الثَّالِثَةُ يقول في الصَّلَاةِ على الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إنْ كان هذا الْمَيِّتُ أو الشَّخْصُ إلَى آخره ( ( ( آخر ) ) ) قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ وأبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُمْ وَيَقُولُ في الصَّلَاةِ على الْمَرْأَةِ إنَّ هذه أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك إلَى آخِرِهِ
قَوْلُهُ وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ ولم يَذْكُرُ جَمَاعَةٌ منهم الْوُقُوفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِشَيْءٍ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وهو صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يَقِفُ قَلِيلًا بَعْدَهَا لِيُكَبِّرَ آخَرَ الصُّفُوفِ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
وَعَنْهُ يَقِفُ وَيَدْعُو اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ
قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ عن الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
____________________
(2/522)
وَقِيلَ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَاغْفِرْ لنا وَلَهُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قَالَهُ بن الزَّاغُونِيِّ وقال أَيْضًا كُلٌّ حَسَنٌ
وَذَكَرَ في الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً وَيَقُولُ أَيُّهُمَا شَاءَ قال في الْإِفَادَاتِ يقول رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ أو يَدْعُو وقال في الْبُلْغَةِ وَيَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ دُعَاءً يَسِيرًا وَعَنْهُ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ في الرَّابِعَةِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وَنَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ حَرْبٌ من كِبَارِ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يقول السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً عن يَسَارِهِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالثَّانِيَةِ من غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ
وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لم يَعْرِفْهُ
قَوْلُهُ عن ( ( ( على ) ) ) يَمِينِهِ
بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عليه وَيَجُوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ نَصَّ عليه وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْأَوْلَى وَتَقَدَّمَ في صِفَةِ الصَّلَاةِ هل تَجِبُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَمْ لَا
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ يُسِرُّ انْتَهَى
قُلْت قال في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَيْئَاتُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مع كل تَكْبِيرَةٍ وَالْإِخْفَاتُ بِالْأَذْكَارِ ما عَدَا التَّكْبِيرَةَ وَالِالْتِفَاتُ في التَّسْلِيمِ إلَى الْيَمِينِ
____________________
(2/523)
انْتَهَى وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عن يَمِينِهِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يُسِرُّهُ
قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ من ذلك الْقِيَامُ
تَبِعَ في ذلك أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُ إذَا كانت الصَّلَاةُ فَرْضًا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ والحاوى وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت وَقِيَاسُ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ من الْقَاعِدِ وَجَوَازُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَاعِدًا إذَا كان قد صلى عليه مَرَّةً انْتَهَى
قُلْت قد ذَكَرُوا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ الْأَرْكَانَ ولم يَذْكُرُوا الْقِيَامَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَالتَّكْبِيرَاتُ
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو تَرَكَ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَسَهْوًا يُكَبِّرُهَا ما لم يُطِلْ الْفَصْلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعِيدُهَا كما لو طَالَ
قَوْلُهُ وَالْفَاتِحَةُ
هذا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا تَجِبُ ولم يُوجِبْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقِرَاءَةَ بَلْ اسْتَحَبَّهَا وهو ظَاهِرُ نَقْلِ أبي طَالِبٍ وَنَقَلَ بن وَاصِلٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ وَعَنْهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ في الْمَقْبَرَةِ وَتَقَدَّمَتْ هذه الرِّوَايَةُ
قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(2/524)
في الْأَصَحِّ وقال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ يَجِبُ إنْ وَجَبَتْ في الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ ما اخْتَارَهُ في النُّكَتِ
قَوْلُهُ وَالسَّلَامُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ الْأُولَى وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ اثنتان خَرَّجَهَا أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَاجِبَ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ ذلك تَعَيُّنُ الْقِرَاءَةِ في الْأُولَى وَالصَّلَاةِ في الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ في الثَّالِثَةِ خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي ولم يَسْتَدِلَّ في الْكَافِي لِمَا قال وَقَالَهُ في الْوَاضِحِ في الْقِرَاءَةِ في الْأُولَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ وَسَبَقَ كَلَامُ الْمَجْدِ انْتَهَى
قُلْت صَرَّحَ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِالتَّعْيِينِ فقال وَأَقَلُّ ما يُجْزِئُ في الصَّلَاةِ سِتَّةُ أَرْكَانٍ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ وَالْفَاتِحَةُ بَعْدَ الْأُولَى والصلاة ( ( ( بعد ) ) ) على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَالتَّسْلِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً انْتَهَى فَوَائِدُ
يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ما يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ على ما تَقَدَّمَ إلَّا الْوَقْتَ
قال الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُضُورُ الْمَيِّتِ بين يَدَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ على جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ في الْمَسْبُوقِ قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ قُرْبُهَا من الْإِمَامِ مَقْصُودٌ كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ من الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ منها
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلصَّلَاةِ على جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ مَأْخَذَانِ الْأَوَّلُ اشْتِرَاطُ اسْتِقْرَارِ الْمَحَلِّ فَقَدْ يَخْرُجُ فيه ما في الصَّلَاةِ في السَّفِينَةِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ مع اسْتِيفَاءِ الْفَرَائِضِ وَإِمْكَانِ الِانْتِقَالِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالثَّانِي اشْتِرَاطُ مُحَاذَاةِ الْمُصَلِّي لِلْجِنَازَةِ بِحَيْثُ لو كانت أَعْلَى من رَأْسِهِ وَهَذَا قد يَخْرُجُ فيه ما في عُلُوِّ الْإِمَامِ على الْمَأْمُومِ
____________________
(2/525)
فَلَوْ وُضِعَتْ على كُرْسِيٍّ عَالٍ أو مِنْبَرٍ ارْتَفَعَ الْمَحْذُورُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي انْتَهَى
وقال أبو الْمَعَالِي أَيْضًا لو صلى على جِنَازَةٍ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ على الْأَعْنَاقِ أو على دَابَّةٍ أو صَغِيرٌ على يَدَيْ رَجُلٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ
وَلَوْ صلى عليها وَهِيَ من وَرَاءِ جِدَارٍ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَخِيرِ جائزة ( ( ( بلا ) ) ) وَلَوْ حَصَلَ بين الْجِنَازَةِ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ وَلَوْ وَقَفَ في مَوْضِعِ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ لم يَجُزْ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ على من في تَابُوتٍ مُغَطَّى وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ كَشْفُهُ عَادَةً وَلَا من وَرَاءِ جِدَارٍ أو حَائِلٍ غَيْرِهِ
وَقُلْت يَصِحُّ كَالْمَكِّيَّةِ انْتَهَى
وقال في الرِّعَايَةِ أَيْضًا وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فَإِنْ لم يُسَامِتْهُ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا تَطْهِيرُ الْمَيِّتِ بِمَاءٍ أو تَيَمُّمٍ لِعُذْرٍ أو عَدَمٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ صلى عليه
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا إسْلَامُ الْمَيِّتِ
وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَيِّتِ فَيَنْوِي الصَّلَاةَ على الْحَاضِرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ جَهِلَهُ نَوَى من يُصَلِّي عليه الْإِمَامَ وَقِيلَ لَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتَهُ وَأُنُوثِيَّتَهُ وَاسْمَهُ وَتَسْمِيَتُهُ في دُعَائِهِ وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ كَتَزْوِيجِهِ إحْدَى مُوَلِّيَتَيْهِ فَإِنْ بَانَ غَيْرُهُ فَجَزَمَ أبو الْمَعَالِي أنها لَا تَصِحُّ وقال إنْ نَوَى على هذا الرَّجُلِ فَبَانَ امْرَأَةً أو عَكْسَهُ فَالْقِيَاسُ الْإِجْزَاءُ لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ على الصِّفَةِ في الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا قال في الْفُرُوعِ وهو مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى عَيْنَهُ فإن عَيَّنَ مَيِّتًا فَبَانَ غَيْرُهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا كَبَّرُوا بتكبيرة ولم يُتَابَعْ على أَزِيدَ منها
وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(2/526)
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قال الشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ
وَعَنْهُ لَا يُتَابَعُ في زِيَادَةٍ على أَرْبَعٍ قال أبو الْمَعَالِي هذا الْمَذْهَبُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَعَنْهُ يُتَابَعُ إلَى سَبْعٍ وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ الْخَلَّالِ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وبن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحُسَيْنِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ تُوبِعَ على الْأَظْهَرِ إلَى سَبْعٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
وَعَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا الْمُخْتَارُ أَرْبَعًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فَوَائِدُ
إحداها لَا يُتَابَعُ الْإِمَامُ إذَا زَادَ على أَرْبَعٍ إذَا عَلِمَ أو ظَنَّ بِدْعَتَهُ أو رَفَضَهُ لِإِظْهَارِ شِعَارِهِمْ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ نَقَلَهُ عنه في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى من الْخِلَافِ في كَلَامِ الْأَصْحَابِ مع أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ خِلَافُ ذلك
الثَّانِيَةُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هل يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَادَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ على الرِّوَايَتَيْنِ في الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَدْعُو هُنَاكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْعُوَ هُنَا فِيمَا قبل الْأَخِيرَةِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَدْعُو هُنَاكَ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ
____________________
(2/527)
الثَّالِثَةُ لو كَبَّرَ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ ثَانِيَةٍ أو أَكْثَرَ فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا وقد بَقِيَ من ( ( ( في ) ) ) تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ جَازَ على غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَصَّ عليه وَخَرَّجَ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَدَمَ الْجَوَازِ بِكُلِّ حَالٍ
فَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَدْعُو عَقِيبَ كل تَكْبِيرَةٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَدَمُ الْجَوَازِ في كُلٍّ وهو أَصَحُّ
وَقِيلَ يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ مُتَتَابِعًا كَالْمَسْبُوقِ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وَقِيلَ يَقْرَأُ في الْخَامِسَةِ وَيُصَلِّي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّادِسَةِ وَيَدْعُو في السَّابِعَةِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ في الْمَذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ في الرَّابِعَةِ وَيُصَلِّي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْخَامِسَةِ وَيَدْعُو للميت ( ( ( وللميت ) ) ) في السَّادِسَةِ فَيَحْصُلُ لِلرَّابِعِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ قال في الْفُرُوعِ وفي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ التي حَضَرَتْ الْوَجْهَانِ وأطلقهما ( ( ( وأطلقهم ) ) ) أَيْضًا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالصَّلَاةَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْجِنَازَةِ لَا تُشْرَعُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وهو مُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ صَرَّحَ بِهِ بن حَمْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالْأَلِفُ في قَوْلِهِ وَالصَّلَاةُ زَائِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَوَائِدُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ عَمْدًا نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ تَبْطُلُ وَذَكَرَ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ أَرْبَعٍ عَمْدًا وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ لَا يُتَابَعُ عليها
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ قبل الْإِمَامِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ
____________________
(2/528)
بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي وَجْهًا يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُسَلِّمُ وَالْمُنْفَرِدُ كَالْإِمَامِ في الزِّيَادَةِ
وَالْمَسْبُوقُ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُجَاوِزِ إنْ شَاءَ قَضَى ما فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ معه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَالسَّلَامُ معه أَوْلَى وقال في الْفُصُولِ إنْ دخل معه في الرَّابِعَةِ ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ على الْجِنَازَةِ الرَّابِعَةِ ثَلَاثًا تَمَّتْ لِلْمَسْبُوقِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَإِنْ أَحَبَّ سَلَّمَ معه وَإِنْ أَحَبَّ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ لِتَتِمَّ صَلَاتُهُ على الْجَمِيعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَتِمُّ صَلَاتُهُ على الْجَمِيعِ وَإِنْ سَلَّمَ معه لِتَمَامِ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتِ لِلْجَمِيعِ وَالْمَحْذُورُ النَّقْصُ عن ثَلَاثٍ وَمُجَاوَزَةُ سَبْعٍ وَلِهَذَا لو جِيءَ بِجِنَازَةٍ خَامِسَةٍ لم يُكَبِّرْ عليها الْخَامِسَةَ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَيَجُوزُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَدْخُلَ بين التَّكْبِيرَتَيْنِ كَالْحَاضِرِ إجْمَاعًا وَكَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَنْتَظِرُ تكبيرة وقال في الْفُصُولِ إنْ شَاءَ كَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَيَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ لِلتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَيَتَّبِعُهُ كَمَسْبُوقٍ يَرْكَعُ إمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ يُتِمُّهَا ما لم يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ
وإذا كَبَّرَ الْإِمَامُ قبل فَرَاغِهِ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالْحَاضِرِ وَكَإِدْرَاكِهِ رَاكِعًا وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي وَجْهًا لَا يُدْرِكُ
وَيَدْخُلُ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ وَقِيلَ يَدْخُلُ إنْ قُلْنَا بَعْدَهُمَا ذِكْرٌ وَإِلَّا فَلَا وَيَقْضِي ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ أَرْبَعًا
قَوْلُهُ وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ من التَّكْبِيرَاتِ قَضَاهُ على صِفَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ قال بن مَنْجَا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ
____________________
(2/529)
وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وتذكره بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وقال الْخِرَقِيُّ يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا وَنَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال هو مَنْصُوصُ أَحْمَدَ
وقال الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ قبل إتْمَامِ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ مُتَوَالِيًا وَإِنْ لم تُرْفَعْ قَضَاهُ على صِفَتَهُ ذَكَره الشَّارِحُ
وقال الْمَجْدُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا خَشِيَ رَفْعَ الْجِنَازَةِ أَمَّا إنْ عَلِمَ بِعَادَةٍ أو قَرِينَةٍ انها تَنْزِلُ فَلَا تَرَدُّدَ أَنَّهُ يَقْضِي التَّكْبِيرَاتِ بِذِكْرِهَا على مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى
وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ فقال وَيَقْضِي ما فَاتَهُ على صِفَتِهِ فَإِنْ خَشِيَ رَفْعَهَا تَابَعَ رُفِعَتْ أَمْ لَا نَصَّ عليه وَقِيلَ على صِفَتِهِ وَالْأَصَحُّ إلَّا أَنْ ترفع ( ( ( ترتفع ) ) ) فَيُتَابِعُ انْتَهَى
قُلْت وَقَطَعَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ بِالْمُتَابَعَةِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ قَطَعَهُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُتِمُّهُ مُتَتَابِعًا
قَوْلُهُ فَإِنْ سَلَّمَ ولم يَقْضِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قُلْت منهم الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(2/530)
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِق وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجِبُ الْقَضَاءُ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ وبن عَقِيلٍ وقال اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وقال وَيَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ لِمَنْ صلى عليها أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يَحْرُمُ وَذَكَرَهُ في الْمُنْتَخَبِ نَصَّا وفي كَلَامِ الْقَاضِي الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ وقال في الْفُصُولِ لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ
وَقِيلَ يُصَلِّي ثَانِيًا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ وَالْمَجْدُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقال أَيْضًا في مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَنْ صلى على الْجِنَازَةِ فَلَا يُعِيدُهَا إلَّا لِسَبَبٍ مِثْلُ أَنْ يُعِيدَ غَيْرُهُ الصَّلَاةَ فَيُعِيدُهَا مَعَهُمْ أو يَكُونُ هو أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ من الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَيُصَلِّي بِهِمْ وَأَطْلَقَ في الْوَسِيلَةِ وَفُرُوعِ أبي الْحُسَيْنِ عن بن حَامِدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي ثَانِيًا لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاخْتَارَ بن حَامِدٍ وَالْمَجْدُ يُصَلِّي عليها ثَانِيًا تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا إجْمَاعًا
وَيَأْتِي قَرِيبًا اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ لِمَنْ لم يُصَلِّ وَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا صلى على الْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عليه بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كان في أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ لم يُصَلِّ عليه فَهُوَ مُسْتَثْنًى من النُّصُوصِ
قَوْلُهُ وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ على الْجِنَازَةِ صلى على الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُصَلِّي عليها إلَى سَنَةٍ وَقِيلَ يُصَلِّي عليها ما لم يَبْلَ
فَعَلَيْهِ لو شَكَّ في بِلَاهُ صلى على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُصَلِّي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
____________________
(2/531)
وَقِيلَ يصلى عليه أَبَدًا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو أَظْهَرُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ لَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الْقَاضِي كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا مَتَى صلى على الْقَبْرِ كان الْمَيِّتُ كَالْإِمَامِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُ
الثَّانِيَةُ حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ اول الْمُدَّةِ من وَقْتِ دَفْنِهِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال هذا الْمَشْهُورُ واختاره ( ( ( واختارها ) ) ) بن أبي مُوسَى
فَعَلَيْهِ لو لم يُدْفَنْ مُدَّةً تَزِيدُ على شَهْرٍ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عليه
وَقِيلَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ من حِينِ الْمَوْتِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
الثَّالِثَةُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ أَيْضًا فإن الصَّلَاةَ تَحْرُمُ بَعْدَهُ نَصَّ عليه
الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ صلى على الْقَبْرِ هذا مِمَّا لَا نِزَاعَ فيه أَعْلَمُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُصَلَّى على الْمَيِّتِ وهو في الْقَبْرِ صَرَّحَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَأَمَّا الصَّلَاةُ وهو خَارِجُ الْقَبْرِ في الْمَقْبَرَةِ فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فيه في بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
الْخَامِسَةُ من شَكَّ في الْمُدَّةِ صلى حتى يَعْلَمَ فَرَاغَهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ 2 الْوَجْهُ في شَكِّهِ في بَقَائِهِ
السَّادِسَةُ حُكْمُ الصَّلَاةِ على الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ في مِقْدَارِ الْمُدَّةِ كَحُكْمِ الصَّلَاةِ على الْقَبْرِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
____________________
(2/532)
وقال الْقَاضِي في تَخْرِيجِهِ إذَا تَفَسَّخَ الْمَيِّتُ فَلَا صَلَاةَ
السَّابِعَةُ لو فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مع الْجَمَاعَةِ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يُصَلِّيَ عليها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يصلى من لم يُصَلِّ إلَى شَهْرٍ وَقَيَّدَهُ بن شِهَابٍ وَقِيلَ لَا تُجْزِيهِ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ جَزَمَ بِهِ أبو الْمَعَالِي لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِلُ بها لِيَقْضِيَهَا بِدُخُولِهِ فيها قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَذَكَر الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ وَجْهًا أنها فَرْضُ كِفَايَةٍ مع سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالْأَوْلَى
وقال أَيْضًا فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ إذَا قام بها رَجُلٌ سَقَطَتْ ثُمَّ إذَا فَعَلَ الْكُلُّ ذلك كان كُلُّهُ فَرْضًا ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ لَكِنْ يُعْلَمُ إذَا فَعَلُوهُ جميعا فإنه لَا خِلَافَ فيه وفي فِعْلِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْبَعْضِ وَجْهَانِ
الثَّامِنَةُ لَا تجوز ( ( ( يجوز ) ) ) الصَّلَاةُ على الْمَيِّتِ من وَرَاءِ حَائِلٍ قبل الدَّفْنِ نَصَّ عليه لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَسَبَقَ أَنَّهُ كَإِمَامٍ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ في الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ كالمكية ( ( ( كالملكية ) ) ) وَتَقَدَّمَ ذلك في شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عليها
قَوْلُهُ وَيُصَلِّي على الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عليه وَقِيلَ يصلى عليه إنْ لم يَكُنْ صلي عليه وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عبد الْقَوِيِّ وَصَاحِبُ النَّظْمِ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ على الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ سَوَاءٌ كان قَرِيبًا أو بَعِيدًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ مُنْفَصِلًا عن الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذَّهَابُ إلَيْهِ نَوْعَ سَفَرٍ وقال أَقْرَبُ الْحُدُودِ ما تَجِبُ فيه الْجُمُعَةُ وقال الْقَاضِي يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً
____________________
(2/533)
فَائِدَةٌ مُدَّةُ جَوَازِ الصَّلَاةِ على الْغَائِبِ كَمُدَّةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ على الْقَبْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ يصلى على الْغَائِبِ مُطْلَقًا
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو الْوَاقِعُ في الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان في أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ لم يُصَلِّ عليه بِالنِّيَّةِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُصَلَّى عليه لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ بِمَشَقَّةِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ فيها تَخْرِيجٌ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ كانت الْبَلَدُ صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا الْبَلَدُ الصَّغِيرُ فَلَا يُصَلَّى على من في جَانِبِهِ بِالنِّيَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَيَّدَ مُحَقِّقُوهُمْ الْبَلَدَ بِالْكَبِيرِ وَمِنْهُمْ من أَطْلَقَ ولم يُقَيِّدْ انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ من أَطْلَقَ الْبَلَدُ الْكَبِيرُ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو حَضَرَ الْغَائِبُ الذي كان قد صلى عليه اُسْتُحِبَّ أَنْ يصلى عليه ثَانِيًا جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قُلْت فيعايي بها وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ من قَوْلِهِمْ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عليه على ما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ لَا يُصَلَّى مُطْلَقًا على الْمُفْتَرَسِ الْمَأْكُولِ في بَطْنِ السَّبُعِ وَاَلَّذِي قد اسْتَحَالَ بِاحْتِرَاقِ النَّارِ وَنَحْوِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في التَّلْخِيصِ على الْأَظْهَرِ
____________________
(2/534)
قال في الْفُصُولِ فَأَمَّا إنْ حَصَلَ في بَطْنِ السَّبُعِ لم يُصَلَّ عليه مع مُشَاهَدَةِ السَّبُعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُصَلَّى عَلَيْهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وتقدم ( ( ( فتقدم ) ) ) في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عليه
قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ على الْغَالِّ وَلَا من قَتَلَ نَفْسَهُ
مُرَادُهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وهو وَجْهٌ حَكَاهُ بن تَمِيمٍ وَحَكَى رِوَايَةً حَكَاهَا في الرِّعَايَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال هذا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ بِلَا رَيْبٍ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمَا حتى على بَاغٍ وَمُحَارِبٍ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُصَلَّى على غَيْرِ الْغَالِّ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ قِسْمَانِ
أَحَدُهُمَا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عليهم وَعَنْهُ يُصَلَّى عليهم وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
الثَّانِي غَيْرُ أَهْلِ الْبِدَعِ فَيُصَلَّى عليهم مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى على أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بها ( ( ( به ) ) ) في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وقدمها ( ( ( وقدمه ) ) ) في التَّلْخِيصِ
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى على كل من مَاتَ على مَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ بِلَا تَوْبَةٍ قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ وَعَنْهُ وَلَا يصلي على من قُتِلَ في حَدٍّ
وقال في التَّلْخِيصِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الصَّلَاةُ عليه فإنه عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ صلى على الْغَامِدِيَّةِ
____________________
(2/535)
وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ أَنَّ الشَّارِبَ الذي لم يُحَدَّ كَالْغَالِّ وَقَاتِلِ النَّفْسِ وَذَكَرَهُ في الْكُبْرَى رِوَايَةً وَعَنْهُ وَلَا على من مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لم يُخَلِّفْ وَفَاءً وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ
التَّنْبِيهُ الثَّانِي الْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ إمَامُ الْقَرْيَةِ وهو وَالِيهَا في الْقَضَاءِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ نَقَلَ حَرْبٌ إمَامُ كل قَرْيَةٍ وَالِيهَا وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ قال الْمَجْدُ وَالصَّوَابُ تَسْوِيَتُهُ فإن أَعْظَمَ مُتَوَلٍّ لِلْإِمَامَةِ في كل بَلْدَةٍ يَحْصُلُ بِامْتِنَاعِهِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال هو أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَقِيلَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أو نَائِبُهُ
فَائِدَةٌ إذَا قُتِلَ الْبَاغِي غُسِّلَ وَصُلِّيَ عليه وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ فإنه يُقْتَلُ أَوَّلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَعَلَيْهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه ثُمَّ يُصَلَّبُ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ
وَقِيلَ يُصْلَبُ عَقِيبَ الْقَتْلِ ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ الْمُحَارِبِينَ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يُصْلَبُ قبل الْقَتْلِ وَيَأْتِي في بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ
قَوْلُهُ وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ
يَعْنِي تَحْقِيقًا غُسِّلَ وصلى عليه يَعْنِي غير شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَسِنٍّ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كان الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ يَعِيشُ معه كَيَدٍ وَرَجُلٍ وَنَحْوِهِمَا أولا كَرَأْسٍ وَنَحْوِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَبَعًا لِلْمَجْدِ في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وقال هو الْمَشْهُورُ قال في الْوَجِيزِ وَبَعْضُ الْمَيِّتِ كَكُلِّهِ
وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى على الْجَوَارِحِ قال الْخَلَّالُ لَعَلَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِأَبِي عبد اللَّهِ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عليه قَوْلُهُ هو الْأَوَّلُ
____________________
(2/536)
فَعَلَيْهَا الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ منه فَإِنْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ أَوَّلًا صلى عليه وَلَوْ وُجِدَ بَعْدَهُ الْأَقَلُّ لم يُصَلَّ عليه وَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ أَوَّلًا لم يُصَلَّ عليه لِفَقْدِ الْأَكْثَرِ
فَظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى أَنَّ ما دُونَ الْعُضْوِ الْكَامِلِ لَا يُصَلَّى عليه وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ ما دُونَ الْعُضْوِ الْقَاتِلِ لَا يُصَلَّى عليه وَقَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو في بَعْضِ نُسَخِ بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وصلى عليه
تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لم يُصَلَّ عليه وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عليه قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان صلى عليه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عليه قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ بن تَمِيمٍ وهو الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يَجِبُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ
وَحَيْثُ قُلْنَا يُصَلَّى فإنه يُنْوَى على الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُنْوَى الْجُمْلَةُ وَاخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ
وَأَمَّا غُسْلُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ قال في الْفُرُوعِ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَجِبُ ذلك كُلُّهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وهو ضَعِيفٌ قال بن تَمِيمٍ وَحَكَى الْآمِدِيُّ سُقُوطَ الْغُسْلِ إنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عليها فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا صلى على الْبَعْضِ ثُمَّ وُجِدَ الْأَكْثَرُ فقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبُ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَتَبِعَ الْمَجْدُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وَقِيلَ لَا يُصَلَّى على الْأَقَلِّ وَعَنْهُ يُصَلَّى قال بن تَمِيمٍ وإذا وُجِدَتْ جَارِحَةٌ
____________________
(2/537)
من جُمْلَةٍ لم يُصَلَّ عليها وَإِنْ قُلْنَا بِالصَّلَاةِ على الْجَوَارِحِ وَجَبَ أَنْ يُصَلَّى عليها ثُمَّ إذَا وُجِدَ الْجُمْلَةُ فَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فيه وَجْهَانِ تَقَدَّمَا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَجِبُ هُنَا وَإِنْ لم تَجِبْ فِيمَا إذَا صلى على الْأَكْثَرِ ثُمَّ وُجِدَتْ الْجَارِحَةُ
وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ معه أو بِجَنْبِهِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَإِنْ وُجِدَ الْجُزْءُ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وصلى عليه وَدُفِنَ إلَى جَانِبِ الْقَبْرِ أو يُنْبَشُ بَعْضُ الْقَبْرِ وَيُدْفَنُ فيه وقال بن رَزِينٍ دُفِنَ بِجَنْبِهِ ولم يُنْبَشْ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ
الثَّانِيَةُ ما بَانَ من حَيٍّ كَيَدٍ وَسَاقٍ انْفَصَلَ في وَقْتٍ لو وُجِدَتْ فيه الْجُمْلَةُ لم يُغَسَّلْ ولم ( ( ( لم ) ) ) يُصَلَّ عليها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُصَلَّى عليها إنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ من يُصَلَّى عليه بِمَنْ لَا يُصَلَّى عليه يَنْوِي من يصلى عليه
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَكَذَا حُكْمُ غُسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ بِلَا نِزَاعٍ
وَعَنْهُ إنْ اخْتَلَطُوا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا صَلَاةَ وَأَمَّا دَفْنُهُمْ فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ قَدَرُوا دَفَنُوهُمْ مُنْفَرِدِينَ وَإِلَّا فَمَعَ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ في الْمَسْجِدِ
يَعْنِي أنها لَا تُكْرَهُ فيه وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ الصَّلَاةُ فيه أَفْضَلُ قال الْآجُرِّيُّ السُّنَّةُ الصَّلَاةُ عليه فيه وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقِيلَ عَدَمُ الصَّلَاةِ فيه أَفْضَلُ وَخَيَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في الصَّلَاةِ عليه فيه وَعَدَمِهَا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُهُ فَأَمَّا إذَا لم يُؤْمَنْ تَلْوِيثُهُ لم تَجُزْ الصَّلَاةُ فيه ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ
____________________
(2/538)
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عليه
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُنَّ الصَّلَاةُ عليه جَمَاعَةً إذَا لم يُصَلِّ عليه رِجَالٌ نَصَّ عليه كَالْمَكْتُوبَةِ وَقِيلَ لَا يُسَنُّ لَهُنَّ جَمَاعَةً بَلْ الْأَفْضَلُ فَرَادَى اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَلَى كلا الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِهِنَّ وَلَوْ كانت وَاحِدَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْفَصْلِ وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ من يُقَدَّمُ من الرِّجَالِ قال في الْفُصُولِ حتى وَلَوْ كان مِنْهُنَّ وَالِيَةً وَقَاضِيَةً
فَأَمَّا إذَا صلى الرِّجَالُ فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فُرَادَى وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ جَمَاعَةً وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
فَائِدَةٌ له بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ وهو أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ وذكر ( ( ( فذكر ) ) ) بن عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ نِسْبَتُهُ من أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا قِيرَاطٌ آخَرُ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي وَجْهًا أَنَّ الثَّانِيَ بِوَضْعِهِ في قَبْرِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ إذَا سُتِرَ بِاللَّبِنِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ فَصْلٌ في حَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ
تَقَدَّمَ في أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ حَمْلَهُ وَدَفْنَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ كَوْنُ حَامِلِهِ من أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْحَمْلِ وَالْحَفْرِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ قال بن تَمِيمٍ كَرِهَ أَحْمَدُ أَخْذَ أُجْرَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أعطى قَدْرَ عَمَلِهِ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ أَخْذِهَا على ما لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ
____________________
(2/539)
من أَهْلِ الْقُرْبَةِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ في حَمْلِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال أبو حَفْصٍ وَالْآجُرِّيُّ وغيرهما ( ( ( وغيرها ) ) ) يُكْرَهُ التَّرْبِيعُ إنْ ازْدَحَمُوا عليه أَيُّهُمْ يَحْمِلُهُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وهو أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ على كَتِفِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ
مُرَادُهُ بِقَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةُ التي من جِهَةِ يَمِينِ الْمَيِّتِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَضَعُ قَائِمَتَهُ الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ على كَتِفِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ من الْجَانِبَيْنِ من عِنْدِ رَأْسِهِ والختام ( ( ( الختام ) ) ) من عِنْدِ رِجْلَيْهِ وَعَنْهُ يُبْدَأُ بِالْمُؤَخَّرَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ يَجْعَلُهَا على كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ الْمُقَدَّمَةِ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ وَالْخِتَامُ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حُمِلَ بين الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ
يَعْنِي لَا يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ التَّرْبِيعُ وَالْحَمْلُ بين الْعَمُودَيْنِ سَوَاءٌ
فَعَلَيْهَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إذَا جُمِعَ وَحُمِلَ بين الْعَمُودَيْنِ فَمِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ من رِجْلَيْهِ وقال في الْمَذْهَبِ من عِنْدِ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا التَّرْبِيعُ
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ يُسْتَرُ بِالْمَكِّيَّةِ وَمَعْنَاهُ في الْفُصُولِ
____________________
(2/540)
قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوَّلُ من اُتُّخِذَ ذلك له ( ( ( لها ) ) ) زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَاتَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ وقال في التَّلْخِيصِ لَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْمَكِّيَّةِ عليه وَفَوْقَهَا ثَوْبٌ انْتَهَى
وَيُكْرَهُ تَغْطِيَتُهُ بِغَيْرِ الْبَيَاضِ وَيُسَنُّ بِهِ وقال بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا في تَابُوتٍ وَكَذَا من لم يُمْكِنْ تَرْكُهُ على النَّعْشِ إلَّا بمثله كَالْأَحْدَبِ وَنَحْوِهِ قال في الْفُصُولِ الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينٍ حُرٍّ وَيُغَطَّى حتى لَا يُتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ وقال أَيْضًا الْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ في كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ وقال أبو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ شَدُّ النَّعْشِ بِعِمَامَةٍ انْتَهَى
وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الطِّفْلِ بين يَدَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ بِأَعْمِدَةٍ لِلْحَاجَةِ وَعَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَيَجُوزُ لِبُعْدِ قَبْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ
قَوْلُهُ ويستحب ( ( ( يستحب ) ) ) الْإِسْرَاعُ بها
مُرَادُهُ إذَا لم يُخَفْ عليه بِالْإِسْرَاعِ فَإِنْ خِيفَ عليه قال وَإِنْ لم يُخَفْ عليه فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُسْرَعُ وَيَكُونُ دُونَ الْخَبَبِ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ يَمْشِي أَعْلَى درجات ( ( ( الدرجات ) ) ) الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ وقال في الْمَذْهَبِ يُسْرِعُ فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْخَبَبِ وقال الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بها يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عن الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وقال في الرِّعَايَةِ يُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بها يَسِيرًا قال في الْكَافِي لَا يُفْرِطُ في الْإِسْرَاعِ فَيَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعِيهَا انْتَهَى وَكَلَامُهُمْ مُتَقَارِبٌ
فَائِدَةٌ يُرَاعَى بِالْإِسْرَاعِ الْحَاجَةُ نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذلك وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ يَمْشِي حَيْثُ شَاءَ وقال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُكْرَهُ خَلْفَهَا وَحَيْثُ شَاءَ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
قَوْلُهُ وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ رَكِبَ وكان أَمَامَهَا كُرِهَ قَالَهُ الْمَجْدُ
____________________
(2/541)
وَمُرَادُ من قال الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا إذَا كانت جِنَازَةَ مُسْلِمٍ وَأَمَّا إذَا كانت جِنَازَةَ كَافِرٍ فإنه يَرْكَبُ وَيَتَقَدَّمُهَا على ما تَقَدَّمَ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ لِمَنْ تَبِعَهَا بِلَا عُذْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ كَرُكُوبِهِ في عَوْدِهِ قال الْقَاضِي في تَخْرِيجِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ
الثَّانِيَةُ في رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هو كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ فَيَكُونُ خَلْفَهَا وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ في بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ لو حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ في الْمَنْصُوصِ تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَعَلَى هذا يَكُونُ رَاكِبًا خَلْفَهَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالثَّانِي يَكُونُ منها كَالْمَاشِي فَيَكُونُ أَمَامَهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالْحَوَاشِي
قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ أو كَالْمَاشِي وَأَنَّ عَلَيْهِمَا يَنْبَنِي دَوَرَانُهُ في الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجْلِسُ من تَبِعَهَا حتى تُوضَعَ
يَعْنِي يُكْرَهُ ذلك وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِمَنْ كان بَعِيدًا عنها
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ حتى تُوضَعَ يَعْنِي بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَنْهُ حتى تُوضَعَ لِلصَّلَاةِ وَعَنْهُ حتى تُوضَعَ في اللَّحْدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ وهو جَالِسٌ لم يَقُمْ لها
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(2/542)
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لها وَلَوْ كانت كَافِرَةً نَصَرَهُ بن أبي مُوسَى وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فيه
وَعَنْهُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ حتى تَغِيبَ أو تُوضَعَ وَقَالَهُ بن مُوسَى قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ على هذا يَقُومُ حين يَرَاهَا قبل وُصُولِهَا إلَيْهِ لِلْخَبَرِ فَوَائِدُ
إحداها كان الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا صلى على جِنَازَةٍ هو وَلِيُّهَا لم يَجْلِسْ حتى تُدْفَنَ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ على الْقَبْرِ حتى تُدْفَنَ جَبْرًا وَإِكْرَامًا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ نَصَّ عليه
الثَّانِيَةُ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في آخِرِ الرِّعَايَةِ اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ انْتَهَى وهو حَقٌّ له وَلِأَهْلِهِ وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ من الْخَيْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
الثَّالِثَةُ يَحْرُمُ عليه أَنْ يَتْبَعَهَا وَمَعَهَا مُنْكَرٌ عَاجِزٌ عن مَنْعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه نحو طَبْلٍ أو نَوْحٍ أو لَطْمِ نِسْوَةٍ وَتَصْفِيقٍ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ وَعَنْهُ يَتْبَعُهَا وَيُنْكِرُ بِحَسَبِهِ وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا تَبِعَهَا أُزِيلَ الْمُنْكَرُ لَزِمَهُ على الرِّوَايَتَيْنِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودَيْنِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ في الْعَاجِزِ كَمَنْ دُعِيَ إلَى غُسْلٍ مَيِّتٍ فَسَمِعَ طَبْلًا أو نَوْحًا وَفِيهِ رِوَايَتَانِ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا وَنَقَلَ أبو الْحَارِثِ وأبو دَاوُد يُغَسِّلُهُ وَيَنْهَاهُمْ
قُلْت إنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ الزَّجْرُ غَسَّلَهُ وَإِلَّا ذَهَبَ
الرَّابِعَةُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ اتِّبَاعُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
____________________
(2/543)
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ قال بن أبي مُوسَى قد رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لها في شُهُودِ أَبِيهَا وَوَلَدِهَا وَذِي قَرَابَتِهَا مع التَّحَفُّظِ وَالِاسْتِحْيَاءِ وَالتَّسَتُّرِ وقال الْآجُرِّيُّ يَحْرُمُ وما هو بِبَعِيدٍ في زَمَنِنَا هذا قال أبو الْمَعَالِي يَمْنَعُهُنَّ من اتِّبَاعِهَا وقال أبو حَفْصٍ هو بِدْعَةٌ يُطْرَدْنَ فَإِنْ رَجَعْنَ وَإِلَّا رَجَعَ الرِّجَالُ بَعْدَ أَنْ يَحْثُوَا على أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قال وَرَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في اتِّبَاعِ جِنَازَةٍ يَتْبَعُهَا النِّسَاءُ قال أبو حَفْصٍ وَيَحْرُمُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ
قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ من عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ إنْ كان أَسْهَلَ عليهم
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ من عِنْدِ رَأْسِهِ ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا إذَا كان دُخُولُهُ من عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ يَشُقُّ أَدْخَلَهُ من قِبْلَتِهِ مُعْتَرِضًا قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا وقال في الْفُرُوعِ لَا يَدْخُلُ الْمَيِّتُ مُعْتَرِضًا من قِبْلَتِهِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ الْأَسْهَلُ ثُمَّ سَوَاءٌ
الثَّانِيَةُ أَوْلَى الناس بِالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ أَوْلَاهُمْ بِالْغُسْلِ على ما تَقَدَّمَ وقال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى دَفْنَ الْمَيِّتِ غَاسِلُهُ وَالْأَوْلَى لِمَنْ هو أَحَقُّ بِذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِنَائِبِهِ إنْ شَاءَ ثُمَّ بَعْدَهُمْ الْأَوْلَى بِالدَّفْنِ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ ثُمَّ مَحَارِمُهُ من النِّسَاءِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ وَمَحَارِمُهَا من الرِّجَالِ أَوْلَى من الْأَجَانِبِ وَمِنْ مَحَارِمِهَا النِّسَاءُ يَدْفِنُهَا وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ على مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ أَمْ لَا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالنُّكَتِ
إحْدَاهُمَا يُقَدَّمُ الْمَحَارِمُ على الزَّوْجِ قال الْخَلَّالُ اسْتَفَاضَتْ الرِّوَايَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُقَدَّمُونَ على الزَّوْجِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
____________________
(2/544)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الزَّوْجُ أَحَقُّ من الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْمَعَالِي فَإِنْ عُدِمَ الزَّوْجُ وَمَحَارِمُهَا الرِّجَالُ فَهَلْ الْأَجَانِبُ أَوْلَى أو نِسَاءُ مَحَارِمِهَا مع عَدَمِ مَحْظُورٍ من تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أو غَيْرِهِ قال الْمَجْدُ وَأَتْبَاعُهُنَّ فِيهِمْ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالنُّكَتِ
إحْدَاهُمَا الْأَجَانِبُ أَوْلَى وهو الصَّحِيحُ قال الْمُصَنِّفُ هذا أَصَحُّ وَأَحْسَنُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ وقال هو أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِيَةُ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا أَوْلَى جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وأبو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال نَصَّ عليه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذه الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي على ما إذَا لم يُمْكِنْ في دَفْنِهِنَّ مَحْذُورٌ من اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ أو التَّكَشُّفِ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أوغيره
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَالْأَقْرَبُ كما في حَقِّ الرَّجُلِ
وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ دَفْنُ الرِّجَالِ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كان مَحْرَمُهَا حَاضِرًا نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَحْمِلُهَا من الْمُغْتَسَلِ إلَى النَّعْشِ
الثَّالِثَةُ يُقَدَّمُ من الرِّجَالِ الْخَصِيُّ ثُمَّ الشَّيْخُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ
الرَّابِعَةُ يُسْتَحَبُّ تَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِعَتُهُ من غَيْرِ حَدٍّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وقال أَحْمَدُ أَيْضًا إلَى الصَّدْرِ وقال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ نَصًّا عن أَحْمَدَ وَالْبَسْطَةُ الْبَاعُ
الْخَامِسَةُ يَكْفِي من ذلك ما يَمْنَعُ ظُهُورَ الرَّائِحَةِ وَالسِّبَاعَ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَيُلْحَدُ له لَحْدًا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَلُ من الشَّقِّ بَلْ يُكْرَهُ الشَّقُّ بِلَا عُذْرٍ
____________________
(2/545)
وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ليس اللَّحْدُ بِأَفْضَلَ منه ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وَيَنْصِبُ عليه اللَّبِنَ نَصْبًا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ اللَّبِنَ أَفْضَلُ من الْقَصَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُنْصَبُ عليه قَصَبٌ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وبن عَقِيلٍ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُهُ خَشَبٌ إذَا لم يمكن ( ( ( يكن ) ) ) ضَرُورَةً فَإِنْ كان ثَمَّ ضَرُورَةٌ أُدْخِلَ الْخَشَبُ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ في تَابُوتٍ وَلَوْ كان الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عليه زَادَ بَعْضُهُمْ وَيُكْرَهُ في حَجَرٍ مَنْقُوشٍ وقال بَعْضُهُمْ أو يُجْعَلُ فيه حَدِيدٌ وَلَوْ كانت الْأَرْضُ رِخْوَةً أو نَدِيَّةً
الثَّانِيَةُ لَا تَوْقِيتَ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ بَلْ ذلك بِحَسَبِ الْحَاجَةِ نَصَّ عليه كَسَائِرِ أُمُورِهِ وَقِيلَ الْوَتْرُ أَفْضَلُ
قَوْلُهُ وَيَقُولُ الذي يُدْخِلُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رسول اللَّهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يقول اللَّهُمَّ بَارِكْ في الْقَبْرِ وَصَاحِبِهِ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ قَرَأَ { منها خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } وَإِنْ أتى بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ يَلِيقُ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ فَلَا بَأْسَ لِفِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم أَجْمَعِينَ
قَوْلُهُ وَيَضَعُهُ في لَحْدِهِ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
وَضْعُهُ في لَحْدِهِ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَحَبٌّ بِلَا نِزَاعٍ وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(2/546)
وَقَطَعَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ يُسْتَحَبُّ ذلك وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو وُضِعَ غير مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ نُبِشَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن عَقِيلٍ قال أَصْحَابُنَا يُنْبَشُ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ يَتَفَسَّخَ
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا يُنْبَشُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في النُّكَتِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِأَتَمَّ من هذا فَوَائِدُ
منها يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً كَالْمِخَدَّةِ لِلْحَيِّ وَيُكْرَهُ وَضْعُ بِسَاطٍ تَحْتَهُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقَطِيفَةِ من عِلَّةٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بها مُطْلَقًا قال بن تَمِيمٍ وَإِنْ جَعَلَ تَحْتَهُ قَطِيفَةً فَلَا بَأْسَ نَصَّ عليه وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ وَضْعُ مُضَرَّبَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن حَامِدٍ لَا بَأْسَ بها وَتُكْرَهُ الْمِخَدَّةُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَمِنْهَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدَّفْنَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَكَذَا عِنْدَ قِيَامِهَا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا وقال في الْمُغْنِي لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يُكْرَهُ
وَمِنْهَا الدَّفْنُ في النَّهَارِ أَوْلَى وَيَجُوزُ لَيْلًا نَصَّ عليه وَعَنْهُ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ بن هُبَيْرَةَ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَمِنْهَا الدَّفْنُ في الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ وَكَرِهَ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ في الْبُنْيَانِ
قَوْلُهُ وَيَحْثُو التُّرَابَ في الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ فِعْلِ ذلك مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ذلك لِلْقَرِيبِ منه فَقَطْ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا يَحْثُو فَيَأْتِي بِهِ من أَيِّ جِهَةٍ كانت وَقِيلَ من قِبَلِ رَأْسِهِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ
____________________
(2/547)
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ لزيادة ( ( ( الزيادة ) ) ) على تُرَابِهِ نَصَّ عليه قال في الْفُصُولِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ نَقَلَ أبو دَاوُد إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ وَلَا يُعْرَفُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ مع أَنَّ تُرَابَ قَبْرٍ لَا يُنْقَلُ إلَى آخَرَ
فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ أو خَشَبَةٍ أو نَحْوِهِمَا نَصَّ عليه وَنَصَّ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَا بَأْسَ بِلَوْحٍ نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ ما سَمِعْت فيه شيئا
قَوْلُهُ وَيُرَشُّ عليه الْمَاءُ
وَكَذَا قال الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيُرَشُّ عليه الْمَاءُ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اسْتَحَبَّهُ الْأَكْثَرُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وقال الْإِبَاحَةُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَلَا يُكْرَهُ
قال أبو الْمَعَالِي لو انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لم يَعْرِفُوا لِأَنَّ الْخَبَرَ قبل انْصِرَافِهِمْ
وقال الْمُصَنِّفُ لم نَسْمَعْ في التَّلْقِينِ شيئا عن أَحْمَدَ وَلَا أَعْلَمُ فيه لِلْأَئِمَّةِ قَوْلًا سِوَى ما رَوَاهُ الْأَثْرَمُ قال قُلْت لِأَبِي عبد اللَّهِ فَهَذَا الذي يَصْنَعُونَ إذَا دَفَنُوا الْمَيِّتَ يَقِفُ الرَّجُلُ فيقول يا فُلَانَ بن فُلَانَةَ إلَى آخِرِهِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا فَعَلَ هذا إلَّا أَهْلَ الشَّامِ حِين مَاتَ أبو الْمُغِيرَةِ
وقال في الْكَافِي سُئِلَ أَحْمَدُ عن تَلْقِينِ الْمَيِّتِ في قَبْرِهِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا أَهْلَ الشَّامِ وقد رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وبن شَاهِينَ وأبو بَكْرٍ في الشَّافِي وَغَيْرُهُمْ في ذلك حَدِيثًا وقال في الْفُرُوعِ وفي تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ بِنَاءً
____________________
(2/548)
على نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ النَّفْيُ قَوْلُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْإِثْبَاتُ قَوْلُ أبي حَكِيمٍ وَغَيْرِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ قال بن حَمْدَانَ في نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ قال بن عَبْدُوسٍ يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عن الْأَوَّلِ حين الذُّرِّيَّةِ وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عن مُعْتَقَدِهِمْ في الدُّنْيَا وَإِقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ قال شَيْخُنَا يُلَقَّنُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَحَكَاهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُقَدَّمُ عن الْأَصْحَابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو أَصَحُّ
فَعَلَى هذا يَكُونُ الْمَذْهَبُ التَّلْقِينُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ وَالْعَمَلِ عليه وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ في مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال أبو حَفْصٍ يُكْرَهُ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عليه
أَمَّا تَجْصِيصُهُ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَكَذَا الْكِتَابَةُ عليه وَكَذَا تَزْوِيقُهُ وَتَخْلِيقُهُ وَنَحْوُهُ وهو بِدْعَةٌ
وَأَمَّا الْبِنَاءُ عليه فَمَكْرُوهٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ لَاصَقَ الْبِنَاءُ الْأَرْضَ أَمْ لَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ وقال صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَظِيرَةٍ في مِلْكِهِ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وقال الْمَجْدُ
____________________
(2/549)
يُكْرَهُ ذلك في الصَّحْرَاءِ لِلتَّضْيِيقِ وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيُكْرَهُ إنْ كان في مُسَبَّلَةٍ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ الصَّحْرَاءُ وقال في الْوَسِيلَةِ وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ وَعَنْهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ في وَقْفٍ عَامٍّ وقال أبو حَفْصٍ تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ بَلْ تُهْدَمُ وَحَرُمَ الْفُسْطَاطُ أَيْضًا وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ بَنَى ما يَخْتَصُّ بِهِ فيها فَهُوَ غَاصِبٌ وقال أبو الْمَعَالِي فيه تَضْيِيقٌ على الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ في مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وقال في الْفُصُولِ الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ إنْ كان في مِلْكِهِ فَعَلَ ما شَاءَ وَإِنْ كان في مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ لِلتَّضْيِيقِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لم تُوضَعْ له
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عليه وَالِاتِّكَاءُ إلَيْهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَكَرَاهَةُ الْمَشْيِ في الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَجُوزُ وَقَالَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ له الْمَشْيُ عليه لِيُصَلِّ إلَى من يَزُورُهُ لِلْحَاجَةِ وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسَأَلَهُ عبد اللَّهِ يُكْرَهُ دَوْسُهُ وَتَخَطِّيهِ فقال نعم يُكْرَهُ دَوْسُهُ ولم يَكْرَهْ الْآجُرِّيُّ تَوَسُّدُهُ لِفِعْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه رَوَاهُ مَالِكٌ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في الْجُلُوسِ
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ التَّخَلِّي عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ يُكْرَهُ التَّخَلِّي
قُلْت فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَبَعِيدٌ جِدًّا
وَيُكْرَهُ التَّخَلِّي بَيْنَهَا وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ زَادَ حَرْبٌ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً
وقال في الْفُصُولِ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ وَلِهَذَا يُمْنَعُ من جَمِيعِ ما يؤذى الْحَيَّ أَنْ يَنَالَ بِهِ كَتَقْرِيبِ النَّجَاسَةِ منه انْتَهَى
____________________
(2/550)
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُبُورِ وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ وَيُسْتَحَبُّ قَلْعُهُ إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أو شَوْكٍ وَنَحْوِهِ وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ كَالْخُفِّ وفي الشمشك وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنُّكَتِ وَالْفُرُوعِ وقال نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَالْقَصْرِ على النَّصِّ
أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ
الثَّانِي يُكْرَهُ كَالنَّعْلِ وَقَطَعَ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالنِّعَالِ قال في النُّكَتِ وهو غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ وَالْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَلَا يُدْفَنُ فيه اثْنَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَكَذَا قال بن تَمِيمٍ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ إذَا لم يَكُنْ ضَرُورَةً وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ في نَبْشِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٌ ولم يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُحَرَّمُ انْتَهَى
وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقَلَ أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ وَعَنْهُ يَجُوزُ ذلك في الْمَحَارِمِ وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ في شَرْحِهِ
قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ
يَعْنِي حَيْثُ جَوَّزْنَا دَفْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ في قَبْرٍ وَاحِدٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الْأَفْضَلُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ في تَقْدِيمِهِمْ إلَى الأمام في الصَّلَاةِ عليهم كما تقدم ( ( ( يقدم ) ) ) وَكَذَا لو اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُمْ كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ من يُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ في
____________________
(2/551)
الصَّلَاةِ عليهم كما تَقَدَّمَ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا في الصِّفَاتِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ بين كل اثْنَيْنِ حاجزا ( ( ( حاجز ) ) ) من التُّرَابِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الْآجُرِّيَّ قال إنَّمَا يُجْعَلُ ذلك إذَا كان رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قال بن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ وَإِنْ جُعِلَ الْقَبْرُ طَوِيلًا وَجُعِلَ رَأْسُ كل وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ أو وسطة جَازَ وهو أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَفْضُولِ عِنْدَ رِجْلَيْ الْفَاضِلِ أو سَاقِهِ كَالدَّرَجِ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ في بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ أَسْهُلُ لِزِيَارَتِهِمْ وَأَبْعَدُ لِانْدِرَاسِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ في الْبُقْعَةِ التي يَكْثُرُ فيها الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَكَذَا الْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ
الثَّالِثَةُ من سَبَقَ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إذَا جَاءَا مَعًا قُدِّمَ من له مَزِيَّةٌ شوكة ( ( ( وشوكة ) ) ) عِنْدَ أَهْلِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت وَكَذَا لو كان وَاقِفُ الْأَرْضِ إنْ جَازَ أَنْ لَا يُدْفَنَ فيها كما قَدَّمْنَا من له مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ في الْمُفَاضَلَةِ ثُمَّ قال فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ
قُلْت فَإِنْ خِيفَ على أَحَدِهِمَا بِتَفْوِيتِهِ هذه الْبُقْعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمُ ذلك كما يُقَدَّمُ الْمُضْطَرُّ على صَاحِبِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى
الرَّابِعَةُ مَتَى عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ تُرَابًا قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ ظُنَّ أَنَّهُ صَارَ تُرَابًا وَلِهَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ
____________________
(2/552)
يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فيه نَقَلَ أبو الْمَعَالِي جَازَ الدَّفْنُ وَالزِّرَاعَةُ وَغَيْرُ ذلك وَمُرَادُهُ إذَا لم يُخَالَفْ شَرْطُ وَاقِفِهِ لِتَعْيِينِهِ الْجِهَةَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قال الْآمِدِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
وَأَمَّا إذَا لم يَصِرْ تُرَابًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فيه نَصَّ عليه وَنَقَلَ أبو طَالِبِ تَبْقَى عِظَامُهُ مَكَانَهُ وَيُدْفَنُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
الْخَامِسَةُ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم أبو الْمَعَالِي كما تَقَدَّمَ له حَرْثُ أَرْضِهِ إذَا بلى الْعَظْمُ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ في الْقَبْرِ ماله قِيمَةٌ نُبِشَ وَأُخِذَ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْمَنْعُ إنْ بُذِلَ له عِوَضُهُ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على رِوَايَةٍ يُمْنَعُ من نَبْشِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ماله قِيمَةٌ يَعْنِي في الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ قال أبو الْمَعَالِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قال وَيُحْتَمَلُ ما يَجِبُ تَعْرِيفُهُ أو ما رَمَاهُ بِهِ فيه
قَوْلُهُ وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ لم يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وقال الْمَجْدُ إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ أو خُشِيَ عليه الْمُثْلَةُ لم يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
وَقِيلَ يُنْبَشُ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ صَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ في التَّلْخِيصِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُغْرَمُ ذلك من تِرْكَتِهِ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وقال الْمَجْدُ يَضْمَنُهُ من كَفَنِهِ فيه لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا فَإِنْ جَهِلَ فَالْقَرَارُ على الْغَاصِبِ
____________________
(2/553)
وَلَوْ كان الْمَيِّتَ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ أو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ غُرِمَ ذلك من تِرْكَتِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ
وَقِيلَ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ منه صَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ لو كان ظَنَّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت الصَّوَابُ نَبْشُهُ
وقال الْمَجْدُ هُنَا كما قال في التي قَبْلَهَا واطلقهن في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُغْرَمُ الْيَسِيرُ من تِرْكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وما هو بِبَعِيدٍ وَحَيْثُ قُلْنَا يُغْرَمُ من تِرْكَتِهِ فَتَعَذَّرَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ بُذِلَتْ قِيمَتُهُ لم يُشَقَّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا إنْ بَذَلَهَا وَارِثٌ لم يُشَقَّ وَإِلَّا شُقَّ وَقِيلَ لم يُشَقَّ مُطْلَقًا
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لو بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْبَشَ إذَا كان له قِيمَةٌ وقال في الْمُبْهِجِ يُحْسَبُ من ثُلُثِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُؤْخَذُ إذَا بلى وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو كان عليه دَيْنٌ نُبِشَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ
____________________
(2/554)
فَائِدَةٌ لو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أُخِذَ إذَا بلى الْمَيِّتُ وَلَا يُعْرَضُ له قَبْلَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَمَالِهِ
وقال في الْفُصُولِ إنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ كَقَوْلِهِ أَلْقِ مَتَاعَك في الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ قال وَكَذَا لو رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى رَبْطِ أَسْنَانِهِ بِذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ خَيْطًا من ذَهَبٍ أو أَنْفًا من ذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ فَرَبَطَهُ بِهِ وَمَاتَ لم يَجِبْ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ لآن فيه مُثْلَةً قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَةٌ لو مَاتَ وَلَهُ أَنْفُ ذَهَبٍ لم يُقْلَعُ لَكِنْ إنْ كان بَائِعُهُ لم يَأْخُذْ ثَمَنَهُ أَخَذَهُ من تِرْكَتِهِ وَمَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ يَأْخُذُهُ إذَا بلى وَهَذَا الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ يُؤْخَذُ في الْحَالِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ في قَوْلٍ مع أَنَّ فيه هُنَا مُثْلَةً فَوَائِدُ
دَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَصْرَعِهِ سُنَّةٌ نَصَّ عليه حتى لو نُقِلَ رُدَّ إلَيْهِ وقال في الْكَافِي وَحَمْلُ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ وَيَجُوزُ نَقْلُ غَيْرِهِ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أن إمن تَغَيُّرُهُ وَذَكَرَ الْمَجْدُ إنْ لم يُظَنَّ تَغَيُّرُهُ انْتَهَى
وَلَا يُنْقَلُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ رضي بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أبو الْمَعَالِي فقال يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أو مَكَان يُخَافُ فيه نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ أو المثلة بِهِ قال فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ مَخَافَةَ الْعَدُوِّ وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ فيعايي بها
وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ من هذا الْبَابِ لو دُفِنَ قبل غُسْلِهِ أو تَكْفِينِهِ أو الصَّلَاةِ عليه هل يُنْبَشُ أَمْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ
____________________
(2/555)
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لم يُشَقَّ بَطْنُهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إذَا غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّهُ يحيى
وهو وَجْهٌ في بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَسْطُو عليه الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ إذَا اُحْتُمِلَ حَيَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ إنْ لم يُوجَدْ أَمَارَاتُ الظُّهُورِ بِانْفِتَاحِ الْمَخَارِجِ وَقُوَّةِ الْحَرَكَةِ فَلَا تَسْطُو الْقَوَابِلُ
فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِالْقَوَابِلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهَا قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ بن هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُشَقُّ وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ
قُلْت وهو أَوْلَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتْرَكُ وَلَا يُدْفَنُ حتى يَمُوتَ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يَسْطُو عليه الرِّجَالُ وَالْأَوْلَى بِذَلِكَ الْمَحَارِمُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَقْوَى من الذي قَبْلَهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ ولم يُقَيِّدْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْمَحْرَمِ وَقَيَّدَهُ بن حَمْدَانَ بِذَلِكَ
فَائِدَةٌ لو خَرَجَ بَعْضُ الْحَمْلِ حَيًّا شُقَّ بَطْنُهَا حتى يَكْمُلَ خُرُوجُهُ فَلَوْ مَاتَ قبل خُرُوجِهِ وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ غُسِّلَ ما خَرَجَ منه وَأَجْزَأَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قُلْت فيعايي بها وَأَوَّلُ من أَفْتَى في هذه الْمَسْأَلَةِ بن عَقِيلٍ وَقِيلَ تُيَمَّمُ لِمَا لم يَخْرُجْ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ
____________________
(2/556)
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ من مُسْلِمٍ دُفِنَتْ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا دُفِنَتْ مع الْمُسْلِمِينَ
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ تُدْفَنُ بِجَنْبِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ قال كَلَامُ أَحْمَدَ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَنَا لِمَا في بَطْنِهَا
قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ
يَعْنِي وَتَكُونُ على جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يُصَلَّى على هذا الْجَنِينِ لِأَنَّهُ ليس بِمَوْلُودٍ وَلَا سِقْطٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُصَلَّى عليه إنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا انْفَصَلَ
الثَّانِيَةُ يُصَلَّى على الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ بِلَا نِزَاعٍ ويصلي على حَمْلِهَا إنْ كان قد مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ وَإِلَّا صلى عليها دُونَهُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ لَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ على حَمْلِهَا وَعَلَّلَهُ بِالشَّكِّ في وُجُودِهِ
قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عليه
قال الشَّارِحُ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ
قال الْخَلَّالُ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تُكْرَهُ اخْتَارَهَا عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أبو حَفْصٍ
____________________
(2/557)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ انْتَهَى
قُلْت قال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن هذه الرِّوَايَةِ فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ وقال الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ فقال محمد بن قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ يا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ ما تَقُولُ في حَبَشٍ الْحَلَبِيِّ فقال ثِقَةٌ فقال حدثني مُبَشِّرٌ عن أبيه أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا وقال سَمِعْت بن عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ فَهَذَا يَدُلُّ على رُجُوعِهِ
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ اخْتَارَهَا عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا
وَعَنْهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ بِدْعَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من فِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَيُسْتَحَبُّ على الصَّحِيحِ قال في الْفَائِقِ يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ نَصَّ عليه أَخِيرًا
قال بن تَمِيمٍ لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ بَلْ تُسْتَحَبُّ نَصَّ عليه وَقِيلَ تُبَاحُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك
وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو
____________________
(2/558)
من الْمُفْرَدَاتِ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ من حَجَّ نَفْلًا عن غَيْرِهِ وَقَعَ عَمَّنْ حَجَّ لِعَدَمِ إذْنِهِ
فَائِدَةٌ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فاقرأوا ( ( ( فاقرءوا ) ) ) آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ { قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ } ثُمَّ قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ يَعْنِي ثَوَابَهُ وقال الْقَاضِي لَا بُدَّ من قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي على هذا فَقَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُ أو ما تَشَاءُ منه لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ قد يَتَخَلَّفُ فَلَا يَتَحَكَّمُ على اللَّهِ وقال الْمَجْدُ من سَأَلَ الثَّوَابَ ثُمَّ أَهْدَاهُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اثبني على عَمَلِي هذا أَحْسَنَ الثَّوَابِ وَاجْعَلْهُ لِفُلَانٍ كان أَحْسَنَ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَجْهُولًا لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قبل فِعْلِ الْقُرْبَةِ وقال الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قبل فِعْلِ الْقُرْبَةِ وقال بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ تتقدمه ( ( ( تتقدم ) ) ) نِيَّةٌ ذلك وَتُقَارِنُهُ
قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَيِّتَ بِهِ ابْتِدَاءً كما فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْدَهُ فَهُوَ مع مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا وَجْهَ له في أَثَرٍ له وَلَا نَظَرٍ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقَعَ الْقُرْبَةُ عن الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ له فَهَذَا مُتَّجَهٌ وَلِهَذَا قال بن الْجَوْزِيِّ ثَوَابُ الْقُرْآنِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ إذَا نَوَاهُ قبل الْفِعْلِ ولم يُعْتَبَرْ الْإِهْدَاءُ فَظَاهِرُهُ عَدَمُهُ وهو ظَاهِرُ ما سَبَقَ في التَّبْصِرَةِ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ قال حَنْبَلُ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِأَنَّ ما تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ من الْأَعْمَالِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَنِيبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ من النَّائِبِ قبل الْفَرَاغِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك وَكَذَا لو أَهْدَى بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ أو ثُلُثِهِ وَنَحْوِ ذلك كما تَقَدَّمَ عن الْقَاضِي وَغَيْرِهِ
____________________
(2/559)
0 وَهَذِهِ قد يُعَايَى بها فَيُقَالُ أَيْنَ لنا مَوْضِعٌ تَصِحُّ فيه الْهَدِيَّةُ مع جَهَالَةِ المهدي بها ذَكَرَهَا في النُّكَتِ
وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ كَرَاهَةُ إيثَارِ الْإِنْسَانِ بِالْمَكَانِ الْفَاضِلِ وهو إيثَارٌ بِفَضِيلَةٍ فَيُحْتَاجُ إلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إهْدَاءِ الْقُرَبِ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ وَالْوَاجِبَ الذي تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالْعِتْقَ وَحَجَّ التَّطَوُّعِ فإذا فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك إجْمَاعًا وَكَذَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْمَجْدُ يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْفُنُونِ يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ حتى لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنَعَ من ذلك الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فلم يَرَهُ لِمَنْ له ثَوَابٌ بِسَبَبِ ذلك كَأَجْرِ الْعَامِلِ كَالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ بِخِلَافِ الْوَالِدِ فإن له أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ
الثَّانِيَةُ الْحَيُّ في كل ما تَقَدَّمَ كَالْمَيِّتِ في انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ وكذا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا قال الْقَاضِي لَا نَعْرِفُ رِوَايَةً بِالْفَرْقِ بين الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ قال الْمَجْدُ هذا أَصَحُّ قال في الْفَائِقِ هذا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقيل لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْحَيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في حَجِّ النَّفْلِ عن الْحَيِّ لَا يَنْفَعُهُ ولم يَسْتَدِلَّ له وقال بن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ
بِلَا نِزَاعٍ وزاد الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ ذلك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وقال إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ أَهْلَ الْمَيِّتِ فَأَمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ فَيُكْرَهُ لِلْمُسَاعَدَةِ على الْمَكْرُوهِ انْتَهَى
____________________
(2/560)
قَوْلُهُ وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ
يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَقِيلَ يُحَرَّمُ قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُبَاحُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَلَا يُبَاحُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وقال غَيْرُهُ يُسَنُّ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ إجْمَاعًا قال في الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بين أَهْلِ الْعِلْمِ في اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الرِّجَالِ الْقُبُورَ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي فقال لَا نَعْلَمُ خِلَافًا في إبَاحَةِ زِيَارَتِهَا لِلرِّجَالِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُسْتَحَبُّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ وقد أَخَذَ أبو الْمَعَالِي وَالْمَجْدُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْإِبَاحَةَ من كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فَقَالُوا وَقِيلَ يُبَاحُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ قالوا الِاسْتِحْبَابُ لِقَرِينَةِ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ أو لِلْأَمْرِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ
إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ وبن مَنْجَا في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا اظهر الرِّوَايَاتِ قال في النَّظْمِ وهو أَوْلَى وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
____________________
(2/561)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ فَيُبَاحُ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَحْرُمُ كما لو عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ منها مُحَرَّمٌ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهَا بن تَمِيمٍ وَجْهًا
قال في جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ لِاحْتِجَاجِهِ بِلَعْنِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْحَاوِيَيْنِ وَتَقَدَّمَ في فَصْلِ الْحَمْلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَجُوزُ للمسلم زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ زِيَارَتُهُ لِلِاعْتِبَارِ وقال ايضا لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ من زِيَارَةِ قَبْرِ أبيه الْمُسْلِمِ
الثَّانِيَةُ الْأَوْلَى لِلزَّائِرِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَبْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَالَ الزِّيَارَةِ قَائِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرُبَ منه كَزِيَارَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ذَكَرَهُ في الْوَسِيلَةِ وَالتَّلْخِيصِ
الثَّالِثَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وقال له رَجُلٌ كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي قال أدخل الْمَقْبَرَةَ وهو ظَاهِرُ الحديث
زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ من زِيَارَةِ الْمَوْتَى
قُلْت وهو ضَعِيفٌ جِدًّا ولم يُعْرَفْ له سَلَفٌ
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قال
____________________
(2/562)
أبو الْحُسَيْنِ في تَمَامِهِ وَهِيَ أَصَحُّ وقال في الْوَسِيلَةِ هل يُسْتَحَبُّ عِنْدَ فَرَاغِ دَفْنِهِ وَضْعُ يَدِهِ عليه وَجُلُوسُهُ على جانبيه ( ( ( جانييه ) ) ) فيه رِوَايَتَانِ
قَوْلُهُ وَيَقُولُ إذَا زَارَهَا أو مَرَّ بها سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى آخِرِهِ
نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَفْظَ السَّلَامِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فيه من طَرِيقِ أَحْمَدَ من رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يقول مُعَرِّفًا فيقول السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ احمد قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ في الْأَخْبَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ من رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَخَيَّرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا منهم صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال بن نَاصِرٍ يقول لِلْمَوْتَى عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَائِدَةٌ
إذَا سَلَّمَ على الْحَيِّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بين التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
قُلْت منهم الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَعَنْهُ تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ قال النَّاظِمُ كَالرَّدِّ وَقِيلَ تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وقال بن الْبَنَّا سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلُ الْمَيِّتِ
يَعْنِي سَوَاءً كان قبل الدَّفْنِ أو بَعْدَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ في التَّعْزِيَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْلَى لِلْإِيَاسِ التَّامِّ منه
____________________
(2/563)
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ تَكْرَارُ التَّعْزِيَةِ نَصَّ عليه فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ الْقَبْرِ من عَزَّى قبل ذلك قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ لِمَنْ عَزَّى وقال بن تَمِيمٍ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ إلَّا لِمَنْ لم يُعَزِّ وَأَطْلَقَ جَوَازَ ذلك في رِوَايَةٍ أُخْرَى انْتَهَى
وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِلْفِتْنَةِ قال في الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ فيه ما في تَشْمِيتِهَا إذَا عَطَسَتْ
وَيُعَزَّى من شَقَّ ثَوْبَهُ نَصَّ عليه لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وهو الشَّقُّ وَيُكْرَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وغيره ( ( ( فغيره ) ) ) أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَيْسَتْ مُحَدَّدَةً بِحَدٍّ وهو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَقِيلَ آخِرُهَا يوم الدَّفْنِ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ وَالْآمِدِيُّ وأبو الْفَرَجِ وَالْمَجْدُ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ قال الْمَجْدُ لاذن الشَّارِعِ في الْإِحْدَادِ فيها وقال لم أَجِدْ في آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا وقال أبو الْمَعَالِي اتَّفَقُوا على ( ( ( لكراهيته ) ) ) كراهيته بَعْدَهَا وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهَا بِالْإِحْدَادِ على الْمَيِّتِ وقال إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وقال ما لم تُنْسَ الْمُصِيبَةُ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ
وَهَكَذَا قال غَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ قال في النُّكَتِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ أَهْلُ الْمَيِّتِ خَرَجَ على الْغَالِبِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَهْلُ الْمُصِيبَةِ وَقَطَعَ بِهِ بن عبد الْقَوِيِّ
____________________
(2/564)
في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ لَا تَفَقُّهًا من عِنْدِهِ قال في النُّكَتِ فَيُعَزَّى الْإِنْسَانُ في رَفِيقِهِ وَصَدِيقِهِ وَنَحْوِهِمَا كما يُعَزَّى في قَرِيبِهِ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أختيار أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ ما يُعْجِبُنِي وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ فيه لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ
قال الْخَلَّالُ سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ في غَيْرِ مَوْضِعٍ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ يُبَاحُ ثَلَاثًا كَالنَّعْيِ وَنُقِلَ عنه الْمَنْعُ منه
وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ أبي حَفْصٍ
وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَمَّا وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ فَأَكْرَهُهُ وقال الْآجُرِّيُّ يَأْثَمُ إنْ لم يَمْنَعْ أَهْلَهُ وقال في الْفُصُولِ يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ لِأَنَّ فيه تَهْيِيجًا لِلْحُزْنِ
فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ أو يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ فَعَلَهُ السَّلَفُ
قَوْلُهُ وَيَقُولُ في تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك
وَلَا يَتَعَيَّنُ ذلك بَلْ إنْ شَاءَ قَالَهُ وَإِنْ شَاءَ قال غَيْرَهُ فإنه لَا يَتَعَيَّنُ فيه شَيْءٌ فَقَدْ عَزَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجُلًا فقال آجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ في هذا الرَّجُلِ وَعَزَّى أَبَا طَالِبٍ فقال أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ
قَوْلُهُ وفي تعزيته ( ( ( تعزية ) ) ) عن كَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك
يَعْنِي إذَا عَزَّى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عن مَيِّتٍ كَافِرٍ فَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ
____________________
(2/565)
يُعَزِّيهِ عنه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يُعَزِّيهِ عن كَافِرٍ وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يقول أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَصَارَ لَك خَلَفًا عنه
قَوْلُهُ وفي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وفي تَعْزِيَتِهِ عن كَافِرٍ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك أو أَكْثَرَ عَدَدَك
فَيَدْعُو لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَيَقُولُ له أَيْضًا وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وقال أبو عبد اللَّهِ بن بَطَّةَ يقول أَعْطَاك اللَّهُ على مُصِيبَتِك أَفْضَلَ ما أَعْطَى أَحَدًا من أَهْلِ دِينِك وقال في الْفَائِقِ قُلْت لَا يَنْبَغِي تَعْزِيَتُهُ عن كَافِرٍ وَلَا الدُّعَاءُ بِالْإِخْلَافِ عليه وَعَدَمِ تَنْقِيصِ عَدَدِهِ بَلْ الْمَشْرُوعُ الدُّعَاء بِعَدَمِ الْكَافِرِينَ وَإِبَادَتِهِمْ كما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عن قَوْمِ نُوحٍ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ أو عن كَافِرٍ حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِ ذلك من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ ذلك أولا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ جَوَازُ التَّعْزِيَةِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قد اخْتَارَ جَوَازَ ذلك وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ تَعْزِيَتِهِمْ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ قَدَّمَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَرِوَايَةٌ بِالْإِبَاحَةِ فَعَلَيْهَا يقول ما تَقَدَّمَ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قال في الْفُرُوعِ لم يذكر الْأَصْحَابُ هل يَرُدُّ المعزي شيئا أَمْ لَا
____________________
(2/566)
وقد رَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ على من عَزَّاهُ فقال اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ انْتَهَى وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً ومنبوعا ( ( ( ومتبوعا ) ) )
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ
الثَّانِيَةُ مَعْنَى التَّعْزِيَةِ التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ على الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ
الثَّالِثَةُ لَا يُكْرَهُ أَخْذُهُ بِيَدِ من عَزَّاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ الْوَقْفُ وَكَرِهَهُ عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ
قال الْخَلَّالُ أَحَبُّ إلى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَكَرِهَهُ أبو حَفْصٍ عِنْدَ الْقَبْرِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ على الْمَيِّتِ
يَعْنِي من غَيْرِ كَرَاهَةٍ سَوَاءٌ كان قبل مَوْتِهِ أو بَعْدَهُ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ في ذلك وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا يُحْمَلُ النَّهْيُ عن الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ على تَرْكِ الْأَوْلَى
قال الْمَجْدُ أو أَنَّهُ كَرِهَ كَثْرَةَ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامِ عليه أَيَّامًا
قال جَمَاعَةٌ الصَّبْرُ عن الْبُكَاءِ أَجْمَلُ منهم بن حَمْدَانَ
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْبُكَاءَ يُسْتَحَبُّ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ أَكْمَلُ من الْفَرَحِ كَفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ
قُلْت اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا يُعْدَلُ عنها
قَوْلُهُ وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابَ على رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ
يَعْنِي يَجُوزُ ذلك لِيَكُونَ عَلَامَةً يُعْرَفُ بها وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ لُبْسُهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ لِلْمُصَابِ تَغْيِيرُ حَالِهِ من خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ وَتَغْلِيقِ حَانُوتِهِ
____________________
(2/567)
وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن مَسْأَلَةٍ يوم مَاتَ بِشْرٌ فقال ليس هذا يوم جَوَابٍ هذا يَوْمُ حُزْنٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ الزِّينَةَ وَحُسْنَ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَلَا النِّيَاحَةُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال هو الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُكْرَه النَّدْبُ وَالنَّوْحُ الذي ليس فيه إلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْكَافِي
قال الْآمِدِيُّ يُكْرَهُ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْقَاضِي أبو يَعْلَى وَالْخِرَقِيُّ انْتَهَى نَقَلَهُ عنه في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال اخْتَارَهُ كَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ما يَدُلُّ على إبَاحَتِهِمَا وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت قد نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عن الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قبل الْمُصَنِّفِ ذَكَرَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَقَطَعَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إذَا كان صِدْقًا ولم يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ كَفِعْلِ أبي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ
قُلْت وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه قال في الْفَائِقِ وَيُبَاحُ يَسِيرُ النَّدْبِ الصِّدْقِ نَصَّ عليه
____________________
(2/568)
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُود وما أَشْبَهَ ذلك
من الصُّرَاخِ وَخَمْشِ الْوَجْهِ وَنَتْفِ الشَّعْرِ وَنَشْرِهِ وَحَلْقِهِ
قال جَمَاعَةٌ منهم بن حَمْدَانَ وَالنَّخَعِيُّ قال في الْفُصُولِ يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ وَالنِّيَاحَةُ وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ فَوَائِدُ
منها قال في الْفُرُوعِ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ الْمُتَّفَقُ على صِحَّتِهَا بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عليه فَحَمَلَهُ بن حَامِدٍ على ما إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَنَّ عَادَةً الْعَرَبُ كانت الْوَصِيَّةَ بِهِ فَخَرَجَ على عَادَتِهِمْ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ هو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وهو ضَعِيفٌ فإن سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ انْتَهَى
وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ على من كَذَّبَ بِهِ حين يَمُوتُ وَقِيلَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ
وقال في التَّلْخِيصِ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لم يُوصِ بِتَرْكِهِ كما كان السَّلَفُ يُوصُونَ ولم يُعْتَبَرْ كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ اهله
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ إذَا كان عَادَةَ أَهْلِهِ ولم يُوصِ بِتَرْكِهِ يُعَذَّبُ لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ ولم يُوصِ فَقَدْ رضي ولم يَنْهَ مع قُدْرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْحَوَاشِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ الذي معه نَدْبٌ أو نِيَاحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ
وَمِنْهَا ما هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ من وَعْظٍ أو إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ومنها ( ( ( ومعنا ) ) ) لِابْنِ عَقِيلٍ في الْفُنُونِ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَأَكْلُ ذلك نَصَّ عليه وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِحُرْمَةِ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ عِنْدَهُ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وفي مَعْنَى ذلك ما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ من أَهْلِ زَمَانِنَا من
____________________
(2/569)
التَّصَدُّقِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخُبْزٍ أو نَحْوِهِ فإنه بِدْعَةٌ وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَإِشْهَارٌ لِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمَنْدُوبِ إلَى إخْفَائِهَا انْتَهَى وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ قال في الْفُرُوعِ قال جَمَاعَةٌ وفي مَعْنَى الذَّبْحِ على الْقَبْرِ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فإنه مُحْدَثٌ وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مع الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وهو يُشْبِهُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لم أَسْمَعْ فيه بِشَيْءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عن الصَّدَقَةِ
____________________
(2/570)
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ = كِتَابُ الزَّكَاةِ
فَائِدَةٌ الزَّكَاةُ في اللُّغَةِ النَّمَاءُ وَقِيلَ النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ لِأَنَّهَا تُنَمِّي الْمَالَ وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا وَقِيلَ تُنَمِّي أَجْرَهَا وقال الْأَزْهَرِيُّ تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ
قُلْت لو قِيلَ إنَّ هذه الْمَعَانِيَ كُلَّهَا فيها لَكَانَ حَسَنًا فَتُنَمِّي الْمَالَ وَتُنَمِّي أَجْرَهَا وَتُنَمِّي الْفُقَرَاءَ وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا وَسُمِّيَتْ زَكَاةً في الشَّرْعِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
وَحَدُّهَا في الشَّرْعِ حَقٌّ يَجِبُ في مَالٍ خَاصٍّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ في غَيْرِ ذلك
يَعْنِي لَا تَجِبُ في غَيْرِ السَّائِمَةِ وَالْخَارِجِ من الْأَرْضِ وَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ
وَقَوْلُهُ وقال أَصْحَابُنَا تَجِبُ في الْمُتَوَلِّدِ بين الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْهَادِي قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ قال ولم أَجِدْ فيه نَصًّا وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فيه تَغْلِيبًا وَاحْتِيَاطًا كَتَحْرِيمِ قَتْلِهِ وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلُهُ قال الْمَجْدُ تَتَنَاوَلُهُ بِلَا شَكٍّ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيه وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ وَأَطْلَقَ في التَّبْصِرَةِ فيه وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ بن تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُمَا وَحَكَى في الرِّعَايَةِ فيه رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ وفي بَقَرِ الْوَحْشِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ
____________________
(3/3)
إحْدَاهُمَا تَجِبُ فيها وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ هو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اختاره ( ( ( واختاره ) ) ) أَصْحَابُنَا قال الْمَجْدُ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وهو ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ في غَيْرِ ذلك قال الشَّارِحُ وَهِيَ أَصَحُّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا زَكَاةَ في بَقَرِ الْوَحْشِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال بن رَزِينٍ وهو أَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال في الْخُلَاصَةِ وَفَائِدَتُهُ تَكْمِيلُ النِّصَابِ بِبَقَرَةِ وَحْشٍ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ في الْغَالِبِ وَإِلَّا فَمَتَى كَمُلَ النِّصَابُ منه وَجَبَتْ فيه عِنْدَ من يقول ذلك
فَوَائِدُ
منها حُكْمُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ حُكْمُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَالْوُجُوبُ فيها من الْمُفْرَدَاتِ
وَمِنْهَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الظِّبَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الْقَاضِي في الطَّرِيقَةِ وبن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ عن بن حَامِدٍ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فيها وَحَكَى رِوَايَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَنَمَ وَالظَّبْيَةُ تُسَمَّى عَنْزًا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
وَمِنْهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
وَهَلْ تَجِبُ في الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا أَمْ لَا
قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَجْدِ في مَسْأَلَةِ زَكَاةِ مِلْكِ الصَّبِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ له بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ليس حَمْلًا أو أَنَّهُ ليس حَيًّا
وقال الْمُصَنِّفُ في فِطْرَةِ الْجَنِينِ لم يَثْبُتْ له أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا في الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ
____________________
(3/4)
بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْوُجُوبَ بِحُكْمِنَا له بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا حتى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ وَهُمَا وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أبو الْمَعَالِي وَمَنَعَهُ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ دخل في قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ على كَافِرٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قال في الرِّعَايَةِ لَا تَجِبُ على أَصْلِيٍّ على الْأَشْهَرِ وكذا الْمُرْتَدُّ نَصَّ عليه سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ مع الرِّدَّةِ أو زَوَالِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَذَكَرَهُ في الشَّرْحِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ
فَقِيلَ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَقِيلَ لِمَنْعِهِ من مَالِهِ
وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا زَكَاةَ عليه وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ بن تَمِيمٍ
وَعَنْهُ تَجِبُ عليه بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عليها إذَا مَاتَ على كُفْرِهِ
وَعَنْهُ تَجِبُ على الْمُرْتَدِّ نَصَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ تَجِبُ لِمَا مَضَى من الْأَحْوَالِ على مَالِهِ حَالَ رِدَّتِهِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ بَلْ هو مَوْقُوفٌ وَحَكَاهُ بن شَاقِلَا رِوَايَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَتَقَدَّمَ ذلك بِأَتَمَّ من هذا في أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ على مُكَاتَبٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هو كَالْقِنِّ وَعَنْهُ يزكى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ
____________________
(3/5)
قَوْلُهُ فَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا وَقُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ فَلَا زَكَاةَ فيه
يَعْنِي على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ وبن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قُلْت منهم أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالزَّرْكَشِيُّ
وهو الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ ذَكَرَهَا في الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ وَقَالَهُ بن حَامِدٍ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قال بن تَمِيمٍ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ يُزَكِّي الْعَبْدُ مَالَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ وقال في الْفُرُوعِ تَبَعًا لِابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُزَكِّيَهُ السَّيِّدُ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَعَنْ بن حَامِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ على السَّيِّدِ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُهُ أولا لِأَنَّهُ إمَّا مِلْكٌ له أو في حُكْمِ مِلْكِهِ لِتَمَكُّنِهِ من التَّصَرُّفِ فيه كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ
قُلْت وهو مَذْهَبٌ حَسَنٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ فَزَكَاتُهُ على سَيِّدِهِ بِلَا نِزَاعٍ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا أَنَّ في مِلْكِهِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ وَقُلْنَا إنَّهُ يُمَلِّكُهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَهُ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَقَوَاعِدِ بن اللَّحَّامِ وقال هذه الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قال في التَّلْخِيصِ في بَابِ
____________________
(3/6)
الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّقِيقِ وَاَلَّذِي عليه الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قال في الْفُرُوعِ في آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ اخْتَارَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وبن شَاقِلَا وَصَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَظْهَرُ قال في الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَيَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ لو مَلَكَ مَلَكَهُ في الْأَقْيَسِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
فَائِدَةٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ أَكْثَرُهَا مُتَفَرِّقَةٌ في الْكِتَابِ
وَمِنْهَا ما تَقَدَّمَ وهو ما إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا
وَمِنْهَا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا وَأَهَلَّ عليه هِلَالُ الْفِطْرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ على السَّيِّدِ
وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ لم تجب ( ( ( يجب ) ) ) على وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِزَكَاةِ الْمَالِ وقال في الْفُرُوعِ فَلَا فِطْرَةَ إذَنْ في الْأَصَحِّ
وَقِيلَ تَجِبُ فِطْرَتُهُ على السَّيِّدِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيُؤَدِّي السَّيِّدُ عن عبد عَبْدِهِ إذْ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَإِنْ مَلَكَ فَلَا فِطْرَةَ له لِعَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ وَنَقْصِ مِلْكِ الْعَبْدِ
وَقِيلَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْحُرَّ كَنَفَقَتِهِ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَمِنْهَا تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ في الْحَجِّ وَالْأَيْمَانِ وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ ذَكَرَهَا بن رَجَبٍ في فَوَائِدِهِ وَذَكَرْتُهَا في آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ
____________________
(3/7)
وَمِنْهَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ وَلِلْأَصْحَابِ أَيْضًا فيها طُرُقٌ ذَكَرْتُهَا في آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ له بِمَالِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فَاشْتَرَاهُ
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ لم يَصِحَّ شِرَاؤُهُ له
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ وكان مَمْلُوكًا لِلسَّيِّدِ قال الْمَجْدُ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي قال بن رَجَبٍ قُلْت وَيَتَخَرَّجُ فيه وَجْهٌ لَا يَصِحُّ على الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ انْتَهَى
قُلْت وَيَتَخَرَّجُ الصَّحِيحُ على الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً على أَحَد الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ
وَمِنْهَا عَكْسُ هذه الْمَسْأَلَةِ لو أَذِنَ الْكَافِرُ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الذي يَثْبُتُ مِلْكُهُ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ صَحَّ وكان الْعَبْدُ له وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ لم يَصِحَّ
وَمِنْهَا تسرى الْعَبْدِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا بِنَاؤُهُ على الْخِلَافِ في مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ جَازَ تَسَرِّيهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْوَطْءَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وهي وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابِ بَعْدَهُ قَالَهُ بن رَجَبٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالثَّانِي يَجُوزُ تَسَرِّيهِ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَأَبِي إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا ذَكَرَهُ عنه في الْوَاضِحِ وَرَجَّحَهَا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي قال بن رَجَبٍ وَهِيَ أَصَحُّ وَحَرَّرَهَا في فَوَائِدِهِ
وَتَأْتِي هذه الْفَائِدَةُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ في قَوْلِهِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِأَتَمَّ من هذا
وَمِنْهَا لو بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ في يَدِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ
____________________
(3/8)
يُعْتَقُ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مع قَوْلِهِ إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَقَوْلُ الْقَاضِي على الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ
وَمِنْهَا إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ مَالٌ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ على رِوَايَتَيْنِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ من بَنَاهَا على الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ
فَإِنْ قُلْنَا بملكه ( ( ( يملكه ) ) ) اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عليه بِالْعِتْقِ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي بَكْرٍ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وَالْمَجْدُ وَمِنْهُمْ من جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ على الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ
وَمِنْهَا لو اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بِمَالِهِ
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ لم يَنْفَسِخْ
وَمِنْهَا لو مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا
فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكُ الْعَبْدِ لَكِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عليه حتى يُعْتَقَ فإذا أُعْتِقَ ولم يَنْزِعْهُ منه قبل عِتْقِهِ عَتَقَ عليه لِتَمَامِ مِلْكِهِ حِينَئِذٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
وَمِنْهَا هل يَنْفُذُ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ في مَالِ الْعَبْدِ دُونَ اسْتِرْجَاعِهِ
فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ السَّيِّدِ لرقيق ( ( ( رقيق ) ) ) عَبْدِهِ قال الْقَاضِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ فيه قبل عِتْقِهِ قال وَإِنْ حُمِلَ على ظَاهِرِهِ فَلِأَنَّ عِتْقَهُ يَتَضَمَّن الرُّجُوعَ في التَّمْلِيكِ
وَمِنْهَا لو وَقَفَ عليه فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَقِيلَ ذلك يَتَفَرَّعُ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَأَمَّا إنْ قِيلَ إنَّهُ يَمْلِكُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عليه كَالْمُكَاتَبِ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَكْثَرُونَ على أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عليه على الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَّلِ الْوَقْفِ
وَمِنْهَا وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِشَيْءٍ من مَالِهِ فَإِنْ كان بِجُزْءٍ مُشَاعٍ منه صَحَّ وَعَتَقَ من الْعَبْدِ بِنِسْبَةِ ذلك الْجُزْءِ لِدُخُولِهِ في عُمُومِ الْمَالِ وَيَكْمُلُ عِتْقُهُ من بَقِيَّةِ
____________________
(3/9)
الْوَصِيَّةِ نَصَّ عليه وفي تَعْلِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا بن رَجَبٍ في فَوَائِدِ قَوَاعِدِهِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ
وَمِنْهَا ذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَإِنْ كانت الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ أو مُقَدَّرٍ فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ
فَمِنْ الْأَصْحَابِ من بَنَاهُمَا على أَنَّ الْعَبْدَ هل يَتَمَلَّكُ أَمْ لَا وهي ( ( ( وهما ) ) ) طَرِيقَةُ بن أبي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ
وَمِنْهُمْ من حَمَلَ الصِّحَّةَ على أَنَّ الوصية ( ( ( للوصية ) ) ) لِقَدْرٍ من الْعَيْنِ أو لِقَدْرٍ من التَّرِكَةِ لَا بِعَيْنِهِ فَيَعُودُ إلَى الْحَقِّ الْمُشَاعِ
قال بن رَجَبٍ وهو بَعِيدٌ جِدًّا
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْمُوصَى له بِأَتَمَّ من هذا
وَمِنْهَا لو غَزَا الْعَبْدُ على فَرَسٍ مَلَّكَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ
فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ لم يُسْهَمْ لها لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَالِكِهَا فَيَرْضَخُ لها كما يَرْضَخُ له وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا أَسْهَمَ لها لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ قال بن رَجَبٍ قال الْأَصْحَابُ وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ وَتَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا يُسْهِمُ لها مُتَّحِدًا
وَمَوْضِعُ هذه الْفَوَائِدِ في كَلَامِ الْأَصْحَابِ في آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ
تَنْبِيهٌ هل الْخِلَافُ في مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ مُخْتَصٌّ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا
فَاخْتَارَ في التَّلْخِيصِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ من غَيْرِ جِهَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وقال في التَّلْخِيصِ وَأَصْحَابُنَا لم يُقَيِّدُوا الرِّوَايَتَيْنِ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ بَلْ ذَكَرُوهُمَا مُطْلَقًا في مِلْكِ الْعَبْدِ إذَا مَلَكَ
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ يَدُلُّ على خِلَافِ ما اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
____________________
(3/10)
فإذا عَلِمْت ذلك فَيَتَفَرَّعُ على هذا الْخِلَافِ مَسَائِلُ
منها اللُّقَطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ قال طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ تَنْبَنِي على رِوَايَتَيْ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ جَعْلًا لِتَمْلِيكِ الشَّارِعِ كَتَمْلِيكِ السَّيِّدِ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى أَنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لم تُمْلَكْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ كَذَلِكَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ أنها مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ
وَمِنْهَا حِيَازَةُ الْمُبَاحَاتِ من احْتِطَابٍ أو احْتِشَاشٍ أو اصْطِيَادٍ أو مَعْدِنٍ أو غَيْرِ ذلك فَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال هو مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ لَكِنْ لو أَذِنَ له السَّيِّدُ في ذلك فَهُوَ كَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَخَرَّجَ طَائِفَةٌ الْمَسْأَلَةَ على الْخِلَافِ في مِلْكِ الْعَبْدِ وَعَدَمِهِ منهم الْمَجْدُ وَقَاسَهُ على اللُّقَطَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ
وَمِنْهَا لو أَوْصَى لِلْعَبْدِ أو وَهَبَ له وَقَبِلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أو بِدُونِهِ إذَا أَجَزْنَا له ذلك على الْمَنْصُوصِ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَبَنَاهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ على الْخِلَافِ في مِلْكِ السَّيِّدِ
وَيَأْتِي أَيْضًا هذا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْمُوصَى له
وَمِنْهَا لو خَلَعَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ بِنَاؤُهُ على الْخِلَافِ في مِلْكِ الْعَبْدِ
قال بن رَجَبٍ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا يَمْلِكُ الْبِضْعَ فَمَلَكَ عِوَضَهُ بِالْخُلْعِ لِأَنَّ من مَلَكَ شيئا مَلَكَ عِوَضَهُ فَأَمَّا مَهْرُ الْأَمَةِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ
ذَكَرَ ذلك كُلَّهُ بن رَجَبٍ في الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ من قَوَاعِدِهِ بِأَبْسَطَ من هذا
فَائِدَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ على الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ بِقَدْرِ ما يَمْلِكُهُ على ما تَقَدَّمَ
____________________
(3/11)
قَوْلُهُ الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ فَإِنْ نَقَصَ عنه فَلَا زَكَاةَ فيه إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ
فَالنِّصَابُ تَقْرِيبٌ في النَّقْدَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال قَالَهُ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ قال في الْفَائِقِ وَلَوْ نَقَصَ النِّصَابُ ما لَا يُضْبَطُ كَحَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الْحَوَاشِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ
وَعَنْهُ النِّصَابُ تَحْدِيدٌ فَلَا زَكَاةَ فيه وَلَوْ كان النَّقْصُ يَسِيرًا قال في الْمُبْهِجِ هذا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال في الشَّرْحِ وهو ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عنه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ قال إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَدْخُلُ في الْمَكَايِيلِ كَالْأُوقِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُؤَثِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ والحواشي ( ( ( وحواشيه ) ) ) وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ النَّقْصَ وَلَوْ كان أَكْثَرَ من حَبَّتَيْنِ
وَعَنْهُ حتى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفَ وَثُلُثَ مِثْقَالٍ وَأَطْلَقَ في الْفَائِقِ في ثُلُثِ مِثْقَالٍ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ في الدَّانَقِ وَالدَّانَقَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ
وَقِيلَ الدَّانَقُ وَالدَّانَقَانِ لَا يَمْنَعُ في الْفِضَّةِ وَيَمْنَعُ في الذَّهَبِ قال أبو الْمَعَالِي وهذا ( ( ( هذا ) ) ) أَوْجَهُ
وَقِيلَ يَضُرُّ النَّقْصُ الْيَسِيرُ في أَوَّلِ الْحَوْلِ أو وَسَطِهِ دُونَ آخِرَهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ الْيَسِيرُ ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُؤَثِّرُ نَقْصُ ثَمَنٍ في رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وفي أُخْرَى في الْفِضَّةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ وفي أُخْرَى في الذَّهَبِ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَلَا يُؤَثِّرُ الثُّلُثُ
____________________
(3/12)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ أَنَّ نِصَابَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ تَحْدِيدٌ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَعَنْهُ نِصَابُ ذلك تَقْرِيبٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُؤَثِّرُ نَحْوُ رَطْلَيْنِ وَمُدَّيْنِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُؤَثِّرُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال وَجَعَلَهُ في الرِّعَايَةِ من فَوَائِدِ الْخِلَافِ
الثَّانِيَةُ لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ دَاخِلَ الْكَيْلِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ وقال في التَّلْخِيصِ إذَا نَقَصَ ما لو وُزِّعَ على الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ظَهَرَ فيها سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ على النِّصَابِ بِالْحِسَابِ إلافي ( ( ( إلا ) ) ) السائمة ( ( ( في ) ) )
لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في وَقْصِ السَّائِمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وَقِيلَ تَجِبُ في وَقْصِهَا اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ لو تَلِفَ بَعِيرٌ من تِسْعَةِ أَبْعِرَةٍ أو مَلَكَهُ قبل التَّمَكُّنِ إنْ اعْتَبَرْنَا التَّمَكُّنَ سَقَطَ تِسْعُ شِيَاهٍ وَلَوْ تَلِفَ من التِّسْعِ سِتَّةٌ زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ
وَلَوْ كانت مَغْصُوبَةً فَأَخَذَ منها بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّاهُ بِتُسْعِ شَاةٍ
____________________
(3/13)
وَلَوْ كان بَعْضُهَا رَدِيئًا أو صِغَارًا كان الْوَاجِبُ وَسَطًا وَيُخْرِجُ من الْأَعْلَى بِالْقِيمَةِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ من فَوَائِدِهِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ في الصُّورَةِ الْأُولَى شَاةٌ وفي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وفي الثَّالِثَةِ خُمُسُهَا وفي الرَّابِعَةِ يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالْخِيَارِ وَيَتَعَلَّقُ الرَّدِيءُ بِالْوَقْصِ لِأَنَّهُ أحظ ( ( ( أحط ) ) ) وَاخْتَارَهُ أبو الْفَرَجِ أَيْضًا
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا لو تَلِفَ عِشْرُونَ بَعِيرًا من أَرْبَعِينَ قبل التَّمَكُّنِ فَيَجِبُ على الْمَذْهَبِ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان عليه دَيْنٌ بِقَدْرِ الْوَقْصِ لم يُؤَثِّرْ في وُجُوبِ الشَّاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّصَابِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَاقْتَصَرَ عليه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَفَوَائِدُ ذلك كَثِيرَةٌ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ في تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالزَّائِدِ على نِصَابِ السَّرِقَةِ احْتِمَالَانِ يَعْنِي أَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَسْرُوقِ أو بِالنِّصَابِ منه فَقَطْ فَظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا
قَوْلُهُ فَلَا زَكَاةَ في دَيْنِ الْكِتَابَةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا قال في الْفُرُوعِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَفِيهِ رِوَايَةٌ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ فَدَلَّ على الْخِلَافِ هُنَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا في السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَلَا في حِصَّةِ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ قبل الْقِسْمَةِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا
أَمَّا السَّائِمَةُ الْمَوْقُوفَةُ فَإِنْ كانت على مُعَيَّنِينَ كَالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيها وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفَائِقِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّصُّ الْوُجُوبُ
____________________
(3/14)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا زَكَاةَ فيها قَدَّمَهُ في الشَّرْحِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عليه وَعَدَمِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على رِوَايَةِ الْمِلْكِ فَقَطْ قَالَهُ بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ من عَيْنِهَا لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ في الْوَقْفِ فَيَخْرُجُ من غَيْرِهَا
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَإِنْ كانت السَّائِمَةُ أو غَيْرُهَا وَقْفًا على غَيْرِ مُعَيَّنٍ أو على الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا لم تَجِبْ الزَّكَاةُ فيها وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَنَصَّ عليه فقال في أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ على الْمَسَاكِينِ لَا عُشْرَ فيها لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ
فَائِدَةٌ لو وَقَفَ أَرْضًا أو شَجَرًا على مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا في الْغَلَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالتَّلْخِيصِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وقال رِوَايَةً وَاحِدَةً وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ تَجِبُ مع غِنَى الْمَوْقُوفِ عليه دُونَ غَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ أبو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ ما نَقَلَهُ عَلِيُّ بن سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ
فَحَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ فَإِنْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابُ زَكَاةٍ وَإِلَّا خَرَجَ على الرِّوَايَتَيْنِ في تَأْثِيرِ الْخَلْطِ في غَيْرِ السَّائِمَةِ على ما يَأْتِي
فَوَائِدُ
منها لو أَوْصَى بِدَرَاهِمَ في وُجُوهِ الْبِرِّ أو لِيَشْتَرِيَ بها ما يُوقَفُ فَاتَّجَرَ بها ( ( ( بهما ) ) ) الموصي ( ( ( الوصي ) ) ) فَرِبْحُهُ مع أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ رِبْحُهُ إرْثٌ
____________________
(3/15)
وقال في الْمُؤَجَّرِ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ إنْ رَبِحَ له أُجْرَةُ مِثْلِهِ
وَيَأْتِي ما إذَا بَنَى في الموصي بِوَقْفِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ وَقْفِهِ في كِتَابِ الْوَصَايَا في فَوَائِدِ ما إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَتَى يَثْبُتُ له الْمِلْكُ
وَمِنْهَا الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ يُزَكِّيهِ من حَالَ عليه الْحَوْلُ على مِلْكِهِ
وَمِنْهَا لو وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ لَا زَكَاةَ إنْ وَصَّى بها أَبَدًا فَيُعَايَى بها
وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ قبل الْقِسْمَةِ فذكر الْمُصَنِّفُ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيها وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وقال إنَّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ قبل الْقِسْمَةِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ نَقُولَ لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ أو يَمْلِكُهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَلَا زَكَاةَ فيها وَلَا يَنْعَقِدُ عليها الْحَوْلُ حتى تُقْسَمَ وَإِنْ قُلْنَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لَا تَجِبُ فيها الزَّكَاةُ أَيْضًا وَلَا يَنْعَقِدُ عليها الْحَوْلُ قبل الْقِسْمَةِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْخِلَافِ وَالْمُجَرَّدِ وَذَكَرَهُ في الْوَسِيلَةِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها وَيَنْعَقِدُ عليها الْحَوْلُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ وَالْفَائِقِ وقال في الْفَائِقِ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يُعْتَبَرُ بُلُوغُ حِصَّتِهِ نِصَابًا فَإِنْ كانت دُونَهُ انْبَنَى على الْخُلْطَةِ فيه على ما يَأْتِي وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قبل الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا من مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/16)
قال في الْقَوَاعِدِ وَأَمَّا حَقُّ رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ تَزْكِيَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْآجُرِّيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْخُلَطَاءِ
وَقِيلَ يَجُوزُ لِدُخُولِهِمَا على حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُهَا من الْمَالِ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وأطلقهما في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاةُ رَأْسِ مَالِهِ مع حِصَّتِهِ من الرِّبْحِ وَيَنْعَقِدُ عليها الْحَوْلُ بِالظُّهُورِ نَصَّ عليه زَادَ بَعْضُهُمْ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ وَقِيلَ قَبْضِهَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهَا قَبْلَهُ لِتَزَلْزُلِهَا انْتَهَى
وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَحَكَى أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ عن الْقَاضِي يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَامِلُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ في مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ وَحَكَاهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا وَصَحَّحَهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وهو ضَعِيفٌ قال في الْحَوَاشِي وهو بَعِيدٌ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ
فَائِدَةٌ لو أَدَّاهَا رَبُّ الْمَالِ من غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ وَإِنْ أَدَّاهَا منه حُسِبَ من الْمَالِ وَالرِّبْحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا فَيَنْقُصُ رُبْعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ يُحْسَبُ من الرِّبْحِ فَقَطْ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ وَجَزَمَا بِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَوَاشِي وقال في الْكَافِي هِيَ من رَأْسِ الْمَالِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عليه كَدَيْنِهِ وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ في الذِّمَّةِ فَمِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا في الْعَيْنِ فَمِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ
____________________
(3/17)
قَوْلُهُ وَمَنْ كان له دَيْنٌ على ملىء ( ( ( مليء ) ) ) من صَدَاقٍ أو غَيْرِهِ زكاة إذَا قَبَضَهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ فَلَا يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ أو قبل قَبْضِهِ قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ في الْحَالِ وهو الْمُخْتَارُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ على ملىء ( ( ( مليء ) ) ) من شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا
فَائِدَةٌ الْحَوَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ منه كَالْقَبْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ جُعِلَا وَفَاءً فَكَالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ زكاة إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى
يَعْنِي من الْأَحْوَالِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَصْد بِبَقَائِهِ الْفِرَارَ من الزَّكَاةِ أو لَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً على أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ ولم يُوجَدْ فِيمَا مَضَى
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يُجْزِيهِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قبل قَبْضِهِ لِزَكَاةِ سِنِينَ وَلَوْ وَقَعَ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ من سَنَةٍ لِقِيَامِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْأَدَاءُ رُخْصَةً
الثَّانِيَةُ لو مَلَكَ مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً زَكَّى النَّقْدَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ وَزَكَّى الْمُؤَجَّلَ إذَا قَبَضَهُ
الثَّالِثَةُ حَوْلُ الصَّدَاقِ من حِينِ الْعَقْدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ عَيْنًا كان أو دَيْنًا مُسْتَقِرًّا كان أو لَا نَصَّ عليه وكذا عِوَضُ الْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ
وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ من حِينِ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ
____________________
(3/18)
وَعَنْهُ لَا زَكَاةَ في الصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ حتى يُقْبَضَ فَيَثْبُتُ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قبل الْحَوْلِ قال الْمَجْدُ بِالْإِجْمَاعِ مع احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ
وَعَنْهُ تَمْلِكُ قبل الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ
وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا في اعْتِبَارِ الْقَبْضِ في كل دَيْنٍ إذَا كان في غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ أو مَالٌ زكوى عِنْدَ الْكُلِّ كَمُوصًى بِهِ وَمَوْرُوثٍ وَثَمَنِ مَسْكَنٍ
وَعَنْهُ لَا حَوْلَ لأجره فَيُزَكِّيهِ في الْحَالِ كَالْمَعْدِنِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى كَوْنِهَا غَلَّةَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ له
وَعَنْهُ أَيْضًا لَا حَوْلَ لِمُسْتَفَادٍ وَذَكَرَهَا أبو الْمَعَالِي فِيمَنْ بَاعَ سَمَكًا صَادَهُ بِنِصَابِ زَكَاةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ قبل الْقَبْضِ
الرَّابِعَةُ لو كان عليه دَيْنٌ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا زَكَاةَ لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فيها فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا وَكَذَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَجِبُ فيها الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا لم تَتَعَيَّنْ مَالًا زَكَوِيًّا لِأَنَّ الْإِبِلَ في الذِّمَّةِ فيها أَصْلٌ أو أَحَدُهَا
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ من صَدَاقٍ أو غَيْرِهِ الْقَرْضَ وَدَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَكَذَا الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ عنه أو زَالَ أو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ مَطْعُومٍ قبل قَبْضِهِ
وَيُزَكَّى الْمَبِيعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أو في خِيَارِ الْمَجْلِسِ من حُكِمَ له بِمِلْكِهِ وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ
وَيُزَكَّى أَيْضًا دَيْنُ السَّلَمِ إنْ كان لِلتِّجَارَةِ ولم يَكُنْ أَثْمَانًا
وَيُزَكَّى أَيْضًا ثَمَنُ الْمَبِيعِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قبل قَبْضِ عِوَضِهِمْ وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في مِلْكٍ تَامٍّ مَقْبُوضٍ وَعَنْهُ أو مُمَيَّزٍ لم يُقْبَضْ ثُمَّ قال قُلْت وَفِيمَا صَحَّ تَصَرُّفُ رَبِّهِ فيه قبل قَبْضِهِ أو ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ وفي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَرَأْسِ مَالِ الْمُسْلِمِ قبل قَبْضِ عِوَضِهِمَا
____________________
(3/19)
وَدَيْنُ السَّلَمِ إنْ كان لِلتِّجَارَةِ ولم يَكُنْ أَثْمَانًا وفي الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْل الْقَبْضِ رِوَايَتَانِ
وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فيه خِيَارٌ منه فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ في قَدْرِهِ وفي قِيمَتِهِ رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وفي أَيِّهِمَا تُقْبَلُ
قَوْلُهُ وفي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت الصَّوَابُ قَوْلُ الْمُخْرَجِ
فَأَمَّا مَبِيعٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ فَيُزَكِّيهِ الْبَائِعُ
الْخَامِسَةُ كُلُّ دَيْنٍ سَقَطَ قبل قَبْضِهِ ولم يَتَعَوَّضْ عنه تَسْقُطُ زَكَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هل يُزَكِّيهِ من سَقَطَ عنه يُخَرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ أَسْقَطَهُ رَبُّهُ زَكَاةٌ نَصَّ عليه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَالْإِبْرَاءِ من الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ
وَقِيلَ يُزَكِّيهِ الْمُبَرَّأُ من الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُلِكَ عليه وَقِيلَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ عِوَضًا أو أَحَالَ أو احْتَالَ زَادَ بَعْضُهُمْ وَقُلْنَا الْحَوَالَةُ وَفَاءٌ زَكَّاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَعَيْنٍ وَهَبَهَا وَعَنْهُ زَكَاةُ التَّعْوِيضِ على الدَّيْنِ وَقِيلَ في ذلك وفي الْإِبْرَاءِ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا الْمَدِينَ
السَّادِسَةُ الصَّدَاقُ في هذه الْأَحْكَامِ كَالدَّيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ سُقُوطُهُ كُلُّهُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ من جِهَتِهَا كَإِسْقَاطِهَا وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيه غَيْرُ تَامٍّ
وَقِيلَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قبل الدُّخُولِ
هذا إذَا كان في الذِّمَّةِ أَمَّا إنْ كان مُعَيَّنًا فإن الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ من حِينِ الْمِلْكِ نَصَّ عليه انْتَهَى
____________________
(3/20)
وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا كُلَّهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقٍ رَجَعَ فِيمَا بَقِيَ بِكُلِّ حَقِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ كان مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَةُ حَقِّهِ
وَقِيلَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ ما بَقِيَ وَنِصْفِ بَدَلِ ما أَخْرَجَتْ
وَقِيلَ يُخَيَّرُ بين ذلك وَنِصْفِ قِيمَةِ ما أَصْدَقَهَا يوم الْعَقْدِ أو مثله وَلَا تُجْزِيهَا زَكَاتُهَا منه بَعْدَ طَلَاقِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ
وَقِيلَ بَلَى عن حَقِّهَا وَتَغْرَمُ له نِصْفَ ما أَخْرَجَتْ وَمَتَى لم تُزَكِّهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا وَتُزَكِّيهِ هِيَ
فَإِنْ تَعَذَّرَ فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ وقال في الرِّعَايَةِ يَلْزَمُهُ وَيَرْجِعُ عليها إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ وَقِيلَ أو بِالذِّمَّةِ
فَائِدَةٌ لو وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا لم تَسْقُطْ عنها الزَّكَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ تَجِبُ على الزَّوْجِ وفي الْكَافِي احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عليها
قَوْلُهُ وفي الدَّيْنِ على غَيْرِ الملىء ( ( ( المليء ) ) ) وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ وَالضَّائِعِ رِوَايَتَانِ
وَكَذَا لو كان على مُمَاطِلٍ أو كان الْمَالُ مَسْرُوقًا أو مَوْرُوثًا أو غَيْرَهُ جَهِلَهُ أو جَهِلَ عِنْدَ من هو وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ وَالْمُحَرَّرِ
إحْدَاهُمَا كَالدِّينِ على الملىء ( ( ( المليء ) ) ) فَتَجِبُ الزَّكَاةُ في ذلك كُلِّهِ إذَا قَبَضَهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وبن الْجَوْزِيِّ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَنَصَرَهَا أبو الْمَعَالِي وقال اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ
____________________
(3/21)
وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ في الْمُؤَجَّلِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَقَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا زَكَاةَ فيه بِحَالٍ صَحَّحَهَا في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ في غَيْرِ الْمُؤَجَّلِ وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهَا بن شِهَابٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ
وَقِيلَ تَجِبُ في الْمَدْفُونِ في دَارِهِ وفي الدَّيْنِ على الْمُعْسِرِ وَالْمُمَاطِلِ وَجَزَمَ في الْكَافِي بِوُجُوبِهَا في وَدِيعَةٍ جَهِلَ عِنْدَ من هِيَ
وَعَلَيْهِ ما لَا يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لَا زَكَاةَ فيه وما يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ كَالدَّيْنِ على الْمُفْلِسِ أو الْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ فيه الزَّكَاةُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذه أَقْرَبُ
وَعَنْهُ إنْ كان الذي عليه الدَّيْنُ يؤدى زَكَاتَهُ فَلَا زَكَاةَ على رَبِّهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ نَصَّ عليه في الْمَجْحُودِ ذَكَرَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يزكى ذلك كُلَّهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى من السِّنِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ
وقال أبو الْفَرَجِ في الْمُبْهِجِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ في الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَمْ لَا على رِوَايَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ ذلك في بَقِيَّةِ الصُّوَرِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ الْمَجْحُودُ يعنى سَوَاءً كان مَجْحُودًا بَاطِنًا أو ظَاهِرًا أو ظَاهِرًا وَبَاطِنًا هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقَيَّدَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ بِالْمَجْحُودِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وقال أبو الْمَعَالِي ظَاهِرًا
فَوَائِدُ
منها لو كان بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ وَقُلْنَا لَا تَجِبُ في الْمَجْحُودِ فَفِيهِ هُنَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وقال ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي
____________________
(3/22)
أَحَدُهُمَا تَجِبُ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الثَّانِي لَا تَجِبُ
وَمِنْهَا لو وَجَبَتْ في نِصَابٍ بَعْضُهُ دَيْنٌ على مُعْسِرٍ أو غَصْبٌ أو ضَالٌّ وَنَحْوُهُ فَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاةِ ما بيده قبل قَبْضِ الدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَالضَّالِّ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
أَحَدُهُمَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ ما بيده وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فَلَوْ كانت إبِلًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ منها خَمْسٌ مَغْصُوبَةٌ أَرْضًا أَخْرَجَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بِنْتَ مَخَاضٍ
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ حتى يَقْبِضَ ذلك فَعَلَى هذا الْوَجْهِ لو كان الدَّيْنُ على ملىء ( ( ( مليء ) ) ) فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ
وَمِنْهَا لو قَبَضَ شيئا من الدَّيْنِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَلَوْ لم يَبْلُغْ نِصَابًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي طَالِبٍ وبن مَنْصُورٍ وقال يُخْرِجُ زَكَاتَهُ بِالْحِسَابِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ لَا يَلْزَمُهُ ما لم يَكُنْ الْمَقْبُوضُ نِصَابًا أو يَصِيرُ ما بيده ما يُتَمِّمُ بِهِ نِصَابًا
وَمِنْهَا يَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ منه على الْغَاصِبِ بِالزَّكَاةِ لِنَقْصِهِ بيده كَتَلَفِهِ
وَمِنْهَا لو غُصِبَ رَبُّ الْمَالِ بِأَسْرٍ أو حَبْسٍ وَمُنِعَ من التَّصَرُّفِ في مَالِهِ لم تَسْقُطْ زَكَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فيه وَقِيلَ تَسْقُطُ
قَوْلُهُ وقال الْخِرَقِيُّ وَاللُّقَطَةُ إذَا جاء رَبُّهَا زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الذي كان الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا منها
اللُّقَطَةُ قبل أَنْ يَعْلَمَ بها رَبُّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَالِ الضَّائِعِ على ما تَقَدَّمَ خِلَافًا
____________________
(3/23)
وَمَذْهَبًا وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فيها إذَا وَجَدَهَا رَبُّهَا لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِرَقِيُّ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ
فَوَائِدَ
إذَا مَلَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ اسْتَقْبَلَ بها حَوْلًا وَزَكَّاهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بها وحكى عن الْقَاضِي لَا زَكَاةَ فيها نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا مَضْمُونَةً عليه بِمِثْلِهَا أو قِيمَتِهَا فَهِيَ دَيْنٌ عليه في الْحَقِيقَةِ انْتَهَى وَلِذَلِكَ قال بن عَقِيلٍ لَكِنْ نَظَرًا إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فيها انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لو مَلَكَ قَدْرَ ما يُقَابِلُ قَدْرَ عِوَضِهَا زَكَّى على الصَّحِيحِ
وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لها وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن عَقِيلٍ
وإذا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ وَزَكَّاهَا فَلَا زَكَاةَ إذَنْ على رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ بَلَى وَهَلْ يُزَكِّيهَا رَبُّهَا حَوْلَ التَّعْرِيفِ أو بَعْدَهُ إذا لم ( ( ( لما ) ) ) يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ فيه الرِّوَايَتَانِ في الْمَالِ الضَّالِّ
وَإِنْ لم يَمْلِكْ اللُّقَطَةَ وَقُلْنَا له أَنْ يَتَصَدَّقَ بها لم يَضْمَنْ حتى يَخْتَارَ ربها ( ( ( بها ) ) ) الضَّمَانَ فَتَثْبُتُ حِينَئِذٍ في ذِمَّتِهِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عليه منها ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا رَجَعَ عليه بِمَا أَخْرَجَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي لَا يَرْجِعُ عليه إنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ رَبَّهَا زَكَاتُهَا قال في الرِّعَايَةِ لِوُجُوبِهَا على الْمُلْتَقِطِ إذَنْ
قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ في مَالِ من عليه دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ
هذا الْمَذْهَبُ إلَّا ما اسْتَثْنَى وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/24)
قَوْلُهُ إلَّا في الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي
في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْنَعُ أَيْضًا وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال بن أبي مُوسَى هذا الصَّحِيحُ من مَذْهَبِ أَحْمَدَ
قُلْت اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْحَلْوَانِيُّ وبن الْجَوْزِيِّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يَمْنَعُ ما اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ على ذلك أو كان ثَمَنُهُ وَلَا يَمْنَعُ ما اسْتَدَانَهُ لِمُؤْنَةِ نَفْسِهِ أو أَهْلِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْمَنْعِ ما لَزِمَهُ من مُؤْنَةِ الزَّرْعِ من أُجْرَةِ حَصَادٍ وَكِرَاءِ أَرْضٍ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُ نَصَّ عليه وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وقال رِوَايَةً وَاحِدَةً وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَحَكَى أبو الْبَرَكَاتِ رِوَايَةً أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ في الظَّاهِرِ مُطْلَقًا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لم أَجِدْ بها نَصًّا عن أَحْمَدَ انْتَهَى
وَعَنْهُ يَمْنَعُ خَلَا الْمَاشِيَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى في الْأَمْوَالِ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً فَالظَّاهِرَةُ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي وَكَذَا الثِّمَارُ وَالْبَاطِنَةُ كَالْأَثْمَانِ وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَقَطْ انْتَهَى
وَهَلْ الْمَعْدِنُ من الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أو الْبَاطِنَةِ فيه وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا هو من الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ على ما تَقَدَّمَ
____________________
(3/25)
الثَّانِي هو من الْأَمْوَالِ الباطنة ( ( ( الباطنية ) ) )
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَثْمَانِ وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ
قال في الْمُغْنِي الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ السَّائِمَةُ وَالْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ قال في الْفَائِقِ وَالْمَنْعُ في الْمَعْدِنِ وَقِيلَ لَا
الثَّانِيَةُ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ
الثَّالِثَةُ لو تَعَلَّقَ بِعَبْدِ تِجَارَةٍ أَرْشُ جِنَايَةٍ مَنَعَ الزَّكَاةَ في قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ كَالدَّيْنِ منهم صَاحِبُ الْفُرُوعِ في حَوَاشِيهِ
الرَّابِعَةُ لو كان له عَرَضُ قُنْيَةٍ يُبَاعُ لو أَفْلَسَ يفي ( ( ( بقي ) ) ) بِمَا عليه من الدَّيْنِ جُعِلَ في مُقَابَلَةِ ما عليه من الدَّيْنِ وَزَكَّى ما معه من الْمَالِ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ أبو الْمَعَالِي اعْتِبَارًا بِمَا فيه الْحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ
وَعَنْهُ يُفْعَلُ في مُقَابَلَةِ ما معه وَلَا يُزَكِّيهِ صَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفَائِقِ وَيَنْبَنِي على هذا الْخِلَافِ ما إذَا كان بيده أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ على ملىء ( ( ( مليء ) ) ) وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فإنه يُزَكِّي ما معه على الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا جَعَلَ الدَّيْنَ مُقَابِلًا لِمَا في يَدِهِ وَقَالُوا نَصَّ عليه ثُمَّ قالوا أو قِيلَ مُقَابِلًا لِلدَّيْنِ
الْخَامِسَةُ لو كان له عَرَضُ تِجَارَةٍ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الذي عليه وَمَعَهُ عَيْنٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الذي عليه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْعَلُ الدَّيْنُ في مُقَابَلَةِ الْعَرَضِ وَيُزَكِّي ما معه من الْعَيْنِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي الْحَارِثِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي وبن تَمِيمٍ
____________________
(3/26)
وَقِيلَ إنْ كان فِيمَا معه من الْمَالِ الزَّكَوِيِّ جِنْسَ الذي جُعِلَ في مُقَابَلَتِهِ وَحَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً وَتَابَعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا فَمَنْ له مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ جَعَلَ الدَّنَانِيرَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ وَزَكَّى ما معه وَمَنْ له أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ وَدَيْنُهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا جَعَلَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ الْغَنَمَ وَزَكَّى شَاتَيْنِ
السَّادِسَةُ دَيْنُ الْمَضْمُونِ عنه يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ في مَالِهِ دُونَ الضَّامِنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي
السَّابِعَةُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْمَالِ الذي حَجَرَ عليه الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ تَشْبِيهًا لِلْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَنْعِ الْحِسِّيِّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وقال الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ هذا بَعِيدٌ بَلْ إلْحَاقُهُ بِمَالِ الدُّيُونِ أَقْرَبُ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
وَقِيلَ إنْ كان الْمَالُ سَائِمَةً زَكَّاهَا لِحُصُولِ النَّمَاءِ وَالنِّتَاجِ من غَيْرِ تَصَرُّفٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وقال أبو الْمَعَالِي إنْ قَضَى الْحَاكِمُ دُيُونَهُ من مَالِهِ ولم يَفْضُلْ شَيْءٌ من مَالِهِ فَهُوَ الذي مَلَكَ نِصَابًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قال وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ غَرِيمٍ بَعْضَ أَعْيَانِ مَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عليه مع بَقَاءِ مِلْكِهِ لِضَعْفِهِ بِتَسْلِيطِ الْحَاكِمِ لِغَرِيمِهِ على أَخْذِ حَقِّهِ انْتَهَى وَإِنْ حَجَر عليه بَعْدَ وُجُوبِهَا لم تَسْقُطْ الزَّكَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَسْقُطُ إنْ كان قبل تَمَكُّنِهِ من الْإِخْرَاجِ قال في الْحَوَاشِي وبن تَمِيمٍ وهو بَعِيدٌ وَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهَا من الْمَالِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال بن تَمِيمٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ ذلك كَالرَّاهِنِ وَهُمَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فإنه قال لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بها وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عليه بِالزَّكَاةِ وَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ ذَكَرَهُ
____________________
(3/27)
الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وأبو الْمَعَالِي وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُقْبَلُ كما لو صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ
وَيَأْتِي زَكَاةُ الْمَرْهُونِ في فَوَائِدِ الْخِلَافِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ
قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَحَكَاهُمَا أَكْثَرُهُمْ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي وبن تَمِيمٍ وَالْمُحَرَّرِ إذَا لم يَمْنَعْ دَيْنُ الْآدَمِيِّ الزَّكَاةَ فَدَيْنُ اللَّهِ من الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَدَيْنِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ لَا يَمْنَعُ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَإِنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَهَلْ يَمْنَعُ دَيْنَ اللَّهِ فيه الْخِلَافُ
أَحَدُهُمَا هو كَالدَّيْنِ الذي لِلْآدَمِيِّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في خِلَافِهِ في الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ وقال نَصَّ عليه وهو الذي احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي في الْكَفَّارَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا النَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَدَيْنُ الْحَجِّ وَنَحْوُهُ كَالْكَفَّارَةِ كما تَقَدَّمَ وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْخَرَاجُ من دَيْنِ اللَّهِ وَتَابَعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي وبن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا فَفِيهِ الْخِلَافُ في إلْحَاقِهِ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَدَّمَ الْخَرَاجَ على الزَّكَاةِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخَرَاجُ مُلْحَقٌ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ
وَالثَّانِي لو كان الدَّيْنُ زَكَاةً هل يَمْنَعُ عِنْدَ قَوَاعِدِ الْخِلَافِ في الزَّكَاةِ هل تَجِبُ في الْمُعَيَّنِ أو في الذِّمَّةِ
الثَّانِيَةُ لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بهذا أو هو صَدَقَةٌ فَحَال الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن حَامِدٍ فيه الزَّكَاةُ فقال
____________________
(3/28)
في قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت من هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ فشفي ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ بها وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وقال في الرِّعَايَةِ إنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ وَقِيلَ أو قال جَعَلْته ضَحَايَا فَلَا زَكَاةَ وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ قَبْلَهَا انْتَهَى
وَلَوْ قال عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ أَتَصَدَّقَ بهذا النِّصَابِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقِيلَ هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعُ
فَعَلَى الْأَوَّلِ تُجْزِئُهُ الزَّكَاةُ منه على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا من الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةً وَكَذَا لو نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ هل يُخْرِجُهُمَا أو يُدْخِلُ النَّذْرَ في الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا وقال بن تَمِيمٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَوَجَبَ إخْرَاجُهُمَا مَعًا وَقِيلَ يُدْخِلُ النَّذْرَ في الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا مَعًا انْتَهَى
قَوْلُهُ الْخَامِسُ مُضِيُّ الْحَوْلِ شَرْطٌ إلَّا في الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
فَيُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْحَوْلِ في الْأَثْمَانِ وَالْمَاشِيَةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطُ مُضِيِّ الْحَوْلِ كَامِلًا وهو أَحَدُ الْوُجُوهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي لَكِنْ ذَكَرَهُ إذَا كان النَّقْصُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعْفَى عن سَاعَتَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ
قُلْت عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ أَقَلُّ من مُعْظَمِ الْيَوْمِ وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَلَا يُؤَثِّرُ نَقْصٌ دُونَ الْيَوْمِ وَقِيلَ يُعْفَى عن نِصْفِ يَوْمٍ وقال أبو بَكْرٍ يُعْفَى عن يَوْمٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كما قال وقد تَقَدَّمَ لَفْظُهُ
وَقِيلَ يُعْفَى عن يَوْمَيْنِ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ وَالسَّبْعَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
____________________
(3/29)
وقال في الرَّوْضَةِ يُعْفَى عن أَيَّامٍ قال في الْفُرُوعِ فَإِمَّا أَنَّ مُرَادَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِقِلَّتِهَا وَاعْتِبَارِهَا في مَوَاضِعَ أو ما لم يُعَدَّ كَثِيرًا عُرْفًا
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ طَرَفَا الْحَوْلِ خَاصَّةً في الْعُرُوضِ خَاصَّةً
قَوْلُهُ فإذا اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فيه حتى يَتِمَّ عليه الْحَوْلُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ إلَّا ما اسْتَثْنَى وَسَوَاءٌ كان الْمُسْتَفَادُ من جِنْسِ ما يَمْلِكُهُ أو لَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وحكى عنه رِوَايَةٌ في الْأُجْرَةِ أنها تَتْبَعُ الْمَالَ الذي من جِنْسِهَا
فَائِدَةٌ يُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ إلَى نِصَابٍ بيده من جِنْسِهِ أو في حُكْمِهِ وَيُزَكَّى كُلُّ مَالٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يعتبر ( ( ( ويعتبر ) ) ) النِّصَابُ في الْمُسْتَفَادِ أَيْضًا
قَوْلُهُ إلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ وَرِبْحَ التِّجَارَةِ فإن حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا إنْ كان نِصَابًا وَإِنْ لم يَكُنْ نِصَابًا فَحَوْلُهُ من حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ حَوْلُهُ من حين مَلَكَ الْأُمَّاتِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ
وَقِيلَ حَوْلُ النِّتَاجِ مُنْذُ كَمَّلَ أُمَّهَاتُهُ نِصَابًا وَحَوْلُ أُمَّهَاتِهِ مُنْذُ مَلَكَهُنَّ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا في رِبْحِ التِّجَارَةِ أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ
قُلْت قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ عنه إذَا كَمُلَ النِّصَابُ بِالرِّبْحِ فَحَوْلُهُ من حين مَلَكَ الْأَصْلَ كَالْمَاشِيَةِ في رِوَايَةٍ
فَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ لو أَبْدَلَ بَعْضَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ من جِنْسِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً بِأَرْبَعِينَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَنْبَنِيَ على حَوْلِ الْأُولَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَوْلَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَرِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت الصَّوَابُ الثَّانِي من الِاحْتِمَالَيْنِ
____________________
(3/30)
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا انْعَقَدَ عليه الْحَوْلُ من حين مَلَكَهُ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ حتى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ في الْوَاجِبِ وَحَكَى بن تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قال في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْحِقَاقِ وفي بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ بِنَاءً على أَصْلِ السِّخَالِ وَنَقَلَ حَرْبٌ لَا زَكَاةَ في بَنَاتِ الْمَخَاضِ حتى تكون ( ( ( يكون ) ) ) فيها كَبِيرَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ فَقَطْ لم تَجِبْ لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ تَجِبُ لِوُجُوبِهَا فيه تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ كما تَتْبَعُهَا في الْحَوْلِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن تَمِيمٍ وَهُمَا احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا بن عَقِيلٍ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَنْقَطِعُ ما لم يَبْقَ وَاحِدَةً من الْأُمَّاتِ نَصَّ عليه وهو الصَّحِيحُ عليها وَقِيلَ يَنْقَطِعُ ما لم يَبْقَ نِصَابٌ من الْأُمَّاتِ
قَوْلُهُ وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ في بَعْضِ الْحَوْلِ
انْقَطَعَ الْحَوْلُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ بِأَنَّهُ لو انْقَطَعَ في أَثْنَاءِ حَوْلِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وكان كَامِلًا في أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ
قَوْلُهُ أو بَاعَهُ أو أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ
هذا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال بن تَمِيمٍ وَإِنْ أَبْدَلَهُ لَا بمثله مِمَّا فيه الزَّكَاةُ انْقَطَعَ على الْأَصَحِّ قال في الْقَوَاعِدِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً بِالْبِنَاءِ في الْإِبْدَالِ من غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِإِبْدَالِ نِصَابِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أو بِالْعَكْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَيَكُونُ ذلك مُسْتَثْنًى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ من عَدَمِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِخْرَاجِهِ عنه قال بن تَمِيمٍ
____________________
(3/31)
إبْدَالُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخِرِ يَنْبَنِي على الضَّمِّ قال في الْقَوَاعِدِ فيه رِوَايَتَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ طَرِيقَةُ أبي مُحَمَّدٍ وَطَائِفَةٍ وَصَحَّحَهَا أبو الْعَبَّاسِ مَبْنِيَّةٌ على الضَّمِّ وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ منهم الْمَجْدُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ مُطْلَقًا وَإِنْ لم نَقُلْ بِالضَّمِّ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وَتَبِعَهُ في شَرْحِ الْمُذْهَبِ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ قال بن تَمِيمٍ وَنَصَّ أَحْمَدُ على مِثْلُهُ
الثَّانِيَةُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ في أَمْوَالِ الصَّيَارِفَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِهَا فِيمَا يَنْمُو أو وُجُوبُهَا في غَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ وَهَذَا أَيْضًا يَكُونُ مُسْتَثْنًى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ من الزَّكَاةِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا قُصِدَ بِالْبَيْعِ أو الْهِبَةِ أو الْإِتْلَافِ أو نَحْوِهِ الْفِرَارُ من الزَّكَاةِ لم تَسْقُطْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في مُفْرَدَاتِهِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالتَّحَيُّلِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ كما في بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ
قُلْت وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَأُصُولُهُ تَأْبَى ذلك
فَعَلَى الْمَذْهَبِ اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ ذلك عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ عَدَمَ السُّقُوطِ إذَا فَعَلَهُ فَارًّا قِبَلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ أو يَوْمٍ فَأَكْثَرَ وفي كَلَامِ الْقَاضِي بِيَوْمَيْنِ أو يَوْمٍ وَقِيلَ بِشَهْرَيْنِ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَقَدَّمَ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ من الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لم تَسْقُطْ وَسَوَاءٌ كان في أَوَّلِ الْحَوْلِ أو وَسَطِهِ أو آخِرِهِ قال وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَلِهَذَا
____________________
(3/32)
قال بن عَقِيلٍ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وقال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو الْغَالِبُ على كَلَامِ كَثِيرٍ من الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ من الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وقال في الْفَائِقِ نَصَّ أَحْمَدُ على وُجُوبِهَا فِيمَنْ بَاعَ قبل الْحَوْلِ بِنِصْفِ عَامٍ
قال بن تَمِيمٍ وَالصَّحِيحُ تَأْثِيرُ ذلك بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ لَا أَوَّلَ الْحَوْلِ لِنُدْرَتِهِ وفي كَلَامِ الْقَاضِي في اول الْحَوْلِ نَظَرٌ وقال أَيْضًا في أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ لم يُوجَدْ لِرَبِّ الْمَالِ الْغَرَضُ وهو التَّرَفُّهُ بِأَكْثَرِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَحُصُولُ النَّمَاءِ فيه
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُزَكَّى من جِنْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ الْحَوْلِ فَقَطْ إذَا قَصَدَ الْفِرَارَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ إنْ أَبْدَلَهُ بِعَقَارٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَتْ زَكَاةُ كل حَوْلٍ وَسَأَلَهُ بن هَانِئٍ فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ غَنَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَهَا فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قال إذَا فَرَّ بها من الزَّكَاةِ زَكَّى ثَمَنَهَا إذَا حَالَ عليها الْحَوْلُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ
الثَّانِيَةُ لو ( ( ( له ) ) ) ادَّعَى أَنَّهُ لم يَقْصِدْ بِمَا فَعَلَ الْفِرَارَ من الزَّكَاةِ قُبِلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وفي الْحُكْمِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت الْأَوْلَى أَنَّهُ إنْ عُرِفَ بِقَرَائِنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ من جِنْسِهِ بَنَى على حَوْلِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْقَطِعَ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ كَالْجِنْسَيْنِ
قال بن تَمِيمٍ لم يَنْقَطِعْ على الْأَصَحِّ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي
____________________
(3/33)
وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ الْبِنَاءُ على الْحَوْلِ الْأَوَّلِ في هذه الْمَسْأَلَةِ على عُرُوضِ التِّجَارَةِ تُبَاعُ بِنَقْدٍ أو تُشْتَرَى بِهِ فإنه يبنى وَحَكَى الْخِلَافَ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ عَبَّرَ في هذه الْمَسْأَلَةِ بِالْبَيْعِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِبْدَالِ قال في الْفُرُوعِ وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَعَبَّرَ الْقَاضِي بِالْإِبْدَالِ ثُمَّ قال نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أَحْمَدَ بن سَعِيدٍ في الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَيَبِيعُهَا بِضَعْفِهَا من الْغَنَمِ هل يُزَكِّيهَا أَمْ يُزَكِّي الْأَصْلَ فقال بَلْ يُعْطِي زَكَاتَهَا لِأَنَّ نَمَاءَهَا منها
وقال أبو الْمَعَالِي الْمُبَادَلَةُ هل هِيَ بَيْعٌ فيه رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ الْمُصْحَفِ لَا بَيْعِهِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ وَأَنَّ هذا أَشْبَهُ قال فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ انْقَطَعَ الْحَوْلُ كَلَفْظِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ
نعم الْمُبَادَلَةُ تَدُلُّ على وَضْعِ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ له كَالتَّيَمُّمِ عن الْوُضُوءِ فَكُلُّ بَيْعٍ مُبَادَلَةٌ وَلَا عَكْسَ انْتَهَى
وقال أبو بَكْرٍ في الْمُبَادَلَةِ هل هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا على رِوَايَتَيْنِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذلك وقال هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَيَأْتِي هذا في أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ عِنْدَ حُكْمِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ
فَائِدَةٌ لو زَادَ بِالِاسْتِبْدَالِ تَبِعَ الْأُصُولَ في الْحَوْلِ أَيْضًا نَصَّ عليه كَنِتَاجٍ فَلَوْ أَبْدَلَ مِائَةَ شَاةٍ بِمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ إذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَةِ نَصَّ عليه وقال أبو الْمَعَالِي يَسْتَأْنِفُ لِلزَّائِدِ حَوْلًا وقال في الِانْتِصَارِ إنْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَنَى أَوْمَأَ إلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ وَفَرَّقَ وقال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ لَا يبنى في الْأَصَحِّ
فَائِدَةٌ لو أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ثُمَّ رَدَّ عليه بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ إذَا أَبْدَلَ نِصَابًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ ثُمَّ رَدَّ عليه بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ يَنْبَنِي على الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا لم تَحْصُلْ الْمُبَادَلَةُ بَيْعًا وفي نُسْخَةٍ إذَا لم نَقُلْ الْمُبَادَلَةُ بيعا ( ( ( بيع ) ) ) وَلَوْ أَبْدَلَ نِصَابَ سَائِمَةٍ بمثله ثُمَّ ظَهَرَ فيه على عَيْبٍ بَعْدَ أَنْ
____________________
(3/34)
وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَلَهُ الرَّدُّ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال بن حَامِدٍ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ فَرَدَّ عليه فَزَكَاتُهُ عليه فَإِنْ خَرَجَ من النِّصَابِ فَلَهُ رَدُّ ما بَقِيَ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وفي الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ له الْأَرْشُ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ على ما يَأْتِي في خِيَارِ الْعَيْبِ
وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لو اخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْمُخْرَجِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُخْرِجِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعُ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وإذا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ في عَيْنِ الْمَالِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ
قال الْجُمْهُورُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ حَكَاهُ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ انْتَهَى
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هِيَ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالتَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ تَجِبُ في الذِّمَّةِ قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
قال بن عَقِيلٍ هو الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وقال رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَنِهَايَتُهُ وَنَظْمُهَا وَاخْتَارَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَقِيلَ تَجِبُ في الذِّمَّةِ وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَوَقَعَ ذلك في كَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
____________________
(3/35)
قال في الْقَوَاعِدِ وفي كَلَامِ أبي بَكْرٍ إشْعَارٌ بتنزيل ( ( ( بتزيل ) ) ) الرِّوَايَتَيْنِ على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ فَإِنْ كان مُوسِرًا وَجَبَتْ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا وَجَبَتْ في عَيْنِ الْمَالِ قال وهو غَرِيبٌ
تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ أَعْنِي أنها هل تَجِبُ في الْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ
فَوَائِدُ جَمَّةٌ
منها ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو ما إذَا مَضَى حَوْلَانِ على النِّصَابِ لم تُؤَدَّ زَكَاتُهُمَا فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ إنْ قُلْنَا تَجِبُ في الْعَيْنِ وَزَكَاتَانِ إنْ قُلْنَا تَجِبُ في الذِّمَّةِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ عليه زَكَاتَيْنِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ في الذِّمَّةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ هُنَا فَأَطْلَقُوا حتى قال بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لم تَسْقُطْ هُنَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ وقد يُسْقِطُ غَيْرَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا إنْ قُلْنَا تَجِبُ في الذِّمَّةِ زَكَّى لِكُلِّ حَوْلٍ إلَّا إذَا قُلْنَا دَيْنُ اللَّهِ يَمْنَعُ فيزكى عن حَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَا زَكَاةَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي لِأَجْلِ الدَّيْنِ لَا لِلتَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وزاد في الْمُسْتَوْعِبِ مَتَى قُلْنَا يَمْنَعُ الدَّيْنَ فَلَا زَكَاةَ لِلْعَامِ الثَّانِي تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ أو بالذمة ( ( ( الذمة ) ) ) وقال حَيْثُ لم يُوجِبْ أَحْمَدُ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي فإنه بَنَى على رِوَايَةِ مَنْعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الْأَوَّلِ صَارَتْ دَيْنًا على رَبِّ الْمَالِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ
وَجَعَلَ من فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ إخْرَاجَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ من الرَّهْنِ بِلَا إذْنٍ إنْ عَتَقَتْ بِالْعَيْنِ وَاخْتَارَ سُقُوطَهَا بِالتَّلَفِ وَتَقْدِيمَهَا على الدَّيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال غَيْرُهُ خِلَافَهُ وَيَأْتِي أَيْضًا
وقال في الْقَوَاعِدِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ تَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ على الْقَوْلَيْنِ وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ
____________________
(3/36)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذه الْفَائِدَةِ في غَيْرِ ما زَكَاتُهُ الْغَنَمُ من الْإِبِلِ كما قال الْمُصَنِّفُ فَأَمَّا ما زَكَاتُهُ الْغَنَمُ من الْإِبِلِ فإن عليه لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ أَمَّا لو كان الْوَاجِبُ غير الْجِنْسِ بَلْ الْإِبِلُ الْمُزَكَّاةُ بِالْغَنَمِ فَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْوَاجِبَ فيه في الذِّمَّةِ وَإِنْ كانت الزَّكَاةُ فيه تَتَكَرَّرُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ من الْجِنْسِ وقال في الرِّعَايَةِ وَالشِّيَاهُ عن الْإِبِلِ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَتَتَعَدَّدُ وَتَتَكَرَّرُ
قُلْت هذا إنْ قُلْنَا لَا تَسْقُطُ بِدَيْنِ اللَّهِ انْتَهَى
وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ حُكْمُهُ حُكْمُ ما لو كان الْوَاجِبُ من جِنْسِ الْمُخْرَجِ عنه قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ من الْجِنْسِ على ما سَبَقَ من الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي وَالدَّيْنِ بِالرَّهْنِ فَلَا فَرْقَ إذَنْ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو لم يَكُنْ سِوَى خَمْسٍ من الْإِبِلِ فَفِي امْتِنَاعِ زَكَاةِ الْحَوْلِ الثَّانِي لِكَوْنِهَا دَيْنًا الْخِلَافُ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ لَا يَلْزَمُهُ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا في ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ الْأَوَّلُ حَوْلُ بِنْتِ مَخَاضٍ ثُمَّ ثَمَانِ شِيَاهٍ لِكُلِّ حَوْلٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ
وَعَلَى كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ أنها تَجِبُ في الْعَيْنِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِأَوَّلِ حَوْلٍ ثُمَّ لِلثَّانِي ثُمَّ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ بِذَلِكَ عن عِشْرِينَ بَعِيرًا إذَا قَوَّمْنَاهُ فَلِلثَّالِثِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَالْأَرْبَعُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا مَتَى أَفْنَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ سَقَطَتْ بَعْدَ ذلك صَرَّحَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ في رِوَايَةٍ منها على وُجُوبِهَا في الدَّيْنِ بَعْدَ
____________________
(3/37)
اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ قال في الْقَوَاعِدِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذلك على الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ في الذِّمَّةِ وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بين الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لَا وُجُودَ له في الْخَارِجِ فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ على التَّسْوِيَةِ بين الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ في امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
الثَّانِيَةُ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مَانِعٌ من وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْحَوْلِ الثَّانِي وما بَعْدَهُ بِلَا نِزَاعٍ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ من انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً وهو قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ وَنَقَلَ الْمَجْدُ الِاتِّفَاقَ عليه وهو ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ في الْجَامِعِ وَأَوْرَدَ عن أَحْمَدَ من رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ما يَشْهَدُ له
وَقِيلَ إنَّهُ مَانِعٌ من انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً وهو قَوْلُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ وَيَأْتِي مَعْنَى ذلك في الْخُلْطَةِ إذَا بَاعَ بَعْضَ النِّصَابِ
الثَّالِثَةُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْعَيْنِ فقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ بِرَقَبَتِهِ فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ من غَيْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فيه بِبَيْعِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ السَّاعِي وكل ( ( ( كل ) ) ) النَّمَاءِ له وَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ الزَّكَاةِ دُونَ جِنْسِهِ حَيَوَانًا كان النِّصَابُ أو غَيْرَهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ولم يَنْوِهَا لم يُجْزِهِ وإذا كان كُلُّهُ مِلْكًا لِرَبِّهِ لم يَنْقُصْ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بَلْ يَكُونُ دَيْنًا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ أو لَا يَمْنَعُ لِعَدَمِ رُجْحَانِهَا على زَكَاةِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ
وَقِيلَ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ وَبِمَالِ من حُجِرَ عليه لِفَلْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فيه قبل وَفَائِهِ أو إذْنِ رَبِّهِ
وَقِيلَ بَلْ كَتَعَلُّقِهِ بِالتَّرِكَةِ قال وهو أَقْيَسُ قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ هل هو تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أو ارْتِهَانٍ أو تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ
____________________
(3/38)
كَالْجِنَايَةِ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا وَيَحْصُلُ منه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من شَرْحِ الْمُذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي بَكْرٍ يَدُلُّ عليه وقد بَيَّنَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ
وَالثَّانِي تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ منهم الْقَاضِي ثُمَّ منهم من يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ وَمِنْهُمْ من يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَلُّقُ رَهْنٍ وَيَنْكَشِفُ هذا النِّزَاعُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ
منها أَنَّ الْحَقَّ هل يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ النِّصَابِ أو بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فيه غير مُعَيَّنٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ الِاتِّفَاقَ على الثَّانِي
وَمِنْهَا أَنَّهُ مع التَّعَلُّقِ بِالْمَالِ هل يَكُونُ ثَابِتًا في ذِمَّةِ الْمَالِكِ أَمْ لَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ على الْقَوْلِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ منه شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ أو يَتَصَرَّفَ فيه الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ إذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ في الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ اسْتِيفَاءٍ مَحْضٍ كَتَعَلُّقِ الدُّيُونِ بِالتَّرِكَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو حَسَنٌ
وَمِنْهَا مَنْعُ التَّصَرُّفِ وَالْمَذْهَبُ لَا يَمْنَعُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ في وُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ أنها تَسْقُطُ إذَا لم يُفَرِّطْ فَيُعْتَبَرُ التَّمَكُّنُ من الْأَدَاءِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ النِّصَابَ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ من الْمَالِكِ لم يَضْمَنْ الزَّكَاةَ على الرِّوَايَتَيْنِ قال وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ من أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ رِوَايَةً بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ في غَيْرِ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَذَكَرَ أبو الْحُسَيْنِ
____________________
(3/39)
رِوَايَةً لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ غَيْرُ الْمَاشِيَةِ وقال الْمَجْدُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَسْقُطُ في الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي عبد اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ رَوَى أبو عبد اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ الْفَرْقُ بين الْمَاشِيَةِ وَالْمَالِ وَالْعَمَلِ على ما رَوَى الْجَمَاعَةُ أنها كَالْمَالِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وقال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ أو بَعْضُهُ قبل التَّمَكُّنِ من أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَمِنْهُمْ من قال هِيَ عَامَّةٌ في جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَمِنْهُمْ من خَصَّهَا بِالْمَالِ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَمِنْهُمْ من عَكَسَ ذلك وَمِنْهُمْ من خَصَّهَا بِالْمَوَاشِي
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ زَكَاةُ الزُّرُوعِ إذَا تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قبل الْقَطْعِ فإن ( ( ( كأنها ) ) ) كاتها تَسْقُطُ وقد صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ منه سَقَطَتْ الزَّكَاةُ قال الْقَوَاعِدُ اتِّفَاقًا قال وَخَرَّجَ بن عَقِيلٍ وَجْهًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهَا أَيْضًا قال وهو ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ الذي حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ
قُلْت قد قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ قال في الْفُرُوعِ وَأَظُنُّ في الْمُغْنِي أَنَّهُ قال قِيَاسُ من جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قبل التَّمَكُّنِ انْتَهَى وَيَأْتِي ذلك في بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو تلف النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ ضَمِنَهَا
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَضْمَنُهَا وَجَزَمَ في الْكَافِي وَنِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي بِالضَّمَانِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو تَلِفَ النِّصَابُ ضَمِنَهَا وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَضْمَنُهَا
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ في النَّصِيحَةِ وَصَاحِبُ
____________________
(3/40)
الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَلَوْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُهَا لَكِنْ خَافَ رُجُوعَ السَّاعِي فَهُوَ كَمَنْ لم يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا فَلَوْ نَتَجَتْ السَّائِمَةُ لم تُضَمَّ في حُكْمِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ على الْمَذْهَبِ وَتُضَمُّ على الثَّانِيَةِ
تَنْبِيهٌ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مَأْخَذِ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقِيلَ الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَإِنْ قِيلَ في الذِّمَّةِ لم تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ وهو قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ في التَّبْصِرَةِ وَالسَّامِرِيِّ وَقِيلَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وفي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهِ أَيْضًا فَتَكُونُ من جُمْلَةِ فَوَائِدِ الْخِلَافِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً على الْخِلَافِ في مَحَلِّ الزَّكَاةِ هل هِيَ في الذِّمَّةِ أو في الْعَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْ الْفَوَائِدِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من نِصَابٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ إنْ قُلْنَا تَجِبُ في الذِّمَّةِ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ في الْعَيْنِ نَقَصَ من زَكَاتِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ منها
قَوْلُهُ وإذا مَاتَ من عليه الزَّكَاةُ أُخِذَتْ من تَرِكَتِهِ
هذا الْمَذْهَبُ أَوْصَى بها أو لم يُوصِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بن هَانِئٍ فِيمَنْ عليه حَجٌّ لم يُوصِ بِهِ وَزَكَاةٌ وَكَفَّارَةٌ من الثُّلُثِ وَنُقِلَ عنه من رَأْسِ الْمَالِ مع عِلْمِ وَرَثَتِهِ بِهِ وَنُقِلَ عنه أَيْضًا في زَكَاةٍ من رَأْسِ مَالِهِ مع صَدَقَةٍ
قال في الْفُرُوعِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ في الْمَسْأَلَةِ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ وَصِيَّتِهِ كما قَيَّدَ الْحَجَّ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهُ أو آكَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ على إطْلَاقِهِ ولم أَجِدْ في كَلَامِ الْأَصْحَابِ سِوَى النَّصِّ السَّابِقِ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ عبد اللَّهِ يَبْدَأُ
____________________
(3/41)
بِالدَّيْنِ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلًا منهم بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمَا كَعَدَمِهِ بالرهنية ( ( ( بالرهينة ) ) )
وَقِيلَ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا قال الْمَجْدُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ كَبَقَاءِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَجَعَلَهُ أَصْلًا وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ من تَتِمَّةِ الْقَوْلِ وَحَكَى بن تَمِيمٍ وَجْهًا تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ وقال هو أَوْلَى وَقَالَهُ الْمَجْدُ قَبْلَهُ وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ قُدِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ تَحَاصَّا وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كان الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ فَصَرَّحَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُقَدَّمُ حتى في حَالِ الْحَجْرِ وقال سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أو بِالذِّمَّةِ إذَا كان النِّصَابُ بَاقِيًا قال في الْقَوَاعِدِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ على الزَّكَاةِ
الثَّانِيَةُ دُيُونُ اللَّهِ كُلُّهَا سَوَاءٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ على الْحَجِّ وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَأَمَّا النَّذْرُ بِمُتَعَيِّنٍ فإنه يُقَدَّمُ على الزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ انْتَهَى
وَمِنْ الْفَوَائِدِ إنْ كان النِّصَابُ مَرْهُونًا وَوَجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ منه هُنَا حَالَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ له مَالٌ غَيْرُهُ يؤدى منه الزَّكَاةَ فَهُنَا يؤدى الزَّكَاةَ من عَيْنِ الرَّهْنِ صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَالٌ يُؤَدِّي منه الزَّكَاةَ غير الرَّهْنِ فَهُنَا ليس له أَدَاءُ الزَّكَاةِ منه بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ أَيْضًا وَذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ قَبْلَهُ
____________________
(3/42)
أَخْرَجَهَا منه أَيْضًا لِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ وَيَنْحَصِرُ في الْعَيْنِ فَهُوَ كَحَقِّ الْجِنَايَةِ وقال في الْفُرُوعِ وَيُزَكَّى الْمَرْهُونُ على الْأَصَحِّ وَيُخْرِجُهَا الرَّاهِنُ منه بِلَا إذْنٍ إنْ عُدِمَ كَجِنَايَةِ رَهْنٍ على دينه ( ( ( ديته ) ) ) وَقِيلَ منه مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ عُلِّقَتْ بِالْعَيْنِ وَقِيلَ يزكى رَاهِنٌ مُوسِرٌ وَإِنْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ جَعَلَ بَدَلَهُ رَهْنًا وَقِيلَ لَا انْتَهَى
وَمِنْ الْفَوَائِدِ التَّصَرُّفُ في النِّصَابِ أو بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ في الْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ في الشَّافِي إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ في الذِّمَّةِ صَحَّ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا في الْعَيْنِ لم يَصِحَّ التَّصَرُّفُ في مِقْدَارِ الزَّكَاةِ قال بن رَجَبٍ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ على قَوْلِنَا إنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أو رَهْنٍ صَرَّحَ به بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
قُلْت تَقَدَّمَ ذلك في الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ قَرِيبًا
وَنَزَّلَ أبو بَكْرٍ هذا على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ عن أَحْمَدَ في الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا مَهْرَهَا الذي لها في ذِمَّتِهِ فَهَلْ تَجِبُ زَكَاتُهُ عليه أو عليها قال فَإِنْ صَحَّحْنَا هِبَةَ الْمَهْرِ جَمِيعِهِ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ من مَالِهَا وَإِنْ صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِيمَا عَدَا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ كان قَدْرُ الزَّكَاةِ حقا ( ( ( حق ) ) ) لِلْمَسَاكِينِ في ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ وَيَسْقُطُ عنه بِالْهِبَةِ ما عَدَاهُ قال بن رَجَبٍ وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ جِدًّا
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لو بَاعَ النِّصَابَ كُلَّهُ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ كما لو تَلِفَ
فَإِنْ عَجَزَ عن أَدَائِهَا فقال الْمَجْدُ إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ في الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لم يُفْسَخْ الْبَيْعُ وَإِنْ قُلْنَا في الْعَيْنِ فُسِخَ الْبَيْعُ في قَدْرِهَا تَقْدِيمًا لَحِقَ الْمَسَاكِينِ وَجَزَمَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ
وقال الْمُصَنِّفُ تَتَعَيَّنُ في ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْفَسْخِ في مِقْدَارِ الزَّكَاةِ من غَيْرً بِنَاءٍ على مَحَلِّ التَّعَلُّقِ
____________________
(3/43)
وَمِنْ الْفَوَائِدِ إذَا كان النِّصَابُ غَائِبًا عن مَالِكِهِ لَا يَقْدِرُ على الْإِخْرَاجِ منه لم يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حتى يَتَمَكَّنَ من الْأَدَاءِ منه نَصَّ عليه وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ في مَوْضِعٍ من شَرْحِهِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَجَبَ عليه زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حتى يَقْبِضَهُ قال في الْقَوَاعِدِ وَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ على الْفَوْرِ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ يلزمه ( ( ( ويلزمه ) ) ) أَدَاءُ زَكَاتِهِ قبل قَبْضِهِ لِأَنَّهُ في يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَتْلَفُ من ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ في ذِمَّةِ غَرِيمِهِ وَكَذَا ذكره ( ( ( ذكرها ) ) ) الْمَجْدُ في مَوْضِعٍ من شَرْحِهِ وَأَشَارَ في مَوْضِعٍ إلَى بِنَاءِ ذلك على مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا الذِّمَّةُ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عنه من غَيْرِهِ لِأَنَّ زَكَاتَهُ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَإِنْ قُلْنَا الْعَيْنُ لم يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ حتى يَتَمَكَّنَ من قَبْضِهِ
وقال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَمَنْ كان له مَالٌ غَائِبٌ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ في الْعَيْنِ لم يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ عنه وَإِنْ قُلْنَا في الذِّمَّةِ فَوَجْهَانِ
قال بن رَجَبٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وقال وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ على الْغَائِبِ إذَا تَلِفَ قبل قَبْضِهِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَحْمَدَ
وَمِنْ الْفَوَائِدِ ما تَقَدَّمَ على قَوْلٍ وهو ما إذَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ حَقِّهِ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ منه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُحْسَبُ ما أَخْرَجَهُ من رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُهُ من الرِّبْحِ كما تَقَدَّمَ وَقِيلَ يُحْسَبُ من نَصِيبِهِ من الرِّبْحِ خَاصَّةً اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وقال في الْكَافِي هِيَ من رَأْسِ الْمَالِ
فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ بَنَى الْخِلَافَ على الْخِلَافِ في مَحَلِّ التَّعَلُّقِ فَإِنْ قُلْنَا الذِّمَّةُ فَهِيَ مَحْسُوبَةٌ من الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَإِنْ قُلْنَا الْعَيْنُ حُسِبَتْ من الرِّبْحِ كَالْمُؤْنَةِ
قال بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى على هذا الْأَصْلِ أَيْضًا الْوَجْهَانِ في جَوَازِ إخْرَاجِ الْمُضَارِبِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ
____________________
(3/44)
تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَلَهُ الْإِخْرَاجُ منه وَإِلَّا فَلَا قال وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إيمَاءٌ إلَى ذلك
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ النِّصَابُ الزَّكَوِيُّ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَكَمَا يَدْخُلُ فيه إتْمَامُ الْمِلْكِ يَدْخُلُ فيه من يَجِبُ عليه
أو يُقَالُ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلسَّبَبِ فَعَدَمُهُمَا مَانِعٌ من صِحَّةِ السَّبَبِ وَانْعِقَادِهِ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ هذه الْأَرْبَعَةَ شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ كَالْحَوْلِ فإنه شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ بِلَا خِلَافٍ لَا أَثَرَ له في السَّبَبِ وَأَمَّا إمْكَانُ الْأَدَاءِ فَشَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ وَعَنْهُ لِلْوُجُوبِ انْتَهَى بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ إلَّا في السَّائِمَةِ منها
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ تَجِبُ في الْمَعْلُوفَةِ أَيْضًا قال بن تَمِيمٍ وَنَصْرُ بن عَقِيلٍ وُجُوبُ الزَّكَاةِ في الْمَعْلُوفَةِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من فَنُونِهِ انْتَهَى وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْفُنُونِ تَخْرِيجًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا أُعِدَّ لِلْإِجَارَةِ من الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ في الْقِيمَةِ وقال في الرِّعَايَةِ فَلَوْ كان نِتَاجُ النِّصَابِ الْمُبَاعِ له في الْحَوْلِ رَضِيعًا غير سَائِمٍ في بَقِيَّةِ حَوْلِ أُمَّهَاتِهِ فَوَجْهَانِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ تَجِبُ فِيمَا أُعِدَّ لِلْعَمَلِ كَالْإِبِلِ التي تُكْرَى وهو أَظْهَرُ وَنَصُّهُ لَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَهِيَ التي تَرْعَى في أَكْثَرِ الْحَوْلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَرْعَى الْحَوْلَ كُلَّهُ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَلَا أَثَرَ لِعَلَفِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في أَحْكَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ أَكْثَرِ الْحَوْلِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ
____________________
(3/45)
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من ذلك الْعَوَامِلُ وَلَوْ كانت سَائِمَةً نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَقَالَهُ الْمَجْدُ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا زَكَاةَ في عَوَامِلِ أَكْثَرِ السُّنَّةِ بِحَالٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ
وَقِيلَ تَجِبُ في الْمُؤَجَّرَةِ السَّائِمَةِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا تَجِبُ في الرَّبَائِب في الْأَصَحِّ وَإِنْ كانت سَائِمَةً انْتَهَى
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا يُعْتَبَرُ لِلسَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَجَّحَهُ أبو الْمَعَالِي قال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَحَوَاشِي بن مُفْلِحٍ لَا يُعْتَبَرُ في السَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لَهُمَا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو أَصَحُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَلَوْ اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا أو عَلَفَهَا غَاصِبٌ فَلَا زَكَاةَ على الْأَوَّلِ لِفَقْدِ السَّوْمِ الْمُشْتَرَطِ وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ كما لو غَصَبَ حَبًّا وَزَرَعَهُ في أَرْضِ رَبِّهِ فإن فيه الزَّكَاةَ على مَالِكِهِ كما لو نَبَتَ بِلَا زَرْعٍ وَفِعْلُ الْغَاصِبِ مُحَرَّمٌ كما لو غَصَبَ أَثْمَانًا فَضَاعَفَهَا وَلِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ كما لو ضَلَّتْ فَأَكَلَتْ الْمُبَاحَ
قال الْمَجْدُ وَطَرَدَهُ ما لو سَلَّمَهَا إلَى رَاعٍ يُسِيمُهَا فَعَلَفَهَا وَعَكْسُهُمَا لو تَبَرَّعَ حَاكِمٌ أو وصى بِعَلَفِ مَاشِيَةِ يَتِيمٍ أو صَدِيقٍ بِذَلِكَ بِإِذْنِ صَدِيقِهِ لِفَقْدِ قَصْدِ الْإِسَامَةِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ منه
وَقِيلَ تَجِبُ إذَا عَلَفَهَا غَاصِبٌ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
وفي مَأْخَذِهِ وَجْهَانِ تَحْرِيمُ عَلَفِ الْغَاصِبِ أو لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ عن رَبِّهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
____________________
(3/46)
قُلْت الصَّوَابُ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أو أَسَامَهَا غَاصِبٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ على الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لِأَنَّ رَبَّهَا لم يَرْضَ بِإِسَامَتِهَا فَقَدْ فُقِدَ قَصْدُ الأسامة الْمُشْتَرَطِ زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ كما لو سَامَتْ من غَيْرِ أَنْ يُسِيمَهَا قال في الْفُرُوعِ فَجَعَلَاهُ أَصْلًا وَكَذَا قَطَعَ بِهِ أبو الْمَعَالِي
وَقِيلَ يَجِبُ إنْ أَسَامَهَا الْغَاصِبُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ كما لو كَمُلَ النِّصَابُ بِيَدِ الْغَاصِبِ
وَإِنْ لم يُعْتَدَّ بِسَوْمِ الْغَاصِبِ فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ سَوْمِ الْمَالِكِ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الْكُبْرَى
أَحَدُهُمَا عَدَمُ اعْتِبَارِ ذلك وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وبن رَزِينٍ وقال الْأَصْحَابُ يَسْتَوِي غَصْبُ النِّصَابِ وَضَيَاعُهُ كُلَّ الْحَوْلِ أو بَعْضَهُ وَقِيلَ إنْ كان السَّوْمُ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ فَالرِّوَايَتَانِ وَإِنْ كان عِنْدَ رَبِّهَا أَكْثَرَ وَجَبَتْ وَإِنْ كانت سَائِمَةً عِنْدَهُمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ على رِوَايَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْمَغْصُوبِ وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ في السَّوْمِ أَنْ تَرْعَى الْمُبَاحَ فَلَوْ اشْتَرَى ما تَرْعَاهُ أو جَمَعَ لها ما تَأْكُلُ فَلَا زَكَاةَ فيها قَالَهُ الْأَصْحَابُ
الثَّالِثَةُ هل السَّوْمُ شَرْطٌ أو عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعٌ فيه وَجْهَانِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قبل الشُّرُوعِ وَيَصِحُّ على الثَّانِي
قُلْت قَطَعَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ
قُلْت مَنَعَ بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ من تَحَقُّقِ هذا الْخِلَافِ وقال كُلُّ ما كان وُجُودُهُ شَرْطًا كان عَدَمُهُ مَانِعًا كما أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ فَعَدَمُهُ شَرْطٌ ولم
____________________
(3/47)
يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا بَلْ نَصُّوا على أَنَّ الْمَانِعَ عَكْسُ الشَّرْطِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ على ذلك
وقال في الْفُرُوعِ في الْخُلْطَةِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا
الرَّابِعَةُ لو غَصَبَ رَبُّ السَّائِمَةِ عَلَفَهَا فَعَلَفَهَا وَقَطَعَ السَّوْمَ فَفِي انْقِطَاعِهِ شَرْعًا وَجْهَانِ قَطَعَ في الْمُغْنِي بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَكَذَا لو قَطَعَ مَاشِيَتَهُ عن السَّوْمِ لِقَصْدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ بها وَنَحْوِهِ أو نَوَى قِنْيَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لِذَلِكَ أو نَوَى بِثِيَابِ الْحَرِيرِ التي لِلتِّجَارَةِ لُبْسَهَا وَأَطْلَقَهُمَا في ذلك كُلِّهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ
وقال في الرَّوْضَةِ إنْ أَسَامَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ ثُمَّ نَوَاهَا لِعَمَلٍ أو حَمْلٍ فَلَا زَكَاةَ كَسُقُوطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٍ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ من نَوَى بِسَائِمَةٍ عَمَلًا لم تَصِرْ له قِنْيَةً انْتَهَى
الْخَامِسَةُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا تَوَلَّدَ بين سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَتَجِبُ على الْأَظْهَرِ فِيمَا وُلِدَ بين سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَحَدُهَا الْإِبِلُ فَلَا زَكَاةَ فيها حتى تَبْلُغَ خَمْسًا فَتَجِبُ فيها شَاةٌ
أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو بَكْرٍ تُجْزِئُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا بَدَلُ شَاةِ الْجُبْرَانِ أَطْلَقَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا تُجْزِئُهُ مع وُجُودِ الشَّاةِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
فَائِدَةٌ يُشْتَرَطُ في الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عن الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ بِصِفَتِهَا فَفِي كِرَامٍ سِمَانٍ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ وَإِنْ كانت الْإِبِلُ مَعِيبَةً فَقِيلَ يُخْرِجُ شَاةً
____________________
(3/48)
كَشَاةِ الصِّحَاحِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ من غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ فلم يُؤَثِّرْ فيها عَيْبُهُ كَشَاةِ الْفِدْيَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ
وَقِيلَ تُجْزِئُهُ شَاةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا على قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا على قَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ كَالْمُخْرَجَةِ عن الْغَنَمِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِلْمُوَاسَاةِ
ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ في الْمُغْنِي قَدَّمَهُ وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَعَلَيْهَا لَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ مَعِيبَةٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ليس من جِنْسِ الْمَالِ
وَقِيلَ تُجْزِئُهُ شَاةٌ تُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا لم يُجْزِئْهُ
هذا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ
وَقِيلَ يُجْزِئُهُ إنْ كانت قِيمَتُهُ قِيمَةَ شَاةٍ وَسَطٍ فَأَكْثَرَ بِنَاءً على إخْرَاجِ الْقِيمَةِ
وَقِيلَ يُجْزِئُهُ إنْ أَجْزَأَ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَإِلَّا فَلَا
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ هل الْوَاجِبُ كُلُّهُ أو خُمُسُهُ حَكَى الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرِ وَجْهَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي يُجْزِئُ عن الْعِشْرِينَ بَعِيرًا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُجْزِئُ عنها إلَّا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ
قُلْت الْأَوْلَى أَنَّ الْوَاجِبَ كُلُّهُ وَأَنَّهُ يُجْزِئُ عن الْعِشْرِينَ بَعِيرًا على الْأَوَّلِ أَيْضًا قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قُلْت وَيَنْبَنِي عليها لو اقْتَضَى الْحَالُ الرُّجُوعَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ أو خُمُسِهِ فَإِنْ قُلْنَا الْجَمِيعُ وَاجِبٌ رَجَعَ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْخُمُسُ وَالزَّائِدُ تَطَوُّعٌ رَجَعَ بِالْوَاجِبِ لَا التَّطَوُّعِ
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عليه أَيْضًا النِّيَّةُ فَإِنْ جَعَلْنَا الْجَمِيعَ فَرْضًا نَوَى الْجَمِيعَ فَرْضًا لُزُومًا وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْخُمُسُ كَفَاهُ الِاقْتِصَارُ عليه في النِّيَّةِ انْتَهَى
____________________
(3/49)
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في أَوَاخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فيه شَاةٌ أو سُبُعُ بَدَنَةٍ وفي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا
فَوَائِدُ
منها لو أَخْرَجَ بَقَرَةً لم تُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَخْرَجَ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ لم يُجْزِهِ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُجْزِئُ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ في بِنْتِ الْمَخَاضِ فَإِنْ عَدِمَهَا أَجْزَأَهُ بن لَبُونٍ الْعَدَمُ أما لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ في مَالِهِ أو كانت في مَالِهِ وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ عَدِمَهَا أَجْزَأَهُ بن لَبُونٍ
أَنَّ خُنْثَى بن لَبُونٍ لَا يُجْزِئُ وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ قال في الرِّعَايَةِ وَيُجْزِئُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ في الْأَقْيَسِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ
وَمِنْهَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ وَالثَّنِيُّ عن بِنْتِ الْمَخَاضِ إذَا عَدِمَهَا على الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ أَوْلَى لِزِيَادَةِ السِّنِّ وَلَوْ وُجِدَ بن لَبُونٍ
وَأَمَّا بِنْتُ اللَّبُونِ فَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ بِالْجَوَازِ مع وُجُودِ بن لَبُونٍ وَلَهُ جبران ( ( ( جيران ) ) ) وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ على ما يَأْتِي وقال في الْفُرُوعِ وفي بِنْتِ لَبُونٍ وَجْهَانِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِابْنِ اللَّبُونِ عن الجبران ( ( ( الجيران ) ) ) وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لم يَشْتَرِطْ لِأَحَدِهِمَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ انْتَهَى
وَمِنْهَا لو كان في مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَعْلَى من الْوَاجِبِ لم يُجْزِئْهُ بن لَبُونٍ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بَلْ يُخَيَّرُ بين إخْرَاجِهَا وَبَيْنِ شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ لِصِفَةِ الْوَاجِبِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا لَا يَجْبُرُ فَقْدَ الْأُنُوثِيَّةِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ في مَالِهِ غَيْرُ بِنْتِ مَخَاضٍ على
____________________
(3/50)
الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَا يُخْرِجُ عن بِنْتِ لَبُونٍ حِقًّا إذَا لم تَكُنْ في مَالِهِ وَلَا عن الْحِقِّ جَذَعًا قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ قال في الْفَائِقِ لَا يُجْبَرُ نَقْصُ الذُّكُورِيَّةِ بِزِيَادَةِ سَنٍّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ يَجْبُرُ ذَكَرَ بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من الْفُصُولِ جَوَازَ الْجَذَعِ عن الْحِقَّةِ وَعَنْ بِنْتِ لَبُونٍ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَدِمَهُ أَيْضًا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ في خَبَرِ أبي بَكْرٍ الصَّحِيحِ فَمَنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ على وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ بن لَبُونٍ فإنه يُقْبَلُ منه ذَكَرَهُ بن حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ بن لَبُونٍ إذَا حَصَّلَهُ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنْ عَدِمَ بن لَبُونٍ حَصَّلَ أَصْلًا لَا بَدَلًا في الْأَظْهَرِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وفي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ
عَدَمُ إجْزَاءِ بن لَبُونٍ إذَا عَدِمَهَا وَلَوْ جَبَرَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُجْزِئُ وَقِيلَ يُجْزِئُ وَيَجْبُرُهُ
فَوَائِدُ
الْأُولَى تجزئ ( ( ( يجزئ ) ) ) الثَّنِيَّةُ عن الْجَذَعَةِ بِلَا جُبْرَانٍ بِلَا نِزَاعٍ قال أبو الْمَعَالِي وَلَا تجزئ ( ( ( يجزئ ) ) ) سِنٌّ فَوْقَ الثَّنِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ الْإِجْزَاءَ في مَسْأَلَةِ الْجُبْرَانِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَقِيلَ تُجْزِئُ حِقَّتَانِ أو ابْنَتَا لَبُونٍ عن الْجَذَعَةِ وَابْنَتَا لَبُونٍ عن الْحِقَّةِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَيَنْتَقِضُ بِنْتُ مَخَاضٍ عن عِشْرِينَ وَثَلَاثُ بَنَاتِ مَخَاضٍ عن الْجَذَعَةِ
____________________
(3/51)
الثَّانِيَةُ الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَةُ في الْإِبِلِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْفُقَهَاءِ هو قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وهو الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى أَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ عُمُرُهَا سَنَتَانِ وَبِنْتُ اللَّبُونِ لها ثَلَاثُ سِنِينَ وَالْحِقَّةُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَالْجَذَعَةُ خَمْسُ سِنِينَ كَامِلَةٌ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ على بَعْضِ السَّنَةِ قال في الْفُرُوعِ فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ على بَعْضِ السَّنَةِ مع قَوْلِهِ كَامِلَةٌ انْتَهَى
وَقِيلَ لِبِنْتِ الْمَخَاضِ نِصْفُ سَنَةٍ وَلِبِنْتِ اللَّبُونِ سَنَةٌ وَلِلْحِقَّةِ سَنَتَانِ وَلِلْجَذَعَةِ ثَلَاثُ سِنِينَ
وَقِيلَ لِلْجَذَعَةِ سِتُّ سِنِينَ وَقِيلَ سِنُّ بِنْتِ الْمَخَاضِ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَعَنْ أَحْمَدَ بِنْتُ الْمَخَاضِ التي تَتَمَخَّضُ بِغَيْرِهَا
الثَّالِثَةُ سُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ لِأَنَّ أُمَّهَا قد حَمَلَتْ غَالِبًا وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمَخَاضُ الْحَمْلُ وَسُمِّيَتْ بِنْتَ لَبُونٍ لِأَنَّ أُمَّهَا وَضَعَتْ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ وَسُمِّيَتْ حِقَّةً لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عليها وَيَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَسُمِّيَتْ جَذَعَةً لِأَنَّهَا تَجْذَعُ إذَا سَقَطَتْ سِنُّهَا وَالثَّنِيَّةُ يَأْتِي مِقْدَارُ سِنِّهَا في بَابِ الْأُضْحِيَّةِ
