَيْعِ النَّجَاسَةِ وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَ أبو الْخَطَّابِ جَوَازَ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بها وَلَا فَرْقَ وَلَا إجْمَاعَ كما قِيلَ ذَكَرَهُ في بَابِ الْآنِيَةِ وَتَقَدَّمَ ذلك
____________________
(4/280)
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا على الْمَنْعِ هل يَجُوزُ إيقَادُ النَّجَاسَةِ في أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْآنِيَةِ هل يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قبل الدَّبْغِ أو بَعْدَهُ
قَوْلُهُ وَلَا الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الْمُصَنِّفُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يعلم ( ( ( علم ) ) ) نَجَاسَتَهَا ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَمَنْ بَعْدَهُ
وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ جَوَازَ بَيْعِهَا حتى لِمُسْلِمٍ من رِوَايَةِ جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بها على ما يَأْتِي من تَخْرِيجِ الْمُصَنِّفِ في كَلَامِهِ
وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ قُلْنَا تَطْهُرُ بِغَسْلِهَا وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى حِكَايَتِهِ قَوْلًا وَلِهَذَا قال في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَطْهُرُ يَجُوزُ بَيْعُهَا ولم يَحْكُوا خِلَافًا
وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ جَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بها وَلَعَلَّهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنْ حَكَاهُمَا في الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ في الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا اعْتِقَادُهُ لِلطَّهَارَةِ قال لِأَنَّ نَفْسَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ ليس شَرْطًا في بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَكَذَا هُنَا
قال في الْمَطْلَعِ وَقَوْلُهُ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ له في شَرِيعَتِهِ الِانْتِفَاعُ بها
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُ إعْلَامِهِ بِنَجَاسَتِهِ
____________________
(4/281)
لَا غَيْرُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ طَهَارَتَهُ أو لَا وهو كَالصَّرِيحِ في كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فيه فإنه قال وَعَنْهُ يُبَاعُ لِكَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَالِ
وقال في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلِمَهُ أنها نَجِسَةٌ
وقد اسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَا يُوَافِقُ ما نَقُولُ فَإِنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ أبي مُوسَى لُتُّوا بِهِ السَّوِيقَ وَبِيعُوهُ وَلَا تَبِيعُوهُ من مُسْلِمٍ وَبَيِّنُوهُ
وقال في الْكَافِي وَيَعْلَمُ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ
قَوْلُهُ وفي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بها رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهَا في الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ في بَابِ النَّجَاسَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بها جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْبَاحَ بها فَيَكُونُ على وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ إمَّا بِأَنْ يُجْعَلَ في إبْرِيقٍ وَيُصَبُّ منه في الْمِصْبَاحِ وَلَا يُمَسُّ وَإِمَّا بان يَدَعَ على رَأْسِ الْجَرَّةِ التي فيها الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا وَيُطَيِّنُهُ على رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صَبَّ فيه مَاءً بِحَيْثُ يُرْفَعُ الدُّهْنُ فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ وما أَشْبَهَهُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ طَائِفَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(4/282)
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ هذا ليس شَرْطًا في صِحَّةِ الْبَيْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ وَلَا بِشَحْمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ من ذلك قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَاتِ وقال سَوَاءٌ في ذلك شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُهُ وهو قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَيَتَخَرَّجُ على ذلك جَوَازُ بَيْعِهَا
أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرَهُ خَرَّجُوا جَوَازَ الْبَيْعِ من رِوَايَةِ جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بها
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا له
الْأَسِيرَ لو بَاعَ مِلْكَهُ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أو اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شيئا بِغَيْرِ إذْنِهِ لم يَصِحَّ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وَيَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وقال لَا قَبْضَ وَلَا إقْبَاضَ قبل الْإِجَازَةِ
قال بَعْضِ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ يَصِحُّ وَيَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَوْ لم يَكُنْ له مُجِيزٌ في الْحَالِ
وَعَنْهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ
وَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ في بَابِهِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّامِنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى له في ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ
إذَا اشْتَرَى له في ذِمَّتِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسَمِّيَهُ في الْعَقْدِ أو لَا فَإِنْ لم يُسَمِّهِ
____________________
(4/283)
في الْعَقْدِ صَحَّ الْعَقْدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ
قال في الْفُرُوعِ صَحَّ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ
وَإِنْ سَمَّاهُ في الْعَقْدِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ ما إذَا لم يُسَمِّهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فإن قَوْلَهُ وَإِنْ اشْتَرَى له في ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَشْمَلُ ذلك وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
قال في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ إذَا تَصَرَّفَ له في الذِّمَّةِ دُونَ الْمَالِ فَطَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا فيه الْخِلَافُ الذي في تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ
وَالثَّانِي الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ هُنَا وهو قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هل يَفْتَقِرُ إلَى تَسْمِيَتِهِ في الْعَقْدِ أَمْ لَا فَمِنْهُمْ من قال لَا فَرْقَ منهم بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي
وَمِنْهُمْ من قال إنْ سَمَّاهُ في الْعَقْدِ فَهُوَ كما لو اشْتَرَى له بِعَيْنِ مَالِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ في غَالِبِ ظَنِّي وبن الْمُنَى وهو مَفْهُومُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو اشْتَرَى بِمَالِ نَفْسِهِ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ عَدَمُ الصِّحَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَجْرَى الْخِلَافَ فيه كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ وهو الْأَصَحُّ قَالَهُ في الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ
____________________
(4/284)
قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَازَهُ من اشْتَرَى له مَلَكَهُ وَإِلَّا لَزِمَ من اشْتَرَاهُ
يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ من اشتري له وَلَوْ أَجَازَهُ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ
وقال في الْكُبْرَى بَعْدَ ذلك إنْ قال بِعْتُك هذا فقال اشْتَرَيْته لِزَيْدٍ فَأَجَازَهُ لَزِمَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُشْتَرِي انْتَهَى
وَقُدِّمَ هذا في التَّلْخِيصِ إلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْإِجَازَةِ فإنه يَدْخُلُ في مِلْكِهِ من حِينِ الْعَقْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي في مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ من حِينِ الْإِجَازَةِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ صَرَّحَ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُخْتَلَفَ فيه إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَانْعِقَادُهُ من حِينِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ كان بَاطِلًا انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو قال بِعْته لِزَيْدٍ فقال اشْتَرَيْته له بَطَلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إنْ أَجَازَهُ
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ إجَازَتِهِ صَحَّ من الْحُكْمِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وهو الذي ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ قبل ذلك مُسْتَشْهِدًا بِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْإِجَازَةِ
يَعْنِي أَنَّ فيه الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ هل يَدْخُلُ من حِينِ الْعَقْدِ أو الْإِجَازَةِ
وقال في الْفُصُولِ في الطَّلَاقِ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ إنَّهُ يَقْبَلُ الِانْبِرَامَ وَالْإِلْزَامَ بِالْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يُنْشِئُ الْمِلْكَ بَلْ يُحَقِّقُهُ
____________________
(4/285)
فَائِدَةٌ لو بَاعَ ما يَظُنُّهُ لِغَيْرِهِ فَظَهَرَ له كَالْإِرْثِ وَالْوَكَالَةِ صَحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ
قال في التَّلْخِيصِ صَحَّ على الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي في بَابِ الرَّهْنِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ وَالْمُغْنِي في آخِرِ الْوَقْفِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ
قال الْقَاضِي أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ من بَاشَرَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ أو وَاجَهَ بِالْعِتْقِ من يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَتَهُ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ
وَلِابْنِ رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ قَاعِدَةٌ في ذلك وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ فِيمَنْ تَصَرَّفَ في شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كان يَمْلِكُهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما فُتِحَ عَنْوَةً ولم يُقْسَمْ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ يَصِحُّ ذَكَرَهَا الْحَلْوَانِيُّ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَذَكَرَهُ قَوْلًا عِنْدَنَا
قُلْت وَالْعَمَلُ عليه في زمننا ( ( ( زماننا ) ) )
وقد جَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إصْدَاقَهَا وَقَالَهُ الْمَجْدُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي على نَفْعِهَا فَقَطْ وَعَنْهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ دُونَ الْبَيْعِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ لِحَاجَتِهِ
قَوْلُهُ كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مِصْرَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً ولم يُقْسَمْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَةِ وَكَمِصْرِ في الْأَشْهَرِ فيها
____________________
(4/286)
فَائِدَةٌ لو حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ أو رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فيه فَبَاعَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فيه قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ هذه الْأَرْضَ أو وَقَفَهَا فَقِيلَ يَصِحُّ وقال ( ( ( وقيل ) ) ) في النَّوَادِرِ لَا يَصِحُّ
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّ حُكْمَ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو جَعَلَهَا الْإِمَامُ فَيْئًا صَارَ ذلك حُكْمًا بَاقِيًا فيها دَائِمًا وَأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْغَانِمِينَ
تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَّا الْمَسَاكِنَ
أنها سَوَاءٌ كانت مُحْدَثَةً بَعْدَ الْفَتْحِ أو من جُمْلَةِ الْفَتْحِ وهو اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
نَقَلَ بن الْحَكَمِ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مِلْكِهِ وَلَهُ عَقَارٌ في أَرْضِ السَّوَادِ قال لَا تُبَاعُ أَرْضُ السَّوَادِ إلَّا أَنْ تُبَاعَ آلَتُهَا
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ الْمَنْعَ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا التَّسْوِيَةُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ انْتَهَى
وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ التَّفْرِقَةُ فقال وَبَيْعُ بِنَاءٍ ليس منها وَغَرْسٌ مُحْدَثٌ يَجُوزُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ ما لَوْلَاهُ لَدَخَلَ وَالْمُصَنِّفُ لم يذكر إلَّا ما فُتِحَ عَنْوَةً فَأَمَّا الْمُحْدَثُ فما دخل ليستثني
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيَعْقُوبُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وهو ذَرِيعَةٌ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ في الْبِنَاءِ وَجَوَّزَهُ في غَرْسٍ
وما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْكَافِي فإنه قال فَأَمَّا الْمَسَاكِنُ
____________________
(4/287)
في الْمَدَائِنِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ في الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ في زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَبَنُوهَا مَسَاكِنَ وَتَبَايَعُوهَا من غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَتْ إجْمَاعًا انْتَهَى
وَاقْتَصَرَ على هذا الدَّلِيلِ
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَأَرْضٍ من الْعِرَاقِ فُتِحَتْ صُلْحًا
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ هذه الْأَرْضِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِهَا كما مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما فُتِحَ عَنْوَةً وَنَحْوُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عليها كَالْمَدِينَةِ وَشِبْهِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما فُتِحَ عَنْوَةً لِكَوْنِ عُمَرَ وَقَفَهَا وَكَذَا حُكْمُ كل مَكَان وُقِفَ كما تَقَدَّمَ وَلَيْسَ كُلُّ ما فُتِحَ صُلْحًا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إجَارَتُهَا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرُهُمْ
وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ إجَارَتَهَا مُؤَقَّتَةً
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَلَا إجَارَتُهَا
هذا هو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً على الصَّحِيحِ من الطَّرِيقَتَيْنِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها فُتِحَتْ عَنْوَةً وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ فُتِحَتْ صُلْحًا
وقال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَكْثَرُ مَكَّةَ فُتِحَ عَنْوَةً
____________________
(4/288)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَهِيَ الْمَنْزِلُ وَدَارُ الْإِقَامَةِ وَلَا إجَارَتُهَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يَجُوزُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ بَيْعِهَا فَقَطْ وَاخْتَارَهُ بن الْقَيِّمِ في الهدى
وَعَنْهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ لِحَاجَةٍ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو سَكَنَ بِأُجْرَةٍ لم يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا على الصَّحِيحِ من الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَعَنْهُ إنْكَارُ عَدَمِ الدَّفْعِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي لِالْتِزَامِهِ
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْبَغِي لهم أَخْذُهُ
قُلْت يُعَايَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَنْ عَامَلَ بعينه وَنَحْوِهَا في الزِّيَادَةِ عن ( ( ( على ) ) ) رَأْسِ مَالِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هِيَ سَاقِطَةٌ يَحْرُمُ بَذْلُهَا وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ نَزَلَ فيه لِوُجُوبِ بَذْلِهِ وَإِلَّا حَرُمَ نَصَّ عليه
نَقْلُ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فيه وَالْبَادِ وَأَنَّ مثله السَّوَادُ وَكُلٌّ عَنْوَةٌ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُسْتَثْنَى من ذلك بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ كَالْمَسْعَى وَالْمَرْمَى وَنَحْوِهِمَا بِلَا نِزَاعٍ
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ إنَّمَا يَحْرُمُ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَإِجَارَتُهَا لِأَنَّ الْحَرَمَ حَرِيمُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وقد جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فيه وَالْبَادِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخَصُّصُ بِمِلْكِهِ وَتَحْجِيرِهِ لَكِنْ إنْ احْتَاجَ إلَى ما في يَدِهِ منه سَكَنَهُ وَإِنْ اسْتَغْنَى عنه وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وهو مَسْلَكُ بن عَقِيلٍ في نَظَرِيَّاتِهِ وَسَلَكَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
____________________
(4/289)
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَرَدَّدَ كَلَامُهُ في جَوَازِ الْبَيْعِ فَأَجَازَهُ مَرَّةً وَمَنَعَهُ أُخْرَى
فَائِدَةٌ الْحَرَمُ كَمَكَّةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ له الْبِنَاءُ فيه وَالِانْفِرَادُ بِهِ
فَائِدَةٌ أُخْرَى لَا خَرَاجَ على مَزَارِعِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ
وقال في الِانْتِصَارِ على الْأُولَى بَلْ كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قال الْمَجْدُ لَا أَعْلَمُ من أَجَازَ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عليها سِوَاهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كل مَاءٍ عِدٍّ كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ وَلَا ما في الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ كَالْقَارِ وَالْمِلْحِ وَالنِّفْطِ وَلَا ما يَنْبُتُ في أَرْضِهِ من الْكِلَاءِ وَالشَّوْكِ
هذا مَبْنِيٌّ على أَصْلٍ وهو أَنَّ الْمَاءَ الْعِدَّ وَالْمَعَادِنَ الْجَارِيَةَ وَالْكَلَأَ النَّابِتَ في أَرْضِهِ هل تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ قبل حِيَازَتِهَا أَمْ لَا يُمْلَكُ فيه رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا تُمْلَكُ قبل حِيَازَتِهَا بِمَا تُرَادُ له وهو الْمَذْهَبُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَمْلِكُ ذلك بِمُجَرَّدِ مِلْكِ الْأَرْضِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ عن أَحْمَدَ تَدُلُّ على الْمِلْكِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ
وَتَأْتِي هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وكثير ( ( ( كثير ) ) ) من الْأَصْحَابِ ذَكَرُوهُمَا هُنَاكَ
____________________
(4/290)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ بَيْعُ ذلك وَلَا يَمْلِكُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَكِنْ يَكُونُ مُشْتَرِيهِ أَحَقَّ بِهِ من غَيْرِهِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا من أَخَذَ منه شيئا مَلَكَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ له دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهُ حَرُمَ مَنْعُهُ إنْ لم يَحْصُلْ ضَرَرٌ
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ وَخَرَّجَهُ رِوَايَةً من أَنَّ النَّهْيَ يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ التَّصَرُّفُ فيه بِسَائِرِ ما يَنْقُلُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ من أَرْضِهِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ له
وَجَوَّزَ ذلك الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَقْطَعٍ مَحْسُوبٍ عليه يُرِيدُ تَعْطِيلَ ما يَسْتَحِقُّهُ من زَرْعٍ وَبَيْعِ الْمَاءِ
قال في الِاخْتِيَارَاتِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ وَالْمَوْجُودِ في أَرْضِهِ إذَا قَصَدَ اسْتِنْبَاتَهُ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لَا يَدْخُلُ الظَّاهِرُ منه في بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ سَوَاءٌ قال بِحُقُوقِهَا أو لَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
وَذَكَرَ الْمَجْدُ احْتِمَالًا يَدْخُلُ فيه جَعْلًا لِلْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَاللَّقْطِ
وَلَهُ الدُّخُولُ لِرَعْيِ كَلَأٍ وَأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ إذَا لم يُحَوِّطْ عليه بِلَا ضَرَرٍ نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ وقال لِأَنَّهُ ليس لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ
وَعَنْهُ مُطْلَقًا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ عَكْسُهُ وهو
قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له الدُّخُولُ في مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
قال في الْحَاوِي في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَكَذَا قال غَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وَلَا شَكَّ في تَنَاوُلِهَا ما هو مَحُوطًا وما ليس بِمَحُوطٍ وَنَصَّ على الْإِطْلَاقِ من رِوَايَةِ مُهَنَّا
وَقَيَّدَ في الْمُغْنِي في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِالْمَحُوطِ وهو الْمَنْصُوصُ من رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فيه قال فَيُفِيدُ كَوْنَ التَّقْيِيدِ أَشْبَهَ بِالْمَذْهَبِ
____________________
(4/291)
قال وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ فِيمَا عَدَا الْمَحُوطَ لَا يُعْتَبَرُ بِحَالٍ انْتَهَى
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ هل يَجُوزُ أَخْذُ ذلك بِغَيْرِ إذْنِهِ على وَجْهَيْنِ
وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال الْخِلَافُ في غَيْرِ الْمَحُوطِ فَأَمَّا الْمَحُوطُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ انْتَهَى
وَعَنْهُ عَكْسُهُ يَعْنِي لَا يَفْعَلُ ذلك مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ في التَّعْلِيقِ وَالْوَسِيلَةِ وَالتَّبْصِرَةِ
تَنْبِيهَاتٌ
أحدها ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً بِجَوَازِ بَيْعِ ذلك مع عَدَمِ الْمِلْكِ في ذلك كُلِّهِ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَلَعَلَّهُ من بَابِ الْمُعَاوَضَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ تَمَلُّكَهُ انْتَهَى
قُلْت صَرَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الْخِلَافَ الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ
الثَّانِي يَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ لو حَصَلَ في أَرْضِهِ سَمَكٌ أو عَشَّشَ فيه طَائِرٌ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ
الثَّالِثُ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا لم يَحُزْهُ فَأَمَّا إذَا حَازَهُ فإنه يَمْلِكُهُ بِلَا نِزَاعٍ
الرَّابِعُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ما في الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْكُحْلِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وما أَشْبَهَهَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ التي هِيَ فيها وَيَجُوزُ
____________________
(4/292)
بَيْعُهَا سَوَاءٌ كان مَوْجُودًا خَفِيًّا أَمْ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى سَوَاءٌ كان ذلك فيها خَفِيًّا أو حَدَثَ ذلك فيها بَعْدَ أَنْ مَلَكَهَا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ
أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الْمُشْتَرِي قَادِرًا عليه أو لَا وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ
وَقِيلَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِقَادِرٍ على تَحْصِيلِهِ كَالْمَغْصُوبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمُوا بِهِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ إنْ عَجَزَ عن تَحْصِيلِهِ كان له الْفَسْخُ كَالْمَغْصُوبِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لو اشْتَرَاهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على تَحْصِيلِهِ فَبَانَ بِخِلَافِ ذلك وَحَصَّلَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ
وفي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ بين من يَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ يَفْسُدُ بِالْعَجْزِ عن التَّسْلِيمِ فَيَفْسُدُ وَبَيْنَ من لَا يَعْلَمُ ذلك فَيَصِحُّ
قَوْلُهُ وَلَا الطَّيْرِ في الْهَوَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْحَالَةُ هذه إذَا كان يَأْلَفُ الْمَكَانَ وَالرُّجُوعَ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ في الْفُنُونِ وقال هو ( ( ( وهو ) ) ) قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَهُ من لم يُحَقِّقْ
____________________
(4/293)
فَائِدَةٌ لو كان الْبُرْجُ مُغْلَقًا وَيُمْكِنُ أَخْذُ الطَّيْرِ منه أو كان السَّمَكُ في مَكَان له يُمْكِنُ أَخْذُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ في تَحْصِيلِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ أو لَا تَطُولُ الْمُدَّةُ فَإِنْ لم تَطُلْ الْمُدَّةُ في تَحْصِيلِهِ جَازَ بَيْعُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ أَنَّ فيه وَجْهَيْنِ
وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
وقال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْحَالَةُ هذه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَأَمَّا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ ولم يَسْهُلْ أَخْذُهُ بِحَيْثُ يَعْجَزُ عن تَسْلِيمِهِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِعَجْزِهِ عن تَسْلِيمِهِ في الْحَالِ وَلِلْجَهْلِ بِوَقْتِ تَسْلِيمِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ يَصِحُّ وهو ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ بِجَهَالَتِهِ
قَوْلُهُ وَلَا الْمَغْصُوبِ إلَّا من غَاصِبِهِ أو من يَقْدِرُ على أَخْذِهِ
بَيْعُ الْمَغْصُوبِ من غَاصِبِهِ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ وَبَيْعُهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ على أَخْذِهِ من الْغَاصِبِ صَحِيحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ وَكَذَا الْقَادِرُ عليه على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو عَجَزَ عن تَحْصِيلِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ
____________________
(4/294)
قَوْلُهُ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ
يَعْنِي من الْمُتَعَاقِدَيْنِ
يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالرُّؤْيَةِ وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْبَيْعِ وَتَارَةً تَكُونُ غير مُقَارِنَةٍ فَإِنْ كانت مُقَارِنَةً لِجَمِيعِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كانت مُقَارِنَةً لِبَعْضِهِ فَإِنْ دَلَّتْ على بَقِيَّتِهِ صَحَّ الْبَيْعُ نَصَّ عليه فَرُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ تَكْفِي فيه إذَا كان غير مَنْقُوشٍ وَكَذَا رُؤْيَةُ وَجْهِ الرَّقِيقِ وَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ من حَبٍّ وَتَمْرٍ وَنَحْوِهِمَا وما في الظُّرُوفِ من مَائِعٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وما في الْأَعْدَالِ من جِنْسٍ وَاحِدٍ وَنَحْوِ ذلك
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأُنْمُوذَجِ بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ على أنها من جِنْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ ضَبْطُ الْأُنْمُوذَجِ كَذِكْرِ الصِّفَاتِ نَقَلَ جَعْفَرُ فِيمَنْ يَفْتَحُ جِرَابًا وَيَقُولُ الْبَاقِي بِصِفَتِهِ إذَا جاء على صِفَتِهِ ليس له رَدُّهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْفُرُوعِ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وما عَرَفَهُ بِلَمْسِهِ أو شَمِّهِ أو ذَوْقِهِ فَكَرُؤْيَتِهِ
وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْمَبِيعَ تَقْرِيبًا فَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ غَيْرِ جَوْهَرِيٍّ جَوْهَرَةً
وَقِيلَ وَيُشْتَرَطُ شَمُّهُ وَذَوْقُهُ
قَوْلُهُ فإذا اشْتَرَى ما لم يَرَهُ ولم يُوصَفْ له أو رَآهُ ولم يَعْلَمْ ما هو أو ذَكَرَ له من صِفَتِهِ ما لَا يَكْفِي في السَّلَمِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ
إذَا لم يَرَ الْمَبِيعَ فَتَارَةً يُوصَفُ له وَتَارَةً لَا يُوصَفُ فَإِنْ لم يُوصَفْ له لم يَصِحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ
وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَوْضِعٍ آخَرَ
____________________
(4/295)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا إذَا ذَكَرَ جِنْسَهُ فَأَمَّا إذَا لم يذكر جِنْسَهُ فَلَا يَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَإِنْ وَصَفَ له فَتَارَةً يَذْكُرُ له من صِفَتِهِ ما يَكْفِي في السَّلَمِ وَتَارَةً يَذْكُرُ ما لَا يَكْفِي في السَّلَمِ فَإِنْ ذَكَرَ له من صِفَتِهِ ما لَا يَكْفِي في السَّلَمِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ التي اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ له خِيَارُ الرُّؤْيَةِ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَهُ أَيْضًا فَسْخُ الْعَقْدِ قبل الرُّؤْيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال بن الْجَوْزِيِّ لَا فَسْخَ له كَإِمْضَائِهِ
وَلَيْسَ له الْإِجَازَةُ قبل الرُّؤْيَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا الْخِيَارُ إذَا بَاعَ ما لم يَرَهُ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ على تِلْكَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قال بِعْتُك هذا الْبَغْلَ بِكَذَا فقال اشْتَرَيْته فَبَانَ فَرَسًا أو حِمَارًا لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَلَهُ الْخِيَارُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّانِيَةُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُهُ في مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ
وَقِيلَ بَلْ على الْفَوْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَعَنْهُ لَا خِيَارَ له إلَّا بِعَيْبٍ قال في الْفَائِقِ وهو بَعِيدٌ
وَذَكَرَ في الرِّعَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا رَأَى عَيْنًا وَجَهِلَهَا أو ذَكَرَ له من الصِّفَةِ ما لَا
____________________
(4/296)
يَكْفِي في السَّلَمِ رِوَايَةُ الصِّحَّةِ وقال وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ على الْفَوْرِ وَقِيلَ في مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ انْتَهَى
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَيَكُونُ على الْفَوْرِ
وَقِيلَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ الذي وُجِدَتْ فيه الرُّؤْيَةُ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إذَا ظَهَرَ بِخِلَافِ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ أو صِفَةٍ على التَّرَاخِي إلَّا بِمَا يَدُلُّ على الرِّضَا من سَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ في طَرِيقِ الرَّدِّ
وَعَنْهُ على الْفَوْرِ
وَعَلَيْهِمَا مَتَى أَبْطَلَ حَقَّهُ من رَدَّهُ فَلَا أَرْشَ في الْأَصَحِّ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ ذَكَرَ له من صِفَتِهِ ما يَكْفِي في السَّلَمِ أو رَآهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذلك بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فيه ظَاهِرًا صَحَّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَا يَصِحُّ حتى يَرَاهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو رَآهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذلك بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فيه ظَاهِرًا أَنَّهُ لو عَقَدَ عليه بَعْدَ ذلك بِزَمَنٍ يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ فيه وَعَدَمُهُ على السَّوَاءِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَأَمَّا إذَا عَقَدَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فيه ظَاهِرًا لم يَصِحَّ الْبَيْعُ
فَائِدَةٌ مَتَى قُلْنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ صَحَّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ نَصَّ عليه كَتَوْكِيلِهِ
وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ بِالذَّوْقِ أو بِالشَّمِّ صَحَّ بَيْعُ
____________________
(4/297)
الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْ جَازَ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ كَالْبَصِيرِ وَلَهُ خِيَارُ الْخُلْفِ في الصِّفَةِ انْتَهَيَا
وقال في الْكَافِي فَإِنْ عُدِمَتْ الصِّفَةُ وَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ بِذَوْقٍ أو شَمٍّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ لم يَتَغَيَّرْ فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ
يُسَمَّى هذا خِيَارَ الْخُلْفِ في الصِّفَةِ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَوْصُوفَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخَ إنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا أو وَجَدَهُ على خِلَافِ ما وَصَفَهُ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا
وَقِيلَ له الْفَسْخُ مع الْقَبْضِ وَيَكُونُ على التَّرَاخِي إلَّا أَنْ يُوجَدَ منه ما يَدُلُّ على الرِّضَا من سَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ في طَرِيقِ الرَّدِّ
وَعَنْهُ على الْفَوْرِ وَعَلَيْهِمَا مَتَى أَبْطَلَ حَقَّهُ من الرَّدِّ فَلَا أَرْشَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الرِّعَايَةِ وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ في ذلك قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ
يَعْنِي إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا أو على خِلَافِ ما وَصَفَهُ له وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا قال في الرِّعَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ
وقال الْمَجْدُ ذَكَرَ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ بِعُمُومِ كَلَامِهِ إذَا اخْتَلَفَا في صِفَةِ الْمَبِيعِ هل يَتَحَالَفَانِ أو الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فيه رِوَايَتَانِ وَسَيَأْتِي
قال في النُّكَتِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَتَوَجَّهُ فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالثَّانِي يَتَحَالَفَانِ
قال وَجَعَلَ الْأَصْحَابُ الْمَذْهَبَ هُنَا قَوْلَ الْمُشْتَرِي مع أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ
____________________
(4/298)
فِيمَا إذَا قال بِعْتنِي هَذَيْنِ بِمِائَةٍ قال بَلْ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِينَ أو بِمِائَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَيْعِ الْآخَرِ مع أَنَّ الْأَصْلَ السَّابِقَ مَوْجُودٌ هُنَا وهو مُشْكِلٌ انْتَهَى
فَائِدَةٌ الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ نَوْعَانِ
أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ فَهَذَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عليه بِرَدِّهِ على الْبَائِعِ وَتَلَفِهِ قبل قَبْضِهِ وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ
الثَّانِي بَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك عَبْدًا تُرْكِيًّا ثُمَّ يَسْتَقْصِي صِفَاتِ السَّلَمِ فَيَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في النُّكَتِ قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ
قال في الرِّعَايَةِ صَحَّ الْبَيْعُ في الْأَقْيَسِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ في مَعْنَى السَّلَمِ
فَمَتَى سَلَّمَ إلَيْهِ عَبْدًا على غَيْرِ ما وَصَفَهُ له فَرَدَّهُ على ما وَصَفَهُ له فَأَبْدَلَهُ لم يَفْسُدْ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَقَعْ على عَيْنِ هذا
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً وهو ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عليه
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إنْ كان في مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقد يُؤْخَذُ هذا من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِ وَيَشْتَرِهِ وَيُسَلِّمْهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عن مَجْلِسِ الْعَقْدِ قبل قَبْضِ الْمَبِيعِ أو قَبْضِ ثَمَنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(4/299)
وقال الْقَاضِي يَجُوزُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ في أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ
قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ
قال في الْفُرُوعِ وهو أَوْلَى لِيَخْرُجَ عن بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِصْنَاعُ سِلْعَةٍ لِأَنَّهُ بَاعَ ما ليس عِنْدَهُ على غَيْرِ وَجْهِ السَّلَمِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وَقَالُوا أَيْضًا لَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَوْبٍ نَسَجَ بَعْضَهُ على أَنْ يَنْسِجَ بَقِيَّتَهُ وَعَلَّلُوا تَبَعًا لِلْقَاضِي بِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْسُوجِ بَيْعُ عَيْنٍ وَالْبَاقِي مَوْصُوفٌ في الذِّمَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ بَعْضُهُ بَيْعُ عَيْنٍ وَبَعْضُهُ مُسْلَمٌ فيه لِأَنَّ الْبَاقِي سَلَمٌ في أَعْيَانٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَمٌ وَاسْتِئْجَارٌ فَاللُّحْمَةُ غَائِبَةٌ فَهِيَ مُسْلَمٌ فيه وَالنَّسْجُ اسْتِئْجَارُ وَاقْتَصَرَ على ذلك في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال وَقِيلَ يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ صَحَّ جَمْعٌ بين بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ منه بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَمٌ أو شُرِطَ فيه نَفْعُ الْبَائِعِ انْتَهَى
فَإِنْ أَحْضَرَ اللُّحْمَةَ وَبَاعَهَا مع الثَّوْبِ وَشَرَطَ على الْبَائِعِ نَسْجَهَا فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ في اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ على ما يَأْتِي ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ في الْبَطْنِ وَلَا اللَّبَنِ في الضَّرْعِ
بَيْعُ الْحَمْلِ في الْبَطْنِ نهى الشَّارِعُ عنه فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إجْمَاعًا وهو بَيْعُ الْمَجْرِ وَنَهَى الشَّارِعُ أَيْضًا عنه قال أبو عُبَيْدٍ هو بِسُكُونِ الْجِيمِ وقال أبو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ هو بِفَتْحِهَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ
وَنَهَى الشَّارِعُ أَيْضًا عن بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ قال أبو عُبَيْدٍ الْمَلَاقِيحُ الْأَجِنَّةُ وَالْمَضَامِينُ ما في أَصْلَابِ الْفُحُولِ
____________________
(4/300)
وقال بن الْأَعْرَابِيِّ الْمَجْرُ ما في بَطْنِ النَّاقَةِ وَالْمَجْرُ الرِّبَا وَالْمَجْرُ الْقِمَارُ وَالْمَجْرُ الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ انْتَهَى
وَقِيلَ الْمَضَامِينُ ما في بُطُونِهَا وَالْمَلَاقِيحُ ما في ظُهُورِهَا
وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ هو غَيْرُ عَسْبِ الْفَحْلِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ عَسْبَ الْفَحْلِ هو أَنْ يُؤَجَّرَ الْفَحْلُ لِيَنْزُوَ على أُنْثَى غَيْرِهِ وَظَاهِرُ ما في التَّلْخِيصِ أَنَّ الذي في الظُّهُورِ هو عَسْبُ الْفَحْلِ
وقال في الْفُرُوعِ بَيْعُ الْحَمْلِ في الْبَطْنِ هو بَيْعِ الْمَضَامِينِ وهو الْمَجْرُ انْتَهَى
وَعَلَى كل حَالٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ وهو ضِرَابُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ حُكْمُ إجَارَتِهِ
وَأَمَّا بَيْعُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ فَلَا يَصِحُّ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قال إنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا في الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ من شَاةٍ أو بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ
وَحَكَى بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ في جَوَازِ بَيْعِهِ خِلَافًا وَأَطْلَقَهُ
قَوْلُهُ وَلَا الْمِسْكِ في الْفَأْرِ
يَعْنِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وهو الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَجَّهَ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا بِالْجَوَازِ
وقال لِأَنَّهَا وِعَاءٌ له يَصُونَهُ وَيَحْفَظُهُ فَيُشْبِهُ ما مَأْكُولُهُ في جَوْفِهِ وَتُجَّارُ ذلك يَعْرِفُونَهُ فيها فَلَا غَرَرَ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الهدى
قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ
قَوْلُهُ وَلَا الصُّوفِ على الظَّهْرِ
يَعْنِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ في الْحَالِ
قُلْت وَفِيهِ قُوَّةٌ
____________________
(4/301)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِحَيٍّ
قُلْت حَيْثُ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لَا يُشْتَرَطُ ذلك وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ
فَائِدَةٌ لو اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَكَهُ حتى طَالَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّطْبَةِ إذَا طَالَتْ على ما يَذْكُرُهُ في بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا غير مُعَيَّنٍ
بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَلَا عَبْدًا من عَبِيدٍ وَلَا شَاةً من قَطِيعٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَصَرَّحُوا بِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ
قُلْت هذا كَالْمُتَعَذِّرِ وُجُودُهُ
وقال في الِانْتِصَارِ في مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ النُّقُودِ إنْ ثَبَتَ لِلثِّيَابِ عُرْفٌ وَصِفَةٌ صَحَّ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عليها كَالنُّقُودِ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وفي الْمُفْرَدَاتِ يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ من ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَغْرُوسِ في الْأَرْضِ الذي يَظْهَرُ وَرَقُهُ فَقَطْ كَاللِّفْتِ وَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَالْقُلْقَاسِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَنَحْوِ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَاهُ في بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَلَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ قَلْعِهِ
____________________
(4/302)
قال في الْفَائِقِ وَخَرَّجَهُ بن عَقِيلٍ على رِوَايَتَيْ الْغَائِبِ
قال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَالِاسْتِحْسَانُ جَوَازُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَالْغَرَرُ يَنْدَفِعُ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالدِّرَايَةِ بِهِ وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا شَجَرَةٍ من بُسْتَانٍ ولا ( ( ( وهؤلاء ) ) ) هؤلاء الْعَبِيدُ إلَّا وَاحِدًا غير مُعَيَّنٍ وَلَا هذا الْقَطِيعِ إلَّا شَاةً
بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عليه
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَطَاءِ قبل قَبْضِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمَجْهُولٌ وَلَا بَيْعُ رُقْعَةٍ بِهِ وَعَنْهُ يَبِيعُهَا بِعِوَضٍ مَقْبُوضٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ قَفِيزًا من هذه الصُّبْرَةِ صَحَّ
مُقَيَّدٌ بِأَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ أَكْثَرَ من قَفِيزٍ وهو الظَّاهِرُ من كَلَامِهِمْ وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ أَجْزَاؤُهَا مُتَسَاوِيَةً فَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهَا لم يَصِحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ وَالْمُحَدِّرِ من قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ يَجْمَعُ ما يَبِيعُ بِهِ من الْبُرِّ مَثَلًا أو الشَّعِيرِ الْمُخْتَلِفِ الْأَوْصَافِ وَقِيلَ يَصِحُّ من ذلك صُبْرَةُ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا أو ثُلُثَهَا أو جُزْءًا منها صَحَّ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ النُّصُوصِ
وَقِيلَ إنْ اخْتَلَفَتْ أجزاؤها ( ( ( أجزاؤه ) ) ) كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ لم يَصِحَّ انْتَهَى
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَظْهَرُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا إلَّا قَفِيزًا كان هو الْمَبِيعَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
الثَّانِيَةُ لو فَرَّقَ قُفْزَانَ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ أو بَاعَ أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا صَحَّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
____________________
(4/303)
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ في الْخِلَافِ صِحَّةَ إجَارَةِ عَيْنٍ من أَعْيَانٍ مُتَقَارِبَةِ النَّفْعِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْأَعْيَانِ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ صَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا لم يَصِحَّ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ لم يَصِحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وهو قَوِيٌّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَعْلَمَا قُفْزَانَهَا فَأَمَّا إنْ عَلِمَا قُفْزَانَهَا فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وهو وَاضِحٌ
فَائِدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي مَوْضُوعِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَشَرَطَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ ظَهَرَ تَحْتَهَا رَبْوَةٌ وَنَحْوُهَا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بين الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ كما لو وَجَدَ بَاطِنَهَا رَدِيئًا نَصَّ عليه
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ ما فَاتَ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَإِنْ ظَهَرَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ أو بَاطِنَهَا خُيِّرَ من ظَاهِرِهَا فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لم يَعْلَمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا خِيَارَ له قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ منها ما حَصَلَ من الِانْخِفَاضِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ
وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حُكْمُ ما لو بَاعَهُ أَرْضًا على
____________________
(4/304)
أنها عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ تِسْعَةً وَحُكْمُ الثَّانِيَةِ حُكْمُ ما لو بَاعَهُ على أنها عَشَرَةٌ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ
فَائِدَةٌ اسْتِثْنَاءُ صَاعٍ من ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ كَاسْتِثْنَاءِ قَفِيزٍ من صُبْرَةٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ بِالصِّحَّةِ فيها
وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا اسْتَثْنَى مُشَاعًا من صُبْرَةٍ أو بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ
قَوْلُهُ أو ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ إلَّا صَاعًا لم يَصِحَّ
في هذه الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ حُكْمَ اسْتِثْنَاءِ صَاعٍ من شَجَرَةٍ كَاسْتِثْنَاءِ قَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فيها في الْمُسْتَوْعِبِ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ صَاعٍ من شَجَرَةٍ وَلَوْ مَنَعْنَا من صِحَّتِهِ في الصُّبْرَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ وَقَاسَهَا على سَوَاقِطِ الشَّاةِ وَقَدَّمَهَا في الْفُرُوعِ فَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا إلَّا جَرِيبًا أو جَرِيبَيْنِ من أَرْضٍ يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا صَحَّ وكان مُشَاعًا فيها وَإِلَّا لم يَصِحَّ
يَعْنِي وَإِنْ لم يَعْلَمَا جُرْبَانِهَا لم يَصِحَّ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لو بَاعَهُ ذِرَاعًا من ثَوْبٍ
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا إذَا عَلِمَا الْجُرْبَانَ وَالْأَذْرُعَ في الثَّوْبِ صَحَّ الْبَيْعُ وكان مُشَاعًا وَإِنْ لم يَعْلَمَا ذلك لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ فِيهِمَا لم يَصِحَّ في الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا وَلَا مُشَاعًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/305)
وَقِيلَ يَصِحُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَلَوْ قال بِعْتُك من هذا الثَّوْبِ من هذا الْمَوْضِعِ إلَى هُنَا صَحَّ فَإِنْ كان الْقَطْعُ لَا يُنْقِصُهُ قَطَعَاهُ وَإِنْ كان يُنْقِصُهُ وَتَشَاحَّا صَحَّ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَّا بِضَرَرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ على قَوْلِ الْقَاضِي في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو بَعِيدٌ
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَعَيَّنَ الِابْتِدَاءَ دُونَ الِانْتِهَاءِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ نُصَّ عليه وَمِثْلُهُ لو قال بِعْتُك نِصْفَ هذه الدَّارِ التي تَلِينِي ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا مَأْكُولًا إلَّا رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ صَحَّ
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو أَبَى الْمُشْتَرِي ذَبْحَهُ لم يُجْبَرْ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ ذلك على التَّقْرِيبِ نُصَّ عليه
وَقِيلَ يُجْبَرُ وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مَتَى لم يَذْبَحْهُ يَكُونُ له الْفَسْخُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ هذا الْمُسْتَثْنَى ذَكَرَهُ في الْفُنُونِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ لَا فَسْخَ له
____________________
(4/306)
الثَّالِثَةُ لو بَاعَهُ الْجِلْدَ وَالرَّأْسَ وَالْأَطْرَافَ مُنْفَرِدَةً لم يَصِحَّ وَإِنْ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ عُرْفًا وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ وهو يُخَالِفُ الْعَقْدَ الْمُبْتَدَأَ لِجَوَازِ اسْتِبْقَاءِ الْمَتَاعِ في الدَّارِ الْمَبِيعَةِ إلَى رَفْعِهِ الْمُعْتَادِ وَبَقَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ على الْمُعْتَدَّةِ من غَيْرِهِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَلِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَرَثَةِ أَمَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا دُونَ حَمْلِهَا
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ إذَا لم تَكُنْ الشَّاةُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ كانت لِلْمُشْتَرِي فَيَتَخَرَّجُ على الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَنْ الْأَصْلُ له إلَّا أَنْ يَعْثُرَ على فَرْقٍ بَيْنَهُمَا
الرَّابِعَةُ لو اسْتَثْنَى جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا من شَاةٍ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ صَحَّ على الْأَصَحِّ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وهو الصَّحِيحُ عِنْدِي وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَاسَهُ على اسْتِثْنَاءِ الشَّحْمِ
وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَرُدَّ قِيَاسُ الْقَاضِي بِأَنَّ الشَّحْمَ مَجْهُولٌ وَلَا جَهَالَةَ هُنَا
وَحَمَلَ بن عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي على أَنَّهُ اسْتَثْنَى رُبُعَ لَحْمِ الشَّاةِ لَا رُبُعَهَا مُشَاعًا ثُمَّ اخْتَارَ الصِّحَّةَ في ذلك أَيْضًا
الْخَامِسَةُ لو اسْتَثْنَى مُشَاعًا من صُبْرَةٍ أو حَائِطٍ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ أو جَزْءٍ كَثَلَاثَةِ أَثْمَانِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا
قال في الْفُرُوعِ صَحَّ على الْأَصَحِّ وقال أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى لَا يَصِحُّ
____________________
(4/307)
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَثْنَى حَمْلَهُ لم يَصِحَّ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفُرُوعِ لم يَصِحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَصِحُّ نَقَلَهَا بن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% حَمْلُ الْمَبِيعِ كَالْإِمَا يَسْتَثْنِي % أَطْرَافَ شَاةٍ هَكَذَا في الْمُغْنِي %
فَائِدَةٌ لو اسْتَثْنَى الْحَمْلَ في الْعِتْقِ صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا على ما يَأْتِي في بَابِهِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ قال في الرِّعَايَةِ صَحَّ على الْأَصَحِّ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا اسْتِثْنَاءُ رِطْلِ لَحْمٍ أو شَحْمٍ كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال أبو الْوَفَاءِ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ رِطْلٍ من لَحْمٍ
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ ويصح ( ( ( وصح ) ) ) بَيْعُ لَحْمِهِ فيه وَيَصِحُّ بَيْعُ جِلْدِهِ وَحْدَهُ
هذا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ
وقال في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ في الْجِلْدِ وَلَا بَيْعُ الْجِلْدِ مع اللَّحْمِ قبل السَّلْخِ اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ الْجِلْدِ ويصح ( ( ( وصح ) ) ) بَيْعُ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالسُّمُوطِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مع جِلْدِهِ جميعا كما قبل الذَّبْحِ وَمَنَعَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ ظَانًّا أَنَّهُ بَيْعُ غَائِبٍ بِدُونِ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ
قال وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ وَحْدَهُ وَالْجِلْدِ وَحْدَهُ
الثَّالِثَةُ لو بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا بِحُرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفَائِقِ صَحَّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
____________________
(4/308)
وقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال إنَّ فيه رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ
الرَّابِعَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ لو عَدَّ أَلْفَ جَوْزَةٍ وَوَضَعَهَا في كَيْلٍ ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذلك بِلَا عَدٍّ لم يَصِحَّ وَنُصَّ عليه
قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْبَاقِلَّا وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ في قِشْرَتِهِ وَالْحَبِّ الْمُشْتَدِّ في سُنْبُلِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَقَطَعُوا بِهِ إلَّا أَنَّهُ قال في التَّلْخِيصِ يَصِحُّ على الْمَشْهُورِ عنه وَسَوَاءٌ كان في إبْقَائِهِ صَلَاحٌ ظَاهِرٌ أو لم يَكُنْ
قَوْلُهُ السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا
يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ الْعَقْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لم يُسَمِّ الثَّمَنَ وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهَا وَبِصُبْرَةٍ ثَمَنًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّرْغِيبِ في الثَّانِيَةِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِمَا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في الْأُولَى
وَمِثْلُ ذلك ما يَسَعُ هذا الْكَيْلَ لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ هُنَا الصِّحَّةُ
الثَّانِيَةُ لو بَاعَهُ سِلْعَةً مَعْلُومَةً بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ شَهْرًا صَحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ
____________________
(4/309)
قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا
لم يَصِحَّ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِرَقْمِهَا إذَا كان مَجْهُولًا عِنْدَهُمَا أو عِنْدَ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وهو وَاضِحٌ
أَمَّا إذَا كان الرَّقْمُ مَعْلُومًا فإن الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ في قَوْلِهِ مَعْلُومًا
وقد نَصَّ عليه الْمُصَنِّفُ في الْفَصْلِ السَّادِسِ في بَابِ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ
قَوْلُهُ أو بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً
لم يَصِحَّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ على إسْلَامِ ثَمَنٍ وَاحِدٍ في جِنْسَيْنِ
وَيَأْتِي الْخِلَافُ في ذلك في بَابِ السَّلَمِ
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ الصِّحَّةَ وَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ ذَهَبًا وَالنِّصْفُ فِضَّةً بِنَاءً على اخْتِيَارِ بن عَقِيلٍ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً فإنه صَحَّحَ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ مُنَاصَفَةً
قَوْلُهُ أو بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ
أَيْ لَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ أو بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ
لم يَصِحَّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يصح ( ( ( تصح ) ) ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ في مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ أو بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ وفي الْبَلَدِ نُقُودٌ لم يَصِحَّ
إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ وفي الْبَلَدِ نُقُودٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فيها نَقْدٌ غَالِبٌ أو لَا
____________________
(4/310)
فَإِنْ كان فيها نَقْدٌ غَالِبٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِهِ إذَا أَطْلَقَ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ وَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَصَحُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَإِنْ لم يَكُنْ في الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَصِحُّ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يَكُونُ له الْوَسَطُ على الصَّحِيحِ وَعَنْهُ الْأَدْنَى
قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إذَا اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَلَهُ أَقَلُّهَا قِيمَةً
قَوْلُهُ وَإِنْ قال بِعْتُك بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا أو أَحَدَ عَشَرَ مُكَسَّرَةً أو بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أو عِشْرِينَ نَسِيئَةً لم يَصِحَّ
يَعْنِي ما لم يَتَفَرَّقَا على أَحَدِهِمَا وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
قال أبو الْخَطَّابِ قِيَاسًا على قَوْلِهِ في الْإِجَارَةِ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذلك جَعَالَةٌ وَهَذَا بَيْعٌ وَيُغْتَفَرُ في الْجَعَالَةِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الذي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ لَا يَمْلِكُ وُقُوعَهُ إلَّا على أَحَدِ الصِّفَتَيْنِ فَتَتَعَيَّنُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عِوَضًا فَلَا يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَالْبَيْعُ بِخِلَافِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وفي قِيَاسِ أبي الْخَطَّابِ وَالْفَرْقُ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِوَضِ
____________________
(4/311)
في الْجَعَالَةِ شَرْطٌ كما هو في الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْقَبُولُ في الْبَيْعِ إلَّا على إحْدَى الصِّفَتَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ ما يُسَمَّى لها انْتَهَى
وَيَأْتِي هل هذا يَتَعَيَّنُ في بَيْعِهِ أَمْ لَا في أَوَّلِ بَابِ الشَّرْطِ في الْبَيْعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَالْقَطِيعَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ وَالثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
وفي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا سَهْوٌ لِكَوْنِهِمَا قَالَا وَإِنْ بَاعَهُ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ جَهِلَا ذلك عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ عَلِمَا فَوَجْهَانِ وَإِنْ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي وَجَهِلَ عِلْمَ بَائِعِهِ بِهِ صَحَّ وَخُيِّرَ وَقِيلَ يَبْطُلُ انْتَهَيَا
وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هو في بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزَافًا على ما يَأْتِي فَلَعَلَّ في النَّسْخِ غَلَطًا
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا إذَا جَهِلَهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي نُصَّ عليه وَلَوْ عَلِمَ قَدْرَهَا الْبَائِعُ وَحْدَهُ حَرُمَ بَيْعُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وبن ابي مُوسَى وَغَيْرُهُمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/312)
وَعَنْهُ مَكْرُوهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فيه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ يَقَعُ الْعَقْدُ لَازِمًا نُصَّ عليه
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَهُ الرَّدُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ
وقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ هذا بِمَنْزِلَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ له الرَّدُّ ما لم يَعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ قَدْرَهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إنْ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَجَهِلَ عِلْمَ بَائِعِهِ بِهِ صَحَّ وَخُيِّرَ فيه
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِهِ صَحَّ وَلَزِمَ انْتَهَى
وقال أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَقَدَّمَهُ في التَّرْغِيبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ قَطَعَ بِهِ طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ عِلْمُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ مِثْلُ عِلْمِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال كما لم يُفَرِّقُوا في الْغَبْنِ بين الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَقَدَّمَ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ أَنَّ الْمُغَلَّبَ في الْعِلْمِ الْبَائِعُ بِدَلِيلِ الْعَيْبِ لو عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ جَازَ وَمَعَ عِلْمِهِمَا يَصِحُّ وفي الرِّعَايَةِ وجهين ( ( ( وجهان ) ) )
قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ في الْمَكِيلِ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ لو عَلِمَ قَدْرَ الصُّبْرَةِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقِيلَ حُكْمُهُمَا حُكْمُ عِلْمِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ على ما تَقَدَّمَ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
قال الزَّرْكَشِيُّ فَعُمُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ من ذلك وَجَزَمَ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ بِالْبُطْلَانِ
____________________
(4/313)
وقال الْقَاضِي الْبَيْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وَشَرْحُ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ عَلِمَاهُ إذَنْ فَوَجْهَانِ
فَائِدَةٌ يَصِحُّ بَيْعُ دُهْنٍ في ظَرْفٍ معه مُوَازَنَةً كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا إذَا عَلِمَا قَدْرَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ جَهِلَا زِنَةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أو أَحَدِهِمَا فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَصَحَّحَ الْمَجْدُ الصِّحَّةَ إنْ عَلِمَا زِنَةَ الظَّرْفِ فَقَطْ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَإِنْ احْتَسَبَ بِزِنَةِ الظَّرْفِ على الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَبِيعًا وَعَلِمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ
وَإِنْ بَاعَهُ جُزَافًا بِظَرْفِهِ أو دُونَهُ صَحَّ
وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ في ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا على أَنْ يَطْرَحَ منه وَزْنَ الظَّرْفِ صَحَّ
قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَذَكَرَ قَوْلَ حَرْبٍ لِأَحْمَدَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الشَّيْءَ في ظَرْفِهِ مِثْلَ قُطْنٍ في جَوَالِيقَ فَيَزِنُهُ وَيُلْقِي لِلظَّرْفِ كَذَا وَكَذَا قال أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ من ذلك
ثُمَّ قال الْمَجْدُ وَحَكَيْنَا عن الْقَاضِي خِلَافَ ذلك
قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْهُ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ إلَّا قَوْلَ الْقَاضِي الذي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إذَا بَاعَهُ معه انْتَهَى
وإذا اشْتَرَى سَمْنًا أو زَيْتًا في ظَرْفٍ فَوَجَدَ فيه رُبًّا صَحَّ في الْبَاقِي بِقِسْطِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ ولم يَلْزَمْهُ بَدَلُ الرُّبِّ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(4/314)
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ من الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ
وَكَذَا من الثَّوْبِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ لم يَصِحَّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَصِحُّ قال بن عَقِيلٍ وهو الْأَشْبَهُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كل قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ من وإن أَعْطَتْ الْبَعْضَ فما هو بَعْضٌ مَجْهُولٌ بَلْ قد جَعَلَ لِكُلِّ جُزْءٍ مَعْلُومٍ منها ثَمَنًا مَعْلُومًا فَهُوَ كما لو قال قَفِيزًا منها انْتَهَى
وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا بِنَاءً على قَوْلِهِ في الْإِجَارَةِ إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ إذَا بَاعَهُ من الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ بَيْعِهِ من الدَّارِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ لِاخْتِلَافِ أَجْزَائِهَا ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك إذَا بَاعَهُ من هذه الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لم يَبِعْهُ كُلَّهَا وَلَا قَدْرًا مَعْلُومًا منها بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَجَّرْتُك هذه الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فإنه يَصِحُّ هُنَا في الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِلْعِلْمِ بِهِ وَبِقِسْطِهِ من الْأُجْرَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا لم يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَيَجِيءُ على قَوْلِ الْخِرَقِيِّ إنه يَصِحُّ
يَعْنِي إذَا أَقَرَّ وَاسْتَثْنَى عَيْنًا من وَرِقٍ أو وَرِقًا من عَيْنٍ على ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عنه في كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَصِحُّ فَيَجِيءُ هُنَا كَذَلِكَ
قال بن مُنَجَّا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الصِّحَّةُ في الْإِقْرَارِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في تَعْلِيلِهَا فَعَلَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِاتِّحَادِ النَّقْدَيْنِ وَكَوْنِهِمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ
____________________
(4/315)
وَعَلَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قِيمَةَ الذَّهَبِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ من الناس فإذا اسْتَثْنَى أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ لم يُؤَدِّ إلَى الْجَهَالَةِ غَالِبًا
قال وَعَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يَجِيءُ صِحَّةُ الْبَيْعِ على قَوْلِ الْخِرَقِيِّ في الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلْبَيْعِ الْجَهْلُ في حَالِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِرَقْمِهِ لم يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهُ
وَعَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يُخْرِجُ الثَّمَنَ عن كَوْنِهِ مَجْهُولًا حَالَةَ الْعَقْدِ وَفَارَقَ هذا الْإِقْرَارَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ قال وَهَذَا قَوْلٌ مُتَّجَهٌ لَا دَافِعَ له انْتَهَى
قُلْت فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فإن قَوْلَهُ على كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يُخْرِجُ الثَّمَنَ عن كَوْنِهِ مَجْهُولًا حَالَةَ الْعَقْدِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فإن كَثِيرًا من الناس بَلْ كلهم إلَّا قَلِيلًا يَعْلَمُ قِيمَةَ الدِّينَارِ من الدَّرَاهِمِ فَلَا تَحْصُلُ الْجَهَالَةُ حَالَةَ الْعَقْدِ لِغَالِبِ الناس على التَّعْلِيلِ الثَّانِي
قَوْلُهُ وفي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وجهين ( ( ( وجهان ) ) )
أَحَدُهُمَا لو بَاعَ مَجْهُولًا وَمَعْلُومًا هذا يَصِحُّ أَطْلَقَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ الْجَهْلَ
قال في الْفُرُوعِ يَجْهَلُ قِيمَتَهُ مُطْلَقًا
قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ مَجْهُولًا لَا مَطْمَعَ في مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ جَمَعَ بين مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ وَقِيلَ يَتَعَذَّرُ عِلْمُ قِيمَتِهِ انْتَهَى
فَأَمَّا إنْ قال لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قال في التَّلْخِيصِ أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ جَهَالَةُ الثَّمَنِ في الْحَالِ صَحَّ الْبَيْعُ
وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَنَظَائِرُهَا
____________________
(4/316)
وَذَكَرَ التَّعْلِيلَيْنِ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ بِالصِّحَّةِ في الْمَعْلُومِ
قُلْت هو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَخَرَّجَ في الِانْتِصَارِ صِحَّتُهُ على رِوَايَةٍ
قَوْلُهُ الثَّانِيَةُ بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا أو ما يَنْقَسِمُ عليه الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَقَفِيزَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَهُمَا فَيَصِحُّ في نَصِيبِهِ بِقِسْطِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا لم يَكُنْ عَالِمًا
هو الْمَذْهَبُ كما قال وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ صَحَّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ وَهُمَا وَجْهَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ له الْأَرْشُ إذَا لم يَكُنْ عَالِمًا وَأَمْسَكَ بِالْقِسْطِ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي في الضَّمَانِ
قَوْلُهُ الثَّالِثَةُ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أو عَبْدًا وَحُرًّا أو خَلًّا وَخَمْرًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ
أُولَاهُمَا لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/317)
وَالْأُخْرَى يَصِحُّ في عَبْدِهِ وفي الْخَلِّ بِقِسْطِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لم يَصِحَّ
قال في التَّلْخِيصِ لم يَصِحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وقال الْأَزَجِيُّ إنْ كان ما لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عليه غير قَابِلٍ لِلْمُعَاوَضَةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالطَّرِيقِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَعَلَى قِيَاسِهِ الْخَمْرُ وَإِنْ كان قَابِلًا لِلصِّحَّةِ فَفِيهِ الْخِلَافُ
قال في أَوَاخِرِ الْقَوَاعِدِ وَلَا يَثْبُتُ ذلك في الْمَذْهَبِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَالْخَلَّ بِقِسْطِهِ على الصَّحِيحِ
قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَقِيلَ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ في بَابِ الضَّمَانِ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أو يُرَدُّ
قال في أَوَاخِرِ الْقَوَاعِدِ وَهَذَا في غَايَةِ الْفَسَادِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ هذا بِمَنْ كان عَالِمًا بِالْحَالِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عليه لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عليه فَيَكُونُ قد دخل على بَدَلِ الثَّمَنِ في مُقَابَلَةِ ما يَصِحُّ الْعَقْدُ عليه خَاصَّةً كما نَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتِ يَعْلَمُ مَوْتَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْخُذُ عَبْدَ الْبَائِعِ بِقِسْطِهِ على قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجْهًا في بَابِ الشَّرِكَةِ وَالْكِتَابَةِ من الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ أَنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّطُ على عَدَدِ الْمَبِيعِ لَا الْقِيَمِ ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا له وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ كما لو تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ
قال في آخِرِ الْقَوَاعِدِ وهو بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا أَظُنُّهُ يَطَّرِدُ إلَّا فِيمَا إذَا كان جِنْسًا
____________________
(4/318)
وَاحِدًا وَيَأْخُذُ الْخَلَّ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْخَمْرَ خَلًّا على قَوْلٍ كَالْحُرِّ يُقَدَّرُ عَبْدًا جَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ بَلْ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ عِنْدَ أَهْلِهَا
قال بن حَمْدَانَ قُلْت إنْ قُلْنَا نَضْمَنُ لهم انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مَتَى صَحَّ الْبَيْعُ كان لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَثْبُتُ له الْخِيَارُ أَيْضًا ذَكَرَهُ عنه في الْفَائِقِ
الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَالْحُكْمُ في الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ إذَا جَمَعَتْ ما يَجُوزُ وما لَا يَجُوزُ كَالْحُكْمِ في الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ فيها الصِّحَّةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُودَ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تُوجَدُ جَهَالَةُ الْعِوَضِ فيها وقد تَقَدَّمَ كَلَامُهُ في التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَصِحُّ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو عَجِيبٌ منه إذْ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هذا أَقْيَسُ
____________________
(4/319)
فَوَائِدُ
منها مِثْلُ هذه الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لو بَاعَ عَبْدَيْهِ الِاثْنَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ وَكَذَا لو اشْتَرَاهُمَا مِنْهُمَا لَكِنْ قَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ حُكْمًا ثُمَّ قال وَقِيلَ يَصِحُّ إنْ صَحَّ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وهو قِيَاسُ نَصِّ أَحْمَدَ انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُقَسَّطُ الثَّمَنُ على قَدْرِ الْقِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَ في الْمُنْتَخَبِ وَجْهًا في الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يُقَسَّطُ الثَّمَنُ على قَدْرِ الْقِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَ في الْمُنْتَخَبِ وَجْهًا في الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يُقَسَّطُ الثَّمَنُ على عَدَدِهِمَا
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في غَيْرِهَا
ومنها ( ( ( ومنهما ) ) ) لو كان لِاثْنَيْنِ عَبْدَانِ مُفْرَدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَهُمَا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدًا مُعَيَّنًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَقْسِمَانِ الثَّمَنَ على قَدْرِ قِيمَتَيْ الْعَبْدَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجْهًا يَقْتَسِمَانِهِ على عَدَدِ رؤوس الْمَبِيعِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَمِنْهَا الْإِجَارَةُ مِثْلُ ذلك خِلَافًا وَمَذْهَبًا
وَمِنْهَا لو اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ولم يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا قبل الْقُرْعَةِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الكبرى ( ( ( الصغرى ) ) ) وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي في خِلَافِهِ
وَقِيلَ يَصِحُّ إنْ أَذِنَ شَرِيكُهُ
____________________
(4/320)
وَقِيلَ بَلْ يَبِيعُهُ وكيلهما ( ( ( وكليهما ) ) ) أو أَحَدَهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْلَهُ ويقسم ( ( ( وقسم ) ) ) الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا بِقِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ
قال الْقَاضِي في خِلَافِهِ هذا أَجْوَدُ ما يُقَالُ فيه كما قُلْنَا في زَيْتٍ اخْتَلَطَ بِزَيْتٍ لِآخَرَ وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ من الْآخَرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَمَعَ بين بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أو بَيْعٍ وَصَرْفٍ
يَعْنِي بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ فِيهِمَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
أَحَدُهُمَا يصح ( ( ( صح ) ) ) وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه قال النَّاظِمُ هو الْأَقْوَى صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بين الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ في عَقْدٍ وَاحِدٍ في أَظْهَرِ قَوْلِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال في الْخُلَاصَةِ لو اشْتَرَى ثَوْبًا وَدَرَاهِمَ بِدِينَارٍ أو اشْتَرَى دَارًا وَسُكْنَى دَارٍ بِمِائَةٍ لم يَصِحَّ في الْأَصَحِّ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا كما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو جَمَعَ بين بَيْعٍ وَخُلْعٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فَالْحُكْمُ كما تَقَدَّمَ في الْجَمْعِ بين الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أو الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو جَمَعَ بين بَيْعٍ وَنِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فقال زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَبِعْتُك دَارِي بِمِائَةٍ صَحَّ في النِّكَاحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وفي الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ
____________________
(4/321)
قال في الْفُرُوعِ صَحَّ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ وَإِنْ جَمَعَ بين بَيْعٍ وَنِكَاحٍ بَطَلَا وَقِيلَ يَصِحَّانِ انْتَهَى
وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ إذَا جَمَعَ بين مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
فَجَعَلُوا الْجَمْعَ بين النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ كَالْجَمْعِ بين الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَمَعَ بين كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شيئا صَفْقَةً وَاحِدَةً بَطَلَ الْبَيْعُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الْبُيُوعِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ الصِّحَّةُ مَنْصُوصُ احمد وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في النِّكَاحِ وأبو الْخَطَّابِ
وَالْأَكْثَرُونَ اكْتَفَوْا بِاقْتِرَانِ الْبَيْعِ بِشَرْطِهِ وهو كَوْنُ الْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا يَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ لِلسَّيِّدِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(4/322)
قَوْلُهُ وفي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ
قال الشَّارِحُ وَهَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ يَنْبَنِي على الرِّوَايَتَيْنِ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
إحْدَاهُمَا يَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وفي الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ
فَائِدَةٌ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أو الْمُشْتَرِي أو الْمَبِيعِ أو بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
قال بن الزَّاغُونِيِّ في الْمَبْسُوطِ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ شِرَاءَ الِاثْنَيْنِ من الْوَاحِدِ عَقْدَانِ وَصَفْقَتَانِ
وقال الْحَارِثِيُّ لو بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا من اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فقال أَصْحَابُنَا هِيَ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ عُقُودٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا هِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ إذْ عَقْدُ الْوَاحِدِ مع الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ انْتَهَيَا
وَقِيلَ لَا تَتَعَدَّدُ بِحَالٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَقَطْ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ اتَّحَدَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ أو بِالْعَكْسِ فَاحْتِمَالَانِ وَالْأَظْهَرُ الِاعْتِبَارُ بِالْمُوَكِّلِ فَإِنْ قال لِاثْنَيْنِ بِعْتُكُمَا هذا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَقُلْنَا تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ يَأْتِي ذلك في بَابِ الشُّفْعَةِ مُحَرَّرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا
____________________
(4/323)
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَصِحُّ مع التَّحْرِيمِ وهو رِوَايَةٌ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا وَالتَّفْرِيعُ على الْأَوَّلِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم تَكُنْ حاجة ( ( ( الحاجة ) ) ) فَإِنْ كان ثَمَّ حَاجَةٌ صَحَّ الْبَيْعُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَالْحَاجَةُ هُنَا كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إذَا وَجَدَهُ يُبَاعُ وَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ تُبَاعُ وَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ إذَا خِيفَ عليه الْفَسَادُ بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَا لو وَجَدَ أَبَاهُ يُبَاعُ وهو مع من لو تَرَكَهُ معه رَحَلَ وَفَاتَهُ الشِّرَاءُ
وَكَذَا على الصَّحِيحِ لو لم يَجِدْ مَرْكُوبًا وكان عَاجِزًا أو لم يَجِدْ الضَّرِيرُ قَائِدًا وَوَجَدَ ذلك يُبَاعُ
وقال بن عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ
وقال في الْفَائِقِ وَلَوْ كان الشِّرَاءُ لِآلَةِ الصَّلَاةِ أو الْمُشْتَرِي أَبَاهُ جَازَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
قال بن تَمِيمٍ لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَاءٍ لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وزاد وَلَهُ شِرَاءُ السُّتْرَةِ كما تَقَدَّمَ
الثَّانِي مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ نِدَائِهَا النِّدَاءُ الثَّانِي الذي عِنْدَ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ الْمَنْعِ من ( ( ( مع ) ) ) النِّدَاءِ الْأَوَّلِ وهو الذي يُقَالُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ
وَعَنْهُ الْمَنْعُ من أَوَّلِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ
____________________
(4/324)
وَالرِّوَايَتَانِ لِلْقَاضِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ بِالزَّوَالِ
وَأَطْلَقَ هذه الرِّوَايَةَ وَالرِّوَايَةَ الْأُولَى في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ من تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أنها إذَا لم تَلْزَمْهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ من مَرِيضٍ وَنَحْوِهِ دُونَ غَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُبَاحُ على الصَّحِيحِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ في الْأَسْوَاقِ
الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو كان أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَصِحُّ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا بها دُونَ الْآخَرِ حَرُمَ على الْمُخَاطَبِ وَكُرِهَ لِلْآخَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ وَهَذَا هو الذي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْفُصُولِ يَحْرُمُ على من تَجِبُ عليه وَيَأْثَمُ فَقَطْ كَالْمُحْرِمِ يَشْتَرِي صَيْدًا من مَحَلٍّ ثَمَنُهُ حَلَالٌ لِلْمَحَلِّ وَالصَّيْدُ حَرَامٌ على الْمُحْرِمِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
الْخَامِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لو وُجِدَ الْإِيجَابُ قبل النِّدَاءِ وَالْقَبُولُ بَعْدَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ صُدُورِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/325)
قال في الْفُرُوعِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ كَهُوَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ
السَّادِسُ ظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْجُمُعَةِ صِحَّةُ الْبَيْعِ بَعْدَ نِدَاءِ غَيْرِهَا من الصَّلَوَاتِ من غَيْرِ تَحْرِيمٍ فَشَمِلَ صُورَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا إذَا لم يَتَضَيَّقْ الْوَقْتُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَحْرُمَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يَحْرُمُ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ
قُلْت وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ بِذَلِكَ وَتَعَذَّرَ عليه جَمَاعَةٌ أُخْرَى حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا
وَالثَّانِيَةُ إذَا تَضَيَّقَ حَرُمَ الْبَيْعُ وفي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ قال في الرِّعَايَةِ الْبُطْلَانُ أَقْيَسُ
قال في الْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ فَكَذَا حُكْمُهُ في التَّحْرِيمِ وَالِانْعِقَادِ وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وهو الصَّوَابُ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي ذلك وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِانْعِقَادِ النَّافِلَةِ مع ضِيقِ الْوَقْتِ عن الْفَرِيضَةِ كما تَقَدَّمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ مع التَّحْرِيمِ قال في الرِّعَايَةِ وهو أَشْهَرُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو اخْتَارَ إمْضَاءَ عَقْدِ بَيْعِ الْخِيَارِ بَعْدَ النِّدَاءِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ صَحَّ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ
____________________
(4/326)
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
الثَّانِيَةُ تَحْرُمُ الْمُنَادَاةُ وَالْمُسَاوَمَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُشْغِلُ حَيْثُ قُلْنَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ
الثَّالِثَةُ يَسْتَوِي في ذلك بَيْعُ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْوَجِيزُ وَغَيْرُهُ وَكَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
قَوْلُهُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا وَلَا بَيْعُ السِّلَاحِ في الْفِتْنَةِ وَلِأَهْلِ الْحَرْبِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ مع التَّحْرِيمِ
وَعَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا من الْمُفْرَدَاتِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذلك على الصَّحِيحِ
وَقِيلَ أو ظَنَّهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو ظَاهِرُ نَقْلِ بن الْحَكَمِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذلك في الْحُكْمِ بَيْعُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لِمَنْ يَشْرَبُ عليه الْمُسْكِرَ وَكَذَا الْأَقْدَاحُ لِمَنْ يَشْرَبُ بها وَكَذَا الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَنَحْوُهُمَا لِلْقِمَارِ
____________________
(4/327)
وَكَذَا بَيْعُ الْأَمَةِ وَالْغُلَامِ لِمَنْ عُرِفَ بِوَطْءِ الدُّبُرِ أو لِلْغِنَاءِ أَمَّا بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْعَدْلِ كَقِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَجَائِزٌ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ
هذا الْمَذْهَبُ في الْجُمْلَةِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ رِوَايَةً بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لِكَافِرٍ كَمَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ وَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ أو كِتَابَتِهِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عليه فَيَصِحُّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في أَوَاخِرِ الْعِتْقِ وَإِنْ اشْتَرَى الْكَافِرُ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ صَحَّ على الْأَصَحِّ وَعَتَقَ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وقال نُصَّ عليه وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَيَأْتِي في بَابِ الْوَلَاءِ إذَا قال الْكَافِرُ لِرَجُلٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ هل يَصِحُّ أَمْ لَا
وَيَأْتِي في كِتَابِ الْعِتْقِ إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ من مُسْلِمٍ وهو مُوسِرٌ هل يَسْرِي إلَى بَاقِيهِ أَمْ لَا
فَائِدَةٌ لو وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا في شِرَاءِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من
____________________
(4/328)
الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُمَا النَّاظِمُ