قَوْلُهُ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فإذا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم أَنَّ الْفَرْضَ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ وَاحِدَةٍ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
وَعَنْهُ لَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ حتى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَيَكُونُ فيها حِقٌّ وَبِنْتًا لَبُونٍ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ في كِتَابِ الْخِلَافِ وأبو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ
فَعَلَيْهَا وُجُوبُ الْحِقَّتَيْنِ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ
وَعَنْهُ في إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ إلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
____________________
(3/52)
قال الْقَاضِي وَذَلِكَ سَهْوٌ من نَاقِلِهِ وَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّهُ رَجَعَ عن ذلك قَالَهُ بن تَمِيمٍ في بَعْضِ النُّسَخِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل الْوَاحِدَةُ عَفْوٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْفَرْضُ بها يَتَعَلَّقُ بها الْوُجُوبُ فيه وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَتَابَعَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بها وَكَذَا في غَيْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ بَعْضِ بَعِيرٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ في الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ فإذا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ
هذا عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي قال في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ هذا الْأَشْبَهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قال الْآمِدِيُّ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وبن مَنْصُورٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال بن تَمِيمٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وقال وهو الْأَظْهَرُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقد نَصَّ أَحْمَدُ على نَظِيرِهِ في زَكَاةِ الْبَقَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الْحِقَاقَ وَقَالَهُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ وَمُقْنِعِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاسْتَثْنَى في الْوَجِيزِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمَا مَالَ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ فإنه يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ الْمُجْزِئِ مِنْهُمَا وَقَدَّمَ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ
____________________
(3/53)
السَّاعِيَ يَأْخُذُ أَفْضَلَهُمَا إذَا وُجِدَا في مَالِهِ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا يَتَعَيَّنُ ما وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّاعِيَ ليس له تَكْلِيفُ الْمَالِكِ سِوَاهُ وفي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ ما يَدُلُّ على هذا قال ولم أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِهِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا بَعِيدٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ لَا وَجْهَ له
تَنْبِيهٌ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ على التَّعْيِينِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَتَجِبُ الْحِقَاقُ عَيْنًا مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَأَوَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ على صِفَةِ التَّخْيِيرِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ما وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كانت إبِلٌ أَرْبَعَمِائَةٍ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحِقَاقِ وَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ يُخَيَّرُ بين إخْرَاجِ ثَمَانِ حِقَاقٍ أو عَشْرِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِنْ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَعْرُوفُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ قال فَإِطْلَاقُ وَجْهَيْنِ سَهْوٌ
قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ
قُلْت ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ بن تَمِيمٍ
أَمَّا لو أَخْرَجَ مع التَّشْقِيصِ كَحِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفٍ عن مِائَتَيْنِ لم يَجُزْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال بن تَمِيمٍ لم يَجُزْ على الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ تَخْرِيجٌ من عِتْقِ نِصْفَيْ عَبْدٍ في الْكَفَّارَةِ قال وهو ضَعِيفٌ
الثَّانِيَةُ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ فِيمَا بين الْفَرْضَيْنِ شَيْءٌ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ لَا بِمَا زَادَ من الْأَوْقَاصِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
____________________
(3/54)
وَقِيلَ تَجِبُ في وَقْصِهَا أَيْضًا اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى بِفَوَائِدِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ على النِّصَابِ بِالْحِسَابِ إلَّا في السَّائِمَةِ
قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَتْ عليه سِنٌّ فَعَدِمَهَا أَخْرَجَ سِنًّا أَسْفَلَ منها وَمَعَهَا شَاتَانِ أو عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى منها وَأَخَذَ مِثْلَ ذلك
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيمَا عَدَلَ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ في مِلْكِهِ فَلَوْ عَدِمَهَا لَزِمَهُ تَحْصِيلُ الْأَصْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وقال أبو الْمَعَالِي لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذلك في مِلْكِهِ كما تَقَدَّمَ في بِنْتِ الْمَخَاضِ إذَا عَدِمَهَا وعدم ( ( ( أو ) ) ) بن ( ( ( عدم ) ) ) اللَّبُونِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَالْمُغْنِي أَنَّهُ لو أَخْرَجَ شَاةً أو عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أو أَخَذَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَالَا إلَيْهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
وَقِيلَ يُجْزِئُهُ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ قال بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ أَجْزَأَهُ في الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ له وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَدِمَ السِّنَّ التي تَلِيهَا انْتَقَلَ إلَى الْأُخْرَى وَجَبَرَهَا بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ أو أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا
وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هو أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ قال بن أبي الْمَجْدِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وقال النَّاظِمِ هذا الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنَوِّرِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
____________________
(3/55)
وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
وقال أبو الْخَطَّابِ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا إلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ قال في النِّهَايَةِ هو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى جُبْرَانٍ ثَالِثٍ إذَا عَدِمَ الثَّانِيَ كما لو وَجَبَتْ عليه جَذَعَةٌ وَعَدِمَ الْحِقَّةَ وَبِنْتَ اللَّبُونِ فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى بِنْتِ مَخَاضٍ أو وَجَبَتْ عليه بِنْتُ مَخَاضٍ وَعَدِمَ بِنْتَ لَبُونٍ وبن لَبُونٍ وَالْحِقَّةَ فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْجَذَعَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا حَيْثُ جَوَّزْنَا الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ فيه لِرَبِّ الْمَالِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وبن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا وَلِيَّ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ فإنه يَتَعَيَّنُ عليه إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ الْمُجْزِئِ فَيُعَايَى بها
وقال الْقَاضِي الْخِيَرَةُ فيه لِمَنْ أَعْطَى سَوَاءٌ كان رَبَّ الْمَالِ أو الْآخِذَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِتَخْيِيرِ السَّاعِي
الثَّانِيَةُ حَيْثُ تَعَدَّدَ الْجُبْرَانُ جَازَ إخْرَاجُ جُبْرَانٍ غَنَمًا وَجُبْرَانٍ دَرَاهِمَ فَيَجُوزُ إخْرَاجُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وكذا الْحُكْمُ في الْجُبْرَانِ الذي يُخْرِجُهُ عن فَرْضِ الْمِائَتَيْنِ من الْإِبِلِ إذَا أَخْرَجَ عن خَمْسِ بَنَاتٍ لَبُونٍ خَمْسَ بَنَاتِ
____________________
(3/56)
مَخَاضٍ أو مَكَانَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا وهو دَاخِلٌ في كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ
الثَّالِثَةُ إذَا عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَ عليه وَالنِّصَابُ مُعَيَّبٌ فَلَهُ دَفْعُ السِّنِّ السُّفْلِيِّ مع الْجُبْرَانِ وَلَيْسَ له دَفْعُ ما فَوْقَهَا مع أَخْذِ الْجُبْرَانِ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَفْقَ ما بين الصَّحِيحَيْنِ وما بين الْمَعِيبَيْنِ أَقَلُّ منه فإذا دَفَعَ الْمَالِكُ جَازَ التَّطَوُّعُ بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ السَّاعِي وَبِخِلَافِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ فإنه لَا يَجُوزُ له إخْرَاجُ إلا الْأَدْوَنِ وهو أَقَلُّ الْوَاجِبِ كما لَا يَجُوزُ له أَنْ يَتَبَرَّعَ كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا
الرَّابِعَةُ لو أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى من الْوَاجِبِ فَهَلْ كُلُّهُ فَرْضٌ أو بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ قال أبو الْخَطَّابِ كُلُّهُ فَرْضٌ وهو مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ وقال الْقَاضِي بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ قال أبو الْخَطَّابِ بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ قال بن رَجَبٍ وهو الصَّوَابُ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَعْطَاهُ جُبْرَانًا عن الزِّيَادَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ في زَكَاةِ الْبَقَرِ فَيَجِبُ فيها تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ
التَّبِيعُ ما عُمُرُهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ في الثَّانِيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ هِيَ التي لها نِصْفُ سَنَةٍ وقال بن أبي مُوسَى سَنَتَانِ وَقِيلَ ما يَتْبَعُ أُمَّهُ إلَى الْمَرْعَى وَقِيلَ ما انْعَطَفَ شَعْرُهُ وَقِيلَ ما حَاذَى قَرْنُهُ أُذُنَهُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالتَّبِيعُ جَذَعُ الْبَقَرِ
الثَّانِيَةُ يُجْزِئُ إخْرَاجُ مُسِنٍّ عن تَبِيعٍ وَتَبِيعَةٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وفي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَهِيَ التي لها سَنَتَانِ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَعْنِي أَنَّ الْمُسِنَّةَ هِيَ التي لها سَنَتَانِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ هِيَ التي لها سَنَةٌ وَقِيلَ هِيَ التي
____________________
(3/57)
لها ثَلَاثُ سِنِينَ وَقِيلَ هِيَ التي لها أَرْبَعُ سِنِينَ وَقِيلَ هِيَ التي يَلِدُ مِثْلُهَا وَقِيلَ هِيَ التي لها ثَلَاثُ سِنِينَ وَقِيلَ هِيَ التي بَلَغَتْ سِنَّ أُمِّهَا حين وَضَعَتْهَا وَقِيلَ هِيَ التي أَلْقَتْ سِنًّا نَصَّ عليه وجزم ( ( ( وحزم ) ) ) بِهِ في الْفُرُوعِ وَلَهَا سَنَتَانِ
فَوَائِدُ
منها الْمُسِنَّةُ هِيَ ثَنِيَّةُ الْبَقَرِ
وَمِنْهَا يَجُوزُ إخْرَاجُ أَعْلَى من الْمُسِنَّةِ منها عنها
وَمِنْهَا لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ مُسِنٍّ عن مُسِنَّةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يُجْزِئُ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ
فَعَلَيْهِ يُجْزِئُ إخْرَاجُ ثَلَاثَةِ أَتْبِعَةٍ عن مُسِنَّتَيْنِ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ ثُمَّ في كل ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وفي كُلّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِبِلِ إذَا اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ على ما تَقَدَّمَ لَك نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ هُنَا على التَّخْيِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فيها ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أو يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ وَجْهَانِ
وقال الْقَاضِي في أَحْكَامِهِ يَأْخُذُ الْعَامِلُ الْأَفْضَلَ وَقِيلَ الْمُسِنَّاتِ
قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الذَّكَرُ في الزَّكَاةِ في غَيْرِ هذا إلَّا بن لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إذَا عَدِمَهَا
كما تَقَدَّمَ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ إلَّا ما اسْتَثْنَى على ما يَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُجْزِئُ ذَكَرُ الْغَنَمِ عن الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا فَيُجْزِئُ الذَّكَرُ في الْغَنَمِ وَجْهًا وَاحِدًا
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ كَالْمُصَنِّفِ
____________________
(3/58)
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ فَعَلَيْهِ يُجْزِئُ أُنْثَى بِقِيمَةِ الذَّكَرِ فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ من الْأَنَاثَى وَتُقَوَّمُ فَرِيضَتُهُ وَيُقَوَّمُ نِصَابُ الذُّكُورِ وَتُؤْخَذُ أُنْثَى بِقِسْطِهِ
قَوْلُهُ وفي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
يَعْنِي يُجْزِئُ إخْرَاجُ الذَّكَرِ إذَا كان النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْعُمْدَةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُ فيها إلَّا أُنْثَى فَتُقَدَّمُ كما تَقَدَّمَ في نِصَابِ ذُكُورِ الْغَنَمِ على الْوَجْهِ الثَّانِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ عن الْبَقَرِ لَا عن الْإِبِلِ لِئَلَّا يُجْزِئَ بن لَبُونٍ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيُسَاوِي الْفَرْضَانِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ بن مَخَاضٍ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَيَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى التي في سِنِّهِ كَسَائِرِ النُّصُبِ وَحَكَاهُ بن تَمِيمٍ عن الْقَاضِي وَأَنَّهُ أَصَحُّ وقال الْقَاضِي يُخْرِجُ عن سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بن لَبُونٍ زَائِدَ الْقِيمَةِ على بن مَخَاضٍ بِقَدْرِ ما بين النِّصَابَيْنِ وقال في الْمُذْهَبِ فَإِنْ كانت كُلُّهَا ذُكُورًا أَجْزَأَ إخْرَاجُ الذَّكَرِ في الْبَقَرِ قَوْلًا وَاحِدًا وفي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَجْهَانِ
كَذَا وَجَدْته في نُسْخَتَيْنِ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ في الْبَقَرِ وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ في الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ولم أَرَ هذه الطَّرِيقَةَ لِغَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ من الْكَاتِبِ
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ من الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ وَمِنْ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في الصَّغِيرَةِ وقال أبو بَكْرٍ لَا يُؤْخَذُ إلَّا كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ على قَدْرِ الْمَالِ وَحَكَاهُ عن أَحْمَدَ قال الْقَاضِي أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وفي رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ رِوَايَةً
____________________
(3/59)
قال الْحَلْوَانِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَشَاةِ الْإِبِلِ وَفَرَّقَ بينهما ( ( ( بينها ) ) )
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتَصَوَّرُ أَخْذُ الصَّغِيرَةِ إذَا أَبْدَلَ الْكِبَارَ بِصِغَارٍ أو مَاتَتْ الْأُمَّاتُ وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ وَذَلِكَ على الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ على الصِّغَارِ مُنْفَرِدًا كما تَقَدَّمَ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيُؤْخَذُ من الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ الْفُصْلَانَ من الْإِبِلِ وَالْعَجَاجِيلَ من الْبَقَرِ فَيُؤْخَذُ منها كَالسِّخَالِ وهو أَحَدُ الْوُجُوهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ وَالشَّرْحُ وَشَرْحُ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ فَلَا أَثَرَ لِلسِّنِّ وَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فَيُؤْخَذُ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى إحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَةً منها ثُمَّ في سِتٍّ وَسَبْعِينَ اثنتان وكذا في إحْدَى وَتِسْعِينَ وَيُؤْخَذُ في ثَلَاثِينَ عِجْلًا إلَى تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَاحِدٌ وَيُؤْخَذُ في سِتِّينَ إلَى تِسْعٍ وَثَمَانِينَ اثْنَانِ وفي التِّسْعِينَ ثَلَاثٌ منها فَيُعَايَى بِذَلِكَ على هذا الْوَجْهِ وَالتَّعْدِيلُ على هذا الْوَجْهِ بِالْقِيمَةِ وكان زِيَادَةُ السِّنِّ كما سَبَقَ في إخْرَاجِ الذُّكُورِ من الذُّكُورِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ التي غَايَرَ الشَّرْعُ بِالْأَحْكَامِ فيها بِاخْتِلَافِهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ من الْكِبَارِ وَيُقَوَّمُ فَرْضُهُ ثُمَّ يُقَوَّمُ الصِّغَارُ وَيُؤْخَذُ عنها كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ في سِنِّ الْمُخْرَجِ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ بِضِعْفِ سِنِّ الْمُخْرَجِ في الْإِبِلِ فَيُخْرِجُ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً منها وَيُخْرِجُ عن سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَاحِدَةً منها كَسِنِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَرَّتَيْنِ وفي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ مِثْلُ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وفي إحْدَى وَسِتِّينَ مثلها ( ( ( مثل ) ) ) أَرْبَعِ مَرَّاتٍ وَالْعُجُولُ على هذا وَأَطْلَقَهُنَّ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
____________________
(3/60)
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يُضَعَّفُ ذلك في الْإِبِلِ خَاصَّةً
وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ وَقَالَهُ السَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ يُخْرِجُ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا وَاحِدًا منها وَعَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا وَاحِدًا منها وَمَعَهُ شَاتَانِ أو عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَعَنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَاحِدًا منها وَمَعَهُ الْجُبْرَانُ مُضَاعَفًا مَرَّتَيْنِ فَيَكُونُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أو شَاتَانِ مع عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَنْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدًا منها وَمَعَهُ الْجُبْرَانُ مُضَاعَفًا مَرَّتَيْنِ فَيَكُونُ سِتُّ شِيَاهٍ أو سِتِّينَ دِرْهَمًا وَيُخْرِجُ عن ثَلَاثِينَ عِجْلًا وَاحِدًا منها وَعَنْ أَرْبَعِينَ وَاحِدًا وَثُلُثَ قِيمَةِ آخَرَ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُؤْخَذُ من الصِّغَارِ من غَيْرِ اعْتِبَارِ سِنٍّ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِغَنَمِهِ دُونَ غَنَمِ غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ لو كان عِنْدَهُ أَقَلُّ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ صِغَارًا وَجَبَتْ عليه في كل خَمْسٍ شَاةٌ كَالْكِبَارِ
قَوْلُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ لم يُؤْخَذْ إلَّا أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ على قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
فَعَلَى هذا لو كان قِيمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ إذَا كان الْمَالُ الْمُزَكَّى كُلُّهُ كِبَارًا صِحَاحًا عِشْرِينَ وَقِيمَتُهُ بِالْعَكْسِ عَشَرَةً وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مع تَسَاوِي الْعَدَدَيْنِ وَلَوْ كان الثُّلُثُ أَعْلَى وَالثُّلُثَانِ أَدْنَى فَشَاةٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ وَبِالْعَكْسِ فَشَاةٌ قِيمَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ
وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ من لَزِمَهُ رَأْسَانِ فِيمَا نِصْفُهُ صَحِيحٌ وَمَعِيبٌ أَخْرَجَ صَحِيحَهُ وَمَعِيبَهُ كَنِصَابٍ صَحِيحٍ مُفْرَدٍ وَهَذَا الْقَوْلُ من الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(3/61)
فَائِدَةٌ لو كان مَالُهُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاةً وَالْجَمِيعُ مَعِيبٌ إلَّا وَاحِدَةً أو كان عِنْدَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وعشرون ( ( ( وعشرين ) ) ) شَاةً كَبِيرَةً أو الْجَمِيعُ سِخَالٌ إلَّا وَاحِدَةً كَبِيرَةً فإنه يُجْزِئُهُ على الْأَوَّلِ صحيحه ومعيبه وَعَنْ الثَّانِي شَاةٌ كَبِيرَةٌ وَسَخْلَةٌ إنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ في سِخَالٍ مُفْرَدَةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ وهو مَعْنَى قَوْلِهِمْ وَإِنْ كان الصَّحِيحُ غير وَاجِبٍ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ صَحِيحًا بِقَدْرِ الْمَالِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان نَوْعَيْنِ كالبخاتى وَالْعِرَابِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ أو كان فيه كِرَامٌ وَلِئَامٌ وَسِمَانٌ وَمَهَازِيلُ أُخِذَتْ الْفَرِيضَةُ من أَحَدِهِمَا على قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كان النِّصَابُ من نَوْعَيْنِ كما مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فَقَطَعَ بِأَنَّهُ تُؤْخَذُ الْفَرِيضَةُ من أَحَدِهِمَا على قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُخَيَّرُ السَّاعِي وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ في ضَأْنٍ وَمَعْزٍ يُخَيَّرُ السَّاعِي لِاتِّحَادِ الْوَاجِبِ ولم يَعْتَبِرْ أبو بَكْرٍ الْقِيمَةَ في النَّوْعَيْنِ
قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ ما نَقَلَ حَنْبَلٌ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في حِنْثِ من حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ بِأَكْلِهِ لَحْمَ جَامُوسٍ الْخِلَافُ لنا هُنَا في تَعَارُضِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ
وَأَمَّا إذَا كان النِّصَابُ فيه كِرَامٌ وَلِئَامٌ وَسِمَانٌ وَمَهَازِيلُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ تؤخذ ( ( ( يؤخذ ) ) ) الْفَرِيضَةُ من أَحَدِهِمَا على قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ وهو اخْتِيَارُهُ وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في هَزِيلَةٍ بِقِيمَةِ سَمِينَةٍ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ في ذلك الْوَسَطُ نَصَّ عليه بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(3/62)
فَوَائِدُ
إحْدَاهُمَا لو أَخْرَجَ عن النِّصَابِ من غَيْرِ نَوْعِهِ ما ليس في مَالِهِ منه جَازَ إنْ لم تَنْقُصْ قِيمَةُ الْمُخْرَجِ عن النَّوْعِ الْوَاجِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ يَجُوزُ وَلَوْ نَقَصَتْ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ هُنَا مُطْلَقًا كَغَيْرِ الْجِنْسِ وَجَازَ من أَحَدِ نَوْعَيْ مَالِهِ لِتَشْقِيصِ الْفَرْضِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ من الضَّأْنِ عن الْمَعْزِ وَجْهًا وَاحِدًا
الثَّانِيَةُ لَا يُضَمُّ الظِّبَاءُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها إلَى الْغَنَمِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أنها تُضَمُّ وحكى وجه ( ( ( وجها ) ) ) وحكى رِوَايَةً أَيْضًا
الثَّالِثَةُ يُضَمُّ ما تَوَلَّدَ بين وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ إنْ وَجَبَتْ
قَوْلُهُ في زَكَاةِ الْغَنَمِ إلَى مِائَتَيْنِ فإذا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ
هذا بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ ثُمَّ في كل مِائَةِ شاه شَاةٌ
فَتَكُونُ في أَرْبَعِمِائَةِ شَاةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وفي خَمْسِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ وَعَلَى هذا فَقِسْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ في ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ في كل مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ فَيَكُونُ في خَمْسِمِائَةِ شَاةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ فَالْوَقْصُ من ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ
وَعَنْهُ أَنَّ الْمِائَةَ زَائِدَةٌ فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ وفي خَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ سِتُّ شِيَاهٍ وَعَلَى هذا أَبَدًا
____________________
(3/63)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا من الْأَصْحَابِ من ذَكَرَ هذه الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ وقال اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَأَنَّ التي قَبْلَهَا سَهْوٌ منهم الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وقال اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ ولم يذكر الثَّالِثَةَ وهو مَعْنَى ما في الْمُغْنِي وَذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ منهم بن حَمْدَانَ وبن تَمِيمٍ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ من الْمَعْزِ الثَّنِيُّ وَمِنْ الضَّأْنِ الْجَذَعُ
فَالثَّنِيُّ من الْمَعْزِ ما له سَنَةٌ وَالْجَذَعُ من الضَّأْنِ ما له نِصْفُ سَنَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ الْجَذَعُ من الضَّأْنِ ما له ثَمَانِ شُهُورٍ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَيَأْتِي ذلك في أَوَّلِ بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ
قَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ
أَمَّا التَّيْسُ فَتَارَةً يَكُونُ تَيْسَ الضِّرَابِ وهو فَحْلُهُ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ
فَإِنْ كان فَحْلَ الضِّرَابِ فَلَا يُؤْخَذُ لِخَبَرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الفرع ( ( ( الفروع ) ) ) وَغَيْرِهِ قال الْمَجْدُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَكَذَا ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
فَلَوْ بَذَلَهُ الْمَالِكُ لَزِمَ قَبُولُهُ حَيْثُ يُقْبَلُ الذَّكَرُ وَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ
وَإِنْ كان التَّيْسُ غير فَحْلِ الضِّرَابِ فَلَا يُؤْخَذُ لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ
قَوْلُهُ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَهِيَ الْمَعِيبَةُ
لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْمَعِيبَةِ وَهِيَ التي لَا يُضَحَّى بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه وقال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ
____________________
(3/64)
وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ يُرَدُّ بِهِ في الْبَيْعِ وَنُقِلَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا تُؤْخَذُ عَوْرَاءُ وَلَا عَرْجَاءُ وَلَا نَاقِصَةُ الْخَلْقِ
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ الْإِجْزَاءَ إنْ رَآهُ السَّاعِي أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ لِزِيَادَةِ صِفَةٍ فيه وَأَنَّهُ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ لِأَنَّ من أَصْلِنَا إخْرَاجَ الْمُكَسَّرَةِ عن الصِّحَاحِ وردىء ( ( ( ورديء ) ) ) الْحَبِّ عن جَيِّدِهِ إذَا زَادَ قَدْرُ ما بينهما ( ( ( بينها ) ) ) من الْفَضْلِ على ما يَأْتِي
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا الرُّبَّى وَهِيَ التي تربى وَلَدَهَا وَلَا الْحَامِلُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ قال الْمَجْدُ وَلَوْ كان الْمَالُ كَذَلِكَ لِمَا فيه من مُجَاوَزَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْدُودَةِ وَمِثْلُ ذلك طروقه الْفَحْلِ
قُلْت لو قِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا كان النِّصَابُ كَذَلِكَ لَكَانَ قَوِيًّا في النَّظَرِ وهو مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَلَا يجوز ( ( ( تجوز ) ) ) إخْرَاجُ الْقِيمَةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كان ثَمَّ حَاجَةٌ أَمْ لَا لِمَصْلَحَةٍ أو لَا لِفِطْرَةٍ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُجْزِئُ في غَيْرِ الْفِطْرَةِ
وَعَنْهُ تُجْزِئُ لِلْحَاجَةِ من تَعَذُّرِ الْفَرْضِ وَنَحْوِهِ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وصححها ( ( ( صححها ) ) ) جَمَاعَةٌ منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَقِيلَ وَلِمَصْلَحَةٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةَ تُجْزِئُ للحاجة ( ( ( للجاجة ) ) )
وقال بن الْبَنَّا في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ إذَا كانت الزَّكَاةُ جُزْءًا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ جَازَ صَرْفُ ثَمَنِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ قال وَكَذَا كُلُّ ما يُحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيرًا لَا يَقْدِرُ على الْمَشْيِ وَعَنْهُ تُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ دُونَ غَيْرِهِ
وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ وَهِيَ الثَّمَنُ لِمُشْتَرِي ثَمَرَتِهِ التي لَا تَصِيرُ تَمْرًا أو زَبِيبًا عن السَّاعِي قَبْل جِدَادِهِ وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ على ما يَأْتِي
____________________
(3/65)
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ لو بَاعَ النِّصَابَ قبل إخْرَاجِ زَكَاتِهِ
وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَعَنْهُ له أَنْ يُخْرِجَ عُشْرَ ثَمَنِهِ نَصَّ عليه وَأَنْ يُخْرِجَ من جِنْسِ النِّصَابِ وَنَقَلَ صَالِحٌ وبن مَنْصُورٍ وَإِنْ بَاعَ تَمْرَهُ أو زَرْعَهُ وقد بَلَغَ فَفِي ثَمَنِهِ الْعُشْرُ أو نِصْفُهُ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ قال الْقَاضِي أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا أَنَّ الزَّكَاةَ في الثَّمَنِ وَخَبَرُهُ في رِوَايَةِ أبي دَاوُد انْتَهَى وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ من الثَّمَنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وقال الْقَاضِي الرِّوَايَتَانِ بِنَاءً على رِوَايَتَيْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ وقال هذا الْمَعْنَى قَبْلَهُ أبو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ بَعْدَهُ آخَرُونَ وقال أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ إذَا بَاعَ فَالزَّكَاةُ في الثَّمَنِ وَإِنْ لم يَبِعْ فَالزَّكَاةُ فيه وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ في إخْرَاجِ ثَمَنِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ وَعَنْ أبي بَكْرٍ إنْ لم يَقْدِرْ على تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَوَجَدَهُ رُطَبًا أَخْرَجَهُ وزاد بِقَدْرِ ما بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا عنه
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى من الْفَرْضُ من جِنْسِهِ جَازَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَتَقَدَّمَ جَوَازُ إخْرَاجِ الْمُسِنِّ عن التَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ وَإِخْرَاجُ الثَّنِيَّةِ عن الْجَذَعَةِ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَجْهًا بِعَدَمِ الْجَوَازِ قال الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَخْرَجَ الْأَكُولَةَ وَهِيَ السَّمِينَةُ وَلِلسَّاعِي قَبُولُهَا وَعَنْهُ لَا لِأَنَّهَا قِيمَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وهو غَرِيبٌ بَعِيدٌ
قُلْت يُنَزَّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذلك
____________________
(3/66)
فَائِدَتَانِ
إحداهما ( ( ( إحداها ) ) ) قَوْلُهُ وإذا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ أو أَكْثَرُ من أَهْلِ الزَّكَاةِ في نِصَابٍ من الْمَاشِيَةِ حَوْلًا لم يَثْبُتْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ في بَعْضِهِ فَحُكْمُهُمَا في الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ سَوَاءٌ أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ في إيجَابِ الزَّكَاةِ أو إسْقَاطِهَا أو ثرت ( ( ( أثرت ) ) ) في تَغْيِيرِ الْفَرْضِ أو عَدَمِهِ فَلَوْ كان لِأَرْبَعَيْنِ من أَهْلِ الزَّكَاةِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً لَزِمَهُمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ وَلَوْ كان لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً لَزِمَهُمْ وَاحِدَةٌ وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَيُوَزَّعُ الْوَاجِبُ على قَدْرِ الْمَالِ مع الْوَقْصِ فَسِتَّةُ أَبْعِرَةٍ مُخْتَلِطَةٌ مع تِسْعَةٍ يَلْزَمُ رَبَّ السِّتَّةِ شَاةٌ وَخُمُسُ شَاةٍ وَيَلْزَمُ رَبَّ التِّسْعَةِ شَاةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ سَوَاءٌ كانت خُلْطَةَ أَعْيَانٍ بِأَنْ تَكُونَ مَشَاعًا بَيْنَهُمَا
تُتَصَوَّرُ الْإِشَاعَةُ بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ أو غَيْرِهِ
قَوْلُهُ أو خُلْطَةَ أَوْصَافٍ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كل وَاحِدٍ مُتَمَيِّزًا
فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِشَاةٍ منها فَحَالَ الْحَوْلُ ولم يُفْرِدْهَا فَهُمَا خَلِيطَانِ وَإِنْ أَفْرَدَهَا فَنَقَصَ النِّصَابُ فَلَا زَكَاةَ
قَوْلُهُ فَخَلَطَاهُ وَاشْتَرَكَا في الْمُرَاحِ والمسرج ( ( ( والمسرح ) ) ) وَالْمَشْرَبِ وَالْمَحْلَبِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ
وَهَكَذَا جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالتَّسْهِيلِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ في ضَبْطِ ما يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْخَلْطِ طُرُقًا أَحَدُهَا هذا
الطَّرِيقُ الثَّانِي اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحِ وَالْمَبِيتِ وهو الْمُرَاحُ وَالْمَحْلَبُ وَالْفَحْلُ لَا غَيْرُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بها الْخِرَقِيُّ وَالْمَجْدُ في
____________________
(3/67)
مُحَرَّرِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ فَزَادُوا على الْمُصَنِّفِ الْمَرْعَى وَأَسْقَطُوا الرَّاعِيَ وَالْمَشْرَبَ
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وهو الْمَأْوَى وَالْمَرْعَى وَالرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ وهو مَوْضِعُ الشُّرْبِ وَآنِيَتُهُ وَالْمَحْلَبِ وهو مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَآنِيَتُهُ وَالْمَسْرَحِ وهو مُجْتَمَعُهَا لِتَذْهَبَ وَالْفَحْلُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ فَزَادُوا على الْمُصَنِّفِ الْمَرْعَى وَآنِيَةَ الشُّرْبِ وَآنِيَةَ الْحَلْبِ
الطَّرِيقُ الرَّابِعُ اشْتِرَاطُ الْمَسْرَحِ وَالْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ وَالْمُرَاحِ وَالْمَحْلَبِ وَالْفَحْلِ وَبِهِ جَزَمَ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ
الطَّرِيقُ الْخَامِسُ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَمَوْضِعِ شُرْبِهَا وَحَلْبِهَا وَآنِيَتِهَا وفحلها ( ( ( ومحلها ) ) ) وَمَسْرَحِهَا وَبِهِ جَزَمَ في الْوَجِيزِ فَأَسْقَطَ الْمُرَاحَ وزاد الْآنِيَةَ وَالْمَرْعَى
الطريق ( ( ( الطرق ) ) ) السَّادِسُ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي وَالْمَسْرَحِ وَالْمَبِيتِ وَالْمَحْلَبِ وَالْفَحْلِ قَدَّمَهَا في الْفَائِقِ فَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ
الطَّرِيقُ السَّابِعُ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي وَالْفَحْلِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمُرَاحِ وَجَزَمَ بها في الْفُصُولِ وَقَدَّمَهَا في الْمُسْتَوْعِبِ فَأَسْقَطَ الْمَحْلَبَ وَالْمَشْرَبَ
الطَّرِيقُ الثَّامِنُ اشْتِرَاطُ الْفَحْلِ وَالرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْمَأْوَى وهو الْمَبِيتُ وَالْمَحْلَبِ وَبِهِ جَزَمَ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فَزَادَ الْمَرْعَى وَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ وَالْمَسْرَحَ
الطَّرِيقُ التَّاسِعُ اشْتِرَاطُ الْمَبِيتِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَحْلَبِ وَآنِيَتِهِ وَالْمَشْرَبِ وَالرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْفَحْلِ قَدَّمَهَا بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ فَزَادَ الْمَرْعَى وَآنِيَةَ الْحَلْبِ
الطَّرِيقُ الْعَاشِرُ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَبِيتِ وَالْفَحْلِ وَبِهِ قَطَعَ في الْإِيضَاحِ فَجَمَعَ بين الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ وَأَسْقَطَ الْحَلْبَ وَالْمَشْرَبَ وَالرَّاعِيَ
الطَّرِيقُ الْحَادِيَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْفَحْلِ وَالْمَرْعَى وَهِيَ
____________________
(3/68)
طَرِيقَةُ الْآمِدِيِّ فَزَادَ الْمَرْعَى وَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ وَالْمَحْلَبَ وَالرَّاعِيَ
الطَّرِيقُ الثَّانِيَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْفَحْلِ وَالرَّاعِي وَالْمَحْلَبِ فَقَطْ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَاضِحِ فَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ وَالْمُرَاحَ وَالْمَسْرَحَ
الطَّرِيقُ الثَّالِثَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحِ والمشرب ( ( ( والشرب ) ) ) وَالرَّاعِي وَبِهَا قَطَعَ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمُحْلَبِ وَالْمَبِيتِ وَالْفَحْلِ وَبِهَا قَطَعَ في الْمُبْهِجِ فَجَمَعَ بين الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ كما فَعَلَ في الْإِيضَاحِ
إلَّا أَنَّهُ زَادَ عليه الْمَحْلَبَ وَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ وَالرَّاعِيَ
الطَّرِيقُ الْخَامِسَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي فَقَطْ وَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ عنه وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ
الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْفَحْلِ وَالْمَشْرَبِ وَبِهَا قَطَعَ بن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَالْعُقُودِ
الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْفَحْلِ وَالْمَشْرَبِ وَبِهَا قَطَعَ في الْخُلَاصَةِ فَزَادَ الْمَرْعَى وَأَسْقَطَ الْمَسْرَحِ
الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمَسْرَحِ وَالْمَرْعَى وَالْمَحْلَبِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَقِيلِ وَالْفَحْلِ وَبِهَا قَطَعَ في الْإِفَادَاتِ فَزَادَ الْمَقِيلَ وَالْمَرْعَى وَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ وَالْمُرَاحَ
الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى وَالْفَحْلِ وَالْمَبِيتِ وَالْمَحْلَبِ وَالْمَشْرَبِ وَبِهَا قَطَعَ في الْعُمْدَةِ
الطَّرِيقُ الْعِشْرُونَ اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَبِيتِ وَالْمَحْلَبِ وَالْفَحْلِ وَبِهَا جَزَمَ في الْمُنَوِّرِ فَزَادَ الْمَرْعَى وَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ
الطَّرِيقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَشْرَبِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ وَبِهَا قَطَعَ في الْمُنْتَخَبِ فَأَسْقَطَ الْمَحْلَبَ
____________________
(3/69)
الطَّرِيقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ اشْتِرَاطُ الرَّاعِي وَالْمَبِيتِ فَقَطْ وهو رِوَايَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في شَرْحِهِ
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ اشْتِرَاطُ الْحَوْضِ وَالرَّاعِي وَالْمُرَاحِ فَقَطْ وهو أَيْضًا رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ طَرِيقَةً لَكِنْ قد تَرْجِعُ إلَى أَقَلَّ منها بِاعْتِبَارِ ما تُفَسَّرُ بِهِ الْأَلْفَاظُ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
فَائِدَةٌ الْمُرَاحُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَكَانُ مَبِيتِهَا وهو الْمَأْوَى فَالْمَبِيتُ هو الْمُرَاحُ فَسَّرُوا كل ( ( ( واحدا ) ) ) واحد مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَهَذَا الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ الْمُرَاحُ رَوَاحُهَا منه جُمْلَةً إلَى الْمَبِيتِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَمَعَ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ بين الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ كما تَقَدَّمَ فَعِنْدَهُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ
وَأَمَّا الْمَسْرَحُ فَهُوَ الْمَكَانُ الذي تَرْعَى فيه الْمَاشِيَةُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن حَامِدٍ وقال إنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمَسْرَحَ لِيَكُونَ فيه رَاعٍ وَاحِدٌ قَدَّمَهُ في الْمَطْلَعِ فَعَلَيْهِ يَلْزَمُ من اتِّحَادِهِ اتِّحَادُ الْمَرْعَى وَلِذَلِكَ قال الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن حَامِدٍ الْمَسْرَحُ وَالْمَرْعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ
وَقِيلَ الْمَسْرَحُ مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا لِتَذْهَبَ إلَى الْمَرَاعِي جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَوْلَى دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ وهو الصَّحِيحُ
وَفَسَّرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ بِمَوْضِعِ رَعْيِهَا وَشُرْبِهَا
وَفَسَّرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِمَوْضِعِ الْمَرْعَى مع أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا في الْمُحَرَّرِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ وقال يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ بِالْمَرْعَى الرَّعْيَ الذي هو الْمَصْدَرُ لَا الْمَكَانُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْرَحِ الْمَصْدَرَ الذي هو السروح ( ( ( المسروح ) ) ) لَا الْمَكَانَ لِأَنَّا قد بَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاحِدٌ بِمَعْنَى الْمَكَانِ فإذا حَمَلْنَا أَحَدَهُمَا على الْمَصْدَرِ زَالَ التَّكْرَارُ وَحَصَلَ بِهِ اتِّحَادُ الرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ انْتَهَى
____________________
(3/70)
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ بِالْمَرْعَى الرَّاعِيَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَحْمَدَ وَلِكَوْنِ الْمَرْعَى هو الْمَسْرَحَ انْتَهَى
وَأَمَّا الْمَشْرَبُ فَهُوَ مَكَانُ الشُّرْبِ فَقَطْ وهو الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ مَوْضِعُ الشُّرْبِ وما يُحْتَاجُ إلَيْهِ من حَوْضٍ وَنَحْوِهِ وَبِهِ قَطَعَ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَأَمَّا الْمَحْلَبُ فَهُوَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ على الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَآنِيَتُهُ وَبِهِ جَزَمَ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ
تَنْبِيهٌ لَا يُشْتَرَطُ خَلْطُ اللَّبَنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم بَلْ مَنَعُوا من خَلْطِهِ وَحَرَّمُوهُ وَقَالُوا هو رِبًا
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ
وَأَمَّا الرَّاعِي فَمَعْرُوفٌ وَمَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فيه أَنْ لَا يَرْعَى أَحَدَ الْمَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وكذا لو كان رَاعِيَانِ فَأَكْثَرُ قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَرْعَى غير مَالِ الشَّرِكَةِ
وَأَمَّا الْفَحْلُ فَمَعْرُوفٌ وَمَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فيه أَنْ لَا تَكُونَ فُحُولَةُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ تَطْرُقُ الْمَالَ الْآخَرَ قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَنْزُو على غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ
وَأَمَّا الْمَرْعَى فَهُوَ مَوْضِعُ الرَّعْيِ وَوَقْتُهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمَرْعَى هو الْمَسْرَحُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ
فَإِنْ كانت خُلْطَةَ أَعْيَانٍ لم تُشْتَرَطْ لها النِّيَّةُ إجْمَاعًا وَإِنْ كانت خُلْطَةَ أَوْصَافٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/71)
أَحَدُهُمَا لَا تُشْتَرَطُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في الْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وقال عن الْقَوْلِ الثَّانِي ليس بِشَيْءٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ لو وَقَعَتْ الْخُلْطَةُ اتِّفَاقًا أو فَعَلَهُ الرَّاعِي وَتَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عن الْمِلْكِ
وَقِيلَ لَا يَضُرُّ تَأْخِيرُهَا عنه بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كتقديمها ( ( ( كتقدمها ) ) ) على الْمِلْكِ بَلْ من يَسِيرٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ منها أو ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ في بَعْضِ الْحَوْلِ زُكِّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِينَ فيه
فَيَضُمُّ من كان من أَهْلِ الزَّكَاةِ مَالَهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّيهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَإِلَّا فَلَا وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ إنْ تُصُوِّرَ بِضَمٍّ حول ( ( ( وحول ) ) ) إلَى آخَرَ يَقَعُ كَمَسْأَلَتِنَا يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْخُلْطَةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ أو ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ في بَعْضِ الْحَوْلِ زُكِّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِينَ فيه
مِثَالُ ذلك لو خَلَطَا في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ نِصَابَيْنِ ثَمَانِينَ شَاةً زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ الْأَوَّلُ زَكَاةَ انْفِرَادٍ وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَخْرَجَا شَاةً عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ على كل وَاحِدٍ نِصْفُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا من غَيْرِ الْمَالِ فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ أَيْضًا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا من الْمَالِ فَقَدْ تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي على تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ له منها أَرْبَعُونَ شَاةً فَيَلْزَمُهُ
____________________
(3/72)
أَرْبَعُونَ جُزْءًا من تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ من شَاةٍ فَنُضَعِّفُهَا فَتَكُونُ ثَمَانِينَ جُزْءًا من مِائَةِ جُزْءٍ وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ جُزْءًا من شَاةٍ ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ من زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ ما له فيه
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَعَلَى الْآخَرِ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ
مِثَالُهُ إنْ مَلَكَا نِصَابَيْنِ فَخَلَطَاهُمَا ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي أَرْبَعِينَ لم يَثْبُتْ لها حُكْمُ الِانْفِرَادِ فإذا تَمَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ زَكَاةُ انْفِرَادٍ شَاةٌ فإذا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي لَزِمَهُ زَكَاةُ خُلْطَةٍ نِصْفُ شَاةٍ إنْ كان الْأَوَّلُ أَخْرَجَ الشَّاةَ من غَيْرِ الْمَالِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا منه لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْبَعُونَ جُزْءًا من تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا من شَاةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يُزَكِّي الثَّانِي عن حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ انْفِرَادٍ لِأَنَّ خَلِيطَهُ لم يَنْتَفِعْ بِالْخُلْطَةِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يُزَكِّيَانِ فِيمَا بَعْدَ ذلك الْحَوْلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ما له منها
بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
فَائِدَةٌ لو كان بَيْنَهُمَا نِصَابُ خُلْطَةٍ ثَمَانُونَ شَاةً فَبَاعَ كل مِنْهُمَا غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ لم يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا ولم تَزُلْ خُلْطَتُهُمَا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فإن إبْدَالَ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ وَكَذَا لو تَبَايَعَا الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ قَلَّ أو أَكْثَرَ وَتَبْقَى الْخُلْطَةُ في غَيْرِ الْمَبِيعِ إنْ كان نِصَابًا فيزكى بِشَاةٍ زَكَاةَ انْفِرَادٍ عَلَيْهِمَا لِتَمَامِ حَوْلِهِ
وإذا حَالَ حَوْلُ الْمَبِيعِ وهو أَرْبَعُونَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرَحَ بن رَزِينٍ وبن تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ
وَقِيلَ لَا زَكَاةَ فيه اخْتَارَهُ في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(3/73)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هِيَ زَكَاةُ خُلْطَةٍ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وبن تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ
وَقِيلَ زَكَاةُ انْفِرَادٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَأَمَّا إنْ أفرادها ( ( ( أفرداها ) ) ) ثُمَّ تَبَايَعَاهَا ثُمَّ خَلَطَاهَا فَإِنْ طَالَ زَمَنُ الِانْفِرَادِ بَطَلَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ وَكَذَا إنْ لم يَطُلْ على الصَّحِيح من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ ما صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في مَكَان
وَقِيلَ لَا أَثَرَ لِلِانْفِرَادِ الْيَسِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَإِنْ زَكَّى بَعْضَ النِّصَابِ وَتَبَايَعَاهُ وكان الْبَاقِي على الْخُلْطَةِ نِصَابًا بَقِيَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فيه وهو يَنْقَطِعُ في الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْخِلَافَ في ضَمِّ مَالِ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ إلَى مَالِهِ الْمُخْتَلِطِ وَإِنْ بَقِيَ دُونَ نِصَابٍ بَطَلَتْ
وقال بن عَقِيلٍ تَبْطُلُ الْخُلْطَةُ في هذه الْمَسَائِلِ بِنَاءً على انْقِطَاعِ الْحَوْلِ بِبَيْعِ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ وفي كَلَامِ الْقَاضِي كَالْأَوَّلِ وَالثَّانِي
قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مَشَاعًا أو أَعْلَمَ على بَعْضِهِ وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا فقال أبو بَكْرٍ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَيَسْتَأْنِفَانِهِ من حِينِ الْبَيْعِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وقال بن حَامِدٍ لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَمُصَنَّفِ بن أبي الْمَجْدِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن منجا في شَرْحِهِ
____________________
(3/74)
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا من الْمَالِ انْقَطَعَ حَوْلُ المشترى لِنُقْصَانِ النِّصَابِ
وَهَذَا الصَّحِيحُ على قَوْلِ بن حَامِدٍ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وهو مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَسْتَدِمْ الْفَقِيرُ الْخُلْطَةَ بِنِصْفِهِ فَإِنْ اسْتَدَامَهَا لم يَنْقَطِعْ حَوْلُ الْمُشْتَرِي
وَقِيلَ إنْ زَكَّى الْبَائِعُ منه إلَى فَقِيرٍ زَكَّى الْمُشْتَرِي
وَقِيلَ يَسْقُطُ كَأَخْذِ السَّاعِي منه قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ على قَوْلِ أبي بَكْرٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا من غَيْرِهِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ في الْعَيْنِ فَكَذَلِكَ
يَعْنِي يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْمُشْتَرِي لِنُقْصَانِ النِّصَابِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وفي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَاخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي وَالشَّارِحُ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن أبي الْخَطَّابِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في كِتَابِهِ الْهِدَايَةِ وَلَا نَعْرِفُ له مُصَنَّفًا يُخَالِفُهُ انْتَهَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُزَكِّي بِنِصْفٍ شاة إذَا تَمَّ حَوْلُهُ قال الْمَجْدُ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ الْحَوْلَ بِالِاتِّفَاقِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ منهم أبو الْخَطَّابِ في هِدَايَتِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ
وَذَكَرَ بن منجا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وقال إنَّهُ خَطَأٌ في النَّقْلِ وَالْمَعْنَى وَبَيَّنَ ذلك
فَوَائِدُ
منها إذَا لم يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ فَإِنْ كان له غَنَمٌ سَائِمَةٌ ضَمَّهَا إلَى حِصَّتِهِ في الْخُلْطَةِ وَزَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ انْفِرَادٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عليه
____________________
(3/75)
وَمِنْهَا حُكْمُ الْبَائِعِ بَعْدَ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ ما دَامَ نِصَابُ الْخُلْطَةِ نَاقِصًا كَذَلِكَ
وَمِنْهَا إنْ كان الْبَائِعُ اسْتَدَانَ ما أَخْرَجَهُ وَلَا مَالَ له يُجْعَلُ في مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إلَّا مَالُ الْخُلْطَةِ أو لم يُخْرِجْ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ حتى تَمَّ حَوْلُ المشترى فَإِنْ قُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أو قُلْنَا يَمْنَعُ لَكِنْ لِلْبَائِعِ مَالٌ يَجْعَلُهُ في مُقَابَلَةِ دَيْنِ الزَّكَاةِ زَكَّى المشترى حِصَّتَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عليه قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ
وقال بن تَمِيمٍ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَإِنْ أَخْرَجَ من غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَا زَكَاةَ عليه وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ من حِينِ الْإِخْرَاجِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ بِنَاءً على تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ
وَالثَّانِي عليه الزَّكَاةُ وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ وُجُوبَهَا ما لم يَحُلْ حَوْلُهَا قبل إخْرَاجِهَا وَلَا انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي في حَقِّ الْبَائِعِ حتى يَمْضِيَ قبل الْإِخْرَاجِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ له
وَإِنْ لم يَكُنْ أَخْرَجَ حتى حَالَ حَوْلُ الْمُشْتَرَى فَهِيَ من صُوَرِ تَكْرَارِ الْحَوْلِ قبل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ انْتَهَى
وَاقْتَصَرَ في مَسْأَلَةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي قبل الْإِخْرَاجِ وقال قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كما تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْرَدَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ اخْتَلَطَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ إذَا كان زَمَنًا يَسِيرًا
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُشَاعًا فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أبي بَكْرٍ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ مُنْفَرِدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ بن حَامِدٍ عليه زَكَاةُ خَلِيطٍ
____________________
(3/76)
وقد عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَغَيْرَهُ قَطَعُوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ على قَوْلِ أبي بَكْرٍ وبن حَامِدٍ وقال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ بن تَمِيمٍ أَنَّ الشَّيْخَ خَرَّجَ الْمَسْأَلَةَ على وَجْهَيْنِ وَأَنَّ الْأَوْلَى وُجُوبُ شَاةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَهَذَا التَّخْرِيجُ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّيْخِ انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كان الْمَالُ سِتِّينَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَالْمَبِيعُ ثُلُثَهَا زَكَّى الْبَائِعُ ثُلُثَيْ شَاةٍ عن الْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ على قَوْلِ بن حَامِدٍ وَزَكَّى شَاةً على قَوْلِ أبي بَكْرٍ
الثَّانِيَةُ لو مَلَكَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ في نِصَابٍ فَأَكْثَرَ حِصَّةَ الْآخَرِ منه بِشِرَاءٍ أو إرْثٍ أو غَيْرِهِ فَاسْتَدَامَ الْخُلْطَةَ فَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ أبي بَكْرٍ وبن حَامِدٍ في الْمَعْنَى لَا في الصُّورَةِ لِأَنَّ هُنَاكَ كان خَلِيطَ نَفْسِهِ فَصَارَ هُنَا خَلِيطٌ أَجْنَبِيٌّ وَهُنَا بِالْعَكْسِ فَعَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ لَا زَكَاةَ حتى يَتِمَّ حَوْلُ الْمَالَيْنِ من كَمَالِ مِلْكَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا فَيُزَكِّيهِ زَكَاةَ انْفِرَادٍ وَعَلَى قَوْلِ بن حَامِدٍ يزكى مِلْكَهُ الْأَوَّلَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ فِيمَا إذَا كان بين رَجُلٍ وَابْنِهِ عشر ( ( ( حول ) ) ) من الْإِبِلِ خُلْطَةً فَمَاتَ الْأَبُ في بَعْضِ الْحَوْلِ وَوَرِثَهُ الِابْنُ أَنَّهُ يبنى على حَوْلِ الْأَبِ فِيمَا وَرِثَهُ وَيُزَكِّيهِ
قَوْلُهُ وإذا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ مِثْلَ أَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً في الْمُحَرَّمِ وَأَرْبَعِينَ في صَفَرٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأُولَى عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ عليه في الثَّانِي في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَهَذَا الْوَجْهُ وَجْهُ الضَّمِّ
وفي الْآخَرِ عليه لِلثَّانِي زَكَاةُ خُلْطَةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ في التي قَبْلَهَا
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو أَصَحُّ على ما يَأْتِي في التَّفْرِيعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
____________________
(3/77)
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وهو وَجْهُ الِانْفِرَادِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
وقال في أَوَّلِ الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةُ إذَا اسْتَفَادَ مَالًا زَكَوِيًّا من جِنْسِ النِّصَابِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فإنه يَنْفَرِدُ بِحَوْلٍ عِنْدَنَا وَلَكِنْ هل يَضُمُّهُ إلَى النِّصَابِ في الْعَدَدِ أو يَخْلِطُهُ بِهِ وَيُزَكِّيهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ أو يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ كما أَفْرَدَهُ بِالْحَوْلِ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَصَحَّحَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَزَعَمَ الْمَجْدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَعَّفَهُ وَإِنَّمَا ضَعَّفَ الثَّالِثَ
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ هل الزِّيَادَةُ كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ وهو قَوْلُ أبي الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَالْمَجْدِ أو الْكُلُّ نِصَابٌ وَاحِدٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ قال في الْفَوَائِدِ وهو الْأَظْهَرُ فيه وَجْهَانِ
فَعَلَى الثَّانِي إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ وَجَبَ إخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِكُلِّ حَالٍ
وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ وَجَبَ فيه ما بَقِيَ من فَرْضِ الْجَمِيعِ بَعْدَ إسْقَاطِ ما أُخْرِجَ عن الْأَوَّلِ منه إلَّا أَنْ يَزِيدَ بَقِيَّةُ الْفَرْضِ على فَرْضِ الْمُسْتَفَادِ بِانْفِرَادِهِ أو نَقَصَ عنه أو يَكُونُ من غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ فإنه يَتَعَذَّرُ هُنَا وَجْهُ الضَّمِّ وَيَتَعَيَّنُ وَجْهُ الْخُلْطَةِ وَيَلْغُو وَجْهُ الِانْفِرَادِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالتَّفَارِيعُ الْآتِيَةُ بَعْدَ ذلك مَبْنِيَّةٌ على هذه الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أُخْرَى في رَبِيعٍ الْأَوَّلِ في مَسْأَلَتِنَا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ عليه سِوَى الشَّاةِ الْأُولَى وَعَلَى الثَّانِي عليه زَكَاةُ خُلْطَةٍ ثُلُثُ شَاةٍ لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَعَلَى الثَّالِثِ عليه شَاةٌ وَفِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ في كل ثُلُثٍ شَاةٌ لِتَمَامِ حَوْلَهَا على الثَّالِثِ أَيْضًا
الثَّانِيَةُ لو مَلَكَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ بَعْدَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ
____________________
(3/78)
عليه سِوَى بِنْتِ مَخَاضٍ الْأُولَى وَعَلَى الثَّانِي عليه سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلَى الثَّالِثِ عليه شَاةٌ وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ في الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ لِتَمَامِ حَوْلِهَا وَسُدُسٌ على الْخُمُسِ الْبَاقِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا وَلَوْ مَلَكَ مع ذلك سِتًّا في رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَفِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْأُولَى بِنْتُ مَخَاضٍ وفي الْأُخْرَى عَشَرَةٌ لِتَمَامِ حَوْلِهَا رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَنِصْفُ تُسْعِهَا وَعَلَى الثَّانِي في الْخُمُسِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وفي السِّتِّ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الثَّالِثِ لِكُلٍّ من الْخَمْسِ وَالسِّتِّ شَاةٌ لِتَمَامِ حَوْلِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ كان الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ
مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِائَةَ شَاةٍ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا وَجْهًا وَاحِدًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي شَاةٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّ في الْكُلِّ شَاتَيْنِ وَالْمِائَةِ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْكُلِّ
وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ على الْقَوْلِ الثَّانِي في الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا من أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وهو أَنَّ عليه زَكَاةَ خُلْطَةٍ
وقال بن تَمِيمٍ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ كان الثَّانِي يَبْلُغُ نِصَابًا وَجَبَتْ فيه زَكَاةُ انْفِرَادٍ في وَجْهٍ وَخُلْطَةٍ في وَجْهٍ وَلَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ فِيمَا يَجِبُ فيها وَجْهًا وَاحِدًا إذَا كان الضَّمُّ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الزَّكَاةِ أو نَوْعِهَا مِثْلُ أَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ فَيَجِبُ إمَّا تَبِيعٌ أو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ وَلَا تَجِبُ الْمُسِنَّةُ على الْوَجْهِ الْأَوَّلِ في التي قَبْلَهَا بَلْ يَجِبُ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَيَخْرُجُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي ما بَقِيَ من زَكَاةِ الْجَمِيعِ فَتَجِبُ هُنَا الْمُسِنَّةُ قال بن تَمِيمٍ وَهَذَا أَحْسَنُ
فَائِدَةٌ لو مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى في رَبِيعٍ فَفِيهَا شَاةٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وهو
____________________
(3/79)
وَجْهُ الْخُلْطَةِ عليه شَاةٌ وَرُبُعُ شَاةٍ لِأَنَّ في الْكُلِّ ثَلَاثَ شِيَاهٍ وَالْمِائَةُ رُبُعُ الْكُلِّ وَسُدُسُهُ فَحِصَّتُهَا من فَرْضِهِ رُبُعُهُ وَسُدُسُهُ
فَوَائِدُ
لو مَلَكَ إحْدَى وَثَمَانِينَ شَاةً بَعْدَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عليه شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا من مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا من شَاةٍ كَخَلِيطٍ وفي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ أو شَاةٌ وَنِصْفٌ أو شَاةٌ على الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وفي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ بَعِيرًا شَاةٌ على الصَّحِيحِ الثَّالِثُ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا اثْنَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُ بَنَاتِ مَخَاضٍ زَادَ بن تَمِيمٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا في ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ تَبِيعٌ على الثَّالِثِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ على الثَّانِي
قال في الْفَوَائِدِ وهو الْأَظْهَرُ
وَعِنْدَ الْمَجْدِ لَا يَجِيءُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ في هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُفْضِي في الْأُولَى إلَى إيجَابِ ما يبقى ( ( ( بقي ) ) ) من بِنْتِ مَخَاضٍ بَعْدَ إسْقَاطِ أَرْبَعِ شِيَاهٍ وَهِيَ من غَيْرِ الْجِنْسِ
وَيُفْضِي في الثَّانِيَةِ إلَى إيجَابِ فَرْضِ نِصَابٍ فما دُونَهُ فَلِهَذَا قال الْوَجْهُ الثَّانِي أَصَحُّ لِعَدَمِ اطِّرَادِ الْأَوَّلِ وَضَعْفِ الثَّالِثِ وَضَعَّفَهُ في الْمُغْنِي أَيْضًا
قَوْلُهُ وَإِنْ كان الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ وَلَا يَبْلُغُ نِصَابًا مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ في الْمُحَرَّمِ وَعَشْرًا في صَفَرٍ فَعَلَيْهِ في الْعَشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبُعُ مُسِنَّةٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قَوْلًا وَاحِدًا قال في الْقَوَاعِدِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال بن تَمِيمٍ قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ على الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا شَيْءَ عليه هُنَا
____________________
(3/80)
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ مالا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَخَمْسٍ فَلَا شَيْءَ فيها في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وفي الثَّانِي عليه سُبْعُ تَبِيعٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذلك لو مَلَكَ عِشْرِينَ شَاةً بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً أو مَلَكَ عَشْرًا من الْبَقَرِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا شَيْءَ عليه وَعَلَى الثَّانِي عليه ثُلُثُ شَاةٍ في الْأُولَى أو خُمُسُ مُسِنَّةٍ في الثَّانِيَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ في الْأُولَى
قَوْلُهُ وإذا كان لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً كُلُّ عِشْرِينَ منها مُخْتَلِطَةٌ مع عِشْرِينَ لِرَجُلٍ آخَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ نِصْفُهَا على صَاحِبِ السِّتِّينَ وَنِصْفُهَا على خُلَطَائِهِ على كل وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كانت السِّتُّونَ مُخْتَلِطَةً كُلُّ عِشْرِينَ منها مع عِشْرِينَ لِآخَرَ فَإِنْ كانت مُتَفَرِّقَةً وَبَيْنَهُمْ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَالْوَاجِبُ عليهم ثَلَاثُ شِيَاهٍ على رَبِّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَعَلَى كل خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ إذَا قُلْنَا إنَّ الْبُعْدَ يُؤَثِّرُ في سَائِمَةِ الْإِنْسَانِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤَثِّرُ أو كانت قَرِيبَةً وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كما قال الْمُصَنِّفِ على الْجَمِيعِ شَاةٌ نِصْفُهَا على صَاحِبِ السِّتِّينَ وَنِصْفُهَا على خطائه ( ( ( خلطائه ) ) ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال هذا قَوْلُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ على الْجَمِيعِ شَاتَانِ وَرُبُعٌ على ( ( ( وعلى ) ) ) رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ لِعِشْرِينَ خُلْطَةَ وَصْفٍ وَلِأَرْبَعِينَ بِجِهَةِ الْمِلْكِ وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ من زَكَاةِ الثَّمَانِينَ رُبُعُ شَاةٍ وَعَلَى كل خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِعِشْرِينَ فَقَطْ
____________________
(3/81)
اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في مُحَرَّرِهِ وقال الْآمِدِيُّ بهذا الْوَجْهِ إلَّا أَنَّهُ قال يَلْزَمُ كُلَّ خَلِيطٍ رُبُعُ شَاةٍ لِأَنَّ الْمَالَ الْوَاحِدَ يُضَمُّ
وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ في الْجَمِيعِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ على رَبِّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفٌ جَعْلًا لِلْخُلْطَةِ قَاطِعَةً بَعْضَ مِلْكِهِ عن بَعْضٍ بِحَيْثُ لو كان له مِلْكٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ اُعْتُبِرَ في تَزْكِيَتِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى كل خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ لم يُخَالِطْ سِوَى عِشْرِينَ وَالتَّفَارِيعُ الْآتِيَةُ مَبْنِيَّةٌ على هذه الْأَوْجُهِ
فَائِدَتَانِ
إحداهما ( ( ( إحداها ) ) ) لو لم يُخَالِطْ رَبَّ السِّتِّينَ منها إلَّا بِعِشْرِينَ لِآخَرَ فَعَلَى الْأَوَّلِ في الْجَمِيعِ شَاةٌ على رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ رُبُعُهَا وَعَلَى الثَّانِي على رَبِّ السِّتِّينَ في الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ ثُلُثَا شَاةٍ ضَمًّا لها إلَى بَقِيَّةِ مِلْكِهِ وفي الْعِشْرِينَ رُبُعُ شَاةٍ ضَمًّا لها إلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ وهو الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ وَإِلَى عِشْرِينَ الْآخَرُ لِمُخَالَطَتِهَا بَعْضَهُ وَصْفًا وَبَعْضَهُ مِلْكًا وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ وَذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ على الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ هُنَا وَعَلَى الرَّابِعِ في الْأَرْبَعِينَ الْمُخْتَلِطَةِ شَاةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وفي الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ شَاةٌ على رَبِّهَا
الثَّانِيَةُ لو كان خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا كُلُّ خَمْسَةٍ منها خُلْطَةٌ بِخَمْسَةٍ لِآخَرَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عليه نِصْفُ حِقَّةٍ وَعَلَى كل خَلِيطٍ عُشْرُهَا
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عليه خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلَى كل خَلِيطٍ شَاةٌ
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ عليه خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلَى كل خَلِيطٍ سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ
وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ عليه خَمْسُ شِيَاهٍ وَعَلَى كل خَلِيطٍ شَاةٌ
قَوْلُهُ وإذا كانت مَاشِيَةُ الرَّجُلِ مُتَفَرِّقَةً في بَلَدَيْنِ لَا تُقْصَرُ
____________________
(3/82)
بَيْنَهُمَا الصَّلَاةُ فَهِيَ كَالْمُجْتَمِعَةِ إجْمَاعًا وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ
وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ لِكُلِّ مَالٍ حُكْمَ نَفْسِهِ كما لو كَانَا لِرَجُلَيْنِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
فعلى ( ( ( على ) ) ) ما اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ يَكْفِي إخْرَاجُ شَاةٍ بِبَلَدِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ لِأَنَّهُ حَاجَةٌ وَقِيلَ يُخْرِجُ من كل بَلَدٍ بِالْقِسْطِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ لَا يُؤَثِّرُ فيها تَفَرُّقُ الْبُلْدَانِ قَوْلًا وَاحِدًا وهو صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ إجْمَاعًا وَجَعَلَ أبو بَكْرٍ في سَائِرِ الْأَمْوَالِ رِوَايَتَيْنِ كَالْمَاشِيَةِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ في غَيْرِ السَّائِمَةِ
هذا الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
وَعَنْهُ أنها تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَصَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ
قال أبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ هذا أَقْيَسُ وَخَصَّ الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ هذه الرِّوَايَاتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ بِلَا نِزَاعٍ وكذا الْأَوْصَافُ أَيْضًا وهو تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِلْقَاضِي وَحَكَاهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَجْهًا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لِإِطْلَاقِهِمْ الرِّوَايَةَ
وَقِيلَ لَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ على هذه الرِّوَايَةِ وَإِنْ أَثَّرَتْ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/83)
قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ نَقَلَ حَنْبَلٌ تُضَمُّ كَالْمَوَاشِي فقال إذَا كان رَجُلَيْنِ لَهُمَا من الْمَالِ ما تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ من الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِالْحِصَصِ
فَيُعْتَبَرُ على هذا الْوَجْهِ اتِّحَادُ الْمُؤَنِ وَمَرَافِقِ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ كانت في الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ فَلَا بُدَّ من الِاشْتِرَاكِ في الْمَاءِ وَالْحَرْثِ وَالْبَيْدَرِ وَالْعُمَّالِ من النَّاطُورِ وَالْحَصَادِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهِ
وَإِنْ كانت في التِّجَارَةِ فَلَا بُدَّ من الِاشْتِرَاكِ في الدُّكَّانِ وَالْمِيزَانِ وَالْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ من مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ مع الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا
يَعْنِي في خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ وَالْحَاجَةُ أَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِغَارًا وَمَالُ الْآخَرِ كِبَارًا أو يَكُونُ مَالُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ أو سِتِّينَ وَنَحْوَ ذلك وَعَدَمُ الْحَاجَةِ وَاضِحٌ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فيه في الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه لَكِنْ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ في خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مع بَقَاءِ نَصِيبَيْنِ وقد وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَقَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا كان نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مَفْقُودًا فَلَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ من النَّصِيبِ الْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ على صَاحِبِهِ بِالْقِسْطِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي إلَّا عَدَمُ الْحَاجَةِ
فَيَتَوَجَّهُ منه اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ لِأَخْذِ السَّاعِي
قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا في الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عليه
يَعْنِي مع يَمِينِهِ إذَا اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ غَارِمٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْطِي لِأَنَّهُ كَالْأَمِينِ
____________________
(3/84)
قَوْلُهُ وإذا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ من الْفَرْضِ ظُلْمًا لم يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ على خَلِيطِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قال الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو أَخَذَ عن أَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةٍ شَاتَيْنِ من مَالِ أَحَدِهِمَا أو أَخَذَ عن ثَلَاثِينَ بَعِيرًا جَذَعَةً رَجَعَ على خَلِيطِهِ في الْأُولَى بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ وفي الثَّانِيَةِ بِقِيمَةِ نِصْفِ بِنْتِ مَخَاضٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ رَجَعَ عليه
كَأَخْذِهِ صَحِيحَةً عن مِرَاضٍ أو كَبِيرَةً عن صِغَارٍ أو قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وقال أبو الْمَعَالِي إنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَجَازَ أَخْذُهَا رَجَعَ بِنِصْفِهَا إنْ قُلْنَا الْقِيمَةُ أَصْلٌ وَإِنْ قُلْنَا بَدَلٌ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ وَإِنْ لم تَجُزْ الْقِيمَةُ فَلَا رُجُوعَ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وقال بن تَمِيمٍ إنْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ الْوَاجِبِ بِتَأْوِيلٍ أو أَخَذَ الْقِيمَةَ أَجْزَأَتْ في الْأَظْهَرِ وَرَجَعَ عليه بِذَلِكَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في الْفُرُوعِ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ منه عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَصَوَّبَ فيه الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ وَجَعَلَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ كَالصَّلَاةِ خَلْفَ تَارِكٍ شَرْطًا عِنْدَ الْمَأْمُومِ
الثَّانِيَةُ يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الْخُلَطَاءِ بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ وَبِغَيْرِ إذْنِهِمْ غِيبَةً وَحُضُورًا قَالَهُ بن حَامِدٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
____________________
(3/85)
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ عَقْدُ الْخُلْطَةِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْآذِنِ لِخَلِيطِهِ في الْإِخْرَاجِ عنه وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَتَقَدَّمَ في زَكَاةِ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ من مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ نَصَّ عليه لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْلَا الْمَانِعُ
وقال أَيْضًا وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ في إذْنِ كل شَرِيكٍ لِلْآخَرِ في إخْرَاجِ زَكَاتِهِ يُوَافِقُ ما اخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ وَيُشْبِهُ هذا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ على الْأَصَحِّ انْتَهَى بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
قَوْلُهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْحُبُوبِ كُلِّهَا وفي كل ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ
هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ تَجِبُ في كل مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ من حَبٍّ وَثَمَرٍ انْتَهَى
فَيَجِبُ على هذا في كل مَكِيلٍ يُدَّخَرُ من الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ مِمَّا يُقْتَاتُ بِهِ وَغَيْرُهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
فَدَخَلَ في كَلَامِهِ الْبُرُّ وَالْعَلَسُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْفُولُ وَالْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلُبَّانُ وَالْمَاشُ وَالتُّرْمُسُ وَالسِّمْسِمُ وَالْخَشْخَاشُ وَنَحْوُهُ
وَيَدْخُلُ في كَلَامِهِ أَيْضًا بَذْرُ الْبُقُولِ كَبَذْرِ الْهِنْدَبَا وَالْكَرَفْسِ وَغَيْرِهِمَا
وَيَدْخُلُ بَذْرُ الرَّيَاحِينِ بِأَسْرِهَا وَأَبَازِيرُ الْقُدُورِ كَالْكُسْفُرَةِ وَالْكَمُّونِ
____________________
(3/86)
وَالْكَرَاوْيَا وَالشِّمْرِ وَالْأَنِسُونِ وَالْقُنَّبِ وهو الشهدانخ ( ( ( الشهدانج ) ) ) وَالْخَرْدَلُ
وَيَدْخُلُ بَذْرُ الْكَتَّانِ وَالْقُرْطُمُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَحَبُّ الرَّشَادِ وَالْفُجْلُ
وَيَخْرُجُ من قَوْلِهِ في الْحُبُوبِ كُلِّهَا وفي كل ثَمَرٍ الصَّعْتَرُ وَالْأُشْنَانُ الْوَرَقُ الْمَقْصُودُ كَوَرَقِ السِّدْرِ والخطمى وَالْآسِ وَنَحْوِهِ
وَيَأْتِي أَيْضًا قَرِيبًا ما يَخْرُجُ من كَلَامِهِ
وَيَدْخُلُ في قَوْلِهِ في كل ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ ما هو مِثْلُهُ من التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَغَيْرِهِ
وَحَكَى بن الْمُنْذِرِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا زَكَاةَ إلَّا في التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ وَنَاظِمُهَا وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ في كل مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ وَنَقَلَهُ أبو طَالِبٍ
وَنَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ما كان يُكَالُ وَيُدَّخَرُ وَفِيهِ نَفْعُ الْفَقِيرِ الْعُشْرُ وما كان مِثْلَ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَصَلِ وَالرَّيَاحِينِ وَالرُّمَّانِ فَلَيْسَ فيه زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يُبَاعَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ على ثَمَنِهِ
فَهَذَا الْقَوْلُ أَعَمُّ من الْقَوْلِ الذي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَيَدْخُلُ فيه ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في الْقَوْلِ الذي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَدْخُلُ فيه ايضا الصَّعْتَرُ وَالْأُشْنَانُ وَحَبُّهُ وَنَحْوُهُ
وَيَدْخُلُ أَيْضًا كُلُّ وَرَقٍ مَقْصُودٍ كَوَرَقِ السِّدْرِ والخطمى وَالْآسِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَرْسِ وَالنِّيلِ وَالْغُبَيْرَاءِ وَالْعُصْفُرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافَ في الْأُشْنَانِ وَالْغُبَيْرَاءِ وَالصَّعْتَرِ وَالْكَتَّانِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَرِقِ الْمَقْصُودِ
____________________
(3/87)
قال في الْفُرُوعِ في الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ ولم يُوجِبْ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا في وَرَقِ السِّدْرِ والخطمى الزَّكَاةَ وزاد في الْمُسْتَوْعِبِ الْحِنَّاءَ
وقال بن حَامِدٍ لَا زَكَاةَ في حَبِّ الْبُقُولِ كَحَبِّ الرَّشَادِ وَالْأَبَازِيرِ كالكسفرة ( ( ( كالكسبرة ) ) ) وَالْكَمُّونِ وَبَذْرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ
وَيَدْخُلُ في كَلَامِ بن حَامِدٍ حَبُّ الْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ وَغَيْرُهُمَا وَبَذْرُ الرَّيَاحِينِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ وَلَا أَدَم
قال في الْفُرُوعِ وَيَدْخُلُ في هذا بَذْرُ الْيَقْطِينِ وَذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ في الْمُقْتَاتِ قال وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما يَجْتَنِيهِ من الْمُبَاحِ وما يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ وَنَحْوُ ذلك
تَنْبِيهٌ دخل في عُمُومِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ في سَائِرِ الثَّمَرِ
التُّفَّاحُ والأجاص وَالْمِشْمِشُ وَالْخَوْخُ وَالْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلُ وَالرُّمَّانُ وَالنَّبْقُ وَالزُّعْرُورُ وَالْمَوْزُ وَالتُّوتُ وَنَحْوُهُ
وَدَخَلَ في الْخُضَرِ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَاللِّفْتُ وهو السَّلْجَمُ وَالسِّلْقُ وَالْكَرْنِيجُ وهو الْقُنَّبِيطُ وَالْبَصَلُ وَالثُّومُ وَالْكُرَّاتُ وَالْبَتُّ وَالْجَوْزُ وَالْفُجْلُ وَنَحْوُهُ
وَدَخَلَ في الْبُقُولِ الْهِنْدَبَا وَالْكَرَفْسُ وَالنَّعْنَاعُ وَالرَّشَادُ وَالْبَقْلَةُ الْحَمْقَاءُ وَالْقَرَظُ والكسفرة ( ( ( والكسبرة ) ) ) الْخَضْرَاءُ وَالْجِرْجِيرُ وَنَحْوُهُ وَيَأْتِي حُكْمُ ما يَجْتَنِيهِ من الْمُبَاحِ
فَائِدَةٌ لَا تَجِبُ أَيْضًا في الرَّيْحَانِ وَالْمِسْكِ وَالْوَرْدِ وَالْبُومُ وَالْبَنَفْسَجُ وَاللِّينُوفَرُ وَالْيَاسَمِينُ وَالنِّرْجِسِ وَالْمَرْدَكُوشُ وَالْمَنْثُورُ وَلَا في طَلْعِ الْفُحَّالِ وَلَا في سَعَفِ النَّخْلِ وَالْخُوصِ وَلَا في تِينِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ وَلَا في الْوَرَقِ وَلَا في لَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا وَلَا في الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْحَرِيرِ وَدُودَةِ الْقَزِّ
تَنْبِيهٌ دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الزَّيْتُونُ وَالْقُطْنُ وَالزَّعْفَرَانُ
أَمَّا الزَّيْتُونُ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فيه وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
____________________
(3/88)
وَالشَّارِحُ وَالْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ فيه صَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالشِّيرَازِيِّ في الْمُبْهِجِ وأبو الْمَعَالِي في الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَالْمَجْدِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَأَمَّا الْقُطْنُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أنها لَا تَجِبُ فيه وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ فيه اختارها بن عَقِيلٍ وَصَحَّحَهَا في الْمُبْهِجِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهَا بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَحَكَاهُمَا في الْإِيضَاحِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فَإِنَّهَا تَجِبُ في حَبِّهِ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَ بن تَمِيمٍ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ
فَائِدَةٌ الْكَتَّانُ كَالْقُطْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَكَذَا الْقُنَّبُ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنْ وَجَبَتْ في الْقُطْنِ فَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ
واما الزَّعْفَرَانُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أنها لَا تَجِبُ فيه وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
____________________
(3/89)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ اخْتَارَهَا بن عَقِيلٍ وَصَحَّحَهَا في الْمُبْهِجِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهَا بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحِنَّاءِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا قال الْقَاضِي الْوَرْسُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الزَّعْفَرَانِ يُخَرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ
قال في الْهِدَايَةِ وَيُخَرَّجُ الْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ على وَجْهَيْنِ قِيَاسًا على الزَّعْفَرَانِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَيُخَرَّجُ على الزَّعْفَرَانِ الْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالنِّيلُ
قال الْحَلْوَانِيُّ وَاللِّقْوَةُ وَصَحَّحَ في الْخُلَاصَةِ الْوُجُوبَ في الزَّعْفَرَانِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ وَالنِّيلِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الثَّانِيَةُ لَا زَكَاةَ في الْجَوْزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال في الْفُرُوعِ لَا تَجِبُ فيه في الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وكذا لَا تَجِبُ في التِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالتُّوتِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في الْكُلِّ
وَقِيلَ تَجِبُ في ذلك كُلِّهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في التِّينِ
وقال في الْفُرُوعِ الْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ في الْعُنَّابِ قال فَالتِّينُ والمشمش ( ( ( والشمس ) ) ) وَالتُّوتُ مِثْلُهُ وَأَطْلَقَ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ في التِّينِ وَقَصَب السُّكْرِ وَالْجَوْزِ الْخِلَافَ
الثَّالِثَةُ تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْعُنَّابِ على الصَّحِيحِ
____________________
(3/90)
قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي
وَقِيلَ لَا زَكَاةَ فيه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَيَأْتِي بَعْدُ الْكَلَامُ على الْعَسَلِ هل تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَنْزِلُ من السماء ( ( ( الماء ) ) ) من الْمَنِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَبْلُغَ نِصَابًا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ في الْحُبُوبِ وَالْجَفَافِ في الثِّمَارِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أبي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَالْخُلَاصَةِ
قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ
قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ هذا الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ الْخَلَّالِ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ في خِلَافِهِ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذه الرِّوَايَةُ أَنَصُّ عنه وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ
وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا
يَعْنِي على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ عُشْرُهُ يَعْنِي عُشْرَ الرُّطَبِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ منه إذَا يَبِسَ بِمِقْدَارِ عُشْرِ رُطَبِهِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وقال نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ نَقَلَ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قِيلَ لِأَحْمَدَ خَرَصَ عليه مِائَةَ وَسْقٍ رُطَبًا يُعْطِيهِ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا قال نعم على ظَاهِرِ الحديث
____________________
(3/91)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا عُشْرَ يَابِسِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَرَدَّ الْأَوَّلَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ إلَّا الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ نَوْعٌ من الْحِنْطَةِ يُدَّخَرُ في قِشْرِهِ فإن نِصَابَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مع قِشْرِهِ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ
مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ مِمَّنْ أَطْلَقَ أَنَّ نِصَابَ كل وَاحِدٍ من الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ في قِشْرِهِ إذَا كان بِبَلَدٍ قد خَبَرَهُ أَهْلُهُ وَعَرَفُوا أَنَّهُ يَخْرُجُ منه مُصَفًّى النِّصْفُ فَأَمَّا ما يَخْرُجُ دُونَ النِّصْفِ كَغَالِبِ أُرْزِ حَرَّانَ أو يَخْرُجُ فَوْقَ النِّصْفِ كَجَيِّدِ الْأُرْزِ الشَّمَالِيِّ فإن نِصَابَهُ يَكُونُ بِقِشْرِهِ ما يَكُونُ قَدْرَ الْخَارِجِ منه خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَيُرْجَعُ في ذلك إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا
قال في الْفُرُوعِ فَنِصَابُهُمَا في قِشْرِهِمَا عَشَرَةُ أَوْسُقٍ وَإِنْ صُفِّيَا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِخِفَّةٍ وَثِقَلٍ وهو وَاضِحٌ
فَلَوْ شَكَّ في بُلُوغِ النِّصَابِ خُيِّرَ بين أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ عشرة قبل قِشْرِهِ وَبَيْنَ قِشْرِهِ وَاعْتِبَارِهِ بِنَفْسِهِ كَمَغْشُوشِ النَّقْدَيْنِ على ما يَأْتِي
وَقِيلَ يَرْجِعُ في نِصَابِ الْأُرْزِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو صَفَّى الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ فَنِصَابُهُمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِلَا نِزَاعٍ
الثَّانِيَةُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا الْوَسْقُ وَالصَّاعُ كَيْلَانِ لَا صَنْجَتَانِ نُقِلَ إلَى الْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ وَكَذَا الْمُدُّ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكِيلَ يَخْتَلِفُ في الْوَزْنِ فَمِنْهُ الثَّقِيلُ كَالْأَرْزِ وَالتَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ وَالْمُتَوَسِّطُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَالْخَفِيفُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَأَكْثَرُ التَّمْرِ أَخَفُّ من الْحِنْطَةِ على الْوَجْهِ الذي يُكَالُ شَرْعًا لِأَنَّ ذلك على هَيْئَتِهِ غَيْرُ مَكْبُوسٍ وَنَصَّ
____________________
(3/92)
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ من الْأَئِمَّةِ على أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْحِنْطَةِ أَيْ بِالرَّزِينِ منها لِأَنَّهُ الذي يُسَاوِي الْعَدَسَ في وَزْنِهِ
فَتَجِبُ الزَّكَاةُ في الْخَفِيفِ إذَا قَارَبَ هذا الْوَزْنَ وَإِنْ لم يَبْلُغْهُ لِأَنَّهُ في الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ
وَمَنْ اتَّخَذَ مَكِيلًا يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا من جَيِّدِ الْحِنْطَةِ ثُمَّ كَالَ بِهِ ما شَاءَ عَرَفَ ما بَلَغَ حد الْوُجُوبَ من غَيْرِهِ نَصَّ أَحْمَدُ على ذلك وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وقال إنَّهُ الْأَصَحُّ
وَحَكَى الْقَاضِي عن بن حَامِدٍ يُعْتَبَرُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ في الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ قال في الْفَائِقِ وهو ضَعِيفٌ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ بُرًّا وَقِيلَ بَلْ عَدَسًا وَقُلْت بَلْ مَاءً انْتَهَى
وَكَذَا قال في الْفَائِقِ لَكِنْ حَكَى الْقَوْلَ في الْعَدَسِ رِوَايَةً وقال في الْإِفَادَاتِ من بُرٍّ أو عَدَسٍ أو مَاءٍ وقال في الْحَاوِيَيْنِ بُرًّا ثُمَّ مِثْلُ كَيْلِهِ من غَيْرِهِ نَصَّ عليه وَقِيلَ بَلْ وَزْنُهُ وَمَثَّلَ بن تَمِيمٍ بِالْحِنْطَةِ فَقَطْ
قال في التَّلْخِيصِ وَلَا تَعْوِيلَ على هذا الْوَزْنِ إلَّا في الْبُرِّ ثُمَّ مِثْلُ مَكِيلِ ذلك من جَمِيعِ الْحُبُوبِ
وَتَقَدَّمَ هل نِصَابُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَقْرِيبٌ أو تَحْدِيدٌ في كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نِصَابَ الزَّيْتُونِ كَغَيْرِهِ وهو خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ
وقال بن الزَّاغُونِيِّ نِصَابُهُ سِتُّونَ صَاعًا قال بن تَمِيمٍ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ عن
____________________
(3/93)
أبيه وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ قال في الرِّعَايَةِ وهو سَهْوٌ وقال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْمُذْهَبِ لَا نَصَّ فيها عن أَحْمَدَ ثُمَّ ذَكَرَ عن الْقَاضِي يَتَوَجَّهُ أَنْ يُجْعَلَ نِصَابُهُ ما يَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ من أَدْنَى ما تُخْرِجُ الْأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ سَهَا على شَيْخِهِ بِذِكْرِ الزَّيْتُونِ مع الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ كما سَهَا على أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لم يَنُصَّ فيه بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي اعْتِبَارَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ في الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَلَيْسَ الزَّيْتُونُ في ذلك هَكَذَا ذَكَرَهُ في خِلَافِهِ ولم نَجِدْ في شَيْءٍ من كُتُبِهِ اعْتِبَارَ نِصَابِهِ بِالْقِيمَةِ وقد ذَكَرَ في الْمُجَرَّدِ اعْتِبَارَهُ بِالْأَوْسُقِ كما قَدَّمْنَا انْتَهَى كَلَامِ الْمَجْدِ
وقال الشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ وَتَبِعَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ هل يُعْتَبَرُ بِالزَّيْتِ أو بِالزَّيْتُونِ فيه رِوَايَتَانِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالزَّيْتِ فَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وهو غَرِيبٌ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ له أَنْ يُخْرِجَ من الزَّيْتُونِ وَإِنْ أَخْرَجَ من الزَّيْتِ كان أَفْضَلَ وَلَا يَتَعَيَّنُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يُخْرِجُ زَيْتُونًا حَتْمًا كَالزَّيْتُونِ الذي لَا زَيْتَ فيه لِوُجُوبِهَا فيه وَكَدُبْسٍ عن تَمْرٍ
وَقِيلَ يُخْرِجُ زَيْتًا قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ قال أبو الْمَعَالِي عن الْأَوَّلِ وَيُخْرِجُ عُشْرَ كَسْبِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ منه بِخِلَافِ التِّينِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ هل يُخْرِجُ من الزَّيْتُونِ أو من دُهْنِهِ فيه وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخِلَافَ في الْوُجُوبِ وَيَدُلُّ عليه سِيَاقُ كَلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ في الْأَفْضَلِيَّةِ وَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُ غَيْرِ الدُّهْنِ وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَهُ وَالْكُسْبِ لم يَكُنْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ وَجْهٌ لِأَنَّ الْكُسْبَ يَصِيرُ وُقُودًا كَالتِّبْنِ وقد يُنْبَذُ وَيُرْمَى رَغْبَةً عنه انْتَهَى كَلَامُهُ
____________________
(3/94)
الثَّالِثَةُ يُخْرِجُ زَكَاةَ السِّمْسِمِ منه كَغَيْرِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ لِعَيْبِهِمَا لِفَسَادِهِمَا بِالِادِّخَارِ كَإِخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَكُسْبِهِ وهو وَاضِحٌ انْتَهَى
قال بن تَمِيمٍ وَلَا يُخْرِجُ من دُهْنِ السِّمْسِمِ وَجْهًا وَاحِدًا
قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ عن سِمْسِمٍ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ كما سَبَقَ من قَوْلِ أبي الْمَعَالِي وَأَنَّهُ لو أَخْرَجَ الشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ أَجْزَأَ
الرَّابِعَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّ نِصَابَ الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُكَالُ كَالْوَرْسِ وَنَحْوِهِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي نِصَابُ ذلك أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ أَدْنَى نَبَاتٍ يُزَكَّى وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمَجْدُ وَالْقَاضِي في الْخِلَافِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
زَادَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ إلَّا الْعُصْفُرَ فإنه تبع لِلْقُرْطُمِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ فَاعْتُبِرَ بِهِ فَإِنْ بَلَغَ الْقُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زكى وَتَبِعَهُ الْعُصْفُرُ وَإِلَّا فَلَا
وَقِيلَ يُزَكَّى قَلِيلُ ما لَا يُكَالُ وَكَثِيرُهُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من خَصَّ ذلك بِالزَّعْفَرَانِ قال في الْفُرُوعِ وَلَا فَرْقَ وَقِيلَ نِصَابُ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ جَمْعُ مَنٍّ وهو رَطْلَانِ وهو الْمَنُّ وَجَمْعُهُ أَمْنَاءٌ
قَوْلُهُ وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بعضها ( ( ( بعضهما ) ) ) إلَى بَعْضٍ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ
وَكَذَا زَرْعُ الْعَامِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/95)
وحكى عن بن حَامِدٍ لَا يُضَمُّ صَيْفِيٌّ إلَى شَتْوِيٍّ إذَا زُرِعَ مَرَّتَيْنِ في عَامٍ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالنَّخْلُ التِّهَامِيُّ يَتَقَدَّمُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ فَلَوْ اطلع ( ( ( طلع ) ) ) وَجُدَّ ثُمَّ اطلع ( ( ( طلع ) ) ) النَّجْدِيُّ ثُمَّ لم يُجَدَّ حتى اطلع ( ( ( طلع ) ) ) التِّهَامِيُّ ضُمَّ النَّجْدِيُّ إلَى التِّهَامِيِّ الْأَوَّلِ لَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ عَادَةَ النَّخْلِ يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَيَكُونُ التِّهَامِيُّ الثَّانِي ثَمَرَةَ عَامٍ ثَانٍ
قال وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بَلْ وَقْتُ اسْتِغْلَالِ الْمُغَلِّ عن الْعَامِ عُرْفًا وَأَكْثَرُهُ عَادَةً نَحْوُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِقَدْرِ فَصْلَيْنِ وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا أَنَّ من اسْتَغَلَّ حِنْطَةً أو رُطَبًا آخِرَ تَمُّوزَ من عَامٍ ثُمَّ عَادَ فَاسْتَغَلَّ مثله في الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَوَّلَ تَمُّوزَ أو حُزَيْرَانَ لم يُضَمَّا مع أَنَّ بَيْنَهُمَا دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا انْتَهَى وَمَعْنَاهُ كَلَامِ بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ كان له نَخْلٌ يَحْمِلُ في السَّنَةِ حَمْلَيْنِ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال الْقَاضِي لَا يُضَمُّ لِنُدْرَتِهِ مع تَنَافِي أَصْلِهِ فَهُوَ كَثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ بِخِلَافِ الزَّرْعِ
فَعَلَى هذا لو كان له نَخْلٌ يَحْمِلُ بَعْضَهُ في السَّنَةِ حَمْلًا وَبَعْضَهُ حَمْلَيْنِ ضَمَّ ما يَحْمِلُ حَمْلًا إلَى أَيِّهِمَا بَلَغَ معه وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وقال أَيْضًا وفي ضَمِّ حَمْلِ نَخْلٍ إلَى حَمْلِ نَخْلٍ آخَرَ في عَامٍ وَاحِدٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ
هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ
____________________
(3/96)
في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
وَعَنْهُ أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ رَوَاهَا صَالِحٌ وأبو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
قال إِسْحَاقُ بن هَانِئٍ رَجَعَ أبو عبد اللَّهِ عن عَدَمِ الضَّمِّ وقال يُضَمُّ وهو أَحْوَطُ
قال الْقَاضِي وَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ عن مَنْعِ الضَّمِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
وَعَنْهُ تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا
قال في الْمُبْهِجِ يُضَمُّ ذلك في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال الْقَاضِي وهو الْأَظْهَرُ نَقَلَهُ بن رَزِينٍ عنه وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَعَلَيْهَا تُضَمُّ الْأَبَازِيرُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَحُبُوبُ الْبُقُولِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتُقَارِبَ الْمَقْصُودَ وكذا يُضَمُّ كُلُّ ما تَقَارَبَ وَمَعَ الشَّكِّ لَا يُضَمُّ
قال بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يُضَمُّ ما تَقَارَبَ في الْمَنْبِتِ وَالْمَحْصَدِ
وَحَكَى بن تَمِيمٍ أَيْضًا رِوَايَةً تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ على رِوَايَةِ أَنَّهُ جِنْسٌ
وَخَرَّجَ بن عَقِيلٍ ضَمَّ التَّمْرِ إلَى الزَّبِيبِ على الْخِلَافِ في الْحُبُوبِ قال الْمَجْدُ وَلَا يَصِحُّ لِتَصْرِيحِ أحد ( ( ( أحمد ) ) ) بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُبُوبِ على قَوْلِهِ بِالضَّمِّ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وقال بن تَمِيمٍ بَعْدَ كَلَامِ بن عَقِيلٍ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَتَوَقَّفَ عنه في رِوَايَةِ صَالِحٍ
____________________
(3/97)
فَائِدَةٌ الْقُطْنِيَّاتُ حُبُوبٌ كَثِيرَةٌ منها الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَالْمَاشُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا وَالدُّخْنُ وَالْأُرْزُ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا مِمَّا يُطْلَقُ عليه هذا الِاسْمُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ أَنَّهُ يُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ وهو صَحِيحٌ فَالسُّلْتُ نَوْعٌ من الشَّعِيرِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْحُبُوبِ بِالشَّعِيرِ في صُورَتِهِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ السُّلْتُ لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِنْطَةِ وَطَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ في الْبُرُودَةِ قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِلَوْنِهِ أو بِطَبْعِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى
وقال في التَّرْغِيبِ السُّلْتُ يُكَمَّلُ بِالشَّعِيرِ وَقِيلَ لَا يَعْنِي أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ
وَأَطْلَقَ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ في ضَمِّ السُّلْتِ إلَى الشَّعِيرِ وَجْهَيْنِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَلَسَ نَوْعٌ من الْحِنْطَةِ يُضَمُّ إلَيْهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يُضَمُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ في ضَمِّ الْعَلَسِ إلَى الْبُرِّ وَجْهَانِ
وقال أَيْضًا والحاروس ( ( ( والحارس ) ) ) نَوْعٌ من الدَّخَنِ يُضَمُّ وقال أَيْضًا وفي ضَمِّ الدَّخَنِ إلَى الذُّرَةِ وَجْهَانِ وَيَأْتِي ضَمُّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ في بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ أو يَأْخُذُهُ أُجْرَةً بِحَصَادِهِ
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا ما يَمْلِكُهُ بَعْدَ صَلَاحِهِ بِشِرَاءٍ أو إرْثٍ أو غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن أبي مُوسَى تَجِبُ الزكاة ( ( ( للزكاة ) ) ) يوم الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ على الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وهو في مِلْكِهِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وإذا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ
____________________
(3/98)
قَوْلُهُ وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ من الْمُبَاحِ أَيْ لَا تَجِبُ كَالْبُطْمِ وَالرَّعْبَلِ وهو شَعِيرُ الْجَبَلِ وَبِزِرٍّ قُطُونًا وَنَحْوَهُ
كَالْعَفْصِ وَالْأُشْنَانِ وَالسُّمَّاقِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ من مَوَاتٍ أو نَبَتَ في أَرْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ فَأَخَذَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَالُوا هذا الصَّحِيحُ وَرَدُّوا غَيْرَهُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَجْتَنِيهِ من الْمُبَاحِ
وَقِيلَ تَجِبُ فيه جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُذْهَبِ تَجِبُ في ذلك قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فيه لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا في الْعَسَلِ فَيُكْتَفَى بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَالْعَسَلِ انْتَهَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
قال في الرِّعَايَةِ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْوُجُوبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَنْبُتُ في أَرْضِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَةٌ لو نَبَتَ ما يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّ كَمَنْ سَقَطَ له حَبُّ حِنْطَةٍ في أَرْضِهِ أو أَرْضٍ مُبَاحَةٍ وَجَبَ عليه زَكَاتُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَكَذَا إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ ما يَنْبُتُ في أَرْضِهِ من الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سقى بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ كَالْغَيْثِ وَالسُّيُوحِ وما يَشْرَبُ بعروقه ( ( ( بروقه ) ) ) وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سقى بِكُلْفَةٍ كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ
وَكَذَا ما سقى بِالنَّاعُورَةِ أو السَّاقِيَةِ وما يَحْتَاجُ في ترقة ( ( ( ترقي ) ) ) الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ من عِرْقٍ أو غَيْرِهِ وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ لَا يُؤَثِّرُ حَفْرُ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَّاقِي لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ وَلَا يَتَكَرَّرُ
____________________
(3/99)
كُلَّ عَامٍ وَكَذَا من يُحَوِّلُ الْمَاءَ في السَّوَّاقِي لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وما يُدِيرُ الْمَاءَ من النَّوَاعِيرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَصْلُحُ من الْعَامِ إلَى الْعَامِ أو في أَثْنَاءِ الْعَامِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دُولَابٍ تُدِيرُهُ الدَّوَابُّ يَجِبُ فيه الْعُشْرُ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ خَفِيفَةٌ فَهِيَ كَحَرْثِ الْأَرْضِ وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أو حَفِيرَةٍ وَسَقَى بِهِ سَيْحًا وَجَبَ عليه الْعُشْرُ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْمَجْدُ وقال وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ سقى بِمُؤْنَةٍ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ فيه وَجْهَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو جَمَعَ الْمَاءَ وَسَقَى بِهِ وَجَبَ الْعُشْرُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ منه في الصُّورَتَيْنِ وَإِطْلَاقُ غَيْرِ وَاحِدٍ يَقْتَضِيهِ كَعَمَلِ الْعَيْنِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ إنْ كانت الْعَيْنُ أو الْقَنَاةُ يَكْثُرُ تَصَوُّبُ الْمَاءِ عنها وَيُحْتَاجُ إلَى حَفْرٍ مُتَوَالٍ فَذَلِكَ مُؤْنَةٌ فَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ
قَوْلُهُ وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ من الْآخَرِ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا نَصَّ عليه
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قَوْلُهُ وقال بن حَامِدٍ يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ فَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ وَجَبَ الْعُشْرُ
يَعْنِي إذَا جُهِلَ مِقْدَارُ السَّقْيِ فلم يُعْلَمْ هل سَقَى سَيْحًا أَكْثَرَ أو الذي بِمُؤْنَةٍ أَكْثَرَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ يُخْرِجُ حتى يَعْلَمَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ النَّفْعُ لِلزَّرْعِ وَالنُّمُوُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(3/100)
وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِأَكْثَرِ السَّقْيَاتِ وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ مُدَّةً وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا من له بُسْتَانٌ أو أَرْضٌ يسقى أَحَدَ الْبَسَاتِينَ بِكُلْفَةٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِهَا أو بَعْضَ الْأَرْضِ بِمُؤْنَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا ضم ( ( ( يضم ) ) ) أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَأَخَذَ من كل وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ
الثَّانِيَةُ لو اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْأَرْضِ فِيمَا سَقَى بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ من غَيْرِ يَمِينٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلسَّاعِي اسْتِحْلَافُهُ لَكِنْ إنْ ظَهَرَ لم يَلْزَمْهُ إلَّا ما اعْتَرَفَ بِهِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَظْهَرُ قال في الْفُرُوعِ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ وَذَكَرَ بن تَمِيمٍ هذا وَجْهًا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وإذا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وقال بن أبي مُوسَى تَجِبُ الزَّكَاةُ يوم الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ لِلْآيَةِ فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ في مِلْكِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ رَبُّهُ وَشَرَطَ الزَّكَاةَ على الْمُشْتَرِي قال في الْفُرُوعِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ خُصُوصًا الشَّيْخَ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَصِحُّ وَقَالَهُ الْمَجْدُ وَقَطَعَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَان أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ لِلْعِلْمِ بها فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا وَوَكَّلَهُ في إخْرَاجِهِ حتى لو لم يُخْرِجْهَا الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عليه أَلْزَمَ بها الْبَائِعَ
قَوْلُهُ فَإِنْ قَطَعَهَا قَبْلَهُ فَلَا زَكَاةَ فيها
إلَّا أَنْ يقطعها ( ( ( يقطعهما ) ) ) فِرَارًا من الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ على ذلك وَالْخِلَافُ فيه أَوَاخِرَ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَلْيُعَاوَدْ
____________________
(3/101)
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أو صَرِيحُ بَعْضِهِمْ أَنَّ صَلَاحَ الثَّمَرَةِ هُنَا حُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ في بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ على ما يَأْتِي قال بن تَمِيمٍ صَلَاحُ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ إذَا انْعَقَدَ لُبُّهُ وَصَلَاحُ الزَّيْتُونِ إذَا كان له زَيْتٌ يَجْرِي في دُهْنِهِ وَإِنْ كان مِمَّا لَا زَيْتَ فيه فَبِأَنْ يَصْلُحَ لِلْكَبْسِ وقال في الرِّعَايَةِ وَيَجِبُ إذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا اشْتِدَادُهُ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ بِحُمْرَةٍ أو صُفْرَةٍ وَانْعَقَدَ لُبُّ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَالْجَوْزِ إنْ قُلْنَا يُزَكَّى وَجَرَى دُهْنُ الزَّيْتُونِ فيه أو بَدَا صَلَاحُهُ وَطَابَ أَكْلُهُ أو صَلَحَ لِلْكَبْسِ إنْ لم يَكُنْ له زَيْتٌ وَقِيلَ صَلَاحُ الْحِنْطَةِ إذَا أَفْرَكَتْ وَالْعِنَبُ إذَا انْعَقَدَ وَحَمُضَ وَقِيلَ وَتَمَوَّهَ وَطَابَ أَكْلُهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا في الْجَرِينِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِتَمَكُّنِهِ من الْأَدَاءِ كما سَبَقَ في أَثْنَاءِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لِلُزُومِ الْإِخْرَاجِ إذَنْ
فَائِدَةٌ الْجَرِينُ يَكُونُ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ والبيدر وَالْأَيْدَرُ يَكُونُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ والمربد يَكُونُ بِالْحِجَازِ وهو الْمَوْضِعُ الذي تُجْمَعُ فيه الثَّمَرَةُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا والجوجان يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ وهو مَوْضِعُ تَشْمِيسِهَا وَتَيْبِيسِهَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَسُمِّيَ بِلُغَةِ آخَرِينَ السُّطَّاحَ وَبِلُغَةِ آخَرِينَ الطِّبَابَةَ
قَوْلُهُ فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ منه سَقَطَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كانت قد خُرِصَتْ او لم تُخْرَصْ
إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ في عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ منهم الْمَجْدُ وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ قبل الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا
وفي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ أَيْضًا قبل أَنْ تَصِيرَ في الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ كَالْمُصَنِّفِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا سَقَطَتْ الزَّكَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(3/102)
قال بن تَمِيمٍ قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ سَقَطَتْ اتِّفَاقًا
وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ قال بن تَمِيمٍ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عنه وَقَالَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى قال في الْقَوَاعِدِ وهو ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قال في الْفُرُوعِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ قال في الْمُغْنِي قِيَاسُ من جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قبل التَّمَكُّنِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذلك في آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ
فَائِدَةٌ لو بَقِيَ بَعْدَ التَّلَفِ نِصَابٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فيه وَإِلَّا فَلَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَذَكَرَ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيمَا إذَا لم يَبْقَ نِصَابٌ وَجْهَيْنِ
قال بن تَمِيمٍ اخْتَارَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْوُجُوبَ فِيمَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ قال وهو أَصَحُّ كما لو تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ من غَيْرِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قبل تَمَكُّنِهِ من الْإِخْرَاجِ قال في الرِّعَايَةِ أَظْهَرُهُمَا يُزَكِّي ما بَقِيَ بِقِسْطِهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا قبل قَوْلِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ
وَلَوْ اُتُّهِمَ في ذلك وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قال في الرِّعَايَةِ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَيُصَدَّقُ في دَعْوَى غَلَطٍ مُمْكِنٍ من الْخَارِصِ قال في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ كَالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُقْبَلُ في الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ
وَقِيلَ إنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا
قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ فَحُشَ فَقِيلَ يُرَدُّ قَوْلُهُ وَقِيلَ ضَمَانًا كانت أو أَمَانَةً يُرَدُّ في الْفَاحِشِ
____________________
(3/103)
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لو ادَّعَى كَذِبَ الْخَارِصِ عَمْدًا لم يُقْبَلْ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَلَوْ قال ما حَصَلَ في يَدِي غَيْرُ كَذَا قُبِلَ قَوْلًا وَاحِدًا
فَائِدَةٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ في جَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ تَظْهَرُ عَادَةً إلَّا بِبَيِّنَةٍ ولم يُصَدَّقْ في التَّلَفِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُصَدَّقُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفَّى وَالثَّمَرِ يَابِسًا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ عن بن بَطَّةَ له أَنْ يُخْرِجَ رُطَبًا وَعِنَبًا قال وَسِيَاقُ كَلَامِهِ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا اعْتَبَرْنَا نِصَابَهُ كَذَلِكَ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُجْزِئُ رَطْبُهُ
وَقِيلَ فِيمَا لَا يُثْمِرُ وَلَا يُزَبِّبُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال ثُمَّ قال وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ منها بِمَا انْفَرَدَ بِهِ بِالتَّصْرِيحِ وَكَذَا يُقَدَّمُ في مَوْضِعِ الْإِطْلَاقِ وَيُطْلَقُ في مَوْضِعِ التَّقْدِيمِ وَيُسَوَّى بين شَيْئَيْنِ الْمَعْرُوفُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَعَكْسُهُ قال فَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ حَصَلَ الْخَوْفُ وَعَدَمُ الِاعْتِمَادِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا رَطْبًا وَعِنَبًا لم يُجْزِهِ وَوَقَعَ نَفْلًا وَلَوْ كان الْآخِذُ السَّاعِيَ فَإِنْ جَفَّفَهُ وَجَاءَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ وَإِلَّا أَعْطَى إنْ زَادَ أو أَخَذَ إنْ نَقَصَ وَإِنْ كان بِحَالَةٍ رَدِيئَةٍ وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مثله على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْمَجْدُ وقال عِنْدِي لَا يَضْمَنُهُ وَيَأْخُذُهُ منه باختيارة ولم يَتَعَدَّ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ أَيْضًا وَقَدَّمَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ قال وَفِيهِ وَجْهٌ بمثله قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِهِ قبل كَمَالِهِ لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ كَخَوْفِ الْعَطَشِ أو لِتَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ أو كان رُطَبًا لَا يَجِيءُ منه تَمْرٌ أو عِنَبًا
____________________
(3/104)
لَا يَجِيءُ منه زَبِيبٌ زَادَ في الْكَافِي أو يَجِيءُ منه زَبِيبٌ ردىء ( ( ( رديء ) ) ) انْتَهَى
قُلْت وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا جاء منه تَمْرٌ ردىء ( ( ( رديء ) ) ) أَخْرَجَ منه رُطَبًا وَعِنَبًا يَعْنِي جَازَ قَطْعُهُ وَإِخْرَاجُ زَكَاةٍ منه
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَإِنْ كان يَكْفِي التَّجْفِيفُ لم يَجُزْ قَطْعُ الْكُلِّ قال في الْفُرُوعِ وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إطْلَاقٌ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ إخْرَاجِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْحَالَةُ هذه فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ من هذا رُطَبًا وَعِنَبًا مُشَاعًا أو مَقْسُومًا بَعْدَ الْجِدَادِ أو قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ فَيُخَيَّرُ السَّاعِي بين قَسْمِهِ مع رَبِّ الْمَالِ قبل الْجِدَادِ بِالْخَرْصِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُمْ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةً وَبَعْدَ الْجِدَادِ بِالْكَيْلِ وَهَذَا الذي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَأَوَّلُ كَلَامِ الْقَاضِي الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهو تَخْيِيرُ السَّاعِي مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَاقِي كَلَامِهِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا يَابِسًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في الْخِلَافِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ
وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا من إخْرَاجِهَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ في ذلك مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ من الْخُضَرِ وهو قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ وَاحْتِمَالٌ فِيمَا لَا يُتْمِرُ وَلَا يَصِيرُ زَبِيبًا وهو رِوَايَةُ عن مَالِكٍ انْتَهَى
____________________
(3/105)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ حتى يَبْلُغَ حَدًّا يَكُونُ منه خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا أو زَبِيبًا على الصَّحِيحِ كَغَيْرِهِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ رُطَبًا وَعِنَبًا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ نِهَايَتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَرِوَايَتَانِ في الْمُسْتَوْعِبِ
فَعَلَى ما اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهِمَا في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
وَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَجِبُ في ذِمَّتِهِ تَمْرًا أو زَبِيبًا وَلَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ على قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ كما لو أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ وَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَضْمَنُ الْوَاجِبَ في ذِمَّتِهِ تَمْرًا أو زَبِيبًا كَغَيْرِهِمَا إذَا أَتْلَفَهُ فَلَوْ لم يَجُدَّ التَّمْرَ أو الزَّبِيبَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ بَقِيَ الْوَاجِبُ في ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا قَدَرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُخْرِجُ قِيمَتَهُ في الْحَالِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْإِرْشَادِ وَوَجْهَانِ في غَيْرِهِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ على جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عِنْدَ إعْوَازِ الْفَرْضِ كما تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ هذا الْبِنَاءَ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا وَهِيَ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو أَخْرَجَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ هُنَا وَمَنَعْنَا من إخْرَاجِ الْقِيمَةِ لم يَجُزْ ذلك في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَغَيْرِهِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ دَفْعًا لِمَشَقَّةِ إخْرَاجِهِ رُطَبًا بِعَيْنِهِ فإنه عِنْدَ أَخْذِهِ قد لَا يَحْضُرُهُ السَّاعِي وَالْفَقِيرُ وَيُخْشَى فَسَادُهُ بِالتَّأْخِيرِ وَلِذَلِكَ أَجَزْنَا لِلسَّاعِي بَيْعَهُ وَلِلْمُخْرِجِ شِرَاءَهُ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَهُ الْمَجْدُ وَأَطْلَقَهُمَا هو وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
____________________
(3/106)
الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ ذلك إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي إنْ كان وَإِلَّا جَازَ
الرَّابِعَةُ لو قَطَعَهُ قبل الْوُجُوبِ لِأَكَلِهِ خَصُوبًا أو خِلَالًا أو لِبَيْعِهِ أو تَجْفِيفِهِ عن النَّخْلِ أو لِتَحْسِينِ الْبَاقِي أو لِمَصْلَحَةٍ ما لم تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفِرَارَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ في تَتِمَّةِ كلام الْقَاضِي يُخَيَّرُ السَّاعِي بين بَيْعِهِ منه أو من غَيْرِهِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له شِرَاءُ زَكَاتِهِ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ شِرَاءُ زَكَاتِهِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال هو أَشْهَرُ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا وَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِك وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ منها لِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ رَغْبَةً أو رَهْبَةً
وَعَنْهُ يُكْرَهُ شِرَاؤُهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وقال في الْوَجِيزِ وَلَا يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ في هذا الْبَابِ
وَعَنْهُ يُبَاحُ شِرَاؤُهَا كما لو وَرِثَهَا نَصَّ عليه وَأَطْلَقَهُنَّ في الْحَاوِيَيْنِ
فَوَائِدُ
منها لو رَجَعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الدَّافِعِ بِإِرْثٍ أُبِيحَتْ له عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قال في الْفُرُوعِ وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ قال فَيُؤْخَذُ منه أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَصَلَ بِفِعْلِهِ كَالْبَيْعِ وَنُصُوصُ أَحْمَدَ إنَّمَا هِيَ في الشِّرَاءِ وَصَرَّحَ في رِوَايَةِ عَلِيِّ بن سَعِيدٍ
____________________
(3/107)
أَنَّ الْهِبَةَ كَالْمِيرَاثِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ ما أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَلَا إذَا كان شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ فيه وَاحْتَجَّ الْمَجْدُ لِلْقَوْلِ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَهَا من دَيْنِهِ وَيَأْخُذُهَا بِهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ فَيُعَوَّضُ منها أَوْلَى
وَمِنْهَا قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا منه أو من غَيْرِهِ قال وهو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَنَقَلَهُ أبو دَاوُد في فَرَسِ حُمَيْدٍ وهو الذي قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فإنه قال وَيُكْرَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَقِيلَ مِمَّنْ أَخَذَهَا منه انْتَهَى
قُلْت وَظَاهِرُ من عَلَّلَ بِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ أَخَذَهَا
وقال في الْفُرُوعِ أَيْضًا وكذا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ الزَّكَاةِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وما أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهِ أو شيئا من نِتَاجِهِ
وَمِنْهَا الصَّدَقَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْأَحْكَامِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ فَيَخْرُصُهُ عليهم لِيَتَصَرَّفُوا فيه
بَعْثُ الْإِمَامِ سَاعِيًا لِلْخَرْصِ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي بن منجا أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ وقال أَجْمَعَ عليه الصَّحَابَةُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَعَلَّلَ ذلك بِالْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ يَنْبَغِي يَعْنِي يُسْتَحَبُّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يُخْرَصُ غَيْرُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقال بن الْجَوْزِيِّ يُخْرَصُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ وقال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلَا فَرْقَ
____________________
(3/108)
الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْخَارِصِ مُسْلِمًا أَمِينًا خَبِيرًا بِلَا نِزَاعٍ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ غير مُتَّهَمٍ ولم يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَقِيلَ عَدْلٌ وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ حُرًّا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى حُرٌّ في الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ
الثَّالِثَةُ يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا اثْنَانِ كَالْقَائِفِ عِنْدَ من يقول بِهِ
الرَّابِعَةُ أُجْرَةُ الْخَرْصِ على رَبِّ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه ما يَأْتِي في حَصَادٍ
الْخَامِسَةُ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحَصَادَ وَالْجِذَاذَ لَيْلًا
السَّادِسَةُ يَلْزَمُ خَرْصُ كل نَوْعٍ وَحْدَهُ لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَقْتَ الْجَفَافِ ثُمَّ يَعْرِفُ الْمَالِكُ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَيُخَيَّرُ بين أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا شَاءَ وَيَضْمَنُ قَدْرَهَا وَبَيْنَ حِفْظِهَا إلَى وَقْتِ الْجَفَافِ فَإِنْ لم يَضْمَنْ الزَّكَاةَ وَتَصَرَّفَ صَحَّ تَصَرُّفُهُ قال في الرِّعَايَةِ وَكُرِهَ وَقِيلَ يُبَاحُ
وَحَكَى بن تَمِيمٍ عن الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّصَرُّفُ كَتَصَرُّفِهِ قبل الْخَرْصِ وَأَنَّهُ قال في مَوْضِعٍ آخَرَ له ذلك كما لو ضَمِنَهَا وَعَلَيْهِمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ
وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْخَرْصِ أو تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ هذا الرُّطَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَعَنْهُ رُطَبًا كَالْأَجْنَبِيِّ فإنه يَضْمَنُهُ بمثله رُطَبًا يوم التَّلَفِ وَقِيلَ بِقِيمَتِهِ رُطَبًا قال في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعَ الْمَالِ فِيمَا إذَا كان لَا يَجِيءُ منه تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ أو تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيقٍ
____________________
(3/109)
السَّابِعَةُ لو حَفِظَهَا إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ زَكَّى الْمَوْجُودَ فَقَطْ سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الْخَارِصِ أو لَا وَسَوَاءٌ اخْتَارَ حِفْظَهَا ضَمَانًا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ أو أَمَانَةً لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ مع عَدَمِ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِصَابَةُ
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ ما قال الْخَارِصُ مع تَفَاوُتِ قَدْرِ يَسِيرٍ يُخْطِئُ في مِثْلِهِ وقال في الرِّعَايَةِ لَا يَغْرَمُ ما لم يُفَرِّطْ وَلَوْ خُرِصَتْ وَعَنْهُ بَلَى انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ في الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ
بِحَسَبِ اجْتِهَادِ السَّاعِي بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فَيَجِبُ على السَّاعِي فِعْلُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ الثُّلُثُ كَثِيرٌ لَا يَتْرُكُهُ وقال الْآمِدِيُّ وبن عَقِيلٍ يَتْرُكُ قَدْرَ أَكْلِهِمْ وَهَدِيَّتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا تَحْدِيدٍ قال بن تَمِيمٍ وهو أَصَحُّ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ هو أَصَحُّ انْتَهَى وقال بن حَامِدٍ إنَّمَا يَتْرُكُ في الْخَرْصِ إذَا زَادَتْ الثَّمَرَةُ على النِّصَابِ فَلَوْ كانت نِصَابًا فَقَطْ لم يَتْرُكْ شيئا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا هذا الْقَدْرُ الْمَتْرُوكُ لِلْأَكْلِ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِهِ من النِّصَابِ فَيَكْمُلُ بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ زَكَاةَ الْبَاقِي سِوَاهُ
الثَّانِي لو لم يَأْكُلْ رَبُّ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ له بِلَا خَرْصٍ أَخَذَ منه زَكَاتَهُ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وبن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال صَاحِبُ الْفُرُوعِ دَلَّ النَّصُّ الذي في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا على أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لو لم يَأْكُلْ شيئا لم يُزَكِّهِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَأَظُنُّ بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِهِ أو قَدَّمَهُ وَذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا له انْتَهَى
____________________
(3/110)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذلك وَلَا يُحْتَسَبُ عليه
نَصَّ عليه وَكَذَا إذَا لم يَبْعَثْ الْإِمَامُ سَاعِيًا فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ من الْخَرْصِ ما يَفْعَلُهُ السَّاعِي لِيَعْرِفَ قَدْرَ الْوَاجِبِ قبل أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فيه وَلَوْ تَرَكَ السَّاعِي شيئا من الْوَاجِبِ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ نَصَّ عليه
الثَّانِيَةُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ إلَّا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ فَلَا تُخْرَصُ الْحُبُوبُ إجْمَاعًا لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْأَكْلُ منها هو وَعِيَالُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ كَالْفَرِيكِ وما يَحْتَاجُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ عليه وَلَا يُهْدَى نَصَّ على ذلك كُلِّهِ
وَخَرَّجَ الْقَاضِي في جَوَازِ الْأَكْلِ منها وَجْهَيْنِ من الْأَكْلِ وَمِنْ الزَّرْعِ الذي ليس له خَلِيطٌ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ أَسْقَطَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن أَرْبَابِ الزَّرْعِ الزَّكَاةَ في مِقْدَارِ ما يَأْكُلُونَ كما أَسْقَطَ في الثِّمَارِ قال وَذَكَرَهُ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَجَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءً
وقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَغَيْرِهِمَا يُحْسَبُ عليه ما يَأْكُلُهُ وَلَا يُتْرَكُ له منه شَيْءٌ وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُشْتَرَكِ من الزَّرْعِ نَصَّ عليه لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَالْحَبُّ ليس في مَعْنَى الثَّمَرَةِ وَحَكَى رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يزكى ما يُهْدِيهِ أَيْضًا
وَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُزَكِّي ما يَهْدِيهِ من الثَّمَرَةِ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِخِلَافِهِ
وَحَكَى بن تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قال في تَعْلِيقِهِ ما يَأْكُلُهُ من الثمرة ( ( ( التمرة ) ) ) بِالْمَعْرُوفِ لَا يُحْسَبُ عليه وما يُطْعِمُهُ جَارَهُ وَصَدِيقَهُ يُحْسَبُ عليه نَصَّ عليه
وَذَكَرَ أبو الْفَرَجِ لَا زَكَاةَ فِيمَا يَأْكُلُهُ من زَرْعٍ وَثَمَرٍ وَفِيمَا يُطْعِمُهُ رِوَايَتَانِ وَحَكَى الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ في جَوَازِ أَكْلِهِ من زَرْعِهِ وَجْهَيْنِ
____________________
(3/111)
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ من كل نَوْعٍ على حِدَةٍ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشُقَّ على ما يَأْتِي
وقال بن عَقِيلٍ يُؤْخَذُ من أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ كَالضَّأْنِ من الْمَعْزِ
قَوْلُهُ فَإِنْ شَقَّ ذلك
يَعْنِي لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتِلَافِهَا أَخَذَ من الْوَسَطِ
هذا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ يُخْرِجُ من كل نَوْعٍ وَإِنْ شَقَّ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَاهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
وَقِيلَ يَأْخُذُ من الْأَكْثَرِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو أَخْرَجَ الْوَسَطَ عن جَيِّدٍ وردىء ( ( ( ورديء ) ) ) بِقَدْرِ قِيمَتَيْ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا أو أَخْرَجَ الرَّدِيءَ عن الْجَيِّدِ بِالْقِيمَةِ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ لَا يُجْزِئُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُ قال الْمَجْدُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يُحْتَمَلُ في الْمَاشِيَةِ كَمَسْأَلَةِ الْأَثْمَانِ على ما يَأْتِي هُنَاكَ
الثانية ( ( ( الثاني ) ) ) لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ جِنْسٍ عن آخَرَ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ وَلَا مَشَقَّةَ وَلَوْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال بن عَقِيلٍ يَجُوزُ إنْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَإِلَّا فَلَا
____________________
(3/112)
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُشْرُ على الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ
بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فإنه على الْمَالِكِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ على الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ
وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَلْزَمُهُ خَرَاجٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وحكى عنه يَلْزَمُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ
الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ في كل أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً
وَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ نَصَّ عليه فَالْخَرَاجُ في رَقَبَتِهَا وَالْعُشْرُ في غَلَّتِهَا
الْخَامِسَةُ لَا زَكَاةَ في قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ لِأَنَّهُ كَدَيْنٍ آدَمِيٍّ وَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ من مُؤْنَةِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ وَسَبَقَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ الرِّوَايَاتُ
السَّادِسَةُ إذَا لم يَكُنْ له سِوَى غَلَّةِ الْأَرْضِ وَفِيهَا ما لَا زَكَاةَ فيه كَالْخُضَرِ جَعَلَ الْخَرَاجَ في مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ
السَّابِعَةُ لَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَغَيْرِهِمَا منه لِسَبْقِ الْوُجُوبِ ذلك وقال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ ضِدُّهُ كَالْخَرَاجِ وَيَأْتِي في مُؤْنَةِ الْمَعْدِنِ ما يُشَابِهُ ذلك
الثَّامِنَةُ تَلْزَمُ الزَّكَاةُ في الْمُزَارَعَةِ من حَكَمَ بِأَنَّ الزَّرْعَ له وَإِنْ صَحَّتْ فَبَلَغَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْخَلْطِ في غَيْرِ السَّائِمَةِ على ما تَقَدَّمَ
التَّاسِعَةُ مَتَى حَصَدَ غَاصِبُ الْأَرْضِ زَرْعَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ على ما يَأْتِي في أَوَّلِ الْغَصْبِ وَزَكَّاهُ وَإِنْ مَلَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قبل اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ وَكَذَا قِيلَ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ فَكَانَ أَخْذُهُ إذَنْ وَقِيلَ يُزَكِّيهِ
____________________
(3/113)
الْغَاصِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَيَأْتِي قَوْلُ أن الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ فَيُزَكِّيهِ
الْعَاشِرَةُ لَا زَكَاةَ في الْمُعَشَّرَاتِ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُشْرِ وَلَوْ بَقِيَتْ أَحْوَالًا ما لم تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لهم شِرَاؤُهَا اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ الْخَلَّالِ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْفَائِقُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى اقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ على الْجَوَازِ كَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَبَعْضُهُمْ قال يَجُوزُ وَيُكْرَهُ منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَجُوزُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لو خَالَفَ وَاشْتَرَى صَحَّ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وهو كما قال وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يعطى أَنَّ على الْمَنْعِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في غَيْرِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَأَمَّا نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَلَا يُمْنَعُونَ من شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَنَقَلَهُ بن الْقَاسِمِ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ كَالْمَاشِيَةِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَأَلْحَقَهَا بن الْبَنَّا بالارض الْعُشْرِيَّةِ
____________________
(3/114)
قَوْلُهُ وَلَا عُشْرَ عليهم
هذا مَبْنِيٌّ على ما جَزَمَ بِهِ من أَنَّهُمْ يَجُوزُ لهم شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَهَذَا الصَّحِيحُ على التَّفْرِيعِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ على الذِّمِّيِّ غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ سَوَاءٌ اتَّجَرَ بِذَلِكَ أو لم يَتَّجِرْ بِهِ من مَالِهِ وَثَمَرَتِهِ وَمَاشِيَتِهِ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَنْهُ عليهم عُشْرَانِ يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ
قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَ شَيْخُنَا في اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ على هذا هل عليهم عُشْرَانِ أو لَا شَيْءَ عليهم على رِوَايَتَيْنِ قال وَهَذَا غَرِيبٌ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ من لَفْظِ الْمُقْنِعِ انْتَهَى
يَعْنِي أَنَّ نَقْلَ هذه الرِّوَايَةِ على الْقَوْلِ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ غَرِيبٌ
فَأَمَّا على رِوَايَةِ مَنْعِهِمْ من الشِّرَاءِ لو خَالَفُوا وَاشْتَرَوْا لَصَحَّ الشِّرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كما تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ
قال في الْإِفَادَاتِ وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ فيها عُشْرَانِ
وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عليهم قال في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ
وَعَنْهُ عليهم عُشْرٌ وَاحِدٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْخِلَافِ كما كان قبل شِرَائِهِمْ قَدَّمَهَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في الْفُرُوعِ لَا وَجْهَ له انْتَهَى
وقال في الْفَائِقِ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ من شِرَاءِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ وَعَنْهُ لَا وَعَنَّا يَحْرُمُ وَيَصِحُّ
وَلَا شَيْءَ عليه في الْخَارِجِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ عُشْرَانِ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَعَنْهُ عُشْرٌ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ
____________________
(3/115)
فَوَائِدُ
منها حَيْثُ قُلْنَا عليهم عُشْرَانِ فإن أَحَدَهُمَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ
وَمِنْهَا حُكْمُ ما مَلَكَهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ حُكْمُ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ على ما تَقَدَّمَ وَيَأْتِي حُكْمُ إحْيَاءِ الذِّمِّيِّ وما يَجِبُ عليه في بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ
وَمِنْهَا حَيْثُ أُخِذَ منهم عُشْرٌ أو عُشْرَانِ فإن حُكْمَ مَصْرِفِهِ حُكْمُ ما يُؤْخَذُ من نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ على ما يَأْتِي
وَمِنْهَا الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ ما فُتِحَ عَنْوَةً ولم يُقَسَّمْ وما جَلَا عنها أَهْلُهَا خَوْفًا وما صُولِحُوا عليه على أنها لنا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ
وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ ما أَسْلَمَ عليها أَهْلُهَا نَقَلَهُ حَرْبٌ كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا وما أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَطُّوهُ نَقَلَهُ أبو الصَّقْرِ كَالْبَصْرَةِ وما صُولِحَ أَهْلُهُ على أَنَّهُ لهم بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عليهم نَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ كَأَرْضِ الْيَمَنِ وما فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ كَنِصْفِ خَيْبَرَ وَكَذَا ما أَقَطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ من السَّوَادِ إنْ كان إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ على الرِّوَايَتَيْنِ
ولم يذكر جَمَاعَةٌ هذا الْقِسْمَ من أَرْضِ الْعُشْرِ منهم الْمُصَنِّفُ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْعُشْرِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عليها خَرَاجٌ كما ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ يَجْتَمِعَانِ في الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَلِهَذَا لَا تنافى بين قَوْلِهِ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ هِيَ التي لَا خَرَاجَ عليها وَقَوْلِ غَيْرِهِ ما يَجِبُ فيه الْعُشْرُ خَرَاجِيَّةً أو غير خَرَاجِيَّةٍ وَجَعَلَهَا أبو الْبَرَكَاتِ في شَرْحِهِ قَوْلَيْنِ كان قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ أَظْهَرَ
قَوْلُهُ وفي الْعَسَلِ الْعُشْرُ سَوَاءٌ أَخَذَهُ من مَوَاتٍ أو من مِلْكِهِ
هذا الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ في الْفُرُوعِ أَدِلَّةَ الْمَسْأَلَةِ وقال من تَأَمَّلَ هذا وَغَيْرَهُ ظَهَرَ له ضَعْفُ الْمَسْأَلَةِ
____________________
(3/116)
وَأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ لِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه بِنَاءً على قَوْلِ الصَّحَابِيِّ قال وَسَبَقَ قَوْلُ الْقَاضِي في التَّمْرِ يَأْخُذُهُ من الْمُبَاحِ يُزَكِّيهِ في قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ في الْعَسَلِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ فَدَلَّ أَنَّ على الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا زَكَاةَ في الْعَسَلِ من الْمُبَاحِ عِنْدَ أَحْمَدَ وقد اعْتَرَفَ الْمَجْدُ أَنَّهُ الْقِيَاسُ لَوْلَا الْأَثَرُ فَيُقَالُ قد تَبَيَّنَ الْكَلَامُ في الْأَثَرِ ثُمَّ إذَا تَسَاوَيَا في الْمَعْنَى تَسَاوَيَا في الْحُكْمِ وَتُرِكَ الْقِيَاسُ كما تَعَدَّى في الْعَرَايَا إلَى بَقِيَّةِ الثِّمَارِ وَغَيْرِ ذلك على الْخِلَافِ فيه انْتَهَى
فَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وما هو بِبَعِيدٍ
قَوْلُهُ وَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا أَنَّ نِصَابَهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كَالزَّيْتِ قال لِأَنَّهُ أَعْلَى ما يُقَدَّرُ بِهِ فيه فَاعْتُبِرَ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ كَالْوَسْقِ
قَوْلُهُ كُلُّ فَرَقٍ سِتُّونَ رَطْلًا
هذا قَوْلُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وَالْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَقِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا قَالَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُحَرَّرِ
وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَنَفَاهُ الْمَجْدُ وَحَكَى بن تَمِيمٍ قَوْلًا أَنَّهُ مِائَةُ رَطْلٍ قال وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ
وَقِيلَ نِصَابُهُ أَلْفُ رَطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي نَقَلَ أبو دَاوُد من كل عَشْرٍ قِرَبٍ قِرْبَةٌ
____________________
(3/117)
فَائِدَةٌ الْفَرَقُ تُفْتَحُ الرَّاءُ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرَهُ بن قُتَيْبَةَ وَثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَدُلُّ عليه حَدِيثُ كَعْبٍ وهو مُرَادُ الْفُقَهَاءِ
وَأَمَّا الْفَرْقُ بِالسُّكُونِ فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ من مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْخَلِيلُ قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا قال الْمَجْدُ وَلَا قَائِلَ بِهِ هُنَا قال في الْفُرُوعِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَتَقَدَّمَ ذلك
فَائِدَةٌ لَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ من السَّمَاءِ على الشَّجَرِ كَالْمَنِّ والترنجبين والشيرخشك وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ اللَّادِنُ وهو طَلٌّ وَنَدَا يَنْزِلُ على نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بها فَيُؤْخَذُ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِعَدَمِ النَّصِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ في مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا يَخْرُجُ من الْبَحْرِ
وَقِيلَ تَجِبُ فيه كَالْعَسَلِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قال بَعْضُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَاقْتَصَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ على كَلَامِ بن عَقِيلٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فيه وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ وَقِيلَ عَدَمُهُ انْتَهَى وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ وَأَطْلَقَهُمَا في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَعَلَى الْوُجُوبِ نِصَابُهُ كَنِصَابِ الْعَسَلِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ قال بن عَقِيلٍ هو كَالْعَسَلِ
قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَخْرَجَ من مَعْدِنٍ نِصَابًا من الْأَثْمَانِ
فَفِيهِ الزَّكَاةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْمَعْدِنِ اسْتِخْرَاجُ نِصَابٍ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ فَيَجِبُ في قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَخَصَّ هذه الرِّوَايَةَ في الْفُرُوعِ بِالْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا فقال قال الْأَصْحَابُ من أَخْرَجَ نِصَابَ نَقْدٍ وَعَنْهُ أو دُونَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا عُمُومُ الرِّوَايَةِ في الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا فقال بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ في قَلِيلِ الْمَعْدِنِ وَكَثِيرِهِ
____________________
(3/118)
ذَكَرَهَا بن شِهَابٍ في عُيُونِهِ وقال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَعْدِنِ نِصَابٌ ذَكَرَهَا بن شِهَابٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَخْرَجَ من مَعْدِنٍ نِصَابًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ مُرَادُهُ إذَا كان من أَهْلِ الزَّكَاةِ فَأَمَّا إنْ كان ذِمِّيًّا أو مُكَاتَبًا فَلَا شَيْءَ عليه وَلَا يُمْنَعُ منه الذِّمِّيُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُمْنَعُ من مَعْدِنٍ بِدَارِنَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَعَلَيْهِ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قبل بَيْعِهِ مَجَّانًا على الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وقال في التَّلْخِيصِ ذلك كَإِحْيَائِهِ الْمَوَاتَ وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ زَكَّاهُ سَيِّدُهُ وَإِنْ كان لِنَفْسِهِ انْبَنَى على مِلْكِ الْعَبْدِ على ما تَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ
فَائِدَةٌ إذَا كان الْمَعْدِنُ بِدَارِ الْحَرْبِ ولم يَقْدِرْ على إخْرَاجِهِ إلَّا بِقَوْمٍ لهم مَنَعَةٌ فَقِيمَتُهُ تُخَمَّسُ بَعْدَ رُبُعِ الْعُشْرِ
قَوْلُهُ أو ما قِيمَتُهُ نِصَابٌ
فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ في قَلِيلِ ذلك وَكَثِيرِهِ وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ التي نَقَلَهَا بن شِهَابٍ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ من الْجَوْهَرِ وَالصُّفْرِ وَالزِّئْبَقِ وَالْقَارِ وَالنَّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَسَائِرِ ما يُسَمَّى مَعْدِنًا
قَوْلُهُ الْمَعْدِنُ الْمُنْطَبِعُ وَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ فَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ كَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ وَالْبَنْغَشِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفَيْرُوزَجِ والبللور ( ( ( والبلور ) ) ) وَالْمُومْيَا وَالنُّورَةِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالسَّبْجِ وَالْكِبْرِيتِ وَالزِّفْتِ وَالزُّجَاجِ وَالْيَشْمِ وَالزَّاجِ وَنَحْوِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/119)
وَنَقَلَ مُهَنَّا لم أَسْمَعْ في مَعْدِنِ الْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ شيئا قال بن تَمِيمٍ وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ في غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ
قُلْت ذَكَرَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ الزُّجَاجُ من الْمَعْدِنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَصْنُوعٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ ذلك من غَيْرِ صُنْعٍ
فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ من الْمَعَادِنِ الْمِلْحَ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الرُّخَامَ وَالْبِرَامَ وَنَحْوَهُمَا مَعْدِنٌ وهو مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ وَمَالَ إلَيْهِ في الفرع ( ( ( الفروع ) ) )
فَائِدَةٌ أُخْرَى قال بن الْجَوْزِيِّ في التَّبْصِرَةِ في مَجْلِسِ ذِكْرِ الْأَرْضِ وقد أُحْصِيَتْ الْمَعَادِنُ فَوَجَدُوهَا سَبْعَمِائَةِ مَعْدِنٍ
قَوْلُهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ في الْحَالِ رُبُعُ الْعُشْرِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ قال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ في الْمَعْدِنِ الْخُمُسُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ
قَوْلُهُ من قِيمَتِهِ
يَعْنِي إذَا كان من غَيْرِ الْأَثْمَانِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو الْفَرَجِ بن أبي الْفَهْمِ شَيْخُ بن تَمِيمٍ يُخْرِجُ من عَيْنِهِ كَالْأَثْمَانِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو من عَيْنِهَا إنْ كانت أَثْمَانًا
ليس هذا من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا زَادَهُ بَعْضُ من أَجَازَ له الْمُصَنِّفُ الْإِصْلَاحَ قَالَهُ بن منجا وقال إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ على قَوْلِهِ من قِيمَتِهِ إمَّا لِأَنَّ الْوَاجِبَ في الْأَثْمَانِ من جِنْسِهِ ظَاهِرٌ وَإِمَّا على سَبِيلِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَثْمَانَ وَأَجْنَاسُهَا كَثِيرَةٌ فَغُلِّبَ الْأَكْثَرُ انْتَهَى
قُلْت الْأَوَّلُ أَوْلَى وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَكُونُ في غَيْرِ الْأَثْمَانِ
____________________
(3/120)
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ في دفعه أو دُفُعَاتٍ ما لم يَتْرُكْ الْعَمَلَ بَيْنَهَا تَرْكَ إهْمَالٍ
مِثَالُهُ لو تَرَكَهُ لِمَرَضٍ أو سَفَرٍ أو لِإِصْلَاحِ آلَةٍ أو اسْتِرَاحَةٍ لَيْلًا أو نَهَارًا أو اشْتِغَالِهِ بِتُرَابٍ خَرَجَ بين النِّيلَيْنِ أو هَرَبِ عَبِيدِهِ أو أَجِيرِهِ أو نَحْوِ ذلك مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ قال في الرِّعَايَةِ أو سَفَرٌ يَسِيرٌ انْتَهَى
فَلَا أَثَرَ لِتَرْكِ ذلك وهو في حُكْمِ اسْتِمْرَارِهِ في الْعَمَلِ قال الْأَصْحَابُ إنْ أَهْمَلَهُ وَتَرَكَهُ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمٌ قال بن منجا وَجْهُ الْإِهْمَالِ إنْ لم يَكُنْ عُذْرٌ وَإِلَّا فَمَعْدِنٌ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إذَا كانت أَثْمَانًا إلَّا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ
وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ منها بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ وَوَقْتُ وُجُوبِهَا إذَا أُحْرِزَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا بِظُهُورِهِ كَالثَّمَرَةِ بِصَلَاحِهَا قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَوَّلِينَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَةِ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن عَقِيلٍ يُحْسَبُ النِّصَابُ بَعْدَهَا
الثَّانِيَةُ إنْ كان عليه دَيْنٌ اُحْتُسِبَ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ اُحْتُسِبَ به في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ قال الشَّارِحُ اُحْتُسِبَ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما يُحْتَسَبُ بِمَا على الزَّرْعِ على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ
وَأَطْلَقَ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالزِّرَاعَةِ
____________________
(3/121)
الثَّالِثَةُ لَا يُضَمُّ جِنْسٌ من الْمَعْدِنِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُضَمُّ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ وهو أَحْسَنُ
وَقِيلَ يُضَمُّ إذَا كانت مُتَقَارِبَةً كَقَارٍ وَنِفْطٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كان في الْمَعْدِنِ أَجْنَاسٌ من غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ في قِيمَتِهَا فَاشْتَبَهَتْ الْفُرُوضُ
الرَّابِعَةُ في ضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ الرِّوَايَتَانِ الِاثْنَتَانِ نَقْلًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
الْخَامِسَةُ لو أَخْرَجَ نِصَابًا من نَوْعٍ وَاحِدٍ من مَعَادِنَ مُتَفَرِّقَةٍ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ كَالزَّرْعِ من مَكَانَيْنِ وَإِنْ أَخْرَجَ اثْنَانِ نِصَابًا فَقَطْ فَإِخْرَاجُهُمَا لِلزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ على خُلْطَةِ غَيْرِ السَّائِمَةِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ من الْبَحْرِ من اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ وَالْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا زَكَاةَ فيه في الْأَظْهَرِ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ
وَعَنْهُ فيه الزَّكَاةُ قال في الْفُرُوعِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هو الْمَنْصُورُ في الْخِلَافِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ زكاة على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ
____________________
(3/122)
وَخِصَالِ بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالْبُلْغَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي في غَيْرِ الْحَيَوَانِ
وَقِيلَ يَجِبُ في غَيْرِ الْحَيَوَانِ جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَصَيْدِ الْبَرِّ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَنَصُّ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بين ما يَخْرُجُ من الْبَحْرِ
فَائِدَةٌ مَثَّلَ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ بِالْمِسْكِ وَالسَّمَكِ
فَعَلَى هذا يَكُونُ الْمِسْكُ بَحْرِيًّا وَذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ يَرَى فيه الزَّكَاةَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال ثُمَّ قال وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ
يُؤَيِّدُهُ من كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ في الْخِلَافِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال وَكَذَلِكَ السَّمَكُ وَالْمِسْكُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فقال كان الْحَسَنُ يقول في المسك ( ( ( السمك ) ) ) إذَا أَصَابَهُ صَاحِبُهُ الزَّكَاةُ شَبَّهَهُ بِالسَّمَكِ إذَا اصْطَادَهُ وَصَارَ في يَدِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وما أَشْبَهَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ على هذا لَا زَكَاةَ فيه وَلَعَلَّهُ أَوْلَى انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
وَفَصَلَ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالنَّاظِمُ بين ما يُخْرِجُهُ الْبَحْرُ وَبَيْنَ الْمِسْكِ كما قَالَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ أَخْرَجَ من الْبَحْرِ كَذَا وَكَذَا أو أَخَذَ مِمَّا قَذَفَهُ الْبَحْرُ من عَنْبَرٍ وَعُودٍ وَسَمَكٍ وَقِيلَ وَمِسْكٍ وَغَيْرِ ذلك انْتَهَى
وَقَطَعَ في بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ في الْمِسْكِ كما تَقَدَّمَ
قُلْت قد تَقَدَّمَ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمِسْكَ سُرَّةُ الْغَزَالِ على الصَّحِيحِ
وقال بن عَقِيلٍ دَمُ الْغِزْلَانِ وَقِيلَ من دَابَّةٍ في الْبَحْرِ لها أَنْيَابٌ
فَيَكُونُ من مَثَّلَ بِالْمِسْكِ من الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ على هذا الْقَوْلِ أو هُمْ قَائِلُونَ بِهِ
قَوْلُهُ وفي الرِّكَازِ الْخُمُسُ أَيَّ نَوْعٍ كان من الْمَالِ قَلَّ أو كَثُرَ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/123)
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا لَا يَجِبُ في قَلِيلِهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُخْرَجَ زَكَاةٌ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ منه وَمِنْ غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُخْرِجَ منه
فَعَلَى هذا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قبل إخْرَاجِ خُمُسِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ
هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن منجا في شَرْحِهِ وقال هو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ زَكَاةٌ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَالْإِفْصَاحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال في الْإِفَادَاتِ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ أو الْفَيْءِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ أَنْ يُخَمَّسَ كُلُّ أَحَدٍ وَجَدَ ذلك من مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ وَيَجُوزُ لِمَنْ وَجَدَهُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ كما إذَا قُلْنَا إنَّهُ زَكَاةٌ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وهو تَخْرِيجٌ في الْمُغْنِي قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ في إخْرَاجِهِ النِّيَّةُ
وَاخْتَارَ بن حَامِدٍ يُؤْخَذُ الرِّكَازُ كُلُّهُ من الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا خُمُسَ عليه
____________________
(3/124)
وَعَلَى الْقَوْلِ بأنه ( ( ( إنه ) ) ) زَكَاةٌ لَا تَجِبُ على من ليس من أَهْلِهَا لَكِنْ إنْ وَجَدَهُ عَبْدُهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ كَكَسْبِهِ وَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَيُخْرِجُهُ عنهما وَلِيُّهُمَا
وَصَحَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَوُجُوبُهُ على كل وَاحِدٍ وهو تَخْرِيجٌ في التَّلْخِيصِ نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ ولم أَرَهُ في النُّسْخَةِ التي عِنْدِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَاهُ وَجَعَلَا الْأَوَّلَ تَخْرِيجًا لَهُمَا وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ على من أُخِذَتْ منه إنْ كان من أَهْلِهَا على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ كَإِرْثِهَا أو قَبْضِهَا من دَيْنٍ بِخِلَافِ ما لو تَرَكَهَا له لِأَنَّهُ لم يَبْرَأْ منها نَصَّ عليه وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَذَكَرَهُ في الْمُذْهَبِ
قال بن تَمِيمٍ يَجُوزُ في رِوَايَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ ذلك ذَكَرَهُ في الرِّكَاز وَالْعُشْرِ
وَحَكَى أبو بَكْرٍ ذلك عن أَحْمَدَ في زَكَاةِ الْفِطْرِ وكذا الْحُكْمُ في صَرْفِ الْخُمُسِ إلَى وَاجِدِهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ زَكَاةٌ فَيَقْبِضُهُ منه ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا خُمُسُ الرِّكَازِ فَيْءٌ فإنه يَجُوزُ تَرْكُهُ له قبل قَبْضِهِ منه كَالْخَرَاجِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ في الْأَقْيَسِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ
____________________
(3/125)
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذلك اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الْفَيْءِ في الْغَنِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وبن عَقِيلٍ قال في الْفُرُوعِ له ذلك في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ ليس له ذلك وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْغَنِيمَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ في الْفَيْءِ وَذَكَرَ الْخَرَاجَ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فيه
الثَّالِثَةُ الْمُرَادُ بِمَصْرِفِ الْفَيْءِ هُنَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِمَصْرِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ
مُرَادُهُ إنْ لم يَكُنْ أَجِيرًا في طَلَبِ الرِّكَازِ أو اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُوجَدُ فيه الرِّكَازُ ذَكَرَهُ الزركشي ( ( ( للزركشي ) ) ) وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ ليس له إلَّا الْأُجْرَةُ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ إنْ وَجَدَهُ في مَوَاتٍ أو أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا
وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ في مِلْكِهِ الذي مَلَكَهُ بِالْإِحْيَاءِ أو في شَارِعٍ أو طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ أو قَرْيَةٍ خَرَابٍ أو مَسْجِدٍ وَكَذَا لو وَجَدَهُ على وَجْهِ الْأَرْضِ بِلَا نِزَاعٍ في ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهَا أو كانت مُنْتَقِلَةً إلَيْهِ بِهِبَةٍ أو بَيْعٍ أو غَيْرِ ذلك فَهُوَ لِوَاجِدِهِ أَيْضًا
هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ أو لَا قال في الْفُرُوعِ هذا أَشْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَجَزَمَ
____________________
(3/126)
بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَعَنْهُ أَنَّهُ لِمَالِكِهَا أو لِمَنْ انْتَقَلَتْ عنه إنْ اعْتَرَفَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ يَعْنِي على هذه الرِّوَايَةِ إذَا لم يَعْتَرِفْ بِهِ من انْتَقَلَتْ عنه فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ وَإِنْ لم يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ فَيَكُونُ له سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِهِ أو لَا ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ فإن لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ فَلِبَيْتٍ الْمَالِ وَأَطْلَقَهَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَكُونُ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ فَإِنْ لم يَعْتَرِفْ بِهِ أو لم يَعْرِفْ الْأَوَّلَ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ فَهُوَ له مع يَمِينِهِ جَزَمَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ لِوَاجِدِهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ وَحَلَفَ فَهُوَ له
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنْ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ له جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ له
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ إنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ إرْثًا فَهُوَ مِيرَاثٌ فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِمَوْرُوثِهِمْ فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ على ما سَبَقَ وَإِنْ أَنْكَرَ وَاحِدٌ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ
فَوَائِدُ
منها مَتَى دَفَعَ إلَى مُدَّعِيهِ بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ غَرِمَ وَاجِدُهُ بَدَلَهُ إنْ كان إخْرَاجُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ كان الْإِمَامُ أَخَذَهُ منه قَهْرًا غَرِمَهُ الْإِمَامُ لَكِنْ هل هو من مَالِهِ أو من بَيْتِ الْمَالِ فيه الْخِلَافُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ أَنَّهُ من مَالِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي أَنَّهُ إذَا خَمَّسَ رِكَازًا فَادَّعَى بِبَيِّنَةٍ هل لِوَاجِدِهِ الرُّجُوعُ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ
____________________
(3/127)
وَمِنْهَا مِثْلُ ذلك الْحُكْمِ لو وَجَدَ الرِّكَازَ في مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ فَفِي دَفْعِهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَعَنْهُ هو لِصَاحِبِ الْمِلْكِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَعَنْهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ وَإِلَّا فَعَلَى ما سَبَقَ
وَمِنْهَا لو وَجَدَ لُقَطَةً في مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَوَاجِدُهَا أَحَقُّ بها على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وهو الذي نَصَرَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ في الْمُجَرَّدِ في اللُّقَطَةِ ولم يذكر فيه خِلَافًا انْتَهَى
وَعَنْهُ هِيَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ بِدَعْوَاهُ بِلَا صِفَةٍ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمُلْكِ حَكَاهَا الْقَاضِي وَالْمَجْدُ في مُحَرَّرِهِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَجَدَ في الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ رِكَازًا أو لُقْطَةً على الصَّحِيحِ وَعَنْهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ أَحَقُّ بِاللُّقَطَةِ
فَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ من مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا أو أَنَّهُ دَفَنَهُ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَكَذَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكْرِي
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ
وَعَلَيْهِمَا من وَصْفِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْفَضْلِ وَكَذَا لو عَادَتْ الدَّارُ إلَى الْمُكْرِي وقال دَفَنَتْهُ قبل الْإِجَارَةِ وقال الْمُكْتَرِي أنا وَجَدْته عِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَتَبِعَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ
وَمِنْهَا لو وَجَدَهُ من اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ أو هَدْمِهِ فَعَلَى ما سَبَقَ من الْخِلَافِ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(3/128)
وَقِيلَ هو لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال بن رَزِينٍ هو لِلْأَجِيرِ نَصَّ عليه
وَالثَّانِيَةُ لِلْمَالِكِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أَنَّهُ لُقَطَةٌ ثُمَّ قَالَا وَعَنْهُ رِكَازٌ يَأْخُذُهُ وَاجِدُهُ وَعَنْهُ رَبُّ الْأَرْضِ
وَمِنْهَا لو دخل دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ فقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ له كَالطَّائِرِ وَالظَّبْيِ انْتَهَى
وَمِنْهَا الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَمُكْرٍ وَمُكْتَرٍ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَتَبِعَهُ في الْحَاوِيَيْنِ أَنَّهُمَا كَبَائِعٍ مع مُشْتَرٍ يُقَدَّمُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ إنْ كان لُقَطَةً نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِلَا صِفَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُجَرَّدِ وَنَصَرَهُ في الْخِلَافِ
وَعَنْهُ بَلَى لِسَبْقِ يَدِهِ قال وَبِهَذَا قال جَمَاعَةٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ في أَرْضِ حَرْبِيٍّ مَلَكَهُ
يَعْنِي أَنَّهُ رِكَازٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَنَصَّ عليه
وَقِيلَ هو غَنِيمَةٌ خَرَّجَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ من قَوْلِنَا الرِّكَازُ في دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْمَالِكِ وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مِمَّا إذَا وَجَدَهُ في بَيْتٍ أو خَرَابَةٍ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عليه إلَّا بِجَمَاعَةٍ من الْمُسْلِمِينَ
يَعْنِي لهم منعه فَيَكُونُ غَنِيمَةً وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ
فَائِدَةٌ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ في الْمَدْفُونِ في دَارِ الْحَرْبِ هو كَسَائِرِ مَالِهِمْ الْمَأْخُوذِ منهم وَإِنْ كانت عليه عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ
____________________
(3/129)
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي إنْ وُجِدَ بِدَارِهِمْ لُقَطَةٌ من مَتَاعِنَا فَكَدَارِنَا وَمِنْ مَتَاعِهِمْ غَنِيمَةٌ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ تُعَرَّفُ حَوْلًا بِدَارِنَا ثُمَّ تُجْعَلُ في الْغَنِيمَةِ نَصَّ عليه احْتِيَاطًا
وقال بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ في اللُّقَطَةِ في دَفِينٍ مَوَاتٍ عليه عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ لُقَطَةٌ وَإِلَّا رِكَازٌ قال في الْفُرُوعِ ولم يُفَرَّقْ بين دَارٍ وَدَارٍ
وَنَقَلَ إِسْحَاقُ إذَا لم تَكُنْ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَالْخُمُسُ وَكَذَا جَزَمَ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ ما لَا عَلَامَةَ عليه رِكَازٌ
وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالْمَدْفُونِ حُكْمًا الْمَوْجُودَ ظَاهِرًا كَجِرَابٍ جَاهِلِيٍّ أو طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ
قَوْلُهُ وَالرِّكَازُ ما وُجِدَ من دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ عليه عَلَامَتُهُمْ
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو كان عليه عَلَامَةُ من تَقَدَّمَ من الْكُفَّارِ في الْجُمْلَةِ في دَارِ الْإِسْلَامِ أو عليه أو على بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ نَصَّ عليه
قَوْلُهُ فَإِنْ كانت عليه عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أو لم تَكُنْ عليه عَلَامَةٌ أَيْضًا فَهُوَ لُقَطَةٌ
إذَا كان عليه عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَكَذَا إنْ كان على بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يَكُنْ عليه عَلَامَةٌ فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ في إنَاءٍ نَقْدٍ إنْ كان يُشْبِهُ مَتَاعَ الْعَجَمِ فَهُوَ كَنْزٌ وما كان مِثْلَ الْعِرْقِ فَمَعْدِنٌ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ
____________________
(3/130)
بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ
قَوْلُهُ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَا زَكَاةَ في الذَّهَبِ حتى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ فيه نِصْفُ مِثْقَالٍ وَلَا في الْفِضَّةِ حتى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَجِبُ فيها خَمْسُ دَرَاهِمَ
مُرَادُهُ وَزْنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فإنه قال نِصَابُ الْأَثْمَانِ هو الْمُتَعَارَفُ في كل زَمَنٍ من خَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَكَذَا قال في نِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَهُ قَاعِدَةٌ في ذلك
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْمِثْقَالُ وَزْنُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ولم يَتَغَيَّرْ في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الذي وَزْنُهُ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ في صَدْرِ الْإِسْلَامِ صِنْفَيْنِ سَوْدَاءَ زِنَةُ الدِّرْهَمِ منها ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ وطبرية زِنَةُ الدِّرْهَمِ منها أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ فَجَمَعَهُمَا بَنُو أُمَيَّةَ وَجَعَلُوا الدِّرْهَمَ سِتَّةَ دَوَانِقَ
وَالْحِكْمَةُ في ذلك أَنَّ الدَّرَاهِمَ لم يَكُنْ منها شَيْءٌ من ضَرْبِ الْإِسْلَامِ فَرَأَى بَنُو أُمَيَّةَ صَرْفَهَا إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوا على وَزْنِهِمَا
وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ زِنَةُ كل مِثْقَالٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً وَزِنَةُ كل دِرْهَمٍ إسْلَامِيٍّ خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ وَخُمُسَا حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةٍ انْتَهَى
وَقِيلَ الْمِثْقَالُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفُلُوسَ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيمَا زَكَاتُهُ الْقِيمَةُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(3/131)
وَقِيلَ لَا زَكَاةَ فيها اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْحَلْوَانِيُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ فقال وَالْفُلُوسُ أَثْمَانٌ وَلَا تُزَكَّى وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
وَقِيلَ تَجِبُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا وَقِيلَ إذَا كانت رَائِجَةً وَأَطْلَقَ في الْفُرُوعِ إذَا كانت نَافِقَةً وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ في بَابِ الرِّبَا
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فيها الزَّكَاةُ إذَا كانت أَثْمَانًا رَائِجَةً أو لِلتِّجَارَةِ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ وقال أَيْضًا لَا زَكَاةَ فيها إنْ كانت لِلنَّفَقَةِ وَإِنْ كانت لِلتِّجَارَةِ قُوِّمَتْ كَعُرُوضٍ
وقال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفُلُوسُ عُرُوضٌ فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا وَهِيَ نَافِقَةٌ وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُلُوسُ ثَمَنٌ في وَجْهٍ فَلَا تُزَكَّى
وَقِيلَ سِلْعَةٌ فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا وَهِيَ رَائِجَةٌ وَكَذَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ ثُمَّ قال في الْكُبْرَى وَقِيلَ في وُجُوبِ رَائِجَةٍ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُهُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ
قُلْت وَيَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ إذَنْ
وَإِنْ قُلْنَا عَرَضٌ فَلَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ
قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ في مَغْشُوشِهَا حتى يَبْلُغَ قَدْرَ ما فيه نِصَابًا
يَعْنِي حتى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَحَكَى بن حَامِدٍ في شَرْحِهِ وَجْهًا إنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زكاة قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لو كان الْغِشُّ أَكْثَرَ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا من ذلك وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ يُقَوَّمُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ
قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ فيه خُيِّرَ بين سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ
يَعْنِي لو شَكَّ هل فيه نِصَابٌ خَالِصٌ فَإِنْ لم يَسْبِكْهُ اسْتَظْهَرَ وَأَخْرَجَ ما يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا زَكَاةَ فيه مع الشَّكِّ هل هو نِصَابٌ أَمْ لَا
____________________
(3/132)
فَوَائِدُ
إحداها لو كان من الْمَغْشُوشِ أَكْثَرُ منه نِصَابٌ خَالِصٌ لَكِنْ شَكَّ في قَدْرِ الزِّيَادَةِ فإنه يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ ما يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ فَلَوْ كان الْمَغْشُوشُ وَزْنَ أَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً سِتُّمِائَةٍ من أَحَدِهِمَا وَأَرْبَعُمِائَةٍ من الْأُخْرَى زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً وَإِنْ لم يُجْزِ ذهبا ( ( ( ذهب ) ) ) عن فِضَّةٍ زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً
الثَّانِيَةُ إذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ قَدْرِ غِشِّهِ فَضَعْ في مَاءٍ ذَهَبًا خَالِصًا بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ قَدْرَ عُلُوِّ الْمَاءِ ثُمَّ ارْفَعْهُ ثُمَّ ضَعْ فِضَّةً خَالِصَةً بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ ثُمَّ ضَعْ الْمَغْشُوشَ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ ثُمَّ امْسَحْ ما بين الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا وما بين الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى فَإِنْ كان الْمَمْسُوحَانِ سَوَاءً فَنِصْفُ الْمَغْشُوشِ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ زَادَ أو نَقَصَ فَبِحِسَابِهِ
الثَّالِثَةُ قال أَصْحَابُنَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ كحلى الْكِرَاءِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ
الرَّابِعَةُ لو أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَغْشُوشَةَ منها فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ في كل دِينَارٍ جَازَ وَإِلَّا لم يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ فَيُخْرِجَ قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا غَشَّ فيه كان أَفْضَلَ وَإِنْ أَسْقَطَ الْغِشَّ وَزَكَّى على قَدْرِ الذَّهَبِ جَازَ وَلَا زَكَاةَ في غِشِّهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ فِضَّةً وَلَهُ من الْفِضَّةِ ما يَتِمُّ بِهِ نِصَابًا أو نَقُولُ بِرِوَايَةِ ضَمِّهِ إلَى الذَّهَبِ زَادَ الْمَجْدُ أو يَكُونُ غِشُّهَا لِلتِّجَارَةِ
قَوْلُهُ وَيُخْرِجُ من الْجَيِّدِ الصَّحِيحَ من جِنْسِهِ
هذا مِمَّا لَا نِزَاعَ فيه فَإِنْ أَخْرَجَ مُكَسَّرًا أو بَهْرَجَاءَ وهو الردىء ( ( ( الرديء ) ) ) زَادَ قَدْرَ ما بَيْنَهُمَا من الْفَضْلِ نَصَّ عليه وَكَذَا لو أَخْرَجَ مَغْشُوشًا من جِنْسِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ الْمَغْشُوشُ وَلَوْ كان من غَيْرِ جِنْسِهِ
____________________
(3/133)
وَقِيلَ يَجِبُ الْمِثْلُ اخْتَارَهُ في الِانْتِصَارِ وَاخْتَارَهُ في الْمُجَرَّدِ في غَيْرِ مُكَسَّرٍ عن صَحِيحٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ وَإِنْ أَخْرَجَ عن صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً وزاد بِقَدْرِ ما بَيْنَهُمَا جَازَ على الْأَصَحِّ نَصَّ عليه وَإِنْ أَخْرَجَ عن جِيَادٍ بَهْرَجًا بِقِيمَةِ جِيَادٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُجْزِئُ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَخْرَجَ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ بِمَا عَيَّنَهُ لَا من جِنْسِهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يُخْرِجُ عن جَدِيدٍ صَحِيحٍ وردىء ( ( ( ورديء ) ) ) من جِنْسِهِ وَيُخْرِجُ من كل نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ إنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ أَخْرَجَ من الْوَسَطِ كَالْمَاشِيَةِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَلَوْ أَخْرَجَ عن الْأَعْلَى من الْأَدْنَى أو من الْوَسَطِ وزاد قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ نَصَّ عليه وَإِلَّا لم يَجُزْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال في الْفُرُوعِ وظاهر ( ( ( وظاهره ) ) ) كَلَامُ جَمَاعَةٍ وَتَعْلِيلُهُمْ أنها كَمَغْشُوشٍ عن جَيِّدٍ على ما تَقَدَّمَ
وَإِنْ أَخْرَجَ من الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَزْنِ لم يُجْزِهِ وَيُجْزِئُ قَلِيلُ الْقِيمَةِ عن كَثِيرِهَا مع الْوَزْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَزِيَادَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ أو يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عن الْآخَرِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ
أَمَّا ضَمُّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الضَّمُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي وَوَلَدُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ في
____________________
(3/134)
خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن الْبَنَّاءِ انْتَهَى
قُلْت وَنَصَرَهُ في الْفُصُولِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هذا أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْهَادِي وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُضَمُّ قال الْمَجْدُ يُرْوَى عن أَحْمَدَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ مع اخْتِيَارِهِ في الْحُبُوبِ الضَّمَّ قال في الْفَائِقِ وَلَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى قال بن منجا في شَرْحِهِ هذه أَصَحُّ وهو ظَاهِرُ ما نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَهَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ على الْمُصْطَلَحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَأَمَّا إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ قال في الْفَائِقِ وَيَجُوزُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال الْمُصَنِّفُ وَهِيَ أَصَحُّ وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ في رؤوس الْمَسَائِلِ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ كما اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمِّ وَوَافَقَهُ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هُنَا وَخَالَفَاهُ في الضَّمِّ فَاخْتَارَا جَوَازَهُ
وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ ولم يُصَحِّحَا شيئا في الضَّمِّ وَصَحَّحَ في الْفَائِقِ عَدَمَ الضَّمِّ وَصَحَّحَ جَوَازَ إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ كما تَقَدَّمَ عنه
قال بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في ذلك فَمِنْهُمْ من بَنَاهُ على الضَّمِّ وَمِنْهُمْ من أَطْلَقَ انْتَهَى
____________________
(3/135)
قُلْت بَنَاهُمَا على الضَّمِّ في الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ
قال في الْحَاوِيَيْنِ وَهَلْ يُجْزِئُ مُطْلَقًا إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عن الْآخَرِ أو إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ على وَجْهَيْنِ وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْفُصُولِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وروى عن بن حَامِدٍ أَنَّهُ يُخْرِجُ ما فيه الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَجُوزُ إخْرَاجُ الْفُلُوسِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وقال قُلْت إنْ جُعِلَتْ ثَمَنًا جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ أنها أَثْمَانٌ
وقال في الْحَاوِيَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ في إجْزَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مُطْلَقًا أو إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ إجْزَاءُ الْفُلُوسِ
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ بِالْحِسَابِ مع الضَّمِّ وَقِيلَ وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا وفي إجْزَاءِ الْفُلُوسِ عنها إذَنْ مع الْإِخْرَاجِ الْمَذْكُورِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَيَكُونُ الضَّمُّ بالاجزاء
يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الضَّمَّ يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ كما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحُ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ فِيمَا فيه الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ يَعْنِي يُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِمَا هو أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ من الأجزاء أو الْقِيمَةِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْ الْقَاضِي أَظُنُّهُ في الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قال قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ
____________________
(3/136)
فَعَلَى هذا لو بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا ضَمَّ إلَيْهِ ما نَقَصَ عنه في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَعَنْهُ يَكُونُ الضَّمُّ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ إلَى وَزْنِ الْآخَرِ فَيُقَوَّمُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى
وَعَنْهُ يُضَمُّ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا إلَى الْأَكْثَرِ ذَكَرَهَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فَيُقَوَّمُ بِقِيمَةِ الْأَكْثَرِ نَقَلَهَا أبو عبد اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا في فَوَائِدِ الْخِلَافِ لو كان معه مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ضُمَّا وَإِنْ كانت قِيمَتُهَا دُونَ مِائَةِ دِرْهَمٍ ضُمَّا على غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ كانت الدَّنَانِيرُ ثَمَانِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ضُمَّا على غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ وَإِنْ لم تَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ
الثَّانِيَةُ يُضَمُّ جَيِّدُ كل جِنْسٍ إلَى رَدِيئِهِ وَيُضَمُّ مَضْرُوبُهُ إلَى تِبْرِهِ
قَوْلُهُ وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ في كُتُبِهِ وقال لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
فَائِدَةٌ لو كان معه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ ضَمَّ الْجَمِيعَ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَصْلًا لِرِوَايَةِ ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ
قال في الْفُرُوعِ اعْتَرَفَ الْمَجْدُ أَنَّ الضَّمَّ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ قال فَيَلْزَمُ حينئذ ( ( ( حيث ) ) ) التَّخْرِيجُ من تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ قال وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَظُنُّهُ أَبَا الْمَعَالِي بن منجا بِأَنَّ ما قُوِّمَ بِهِ الْعُرُوض كَنَاضٍّ عِنْدَهُ فَفِي ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ ما قُوِّمَ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
وقال بن تَمِيمٍ وَتُضَمُّ الْعُرُوض إلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
____________________
(3/137)
نِصَابًا أَوَّلًا وَإِنْ كان معه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ ضَمَّ الْجَمِيعَ وَإِنْ لم يَكُنْ النَّقْدُ لِلتِّجَارَةِ ضَمَّ الْعُرُوضَ إلَى إحديهما وَفِيهِ وَجْهٌ يُضَمُّ إلَيْهِمَا وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ وزاد بَعْدَ الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ قُلْنَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ نَظَرًا وَعَنْهُ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ إذَا لم يُعَرْ ولم يُلْبَسْ
وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ نَقَلَ بن هَانِئٍ زَكَاتُهُ عَارِيَّتُهُ وقال هو قَوْلُ خَمْسَةٍ من الصَّحَابَةِ وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عن خَمْسَةٍ من التَّابِعِينَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَسِيلَةِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ جَوَابًا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أُعِدَّ لِلُبْسِ الْمُبَاحِ أو الْإِعَارَةِ وهو صَحِيحٌ وَكَذَا لو اتَّخَذَهُ من يَحْرُمُ عليه كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حلى النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ أو امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حلى الرِّجَالِ لِإِعَارَتِهِمْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا زَكَاةَ فيه إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ من الزَّكَاةِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ وهو أَظْهَرُ وَوَجَّهَ احْتِمَالًا لَا يُعْدَمُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَصَدَ الْفِرَارَ منها وَحَكَى بن تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ قال إنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ حلى امْرَأَةٍ فَفِي زَكَاتِهِ رِوَايَتَانِ وَحَكَاهُمَا في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان مُعْتَادًا أو غير مُعْتَادٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ذلك بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا
____________________
(3/138)
فَائِدَةٌ لو كان الحلى لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ لم يُعِرْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ نَصَّ أَحْمَدُ على ذلك ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَيَأْتِي في الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ
قال فَهَذَانِ قَوْلَانِ أو أَنَّ هذا لِمَصْلَحَةِ مَالِهِ وَيُقَالُ قد يَكُونُ هُنَاكَ كَذَلِكَ فَإِنْ كان لِمَصْلَحَةِ الثَّوَابِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ كَالْقَرْضِ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وكذلك الْمَكْرُوهُ انْتَهَى
وَالْآنِيَةُ وما أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ أو النَّفَقَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ
تَجِبُ الزَّكَاةُ في الحلى الْمُحَرَّمِ وَالْآنِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَكَذَا ما أُعِدَّ لِلنَّفَقَةِ أو ما أُعِدَّ لِلْفُقَرَاءِ أو الْقَنِيَّةِ أو الِادِّخَارِ وحلى الصَّيَارِفِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فيه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ
وَقِيلَ ما اتَّخَذَهُ من ذلك لِسَرَفٍ أو مُبَاهَاةٍ كُرِهَ وزكى وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي إلَّا فِيمَنْ اتَّخَذَ خَوَاتِيمَ وَمُرَادُهُ مع نِيَّةِ لُبْسٍ أو إعَارَةٍ قال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا زَكَاةَ وَإِنْ كان مُرَادُهُ اتِّخَاذَهُ لِسَرَفٍ أو مُبَاهَاةٍ فَقَطْ فَالْمَذْهَبُ قَوْلًا وَاحِدًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ انْتَهَى
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وَعُمُدِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ وقال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ لَا زَكَاةَ في حلى مُبَاحٍ لم يُعَدَّ لِلتَّكَسُّبِ بِهِ
فَائِدَةٌ لو انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَأَمْكَنَ لُبْسُهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِنْ لم يُمْكِنْ لُبْسُهُ فَإِنْ لم يَحْتَجْ في إصْلَاحِهِ إلَى سَبْكٍ وتجديد ( ( ( وتجدد ) ) ) صَنْعَةٍ فقال الْقَاضِي إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فيه كَالصَّحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ولم يذكر نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا
____________________
(3/139)
وَذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَجْهًا فقال ما لم يَنْوِ كَسْرَهُ فَيُزَكِّيهِ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ يُزَكِّيهِ وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ وَصَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ولم يذكر نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا
وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ صَنْعَةٍ فإنه يُزَكِّيهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال بن تَمِيمٍ فيه وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا فيه الزَّكَاةُ وقال في الْمُبْهِجِ إنْ كان الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ من اللُّبْسِ لم تَجِبْ فيه الزَّكَاةُ وَحَكَى بن تَمِيمٍ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ إنْ كان الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ من اللُّبْسِ لم تَجِبْ فيه الزَّكَاةُ
فقال في الْفُرُوعِ كَذَا حَكَاهُ بن تَمِيمٍ وَإِنَّمَا هو قَوْلُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ ولا زَائِدَةٌ غَلَطٌ انْتَهَى
قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّ بن تَمِيمٍ زَادَ لَا فَلَيْسَ كما قال فإن ذلك في الْمُبْهِجِ في نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ وَإِنْ اراد أَنَّ صَاحِبَ الْمُبْهِجِ زَادَ لَا غَلَطًا منه فَمِنْ أَيْنَ له أَنَّ ذلك غط ( ( ( غلط ) ) ) بَلْ هو مُوَافِقٌ لِقَوَاعِد الْمَذْهَبِ فإن الْكَسْرَ إذَا لم يَمْنَعْ من اللُّبْسِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَذَلِكَ لَا زَكَاةَ فيه فَكَذَا هذا
قَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِهِ
إلَّا ما كان مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ فإن الِاعْتِبَارَ في النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وفي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ
الحلى الْمُبَاحُ الصِّنَاعَةِ عنه وَعَنْ غَيْرِهِ الِاعْتِبَارُ في النِّصَابِ فيه بِوَزْنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَذْهَبُ قال بن رَجَبٍ هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إجْمَاعًا
وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ قال بن رَجَبٍ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ في فُصُولِهِ وَحَكَى رِوَايَةً بِنَاءً على أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُحَرَّمُ اتِّخَاذُهُ وَتُضْمَنُ صَنْعَتُهُ بِالْكَسْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ إذَا كان مُبَاحًا وَبِوَزْنِهِ إذَا كان مُحَرَّمًا واختاره بن عَقِيلٍ أَيْضًا
____________________
(3/140)
فَعَلَى هذا لو تَحَلَّى الرَّجُلُ بحلى الْمَرْأَةِ أو بِالْعَكْسِ أو اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا حلى الْآخَرِ قَاصِدًا لُبْسَهُ أو اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا ما يُبَاحُ لِمَا يَحْرُمُ عليه أو لِمَنْ يَحْرُمُ عليه فإنه يَحْرُمُ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ لِإِبَاحَةِ الصَّنْعَةِ في الْجُمْلَةِ
وَجَزَمَ في الْبُلْغَةِ في حلى الْكِرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ دُونَ الحلى الْمُبَاحِ لِلتِّجَارَةِ فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ نَصَّ عليه
فَعَلَى هذا لو كان معه نَقْدٌ مُعَدٌّ لِلتِّجَارَةِ فإنه عَرَضٌ يُقَوَّمُ بالإجزاء إنْ كان أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ أو نَقَصَ عن نِصَابِهِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ هذا ظَاهِرُ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بن الْحَارِثِ وَالْأَثْرَمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَّ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ على خِلَافِ ذلك قال فَصَارَ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ قال في الْفُرُوعِ وَأَظُنُّ هذا من كَلَامِ وَلَدِهِ وَحَمَلَ الْقَاضِي بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عن أَحْمَدَ على الِاسْتِحْبَابِ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ إذَا كان النَّقْدُ عَرَضًا
قَوْلُهُ إلَّا ما كان مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ فإن الِاعْتِبَارَ في النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وفي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ
الْأَشْهَرُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ في مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ في الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ قال بن تَمِيمٍ هذا الْأَظْهَرُ قال بن رَجَبٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال الْقَاضِي هو قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ إذَا أَخْرَجَ عن صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً يعطى ما بَيْنَهُمَا فَاعْتَبَرَ الصَّنْعَةَ دُونَ الْوَزْنِ كَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ
وَقِيلَ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ في الْإِخْرَاجِ إنْ اُعْتُبِرَتْ في النِّصَابِ وَإِنْ لم تُعْتَبَرْ في النِّصَابِ لم تُعْتَبَرْ في الْإِخْرَاجِ قال أبو الْخَطَّابِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(3/141)
فَائِدَةٌ إنْ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا أو مثله وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جُودَتَهُ زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ وَإِنْ جَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ بِزِيَادَةٍ في الْمُخْرَجِ فَكَمُكَسَّرَةٍ عن صِحَاحٍ على ما تَقَدَّمَ وَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ وقال بن تَمِيمٍ إنْ أَخْرَجَ من غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ وَلَوْ من غَيْرِ جِنْسِهِ وَإِنْ لم تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ لم يُمْنَعْ من الْكَسْرِ وَلَا يُخْرِجُ من غَيْرِ الْجِنْسِ وكذا حكم السَّبَائِكُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ من الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ
اتِّخَاذُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ مُبَاحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال بن رَجَبٍ في كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ هذا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في بَابِ الحلى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا
وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ في بَابِ اللِّبَاسِ وَقَدَّمَهُ في الْآدَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ في بَابِ اللِّبَاسِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ قال بن رَجَبٍ في كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ قَالَهُ طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ وقال بن الْجَوْزِيِّ النَّهْيُ عن الْخَاتَمِ لِيَتَمَيَّزَ السُّلْطَانُ بِمَا يَخْتِمُ بِهِ فَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ إلَّا لِلسُّلْطَانِ
تَنْبِيهٌ قَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ في بَابِ اللِّبَاسِ اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ وَجَزَمُوا في بَابِ الحلى بِإِبَاحَتِهِ وَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ أو يَكُونُ مُرَادُهُمْ في بَابِ الحلى إخْرَاجَ الْخَاتَمِ من التَّحْرِيمِ لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا أَوْلَى
فَوَائِدُ
منها الْأَفْضَلُ لِلَابِسِهِ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفِّهِ لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كان يفعل ( ( ( فعل ) ) ) ذلك وهو في الصَّحِيحَيْنِ وكان بن عَبَّاسٍ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي
____________________
(3/142)
ظَهَرَ كَفِّهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَكَذَا عَلِيُّ بن عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ كان يَفْعَلُهُ رَوَاهُ أبو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَأَكْثَرُ الناس يَفْعَلُونَ ذلك
وَمِنْهَا جَوَازُ لُبْسِهِ في خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَالْأَفْضَلُ في لُبْسِهِ في إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّخَتُّمَ في الْيَسَارِ أَفْضَلُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْفَضْلِ بن زِيَادٍ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هو أَقْرَبُ وَأَثْبَتُ وَأَحَبُّ إلَيَّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ قال بن عبد الْقَوِيِّ في آدَابِهِ الْمَنْظُومَةِ وَيَحْسُنُ في الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ انْتَهَى
قال بن رَجَبٍ وقد أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ في الْيُمْنَى مَنْسُوخٌ وَأَنَّ التَّخَتُّمَ في الْيَسَارِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى
قال في التَّلْخِيصِ ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ في الْيُمْنَى وَهَذَا من غَيْرِ الْأَكْثَرِ الذي ذَكَرْنَاهُ في الْخُطْبَةِ أَنَّ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ هو الْمَذْهَبُ
وَقِيلَ الْيُمْنَى أَفْضَلُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فَلِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ في هذه الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ في السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرَّجُلِ نَصَّ عليه لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عن ذلك وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ولم يُقَيِّدْهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قُلْت أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لم يُقَيِّدُوا الْكَرَاهَةَ في اللُّبْسِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرِّجَالِ بَلْ أَطْلَقُوا
قال بن رَجَبٍ في كِتَابِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذلك خَاصٌّ بِالرِّجَالِ انْتَهَى
قُلْت منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ
____________________
(3/143)
وقال بن رَجَبٍ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ جَوَازُ لُبْسِهِ في الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ذلك لَا يُكْرَهُ في غَيْرِهِمَا وَإِنْ كان الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ اقْتِصَارًا على النَّصِّ
وقال أبو الْمَعَالِي الْإِبْهَامُ مِثْلُ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَعْنِي في الْكَرَاهَةِ قال في الْفُرُوعِ من عِنْدِهِ فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ
قُلْت لو قِيلَ بِالْفَرْقِ لَكَانَ مُتَّجَهًا لِمُجَاوَرَتِهَا لِمَا يُبَاحُ التَّخَتُّمُ فيها بِخِلَافِ الْإِبْهَامِ لِبُعْدِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ
وَمِنْهَا لَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا وَأَكْثَرَ ما لم يَخْرُجْ عن الْعَادَةِ قال في الْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ
وقال بن حَمْدَانَ في كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ يُسَنُّ جَعْلُهُ دُونَ مِثْقَالٍ وَتَابَعَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْآدَابِ
قال بن رَجَبٍ في كِتَابِهِ قِيَاسُ قَوْلِ من مَنَعَ من أَصْحَابِنَا تَحَلِّيَ النِّسَاءِ بِمَا زَادَ على أَلْفِ مِثْقَالٍ أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ من لُبْسِ الْخَاتَمِ إذَا زَادَ على مِثْقَالٍ وَأَوْلَى لِوُرُودِ النَّصِّ هُنَا وَثَمَّ ليس فيه حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بَلْ من كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى
وَمِنْهَا ما ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ عن الْقَاضِي أَنَّهُ قال لو اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أو مَنَاطِقَ لم تَسْقُطْ الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عن الْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذلك لِوَلَدِهِ أو عَبْدِهِ
قال بن رَجَبٍ فَهَذَا قد يَدُلُّ على مَنْع لُبْسِ أَكْثَرِ من خَاتَمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ وَهَذَا قد يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَلِهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا زَكَاةَ في ذلك
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لَا زَكَاةَ في كل حلى أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ قَلَّ أو كَثُرَ لِرَجُلٍ كان أو امْرَأَةٍ ثُمَّ قال وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُخَرَّجُ جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمَيْنِ فاكثر جميعا
____________________
(3/144)
وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ ولم يَسْتَحِبَّهُ بن الْجَوْزِيِّ
قال بن رَجَبٍ في كِتَابِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يُسْتَحَبُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا وقد سَأَلَهُ ما السُّنَّةُ يَعْنِي في التَّخَتُّمِ فقال لم تَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا فِضَّةً قال الْعُقَيْلِيُّ لَا يَصِحُّ في التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم شَيْءٌ وقد ذَكَرَهَا كُلَّهَا بن رَجَبٍ وَأَعَلَّهَا في كِتَابِهِ
وَمِنْهَا فَصُّ الْخَاتَمِ إنْ كان ذَهَبًا وكان يَسِيرًا فَإِنْ قُلْنَا بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ إبَاحَتِهِ فَهَلْ يُبَاحُ هُنَا فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا التَّحْرِيمُ أَيْضًا وقد نَصَّ أَحْمَدُ على مَنْعِ مِسْمَارِ الذَّهَبِ في خَاتَمِ الْفِضَّةِ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ بن الْحَارِثِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْإِبَاحَةُ وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَالْمَجْدِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في الْعِلْمِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن رَجَبٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ على الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ قُرْآنٌ أو غَيْرُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ هُنَا قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ في الْكَرَاهَةِ دَلِيلًا إلَّا قَوْلَهُ لِدُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وقد وَرَدَ عن كَثِيرٍ من السَّلَفِ كِتَابَةُ ذِكْرِ اللَّهِ على خَوَاتِيمِهِمْ ذَكَرَهُ بن رَجَبٍ في كِتَابِهِ وهو ظَاهِرُ قَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حين قال لِلنَّاسِ اني اتَّخَذْت خَاتَمًا وَنَقَشْت فيه مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ على نَقْشِي لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُمْ عن نَقْشِهِمْ مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ لَا عن غَيْرِهِ قال في
____________________
(3/145)
الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما وَرَدَ لَا يُكْرَهُ غَيْرُ ذِكْرِ اللَّهِ قال في الرِّعَايَةِ وَذِكْرِ رَسُولِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ذلك
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُشَ على الْخَاتَمِ صُورَةَ حَيَوَانٍ بِلَا نِزَاعٍ لِلنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ في ذلك لَكِنْ هل يَحْرُمُ لُبْسُهُ أو يُكْرَهُ فيه وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ في آخِرِ الْفُصُولِ وَحَكَاهُ أبو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ قال بن رَجَبٍ وهو مَنْصُوصٌ عن أَحْمَدَ في الثِّيَابِ وَالْخَوَاتِمِ وَذَكَرَ النَّصَّ وهو الْمَذْهَبُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وهو الذي ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا في كِتَابِ الصَّلَاةِ وَصَحَّحَهُ أبو حَكِيمٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن رَجَبٍ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ منهم إِسْحَاقُ وَنَقَلَ مُهَنَّا أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ
إذَا عَلِمْت ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قال بن رَجَبٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على التَّحْرِيمِ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ وَالْأَثْرَمُ قال بن رَجَبٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى تَحْرِيمُهُ على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وحكى عن أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ مَتَى صلى وفي يَدِهِ خَاتَمٌ من حَدِيدٍ أو صُفْرٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ انْتَهَى وقال بن الزَّاغُونِيِّ في فَتَاوِيهِ الدُّمْلُوجُ الْحَدِيدُ وَالْخَاتَمُ الْحَدِيدُ نهى الشَّرْعُ عنهما
وَأَجَابَ أبو الْخَطَّابِ عن ذلك فقال يَجُوزُ دُمْلُوجٌ من حَدِيدٍ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ الرَّصَاصَ لَا أَعْلَمُ فيه شيئا وَلَهُ رَائِحَةٌ
قَوْلُهُ وفي حِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(3/146)
وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ قال في الْفُرُوعِ تُبَاحُ حِلْيَةُ الْمِنْطَقَةِ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُبَاحُ فَفِيهَا الزَّكَاةُ وحكى ذلك عن بن أبي مُوسَى وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ وَالْحَمَائِلُ
قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ في الْكَافِي بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت قد حَكَى في الْكَافِي عن بن أبي مُوسَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ في ذلك وَنَصَّ أَحْمَدُ على تَحْرِيمِ الْحَمَائِلِ وَمَنَعَ بن عَقِيلٍ من ( ( ( عن ) ) ) الْخُفِّ وَالرَّانِ فَفِيهِمَا الزَّكَاةُ وكذا الْحُكْمُ عِنْدَهُ في الكمران وَالْخَرِيطَةِ وَمَنَعَ الْقَاضِي من حَمَائِلِ السَّيْفِ وَحَكَاهُ عن أَحْمَدَ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ذلك الِاقْتِصَارُ على هذه الْأَشْيَاءِ وقال غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ ذِكْرِ ذلك وَنَحْوُ ذلك فَيُؤْخَذُ منه ما صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ في الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ وَنَحْوِ ذلك وَهَذَا أَظْهَرُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ انْتَهَى وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال عن عَدَمِ الْإِبَاحَةِ وهو بَعِيدٌ انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ ويدخل ( ( ( ودخل ) ) ) في الْخِلَافِ تِرْكَاشُ النُّشَّابِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال وَكَذَلِكَ الْكَلَالِيبُ لأنها ( ( ( لأنهما ) ) ) يَسِيرٌ تَابِعٌ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أبي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْآنِيَةِ
____________________
(3/147)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يُبَاحُ غَيْرُ ما تَقَدَّمَ فَلَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ الْمَرَاكِبِ وَلِبَاسِ الْخَيْلِ كَاللُّجُمِ وَقَلَائِدِ الْكِلَابِ وَنَحْوِ ذلك وقد نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ على تَحْرِيمِ حِلْيَةِ الرِّكَابِ وَاللِّجَامِ وقال ما كان سَرْجٌ وَلِجَامٌ زكى وَكَذَا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ والكمران وَالْمِرْآةِ وَالْمُشْطِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَالْمِسْرَجَةِ وَالْمِرْوَحَةِ وَالْمِشْرَبَةِ وَالْمُدْهُنِ وَكَذَا الْمُسْعُطُ وَالْمِجْمَرُ وَالْقِنْدِيلُ
وَقِيلَ يُكْرَهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قِيلَ وَلَا فَرْقَ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ أَكْرَهُ رَأْسَ الْمُكْحُلَةِ وَحِلْيَةَ الْمِرْآةِ فِضَّةً ثُمَّ قال وَهَذَا شَيْءٌ تَافِهٌ فَأَمَّا الْآنِيَةُ فَلَيْسَ فيها تَحْرِيمٌ
قال الْقَاضِي ظَاهِرُهُ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُضَبَّبِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ في حِلْيَةِ جَمِيعِ الْأَوَانِي كَذَلِكَ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَسَبَقَ في بَابِ الْآنِيَةِ ما حَكَاهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ عن أبي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ في كِتَابِهِ اللَّطِيفِ
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ مَسْجِدٍ وَمِحْرَابٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لو وَقَفَ على مَسْجِدٍ أو نَحْوِهِ قِنْدِيلُ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لم يَصِحَّ وَيَحْرُمُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْمُصَنِّفُ هو بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ في مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ انْتَهَى
وَيَحْرُمُ أَيْضًا تَمْوِيهُ سَقْفٍ وَحَائِطٍ بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ الْخِلَافُ السَّابِقُ على إبَاحَتِهِ تَبَعًا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا حَيْثُ قُلْنَا يَحْرُمُ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فلم يَجْتَمِعْ منه شَيْءٌ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ وَلَا زَكَاةَ فيه لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ من الْفِضَّةِ
____________________
(3/148)
إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ الْأَصْحَابُ على ما تَقَدَّمَ وهو صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال صَاحِبُ الْفُرُوعِ فيه وَلَا أَعْرِفُ على تَحْرِيمِ لُبْسِ الْفِضَّةِ نَصًّا عن أَحْمَدَ وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ على إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ إلَّا ما دَلَّ الشَّرْعُ على تَحْرِيمِهِ انْتَهَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لم يَكُنْ فيه لَفْظٌ عَامٌ بِالتَّحْرِيمِ لم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ منه إلَّا ما قام الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ على تَحْرِيمِهِ فإذا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ على إبَاحَةِ ما في مَعْنَاهُ وما هو أَوْلَى منه بِالْإِبَاحَةِ وما لم يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ في تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَالتَّحْرِيمُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَرَدَّ جَمِيعَ ما اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ
هذا الْمَذْهَبُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ كان في سَيْفِ عُمَرَ سَبَائِكُ من ذَهَبٍ وكان في سَيْفِ عُثْمَانَ بن حُنَيْفٍ مِسْمَارٌ من ذَهَبٍ قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْجَوَازَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُبَاحُ في الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَشَرْحِ بن منجا وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَعَنْهُ لَا يُبَاحُ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
تَنْبِيهٌ حَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ الْإِبَاحَةِ احْتِمَالًا وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَيَّدَ بن عَقِيلٍ الْإِبَاحَةَ بِالْيَسِيرِ مع أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ثَمَانِيَةُ مَثَاقِيلَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّوَايَتَيْنِ في إبَاحَتِهِ في السَّيْفِ وَتَقَدَّمَ ما نَقَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن سَيْفِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ
وَقِيلَ يُبَاحُ الذَّهَبُ في السِّلَاحِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(3/149)
وَقِيلَ كُلُّ ما أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ وكذا تَحْلِيَةُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ بِهِ وقال أبو بَكْرٍ يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ تَبَعًا لَا مُفْرَدًا كَالْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُبَاحُ يَسِيرُهُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَقِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ ضَرُورَةً قُلْت أو حَاجَةً لَا ضَرُورَةً انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَائِلِ بَابِ الْآنِيَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ على اخْتِيَارِ أبي بَكْرٍ
قَوْلُهُ وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلُّ ما جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ قَلَّ أو كَثُرَ
كَالطَّوْقِ وَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ وَالدُّمْلُوجِ وَالْقُرْطِ وَالْعِقْدِ وَالْمُقَلَّدَةِ وَالْخَاتَمِ وما في الْمُخَانِقِ من حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ وَأُكَرَ وَنَحْوِ ذلك حتى قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَاجٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في التَّلْخِيصِ وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُطْلَقًا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وفي الْأُخْرَى إذَا بَلَغَ أَلْفًا فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عن الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عن الذَّهَبِ كما صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ انْتَهَى وقال الْمُصَنِّفُ هُنَا وقال بن حَامِدٍ إنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ وَفِيهِ الزَّكَاةُ وكذا قال في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ
وَعَنْهُ أَيْضًا أَلْفُ مِثْقَالٍ كَثِيرٌ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَنْهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كَثِيرٌ وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فما دُونُ وقال بن عَقِيلٍ يُبَاحُ الْمُعْتَادُ لَكِنْ
____________________
(3/150)
إنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عن الْعَادَةِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ ما كان من ذلك لِسَرَفٍ أو مُبَاهَاةٍ كُرِهَ وزكى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ وفي مُرْسَلَةٍ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا زَكَاةَ فيه
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا بِذَلِكَ فَعَلَيْهَا الزَّكَاةُ فيه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ
قُلْت قد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ في مُرْسَلَةٍ في حِنْثِهِ وَجْهَيْنِ جَزَمَ في الْوَجِيزِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ الْحِنْثَ
فَالصَّوَابُ في ذلك أَنْ يَرْجِعَ فيه إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَمَنْ كان عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ اتِّخَاذَ ذلك حُلِيًّا فَلَا زَكَاةَ فيه وَيَحْنَثُ في يَمِينِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا حِنْثَ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا زَكَاةَ في الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَلَوْ كان في حلى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَلَا زَكَاةَ في حُلِيِّ جَوْهَرٍ وَعَنْهُ وَلُؤْلُؤٍ وقال غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ أو سَرَفٍ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَإِنْ كان لِلْكِرَاءِ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ
____________________
(3/151)
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ
الثَّانِيَةُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي يُكْرَهُ ذلك لِلرَّجُلِ لِلتَّشَبُّهِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ بِذَلِكَ
الثَّالِثَةُ هذه الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ في اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْمَرُّوذِيُّ كنت عِنْدَ أبي عبد اللَّهِ فَمَرَّتْ بِهِ جَارِيَةٌ عليها قَبَاءٌ فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ قُلْت تَكْرَهُهُ قال كَيْفَ لَا أَكْرَهُهُ جِدًّا وقد لَعَنَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُتَشَبِّهَاتِ من النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ قال وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ جَيْبِ الرِّجَالِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ في لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْعِمَامَةَ وَكَذَا قال الْقَاضِي يَجِبُ إنْكَارُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَكْسِهِ وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلَهُ أبو دَاوُد وَلَا يُلْبِسُ خَادِمَتَهُ شيئا من زِيِّ الرِّجَالِ لَا يُشَبِّهُهَا بِهِمْ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يُخَاطُ لها ما كان لِلرَّجُلِ وَعَكْسُهُ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ وَلَا يَحْرُمُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ مع جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ لِيَلْبَسَهُ مع أَنَّهُ دَاخِلٌ في الْمَسْأَلَةِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ الذي عَنَاهُ أبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ في الْفَصْلِ قَبْلَهُ وقال في الْفُصُولِ تَكْرَهُ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ لِلتَّشَبُّهِ
____________________
(3/152)
بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ
قَوْلُهُ وَتُؤْخَذُ منها لَا من الْعُرُوضِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَجُوزُ الْأَخْذُ من عَيْنِهَا أَيْضًا
قَوْلُهُ وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بها فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ أو مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بها لم تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كان عِنْدَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقِنْيَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لم يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَنْقُلُ عن الْأَصْلِ كَنِيَّةِ إسَامَةِ الْمَعْلُوفَةِ وَنِيَّةِ الْحَاضِرِ السفر ( ( ( لسفر ) ) ) وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ أَنَّ الْعَرَضَ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ نَقَلَهُ صَالِحٌ وبن إبْرَاهِيمَ وبن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا مَلَكَهُ الْمُعَاوَضَةُ فَحُصُولُهُ بِالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ كَالْبَيْعِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعِوَضٍ على الْأَصَحِّ
____________________
(3/153)
وَقِيلَ تُعْتَبَرُ الْمُعَاوَضَةُ سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا أو لَا كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عن دَمٍ عَمْدٍ قال الْمَجْدُ وَهَذَا نَصُّهُ في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ لو مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا لم يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْهُ بِعِوَضٍ أَشْبَهَ الْمَوْرُوثَ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ بِلَا عِوَضٍ كَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ مُطْلَقَةٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ أو بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِيٍّ كَدِيَةٍ عن دَمٍ عَمْدٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ زَادَ في الْكُبْرَى أو بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِلَا عَقْدٍ كَرَدٍّ بِعَيْبٍ أو فَسْخٍ أو أَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ فَوَجْهَانِ في ذلك كُلِّهِ
وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْعِوَضِ نَقْدًا ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَا إذَا مَلَكَ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بعرض ( ( ( بغرض ) ) ) قِنْيَةٍ لَا زَكَاةٍ قال في الْفُرُوعِ فَهِيَ هذه الرِّوَايَةُ وقال بن تَمِيمٍ يَخْرُجُ منها اعْتِبَارُ كَوْنِ بَدَلِهِ نَقْدًا أو عَرَضَ تِجَارَةٍ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا مَعْنَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ أَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهِ بِالِاعْتِيَاضِ عنه لَا بِإِتْلَافِهِ أو مع اسْتِبْقَائِهِ فإذا اشْتَرَى صَبَّاغٌ ما يَصْبُغُ بِهِ وَيَبْقَى كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُهُ عِنْدَ حَوْلِهِ وكذا لو اشْتَرَى دَبَّاغٌ ما يَدْبُغُ بِهِ كَعَفْصٍ وَقَرْضٍ وما يُدْهَنُ بِهِ كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ ذَكَرَهُ بن الْبَنَّا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا زَكَاةَ فيه وقال أَيْضًا لَا زَكَاةَ فِيمَا لَا يَبْقَى له أَثَرٌ في الْعَيْنِ كَالْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ والقلى ( ( ( والقل ) ) ) وَالنُّورَةِ وَنَحْوِ ذلك
الثَّانِيَةُ لَا زَكَاةَ في آلَاتِ الصَّبَّاغِ وَأَمْتِعَةِ النَّجَّارِ وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَالسَّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بَيْعَهَا بِمَا فيها وَكَذَا آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كانت لِحِفْظِهَا وَإِنْ كان بَيْعُهَا مَعَهَا فَهِيَ مَالُ تِجَارَةٍ
____________________
(3/154)
الثَّالِثَةُ لو لم يَكُنْ ما مَلَكَهُ عَيْنَ مَالٍ بَلْ مَنْفَعَةُ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ على الصَّحِيح من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ لَا تَجِبُ فيه كما لو نَوَاهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ
الرَّابِعَةُ لو بَاعَ عَرَضَ قِنْيَةٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ نَاوِيًا به التِّجَارَةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرَضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عليه بِعَيْبٍ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَمِثْلُهُ لو بَاعَ عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عليه قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ تِجَارَةٍ خَطَأً فَصَالَحَ على مَالٍ صَارَ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كان عَمْدًا وَقُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لم يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّخْرِيجِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وَلَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ حُكْمُ التِّجَارَةِ
وَلَوْ مَاتَتْ مَاشِيَةُ التِّجَارَةِ فَدَبَغَ جُلُودَهَا وَقُلْنَا تَطْهُرُ فَهِيَ عَرَضُ تِجَارَةٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا
الْخَامِسَةُ تَقْطَعُ نِيَّةُ الْقِنْيَةِ حَوْلَ التِّجَارَةِ وَتَصِيرُ لِلْقِنْيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ كَالْإِقَامَةِ مع السَّفَرِ
وَقِيلَ لَا تَقْطَعُ إلَّا الْمُمَيِّزَةُ
وَقِيلَ لَا تَقْطَعُ نِيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ كَنَاوِ مَعْصِيَةٍ فلم يَفْعَلْهَا فَفِي بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي
قَوْلُهُ وَتُقَوَّمُ الْعُرُوض عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هو أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ من عَيْنٍ أو وَرِقٍ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كان من نَقْدِ الْبَلَدِ أو لَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْحَلْوَانِيُّ تُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ تَعَدَّدَ فَبِالْأَحَظِّ
____________________
(3/155)
وَعَنْهُ لَا يُقَوَّمُ نَقْدٌ بِنَقْدٍ آخَرَ بِنَاءً على قَوْلِنَا لَا يُبْنَى حَوْلُ نَقْدٍ على حَوْلِ نَقْدٍ آخَرَ فَيُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الذي اشْتَرَى بِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى ما قَوَّمَهُ بِهِ لَا عِبْرَةَ بِتَلَفِهِ إلَّا قبل التَّمَكُّنِ
فَعَلَى ما سَبَقَ في أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِنَقْصِهِ بَعْدَ تَقْوِيمِهِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ إلَّا قبل التَّمَكُّنِ فإنه كَتَلَفِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لم تُؤَثِّرْ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ كَنِتَاجِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ
الثَّانِيَةُ لو بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ بِكُلِّ نَقْدٍ نِصَابًا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يُخَيَّرُ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي إلَّا أَنَّهُ قال يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِفِضَّةٍ
الثَّالِثَةُ لو اتَّجَرَ في الْجَوَارِي لِلْغِنَاءِ قَوَّمَهُنَّ سَوَاذِجَ وَلَوْ اتَّجَرَ في الْخُصْيَانِ قَوَّمَهُمْ على صِفَتِهِمْ وَلَوْ اتَّجَرَ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لم يُنْظَرْ إلَى الْقِيمَةِ وهو عَاصٍ بِذَلِكَ بَلْ تَحْرِيمُ الْآنِيَةِ أَشَدُّ من تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ لِتَحْرِيمِهَا على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْخِرَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْمُتَّخِذُ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَاصٍ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ مُصْطَلَحُ الْمُتَقَدِّمِينَ في إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ وَإِرَادَتِهِمْ التَّحْرِيمَ وَعَلَى هذا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ في إرَادَةِ الْخِرَقِيِّ ذلك وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه بين أَصْحَابِنَا وفي جَامِعِ الْقَاضِي وَالْوَسِيلَةِ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ ضَمُّ الْعُرُوضِ إلَى كل وَاحِدٍ من النَّقْدَيْنِ وَضَمُّ النَّقْدَيْنِ إلَى الْعُرُوضِ في تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَنَحْوِهِ
____________________
(3/156)
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ من السَّائِمَةِ لم يَبْنِ على حَوْلِهِ
وَكَذَا لو بَاعَهُ بِنِصَابٍ من السَّائِمَةِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِلْقِنْيَةِ فإنه يبنى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ يبنى في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَا يبنى
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا من السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوْمِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ عليه زَكَاةُ السَّوْمِ دُونَ التِّجَارَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْإِجْمَاعِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ لَكِنْ إنْ نَقَصَ نِصَابُهُ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَ بِالْأَحَظِّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ في الْأَمْثِلَةِ في الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وقد ذَكَرَهَا هو وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وقال في الرَّوْضَةِ يزكى النِّصَابَ لِلْعَيْنِ وَالْوَقْصَ لِلْقِيمَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أو لَا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ يقدم ( ( ( قدم ) ) ) السَّابِقَ في حَوْلِ السَّائِمَةِ أو التِّجَارَةِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ
كَأَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْنِ أو دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا
وَكَذَا الْحُكْمُ في عَكْسِ هذه الْمَسْأَلَةِ لو كان عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ من الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَا
____________________
(3/157)
دِرْهَمٍ أو عِشْرُونَ مِثْقَالًا فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ هذا الْمَذْهَبُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ لَا خِلَافَ فيه وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يُقَدَّمُ ما تَمَّ نِصَابُهُ بَلْ يَغْلِبُ حُكْمُ ما يَغْلِبُ إذَا اجْتَمَعَ النِّصَابَانِ وَإِنْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْخِلَافِ وَحَكَاهُ بن عَقِيلٍ عن شَيْخِهِ من أَنَّهُ مَتَى نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأَرْبَعِينَ شَاةً عن مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا شَيْءَ فيها
قال الْمَجْدُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ نِصَابُ السَّوْمِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ هذا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا إذَا لم تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ كلا ( ( ( كل ) ) ) الْحَوْلِ
وَهَذَا إذَا لم يَسْبِقْ حَوْلُ السَّوْمِ فَأَمَّا إنْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ من نِصَابٍ في بَعْضِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ مُطْلَقًا حتى يَتِمَّ الْحَوْلُ من حِينِ يَبْلُغُ النِّصَابُ في وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَنْ أَحْمَدَ ما يَدُلُّ عليه وفي وَجْهٍ آخَرَ تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ حَوْلِهِ فإذا حَالَ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الزَّائِدِ على النِّصَابِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو احْتِمَالٌ في الشَّرْحِ وَمَال إلَيْهِ
وَكَذَا حَكَى الْمُصَنِّفُ إذَا سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وَأَمَّا إنْ نَقَصَ عن نِصَابِ جَمِيعِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ زَكَاةُ السَّوْمِ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِئَلَّا تسقط ( ( ( يسقط ) ) ) بِالْكُلِّيَّةِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ
فَائِدَةٌ لو مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ اسْتَأْنَفَ حَوْلًا ولم يَبْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ حتى لو وُجِدَ سَبَبُ
____________________
(3/158)
الزَّكَاةِ بِلَا مُعَارِضٍ وَبَنَاهُ الْمَجْدُ على تَقْدِيمِ ما وُجِدَ نِصَابُهُ في الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا أو نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَ النَّخْلُ وَزُرِعَتْ الْأَرْضُ فَعَلَيْهِ فيها الْعُشْرُ ويزكى الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ
يَعْنِي إذَا اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَ بن منجا في شَرْحِهِ أَنَّ جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِي ذَكَرَ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
قُلْت جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وقال الْقَاضِي يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ في الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ وَنَصَرَهُ
قَوْلُهُ وَلَا عُشْرَ عليه إلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجُهُ
اعْلَمْ أَنَّهُ تَارَةً يَتَّفِقُ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَالْعُشْرِ في الْوُجُوبِ بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ في الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ تَبْلُغُ نِصَابَ التِّجَارَةِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَةِ التي فيها الْخِلَافُ
وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ في وَقْتِ الْوُجُوبِ مِثْلَ أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ أو عَكْسِهِ أو يَتَّفِقَانِ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دُونَ نِصَابٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ السَّبْقِ هُنَا حُكْمُ ما لو مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ وَسَبَقَ حَوْلُ
____________________
(3/159)
أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَحُكْمُ تَقْدِيمِ ما كَمُلَ نِصَابُهُ هُنَا حُكْمُ ما لو وَجَدَ نِصَابَ أَحَدِهِمَا كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا فَقَالَا وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْوُجُوبِ أو وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا فَكَمَسْأَلَةِ سَائِمَةِ التِّجَارَةِ التي قَبْلَهَا في تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ وَتَقْدِيمُ ما تَمَّ نِصَابُهُ انْتَهَيَا
وَقِيلَ يُزَكِّي عُشْرَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ إذَا سَبَقَ وُجُوبُهُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ قال بن منجا في شَرْحِهِ فَلَوْ سَبَقَ نِصَابُ الْعُشْرِ وَجَبَ الْعُشْرُ وَجْهًا وَاحِدًا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بين الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ التي للتجارة ( ( ( للتجار ) ) ) وَقَطَعَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ بِنَاءً منهم على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ في مَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ التي لِلتِّجَارَةِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا حَيْثُ أَخْرَجَ الْعُشْرَ فإنه لَا يَلْزَمُهُ سِوَى زَكَاةِ الْأَصْلِ وَحَيْثُ أَخْرَجَ عن الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ فإنه لَا يَلْزَمُهُ عُشْرٌ لِلزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا بين الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا سَبَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ أَنَّ عليه الْعُشْرَ مع إخْرَاجِهِ عن الْجَمِيعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلِذَلِكَ قال بن منجا في شَرْحِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ في الْمَسْأَلَةِ إلَى الْخِلَافِ في اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ في الْكُلِّ أو في الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ إذَا اتَّفَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ
الثَّانِي فَعَلَى ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ على زَرْعٍ وَثَمَرٍ من الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْعُشْرِ الذي لَوْلَاهُ لَكَانَا جَارِيَيْنِ في حَوْلِ التُّجَّارِ وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَيْهِمَا الْحَوْلَ حتى يُبَاعَا فَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِمَا الْحَوْلَ كَمَالِ الْقِنْيَةِ وهو تَخْرِيجٌ في شَرْحِ الْمَجْدِ وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ على مَالِ الْقِنْيَةِ
____________________
(3/160)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو نَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ عن النِّصَابِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ
الثَّانِيَةُ لو زَرَعَ بَذْرًا لِلْقِنْيَةِ في أَرْضِ التِّجَارَةِ فَوَاجِبُ الزَّارِعِ الْعُشْرُ وَوَاجِبُ الْأَرْضِ زَكَاةُ الْقِيمَةِ وَلَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ في أَرْضٍ قِنْيَةٍ فَهَلْ يزكى الزَّرْعَ زَكَاةَ عُشْرٍ أو قِيمَةٍ فيه الْخِلَافُ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
الثَّالِثَةُ لو كان الثَّمَرُ لَا زَكَاةَ فيه كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِمَا أو كان الزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فيه كَالْخَضْرَاوَاتِ أو كان الْعَقَارُ لِتِجَارَةٍ وَعَبِيدُهَا أُجْرَةً ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ في الْحَوْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كالربح ( ( ( كالريح ) ) ) وَقِيلَ لَا يَضُمُّ
الرَّابِعَةُ لو أَكْثَرَ من شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا من الزَّكَاةِ قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أو صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عليه وَقِيلَ عليه الزَّكَاةُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الْخَامِسَةُ لَا زَكَاةَ في قِيمَةِ ما أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ من عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في ذلك تَخْرِيجًا من الحلى الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ
السَّادِسَةُ لَا زَكَاةَ في غَيْرِ ما أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ من عَرَضٍ وَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ وَثِيَابٍ وَشَجَرٍ وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْبَابِ ما لَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ من الْآلَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْقَوَارِيرِ وَنَحْوِهَا التي لِلصُّنَّاعِ وَالتُّجَّارِ وَالسُّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ
السَّابِعَةُ لو اشْتَرَى شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ زَكَّاهُمَا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفٍ زَكَّى أَلْفًا وَاحِدَةً وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمَا وَقَعَ عليه الْعَقْدُ
____________________
(3/161)
قَوْلُهُ وإذا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ من الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ في إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَأَخْرَجَاهَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ صَاحِبِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمُوهُ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا لِأَنَّهُ لم يَبْقَ على الْمُوَكِّلِ زَكَاةٌ كما لو عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ وَالْعَزْلُ حكما يَسْتَوِي فيه الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ بِدَلِيلِ ما لو وكل ( ( ( وكله ) ) ) في بَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ أو أَعْتَقَهُ وزاد في شَرْحِ الْمُحَرَّرِ وَجَهِلَ السَّبْقَ قال بن نَصْرِ اللَّهِ وهو غَرِيبٌ حَسَنٌ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ من لم يَعْلَمْ بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قبل الْعِلْمِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ قبل الْعِلْمِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ كما لو وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ ولم يَعْلَمْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
وَفَرَّقَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لم يُفَوِّتْ حَقَّ الْمَالِكِ بِدَفْعِهِ إذْ له الرُّجُوعُ على الْقَابِضِ وقال في الرِّعَايَةِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْآخَرِ
وَقِيلَ لَا كَالْجَاهِلِ مِنْهُمَا وَالْفَقِيرِ الذي أَخَذَهَا مِنْهُمَا في الْأَقْيَسِ فِيهِمَا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الْأَوَّلِ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا ضَمَانَ عليه إذَا لم يَعْلَمْ بِنَاءً على عَدَمِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قبل عِلْمِهِ كما تَقَدَّمَ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في الْوَكَالَةِ
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ قبل عِلْمِهِ كما تَقَدَّمَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُمَا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ قبل ذلك
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو أَذِنَ غَيْرُ الشُّرَكَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ في إخْرَاجِ زَكَاتِهِ
____________________
(3/162)
فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا لَكِنْ هل يَبْدَأُ بِزَكَاتِهِ وُجُوبًا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ أَوَّلًا بَلْ يُسْتَحَبُّ وهو الصَّحِيحُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قبل زَكَاةِ الْآذِنِ قال في الْفُرُوعِ وقد دَلَّتْ هذه الْمَسْأَلَةُ على أَنَّ نَفَلَ الصَّدَقَةِ قبل أَدَاءِ الزَّكَاةِ في جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ ما في نَفْلِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ قبل أَدَائِهَا
الثَّانِيَةُ لو لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ وَنَذْرٌ قَدَّمَ الزَّكَاةَ فَإِنْ قَدَّمَ النَّذْرَ لم يَصِرْ زَكَاةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَبْدَأُ بِمَا شَاءَ
وَيَأْتِي نَظِيرُهُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ قبل صَوْمِ النَّذْرِ
الثَّالِثَةُ لو وَكَّلَ في إخْرَاجِ زَكَاتِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا هو ثُمَّ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ قبل عِلْمِهِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ في ضَمَانِهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَلِهَذَا لم يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ
ثَالِثُهَا لَا يَضْمَنُ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الرَّابِعَةُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ أَخْرَجَ قبل دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي وَقَوْلُ من دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كان أَخْرَجَهَا
الْخَامِسَةُ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَإِنْ وُجِدَ مع السَّاعِي أُخِذَ منه وَإِنْ تَلِفَ أو كان دَفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ أو كَانَا دَفَعَا إلَيْهِ فَلَا
تَنْبِيهٌ سَبَقَ حُكْمُ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ في كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا زَكَاةَ في حِصَّةِ الْمُضَارِبِ من الرِّبْحِ قبل الْقِسْمَةِ
____________________
(3/163)
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
قَوْلُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ على كل مُسْلِمٍ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بِالْمُكَلَّفِ بِالصَّوْمِ وحكى وَجْهٌ لَا تَجِبُ في مَالِ صَغِيرٍ وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ على كل مُسْلِمٍ أنها لَا تَجِبُ على غَيْرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ تَجِبُ على الْمُرْتَدِّ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أنها لَا تَجِبُ على كَافِرٍ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَكَذَا حُكْمُ كل كَافِرٍ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ مُسْلِمٍ في فِطْرَتِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ
قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَنِي الْخِلَافُ على أَنَّ السَّيِّدَ هل هو مُتَحَمِّلٌ أو أَصِيلٌ فيه قَوْلَانِ إنْ قُلْنَا مُتَحَمِّلٌ وَجَبَتْ عليه وَإِنْ قُلْنَا أَصِيلٌ لم تَجِبْ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ هل تُسَمَّى فَرْضًا فيه الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وقد تَقَدَّمَتَا في بَابِ الْوُضُوءِ وَتَقَدَّمَتْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ هُنَاكَ
قَوْلُهُ إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عن قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يوم الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذلك فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أو لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ من مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بذله وَنَحْوِ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هذا قَوْلًا كَذَا قال انْتَهَى
____________________
(3/164)
قُلْت قَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا وَذَكَرَ الْأَوَّلَ قَوْلًا مُوجَزًا
تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ الْكُتُبَ التي يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ والحلى لِلْمَرْأَةِ لِلُبْسِهَا أو لِكِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ هذا في كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ ولم يَسْتَدِلَّ عليه قال وَظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ من الْوُجُوبِ وَاقْتِصَارِهِمْ على ما سَبَقَ من الْمَانِعِ أَنَّ هذا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَوَجَّهَ احْتِمَالًا أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ بِخِلَافِ الحلى لِلُبْسٍ لِلْحَاجَةِ إلَى الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ قال وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ في الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ ولم يذكر الحلى
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ وَالْمَنْعُ في الْكُتُبِ دُونَ الحلى
فَعَلَى ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هل يَمْنَعُ ذلك من أَخْذِ الزَّكَاةِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال ( ( ( وقالا ) ) ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ من الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَحْتَاجُهَا
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الذي هو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يَمْنَعُ ذلك أَخْذَ الزَّكَاةِ
وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وهو الْمَنْعُ من أَخْذِ الزَّكَاةِ هل يَلْزَمُ من كَوْنِ ذلك مَانِعًا من أَخْذِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ في بَقِيَّةِ الْأَبْوَابِ لِتَسْوِيَةٍ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَضْيَقُ قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ
وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الذي هو الصَّوَابُ هو كَسَائِرِ ما لَا بُدَّ منه ذَكَرَ ذلك في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ كان مُكَاتَبًا
يَعْنِي أنها تَجِبُ على الْمُكَاتَبِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(3/165)
وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا فِطْرَةُ قريبة مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا
وَتَجِبُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا تَجِبُ عليه
قَوْلُهُ وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفُرُوعِ وقال التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ كَبَعْضِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وبن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ أَخْرَجَهُ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ كَالْكَفَّارَةِ جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وقال في الْفُصُولِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَالْمُبْهِجِ وَالْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَخْرُجُ ذلك الْبَعْضُ وَيَجِبُ الْإِتْمَامُ على من تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ
وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَصِيرُ الْبَعْضُ كَالْمَعْدُومِ وَيَتَحَمَّلُ ذلك الْغَيْرُ جَمِيعَهَا
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ فِطْرَةُ من يَمُونُهُ من الْمُسْلِمِينَ الزَّوْجَةَ وَلَوْ كانت أَمَةً وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ
وَتَقَدَّمَ إذَا كان لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أو أَقَارِبُ مُسْلِمُونَ وَأَوْجَبْنَا عليه النَّفَقَةَ
____________________
(3/166)
هل تَجِبُ عليه الْفِطْرَةُ لهم أَمْ لَا في أَوَّلِ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ عَبْدًا هل تَجِبُ عليه فِطْرَتُهُ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَجِدْ ما يؤدى عن جميعهم ( ( ( جميعه ) ) ) بَدَأَ بِنَفْسِهِ
بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ بِرَقِيقِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الرَّقِيقَ على امْرَأَتِهِ لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُخْرِجُ مع الْقُدْرَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُصُولِ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْوَلَدَ على الزَّوْجَةِ وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ على الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ
قَوْلُهُ ثُمَّ بِوَلَدِهِ ثُمَّ بِأُمِّهِ ثُمَّ بِأَبِيهِ
تَقْدِيمُ الْوَلَدِ على الْأَبَوَيْنِ أَحَدُ الْوُجُوهِ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ آخَرُونَ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقَدَّمُ الْوَلَدُ مع صِغَرِهِ على الْأَبَوَيْنِ جَزَمَ بِهِ بن شِهَابٍ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ على الْوَلَدِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في تَقْدِيمِ الْأُمِّ على الْأَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْهَادِي وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَبُ على الْأُمِّ وَحَكَاهُ بن أبي مُوسَى رِوَايَةً وَقِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا
فَائِدَةٌ لو اشْتَرَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ من الْقَرَابَةِ ولم يَفْضُلْ سِوَى صَاعٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُوَزِّعُ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ في الْإِخْرَاجِ عن أَيِّهِمْ شَاءَ
____________________
(3/167)
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عن الْجَنِينِ وَلَا تَجِبُ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ تَجِبُ نَقَلَهَا يَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وقال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا مَضَتْ له أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَيُسْتَحَبُّ قبل ذلك
فَائِدَةٌ يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لها وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لم تَجِبْ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً على وُجُوبِهَا على الْجَنِينِ
وقال في الرِّعَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ فِطْرَةُ الْجَنِينِ إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ له وَعَنْهُ تَجِبُ فَلَوْ أَبَانَ حَامِلًا لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهَا إنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لها وفي فِطْرَةِ حَمْلِهَا إذْن وَجْهَانِ
وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ وفي أُمِّهِ إذَنْ وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَقِيلَ تُسَنُّ فِطْرَتُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ له وَتَجِبُ فِطْرَتُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِأُمِّهِ
قَوْلُهُ وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ لم تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ
وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ على الِاسْتِحْبَابِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ أَيْضًا قال في التَّلْخِيصِ وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ انْتَهَى
وَالْمَنْصُوصُ أنها تَلْزَمُهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال في الْهِدَايَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ في شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُونَهُ كُلَّ الشَّهْرِ وهو
____________________
(3/168)
صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال بن عَقِيلٍ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ إذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ من الشَّهْرِ كَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا وَزَوْجَةً قبل الْغُرُوبِ وَمَعْنَاهُ في الِانْتِصَارِ وَالرَّوْضَةِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ قبل الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الْعِيدِ زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت أو نَزَلَ بِهِ قبل فَجْرِهَا إنْ عَلَّقْنَا الْوُجُوبَ بِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا على الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ لو مَانَهُ جَمَاعَةٌ في شَهْرِ رَمَضَانَ أنها لَا تَجِبُ عليهم وهو أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي تَجِبُ عليهم بِالْحِصَصِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن تَمِيمٍ وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ
وَعَلَى قَوْل بن عَقِيلٍ تَجِبُ فِطْرَتُهُ على من مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أو ظِئْرًا بِطَعَامِهِمَا لم تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ بَلَى قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَقْيَسُ
الثَّانِيَةُ لو وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ في بَيْتِ الْمَالِ فَلَا فِطْرَةَ له قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ ذلك ليس بِإِنْفَاقٍ إنَّمَا هو إيصَالُ الْمَالِ في حَقِّهِ أو أَنَّ الْمَالَ لَا مَالِكَ له قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ مُعَيَّنٌ كَعَبِيدِ الْغَنِيمَةِ قبل الْقِسْمَةِ وَالْفَيْءِ وَنَحْوِ ذلك
قَوْلُهُ وإذا كان الْعَبْدُ بين شُرَكَاءَ فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ وَاحِدٌ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا الظَّاهِرُ عنه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقد نُقِلَ عن أَحْمَدَ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ رَجَعَ عن رِوَايَةِ وُجُوبِ صَاعٍ على كل وَاحِدٍ
____________________
(3/169)
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال فَوْزَانِ رَجَعَ أَحْمَدُ عن هذه الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي عن إيجَابِ صَاعٍ كَامِلٍ على كل وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن منجا في شَرْحِهِ وقال هو الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ
وَعَنْهُ على كل وَاحِدٍ صَاعٌ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ قَالَهُ الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ بن الْبَنَّا في عُقُودِهِ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وكذلك الْحُكْمُ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ
وَكَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا لو كان عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ بين شُرَكَاءَ منهم أو من وَرَثَةٍ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أو من أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ أو بِأَكْثَرَ وَنَحْوِهِمْ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ الْعَبِيدِ بين الشُّرَكَاءِ على ما تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قال في الْفُرُوعِ لو أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ وَلَدًا بِاثْنَيْنِ فَكَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ منهم صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ قال وَتَبِعَ بن تَمِيمٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ خِلَافُهُ من عِنْدِهِ وَجَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ في الْحَاوِيَيْنِ وُجُوبُ الصَّاعِ على كل وَاحِدٍ في هذه الْمَسَائِلِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لُزُومَ السَّيِّدِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ وَلَا شَيْءَ على الْعَبْدِ في الْبَاقِي وَيَأْتِي لو كان نَفْعُ الرَّقِيقِ لِوَاحِدٍ وَرَقَبَتُهُ لِآخَرَ على من تَجِبُ فِطْرَتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ
فَائِدَةٌ لو هَايَأَ من بَعْضُهُ حُرٌّ سيد ( ( ( سيده ) ) ) بَاقِيَهُ لم تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ في الْمُهَايَأَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَالصَّلَاةِ قال بن تَمِيمٍ
____________________
(3/170)
وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لم تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ فيها على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ
فَعَلَى هذا أَيُّهُمَا عَجَزَ عَمَّا عليه لم يَلْزَمْ الْآخَرَ قِسْطُهُ كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قِسْطُهُ فَإِنْ كان يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ نِصْفُهُ مَثَلًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَفْضُلَ عن قُوتِهِ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنْ كان نَوْبَةَ سَيِّدِهِ لَزِمَ الْعَبْدَ نِصْفُ صَاعٍ وَلَوْ لم يَمْلِكْ غَيْرَهُ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ على غَيْرِهِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ في الْمُهَايَأَةِ بِنَاءً على دُخُولِ كَسْبٍ نَادِرٍ فيها كَالنَّفَقَةِ فَلَوْ كان يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ وَعَجَزَ عنها لم يَلْزَمْ السَّيِّدَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمُكَاتَبٍ عَجَزَ عن الْفِطْرَةِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقُلْت تَلْزَمُهُ إنْ وَجَبَتْ بِالْغُرُوبِ في نَوْبَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَوَجَّهٌ وَإِنْ كانت نَوْبَةُ السَّيِّدِ وَعَجَزَ عنها أَدَّى الْعَبْدُ قِسْطَ حُرِّيَّتِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً على أنها عليه بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ كَمُوسِرَةٍ تَحْتَ مُعْسِرٍ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عن فِطْرَتِهَا فَعَلَيْهَا أو على سَيِّدِهَا إنْ كانت أَمَةً لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجِبَ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَالنَّفَقَةِ قال بن تَمِيمٍ وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَهَلْ تَجِبُ على سَيِّدِهَا على وَجْهَيْنِ
فَعَلَى هذا الْوَجْهِ الثَّانِي هل تَبْقَى في ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى السُّقُوطُ وهو كَالصَّرِيحِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(3/171)
وَعَلَى الْمَذْهَبِ هل تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ إذَا أَخْرَجَا على الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا يَرْجِعَانِ عليه قال في الرِّعَايَتَيْنِ في الْحُرَّةِ تَرْجِعُ عليه في الْأَقْيَسِ إذَا أَيْسَرَ بِالنَّفَقَةِ وقال في مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ يَرْجِعُ على الزَّوْجِ الْحُرِّ في وَجْهٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرْجِعَانِ عليه إذَا أَيْسَرَ وهو ظَاهِرٌ بَحَثَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ من وَجَبَتْ عليه فِطْرَةُ غَيْرِهِ هل تَجِبُ عليه بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عن ذلك الْغَيْرِ أو بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فيه وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ قال في الْفَائِقِ وَمَنْ كانت نَفَقَتُهُ على غَيْرِهِ فَفِطْرَتُهُ عليه وَهَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا أو أَصِيلًا على وَجْهَيْنِ وَكَذَا قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وقال وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ غَيْرُ أَصِيلٍ قال في التَّلْخِيصِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا وَالْمُخْرَجُ عنه أَصِيلٌ بَلْ هو أَصِيلٌ
فَوَائِدُ
الْأُولَى الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ على سَيِّدِهِ قال الْمُصَنِّفُ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالنَّفَقَةِ وَكَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ قال بن تَمِيمٍ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
وَقِيلَ تَجِبُ عليها إنْ كانت حُرَّةً وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كانت أَمَةً قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْحَاوِيَيْنِ هذا أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هذا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ على تَعَلُّقِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ أو أَنَّ السَّيِّدَ مُعْسِرٌ فَإِنْ كان مُوسِرًا وَقُلْنَا نَفَقَةُ زَوْجَةِ عَبْدِهِ عليه فَفِطْرَتُهُ عليه وَتَبِعَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
____________________
(3/172)
الثَّانِيَةُ لو كانت زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ عِنْدَهُ لَيْلًا وَعِنْدَ سَيِّدِهَا نَهَارًا فَفِطْرَتُهَا على سَيِّدِهَا لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ في تَحَمُّلِ الْفِطْرَةِ على الصَّحِيحِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ به في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَالنَّفَقَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَتَقَدَّمَ وُجُوبُ فِطْرَةِ قَرِيبِ الْمَكَاتِبِ وَزَوْجَتِهِ
الثَّالِثَةُ لو زَوَّجَ قَرِيبَهُ وَلَزِمَتْهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا
قَوْلُهُ وَمَنْ له غَائِبٌ أو آبِقٌ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ
وَكَذَا الْمَغْصُوبُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ لَا تَجِبُ على الْغَائِبِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ وَحَكَاهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ محرجة ( ( ( مخرجة ) ) ) من زَكَاةِ الْمَالِ لَا تَجِبُ قال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِل أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حتى يَرْجِعُ كَزَكَاةِ الدَّيْنِ وَالْمَغْصُوبِ
فَائِدَةٌ يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عن الْعَبْدِ وَالْحُرِّ مَكَانَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ قال الْمَجْدُ نَصَّ عليه وَقِيلَ مَكَانَهُمَا قال في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَأَطْلَقَهُمَا
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشُكَّ في حَيَاتِهِ فَتَسْقُطُ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ كَالنَّفَقَةِ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ أنها لَا تَسْقُطُ فَتَلْزَمُهُ لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالشَّكِّ
قُلْت وهو قوي ( ( ( أقوى ) ) ) في النَّظَرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَوْتِهِ
قال بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَيَتَخَرَّجُ لنا وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ بِنَاءً على جَوَازِ عِتْقِهِ
____________________
(3/173)
قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذلك أَخْرَجَ لِمَا مَضَى
هذا مَبْنِيٌّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ في التي قَبْلَهَا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ لُزُومُهُ وَقِيلَ لَا يُخْرِجُ وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ
وَقِيلَ لَا يُخْرِجُ عن الْقَرِيبِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ وَرُدَّ ذلك بِوُجُوبِهَا وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ أَيْضًا لها كَتَعَذُّرِهِ بِحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا
قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال أبو الْخَطَّابِ تَلْزَمُهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ في كل من لَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عن نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ تُجْزِئُهُ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُنْتَهَى وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
أَحَدُهُمَا تُجْزِئُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَجْزَأَهُ على الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ
____________________
(3/174)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تُجْزِئُهُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال في الِانْتِصَارِ فَإِنْ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنِيَّتِهِ فَوَجْهَانِ
تَنْبِيهٌ مَأْخَذُ الْخِلَافِ هُنَا مَبْنِيٌّ على أَنَّ من لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هل يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عنه أو أَصِيلًا فيه وَجْهَانِ تَقَدَّمَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الْمَسْأَلَةَ وقال إنْ أَخْرَجَ عن نَفْسِهِ جَازَ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الزَّوْجُ وَالْقَرِيبُ مُتَحَمِّلَانِ جَازَ وَإِنْ قُلْنَا هُمَا أَصِيلَانِ فَلَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو لم يُخْرِجْ من لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ عن ذلك الْغَيْرِ لم يَلْزَمْ الْغَيْرَ شَيْءٌ وَلِلْغَيْرِ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ منهم أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ كَنَفَقَتِهِ وقال أبو الْمَعَالِي ليس له مُطَالَبَتُهُ بها وَلَا افْتِرَاضُهَا عليه قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فيه على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت الصَّوَابُ لَا اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْمُخْرِجِ
الثَّانِيَةُ لو أَخْرَجَ عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا قال أبو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ هذا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ
الثَّالِثَةُ لو أَخْرَجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لم تُجْزِهِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّهُ خَارِجٌ عن الْخِلَافِ الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَقِيلَ إنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ عليه مِمَّا في يَدِهِ فَيُخْرِجُ الْعَبْدُ عن عَبْدِهِ مِمَّا في يَدِهِ
____________________
(3/175)
وَقِيلَ بَلْ تَسْقُطُ لِتَزَلْزُلِ مِلْكِهِ وَنَقْصِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَعَلَى الْوُجُوبِ إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَجْزَأَتْ
قُلْت لَا تُجْزِئُهُ
وَقِيلَ فِطْرَتُهُ عليه مِمَّا في يَدِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَسْبُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَصَاحِبُ الشَّرْحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنْهُ يَمْنَعُ سَوَاءٌ كان مُطَالَبًا بِهِ أو لَا وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ
وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَجَعَلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ من لَيْلَةِ الْفِطْرِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي من يَوْمِ الْفِطْرِ وَاخْتَارَ مَعْنَاهُ الْآجُرِّيُّ
وَعَنْهُ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ من يَوْمِ الْفِطْرِ قال في الْإِرْشَادِ وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي من يَوْمِ الْفِطْرِ قبل صَلَاةِ الْعِيدِ
وَعَنْهُ يَمْتَدُّ الْوُجُوبُ إلَى أَنْ يصلي الْعِيدُ ذَكَرَهَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أو مَلَكَ عَبْدًا أو زَوْجَةً أو وُلِدَ له وَلَدٌ لم تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ وَإِنْ وَجَدَ ذلك قبل الْغُرُوبِ وَجَبَتْ وَإِنْ مَاتَ قبل الْغُرُوبِ وَنَحْوِهِ لم تَجِبْ وَلَا تَسْقُطُ بَعْدُ
____________________
(3/176)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يَسْقُطُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَلَوْ كان مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ لم تَجِبْ الْفِطْرَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُخْرِجُ مَتَى قَدَرَ فَتَبْقَى في ذِمَّتِهِ وَعَنْهُ يُخْرِجُ إنْ أَيْسَرَ أَيَّامَ الْعِيدِ وَإِلَّا فَلَا قال الزَّرْكَشِيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَيَّامَ النَّحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ السِّتَّةَ من شَوَّالٍ لِأَنَّهُ قد نَصَّ في رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ يُخْرِجُ وَعَنْهُ تَجِبُ إنْ أَيْسَرَ يوم الْعِيدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
الثَّانِيَةُ تَجِبُ الْفِطْرَةُ في الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمُوصَى بِهِ على مَالِكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَكَذَا الْمَبِيعُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ كَمَقْبُوضٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ ولم يُفْسَخْ فيه الْعَقْدُ وَكَمَا لو رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ
الثَّالِثَةُ لو مَلَكَ عَبْدًا دُونَ نَفْعِهِ فَهَلْ فِطْرَتُهُ عليه أو على مَالِكِ نَفْعِهِ أو في كَسْبِهِ فيه الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ التي في نَفَقَتِهِ التي ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في بَابِ الْمُوصَى بِهِ له فَالصَّحِيحُ هُنَاكَ هو الصَّحِيحُ هُنَا هذا أَصَحُّ الطَّرِيقِينَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ على مَالِكِ الرَّقَبَةِ لِوُجُوبِهَا على من لَا نَفْعَ فيه وَحَكَوْا الْأُوَلَ قَوْلًا منهم الْمُصَنِّفُ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ لو كان الْعَبْدُ مُسْتَأْجَرًا أو كانت الْأَمَةُ ظِئْرًا أَنَّ فِطْرَتَهُمَا تَجِبُ على السَّيِّدِ على الصَّحِيحِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قبل الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِأَكْثَرَ من ذلك وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قال في الْإِفَادَاتِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ أو
____________________
(3/177)
ثَلَاثَةٍ وَقَطَعَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِأَيَّامٍ وهو في بَعْضِ نُسَخِ الْإِرْشَادِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذلك
وَقِيلَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وحكى رِوَايَةً جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ
وَقِيلَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِشَهْرٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهَا يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ من بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي
صَرَّحَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أو قَدْرَهَا إنْ لم يُصَلِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ تُخْرَجُ قَبْلَهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ الْأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ إذَا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ فَدَخَلَ في كَلَامِهِمْ لو خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى قبل الْفَجْرِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ في سَائِرِ الْيَوْمِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَى بَعْدِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ وَيَكُونُ قَضَاءً وَجَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ في كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَهَذَا الْقَوْلُ من الْمُفْرَدَاتِ قال في الرِّعَايَةِ عن الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ وهو بَعِيدٌ
تَنْبِيهٌ يُحْتَمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ في سَائِرِ الْيَوْمِ الْجَوَازُ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وهو بَعِيدٌ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ الْجَوَازَ مع الْكَرَاهَةِ وهو الْوَجْهُ الثَّانِي وهو الصَّحِيحُ قال في الْكَافِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وكان تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ
قال في الْفُرُوعِ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
____________________
(3/178)
قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا عنه أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَأْثَمُ نَقَلَ الْأَثْرَمُ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ وَقِيلَ له في رِوَايَةِ الْكَحَّالِ فَإِنْ أَخَّرَهَا قال إذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ
قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ في الْفِطْرَةِ صَاعٌ من الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْزَاءُ نِصْفِ صَاعٍ من الْبُرِّ قال وهو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ في الْكَفَّارَةِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ ما نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَاخْتَارَ ما اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صَاحِبُ الْفَائِقِ
فَائِدَةٌ الصَّاعُ قَدْرٌ مَعْلُومٌ وقد تَقَدَّمَ قَدْرُهُ في آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ
فَيُؤْخَذُ صَاعٌ من الْبُرِّ وَمِثْلُ مَكِيلِ ذلك من غَيْرِهِ
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلك مُسْتَوْفًى في أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ من الْأَرْضِ
وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ
قُلْت وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا يُخْرِجُهُ سِوَى الْبُرِّ
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الصَّاعُ بِالْعَدَسِ كَالْبُرِّ
وَقُلْت بَلْ بِالْمَاءِ كما سَبَقَ انْتَهَى وَيُحْتَاطُ في الثَّقِيلِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ
قَوْلُهُ وَدَقِيقُهُمَا وَسَوِيقُهُمَا
يَعْنِي دَقِيقَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَسَوِيقَهُمَا فَيُجْزِئُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذلك
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ السَّوِيقُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَاعُ ذلك بِوَزْنِ حبه بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
____________________
(3/179)
وَنَصَّ عليه لِأَنَّهُ لو أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِالْكَيْلِ لَنَقَصَ عن الْحَبِّ لِتَفَرُّقِ الإجزاء بِالطَّحْنِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِجْزَاءُ وَإِنْ لم يُنْخَلْ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ إلَّا مَنْخُولًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قَوْلِهِ وَمِنْ الْأَقِطِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
إحْدَاهُمَا الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ انْتَهَى وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وبن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وبن الْبَنَّا وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في تَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْمُبْهِجِ وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التصحيح ( ( ( الصحيح ) ) ) وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالنَّاظِمُ
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيُجْزِئُ صَاعُ أَقِطٍ على الْأَظْهَرِ
وَعَنْهُ يُجْزِئُ لِمَنْ يَقْتَاتُهُ دُونَ غَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وقال أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةٌ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَرْبَعَةِ فَاخْتَلَفَ نَقْلُهُمْ في مَحَلِّ الرِّوَايَةِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
قُلْت قال في الْهِدَايَةِ فَأَمَّا الْأَقِطُ فَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ منه مع وُجُودِ هذه الْأَصْنَافِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ منه على الْإِطْلَاقِ وهو اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ فَحَكَى اخْتِيَارَ أبي بَكْرٍ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا وَحَكَى في الْفُرُوعِ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا
____________________
(3/180)
فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ له في الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَانِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يُجْزِئُ اللَّبَنُ غَيْرُ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنُ أو لَا يُجْزِئَانِ أو يُجْزِئُ اللَّبَنُ دُونَ الْجُبْنِ أو عَكْسُهُ أو يُجْزِئَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ فيه أَقْوَالٌ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ
وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَأَطْلَقَ الْأُولَيَيْنِ الزَّرْكَشِيُّ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إجْزَاءُ اللَّبَنِ دُونَ الْجُبْنِ قال في الْفُرُوعِ وَاَلَّذِي وُجِدَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قال يُرْوَى عن الْحَسَنِ صَاعُ لَبَنٍ لِأَنَّ الْأَقِطَ رُبَّمَا ضَاقَ فلم يَتَعَرَّضْ لِلْجُبْنِ انْتَهَى
قُلْت الْجُبْنُ أَوْلَى من اللَّبَنِ
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ مُطْلَقًا فإذا عَدِمَهُ أَخْرَجَ عنه اللَّبَنَ قال الْقَاضِي إذَا عَدِمَ الْأَقِطَ وَقُلْنَا له إخْرَاجُهُ جَازَ إخْرَاجُ اللَّبَنِ
قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إذَا لم يَجِدْ الْأَقِطَ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ يُجْزِئُ وَأَخْرَجَ عنه اللَّبَنَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَقِطَ من اللَّبَنِ لآنه لَبَنٌ مُجَمَّدٌ مُجَفَّفٌ بِالْمَصْلِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال لِأَنَّهُ أَكْمَلُ منه
وقال الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ اللَّبَنُ بِحَالٍ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وإذا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ لم يَجُزْ إخْرَاجُ اللَّبَنِ مع وُجُودِهِ وَيُجْزِئُ مع عَدَمِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى لَا يُجْزِئُ
قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذلك
يَعْنِي إذْ وُجِدَ شَيْءٌ من هذه الْأَجْنَاسِ التي ذَكَرَهَا لم يُجْزِئْهُ غَيْرُهَا وَإِنْ كان يَقْتَاتُهُ وهو الصَّحِيحُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا
____________________
(3/181)
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إجْزَاءُ أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ كان يَقْتَاتُ غَيْرَهُ وهو صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وهو قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذلك الْقِيمَةُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تُجْزِئُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا
وَقِيلَ يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ وقال بن تَمِيمٍ وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُجْزِئُهُ من قُوتِ بَلَدِهِ مِثْلُ الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَدَرَ على الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ في الحديث وَذَكَرَهُ رِوَايَةً وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْدِمَهُ فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ بن حَامِدٍ
سَوَاءٌ كان مَكِيلًا أو غَيْرَهُ كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ ما يَقْتَاتُ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ قال في التَّلْخِيصِ هذا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يَعْدِلُ عن اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ
وَعِنْدَ أبي بَكْرٍ يُخْرِجُ ما يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ من حَبٍّ وَتَمْرٍ يُقْتَاتُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مُقْتَاتًا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
قال الْمَجْدُ هذا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ نَقَلَ حَنْبَلٌ ما يَقُومُ مَقَامَهَا صَاعٌ وهو قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَمَعْنَاهُ قَوْلُ أبي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ زَادَ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ مِمَّا يَقْتَاتُ غَالِبًا
وَقِيلَ يُجْزِئُ ما يَقُومُ مَقَامَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مَكِيلًا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلِأَبِي الْحَسَنِ بن عَبْدُوسٍ احْتِمَالٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْخَمْسَةِ
____________________
(3/182)
الْمَنْصُوصِ عليها وَتَبْقَى عِنْدَ عَدَمِ هذه الْخَمْسَةِ في ذِمَّتِهِ حتى يَقْدِرَ على أَحَدِهَا
قَوْلُهُ وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا
كَحَبٍّ مُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو خَالَطَ الذي يُجْزِئُ ما لَا يُجْزِئُ فَإِنْ كان كَثِيرًا لم يُجْزِئْ وَإِنْ كان يَسِيرًا زَادَ بِقَدْرِ ما يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا لِأَنَّهُ ليس عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت لو قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ وَلَوْ كان ما لَا يُجْزِئُ كَثِيرًا إذَا زَادَ بِقَدْرِهِ لَكَانَ قَوِيًّا
الثَّانِيَةُ نَصَّ الْإِمَامُ احمد على تَنْقِيَةِ الطَّعَامِ الذي يُخْرِجُهُ
قَوْلُهُ وَلَا خُبْزًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا بن عَقِيلٍ فإنه قال يُجْزِئُ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلًا وقال الزَّرْكَشِيُّ في كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ لو قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْخُبْزِ في الْفِطْرَةِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا وَكَأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على كَلَامِ بن عَقِيلٍ
قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ صَاعٍ من أَجْنَاسٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ لِتَفَاوُتِ مَقْصُودِهَا وَاتِّحَادِهِ وَقَاسَهُ الْمُصَنِّفُ على فِطْرَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقُلْت لَا يُخْرِجُ فِطْرَةَ عَبْدِهِ من جِنْسَيْنِ إذَا كان لِاثْنَيْنِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ من الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ إلَّا أَنْ تُعَدَّ بِالْقِيمَةِ وَخَرَّجَ في الْقَوَاعِدِ وَجْهًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ التَّمْرُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِفِعْلِ
____________________
(3/183)
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا وَأَقَلُّ كُلْفَةً
قُلْت وَالزَّبِيبُ يُسَاوِيهِ في ذلك كُلِّهِ لَوْلَا الْأَثَرُ
وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَعِنْدِي الْأَفْضَلُ أَعْلَى الْأَجْنَاسِ قِيمَةً وَأَنْفَعُ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو وُجِدَ ذلك لَكَانَ أَفْضَلَ من التَّمْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ غير التَّمْرِ وقال الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهَا أَغْلَاهَا ثَمَنًا كما أَنَّ أَفْضَلَ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا
قَوْلُهُ ثُمَّ ما هو أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ
وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال بن منجا في شَرْحِهِ وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الْبُرُّ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَحَمَلَ بن منجا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عليه وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وَعَنْهُ الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كان قُوتَهُمْ
وَقِيلَ الْأَفْضَلُ ما كان قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ
قُلْت وهو قَوِيٌّ
قال في الرِّعَايَةِ قُلْت الْأَفْضَلُ ما كان قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ لَا قُوتَهُ هو وَحْدَهُ انْتَهَى
____________________
(3/184)
وَأَيَّهُمَا كان أَعْنِي الزَّبِيبَ وَالْبُرَّ كان أَفْضَلَ بَعْدَهُ في الْأَفْضَلِيَّةِ الْآخَرُ ثُمَّ الشَّعِيرُ بَعْدَهُمَا ثُمَّ دَقِيقُهُمَا ثُمَّ سَوِيقُهُمَا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يعطى الْجَمَاعَةَ ما يَلْزَمُ الْوَاحِدَ وَالْوَاحِدَ ما يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه على ما يَأْتِي في اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ في بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عن مُدِّ بُرٍّ أو نِصْفِ صَاعٍ من غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ تَفْرِقَةُ الصَّاعِ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ
وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عن الصَّاعِ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِلْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ نَقْلِهِ وَعَمَلِهِ
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لو فَرَّقَ فِطْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ على جَمَاعَةٍ لم يُجْزِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَوَائِدُ
الْأُولَى الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ تَفْرِيقَ الْفِطْرَةِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ وَعَنْهُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ
وَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ على ذلك في الْبَابِ الذي بَعْدَهُ
الثَّانِيَةُ لو أَعْطَى الْفَقِيرَ فِطْرَةً فَرَدَّهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عن نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي قال في التَّلْخِيصِ جَازَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ إنْ لم يَحْصُلْ حِيلَةٌ في ذلك
وقال أبو بَكْرٍ مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ كَشِرَائِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(3/185)
وَلَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَسَّمَهَا على مُسْتَحِقِّيهَا فَعَادَ إلَى إنْسَانٍ فِطْرَتُهُ جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَغَيْرُهُ
وقال أبو بَكْرٍ مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ كَشِرَائِهَا
وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا جَائِزٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ أبي بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ الْخِلَافُ في الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ في التَّحْرِيمِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَعَمَّ من ذلك في الرِّكَازِ فَلْتُعَاوَدْ
وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا
الثَّالِثَةُ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِغَيْرِهِمْ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ تُدْفَعُ إلَى من لَا يَجِدُ ما يَلْزَمُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ وهو من يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ وَلَا تُصْرَفُ في الْمُؤَلَّفَةِ وَالرِّقَابِ وَغَيْرِ ذلك
الرَّابِعَةُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ الْفَضْلِ بن زِيَادٍ ما أَحْسَنَ ما كان عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ يَفْعَلُ يعطى عن أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حتى مَاتَ وَهَذَا تَبَرُّعٌ بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِ وُجُوبِهَا مع إمْكَانِهِ
هذا الْمَذْهَبُ في الْجُمْلَةِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا على الْفَوْرِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ كَالْكَفَّارَةِ
قَوْلُهُ مع إمْكَانِهِ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَدَرَ على إخْرَاجِهَا لم يَجُزْ تَأْخِيرُهَا وَإِنْ تَعَذَّرَ أخراجها من النِّصَابِ لِغَيْبَةٍ أو غَيْرِهَا جَازَ التَّأْخِيرُ إلَى الْقُدْرَةِ وَلَوْ كان قَادِرًا على الْإِخْرَاجِ من غَيْرِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا
____________________
(3/186)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ إنْ وَجَبَتْ في الذِّمَّةِ ولم تَسْقُطْ بِالتَّلَفِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِضَرَرٍ عليه مِثْلَ أَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي عليه وَنَحْوِ ذلك كَخَوْفِهِ على نَفْسِهِ أو مَالِهِ
وَيَجُوزُ له التَّأْخِيرُ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ إلَى زَكَاتِهِ إذَا كان فَقِيرًا مُحْتَاجًا إلَيْهَا تَخْتَلُّ كِفَايَتُهُ وَمَعِيشَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا نَصَّ عليه وَيُؤْخَذُ منه ذلك عِنْدَ مَيْسَرَتِهِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِيُعْطِيَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَ يَعْقُوبُ لَا أُحِبُّ تَأْخِيرَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ قَوْمًا مِثْلَهُمْ في الْحَاجَةِ فَيُؤَخِّرُهَا لهم قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ
قُلْت منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ
وقال جَمَاعَةٌ منهم الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمُجَرَّدِهِ يَجُوزُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا لم يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَقَيَّدَ ذلك بَعْضُهُمْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ
قال في الْمُذْهَبِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مع الْقُدْرَةِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لِيَتَحَرَّى الْأَفْضَلَ جَازَ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ
وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِقَرِيبٍ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ( ( ( وقل ) ) ) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ
قُلْت منهم بن رَزِينٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ
وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ الْمَنْعَ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ في الْقَرِيبِ ولم يُقَيِّدَاهُ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ
وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِلْجَارِ كَالْقَرِيبِ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ولم يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَ الْمَنْعَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
____________________
(3/187)
وَعَنْهُ له أَنْ يعطى قَرِيبَهُ كُلَّ شَهْرٍ شيئا وَحَمَلَهَا أبو بَكْرٍ على تَعْجِيلِهَا قال الْمَجْدُ وهو خِلَافُ الظَّاهِرِ
وَعَنْهُ ليس له ذلك وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ كَقَحْطٍ وَنَحْوِهِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ
الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِمَّا نَحْنُ فيه نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ على لُزُومِ فَوْرِيَّةِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْقَوَاعِدُ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمَانِ على الْفَوْرِ قال ذلك بن تَمِيمٍ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وقال في الْفَائِقِ الْمَنْصُوصُ عَدَمُ لُزُومِ الْفَوْرِيَّةِ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بها أُخِذَتْ منه وَعُزِّرَ
وَكَذَا لو مَنَعَهَا تَهَاوُنًا زَادَ في الرِّعَايَةِ من عِنْدِهِ أو هَمْلًا قال في الْفُرُوعِ كَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ التعزيز ( ( ( التعزير ) ) )
قُلْت أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ إنْ فَعَلَهُ لِفِسْقِ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا لم يُعَزَّرْ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ بَلْ لو قِيلَ بِوُجُوبِ كِتْمَانِهِ وَالْحَالَةُ هذه لَكَانَ سَدِيدًا
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَعُزِّرَ إذَا كان عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذلك وَالْمُعَزِّرُ له هو الْإِمَامُ أو عَامِلُ الزَّكَاةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
وَقِيلَ إنْ كان مَالُهُ بَاطِنًا عَزَّرَهُ الْإِمَامُ أو الْمُحْتَسِبُ
____________________
(3/188)
قَوْلُهُ فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ أو كَتَمَهُ أو قَاتَلَ دُونَهَا وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا أُخِذَتْ منه من غَيْرِ زِيَادَةٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو بَكْرٍ في زَادِ الْمُسَافِرِ يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ وَقَدَّمَهُ الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً
قال أبو بَكْرٍ أَيْضًا يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ وقال إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ يُؤْخَذُ من خِيَارِ مَالِهِ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ بِشَطْرِهَا من غَيْرِ زِيَادَةِ عَدَدٍ وَلَا سِنٍّ
قال الْمَجْدُ وَهَذَا تَكَلُّفٌ ضَعِيفٌ
وَعَنْهُ تُؤْخَذُ منه وَمِثْلُهَا ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ وَقَالَهُ أبو بَكْرٍ أَيْضًا في زَادِ الْمُسَافِرِ
وقال بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ إذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ فَرَأَى الْإِمَامُ التَّغْلِيظَ عليه بِأَخْذِ زِيَادَةٍ عليها اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ في ذلك
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا مَحَلُّ هذا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٍ فِيمَنْ كَتَمَ مَالَهُ فَقَطْ وقال في الْحَاوِي وَكَذَا قِيلَ إنْ غَيَّبَ مَالَهُ أو قَاتَلَ دُونَهَا
الثَّانِي قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَمْدَانَ وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ عَدْلٍ فيها لم يَأْخُذْ من الْمُمْتَنِعِ زِيَادَةً
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ الْأَخْذَ كَمَسْأَلَةِ التَّعْزِيرِ السَّابِقَةِ
الثَّالِثُ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ عليها لم يَكْفُرْ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/189)
وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ قَاتَلَ عليها كَفَرَ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ يَكْفُرُ وَإِنْ لم يُقَاتِلْ عليها وَتَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يُمْكِنُ أَخْذُهَا اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ وَإِلَّا قُتِلَ
حُكْمُ اسْتِتَابَتِهِ هُنَا حُكْمُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ في الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِهِ وإذا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يُقْتَلُ كُفْرًا
فَائِدَةٌ إذَا لم يُمْكِنْ أَخْذُ الزَّكَاةِ منه إلَّا بِالْقِتَالِ وَجَبَ على الْإِمَامِ قِتَالُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى رِوَايَةً لَا يَجِبُ قِتَالُهُ إلَّا من جَحْدِ وُجُوبِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى ما يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ من نُقْصَانِ النِّصَابِ أو الْحَوْلِ أو انْتِقَالِهِ عنه في بَعْضِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ كَادِّعَائِهِ أَدَاءَهَا أو أَنَّ ما بيده لِغَيْرِهِ أو تَجَدَّدَ مِلْكُهُ قَرِيبًا أو أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ مُخْتَلِطٌ قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ نَصَّ عليه
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ يُسْتَحْلَفُ في ذلك كُلِّهِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا يُسْتَحْلَفُ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا فَلَا وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ فَعَلَ فَإِنْ نَكَلَ لم يَقْضِ عليه بِنُكُولِهِ وَقِيلَ يَقْضِي عليه
قُلْت فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُعَايَى بها
فَائِدَةٌ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُشْرَعُ
____________________
(3/190)
قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ الناس على صَدَقَاتِهِمْ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ
قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عنهما وَلِيُّهُمَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ إنْ خَافَ أَنْ يُطَالَبَ بِذَلِكَ كَمَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي لَكِنْ يَعْلَمُهُ إذَا بَلَغَ وَعَقِلَ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ
سَوَاءٌ كانت زَكَاةَ مَالٍ أو فِطْرَةٍ نَصَّ عليه قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم بن حَمْدَانَ يُشْتَرَطُ أَمَانَتُهُ قال في الْفُرُوعِ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ أَيْ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَهُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي وَإِلَى الْإِمَامِ أَيْضًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال نَاظِمُهَا
% زَكَاتُهُ يُخْرِجُ في الْأَيَّامِ % بِنَفْسِهِ أَوْلَى من الْإِمَامِ %
وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبَهَا وَفَاقَا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعُشْرَ وَيَتَوَلَّى هو تَفْرِيقَ الْبَاقِي
وقال أبو الْخَطَّابِ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَزَوَالِ التُّهْمَةِ
وَعَنْهُ دَفْعُ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَيْهِ أَفْضَلُ
وَعَنْهُ دَفْعُ الْفِطْرَةِ إلَيْهِ أَفْضَلُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ كما تَقَدَّمَ في آخِرِ بَابِ الْفِطْرَةِ
وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَى الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ
____________________
(3/191)
فَوَائِدُ
الْأُولَى يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ الْفَاسِقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَحْرُمُ عليه دَفْعُهَا إنْ وَضَعَهَا في غَيْرِ أَهْلِهَا وَيَجِبُ كَتْمُهَا إذَنْ عنه وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَيَأْتِي في بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ نَصَّ عليه في الْخَوَارِجِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ الزَّكَاةِ من الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إنْ وَضَعَهَا في أَهْلِهَا وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لَا نَظَرَ له في زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ إلَّا أَنْ يُبْذَلَ له وقال بن تَمِيمٍ فِيمَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ
قال الْقَاضِي إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ أو الْمُؤَذِّنُ له بِالْمَالِ على عَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَ منه الزَّكَاةَ قال وَقِيلَ لَا تُؤْخَذُ منه حتى يَحْضُرَ الْمَالِكُ
الثَّالِثَةُ لو طلبها ( ( ( طلقها ) ) ) الْإِمَامُ لم يَجِبْ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَلَيْسَ له أَنْ يُقَاتِلَهُ على ذلك إذَا لم يَمْنَعْ إخْرَاجُهَا بِالْكُلِّيَّةِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن شِهَابٍ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَقِيلَ يَجِبُ عليه دَفْعُهَا إذَا طَلَبهَا إلَيْهِ وَلَا يُقَاتَلُ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فيه جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ في الْخِلَافِ
قُلْت صَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ لَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَاطِنَةِ بِطَلَبِهِ قال بن تَمِيمٍ وَجْهًا وَاحِدًا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ من جَوَّزَ الْقِتَالَ على تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ جَوَّزَهُ هُنَا وَمَنْ لم يُجَوِّزْهُ إلَّا على تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لم يُجَوِّزْهُ
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في الْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارِ
____________________
(3/192)
وَقِيلَ ليس له ذلك وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
الْخَامِسَةُ يَجِبُ على الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ السُّعَاةَ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوُجُوبُ هو الْمَذْهَبُ ولم يذكر جَمَاعَةٌ هذه الْمَسْأَلَةَ فَيُؤْخَذُ منه لَا يَجِبُ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ وفي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ يُسْتَحَبُّ
وَيَجْعَلُ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ ومثله ( ( ( ومنه ) ) ) إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ وَجَدَ مَالًا لم يَحُلْ حَوْلُهُ فَإِنْ عَجَّلَ رَبُّهُ زَكَاتَهُ وَإِنَّمَا وَكَّلَ ثِقَةً يَقْبِضُهَا ثُمَّ يَصْرِفُهَا في مَصَارِفِهَا وَلَهُ جَعْلُ ذلك إلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ كان ثِقَةً وَإِنْ لم يَجِدْ ثِقَةً فقال الْقَاضِي يُؤَخِّرُهَا إلَى الْعَامِ الثَّانِي وقال الْآمِدِيُّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَهَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وقال في الْكَافِي إنْ لم يُعَجِّلْهَا فَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ أو يُؤَخِّرَهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي
وإذا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَرَّقَهَا في مَكَانِهَا وما قَارَبَهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَمَلَهُ
وَلَهُ بَيْعُ مَالِ الزَّكَاةِ لِحَاجَةٍ أو مَصْلَحَةٍ وَصَرْفُهُ في الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ أو حَاجَتِهِمْ حتى في أُجْرَةِ مَسْكَنٍ
وَإِنْ بَاعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فقال الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَقِيلَ يَصِحُّ وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وهو بن حَمْدَانَ في رِعَايَتَيْهِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي على الْبَيْعِ إنْ خَافَ تَلَفَهُ وَمَالَ إلَى الصِّحَّةِ وَكَذَا جَزَمَ بن تَمِيمٍ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِخَوْفِ تَلَفٍ وَمُؤْنَةِ نَقْلٍ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ
هذا بِلَا نِزَاعٍ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَيَنْوِي الزَّكَاةَ أو صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَلَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً لم يُجْزِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ من جِنْسِهِ لِأَنَّ
____________________
(3/193)
صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ له جِهَاتٌ فَلَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ إنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ الْمُعَيَّنِ أَجْزَأَهُ
وَلَوْ نَوَى صَدَقَةَ الْمَالِ أو الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الرِّعَايَةِ كَفَى في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وقال وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَكْفِي نِيَّةُ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أو صَدَقَةِ الْمَالِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من أَنَّهُ يَنْوِي الزَّكَاةَ قال وَهَذَا مُتَّجَهٌ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَلَا تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وفي تَعْلِيقِ الْقَاضِي في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَجْهٌ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ إذَا اخْتَلَفَ الْمَالُ مِثْلُ شَاةٍ عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ وَشَاةٍ أُخْرَى عن أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ وَدِينَارٍ عن نِصَابٍ تَالِفٍ وَدِينَارٍ آخَرَ عن نِصَابٍ قَائِمٍ وَصَاعٍ عن فِطْرَةٍ وَصَاعٍ آخَرَ عن عُشْرٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو نَوَى زَكَاةً عن مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كان تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَجْزَأَ عنه إنْ كان الْغَائِبُ تَالِفًا وَإِنْ كَانَا سَالِمَيْنِ أَجْزَأَ عن أَحَدِهِمَا وَلَوْ كان له خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ من الْغَنَمِ فقال هذه الشَّاةُ عن الْإِبِلِ أو الْغَنَمِ أَجْزَأَتْهُ عن إحْدَاهُمَا وَكَذَا لو كان له مَالٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَأَخْرَجَ وقال هذا زَكَاةُ مَالِي الْحَاضِرِ أو الْغَائِبِ وَإِنْ قال هذا عن مَالِي الْغَائِبِ إنْ كان سَالِمًا وَإِنْ لم يَكُنْ سَالِمًا فَتَطَوَّعَ فَبَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وقال أبو بَكْرٍ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لم يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ كَمَنْ قال هذه زَكَاةُ مَالِي أو نَفْلٌ أو هذه زَكَاةُ إرْثِي من مُوَرِّثِي إنْ كان مَاتَ لِأَنَّهُ لم يَبْنِ على أَصْلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ إنْ كان غَدًا من رَمَضَانَ فَفَرْضِيٌّ
____________________
(3/194)
وَإِلَّا فَنَفْلِيٌّ وقال الْمَجْدُ كَقَوْلِهِ إنْ كان وَقْتُ الظُّهْرِ دخل فَصَلَاتِي هذه عنها وقال جَمَاعَةٌ منهم ( ( ( منهما ) ) ) بن تَمِيمٍ لو قال في الصَّلَاةِ إنْ كان الْوَقْتُ دخل فَفَرْضٌ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ
وقال أبو الْبَقَاءِ فِيمَنْ بَلَغَ في الْوَقْتِ التَّرَدُّدُ في الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا وَلِهَذَا لو صلى أو نَوَى إنْ كان الْوَقْتُ قد دخل فَهِيَ فَرِيضَةٌ وَإِنْ لم يَكُنْ دخل فَنَافِلَةٌ لم يَصِحَّ له فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ في فَوَائِدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ هل يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَمْ لَا
الثَّانِيَةُ الْأَوْلَى مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلدَّفْعِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا على الدَّفْعِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَالصَّلَاةِ على ما سَبَقَ من الْخِلَافِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ على الْأَدْنَى بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وقال في الرَّوْضَةِ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ منه قَهْرًا
إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ منه وَأَخْرَجَهَا نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ ولم يَنْوِهَا رَبُّهَا أَجْزَأَتْ عن رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْمَجْدُ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال في الْقَوَاعِدِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ
وقال أبو الْخَطَّابِ لَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا من غَيْرِ نِيَّةٍ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا في فَتَاوِيهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَهَذَا أَصْوَبُ
وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ فإنه قال أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ لَا تجزئ ( ( ( يجزئ ) ) ) وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
____________________
(3/195)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ تُجْزِئُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا
وَعَلَى الثَّانِي تُجْزِئُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذلك لو دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا كُرْهًا وَقَهْرًا قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ طَائِعًا وَنَوَاهَا الْإِمَامُ دُونَ رَبِّهَا أنها لَا تُجْزِئُ بَلْ هو كَالصَّرِيحِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وهو اخْتِيَارُ أبي الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّاءِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في فَتَاوِيهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَقِيلَ تُجْزِئُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال في الْفُرُوعِ أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ كما تَقَدَّمَ
وَأَمَّا إذَا لم يَنْوِهَا رَبُّهَا وَلَا الْإِمَامُ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى نِيَّةٍ منه وَلَا من رَبِّ الْمَالِ
قُلْت فَعَلَى هذا الْقَوْلِ يُعَايَى بها
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَقَعُ نَفْلًا ويطالب ( ( ( وطالب ) ) ) بها
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو غَابَ الْمَالِكُ أو تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ فَأَخَذَ السَّاعِي من مَالِهِ أجرا ( ( ( أجزأ ) ) ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ له وِلَايَةَ أَخْذِهَا إذَنْ وَنِيَّةُ الْمَالِكِ مُتَعَذِّرَةٌ بما ( ( ( مما ) ) ) يُعْذَرُ فيه
____________________
(3/196)
الثَّانِيَةُ إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ وَنَوَاهَا دُونَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحِقِّ فكذا نَائِبُهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِ اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ من الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ
أَنَّهُ سَوَاءٌ بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ أو لَا
وَاعْلَمْ أنها إذَا دَفَعَهَا الْوَكِيلُ من غَيْرِ نِيَّةٍ فَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ وَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ أَجْزَأَتْ وَإِنْ دَفَعَهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ من نِيَّةِ الْوَكِيلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِجْزَاءُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ
قال في الْفُرُوعِ تُجْزِئُ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمَذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ
وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا بُدَّ من نِيَّةِ الْوَكِيلِ أَيْضًا وَالْحَالَةُ هذه وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وبن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو لم يَنْوِ الْمُوَكِّلُ وَنَوَاهَا الْوَكِيلُ عِنْدَ إخْرَاجِهَا لم تُجْزِهِ وَإِنْ نَوَاهَا الْوَكِيلُ صَحَّ وهو الْأَفْضَلُ بَعْدَ ما بَيَّنَهُمَا أو قَرُبَ
الثَّانِيَةُ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازَ التَّوْكِيلِ في دَفْعِ الزَّكَاةِ وهو صَحِيحٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَكُونَ ثِقَةً نَصَّ عليه وَأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفَائِقِ مُسْلِمًا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَحَكَى الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَجْهًا بِجَوَازِ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ في
____________________
(3/197)
إخْرَاجِهَا وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَقَلَهُ بن تَمِيمٍ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّهُ عَنَى شَيْخَهُ الْمَجْدَ كما لو اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا في ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ جَازَ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ في إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى الْمُوَكِّلَ وَكَفَتْ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى قُلْت وهو قَوِيٌّ
الثالثة ( ( ( الثانية ) ) ) لو قال شَخْصٌ لِآخَرَ أَخْرِجْ عَنِّي زَكَاتِي من مَالِكَ فَفَعَلَ أَجْزَأَ عن الْآمِرِ نَصَّ عليه في الْكَفَّارَةِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ في الزَّكَاةِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّصِّ وَأَلْحَقَ الْأَصْحَابُ بها الزَّكَاةَ في ذلك
الرَّابِعَةُ لو وَكَّلَهُ في إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وقال تَصَدَّقْ بِهِ ولم يَنْوِ الزَّكَاةَ فَأَخْرَجَهَا الْوَكِيلُ من الْمَالِ الذي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَنَوَاهَا زَكَاةً فَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ وَقِيلَ تُجْزِئُهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ
قُلْت وهو أَوْلَى وقد سَمَّى اللَّهُ الزَّكَاةَ صَدَقَةً
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
وَلَوْ قال تَصَدَّقْ بِهِ نَفْلًا أو عن كَفَّارَةٍ ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ بِهِ قبل أَنْ يَتَصَدَّقَ أَجْزَأَ عنهما لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ لَا يُجْزِئُ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ
الْخَامِسَةُ في صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ في دَفْعِ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا هو وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ
السَّادِسَةُ لو أَخْرَجَ شَخْصٌ من مَالِهِ زَكَاةً عن حَيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ لم يَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بها رَجَعَ في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ
____________________
(3/198)
السَّابِعَةُ لو أَخْرَجَهَا من مَالِ من هِيَ عليه بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقُلْنَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا على الْإِجَازَةِ فَأَجَازَهُ رَبُّهُ كَفَتْهُ كما لو أَذِنَ له وَإِلَّا فَلَا
قال في الرِّعَايَةِ وَقُلْت إنْ كان بَاقِيًا بِيَدِ من أَخَذَهُ أَجْزَأَتْ عن رَبِّهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَنْ كَالدَّيْنِ فَلَا يُجْزِئُ إسْقَاطُهُ من الزَّكَاةِ
الثَّامِنَةُ لو أَخْرَجَ زَكَاتَهُ من مَالِ غَصْبٍ لم يُجْزِهِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ أَجَازَهَا رَبُّهُ كَفَتْ مُخْرِجَهَا وَإِلَّا فَلَا
التَّاسِعَةُ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ زَادَ بَعْضُهُمْ وَيَحْمَدُ اللَّهَ على تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا
قَوْلُهُ وَيَقُولُ الْآخِذُ أَجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ له قَوْلُ ذلك وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كان الْآخِذُ الْفُقَرَاءَ أو الْعَامِلَ أو غَيْرَهُمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ على الْعَامِلِ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِأَهْلِهَا وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ لَفْظَةَ على ظَاهِرَةٌ في الْوُجُوبِ
وَأَوْجَبَ الدُّعَاءَ له الظَّاهِرِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ في قَوْلِهِ على الغاسل ( ( ( العاسل ) ) ) سَتْرُ ما رَآهُ أَنَّهُ على الْوُجُوبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْعُمْدَةِ وأبو الْخَطَّابِ في التَّمْهِيدِ في بَابِ الْحُرُوفِ أَنَّ على لِلْإِيجَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ على الْعَامِلِ أَنْ يَقُولَهَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ وقال بن تَمِيمٍ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْآخِذَ أَهْلٌ
____________________
(3/199)
لِأَخْذِهَا كُرِهَ إعْلَامُهُ بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وقال لِمَ يُبَكِّتُهُ يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ ما حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ
وقال بَعْضُهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ نَصَّ عليه قال في الْكَافِي لَا يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ وقال في الرَّوْضَةِ لَا بُدَّ من إعْلَامِهِ قال بن تَمِيمٍ وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ كما لو رَآهُ مُتَجَمِّلًا هذا إذَا عَلِمَ أَنَّ من عَادَتِهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ فَأَمَّا إنْ كان من عَادَتِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الزَّكَاةَ فَلَا بُدَّ من إعْلَامِهِ فَإِنْ لم يُعْلِمْهُ لم يُجْزِهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي وَاقْتَصَرَ عليه وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا وَاقْتَصَرَ عليه بن تَمِيمٍ وقال فيه بُعْدٌ
قُلْت فَعَلَى هذا الْقَوْلِ قد يُعَايَى بها
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا لها وَجَهِلَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا أو عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا لم يُجْزِهِ قُلْت بَلَى انْتَهَى
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ يُسْتَحَبُّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ
وَقِيلَ إنْ مَنَعَهَا أَهْلُ بَلَدِهِ اُسْتُحِبَّ له إظْهَارُهَا وَإِلَّا فَلَا وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَقِيلَ إنْ نفى عنه ظَنُّ السُّوءِ بِإِظْهَارِهِ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ ولم يَذْكُرْهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ
هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَعْرُوفُ في النَّقْلِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ وَسَوَاءٌ في ذلك نَقْلُهَا لِرَحِمٍ أو شِدَّةِ حَاجَةٍ أو لَا نَصَّ عليه وقال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ وبن
____________________
(3/200)
الْبَنَّاءِ يُكْرَهُ نَقْلُهَا من غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَنَقَلَ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ لَا يُعْجِبُنِي ذلك
وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ مُرَابِطَةَ الْغَازِي بِالثَّغْرِ قد تَطُولُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ
وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ مع رُجْحَانِ الْحَاجَةِ قال في الْفَائِقِ وَقِيلَ تُنْقَلُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَقَرِيبٍ مُحْتَاجٍ وَنَحْوِهِ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال يُقَيَّدُ ذلك بِمَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ وَتَحْدِيدُ الْمَنْعِ من نَقْلِ الزَّكَاةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ليس عليه دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَجُعِلَ مَحَلَّ ذلك الْأَقَالِيمُ فَلَا تُنْقَلُ الزَّكَاةُ من إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَتُنْقَلُ إلَى نَوَاحِي الْإِقْلِيمِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من يَوْمَيْنِ انْتَهَى وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ نَقْلِهَا لِلْقَرَابَةِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ نَقْلِهَا إلَى ما دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَعْنِي بِالْمَنْعِ
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ تُجْزِئُهُ على رِوَايَتَيْنِ
ذَكَرَهُمَا أبو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَحْرُمُ نَقْلُهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَشَرْحِ بن منجا وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا تُجْزِئُهُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا قال الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي ذلك ولم أَجِدْ عنه نَصًّا في هذه الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
____________________
(3/201)
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وهو ظَاهِرُ ما في الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على عَدَمِ الْجَوَازِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في بَلَدٍ لَا فُقَرَاءَ فيه أو كان بِبَادِيَةٍ فَيُفَرِّقُهَا في أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ
وَهَذَا عِنْدَ من لم يَرَ نَقْلَهَا لِأَنَّهُ كَمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَأَطْلَقَ في الرَّوْضَةِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى أُجْرَةُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ على رَبِّ الْمَالِ كَوَزْنٍ وَكَيْلٍ
الثَّانِيَةُ الْمُسَافِرُ بِالْمَالِ في الْبُلْدَانِ يُزَكِّيهِ في الْمَوْضِعِ الذي اقامه الْمَالِ فيه أَكْثَرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ يُوسُفَ بن مُوسَى وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعِ وقال نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ تَفْرِقَتُهُ في بَلَدِ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ من الْبُلْدَانِ التي كان بها في الْحَوْلِ وَعِنْدَ الْقَاضِي هو كَغَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِمَكَانِ الْوُجُوبِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ وَقِيلَ يُفَرِّقُهَا حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ في أَيِّ مَوْضِعٍ كان وَظَاهِرُ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ لِأَجْلِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَتَعَذَّرَ بِدُونِ النَّقْلِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَعْنِي بِالْجَوَازِ وما هو بِبَعِيدٍ
____________________
(3/202)
قَوْلُهُ فَإِنْ كان في بَلَدٍ وَمَالُهُ في آخَرَ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ في بَلَدِهِ
يَعْنِي في بَلَدِ الْمَالِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ نَصَّ عليه لَكِنْ لو كان الْمَالُ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هو
وَإِنْ كان نِصَابًا من السَّائِمَةِ في بَلَدَيْنِ فَعَنْهُ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ في كل بَلَدٍ تَعَذَّرَ ما فيه من الْمَالِ لِئَلَّا يَنْقُلَ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
الْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ إخْرَاجُهَا في أَحَدِهِمَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
قُلْت وهو أَوْلَى وَيُغْتَفَرُ مِثْلُ هذا لِأَجْلِ الضَّرَرِ لِحُصُولِ التَّشْقِيصِ وهو مُنْتَفٍ شَرْعًا وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَفِطْرَتُهُ في الْبَلَدِ الذي هو فيه
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو نَقَلَهَا فَفِي الْإِجْرَاءِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّف نَقْلًا وَمَذْهَبًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا في الْبَلَدِ الذي هو فيه قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وقال نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وكذا قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يُؤَدِّيهِ في بَلَدِ من لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ قال في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ
قُلْت قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الْفِطْرَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ نَقْلُ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وعليه ( ( ( وعلى ) ) ) أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ وقال في التَّلْخِيصِ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا في الْكَفَّارَةِ بِالْمَنْعِ فَيُخَرَّجُ في النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ مِثْلُهُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ
____________________
(3/203)
الفقراء ( ( ( لفقراء ) ) ) الْبَلَدِ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا في فُقَرَائِهِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وإذا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ اُسْتُحِبَّ له وَسْمُ الْإِبِلِ في أَفْخَاذِهَا
وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَفِي آذَانِهَا كما قال الْمُصَنِّفُ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال أبو الْمَعَالِي بن المنجا ( ( ( المنجى ) ) ) الْوَسْمُ بِالْحِنَّاءِ أو بِالْقِيرِ أَفْضَلُ انْتَهَى
وَيَأْتِي مَتَى تُمْلَكُ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ في أَوَاخِرِ الْبَابِ الذي بَعْدَهُ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عن الْحَوْلِ إذَا كَمُلَ النِّصَابُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ كَالدَّيْنِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا بَأْسَ بِهِ زَادَ الْأَثْرَمُ هو مِثْلُ الْكَفَّارَةِ قبل الْحِنْثِ وَالظِّهَارُ أَصْلُهُ قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا على حَدٍّ وَاحِدٍ فِيهِمَا الْخِلَافُ في الْجَوَازِ وَالْفَضِيلَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا تَرْكُ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ قال في الْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ
قُلْت وهو تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَثْرَمِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ في كَلَامِ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا إنَّ النِّصَابَ وَالْحَوْلَ سَبَبَانِ فَقُدِّمَ الْإِخْرَاجُ على أَحَدِهِمَا
قُلْت صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وقال في الْمُحَرَّرِ الْحَوْلُ شَرْطٌ في زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ قال في الْفُرُوعِ وفي كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ
قُلْت صَرَّحَ بِذَلِكَ في الْمُقْنِعِ فقال في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ وقال بَعْدَ ذلك الْخَامِسُ مضى الْحَوْلِ شَرْطٌ وَصَرَّحَ بِهِ في
____________________
(3/204)
الْمُبْهِجِ وَالْكَافِي قال في الْفُرُوعِ وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ
قُلْت وهو أَيْضًا في كَلَامِ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ
وقال في الْوَجِيزِ وَمِلْكُ النِّصَابِ شَرْطٌ وَسَكَتَ عن الْحَوْلِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ تَعْجِيلِ زَكَاةِ مَالِ الْمَحْجُورِ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا
قُلْت وهو الْأَوْلَى
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وفي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ من حَوْلِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ له وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالشَّارِحُ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالتَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَالَ إلَيْهِ في الشَّرْحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يجوز ( ( ( تجوز ) ) ) لِأَكْثَرَ من حَوْلٍ لِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ لم يَنْعَقِدْ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ قال في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ ويجوز ( ( ( ويحوز ) ) ) لِحَوْلٍ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ قال بن عَقِيلٍ في
____________________
(3/205)
الْفُصُولِ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فيه اقْتِصَارًا على ما وَرَدَ قال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وهو تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيهِمَا وَهَكَذَا في التَّلْخِيصِ
لَكِنْ وُجِدَ في بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ وفي تَعْجِيلِهَا لِحَوْلَيْنِ رِوَايَتَانِ وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى مَقْرُوءَةٌ على الْمُصَنِّفِ
قال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ يَجُوزُ أَعْوَامًا نَقَلَهُ عنه بن تَمِيمٍ
وقال في الرَّوْضَةِ يَجُوزُ لِأَعْوَامٍ نَقَلَهُ عنه في الْفَائِقِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ أو عن ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أو عن أَكْثَرَ
فَائِدَةٌ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ فَعَجَّلَ عن أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ من غَيْرِهَا جَازَ وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ عنهما وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَكَذَا لو عَجَّلَ شَاةً وَاحِدَةً عن الْحَوْلِ الثَّانِي وَحْدَهُ لِأَنَّ ما عَجَّلَهُ منه لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عنه وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَجِعُ ما عَجَّلَهُ لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ مِلْكٍ فَإِنْ مَلَكَ شَاةً اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ من الْكَمَالِ
وَقِيلَ إنْ عَجَّلَ شَاةً من الْأَرْبَعِينَ أَجْزَأَ عن الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا يَرْجِعُ وَإِنْ عَجَّلَ وَاحِدَةً من الْأَرْبَعِينَ وَأُخْرَى من غَيْرِهَا جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً منه وَشَاةً من غَيْرِهِ أَجْزَأَ عن الْحَوْلِ الْأَوَّلِ ولم يُجْزِئْ عن الثَّانِي لِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ وَإِنْ تَكَمَّلَ بِهِ ذلك صَارَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ وَتَعْجِيلُهُ لها قبل كَمَالِ نِصَابِهَا
قَوْلُهُ فَإِنْ عَجَّلَهَا عن النِّصَابِ وما يَسْتَفِيدُهُ أَجْزَأَ عن النِّصَابِ دُونَ الزِّيَادَةِ
____________________
(3/206)
وَكَذَا لو عَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ من مَلَكَ نِصَابًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا نَصَّ عليه
وَعَنْهُ تُجْزِئُ عن الزِّيَادَةِ أَيْضًا لِوُجُوبِ سَبَبِهَا في الْجُمْلَةِ حَكَاهَا بن عَقِيلٍ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من هذه الرِّوَايَةِ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ بِضَمِّهِ إلَى الْأَصْلِ في حَوْلِ الْوُجُوبِ وَكَذَا في التَّعْجِيلِ وَلِهَذَا اخْتَارَ في الِانْتِصَارِ تُجْزِئُ عن الْمُسْتَفَادِ من النِّصَابِ فَقَطْ وَقِيلَ بِهِ إنْ لم يَبْلُغْ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ في الْوُجُوبِ وَالْحَوْلِ كموجود ( ( ( كوجود ) ) ) فإذا بَلَغَهُ اُسْتُقْبِلَ بِالْوُجُوبِ في الْجُمْلَةِ لو لم يُوجَدْ الْأَصْلُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في الثَّانِيَةِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ عن النَّمَاءِ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وقال في الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ لو عَجَّلَ الزَّكَاةَ عن نَمَاءِ النِّصَابِ قبل وُجُودِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا يُفَرَّقُ بين أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِصَابًا فَلَا يَجُوزُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ فَيَجُوزُ قال وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ بِالْفَرْقِ بين أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِتَاجَ مَاشِيَةٍ أو رِبْحَ تِجَارَةٍ فَيَجُوزُ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو عَجَّلَ عن خَمْسَ عَشْرَةَ من الْإِبِلِ وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَتَجَتْ مِثْلَهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل له أَنْ يَرْتَجِعَ لِلْمُعَجَّلَةِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ
قُلْت الْأَوْلَى جَوَازُ الِارْتِجَاعِ
فَإِنْ جَازَ الِارْتِجَاعُ فَأَخَذَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ جَازَ وَإِنْ اعْتَدَّ بها قبل أَخْذِهَا لم يَجُزْ لِأَنَّهَا على مِلْكِ الْفَقِيرِ
الثَّانِيَةُ لو عَجَّلَ مُسِنَّةً عن ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا فَنَتَجَتْ عَشْرًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تُجْزِئُهُ عن الْجَمِيعِ بَلْ عن الثَّلَاثِينَ قال في الْفُرُوعِ هذا
____________________
(3/207)
الْأَشْهَرُ وَقِيلَ تُجْزِئُهُ عن الْجَمِيعِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ ليس له ارْتِجَاعُهَا وَيُخْرِجُ لِلْعُشْرِ رُبُعَ مُسِنَّةٍ وَعَلَى قَوْلِ بن حَامِدٍ يُخَيَّرُ بين ذلك وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ الْمُسِنَّةِ وَيُخْرِجُهَا أو غَيْرَهَا عن الْجَمِيعِ
الثَّالِثَةُ لو عَجَّلَ عن أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً ثُمَّ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا أو نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عن الْبَدَلِ وَالسِّخَالِ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مع بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عن الْكُلِّ فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وقال قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ أبو الْفَرَجِ بن أبي الْفَهْمِ وَجْهًا لَا تُجْزِئُ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كان لِغَيْرِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو عَجَّلَ شَاةً عن مِائَةِ شَاةٍ أو تَبِيعًا عن ثَلَاثِينَ بَقَرَةً ثُمَّ نَتَجَتْ الْأُمَّاتُ مِثْلَهَا وَمَاتَتْ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عن النِّتَاجِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ في الْحَوْلِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مع بَقَاءِ الْأُمَّاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ لو نَتَجَتْ نِصْفُ الشِّيَاهِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أُمَّاتُ الْأَوْلَادِ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عنها
وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ مِثْلُهُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لِأَنَّهُ نِصَابٌ لم يُزَكِّهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهُ قَسَّطَ السِّخَالَ من وَاجِبِ الْمَجْمُوعِ ولم يَصِحَّ التَّعْجِيلُ عنها وقال أبو الْفَرَجِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ قال بن تَمِيمٍ وهو الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
وَلَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الْبَقَرِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ في الْعُجُولِ تَبَعًا وَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ على الثَّانِي بِنِصْفِ تَبِيعٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا قِسْطُهَا من الْوَاجِبِ
____________________
(3/208)
الرَّابِعَةُ لو عَجَّلَ عن أَحَدِ نِصَابَيْهِ وَتَلِفَ لم يَصْرِفْهُ إلَى الْآخَرِ كما لو عَجَّلَ شَاةً عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ فَتَلِفَتْ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً لم يُجْزِهِ عنها وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْقَاضِي في تَخْرِيجِهِ من له ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ فَعَجَّلَ عن جِنْسٍ منها ثُمَّ تَلِفَ صَرَفَهُ إلَى الْآخَرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
الْخَامِسَةُ لو كان له أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقُلْنَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ وَعَنْ الزِّيَادَةِ قبل حُصُولِهَا فَعَجَّلَ خَمْسِينَ وقال إنْ رَبِحْت أَلْفًا قبل الْحَوْلِ فَهِيَ عنها وَإِلَّا كانت لِلْحَوْلِ الثَّانِي جَازَ
السَّادِسَةُ لو عَجَّلَ عن أَلْفٍ يَظُنُّهَا له فَبَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ أَجْزَأَ عن عَامَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قبل طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ لم يُجْزِهِ
وَكَذَا لو عَجَّلَ عُشْرَ الزَّرْعِ قبل ظُهُورِهِ وَالْمَاشِيَةِ قبل سَوْمِهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّجَرِ وَوَضْعِ الْبَذْرِ في الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ لِلْوُجُوبِ إلَّا مُضِيُّ الْوَقْتِ عَادَةً كَالنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ وَصَالِحٌ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْتَسِبَ في الْعُشْرِ بِمَا زَادَ عليه السَّاعِي لِسَنَةٍ أُخْرَى
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قبل طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ جَوَازُ التَّعْجِيلِ بَعْدَ طُلُوعِ ذلك وَظُهُورِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ لِأَنَّ ظُهُورَ ذلك كَالنِّصَابِ وَالْإِدْرَاكُ كَالْحَوْلِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حتى يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَيَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ جَزَمَ
____________________
(3/209)
بِهِ في الْمُبْهِجِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت وَكَذَا يُخَرَّجُ الْخِلَافُ إنْ أَسَامَهَا دُونَ أَكْثَرِ السَّنَةِ
وقال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وهو بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَجَوَّزَهُ أبو الْخَطَّابِ إذَا ظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ وَطَلَعَ الزَّرْعُ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِحَالٍ بِسَبَبِ أَنَّ وُجُوبَهَا يُلَازِمُ وُجُودَهَا ذَكَرَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وهو نَاقِصٌ قَدْرَ ما عَجَّلَهُ جَازَ
وكان حُكْمُ ما عَجَّلَهُ كَالْمَوْجُودِ في مِلْكِهِ يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ لِأَنَّهُ كَمَوْجُودٍ في مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَوْلِ في إجْزَائِهِ عن مَالِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال أبو حَكِيمٍ لَا يُجْزِئُ وَيَكُونُ نَفْلًا وَيَكُونُ كَتَالِفٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاةً ثُمَّ نَتَجَتْ قبل الْحَوْلِ وَاحِدَةً لَزِمَهُ شَاةٌ ثَانِيَةٌ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةً لَزِمَتْهُ شَاةٌ ثَالِثَةٌ
بِنَاءً على الْمَذْهَبِ في الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا وَعَلَى قَوْلِ أبي حَكِيمٍ لَا يَلْزَمُهُ
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا لو عَجَّلَ عن ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَ دَرَاهِمَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَنَقَلَهُ مُهَنَّا
وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ زَكَاةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا
____________________
(3/210)
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ على الثَّانِي يَلْزَمُهُ زَكَاةُ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ
وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَهْوٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ في مِلْكِهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخَمْسَةِ الْمُعَجَّلَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ فَالْخَمْسَةُ الْمُخْرَجَةُ أَجْزَأَتْ عن مِائَتَيْنِ وَهِيَ كَالتَّالِفَةِ على قَوْلِ أبي حَكِيمٍ فَلَا تَجِبُ فيها زَكَاةٌ وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ على الْبَاقِي وَهِيَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا لو عَجَّلَ عن أَلْفٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ منها ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لَزِمَهُ زَكَاتُهَا على الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَمِنْهَا لو تَغَيَّرَ بِالْمُعَجَّلِ قَدْرُ الْفَرْضِ قُدِّرَ كَذَلِكَ على الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِي لَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو نَتَجَ الْمَالُ ما يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ كما لو عَجَّلَ تَبِيعًا عن ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ فَنَتَجَتْ عشر ( ( ( عشرا ) ) ) فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عن شَيْءٍ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ هل له ارْتِجَاعُ الْمُعَجَّلِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
قُلْت إنْ كان الْمُعَجَّلُ مَوْجُودًا سَاغَ ارْتِجَاعُهُ
الثَّانِيَةُ لو أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ حَقِّهِ من رَبِّ الْمَالِ اعْتَدَّ بِالزِّيَادَةِ من سَنَةٍ ثَانِيَةٍ نَصَّ عليه وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا يَحْسِبُ ما أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ من الزَّكَاةِ أَيْضًا وَعَنْهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ
وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بين الرِّوَايَتَيْنِ فقال إنْ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ اُعْتُدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلَهَا على ذلك وَحَمَلَ الْمَجْدُ رِوَايَةَ الْجَوَازِ على أَنَّ السَّاعِيَ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى التَّعْجِيلَ قال وَإِنْ عَلِمَ أنها لَيْسَتْ عليه وَأَخَذَهَا لم يُعْتَدَّ بها
____________________
(3/211)
على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا غَصْبًا قال وَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّ من ظُلِمَ في خَرَاجِهِ يَحْتَسِبُهُ من الْعُشْرِ أو من خَرَاجٍ آخَرَ فَهَذَا أَوْلَى وَنَقَلَ عنه حَرْبٌ في أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ منها نِصْفَ الْغَلَّةِ ليس له ذلك قِيلَ له فيزكى الْمَالِكُ عَمَّا بَقِيَ في يَدِهِ قال يُجْزِئُ ما أَخَذَهُ السُّلْطَانُ من الزَّكَاةِ يَعْنِي إذَا نَوَى بِهِ الْمَالِكُ
وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ إنْ زَادَ في الْخِرْصِ هل يُحْتَسَبُ بِالزِّيَادَةِ من الزَّكَاةِ فيه رِوَايَتَانِ قال وَحَمَلَ الْقَاضِي الْمَسْأَلَةَ على أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَإِلَّا لم يُجْزِهِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ما أَخَذَهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَلَوْ فَوْقَ الْوَاجِبِ بِلَا تَأْوِيلٍ اُعْتُدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا
وقال في الرِّعَايَةِ يُعْتَدُّ بِمَا أَخَذَهُ وَعَنْهُ بِوَجْهٍ سَائِغٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ في آخِرِ فَصْلِ شِرَاءِ الذِّمِّيِّ لِأَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا فَمَاتَ أو ارْتَدَّ أو اسْتَغْنَى
يَعْنِي من دُفِعَتْ إلَيْهِ من هَؤُلَاءِ أَجْزَأَتْ عنه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لم تُجْزِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ غنى جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ وأما إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ فَقِيرٌ وهو في الْبَاطِنِ غَنِيٌّ فَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْبَابِ الذي بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى من لَا يَسْتَحِقُّهَا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ
فَائِدَةٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قبل الْحَوْلِ لم يَرْجِعْ على الْمَسَاكِينِ أَنَّ الزَّكَاةَ إذَا عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قبل الْحَوْلِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عليه وهو صَحِيحٌ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاةٍ وَكَذَا الْحُكْمُ
____________________
(3/212)
لو ارْتَدَّ الْمَالِكُ أو نَقَصَ النِّصَابُ وَكَذَا لو مَاتَ الْمَالِكُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ إنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ عَجَّلَ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَأَجْزَأَتْ عن الْوَارِثِ
قَوْلُهُ لم يَرْجِعْ على الْمَسَاكِينِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاتِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هذا الْمَذْهَبُ لِوُقُوعِهِ نَفْلًا بِدَلِيلِ مِلْكِ الْفَقِيرِ لها قال الْمَجْدُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الرِّعَايَةِ لم يَرْجِعْ في الْأَصَحِّ
وَقِيلَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فيه قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ أَوْمَأَ إلَيْهِ في رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ زَكَاةَ مَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ يَأْخُذُهَا منه اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن شِهَابٍ وأبو الْخَطَّابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال غَيْرُ وَاحِدٍ منهم بن تَمِيمٍ على هذا الْقَوْلِ إنْ كان الدَّافِعُ وَلِيَّ رَبِّ الْمَالِ رَجَعَ مُطْلَقًا وَإِنْ كان رَبَّ الْمَالِ وَدَفَعَ إلَى السَّاعِي مُطْلَقًا رَجَعَ فيها ما لم يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ كما لو دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ غَيْرُ أحد ( ( ( واحد ) ) ) عن بن حَامِدٍ إنْ كان الدَّافِعُ لها السَّاعِيَ رَجَعَ مُطْلَقًا
قُلْت منهم الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ في الْفُرُوعِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ على أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ وَحَكَاهُ أبو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ وَحَكَى في الْوَسِيلَةِ أَنَّ مِلْكَهُ لِلرُّجُوعِ رِوَايَةٌ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي فيه
فَائِدَةٌ لو أَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ السَّاعِيَ أَنَّ هذه زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَدَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفَقِيرِ رَجَعَ عليه أَعْلَمَهُ السَّاعِي بِذَلِكَ أو لم يُعْلِمْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ عليه إذَا لم يُعْلِمْهُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ كما قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهِيَ دَاخِلَةٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
____________________
(3/213)
وَإِنْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ وَأَعْلَمَهُ أنها زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عليه وَإِلَّا فَلَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ هُنَا وَقِيلَ يَرْجِعُ وَإِنْ لم يُعْلِمْهُ
وَإِنْ عَلِمَ الْفَقِيرُ أنها زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عليه وَإِلَّا فَلَا قال بن تَمِيمٍ جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وقال وَإِنْ لم يَعْلَمْ فَأَوْجُهٌ الثَّالِثُ يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عليه مُطْلَقًا على الْمُقَدَّمِ عِنْدَهُ وقال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ في الْوَلِيِّ أَوْجُهٌ الثَّالِثُ يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ قال وكذا من دَفَعَ إلَى السَّاعِي وَقِيلَ يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ وَكَانَتْ بيده
فَائِدَةٌ مَتَى كان رَبُّ الْمَالِ صَادِقًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بَاطِنًا أَعْلَمَهُ بِالتَّعْجِيلِ أو لَا لَا ظَاهِرًا مع إطْلَاقِ أَنَّهُ خِلَافٌ الظاهر ( ( ( للظاهر ) ) )
وَإِنْ اخْتَلَفَا في ذِكْرِ التَّعْجِيلِ صُدِّقَ الْآخِذُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَيَحْلِفُ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
وَحَيْثُ قُلْنَا له الرُّجُوعُ وَرَجَعَ فَإِنْ كانت الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ وهو الْأَظْهَرُ لِحُدُوثِهَا في مِلْكِ الْفَقِيرِ كَنَظَائِرِهِ وَأَشَارَ أبو الْمَعَالِي إلَى تَرَدُّدِ الْأَمْرِ بين الزَّكَاةِ وَالْفَرْضِ فإذا تَبَيَّنَّا أنها لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَقِيَ كَوْنُهَا فَرْضًا
وَقِيلَ يَرْجِعُ بِالْمُنْفَصِلَةِ أَيْضًا كَرُجُوعِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ الْمُسْتَرِدِّ عَيْنَ مَالِهِ بها ذَكَرَهُ الْقَاضِي قال في الْقَوَاعِدِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
وَإِنْ نَقَصَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَهَا كَجُمْلَتِهَا وَأَبْعَاضِهَا كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/214)
وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ قال وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي في ضَمَانِ النَّقْصِ وَلَوْ كان جُزْءًا منها
وَإِنْ كانت تَالِفَةً ضَمِنَ مِثْلَهَا أو قِيمَتَهَا يوم التَّعْجِيلِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ من الْأَصْحَابِ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ ما قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يوم التَّلَفِ على صِفَتِهَا يوم التَّعْجِيلِ لِأَنَّ ما زَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَدَثَ في مِلْكِ الْفَقِيرِ وَلَا يَضْمَنُهُ وما نَقَصَ يَضْمَنُهُ انْتَهَى
وَأَمَّا بن تَمِيمٍ فقال ضَمِنَهَا يوم التَّعْجِيلِ
وقال شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الْمَجْدَ يوم التَّلَفِ على صِفَتِهَا يوم التَّعْجِيلِ
فَصَاحِبُ الْفُرُوعِ فَسَّرَ مُرَادَ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمَجْدُ وبن تَمِيمٍ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا في الْمَسْأَلَةِ وَتَفْسِيرُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَوْلَى وَأَقْعَدُ
وقال في الرِّعَايَةِ وَيَغْرَمُ نَقْصَهَا يوم رَدِّهَا أو قِيمَتَهَا إنْ تَلِفَتْ أو مِثْلَهَا يوم عُجِّلَتْ وَقِيلَ بَلْ يوم التَّلَفِ فَصِفَتُهَا يوم عُجِّلَتْ
وَقِيلَ يَضْمَنُ المثلى بمثله وَغَيْرَهُ بِقِيمَتِهِ يوم عُجِّلَ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ
فَوَائِدُ
منها لو اسْتَسْلَفَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَتَلِفَتْ في يَدِهِ من غَيْرِ تَفْرِيطٍ لم يَضْمَنْهَا وَكَانَتْ من ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذلك أو رَبُّ الْمَالِ أو لم يَسْأَلْهُ أَحَدٌ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَقِيلَ إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي ضمنت ( ( ( ضمن ) ) ) من مَالِ الزَّكَاةِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ لَا وَذَكَرَ بن حَامِدٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُ إلَى الْفَقِيرِ عِوَضَهَا من مَالِ الصَّدَقَاتِ
وَمِنْهَا لو تَعَمَّدَ الْمَالِكُ إتْلَافَ النِّصَابِ أو بَعْضِهِ بَعْدَ التَّعْجِيلِ غير قَاصِدٍ الْفِرَارَ منها فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّالِفِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ في الرُّجُوعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما لو سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ قَبْضَهَا أو قَبْضَهَا لِحَاجَةِ صِغَارِهِمْ وَكَمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ
____________________
(3/215)
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ فِيمَا إذَا أُتْلِفَتْ دُونَ الزَّكَاةِ لِلتُّهْمَةِ وقال في الرِّعَايَةِ وَهَلْ إتْلَافُهُ مَالَهُ عَمْدًا بَعْدَ التَّعْجِيلِ كَتَلَفِهِ لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أو كَإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ انْتَهَى
وَمِنْهَا لو أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَتْ قبل أَنْ يَقْبِضَهَا الْفَقِيرُ لَزِمَهُ بَدَلُهَا
وَمِنْهَا يُشْتَرَطُ لِمِلْكِ الْفَقِيرِ لها وَإِجْزَائِهَا عن رَبِّهَا قَبْضُهُ فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءُ الْفُقَرَاءِ وَلَا عَشَاؤُهُمْ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفَقِيرِ فيها قبل قَبْضِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَخَرَّجَ الْمَجْدُ في الْمُعَيَّنَةِ الْمَقْبُولَةِ كَالْمَقْبُوضَةِ كَالْهِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالرَّهْنِ قال وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ عَيَّنَ زَكَاتَهُ فَقَبِلَهَا الْفَقِيرُ فَتَلِفَتْ قبل قَبْضِهِ لم يُجْزِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ في الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْفَرْضِ وَغَيْرِهَا طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالشِّيرَازِيِّ في الْمُبْهِجِ وَنَصَّ عليه في مَوَاضِعَ
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَمْلِكُ في الْمُبْهَمِ بِدُونِ الْقَبْضِ وفي الْمُعَيَّنِ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ إلَّا أَنَّهُمَا حَكَيَا في الْمُعَيَّنِ رِوَايَتَيْنِ كَالْهِبَةِ انْتَهَى
فإذا قُلْنَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا
قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ نَصَّ أَحْمَدُ على جَوَازِ التَّوْكِيلِ قال وهو نَوْعُ تَصَرُّفٍ فَقِيَاسُهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ وَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْهِبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْعَقْدِ
وَلَوْ قال الْفَقِيرُ لِرَبِّ الْمَالِ اشْتَرِ لي بها ثَوْبًا ولم يَقْبِضْهَا منه لم يُجْزِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ كان لِلْمَالِكِ وَلَوْ تَلِفَ كان من ضَمَانِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ من إذْنِهِ لِغَرِيمِهِ في الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عنه أو صَرْفِهِ أو الْمُضَارَبَةِ بِهِ
____________________
(3/216)
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذلك
وَيَأْتِي في الْبَابِ الذي بَعْدَهُ إذَا أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ أو أَحَالَ الْفَقِيرَ بِالزَّكَاةِ هل تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عنه عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ الْفُقَرَاءُ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِمْ وَالثَّانِي الْمَسَاكِينُ وَهُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا من الْمِسْكِينِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ عَكْسُهُ اخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ اللُّغَوِيُّ وهو من الْأَصْحَابِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ صِفَتَانِ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عن الْمَسَاكِينِ هُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْهَادِي وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وقال في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَجَمَاعَةٌ هُمْ الَّذِينَ لهم أَكْثَرُ الْكِفَايَةِ وقال النَّاظِمُ هُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ جُلَّ الْكِفَايَةِ وقال في الْكَافِي هُمْ الَّذِينَ لهم ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِمْ وقال في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ هُمْ الَّذِينَ لهم ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِمْ وَلَا يَجِدُونَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ وهو مُرَادُهُ في الْكَافِي
وقال بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ هُمْ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ على بَعْضِ كِفَايَتِهِمْ وقال بن رَزِينٍ الْمِسْكِينُ من لم يَجِدْ أَكْثَرَ كِفَايَتِهِ فَلَعَلَّهُ من يَجِدُ بِإِسْقَاطِ لم أو أَرَادَ نِصْفَ الْكِفَايَةِ فَقَطْ
____________________
(3/217)
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُمْ الَّذِينَ لهم أَكْثَرُ كِفَايَتِهِمْ وهو مُعْظَمُهَا أو ما يَقَعُ مَوْقِعًا منها كَنِصْفِهَا وقال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْمِسْكِينُ من وَجَدَ أَكْثَرَهَا أو نِصْفَهَا
فَتَلَخَّصَ من عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ الْمِسْكِينَ من يَجِدُ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُهَا وَكَذَا جُلُّهَا وقد فَسَّرَ في الرِّعَايَةِ أَكْثَرَهَا بِمُعْظَمِهَا لَكِنَّ أَعْظَمَهَا وَجُلَّهَا في النَّظَرِ أَخَصُّ من أَكْثَرِهَا فإنه يُطْلَقُ على أَكْثَرِ من النِّصْفِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ بِخِلَافِ جُلِّهَا وَقَرِيبٌ منه مُعْظَمُهَا وفي عِبَارَاتِهِمْ من يَقْدِرُ على بَعْضِهَا وَنِصْفِهَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ من ذَكَرَ بَعْضَهَا على نِصْفِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ من النِّصْفِ وَأَنَّهَا أَقْوَالٌ
وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ فَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِمْ أو لَا يَجِدُونَ شيئا البتة وقال في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ هُمْ الَّذِينَ لَا صَنْعَةَ لهم وَالْمَسَاكِينُ هُمْ الَّذِينَ لهم صَنْعَةٌ وَلَا مَغْنَمَ بِهِمْ وقال الْخِرَقِيُّ الْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا في الْغَالِبِ وَإِلَّا حَيْثُ وُجِدَ من ليس معه شَيْءٌ أو معه وَلَكِنْ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِمْ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِنْ كان له صَنْعَةٌ أو غير زَمِنٍ وَلَا ضَرِيرٍ
الثَّانِي قَوْلُهُ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ حَصَرَ من يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ في هذه الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وهو حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ في الْخَبَرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ الْأَخْذُ منها مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْأَخْذِ من الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَشْتَغِلُ فيها بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من كُتُبِ الْعِلْمِ التي لَا بُدَّ منها لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ انْتَهَى وهو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ لو قَدَرَ على الْكَسْبِ وَلَكِنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ لم يُعْطَ من الزَّكَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(3/218)
قُلْت وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ وَالْحَالَةُ هذه أَفْضَلُ من الْعِبَادَاتِ
وَلَوْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ وهو قَادِرٌ على الْكَسْبِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فقال في التَّلْخِيصِ لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فيها قَوْلًا وَاَلَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ انْتَهَى
قُلْت الْجَوَازُ قَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يُعْطَى إلَّا إذَا كان الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ يَلْزَمُهُ
الثَّالِثُ شَمَلَ قَوْلُهُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وهو صَحِيحٌ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى الْكَبِيرُ لَا خِلَافَ في جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ إعْطَاءِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ ذَكَرَهَا الْمَجْدُ وَنَقَلَهَا صَالِحٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ قَوْلٌ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قال في الْمُسْتَوْعِبِ وقال الْقَاضِي لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى صَبِيٍّ لم يَأْكُلْ الطَّعَامَ وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ ذَكَرَهُ في بَابِ الظِّهَارِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَحَيْثُ جَازَ الْأَخْذُ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ في أُجْرَةِ رَضَاعَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وما لَا بُدَّ منه
إذَا عَلِمْت ذلك فَاَلَّذِي يَقْبَلُ وَيَقْبِضُ له الزَّكَاةَ وَالْهِبَةَ وَالْكَفَّارَةَ من يَلِي مَالَهُ وهو وَلِيُّهُ من أَبٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ وَوَكِيلِ الْوَلِيِّ الْأَمِينِ
قال بن مَنْصُورٍ قُلْت لِأَحْمَدَ قال سُفْيَانُ لَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إلَّا الْأَبُ أو وَصِيٌّ أو قَاضٍ قال أَحْمَدُ جَيِّدٌ
وَقِيلَ له في رِوَايَةِ صَالِحٍ قَبَضَتْ الْأُمُّ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ فقال لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا وَلَا يَكُونُ إلَّا الْأَبُ
قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ عن أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ غَيْرِ الْوَلِيِّ مع عَدَمِهِ مع أَنَّهُ الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
____________________
(3/219)
وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فيه خِلَافًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ من يَلِيهِ من أُمٍّ أو قَرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ حِفْظَهُ من الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى من مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّ هذا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ
نَقَلَ هَارُونُ الْحَمَّالُ في الصِّغَارِ يعطى أَوْلِيَاؤُهُمْ فَقُلْت ليس لهم وَلِيٌّ قال يعطى من يعنى بِأَمْرِهِمْ وَنَقَلَ منها في الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَقْبِضُ له وَلِيُّهُ قُلْت ليس له وَلِيٌّ قال يعطى الذي يَقُومُ عليه
وَذَكَرَ الْمَجْدُ نَصًّا ثَالِثًا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مُطْلَقًا قال بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ يعطى من الزَّكَاةِ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ قال نعم يعطى أَبَاهُ أو من يَقُومُ بِشَأْنِهِ
وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ هذه الرِّوَايَةَ ثُمَّ قال قُلْت إنْ تَعَذَّرَ وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ يَصِحُّ من الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الزَّكَاةِ وَالْهِبَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِهَا قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال على ظَاهِرِ كَلَامِهِ قال الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَحْمَدَ يعطى غُلَامًا يَتِيمًا من الزَّكَاةِ قال نعم يَدْفَعُهَا إلَى الْغُلَامِ قُلْت فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَيِّعَهُ قال يَدْفَعُهُ إلَى من يَقُومُ بِأَمْرِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَارِثِيِّ
قال في الْفُرُوعِ وَالْمُمَيِّزُ كَغَيْرِهِ وَعَنْهُ ليس أَهْلًا لِقَبْضِ ذلك
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْمَنْعُ من ذلك وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِحَالٍ قال وقد صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ في كِتَابِ الْمُكَاتَبِ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وبن مَنْصُورٍ انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا ليس هو أَهْلًا نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَأَبْدَى في الْمُغْنِي احْتِمَالًا أَنَّ صِحَّةَ قَبْضِهِ تَقِفُ على إذْنِ الْوَلِيِّ دُونَ الْقَبُولِ
____________________
(3/220)
قَوْلُهُ وَمَنْ مَلَكَ من غَيْرِ الْأَثْمَانِ ما لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا كان له عَقَارٌ أو ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أو أَكْثَرُ لَا تُقِيمُهُ يَعْنِي لَا تَكْفِيهِ يَأْخُذُ من الزَّكَاةِ وَقِيلَ له يَكُونُ له الزَّرْعُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ما يَحْصُدُهُ أَيَأْخُذُ من الزَّكَاةِ قال نعم يَأْخُذُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وفي مَعْنَاهُ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ في أَوَّلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ إذَا فَضَلَ عن قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لو كان عنده كُتُبٌ وَنَحْوُهَا يَحْتَاجُهَا هل يَجُوزُ له أَخْذُ الزَّكَاةِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَإِنْ كان من الْأَثْمَانِ فَكَذَلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
نَقَلَهَا مُهَنَّا وَاخْتَارَهَا بن شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ
قال بن منجا في شَرْحِهِ هِيَ الصَّحِيحَةُ من الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ ولم أَجِدْ ذلك صَرِيحًا في كُتُبِ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَصَحَّحَهُ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
والرواية الْأُخْرَى إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أو قِيمَتَهَا من الذَّهَبِ فَهُوَ غَنِيٌّ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ لِمَنْ مَلَكَهَا وَإِنْ كان مُحْتَاجًا وَيَأْخُذُهَا من لم يَمْلِكْهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مُحْتَاجًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عليها جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ حتى إن عَامَّةَ مُتَقَدِّمِيهِمْ لم يَحْكُوا خِلَافًا قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ قال بن شِهَابٍ اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا وَلَا وَجْهَ له في المعنى ( ( ( المغني ) ) ) وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ لِخَبَرِ بن مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ لَمَّا بَانَ له
____________________
(3/221)
ضَعْفُهُ رَجَعَ عنه أو قال ذلك لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا يَتَّجِرُونَ بِالْخَمْسِينَ فَتَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ على الْمَسْأَلَةِ فَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ على أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَهُ في وَقْتٍ كانت الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فيه بِخَمْسِينَ
وَمِمَّنْ اخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ فَقَطَعُوا بِذَلِكَ وَنَصَرَهُ في الْمُغْنِي وقال هذا الظَّاهِرُ من مَذْهَبِهِ قال في الْهَادِي هذا الْمَشْهُورُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ
قُلْت نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ وبن مَنْصُورٍ وَإِسْحَاقُ بن إبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بن هَاشِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَأَحْمَدُ بن الْحَسَنِ وَبِشْرُ بن مُوسَى وَبَكْرُ بن مُحَمَّدٍ وأبو جَعْفَرِ بن الْحَكَمِ وَجَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ وَحَنْبَلٌ وَحَرْبٌ وَالْحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ وأبو حَامِدِ بن أبي حَسَّانٍ وَحَمْدَانُ بن الْوَرَّاقِ وأبو طَالِبٍ وَابْنَاهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيُّ وَالْمَيْمُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بن دَاوُد وَمُحَمَّدُ بن مُوسَى وَمُحَمَّدُ بن يحيى وأبو مُحَمَّدٍ مَسْعُودٌ وَيُوسُفُ بن مُوسَى وَالْفَضْلُ بن زِيَادٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ
وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ تَمْنَعُ الْمَسْأَلَةَ لَا الْأَخْذَ ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْخَبَرَ على ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ معه خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لَا يَأْخُذُ من الزَّكَاةِ وَحُمِلَ على أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ أو على ما نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ في الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أو قِيمَتُهَا من الذَّهَبِ هل يُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لم يَحُدَّهُ أو يُقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ لِتَعَلُّقِهَا بِالزَّكَاةِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا وَجَدْته بِخَطِّهِ على تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ
____________________
(3/222)
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ الْأَوَّلُ وهو الصَّوَابُ
وَيَأْتِي في الْبَابِ قَدْرُ ما يَأْخُذُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَغَيْرُهُمَا وَيَأْتِي بَعْدَهُ إذَا كان له عِيَالٌ
فَائِدَةٌ من أُبِيحَ له أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ له سُؤَالُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ السُّؤَالُ لَا الْأَخْذُ على من له قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً قال بن عَقِيلٍ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذلك على من له قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً ذَكَرَ هذه الرِّوَايَةَ الْخَلَّالُ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ في الْمِنْهَاجِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ من يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ لم يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ من قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ من يُعْطِيهِ أو خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عن السُّؤَالِ أُبِيحَ له السُّؤَالُ أَكْثَرَ من ذلك وَأَمَّا سُؤَالُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَشِسْعِ النَّعْلِ أو الْحِذَاءِ فَهَلْ هو كَغَيْرِهِ في الْمَنْعِ أو يُرَخَّصُ فيه فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى الرُّخْصَةُ في ذلك لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَالْعَامِلُونَ عليها وَهُمْ الْجُبَاةُ لها وَالْحَافِظُونَ لها
الْعَامِلُ على الزَّكَاةِ هو الْجَابِي لها وَالْحَافِظُ لها وَالْكَاتِبُ وَالْقَاسِمُ وَالْحَاشِرُ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ وَالسَّاعِي وَالرَّاعِي وَالسَّائِقُ وَالْحَمَّالُ وَالْجَمَّالُ وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فيها غَيْرُ قَاضٍ وَوَالٍ
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ الْكَتَبَةُ من الْعَامِلِينَ قال ما سَمِعْت
الثَّانِيَةُ أُجْرَةُ كَيْلِ الزَّكَاةِ وَوَزْنِهَا وَمُؤْنَةِ دَفْعِهَا على الْمَالِكِ وقد تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك
قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا أَمِينًا من غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
____________________
(3/223)
قَالَهُ في الْهِدَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَظُنُّهُ في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالنَّاظِمُ وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
وقال الْقَاضِي لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ اخْتَارَهُ في التَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْفُصُولِ وَالتَّذْكِرَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ فإنه قال يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ في رِوَايَةٍ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال في الرِّعَايَةِ وفي الْكَافِي وَقِيلَ وفي الذِّمِّيِّ رِوَايَتَانِ وقال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا في زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عَرَفَ قَدْرَهَا وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا بَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هُنَا على ما يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ فَإِنْ قُلْنَا ما يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لم يُشْتَرَطْ إسْلَامُهُ وَإِنْ قُلْنَا هو زَكَاةٌ اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ما يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ في الْمَنْصُوصِ
الثَّانِيَةُ قال الْأَصْحَابُ إذَا عَمِلَ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ على الزَّكَاةِ لم يَكُنْ له أَخْذٌ منها لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ من بَيْتِ الْمَالِ قال بن تَمِيمٍ وَنَقَلَ صَالِحٌ عن أبيه الْعَامِلُ هو السُّلْطَانُ الذي جَعَلَ اللَّهُ له الثَّمَنَ في كِتَابِهِ وَنَقَلَ عبد اللَّهِ نَحْوَهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا ذَكَرَ وَمُرَادُ أَحْمَدَ إذَا لم يَأْخُذْ من بَيْتِ الْمَالِ شيئا فَلَا اخْتِلَافَ أو أَنَّهُ على ظَاهِرِهِ انْتَهَى
____________________
(3/224)
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في رَدِّ الْآبِقِ في آخِرِ الْجَعَالَةِ
واما اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَامِلِ من غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى فَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَظْهَرُ وقال الْقَاضِي لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ من غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قال في الْمُغْنِي هو قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قال الشَّارِحُ وقال أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن رَزِينٍ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ له في الشُّرُوطِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَبَنَاهُمَا في الْفُصُولِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ على ما يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ هل هو أُجْرَةٌ أو زَكَاةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْبِنَاءِ
وَقِيلَ إنْ مَنَعَ منه الْخُمُسَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وقال الْمُصَنِّفُ إنْ أَخَذَ أُجْرَتَهُ من غَيْرِ الزَّكَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَتَابَعَهُ بن تَمِيمٍ
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ أَمِينًا فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ ويتوجه ( ( ( وتوجه ) ) ) من جَوَازِ كَوْنِهِ كَافِرًا جَوَازُ كَوْنِهِ فَاسِقًا مع الْأَمَانَةِ قال وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَمَانَةِ الْعَدَالَةُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا وَأَنَّ الْفِسْقَ يُنَافِي ذلك انْتَهَى
____________________
(3/225)
قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا فَقْرُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا في عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْرِهِ
وَقِيلَ يُشْتَرَطَانِ ذَكَرَ الْوَجْهَ بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ أبو الْخَطَّابِ وأبو حَكِيمٍ وَذَكَرَ الْوَجْهَ اشتراط ( ( ( باشتراط ) ) ) فَقْرِهِ بن حَامِدٍ
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ في عِمَالَةِ تَفْوِيضٍ لَا تَنْفِيذٍ وَجَوَازُ كَوْنِ الْعَبْدِ عَامِلًا من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى قال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ إنْ كان من عُمَّالِ التَّفْوِيضِ وَإِنْ كان فيه مُنَفِّذًا فَقَدْ عَيَّنَ الْإِمَامُ ما يَأْخُذُهُ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا قال في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ إذَا كَتَبَ له ما يَأْخُذُهُ كَسُعَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَافِيًا قال في الْفُرُوعِ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ قال وَظَاهِرُ ما سَبَقَ لَا يُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ انْتَهَى
قُلْت لو قِيلَ بِاشْتِرَاطِ ذُكُورِيَّتِهِ لَكَانَ له وَجْهٌ فإنه لم يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً وُلِّيَتْ عِمَالَةَ زَكَاةٍ البتة وَتَرْكُهُمْ ذلك قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَدُلُّ على عَدَمِ جَوَازِهِ وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { وَالْعَامِلِينَ عليها } لَا يَشْمَلُهَا
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمَّالُ الزَّكَاةِ وَرَاعِيهَا وَنَحْوُهُمَا كَافِرًا وَعَبْدًا وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ لِأَنَّ ما يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ
الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ في الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بَالِغًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ الْأَمِينِ تَخْرِيجٌ يَعْنِي بِجَوَازِ كَوْنِهِ عَامِلًا
____________________
(3/226)
الرَّابِعَةُ لو وَكَّلَ غَيْرَهُ في تَفْرِقَةِ زَكَاتِهِ لم يَدْفَعْ إلَيْهِ من سَهْمِ الْعَامِلِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ في يَدِهِ من غَيْرِ تَفْرِيطٍ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ من بَيْتِ الْمَالِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ يُعْطَى أُجْرَتَهُ من بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُعْطَى شيئا قال في الْفُرُوعِ قال بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَلَقَدْ اطَّلَعْت على نُسَخٍ كَثِيرَةٍ لِمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ فلم أَجِدْ فيه اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَلْ يُحْكَى الْوَجْهُ من غَيْرِ زِيَادَةٍ فَلَعَلَّ الشَّيْخَ اطَّلَعَ على نُسْخَةٍ فيها ذلك وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْأَقْوَى عِنْدِي التَّفْصِيلُ وهو أَنَّهُ إنْ كان شَرَطَ له جُعْلًا على عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ لم يُكْمِلْ الْعَمَلَ كما في سَائِرِ أَنْوَاعِ الْجَعَالَاتِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ منها فَكَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُ مُخْتَصٌّ بِالتَّالِفِ فَيَذْهَبُ من الْجَمِيعِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ ولم يُقَيِّدْهَا بها أو بَعَثَهُ ولم يُسَمِّ له شيئا فَلَهُ الْأُجْرَةُ من بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِمَالَةِ من بَيْتِ الْمَالِ مع بَقَائِهِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ ولم يُوجَدْ في هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ما يُعَيِّنُهَا من الزَّكَاةِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَتْ فيه عِنْدَ التَّلَفِ انْتَهَى وَهَذَا لَفْظُهُ قال بن تَمِيمٍ وهو الْأَصَحُّ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا الْمَكَانَ من الْفُرُوعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ
فَائِدَةٌ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ أَرْسَلَ الْعَامِلَ من غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ وَإِنْ شَاءَ عَقَدَ له إجَارَةً ثُمَّ إنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَتَفْرِقَتَهَا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَهَا فَقَطْ فَإِنْ أَذِنَ له في تَفْرِيقِهَا أو أَطْلَقَ فَلَهُ ذلك وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ الرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَهُمْ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ في عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ أو يُخْشَى شَرُّهُ أو يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ أو إسْلَامُ نَظِيرِهِ أو جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا أو الدَّفْعُ عن الْمُسْلِمِينَ
____________________
(3/227)
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَهُمْ انْقَطَعَ مُطْلَقًا قال في الْإِرْشَادِ وقد عُدِمَ في هذا الْوَقْتِ الْمُؤَلَّفَةُ وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْكُفَّارِ منهم انْقَطَعَ وَاخْتَارَ في المنهج ( ( ( المبهج ) ) ) أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكِينَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةٌ حَكَوْا الْخِلَافَ في الِانْقِطَاعِ في الْكُفَّارِ وَقَطَعُوا بِبَقَاءِ حُكْمِهِمْ في الْمُسْلِمِينَ
فَعَلَى رِوَايَةِ الِانْقِطَاعِ يُرَدُّ سَهْمُهُمْ على بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ أو يُصْرَفُ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُرَدُّ على بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ
قُلْت قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
قال الْمَجْدُ يُرَدُّ على بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا إلَّا ما رَوَاهُ حَنْبَلٌ وقال في الرِّعَايَةِ فَيُرَدُّ سَهْمُهُمْ إلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وَعَنْهُ في الْمَصَالِحِ وما حَكَى الْخِيَرَةُ وَلَعَلَّهُ وَعَنْهُ وفي الْمَصَالِحِ بِزِيَادَةِ وَاوٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في الْفُرُوعِ هل يَحِلُّ لِلْمُؤَلَّفِ ما يَأْخُذُهُ يَتَوَجَّهُ إنْ أعطى الْمُسْلِمُ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ لم يَحِلَّ كَقَوْلِنَا في الهدية ( ( ( الهداية ) ) ) لِلْعَامِلِ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ وَإِلَّا حَلَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
الثَّانِيَةُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ في ضَعْفِ إسْلَامِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ مُطَاعٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
قَوْلُهُ الْخَامِسُ الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ من الرِّقَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ في ذلك وَعَنْهُ الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ وَيُعْتَقُونَ من الزَّكَاةِ لَا غَيْرُ فَلَا تُصْرَفُ إلَى مُكَاتَبٍ وَلَا يُفَكُّ بها أَسِيرٌ وَلَا غَيْرُهُ سِوَى ما ذَكَرَ
____________________
(3/228)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى من عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ الْمَالِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال جَمَاعَةٌ منهم كَالْمُكَاتَبِينَ فَيُعْطَوْنَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا جَوَازُ أَخْذِ الْمُكَاتَبِ قبل حُلُولِ نَجْمٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا حَلَّ نَجْمٌ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ في الْمُؤَجَّلِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو دَفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ ما يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ لم يَجُزْ له أَنْ يَصْرِفَهُ في غَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو عَتَقَ الْمُكَاتَبُ تَبَرُّعًا من سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ فما معه منها له قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ مع فَقْرِهِ وَقِيلَ بَلْ للمعطى اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وقدمه ( ( ( قدمه ) ) ) في الْمُحَرَّرِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ وَقِيلَ بَلْ هو لِلْمُكَاتَبِينَ
وَلَوْ عَجَزَ أو مَاتَ وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ ولم يُعْتَقْ بِمِلْكِهِ الْوَفَاءَ فما بيده لِسَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وهو أَصَحُّ زَادَ في الْكُبْرَى وَأَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا عَجَزَ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ أنها تُسْتَرَدُّ إذَا عَجَزَ وَعَنْهُ يُرَدُّ لِلْمُكَاتَبِينَ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ فِيمَا إذَا عَجَزَ حتى وَلَوْ كان سَيِّدُهُ قَبَضَهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ
وَقِيلَ هو للمعطى حتى قال أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَلَوْ كان دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ
وَقِيلَ لَا تُؤْخَذُ من سَيِّدِهِ كما لو قَبَضَهَا منه ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/229)
وَإِنْ اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ شيئا ثُمَّ عَجَزَ وَالْعَرْضُ بيده فَهُوَ لِسَيِّدِهِ على الْأَوْلَى وَعَلَى الثَّانِيَةِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعُ
قُلْت الصَّوَابُ أَنَّهُ في الرِّقَابِ
وَيَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا فَضَلَ مع الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ
وَلَوْ أُعْتِقَ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ فما فَضَلَ معه فَهُوَ له قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ كما لو فَضَلَ معه من صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
وَقِيلَ بَلْ هو للمعطى كما لو أَعْطَى شيئا لِفَكِّ رَقَبَةٍ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ هو لِلْمُكَاتَبِينَ أَيْضًا
تَنْبِيهٌ هذه الْأَحْكَامُ في الزَّكَاةِ أَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فيها وَكَذَا كَلَامُهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ اخْتِصَاصُهُ بِالزَّكَاةِ وَيَأْتِي في أَوَائِلِ الْكِتَابَةِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ قبل الْأَدَاءِ هل يَكُونُ ما في يَدِهِ لِسَيِّدِهِ أو الْفَاضِلُ لِوَرَثَتِهِ
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنِهِ قال الْأَصْحَابُ وهو أَوْلَى كما يَجُوزُ ذلك لِلْإِمَامِ فَإِنْ رُقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ من سَيِّدِهِ هذا الصَّحِيحُ وقال الْمَجْدُ إنَّمَا يَجُوزُ بِلَا إذْنِهِ إنْ جَازَ الْعِتْقُ منها لِأَنَّهُ لم يَدْفَعْ إلَيْهِ وَلَا إلَى نَائِبِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِهِ وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قبل الْفَصْلِ جَوَازُ دَفْعِ السَّيِّدِ زَكَاتَهُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا فَضَلَ مع الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ الْعِتْقِ
الرَّابِعَةُ لو تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ ولم يَغْرَمْهَا عِتْقٌ لو رُدَّ رَقِيقًا
الْخَامِسَةُ من شَرْطِ صِحَّةِ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ من الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لَا يَجِدُ وَفَاءً
____________________
(3/230)
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يفدى بها أَسِيرًا مُسْلِمًا نَصَّ عليه
وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَشَرْحِ بن منجا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في شَرْحُ بن رَزِينٍ وَالْفُرُوعُ وقال اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّوَايَتَيْنِ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ
فَائِدَةٌ قال أبو الْمَعَالِي مِثْلُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لو دُفِعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يشترى منها رَقَبَةً يُعْتِقُهَا على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمْ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ قال الزَّرْكَشِيُّ رَجَعَ أَحْمَدُ عن الْقَوْلِ بِالْعِتْقِ حَكَاهُ من رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمُحَمَّدِ بن مُوسَى وَالْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ من زَكَاتِهِ رَقَبَةً لَكِنْ يُعَيِّنُ في ثَمَنِهَا قال أبو بَكْرٍ لَا يُعْتِقُ رَقَبَةً كَامِلَةً قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ منها رَقَبَةً تَامَّةً وَعَنْهُ وَلَا بَعْضَهَا بَلْ يُعَيِّنُ في ثَمَنِهَا
____________________
(3/231)
تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ من قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُعْتِقُهَا أَنَّهُ لو اشْتَرَى ذَا رحمة لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يعتق ( ( ( عتق ) ) ) بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ من غَيْرِ أَنْ يُعْتِقَهُ هو وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو أَعْتَقَ عَبْدَهُ أو مُكَاتَبَهُ عن زَكَاتِهِ فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
الْوَجْهُ الثَّانِي الْجَوَازُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ جَوَّزْنَا الْعِتْقَ من الزَّكَاةِ غير الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ شيئا رُدَّ ما رَجَعَ من وَلَائِهِ في عِتْقِ مِثْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ وفي الصَّدَقَاتِ أَيْضًا قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَهَلْ يَعْقِلُ عنه فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْعَقْلِ ثُمَّ وَجَدْته في الْمُغْنِي قُبَيْلَ كِتَابِ النِّكَاحِ قَدَّمَهُ وَنَصَرَهُ
وَعَنْهُ وَلَاؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ
وما أَعْتَقَهُ السَّاعِي من الزَّكَاةِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
واما الْمُكَاتَبُ فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ غَيْرِهِمْ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
الثَّانِيَةُ يعطى الْمُكَاتَبَ لِفَقْرِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ
____________________
(3/232)
قَوْلُهُ السَّادِسُ الْغَارِمُونَ وَهُمْ الْمَدِينُونَ وَهُمْ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ
يُعْطَى من غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ فيه لَكِنْ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى كَوْنَهُ مُسْلِمًا وَيَأْتِي ذلك عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ بِأَتَمَّ من هذا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ في مُبَاحٍ وَكَذَا من اشْتَرَى نَفْسَهُ من الْكُفَّارِ جَازَ له الْأَخْذُ من الزَّكَاةِ
فَوَائِدُ
منها لو كان غَارِمًا وهو قَوِيٌّ مُكْتَسِبٌ جَازَ له الْأَخْذُ لِلْغُرْمِ قَالَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في عمدة في الزَّكَاةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وقال هذا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ في إجْبَارِهِ على التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ
قُلْت الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْإِجْبَارُ على ما يَأْتِي في بَابِ الْحَجْرِ
وَمِنْهَا لو دَفَعَ إلَى غَارِمٍ ما يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ لم يَجُزْ صَرْفُهُ في غَيْرِهِ وَإِنْ كان فَقِيرًا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يقضى بِهِ دَيْنَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَحَكَى في الرِّعَايَةِ وَجْهًا لَا يَجُوزُ
وَمِنْهَا لو تَحَمَّلَ بِسَبَبِ إتْلَافِ مَالٍ أو نَهْبٍ جَازَ له الْأَخْذُ من الزَّكَاةِ وَكَذَا إنْ ضَمِنَ عن غَيْرِهِ مَالًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ جَازَ الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أو أَحَدُهُمَا لم يَجُزْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ كان الْأَصْلُ مُعْسِرًا وَالْحَمِيلُ مُوسِرًا وهو احْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ وقال في التَّرْغِيبِ يَجُوزُ إنْ ضَمِنَ مُعْسِرًا مُوسِرًا بِلَا أَمْرِهِ
____________________
(3/233)
وَمِنْهَا جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ قبل حُلُولِ دَيْنِهِ وفي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ الْوَجْهَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا يَجُوزُ الْأَخْذُ لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى
وَمِنْهَا لو وَكَّلَ الْغَرِيمُ من عليه زَكَاةٌ قبل قَبْضِهِ منه لِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ في دَفْعِهَا عنه إلَى من له عليه دَيْنٌ عن دَيْنِهِ جَازَ نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ ضِدَّهُ
وقال في الْفُرُوعِ فَإِنْ قِيلَ قد وَكَّلَ الْمَالِكُ قِيلَ فَلَوْ قال اشْتَرِ لي بها شيئا ولم يَقْبِضْهَا منه فَقَدْ وَكَّلَهُ أَيْضًا وَلَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ قَبْضِهَا وَلَا فَرْقَ قال فَتَتَوَجَّهُ فِيهِمَا التَّسْوِيَةُ وَتَخْرِيجُهُمَا على قَوْلِهِ لِغَرِيمِهِ تَصَدَّقْ بِدَيْنِي عَلَيْك أو ضَارِبْ بِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ قَبْضِهِ وَفِيهِ تَخْرِيجٌ يَصِحُّ بِنَاءً على أَنَّهُ هل يَصِحُّ قبل قَبْضِهِ لِمُوَكِّلِهِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
وَتَأْتِي هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ في آخِرِ بَابِ السَّلَمِ
وَمِنْهَا لو دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِ الْفَقِيرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ قال في الْفُرُوعِ صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ انْتَهَى قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ جاز ( ( ( وعلى ) ) ) على الْأَصَحِّ وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَقْتَضِيهِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا الْإِمَامُ في قَضَاءِ الدَّيْنِ فإنه يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا لِوِلَايَتِهِ عليه في إبْقَائِهِ وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عليه إذَا امْتَنَعَ
وَمِنْهَا يُشْتَرَطُ في إخْرَاجِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ المعطى كما تَقَدَّمَ في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يغدى الْفُقَرَاءَ وَلَا يُعَشِّيَهُمْ وَلَا يَقْضِيَ منها دَيْنَ مَيِّتٍ غَرِمَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ وَذَكَرَهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أَحْمَدَ لِأَنَّ الْغَارِمَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال وَالْغَارِمِينَ ولم يَقُلْ
____________________
(3/234)
لِلْغَارِمِينَ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْغَارِمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا غَرِمَ في مَعْصِيَةٍ
قَوْلُهُ السَّابِعُ في سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لهم
فَلَهُمْ الْأَخْذُ منها بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَا يَصْرِفُونَ ما يَأْخُذُونَ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ كما تَقَدَّمَ في الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهُمْ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لهم أَنَّهُ لو كان يَأْخُذُ من الدِّيوَانِ لَا يُعْطَى منها وهو صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فيه ما يَكْفِيهِ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه ما يَكْفِيهِ فَلَهُ أَخْذُ تَمَامِ ما يَكْفِيهِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَشْتَرِيَ له الدَّوَابَّ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ قال في الْفُرُوعِ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ من شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ صَرْفِهِ إلَيْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وكذا نَقَلَهُ بن الْحَكَمِ وَنَقَلَ أَيْضًا يَجُوزُ وقال ذَكَرَ أبو حَفْصٍ في جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَلَا يعطى منها في الْحَجِّ
هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا هِيَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَعَنْهُ يعطى الْفَقِيرَ ما يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ أو يَسْتَعِينُ بِهِ فيه وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيِّ وَالْمَيْمُونِيِّ قال في الْفُرُوعِ وَالْحَجُّ من السَّبِيلِ نَصَّ عليه وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ انْتَهَى قال في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ الْحَجُّ من السَّبِيلِ على الْأَصَحِّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْخِرَقِيِّ وَالْإِفَادَاتِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(3/235)
وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّاءِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَأْخُذُ إلَّا الْفَقِيرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الرِّوَايَةِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورٌ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يَأْخُذُ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَهُمَا احْتِمَالَانِ في التَّلْخِيصِ قال أبو الْمَعَالِي كما لو أَوْصَى بِثُلُثِهِ في السَّبِيلِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لَا يَأْخُذُ إلَّا لِحَجِّ الْفَرْضِ أو يَسْتَعِينُ بِهِ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
قُلْت منهم صَاحِبُ الْإِفَادَاتِ فيها وَالْمُصَنِّفُ هُنَا
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى
وَعَنْهُ يَأْخُذُ لِحَجِّ النَّفْلِ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وبن الْجَوْزِيِّ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ ولم يَشْتَرِطْ الْفَرْضَ الْأَكْثَرُونَ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وأبو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ قال الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ في ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ نَقَلَ جَعْفَرٌ الْعُمْرَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ
قَوْلُهُ الثَّامِنُ بن السَّبِيلِ وهو الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ
____________________
(3/236)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الشِّيرَازِيَّ قَدَّمَ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ بن السَّبِيلِ هُمْ السُّؤَالُ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كان السَّفَرُ في الطَّاعَةِ أعطى بِلَا نِزَاعٍ بشرطه ( ( ( بشرط ) ) ) وَإِنْ كان مُبَاحًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا
وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ فَلَا يُعْطَى في سَفَرٍ مُبَاحٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَإِنْ كان سَفَرَ نُزْهَةٍ فَفِي جَوَازِ إعْطَائِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الْأَخْذُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ قال في التَّلْخِيصِ فَيُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ قال في الرِّعَايَةِ وهو مِمَّنْ انْقَطَعَ بِهِ في سَفَرٍ مُبَاحٍ قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ يُعْطَى لِأَنَّهُ من أَقْسَامِ الْمُبَاحِ في الْأَصَحِّ كما تَقَدَّمَ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ وَلَا يُجْزِئُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ في سَفَرِ التِّجَارَةِ دُونَ التَّنَزُّهِ
وَأَمَّا السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْطَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في التَّلْخِيصِ كما تَقَدَّمَ وقال في الْفُرُوعِ وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ ليس مَعْصِيَةً فَدَلَّ أَنَّهُ يُعْطَى في سَفَرٍ مَكْرُوهٍ قال وهو نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرْخِيصِ فيه انْتَهَى
وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فإنه لَا يُعْطَى فيه وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَظَاهِرُ ما قَالَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرَخُّصِ فيه جَرَيَانُ خِلَافٍ هُنَا
فإن الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ هُنَاكَ جَوَازَ التَّرَخُّصِ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَرَجَّحَهُ بن عَقِيلٍ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كما تَقَدَّمَ
____________________
(3/237)
وقال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن السَّبِيلِ الْآيِبُ إلَى بَلَدِهِ وَلَوْ من فُرْجَةٍ أو مَحْرَمٍ في وَجْهٍ وَيَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَابَ من الْمَعْصِيَةِ
قَوْلُهُ دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ من بَلَدٍ
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ يُعْطَى أَيْضًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُعْطَى بن السَّبِيلِ قَدْرَ ما يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ وَلَوْ مع غِنَاهُ في بَلَدِهِ وَيُعْطَى أَيْضًا ما يُوَصِّلُهُ إلَى مُنْتَهَى مَقْصِدِهِ وَلَوْ اجْتَازَ عن وَطَنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو مَرْوِيٌّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِقَصْدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرَ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرَ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ
الثَّانِيَةُ لو قَدَرَ بن السَّبِيلِ على الِاقْتِرَاضِ فَأَفْتَى الْمَجْدُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ من الزَّكَاةِ وَأَفْتَى الشَّارِحُ بِجَوَازِ الْأَخْذِ وقال لم يَشْتَرِطْ أَصْحَابُنَا عَدَمَ قُدْرَتِهِ على الِاقْتِرَاضِ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ على إطْلَاقِهِ وهو كما قال وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ ما يُغْنِيهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً قال النَّاظِمُ وهو أَوْلَى قال في الْحَاوِيَيْنِ هذا أَصَحُّ عِنْدِي قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيُعْطَيَانِ كِفَايَتَهُمَا لِتَمَامِ سَنَةٍ لَا أَكْثَرَ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْفَقِيرِ % أَكْثَرَ من غِنَاهُ في التَّقْدِيرِ %
وَعَنْهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ دَائِمًا بِمَتْجَرٍ أو آلَةِ صَنْعَةٍ وَنَحْوَ ذلك اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَهِيَ قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
____________________
(3/238)
وَعَنْهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ من خَمْسِينَ دِرْهَمًا حتى تَفْرُغَ وَلَوْ أَخَذَهَا في السَّنَةِ مِرَارًا وَإِنْ كَثُرَ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْأَخْذِ من الزَّكَاةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ما يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَإِنْ كَثُرَ
وَالْمَذْهَبُ لَا يَجُوزُ ذلك وَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْفَقِيرِ لِلزَّكَاةِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ذلك قَرِيبًا
قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ ما يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ بن عبد الْبَرِّ إجْمَاعًا وَقِيلَ ما يَأْخُذُهُ زَكَاةٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ جاوز ( ( ( وجاوز ) ) ) الثَّمَنَ أو لم يُجَاوِزْهُ نَصَّ عليه وهو الصَّحِيحُ وَعَنْهُ له ثَمَنُ ما يَجْنِيهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ إنْ جَاوَزَتْ أُجْرَتُهُ ذلك أُعْطِيَهُ من الْمَصَالِحِ انْتَهَى
هذا الْحُكْمُ إذَا لم يَسْتَأْجِرْهُ الْإِمَامُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذلك بِالشَّرْعِ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إذَا لم يُشْرَطْ له جَعْلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ على عَمَلِهِ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ فَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ فَتَقَدَّمَ آخِرَ فَصْلِ الْعَامِلِ
فَائِدَةٌ يُقَدَّمُ الْعَامِلُ بِأُجْرَتِهِ على غَيْرِهِ من أَهْلِ الزَّكَاةِ وَإِنْ نَوَى التَّطَوُّعَ بِعَمَلِهِ فَلَهُ الْأَخْذُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ وَنَائِبَهُ في الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ شيئا عِنْدَ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ
قَوْلُهُ وَالْمُؤَلَّفُ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ
هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ وقال بَعْضُهُمْ يُعْطَى الْغَنِيُّ ما يَرَى الْإِمَامُ قال في
____________________
(3/239)
الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ ما ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلَا يُزَادُ عليه لِعَدَمِ الْحَاجَةِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَالْغَازِي ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَزْوِهِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَا يشترى رَبُّ الْمَالِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ يَدْفَعُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ قال في الْفُرُوعِ فيه رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا أبو حَفْصٍ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بن الْحَكَمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ يَجُوزُ وَنَقَلَهُ بن الْحَكَمِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فقال وَيَجُوزُ أَنْ يشترى كل أَحَدٌ من زَكَاتِهِ خَيْلًا وَسِلَاحًا وَيَجْعَلَهُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْهُ الْمَنْعُ منه انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يشترى من الزَّكَاةِ فَرَسًا يَصِيرُ حَبِيسًا في الْجِهَادِ وَلَا دَارًا وَلَا ضَيْعَةً لِلرِّبَاطِ أو يقفقها ( ( ( يقفها ) ) ) على الْغُزَاةِ وَلَا غَزْوَهُ على فَرَسٍ أَخْرَجَهُ من زَكَاتِهِ نَصَّ على ذلك كُلِّهِ لِأَنَّهُ لم يُعْطِهَا لِأَحَدٍ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مَصْرِفًا وَلَا يُغْزَى بها عنه وكذا لَا يَحُجُّ بها وَلَا يُحَجُّ بها عنه
وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ فَرَسًا بِزَكَاةِ رَجُلٍ فَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ يَغْزُو عليها كما له أَنْ يَرُدَّ عليه زَكَاتَهُ لِفَقْرِهِ أو غُرْمِهِ
قَوْلُهُ وَمَنْ كان ذَا عِيَالٍ أَخَذَ ما يَكْفِيهِمْ
تَقَدَّمَ قَرِيبًا في قَوْلِهِ وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ ما يُغْنِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ من خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَأْخُذُ له وَلِعِيَالِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ سَنَةً
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَأْخُذُ له وَلِكُلِّ وَاحِدٍ من عِيَالِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ
قَوْلُهُ وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ منهم مع الْغِنَى إلَّا أَرْبَعَةً الْعَامِلُ وَالْمُؤَلَّفُ وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْغَازِي
أَمَّا الْعَامِلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فَقْرُهُ بَلْ يُعْطَى مع الغني على الصَّحِيحِ من
____________________
(3/240)
الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وَذَكَرَ بن حَامِدٍ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِ
وَتَقَدَّمَ ذلك عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا شَرْطُ حُرِّيَّتِهِ وَلَا قفره ( ( ( فقره ) ) )
وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ فَيُعْطَى مع غِنَاهُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَأَمَّا الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَيَأْخُذُ مع غِنَاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم ( ( ( منهما ) ) ) وقال بن عَقِيلٍ لَا يَأْخُذُ مع الْغِنَى وَمَحَلُّ هذا إذَا لم يَدْفَعْهَا من مَالِهِ فَإِنْ دَفَعَهَا لم يَجُزْ له الْأَخْذُ على ما يَأْتِي قَرِيبًا
وَأَمَّا الْغَازِي فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ جَوَازُ أَخْذِهِ مع غِنَاهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ إذَا أَوْصَى بِفَرَسٍ يَدْفَعُ إلَى من ليس له فَرَسٌ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا كان ثِقَةً
تَنْبِيهٌ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ من الزَّكَاةِ مع غِنَاهُمْ وهو صَحِيحٌ
أَمَّا الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ فَوَاضِحٌ وَكَذَا بن السَّبِيلِ
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا يُعْطَى لِفَقْرِهِ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ وَتَقَدَّمَ ذلك
وَأَمَّا الْغَارِمُ لِنَفْسِهِ في مُبَاحٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا مع فَقْرِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقطع ( ( ( وقطعه ) ) ) به كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يُعْطَى مع غِنَاهُ أَيْضًا وَنَقَلَهُ محمد بن الْحَكَمِ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي على أَنَّهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ قال في الرِّعَايَةِ عن هذا الْقَوْلِ وهو بَعِيدٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان فَقِيرًا وَلَكِنَّهُ قَوِيٌّ يَكْتَسِبُ جَازَ له الْأَخْذُ أَيْضًا قَالَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ في عُمَدِهِ في الزَّكَاةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(3/241)
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وقال هذا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ في إجْبَارِهِ على التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ انْتَهَى
قُلْت الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الْإِجْبَارُ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْحَجْرِ
فَائِدَةٌ لو غَرِمَ لِضَمَانٍ أو كَفَالَةٍ فَهُوَ كَمَنْ غَرِمَ لِنَفْسِهِ في مُبَاحٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَمَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَيَأْخُذُ مع غِنَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ مُعْسِرًا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ إذَا قُلْنَا الْغَنِيُّ من مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَمَلَّكَهَا لم يَمْنَعْ ذلك من الْأَخْذِ بِالْغُرْمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يَمْنَعُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ من له مِائَةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا أُعْطِيَ خَمْسِينَ وَإِنْ كان عليه أَكْثَرُ من مِائَةٍ تُرِكَ له مِمَّا معه خَمْسُونَ وَأُعْطِيَ تَمَامَ دَيْنِهِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُعْطَى شيئا حتى يَصْرِفَ جَمِيعَ ما في يَدِهِ فَيُعْطَى وَلَا يُزَادُ على خَمْسِينَ فإذا صَرَفَهَا في دَيْنِهِ أُعْطِيَ مِثْلَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حتى يَقْضِيَ دَيْنَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَضَلَ مع الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَازِي وبن السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ
إذَا فَضَلَ مع الْغَازِي شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ لزمه ( ( ( لزم ) ) ) رَدُّهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ لَكِنْ لو أبرىء ( ( ( أبرئ ) ) ) الْغَرِيمُ مِمَّا عليه أو قضي دَيْنَهُ من غَيْرِ الزَّكَاةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرُدُّ ما معه قال في الْفُرُوعِ اسْتَرَدَّ منه على الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ قال
____________________
(3/242)
في الرِّعَايَتَيْنِ رَدَّهُ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ لَا يَسْتَرِدُّ منه وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وهو على الرِّوَايَتَيْنِ في الْمُكَاتَبِ فإذا قُلْنَا أَخْذُهُ هُنَاكَ مُسْتَقِرٌّ فَكَذَا هُنَا قال بن تَمِيمٍ فَإِنْ كان فَقِيرًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا وَلَا تُؤْخَذُ منه ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ إذَا اجْتَمَعَ الْغُرْمُ وَالْفَقْرُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَخَذَ بِهِمَا فَإِنْ أعطى لِلْفَقْرِ فَلَهُ صَرْفُهُ في الدَّيْنِ وَإِنْ أعطى لِلْغُرْمِ لم يَصْرِفْهُ في غَيْرِهِ
وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ في ذلك أَنَّ من أَخَذَ بِسَبَبٍ يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ وهو الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَالْعِمَالَةُ وَالتَّأْلِيفُ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ كَسَائِرِ مَالِهِ وَإِنْ كان بِسَبَبٍ لَا يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ لم يَصْرِفْهُ إلَّا فِيمَا أَخَذَهُ له خَاصَّةً لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ عليه من كل وَجْهٍ وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ منه إذَا أبرىء ( ( ( أبرئ ) ) ) أو لم يَغْزُ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَأَمَّا إذَا فَضَلَ مع الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وهو الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كما قال الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في شَرْحِ الْمَجْدِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْخِلَافُ وَجْهَانِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ ما فَضَلَ لِلْمُكَاتَبِينَ غَيْرُهُ
وَكَذَا الْحُكْمُ لو عَتَقَ بِإِبْرَاءٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/243)
وَتَقَدَّمَ في أَحْكَامِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ تَبَرُّعًا من سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ أو عَجَزَ أو مَاتَ وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ
فَائِدَةٌ لو اسْتَدَانَ ما عَتَقَ بِهِ وَبِيَدِهِ من الزَّكَاةِ قَدْرُ الدَّيْنِ فَلَهُ صَرْفُهُ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ
وَأَمَّا الْغَازِي إذَا فَضَلَ معه فَضْلٌ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي أَيْضًا وَالْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وبن منجا في شَرْحِهِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالشَّرْحِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرُدُّهُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ قال الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يُسْتَرَدُّ انْتَهَى
وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ الذي في الْجِهَادِ على غَيْرِ الزَّكَاةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وقال أَيْضًا في الْقَوَاعِدِ إذَا أَخَذَ من الزَّكَاةِ لِيَحُجَّ على الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَفَضَلَ منه فَضْلَةٌ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ كَالْوَصِيَّةِ وَأَوْلَى وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ في الْغَازِي أنه لَا يُسْتَرَدُّ وظاهره ( ( ( وظاهر ) ) ) كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُسْتَرَدُّ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ في النَّفَقَةِ
وَأَمَّا بن السَّبِيلِ إذَا فَضَلَ معه شَيْءٌ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هنا أَنَّهُ يَرُدُّ الْفَاضِلَ بَعْدَ وُصُولِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ
وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُ بَلْ هو له فَيَكُونُ أَخْذُهُ مُسْتَقِرًّا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وقال الْآجُرِّيُّ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مع جَهْلِ أَرْبَابِهِ
____________________
(3/244)
قَوْلُهُ وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا فَلَا يَرُدُّونَ شيئا
بِلَا نِزَاعٍ في الْجُمْلَةِ
قَوْلُهُ وإذا ادَّعَى الْفَقْرَ من عُرِفَ بِالْغِنَى
لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَالْبَيِّنَةُ هُنَا ثَلَاثَةُ شُهُودٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يَكْفِي اثْنَانِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ في كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَتَأْتِي بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ في أَوَائِلِ بَابِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ أو ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أو غَارِمٌ أو بن سَبِيلٍ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
إذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أو غَارِمٌ لِنَفْسِهِ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَارِمٌ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَالظَّاهِرُ يُغْنِي عن إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ خَفِيَ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْبَيِّنَةَ وبعضهم ( ( ( ولا ) ) ) قيد ( ( ( يقبل ) ) ) بِالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ
وقال في الْفُرُوعِ وَلَا يُقْبَلُ أَنَّهُ غَارِمٌ بِلَا بَيِّنَةٍ
وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بن سَبِيلٍ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن منجا قال في الْفُرُوعِ قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ منهم أبو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ
وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(3/245)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو ادَّعَى بن السَّبِيلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ لم يُدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ عُرِفَ بِمَالٍ وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِيَةُ لو ادَّعَى أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو ادَّعَى الْغَزْوَ قُبِلَ قَوْلُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُقْبَلُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ فَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ أو الْغَارِمَ غَرِيمُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
إذَا صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ فأطلق ( ( ( أطلق ) ) ) الْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ في أَنَّهُ هل يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِهِ أَمْ لَا بُدَّ من الْبَيِّنَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن منجا وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُ لِلتُّهْمَةِ فَلَا بُدَّ من الْبَيِّنَةِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ولم أَرَ من تَابَعَهُ على ذلك قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وفي تَصْدِيقِهِ غَرِيمَهُ وَالسَّيِّدَ وَجْهٌ
الثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِ سَيِّدِهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
قُلْت وهو الْمَذْهَبُ
وإذا صَدَّقَ الْغَرِيمَ غَرِيمُهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ
____________________
(3/246)
وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الصَّحِيحُ الْقَبُولُ قال في الْفُرُوعِ وَيُقْبَلُ إنْ صَدَّقَهُ غَرِيمٌ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ
قَوْلُهُ وَإِنْ رَآهُ جَلْدًا أو ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ له أَعْطَاهُ من غَيْرِ يَمِينٍ
بِلَا نِزَاعٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ هل هو وَاجِبٌ أَمْ لَا قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ وَقَوْلُهُمْ أخبره وَأَعْطَاهُ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ لو اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ على الْكَسْبِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ له عِيَالًا قَلَّدَ وَأَعْطَى
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ ذلك إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ غَرِمَ أو سَافَرَ في مَعْصِيَةٍ لم يُدْفَعْ إلَيْهِ
إذَا غَرِمَ في مَعْصِيَةٍ لم يُدْفَعْ إلَيْهِ من الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ وإذا سَافَرَ في مَعْصِيَةٍ لم يُدْفَعْ إلَيْهِ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وقد حَكَى في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجْهًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ لِلرَّاجِعِ من سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَتَقَدَّمَ ذلك
قَوْلُهُ فَإِنْ تَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْغَارِمِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(3/247)
أَحَدُهُمَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا وهو الْمَذْهَبُ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُنَوِّرِ في الْغَارِمِ ولم يَذْكُرُوا الْمُسَافِرَ إذَا تَابَ وهو مِثْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في الْغَارِمِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ في الْغَارِمِ قال في الْفُرُوعِ في الْغَارِمِ فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ في الْأَصَحِّ قال الزَّرْكَشِيُّ في الْغَارِمِ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو الْبَرَكَاتِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الْمُسَافِرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ عَدَمَ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ إذَا تَابَ وَجَوَازَ الدَّفْعِ لِلْمُسَافِرِ إذَا تَابَ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا في الْأَصْنَافِ كُلِّهَا
لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنُهَا إنْ وُجِدَ حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ فَإِنْ اقْتَصَرَ على إنْسَانٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وهو الْمَذْهَبُ كما لو فَرَّقَهَا السَّاعِي وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ فيه إجْمَاعًا
وَعَنْهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو الْخَطَّابِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ من كل صِنْفٍ على الصَّحِيحِ إلَّا الْعَامِلَ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا في الرِّوَايَةِ
وَعَنْهُ يُجْزِئُ وَاحِدٌ من كل صِنْفٍ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لم يُمْكِنْ الِاسْتِغْرَاقُ حُمِلَ على الْجِنْسِ وَكَالْعَامِلِ مع أَنَّهُ في الْآيَةِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ { وفي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } لَا جَمْعَ فيه
وَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ أَيْضًا لو دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ وَهَلْ يَضْمَنُ الثُّلُثَ أو ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ خرج ( ( ( فخرج ) ) ) الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ من الْأُضْحِيَّةِ على
____________________
(3/248)
ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَاهُمَا بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ من غَيْرِ تَخْرِيجٍ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ على ما يَأْتِي
وَقَوْلُهُ في الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ إلَّا الْعَامِلَ فإنه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا هذا الصَّحِيحُ على هذه الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه
اخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ إنْ قُلْنَا ما يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ أَجْزَأَ عَامِلٌ وَاحِدٌ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثانية ( ( ( الثالثة ) ) ) أَيْضًا إنْ حَرُمَ نَقْلُ الزَّكَاةِ كَفَى الْمَوْجُودُ من الْأَصْنَافِ الذي بِبَلَدِهِ على الصَّحِيحِ فَتُقَيَّدُ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَكْفِي
وَعَلَيْهَا أَيْضًا لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بين الْأَصْنَافِ كَتَفْضِيلِ بَعْضِ صِنْفٍ على بَعْضٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الْمَجْدُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي بَكْرٍ إعْطَاءُ الْعَامِلِ الثَّمَنَ وقد نَصَّ أَحْمَدُ على وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَسْقُطُ الْعَامِلُ إنْ فَرَّقَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ
الثَّانِيَةُ من فيه سَبَبَانِ مِثْلُ إنْ كان فَقِيرًا غَارِمًا أو غَازِيًا وَنَحْوَ ذلك جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا على الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي في الِاسْتِيعَابِ وَعَدَمِهِ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا في الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ وقد يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيعَابُ فَلَا يُعْلَمُ الْمُجْمَعُ عليه من الْمُخْتَلَفِ فيه وَإِنْ أعطى بِهِمَا وَعَيَّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرًا فَذَاكَ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ كان بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لو وَجَدَ ما يُوجِبُ الرَّدَّ
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ وَتَفْرِيقُهَا فِيهِمْ على قَدْرِ حَاجَتِهِمْ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وقد حَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وِفَاقًا لَكِنْ
____________________
(3/249)
يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ وَالْأَحْوَجِ وَإِنْ كان الْأَجْنَبِيُّ أَحْوَجَ أعطى الْكُلَّ ولم يُحَابِ بها قَرِيبَهُ وَالْجَارُ أَوْلَى من غَيْرِهِ وَالْقَرِيبُ أَوْلَى من الْجَارِ نَصَّ عليه وَيُقَدَّمُ الْعَالِمُ وَالدَّيِّنُ على ضِدِّهِمَا
وإذا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ إلَى الْعَامِلِ وَأَحْضَرَ من أَهْلِهِ من لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِيَدْفَعَ إلَيْهِمْ زَكَاتَهُ دَفَعَهَا إلَيْهِمْ قبل خَلْطِهَا بِغَيْرِهَا وَإِنْ خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ وَلَا يُخْرِجُهُمْ منها لِأَنَّ فيها ما هُمْ بِهِ أَخَصُّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ
يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ قال الْمَجْدُ هذا أَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ اخْتَارَهَا الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالتَّخْرِيجِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَقْيَسُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى غَرِيمِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ إذَا كان غير حِيلَةٍ سَوَاءٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ ابْتِدَاءً أو اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَ الْمُقْرَضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إذَا لم يَكُنْ حِيلَةً قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَالِهِ لم يَجُزْ وقال أَيْضًا إذَا كان حِيلَةً فَلَا يُعْجِبُنِي وقال أَيْضًا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً فَلَا أَرَاهُ وَنَقَلَ بن الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ حِيلَةً لم يَصْلُحْ وَلَا يَجُوزُ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَعْنِي بِالْحِيلَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عليه من دَيْنِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ حَصَلَ من كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ أو اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى إنْ قَضَاهُ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ كما لو قَضَى دَيْنَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ زَكَاةً
____________________
(3/250)