وَقِيلَ يَصِحُّ إنْ سمي الْمُوَكِّلُ في الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وقال في الْوَاضِحِ إنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَكَّلَ من يَشْتَرِيهِ له وَيُعْتِقُهُ
وقال في الِانْتِصَارِ لَا يَبِيعُ الْكَافِرَ آبِقًا وَيُوَكِّلُ فيه لِمَنْ هو في يَدِهِ
وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ هل يَبِيعُ من اُسْتُرِقَّ من الْكُفَّارِ لِلْكُفَّارِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ في ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ عبد الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ على إزَالَةِ مِلْكِهِ عنه بِلَا نِزَاعٍ وَلَيْسَ له كِتَابَتُهُ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وقال هو أَوْلَى وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ في أَوَاخِرِ بَابِ الْكِتَابَةِ
قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ التَّدْبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ في بَابِ الْكِتَابَةِ
وقال الْقَاضِي له ذلك جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَحَكَى في الْفُرُوعِ عن أبي بَكْرٍ أنها تَكْفِي
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ صَحَّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَكْفِي في الْأَصَحِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ في بَابِ الْكِتَابَةِ
وَيَأْتِي إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ أو أُمُّ وَلَدِهِ في بَابِ التَّدْبِيرِ وفي الِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابَةِ إذَا وَرِثَهُ الْوَجْهَانِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
فَائِدَةٌ قِيلَ يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ في مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً في سَبْعِ مَسَائِلَ
إحْدَاهَا الْإِرْثُ
____________________
(4/329)
الثَّانِيَةُ اسْتِرْجَاعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي يَعْنِي لو اشْتَرَى عَبْدًا كَافِرًا من كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَحُجِرَ عليه
الثَّالِثَةُ إذَا رَجَعَ في هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ يَعْنِي لو وَهَبَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لِوَلَدِهِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَرَجَعَ في هِبَتِهِ
الرَّابِعَةُ إذَا رُدَّ عليه بِعَيْبٍ يَعْنِي إذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ وَحَكَى في الْقَوَاعِدِ فيه وَفِيمَا يُشَابِهُهُ وَجْهَيْنِ
الْخَامِسَةُ إذَا قال الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي وَصَحَّحْنَاهُ على ما يَأْتِي في بَابِ الْوَلَاءِ
السَّادِسَةُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ عَجَزَ عن نَفْسِهِ على قَوْلٍ
السَّابِعَةُ إذَا اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه على ما تَقَدَّمَ
قُلْت وَتَأْتِي ثَامِنَةٌ وَهِيَ جَوَازُ شِرَائِهِ وَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ وَكِتَابَتِهِ على رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ
وَتَاسِعَةٌ وَهِيَ ما إذَا مَلَكَهُ الْحَرْبِيُّ وَقُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ مَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ على ما تَقَدَّمَ في قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ
وَعَاشِرَةٌ وَهِيَ إذَا اسْتَوْلَدَ الْمُسْلِمُ أَمَةَ الْكَافِرِ قَالَهُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ وقال يَمْلِكُ الْكَافِرُ الْمَصَاحِفَ بِالْإِرْثِ وَيَرُدُّهُ عليه بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ وَبِالْقَهْرِ
وَحَادِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ مُدَّةً وَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فيها
قُلْت وقد قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ هل يَمْلِكُ الْكَافِرُ فَسْخَ الْعَقْدِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي أو عَيْبِ الثَّمَنِ أو بِخِيَارٍ أو إذَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الْمُسْلِمِ أَمْ لَا
____________________
(4/330)
قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَمْلِكُهُ وَلَا يُقَرُّ في مِلْكِهِ لِأَنَّ في مَنْعِهِ من ذلك إبْطَالَ حَقِّ الْعَقْدِ قال وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
وَيُؤْخَذُ من كَلَامِهِ صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ ما إذَا وَجَدَ ثَمَنَهُ مَعِيبًا وَقُلْنَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً وَرَدَّهَا وكان قد أَسْلَمَ قبل ذلك
فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ مَسْأَلَةً
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ على بَيْعِ أَخِيهِ وهو أَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ أنا أُعْطِيك مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ وَلَا شِرَاءُ الرَّجُلِ على شِرَاءِ أَخِيهِ وهو أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِتِسْعَةٍ عِنْدِي فيها عَشَرَةٌ لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ معه
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا وَيُتَصَوَّرُ ذلك في مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى في خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالثَّانِيَةُ في خِيَارِ الشَّرْطِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ في شَرْحِ الحديث الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ بن مُشَيْشٍ قال وَمَالَ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَامٌّ في الْحَالَيْنِ انْتَهَى يَعْنِي في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدَهَا قال وهو قَوْلُ طَائِفَةٍ من أَصْحَابِنَا وهو أَظْهَرُ انْتَهَى وَعَلَّلَهُ تَبَعًا لِمَيْلِ غَيْرِهِمْ
وَأَمَّا قبل الْعَقْدِ فَهُوَ سَوْمُهُ على سَوْمِ أَخِيهِ على ما يَأْتِي
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يَصِحُّ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ أَعْنِي الْبَيْعَ الثَّانِي وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
____________________
(4/331)
قال في الْفُرُوعِ لم يَصِحَّ على الْأَصَحِّ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَشْهَرُهُمَا الْبُطْلَانُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَحْرُمُ الشِّرَاءُ على شِرَاءِ أَخِيهِ فَإِنْ فَعَلَ كان لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالسِّلْعَةِ وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ أو عِوَضِهَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا سَوْمُهُ على سَوْمِ أَخِيهِ مُحَرَّمٌ مع الرِّضَى صَرِيحًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَنَّ في صِحَّةِ الْبَيْعِ روايتان ( ( ( روايتين ) ) ) وَإِنْ حَصَلَ الرِّضَى ظَاهِرًا لم يَحْرُمْ السَّوْمُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَحْرُمُ كَرِضَاهُ صَرِيحًا
قال الْمُصَنِّفُ لو قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ هُنَا لَكَانَ وَجْهًا حَسَنًا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
فَعَلَيْهِ لو تَسَاوَى الْأَمْرَانِ لم يَحْرُمْ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
وَقِيلَ يَحْرُمُ أَيْضًا
وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على عَدَمِ الرِّضَى فإنه لَا يَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَقَسَّمَ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ السَّوْمَ على سَوْمِ اخيه كَالْخِطْبَةِ على خِطْبَةِ أَخِيهِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(4/332)
الثَّانِيَةُ سَوْمُ الْإِجَارَةِ كَالْبَيْعِ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ في آخِرِ التَّصَرُّفِ في الْمَبِيعِ
قُلْت وكذا اسْتِئْجَارُهُ على إجَارَةِ أَخِيهِ حَيْثُ قُلْنَا بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فيها
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ قُلْت وَاسْتِئْجَارُهُ على اسْتِئْجَارِ أَخِيهِ وَاقْتِرَاضُهُ على اقْتِرَاضِ أَخِيهِ ولتهابه ( ( ( واتهابه ) ) ) على اتِّهَابِ أَخِيهِ مِثْلُ شِرَائِهِ على شِرَاءِ اخيه أو شِرَائِهِ على لتهابه ( ( ( اتهابه ) ) ) أو شِرَائِهِ على إصْدَاقِهِ وَنَحْوُ ذلك بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ جِهَةُ الْمِلْكِ
قَوْلُهُ وفي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ بِشُرُوطِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ حَرُمَ وَفَسَدَ الْعَقْدُ رَضُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
قال النَّاظِمُ وهو الْأَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْخِرَقِيِّ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْكَافِي
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَجَعَلَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ الصِّحَّةَ على الْقَوْلِ بِزَوَالِ النَّهْيِ وَالْبُطْلَانَ على الْقَوْلِ بِبَقَائِهِ قال وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ على الْقَوْلِ بِبَقَاءِ النهى انْتَهَى
قُلْت ما قَالَهُ بن مُنَجَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ
فَالرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ عن أَحْمَدَ تَدُلُّ على ذلك وَبِهَا اسْتَدَلَّا
____________________
(4/333)
قال الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَذْهَبَ وَالنَّهْيَ عنه وَنَقَلَ بن شَاقِلَا أَنَّ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ الْمِصْرِيَّ سَأَلَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ عن بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ فقال لَا بَأْسَ بِهِ فقال له الْخَبَرُ الذي جاء بِالنَّهْيِ قال كان ذلك مَرَّةً قال فَظَاهِرُ هذا أَنَّ النَّهْيَ اخْتَصَّ بِأَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَا كان عليهم من الضِّيقِ في ذلك انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ خَمْسُ شُرُوطٍ كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهو أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا جَاهِلًا بِسِعْرِهَا وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ وَتَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهَا فَاجْتِمَاعُ هذه الشُّرُوطِ يُحَرِّمُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُهُ على الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ فَإِنْ اخْتَلَّ منها شَرْطٌ صَحَّ الْبَيْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
ولم يذكر الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهَا
قَوْلُهُ وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ
هذا شَرْطٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالسِّعْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يعرفه ( ( ( يشترط ) ) )
قَوْلُهُ جَاهِلًا بِسِعْرِهَا
يَعْنِي الْبَادِي وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ جَهْلُهُ بِالسِّعْرِ
قَوْلُهُ أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ حُكْمُ ما إذَا وَجَّهَ بها الْبَادِي إلَى الْحَاضِرِ لِيَبِيعَهَا له حُكْمُ حُضُورِ الْبَادِي لِيَبِيعَهَا نَقَلَهُ بن هَانِئٍ
وَنَقْلُ الْمَرُّوذِيِّ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ جَزَمَ بِهِمَا الْخَلَّالُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ له
قَوْلُهُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا
____________________
(4/334)
زَادَ بَعْضُهُمْ في هذا الشَّرْطِ أَنْ يَقْصِدَ الْبَيْعَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا حَالًّا لَا نَسِيئَةً نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ولم يذكر الْخِرَقِيُّ بِسِعْرِ يَوْمِهَا
قَوْلُهُ وَأَمَّا شِرَاؤُهُ له فَيَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ لَا يَشْتَرِي له وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَالْهَازِلِ وَنَحْوِهِمَا فَلْيُعَاوَدْ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنُصَّ عليه أَنَّ النَّهْيَ في هذه الْمَسْأَلَةِ بَاقٍ
وَعَنْهُ زَوَالُهُ وقال كان ذلك مَرَّةً وَالتَّفْرِيعُ على الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بنسيئة ( ( ( نسيئة ) ) ) لم يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا إلَّا أَنْ تَكُونَ قد تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا
هذه مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ فِعْلُهَا مُحَرَّمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ يَحْرُمُ اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ قِيَاسًا وَكَذَا قال في التَّرْغِيبِ لم يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وفي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ الْقِيَاسُ صِحَّةُ الْبَيْعِ
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْقِيَاسَ خُولِفَ لِدَلِيلٍ رَاجِحٍ فَلَا خِلَافَ إذًا في الْمَسْأَلَةِ وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ بِالصِّحَّةِ قَوْلًا
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ إذَا كان بَيَانًا بِلَا مُوَاطَأَةٍ وَإِلَّا بَطَلَا وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ من أَطْلَقَ هذا إلَّا أَنَّهُ قال في الِانْتِصَارِ إذَا قَصَدَ بِالْأَوَّلِ الثَّانِي يَحْرُمُ وَرُبَّمَا قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ
وقال أَيْضًا يَحْتَمِلُ إنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَصِحَّا وَإِنْ سَلِمَ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ خَلَا عن ذَرِيعَةِ الرِّبَا
____________________
(4/335)
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لم يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا
قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمْ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لَا يُشْتَرَطُ في التَّحْرِيمِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِنَقْدٍ بَلْ يَحْرُمُ شِرَاؤُهَا سَوَاءٌ كان بِنَقْدٍ أو نَسِيئَةٍ
قال في الْفُرُوعِ إذا ( ( ( ولم ) ) ) لم يَقُلْهُ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ بَلْ ولو ( ( ( لو ) ) ) كان بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهِ نَقَلَهُ بن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ أو كان بَيْعُهَا الْأَوَّلُ بِعَرْضٍ فَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ جَازَ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ كان بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ انْتَهَى
وَإِنْ بَاعَهَا بِنَقْدٍ وَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ فقال الْأَصْحَابُ يَجُوزُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وفي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كان بِعَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ إذَا كان بِنَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّانِيَةُ من مَسَائِلِ الْعِينَةِ لو بَاعَهُ شيئا بِثَمَنٍ لم يَقْبِضْهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ نَقْدًا أو غير نَقْدٍ على الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لم يَصِحَّ
الثَّالِثَةُ عَكْسُ الْعِينَةِ مِثْلُهَا في الْحُكْمِ وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ نَسِيئَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد يَجُوزُ بِلَا حِيلَةٍ
____________________
(4/336)
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ بَاعَ شيئا ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ أَيَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قال لَا وَلَكِنْ بِأَكْثَرَ لَا بَأْسَ
قال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ له شِرَاؤُهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ بِأَكْثَرَ منه إذَا لم تَكُنْ مُوَاطَأَةٌ وَلَا حِيلَةٌ بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا من غَيْرِ قَصْدٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ أو ابْنُهُ جَازَ
مُرَادُهُ إذَا لم يَكُنْ حِيلَةٌ فَإِنْ كان حِيلَةٌ لم يَجُزْ وَكَذَا يَجُوزُ له الشِّرَاءُ من غَيْرِ مُشْتَرِيهِ لَا من وَكِيلِهِ
قال في الْفَائِقِ قُلْت بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ انْتَهَى
قُلْت وهو مُرَادُ الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ لو احْتَاجَ إلَى نَقْدٍ فَاشْتَرَى ما يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَلَا بَأْسَ نُصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّوَرُّقِ
وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ اشْتَرَى منه لم يَجُزْ وَهِيَ الْعِينَةُ نُصَّ عليه
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ ما يَجْرِي فيه الرِّبَا نَسِيئَةً ثُمَّ اشْتَرَى منه بِثَمَنِهِ قبل قَبْضِهِ من جِنْسِهِ أو ما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسِيئَةً لم يَجُزْ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا إذَا لم يَكُنْ حِيلَةٌ وقال قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ أَخْذُ عَيْنِ جِنْسِهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ إذَا كان ثَمَّ حَاجَةٌ وَإِلَّا فَلَا
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَبِيعَهُ كَيْلَ بُرٍّ إلَى شَهْرٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ
____________________
(4/337)
منه بُرًّا فَلَا يَجُوزُ قال في التَّلْخِيصِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَنُصَّ عليه
الثَّانِيَةُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ منه شَعِيرًا أو غَيْرَهُ مِمَّا يَجْرِي فيه الرِّبَا نَسِيئَةً فَلَا يَجُوزُ
فَوَائِدُ الْبَابِ
يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِنْ هَدَّدَ من خَالَفَهُ حَرُمَ وَبَطَلَ الْعَقْدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِأَحَدِهِمَا
هل الْوَعِيدُ إكْرَاهٌ أَمْ لَا
وَيَحْرُمُ قَوْلُهُ بِعْ كَالنَّاسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَحْرُمُ
وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلْزَامَهُمْ الْمُعَاوَضَةَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وقال لَا نِزَاعَ فيه لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ من مَكَان أَلْزَمَ الناس بِهِمَا فيه لَا الشِّرَاءَ مِمَّنْ اشْتَرَى منه
وَكَرِهَ أَيْضًا الشِّرَاءَ بِلَا حَاجَةٍ من جَالِسٍ على الطَّرِيقِ وَمِنْ بَائِعٍ مُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ
وقال في الْمُنْتَخَبِ لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ
وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ في قُوتِ الْآدَمِيِّ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ أَيْضًا فِيمَا يَأْكُلُهُ الناس وَعَنْهُ أو يَضُرُّهُمْ ادخاره بِشِرَائِهِ في ضِيقٍ
وقال الْمُصَنِّفُ من بَلَدِهِ لَا جَالِبًا وَالْأَوَّلُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَيَصِحُّ شِرَاءُ مُحْتَكِرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وفي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ
وفي كَرَاهَةِ التِّجَارَةِ في الطَّعَامِ إذَا لم يُرِدْ الْحُكْرَةَ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(4/338)
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ جَلَبَ شيئا أو اسْتَغَلَّهُ من مِلْكِهِ أو مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ أو اشْتَرَاهُ زَمَنَ الرُّخْصِ ولم يُضَيِّقْ على الناس إذَنْ أو اشْتَرَاهُ من بَلَدٍ كَبِيرٍ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا فَلَهُ حَبْسُهُ حتى يَغْلُوَ وَلَيْسَ مُحْتَكِرًا نُصَّ عليه وَتَرْكُ ادِّخَارِهِ لِذَلِكَ أَوْلَى انْتَهَى
وقال الْقَاضِي يُكْرَهُ إنْ تَرَبَّصَ بِهِ السِّعْرَ لَا جَالِبًا بِسِعْرِ يَوْمِهِ
نَقَلَ عبد اللَّهِ وَحَنْبَلٌ الْجَالِبُ أَحْسَنُ حَالًا وَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ ما لم يَحْتَكِرْ
وقال لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَنَّى الْغَلَاءَ
وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَيُجْبَرُ الْمُحْتَكِرُ على بَيْعِهِ كما يَبِيعُ الناس فَإِنْ أَبَى وَخِيفَ التَّلَفُ فَرَّقَهُ الْإِمَامُ وَيَرُدُّونَ مثله
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ قِيمَتُهُ
قُلْت وهو قَوِيٌّ
وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قُلْت وَأَوْلَى
وَلَا يُكْرَهُ ادِّخَارُ قُوتٍ لِأَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ نُصَّ عليه وَنَقَلَ جَعْفَرٌ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي التِّجَارَةَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيِّقَ
وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ فيه وَيَشْتَرِي وَحْدَهُ كُرِهَ الشِّرَاءُ منه بِلَا حَاجَةٍ وَيَحْرُمُ عليه أَخْذُ زِيَادَةٍ بِلَا حَقٍّ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(4/339)
بَابُ الشُّرُوطِ في الْبَيْعِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَهِيَ ضَرْبَانِ صَحِيحٌ وهو ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا شَرْطُ مقتضي الْبَيْعِ كَالتَّقَابُضِ وَحُلُولِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ
بِلَا نِزَاعٍ وَيَأْتِي لو جَمَعَ بين شَرْطَيْنِ من هذا
قَوْلُهُ الثَّانِي شَرْطٌ من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ في الثَّمَنِ كَتَأْجِيلِهِ أو الرَّهْنِ أو الضَّمِينِ بِهِ أو صِفَةٍ في الْمَبِيعِ نَحْوِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أو خَصِيًّا أو صَانِعًا أو مُسْلِمًا أو الْأَمَةِ بِكْرًا أو الدَّابَّةِ هِمْلَاجَةً وَالْفَهْدِ صَيُودًا فَيَصِحُّ الشَّرْطُ بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ وفي بِهِ هو في جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَلِصَاحِبِهِ الْفَسْخُ
يَعْنِي إذَا لم يَتَعَذَّرْ الرَّدُّ فَأَمَّا إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ تَعَيَّنَ له الْأَرْشُ وَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ الرَّدُّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ ليس له إلَّا الْفَسْخُ لَا غَيْرُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ
قال الزَّرْكَشِيُّ في الرَّهْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالسَّامِرِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ له الْفَسْخَ أو أَرْشَ فَقْدِ الصِّفَةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ ويحكي عن بن عَقِيلٍ في الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو الرَّهْنِ أو الضَّمِينِ بِهِ
من شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ فَإِنْ لم يُعَيِّنْهُمَا لم يَصِحَّ وَلَيْسَ له طَلَبُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ لِمَصْلَحَتِهِ وَيُلْزَمُ بِتَسْلِيمِ رَهْنِ الْمُعَيَّنِ إنْ قِيلَ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ
____________________
(4/340)
وفي الْمُنْتَخَبِ هل يَبْطُلُ بَيْعٌ بِبُطْلَانِ رَهْنٍ فيه لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَمْ لَا كَمَهْرٍ في نِكَاحٍ فيه احْتِمَالَانِ
فَائِدَةٌ وَمِنْ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا لو شَرَطَهَا تَحِيضُ او اشْتَرَطَ الدَّابَّةَ لَبُونًا أو الْأَرْضَ خَرَاجَهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال بن شِهَابٍ إنْ لم تَحِضْ طَبْعًا فَفَقْدُهُ يَمْنَعُ النَّسْلَ وَإِنْ كان لِكِبَرٍ فَعَيْبٌ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الثَّمَنَ
وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ كَوْنِهَا لَبُونًا قال في الرِّعَايَةِ وهو أَشْهَرُ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا كَافِرَةً فَبَانَتْ بِكْرًا مُسْلِمَةً فَلَا فَسْخَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ له الْفَسْخَ لِأَنَّ له فيه قَصْدًا
قُلْت وهو قَوِيٌّ
وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي فِيمَا إذَا شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً
تَنْبِيهٌ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لو شَرَطَهَا ثَيِّبًا فَبَانَتْ بِكْرًا أو شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا مَثَّلُوا بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ حَمَلَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه
قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ على ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ ذلك من بَابِ التَّنْبِيهِ على ما مَثَّلَهُ الْأَصْحَابُ وَلِذَلِكَ أَجْرَاهُ الشَّارِحُ على ظَاهِرِهِ
فَائِدَةٌ لو شَرَطَهُ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا فَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّ له الْفَسْخَ
قال شَيْخُنَا في حَوَاشِيهِ وهو مُشْكِلٌ من جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ في الْكَافِرَةِ مَوْجُودَةٌ في الْكَافِرِ
____________________
(4/341)
وقال أبو بَكْرٍ حُكْمُهُ حُكْمُ ما إذَا شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً
قال في الرِّعَايَةِ هذا أَقْيَسُ
قال في التَّلْخِيصِ هذا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ
قُلْت وهو الصَّحِيحُ
وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا رِوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا أو أَنَّهُ يَجِيءُ من مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ صَحَّ
إنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الشَّارِحُ الْأَوْلَى جَوَازُهُ
قال في الْفَائِقِ صَحَّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي
قال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو الْأَشْهَرُ قال النَّاظِمُ وهو الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ
قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ
وقد وَافَقَ على ذلك في الْهَادِي وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَجِيءَ من مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الصِّحَّةَ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ
قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى
قال في الْفَائِقِ صَحَّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
____________________
(4/342)
وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْكَافِي
وقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَشْهُرُهُمَا بُطْلَانُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
فَتَلَخَّصَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ طُرُقٌ يَصِحُّ الشَّرْطُ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ في الْأُولَى وفي الثَّانِيَةِ الْخِلَافُ لَا يَصِحُّ في الْأُولَى وَيَصِحُّ في الثَّانِيَةِ وهو الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو شَرَطَ الطَّائِرَ يَبِيضُ أو يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ أو الْأَمَةَ حَامِلًا فَحُكْمُهُنَّ كَالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
وَأَمَّا إذَا شَرَطَ في الطَّائِرِ أَنَّهُ يَبِيضُ فقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي الْأَوْلَى الصِّحَّةُ
قُلْت وهو الْأَوْلَى وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قال في الْفَائِقِ بَطَلَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَشْهَرُ الْبُطْلَانُ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَنَسَبَهُ في الْحَاوِيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ
وقد قَدَّمَ في الْكَافِي أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ يَصِيحُ في وَقْتٍ من اللَّيْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ يَصِيحُ في أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ فإنه يَجْرِي مَجْرَى التَّصْوِيتِ في الْقِمْرِيِّ وَنَحْوِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
____________________
(4/343)
وَإِنْ شَرَطَ الْأَمَةَ حَامِلًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وهو أَوْلَى
وقال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ فيه وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَأَمَّا إذَا شَرَطَ الدَّابَّةَ حَامِلًا فقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْبُطْلَانُ وَقِيلَ يَصِحُّ الشَّرْطُ
الثَّانِيَةُ لو شَرَطَ أنها لَا تَحْمِلُ ففاسدن ( ( ( ففاسد ) ) ) وَإِنْ شَرَطَهَا حَائِلًا فَبَانَتْ حَامِلًا فَلَهُ الْفَسْخُ في الْأَمَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا فَسْخَ له في غَيْرِهَا من الْبَهَائِمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ بَلَى كَالْأَمَةِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي ليس بِعَيْبٍ في الْبَهَائِمِ إنْ لم يَضُرَّ اللَّحْمَ
وَيَأْتِي ذلك في الْعُيُوبِ في الْبَابِ الذي بَعْدَ هذا
قَوْلُهُ الثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا في الْبَيْعِ كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا أو حِمْلَانِ الْبَعِيرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ في الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ قال في الْقَوَاعِدِ وَحَكَى عنه رِوَايَةً لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطُ وَطْءِ الْأَمَةِ وَدَوَاعِيهِ فإنه لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ إجَارَةُ ما اسْتَثْنَاهُ وَإِعَارَتُهُ مُدَّةَ اسْتِثْنَائِهِ كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ
____________________
(4/344)
إذَا بِيعَتْ وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَإِنْ كان بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِنْ كان بِتَفْرِيطِهِ فَهُوَ كَتَلَفِهَا بِفِعْلِهِ نَصُّ عليه وقال يَرْجِعُ على الْمُبْتَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ
قال الْقَاضِي مَعْنَاهُ عِنْدِي يَضْمَنُهُ بِالْقَدْرِ الذي نَقَصَهُ الْبَائِعُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَإِنْ كان التَّلَفُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَتَفْرِيطِهِ لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ
وقال الْقَاضِي يَضْمَنُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالُوا نُصَّ عليه وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطِهِ وَلَا فِعْلِهِ ضَمِنَ نَفْعَهُ الْمَذْكُورَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ نُصَّ عليه فَيَقُومُ الْمَبِيعُ بِنَفْعِهِ وَبِدُونِهِ فما نَقَصَ من قِيمَتِهِ أُخِذَ من ثَمَنِهِ بِنِسْبَتِهِ
وَقِيلَ بَلْ ما نَقَصَهُ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ ما يَقُومُ مَقَامَ الْمَبِيعِ في الْمَنْفَعَةِ أو يُعَوِّضُهُ عنها لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا على ذلك جَازَ
قَوْلُهُ أو يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ
الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أو تَقْدِيرُهُ كَحَمْلِ الْحَطَبِ أو تَكْسِيرِهِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ أو تَفْصِيلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَمَعَ بين شَرْطَيْنِ لم يَصِحَّ
فَلَوْ جَعَلْنَا الْوَاوَ على بَابِهَا كان جَمْعًا بين شَرْطَيْنِ وَلَا يَصِحُّ ذلك
____________________
(4/345)
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه قال أبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ الْمَذْهَبُ جَوَازُهُ
وَسَوَاءٌ كان حَصَادًا أو جَزَّ رَطْبَةً أو غَيْرَهُمَا
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرَيْنِ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَكَذَا قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في غَيْرِ شَرْطِ الْحَصَادِ
قال الْقَاضِي لم أَجِدْ بِمَا قال الْخِرَقِيُّ رِوَايَةً في الْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَائِدَةٌ حَكَى كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَطَعُوا بِصِحَّةِ شَرْطِ الْبَائِعِ نَفْعًا مَعْلُومًا في الْمَبِيعِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ في اشْتِرَاطِ نَفْعِ الْبَائِعِ جَمْعًا بين بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فَقَدْ جَمَعَ بين بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ وهو مَنْهِيٌّ عنه
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ أَعْيَانِ الْمَبِيعِ وَكَمَا لو بَاعَ أَمَةً مُزَوَّجَةً او مُؤَجَّرَةً أو شَجَرَةً عليها ثَمَرَةٌ قد بَدَا صَلَاحُهَا
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الصِّحَّةِ لَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ النَّفْعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ وهو لَا يَعْرِفُهُ لم يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ في جَزِّ الرَّطْبَةِ إنْ شَرَطَهُ على الْبَائِعِ لم يَصِحَّ
وَجَعَلَهُ بن أبي مُوسَى الْمَذْهَبَ وَقَدَّمَهُ في في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
قال الْمُصَنِّفُ فَيَخْرُجُ ها هنا مِثْلُهُ وَخَرَّجَهُ قَبْلَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ
____________________
(4/346)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ في كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فَقِيلَ يُقَاسُ عليه ما أَشْبَهَهُ من اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ وهو الصَّوَابُ فإنه نَقَلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةً تُوَافِقُ من خَرَجَ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمَجْدِ وصاحب ( ( ( صاحب ) ) ) الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى كما تَقَدَّمَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ تَخْتَصُّ مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ بِمَا يُفْضِي الشَّرْطُ فيه إلَى التَّنَازُعِ لَا غير
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قال في مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ
الثَّانِي أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ
وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عن كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الْكَافِي
قال في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ شَرْطُ جَزِّ الرَّطْبَةِ عليه
فَخَرَجَ هُنَا مِثْلُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
وَتَبِعَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنَاظِمِ النِّهَايَةِ
قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هذا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ بَعِيدٌ يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ وَالْأُصُولَ
وَخَرَّجَ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ صِحَّةَ الشَّرْطِ في النِّكَاحِ
قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلُوا مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ في حَصَادِ الزَّرْعِ انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ فِعْلُ ما وَقَعَ عليه الشَّرْطُ وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ بِعَمَلِهِ فَهُوَ كَالْأَجِيرِ فَإِنْ مَاتَ أو تَلِفَ أو اُسْتُحِقَّ فَلِلْمُشْتَرِي عِوَضُ ذلك نُصَّ عليه وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ بَذْلَ الْعِوَضِ عنه لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْعِوَضِ عنه لم يَلْزَمْ الْبَائِعَ بَذْلُهُ فَلَوْ رَضِيَا بِعِوَضِ النَّفْعِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
____________________
(4/347)
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالثَّانِي يَجُوزُ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَمَعَ بين شَرْطَيْنِ لم يَصِحَّ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَصِحُّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَهُ في الْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُونَا من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إنْ كَانَا من مَصْلَحَتِهِ فإنه يَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
اخْتَارَهُ الْقَاضِي في
شَرْحِهِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَرَدُّوا غَيْرَهُ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ في بَيْعٍ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَا من الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أو الصَّحِيحَةِ وَقَدَّمَاهُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لو شَرَطَ شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ أو صَحِيحَيْنِ لو انْفَرَدَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَيَحْتَمِلُ صِحَّتَهُ دُونَ شُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ
وقال في الصُّغْرَى وَإِنْ جَمَعَ في عَقْدٍ شَرْطَيْنِ يُنَافِيَانِهِ بَطَلَ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا من مَصْلَحَتِهِ لَا يَبْطُلُ كَالْأَوَّلِ وَأَمَّا إذَا كان الشَّرْطَانِ فَأَكْثَرُ من مُقْتَضَاهُ فإنه يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا روى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فَسَّرَ الشَّرْطَيْنِ الْمَنْهِيَّ عنهما بِشَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَرَدَّهُ في التَّلْخِيصِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُؤَثِّرُ في الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَدُّدِ
____________________
(4/348)
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ في تَأْثِيرِهِ خِلَافٌ وَالِاثْنَانِ لَا خِلَافَ في تَأْثِيرِهِمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وروى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَسَّرَهُمَا بِشَرْطَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَيْسَا من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ وَلَا مُقْتَضَاهُ وهو الْمَذْهَبُ على ما تَقَدَّمَ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ هُمَا شَرْطَانِ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ أو فَاسِدَيْنِ أو من غَيْرِ مَصْلَحَةٍ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وكذا قال بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِشَرْطٍ على الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ لَا يَصِحُّ
وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ إذَا أَجَّرَ هذه الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فإذا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ فَسَخْتهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْخُلْعِ وهو فَسْخٌ صَحِيحٌ على الْأَصَحِّ
قال في الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي في الْإِقْرَارِ لو قال بِعْتُك إنْ شِئْت فَشَاءَ وَقَبِلَ صَحَّ
وَيَأْتِي في الْخُلْعِ تَعْلِيقُهُ على شَيْءٍ
قَوْلُهُ في الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَحَدُهَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ كَسَلَفٍ أو قَرْضٍ أو بَيْعٍ أو إجَارَةٍ أو صَرْفٍ لِلثَّمَنِ أو غَيْرِهِ فَهَذَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ لم يَصِحَّ على الْأَصَحِّ
____________________
(4/349)
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْكَافِي وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَحْدَهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ هذه الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ الْمَنْهِيُّ عنها قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ الْبَيْعَتَانِ في بَيْعَةٍ إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبِعِشْرِينَ نَسِيئَةً جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ بَلْ هذا شَرْطَانِ في بَيْعٍ
وقال في الْعُمْدَةِ الْبَيْعَتَانِ في الْبَيْعَةِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هذا بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ أو بِعِشْرِينَ مُكَسَّرَةٍ أو يقول بِعْتُك هذا على أَنْ تَبِيعنِي هذا أو تَشْتَرِيَ مِنِّي هذا انْتَهَى فَجَمَعَ فِيهِمَا بين الرِّوَايَتَيْنِ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد إنْ اشْتَرَاهُ بِكَذَا إلَى شَهْرٍ كُلَّ جُمُعَةٍ دِرْهَمَانِ قال هذا بَيْعَانِ في بَيْعٍ وَرُبَّمَا قال بَيْعَتَانِ في بَيْعَةٍ
قَوْلُهُ الثَّانِي شَرْطُ ما يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَحْوُ أَنْ يَشْرِطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عليه أو مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعَ وَإِلَّا رَدَّهُ أو أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَعْتِقَ أو إنْ أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ له أو يَشْرِطُ أَنْ يَفْعَلَ ذلك فَهَذَا بَاطِلٌ في نَفْسِهِ
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إلَّا ما اسْتَثْنَى وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَتَأْتِي الرِّوَايَةُ في ذلك وَالْكَلَامُ عليها
وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ
____________________
(4/350)
وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال الْقَاضِي الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ لو شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بها فَنَصَّ أَحْمَدُ على الصِّحَّةِ وقال وَنُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ بِصِحَّةِ هذا الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ وَمَنْعِ الْوَطْءِ وَذَكَرَ نُصُوصًا كَثِيرَةً
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ الْفَسْخُ أو أَرْشُ ما نَقَصَ من الثَّمَنِ بِإِلْغَائِهِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَخْتَصُّ ذلك بِالْجَاهِلِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ دُونَ الْعَالِمِ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ
وقيل ( ( ( قيل ) ) ) لَا أَرْشَ له بَلْ يَثْبُتُ له الْخِيَارُ بين الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لَا غَيْرُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ الْعِتْقَ فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهَا في التَّصْحِيحِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ قال في النَّظْمِ وهو الْأَقْوَى
____________________
(4/351)
قال الزَّرْكَشِيُّ في الْكَفَّارَاتِ الْمَذْهَبُ من الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُ ذلك وَصِحَّتُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ في الْكَفَّارَاتِ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَيَبْطُلُ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْبَرُ عليه إنْ أَبَاهُ كما قال الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَالنَّذْرِ وهو الصَّحِيحُ
قال النَّاظِمُ هو الْأَقْوَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ
وَقِيلَ هو حَقٌّ لِلْبَائِعِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ
فَيَثْبُتُ له خِيَارُ الْفَسْخِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ مَجَّانًا وَلَهُ الْأَرْشُ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ ولم يُعْتِقْهُ
نَقَلَ الْأَثْرَمُ إنْ أَبَى عِتْقَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَإِنْ أَمْضَى فَلَا أَرْشَ في الْأَصَحِّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو امْتَنَعَ من الْعِتْقِ وَأَصَرَّ فقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يَعْتِقَهُ الْحَاكِمُ عليه فَلَوْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي وَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَيْضًا لم يَصِحَّ قَدَّمَهُ في نِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي لِلتَّسَلْسُلِ وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ
وَقِيلَ يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ وقال عِنْدِي أَنَّ هذا الْخِلَافَ مُرَتَّبٌ على أَنَّ الْحَقَّ هل هو لِلَّهِ وَيُجْبَرُ عليه إنْ أَبَى أو لِلْبَائِعِ فَعَلَى
____________________
(4/352)
الْأَوَّلِ هو كَالْمَنْذُورِ عِتْقُهُ وَعَلَى الثَّانِي يَسْقُطُ الْفَسْخُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فإن هذا الشَّرْطَ يَنْقُصُ بِهِ الثَّمَنُ عَادَةً
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ له الْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَنْهُ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً وَشَرَطَ على الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بها بِالثَّمَنِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ مع فَسَادِ الشَّرْطِ
يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ هذه الرِّوَايَةِ صِحَّةُ الشَّرْطِ لِسُكُوتِهِ عن فَسَادِهِ فَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ
رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عنه أَنَّهُ قال هو في مَعْنَى حديث النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا شَرْطَانِ في بَيْعٍ يَعْنِي أَنَّهُ فَاسِدٌ
وَرَوَى عنه إسْمَاعِيلُ أَنَّهُ قال الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَاتَّفَقَ عُمَرُ وبن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما على صِحَّتِهِ
قال الْمُصَنِّفُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ على فَسَادِ الشَّرْطِ وفي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ على جَوَازِ الْبَيْعِ فيكون ( ( ( فكون ) ) ) الْبَيْعِ صَحِيحًا وَالشَّرْطِ فَاسِدًا وهو مُوَافِقٌ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نُقِلَ عن بن سَعِيدٍ فِيمَنْ بَاعَ شيئا وَشَرَطَ عليه إنْ بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ
وَسَأَلَهُ أبو طَالِبٍ عَمَّنْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَرَّى بها لَا لِلْخِدْمَةِ قال لَا بَأْسَ بِهِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ روى ( ( ( وروي ) ) ) عنه نَحْوُ عِشْرِينَ نَصًّا على صِحَّةِ هذا الشَّرْطِ
قال وَهَذَا من أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَرَطَ على الْبَائِعِ فِعْلًا أو تَرْكًا في الْبَيْعِ مِمَّا هو مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ أو لِلْمَبِيعِ نَفْسِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْعِتْقِ
فَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ هذا الشَّرْطِ بَلْ اخْتَارَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ
____________________
(4/353)
في كل عَقْدٍ وَكُلِّ شَرْطٍ لم يُخَالِفْ الشَّرْعَ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ وَالصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ كَالنَّذْرِ وَكَمَا يَتَنَاوَلُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ انْتَهَى
وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ في صِحَّةِ هذا الشَّرْطِ وَلُزُومِهِ رِوَايَتَيْنِ
وَنَقَلَ حَرْبٌ ما نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لَا بَأْسَ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو شَرَطَ على الْمُشْتَرِي وَقْفَ الْمَبِيعِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْبَيْعِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ إذَا شرطه ( ( ( شرط ) ) ) على الْمُشْتَرِي كما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ مَحَلُّ هذه الشُّرُوطِ أَنْ تَقَعَ مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ
قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ شَرَطَ ما يُنَافِي مُقْتَضَاهُ قال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ في الْعَقْدِ وقال بَعْدَ ذلك بِأَسْطُرٍ وَيَعْتَبِرُ مُقَارَنَةَ الشَّرْطِ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالنِّكَاحِ
وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا شَرَطَ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ شَرْطًا في أَوَّلِ بَابِ شُرُوطِ النِّكَاحِ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا وَنَحْوَهُ
مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِيَارًا أو أَجَلًا مَجْهُولَيْنِ أو نَفْعَ بَائِعٍ وَمَبِيعٍ إنْ لم يَصِحَّا أو تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ بِلَا انْتِفَاعٍ وَكَذَا فِنَاءُ الدَّارِ لَا بِحَقِّ طَرِيقِهَا فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ على وَجْهَيْنِ
بِنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ في شَرْطِ ما يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وقد عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الْبُطْلَانِ
____________________
(4/354)
فَائِدَةٌ لو عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ على بَيْعِهِ فَبَاعَهُ عَتَقَ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ ولم يُنْقَلْ عنه في ذلك خِلَافٌ انْتَهَى
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ من حَيْثُ الْجُمْلَةِ
وقال في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ على قَوْلِ أَصْحَابِنَا
وَتَرَدَّدَ فيه الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَوْضِعٍ وَلَهُ فيه طَرِيقَةٌ أُخْرَى تَأْتِي
قال الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في تَخْرِيجِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ على طُرُقٍ
أَحَدُهَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لم يُنْقَلْ من الْبَائِعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَأَمَّا على الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ وهو الصَّحِيحُ فَلَا يُعْتَقُ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو احْتِمَالٌ في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
قال بن رَجَبٍ وفي هذه الطَّرِيقَةِ ضَعْفٌ وَبَيَّنَهُ
الثَّانِي أَنَّ عِتْقَهُ على الْبَائِعِ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ له فلم تَنْقَطِعْ عَلَقَتُهُ عن الْمَبِيعِ بَعْدُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ
الثَّالِثُ أَنْ يَعْتِقَ على الْبَائِعِ عَقِبَ إيجَابِهِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ طَرِيقَةُ بن أبي مُوسَى وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ على بَيْعِهِ وَبَيْعُهُ الصَّادِرُ منه هو الْإِيجَابُ فَقَطْ وَلِهَذَا سُمِّيَ بَائِعًا
قال بن رَجَبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وهو كما قال
الرَّابِعُ أَنَّهُ يُعْتَقُ على الْبَائِعِ في حَالَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَتَرَتَّبُ على الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الْعِتْقِ فَيَتَدَافَعَانِ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ دُونَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ
____________________
(4/355)
قال بن رَجَبٍ وَيَشْهَدُ له تَشْبِيهُ أَحْمَدَ له بِالْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيَّةِ
الْخَامِسُ أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ وَانْتِقَالِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِالْعِتْقِ على الْبَائِعِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَتَشْبِيهُهُ بِالْوَصِيَّةِ
وَسَلَكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ طَرِيقًا سَادِسًا فقال إنْ كان الْمُعَلَّقُ لِلْعِتْقِ قَصْدَهُ الْيَمِينَ دُونَ التَّبَرُّرِ بِعِتْقِهِ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ خَرَجَ عن مِلْكِهِ فَبَقِيَ كَنَذْرِهِ إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّرَ صَارَ عِتْقًا مُسْتَحَقًّا كَالنَّذْرِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا على ( ( ( في ) ) ) صُورَةِ الْبَيْعِ كما لو قال لِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا بِعْته فعلى عِتْقُ رَقَبَةٍ أو قال لِأُمِّ وَلَدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ انْتَهَى كَلَامُ بن رَجَبٍ
فَلَقَدْ أَجَادَ وَأَفَادَ وَلَهُ على هذه الطُّرُقِ اعْتِرَاضَاتٌ وَمُؤَاخَذَاتٌ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هُنَا وَذَلِكَ في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ
وَيَأْتِي في أَوَاخِرِ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحَمْلِ لو قال لِعَبْدِهِ إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ أو فَأَنْتَ حُرٌّ سَاعَةَ إقْرَارِي
قَوْلُهُ الثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك إنْ جِئْتنِي بِكَذَا أو إنْ رضي فُلَانٌ
فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْفَائِقِ فَفَاسِدٌ قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِكَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ ثُمَّ قال وَنُقِلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَعْلِيقُهُ فِعْلًا منه قال شَيْخُنَا هو صَحِيحٌ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى
قَوْلُهُ أو يقول لِلْمُرْتَهِنِ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك يَعْنِي مَبِيعًا بِمَا لَك عِنْدِي من الْحَقِّ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الشَّرْطُ في الرَّهْنِ
____________________
(4/356)
وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَنُصَّ عليه بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَبْطُلُ الثَّانِي وَإِنْ لم يَأْتِهِ صَارَ له وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ
قَالَهُ في الْفَائِقِ وقال قُلْت فَعَلَيْهِ غَلْقُ الرَّهْنِ اسْتِحْقَاقُ الْمُرْتَهِنِ له بِوَضْعِ الْعَقْدِ لَا بِالشَّرْطِ كما لو بَاعَهُ منه ذَكَرَهُ في بَابِ الرَّهْنِ
وَأَمَّا صِحَّةُ الرَّهْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ يَأْتِيَانِ مع الشَّرْطِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الرَّهْنِ في آخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قَبِلَ الْمُرْتَهِنُ ذلك فَهُوَ امانة عِنْدَهُ إلَى ذلك الْوَقْتِ ثُمَّ يَصِيرُ مَضْمُونًا لِأَنَّ قَبْضَهُ صَارَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ بن هَارُونَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ
الثَّانِيَةُ يَصِحُّ شَرْطُ رَهْنِ المبيع ( ( ( البيع ) ) ) على ثَمَنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فيقول بِعْتُك على أَنْ تَرْهَنَهُ بِثَمَنِهِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي
وَلَوْ قال إنْ أو إذَا رَهَنْتَنِيهِ فَقَدْ بِعْتُك فبيع ( ( ( فقد ) ) ) معلق ( ( ( علق ) ) ) بِشَرْطٍ
وَأَجَابَ أبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ إنْ قال بِعْتُك على أَنْ تَرْهَنَنِي لم يَصِحَّ وَإِنْ قال إذَا رَهَنْتَنِيهِ على ثَمَنِهِ وهو كَذَا فَقَدْ بِعْتُك فقال اشْتَرَيْت وَرَهَنْتهَا عِنْدَك على الثَّمَنِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالرَّهْنُ
قَوْلُهُ إلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ بَيْعَ الْعُرْبُونِ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
____________________
(4/357)
وَنُصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ لَا يَصِحُّ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
قال الْمُصَنِّفُ وهو الْقِيَاسُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
لَكِنْ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْمَنْصُوصُ الصِّحَّةُ في الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ
قَوْلُهُ وهو أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا وَيَقُولَ إنْ أَخَذْته وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ لَك
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ هذه صِفَةُ بَيْعِ الْعُرْبُونِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ وَقَّتَ أو لم يُوَقِّتْ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ الْعُرْبُونُ أَنْ يَقُولَ إنْ أَخَذْت الْمَبِيعَ وَجِئْت بِالْبَاقِي وَقْتَ كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ إجَارَةُ الْعُرْبُونِ كَبَيْعِ الْعُرْبُونِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الدِّرْهَمَ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُؤَجِّرِ إنْ لم يَأْخُذْ السِّلْعَةَ أو يَسْتَأْجِرَهَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّاظِمُ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَالَهُ شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ
وقال في الْمَطْلَعِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَرْدُودًا إلَيْهِ إنْ لم يَتِمَّ الْبَيْعُ وَلِلْبَائِعِ مَحْسُوبًا من الثَّمَنِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ ولم أَرَ من وَافَقَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال بِعْتُك على أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ نُصَّ عليه
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ صَحِيحَانِ فَإِنْ
____________________
(4/358)
مضي الزَّمَنُ الذي وَقَّتَهُ له ولم يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِفَوَاتِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ من كل عَيْبٍ لم يَبْرَأْ
وَكَذَا لو بَاعَهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ من عَيْبٍ كَذَا إنْ كان وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال أبو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُطُ كَالشُّفْعَةِ وَاعْتَمَدَ عليه في عُيُونِ الْمَسَائِلِ
وَعَنْهُ يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ فَكَتَمَهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَنَقَلَ بن هَانِئٍ إنْ عَيَّنَهُ صَحَّ
وَمَعْنَاهُ نَقَلَ بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْعُيُوبِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُرْفَقٌ في الْبَيْعِ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ
وقال في الِانْتِصَارِ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا نَظَرُ الصِّحَّةِ كَالْبَرَاءَةِ من الْمَجْهُولِ وَذَكَرَهُ هو وَغَيْرُهُ رِوَايَةً وَذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا وهو تَخْرِيجٌ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ خَرَّجَ أَصْحَابُنَا الصِّحَّةَ من الْبَرَاءَةِ من الْمَجْهُولِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لم يَبْرَأْ أَنَّ هذا الشَّرْطَ لَا تَأْثِيرَ له في الْبَيْعِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
____________________
(4/359)
وَقِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهِ وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ
قال الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَفْسُدُ بها الْعَقْدُ فَيَدْخُلُ فيها هذا الْبَيْعُ انْتَهَى
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَيْبَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ سَوَاءٌ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ في عَيْبٍ بَاطِنٍ وَخَرَجَ لَا يُعْرَفُ عَوَرُهُ احْتِمَالَانِ
وقال أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهُ على أَنَّهُ بِهِ وَأَنَّهُ بَرِيءٌ منه صَحَّ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا على أنها عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ
وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قال النَّاظِمُ وهو اولى وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَعَنْهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَا تَفْرِيعَ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إلْزَامُهُ لِلْبَائِعِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ
أَنَّهُ سَوَاءٌ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ الزَّائِدَ مَجَّانًا أو لَا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
____________________
(4/360)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الْفَسْخِ إذَا لم يُعْطِهِ الزَّائِدَ مَجَّانًا وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ مَجَّانًا فَلَيْسَ له الْفَسْخُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّفَقَا على إمْضَائِهِ جَازَ
يَعْنِي على إمْضَاءِ الْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ وَقَسْطُ الزَّائِدِ فَإِنْ رضي الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ له بِالذِّرَاعِ وَهَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
أحدهما له الْفَسْخُ قال الشَّارِحُ أَوْلَاهُمَا له الْفَسْخُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا خِيَارَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي فإنه رَدَّ تَعْلِيلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةَ اذرع فَهُوَ بَاطِلٌ
وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ
وَعَنْهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في ( ( ( والمذهب ) ) ) المذهب وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَا تَفْرِيعَ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ النَّقْصُ على الْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بين الْفَسْخِ وَأَخْذِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ
وَإِنْ اتَّفَقَا على تَعْوِيضِهِ عنه جَازَ فَإِنْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بين الرِّضَى بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْفَسْخِ فَإِنْ بَذَلَ له الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ لم يَمْلِكْ الْفَسْخَ
____________________
(4/361)
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا بَاعَهُ على أَنَّهُ عَشَرَةٌ فَبَانَ أَحَدَ عَشَرَ أو تِسْعَةً حُكْمُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ على ما تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
الثَّانِيَةُ لو بَاعَهُ صُبْرَةً على أنها عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ مُشَاعًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي
وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيُنْقِصُ من الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ وَلَا خِيَارَ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ له الْخِيَارُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّالِثَةُ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يُمْلَكُ بِهِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فيه من الطَّلَاقِ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ في يَدِهِ وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ نَقْصَهُ وَإِنْ تَلِفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ
وَإِنْ كانت أمه فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عليه وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يوم وَضْعِهِ وَإِنْ سَقَطَ مَيِّتًا لم يَضْمَنْ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ
وَإِنْ مَلَكَهَا الواطىء ( ( ( الواطئ ) ) ) لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بَلَى قال ذلك كُلَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
وَيَأْتِي هذا بِأَتَمَّ منه في أَوَاخِرِ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
(4/362)
بَابُ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ يُسْتَثْنَى من عُمُومِ قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيَثْبُتُ في الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ
فَإِنَّهَا بَيْعٌ وَلَا يَثْبُتُ فيها خِيَارُ الْمَجْلِسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وقد ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي في ذلك الْبَابِ
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِكَلَامِهِ في الْكِتَابَةِ
الثَّانِي يستثني أَيْضًا لو تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فإنه لَا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الْمَجْلِسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ والرعاية ( ( ( الرعاية ) ) ) الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وصححه ( ( ( صححه ) ) ) في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَثْبُتُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قال الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ وهو الصَّحِيحُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمَوْضِعِ الذي وَقَعَ الْعَقْدُ فيه على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ والفائق ( ( ( الفائق ) ) ) وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَحْصُلُ اللُّزُومُ إلَّا بِقَوْلِهِ اخْتَرْت لُزُومَ الْعَقْدِ وَنَحْوُهُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
الثَّالِثُ وكذلك حُكْمُ الْهِبَةِ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهَا وَاحِدٌ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لو اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ له وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
____________________
(4/363)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا خِيَارَ له
قال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ الظَّاهِرُ من الْمَذْهَبِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ في شِرَاءِ من يُعْتَقُ عليه وَجَزَمَ به بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
الْخَامِسُ وَكَذَا الْخِلَافُ في حَقِّ الْبَائِعِ في هذه الْمَسْأَلَةِ
وَقِيلَ يَثْبُتُ له الْخِيَارُ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ من الْمُشْتَرِي قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وفي سُقُوطِ حَقِّ صَاحِبِهِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ في الْبَيْعِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنُصَّ عليه وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ رِوَايَةٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ في بَيْعٍ وَعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ في الْبَيْعِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان فيه خِيَارُ شَرْطٍ أو لَا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الْمَجْلِسِ
وَيَأْتِي في خِيَارِ الشَّرْطِ إنْ ابْتَدَأَهُ من حِينِ الْعَقْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَفَائِدَةِ الواجهين ( ( ( الوجهين ) ) ) هل ابْتِدَاءُ مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ من حِينِ الْعَقْدِ أو من حِينِ التَّفَرُّقِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ من حِينِ التَّفَرُّقِ
وَعَلَى الثَّانِي من حِينِ الْعَقْدِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةِ
يثبت ( ( ( ثبت ) ) ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ في الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(4/364)
وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ في إجَارَةٍ تَلِي الْعَقْدَ وهو وَجْهٌ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْوَجْهَيْنِ في الْإِجَارَةِ في الذِّمَّةِ
وَجَزَمَ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فيها
قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ في الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ
وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ يَثْبُتُ على الْأَصَحِّ قال النَّاظِمُ هذا الْأَوْلَى وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَخَصَّ الْقَاضِي الْخِلَافَ في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ في الصَّرْفِ وَتَرَدَّدَ في السَّلَمِ هل يَلْحَقُ بالصرف ( ( ( الصرف ) ) ) أو بِبَقِيَّةِ الْبِيَاعَاتِ على احْتِمَالَيْنِ
فَائِدَةٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَيَثْبُتُ في الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وما يُشْتَرَطُ فيه الْقَبْضُ في الْمَجْلِسِ كَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ على الصَّحِيحِ
وقال في الْفُرُوعِ وَعَلَى الْأَصَحِّ وما يُشْتَرَطُ فيه قَبْضٌ كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ
وَقِيلَ وَبَقِيَّةُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ رِوَايَتَانِ
قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ في سَائِرِ الْعُقُودِ إلَّا في الْمُسَاقَاةِ
وَكَذَا الْمُزَارَعَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالسَّبْقُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ والنظم ( ( ( النظم ) ) ) وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
____________________
(4/365)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَوَالَةِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
أَحَدُهُمَا لَا يَثْبُتُ فِيهِنَّ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ في غَيْرِ الْحَوَالَةِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ في الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَثْبُتُ فِيهِنَّ الْخِيَارُ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَثْبُتُ في الْحَوَالَةِ إنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ لَا إنْ قِيلَ هِيَ إسْقَاطٌ أو عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ انْتَهَى
وَعَلَى هذا الْوَجْهِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا لِلْمُحِيلِ لَا غَيْرُ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ الْخِلَافُ هُنَا في الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في كَوْنِهِمَا لَازِمَيْنِ أو جَائِزَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن حَمْدَانَ وغيرهم ( ( ( وغيره ) ) )
فَإِنْ قُلْنَا هُمَا جَائِزَانِ وهو الْمَذْهَبُ على ما يَأْتِي فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا وَإِنْ قُلْنَا هُمَا لَازِمَانِ دَخَلَهُمَا الْخِيَارُ
وَقِيلَ الْخِلَافُ هُنَا على الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَكَذَا حُكْمُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا جَعَالَةٌ وهو الْمَذْهَبُ فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا يدخلهما ( ( ( دخلهما ) ) ) الْخِيَارُ
وَقِيلَ الْخِلَافُ على الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
الثَّانِي شَمِلَ قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ في سَائِرِ الْعُقُودِ غير ما اسْتَثْنَاهُ مَسَائِلُ منها الْهِبَةُ وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كانت بِعِوَضٍ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ على أنها هل تَصِيرُ بَيْعًا
____________________
(4/366)
أو يَغْلِبُ فيها حُكْمُ الْهِبَةِ على ما يَأْتِي في أَوَّلِ بَابِ الْهِبَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيهِمَا
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ شَرَطَ فيها عِوَضًا فَهِيَ كَالْبَيْعِ
فَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ فيها
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لم تَدْخُلْ هذه الْمَسْأَلَةُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا نَوْعٌ من الْبَيْعِ على الصَّحِيحِ وهو أَوْلَى
وقال الْقَاضِي الْمَوْهُوبُ له يَثْبُتُ له الْخِيَارُ على التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ
وقال بن عَقِيلٍ الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَقْبَضَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ فإذا أَقْبَضَ فَلَا خِيَارَ له وَكَذَا قال غَيْرُهُ
وَإِنْ كانت بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ لَا يَثْبُتُ فيها خِيَارٌ اسْتِغْنَاءً بِجَوَازِهَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ
وَمِنْهَا الْقِسْمَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فيها وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ على الصَّحِيحِ فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كان فيها رَدٌّ احْتَمَلَ أَنْ يَدْخُلَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وفي الْأَصَحِّ وفي قِسْمَةٍ
وَقَطَعَ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وبن الزَّاغُونِيِّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فيها مُطْلَقًا وَقَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ إنْ كان فيها رَدٌّ فَهِيَ كَالْبَيْعِ يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ مَعًا وَإِنْ لم يَكُنْ فيها رَدٌّ وَعَدَلَتْ السِّهَامُ وَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ نُظِرَتْ فَإِنْ كان الْقَاسِمُ
____________________
(4/367)
الْحَاكِمَ فَلَا خِيَارَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَإِنْ كان أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لم يَدْخُلْهَا خِيَارٌ لِأَنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ وَلَيْسَتْ ببيع ( ( ( بيع ) ) ) انْتَهَى وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا
وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ فَلَا يَثْبُتُ فيها خِيَارُ الْمَجْلِسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا فَسْخٌ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ ثَبَتَ
وقال في التَّلْخِيصِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَثْبُتَ وَيَأْتِي ذلك في الْإِقَالَةِ
وَمِنْهَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا خِيَارَ فيها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ في الشُّفْعَةِ
وَقِيلَ فيها الْخِيَارُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ
وَمِنْهَا سَائِرُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ غير ما تَقَدَّمَ كَالنِّكَاحِ وَالْوَقْفِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ والعتق ( ( ( العتق ) ) ) على مَالِ والرهن ( ( ( الرهن ) ) ) وَالضَّمَانُ وَالْإِقَالَةُ لِرَاهِنٍ وَضَامِنٍ وَكَفِيلٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ في شَيْءٍ من ذلك خِيَارُ الْمَجْلِسِ
وَذَكَرَ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِيمَا إذَا قالت طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فقال طَلَّقْتُك بها طَلْقَةً احْتِمَالَيْنِ احدهما عَدَمُ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَالثَّانِي يَثْبُتُ له الْخِيَارُ في الِامْتِنَاعِ من قَبْضِ الْأَلْفِ لِيَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا
وَمِنْهَا جَمِيعُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالْجَعَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْعَارِيَّةِ والوديعة ( ( ( الوديعة ) ) ) وَالْوَصِيَّةِ قبل الْمَوْتِ وَنَحْوُ ذلك فَلَا يَثْبُتُ فيها خِيَارُ الْمَجْلِسِ
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مالم يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا
التَّفَرُّقَ الْعُرْفِيَّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقد ضَبَطَ ذلك بِعُرْفِ كل مَكَان بِحَسْبِهِ فَلَوْ كان في فَضَاءٍ وَاسِعٍ او مَسْجِدٍ كَبِيرٍ أو سُوقٍ فَقِيلَ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ
____________________
(4/368)
يَمْشِيَ أَحَدِهِمَا مُسْتَدْبِرًا صَاحِبَهُ خُطُوَاتٍ جَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ بَلْ يَبْعُدُ عنه بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ عَادَةً جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالنَّظْمِ
وَإِنْ كَانَا في سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ صَعِدَ أَحَدُهُمَا على اعلاها وَنَزَلَ الْآخَرُ إلَى أَسْفَلِهَا وَإِنْ كانت صغيره خَرَجَ أَحَدُهُمَا منها وَمَشَى
وَإِنْ كَانَا في دَارٍ كَبِيرَةٍ فَتَحْصُلُ الْمُفَارَقَةُ بِخُرُوجِهِ من بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ أو إلَى مَجْلِسٍ أو صِفَةٍ وَنَحْوُ ذلك بِحَيْثُ يُعَدُّ مُفَارِقًا وَإِنْ كانت صَغِيرَةً فَإِنْ صَعِدَ أَحَدُهُمَا السَّطْحَ أو خَرَجَ منها فَقَدْ فَارَقَهُ
وَلَوْ أَقَامَا في مَجْلِسٍ وَبَنَى بَيْنَهُمَا حاجز ( ( ( حاجزا ) ) ) من حَائِطٍ أو غَيْرِهِ لم يَعُدْ تَفَرُّقًا جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ
التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَجْوَدُ وَهِيَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ في جَمِيعِ مَسَائِل الْإِكْرَاهِ فَقِيلَ يَحْصُلُ بِالْعُرْفِ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ لَا يَحْصُلُ بِهِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ
فَعَلَيْهِ يَبْقَى الْخِيَارُ في مَجْلِسٍ زَالَ عنهما الْإِكْرَاهُ فيه حتى يُفَارِقَاهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ أَمْكَنَهُ ولم يَتَكَلَّمْ بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِلَّا فَلَا وهو احْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ
____________________
(4/369)
الطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ حَصَلَ الْإِكْرَاهُ لَهُمَا جميعا انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا فَالْخِلَافُ فيه وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَذَكَرَ في الْأُولَى احْتِمَالًا
وقال في الْفُرُوعِ وَلِكُلٍّ من الْبَائِعَيْنِ الْخِيَارُ ما لم يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا عُرْفًا وَلَوْ كَرِهَا وفي بَقَاءِ خِيَارِ الْمُكْرَهِ وَجْهَانِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ ذَكَرَ بن عَقِيلٍ من صُوَرِ الْإِكْرَاهِ لو رَأَيَا سَبُعًا أو ظَالِمًا خَافَاهُ فَهَرَبَا منه أو حَمَلَهُمَا سَيْلٌ أو رِيحٌ وَفَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَبْطُلُ في هذه الصُّوَرِ وَجَزَمَ بِمَا قال بن عَقِيلٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَنُصَّ عليه
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو مَاتَ احدهما في خِيَارِ الْمَجْلِسِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ نُصَّ عليه جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
وقال في الرِّعَايَةِ بَطَلَ الْخِيَارُ إنْ قُلْنَا لَا يُورَثُ وَإِنْ قُلْنَا يُورَثُ لم يَبْطُلْ انْتَهَى
وَيَأْتِي هل يُورَثُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا عِنْدَ إرْثِ خِيَارِ الشَّرْطِ
وَأَمَّا خِيَارُ صَاحِبِهِ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا يَبْطُلُ إنْ قُلْنَا يُورَثُ وَإِلَّا بَطَلَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ
الثَّانِيَةُ لو جُنَّ قبل الْمُفَارَقَةِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ على خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ على الصَّحِيحِ
____________________
(4/370)
من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وَقِيلَ وَلِيُّهُ أَيْضًا يَلِيهِ في حَالِ جُنُونِهِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وقال الشَّارِحُ إنْ جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه قام أَبُوهُ أو وَصِيُّهُ أو الْحَاكِمُ مَقَامَهُ
وَقِيلَ من أُغْمِيَ عليه قام الْحَاكِمُ مَقَامَهُ
الثَّالِثَةُ لو خَرِسَ أَحَدُهُمَا قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ نُطْقِهِ فَإِنْ لم تُفْهَمْ إشَارَتُهُ قام وَلِيُّهُ مَقَامَهُ
الرَّابِعَةُ خِيَارُ الشَّرْطِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا إذَا جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه أو خَرِسَ
الْخَامِسَةُ لو أَلْحَقَ بِالْعَقْدِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِهِ لم يَلْحَقْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الْفَائِقِ وَيَتَخَرَّجُ لُحُوقُهُ من الزِّيَادَةِ وَبَعْدَهُ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في الرَّهْنِ وَالصَّدَاقِ
السَّادِسَةُ تَحْرُمُ الْفُرْقَةُ خَشْيَةَ الِاسْتِقَالَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَتَحْرُمُ على الْأَصَحِّ قال في الْفَائِقِ لَا تَحِلُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ مَشَى أَحَدُهُمَا أو فَرَّ لِيَلْزَم الْعَقْدُ قبل اسْتِقَالَةِ الْآخَرِ وَفَسْخِهِ وَرِضَاهُ حَرُمَ وَبَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ في الْأَشْهَرِ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالْقَوَاعِدِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ ما لم يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا
____________________
(4/371)
أَنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قال في مَوْضِعٍ ما يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ الْبَابِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَايَعَا على أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا أو يَسْقُطُ الْخِيَارُ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ ومسبوك ( ( ( مسبوك ) ) ) الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِيهِمَا وهو الْمَذْهَبُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَسْقُطُ على الْأَقْيَسِ قال في الْفَائِقِ يَسْقُطُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ والفروع ( ( ( الفروع ) ) ) وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا يَسْقُطُ في الْأُولَى وَيَسْقُطُ في الثَّانِيَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ لو أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ أو قال لَا خِيَارَ بَيْنَنَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا شُرِطَ فيه أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْأَظْهَرُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقِيلَ يَبْطُلُ الْعَقْدُ
فَائِدَةٌ لو قال لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ سَقَطَ خِيَارُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/372)
وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا
وَأَمَّا السَّاكِتُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ في خِيَارِ الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ فيها وَإِنْ طَالَتْ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فَلَوْ بَاعَهُ ما لَا يَبْقَى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَطَعَامٍ رَطْبٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا فقال الْقَاضِي يَصِحُّ الْخِيَارُ وَيُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهُ إلَى الْمُدَّةِ
قُلْت لو قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَكَانَ مُتَّجَهًا وهو أَوْلَى
ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ عن الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ قال يَتَوَجَّهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ من وَجْهٍ في الْإِجَارَةِ أَيْ من وَجْهِ عَدَمِ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْخِيَارِ في الْإِجَارَةِ تَلِي الْعَقْدَ قال وَمِنْهُ إنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَجُوزُ
وَهُمَا على خِيَارِهِمَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَاهُ أو تَنْتَهِيَ مُدَّتُهُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لو شَرَطَهُ إلَى الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ في الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ في الْعَادَةِ وَلَا يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ السَّلَمِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ
____________________
(4/373)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ مُدَّةً على أَنْ يَثْبُتَ يَوْمًا وَلَا يَثْبُتُ يَوْمًا فَقِيلَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
وَقِيلَ يَصِحُّ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمُذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
الثانية ( ( ( الثاني ) ) ) لو شَرَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِيمَا أَقْرَضَهُ لم يَجُزْ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قُلْت وَأَكْثَرُ الناس يَسْتَعْمِلُونَهُ في هذه الْأَزْمِنَةِ وَيَتَدَاوَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا في الْبَيْعِ وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ بِلَا نِزَاعٍ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ في الْإِجَارَةِ في الذِّمَّةِ أو على مُدَّةٍ لَا تَلِي الْعَقْدَ
أنها لو وَلِيت الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ فيها خِيَارٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال في التَّلْخِيصِ وهو أَقْيَسُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَثْبُتُ قَالَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الْإِجَارَةِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/374)
الثَّانِي قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ في الْإِجَارَةِ في الذِّمَّةِ هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ لم يَجِبْ الشُّرُوعُ فيه عَقِيبَ الْعَقْدِ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ وهو الْبَيْعُ والصلح ( ( ( الصلح ) ) ) بِمَعْنَاهُ وَالْإِجَارَةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو الْمَذْهَبُ إلَّا في الْقِسْمَةِ فإنه يَثْبُتُ فيها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ الْمُجَرَّدُ في شَرْحِهِ
وقال بن عَقِيلٍ يَثْبُتُ إنْ كان فيها رَدُّ عِوَضٍ وَإِلَّا فَلَا
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَلَا يَدْخُلُ الْقِسْمَةُ خِيَارٌ إنْ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ كما قال في خِيَارِ الْمَجْلِسِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ في الْحَوَالَةِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
وَقِيلَ يَثْبُتُ في الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن الْجَوْزِيِّ
وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيمَا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ فقال خِيَارُ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِيمَا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الْمَجْلِسِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ في كل الْعُقُودِ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَاهُ إلَى الْغَدِ لم يَدْخُلْ في الْمُدَّةِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَدْخُلُ
قال في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَإِنْ قال بِعْتُك وَلِي الْخِيَارُ إلَى الْغَدِ فَلَهُ إن يَفْسَخَ إلَى أَنْ يَبْقَى من الْغَدِ أَدْنَى جَزْءٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً فَابْتِدَاؤُهَا من حِينِ الْعَقْدِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من
____________________
(4/375)
حِينِ التَّفَرُّقِ وهو وَجْهٌ وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَلَوْ قُلْنَا من حِينِ الْعَقْدِ فَصَرَّحَا بِاشْتِرَاطِهِ من حِينِ التَّفَرُّقِ أو بِالْعَكْسِ فَفِي صِحَّةِ ذلك وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا بُطْلَانُهُ في الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَصِحَّتُهُ في الثَّانِي قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا
وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت إنْ عَلِمَ وَقْتَ التَّفَرُّقِ فَهُوَ أَوَّلُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنْ جُهِلَ في الْعَقْدِ وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَكْسِهَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ وكان تَوْكِيلًا له فيه ( ( ( وفيه ) ) ) وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ جَازَ
يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا لَكِنْ إذَا شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ فَتَارَةً يقول له الْخِيَارُ دُونِي وَتَارَةً يقول الْخِيَارُ لي وَلَهُ وَتَارَةً يَجْعَلُ الْخِيَارَ له وَيُطْلَقُ
فَإِنْ قال له الْخِيَارُ دُونِي فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ صِحَّتُهُ واختاره ( ( ( واختار ) ) ) الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
فَعَلَى هذا هل يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْوَكِيلِ أو يَكُونُ له وَلِلْمُوَكِّلِ ويلغى قَوْلَهُ دُونِي تَرَدَّدَ شَيْخُنَا في حَوَاشِيهِ
قال في الْفُرُوعِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ وَلِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُمَا قَالَا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فَعَلَى هذا يَكُونُ الْفَسْخُ لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْمُشْتَرِطِ وَوَكِيلِهِ الذي شَرَطَ له الْخِيَارَ
وَإِنْ قال الْخِيَارُ لي وَلَهُ صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(4/376)
وَإِنْ جَعَلَ الْخِيَارَ له وَأَطْلَقَ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
قال في الْفَائِقِ وقال الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وكان تَوْكِيلًا له فيه
حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ يَكُونُ خِيَارُ الْفَسْخِ له وَلِمُوَكِّلِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ
قال في الْفُرُوعِ وَيَكُونُ تَوْكِيلًا لِأَحَدِهِمَا في الْفَسْخِ وَقِيلَ لِلْمُوَكِّلِ إنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا انْتَهَى
وَهِيَ عِبَارَةٌ مُشْكِلَةٌ وَالْخِلَافُ هُنَا لَا يَأْتِي فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّا حَيْثُ جَعَلْنَاهُ تَوْكِيلًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ في شَيْءٍ يَسُوغُ له فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ تَوْكِيلًا لِأَحَدِهِمَا في الْفَسْخِ لَعَلَّهُ أرادا ( ( ( أراد ) ) ) كلا مِنْهُمَا يَعْنِي في الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وهو مُشْكِلٌ أَيْضًا
وَلِشَيْخِنَا على هذا كَلَامٌ كَثِيرٌ في حَوَاشِيهِ لم يَثْبُتْ فيه على شَيْءٍ
فَائِدَةٌ أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَيَخْتَصُّ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ الْحَاضِرُ فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ في الْمَجْلِسِ وَحَجَرَ على الْوَكِيلِ في الْخِيَارِ رَجَعَتْ حَقِيقَةُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ في أَظْهَرْ الِاحْتِمَالَيْنِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْوَكَالَةِ
وَيَأْتِي هُنَاكَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بهذا
قَوْلُهُ وَلِمَنْ له الْخِيَارُ الْفَسْخُ من غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقُوا
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
____________________
(4/377)
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ له الْفَسْخَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالشَّفِيعِ
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ الذي لَا يَعْدِلُ عنه خُصُوصًا في زَمَنِنَا هذا وقد كَثُرَتْ الْحِيَلُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ من أَطْلَقَ على ذلك وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ من عَزْلِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَفْسَخُ في غَيْبَتِهِ حتى يَبْلُغَهُ في الْمُدَّةِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن من له الْخِيَارُ يَتَصَرَّفُ في الْفَسْخِ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يَفْسَخَاهُ بَطَلَ خِيَارُهُمَا
يَعْنِي وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ضُرِبَتْ لِحَقٍّ له لَا لِحَقٍّ عليه فلم يَلْزَمْ الْحُكْمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمُضِيِّ الْأَجَلِ في حَقِّ المولي
فَعَلَى هذا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُؤْمَرُ بِالْفَسْخِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ فَسَخَ عليه الْحَاكِمُ كما قُلْنَا في المولي على ما يَأْتِي
قَوْلُهُ وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ الذي عليه الْأَصْحَابُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال في الْمُحَرَّرِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْفَائِقِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وإذا ثَبَتَ الْمِلْكُ في الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي ثَبَتَ في الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ انْتَهَى
____________________
(4/378)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عن الْبَائِعِ حتى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ
فَعَلَيْهَا يَكُونُ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من حَكَى أَنَّ الْمِلْكَ يَخْرُجُ عن الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ إلَى الْمُشْتَرِي قال وهو ضَعِيفٌ
فَائِدَةٌ حُكْمُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ في خِيَارِ الْمَجْلِسِ حُكْمُ انْتِقَالِهِ في خِيَارِ الشَّرْطِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ
منها لو اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه أو زَوْجَتَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعْتَقُ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَثْبُتُ ذلك
وَمِنْهَا لو حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ خَرَجَ على الْخِلَافِ قَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ وقال ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَأَنْكَرَ الْمَجْدُ ذلك وقال يَحْنَثُ على الرِّوَايَتَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَمَّا الأخذ ( ( ( للأخذ ) ) ) بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَثْبُتُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
فَمِنْهُمْ من عَلَّلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لم يَسْتَقِرَّ بَعْدُ وَمِنْهُمْ من عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ من الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ لم يَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ في مُدَّتِهِ وهو تَعْلِيلُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
فَعَلَى هذا لو كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ احْتِمَالَانِ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا إذَا قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي
قال في الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا على الْمَذْهَبِ
____________________
(4/379)
قال أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ الشُّفْعَةِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا لو بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شِقْصًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ انْتِزَاعَ شِقْصِ الشَّفِيعِ من يَدِ مُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الشَّفِيعِ حَالَةَ بَيْعِهِ
وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَسْتَحِقُّهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ له
وَمِنْهَا لو بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَأَهَلَّ هِلَالُ الْفِطْرِ وهو في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْفِطْرَةُ على الْمُشْتَرِي وَعَلَى الثَّانِيَةِ على الْبَائِعِ
وَمِنْهَا لو بَاعَ نِصَابًا من الْمَاشِيَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَوْلًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ زَكَاتُهُ على الْمُشْتَرِي وَعَلَى الثَّانِيَةِ على الْبَائِعِ
وَمِنْهَا الْكَسْبُ وَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ في مُدَّتِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هو لِلْمُشْتَرِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أَمْضَيَا الْعَقْدَ أو فَسَخَاهُ
وَعَنْهُ إنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ وَعَنْهُ وَكَسْبُهُ
وَعَلَى الثَّانِي لِلْبَائِعِ وَقِيلَ هُمَا لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَهُ
وَسَتَأْتِي هذه الْمَسْأَلَةُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا مُؤْنَةُ الْمَبِيعِ من الْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ على الْمُشْتَرِي وَعَلَى الثَّانِيَةِ على الْبَائِعِ
وَمِنْهَا لو تَلِفَ الْمَبِيعُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ كان بَعْدَ الْقَبْضِ أو لم يَكُنْ فيها فَمِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي على الْمَذْهَبِ وَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ على الثَّانِيَةِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا لو تَعَيَّبَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَرُدُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غير مَضْمُونٍ على الْمُشْتَرِي لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ له الرَّدُّ بِكُلِّ حَالٍ
وَمِنْهَا لو بَاعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ جاء رَبُّهَا في
____________________
(4/380)
مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْنَا لم يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فَالرَّدُّ وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ فَوَجْهَانِ جَزَمَ في الْكَافِي بِالْوُجُوبِ
قُلْت وَيَتَوَجَّهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَتَكُونُ له الْقِيمَةُ أو الْمِثْلُ
وَمِنْهَا لو بَاعَ مُحِلٌّ صَيْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَحْرَمَ في مُدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عنه فَلَيْسَ له الْفَسْخُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ على الصَّيْدِ وهو مَمْنُوعٌ منه وَإِنْ قُلْنَا لم يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عنه فَلَهُ ذلك ثُمَّ إنْ كان في يَدِهِ الْمُشَاهَدَةُ أَرْسَلَهُ وَإِلَّا فَلَا
وَمِنْهَا لو بَاعَتْ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ قبل الدُّخُولِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عنها فَفِي لُزُومِ اسْتِرْدَادِهَا وَجْهَانِ
قُلْت الْأَوْلَى عَدَمُ لُزُومِ اسْتِرْدَادِهَا وَإِنْ قُلْنَا لم يَزُلْ عنها اسْتَرَدَّهُ وَجْهًا وَاحِدًا
وَمِنْهَا لو بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَ على الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ على الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَلْزَمُهُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ
وَمِنْهَا لو اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَاسْتَبْرَأَهَا في مُدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لم يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لم يَكْفِهِ ذلك الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ فقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا يَكْفِي
وَذَكَرَ في التَّرْغِيبِ وَالْمُحَرَّرِ وَجْهَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ
وَمِنْهَا التَّصَرُّفُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْوَطْءِ وَيَأْتِيَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا
فَائِدَةٌ الْحَمْلُ وَقْتَ الْعَقْدِ مَبِيعٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ إنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ في الْعَقْدِ وَيَأْخُذُ قِسْطًا من الْعِوَضِ وإن ( ( ( ولمن ) ) ) قُلْنَا لَا حُكْمَ له لم يَأْخُذْ
____________________
(4/381)
قِسْطًا وكان حُكْمُهُ حُكْمَ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ فَلَوْ رُدَّتْ الْعَيْنُ بِعَيْبٍ فَإِنْ قُلْنَا له حُكْمٌ رَدَّ مع الْأَصْلِ وَإِلَّا كان حُكْمُهُ حُكْمَ النَّمَاءِ
قال وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَجْزَاءِ لَا حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ فَيَجِبُ رَدُّهُ مع الْعَيْنِ وَأَنْ لَا حُكْمَ له وهو أَصَحُّ انْتَهَى
وَذُكِرَ في أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ أَنَّ الْقَاضِيَ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرَهُمَا قالوا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ له حُكْمًا انْتَهَى
وَعَنْهُ الْحَمْلُ نَمَاءٌ فَتُرَدُّ الْأُمُّ بِعَيْبٍ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ قَطَعَ بِهِ في الْوَسِيلَةِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل هو كَأَحَدِ عَيْنَيْنِ أو بَيْعٌ لِلْأُمِّ لَا حُكْمَ له فيه رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا في الْمُنْتَخَبِ في الصَّدَاقِ وقد تَقَدَّمَ كَلَامُ بن رَجَبٍ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في أَثْنَاءِ التَّفْلِيسِ وَإِنْ كانت حين الْبَيْعِ حَامِلًا ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الرُّجُوعُ فيها وفي وَلَدِهَا لِأَنَّهَا إذَا كانت حَامِلًا حين الْبَيْعِ فَقَدْ بَاعَ عَيْنَيْنِ وقد رَجَعَ فِيهِمَا
قَوْلُهُ فما حَصَلَ من كَسْبٍ أو نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فَهُوَ له أَمْضَيَا الْعَقْدَ أو فَسَخَاهُ
هذا مَبْنِيٌّ على الْمَذْهَبِ وهو أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ إنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ وعنه وَالْكَسْبُ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْبَائِعِ
وَقِيلَ هُمَا لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَهُ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْفَوَائِدِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ لو فُسِخَ الْبَيْعُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وكان له نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ فخرج ( ( ( مخرج ) ) ) في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَجْهَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في عُمَدِهِ أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ
____________________
(4/382)
لِلْعَقْدِ من أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ فيه بِلُزُومِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ
فَعَلَى هذا يَرْجِعُ بِالنَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ في الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ انْتَهَى
وَيَأْتِي في خِيَارِ الْعَيْبِ هل الْحَمْلُ وَالطَّلْعُ أو الْحَبُّ يَصِيرُ زَرْعًا زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ أو مُنْفَصِلَةٌ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ في الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْزِئَةُ الْمَبِيعِ وَإِنْ تَصَرَّفَا بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا
اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِهِمَا قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ
قال في الْفُرُوعِ وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ وَيَكُونُ رضي ( ( ( رضا ) ) ) منه بِلُزُومِهِ
وقال في الْقَوَاعِدِ وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فيه بِالِاسْتِقْلَالِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وهو الْمَذْهَبُ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ انْتَهَى
فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فَتَارَةً يَكُونُ الْخِيَارُ له وَحْدَهُ وَتَارَةً يَكُونُ غير ذلك فَإِنْ كان الْخِيَارُ له وَحْدَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ
قال في الْفُرُوعِ نَفَذَ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وقال ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ
وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى وَاحْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ
____________________
(4/383)
وَإِنْ لم يَكُنْ الْخِيَارُ له وَحْدَهُ وَتَصَرَّفَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَاهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَعَنْهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَعَنْهُ تَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى فَمَنْ بَعْدَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ فقال تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي في مُدَّةِ الْخِيَارِ له وَلِلْبَائِعِ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ انْتَهَى
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ وإذا قُلْنَا بِالْمِلْكِ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ قال في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ إذَا كان تَصَرُّفُهُ مع غَيْرِ الْبَائِعِ فَأَمَّا إنْ تَصَرَّفَ مع الْبَائِعِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ والحاويين ( ( ( الحاويين ) ) ) وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال بِنَاءً على دَلَالَةِ التَّصَرُّفِ على الرِّضَى وَلِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ احْتِمَالَانِ
وَإِنْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ كان الْخِيَارُ له وَحْدَهُ أو لَا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ وَأَمَّا نُفُوذُ التَّصَرُّفِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ على الْأَقْوَالِ كُلِّهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ من الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لم يَتَقَدَّمْهُ مِلْكٌ انْتَهَى
وَقِيلَ يَنْفُذُ إنْ قِيلَ الْمِلْكُ له وَالْخِيَارُ له قال النَّاظِمُ
% وَمَنْ أفردوه ( ( ( أفرده ) ) ) بِالْخِيَارِ يَكُنْ له % التَّصَرُّفُ يَمْضِي منه دُونَ تَصَدُّدٍ
____________________
(4/384)
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ينفذ ( ( ( وينفذ ) ) ) تَصَرُّفُ الْبَائِعِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وكان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِلْبَائِعِ وَقَطَعَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْفُذُ
تَنْبِيهٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ في تَصَرُّفِهِمَا إذَا لم يَحْصُلْ لِأَحَدِهِمَا إذْنٌ من الْآخَرِ أو تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مِنْهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أو تَصَرُّفِ وكيلهما ( ( ( وكيلها ) ) ) صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ نَفَذَ في الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَائِدَةٌ لو أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي في التَّصَرُّفِ فَتَصَرَّفَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ فَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ يُخَرَّجُ على الْوُجُوهِ التي في الْوَكِيلِ على ما يَأْتِي وَأَوْلَى وَجَزَمَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ في الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ
أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ في الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أو غَيْرِهِ إذَا قَبَضَهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِلْمَسْأَلَةِ
وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ في الثَّمَنِ كَالْمُثَمَّنِ سَوَاءٌ قُلْنَا في الْمَبِيعِ ما قُلْنَا في الثَّمَنِ أو لَا ولم يَحْكُوا في ذلك خِلَافًا لَكِنْ ذُكِرَ في الْفُرُوعِ في بَابِ التَّصَرُّفِ في الْمَبِيعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ما يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فيه وما لَا يَمْنَعُ فقال وَالثَّمَنُ الذي ليس في الذِّمَّةِ كَالْمُثَمَّنِ
وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ لِاسْتِقْرَارِهِ انْتَهَى
فَقَدْ تُؤْخَذُ هذه الْمَسْأَلَةُ من عُمُومِ كَلَامِهِ هُنَاكَ
____________________
(4/385)
وَيَأْتِي أَيْضًا فِيمَا إذَا قال لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حتى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ في فَائِدَةٌ هل له الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْدِ إذَا كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا فَهِيَ غَيْرُ هذه الْمَسْأَلَةِ التي هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إسْقَاطًا لِخِيَارِهِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَوَجْهَانِ عِنْدَ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في غَيْرِ الْوَطْءِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فيه لم يَكُنْ فَسْخًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ ليس تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا على الْأَصَحِّ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فيه وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَكُونُ فَسْخًا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْحَلْوَانِيُّ في الْكِفَايَةِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَرَجَّحَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقِيلَ تَصَرُّفُهُ بِالْوَطْءِ فَسْخٌ جَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي
قال في الْقَوَاعِدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ أَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَحَكَاهُ في الْخِلَافِ عن أبي بَكْرٍ قال ولم أَجِدْهُ فيه
وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي وَوَطْؤُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَلَمْسُهُ بِشَهْوَةٍ وَسَوْمُهُ وَنَحْوُ ذلك
____________________
(4/386)
فَهُوَ إمْضَاءٌ وَإِبْطَالٌ لِخِيَارِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَعَنْهُ لَا يَكُونُ إمْضَاءً وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِشَيْءٍ من ذلك وهو وَجْهٌ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
قال في التَّلْخِيصِ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ في تَصَرُّفِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي
لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا لِأَنَّ في طَرَفِهِ الْفَسْخَ لَا بُدَّ من تَقَدُّمِهِ على الْعَقْدِ وفي طَرَفِ الرِّضَى يَمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآخَرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وفي نُسْخَةٍ الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِمَا شَرْحُ بن مُنَجَّا وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
قال في الْوَجِيزِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لِلِاسْتِعْلَامِ لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ
فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لو اسْتَخْدَمَهُ لِغَيْرِ الِاسْتِعْلَامِ يَبْطُلُ وَعِبَارَةُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ قَوْلًا إنْ اسْتَخْدَمَهُ لِلتَّجْرِبَةِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرُوهُ قَوْلًا ثَالِثًا وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ يَشْمَلُ الِاسْتِخْدَامَ لِلتَّجْرِبَةِ وهو بَعِيدٌ
قال في الْحَاوِيَيْنِ وما كان على وَجْهِ التجربة ( ( ( التجرية ) ) ) لِلْمَبِيعِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ
____________________
(4/387)
سَيْرَهَا أو الطَّحْنِ عليها لِيَعْلَمَ قَدْرَ طَحْنِهَا أو اسْتِخْدَامِ الْجَارِيَةِ في الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
وقال في الرِّعَايَةِ وَلَهُ تَجْرِبَتُهُ وَاخْتِبَارُهُ بِرُكُوبٍ وَطَحْنٍ وَحَلْبٍ وَغَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْوَجِيزِ
قال في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَتَصَرُّفُهُ بِكُلِّ حَالٍ رضى ( ( ( رضا ) ) ) إلَّا لِتَجْرِبَةٍ
قال الشَّارِحُ فَأَمَّا ما يَسْتَعْلِمُ بِهِ الْمَبِيعَ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَخْتَبِرَ فَرَاهَتَهَا وَالطَّحْنِ على الرَّحَى لِيَعْلَمَ قَدْرَهُ وَنَحْوِ ذلك فَلَا يَدُلُّ على الرِّضَى وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ لِلِاخْتِبَارِ يَسْتَوِي فيه الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا تَشْمَلُهُ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ وَقَطَعَ بِمَا قُلْنَا في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
وَمَنْشَأُ هذا الْقَوْلِ أَنَّ حَرْبًا نَقَلَ عن أَحْمَدَ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا غَسَلَتْ رَأْسَهُ أو غَمَزَتْ رِجْلَهُ أو طَبَخَتْ له أو خَبَزَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهُ
فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ما قَصَدَ بِهِ من اسْتِخْدَامٍ أَنَّ تَجْرِبَةَ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَعْلَمَ سَيْرَهَا وما لَا يَقْصِدُ بِهِ ذلك يُبْطِلُ الْخِيَارَ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِحَاجَتِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَبَّلَتْهُ الْجَارِيَةُ ولم يَمْنَعْهَا لم يَبْطُلْ الْخِيَارُ
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ كان بِشَهْوَةٍ أو بِغَيْرِهَا
وقال أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ إنْ لم يَمْنَعْهَا وَقَدَّمَ هذه الطَّرِيقَةَ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بها في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كان لِشَهْوَةٍ أَمَّا إذَا كان لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لم يَبْطُلْ قَوْلًا وَاحِدًا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وقال نُصَّ عليه
وَحَمَلَ بن مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا وكذلك إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ
____________________
(4/388)
إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْمَبِيعَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي في مُدَّةِ الْخِيَارِ وهو الْمَذْهَبُ كما تَقَدَّمَ فَيَصِحُّ عِتْقُهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ
وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ يوم الْعِتْقِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي
فَائِدَةٌ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ عن الْبَائِعِ لو أَعْتَقَهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَالْمُشْتَرِي وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قبل قَبْضِهِ أو بَعْدَهُ فَإِنْ كان قبل قَبْضِهِ وكان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا أو مَعْدُودًا أو مَزْرُوعًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ على ما يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وكان من ضَمَانِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ من ضَمَانِهِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ وفي خِيَارِ الْبَائِعِ الرِّوَايَتَانِ
وَإِنْ كان الْمَبِيعُ غير ذلك ولم يَمْنَعْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي من قَبْضِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي على ما يَأْتِي
وَإِنْ كان تَلَفُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَهُوَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي في الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وَغَيْرُهُمَا
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَيَبْطُلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى
وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ أو مِثْلُهُ إنْ كان
____________________
(4/389)
مِثْلِيًّا اخْتَارَهَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَحَكَاهُ في مَوْضِعٍ من الْفُصُولِ عن الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهَا في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ
تَكُونُ الْقِيمَةُ وَقْتَ التَّلَفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَقِيلَ وَقْتَ الْقَبْضِ
وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ
لو انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِعَيْبٍ أو خِيَارٍ أو انْتَهَتْ مُدَّةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أو أَقْبَضَهَا الصَّدَاقَ وَطَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ فَفِي ضَمَانِهِ على من هو في يَدِهِ أَوْجُهٌ
أَحَدُهَا حُكْمُ ضَمَانِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَقْدِ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ قبل التَّسْلِيمِ إنْ كان مَضْمُونًا عليه كان مَضْمُونًا له وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفِ في الْكَافِي في آخَرَيْنِ
فَعَلَى هذا إنْ كان عِوَضًا في بَيْعٍ أو نِكَاحٍ وكان مُتَمَيِّزًا لم يُضْمَنْ على الصَّحِيحِ وَإِنْ كان غير مُتَمَيِّزٍ ضُمِنَ وَإِنْ كان في إجَارَةٍ ضَمِنَ بِكُلِّ حَالٍ
الثَّانِي إنْ كان انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِسَبَبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ من هو في يَدِهِ كَفَسْخِ الْمُشْتَرِي أو شَارَكَ فيه الْآخَرَ كَالْفَسْخِ مِنْهُمَا فَهُوَ ضَامِنٌ له وَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ الْآخَرُ كَفَسْخِ الْبَائِعِ وَطَلَاقِ الزَّوْجِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ حَصَلَ في يَدِ هذا بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا عُدْوَانٍ وَهَذَا ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ في الْمُغْنِي في مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَعَلَى هذا يَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ
الثَّالِثُ حُكْمُ الضَّمَانِ بَعْدَ الْفَسْخِ حُكْمُ ما قَبْلَهُ فَإِنْ كان مَضْمُونًا فَهُوَ
____________________
(4/390)
مَضْمُونٌ وَإِلَّا فَلَا فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَعْدَ فَسْخِهِ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ كان مَضْمُونًا على المشترى بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِالْفَسْخِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
وَمُقْتَضَى هذا ضَمَانُ الصَّدَاقِ على الْمَرْأَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ في الْإِجَارَةِ على الرَّادِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ حتى قال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ لو عَجَّلَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ انْفَسَخَتْ قبل انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فَلَهُ حَبْسُهَا حتى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا
الرَّابِعُ لَا ضَمَانَ في الْجَمِيعِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ بَعْدَ فَسْخِهِ أَمَانَةً مَحْضَةً صَرَّحَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ
الْخَامِسُ الْفَرْقُ بين أَنْ يَنْتَهِيَ الْعَقْدُ أو يُطَلِّقُ الزَّوْجُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ ففي ( ( ( في ) ) ) الْأَوَّلِ يَكُونُ أَمَانَةً مَحْضَةً لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ ارْتَفَعَ وَعَادَ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ وفي الْفَسْخِ يَكُونُ مَضْمُونًا
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ في مَسَائِلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهُ فِيمَا قبل الْفَسْخِ وَبَعْدَهُ بِالْقِيمَةِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ ذَكَرَ ذلك في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وفي الْآخَرِ حُكْمُ الْعِتْقِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وطىء الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ
____________________
(4/391)
هذا مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وهو الْمَذْهَبُ
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي في الْبَائِعِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لَا حَدَّ عليه أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ
وَتَقَدَّمَ هل يَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ يَكُونُ فَسْخًا
وَقَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ
قد تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَصَرُّفِهِ
وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ له
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَكُونُ الْمِلْكُ له في مُدَّةِ الْخِيَارِ
قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ فيه على كل حَالٍ
هذا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْمَجْدِ في مُحَرَّرِهِ وَالنَّاظِمِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَصَحَّحُوهُ في كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ هُنَاكَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن عَقِيلٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
فَعَلَى هذا يَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا ثَابِتَ النَّسَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ وَلَا مَهْرَ عليه وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له
وقال أَصْحَابُنَا عليه الْحَدُّ إذَا عُلِمَ زَوَالُ مِلْكِهِ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ وهو الْمَنْصُوصُ وهو الْمَذْهَبُ وهو من مُفْرَدَاتِهِ وَيَأْتِي ذلك في حَدِّ الزنى أَيْضًا
قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ
____________________
(4/392)
هَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ فَلَا حَدَّ عليه لِأَنَّ تَمَامَ الْوَطْءِ قد وَقَعَ في مِلْكِهِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ
وقال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عليه الْحَدُّ إذَا كان عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وهو الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وَالْأَكْثَرِينَ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْحَدِّ أَيْضًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ إذَا كان عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ أَمَّا إذَا كان جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَلَا حَدَّ عليه كما سَيَأْتِي في شُرُوطِ الزنى
فَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وأن لم يَعْلَمْ لَحِقَهُ النَّسَبُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يوم وِلَادَتِهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له
قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ ولم يُورَثْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُورَثَ كَالْأَجَلِ وَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ وَذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في مَسْأَلَةِ حَلِّ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ رِوَايَةً
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ من قَوْلِهِ ولم يُورَثْ إذَا لم يُطَالِبْ الْمَيِّتَ فَأَمَّا إنْ طَالَبَ في حَيَاتِهِ فإنه يُورَثُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
فَائِدَةٌ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَا يُورَثُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه
وَقِيلَ كَالشَّرْطِ وفي خِيَارِ صَاحِبِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ وهو الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَبْطُلُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
فَائِدَةٌ حَدُّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ في حَيَاتِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/393)
وفي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ لَا يُورَثُ حَدُّ قَذْفٍ وَلَوْ طَلَبَهُ مَقْذُوفٌ كَحَدِّ زِنًا
وَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْقَذْفِ وَيَأْتِي هل تُورَثُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ من بَابِ الشُّفْعَةِ
وَتَقَدَّمَ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ على بَيْعِهِ في الْبَابِ قَبْلَهُ في الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
قَوْلُهُ الثَّالِثُ خِيَارُ الْغَبْنِ وَيَثْبُتُ في ثَلَاثِ صُوَرٍ أَحَدُهَا إذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَاشْتَرَى منهم أو بَاعَ لهم فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا هَبَطُوا السُّوقَ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قد غُبِنُوا
أَعْلَمَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا أَنَّهُ إذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَاشْتَرَى منهم وَبَاعَ لهم أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه
وَعَنْهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَثْبُتُ لهم الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ تَلَقِّيهمْ أو لم يَقْصِدْهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا خِيَارَ لهم إلَّا إذَا قَصَدَ تَلَقِّيهمْ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قد غُبِنُوا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لهم الْخِيَارُ وَإِنْ لم يُغْبَنُوا
قَوْلُهُ غَبْنًا يَخْرُجُ عن الْعَادَةِ
يَرْجِعُ الْغَبْنُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُقَدَّرُ الْغَبْنُ بِالثُّلُثِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُثْبِتَ لِلْفَسْخِ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس بمثله وَحَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِقَدْرِ ثُلُثِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ انْتَهَى
وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِالسُّدُسِ
____________________
(4/394)
وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ ذَكَرَهُ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْغَبْنِ وَإِنْ قَلَّ قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
وقد قال أبو يَعْلَى الصَّغِيرِ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ له الْفَسْخُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَدِرْهَمٍ في عَشَرَةٍ بِالشَّرْطِ وَيَأْتِي ذلك بَعْدَ تَعَدُّدِ الْعُيُوبِ
قَوْلُهُ الثَّانِيَةُ في النَّجْشِ وهو أَنْ يَزِيدَ في السِّلْعَةِ من لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَضُرَّ الْمُشْتَرِي
أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بَيْعَ النَّجْشِ صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَبْطُلُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
وقال في التَّنْبِيهِ لَا يَجُوزُ النَّجْشُ
وَعَنْهُ يَقَعُ لَازِمًا فَلَا فَسْخَ من غَيْرِ رِضًا ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هل ينقل ( ( ( ينتقل ) ) ) الْمِلْكُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ وَسَوَاءٌ كان ذلك بِمُوَاطَأَةٍ من الْبَائِعِ أو لَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا خِيَارَ له إلَّا إذَا كان بِمُوَاطَأَةٍ من الْبَائِعِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو نَجَشَ الْبَائِعُ فَزَادَ أو وَاطَأَ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَإِنْ لم يُبْطِلْهُ في الْأَوْلَى فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وهو الصَّحِيحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وهو كَالصَّرِيحِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال هذا الْمَشْهُورُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُبْطِلُ الْبَيْعَ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(4/395)
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّجْشِ كما لو زَادَ فيه الْبَائِعُ أو وَاطَأَ عليه
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أو زَادَ زِيدَ بِإِذْنِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ
الثَّانِيَةُ لو أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا وكان زَائِدًا عَمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ لم يَبْطُلْ الْبَيْعُ وكان له الْخِيَارُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في الْإِيضَاحِ يَبْطُلُ مع عِلْمِهِ
تَنْبِيهٌ قال في الْفُرُوعِ وَقَوْلُهُمْ في النَّجْشِ لِيَغُرَّ المشترى لم يَحْتَجُّوا لِتَوَقُّفِ الْخِيَارِ عليه وقال وَفِيهِ نَظِيرٌ
وَأَطْلَقُوا الْخِيَارَ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ من الثَّمَنِ
لَكِنْ قال بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ في مَعْنَى النَّجْشِ فَيَكُونُ الْقَيْدُ مُرَادًا وَشَبَّهَ ما إذَا خَرَجَ ولم يَقْصِدْ التَّلَقِّي وَسَبَقَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ الْخِيَارُ انْتَهَى
قُلْت قال في الرِّعَايَةِ وَيَحْرُمُ أَنْ يَزِيدَ في سِلْعَةِ من لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَقِيلَ بَلْ لِيَغُرَّ مُشْتَرِيهَا الْغُرَّ بها
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وزاد الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الذي زَادَ مَعْرُوفًا بِالْحِذْقِ وَلَا بُدَّ منه انْتَهَى ولم نَرَهُ لِغَيْرِهِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وزاد بَعْضُ أَصْحَابِنَا في تَفْسِيرِهِ فقال لِيَغُرَّ الْمُشْتَرِي وهو حَسَنٌ انْتَهَى
فَائِدَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ حُكْمُ زِيَادَةِ الْمَالِكِ في الثَّمَنِ كَأَنْ يَقُولَ أَعْطَيْته في هذه السِّلْعَةِ كَذَا وهو كَاذِبٌ حُكْمُ نَجْشِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ الثَّالِثَةُ الْمُسْتَرْسِلُ
يَثْبُتُ لِلْمُسْتَرْسِلِ الْخِيَارُ إذَا غَبَنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من ( ( ( عن ) ) ) الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ
____________________
(4/396)
فَوَائِدُ
الْأُولَى الْمُسْتَرْسِلُ هو الذي لَا يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وفي لَفْظٍ عنه هو الذي لَا يُمَاكِسُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ وَلَا يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ
قال في التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا هو الذي لَا يَعْرِفُ سِعْرَ ما بَاعَهُ أو اشْتَرَاهُ
فَصَرَّحَا أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ يَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَأَنَّهُ الْجَاهِلُ بِالْبَيْعِ كما قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هو الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ بَائِعًا كان أو مُشْتَرِيًا وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ خِيَارِ التَّدْلِيسِ في حُكْمِ مَسْأَلَةٍ كما لم يُفَرِّقُوا في الْغَبْنِ بين الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ هو الْجَاهِلُ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كان بَائِعًا أو مُشْتَرِيًا
قال في الْمَذْهَبِ لو جَهِلَ الْغَبْنَ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِعَجَلَتِهِ وهو لَا يَجْهَلُ الْقِيمَةَ ثَبَتَ له الْخِيَارُ أَيْضًا وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لو عَجَّلَ في الْعَقْدِ فَغَبَنَ فَلَا خِيَارَ له انْتَهَى
وَعَنْهُ يَثْبُتُ أَيْضًا لِمُسْتَرْسِلٍ إلَى الْبَائِعِ لم يُمَاكِسْهُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ في الْمَذْهَبِ
وقال في الِانْتِصَارِ له الْفَسْخُ ما لم يُعْلِمْهُ أَنَّهُ غَالٍ وَأَنَّهُ مَغْبُونٌ فيه انْتَهَى
الثَّانِيَةُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْغَبْنِ إلَى الْمُسْتَرْسِلِ في الْإِجَارَةِ كما في الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ إذَا فَسَخَ وقد مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ يَرْجِعُ عليه بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ لَا بِقِسْطِهِ من الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لو رَجَعَ عليه بِذَلِكَ لم يَسْتَدْرِكْ ظِلَامَةَ الْغَبْنِ فَارَقَ ما لو ظَهَرَ على عَيْبٍ في الْإِجَارَةِ فَفُسِخَ فإنه يَرْجِعُ عليه بِقِسْطِهِ من الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ ظِلَامَتَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِسْطِهِ منها مَعِيبًا فَيَرْتَفِعُ عنه الضَّرَرُ بِذَلِكَ
قال الْمَجْدُ نَقَلْته من خَطِّ الْقَاضِي على ظَهْرِ الْجُزْءِ الثَّلَاثِينَ من تَعْلِيقِهِ
____________________
(4/397)
الثَّالِثَةُ الْغَبْنُ مُحَرَّمٌ نُصَّ عليه ذَكَرَهُ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُنُونِ وقال إنَّ أَحْمَدَ قال أَكْرَهُهُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وهو أَوْلَى انْتَهَى
الرَّابِعَةُ هل غَبْنُ أَحَدِهِمَا في مَهْرِ مِثْلِهِ كَبَيْعٍ أو لَا فَسْخَ فيه احْتِمَالَانِ في التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي وَالِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وفي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ
ثُمَّ فَرَّقَ وقال وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الصَّدَاقُ عِنْدَهُمْ وفي وَجْهٍ لنا بِعَيْبٍ يَسِيرٍ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ بِذَلِكَ
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَازِمًا
وَيَأْتِي قَرِيبٌ من ذلك في أَوَاخِرِ بَابِ الشُّرُوطِ في النِّكَاحِ وَبَابِ الْعُيُوبِ في النِّكَاحِ
الْخَامِسَةُ يَحْرُمُ تَغْرِيرُ مُشْتَرٍ بِأَنْ يَسُومَهُ كَثِيرًا لِيَبْذُلَ قَرِيبًا منه ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وهو الصَّوَابُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِنْ دَلَّسَ مُسْتَأْجِرٌ على مُؤَجِّرٍ وَغَيْرِهِ حتى اسْتَأْجَرَهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
وفي مُفْرَدَاتِ بن عَقِيلٍ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَقَوْلِهِ وَأَنَّهُ كَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ سَوَاءٌ ثُمَّ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ
السَّادِسَةُ لو قال عِنْدَ الْبَيْعِ لَا خِلَابَةَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ له الْخِيَارَ إذَا خَلَبَهُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَا خِيَارَ له
قَوْلُهُ الرَّابِعُ خِيَارُ التَّدْلِيسِ بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا
____________________
(4/398)
قال في الرِّعَايَةِ وكذا تَحْسِينُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَنَحْوِهَا وَتَصْنِيعُ النَّسَّاجِ وَجْهَ الثَّوْبِ وَصَقَّالِ الْإِسْكَافِ وَجْهَ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو حَصَلَ ذلك من غَيْرِ قَصْدِ التَّدْلِيسِ لَا خِيَارَ له وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَالًا إلَيْهِ
الْوَجْهُ الثَّانِي يَثْبُتُ بِذَلِكَ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَذَكَرَ من صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ تَحْمِيرُ الْوَجْهِ من الْخَجَلِ أو التَّعَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُمْرَةِ الْخَجَلِ والتعب ( ( ( أو ) ) ) وَنَحْوِهِمَا وهو أَوْلَى من الْأَوَّلِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
فَائِدَةٌ لو سَوَّدَ كَفَّ الْعَبْدِ أو ثَوْبَهُ لْيَظُنَّ أَنَّهُ كَاتِبٌ أو حَدَّادٌ أو عَلَفَ الشَّاةَ أو غَيْرَهَا لِيَظُنَّ أنها حَامِلٌ لم يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ خِيَارٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَثْبُتُ
قَوْلُهُ وَيَرُدُّ مع الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا من تَمْرٍ
يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ في الرَّدِّ بِشَرْطِهِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ على الْمُصَرَّاةِ أو نَقَصَتْ عن قِيمَةِ اللَّبَنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ الْقَمْحُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُعْتَبَرُ في كل بَلَدٍ صَاعٌ من غَالِبِ قُوتِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا عَلَّلَ أبو بَكْرٍ وُجُوبَ الصَّاعِ بِأَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِلَبَنٍ حَدَثَ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي فلما لم يَتَمَيَّزْ قَطَعَ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْمُشَاجَرَةَ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ صَاعٍ
الثَّانِيَةُ لو اشْتَرَى أَكْثَرَ من مُصَرَّاةٍ رَدَّ مع كل واحدة ( ( ( واحد ) ) ) صَاعًا صَرَّحَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/399)
قُلْت وهو دَاخِلٌ في عُمُومِ كَلَامِهِمْ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَجِدْ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ في مَوْضِعِهِ
أَيْ في مَوْضِعِ الْعَقْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ زَادَتْ على قِيمَةِ الْمُصَرَّاةِ نَصَّ عليه أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان اللَّبَنُ بِحَالِهِ لم يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
قال الْقَاضِي الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَزِمَ الْبَائِعَ قَبُولُهُ في الْأَقْيَسِ وَاقْتَصَرَ عليه
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْرُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَيَشْمَلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
تَنْبِيهَانِ
أحدهما مَفْهُومُ قَوْلِهِ لم يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ يُجْزِئُهُ رَدُّهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
الثَّانِي لو عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قبل الْحَلْبِ فَرَدَّهَا قبل حَلْبِهَا لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
قَوْلُهُ وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان قبل مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو بَعْدَهَا ما لم يَرْضَ كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ وَهَذَا قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا الْقِيَاسُ
____________________
(4/400)
قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هذا أَقْيَسُ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالنَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَتَخَرَّجُ من قَوْلِ أبي الْخَطَّابِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْخِيَارَ على الْفَوْرِ كَالْعُيُوبِ لِأَنَّ فيها قَوْلًا كَذَلِكَ انْتَهَى
وقال الْقَاضِي ليس له رَدُّهَا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ مُنْذُ عَلِمَ وَيَكُونُ على الْفَوْرِ بَعْدَهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وقال فِيهِمَا إذَا لم يَتَبَيَّنْ التَّصْرِيَةَ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَوَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ عِنْدَ تَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ وَالْآخَرُ تَكُونُ مُدَّةُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ من تَعْلِيلِهِ بِكَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا لم يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنَّ خِيَارَهُ يَكُونُ على الْفَوْرِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ثَبَتَ له الْخِيَارُ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى تَمَامِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ عنه
وقال في الْكَافِي وقال بن أبي مُوسَى إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ من حِينِ الْبَيْعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ أبي مُحَمَّدٍ في الْكَافِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّلَاثَةِ على قَوْلِ بن أبي مُوسَى من حِينِ الْبَيْعِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ يُخَيَّرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُنْذُ عَلِمَ جَزَمَ بِهِ في الْمُجَرَّدِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ أَوْلَى
____________________
(4/401)
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا ظَاهِرُ الحديث وَعَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ بن أبي مُوسَى وَالْفَرْقُ بين هذا وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّ الْخِيَرَةَ على قَوْلِ الْقَاضِي تَكُونُ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَتَكُونُ على هذا على الْفَوْرِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ تَكُونُ الْخِيَرَةُ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَهُ الرَّدُّ أَنَّهُ ليس له سِوَاهُ أو الْإِمْسَاكُ مَجَّانًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُخَيَّرُ بين الْإِمْسَاكِ مع الْأَرْشِ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَجَزَمَ بِهِ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ بن هَانِئٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في التَّصْرِيَةِ لِأَنَّهُمَا حَكَيَاهُ عن أبي بَكْرٍ وَاقْتَصَرَا عليه وَقَدَّمَاهُ في غَيْرِ التَّصْرِيَةِ لَكِنْ قَالَا ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ أبي بَكْرٍ من أَصْحَابِنَا أَنَّهُ ليس له إلا الرَّدُّ أو الْإِمْسَاكُ لَا غَيْرُ
قَوْلُهُ وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً لم يَكُنْ له الرَّدُّ في قِيَاسِ قَوْلِهِ إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لم يَمْلِكْ الرَّدَّ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً لم يَكُنْ له الرَّدُّ وَجَزَمَ بِهِ كُلُّ من ذَكَرَهَا
وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وهو الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عليه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي نُصَّ عليه
قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا
قُلْت لَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُذْهَبِ
____________________
(4/402)
وقال بن عَقِيلٍ أَيْضًا في طَلَاقِ بَائِنٍ فيه عِدَّةٌ احْتِمَالَانِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ إنْ كانت الْعِدَّةُ بِقَدْرِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ له
وقال في الرِّعَايَةِ من عِنْدَهُ إنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً من طَلَاقٍ أو مَوْتٍ جَاهِلًا ذلك فَلَهُ رَدُّهَا أو الْأَرْشُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ هَكَذَا أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ فَلَوْ طَلُقَتْ قبل عِلْمِهِ زَالَ نُصَّ عليه فَقَيَّدَ الطَّلَاقَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ
قال شَيْخُنَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
فَائِدَةٌ
لو اشْتَرَاهَا ولم يَعْلَمْ بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً خُيِّرَ بين الرَّدِّ أو الْإِمْسَاكِ مع الْأَرْشِ وَإِنْ كان عَالِمًا فَلَا خِيَارَ له وَلَيْسَ له مَنْعُ زَوْجِهَا من وَطْئِهَا بِحَالٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت التَّصْرِيَةُ في غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا رَدَّ له في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
أَحَدُهُمَا لَا رَدَّ له وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ
قال بن الْبَنَّا تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ
قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هذا أَقْيَسُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي له الرَّدُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ
____________________
(4/403)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقَالُوا في تَعْلِيلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عنه في الْعَادَةِ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قالوا وَلَيْسَ بِمَانِعٍ انْتَهَى
وَقِيلَ إنْ جَازَ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ غَرِمَهُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت وَيَخْرُجُ عليه غَيْرُهُ بَلْ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ وَلَا كِتْمَانُ عَيْبِهَا
أَمَّا التَّدْلِيسُ فَحَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ
وَأَمَّا كِتْمَانُ الْعَيْبِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو الصَّوَابُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عن الْعُلَمَاءِ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ
قال في التَّبْصِرَةِ الْكَرَاهَةُ نَصَّ عليها أَحْمَدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ
قال في التَّلْخِيصِ وَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ مع الْكَرَاهَةِ انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ
يَعْنِي إذَا كَتَمَ الْعَيْبَ أو دَلَّسَهُ وَبَاعَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ نَقَلَ حَنْبَلٌ بَيْعُهُ مَرْدُودٌ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وهو ظَاهِرُ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وفي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَبَاعَ فَتَلِفَ الْمَبِيعُ في يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ فِعْلِهِ فإنه يَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ وقال أبو بَكْرٍ إنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْمَبِيعُ بَاطِلٌ قِيلَ له فما تَقُولُ في الْمُصَرَّاةِ فلم يذكر جَوَابًا
قال الشَّارِحُ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ فَدَلَّ على رُجُوعِهِ
قُلْت أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي أَنَّ هذا اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ ولم يَذْكُرُوا أَنَّهُ رَجَعَ
____________________
(4/404)
فَائِدَةٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَذَا لو أَعْلَمَهُ بِالْعَيْبِ ولم يَعْلَمَا قَدْرَهُ فإنه يَجُوزُ عِقَابُهُ بِإِتْلَافِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ إذَا دَلَّسَهُ وقال أَفْتَى بِهِ طَائِفَةٌ من أَصْحَابِنَا
قَوْلُهُ الْخَامِسُ خِيَارُ الْعَيْبِ وهو النَّقْصُ
الْعَيْبُ هو ما يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ عَادَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ هو ما يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ نَقِيصَةً يَقْتَضِي الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عنها غَالِبًا
قَوْلُهُ وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ من فِعْلِهِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ في الْفِرَاشِ وَكَذَا شُرْبُهُ الْخَمْرَ وَالنَّبِيذَ إذَا كان مُمَيِّزًا
نَصَّ عليه
أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحُكْمُ في ذلك بِالتَّمْيِيزِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وزاد بَعْضُهُمْ فقال إذَا تَكَرَّرَ قال في الرِّعَايَةِ وَبَوْلُهُ في فِرَاشِهِ مِرَارًا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذلك من بن عَشْرٍ فَصَاعِدًا وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَحَمَلَ بن مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه مع أَنَّ كَلَامَ من تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَا يَأْبَاهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
قال في الْكَافِي فَأَمَّا الْعُيُوبُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى فِعْلِهِ كَكَذَا وَكَذَا فَإِنْ كانت من مُمَيِّزٍ جَاوَزَ الْعَشْرَ فَهِيَ عَيْبٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وزنى ( ( ( وزنا ) ) ) مِمَّنْ له عَشْرُ سِنِينَ أو أَكْثَرَ وَقِيلَ إنْ دَامَ زنى ( ( ( زنا ) ) ) مُمَيِّزٍ أو سَرِقَتُهُ أو إبَاقُهُ أو شُرْبُهُ الْخَمْرَ أو بَوْلُهُ في فِرَاشِهِ انْتَهَى
____________________
(4/405)
وقال في الْوَاضِحِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ في الْبَوْلِ أَنْ يَكُونَ من كَبِيرٍ
وَتَكَرَّرَ شَرْطُ النَّاظِمِ أَنْ يَكُونَ من كَبِيرٍ ولم يذكر التَّكْرَارَ
قَوْلُهُ كَالْمَرَضِ وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أو سِنٍّ أو زِيَادَتِهِمَا وَنَحْوِ ذلك
كَالْخَصِيِّ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ وَلَكِنْ يُفَوِّتُهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُبَاحٌ وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْحَوَلِ وَالْخَوَصِ وَالسَّبَلِ وهو زِيَادَةٌ في الْأَجْفَانِ وَالطَّرَشِ وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ وَالْقَرَعِ وَالصُّنَانِ وَالْبُهَاقِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْفَالِجِ وَالْكَلَفِ والتحمر ( ( ( والتجمر ) ) ) وَالْعَفَلِ وَالْقِرَانِ وَالْفَتْقِ وَالرَّتَقِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالْجُنُونِ وَالسُّعَالِ وَالْبُحَّةِ وَكَثْرَةِ الْكَذِبِ وَالتَّخْنِيثِ وَكَوْنِهِ خُنْثَى وَالثَّآلِيلِ وَالْبُثُورِ وَآثَارِ الْقُرُوحِ وَالْجُرُوحِ وَالشِّجَاجِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحُفَرِ وهو الْوَسَخُ يَرْكَبُ أُصُولَ الْأَسْنَانِ وَالثُّلُومِ فيها وَذَهَابِ بَعْضِ أَسْنَانِ الْكَبِيرِ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْوَشْمِ وَتَحْرِيمٍ عَامٍّ كَأَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ أُخْتِهِ من الرَّضَاعِ وَحَمَاتِهِ وَنَحْوِهِمَا وَقَرَعٍ شَدِيدٍ من كَبِيرٍ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى
وَكَوْنِ الثَّوْبِ غير جَدِيدٍ ما لم يَظْهَرْ عليه أَثَرُ الِاسْتِعْمَالِ ذَكَرَهُ في الْوَاضِحِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَالْإِجَارَةِ
قال في الرِّعَايَةِ وَشَامَاتٍ وَمَحَاجِمَ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَشَرَطٍ مَشِينٍ
وَمِنْهَا إهْمَالُ الْأَدَبِ وَالْوَقَارِ في أَمَاكِنِهَا نُصَّ عليه ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ
قُلْت لَعَلَّ الْمُرَادَ في غَيْرِ الْجَلَبِ وَالصَّغِيرِ
وَمِنْهَا الِاسْتِطَالَةُ على الناس ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرُهُمْ
وَمِنْهَا الْحُمْقُ من كَبِيرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ
____________________
(4/406)
الْأَصْحَابُ وهو ارْتِكَابُ الْخَطَأِ على بَصِيرَةٍ
وقال الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَحُمْقٌ شَدِيدٌ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْعَادَةَ
وَمِنْهَا حَمْلُ الْأَمَةِ دُونَ الدَّابَّةِ قال في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي إنْ لم يَضُرَّ اللَّحْمُ
وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ الشُّرُوطِ في الْبَيْعِ
وَمِنْهَا عَدَمُ خِتَانِ عَبْدٍ كَبِيرٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَصَاحِبُ الْفَائِقِ إنْ كان الْعَبْدُ الْكَبِيرُ مَجْلُوبًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِلَّا فَعَيْبٌ
وَمِنْهَا عَثْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَكَدْمُهُ وَقُوَّةُ رَأْسِهِ وَحَرَنُهُ وَشَمُوسُهُ وَكَيُّهُ أو بِعَيْنِهِ ضَفَرَةٌ أو بِأُذُنِهِ شَقٌّ قد خِيطَ أو بِحَلْقِهِ تَعَاتِعُ أو غُدَّةٌ أو عُقْدَةٌ أو بِهِ زَوَرٌ وهو نُتُوءُ الصَّدْرِ عن الْبَطْنِ أو بيده أو رِجْلِهِ شِقَاقٌ أو بِقَدَمِهِ فَرْعٌ وهو نُتُوءُ وَسَطِ الْقَدَمِ أو بِهِ وَخْسٌ وهو وَرَمٌ حَوْلَ الْحَافِرِ أو كَوَعٌ أو الْعُرُوقُ في الرِّجْلَيْنِ عن قَدَمَيْهِمَا أو كَوَعٌ وهو انْقِلَابُ أَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ عَلَيْهِمَا أو بِعَقِبِهِمَا صَكَكٌ وهو تَقَارُبُهُمَا وَقِيلَ اصْطِكَاكُهُمَا أو انْتِفَاخُهُمَا أو بِالْفَرَسِ خَسْفٌ وهو كَوْنُ إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلَاءَ
وَمِنْهَا كَوْنُهُ أَعْسَرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وَلَا يَعْمَلُ بِالْيُمْنَى عَمَلَهَا الْمُعْتَادَ وَإِلَّا فَزِيَادَةُ خَيْرٍ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي كَوْنُهُ أَعْسَرَ ليس بِعَيْبٍ لِعَمَلِهِ بِإِحْدَى يَدَيْهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْجَارُ السُّوءُ عَيْبٌ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَبِئْرٌ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِالدَّارِ قال وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ في زَمَانِنَا
قال في الرِّعَايَةِ وَاخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ وَالْأَسْنَانِ وَطُولُ إحْدَى يَدَيْ الْأُنْثَى وَخَرْمُ شُنُوفِهَا
____________________
(4/407)
وَمِنْهَا أَكْلُ الطِّينِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا من بِهِ مَرَضٌ نَقَلَهُ عَنْهُمْ بن عَقِيلٍ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَقَطَعَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَقَالَهُ في التَّلْخِيص وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا
وَكَوْنُ الدَّارِ يَنْزِلُهَا الْجُنْدُ عَيْبٌ
وَعِبَارَةُ الْقَاضِي وَجَدَهَا مَنْزُولَةً قد نَزَلَهَا الْجُنْدُ
قال الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَالْحَاوِي وَمَنْ تَابَعَهُمْ لو اشْتَرَى قَرْيَةً فَوَجَدَ فيها سَبُعًا أو حَيَّةً عَظِيمَةً فَهُوَ عَيْبٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ
وقال بن الزَّاغُونِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَجَدَهَا كان السُّلْطَانُ يَنْزِلُهَا ليس عَيْبًا وَنَقْصُ الْقِيمَةِ بِهِ عَادَةً إنْ عَيَّنَ لِذَلِكَ الثُّلُثَ وكان مُسْتَسْلِمًا فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْغَبْنِ لَا لِلْعَيْبِ
وَأَجَابَ أبو الْخَطَّابِ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ لِهَذَا الْأَمْرِ الْمُتَرَدِّدِ انْتَهَى
وَلَيْسَ الْفِسْقُ من جِهَةِ الِاعْتِقَادِ أو الْفِعْلِ أو التَّغْفِيلِ بِعَيْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وفي قَوْلِهِ أو التَّغْفِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قد تَقَدَّمَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ من الْمُمَيِّزِ عَيْبٌ
وَقِيلَ هو عَيْبٌ في الثَّلَاثَةِ
قال في الْفَائِقِ وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَاسِقًا مع إسْلَامِهِ فَلَهُ الرَّدُّ سَوَاءٌ كان فِسْقُهُ لِبِدْعَةٍ أو غَيْرِهَا ذَكَرَهُ في الْفُصُولِ
قال وَكَذَا لو ظَهَرَ مُتَوَانِيًا في الصَّلَاةِ وَالْمُخْتَارُ ما ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ انْتَهَى
وَالثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
منهم الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
وقال بن عَقِيلٍ إنْ ظَهَرَتْ ثَيِّبًا مع إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَيْبٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(4/408)
وَلَيْسَ مَعْرِفَةُ الْغِنَاءِ وَالْكُفْرُ بِعَيْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ
وقال بن عَقِيلٍ الْغِنَاءُ في الْأَمَةِ عَيْبٌ وَكَذَا الْكُفْرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وقال في الْفَائِقِ وَعَدَمُ نَبَاتِ عَانَةِ الْأَمَةِ ليس بِعَيْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ هو عَيْبٌ قال بن عَقِيلٍ هو عَيْبٌ لِمُخَالَفَةِ الْجِبِلَّةِ فيه
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وفي الِانْتِصَارِ ليس عَيْبًا مع بَقَاءِ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ عُجْمَةُ اللِّسَانِ وَالْفَأْفَاءُ وَالتَّمْتَامُ وَالْأَرَتُّ وَالْقَرَابَةُ بِعَيْبٍ وَكَذَلِكَ الْأَلْثَغُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ وقال في مَوْضِعٍ اللَّثَغُ وَغُنَّةُ الصَّوْتِ عَيْبٌ
فَائِدَةٌ قال في الِانْتِصَارِ وَمُفْرَدَاتُ أبي يَعْلَى الصَّغِيرِ لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى يَسِيرَةٍ وَسُقُوطِ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ في الْمُصْحَفِ لِلْعَادَةِ كَغَيْرِ يَسِيرٍ وَلَوْ من وَلِيٍّ
قال أبو يَعْلَى وَوَكِيلٍ وقال في وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ لو كَثُرَ الْغَبْنُ بَطَلَ
وقال أَيْضًا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمَا
وَذَكَرَ أَيْضًا الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ وَأَنَّ الْمَهْرَ مِثْلُهُ في وَجْهٍ وَأَنَّ له الْفَسْخَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَدِرْهَمٍ في عَشَرَةٍ بِالشَّرْطِ
وَتَقَدَّمَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الْغَبْنِ
وفي مُفْرَدَاتِ أبي الْوَفَاءِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ أو غَبْنٍ يَسِيرٍ فإن الْكَثِيرَ يَمْنَعُ الرُّشْدَ وَيُوجِبُ السَّفَهَ فَالرُّجُوعُ على وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ من اشْتَرَى مُصْحَفًا فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ ليس هذا عَيْبًا لَا يَخْلُو الْمُصْحَفُ من هذا
وفي جَامِعِ الْقَاضِي بَعْدَ هذا النَّصِّ قال الْآيَةُ كَغَبْنٍ يَسِيرٍ
____________________
(4/409)
قال وَأَجْوَدُ من هذا أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَادَةً من ذلك كَيَسِيرِ التُّرَابِ وَالْعَقْدِ في الْبُرِّ
قَوْلُهُ فَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لم يَعْلَمْ عَيْبَهُ
هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ فَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لم يَعْلَمْ عَيْبَهُ أو كان عَالِمًا بِهِ ولم يَرْضَ بِهِ
قَوْلُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بين الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مع الْأَرْشِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ تَعَذَّرَ رَدُّهُ أو لَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ ليس له الْأَرْشُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال وَكَذَلِكَ يُقَالُ في نَظَائِرِهِ كَالصَّفْقَةِ إذَا تَفَرَّقَتْ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْأَصَحُّ
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ إذَا دَلَّسَ الْعَيْبَ خُيِّرَ بين الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مع الْأَرْشِ وَإِنْ لم يُدَلِّسْ الْعَيْبَ خُيِّرَ بين الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ بِلَا أَرْشٍ
وَعَنْهُ لَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ لِمُشْتَرٍ وَهَبَهُ بَائِعٌ ثَمَنًا أو أَبْرَأَهُ منه كَمَهْرٍ في رِوَايَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ
قال وَاخْتَارَ الْقَاضِي في خِلَافَهُ أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ لم يَرْجِعْ عليه بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْرَأَهُ منه
وَيَتَخَرَّجُ التَّفْرِيقُ بين الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَرْجِعُ في الْهِبَةِ دُونَ الْإِبْرَاءِ لو ظَهَرَ هذا الْمَبِيعُ مَعِيبًا بَعْدَ أَنْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فَهَلْ له الْمُطَالَبَةُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا تَخْرِيجُهُ على الْخِلَافِ في رَدِّهِ
وَالطَّرِيقُ الْآخِرُ تَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ وَجْهًا وَاحِدًا وهو اخْتِيَارُ بن عَقِيلٍ
وَيَأْتِي في كِتَابِ الصَّدَاقِ ما يُشَابِهُ هذا
____________________
(4/410)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو ظَهَرَ بِالْمَأْجُورِ عيبا ( ( ( عيب ) ) ) فقال الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَغَيْرُهُمْ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا أَرْشَ له
وَيَأْتِي ذلك في الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً بِأَتَمَّ من هذا
الثَّانِيَةُ إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ مع الْأَرْشِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَهُ من غَيْرِ الثَّمَنِ مع بَقَائِهِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ أو إسْقَاطٌ وَقَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من خِلَافِهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَهُ من حَيْثُ شَاءَ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا في مَوْضِعٍ من خِلَافِهِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
قال بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ يَعْنِي في أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ فَمِنْهُمْ من يقول هو فَسْخُ الْعَقْدِ في مِقْدَارِ الْعَيْبِ وَرُجُوعٌ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ وَمِنْهُمْ من يقول هو عِوَضٌ عن الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَمِنْهُمْ من قال هو إسْقَاطٌ لِجُزْءٍ من الثَّمَنِ في مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ الذي تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ
وَكُلٌّ من هذه الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من خِلَافِهِ
وَيَنْبَنِي على الْخِلَافِ في أَنَّ الْأَرْشَ فَسْخٌ أو إسْقَاطٌ الجزء ( ( ( لجزء ) ) ) من الثَّمَنِ أو مُعَاوَضَةٌ أَنَّهُ إنْ كان فَسْخًا أو إسْقَاطًا لم يَرْجِعْ إلَّا بِقَدْرِهِ من الثَّمَنِ وَيَسْتَحِقُّ جُزْءًا من غَيْرِ الثَّمَنِ مع بَقَائِهِ بِخِلَافِ ما إذَا قُلْنَا إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ انْتَهَى
وقد صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْأَرْشَ عِوَضٌ عن الْجُزْءِ الْفَائِتِ في الْمَبِيعِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ إذَا قُلْنَا هو عِوَضٌ عن الْفَائِت فَهَلْ هو
____________________
(4/411)
عِوَضٌ عن الْجُزْءِ نَفْسِهِ أو عن قِيمَتِهِ ذَهَبَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عن الْقِيمَةِ وَذَهَبَ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ وبن الْمُنَى إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عن الْعَيْنِ الْفَائِتَةِ
وَيَنْبَنِي على ذلك جَوَازُ الْمُصَالَحَةِ عنه بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ
فَإِنْ قُلْنَا الْمَضْمُونُ الْعَيْنُ فَلَهُ الْمُصَالَحَةُ عنها بِمَا شَاءَ وَإِنْ قُلْنَا الْقِيمَةُ لم ( ( ( لما ) ) ) يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عنها بِأَكْثَرَ من جِنْسِهَا انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ بِعِوَضٍ بَذَلَهُ له الْبَائِعُ وَقَبِلَهُ جَازَ على حَسَبِ ما يَتَّفِقَانِ عليه وَلَيْسَ من الْأَرْشِ في شَيْءٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الشُّفْعَةِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ على مِثْلِهِ في خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ
قَوْلُهُ وهو قِسْطُ ما بين قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ من الثَّمَنِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ قَدْرُهُ من الثَّمَنِ كَنِسْبَةِ ما يُنْقِصُ الْعَيْبُ من الْقِيمَةِ إلَى تَمَامِهَا لو كان سَلِيمًا يوم الْعَقْدِ
قَوْلُهُ وما كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَالَا لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَعَنْهُ لِلْبَائِعِ وَنَفَاهَا الزَّرْكَشِيُّ
وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ما قال عنه صَاحِبُ الْكَافِي في حِكَايَةِ الْخِلَافِ فيه فَقَدْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ جَمَاعَةٌ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُ إلَّا مع نَمَائِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَرُدُّ كَسْبَهُ
____________________
(4/412)
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ كَلَامًا يَدُلُّ على أَنَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ يُرَدُّ عِوَضُهُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ
فَائِدَةٌ لو حَدَثَ حَمْلٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهَلْ هو نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ أو مُتَّصِلٌ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُنَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الصَّدَاقِ هو زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ
ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْقَاضِي يُجْبَرُ الزَّوْجُ على قَبُولِهَا إذَا بَذَلَتْهَا الْمَرْأَةُ وَخَالَفَهُ بن عَقِيلٍ في الآدميات
وقال الْقَاضِي في التَّفْلِيسِ يَنْبَنِي على أَنَّ الْحَمْلَ هل له حُكْمٌ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا له حُكْمٌ فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ
وقال في التَّلْخِيصِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُتَّبَعُ في الرُّجُوعِ كما يُتَّبَعُ في الْمَبِيعِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ
وَأَمَّا إذَا حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهُوَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ بِلَا نِزَاعٍ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ تُرَدُّ أُمُّهُ دُونَهُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ في رؤوس مَسَائِلِهِمَا
قال الزَّرْكَشِيُّ قَالَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ فيها وَأَظُنُّ وهو قَوْلٌ في الْفُرُوعِ كما لو كان حُرًّا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا رَدَّهَا لَا يَرُدُّهَا إلَّا بِوَلَدِهَا فَيَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
فَائِدَةٌ لِلْأَصْحَابِ في الطَّلْعِ هل هو نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ أو مُتَّصِلٌ طُرُقٌ
أَحَدُهَا هو زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الصَّدَاقِ وَكَذَا في الْكَافِي وَجَعَلَ كُلَّ ثَمَرَةٍ على شَجَرَةٍ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً
____________________
(4/413)
الثَّانِي زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من التَّفْلِيسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَذَكَرَهُ في الْمُغْنِي احْتِمَالًا وَحَكَاهُ في الْكَافِي عن بن حَامِدٍ
الثَّالِثُ الْمُؤَبَّرُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَغَيْرُهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ أَيْضًا في التَّفْلِيسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَذَكَرَهُ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
الرَّابِعُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وفي الْمُؤَبَّرِ وَجْهَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ التَّرْتِيبِ في الصَّدَاقِ
الْخَامِسُ الْمُؤَبَّرَةُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا وفي غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَجْهَانِ وَاخْتَارَ بن حَامِدٍ أنها مُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ طريقة في الْكَافِي في التَّفْلِيسِ
وَأَمَّا الْحَبُّ إذَا صَارَ زَرْعًا وَالْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ فَرْخًا فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ على أنها دَاخِلَةٌ في النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ من بَابِ تَغَيُّرِ ما يُزِيلُ الِاسْمَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَالَ وَكَذَا قال بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أن النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِلْبَائِعِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ
وقال بن عَقِيلٍ النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ كَالْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتُهُمَا
وقال الشِّيرَازِيُّ النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْمُشْتَرِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا
فَعَلَى هذا يُقَوَّمُ على الْبَائِعِ
وقال في الْفُرُوعِ وفي الْمُغْنِي في النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ في مَسْأَلَةِ صَبْغِهِ وَنَسْجِهِ له أَرْشُهُ إنْ رَدَّهُ انْتَهَى
وَاَلَّذِي في الْمُغْنِي فَلَهُ أَرْشُهُ لَا غَيْرُ
____________________
(4/414)
قَوْلُهُ وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَلَهُ رَدُّهَا وَلَا يُحْسَبُ عليه وَطْؤُهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ له بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِلَا خِيَارٍ قَالَهُ في الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ وَطْؤُهَا يَمْنَعُ رَدَّهَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ عنه في الْفَائِقِ
قال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ بَعْدَ وَطْئِهَا وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ مُطْلَقًا
وَعَنْهُ له رَدُّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ كَالْعَيْبِ قبل الْعَقْدِ فِيمَا ضَمَانُهُ على الْبَائِعِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَزْرُوعِ وَالثَّمَرَةِ على رؤوس النَّخْلِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال جَمَاعَةٌ لَا أَرْشَ إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيَأْخُذَهُ منه
وَحُدُوثُ الْعَيْبِ قبل الْقَبْضِ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ عُهْدَةُ الْحَيَوَانِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْهُ سِتَّةٌ
وقال في الْمُبْهِجِ وَبَعْدَ السِّتَّةِ
وَالْمُذْهَبُ لَا عُهْدَةَ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ فيه حَدِيثٌ
الثَّانِيَةُ لو اشْتَرَى مَتَاعًا فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى بَائِعِهِ كما لو وَجَدَهُ أَرْدَأَ كان ( ( ( أكان ) ) ) له رَدُّهُ نُصَّ عليه قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا
قُلْت لَعَلَّ مَحَلَّ ذلك إذَا كان الْبَائِعُ جَاهِلًا بِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وطىء الْبِكْرَ أو تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ
____________________
(4/415)
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ
قال بن أبي مُوسَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عن أَحْمَدَ
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بين الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
قال في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ عليها الْأَصْحَابُ زَادَ في التَّلْخِيصِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُهُمَا
وَاخْتَارَهَا أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَإِلَيْهَا مَيْلُ الشَّارِحِ وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا لم يُدَلِّسْ الْعَيْبَ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وقال هو الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا مَهْرُ الْبِكْرِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ هو ما نَقَصَهُ مُطْلَقًا
الثَّانِي على رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ زَوَالُ الْعَيْبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُهُ إنْ أَمْكَنَ زَوَالُهُ قبل رَدِّهِ وَإِنْ زَالَ بَعْدَ الرَّدِّ فَفِي رُجُوعِ مُشْتَرٍ على بَائِعٍ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ عَدَمُ الرُّجُوعِ
____________________
(4/416)
قَوْلُهُ قال الْخِرَقِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَيَلْزَمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا
وهو الْمَذْهَبُ أَعْنِي فِيمَا إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْمَعْرُوفُ
قال في الْفُرُوعِ وَنَصُّهُ له رَدُّهُ بِلَا أَرْشٍ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ
قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَنْصُوصُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الْأَصَحِّ
قال في الْكَافِي وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ عليه
قُلْت نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وبن الْقَاسِمِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِي
قال الْقَاضِي وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ
قال الْإِمَامُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ إنْ كان إبَاقُهُ مَوْجُودًا في يَدِ الْبَائِعِ يَرْجِعُ على الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ غَرَّرَ بِالْمُشْتَرِي وَيَتَّبِعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كان انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ الذي لَا يُعْدَلُ عنه
فَعَلَى هذا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ سَوَاءٌ كان التَّلَفُ من فِعْلِ اللَّهِ أو من فِعْلِ الْمُشْتَرِي أو من فِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أو من فِعْلِ الْعَبْدِ وَسَوَاءٌ كان مَذْهَبًا لِلْجُمْلَةِ أو لِبَعْضِهَا
قال في الْفَائِقِ قُلْت لم يَنُصَّ أَحْمَدُ على جِهَاتِ الْإِتْلَافِ وَالْمَنْقُولُ هو في الْإِبَاقِ انْتَهَى
وقال في الْقَوَاعِدِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ بِانْتِفَاعِهِ أو بِفِعْلِ اللَّهِ كما حَمَلَ الْقَاضِي عليه رِوَايَةُ بن مَنْصُورٍ أَصَحُّ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أبي بَكْرٍ
____________________
(4/417)
قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إذَا تَلِفَتْ وَأَرْشُ الْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا لِقَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَام الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ
يَعْنِي بهذا الِاحْتِمَالِ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هو الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَحَكَاهُ رِوَايَةً وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَاهَا في التَّلَفِ في أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَرْشِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ وَحَكَى طَائِفَةٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً بِذَلِكَ
فَائِدَةٌ لو كان كَاتِبًا أو صَائِغًا فَنَسِيَ ذلك عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ والشارح ( ( ( الشارح ) ) ) وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وَعَنْهُ يَرُدُّهُ مَجَّانًا وَنَصَّ عليه في الْكِتَابَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وقال نُصَّ عليه
قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَيْ غير عَالِمٍ بعيبه ( ( ( بعينه ) ) ) رَجَعَ بِأَرْشِهِ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَيَكُونُ مِلْكًا له وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ عن وَاجِبٍ وَعَيْبُهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَلَهُ أَرْشُهُ
وَعَنْهُ إنْ أَعْتَقَهُ عن وَاجِبٍ جَعَلَ الْأَرْشَ في الرِّقَابِ وَإِنْ كان غير وَاجِبٍ كان له
وَحَكَى جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هذه الرِّوَايَةَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كان الْعِتْقُ عن وَاجِبٍ أو غَيْرِهِ فإن الْأَرْشَ يَكُونُ في الرِّقَابِ وَرَدَّهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
____________________
(4/418)
قال في الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا أَرْشَ
وَيَتَخَرَّجُ من خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
تَنْبِيهٌ في قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لو عَتَقَ عليه لِلْقَرَابَةِ لَا أَرْشَ له وهو صَحِيحٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
قُلْت لو قِيلَ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ لَكَانَ مُتَّجَهًا بَلْ فيه قُوَّةٌ
قَوْلُهُ أو تَلِفَ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ
وَخَرَّجَ الْقَاضِي في خِلَافِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَيَرُدُّ بَدَلَهَا من رَدِّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَتَابَعَهُ عليه أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في فُصُولِهِ من غَيْرِ خِلَافٍ
وقال بن رَجَبٍ عن الْمَذْهَبِ هو ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ غير عَالِمٍ بِعَيْبِهِ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وَيَتَخَرَّجُ من خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يُفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ ليس له شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ له حِينَئِذٍ الرَّدُّ أو الْأَرْشُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا إنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي من الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الْأَرْشَ فَلَهُ الْأَرْشُ من الْبَائِعِ الْأَوَّلِ
____________________
(4/419)
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهِ كان له رَدُّهُ على الْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ عليه وَفَائِدَتُهُ اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَفِيهِ احْتِمَالُ أَنْ لَا رَدَّ هُنَا
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ
أَيْ غير عَالِمٍ بِالْعَيْبِ يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وَعَنْهُ الْهِبَةُ كَالْبَيْعِ فيها الرِّوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
وَيَتَخَرَّجُ من خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يُفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ
فَائِدَةٌ حَيْثُ زَالَ مِلْكُهُ عنه وَأَخَذَ الْأَرْشَ فإنه يُقْبَلُ قَوْلُهُ في قِيمَتِهِ ذَكَرَهُ في الْمُنْتَخَبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ له
وَكَذَا لو تَصَرَّفَ فيه بِمَا يَدُلُّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) أو عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ أو اسْتَغَلَّهُ وهو الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَلَفَ كَلَامُ بن عَقِيلٍ فيه
وَعَنْهُ له الْأَرْشُ في ذلك كُلِّهِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَلَّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) فَمَعَ الْأَرْشِ كَإِمْسَاكِهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ هذا قَوْلُ بن عَقِيلٍ وقال عن الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فيه بُعْدٌ
قال الْمُصَنِّفُ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ له الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ
قال في التَّلْخِيصِ وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَنَصَّ عليه في الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ
____________________
(4/420)
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ في الْبَاقِي وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَلِكَ إذَا كان الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أو عَيْنَيْنِ يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ ثُمَّ قَالَا وقد ذَكَرَ أَصْحَابُنَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ فِيمَا إذَا كان الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ لَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ
وَإِنْ كان الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ لَا يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ فَهَلْ له رَدُّ الْعَيْنِ الْبَاقِيَةِ في مِلْكِهِ يَتَخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَحَمَلَا كَلَامَ الْخِرَقِيِّ على ما إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ كما تَقَدَّمَ انْتَهَيَا
وَعَنْهُ له رَدُّهُ بِقِسْطِهِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وهو قَوْلُ الْمُصَنِّفِ
وقال الْخِرَقِيُّ له رَدُّ مِلْكِهِ منه بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ أو أَرْشِ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ منه
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْمَنْصُوصُ جَوَازُ الرَّدِّ كما قال الْخِرَقِيُّ
وَبَنَى الْقَاضِي وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا الرِّوَايَتَيْنِ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
قال الْقَاضِي وَسَوَاءٌ كان الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أو عَيْنَيْنِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالتَّفْصِيلُ الذي ذَكَرْنَا أَوْلَى
وَمَثَّلَ بن الزَّاغُونِيِّ بِالْعَيْنَيْنِ
فَائِدَةٌ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ وَعَلَى هذا شَرْحُ بن الزَّاغُونِيِّ فَإِذَنْ يَكُونُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ جَوَازَ رَدِّ الْبَاقِي وَكَذَا حَكَى أبو مُحَمَّدٍ عنه
وَعَلَى هذا إنْ حَصَلَ بِالتَّشْقِيصِ نَقْصٌ رَدَّ أَرْشَهُ من كَلَامِهِ السَّابِقِ إلَّا مع التَّدْلِيسِ
____________________
(4/421)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُدَلَّسَةِ وَعَلَى هذا لَا يَكُونُ في كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِرَدِّ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كان الْمَبِيعُ غير مُدَلَّسٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ وفي أَرْشِ الْمَبِيعِ الرِّوَايَتَانِ
يَعْنِي الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ غير عَالِمٍ بِعَيْبِهِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ
وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هُنَا لَا شَيْءَ له مع تَدْلِيسِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ صَبَغَهُ أو نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال في الْكَافِي هذا الْمَذْهَبُ
قال في الْفَائِقِ يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ له الرَّدُّ وَيَكُونُ شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ على بَذْلِ عِوَضِ الزِّيَادَةِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي على قَبُولِهِ لو بَذَلَهُ الْبَائِعُ على الصَّحِيحِ فِيهِمَا قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ في الْأُولَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في الثَّانِيَةِ وفي الْأُولَى رِوَايَةٌ يُجْبَرُ قال الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ وهو بَعِيدٌ وفي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ يُجْبَرُ أَيْضًا
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ نَزَعَ النَّعْلَ فَإِنْ كان النَّزْعُ يَعِيبُهَا لم يَنْزِعْ ولم يَكُنْ له قِيمَةُ النَّعْلِ على الْبَائِعِ على أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(4/422)
وَهَلْ يَكُونُ إهْمَالًا للنعل ( ( ( للفعل ) ) ) أو تَمْلِيكًا حتى لو سَقَطَ كان لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي فيه احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ إهْمَالًا حتى لو سَقَطَ كان لِلْمُشْتَرِي
الثَّانِيَةُ لو اشْتَرَى حُلِيَّ فِضَّةٍ بِوَزْنِهِ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا جَازَ له رَدُّهُ وَلَيْسَ له أَخْذُ الْأَرْشِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ وهو الصَّحِيحُ
قُلْت فيعايى بها
فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَنْهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال الْقَاضِي ليس له رَدُّهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الْفَائِقِ وَقَوْلُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الحلى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إهْمَالُ الْعَيْبِ وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا فَسَخَ وَجَبَ رَدُّ الحلى وَأَرْشُ نَقْصِهِ وَاخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ
الثَّالِثَةُ لو بَاعَ قَفِيزًا مِمَّا يَجْرِي فيه الرِّبَا بمثله فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ دُونَ كَيْلِهِ لم يَمْلِكْ أَخْذَ أَرْشِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّفَاضُلِ
وَالْحُكْمُ فيه كما ذَكَرْنَا في الحلى بِالدَّرَاهِمِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَهُ الْفَسْخُ في رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ
وَعَنْهُ له الْأَرْشُ
وَقِيلَ من غَيْرِ جِنْسِهِ على مُدِّ عَجْوَةٍ
____________________
(4/423)
وفي الْمُنْتَخَبِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَأْخُذُ الْجَيِّدَ رَبُّهُ وَيُدْفَعُ الردىء ( ( ( الرديء ) ) ) إلَيْهِ انْتَهَى
وقال في الْقَوَاعِدِ لو اشْتَرَى رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ فَبَانَ مَعِيبًا ثُمَّ تَلِفَ قبل رَدِّهِ مَلَكَ الْفَسْخَ وَيَرُدُّ بَدَلَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ انْتَهَى
الرَّابِعَةُ لو بَاعَ شيئا بِذَهَبٍ ثُمَّ أَخَذَ عنه دَرَاهِمَ ثُمَّ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ قَدِيمٍ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالذَّهَبِ لَا بِالدَّرَاهِمِ نَصَّ عليه
وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في آخِرِ بَابِ الْإِجَارَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى ما مَأْكُولُهُ في جَوْفِهِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لم يَكُنْ له مَكْسُورًا قِيمَةٌ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا مع شَرْطِ الْبَائِعِ سَلَامَتَهُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان له مَكْسُورًا قِيمَةٌ كَبَيْضِ النَّعَامِ وَجَوْزِ الْهِنْدِ وَكَذَا الْبِطِّيخُ الذي فيه نَفْعٌ وَنَحْوُهُ فَلَهُ أَرْشُهُ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بين أَرْشِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ ما نَقَصَ وَأَخْذِ الثَّمَنَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ
____________________
(4/424)
التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ إذَا زَادَ في الْكَسْرِ على قَدْرِ الِاسْتِعْلَامِ وَإِنْ لم يَزِدْ خُيِّرَ وهو رِوَايَةٌ في الشَّرْحِ
وَعَنْهُ ليس له رَدُّهُ وَلَا أَرْشَ في ذلك كُلِّهِ يَعْنِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ سَلَامَتَهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمَذْهَبِ وَالْأُولَى وَجْهٌ فيه وَتَخْرِيجٌ في الْهِدَايَةِ
وقال في الْفُرُوعِ في الذي لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ فَعَنْهُ له الْأَرْشُ وَعَنْهُ له رَدُّهُ وَخَيَّرَهُ الْخِرَقِيُّ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
فَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ التي ذَكَرَهَا لم أَرَهَا لِغَيْرِهِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ الذي لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ فَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا لَا تَبْقَى له معه قِيمَةٌ وَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ وَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ
فَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا تَبْقَى له معه قِيمَةٌ فَهُنَا يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ وَرَدِّ ما نَقَصَهُ أَنَّهُ يَرُدُّ أَرْشَ الْكَسْرِ وهو الصَّحِيحُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ
وقال الْقَاضِي عِنْدِي له الرَّدُّ بِلَا أَرْشٍ عليه لِكَسْرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِطَرِيقِ اسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عليه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
____________________
(4/425)
وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ فَهُوَ على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي على ما تَقَدَّمَ
قال الزَّرْكَشِيُّ نعم على قَوْلِ الْقَاضِي في الذي قَبْلَهُ إذَا رَدَّهُ هل يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْكَسْرِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الزَّائِدُ على اسْتِعْلَامِ الْمَبِيعِ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ انْتَهَى
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الذي قَبْلَهُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي انْتَهَوْا
قُلْت يُشْبِهُ ما قال الزَّرْكَشِيُّ ما قالوا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أو بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ وَقُلْنَا يَصِحُّ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ فَإِنْ في قَدْرِهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا هو ما بين ما بَاعَ بِهِ وَثَمَنِ الْمِثْلِ
وَالثَّانِي هو ما بين ما يَتَغَابَنُ بِهِ الناس وما لَا يَتَغَابَنُونَ على ما يَأْتِي في الْوَكَالَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ ثُمَّ أَخَّرَ الرَّدَّ لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ منه ما يَدُلُّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) من التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ
اعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ على التَّرَاخِي ما لم يُوجَدْ منه ما يَدُلُّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي على رَدِّهِ أو أَرْشِهِ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ بِالتَّأْخِيرِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ على الْفَوْرِ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ في مَوْضِعٍ منه
قال في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ عنه رِوَايَةٌ أَنَّهُ على الْفَوْرِ انْتَهَى
وَقِيلَ السُّكُوتُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ رضى ( ( ( رضا ) ) )
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ منه ما يَدُلُّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) من التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ مَبْنِيٌّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقد تَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لو تَصَرَّفَ فيه بِمَا يَدُلُّ على الرضى ( ( ( الرضا ) ) ) أَنَّ له الْأَرْشَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ له
____________________
(4/426)
وَقَوْلُهُ من التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ كَاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذلك لم يَمْنَعْ الرَّدَّ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَهُ أَخْذُهُ
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ أو رَكِبَهَا لِسَقْيِهَا أو عَلَفِهَا
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا إنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لَا لِلِاخْتِبَارِ بَطَلَ رَدُّهُ بِالْكَثِيرِ وَإِلَّا فَلَا
قال الْمُصَنِّفُ وقد نُقِلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في بُطْلَانِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالِاسْتِخْدَامِ رِوَايَتَانِ فَكَذَا يُخَرَّجُ هُنَا وَاخْتَارَهُ
وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَذَكَرَ في التَّنْبِيهِ ما يَدُلُّ عليه فقال وَالِاسْتِخْدَامُ وَالرُّكُوبُ لَا يَمْنَعُ أَرْشَ الْعَيْبِ إذَا ظَهَرَ قبل ذلك أو بَعْدَهُ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إنَّمَا نَصَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْأَرْشَ
وَقِيلَ رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِرَدِّهَا رضى ( ( ( رضا ) ) ) ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ لو اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً فَأَصَابَ بها عَيْبًا ولم يَخْتَرْ الْفَسْخَ ثُمَّ قال إنَّمَا أَبْقَيْتهَا لِأَنَّنِي لم أَعْلَمْ أَنَّ لي الْخِيَارَ لم يُقْبَلْ منه ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَصْلًا في الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ إذَا قالت لم أَعْلَمْ أَنَّ لي الْخِيَارَ
وَخَالَفَهُ بن عَقِيلٍ في مَسْأَلَةِ الْمُعْتَقَةِ وَوَافَقَهُ في مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ خِيَارُ الْخُلْفِ في الصِّفَةِ على التَّرَاخِي قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى عِنْدَ بَيْعِ الْمَوْصُوفِ في كِتَابِ الْبَيْعِ وكذا الْخِيَارُ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/427)
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قال يُخَيَّرُ في خِيَارِ الْعَيْبِ على الرَّدِّ أو الْأَرْشِ إنْ تَضَرَّرَ الْبَائِعُ فَكَذَا هُنَا
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ شيئا وَشَرَطَا الْخِيَارَ أو وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ
هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا كما لو وَرِثَا خِيَارَ عَيْبٍ
وَعَنْهُ ليس لَهُمَا ذلك فِيهِمَا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ من عِنْدِهِ في مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ إنْ قُلْنَا هو كَعَقْدَيْنِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا
وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ كَعَقْدَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَأْتِي في الشُّفْعَةِ
تَنْبِيهٌ قال في الْفُرُوعِ وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا نَقْدُ نِصْفِ ثَمَنِهِ وَقَبْضُ نِصْفِهِ وَإِنْ نَقَدَهُ كُلَّهُ قَبَضَ نِصْفَهُ وفي رُجُوعِهِ الرِّوَايَتَانِ ذَكَرَهُ في الْوَسِيلَةِ وَغَيْرِهَا
وَعَلَى الْأَوَّلِ لو قال بِعْتُكُمَا فقال أَحَدُهُمَا قَبِلْت جَازَ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَكَمُلَاقَاةِ فِعْلِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ وَهُنَا لَاقَى فِعْلُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ في طَرِيقَتِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اشْتَرَى وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ شيئا وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِمَا وَرَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَإِمْسَاكُ نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَرُدُّ على الْبَائِعِ جَمِيعَ ما بَاعَهُ ولم يَحْصُلْ بِرَدِّهِ تَشْقِيصٌ لِأَنَّهُ كان مُشَقَّصًا قبل الْبَيْعِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ثُمَّ قال من عِنْدِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو كَعَقْدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
____________________
(4/428)
الثَّانِيَةُ لو وَرِثَ اثْنَانِ خِيَارَ عَيْبٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّ الْآخَرِ في الرَّدِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ له إلَّا رَدُّهُمَا أو إمْسَاكُهُمَا وَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا
وَعَنْهُ له رَدُّ أَحَدِهِمَا بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ
هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ
وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي أَنَّ الرَّدَّ هُنَا مَبْنِيٌّ على الرِّوَايَتَيْنِ في أَحَدِهِمَا
فَعَلَى هذا إنْ قُلْنَا ليس له رَدُّ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ رَدُّ الْبَاقِي إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ في قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْفُرُوعِ قُبِلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي في قِيمَتِهِ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ في قِيمَتِهِ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ هذه الْمَسْأَلَةِ كَالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ ذلك وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
____________________
(4/429)
وقال الْقَاضِي ليس له في هذه الْمَسْأَلَةِ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَلَهُ الرَّدُّ في الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِنْ بَانَا مَعِيبَيْنِ رَدَّهُمَا أو أَمْسَكَهُمَا
وَقِيلَ هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ ما إذَا كان أَحَدُهُمَا مَعِيبًا الْآتِيَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ
يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ
وَقَوْلُهُ فَلَهُ رَدُّهُ يَعْنِي لَا يَمْلِكُ إلَّا رَدَّهُ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا رَدُّهُمَا أو إمْسَاكُهُمَا قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوقِ الزِّرْيَرانِيَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ
وَعَنْهُ له رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ أو رَدُّهُمَا مَعًا قال في الْمُحَرَّرِ وهو الصَّحِيحُ قال في الْفَائِقِ وهو الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذلك لو اشْتَرَى طَعَامًا في وِعَاءَيْنِ ذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في ذلك إذَا كان الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ أو مِمَّا لَا يَحْرُمُ فيه التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ كان الْمَبِيعُ مِمَّا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَلَيْسَ له رَدُّ أَحَدِهِمَا
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ له رَدُّ أَحَدِهِمَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم سَوَاءٌ كَانَا مَعِيبَيْنِ أو أَحَدُهُمَا
____________________
(4/430)
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ له رَدُّ أَحَدِهِمَا مع أَرْشِ نَقْصِ الْقِيمَةِ بِالتَّفْرِيقِ الْمُبَاحِ
وَقِيلَ إنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ الْبَاقِي مع أَرْشِ نَقْصِ قِيمَتِهِ بِالتَّفْرِيقِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا كَذَا وُجِدَ في نُسَخٍ مَقْرُوءَةٍ على الْمُصَنِّفِ وزاد من أَذِنَ له في الْإِصْلَاحِ أو مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
قُلْت وفي تَمْثِيلِ الْمُصَنِّفِ كِفَايَةٌ وَيُقَاسُ عليه ما ذَكَرَهُ وقد نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ على ذلك في كِتَابِ الْجِهَادِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْعَيْبِ هل كان عِنْدَ الْبَائِعِ أو حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي في الْأَظْهَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَهِيَ أَنَصُّهُمَا وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بها في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَقَدَّمَهَا في الْمُحَرَّرِ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بين أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً أو في الذِّمَّةِ فَإِنْ كان في الذِّمَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ فلم تَثْبُتُ بَرَاءَتُهَا
____________________
(4/431)
وقال في الْإِيضَاحِ يَتَحَالَفَانِ كَالْحَلِفِ في قَدْرِ الثَّمَنِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَائِدَةٌ إذَا قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَمَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ على الْبَتِّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَمَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ على حَسَبِ جَوَابِهِ وَتَكُونُ على الْبَتِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وعنه على نَفْيِ الْعِلْمِ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يُحْتَمَلَ إلَّا قَوْلُ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ لم يَخْرُجْ عن يَدِهِ فَإِنْ خَرَجَ عن يَدِهِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ لم يَجُزْ له رَدُّهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أنها سِلْعَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ كَوْنَ هذه سِلْعَتَهُ وَمُنْكِرٌ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ
الثَّانِيَةُ لو رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أنها سِلْعَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على اسْتِحْقَاقِ فَسْخِ الْعَقْدِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِهِ
وَهَذَانِ الْفَرْعَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِمَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُبَيْلَ بَابِ السَّلَمِ وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فقال ليس هذا الْمَبِيعُ الذي قَبَضْته مِنِّي صُدِّقَ إنْ حَلَفَ وَاخْتَارَ فيها هذا إنْ كان عَيَّنَهُ في
____________________
(4/432)
الْعَقْدِ وإن كان عَيَّنَهُ بَعْدَهُ عَمَّا وَجَبَ في ذِمَّتِهِ بِالْعَقْدِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي إنْ حَلَفَ انْتَهَى
الثَّالِثَةُ لو بَاعَ سِلْعَةً بِنَقْدٍ أو غَيْرِهِ مُعَيَّنٍ حَالَ الْعَقْدِ وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَبِهِ عَيْبٌ وَادَّعَى أَنَّهُ الذي دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ الذي اشْتَرَى بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ وُقُوعِ الْعَقْدِ على هذا الْعَيْبِ
وَلَوْ كان الثَّمَنُ في الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ الْمُشْتَرِي أو قَبَضَهُ من قَرْضٍ أو سَلَمٍ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا هو في ذِمَّتِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ وَلَا بنية ( ( ( بينة ) ) ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وهو الْقَابِضُ مع يَمِينِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَوْلَ في الدَّعَاوَى قَوْلُ من الظَّاهِرُ معه وَالظَّاهِرُ مع الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ له في ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ما انْعَقَدَ عليه الْعَقْدُ غير مَعِيبٍ فلم يُغْفَلْ
قَوْلُهُ في بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوقِ الزِّرْيَرانِيَّةِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ في بَابِ الْقَبْضِ في أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ في بَابِ السَّلَمِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قبل الْقَرْضِ بِفَصْلٍ وَلَوْ قال الْمُسَلِّمُ هذا الذي أَقْبَضْتَنِي وهو مَعِيبٌ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ هذا قُدِّمَ قَوْلُ الْقَابِضِ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وهو الْمَقْبُوضُ منه لِأَنَّهُ قد أَقَبَضَ في الظَّاهِرِ ما عليه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في آخِرِ بَابِ الْقَبْضِ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يُخْرِجْهُ عن يَدِهِ كما تَقَدَّمَ في التي قَبْلَهَا
تَنْبِيهٌ هذه طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ في هذه الْمَسْأَلَةِ
وقال في الْقَوَاعِدِ في الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ لو بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ
____________________
(4/433)
فقال هذا الثَّمَنُ وقد خَرَجَ مَعِيبًا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا إنْ قُلْنَا النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يدعى عليه اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُ فَوَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْبَضَ في الظَّاهِرِ ما عليه
وَالثَّانِي قَوْلُ الْقَابِضِ لِأَنَّ الثَّمَنَ في ذِمَّتِهِ وَالْأَصْلُ اشْتِغَالُهَا بِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بَرَاءَتُهَا منه وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ إنْ قُلْنَا النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ولم يَثْبُتْ بَرَاءَتُهَا منه وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَيَّنُ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ من الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ عِنْدَهُ في السِّلْعَةِ
أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ويدعى عليه الْفَسْخَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَالثَّانِي قَوْلُ الْقَابِضِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ التَّسْلِيمَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ هو الْمَبِيعُ ولم يَحْكِيَا خِلَافًا وَلَا فَصْلًا بين أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ في الذِّمَّةِ أو مُعَيَّنًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يدعى عليه اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِثْلَ ذلك في مَسَائِلِ الصَّرْفِ
وَفَرَّقَ السَّامِرِيُّ في فُرُوقِهِ بين أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ وَقَعَ عليه مُعَيَّنًا فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ في الذِّمَّةِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِمَا تَقَدَّمَ
وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه الْعَيْبَ أَنَّ مَالَهُ كان مَعِيبًا
أَمَّا إنْ اعْتَرَفَ بِالْعَيْبِ وقد فَسَخَ صَاحِبُهُ وانكر أَنْ يَكُونَ هو هذا الْمُعَيَّنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ من هو في يَدِهِ صَرَّحَ بِهِ في التَّفْلِيسِ في الْمُغْنِي مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ
____________________
(4/434)
قَبِلَ اسْتِحْقَاقَ ما ادَّعَى عليه الْآخَرُ وَالْأَصْلُ معه وَيَشْهَدُ له أَنَّ الْمَبِيعَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هو الْمَبِيعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِاتِّفَاقِهِمَا على اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ
وقد يَنْبَنِي على ذلك أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ هل هو أَمَانَةٌ في يَدِ الْمُشْتَرِي أو مَضْمُونٌ عليه فيه خِلَافٌ
وقد يَكُونُ ما أَخَذَهُ أَمَانَةً عِنْدَهُ
وَمِنْ الْأَصْحَابِ من عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ مِمَّا يُدَّعَى عليه فَهُوَ كما لو أَقَرَّ بِعَيْنٍ ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ له أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَرُّ بها فإن الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مع يَمِينِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ في الْقَوَاعِدِ
الرَّابِعَةُ لو بَاعَ الْوَكِيلُ شيئا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي على عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّهُ على الْمُوَكِّلِ فَإِنْ كان مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كان مَوْجُودًا حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ فقال أبو الْخَطَّابِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ على مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ
وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ
الْخَامِسَةُ لو اشْتَرَى جَارِيَةً على أنها بِكْرٌ فقال الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ أُرِيَتْ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدَةٍ فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وقال ما وَجَدْتهَا بِكْرًا خُرِّجَ فيها الْوَجْهَانِ بِنَاءً على الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
السَّادِسَةُ لو بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ وَأَخْذُ الْأَمَةِ أو قِيمَتِهَا لِعِتْقِ مُشْتَرٍ وَلَيْسَ لِبَائِعِ الْأَمَةِ التَّصَرُّفُ فيها قبل الِاسْتِرْجَاعِ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي عليها تَامٌّ مُسْتَقَرٌّ فَلَوْ أَقْدَمَ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَ الْأَمَةَ أو وَطِئَهَا لم يَكُنْ ذلك فَسْخًا ولم يَنْفُذْ عِتْقُهُ قَالَهُ الْقَاضِي
وَذَكَرَ في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ احْتِمَالًا أَنَّ وطئه ( ( ( وطأه ) ) ) اسْتِرْجَاعٌ وَرَدَّهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ
____________________
(4/435)
قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ من قِصَاصٍ أو غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذلك فَلَا شَيْءَ له بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ أو الْأَرْشُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ حتى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ
يَعْنِي يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَخَرَّجَ مَالِكٌ الْفَسْخَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ الذي وَزَنَهُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ لو كانت الْجِنَايَةُ من الْعَبْدِ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَتِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَهَلْ يَمْنَعُ ذلك رَدَّهُ بِعَيْبِهِ على رِوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ ذلك ليس بِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قبل الْبَيْعِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى ما كان مُسْتَحَقًّا فَلَا يُسْقِطُ ذلك حَقَّ الْمُشْتَرِي من الرَّدِّ
قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَشْرَكْتُك في نِصْفِهِ أو بِثُلُثِهِ
بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ لَكِنْ لو قال أَشْرَكْتُك وَسَكَتَ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لَقِيَهُ آخَرُ فقال أَشْرِكْنِي عَالِمًا بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ وهو الرُّبْعُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَالِمًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ كُلَّهُ وهو النِّصْفُ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ لو بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ السِّلْعَةِ
____________________
(4/436)
الْمُشْتَرَكَةِ هل يَتَنَزَّلُ الْبَيْعُ على نِصْفٍ مَشَاعٍ وَإِنَّمَا له نِصْفُهُ وهو الرُّبْعُ أو على النِّصْفِ الذي يَخُصُّهُ بِمِلْكِهِ وَكَذَلِكَ في الْوَصِيَّةِ فيه وَجْهَانِ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَنَزَّلُ على النِّصْفِ الذي يَخُصُّهُ كُلِّهِ بِخِلَافِ ما إذَا قال له أَشْرَكَتْك في نِصْفِهِ وهو لَا يَمْلِكُ سِوَى النِّصْفِ فإنه يَسْتَحِقُّ منه الرُّبْعَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِي في الْمِلْكَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ
وَالْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النِّصْفِ حتى يَقُولَ نَصِيبِي وَإِنْ أُطْلِقَ تَنَزَّلَ على الرُّبْعِ انْتَهَى
وَقِيلَ يَأْخُذُ نِصْفَ ما في يَدِهِ وهو الرُّبْعُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ له نِصْفُ ما في يَدِهِ وَنِصْفُ ما في يد شَرِيكِهِ إنْ أَجَازَ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرِينَ لِطَالِبِ الشَّرِكَةِ وهو الْأَخِيرُ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِوُقُوفِهِ على الْإِجَازَةِ في الْوَجْهِ الثَّانِي وَيُجِيزُهُ الْآخَرُ
وَإِنْ كانت السِّلْعَةُ لِاثْنَيْنِ فقال لَهُمَا آخَر أَشْرِكَانِي فَأَشْرَكَاهُ مَعًا فَلَهُ الثُّلُث على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ له النِّصْفُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَإِنْ أَشْرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا كان له النِّصْفُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ
وَإِنْ قال أَشْرِكَانِي فيه فَشَرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وهو الصَّحِيحُ له السُّدُسُ وَعَلَى الثَّانِي له الرُّبْعُ
وَإِنْ قال أَحَدُهُمَا أَشْرَكْنَاكَ انْبَنَى على تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ وَأَجَازَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ له الْمَلِكُ في ثُلُثِهِ أو نِصْفِهِ على الْوَجْهَيْنِ
____________________
(4/437)
فَائِدَةٌ لو اشْتَرَى قَفِيزًا وَقَبَضَ نِصْفَهُ فقال له شَخْصٌ بِعْنِي نِصْفَ هذا الْقَفِيزِ فَبَاعَهُ انْصَرَفَ إلَى نِصْفِ الْمَقْبُوضِ
وَإِنْ قال أَشْرِكْنِي في هذا الْقَفِيزِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَفَعَلَ لم تَصِحَّ الشَّرِكَةُ إلَّا فِيمَا قَبَضَ منه فَيَكُونُ النِّصْفُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وقال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ كُلِّهِ فَيَكُونُ بَائِعًا لِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وما لَا يَصِحُّ فَيَصِحُّ في نِصْفِ الْمَقْبُوضِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لم يُقْبَضْ كما قُلْنَا في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ
قَوْلُهُ وَالْمُرَابَحَةُ أَنْ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ فيقول رَأْسُ مَالِي فيه مِائَةٌ بِعْتُكَهُ بها وَرِبْحَ عَشَرَةٍ أو على أَنْ أَرْبَحَ في كل عَشَرَةٍ دِرْهَمًا
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وهو قَوْلُهُ بِعْتُكَهُ بها وَرِبْحَ عَشَرَةٍ لَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ على أَنْ أَرْبَحَ في كل عَشَرَةٍ دِرْهَمًا مَكْرُوهَةٌ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
نَقَلَ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ كُرِهَ بَيْعُ ده يازده وهو هذا
وَنَقَلَ أبو الصَّقْرِ هو الرِّبَا وَاقْتَصَرَ عليه أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ
وَنَقَلَ أَحْمَدُ بن هَاشِمٍ كَأَنَّهُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ
وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَذَكَرَهُ رِوَايَةً في الْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَحَيْثُ قُلْنَا إنَّهُ ليس بِرِبًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَالْمُوَاضَعَةُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك بها وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ من كل عَشَرَةٍ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/438)
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من دِرْهَمٍ كما لو قال وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أو عن كل عَشَرَةٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الشَّارِحُ وَهَذَا غَلَطٌ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَتِسْعَةُ أَعْشَارِ دِرْهَمٍ وَحَكَاهُ الْأَزَجِيُّ رِوَايَةً قال في الرِّعَايَةِ وهو سَهْوٌ وهو كما قال
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مَتَى بَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ حَطَّ الزِّيَادَةَ وَيَحُطُّ في الْمُرَابَحَةِ قِسْطَهَا وَيُنْقِصُهُ في الْمُوَاضَعَةِ وَلَا خِيَارَ له فيها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ بَلَى
الثَّانِيَةُ حُكْمُ بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ في الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا حُكْمُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ولم يُبَيِّنْ ذلك لِلْمُشْتَرِي في تَخْيِيرِهِ بِالثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بين الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ
هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
وَعَنْهُ يَأْخُذُهُ مُؤَجَّلًا وَلَا خِيَارَ له نَصَّ عليه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فإنه يَأْخُذُهُ مُؤَجَّلًا على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَعَنْهُ يَأْخُذُهُ حَالًّا أو يَفْسَخُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا
____________________
(4/439)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو عَلِمَ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ حَبَسَ الثَّمَنَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى الْبَائِعُ غَلَطًا وأن ( ( ( أن ) ) ) الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِمَّا أخبره بِهِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بينة ( ( ( ببينة ) ) ) مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عليه وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
وَعَنْهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مع يَمِينِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
وقال بن رَزِينِ في شَرْحِهِ وهو الْقِيَاسُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ
وَعَنْهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كان مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ وَإِلَّا فَلَا
وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً حتى يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَتَيْنِ في الْكَافِي
فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ أو كانت له وَقُلْنَا لَا يُقْبَلُ فَادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلَطٌ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذلك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الصَّحِيحُ أَنَّ عليه الْيَمِينَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
الثَّالِثَةُ لو بَاعَهَا بِدُونِ ثَمَنِهَا عَالِمًا لَزِمَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخَرَّجَهَا الْأَزَجِيُّ على التي قَبْلَهَا
____________________
(4/440)
قَوْلُهُ أو بِأَكْثَرَ من ثَمَنِهِ حِيلَةً
مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ من غُلَامٍ دُكَّانَهُ لِحُرٍّ أو غَيْرِهِ على وَجْهِ الْحِيلَةِ لم يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حتى يَتَبَيَّنَ
وَإِنْ لم يَكُنْ حِيلَةً فقال الْقَاضِي إذَا بَاعَ غُلَامٌ دُكَّانَهُ سِلْعَةً ثُمَّ اشْتَرَى منه بِأَكْثَرَ من ذلك لم يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حتى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ في حَقِّهِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَظَاهِرُ الْفَائِقِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
قَوْلُهُ أو بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا من الثَّمَنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك لِلْمُشْتَرِي في تَخْيِيرِهِ بِالثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ
هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كانت السِّلْعَةُ كُلُّهَا له أو الْبَعْضُ الْمَبِيعُ إذَا كان الْجَمِيعُ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً مُطْلَقًا من اللَّذَيْنِ اشْتَرَيَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَعَنْهُ عَكْسُهُ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كان الْمَبِيعُ من الْمُتَقَوِّمَاتِ التي لَا يَنْقَسِمُ عليها الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا
فَأَمَّا إنْ كان من الْمُتَمَاثِلَاتِ التي يَنْقَسِمُ عليها الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا الْمُتَسَاوِي فإنه يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قَوْلُهُ وما يُزَادُ في الثَّمَنِ أو يُحَطُّ منه في مُدَّةِ الْخِيَارِ
يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَيُخْبِرُ بِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ في زَمَنِ الْخِيَارِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ
____________________
(4/441)
كما بَعْدَ اللُّزُومِ على ما يَأْتِي ذِكْرُهُ في الرِّعَايَةِ ولم يُقَيِّدْهُ في الْفُرُوعِ بِانْتِقَالٍ وَلَا بِعَدَمِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو زَادَ في الثَّمَنِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ مِثْلُ ذلك لو زَادَ أَجَلًا أو خِيَارًا في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَلَوْ حَطَّ كُلَّ الثَّمَنِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أو يَصِحُّ أو يَكُونُ هِبَةً يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا
قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذلك هِبَةً
قَوْلُهُ أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيْبٍ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ
أَيْ يُحَطُّ منه وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّاب جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهَادِي وَالْمُصَنِّفُ هُنَا
وقال الْقَاضِي يُخْبَرُ بِذَلِكَ على وَجْهِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وقال هو أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصطلحناه لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لِجِنَايَةٍ عليه يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ
يَعْنِي يُحَطُّ من رَأْسِ الْمَالِ وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ قَالَهُ في الشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهَادِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ عليه أَنْ يُخْبِرَ بِهِ على وَجْهِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وقال هو أَوْلَى وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَانْتَصَرَ له وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ
____________________
(4/442)
قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا يُحَطُّ ها هنا من الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو أَخَذَ نَمَاءَ ما اشْتَرَاهُ أو اسْتَخْدَمَهُ أو وَطِئَهُ لم يَجِبْ بَيَانُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ كَنَقْصِهِ
الثَّانِيَةُ لو رَخُصَتْ السِّلْعَةُ عن قَدْرِ ما اشْتَرَاهَا بِهِ لم يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قال في الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قُلْت وهو قَوِيٌّ فإن الْمُشْتَرِيَ لو عَلِمَ بِذَلِكَ لم يَرْضَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَفِيهِ نَوْعُ تَغْرِيرٍ ثُمَّ وَجَدْت في الْكَافِي قال الْأَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ
الثَّالِثَةُ لو اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ لِرَغْبَةٍ تَخُصُّهُ كَحَاجَتِهِ إلَى إرْضَاعٍ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِالْحَالِ وَيَصِيرُ كَالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ الذي كان حَالَ الشِّرَاءِ ذَكَرَهُ الْفُنُونُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ فِيهِمَا
قَوْلُهُ أو زِيدَ في الثَّمَنِ أو حُطَّ منه بَعْدَ لُزُومِهِ لم يُلْحَقْ بِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُلْحَقُ بِهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك آخِرَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
فَائِدَةٌ هِبَةُ مُشْتَرٍ لِوَكِيلٍ بَاعَهُ كَزِيَادَةٍ وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ
____________________
(4/443)
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَقَصَّرَهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِهِ على وَجْهِهِ فَإِنْ قال تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ فَهَلْ يَجُوزُ ذلك على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ لَا يَجُوزُ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ وهو احْتِمَالٌ في الْهِدَايَةِ
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذلك حُكْمًا وَخِلَافًا وَمَذْهَبًا أُجْرَةُ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَمَتَاعِهِ وَحَمْلِهِ وَخِيَاطَتِهِ
قال الْأَزَجِيُّ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَا
قال أَحْمَدُ إذَا بَيَّنَ فَلَا بَأْسَ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِذَلِكَ على وَجْهِهِ فَإِنْ قال اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ جَازَ
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وقال أَصْحَابُنَا يُحَطُّ الرِّبْحُ من الثَّمَنِ الثَّانِي وَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كما قال الْمُصَنِّفُ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ
وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِحْبَابُ ذلك لَا أَنَّهُ على سَبِيلِ اللُّزُومِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ حَطِّ الرِّبْحِ أَمَّا إذَا لم يَبْقَ شَيْءٌ فإنه يُخْبِرُ بِالْحَالِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُمْ
____________________
(4/444)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اشْتَرَى شَخْصٌ نِصْفَ سِلْعَةٍ بِعَشَرَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهَا بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَاهَا مُسَاوَمَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قال في الْحَاوِي رِوَايَةً وَاحِدَةً قال بن رَزِينٍ إجْمَاعًا
وَخَرَّجَ أبو بَكْرٍ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ على قَدْرِ رؤوس أَمْوَالِهِمَا كَشَرِكَةِ الِاخْتِلَاطِ
وَإِنْ بَاعَاهَا مُرَابَحَةً أو مُوَاضَعَةً أو تَوْلِيَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَعَنْهُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ رؤوس أَمْوَالِهِمَا نَقَلَهَا أبو بَكْرٍ وَأَنْكَرَهَا الْمُصَنِّفُ
لَكِنْ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَ بن هَانِئٍ وَحَنْبَلٌ على رَأْسِ مَالِهِمَا وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وقال وَقِيلَ الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَجْهٌ خَرَّجَهُ أبو بَكْرٍ انْتَهَى
وَعَنْهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ وَالرِّبْحُ نِصْفَانِ
الثَّانِيَةُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمُسَاوَمَةُ عِنْدِي أَسْهَلُ من بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَذَلِكَ لِضِيقِ الْمُرَابَحَةِ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ شَيْءٍ من النَّقْدِ وَالْوَزْنِ وَتَأْخِيرِ الثَّمَنِ وَمِمَّنْ اشْتَرَاهُ وَيَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ وَالرَّقْمُ وَالْقِصَارَةُ وَالسَّمْسَرَةُ وَالْحَمْلُ وَلَا يَغُرَّ فيه وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يُزِيدَ على ذلك شيئا إلَّا بَيَّنَهُ له لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ ما يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ انْتَهَى
قُلْت اما بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ في هذه الْأَزْمَانِ فَهُوَ أَوْلَى لِلْمُشْتَرِي وَأَسْهَلُ
قَوْلُهُ وَمَتَى اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا
____________________
(4/445)
هذا الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ صُورَةً وَكَذَا حُكْمُ السَّمَاعِ لِبَيِّنَةِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَلَا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِاتِّفَاقِنَا انْتَهَى
وَعَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يَمِينِهِ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى وبن الْمُنْذِرِ وَذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ الْمَنْصُوصُ كَاخْتِلَافِهِمَا بعد ( ( ( بحد ) ) ) قَبْضِهِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ في الْمَنْصُوصِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذه الرِّوَايَةُ وَإِنْ كانت خَفِيَّةً مَذْهَبًا فَهِيَ ظَاهِرَةٌ دَلِيلًا وَذَكَرَ دَلِيلَهَا وَمَالَ إلَيْهَا وَعَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي
وَنَقَلَ أبو دَاوُد قَوْلُ الْبَائِعِ أو يَتَرَادَّانِ قِيلَ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قال كَذَلِكَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ إنْ كان قبل الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَإِنْ كان بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي حَكَاهَا أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ
قَوْلُهُ فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ ما بِعْته بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْته بِكَذَا ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي ما اشْتَرَيْته بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِكَذَا
اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا من الْمُتَبَايِعَيْنِ يَذْكُرُ في يَمِينِهِ أثباتا وَنَفْيًا وَيَبْدَأُ بِالنَّفْيِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قال الْمُصَنِّفُ
وَعَنْهُ يُبْدَأُ بِالْإِثْبَاتِ وَذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا وَذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ قَوْلًا فيقول الْبَائِعُ بِعْته بِكَذَا لَا بِكَذَا وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِكَذَا لَا بِكَذَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ يَذْكُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا فَظَاهِرُهُ أَنَّ خِلَافَ الْأَشْهَرِ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا أَعْنِي الْإِثْبَاتَ أو النَّفْيَ
وقد قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى حَلَفَ الْبَائِعُ ما بَاعَهُ إلَّا بِكَذَا ثُمَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ ما اشْتَرَاهُ إلَّا بِكَذَا
____________________
(4/446)
قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ ما قال صَاحِبُهُ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ لو نَكَلَ مُشْتَرٍ عن إثْبَاتٍ قضى عليه
قال في التَّلْخِيصِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عن الْإِثْبَاتِ قضى عليه بِتَخْيِيرِ الْبَائِعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَحَالَفَا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يَقِفُ الْفَسْخُ على الْحَاكِمِ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَقَطَعَ بِهِ بن الزَّاغُونِيِّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ يَنْفَسِخُ قال بن الزَّاغُونِيِّ وهو الْمَنْصُوصُ
وَكَذَا لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لو امْتَنَعَ الْبَائِعُ من إعْطَائِهِ بِمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من الْأَخْذِ بِمَا قَالَهُ الْبَائِعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ إبَائِهِمَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت السِّلْعَةُ تَالِفَةً رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا
وهو كَالصَّرِيحِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مع تَلَفِ السِّلْعَةِ وقد دخل ذلك في عُمُومِ قَوْلِهِ وَمَتَى اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال في التَّلْخِيصِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ التَّحَالُفُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْخِرَقِيُّ وَتَذْكِرَةِ
____________________
(4/447)
بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَنَصَرَهُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
وَعَنْهُ لَا يَتَحَالَفَانِ إنْ كانت تَالِفَةً وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَنَصُّهُمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ التَّحَالُفُ وَلَا الْفَسْخُ فِيمَا إذَا كانت قِيمَةُ السِّلْعَةِ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الذي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في ذلك لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِهِ الرُّجُوعُ إلَى ما ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كانت الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ في الْفَسْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْيَمِينُ وَلَا الْفَسْخُ لِأَنَّ ذلك ضَرَرٌ عليه من غَيْرِ فَائِدَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْرَعَ لِتَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ لِلْمُشْتَرِي انْتَهَيَا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا هَكَذَا قال الْخِرَقِيُّ وَشُرَّاحُهُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ
وقال في التَّلْخِيصِ ثُمَّ يَرُدُّ عَيْنَ الْمَبِيعِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ إنْ كانت بَاقِيَةً وَإِلَّا فَمِثْلَهَا فَإِنْ لم تَكُنْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا
فَاعْتُبِرَ الْمِثْلِيَّةُ فَإِنْ لم تَكُنْ مِثْلِيَّةً فَالْقِيمَةُ وَالْجَمَاعَةُ أَوْجَبُوا الْقِيمَةَ وَأَطْلَقُوا
الثَّانِي قَوْلُهُ في الرِّوَايَةِ الْأُولَى رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي في قِيمَةِ التَّالِفِ نَقَلَهُ محمد بن الْعَبَّاسِ في قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في صِفَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي
____________________
(4/448)
فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الِاخْتِلَافُ في صِفَةِ الْعَيْنِ أو الْعَيْبِ
أَمَّا صِفَةُ الْعَيْنِ فَلَا خِلَافَ فيها أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كانت الصُّفَّةُ عَيْبًا كَالْبَرَصِ وَالْخَرْقِ في الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ في نَفْيِ ذلك
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ رضي الْمُشْتَرِي بِمَا قال الْبَائِعُ وَإِلَّا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى ما خَرَجَ منه فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كان قد قَبَضَ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ فَإِنْ تَسَاوَيَا وَكَانَا من جِنْسٍ تَقَاصَّا وَتَسَاقَطَا على ما يَأْتِي وَإِلَّا سَقَطَ الْأَقَلُّ وَمِثْلُهُ من الْأَكْثَرِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ أَنَّ الْقِيمَةَ إذَا زَادَتْ عن الثَّمَنِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ قال الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بين دَفْعِ الثَّمَنِ الذي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَبَيْنَ دَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدَّعِي الزِّيَادَةَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ أبي الْخَطَّابِ كَكَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَلَيْسَ فيه أَنَّ ذلك بَعْدَ الْفَسْخِ بَلْ هذا التَّخْيِيرُ مُصَرِّحٌ بِهِ بِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَلَيْسَ إذْ ذَاكَ فَسْخٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْحَالَةُ هذه يُخَيَّرُ على الْمَشْهُورِ
وَاَلَّذِي قَالَهُ بن مُنَجَّا بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَعْنِي جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِيَ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فإنه حَكَى عنه بَعْدَ ذلك أَنَّهُ قال وُجُوبُ الزِّيَادَةِ أَظْهَرُ لِأَنَّ بِالْفَسْخِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الثَّمَنِ
وَبَحَثَ ذلك الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا فقال يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا تجب ( ( ( يجب ) ) ) قِيمَتُهُ إلَّا إذَا كانت أَقَلَّ من الثَّمَنِ أَمَّا إنْ كانت أَكْثَرَ فَهُوَ قد رضي بِالثَّمَنِ فَلَا يُعْطَى زِيَادَةً لِاتِّفَاقِهِمَا على عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا
____________________
(4/449)
وَمِثْلُ هذا في الصَّدَاقِ وَلَا فَرْقَ إلَّا أَنَّ هُنَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ الذي هو سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فإن المقتضى لِاسْتِحْقَاقِهِ قَائِمٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا أو بَاطِنًا وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ لم يَنْفَسِخْ في حَقِّهِ بَاطِنًا وَعَلَيْهِ إثْمُ الْغَاصِبِ
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ إنْ فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ فَسَخَهُ الْكَاذِبُ عَالِمًا بِكَذِبِهِ لم يَنْفَسِخْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ
فَوَافَقَ اخْتِيَارُهُ في الْمُغْنِي ما جَزَمَ بِهِ هُنَا
وَوَافَقَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ فقال وَيَنْفَسِخُ ظَاهِرًا فَقَطْ لِفَسْخِ أَحَدِهِمَا ظُلْمًا وَمُطْلَقًا لِفَسْخِ الْمَظْلُومِ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ فقال
% وَإِنْ فَسَخَ الْمَظْلُومُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا % وَيَنْفُذُ فَسْخُ الْمُعْتَدِي ظَاهِرًا قد %
ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ
وقال في الْوَجِيزِ وإذا فَسَخَ الْعَقْدَ انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُطْلَقًا وَيَنْفُذُ فَسْخُ الْمُعْتَدِي
فَأَدْخَلَ الظَّالِمَ وَالْمَظْلُومَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
ثُمَّ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ مع ظُلْمِ الْبَائِعِ وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا
وَقِيلَ وَبَاطِنًا في حَقِّ الْمَظْلُومِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَمَعَ ظُلْمِ الْبَائِعِ وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَقِيلَ وَبَاطِنًا وَمَعَ ظُلْمِ الْمُشْتَرِي وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فيباح ( ( ( فيباع ) ) ) لِلْبَائِعِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ في الْمَبِيعِ وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ بَاطِنًا
وَمَعَ فَسْخِ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا انْتَهَى
وقال في الْهِدَايَةِ فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فقال شَيْخُنَا يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَيُبَاحُ لِلْبَائِعِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ في الْمَبِيعِ
____________________
(4/450)
وَعِنْدِي إنْ كان الْبَائِعُ ظَالِمًا انْفَسَخَ في الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ لِأَنَّهُ كان يُمْكِنُهُ إمْضَاءُ الْعَقْدِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ فإذا فَسَخَ فَقَدْ تَعَدَّى فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يُبَاحُ له التَّصَرُّفُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ
وَإِنْ كان الْمُشْتَرِي هو الظَّالِمُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ فَكَانَ له الْفَسْخُ كما لو أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي انْتَهَى
وَتَابَعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالشَّرْحِ
وقال في الْخُلَاصَةِ وَيَنْفَسِخُ في الْبَاطِنِ وَقِيلَ إنْ كان الْبَائِعُ ظَالِمًا لم يَنْفَسِخْ في الْبَاطِنِ
وقال في الْمَذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَمَتَى وَقَعَ الْفَسْخُ انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا في حَقِّهِمَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وفي الْآخَرِ إنْ كان الْبَائِعُ ظَالِمًا انفسخ في الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ
وهو كما قال في الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا وَقَيَّدَ هو
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ عن كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بين الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ سَوَاءٌ كان الظَّالِمُ الْبَائِعَ أو الْمُشْتَرِيَ
ولم أَجِدْ نَقْلًا صَرِيحًا يُوَافِقُ ذلك وَلَا دَلِيلًا يَقْتَضِيهِ بَلْ الْمَنْقُولُ في مِثْلِ ذلك وَذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ انْتَهَى
وهو عَجِيبٌ منه فإن الْمَسْأَلَةَ ليس فيها مَنْقُولٌ صَرِيحٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حتى يُخَالِفَهُ بَلْ الْمَنْقُولُ فيها عن الْأَصْحَابِ وهو من أَعْظَمِهِمْ
وقد اخْتَارَ ما قَطَعَ بِهِ هُنَا في الْمُغْنِي فقال وَيَقْوَى عِنْدِي ذلك وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَذَكَرَهُ قَوْلًا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَقَوْلُهُ وَلَا وَجَدْت دَلِيلًا يَقْتَضِيهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فإن فَسْخَ الْمَظْلُومِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
واما فَسْخُ الظَّالِمِ لِلْعَقْدِ فإنه لَا يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له الْفَسْخُ فلم يَثْبُتْ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ
____________________
(4/451)
وَهَذِهِ عَادَةُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ مع الْمُصَنِّفِ إذَا لم يَطَّلِعْ على مَنْقُولٍ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتَرَضَ عليه وَهَذَا ليس بِجَيِّدٍ فإن الِاعْتِذَارَ عنه أَوْلَى من ذلك وَالْمُصَنِّفُ إمَامٌ جَلِيلٌ له اخْتِيَارٌ وَاطِّلَاعٌ على ما لم يَطَّلِعْ عليه
إذَا عَلِمْت ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ في حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُطْلَقًا كما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ إنْ كان الْبَائِعُ ظَالِمًا انْفَسَخَ في حَقِّهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَإِنْ كان الْمُشْتَرِي ظَالِمًا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ
إذَا كان لِلْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ وَاخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ أُخِذَ بِهِ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَإِنْ كان في الْبَلَدِ نُقُودٌ فقال في الْفُرُوعِ أُخِذَ بِالْغَالِبِ وَعَنْهُ الْوَسَطُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَعَنْهُ الْأَقَلُّ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَتَحَالَفَانِ
وقال في الْمُحَرَّرِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى أَغْلَبِ نُقُودِ الْبَلَدِ فَإِنْ تَسَاوَتْ فَأَوْسَطُهَا وقال الْقَاضِي يَتَحَالَفَانِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أُخِذَ نَقْدُ الْبَلَدِ أو غَالِبُهُ إنْ تَعَدَّدَتْ نُقُودُهُ نَصَّ عليه فَإِنْ اسْتَوَتْ فَالْوَسَطُ وَمِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ حَلَفَ وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ
زَادَ في الْكُبْرَى وَقِيلَ إنْ قال بِعْتُك هذا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ وَهُنَاكَ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلَهُ أَقَلُّ ذلك
____________________
(4/452)
فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ وَلِلْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَهُ أَدْنَاهَا لِأَنَّهُ الْيَقِينُ
وقال في الْهِدَايَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ فَإِنْ كان فيه نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا
وقال شَيْخُنَا يَتَحَالَفَانِ وَكَذَا قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إنْ كان في الْبَلَدِ نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
قَالَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا كان هو الْأَغْلَبُ وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ أَكْثَرُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْمُعَامَلَةِ بِهِ أَشْبَهُ ما إذَا كان في الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَدَّهُمَا إلَيْهِ مع التَّسَاوِي لِأَنَّ فيه تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا في الْحَقِّ وَتَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا وفي الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ مَيْلٌ على أَحَدِهِمَا فَكَانَ التَّوَسُّطُ أَوْلَى وَعَلَى مُدَّعِي ذلك الثَّمَنُ انْتَهَى
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَإِنْ كان لِلْبَلَدِ نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ فَإِنْ كانت مُتَسَاوِيَةً تَحَالَفَا انْتَهَى
وقال في الْخُلَاصَةِ أُخِذَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ
وقال في التَّلْخِيصِ فَإِنْ كان فيه نُقُودٌ فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَسَطِ أو يَتَحَالَفَانِ على وَجْهَيْنِ
وقال في الْفَائِقِ إذَا اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ وَغَالِبِهِ نُصَّ عليه وَلَوْ تَسَاوَتْ نُقُودُهُ فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَسَطِ أو يَتَحَالَفَانِ على وَجْهَيْنِ
وقال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَيَلْزَمُ نَقْدُ الْبَلَدِ أو غَالِبُهُ أو أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَةِ أو وَسَطُ الْمُتَقَارِبَةِ بِحَلِفِهِمَا في صِفَةِ الثَّمَنِ
إذَا عَلِمْت ذلك فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا قَطَعَ بالتحالف ( ( ( التحالف ) ) ) إذَا كان في الْبَلَدِ نُقُودٌ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
____________________
(4/453)
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ لَكِنْ هل يُؤْخَذُ الْغَالِبُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قال في الْمُحَرَّرِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ نَصَّ عليه
أو يُؤْخَذُ الْوَسَطُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
أو يُؤْخَذُ الْأَقَلُّ فيه ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
وَالثَّالِثَةُ قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ كما تَقَدَّمَ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ في الْكَلَامِ على رِوَايَةِ الْوَسَطِ
وَلَنَا قَوْلٌ رَابِعٌ بِالتَّحَالُفِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ تَسَاوَتْ النُّقُودُ ولم يَكُنْ فيها غَالِبٌ فقال في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ أُخِذَ الْوَسَطُ لَكِنْ قال في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ هل يُؤْخَذُ الْوَسَطُ أو يَتَحَالَفَانِ على وَجْهَيْنِ كما تَقَدَّمَ
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن عَبْدُوسٍ
وَالْوَسَطُ الذي في الْفُرُوعِ غَيْرُ الْمُوَسَّطِ الذي في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ فَلْيُعْلَمْ ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في أَجَلٍ أو شَرْطٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ من يَنْفِيهِ
هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُقَدَّمُ قَوْلُ من يَنْفِي أَجَلًا أو شَرْطًا على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَالْمُنَوِّرِ
وقال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْهَادِي
____________________
(4/454)
وَعَنْهُ يَتَحَالَفَانِ جَزَمَ بِهِ في تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ مِثْلُ ذلك خِلَافًا وَمَذْهَبًا إذَا اخْتَلَفَا في رَهْنٍ أو في ضَمِينٍ أو في قَدْرِ الْأَجَلِ أو الرَّهْنِ أو الْمَبِيعِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ من يَنْفِيهِ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أو لَا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كان لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ من يَنْفِيهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ يَتَحَالَفَانِ وَيَأْتِي كَلَامُ بن عَبْدُوسٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَإِنْ كان يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ من يَنْفِيهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه في دَعْوَى عَبْدٍ عَدَمَ الْإِذْنِ وَدَعْوَى أَنَّهُ كان صَغِيرًا حَالَةَ الْعَقْدِ
وَفِيمَنْ يَدَّعِي الصِّغَرَ وَجْهٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ وقال لم أَكُنْ بَالِغًا
وَقَطَعَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ أَنَّهُ لو ادَّعَى الصِّغَرَ أو السَّفَهَ حَالَةَ الْبَيْعِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ
وقال في الِانْتِصَارِ في مُدِّ عَجْوَةٍ لو اخْتَلَفَا في صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مدعى فَسَادِهِ
____________________
(4/455)
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الضَّمَانِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا ضَمِنَ أو أَقَرَّ وَادَّعَى أَنَّهُ كان صَغِيرًا حَالَةَ الضَّمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِأَتَمَّ من هذا
قَوْلُهُ وَإِنْ قال بِعْتنِي هَذَيْنِ فقال بَلْ أَحَدَهُمَا يَعْنِي بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً وَصَحَّحَهَا وَقَدَّمَهُ في التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا
قال الشَّارِحُ هذا أَقْيَسُ وَأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قال في التَّلْخِيصِ هذا أَقْيَسُ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ في بَابِ الْمُزَارَعَةِ وَبَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ في قَدْرِ الْمَبِيعِ تَحَالَفَا ذَكَرَهُ عنه في التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال بِعْتنِي هذا فقال بَلْ هذا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما أَنْكَرَهُ ولم يَثْبُتْ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
هذا إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وفي الْهَادِي وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ حُكْمَ هذه الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ التي قَبْلَهَا وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ عن أَحْمَدَ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ في الْفُرُوعِ
____________________
(4/456)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا قُلْنَا يَتَحَالَفَانِ وَتَحَالَفَا فَإِنْ كان ما ادَّعَاهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُهُ إذَا بَذَلَ له ثَمَنَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِبَيْعِهِ وَإِنْ لم يُعْطِهِ ثَمَنَهُ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وقال في الْمُنْتَخَبِ لَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ
واما إذَا كان بِيَدِ الْبَائِعِ فإنه يَقِرُّ في يَدِهِ ولم يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُهُ وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الْأَمَةِ لم يَطَأْهَا الْبَائِعُ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِبَيْعِهَا نَقَلَ جَعْفَرٌ هِيَ مِلْكٌ لِذَاكَ أَيْ الْمُشْتَرِي قال أبو بَكْرٍ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِجُحُودِهِ
وَيَأْتِي في الْوَكَالَةِ خِلَافُ خُرُوجِهِ في النِّهَايَةِ من الطَّلَاقِ
الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى الْبَيْعَ وَدَفْعَ الثَّمَنِ فقال بَلْ زَوَّجْتُك وَقَبَضْت الْمَهْرَ فَقَدْ اتَّفَقَا على إبَاحَةِ الْفَرْجِ له وَتُقْبَلُ دَعْوَى النِّكَاحِ بِيَمِينِهِ
وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ قَوْلًا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْبَيْعَ بِيَمِينِهِ
وَيَأْتِي عَكْسُهَا في أَوَائِلِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ
ذَكَرَ هذه الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ في أَوَاخِرِ بَابِ ما إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرُهُ
وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الْبَيْعِ في فَصْلٍ السَّابِعُ إذَا اخْتَلَفَا في صِفَةِ الْمَبِيعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ قال الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حتى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ وقال الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُهُ حتى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إلَيْهِمَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(4/457)
وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ على تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ على الْإِطْلَاقِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ أَوَّلًا ثُمَّ الثَّمَنَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ بَلْ يُسَلِّمُ إلَيْهِمَا مَعًا ونقله ( ( ( ونقل ) ) ) بن مَنْصُورٍ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَقِيلَ أَيُّهُمَا يَلْزَمُهُ الْبُدَاءَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَائِدَةٌ من قَدَرَ مِنْهُمَا على التَّسْلِيمِ وَامْتَنَعَ منه ضَمِنَهُ كَغَاصِبٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان دَيْنًا يَعْنِي في الذِّمَّةِ حَالًّا أُجْبِرَ الْبَائِعُ على التَّسْلِيمِ ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إنْ كان حَاضِرًا يَعْنِي في الْمَجْلِسِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ له حَبْسُهُ حتى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَالَّ كما لو خَافَ فَوَاتَهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ في الِانْتِصَارِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ
فَعَلَى ما اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لو سَلَّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي لم يَمْلِكْ بَعْدَ ذلك اسْتِرْجَاعَهُ وَلَا مَنْعَ الْمُشْتَرِي من التَّصَرُّفِ فيه
قال في الْقَوَاعِدِ وهو خلاف ( ( ( بخلاف ) ) ) ما قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ الْقَرِيبِ
فَائِدَةٌ لو كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا لم يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّقْدِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْإِجَارَاتِ من خِلَافِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ
وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ بِدُونِ إذْنٍ صَرِيحٍ من الْبَائِعِ نَصَّ على ما قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْأَرْبَعِينَ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان غَائِبًا بَعِيدًا أو الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ
هذا الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ منهم صَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَقِيلَ له الْفَسْخُ مع إعْسَارِهِ فَقَطْ أو يَصْبِرُ مع الْحَجْرِ عليه قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
____________________
(4/458)
قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبَاعَ الْمَبِيعُ وَقِيلَ وَغَيْرُهُ من مَالِهِ في وَفَاءِ ثَمَنِهِ إذَا تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أو بُعْدٍ
تَنْبِيهٌ قد يُقَالُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان مُعْسِرًا بِهِ كُلِّهِ أو بِبَعْضِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا بِهِ كُلِّهِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ لو أَحْضَرَ نِصْفَ الثَّمَنِ فَهَلْ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ كُلَّهُ أو نِصْفَهُ أو لَا يَأْخُذُ شيئا حتى يَزْنِ الْبَاقِيَ أو يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ ما أَخَذَهُ
قال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
وَقِيلَ نَقْدُ بَعْضِ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَحْضَرَ نِصْفَ ثَمَنِهِ فَقِيلَ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَقِيلَ نِصْفَهُ وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مع خِيَارِ شَرْطٍ انْتَهَى
قُلْت أَمَّا أَخْذُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ فَفِيهِ ضَرَرٌ على الْبَائِعِ وَكَذَا أَخْذُ نِصْفِهِ لِلتَّشْقِيصِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شيئا من الْمَبِيعِ حتى يَأْتِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ
قال في الْفُرُوعِ وَمِثْلُهُ الْمُؤَجِّرُ بِالنَّقْدِ في الْحَالِّ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي مُعْسِرًا أَنَّهُ لو كان مُوسِرًا مُمَاطِلًا ليس له الْفَسْخُ وهو الصَّحِيحُ في الْحَالِّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فإنه قال له الْفَسْخُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان في الْبَلَدِ حَجَرَ على الْمُشْتَرِي في مَالِهِ كُلِّهِ حتى يُسَلِّمَهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ له الْفَسْخُ
____________________
(4/459)
قَوْلُهُ وَإِنْ كان غَائِبًا عن الْبَلَدِ قَرِيبًا اُحْتُمِلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ
وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهَادِي
وَاحْتُمِلَ أَنْ يُحْجَرَ على الْمُشْتَرِي من غَيْرِ فَسْخٍ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كان الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُحْبَسُ عن الْمُشْتَرِي نُصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَحْبِسُهُ إلَى أَجَلِهِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ
الثَّانِيَةُ مِثْلُ الْبَائِعِ في هذه الْأَحْكَامِ الْمُؤَجِّرُ بِالنَّقْدِ في الْحَالِّ قَالَهُ في الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا
أَنَّهُ سَوَاءٌ كان مَطْعُومًا أو غير مَطْعُومٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ مَحِلُّ ذلك إذَا كان مطعوما ( ( ( مطموعا ) ) ) مَكِيلًا أو مَوْزُونًا
وَعَنْهُ مَحَلُّ ذلك في الْمَطْعُومِ سَوَاءٌ كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا أو لَا
الثَّانِي أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَحْكَامَ بِمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لَا بِمَا يُبَاعُ من كَيْلٍ أو وَزْنٍ فَدَخَلَ في قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا الصُّبْرَةُ وهو
____________________
(4/460)
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِذَلِكَ إذَا بِيعَ بِالْكَيْلِ أو الْوَزْنِ لَا بِمَا بِيعَ من ذلك جُزَافًا كَالصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وقال هذا الْمَذْهَبُ
قال في التَّلْخِيصِ هذه الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَعَنْهُ في الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قبل قَبْضِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ فَهِيَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
الثَّالِثُ في اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ على الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إشْعَارٌ بِأَنَّ غَيْرَهُمَا ليس مِثْلَهُمَا في الْحُكْمِ وَلَوْ كان مَعْدُودًا أو مَذْرُوعًا وقد صَرَّحَ بِهِ في
قَوْلِهِ وما عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبل قَبْضِهِ
وهو وَجْهٌ قَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَعْدُودَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وقال لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فيه
وَالْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَذْرُوعَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ لم يَجُزْ بَيْعُهُ حتى يَقْبِضَهُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِبَائِعِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَوَّزَ التَّوْلِيَةَ فيه وَالشَّرِكَةَ وَخَرَّجَهُ من بَيْعِ دَيْنٍ
وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ ذلك وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(4/461)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لم يَجُزْ بَيْعُهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ هو مَمْنُوعٌ من بَيْعِهِ قبل قَبْضِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ بن مُشَيْشٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إجْمَاعًا
وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ ذَكَرَهَا في مَسْأَلَةِ نَقْلِ الْمَلِكِ زَمَنَ الْخِيَارِ
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ مِلْكُ الْبَائِعِ قَائِمٌ حتى يُوَفِّيَهُ الْمُشْتَرِي
فَائِدَتَانِ
إحداهما يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ في قَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ من زُبْرَةٍ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ ما يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وقال في الرَّوْضَةِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَلِهَذَا نَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْآخَرِ ما لم يَكِيلَا أو يَزِنَا
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال فَيَتَّجِهُ إذَنْ في نَقْلِ الْمَلِكِ رِوَايَتَا الْخِيَارِ
وقال في الرَّوْضَةِ وَلَا يُحِيلُ بِهِ قَبْلَهُ
وقال غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ كَهُمَا في رِوَايَةٍ
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ من الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ ما لم يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا
الثَّانِيَةُ الْمَبِيعُ بِرُؤْيَةٍ أو صِفَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ من ضَمَانِ الْبَائِعِ حتى يَقْبِضَهُ المشتري ( ( ( للمشتري ) ) ) وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فيه قبل قَبْضِهِ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا أو غَيْرَهُمَا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لم يَجُزْ بَيْعُهُ حتى يَقْبِضَهُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فيه بِغَيْرِ الْبَيْعِ
____________________
(4/462)
وهو اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ بَيْعِهِ لِبَائِعِهِ وَجَوَازَ التَّوْلِيَةِ فيه وَالشَّرِكَةِ وَهُنَا مَسَائِلُ
منها الْعِتْقُ وَيَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا
وَمِنْهَا رَهْنُهُ وَهِبَتُهُ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ وفي جَوَازِهِمَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في بَابِ الرَّهْنِ عَدَمُ جَوَازِ رَهْنِهِ حَيْثُ قال وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قبل قَبْضِهِ
قال في التَّلْخِيصِ ذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إجَارَتُهُ قبل الْقَبْضِ كَالْمَبِيعِ ثُمَّ ذَكَرَ في الرَّهْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُرْتَهِنِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ قبل قَبْضِهِ انْتَهَى
وَقَطَعَ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ في هذا الْبَابِ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْجَوَازَ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وقال في التَّلْخِيصِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ كان الثَّمَنُ قد قُبِضَ صَحَّ رَهْنُهُ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا فِيمَا نَقَلَاهُ عن الْأَصْحَابِ
وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهٌ آخَرُ بِجَوَازِ رَهْنِهِ على غَيْرِ ثَمَنِهِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ صِحَّةَ رَهْنِهِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ ذَكَرُوا ذلك في بَابِ الرَّهْنِ
وَيَأْتِي هُنَاكَ بِأَتَمَّ من هذا
وَمِنْهَا الْإِجَارَةُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ تَصِحُّ من بَائِعِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ
____________________
(4/463)
وَمِنْهَا الوصية ( ( ( التوصية ) ) ) بِهِ وَالْخُلْعُ عليه فَجَوَّزَهُ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ بِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قَطَعَ بِجَوَازِ جَعْلِهِ مَهْرًا مُعَلِّلًا بِأَنَّ ذلك غَرَرٌ يَسِيرٌ فَيُغْتَفَرُ في الصَّدَاقِ وَمِنْهُمْ الْمَجْدُ انْتَهَى
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَهْرًا
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا جَوَازَ التَّصَرُّفِ فيه بِغَيْرِ بَيْعٍ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ منهم عَدَمُ الْجَوَازِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ قبل قَبْضِهِ فَهُوَ من مَالِ الْبَائِعِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ كُلُّهُ وكان بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وكان من ضَمَانِ بَائِعِهِ وَكَذَا إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ لَكِنْ هل يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي في بَاقِيهِ أو يَفْسَخُ فيه روايتا ( ( ( روايتان ) ) ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وقد تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فيها
قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بين قَبُولِ الْمَبِيعِ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ له وَبَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّخْيِيرَ في الْبَاقِي وَأَنَّ التَّالِفَ يَسْقُطُ ما قَابَلَهُ من الثَّمَنِ انْتَهَى
وَأَمَّا في الْعَيْبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَتَعَيَّنُ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في تَلَفِ الْبَعْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بين فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ إمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِالْقِيمَةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا
____________________
(4/464)
وَقِيلَ إنْ أَتْلَفَهُ بَائِعُهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي
قال الزَّرْكَشِيُّ قد يُقَالُ إنَّ إطْلَاقَ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ ما رَوَى إسْمَاعِيلُ بن سَعِيدٍ إذَا كان التَّلَفُ من جِهَةِ الْبَائِعِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَمُطَالَبَةُ مُتْلِفِهِ بِالْقِيمَةِ كَذَا قال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ إلَّا الْمُحَرَّرَ بِقَوْلِهِمْ بِقِيمَتِهِ بِبَدَلِهِ وقد نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ يُطَالِبُ مُتْلِفَهُ في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بمثله
فَوَائِدُ
منها لو خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ وقال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ ثُبُوتُ الْخِيرَةِ في فَسْخِهِ
وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْخَلْطَ هل هو اشْتِرَاكٌ أو إهْلَاكٌ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْغَصْبِ
وَمِنْهَا لو اشْتَرَى شَاةً بِشَعِيرٍ فَأَكَلَتْهُ قبل الْقَبْضِ فَإِنْ لم تَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَالسَّمَاوِيِّ وَإِنْ كانت بِيَدِ الْمُشْتَرِي أو الْبَائِعِ أو أَجْنَبِيٍّ فَمِنْ ضَمَانِ من هِيَ بيده
وَمِنْهَا لو كان الْمَبِيعُ قَفِيزًا من صُبْرَةٍ أو رِطْلًا من زُبْرَةٍ فَتَلِفَتْ إلَّا قَفِيزًا أو رِطْلًا فَهُوَ الْمَبِيعُ
وَمِنْهَا لو اشْتَرَى عَبْدًا أو شِقْصًا بِمَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ أو مَعْدُودٍ أو مَذْرُوعٍ فَقَبَضَ الْعَبْدَ وَبَاعَهُ أو أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ تَلِفَ الطَّعَامُ قبل قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَلَا يَبْطُلُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَيَرْجِعُ مُشْتَرِي الطَّعَامِ على
____________________
(4/465)
مُشْتَرِي الْعَبْدِ أو الشِّقْصِ بِقِيمَةِ ذلك لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَعَلَى الشَّفِيعِ مِثْلُ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ عِوَضُ الشِّقْصِ
تَنْبِيهٌ يَأْتِي حُكْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ قبل قَبْضِهِمَا في بَابَيْهِمَا وَيَأْتِي حُكْمُ الثَّمَرَةِ إذَا بَاعَهَا على الشَّجَرِ هل يَجُوزُ بَيْعُهَا قبل جَذِّهَا وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ وما عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبل قَبْضِهِ وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي
وَهَذَا بِنَاءٌ منه على ما ذَكَرَهُ في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ
وقد تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْدُودَ وَالْمَذْرُوعَ كَهُمَا فما عَدَا هذه الْأَرْبَعَةَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبل قَبْضِهِ وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي كما قال الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَذْهَبُ كَأَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ
قال في التَّلْخِيصِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
قال في الْمُحَرَّرِ هذا الْمَشْهُورُ
قال في الشَّرْحِ هذا الْأَظْهَرُ
قال في الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ هذا الْأَشْهَرُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْأَشْهَرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ
وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ التصرف ( ( ( الصرف ) ) ) فيه إنْ لم يَكُنْ مَطْعُومًا
وفي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ رِوَايَةٌ يَجُوزُ في الْعَقَارِ فَقَطْ
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ في ذلك فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه مُطْلَقًا وَلَوْ ضَمِنَهُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في غَيْرِ الْفُصُولِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَعَلَهَا طَرِيقَةَ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ وقال عليه تَدُلُّ أُصُولُ أَحْمَدَ كَتَصَرُّفِ
____________________
(4/466)
الْمُشْتَرِي في الثَّمَرَةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ في الْعَيْنِ مع أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا وَعَكْسُهُ كَالصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ كما شُرِطَ قَبْضُهُ لِصِحَّتِهِ كَسَلَمٍ وَصَرْفٍ
وقال في الِانْتِصَارِ في الصَّرْفِ إنْ تَمَيَّزَ له الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ وَيَأْمُرُ الْبَائِعَ بِقَبْضِهِ في الْمَجْلِسِ وقال في التَّرْغِيبِ الْمُتَعَيِّنَانِ في الصرف ( ( ( العرف ) ) ) قبل ( ( ( قيل ) ) ) من صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ
وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ إلَّا هَؤُلَاءِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى ضَابِطُهُ الْمَبِيعُ مُتَمَيِّزٌ وَغَيْرُهُ فَغَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ مُبْهَمٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَقَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَنَحْوِهِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما يَقْتَضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ الِافْتِقَارِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُتَابَعُ عليها
وَمُبْهَمٌ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ حتى ( ( ( حق ) ) ) تَوْفِيَةٍ كَنِصْفِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ فَفِي الْبُلْغَةِ هو كَاَلَّذِي قَبْلَهُ
وفي التَّلْخِيصِ هو من الْمُتَمَيِّزَاتِ فيه الْخِلَافُ الْآتِي
وَالْمُتَمَيِّزُ قِسْمَانِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَبِعْتُكَ هذا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالْمُبْهَمِ الذي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَخَرَّجَ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ
وما لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالصُّبْرَةِ وَنَحْوِهَا من الذِّمِّيَّاتِ فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
الثَّانِيَةُ ما جَازَ له التَّصَرُّفُ فيه فَهُوَ من ضَمَانِهِ إذَا لم يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ تَمَكَّنَ من قَبْضِهِ أو لَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكُونُ من ضَمَانِهِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ من قَبْضِهِ
وقال ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْقَ بين ما يَتَمَكَّنُ من قَبْضِهِ وَغَيْرِهِ ليس هو الْفَرْقُ بين الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِهِ
____________________
(4/467)