وَيُكْرَهُ حِيلَةً انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَتَبِعَ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي الصِّحَّةُ وِفَاقًا إلَّا بِشَرْطِ تَمْلِيكٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ الْإِجْزَاءَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ التَّامَّ لِأَنَّ له الرَّدَّ من غَيْرِهِ فَلَيْسَ مُسْتَحَقًّا قال وَكَذَا الْكَلَامُ إنْ أَبْرَأَ الْمَدِينَ مُحْتَسِبًا من الزَّكَاةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال بن تَمِيمٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْغَرِيمِ نَصَّ عليه فَإِنْ شَرَطَ عليه رَدَّ الزَّكَاةِ وَفَاءً في دَيْنِهِ لم يُجْزِهِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال الْقَاضِي وهو مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي إذَا كان حِيلَةً ثُمَّ قال بن تَمِيمٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْغُرْمِ لم يَمْنَعْ الشَّرْطُ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ قَصَدَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ إحْيَاءَ مَالِهِ لم يُجْزِهِ نَصَّ عليه قَالَهُ الْمُوَفَّقُ ثُمَّ قال وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ إلَيْهِ ما قَبَضَهُ قَضَى دَيْنَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ نَصَّ عليه
وَعَنْهُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى غَرِيمِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ من الزَّكَاةِ ثُمَّ قَبَضَهَا منه وَفَاءً عن دَيْنِهِ لَا أَرَاهُ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً انْتَهَى كَلَامُ بن تَمِيمٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ غَرِيمَهُ من دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ سَوَاءٌ كان الْمُخْرَجُ عنه عَيْنًا أو دَيْنًا وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ الْجَوَازَ كما تَقَدَّمَ وهو تَوْجِيهُ احْتِمَالٍ وَتَخْرِيجٍ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وقال بِنَاءً على أَنَّهُ هل هو تَمْلِيكٌ أَمْ لَا وَقِيلَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْقُطَ عنه قَدْرُ زَكَاةِ ذلك الدَّيْنِ منه وَيَكُونُ ذلك زَكَاةَ ذلك الدَّيْنِ حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ
الثَّانِيَةُ لَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ بِالزَّكَاةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ
____________________
(3/251)
الْحَوَالَةَ وَفَاءٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في انْتِقَالِ الْحَقِّ بِالْحَوَالَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ وَإِلَّا كان بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حتى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بِهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا منه أَنَّهُ قد بريء أَنَّهُ كَالنَّاسِي وَتَقَدَّمَ بَعْضُ فُرُوعِ الْغَارِمِ في فَصْلِهِ وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ إذَا أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ هل يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ كان له دَيْنٌ على مُسْلِمٍ من صَدَاقٍ أو غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ
يُسْتَثْنَى من ذلك الْمُؤَلَّفُ كما تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ من شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَكَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فيه هُنَاكَ
وَأَمَّا الْغَارِمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَالْغَازِي فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِالْجَوَازِ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَنْ حَرُمَتْ عليه الزَّكَاةُ بِمَا سَبَقَ فَلَهُ أَخْذُهَا لِغَزْوٍ وَتَأْلِيفٍ وَعِمَالَةٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَهَدِيَّةٍ مِمَّنْ أَخَذَهَا وهو من أَهْلِهَا وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ أنها لَا تُدْفَعُ إلَى غَارِمٍ لِنَفْسِهِ كَافِرٍ فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ لِذَاتِ الْبَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فإنه ذَكَرَ الْمَنْعَ في الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ
قَوْلُهُ وَلَا إلَى عَبْدٍ
هذا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه إلَّا ما اسْتَثْنَى من كَوْنِهِ عَامِلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما تَقَدَّمَ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ حَرُمَتْ عليه الزَّكَاةُ من ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ فإنه يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ منها لِكَوْنِهِ غَازِيًا أو عَامِلًا أو مُؤَلَّفًا أو لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدٍ وَلَوْ كان سَيِّدُهُ فَقِيرًا
____________________
(3/252)
وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وقال الْمَجْدُ في تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ دَفْعٌ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ عليه وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ أو أَمَانَةٌ فَلَا يَدْفَعُهَا إلَى من لم يَأْذَنْ له الْمُسْتَحِقُّ وَإِنْ كان عَبْدَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ في بَابِ الْكِتَابَةِ إذَا كان الْعَبْدُ بين اثْنَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وما قَبَضَهُ من الصَّدَقَاتِ فَنِصْفُهُ يُلَاقِي نِصْفَهُ الْمُكَاتَبَ فَيَجُوزُ وما يُلَاقِي نِصْفَ السَّيِّدِ الْآخَرِ إنْ كان فَقِيرًا جَازَ في حِصَّتِهِ وَإِنْ غَنِيًّا لم يَجُزْ انْتَهَى
قال الْمَجْدُ وَكَذَا إنْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ فما أَخَذَهُ من الصَّدَقَةِ يَكُونُ لِلْحِصَّةِ الْمُكَاتَبَةِ منه بِقَدْرِهَا وَالْبَاقِي لِحِصَّةِ السَّيِّدِ مع فَقْرِهِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ذلك يُشْبِهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ في فَصْلِ الْغَارِمِ وَجَزَمَ غَيْرُ الْقَاضِي من الْأَصْحَابِ أَنَّ جَمِيعَ ما يَأْخُذُهُ من بَعْضُهُ مُكَاتَبٌ يَكُونُ له لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ كما لو وَرِثَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ
فَائِدَةٌ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْعَبْدِ في عَدَمِ الْأَخْذِ من الزَّكَاةِ وَأَمَّا من بَعْضُهُ حُرٌّ فإنه يَأْخُذُ من الزَّكَاةِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ من خَمْسِينَ أو من كِفَايَتِهِ على الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أو نِصْفَ كِفَايَتِهِ
قَوْلُهُ وَلَا فقيره لها زَوْجٌ غَنِيٌّ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَأْتِي قَرِيبًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هل يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ من أَقَارِبِهِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَأَطْلَقَ في التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ في الْكَافِي بِجَوَازِ الْأَخْذِ قال الْمَجْدُ لَا أَحْسَبُ ما قَالَهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ في الْوَلَدِ الصَّغِيرِ
____________________
(3/253)
الثَّانِيَةُ هل يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ تَبَرَّعَ بها قَرِيبُهُ أو غَيْرُهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ فِيهِمَا الْجَوَازَ وهو الصَّوَابُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
الثَّالِثَةُ لو تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ من زَوْجٍ أو قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أو امْتِنَاعٍ أو غَيْرِهِ جَازَ أَخْذُ الزَّكَاةِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ أو تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ عَقَارِهِ
قَوْلُهُ وَلَا الوالدين ( ( ( الوالدان ) ) ) وَإِنْ عَلَوْا وَلَا الْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ
إنْ كان الْوَالِدَانِ وأن عَلَوْا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ في حَالِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عليه لم يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانُوا في حَالٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عليه كَوَلَدِ الْبِنْتِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ وكما ( ( ( كما ) ) ) إذَا لم يَتَّسِعْ لِلنَّفَقَةِ مَالُهُ لم يَجُزْ أَيْضًا دَفْعُهَا إلَيْهِمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هذه اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَ في الْوَاضِحِ في جَدٍّ وبن بن مَحْجُوبَيْنِ وَجْهَيْنِ
فَائِدَةٌ لَا يُعْطَى عمودى نَسَبُهُ لِغُرْمٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِكِتَابَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ بن سَبِيلٍ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يُعْطَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَأْخُذُ لِكَوْنِهِ عَامِلًا وَمُؤَلَّفًا وَغَازِيًا وَغَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَلَا بَنِي هَاشِمٍ
هذا الْمَذْهَبُ مطلقا ( ( ( مطلق ) ) ) نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَكَالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إجْمَاعًا
____________________
(3/254)
وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ قال في الْفَائِقِ وقال الْقَاضِي يَعْقُوبُ وأبو الْبَقَاءِ وأبو صَالِحٍ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ جَازَ ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهُمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ أَخَذُوا الزَّكَاةَ وَرُبَّمَا مَالَ إلَيْهِ أبو الْبَقَاءِ وقال إنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ من أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ بن الصَّيْرَفِيِّ في مُنْتَخَبِ الْفُنُونِ وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ في كِتَابِ النَّصِيحَةِ انْتَهَى
وزاد بن رَجَبٍ على من سَمَّاهُمْ في الْفَائِقِ نَصْرُ بن عبد الرَّزَّاقِ الْجِيلِيُّ
قُلْت وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِيَيْنِ
وقال جَامِعُ الِاخْتِيَارَاتِ وَبَنُو هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا من خُمُسِ الْخُمُسِ جَازَ لهم الْأَخْذُ من الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ لهم الْأَخْذُ من زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ انْتَهَى
فَتَلَخَّصَ جَوَازُ الْأَخْذِ لِبَنِي هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا من خُمُسِ الْخُمُسِ عِنْدَ الْقَاضِي يَعْقُوبَ وَأَبِي الْبَقَاءِ وَأَبِي صَالِحٍ وَنَصْرِ بن عبد الرَّزَّاقِ وَأَبِي طَالِبٍ الْبَصْرِيِّ وهو صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ في جَوَازِ كَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى عَامِلِينَ في فَصْلِهِ ولم يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يُعْطَوْنَ لِلْغَزْوِ وَالْعِمَالَةِ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قالوا يُعْطَى لِغُرْمِ نَفْسِهِ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْجَوَازِ قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَظْهَرُ
قُلْت جَزَمَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ بِجَوَازِ أَخْذِ ذَوِي الْقُرْبَى من الزَّكَاةِ إذَا كَانُوا غُزَاةً أو عُمَّالًا أو مُؤَلَّفِينَ أو غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ غُزَاةً أو غَارِمِينَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ لِمَصْلَحَتِنَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ وكذا قال الْمَجْدُ وزاد أو مُؤَلَّفِهِ
فَائِدَةٌ بَنُو هَاشِمٍ من كان من سُلَالَةِ هَاشِمٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(3/255)
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ آلُ الْعَبَّاسِ وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بن عبد الْمُطَّلِبِ وَآلُ أبي لَهَبٍ وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إن بَنِي هَاشِمٍ هُمْ آلُ الْعَبَّاسِ وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بن عبد الْمُطَّلِبِ فلم يُدْخِلَا أَبَا لَهَبٍ مع كَوْنِهِ أَخَا الْعَبَّاسِ وَأَبِي طَالِبٍ
قَوْلُهُ وَلَا لِمَوَالِيهِمْ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ إلَى الْجَوَازِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِي مَوَالِيهِمْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ مولى قُرَيْشٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ قال ما يُعْجِبُنِي قِيلَ له فَإِنْ كان مولى مَوْلًى قال هذا أَبْعَدُ قال في الْفُرُوعِ فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ من غَيْرِ هَاشِمِيٍّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ قال في الْفُرُوعِ يَجُوزُ في ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَقَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهُ وَالشَّافِي لَا يَجُوزُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَظَاهِرُ شَرْحِ الْمَجْدِ الْإِطْلَاقُ
الثَّالِثَةُ لَا يَحْرُمُ أَخْذُ الزَّكَاةِ على أَزْوَاجِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ في قَوْلِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لنا الصَّدَقَةُ هذا يَدُلُّ على تَحْرِيمِهَا على أَزْوَاجِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ولم يَذْكُرَا ما يُخَالِفُهُ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ
____________________
(3/256)
في شَرْحِهِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَزْوَاجُهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ من أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمُ عليهم الزَّكَاةُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ انْتَهَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِنَّ وَكَوْنُهُنَّ من أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ وَكَوْنُهُنَّ من أَهْلِ بَيْتِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ من صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ في الْفُرُوعِ إجْمَاعًا وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَحِلُّ لهم أَيْضًا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فَيَكُونُ النَّذْرُ وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَجَزَمَ في الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِ أَخْذِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ على بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
قَوْلُهُ وفي النَّذْرِ
يَعْنِي يَجُوزُ لهم الْأَخْذُ من النَّذْرِ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وَقَطَعَ في الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِهِ أَيْضًا عليهم وَحَكَى في الْحَاوِيَيْنِ في جَوَازِ أَخْذِهِمْ من النُّذُورِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا هو وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
قَوْلُهُ وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ
قال في الْهِدَايَةِ وَيَتَخَرَّجُ في الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
أَحَدُهُمَا هِيَ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ لهم الْأَخْذُ منها لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال بَلْ هِيَ أَوْلَى من الزَّكَاةِ في الْمَنْعِ وهو
____________________
(3/257)
ظَاهِرُ الْوَجِيزِ فإنه قال وَلِلْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ الْأَخْذُ من الْوَصِيَّةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هِيَ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ
تَنْبِيهٌ رَأَيْت في نُسْخَتَيْنِ عَلَيْهِمَا خَطُّ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ من صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ وفي النَّذْرِ وَجْهَانِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ وَأَيْضًا وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ في النَّذْرِ ثُمَّ أُصْلِحَ وَعُمِلَ كما في الْأَصْلِ وهو وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ من صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرِ وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ وهو الْأَلْيَقُ بِالْمَشْهُورِ بين الْأَصْحَابِ وَلَكِنْ قد ذَكَرْنَا الْخِلَافَ في النَّذْرِ أَيْضًا
فَائِدَةٌ إذَا حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ على بَنِي هَاشِمٍ فَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَإِنْ لم تَحْرُمْ عليهم فَهِيَ حَرَامٌ عليه أَيْضًا عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفَائِقِ وَيَحْرُمُ عليه صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عن أَحْمَدَ لَا تَحْرُمُ عليه اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَهَا بن الْبَنَّا وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ من أَقَارِبِهِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُنْتَخَبِ
____________________
(3/258)
وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالتَّعْلِيقِ وقال هذه الرِّوَايَةُ أَشْهَرُهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُهُمَا وَأَنَصُّهُمَا قال بن هُبَيْرَةَ هِيَ الْأَظْهَرُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ منهم الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ نقلها ( ( ( نقلهما ) ) ) الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هِيَ الظَّاهِرُ عنه رَوَاهَا عنه الْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ يُمْكِنُ حَمْلُهَا على اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْمَنْعُ إذَا كانت النَّفَقَةُ وَاجِبَةً وَالْجَوَازُ إذَا لم تَجِبْ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ لو دَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَبِلَهَا لم تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بها وَالنَّفَقَةُ لَا تَجِبُ في الذِّمَّةِ وَإِنْ لم يَقْبَلْهَا وَطَالَبَهُ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ أُجْبِرَ على دَفْعِهَا وَلَا يُجْزِئُهُ في هذه الْحَالِ جَعْلُهَا زَكَاةً
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ دَفْعِهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يلزمه ( ( ( تلزمه ) ) ) نَفَقَتُهُمْ إذَا كان يَرِثُهُمْ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وهو دَاخِلٌ في عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ قال الزَّرْكَشِيُّ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِزَاعٍ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ منهم الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ صَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ إنْ كان يُمَوِّنُهُمْ عَادَةً لم يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهَا بن الزَّاغُونِيِّ
____________________
(3/259)
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو كان أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ وَلَا يَرِثُهُ الْآخَرُ كعمه وبن أَخِيهَا وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا بن وَنَحْوُهُ فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ
فَعَلَيْهَا في جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَعَكْسُهُ الْآخَرُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَوْ وَرِثُوا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ
الثَّالِثَةُ في الْإِرْثِ بِالرَّدِّ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَجُوزُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ وَتَقَدَّمَ إذَا كان غَنِيًّا بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ أو تَبَرُّعٍ هل يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا فَقِيرَةٌ لها زَوْجٌ غَنِيٌّ
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ كَوْنُ قَرِيبِ المزكى عَامِلًا وَيَأْخُذُ من زَكَاتِهِ بِلَا نِزَاعٍ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْمَجْدُ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى أَقَارِبِهِ غير النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عليه إذَا كان غَارِمًا أو مُكَاتَبًا أو بن سَبِيلٍ بِخِلَافِ عَمُودِيِّ نسبه لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ
وَجَعَلَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ الْأَقَارِبَ كَعَمُودَيْ النَّسَبِ في الْإِعْطَاءِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ لَا غَيْرُ على قَوْلٍ فَقَالُوا وَقِيلَ يُعْطَى عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ وَبَقِيَّةُ أَقَارِبِهِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ في الْحَاوِيَيْنِ
وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لَا يَدْفَعُ إلَى أَقَارِبِهِ من سَهْمِ الْغَارِمِينَ إذَا كَانُوا منهم وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يعطى قَرَابَتَهُ لِعِمَالَةٍ وَتَأْلِيفٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَغَزْوٍ وَلَا يعطى لِغَيْرِ ذلك
____________________
(3/260)
الْخَامِسَةُ لو تَبَرَّعَ بنفقة قَرِيبٍ أو يَتِيمٍ أو غَيْرِهِ وَضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ جَازَ له دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وبن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ
قَوْلُهُ أو إلَى الزَّوْجِ
على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُصَنِّفُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لم نَجِدْ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَهُ في كُتُبِهِ بَلْ الْمَجْزُومُ بِهِ في الْعُمْدَةِ خِلَافُ ذلك قال بن رَزِينٍ هذا أَظْهَرُ واختاره أبو بَكْرٍ قَالَهُ شَيْخُنَا في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال اخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ أَيْضًا وقال هذا الْقَوْلُ الذي عليه أَحْمَدُ ورواية ( ( ( رواية ) ) ) الْجَوَازِ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه
فَائِدَةٌ لم يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ أَخْذِ
____________________
(3/261)
الزَّوْجِ من الزَّوْجَةِ وَأَخْذِهَا منه لِسَبَبٍ من الْأَسْبَابِ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِغَزْوٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ وَلَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ وَنَحْوِهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من الْآخَرِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ
وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَجُوزُ الْأَخْذُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أو كِتَابَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً كَعَمُودَيْ النَّسَبِ وَأَمَّا الْأَخْذُ لِغَيْرِهِمَا فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ أو بَنِي الْمُطَّلِبِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْمُصَنِّفِ في الْعُمْدَةِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ لِمَنْعِهِمْ بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ وَاقْتِصَارِهِمْ على ذلك
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ بن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ لم يذكر الْأَصْحَابُ مَوَالِيَ بَنِي الْمُطَّلِبِ قال وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وهو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ وَسُئِلَ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عن مولى قُرَيْشٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ قال ما يُعْجِبُنِي قِيلَ له فَإِنْ كان مولى مَوْلًى قال هذا أَبْعَدُ فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
____________________
(3/262)
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الْقَاضِيَ فإنه قال في بَعْضِ كَلَامِهِ لَا يَعْرِفُ فِيهِمْ رِوَايَةً وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ فِيهِمْ ما نَقُولُ في مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ انْتَهَى
قُلْت لم يَطَّلِعْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ على كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ في ذلك فَقَدْ قال في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِشَارَةِ وَالْخِصَالِ له تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ على بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ وكذا قال في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وقال في الْوَجِيزِ وَلَا تُدْفَعُ إلَى هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى من لَا يَسْتَحِقُّهَا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ لم يُجْزِهِ إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَى من لَا يَسْتَحِقُّهَا وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ فَتَارَةً يَكُونُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِغِنَاهُ وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كان لِكُفْرِهِ أو لِشَرَفِهِ أو كَوْنِهِ عَبْدًا فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أنها لَا تُجْزِئُهُ وهو الْمَذْهَبُ
قال في الْفُرُوعِ لم تُجْزِهِ في الْأَشْهَرِ قال صَاحِبُ الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لم تُجْزِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالْخُلَاصَةِ
وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ ما لو بَانَ غَنِيًّا على ما يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحَكَاهُمَا بن تَمِيمٍ طَرِيقَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فيه طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا كالغنى وَالثَّانِي لَا تُجْزِئُهُ قَطْعًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَةٍ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وأبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
وَإِنْ ظَهَرَ قَرِيبًا للمعطى فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَسَوَّى في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(3/263)
بين ما إذَا بَانَ قَرِيبًا غير عَمُودَيْ النَّسَبِ وَبَيْنَ ما إذَا بَانَ غَنِيًّا وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ
وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا بَانَ قَرِيبًا مُطْلَقًا
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَصْوَبُ عِنْدِي لِخُرُوجِهَا عن مِلْكِهِ إلَى من يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ سَائِرِ الناس إلَيْهِ وَلِحَدِيثِ يَزِيدَ بن مَعْنٍ انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ فَإِنْ بَانَ نَسِيبًا فَطَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَالثَّانِي هو كما لو بَانَ غَنِيًّا
وَالْمَنْصُوصُ هُنَا الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَشْيَةُ الْمُحَابَاةِ وهو مُنْتَفٍ مع عَدَمِ الْعِلْمِ
وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ وهو لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يُجْزِئُهُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الصَّحِيحُ وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا الْمَذْهَبُ
قال الْمَجْدُ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يَرْجِعُ على الْغَنِيِّ بها إنْ كانت بَاقِيَةً وَإِنْ كانت تَلِفَتْ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا يوم تَلَفِهَا إذَا عَلِمَ أنها زَكَاةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
قال بن شِهَابٍ وَلَا يَلْزَمُ إذَا دَفَعَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ إلَى فَقِيرٍ فَبَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ مَقْصِدَهُ في الزَّكَاةِ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ وقد بَطَلَ ذلك فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَالسَّبَبُ الذي أَخْرَجَ لِأَجْلِهِ في التَّطَوُّعِ الثَّوَابُ ولم يَفُتْ فلم يَمْلِكْ الرُّجُوعَ وَسَبَقَ رِوَايَةُ مُهَنَّا في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لم يَرْجِعْ على الْمِسْكِينِ
وَسَبَقَ كَلَامُ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ
____________________
(3/264)
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ لَا تُجْزِئُ وَإِنْ بَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا فَالْحُكْمُ في الرُّجُوعِ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ على ما تَقَدَّمَ في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَفَارِيعُ ذلك كُلِّهِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو دَفَعَ الْإِمَامُ أو السَّاعِي الزَّكَاةَ إلَى من يَظُنُّهُ أَهْلًا لِأَخْذِهَا لم يَضْمَنْ إذَا بَانَ غَنِيًّا وَيَضْمَنُ في غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ
قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ إذَا بَانَ غَنِيًّا بِغَيْرِ خِلَافٍ وَصَحَّحَهُ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا بَانَ غَنِيًّا وفي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
وَعَنْهُ يَضْمَنُ في الْجَمِيعِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ولم يذكر رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ وَتَابَعَهُ في الْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ في الْجَمِيعِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ وَقَدَّمَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَظُنُّهُ من أَهْلِهَا فَلَوْ لم يَظُنَّهُ من أَهْلِهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بَانَ من أَهْلِهَا لم تُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ من الصَّلَاةِ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ
الثَّالِثَةُ الْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْأَحْكَامِ وَمَنْ مَلَكَ فِيهِمَا الرُّجُوعَ مَلَكَهُ وَارِثُهُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ على ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وَهِيَ أَفْضَلُ من الْعِتْقِ نَقَلَهُ حَرْبٌ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ من الصَّدَقَةِ على الْأَجَانِبِ إلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ نَقَلَهُ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ
____________________
(3/265)
وأبو دَاوُد وقال الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ الْعِتْقُ أَحَبُّ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ انْتَهَيَا وَيَأْتِي ذلك أَوَّلَ كِتَابِ الْعِتْقِ
وَهَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ أَمْ الصَّدَقَةُ مع عَدَمِ الْحَاجَةِ أَمْ مع الْحَاجَةِ وَعَلَى الْقَرِيبِ أَمْ على الْقَرِيبِ مُطْلَقًا فيه أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحَجُّ أَفْضَلُ من الصَّدَقَةِ وهو مَذْهَبُ أَحْمَدَ انْتَهَى
قُلْت الصَّدَقَةُ زَمَنَ الْمَجَاعَةِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ لَا سِيَّمَا الْجَارُ خُصُوصًا الْقَرَابَةَ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَصِيَّتُهُ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلُ من وَصِيَّتِهِ بِالْحَجِّ التَّطَوُّعِ
فَيُؤْخَذُ منه أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ بِلَا حَاجَةٍ فَيَبْقَى قَوْلٌ خَامِسٌ
وفي كِتَابِ الصَّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ من الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ
وَسَبَقَ في أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ من الْعِتْقِ
فَحَيْثُ قُدِّمَتْ الصَّدَقَةُ على الْحَجِّ فَعَلَى الْعِتْقِ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَحَيْثُ قُدِّمَ الْعِتْقُ على الصَّدَقَةِ فَالْحَجُّ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَيَأْتِي في بَابِ الْوَلِيمَةِ هل يَجُوزُ الْأَكْلُ من مَالِ من في مَالِهِ حَرَامٌ وَحَلَالٌ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عن كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ من يَمُونُهُ
هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُمْ بِالْكِفَايَةِ الْكِفَايَةُ الدَّائِمَةُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ بِمَتْجَرٍ أو غَلَّةِ وَقْفٍ وَصَنْعَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي الصَّدَقَةَ بِالْفَاضِلِ عن كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ من يَمُونُهُ بِمَتْجَرٍ وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَمَعْنَى كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ في بَعْضِ كُتُبِهِ لَا يَكْفِي الِاكْتِفَاءُ بِالصَّنْعَةِ وَقَالَهُ في غَلَّةِ وَقْفٍ أَيْضًا قال صَاحِبُ الْفُرُوعِ وفي الِاكْتِفَاءِ بِالصَّنْعَةِ نَظَرٌ وقال بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لو عَبَسَ الزَّمَانُ في وَجْهِك مَرَّةً لَعَبَسَ في وَجْهِك أَهْلُك وَجِيرَانُك ثُمَّ حَثَّ على إمْسَاكِ الْمَالِ
____________________
(3/266)
وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ في كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَصُونُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ وَأَنَّهُ قد يَتَّفِقُ له مِرْفَقٌ فَيُخْرِجُ ما في يَدِهِ فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ فَيُلَاقِي من الضَّرَرِ وَمِنْ الذُّلِّ ما يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا في ذلك
قَوْلُهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ مُؤْنَةَ من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ أَثِمَ
وَكَذَا لو أَضَرَّ ذلك بِنَفْسِهِ أو بِغَرِيمِهِ أو بِكَفَالَتِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا لم يَضُرَّ فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قبل الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وهو يَعْلَمُ من نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عن الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذلك
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ ذلك الْجَوَازُ لَا الِاسْتِحْبَابُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ بِالِاسْتِحْبَابِ قال في الْفُرُوعِ وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي ذلك
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَثِقْ من نَفْسِهِ لم يَجُزْ له
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فَيُمْنَعُ من ذلك وَيُحْجَرُ عليه وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ ذلك
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ له على الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عن الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ
بِلَا نِزَاعٍ زَادَ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا من لَا عَادَةَ له بِالضِّيقِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في فَقِيرٍ لِقَرَابَتِهِ وَلِيمَةً يَسْتَقْرِضُ ويهدى له ذَكَرَهُ أبو الْحُسَيْنِ في الطَّبَقَاتِ
____________________
(3/267)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فيه صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْقَرْضِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَظُنُّ وَفَاءً وقال أَيْضًا وَيَتَوَجَّهُ في الْأَظْهَرِ أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى من الزَّكَاةِ وَأَنَّ أَخْذَهَا سِرًّا أَوْلَى
قال وَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَظُنُّ عُلَمَاءَ الصُّوفِيَّةِ
الثَّانِيَةُ تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ على الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا نَصَّ عليه وَلَهُمْ أَخْذُهَا
الثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لها فَإِنْ أَخَذَهَا مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ قُلْت وهو الصَّوَابُ
الرَّابِعَةُ يَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وهو كَبِيرَةٌ على نَصِّ أَحْمَدَ الْكَبِيرَةُ ما فيه حَدٌّ في الدُّنْيَا أو وَعِيدٌ في الْآخِرَةِ وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ وَلِلْأَصْحَابِ خِلَافٌ فيه وَفِيهِ بُطْلَانُ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِحْبَاطَ لِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ الْمَنُّ إلَّا عِنْدَ من كَفَرَ إحْسَانَهُ وَأَسَاءَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ
الْخَامِسَةُ من أَخْرَجَ شيئا يَتَصَدَّقُ بِهِ أو وَكَّلَ في ذلك ثُمَّ بَدَا له اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَجِبُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ما أَحْسَنَ أَنْ يمضيه ( ( ( يمضي ) ) ) وَعَنْهُ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فيه وَحَمَلَ الْقَاضِي ما روى عن أَحْمَدَ على الِاسْتِحْبَابِ قال بن عَقِيلٍ لَا أَعْلَمُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَجْهًا قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ وهو كما قال وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ على أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَوْلِ وفي تَعْيِينِهِمَا بِالنِّيَّةِ وَجْهَانِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ مَتَى يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ في آخِرِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ فَلْيُعَاوَدْ
____________________
(3/268)
= كِتَابُ الصِّيَامِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الصَّوْمُ وَالصِّيَامُ في اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وهو في الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عن إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ
الثَّانِيَةُ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا فَصَامَ رسول اللَّهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ إجْمَاعًا
الثَّالِثَةُ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ شَهْرُ رَمَضَانَ كما قال اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ بِإِسْقَاطِ شَهْرُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يُكْرَهُ إلَّا مع قَرِينَةٍ وذكر الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهًا يُكْرَهُ مُطْلَقًا وفي الْمُنْتَخَبِ لَا يَجُوزُ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ أو قَتَرُ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَصَرُوهُ وَصَنَّفُوا فيه التَّصَانِيفَ وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ وَقَالُوا نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عليه وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يَجِبُ صَوْمُهُ قبل رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أو إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عنه وقال لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ في كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا في كَلَامِ أَحَدٍ من الصحابه
وَرَدَّ صَاحِبُ الْفُرُوعِ جَمِيعَ ما احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ وقال لم أَجِدْ عن أَحْمَدَ قَوْلًا صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ وَلَا أَمْرَ بِهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَاخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَصْحَابُهُ منهم صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
____________________
(3/269)
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُبَاحُ صَوْمُهُ قال في الْفَائِقِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ بَلْ يُسْتَحَبُّ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ أبو الْعَبَّاسِ انْتَهَى
قال في الِاخْتِيَارَاتِ وَحَكَى عن أبي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كان يَمِيلُ أَخِيرًا إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ انْتَهَى
وَعَنْهُ الناس تَبَعٌ لِلْإِمَامِ إنْ صَامَ صَامُوا وَإِلَّا فَيَتَحَرَّى في كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ وَنَقْصِهَا وَإِجْبَارِهِ بِمَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ وَغَيْرِ ذلك من الْقَرَائِنِ وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ وَقِيلَ إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ فإنه يَصُومُهُ على الْأَصَحِّ وَقِيلَ الناس تَبَعٌ لِلْإِمَامِ في الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ فإنه يَصُومُهُ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ
قُلْت الْمَذْهَبُ وُجُوبُ صَوْمِ الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَتِهِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَرِيبًا
وَعَنْهُ صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عنه قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ أبو الْقَاسِمِ بن مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد قِيلَ إنَّ هذا اخْتِيَارُ بن عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا قال وَاَلَّذِي نَصَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْخِلَافِ الصَّغِيرِ كَالْأَوَّلِ وَأَصْلُ هذا في الكبير ( ( ( الكثير ) ) ) انْتَهَى
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ قِيلَ يُكْرَهُ صَوْمُهُ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً وَقِيلَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ فقال وإذا لم يَجِبْ فَهَلْ هو مُبَاحٌ أو مَنْدُوبٌ أو مَكْرُوهٌ أو مُحَرَّمٌ على أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ اخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ انْتَهَى
قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَجِيءُ في صِيَامِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلٌ سَادِسٌ بِالتَّبَعِيَّةِ
وَعَمِلَ بن عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من الْفُنُونِ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ كَمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ فَالثَّالِثُ نَاقِصٌ وقال هو مَعْنَى التَّقْدِيرِ وقال أَيْضًا الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ فَيَجِبُ على كل حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مع الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مع الْبُعْدِ لِاحْتِمَالِهِ
____________________
(3/270)
وقال أَيْضًا الشُّهُورُ كُلُّهَا مع رَمَضَانَ في حَقِّ الْمَطْمُورِ كَالْيَوْمِ الذي يُشَكُّ فيه من الشَّهْرِ في التَّحَرُّزِ وَطَلَبِ التَّحَقُّقِ وَلَا أَحَدَ قال بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بَلْ بِالتَّأْخِيرِ لِيَقَعَ أَدَاءً أو قَضَاءً كَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ صَوْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ من رَمَضَانَ وقال في مَكَان آخَرَ أو يَظُنُّهُ لِقَبُولِنَا شَهَادَةَ وَاحِدٍ
تَنْبِيهٌ فَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا ويجزئ ( ( ( يجزئ ) ) ) على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال الزَّرْكَشِيُّ حكى عن التَّمِيمِيِّ
فَعَلَى الْمُقَدَّمِ وهو الصَّحِيحُ يصلي التَّرَاوِيحُ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ منهم وَلَدُهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ هذا الْأَقْوَى عِنْدِي قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هو أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْفَضْلِ الْقِيَامُ قبل الصِّيَامِ احتياطا ( ( ( احتياط ) ) ) لِسُنَّةِ قِيَامِهِ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَحْذُورًا وَالصَّوْمُ نُهِيَ عن تَقْدِيمِهِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ في الْأَظْهَرِ قال بن تَمِيمٍ فُعِلَتْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال بن الْجَوْزِيِّ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ ذَكَرَهُ في كِتَابِ دَرْءِ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ في صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تُصَلَّى التَّرَاوِيحُ اقْتِصَارًا على النَّصِّ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ وَالتَّمِيمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ قال في التَّلْخِيصِ وهو أَظْهَرُ قال النَّاظِمُ هو أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وهو ظَاهِرُ الْفُرُوعِ
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ من حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَدِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذلك فَلَا يَثْبُتُ منها شَيْءٌ على الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَقَدَّمَهُ في
____________________
(3/271)
الْفُرُوعِ وقال هو أَشْهَرُ وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا تَثْبُتُ هذه الْأَحْكَامُ كما يَثْبُتُ الصَّوْمُ وَتَوَابِعُهُ وَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فيه وَنَحْوُ ذلك قال في الْقَوَاعِدِ وهو ضَعِيفٌ قال الزَّرْكَشِيُّ هُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَأَطْلَقَهُمَا وَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا بِوُجُوبِهِ جَازَ ما يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يُصَلِّي
فَائِدَةٌ قال في الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ جميعا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ أَنْ يُقَدِّرُوا رَجَبًا وشعبانا ( ( ( وشعبان ) ) ) نَاقِصَيْنِ ثُمَّ يَصُومُونَ وَلَا يُفْطِرُونَ حتى يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَيُتِمُّوا صَوْمَهُمْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى هذا فَقِسْ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ
وَيَأْتِي بِأَتَمَّ من هذا عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لم يُفْطِرُوا
قَوْلُهُ وإذا رؤي ( ( ( رئي ) ) ) الْهِلَالُ نَهَارًا قبل الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ
هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كان أَوَّلَ الشَّهْرِ أو آخِرَهُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ هذا الْمَشْهُورُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ
وَعَنْهُ إذَا رؤي ( ( ( رئي ) ) ) بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِلْمَاضِيَةِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَعَنْهُ إذَا رؤي ( ( ( رئي ) ) ) بَعْدَ الزَّوَالِ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ قال في الْمُذْهَبِ فَأَمَّا إذَا رؤي ( ( ( رئي ) ) ) في آخِرِهِ قبل الزَّوَالِ فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان بَعْدَ الزَّوَالِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى
وَعَنْهُ إذَا رؤي ( ( ( رئي ) ) ) قبل الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ
____________________
(3/272)
قَوْلُهُ وإذا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ الناس كُلَّهُمْ الصَّوْمُ
لَا خِلَافَ في لُزُومِ الصَّوْمِ على من رَآهُ وَأَمَّا من لم يَرَهُ فَإِنْ كانت الْمَطَالِعُ مُتَّفِقَةً لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لُزُومُ الصَّوْمِ أَيْضًا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال في الْفَائِقِ وَالرُّؤْيَةُ بِبَلَدٍ تَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ كَافَّةً
وَقِيلَ تَلْزَمُ من قَارَبَ مَطْلَعَهُمْ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وقال في الْفُرُوعِ وقال شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَلْزَمُ من لم يَرَهُ حُكْمُ من رَآهُ ثُمَّ قال قُلْت بَلْ هذا مع تَقَارُبِ الْمَطَالِعِ وَاتِّفَاقِهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا فِيمَا فَوْقَهَا مع اخْتِلَافِهَا انْتَهَى
فَاخْتَارَ أَنَّ الْبُعْدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَفَرَّعَ فيها على الْمَذْهَبِ وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فقال لو سَافَرَ من بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ فَبَعُدَ وَتَمَّ شَهْرُهُ ولم يَرَوْا الْهِلَالَ صَامَ مَعَهُمْ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُفْطِرُ فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ أَفْطَرُوا معه على الْمَذْهَبِ وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ من بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَفْطَرَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا على الْمَذْهَبِ ولم يُفْطِرْ على الثَّانِي وَلَوْ عَيَّدَ بِبَلَدٍ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ في أَوَّلِهِ وَسَافَرَتْ سَفِينَةٌ أو غَيْرُهَا سَرِيعًا في يَوْمِهِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَمْسَكَ مَعَهُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لَا على الْمَذْهَبِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وما ذَكَرَهُ على الْمَذْهَبِ وَاضِحٌ وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فيه نَظَرٌ لِأَنَّهُ في الْأُولَى اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ من جُمْلَتِهِمْ وفي الثَّانِيَةِ اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ منه لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ في هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَةِ وَيَثْبُتُ
____________________
(3/273)
بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ حتى مع غَيْمٍ وَقَتَرٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ فيه إلَّا عَدْلَانِ كَبَقِيَّةِ الشُّهُودِ
وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ أَنَّهُ إنْ جاء من خَارِجِ الْمِصْرِ أو رَآهُ في الْمِصْرِ وَحْدَهُ لَا في جَمَاعَةٍ قَبُولَ قَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا اثْنَانِ وَحَكَى هذه رِوَايَةً قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ عنه إنْ جاء من خَارِجِ الْمِصْرِ أو رَآهُ فيه لَا في جَمْعٍ كَثِيرٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا
فقال في هذه الرِّوَايَةِ لَا في جَمْعٍ كَثِيرٍ ولم يَقُلْ وَإِلَّا اثْنَانِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هو خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
وقال في الْمُبْهِجِ أَمَّا الرُّؤْيَةُ فَيَصُومُ الناس بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْعَدْلِ أو امْرَأَتَيْنِ
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فيها
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ بَلْ يَلْزَمُ الصَّوْمُ من سَمِعَهُ من عَدْلٍ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ
وقال أبو الْبَقَاءِ إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَزِمَ الصَّوْمُ فَأَخْبَرَهُ غَيْرُهُ لم يَلْزَمْهُ بِدُونِ ثُبُوتٍ وَقِيلَ إنْ وَثِقَ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لَا خَبَرٌ فَتَنْعَكِسُ هذه الْأَحْكَامُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ هل هو خَبَرٌ أو شَهَادَةٌ قال في الرِّعَايَةِ وفي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَ في قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ الْوَجْهَانِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وقال في الْكَافِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وفي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ فيه شَهَادَةُ شَاهِدِ الْفَرْعِ مع إمْكَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَيَطَّلِعُ عليه الرَّجُلُ كَهِلَالِ شَوَّالٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
____________________
(3/274)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَسْتُورِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ في الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيِّزِ الْخِلَافُ
فَائِدَةٌ إذَا ثَبَتَ الصَّوْمُ بِقَوْلِ عَدْلٍ ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ في مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ وَقَطَعَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وقال صَرَّحَ بِهِ بن عَقِيلٍ في عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي في مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ مُفَرِّقًا بين الصَّوْمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وقد يُثْبِتُ الصَّوْمَ ما لَا يُثْبِتُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَيُحِلُّ الدَّيْنَ وهو شَهَادَةُ عَدْلٍ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْحَمْلِ فَشَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ
قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ في سَائِرِ الشُّهُورِ إلَّا عَدْلَانِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ يُقْبَلُ في هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِمَوْضِعٍ ليس فيه غَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ قَبُولُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ أبو مُحَمَّدٍ فَجَوَّزَ الْفِطْرَ بِقَوْلِهِمَا لِمَنْ يَعْرِفُ حَالَهُمَا وَلَوْ رَدَّهُمَا الْحَاكِمُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفِطْرُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وإذا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فلم يَرَوْا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا
وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ لَا يُفْطِرُونَ مع الصَّحْوِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وأبو مُحَمَّدِ بن الْجَوْزِيِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ فَيُقَدَّمُ على الظَّنِّ وهو الشَّهَادَةُ انْتَهَى
____________________
(3/275)
قُلْت ليس كما قال صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ قَطَعَ بِالْفِطْرِ فقال وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَفْطَرُوا وَجْهًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ هُمَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُونَ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الْقَوَاعِدِ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يُفْطِرُونَ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُونَ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْحَاوِيَيْنِ أَنَّ على هذا الْأَصْحَابَ فإنه قال فيها وَمَنْ صَامَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ولم يَرَهُ مع الْغَيْمِ أَفْطَرَ وَمَعَ الصَّحْوِ يَصُومُ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ هذا هو الصَّحِيحُ وقال أَصْحَابُنَا له الْفِطْرُ بَعْدَ إكْمَالِ الثَّلَاثِينَ صَحْوًا كان أو غَيْمًا وَإِنْ صَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى ما ذَكَرْنَا في شَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ بِحَالٍ انْتَهَى
وَقِيلَ لَا يُفْطِرُونَ إنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَّا إذَا كان آخِرَ الشَّهْرِ غَيْمٌ
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذَا حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لم يُفْطِرُوا
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ
وَقِيلَ يُفْطِرُونَ وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت إنْ صَامُوا جَزْمًا مع الْغَيْمِ أو الْقَتَرِ أَفْطَرُوا وَإِلَّا فَلَا
____________________
(3/276)
قُلْت وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يُعْمَلُ بِهِمَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ فَقَدْ يُصَامُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبَ وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ وَكَذَا الزِّيَادَةُ إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَلَى هذا فَقِسْ قال في الْفُرُوعِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا
فَائِدَةٌ لو صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَفْطَرُوا قَطْعًا وَقَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وإحتمال يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْضُونَ يَوْمَيْنِ
قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ
وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هذه الرِّوَايَةُ عن أَحْمَدَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ الْمُعَلَّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرُ ذلك من خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ خَلَا الصِّيَامِ على هذه الرِّوَايَةِ وَيَأْتِي في بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَامَعَ في يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ في لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ بَعْضُ ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
فَعَلَى الْأُولَى هل يُفْطِرُ يوم الثَّلَاثِينَ من صِيَامِ الناس لِأَنَّهُ قد اكمل الْعِدَّةَ في حَقِّهِ أَمْ لَا يُفْطِرُ فيه وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أبو الْخَطَّابِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَتَابَعَهُ
____________________
(3/277)
في الْفَائِقِ قُلْت فَعَلَى الأولة ( ( ( الأول ) ) ) هل يُفْطِرُ مع الناس أو قَبْلَهُمْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ وَحُلُولُ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت فَعَلَى الأولة ( ( ( الأول ) ) ) يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقَوَاعِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا مع الناس وَلَا يَقْطَعُ طَلَاقَهُ الْمُعَلَّقَ وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ
وَتَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ فَيَلْزَمُ من أخبره الصَّوْمُ
قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لم يُفْطِرْ
هذا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو حَكِيمٍ يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قال بن عَقِيلٍ يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا وهو حَسَنٌ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ وَعَنْهُ يُفْطِرُ وَقِيلَ سِرًّا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِطْرِ إجْمَاعًا قال الْقَاضِي يُنْكَرُ على من أَكَلَ في رَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كان هُنَاكَ عُذْرٌ قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ يَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ من الْفِطْرِ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُتَّهَمَ فقال إنْ كانت أعذار ( ( ( أعذارا ) ) ) خَفِيَّةً يُمْنَعُ من إظْهَارِهِ كَمَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ له وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عليه
تَنْبِيهٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالنِّزَاعُ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ على أَصْلٍ وهو أَنَّ الْهِلَالَ هل هو اسْمٌ لِمَا يطلع ( ( ( طلع ) ) ) في السَّمَاءِ وَإِنْ لم يَظْهَرْ أو أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ كما يَدُلُّ عليه الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ فيه قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ ليس بِقُرْبِهِ بَلَدٌ يَبْنِي على يَقِينِ
____________________
(3/278)
رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَلْ الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بِمَكَانٍ آخَرَ
الثَّانِيَةُ لو رَآهُ عَدْلَانِ ولم يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أو شَهِدَا فَرَدَّهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا لم يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لِمَا فيه من الِاخْتِلَافِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالْجَوَازِ وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وإذا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ على الْأَسِيرِ تَحَرَّى وَصَامَ فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أو ما بَعْدَهُ أجزاه
إنْ وَافَقَ صَوْمُ الْأَسِيرِ وَمَنْ في مَعْنَاهُ كَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَا نِزَاعَ في الْإِجْزَاءِ وَإِنْ وَافَقَ ما بَعْدَهُ ما بَعْدَهُ فَتَارَةً يُوَافِقُ رَمَضَانَ الْقَابِلَ وَتَارَةً يُوَافِقُ ما قبل رَمَضَانَ الْقَابِلِ فَإِنْ وَافَقَ ما قبل رَمَضَانَ الْقَابِلِ فَلَا نِزَاعَ في الْإِجْزَاءِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ شَوَّالًا أو ذَا الْحِجَّةِ صَامَ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَرْبَعًا إنْ قُلْنَا لَا تُصَامُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
وَيَأْتِي ما إذَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا عن رَمَضَانَ وكان أَحَدُهُمَا نَاقِصًا في بَابِ ما يُكْرَهُ وَيُسْتَحَبُّ
وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ فقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يُجْزِئُهُ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اعْتَبَرْنَا نِيَّةَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لم نَعْتَبِرْهَا وَقَعَ عن رَمَضَانَ الثَّانِي وَقَضَى الْأَوَّلَ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لم يُجْزِهِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفَائِقِ قُلْت وَتَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ بِنَاءً على أَنَّ فَرْضَهُ اجْتِهَادُهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك صَامَ
____________________
(3/279)
ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ شَهْرًا على إثْرِ شَهْرٍ كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ كَالشَّكِّ في دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ على ما سَبَقَ وَسَبَقَ في بَابِ النِّيَّةِ تَصِحُّ نِيَّةُ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ لِلْعَجْزِ عنها انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو تَحَرَّى وَشَكَّ هل وَقَعَ صَوْمُهُ قبل الشَّهْرِ أو بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ كَمَنْ تَحَرَّى في الْغَيْمِ وَصَلَّى وَلَوْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ من خَفِيَتْ عليه الْقِبْلَةُ على ما تَقَدَّمَ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لم يَدْخُلْ فَصَامَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان دخل لم يُجْزِهِ وَسَبَقَ في الْقِبْلَةِ وَجْهٌ بِالْإِجْزَاءِ فَكَذَا هُنَا
وَلَوْ شَكَّ في دُخُولِهِ فَكَمَا لو ظَنَّ أَنَّهُ لم يَدْخُلْ وقال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَنَقَلَ مُهَنَّا إنْ صَامَ لَا يدرى هو رَمَضَانُ أو لَا فإنه يَقْضِي إذَا كان لَا يَدْرِي
وَيَأْتِي ما يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ في بَابِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا على الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ على الصَّوْمِ
احترازا ( ( ( احتراز ) ) ) من غَيْرِ الْقَادِرِ كَالْعَاجِزِ عن الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وما في مَعْنَاهُ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ على كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ
تَقَدَّمَ حُكْمُ الْكَافِرِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ إجْمَاعًا فَلَوْ ارْتَدَّ في يَوْمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فيه أو بَعْدَهُ أو ارْتَدَّ في لَيْلَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فيها فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِقَضَائِهِ وقال الْمَجْدُ يَنْبَنِي على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُوجِبَ في بَعْضِ الْيَوْمِ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ وَجَبَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدَ ذلك
____________________
(3/280)
قَوْلُهُ وَلَا صَبِيٍّ
يَعْنِي لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عليه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْقَاضِي الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ حتى يَبْلُغَ وَعَنْهُ يَجِبُ على الْمُمَيِّزِ إنْ أَطَاقَهُ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَ في التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُرَادُهُمْ إذَا كان مُمَيِّزًا كما صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ
وَعَنْهُ يَجِبُ على من بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ وقد قال الْخِرَقِيُّ يُؤْخَذُ بِهِ إذًا
فَائِدَةٌ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقَ الْإِطَاقَةَ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَحَدَّدَ بن أبي مُوسَى إطَاقَتَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ
قَوْلُهُ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أَطَاقَهُ وَيُضْرَبُ عليه لِيَعْتَادَهُ
يَعْنِي على الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ قال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَالضَّرْبُ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ وقال اعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى لِأَمْرِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِالضَّرْبِ على الصَّلَاةِ عِنْدَهَا وقال الْمَجْدُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَيُضْرَبُ عليه فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ كَالصَّلَاةِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَجِبُ ذلك على الْوَلِيِّ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وقال بن رَزِينٍ يُسَنُّ لِوَلِيِّهِ ذلك
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ على الصَّبِيِّ فإنه يَعْصِي بِالْفِطْرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ
قَوْلُهُ وإذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً لَا يَلْزَمُ
____________________
(3/281)
الْإِمْسَاكُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي وَأَنَّهُ لو لم يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لم يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أو أَفَاقَ مَجْنُونٌ أو بَلَغَ صَبِيٌّ فَكَذَلِكَ
يَعْنِي يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ إذَا وُجِدَ ذلك في أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَلَا الْقَضَاءُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وقال لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ وَقْتًا يُمْكِنُهُ التَّلَبُّسُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَجْنُونِ في الْمُغْنِي وقال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى أبو الْعَبَّاسِ رِوَايَةً فِيمَا أَظُنُّ وَاخْتَارَهَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ في حَقِّ هَؤُلَاءِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَيَأْتِي أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ
فَائِدَةٌ لو أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ في أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ ما سَبَقَ منه بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا أَيْ بِالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ أَتَمَّ وَلَا قَضَاءَ عليه عِنْدَ الْقَاضِي
كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ فَلَا قَضَاءَ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ عليه الْقَضَاءُ كَالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ في أَثْنَائِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ ومحرره ( ( ( وحرره ) ) ) وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ
وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ في الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا
فَائِدَةٌ لو عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ في أَثْنَاءِ الْيَوْمِ بِالسِّنِّ لم يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قبل زَوَالِ عُذْرِهِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُسَافِرُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ على
____________________
(3/282)
الصَّحِيحِ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ وأبو دَاوُد كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَعَلِمَ قُدُومَهُ في غَدٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ قال الْمَجْدُ وهو أَقْيَسُ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ من سَافَرَ في أَثْنَاءِ يَوْمٍ له الْفِطْرُ
قَوْلُهُ وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أو نُفَسَاءُ أو قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ
إجْمَاعًا وفي الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَفُصُولِ بن عَقِيلٍ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَمْسَكُوا على الْأَظْهَرِ وَنَصَرَهُ في الْمُبْهِجِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ من أُبِيحَ له الْفِطْرُ من الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ لهم إظْهَارُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لم يُفْطِرْ
وَيَأْتِي في أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْعُهُمْ من إظْهَارِ الْأَكْلِ في رَمَضَانَ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو بريء الْمَرِيضُ مُفْطِرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ
الثَّانِيَةُ لو أَفْطَرَ الْمُقِيمُ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أو تَعَمَّدَتْ الْمَرْأَةُ الْفِطْرَ ثُمَّ حَاضَتْ في أَثْنَاءِ الْيَوْمِ لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ في السَّفَرِ وَالْحَيْضِ نَقَلَهُ بن الْقَاسِمِ وَحَنْبَلٌ فَيُعَايَى بها وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ عَدَمَ الْإِمْسَاكِ مع الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ خِلَافًا
____________________
(3/283)
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ في صَائِمٍ أَفْطَرَ عَمْدًا أو لم يَنْوِ الصَّوْمَ حتى أَصْبَحَ لَا إمْسَاكَ عليه قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ في الْإِمْسَاكِ وقال في الْفُصُولِ يُمْسِكُ من لم يُفْطِرْ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَنَقَلَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا قال الْمُسَافِرُ أُفْطِرُ غَدًا أَنَّهُ كَقُدُومِهِ مُفْطِرًا وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ
الثَّالِثَةُ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قد طَهُرَتْ من حَيْضِهَا جَازَ أَنْ يَطَأَهَا فَيُعَايَى بها
الرَّابِعَةُ لو حَاضَتْ امْرَأَةٌ في أَثْنَاءِ يَوْمٍ فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ تُمْسِكُ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَعَكْسِهَا تَغْلِيبًا لِلْوَاجِبِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في الْمَنْثُورِ وَذَكَرَ في الْفُصُولِ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ رِوَايَتَيْنِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ يُؤْخَذُ من كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ طَرَأَ جُنُونٌ وَقُلْنَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَأَنَّهُ لَا يقضى أَنَّهُ هل يقضى على رِوَايَتَيْنِ في إفَاقَتِهِ في أَثْنَاءِ يَوْمٍ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا من الْوَقْتِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِمْسَاكُ مع الْمَانِعِ وهو أَظْهَرُ
الْخَامِسَةُ لَا يَلْزَمُ من أَفْطَرَ في صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ الْإِمْسَاكُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَلْزَمُ
قَوْلُهُ وَمَنْ عَجَزَ عن الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عن كل يَوْمٍ مِسْكِينًا
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو كان الْكَبِيرُ مُسَافِرًا أو مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَهُمَا كِتَابٌ وَاحِدٌ وَلَا قَضَاءَ عليه وَالْحَالَةُ هذه لِلْعَجْزِ عنه وَتَبِعَ الْقَاضِيَ من بَعْدَهُ فَيُعَايَى بها
وَيَأْتِي حُكْمُ الْكَفَّارَةِ إذَا عَجَزَ عنها بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ
____________________
(3/284)
وَيَأْتِي آخِرَ بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ إذَا عَجَزَ عن كَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَطْعَمَ الْعَاجِزُ عن الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثُمَّ قَدَرَ على الْقَضَاءِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْضُوبِ في الْحَجِّ إذَا حُجَّ عنه ثُمَّ عُوفِيَ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْحَجِّ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا هذا وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ
الثَّانِيَةُ الْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ هُنَا ما يُجْزِئُ في الْكَفَّارَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عن كل يَوْمٍ مِسْكِينًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عنهما وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ أو عن مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ تَوَجَّهَ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ من الْمَالِ وَحَكَى الْقَاضِي في صَوْمِ النَّذْرِ في حَيَاةِ النَّاذِرِ نحو ذلك
قَوْلُهُ وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْمُسَافِرُ اُسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ
أَمَّا الْمَرِيضُ إذَا خَافَ زِيَادَةَ مَرَضِهِ أو طُولَهُ أو كان صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ في يَوْمِهِ أو خَافَ مَرَضًا لِأَجْلِ الْعَطَشِ أو غَيْرِهِ فإنه يُسْتَحَبُّ له الْفِطْرُ وَيُكْرَهُ صَوْمُهُ وَإِتْمَامُهُ إجْمَاعًا
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا من لم يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي في مَرَضِهِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّ بِهِ فَلَهُ التَّدَاوِي نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِيمَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ كَتَضَرُّرِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّوْمِ
الثَّانِيَةُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ أَنَّهُ إذَا لم يَخَفْ الضَّرَرَ
____________________
(3/285)
لَا يُفْطِرُ وهو صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ في وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمًّى ثُمَّ قال قُلْت إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ قال إذَا لم يَسْتَطِعْ قِيلَ مِثْلُ الْحُمَّى قال وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ من الْحُمَّى
الثَّالِثَةُ إذَا خَافَ التَّلَفَ بِصَوْمِهِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ وَكُرِهَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ يَحْرُمُ صَوْمُهُ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا في الْإِجْزَاءِ خِلَافًا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ في صَوْمِ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ
الرَّابِعَةُ لو خَافَ بِالصَّوْمِ ذَهَابَ مَالِهِ فَسَبَقَ أَنَّهُ عُذْرٌ في تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ
الْخَامِسَةُ لو أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ وقال بن عَقِيلٍ إنْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدًا أو قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوًّا لِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لم يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ على الْأَصَحِّ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقِتَالِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفِطْرَ للتقوى على الْجِهَادِ وَفَعَلَهُ هو وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَزَلَ الْعَدُوُّ دِمَشْقَ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وهو الصَّوَابُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يُعَايَى بها
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هو في الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ على نَفْسِهِ أو فَوْتَ مَطْلُوبِهِ فَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَعَنْهُ إنْ لم يَخَفْ على نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَسَبَقَ ذلك في التَّيَمُّمِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي
السَّادِسَةُ لو كان بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ منه تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ
____________________
(3/286)
قال الْأَصْحَابُ هذا إذَا لم تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْجِمَاعِ لم يَجُزْ له الْجِمَاعُ وكذا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لم يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ فإذا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ فَقِيلَ وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ وَلِتَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ بِوَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
السَّابِعَةُ لو تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاجِزِ عن الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
الثَّامِنَةُ حُكْمُ الْمَرَضِ الذي يَنْتَفِعُ فيه بِالْجِمَاعِ حُكْمُ من يَخَافُ من تَشَقُّقِ أُنْثَيَيْهِ
قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ يُسْتَحَبُّ له الْفِطْرُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وهو من الْمُفْرَدَاتِ سَوَاءٌ وَجَدَ مَشَقَّةً أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ من الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الْمُسَافِرُ هُنَا هو الذي يُبَاحُ له الْقَصْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُبَاحُ له الْفِطْرُ وَلَوْ كان السَّفَرُ قَصِيرًا
الثَّانِيَةُ لو صَامَ في السَّفَرِ أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقْلُ حَنْبَلٍ لَا يُعْجِبُنِي وَاحْتَجَّ حَنْبَلٌ بِقَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ليس من الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ قال في الْفُرُوعِ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هذا الْقَوْلَ وَرِوَايَةُ حَنْبَلٍ تَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ تَفَرُّدُ حَنْبَلٍ وَحَمْلُهَا على رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى
____________________
(3/287)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو صَامَ فيه كُرِهَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عن الْأَصْحَابِ قال وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إذَا قَوِيَ عليه وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرِهِ لَا يُكْرَهُ بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ قال وَلَيْسَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ أنها مُجْمَعٌ عليها تَبْرَأُ بها الذِّمَّةُ قال في الْفُرُوعِ وَرُدَّ بِصَوْمِ الْمَرِيضِ وَبِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ
الثَّالِثَةُ لو سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ عليه
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا في رَمَضَانَ عن غَيْرِهِ
يَعْنِي الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ أَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا نِزَاعَ في عَدَمِ الْجَوَازِ
وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَالْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا
وَقِيلَ لِلْمُسَافِرِ صَوْمُ النَّفْلِ فيه قال في الرِّعَايَةِ وهو غَرِيبٌ بَعِيدٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَصَامَ عن غَيْرِهِ فَهَلْ يَقَعُ بَاطِلًا أو يَقَعُ ما نَوَاهُ قال في الْفُرُوعِ هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ يَعْنِي الْآتِيَةَ في أَوَّلِ الْفَصْلِ من هذا الْبَابِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ لم يَصِحَّ له النَّفَلُ وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ إلَّا على رِوَايَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ
فَائِدَةٌ لو قَدِمَ من سَفَرِهِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ وكان لم يَأْكُلْ فَهَلْ يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ نَفْلًا قال الْقَاضِي لَا يَنْعَقِدُ نَفْلًا ذَكَرَهُ عنه في الْفُصُولِ وَاقْتَصَرَ عليه
قَوْلُهُ وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ في سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ له الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى على السَّفَرِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ قال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ من له الْأَكْلُ له الْجِمَاعُ كَمَنْ لم يَنْوِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ
____________________
(3/288)
فَعَلَى هذا لَا كَفَّارَةَ بِالْجِمَاعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً أَنَّهُ يُكَفِّرُ وَجَزَمَ بِهِ على هذا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنْ جَامَعَ كَفَّرَ على الصَّحِيحِ عليها وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ فَلَا أَقَلَّ من الْعَمَلِ بِهِ في إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ له الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ وهو قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه
فَائِدَةٌ الْمَرِيضُ الذي يُبَاحُ له الْفِطْرُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وبن شِهَابٍ في كُتُبِ الْخِلَافِ أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ على الْمُسَافِرِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ بِالْإِبَاحَةِ على النَّفْلِ
وَنَقَلَ مُهَنَّا في الْمَرِيضِ يُفْطِرُ بِأَكْلٍ فَقُلْت يُجَامِعُ قال لَا أَدْرِي فَأَعَدْت عليه فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَائِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كان طَوْعًا أو كَرْهًا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَلَكِنْ لَا يُفْطِرُ قبل خُرُوجِهِ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ له الْفِطْرُ مُطْلَقًا وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ إنْ نَوَى السَّفَرَ من اللَّيْلِ ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَفْطَرَ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ في النَّهَارِ وَسَافَرَ فيه فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ فيه وَالْفَرْقُ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ من اللَّيْلِ تَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا وُجِدَ السَّفَرُ في النَّهَارِ فَيَكُونُ الصِّيَامُ قَبْلَهُ مُرَاعًى بِخِلَافِ ما إذَا طَرَأَتْ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ
قال في الْقَوَاعِدِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ له الْفِطْرُ بِجِمَاعٍ وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ
فَعَلَى الْمَنْعِ لو ( ( ( ولو ) ) ) وطىء وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ على الصَّحِيحِ
____________________
(3/289)
وَجَعَلَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا
وَعَلَى الْجَوَازِ وهو الْمَذْهَبُ الْأَفْضَلُ له أَنْ لَا يُفْطِرَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فَيُعَايَى بها
قَوْلُهُ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا على أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا
يَعْنِي من غَيْرِ إطْعَامٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِالْإِطْعَامِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هو نَصُّ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَصَالِحٍ وَذَكَرَهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي على خَوْفِهَا على وَلَدِهَا وهو بَعِيدٌ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ لَهُمَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هذه قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَإِنْ خَافَتَا على وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَأَطْعَمَتَا عن كل يَوْمٍ مِسْكِينًا
إذَا خَافَتَا على وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بِلَا رَيْبٍ وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ إنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَقَدَرَتْ أَنْ تَسْتَأْجِرَ له أو له ما يَسْتَأْجِرُ منه فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ وَإِلَّا كان لها الْفِطْرُ انْتَهَيَا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يُكْرَهُ لها الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هذه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ النَّسْخَ إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ على حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لم يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ وإن ( ( ( ولمن ) ) ) لم تَخَفْ لم يَحِلَّ الْفِطْرُ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلظِّئْرِ وَهِيَ التي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا إنْ خَافَتْ عليه
____________________
(3/290)
أو على نَفْسِهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لها الْفِطْرُ إذَا خَافَتْ على رَضِيعِهَا وَحَكَاهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ عن قَوْمٍ
قُلْت لو قِيلَ إنَّ مَحَلَّ ما ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إذَا كانت مُحْتَاجَةً إلَى رَضَاعِهِ أو هو مُحْتَاجٌ إلَى رَضَاعِهَا فَأَمَّا إذَا كانت مُسْتَغْنِيَةً عن إرْضَاعِهِ أو هو مُسْتَغْنٍ عن إرْضَاعِهَا لم يَجُزْ لها الْفِطْرُ
الثَّالِثَةُ يَجِبُ الْإِطْعَامُ على من يَمُونُ الْوَلَدَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ على الْأُمِّ وهو أَشْبَهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لها وَلِهَذَا وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ من قَرِيبٍ أو من مَالِهِ لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا
وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ فَلَوْ لم تُفْطِرْ الظِّئْرُ فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا أو نَقَصَ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ وكان لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا الْفِطْرَ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ
وقال أبو الْخَطَّابِ إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أو تَغَيُّرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ فَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الْفَسْخُ قال في الْفُرُوعِ فَيُؤْخَذُ من هذا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إلْزَامُهَا بِمَا يَلْزَمُهَا وَإِنْ لم تَقْصِدْ بِهِ الضَّرَرَ بِلَا طَلَبٍ قبل الْفَسْخِ قال وَهَذَا مُتَّجَهٌ
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِلَا نِزَاعٍ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ على الْفَوْرِ لِوُجُوبِهِ قال وَهَذَا أَقْيَسُ انْتَهَى
قُلْت قد تَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ لُزُومُ إخْرَاجِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ على الْفَوْرِ وَهَذَا كَفَّارَةٌ
وقال الْمَجْدُ إنْ أتى بِهِ مع الْقَضَاءِ جَازَ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ له
الْخَامِسَةُ لَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ
____________________
(3/291)
كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يَسْقُطُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ يَسْقُطُ في الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ بَلْ أَوْلَى لِلْعُذْرِ
وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ عن الْكَبِيرِ والميؤس ( ( ( والميئوس ) ) ) بِالْعَجْزِ وَلَا إطْعَامُ من أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ غَيْرِ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
السَّادِسَةُ لو وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا في تَهْلُكَةٍ كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فقال بن الزَّاغُونِيِّ في فَتَاوِيهِ يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ وياتي في الدِّيَاتِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ في وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ هل يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
قال في التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفِدْيَةَ على الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ على جَنِينِهِمَا وَهَلْ يُلْحَقُ بِذَلِكَ من افْتَقَرَ إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَجَزَمَ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وقال لو حَصَلَ له بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ في نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا فِدْيَةَ عليه كَالْمَرِيضِ انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَفَّارَةِ هل يَرْجِعُ بها على الْمُنْقَذِ قال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ من الْكُفَّارِ وَنَفَقَتُهُ على الْآبِقِ
قُلْت بَلْ أَوْلَى وَأَوْلَى أَيْضًا من الْمُرْضِعِ
وَقَالُوا يَجِبُ الْإِطْعَامُ على من يَمُونُ الْوَلَدَ على الصَّحِيحِ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ قبل الْفَجْرِ ثُمَّ جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه جَمِيعَ النَّهَارِ لم يَصِحَّ صَوْمُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ
____________________
(3/292)
خَرَّجَ من رِوَايَةِ صِحَّةِ صَوْمِهِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ في أَوَّلِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي من أُغْمِيَ عليه أَيَّامًا بَعْدَ نِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَفَاقَ جُزْءًا منه صَحَّ صَوْمُهُ
إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عليه جُزْءًا من النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِ الْجُنُونِ اخْتَارَهُ بن الْبَنَّا وَالْمَجْدُ وقال بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَاضِحِ هل من شَرْطِهِ إفَاقَتُهُ جَمِيعَ يَوْمِهِ أو يَكْفِي بَعْضُهُ فيه رِوَايَتَانِ
قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عليه الْقَضَاءُ دُونَ الْمَجْنُونِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْقَضَاءِ على الْمُغْمَى عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ
وَتَقَدَّمَ ما نَقَلَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ من التَّخْرِيجِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ فَاتَ الشَّهْرُ كُلُّهُ بِالْجُنُونِ أو بَعْضُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ إنْ أَفَاقَ في الشَّهْرِ قَضَى وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لم يَقْضِ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ
فَائِدَةٌ لو جُنَّ في صَوْمِ قَضَاءٍ أو كَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذلك قَضَاهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ من اللَّيْلِ مُعَيِّنًا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ من تَعْيِينِ النِّيَّةِ وهو أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ من رَمَضَانَ أو من قَضَائِهِ أو نَذْرِهِ أو كَفَّارَتِهِ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا أبو بَكْرٍ وأبو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَيْضًا وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَنَصُّهُمَا وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ
____________________
(3/293)
فَعَلَيْهَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ لَيْلًا وَبِنِيَّةِ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فيها
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْلٍ أو نَذْرٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَاوٍ تَرْكَهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ في شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ كان جَاهِلًا وَإِنْ كان عَالِمًا فَلَا وقال في الرِّعَايَةِ فِيمَا وَجَبَ من الصَّوْمِ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ من اللَّيْلِ
يَعْنِي تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ من اللَّيْلِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِلَا نِزَاعٍ وَلَوْ أتى بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ لم يبطل ( ( ( تبطل ) ) ) على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن حَامِدٍ يَبْطُلُ
قُلْت وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ غَدٍ وقد عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا فَقِيلَ يَصِحُّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ بِقِيلَ وَقِيلَ
وقال في الرِّعَايَةِ إنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ لَيْلًا وقد انْقَطَعَ دَمُهَا أو تَمَّتْ عَادَتُهَا قبل الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهَا وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِيَةُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ في نَهَارِ يَوْمٍ لِصَوْمِ غَدٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقد شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ من اللَّيْلِ وَعَنْهُ يَصِحُّ نَقَلَهَا بن مَنْصُورٍ فقال من نَوَى الصَّوْمَ عن قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالنَّهَارِ ولم يَنْوِ من اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَسَخَ النِّيَّةَ بَعْدَ ذلك فَقَوْلُهُ ولم يَنْوِهَا من اللَّيْلِ
____________________
(3/294)
يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ عن قَضَاءِ رَمَضَانَ يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ بن عَقِيلٍ على أَنَّهُ يَكْفِي لِرَمَضَانَ نِيَّةٌ في أَوَّلِهِ وَأَقَرَّهَا أبو الْحُسَيْنِ على ظَاهِرِهَا
الثَّالِثَةُ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ في أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ نَصَرَهَا أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ على قِيَاسِهِ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
فَعَلَيْهَا لو أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ لم يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَصِحُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ فقال وَقِيلَ ما لم يَفْسَخْهَا أو يُفْطِرْ فيه يَوْمًا
قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ يَجِبُ ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يَحْتَاجُ مع التَّعْيِينِ إلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ يَحْتَاجُ إلَى ذلك
الثَّانِيَةُ لو نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قضاءا ( ( ( قضاء ) ) ) وَنَفْلًا أو قضاءا ( ( ( قضاء ) ) ) وَكَفَّارَةَ ظِهَارٍ فَهُوَ نَفْلٌ إلغاءا ( ( ( إلغاء ) ) ) لَهُمَا بِالتَّعَارُضِ فَتَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ الصَّوْمِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ على أَيِّهِمَا يَقَعُ فيه وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى إنْ كان غَدًا من رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ لم يُجْزِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ على رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ وَاخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفَائِقِ نَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى
____________________
(3/295)
وَنَقَلَ صَالِحٌ عن أَحْمَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِصِحَّةِ النِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مع الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ
فَوَائِدُ
منها لو نَوَى إنْ كان غَدًا من رَمَضَانَ فَصَوْمِي عنه وَإِلَّا فَهُوَ عن وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لم يُجْزِهِ عن ذلك الْوَاجِبِ وفي إجْزَائِهِ عن رَمَضَانَ إنْ بَانَ منه الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ
وَمِنْهَا لو نَوَى إنْ كان غَدًا من رَمَضَانَ فَصَوْمِي عنه وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ لم يَصِحَّ وَفِيهِ في لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ من رَمَضَانَ وَجْهَانِ لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ على الْأَصْلِ قَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ صَحَّ صَوْمُهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بَنَى على أَصْلٍ لم يَثْبُتْ زَوَالُهُ وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مع الْجَزْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَمِنْهَا إذَا لم يُرَدِّدْ النِّيَّةَ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا من رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ كَصَحْوٍ أو غَيْمٍ ولم نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ فَبَانَ منه فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَدَّدَ أو نَوَى مُطْلَقًا وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ يُجْزِئُهُ مع اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ لِوُجُودِهَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ هُنَا وقال في كِتَابِ الصِّيَامِ وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ منه فَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ وَعَنْهُ بَلَى وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ وَقِيلَ في الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ انْتَهَى
وَمِنْهَا لَا شَكَّ مع غَيْمٍ وَقَتَرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ بَلَى قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ قال بَلْ هو أَضْعَفُ رَدًّا إلَى الْأَصْلِ
وَمِنْهَا لو نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ عن مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ أَجْزَأَهُ كَالْمُجْتَهِدِ في الْوَقْتِ
وَمِنْهَا لو قال أنا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ في الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ فَسَدَتْ نِيَّتُهُ وَإِلَّا لم تَفْسُدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وبن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ
____________________
(3/296)
بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ كما لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ أنا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى غير مُتَرَدِّدٍ في الْحَالِ ثُمَّ قال الْقَاضِي وَكَذَا نَقُولُ في سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ في نِيَّتِهَا
وَمِنْهَا لو خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى قال في الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ عِنْدَنَا وَكَذَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هو حين يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ من يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بين عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ
قَوْلُهُ وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وزاد في رِوَايَةٍ يُكَفِّرُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ
تَنْبِيهٌ مَعْنَى قَوْلِهِ من نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ أَيْ صَارَ كَمَنْ لم يَنْوِ لَا كَمَنْ أَكَلَ فَلَوْ كان في نَفْلٍ ثُمَّ عَادَ وَنَوَاهُ جَازَ نَصَّ عليه وكذا لو كان عن نَذْرٍ أو كَفَّارَةٍ أو قَضَاءٍ فَقَطَعَ نِيَّتَهُ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ كان حُكْمُهُ حُكْمَ من انْتَقَلَ من فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا على ما تَقَدَّمَ في بَابِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لو تَرَدَّدَ في الْفِطْرِ أو نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى أو قال إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت فَكَالْخِلَافِ في الصَّلَاةِ قِيلَ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ النِّيَّةَ نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يُجْزِئُهُ عن الْوَاجِبِ حتى يَكُونَ عَازِمًا على الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ
قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ نِيَّةَ الْفِطْرِ وَالنِّيَّةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ من النَّهَارِ قبل الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم
____________________
(3/297)
الْقَاضِي في أَكْثَرِ كُتُبِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَمِنْهُمْ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
وقال الْقَاضِي لَا يُجْزِئُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتَارَهُ في الْمُجَرَّدِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا في الْخِصَالِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ
فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عليه من وَقْتِ النِّيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ قال الْمَجْدُ وهو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِنَا منهم الْقَاضِي في الْمَنَاسِكِ من تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا
قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَقِيلَ يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ من أَوَّلِ النَّهَارِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ ولم يَأْكُلَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ وَتَعَذُّرِ تَكْمِيلِهِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ في بَعْضِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ كَمَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وما هو بِبَعِيدٍ
____________________
(3/298)
بَابُ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ
قَوْلُهُ أو اسْتَعَطَ
سَوَاءٌ كان بِدُهْنٍ أو غَيْرِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أو دِمَاغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي إنْ وَصَلَ إلَى خَيَاشِيمِهِ أَفْطَرَ لِنَهْيِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الصَّائِمَ عن الْمُبَالَغَةِ في الِاسْتِنْشَاقِ
قَوْلُهُ أو احْتَقَنَ أو دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ
فَسَدَ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ الْإِفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ وبحقنه
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مِثْلُ ذلك في الْحُكْمِ لو أَدْخَلَ شيئا إلَى مُجَوَّفِ فيه قُوَّةً تُحِيلُ الْغِذَاءَ أو الدَّوَاءَ من أَيِّ مَوْضِعٍ كان وَلَوْ كان خَيْطًا ابْتَلَعَهُ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ أو طَعَنَ نَفْسَهُ أو طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ في جَوْفِهِ فَغَابَ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ فيه
الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ أو اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ
فَسَدَ صَوْمُهُ وَسَوَاءٌ كان بِكُحْلٍ أو صَبِرٍ أو قُطُورٍ أو ذَرُورٍ إو إثْمِدٍ مُطَيَّبٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن أبي مُوسَى الِاكْتِحَالُ بِمَا يَجِدُ طَعْمَهُ كَصَبِرٍ يُفْطِرُ
وَلَا يُفْطِرُ الْإِثْمِدُ غَيْرُ الْمُطَيِّبِ إذَا كان يَسِيرًا نَصَّ عليه
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ
وقال بن عَقِيلٍ يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ الْحَادِّ دُونَ غَيْرِهِ
____________________
(3/299)
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِمَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ يَعْنِي يَتَحَقَّقُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ إنْ وَصَلَ يَقِينًا أو ظَاهِرًا أَفْطَرَ كَالْوَاصِلِ من الْأَنْفِ كما تَقَدَّمَ عنه فِيمَا إذَا احْتَقَنَ أو دَاوَى الْجَائِفَةَ
قَوْلُهُ أو داوي الْمَأْمُومَةَ
فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فإنه قال لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ كما تَقَدَّمَ عنه قَرِيبًا
قَوْلُهُ أو اسْتَقَاءَ
يَعْنِي فَقَاءَ فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ بِهِ وَعَنْهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِمِلْءِ الْفَمِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَعَنْهُ بِمِلْئِهِ أو نِصْفِهِ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ
قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عِنْدِي وَعَنْهُ إنْ فَحُشَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ بن هُبَيْرَةَ أنها الْأَشْهَرُ
قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَاسْتِقَائِهِ نَاقِضًا
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لو تَجَشَّأَ لم يُفْطِرْ وَإِنْ كان لَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ معه أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ كَذَا ها هنا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَيَتَوَجَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ خَرَجَ معه نَجِسٌ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقَيْءَ فَقَدْ اسْتَقَاءَ فَيُفْطِرُ وَإِنْ لم يَقْصِدْ لم يستقىء ( ( ( يستقئ ) ) ) فلم يُفْطِرْ وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ أَنَّهُ إذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إلَى ما يُغَثِّيهِ يُفْطِرُ كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ
____________________
(3/300)
قَوْلُهُ أو اسْتَمْنَى
فَسَدَ صَوْمُهُ يَعْنِي إذَا اسْتَمْنَى فَأَمْنَى وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُ
قَوْلُهُ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ فَأَمْنَى
فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَمَالَ إلَيْهِ وَرَدَّ ما احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو نَامَ نَهَارًا فَاحْتَلَمَ لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَكَذَا لو أَمْنَى من وَطْءِ لَيْلٍ أو أَمْنَى لَيْلًا من مُبَاشَرَةٍ نَهَارًا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وطىء قُرْبَ الْفَجْرِ وَيُشْبِهُهُ من اكْتَحَلَ إذَنْ
الثَّانِيَةُ لو هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أو أَمْذَى ولم يَمَسَّ ذَكَرَهُ لم يُفْطِرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخُرِّجَ بَلَى
قَوْلُهُ أو أَمْذَى
يَعْنِي إذَا قَبَّلَ أو لَمَسَ فَأَمْذَى فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَقَلَهُ عنه في الِاخْتِيَارَاتِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَاخْتَارَ في الْفَائِقِ أَنَّ الْمَذْيَ عن لَمْسٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْبَابِ إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرَجِ فَأَنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ
____________________
(3/301)
قَوْلُهُ أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ
فَسَدَ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ لَا يَفْسُدُ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَنَّهُ لو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْذَى لَا يُفْطِرُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الصَّحِيحُ
وقال في الْفُرُوعِ الْقَوْلُ بِالْفِطْرِ أَقْيَسُ على الْمَذْهَبِ كَاللَّمْسِ وروى عن أبي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ
وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لم يُكَرِّرْ النَّظَرَ لَا يُفْطِرُ وهو صَحِيحٌ وَسَوَاءٌ أَمْنَى أو أَمْذَى وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ وَقِيلَ يُفْطِرُ بِهِمَا
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالْمَذْيِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي
وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ وكذا إذَا فَكَّرَ فَأَمْذَى
وَيَأْتِي بَعْدَ ذلك هل تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ
قَوْلُهُ أو حَجَمَ أو احْتَجَمَ
فَسَدَ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ إنْ عَلِمَا النَّهْيَ أَفْطَرَا وَإِلَّا فَلَا
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ مَصَّ الْحَاجِمُ الْقَارُورَةَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَيُفْطِرُ الْمَحْجُومُ عِنْدَهُ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَا
وقال الْخِرَقِيُّ أو احْتَجَمَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاجِمَ لَا يُفْطِرُ
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا من الْأَصْحَابِ فَرَّقَ في الْفِطْرِ وَعَدَمِهِ بين الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَلَعَلَّ مُرَادَهُ ما اخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَاجِمَ يُفْطِرُ إذَا مَصَّ الْقَارُورَةَ
قال الزَّرْكَشِيُّ كان من حَقِّهِ أَنْ يَذْكُرَ الْحَاجِمَ أَيْضًا
____________________
(3/302)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فِطْرَ إنْ لم يَظْهَرْ دَمٌ قال وهو مُتَوَجِّهٌ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَضَعَّفَ خِلَافَهُ انْتَهَى
قُلْت قال في الْفَائِقِ وَلَوْ احْتَجَمَ فلم يَسِلْ دَمٌ لم يُفْطِرْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَجَزَمَ بِالْفِطْرِ وَلَوْ لم يَظْهَرْ دَمٌ في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ فقال لَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُ الدَّمِ بَلْ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ
الثَّانِيَةُ لو جَرَحَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ التَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لم يُفْطِرْ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ فَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ لَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ فيه وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ بِهِ جَزَمَ بِهِ بن هُبَيْرَةَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ هو وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَفْصُودِ دُونَ الْفَاصِدِ قال في الْفَائِقِ وَلَا فِطْرَ على فَاصِدٍ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفِطْرِ هل يُفْطِرُ بِالتَّشْرِيطِ قال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وقال الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّارِطِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِإِخْرَاجِ دَمِهِ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِفْطَارَ بِذَلِكَ
____________________
(3/303)
قَوْلُهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أو مُكْرَهًا لم يَفْسُدْ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أو مُكْرَهًا سَوَاءٌ أُكْرِهَ على الْفِطْرِ حتى فَعَلَهُ أو فُعِلَ بِهِ لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الْفَضْلُ في الْحِجَامَةِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ في الْإِمْنَاءِ بِقُبْلَةٍ أو تَكْرَارِ نَظَرٍ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ الْمُسَاحَقَةُ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَكَذَا من اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ الْمَنِيَّ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَالْأَكْلِ في النِّسْيَانِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من فَعَلَ بَعْضَ ذلك جَاهِلًا أو مُكْرَهًا فَلَا قَضَاءَ في الْأَصَحِّ وَعَنْهُ يفطر ( ( ( ويفطر ) ) ) بِالْحِجَامَةِ نَاسٍ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ أَيْضًا الْفِطْرَ بِالِاسْتِمْنَاءِ نَاسِيًا وَقِيلَ يُفْطِرُ بِاسْتِمْنَاءٍ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الْفِطْرُ إنْ أَمْنَى بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ مُطْلَقًا وَقِيلَ عَامِدًا أو أَمْذَى بِغَيْرِ الْمُبَاشَرَةِ عَامِدًا وَقِيلَ أو سَاهِيًا
وقال في الْمُكْرَهِ لَا قَضَاءَ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ يُفْطِرُ إنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ كَالْمَرِيضِ وَلَا يُفْطِرُ إنْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ بِهِ بِأَنْ صُبَّ في حَلْقِهِ مَاءٌ مُكْرَهًا أو نَائِمًا أو دخل في فيه مَاءُ الْمَطَرِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو أُوجِرَ الْمُغْمَى عليه لِأَجْلِ عِلَاجِهِ لم يُفْطِرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُفْطِرُ
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالتَّحْرِيمِ يُفْطِرُ بِفِعْلِ الْمُفْطِرَاتِ وَنَصَّ عليه في الْحِجَامَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ هو قَوْلُ غَيْرِ أبي الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ
____________________
(3/304)
وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ كَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَاقْتَصَرَ على كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لِأَنَّهُ لم يتعمد ( ( ( يعتمد ) ) ) الْمُفْسِدَ كَالنَّاسِي
الثَّالِثَةُ لو أَرَادَ من وَجَبَ عليه الصَّوْمُ أَنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ في رَمَضَانَ نَاسِيًا أو جَاهِلًا فَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ على من رَآهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ الْإِعْلَامُ
قُلْت هو الصَّوَابُ وهو في الْجَاهِلِ آكَدُ لِفِطْرِهِ بِهِ على الْمَنْصُوصِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ وَجْهًا ثَالِثًا بِوُجُوبِ إعْلَامِ الْجَاهِلِ لَا النَّاسِي قال وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أتى بِمُنَافٍ لَا يُبْطِلُ وهو نَاسٍ أو جَاهِلٌ انْتَهَى
قُلْت وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ
منها لو عَلِمَ نَجَاسَةَ مَاءٍ فَأَرَادَ جَاهِلٌ بِهِ اسْتِعْمَالَهُ هل يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ أو لَا يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إزَالَتُهَا شَرْطٌ أَقْوَالٌ
وَمِنْهَا لو دخل وَقْتُ صَلَاةٍ على نَائِمٍ هل يَجِبُ إعْلَامُهُ أو لَا أو يَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ جَزَمَ بِهِ في التَّمْهِيدِ وهو الصَّوَابُ أَقْوَالٌ لِأَنَّ النَّائِمَ كَالنَّاسِي
وَمِنْهَا لو أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ هل يَلْزَمُ الْجَوَابُ لِلْمَسْئُولِ أو لَا أو يَلْزَمُ إنْ كان نَجِسًا اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ وهو الصَّوَابُ أَقْوَالٌ
وَتَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ
وَسَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ على الْمَأْمُومِ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ فِيمَا يبطل ( ( ( بطل ) ) ) لِئَلَّا يَكُونَ مُفْسِدًا لِصَلَاتِهِ مع قُدْرَتِهِ
الرَّابِعَةُ لو أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ قد أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فقال في الْفُرُوعِ
____________________
(3/305)
يَتَوَجَّهُ أنها مَسْأَلَةُ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ فيه الْخِلَافُ السَّابِقُ وقال في الرِّعَايَةِ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال انْتَهَى
قُلْت وَيُشْبِهُ ذلك لو اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ في الْخُلْعِ لِأَجْلِ عَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ ثُمَّ فَعَلَ ما حَلَفَ عليه على ما يَأْتِي في آخِرِ بَابِ الْخُلْعِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عليه فِيمَا تَقَدَّمَ من الْمَسَائِلِ حَيْثُ قُلْنَا يفسد ( ( ( فسد ) ) ) صَوْمُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الْمُبَاشَرَةِ بِقُبْلَةٍ أو لَمْسٍ أو تَكْرَارِ نَظَرٍ وَفِكْرٍ على خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ لِلْحُقْنَةِ وَنَقَلَ محمد بن عبدك ( ( ( عبد ) ) ) يَقْضِي وَيُكَفِّرُ من احْتَجَمَ في رَمَضَانَ وقد بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَإِنْ لم يَبْلُغْهُ قَضَى فَقَطْ
قال الْمَجْدُ فَالْمُفْطِرَاتُ الْمُجْمَعُ عليها أَوْلَى وقال قال بن الْبَنَّا على هذه الرِّوَايَةِ يُكَفِّرُ بِكُلٍّ أَمَّا فِطْرُهُ بِفِعْلِهِ كَبَلْعِ حَصَاةٍ وَقَيْءٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِ ذلك
وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن عبدك ( ( ( عبد ) ) ) وَعَنْهُ يُكَفِّرُ من أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أو شُرْبٍ أو اسْتِمْنَاءٍ فَاقْتَصَرَ على هذه الثَّلَاثَةِ وقال في الْحَاوِيَيْنِ وفي الِاسْتِمْنَاءِ سَهْوًا وَجْهَانِ
وَخَصَّ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةَ الْحِجَامَةِ بِالْمَحْجُومِ وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ على رِوَايَةِ الْحِجَامَةِ كما ذَكَرَهُ بن الْبَنَّا لِأَنَّهُ أتى بِمَحْظُورِ الصَّوْمِ كَالْجِمَاعِ وهو ظَاهِرُ اخْتِيَارِ أبي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ وَصَرَّحَ في أَكْلٍ وَشُرْبٍ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يُكَفِّرُ هُنَا فَهِيَ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُكَفِّرُ لِلْحِجَامَةِ كَكَفَّارَةِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ على ما تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَإِنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أو غُبَارٌ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى في الرِّعَايَةِ قَوْلًا أَنَّهُ
____________________
(3/306)
يُفْطِرُ من طَارَ إلَى حَلْقِهِ غُبَارٌ إذَا كان غير مَاشٍ أو غير نَخَّالٍ أو وَقَّادٍ وهو ضَعِيفٌ جِدًّا
قَوْلُهُ أو قَطَرَ في إحْلِيلِهِ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ يُفْطِرُ إنْ وَصَلَ إلَى مَثَانَتِهِ وهو الْعُضْوُ الذي يَجْتَمِعُ فيه الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ
قَوْلُهُ أو فَكَّرَ فَأَنْزَلَ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَكَذَا لو فَكَّرَ فَأَمْذَى وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَشْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وقال أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وبن عَقِيلٍ يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ وَالْمَذْيِ إذَا حَصَلَ بِفِكْرِهِ وَقِيلَ يُفْطِرُ بِهِمَا إنْ اسْتَدْعَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ أو احْتَلَمَ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ أو ذَرَعَهُ الْقَيْءُ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو عَادَ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إنْ أَعَادَهُ بِاخْتِيَارِهِ أو قَاءَ ما لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَفْطَرَ
قَوْلُهُ أو أَصْبَحَ في فيه طَعَامٌ فَلَفَظَهُ
لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ وكذا لو شَقَّ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مع رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أو جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ أو بَلْعُ رِيقِهِ عَادَةً لم يُفْطِرْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ تَمَيَّزَ عن رِيقِهِ فَبَلَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَفْطَرَ نَصَّ عليه
قال أَحْمَدُ فِيمَنْ تَنَخَّعَ دَمًا كَثِيرًا في رَمَضَانَ أَحْسَنُ عنه وَمِنْ غَيْرِ الْجَوْفِ أَهْوَنُ وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ من مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ مع
____________________
(3/307)
أَنَّهُ في حُكْمِ الظَّاهِرِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ كَذَا قِيلَ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْفِطْرِ
قَوْلُهُ أو اغْتَسَلَ
يَعْنِي إذَا أَصْبَحَ لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ لو أَخَّرَ الْغُسْلَ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَاغْتَسَلَ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لو أَخَّرَهُ يَوْمًا كَامِلًا صَحَّ صَوْمُهُ وَلَكِنْ يَأْثَمُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ حَيْثُ كَفَّرْنَاهُ بِالتَّرْكِ بِشَرْطِهِ وَحَيْثُ لم نُكَفِّرْهُ بِالتَّرْكِ لم يَبْطُلْ وَلَكِنْ يَأْثَمُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يَجِيءُ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ يُكَفِّرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ التي هِيَ بَعْدَهَا أَنْ يَبْطُلَ الصَّوْمُ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الظُّهْرِ قبل أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَمُرَادُهُ ما قَالَهُ في الرِّعَايَةِ كما قَدَّمْنَاهُ من التَّفْصِيلِ انْتَهَى
قُلْت وَإِنَّمَا لم يَرْتَضِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ كَلَامَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُكَفِّرَ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً بَلْ لَا بُدَّ من دُعَائِهِ إلَى فِعْلِهَا كما تَقَدَّمَ ذلك في كِتَابِ الصَّلَاةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْحَائِضِ تُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إلَى ما بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حُكْمُ الْجُنُبِ على ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَنَقَلَ صَالِحٌ في الْحَائِضِ تُؤَخِّرُ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ تقضى
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ لَيْلًا الْغُسْلُ قبل الْفَجْرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ على الثَّلَاثِ أو بَالَغَ فيهما ( ( ( فيها ) ) ) فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي
____________________
(3/308)
وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ بن منجا وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال في الْعُمْدَةِ لو تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ مَاءٌ لم يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ صَحَّحَهُ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ في الْفُصُولِ بِالْفِطْرِ بِالْمُبَالَغَةِ وقال بِهِ إذَا زَادَ على الثَّلَاثِ
وَقِيلَ يَبْطُلُ بِالْمُبَالَغَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ قال في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ لو دخل حَلْقَهُ مَاءُ طَهَارَةٍ وَلَوْ بِمُبَالَغَةٍ لم يُفْطِرْ
وظاهر ( ( ( وظاهره ) ) ) كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إبْطَالُ الصَّوْمِ بِالْمُجَاوَزَةِ على الثَّلَاثِ فإنه قال إذَا جاوز ( ( ( جاوزت ) ) ) الثَّلَاثَ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ كان لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْوُضُوءِ وَإِنْ كان عَبَثًا أو لِحَرٍّ أو عَطَشٍ كُرِهَ نَصَّ عليه وفي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ في الزَّائِدِ على الثَّلَاثِ وكذا الْحُكْمُ إنْ غَاصَ في الْمَاءِ في غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ أو أَسْرَفَ في الْغُسْلِ الْمَشْرُوعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ إنْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ وَإِنْ كان عَبَثًا فَكَمُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ
وَنَقَلَ صَالِحٌ يَتَمَضْمَضُ إذَا أُجْهِدَ
الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْغُسْلُ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّ غَوْصَهُ في الْمَاءِ كَصَبِّهِ عليه وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لم يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ أو مَسَامِعَهُ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ في الْأَصَحِّ
____________________
(3/309)
فَإِنْ دخل حَلْقَهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ له ذلك وَلَا يُفْطِرُ انْتَهَى
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ وأبو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ ما لم يَخَفْ ضَعْفًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا في طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا قَضَاءَ عليه
يَعْنِي إذَا دَامَ شَكُّهُ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مع أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مع الشَّكِّ في طُلُوعِهِ وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ مع الشَّكِّ نَصَّ عَلَيْهِمَا
الثَّانِيَةُ لو أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَبَانَ لَيْلًا ولم يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِهِ الْوَاجِبِ قَضَاءً قال في الْفُرُوعِ كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ
وما سَبَقَ من أَنَّ له الْأَكْلَ حتى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ وَقَصْدَهُ غَيْرُ الْيَقِينِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا في غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
يَعْنِي إذَا دَامَ شَكُّهُ وَهَذَا إجْمَاعٌ وَكَذَا لو أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ النَّهَارِ إجْمَاعًا فَلَوْ بَانَ لَيْلًا فِيهِمَا لم يَقْضِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ صَحَّ صَوْمُهُ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ الْغُرُوبَ ثُمَّ شَكَّ وَدَامَ شَكُّهُ لم يَقْضِ وَجَزَمَ بِهِ
وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ يَجُوزُ الْفِطْرُ من الصِّيَامِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ من قال لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ إلَّا مع تَيَقُّنِ الْغُرُوبِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ لو أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لم يَطْلُعْ أو أَنَّ الشَّمْسَ قد غَرَبَتْ فلم يَتَبَيَّنْ له شَيْءٌ فَلَا قَضَاءَ عليه وَلَوْ تَرَدَّدَ بَعْدُ قَالَهُ أبو مُحَمَّدٍ
وَأَوْجَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْقَضَاءَ في ظَنِّ الْغُرُوبِ وَمِنْ هُنَا قال يَجُوزُ
____________________
(3/310)
الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ في أَوَّلِ الْيَوْمِ دُونَ آخِرِهِ وأبو مُحَمَّدٍ يُجَوِّزُهُ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى في الرِّعَايَةِ رِوَايَةً لَا قَضَاءَ على من جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا
وَاخْتَارَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عليه
وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَأَخْطَأَ لم يَقْضِ لِجَهْلِهِ وَإِنْ ظَنَّ دُخُولَهُ فَأَخْطَأَ قَضَى وَتَقَدَّمَ إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فاكل مُتَعَمِّدًا
قَوْلُهُ وإذا جَامَعَ في نَهَارِ رَمَضَانَ في الْفَرْجِ قُبُلًا كان أو دُبُرًا يَعْنِي بِفَرْجٍ أَصْلِيٍّ في فَرْجٍ أَصْلِيٍّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عَامِدًا كان أو سَاهِيًا
لَا خِلَافَ في وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ على الْعَامِدِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّاسِيَ كَالْعَامِدِ في الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ عنه وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ اختارها بن بَطَّةَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْكَفَّارَةَ مَاحِيَةٌ وَمَعَ النِّسْيَانِ لَا إثْمَ يَنْمَحِي
وَعَنْهُ وَلَا يقضى أَيْضًا اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ قُبُلًا كان أو دُبُرًا هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/311)
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا من الْغُسْلِ وَالْحَدِّ لَا يقضى وَلَا يُكَفِّرُ إذَا جَامَعَ في الدُّبُرِ لَكِنْ إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ وقد قَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَيْهِمَا
الثَّانِي شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ من الْآدَمِيِّ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ إنْ أَوْلَجَ في آدَمِيٍّ مَيِّتٍ فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَأْتِي حُكْمُ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ الْمَيِّتَةِ
الثَّالِثُ شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْمُكْرَهَ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ أُكْرِهَ حتى فَعَلَهُ أو فُعِلَ بِهِ من نَائِمٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عليه مع الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ على من فُعِلَ بِهِ من نَائِمٍ وَنَحْوِهِ
وَعَنْهُ كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عليه الصَّائِمُ فَلَيْسَ عليه قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ قال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كما قال الْمُصَنِّفُ
وَهَذَا يَدُلُّ على إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مع الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ
قال بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ الصَّحِيحُ في الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ إذَا غُلِبَ عَلَيْهِمَا لَا يُفْسِدَانِ قال فَأَنَا أُخَرِّجُ في الْوَطْءِ رِوَايَةً من الْأَكْلِ وفي الْأَكْلِ رِوَايَةٌ من الْوَطْءِ وَنَفَى الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ هذه الرِّوَايَةَ وقال يَجِبُ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَكَذَا قال الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ مع الْإِكْرَاهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ يَقْضِي من فَعَلَ بِنَفْسِهِ لَا من فُعِلَ بِهِ من نَائِمٍ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا قَضَاءَ مع النَّوْمِ فَقَطْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ نَصَّ أَحْمَدَ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى حَيْثُ فَسَدَ الصَّوْمُ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ في الْكَفَّارَةِ كَالنَّاسِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَرْجِعُ بِالْكَفَّارَةِ على من أَكْرَهَهُ
____________________
(3/312)
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يُكَفِّرُ من فَعَلَ بِالْوَعِيدِ دُونَ غَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ لو جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا وَجَبَ الْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يقضى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْمَجْدُ وَأَنَّهُ قِيَاسُ من أَوْجَبَهَا على النَّاسِي وَأَوْلَى انْتَهَى وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الثَّانِيَةِ إنْ عَلِمَ في الْجِمَاعِ أَنَّهُ نهارا ( ( ( نهار ) ) ) وَدَامَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً على من وطىء بَعْدَ فَسَادِ صَوْمِهِ
الثَّالِثَةُ لو أَكَلَ نَاسِيًا أو اعْتَقَدَ الْفِطْرِيَّةَ ثُمَّ جَامَعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي والمخطىء ( ( ( والمخطئ ) ) ) إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ فَيُكَفِّرُ على الصَّحِيحِ على ما يَأْتِي
قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ مع الْعُذْرِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً تُكَفِّرُ وَذَكَرَ أَيْضًا أنها مُخَرَّجَةُ من الْحَجِّ
وَعَنْهُ تُكَفِّرُ وَتَرْجِعُ بها على الزَّوْجِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في التَّلْخِيصِ قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ فَيُكَفِّرُ عنها
وقال بن عَقِيلٍ إنْ أُكْرِهَتْ حتى مَكَّنَتْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ وَإِنْ غُصِبَتْ أو أُتِيَتْ نَائِمَةً فَلَا كَفَّارَةَ عليها
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ فَسَادُ صَوْمِ الْمُكْرَهَةِ على الْوَطْءِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
____________________
(3/313)
وَعَنْهُ لَا يَفْسُدُ اخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَقِيلَ يَفْسُدُ إنْ قَبِلَتْ لَا الْمَقْهُورَةُ وَالنَّائِمَةُ
وَأَفْسَدَ بن أبي مُوسَى صَوْمَ غَيْرِ النَّائِمَةِ
الثَّانِيَةُ لو جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ نَاسِيَةً فَلَا كَفَّارَةَ عليها وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا على النَّاسِي قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَقِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ النَّاسِي على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَفْسُدَ صَوْمُهَا مع النِّسْيَانِ وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً انْتَهَى
وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ إذَا جُومِعَتْ جَاهِلَةً وَنَحْوُهَا
وَعَنْهُ يُكَفِّرُ عن الْمَعْذُورَةِ بِإِكْرَاهٍ أو نِسْيَانٍ أو جَهْلٍ وَنَحْوِهِ كَأُمِّ وَلَدِهِ إذَا أَكْرَهَهَا وَقُلْنَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُهَا مع عَدَمِهِ على رِوَايَتَيْنِ
يَعْنِي إذَا طَاوَعَتْهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهَا وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَعَنْهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عنهما خَرَّجَهَا أبو الْخَطَّابِ من الْحَجِّ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ
____________________
(3/314)
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لو طَاوَعَتْ أُمُّ وَلَدِهِ على الْوَطْءِ كَفَّرَتْ بِالصَّوْمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكَفِّرُ عنها سَيِّدُهَا
الثَّانِيَةُ لو أَكْرَهَ الرَّجُلُ الزَّوْجَةَ على الْوَطْءِ دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ وَلَوْ أَفْضَى ذلك إلَى ذَهَابِ نَفْسِهِ كَالْمَارِّ بين يَدَيْ الْمُصَلِّي ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ إذَا بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ وَمَالَ إلَيْهِ
فَائِدَةٌ لو أَمْذَى بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ أَفْطَرَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وأبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك إذَا قَبَّلَ أو لَمَسَ فَأَمْنَى أو أَمْذَى أَوَّلَ الْبَابِ فإن الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُفْطِرُ أَيْضًا إذَا كان نَاسِيًا وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ فقال وَمَنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ عَامِدًا أو سَاهِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ عنه وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إذَا كان نَاسِيًا سَوَاءٌ أَمْنَى أو أَمْذَى وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(3/315)
قَوْلُهُ أو وطىء بَهِيمَةً في الْفَرْجِ أَفْطَرَ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِيلَاجَ في الْبَهِيمَةِ كَالْإِيلَاجِ في الْآدَمِيِّ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ عنه لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ
وَمَبْنَى الْخِلَافِ عِنْدَ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ على وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا وَعَدَمِهِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ في الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْحَدِّ وَكَذَا خَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِنَاءً على الْحَدِّ انْتَهَى وقال بن شِهَابٍ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فيه غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَةٌ الْإِيلَاجُ في الْبَهِيمَةِ الْمَيِّتَةِ كَالْإِيلَاجِ في الْبَهِيمَةِ الْحَيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْحُكْمُ مَخْصُوصٌ بِالْحَيِّ فَقَطْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قِيلَ
قَوْلُهُ وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الْمُجَامِعِ دُونَ الْفَرْجِ يَعْنِي إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أو وطء بَهِيمَةً في الْفَرْجِ وَقُلْنَا يُفْطِرُ فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ قال بن رَزِينٍ وَهِيَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ اختارها الْأَكْثَرُ منهم ( ( ( منهما ) ) ) الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَشْهُورَةُ من الرِّوَايَتَيْنِ حتى إنَّ الْقَاضِيَ في التَّعْلِيقِ لم
____________________
(3/316)
يذكر غَيْرَهَا قال في الْفُرُوعِ اختارها الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ
فَعَلَى الْأُولَى لَا كَفَّارَةَ على النَّاسِي أَيْضًا بِطَرِيقِ أَوْلَى
وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَجِبُ عليه أَيْضًا كَالْعَامِدِ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عنه وَالْمُخْتَارَةُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ وقال الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمَا لَا كَفَّارَةَ على النَّاسِي
فَائِدَةٌ لو أَنْزَلَ الْمَجْبُوبُ بِالْمُسَاحَقَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الواطىء ( ( ( الواطئ ) ) ) دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وكذلك إذَا تَسَاحَقَتْ امْرَأَتَانِ فَأَنْزَلَتَا إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُطَاوِعَةَ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْمُغْنِي إذَا تَسَاحَقَتَا فَأَنْزَلَتَا فَهَلْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُجَامِعِ في الْفَرْجِ أو لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا بِحَالٍ فيه وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أَنَّ الْجِمَاعَ من الْمَرْأَةِ هل يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ على رِوَايَتَيْنِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ليس بِمَنْصُوصٍ عليه وَلَا في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عليه فَيَبْقَى على الْأَصْلِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ الِاسْتِمْنَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا كَفَّارَةَ بِالِاسْتِمْنَاءِ مُعْتَمِدًا على نَصِّ أَحْمَدَ وَبِالْفَرْقِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهُمَا إذَا أَنْزَلَ أو أَمْذَى بِهِ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا في الْمُجَامَعَةِ دُونَ الْفَرْجِ قال في الْفُرُوعِ اختارها الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ حُكْمُ ذلك حُكْمُ الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ اختارها الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَنَصُّ أَحْمَدَ إنْ قَبَّلَ فَأَمْذَى لَا يُكَفِّرُ
____________________
(3/317)
الثَّانِيَةُ لو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى فَلَا كَفَّارَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما لو لم يُكَرِّرْهُ وَعَنْهُ هو كَاللَّمْسِ إذَا أَمْنَى بِهِ وَجَزَمَ في الْإِفَادَاتِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
وَقِيلَ إنْ أَمْنَى بفكره أو نظره وَاحِدَةٍ عَمْدًا أَفْطَرَ وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ
وَأَمَّا إذَا وطىء بَهِيمَةً في الْفَرْجِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ إذَا قُلْنَا يُفْطِرُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا هو كَوَطْءِ الْآدَمِيَّةِ وهو الصَّحِيحُ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ خَرَّجَهُ أبو الْخَطَّابِ من الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِنَاءً على الْحَدِّ وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي وَتَقَدَّمَ قَوْلُ بن شِهَابٍ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فيه غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ في يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ في لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ من الْأَحْكَامِ الرَّمَضَانِيَّةِ من الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك عِنْدَ قَوْلِهِ في كِتَابِ الصِّيَامِ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ
____________________
(3/318)
قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ في يَوْمَيْنِ ولم يُكَفِّرْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أو كَفَّارَتَانِ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَشَرْحِ بن منجا
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وهو الْمَذْهَبُ وَحَكَاهُ بن عبد الْبَرِّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَيَوْمَيْنِ في رَمَضَانَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ وَجَامِعِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خلافيهما ( ( ( خلافهما ) ) ) وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
قال في الْخُلَاصَةِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ في الْأَصَحِّ قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا الْمَشْهُورُ في الْمُذْهَبِ قال في التَّلْخِيصِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَزِمَهُ اثنتان في الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْحُدُودِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ هو وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
فَائِدَةٌ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فَعَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ لو كَفَّرَ بِالْعِتْقِ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عنه ثُمَّ في الْيَوْمِ الثَّانِي عنه ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الرُّؤْيَةُ الْأُولَى لم يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَأَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عنهما وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا وَلَوْ اسْتَحَقَّتَا جميعا أَجْزَأَهُ بَدَلُهُمَا وَقِيلَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّدَاخُلِ وُجُودُ السَّبَبِ الثَّانِي قبل أَدَاءِ مُوجِبِ الْأَوَّلِ وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَا تُعْتَبَرُ فَتَلْغُو وَتَصِيرُ كَنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ هذا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا انْتَهَى
____________________
(3/319)
قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ في يَوْمِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً لَا كَفَّارَةَ عليه وَخَرَّجَهُ بن عَقِيلٍ من أَنَّ الشَّهْرَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَكَرَهُ بن عبد الْبَرِّ إجْمَاعًا بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ أَحْمَدَ فيه
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ قبل التَّكْفِيرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ خِلَافٍ انْتَهَى وَعَنْهُ عليه كَفَّارَتَانِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ وَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَلَى الثَّانِي لم يَجِبْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ من لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ
يَعْنِي عليه الْكَفَّارَةُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في مُسَافِرٍ قَدِمَ مُفْطِرًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عليه
فَاخْتَارَ الْمَجْدُ حَمْلَ هذه الرِّوَايَةِ على ظَاهِرِهَا وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَجْهًا فِيمَنْ لم يَنْوِ الصَّوْمَ لَا كَفَّارَةَ عليه وَحَمَلَ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ هذه الرِّوَايَةَ على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ
فَائِدَةٌ لو أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَوْ جَامَعَ وهو صَحِيحٌ ثُمَّ جُنَّ أو مَرِضَ أو سَافَرَ لم تَسْقُطْ عنه
وكذا لو حَاضَتْ أو نَفِسَتْ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ وَنَصَّ عليه في الْمَرَضِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/320)
وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَجْهًا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِحُدُوثِ حَيْضَةٍ وَنِفَاسٍ لِمَنْعِهِمَا الصِّحَّةَ وَمِثْلُهُمَا مَوْتٌ وكذا جُنُونٌ إنْ مَنَعَ طَرَيَان الصِّحَّةِ
فَائِدَةٌ وَإِنْ كانت كَالْأَجْنَبِيَّةِ لو مَاتَ في أَثْنَاءَ النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ
وَفَائِدَةُ بُطْلَانِ صَوْمِهِ أَنَّهُ لو كان نَذْرًا وَجَبَ الْإِطْعَامُ عنه من تَرِكَتِهِ وَإِنْ كان صَوْمَ كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ في مَالِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الْمَجْدُ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً عليه الْكَفَّارَةُ وَجَزَمَ بِهِ على هذا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ في سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ فَعَلَيْهَا إنْ جَامَعَ كَفَّرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ في صِيَامِ رَمَضَانَ
يَعْنِي في نَفْسِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ رِوَايَةً يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ
فَائِدَةٌ لو طَلَعَ الْفَجْرُ وهو مُجَامِعٌ فَإِنْ اسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ لم يَسْتَدِمْ بَلْ نَزَعَ في الْحَالِ مع أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَنَصَرَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وفي الْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها
قال في الْخُلَاصَةِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ في الْأَصَحِّ
وقال أبو حَفْصٍ لَا قَضَاءَ عليه وَلَا كَفَّارَةَ قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ
____________________
(3/321)
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِيضَاحِ وَالْمُبْهِجِ في مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَصْلَ ذلك اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ في جَوَازِ وَطْءِ من قال لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك كنت ( ( ( فأنت ) ) ) عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قبل كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنْ جَازَ فَالنَّزْعُ ليس بِجِمَاعٍ وَإِلَّا كان جِمَاعًا وقال بن أبي مُوسَى يَقْضِي قَوْلًا وَاحِدًا وفي الْكَفَّارَةِ عنه خِلَافٌ قال الْمَجْدُ وَهَذَا يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا يَقْضِي قال وهو أَصَحُّ عِنْدِي لِحُصُولِهِ مُجَامِعًا أَوَّلَ جُزْءٍ من الْيَوْمِ أُمِرَ بِالْكَفِّ عنه بِسَبَبٍ سَابِقٍ من اللَّيْلِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ وفي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وقال يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ خَشِيَ مُفَاجَأَةَ الْفَجْرِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْحَيْضِ بَعْضُ ذلك
قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ هُنَا وَاجِبَةٌ على التَّرْتِيبِ كما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ
وَعَنْهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ على التَّخْيِيرِ فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ قَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ من كِتَابِ الظِّهَارِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو قَدَرَ على الْعِتْقِ في الصِّيَامِ لم يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ نَصَّ عليه وَيَلْزَمُهُ إنْ قَدَرَ عليه قبل الشُّرُوعِ في الصَّوْمِ
____________________
(3/322)
الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ هُنَا قبل التكفير ( ( ( التفكير ) ) ) وَلَا في لَيَالِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ قال في التَّلْخِيصِ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ سَوَاءٌ إلَّا في تَحْرِيمِ الْوَطْءِ قبل التَّكْفِيرِ وفي لَيَالِي الصَّوْمِ إذَا كَفَّرَ بِهِ فإنه يُبَاحُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ ذَكَرَهُ فيها الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ
وَذَكَرَ بن الْحَنْبَلِيِّ في كِتَابِ أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّ ذلك يَحْرُمُ عليه عُقُوبَةً وَجَزَمَ بِهِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَجِدْ سَقَطَتْ عنه
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ هذه الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ عنه بِالْعَجْزِ عنها نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ عَجَزَ وَقْتَ الْجِمَاعِ عنها بِالْمَالِ وَقِيلَ وَالصَّوْمِ سَقَطَتْ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ هذه الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَوْ كَفَّرَ عنه غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ وَبِدُونِ إذْنِهِ وَعَنْهُ لَا يَأْخُذُهَا وَأَطْلَقَ بن أبي مُوسَى في أَنَّهُ هل يَجُوزُ له أَكْلُهَا أَمْ كان خَاصًّا بِذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ على رِوَايَتَيْنِ
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ رَخَّصَ لِلْأَعْرَابِيِّ فيه لِحَاجَتِهِ ولم تَكُنْ كَفَّارَةً
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا تَسْقُطُ غَيْرُ هذه الْكَفَّارَةِ بِالْعَجْزِ عنها كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ
____________________
(3/323)
وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا
وَعَنْهُ تَسْقُطُ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ على الْأَصَحِّ وَعَنْهُ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عنها كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فيها
وقال بن حَامِدٍ تَسْقُطُ مُطْلَقًا كَرَمَضَانَ وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ هل يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ وَتَقَدَّمَ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ في بَابِهِ
الثَّانِيَةُ حُكْمُ أَكْلِهِ من الْكَفَّارَاتِ بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ عنه حُكْمُ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ جَوَازُ أَكْلِهِ مخصوص ( ( ( مخصوصا ) ) ) بِكَفَّارَةِ رَمَضَانَ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
الثَّالِثَةُ لو مَلَّكَهُ ما يُكَفِّرُ بِهِ وَقُلْنَا له أَخْذُهُ هُنَاكَ فَلَهُ هُنَا أَكْلُهُ وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عن نَفْسِهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ هل له أَكْلُهُ أو يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ على رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْحَاوِيَيْنِ أَنَّهُ ليس له أَخْذُهَا هُنَا وَيَأْتِي في كِتَابِ الظِّهَارِ شَيْءٌ من أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِقْدَارُ ما يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ وَصِفَتُهُ بَابُ ما يُكْرَهُ وما يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ
قَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ وَأَنْ يَبْتَلِعَ النُّخَامَةَ وَهَلْ يُفْطِرُ بها على وَجْهَيْنِ
إذَا جَمَعَ رِيقَهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا كُرِهَ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يُفْطِرُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كما لو ابْتَلَعَهُ قَصْدًا ولم يَجْمَعْهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/324)
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ فَيَحْرُمُ فِعْلُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو أَخْرَجَ رِيقَهُ إلَى ما بين شَفَتَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ وَبَلَعَهُ حَرُمَ عليه وَأَفْطَرَ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وقال الْمَجْدُ لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ شَفَتَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلُهُ وَيَبْلَعُهُ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ منه عَادَةً كَغَيْرِ الرِّيقِ
الثَّانِيَةُ لو أَخْرَجَ حَصَاةً من فَمِهِ أو دِرْهَمًا أو خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَ فَإِنْ كان ما عليه كَثِيرًا فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ كان يَسِيرًا لم يُفْطِرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ يُفْطِرُ
الثَّالِثَةُ لو أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ إلَى فيه بِمَا عليه وَبَلَعَهُ لم يُفْطِرْ وَلَوْ كان كَثِيرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وقال بن عَقِيلٍ يُفْطِرُ وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
الرَّابِعَةُ لو تَنَجَّسَ فَمُهُ أو خَرَجَ إلَيْهِ قَيْءٌ أو قَلَسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ نَصَّ عليه وَإِنْ قَلَّ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ منه وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شيئا نَجِسًا أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا
وَأَمَّا النُّخَامَةُ إذَا بَلَعَهَا فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في الْفِطْرِ بِهِ وَجْهَيْنِ
وَاعْلَمْ أَنَّ النُّخَامَةَ تَارَةً تَكُونُ من جَوْفِهِ وَتَارَةً تَكُونُ من دِمَاغِهِ وَتَارَةً تَكُونُ من حَلْقِهِ فإذا وَصَلَتْ إلَى فَمِهِ ثُمَّ بَلَعَهَا فَلِلْأَصْحَابِ فيها ثَلَاثُ طُرُقٍ
أَحَدُهَا إنْ كانت من جَوْفِهِ أَفْطَرَ بها قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/325)
إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ فَيَحْرُمُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ
والثانية ( ( ( الثانية ) ) ) لَا يُفْطِرُ فَيُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
الطَّرِيقُ الثَّانِي في بَلْعِ النُّخَامَةِ من غَيْرِ تَفْرِيقٍ رِوَايَتَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بها ( ( ( به ) ) ) في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وفي الْمُغْنِي وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وقدمها ( ( ( وقدمه ) ) ) في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يُفْطِرُ بِهِ صَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ إنْ كانت من دِمَاغِهِ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كانت من صَدْرِهِ فَرِوَايَتَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن أبي مُوسَى نَقَلَهُ عنه في الْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ
هَكَذَا قال جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن عَقِيلٍ يُكْرَهُ من غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَاجَةِ وقال أَحْمَدُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كان لِمَصْلَحَةٍ وَحَاجَةٍ كَذَوْقِ الطَّعَامِ من الْقِدْرِ وَالْمَضْغِ لِلطِّفْلِ وَنَحْوِهِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عن بن عَبَّاسٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ
وَعَلَى الثَّانِي إذَا ذَاقَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِي في الْبَصْقِ ثُمَّ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ في
____________________
(3/326)
حَلْقَهُ لم يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ وَإِنْ لم يَسْتَقْصِ في الْبَصْقِ أَفْطَرَ لِتَفْرِيطِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يُفْطِرُ مُطْلَقًا
قُلْت هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ في مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الذي لَا يَتَحَلَّلُ منه أَجْزَاءٌ
قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا وهو الْمُومْيَا وَاللِّبَانُ الذي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ وَيَجْمَعُ الرِّيقَ وَيُوَرِّثُ الْعَطَشَ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا يُكْرَهُ
وقال في الرِّعَايَةِ في تَحْرِيمِ ما لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا وَفِطْرُهُ بِوُصُولِهِ أو طَعْمِهِ إلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وفي تَحْرِيمِ ما لَا يَتَحَلَّلُ وَجْهَانِ وَقِيلَ يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَصَفَهُمَا في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ إجْمَاعًا وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ ما يَتَحَلَّلُ منه أَجْزَاءٌ
هذا مِمَّا لَا نِزَاعَ فيه في الْجُمْلَةِ بَلْ هو إجْمَاعٌ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ
يَعْنِي فَيَجُوزُ وَهَكَذَا قال في الْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَجَزَمُوا بِهِ بهذا الْقَيْدِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَضْغُ ذلك وَلَوْ لم يَبْتَلِعْ رِيقَهُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَفَرَضَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ في ذَوْقِهِ يَعْنِي يَحْرُمُ
____________________
(3/327)
ذَوْقُهُ وَإِنْ لم يَذُقْهُ لم يَحْرُمْ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَيَحْرُمُ ذَوْقُ ما يَتَحَلَّلُ أو يَتَفَتَّتُ وَقِيلَ إنْ بَلَعَ رِيقَهُ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
فَاعِلُ الْقُبْلَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ أو لَا فَإِنْ كان مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ ذلك فَقَطْ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ
وَعَنْهُ تَحْرُمُ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَظُنَّ الْإِنْزَالَ فَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ حَرُمَ عليه قَوْلًا وَاحِدًا
وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تُكْرَهُ قال في الْفَائِقِ وَلَا تُكْرَهُ له الْقُبْلَةُ إذَا لم تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْمُبْهِجِ وَالْوَجِيزِ وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ بِشَهْوَةٍ
فَمَفْهُومُهُ لَا تُكْرَهُ بِلَا شَهْوَةٍ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَعَنْهُ تُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ
تَنْبِيهٌ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ الذي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ عَائِدٌ إلَى من لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الشَّارِحِ وبن منجا وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فيه أَشْهَرُ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ على من تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ على هذا
____________________
(3/328)
وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَلَا تُكْرَهُ
لَكِنْ يُبْعِدُ هذا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَحْكِ الْخِلَافَ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي
فَائِدَةٌ إذَا خَرَجَ منه مَنِيٌّ أو مَذْيٌ بِسَبَبِ ذلك فَقَدْ تَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ وَإِنْ لم يَخْرُجْ منه شَيْءٌ لم يُفْطِرْ وَذَكَرَهُ بن عبد الْبَرِّ إجْمَاعًا
وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ من اقْتَصَرَ من الْأَصْحَابِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ على ذِكْرِ الْقُبْلَةِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ بِأَسْرِهَا أَيْضًا وَلِهَذَا قَاسُوهُ على الْإِحْرَامِ وَقَالُوا عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ قال في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَاللَّمْسُ وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ لِأَنَّهُمَا في مَعْنَاهَا وقال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ في الْقُبْلَةِ وَكَذَا الْخِلَافُ في تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ في الْجِمَاعِ فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ وَالتَّلَذُّذُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ هذا كَلَامُهُ وهو مُقْتَضَى ما في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ فَإِنْ شُتِمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ يَقُولَ ذلك بِلِسَانِهِ في الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ مع نَفْسِهِ يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَلَا يَطَّلِعُ الناس عليه وهو احد الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ هو وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا في رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وهو الْوَجْهُ الثَّانِي لِلْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا في رَمَضَانَ وَسِرًّا في غَيْرِهِ زَاجِرًا لِنَفْسِهِ وهو الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَذَلِكَ لِلْأَمْنِ من الرِّيَاءِ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ
إجْمَاعًا يَعْنِي إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ
____________________
(3/329)
الثَّانِي قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السَّحُورِ
إجْمَاعًا إذَا لم يُخْشَ طُلُوعُ الْفَجْرِ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اسْتِحْبَابُ السَّحُورِ مع الشَّكِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا قَوْلَ أبي دَاوُد قال أبو عبد اللَّهِ إذَا شَكَّ في الْفَجْرِ يَأْكُلُ حتى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَ غَيْرِ الشَّيْخِ الْجَوَازُ وَعَدَمُ الْمَنْعِ بِالشَّكِّ وَكَذَا جَزَمَ بن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ حتى يَسْتَيْقِنَ وقال إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَكَذَا خَصَّ الْأَصْحَابُ الْمَنْعَ بِالْمُتَيَقَّنِ كَشَكِّهِ في نَجَاسَةِ طَاهِرٍ
قال الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ قال لِعَالِمَيْنِ اُرْقُبَا الْفَجْرَ فقال أَحَدُهُمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وقال الْآخَرُ لم يَطْلُعْ أَكَلَ حتى يَتَّفِقَا
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إذَا خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَجَبَ عليه أَنْ يُمْسِكَ جُزْءًا من اللَّيْلِ لِيَتَحَقَّقَ له صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وقال لَا فَرْقَ ثُمَّ ذَكَرَ هذه الْمَسْأَلَةَ في مَوْضِعِهَا وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ مع الشَّكِّ في الْفَجْرِ وقال بَلْ يُسْتَحَبُّ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ مع شَكِّهِ في طُلُوعِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ مع جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
فَوَائِدُ
الْأُولَى تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا في طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا قَضَاءَ عليه أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مع الشَّكِّ في طُلُوعِهِ وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ نَصَّ عَلَيْهِمَا
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ لَا يَجِبُ إمْسَاكُ جَزْءٍ من اللَّيْلِ في أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ في ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وهو ظَاهِرُ ما سَبَقَ أو صَرِيحُهُ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ
____________________
(3/330)
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ
الثَّالِثَةُ الْمَذْهَبُ يَجُوزُ له الْفِطْرُ بِالظَّنِّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال في التَّلْخِيصِ يَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ في أَوَّلِ الْيَوْمِ لا ( ( ( ولا ) ) ) يَجُوزُ في آخِرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَوْ أَكَلَ ولم يَتَيَقَّنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ في الْآخِرِ ولم يَلْزَمْهُ في الْأَوَّلِ انْتَهَى
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وهو ضَعِيفٌ
الرَّابِعَةُ إذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا وَإِنْ لم يَطْعَمْ ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ فَلَا يُثَابُ على الْوِصَالِ كما هو ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وقال وقد يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ له الْفِطْرُ وقال وَالْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ في قَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ من ها هنا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ من ها هنا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ مُتَلَازِمَةٌ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِئَلَّا يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ على غَيْرِهَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن الْعُلَمَاءِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَتَوَقَّفُ في هذا وَيَقُولُ يُقْبِلُ اللَّيْلُ مع بَقَاءِ الشَّمْسِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ انْتَهَى
قُلْت وَهَذَا مُشَاهَدٌ
الْخَامِسَةُ تَحْصُلُ فَضِيلَةُ السَّحُورِ بِأَكْلٍ أو شُرْبٍ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ
قَوْلُهُ وَأَنْ يُفْطِرَ على التَّمْرِ فَإِنْ لم يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ
هَكَذَا قال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ يُسَنُّ أَنْ يُفْطِرَ على الرُّطَبِ فَإِنْ لم يَجِدْ فَعَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لم يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وقال في
____________________
(3/331)
الْوَجِيزِ وَيُفْطِرُ على رُطَبٍ أو تَمْرٍ أو مَاءٍ وقال في الْحَاوِيَيْنِ يُفْطِرُ على تَمْرٍ أو رُطَبٍ أو مَاءٍ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَيُسَنُّ أَنْ يُعَجِّلَ فِطْرَهُ على تَمْرٍ أو مَاءٍ
قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَك صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّك أنت السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
هَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وأبو الْخَطَّابِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَوْلَى وَاقْتَصَرَ عليه جَمَاعَةٌ وَذَكَرَهُ بن حَمْدَانَ وزاد بِسْمِ اللَّهِ وَذَكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ وزاد في أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَبَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلَ بن عُمَرَ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إذَا أَفْطَرَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبُتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ فإن له دَعْوَةً لَا تُرَدُّ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَطِّرَ الصُّوَّامَ وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أَجْرِهِ شَيْءٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ من أَيِّ شَيْءٍ كان كما هو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُرَادُهُ بِتَفْطِيرِهِ أَنْ يُشْبِعَهُ
الثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ له كَثْرَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يَجِبُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ في أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ على الْفَوْرِ إنْ قُلْنَا إنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ على الْفَوْرِ وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ في الْكَفَّارَةِ وَيَأْتِي في الْبَابِ الذي يَلِيهِ هل يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ قبل قَضَاءِ رَمَضَانَ لهم أَمْ لَا
____________________
(3/332)
تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَبْقَ من شَعْبَانَ إلَّا ما يَتَّسِعُ لِلْقَضَاءِ فَقَطْ فإنه في هذه الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ التَّتَابُعُ قَوْلًا وَاحِدًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا هل يَجِبُ الْعَزْمُ على فِعْلِ الْقَضَاءِ قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ في الصَّلَاةِ وَلِهَذَا قال بن عَقِيلٍ في الصَّلَاةِ لَا تَنْتَفِي إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ على النَّفْلِ في ثَانِي الْوَقْتِ قال وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ
الثَّانِيَةُ من فَاتَهُ رَمَضَانُ كَامِلًا سَوَاءٌ كان تَامًّا أو نَاقِصًا لِعُذْرٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَنَحْوِهِمَا أو غَيْرِهِ قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعِنْدَ الْقَاضِي إنْ قَضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كان تَامًّا أو نَاقِصًا وَإِنْ لم يَقْضِ شَهْرًا صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وقال هو أَشْهَرُ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى أَجْزَأَ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّلْخِيصِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ من صَامَ من أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ أو من أَثْنَاءِ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وكان رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ عنه اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ
وَعَلَى الثَّانِي يَقْضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ أو الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ من غَيْرِ عُذْرٍ
نَصَّ عليه وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخَّرَهُ رَمَضَانَاتٍ
____________________
(3/333)
ولم يَمُتْ وهو كَذَلِكَ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ }
وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ على التَّرَاخِي على الصَّحِيحِ
فَائِدَةٌ يُطْعِمُ ما يُجْزِئُ كَفَّارَةً وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ قبل الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ قال الْمَجْدُ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَتَخَلُّصًا من آفَاتِ التَّأْخِيرِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ مَاتَ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في التَّلْخِيصِ رِوَايَةً يُطْعِمُ عنه كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ
وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عنه أو التَّكْفِيرُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ أخره ( ( ( أخر ) ) ) لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَاتَ قبل رَمَضَانَ آخَرَ أُطْعِمَ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ
أَنَّهُ لَا يُصَامُ عنه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في جَوَابِ من قال الْعِبَادَةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فقال لَا نُسَلِّمُ بَلْ النِّيَابَةُ تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ إذَا وَجَبَتْ وَعَجَزَ عنها بَعْدَ الْمَوْتِ
وقال أَيْضًا فيه فَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ فَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ ينوب ( ( ( ينو ) ) ) عنه في جَمِيعِهَا في الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ انْتَهَى
وَمَالَ النَّاظِمُ إلَى جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ عنه بَعْدَ مَوْتِهِ فقال لو قيل بِهِ لم أَبْعُدْ
وقال في الْفَائِقِ وَلَوْ أَخَّرَهُ لَا لِعُذْرٍ فتوفى قبل رَمَضَانَ آخَرَ أُطْعِمَ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَالْمُخْتَارُ الصِّيَامُ عنه انْتَهَى
وقال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَيَصِحُّ قَضَاءُ نَذْرٍ قُلْت وَفَرْضٍ عن مَيِّتٍ مُطْلَقًا كَاعْتِكَافٍ انْتَهَى
____________________
(3/334)
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ تَبَرَّعَ بِصَوْمِهِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ أو عن مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ من الْمَالِ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ فَهَلْ يُطْعَمُ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ أو اثْنَانِ على وَجْهَيْنِ
وَحَكَاهُمَا في الْفَائِقِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ
أَحَدُهُمَا يُطْعَمُ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ فَقَطْ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَالشِّيرَازِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُطْعَمُ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَانِ لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَقْضِي من أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ وقال لَا تَصِحُّ عنه وقال ليس في الْأَدِلَّةِ ما يُخَالِفُ هذا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْإِطْعَامُ يَكُونُ من رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهِ أو لم يُوصِ
الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُ صَوْمُ كَفَّارَةٍ عن مَيِّتٍ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ نَصَّ عليه وَإِنْ كان مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عليه وَقُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ أُطْعِمَ عنه ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ من كَفَّارَةٍ أُطْعِمَ عنه أَيْضًا نَصَّ عليه
____________________
(3/335)
قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أو حَجٌّ أو اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فَعَلَهُ عنه وَلِيُّهُ
إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ فَعَلَهُ عنه وَلِيُّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ عن الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ على ما سَبَقَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عنه في يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيُجْزِئ عِدَّتُهُمْ من الْأَيَّامِ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال في الْفُرُوعِ هو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن طَاوُسٍ
وَحَمَلَ الْمَجْدُ ما نَقَلَ عن أَحْمَدَ على صَوْمِ شرطه ( ( ( شرط ) ) ) التَّتَابُعِ وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عليه
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ يَصُومُ وَاحِدٌ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ فمنع ( ( ( فمع ) ) ) الِاشْتِرَاكِ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فيها من وَاحِدٍ لَا من جَمَاعَةٍ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ منهم الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ يَصُومُ أَقْرَبُ الناس إلَيْهِ ابْنُهُ أو غَيْرُهُ
قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُ من الِاقْتِصَارِ على النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُصَامُ بِإِذْنِهِ
فَائِدَتَانِ
الْأُولَى قَوْلُهُ فَعَلَهُ عنه وَلِيُّهُ
يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كان له تركه وَجَبَ فِعْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ الصَّوْمُ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ
____________________
(3/336)
إلَى من يَصُومُ عنه من تَرِكَتِهِ عن كل يَوْمٍ مِسْكِينًا وَجَزَمَ بِهِ في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَإِنْ لم يَكُنْ له تركه لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَمَعَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ من الصَّوْمِ يَجِبُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ من مَالِ الْمَيِّتِ عن كل يَوْمٍ وَمَعَ صَوْمِ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ
وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ في مَسْأَلَةِ من نَذَرَ صَوْمًا يَعْجِزُ عنه أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إطْعَامَ فيه بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ
قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ في كَلَامِهِ خِلَافَهُ وقال الْمَجْدُ لم يذكر الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا امْتَنَعُوا يَلْزَمُهُمْ اسْتِنَابَةٌ وَلَا إطْعَامٌ
الثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ مع الصَّوْمِ عنه أو الْإِطْعَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الصَّوْمَ عنه بَدَلٌ مجزىء ( ( ( مجزئ ) ) ) عنه بِلَا كَفَّارَةٍ
وَأَوْجَبَ في الْمُسْتَوْعِبِ الْكَفَّارَةَ قال كما لو عَيَّنَ بِنَذْرِهِ صَوْمَ شَهْرٍ فلم يَصُمْهُ فإنه يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ قال في الرِّعَايَةِ إنْ لم يَقْضِهِ عنه وَرَثَتُهُ أو غَيْرُهُمْ أُطْعِمَ عنه من تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ مع كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَإِنْ قَضَى كَفَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعَنْهُ مع الْعُذْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ هذا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ ما نَذَرَهُ فلم يَصُمْهُ حتى مَاتَ فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ ما نَذَرَهُ قضي عنه ما أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ أَيْضًا وَذَكَرَ الْقَاضِي في مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عن الْمَيِّتِ أَنَّ من نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وهو مَرِيضٌ وَمَاتَ قبل الْقُدْرَةِ عليه يَثْبُتُ الصِّيَامُ في ذِمَّتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ أَدَائِهِ وَيُخَيَّرُ وَلِيُّهُ بين أَنْ يَصُومَ عنه أو يُنْفِقَ على من يَصُومُ عنه
____________________
(3/337)
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يقضى عن الْمَيِّتِ ما تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِالْمَرَضِ دُونَ الْمُتَعَذِّرِ بِالْمَوْتِ وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَأَمَّا الْمَنْذُورَاتُ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّمَكُّنِ لها من الْأَدَاءِ وَجْهَانِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ هل يقضى الصَّائِمُ الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ خَاصَّةً أو الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ وَالْمَوْتِ على وَجْهَيْنِ
الثَّانِي هذا كُلُّهُ إذَا كان النَّذْرُ في الذِّمَّةِ فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قبل دُخُولِهِ لم يَصُمْ ولم يَقْضِ عنه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَلَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَإِنْ مَاتَ في أَثْنَائِهِ سَقَطَ بَاقِيهِ فَإِنْ لم يَصُمْهُ لِمَرَضٍ حتى انْقَضَى ثُمَّ مَاتَ في مَرَضِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا كان في الذِّمَّةِ
هذه أَحْكَامُ من مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ وَأَمَّا من مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَفْعَلُهُ عنه وَيَصِحُّ منه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وفي الرِّعَايَةِ قَوْلُ لَا يَصِحُّ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ من الْحَجِّ في حَيَاتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وهو أَصَحُّ وقال الْقَاضِي في خِلَافِهِ في الْفَقِيرِ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ ولم يَمْلِكْ بَعْدَ النَّذْرِ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً حتى مَاتَ لَا يُقْضَى عنه كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ
قال الْمَجْدُ وَعَلَيْهِ قِيَاسُ كل صُورَةٍ مَاتَ قبل التَّمَكُّنِ كَاَلَّذِي يَمُوتُ قبل مَجِيءِ الْوَقْتِ أو عِنْدَ خَوْفِ الطَّرِيقِ قال وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ هل هو في حَجَّةِ الْفَرْضِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ في الذِّمَّةِ أو لِلُزُومِ الْأَدَاءِ
الثَّانِيَةُ حُكْمُ الْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ حُكْمُ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ إذَا مَاتَ وَهِيَ عليه
____________________
(3/338)
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِلَا نِزَاعٍ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ
وَيَأْتِي ذلك في كِتَابِ الْحَجِّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ له الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ على التَّرِكَةِ وكذا لو أَعْتَقَ عنه في نَذْرٍ أو أَطْعَمَ عنه في كَفَّارَةٍ إذَا قُلْنَا يَصِحُّ ذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ في ضِمْنِ تَعْلِيلِ الْقَاضِي
وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُفْعَلُ عنه نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ بن إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَعْتَكِفُوا عنه وَحَكَى في الرِّعَايَةِ قَوْلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ عنه قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ على هذا أَنْ يُخْرَجَ عنه كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْعَمَ عنه لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لم يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حتى مَاتَ فَالْخِلَافُ السَّابِقُ كَالصَّوْمِ
وَقِيلَ يَقْضِي وَقِيلَ لَا فَعَلَيْهِ يَسْقُطُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ في نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كما حَكَيْته في الْمَتْنِ هَكَذَا وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أو حَجٌّ أو اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فَلَفْظَةُ مَنْذُورٌ مُؤَخَّرَةٌ عن الِاعْتِكَافِ وَهَكَذَا في نُسَخٍ قُرِئَتْ على الْمُصَنِّفِ فَغَيَّرَ ذلك بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ الْمَأْذُونُ له بِالْإِصْلَاحِ فقال وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ أو حَجٌّ أو اعْتِكَافٌ فَعَلَهُ عنه وَلِيُّهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ لفظه مَنْذُورٌ لَا يَخْلُو من حَالَيْنِ إمَّا أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الثَّلَاثَةِ أو إلَى الْأَخِيرِ وهو الِاعْتِكَافُ وَعَلَى كِلَيْهِمَا يَحْصُلُ في الْكَلَامِ خَلَلٌ لِأَنَّهُ لو عَادَ إلَى الِاعْتِكَافِ فَقَطْ بَقِيَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا وَالْوَلِيُّ لَا يَفْعَلُ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ من الصَّوْمِ وَإِنْ عَادَ إلَى الثَّلَاثَةِ بَقِيَ الْحَجُّ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مَنْذُورًا وَلَا يُشْتَرَطُ ذلك لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَفْعَلُ الْحَجَّ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ أَيْضًا فَلِذَلِكَ غَيَّرَ
____________________
(3/339)
وَلَا يُقَالُ إذَا قَدَّمْنَا لَفْظَةَ مَنْذُورٌ على الْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ يَبْقَى الِاعْتِكَافُ مُطْلَقًا لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ وَاجِبًا إلَّا بِالنَّذْرِ
قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ على صِفَةِ ما قَالَهُ من غَيْرِ تَغْيِيرٍ أَوْلَى وَلَا يَرِدُ على الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا النِّيَابَةُ في الْمَنْذُورَاتِ لَا غَيْرُ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ وَالصَّوْمَ الْمَنْذُورَ فَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ وَأَمَّا كَوْنُ الْحَجِّ إذَا كان وَاجِبًا بِالشَّرْعِ يُفْعَلُ فَهَذَا مُسَلَّمٌ وقد صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في كِتَابِ الْحَجِّ فقال وَمَنْ وَجَبَ عليه الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ أُخْرِجَ عنه من جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَهَذَا وَاضِحٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ مِثْلَ ما قال الْمُصَنِّفُ هُنَا فَيَذْكُرُونَ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت عليه صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ وَالشَّارِحُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يُفْعَلُ عنه وهو الْمَذْهَبُ وعنه ( ( ( وبه ) ) ) حرب وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي قال الْقَاضِي اختارها أبو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمَا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُفْعَلُ عنه نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ قال بن منجا في شَرْحِهِ وَهِيَ أَصَحُّ قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ لَا يُفْعَلُ في الْأَشْهَرِ قال في نَظْمِ النِّهَايَةِ لَا يُفْعَلُ في الْأَظْهَرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بها
____________________
(3/340)
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا قال في الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ يُطْلِقُ ذِكْرَ الْوَارِثُ هُنَا وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ هو الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَكَذَلِكَ قال الْخِرَقِيُّ هو الْوَارِثُ من الْعَصَبَةِ
الثَّانِي هذه الْأَحْكَامُ كُلُّهَا وهو الْقَضَاءُ إذَا كان النَّاذِرُ قد تَمَكَّنَ من الْأَدَاءِ فَأَمَّا إذَا لم يَتَمَكَّنْ من الْأَدَاءِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ غَيْرُ ما ذَكَرَ من الطَّاعَاتِ الْمَنْذُورَةِ عن الْمَيِّتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ لِاقْتِصَارِهِمْ على ذلك وقال في الْإِيضَاحِ من نَذَرَ طَاعَةً فَمَاتَ فُعِلَتْ وقال الْخِرَقِيُّ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَمَاتَ قبل أَنْ يَأْتِيَ بِهِ صَامَ عنه وَرَثَتُهُ من أَقَارِبِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ما كان من نَذْرٍ وَطَاعَةٍ وَكَذَا قال في الْعُمْدَةِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عنه كُلُّ ما كان عليه من نَذْرٍ وَطَاعَةٍ إلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا على رِوَايَتَيْنِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قِصَّةُ سَعْدِ بن عُبَادَةَ تَدُلُّ على أَنَّ كُلَّ نَذْرٍ يُقْضَى وكذا تَرْجَمَ عليها في كِتَابِهِ الْمُنْتَقَى بِقَضَاءِ كل الْمَنْذُورَاتِ عن الْمَيِّتِ
وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ لَا تُفْعَلُ طَهَارَةٌ مَنْذُورَةٌ عنه مع لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في فِعْلِهَا عن الْمَيِّتِ وَلُزُومِهَا بِالنَّذْرِ ما سَبَقَ في صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ هل هِيَ مَقْصُودَةٌ في نَفْسِهَا أَمْ لَا مع أَنَّ قِيَاسَ عَدَمِ فِعْلِ الْوَلِيِّ لها أَنْ لَا تُفْعَلَ بِالنَّذْرِ وَإِنْ لَزِمَتْ الطَّهَارَةُ لَزِمَ فِعْلُ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا بها كَنَذْرِ
____________________
(3/341)
الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ يَلْزَمُ تَحِيَّةُ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ على ما يَأْتِي في النَّذْرِ انْتَهَى
قُلْت فَيُعَايَى بها
وقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الطَّوَافَ الْمَنْذُورَ كَالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ دَاوُد عليه السَّلَامُ كان يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وكان أبو بَكْرٍ النَّجَّادُ من الْأَصْحَابِ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ أَفْضَلُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا دخل فيه يومي ( ( ( يوما ) ) ) الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بَلْ عليه الْأَصْحَابُ وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِالْكَرَاهَةِ وَمُرَادُهُمَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وهو وَاضِحٌ
وَإِنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ جَازَ صَوْمُهُ ولم يُكْرَهْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ نَقَلَ صَالِحٌ إذَا أَفْطَرَهَا رَجَوْت أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ الْمُصَنِّفُ وهو رِوَايَةُ الأثرم ( ( ( الأثر ) ) )
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصَّوَابُ قَوْلُ من جَعَلَهُ تَرْكًا لِلْأَوْلَى أو كَرَاهَةً
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيضِ من كل شَهْرٍ
هذا بِلَا نِزَاعٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ من كل شَهْرٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ نَصَّ عليه فَإِنَّهَا أَفْضَلُ نَصَّ عليه وَسُمِّيَتْ بَيْضَاءَ لِابْيِضَاضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ وَهَذَا الصَّحِيحُ
____________________
(3/342)
وَذَكَرَ أبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ في كِتَابِهِ اللَّطِيفُ الذي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ إنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْضَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ فيها على آدَمَ وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ
أَنَّ الْأَوْلَى مُتَابَعَةُ السِّتِّ إذْ الْمُتَابَعَةُ ظَاهِرُهَا التَّوَالِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ من الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ حُصُولُ فَضِيلَتِهَا بِصَوْمِهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً ذَكَرَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وَالْمُحَرَّرُ وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ صومها ( ( ( صوما ) ) ) وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ فَرَّقَهَا جَازَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ قال في اللَّطَائِفِ هذا قَوْلُ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ التَّتَابُعَ وَأَنْ يَكُونَ عَقِيبَ الْعِيدِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لِمَا فيه من الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَحْصُلُ بِصِيَامِ السِّتَّةِ في غَيْرِ شَوَّالٍ وهو صَحِيحٌ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا في غَيْرِ شَوَّالٍ وقال في الْفَائِقِ وَلَوْ كانت من غَيْرِ شَوَّالٍ فَفِيهِ نَظَرٌ
____________________
(3/343)
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِفَضِيلَةِ رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ حَرِيمَهُ لَا لِكَوْنِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَلِأَنَّ الصَّوْمَ فيه يُسَاوِي رَمَضَانَ في فَضِيلَةِ الْوَاجِبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَى رَمَضَانَ وقد أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ قال وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ وما ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ خَرَجَ على الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ انْتَهَى قُلْت وهو حَسَنٌ
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَيَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ قال بن هُبَيْرَةَ أَمَّا كَوْنُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا لَمَّا كان يَوْمُ عَرَفَةَ في شَهْرٍ حَرَامٍ بين شَهْرَيْنِ حَرَامَيْنِ كَفَّرَ سَنَةً قَبْلَهُ وَسَنَةً بَعْدَهُ
وَالثَّانِي إنَّمَا كان لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وقد وُعِدَتْ في الْعَمَلِ بِأَجْرَيْنِ
وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَاشُورَاءُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا وَالتَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يَأْتِي
قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كان بِعَرَفَةَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كان بِعَرَفَةَ إلَّا لِمَنْ يُضَعِّفُهُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عن أَحْمَدَ مثله
وَقِيلَ يُكْرَهُ صِيَامُهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَثْنَى من ذلك إذَا عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ الْهَدْيَ فإنه يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يوم عَرَفَةَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وهو الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْفِدْيَةِ
تَنْبِيهٌ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ لِتَقَوِّيهِ على الدُّعَاءِ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ
____________________
(3/344)
فَائِدَتَانِ الْأُولَى سُمِّيَ يوم عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فيه وَقِيلَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فلما أتى عَرَفَةَ قال عَرَفْت قال عَرَفْت وَقِيلَ لِتَعَارُفِ حَوَّاءَ وَآدَمَ بها
الثَّانِيَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ يوم التَّرْوِيَةِ في حَقِّ الْحَاجِّ ليس كَيَوْمِ عَرَفَةَ في عَدَمِ الصَّوْمِ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يوم التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ بِهِمَا انْتَهَى
وسمى يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّ عَرَفَةَ لم يَكُنْ بها مَاءٌ وَكَانُوا يَرْتَوُونَ من الْمَاءِ إلَيْهَا وَقِيلَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى هل هو من اللَّهِ أو حُلْمٌ فلما رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ من اللَّهِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
بِلَا نِزَاعٍ وَأَفْضَلُهُ يَوْمُ التَّاسِعِ وهو يَوْمُ عَرَفَةَ ثُمَّ يَوْمُ الثَّامِنِ وهو يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَآكَدُ الْعَشْرِ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ
قُلْت وهو خَطَأٌ وقال في الْفُرُوعِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ من قَوْلِهِ في الْهِدَايَةِ آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ
قال عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ على ظَاهِرِهِ وقال لَعَلَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لم يَلْتَزِمْ الصَّوْمَ فيه لِعُذْرٍ أو لم يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا انْتَهَى
وَحَمَلَهُ بن رَجَبٍ في لَطَائِفِهِ على أَنَّ صِيَامَهُ أَفْضَلُ من التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ بِالصِّيَامِ
____________________
(3/345)
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ قال وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّوَاتِبَ أَفْضَلُ فَمُرَادُهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ في الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالتَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ وقال صَوْمُ شَعْبَانَ أَفْضَلُ من صَوْمِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ كَالرَّاتِبَةِ مع الْفَرَائِضِ قال فَظَهَرَ أَنَّ فَضْلَ التَّطَوُّعِ ما كان قَرِيبًا من رَمَضَانَ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ وَذَلِكَ مُلْتَحِقٌ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِقُرْبِهِ منه وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
فَوَائِدُ
الْأُولَى أَفْضَلُ الْمُحَرَّمِ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وهو يَوْمُ عَاشُورَاءَ ثُمَّ التَّاسِعُ وهو تَاسُوعَاءُ ثُمَّ الْعَشْرُ الْأُوَلُ
الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصِّيَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقد أَمَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بصومهما ( ( ( بصومها ) ) ) وَوَافَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وقال مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ
الثَّالِثَةُ لم يَجِبْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قبل فَرْضِ رَمَضَانَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ منهم الْقَاضِي قال الْمَجْدُ هو الْأَصَحُّ من قَوْلِ أَصْحَابِنَا
وَعَنْهُ أَنَّهُ كان وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في تَحْرِيمِ إفْرَادِهِ وَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ من كَرَاهَةِ أَحْمَدَ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ غَيْرِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ وهو صَحِيحٌ لَا نِزَاعَ فيه قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
____________________
(3/346)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْفِطْرِ من رَجَبٍ وَلَوْ يَوْمًا أو بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ من السَّنَةِ قال الْمَجْدِ وَإِنْ لم يَلِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ لم يذكر أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَاسْتَحْسَنَهُ بن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ قال بن الْجَوْزِيِّ في كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَشَعْبَانَ كُلِّهِ وهو ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وقال آكَدُ شَعْبَانَ يَوْمُ النِّصْفِ وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ صَوْمَ شَعْبَانَ ولم يذكر غَيْرَهُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نِزَاعٌ قِيلَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَقِيلَ يُكْرَهُ فيفطر ( ( ( يفطر ) ) ) نَاذِرُهُمَا بَعْضَ رَجَبٍ
قَوْلُهُ وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
يَعْنِي يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا وقال الْآجُرِّيُّ يَحْرُمُ صَوْمُهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَتَعَهَّدَهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ وَجْهًا
قَوْلُهُ وَيَوْمِ السَّبْتِ
يَعْنِي يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صِيَامُهُ مُفْرَدًا وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ الذي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ من رِوَايَتِهِ وَأَنَّ الحديث شَاذٌّ أو مَنْسُوخٌ وقال هذه طَرِيقَةُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ كَالْأَثْرَمِ وَأَبِي دَاوُد وَأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا فَهِمَ من كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ انْتَهَى ولم يذكر الْآجُرِّيُّ كَرَاهَةً غير صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ
____________________
(3/347)
قَوْلُهُ وَيَوْمِ الشَّكِّ
يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصُومَ يوم الشَّكِّ فَتَارَةً يَصُومُهُ لِكَوْنِهِ وَافَقَ عَادَتَهُ
وَتَارَةً يَصُومُهُ مَوْصُولًا قَبْلَهُ وَتَارَةً يَصُومُهُ عن قَضَاءِ فَرْضٍ وَتَارَةً يَصُومُهُ عن نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أو مُطْلَقٍ وَتَارَةً يَصُومُهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا وَتَارَةً يَصُومُهُ تَطَوُّعًا من غَيْرِ سَبَبٍ فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ
إحْدَاهَا إذَا وَافَقَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَادَتَهُ فَهَذَا لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ وقد اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ في كَلَامِهِ بَعْدَ ذلك
الثَّانِيَةُ إذَا صَامَهُ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَهُ من الصَّوْمِ فَإِنْ كان مَوْصُولًا بِمَا قبل النِّصْفِ فَلَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَ النِّصْفِ لم يُكْرَهْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ وَمَبْنَاهُمَا على جَوَازِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَنَصَّ عليه وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ بَعْدَ النِّصْفِ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى تَحْرِيمِ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ
الثَّالِثَةُ إذَا صَامَهُ عن قَضَاءِ فَرْضٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً جَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ وبن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ فيها قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ في كل وَاجِبٍ لِلشَّكِّ في بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ
الرَّابِعَةُ إذَا وَافَقَ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ يوم الشَّكِّ أو كان النَّذْرُ مُطْلَقًا لم يُكْرَهْ صَوْمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(3/348)
الْخَامِسَةُ إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا كُرِهَ صَوْمُهُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
السَّادِسَةُ إذَا صَامَهُ تَطَوُّعًا من غَيْرِ سَبَبٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ كما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا قال في الْكَافِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا قال الزَّرْكَشِيُّ هو قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرِينَ وقال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقِيلَ يَحْرُمُ صَوْمُهُ فَلَا يَصِحُّ وهو احْتِمَالٌ في الْكَافِي وَمَالَ إلَيْهِ فيه وَاخْتَارَهُ بن الْبَنَّا وأبو الْخَطَّابِ في عِبَادَاتِهِ الْخَمْسِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وجزم بِهِ بن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إلَيْهِ في الْفُرُوعِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الرِّعَايَةِ
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
السَّابِعَةُ يَوْمُ الشَّكِّ هو يَوْمُ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ إذَا لم يَكُنْ في السَّمَاءِ عِلَّةٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ ولم يَتَرَاءَى الناس الْهِلَالَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أو شَهِدَ بِهِ من رُدَّتْ شَهَادَتُهُ قال الْقَاضِي أو كان في السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ صَوْمُهُ
قَوْلُهُ وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ
يَعْنِي يُكْرَهُ صَوْمُهُمَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُمَا بِالصَّوْمِ
فَوَائِدُ
منها قال الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أو يَوْمٌ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَجُوزُ تخصيص صَوْمُ أَعْيَادِهِمْ
____________________
(3/349)
وَمِنْهَا النَّيْرُوزُ وَالْمِهْرَجَانُ عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ قال الزَّمَخْشَرِيُّ النَّيْرُوزُ الشَّهْرُ الثَّالِثُ من الرَّبِيعِ وَالْمِهْرَجَانُ الْيَوْمُ السَّابِعُ من الْخَرِيفِ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ وهو أَنْ لَا يُفْطِرَ بين الْيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَاخْتَارَهُ بن الْبَنَّا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي وَأَوْمَأَ إلَى إبَاحَتِهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا وكذا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ على ظَاهِرِ ما رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عنه وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ نَصَّ عليه ولكن ( ( ( ولكنه ) ) ) تَرْكُ الْأَوْلَى وهو تَعْجِيلُهُ الْفِطْرَ
وَمِنْهَا هل يَجُوزُ لِمَنْ عليه صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ قَبْلَهُ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وقال في الْحَاوِيَيْنِ لم يَصِحَّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ قَدَّمَهُ في النَّظْمِ قال في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ جَازَ على الْأَصَحِّ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ وهو عَدَمُ الْجَوَازِ فَهَلْ يُكْرَهُ الْقَضَاءُ في عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَمْ لَا يُكْرَهُ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَتَابَعَهُ في
____________________
(3/350)
الْفُرُوعِ وقال هذه الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي قال في الْفُرُوعِ لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قبل الْفَرْضِ كان أَبْلَغَ من الْكَرَاهَةِ فَلَا تَصِحُّ تَفْرِيعًا عليه انْتَهَى
وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى قَالَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّطَوُّعِ قبل صَوْمِ الْفَرْضِ لم يُكْرَهْ الْقَضَاءُ في عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِئَلَّا يَخْلُوَ من الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ كُرِهَ الْقَضَاءُ فيها لِتَوْفِيرِهَا على التَّطَوُّعِ لِبَيَانِ فَضْلِهِ فيها مع فَضْلِ الْقَضَاءِ قال في الْمُغْنِي قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ في عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وقال في الْكُبْرَى أَيْضًا وَيَحْرُمُ نَفْلُ الصَّوْمِ قبل قَضَاءِ فَرْضِهِ لِحُرْمَتِهِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ يَجُوزُ
فَائِدَةٌ لو اجْتَمَعَ ما فُرِضَ شَرْعًا وَنُذِرَ بدىء ( ( ( بدئ ) ) ) بِالْمَفْرُوضِ شَرْعًا إنْ كان لَا يُخَافُ فَوْتُ الْمَنْذُورِ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُ بدىء ( ( ( بدئ ) ) ) بِهِ وَيُبْدَأُ بِالْقَضَاءِ أَيْضًا إنْ كان النَّذْرُ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عن فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كان عَاصِيًا ولم يُجْزِهِ عن فَرْضٍ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عن فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَعَنْهُ يَصِحُّ عن فَرْضٍ نَقَلَهُ مُهَنَّا في قَضَاءِ رَمَضَانَ وفي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ عن نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا بِلَا نِزَاعٍ وفي صَوْمِهَا عن الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
____________________
(3/351)
وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ وَشَرْحِ بن منجا هُنَا وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي قال في الْمُبْهِجِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ التي ذَهَبَ إلَيْهَا أَحْمَدُ أَخِيرًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عن أَحْمَدَ جَوَازَ صَوْمِهَا عن دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً قال الزَّرْكَشِيُّ خَصَّ بن أبي مُوسَى الْخِلَافَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ وهو ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ فإنه قال وَنَهَى عن صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ في صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا لم يَجِدْ هَدْيًا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
قُلْت وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ الْفِدْيَةِ أنها تُصَامُ عن دَمِ الْمُتْعَةِ إذَا عَدِمَ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ في بَابِ أَقْسَامِ النُّسُكِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ قال بن منجا في شَرْحِهِ في بَابِ الْفِدْيَةِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَالنَّاظِمُ
قَوْلُهُ وَمَنْ دخل في صَوْمٍ أو صَلَاةِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ له إتْمَامُهُ ولم يَجِبْ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْ أَحْمَدَ يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ذَكَرَهُ بن الْبَنَّا وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَنَقَلَ حَنْبَلٌ في الصَّوْمِ إنْ أَوْجَبَهُ على نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ قال الْقَاضِي أَيْ نَذْرَهُ وَخَالَفَهُ بن عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في النَّفْلِ وقال تَفَرَّدَ بِهِ حَنْبَلٌ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ نَقَلُوا عنه لَا يقضى وفي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا رِوَايَةٌ في الصَّوْمِ لَا يقضى الْمَعْذُورُ
____________________
(3/352)
وَعَنْهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ قال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمَجْدُ مَالَ إلَى ذلك أبو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وقال الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ قال الْمَجْدُ وَالرِّوَايَةُ التي حَكَاهَا بن الْبَنَّا في الصَّوْمِ تَدُلُّ على عَكْسِ هذا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ قال وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ التَّسْوِيَةُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عليه
هذا مَبْنِيٌّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ وَلَكِنْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ منه بِلَا عُذْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَإِلَّا كُرِهَ في الْأَصَحِّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى هل يُفْطِرُ لِضَيْفِهِ قال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ يَعْنِي إلَى وَلِيمَةٍ وقد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ في الِاعْتِكَافِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ
الثَّانِيَةُ لم يذكر أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وقال في الْكَافِي وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ من الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقِيلَ الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ على الْخِلَافِ يَعْنِي إذَا دخل في الِاعْتِكَافِ وقد نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ وَيَقْضِيهَا ذَكَرَهُ بن عبد الْبَرِّ إجْمَاعًا وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ كَلَامَ بن عبد الْبَرِّ في ادِّعَائِهِ الْإِجْمَاعَ
الثَّالِثَةُ لو نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ وَشَرَعَ في الصَّدَقَةِ بِهِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ لم يَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ إجْمَاعًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَرَعَ في صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لم يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا بِلَا خِلَافٍ في الْمُذْهَبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ في الْأَحْكَامِ إلَّا فِيمَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا قال وَيَتَوَجَّهُ على كل حَالٍ إنْ نَوَى طَوَافَ شَوْطٍ أو شَوْطَيْنِ أَجْزَأَ وَلَيْسَ من شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ كَالصَّلَاةِ
____________________
(3/353)
الرَّابِعَةُ لَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ
وَأَمَّا نَفْلُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ
الْخَامِسَةُ لو دخل في وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ كُلِّهِ قبل رَمَضَانَ وَالْمَكْتُوبَةِ في أَوَّلِ وَقْتِهَا وَغَيْرِ ذلك كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا حَرُمَ خُرُوجُهُ منه بِلَا عُذْرٍ قال الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ خِلَافٍ قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا فَلَوْ خَالَفَ وَخَرَجَ فَلَا شَيْءَ عليه غير ما كان عليه قبل شُرُوعِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ
قَوْلُهُ وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ في الْعَشْرِ الْأَخِيرِ من رَمَضَانَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ منهم الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَالْهَادِي وقال في الْكَافِي وَالْمُغْنِي تُطْلَبُ في جَمِيعِ رَمَضَانَ قال الشَّارِحُ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا في جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ وفي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ آكَدُ وفي لَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ انْتَهَى
قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ تُطْلَبَ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ منه لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ في ذلك وهو مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ من الصَّحَابَةِ خُصُوصًا لَيْلَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَا سِيَّمَا إذَا كانت لَيْلَةَ جُمُعَةٍ
قَوْلُهُ وَلَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّ كُلَّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ
فَائِدَةٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْوَتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إلَى آخِرِهِ وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى فإذا كان الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذلك لَيَالِيَ لِأَشْفَاعٍ فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ تَاسِعَةٌ تَبْقَى وَلَيْلَةُ الرَّابِعَةِ سَابِعَةٌ تَبْقَى كما فَسَّرَهُ أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وإن ( ( ( ولمن ) ) ) كان الشَّهْرُ نَاقِصًا كان التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي
____________________
(3/354)
قَوْلُهُ وَأَرْجَاهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَأَرْجَاهَا الْوَتْرُ من لَيَالِي الْعَشْرِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَقِيلَ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وقال في الْكَافِي أَيْضًا وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ على أنها تَنْتَقِلُ في لَيَالِي الْوَتْرِ قال بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أنها تَنْتَقِلُ في أَفْرَادِ الْعَشْرِ فإذا اتَّفَقَتْ لَيَالِي الْجَمْعِ في الْأَفْرَادِ فَأَجْدَرُ وَأَخْلَقُ أَنْ تَكُونَ فيها وقال غَيْرُهُ تَنْتَقِلُ في الْعَشْرِ الأخير ( ( ( الأخيرة ) ) ) وَحَكَاهُ بن عبد الْبَرِّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ الذي لَا شَكَّ فيه
وقال الْمَجْدُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أنها لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ
فَعَلَى هذا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قبل مُضِيِّ لَيْلَةِ أَوَّلِ الْعَشْرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ في اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنْ مَضَى منه لَيْلَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ في لَيْلَةِ حَلِفِهِ فيها
وَعَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا تَنْتَقِلُ في الْعَشْرِ إنْ كان قبل مُضِيِّ لَيْلَةٍ منه وَقَعَ الطَّلَاقُ في اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنْ كان مَضَى منه لَيْلَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ في اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ من الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ قال الْمَجْدُ وَيَتَخَرَّجُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ على مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ
قُلْت هو الصَّوَابُ
قُلْت تَلَخَّصَ لنا في الْمَذْهَبِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ
وقد ذَكَرَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ النَّاقِدُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بن حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِلْعُلَمَاءِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا وَذَكَرَ أَدِلَّةَ كل قَوْلٍ أَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا هُنَا ملخصه فَأَقُولُ
قِيلَ وَقَعَتْ خَاصَّةً بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ في زَمَنِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مُمْكِنَةٌ في جَمِيعِ السَّنَةِ تَنْتَقِلُ في جَمِيعِ السَّنَةِ لَيْلَةُ النِّصْفِ
____________________
(3/355)
من شَعْبَانَ مُخْتَصَّةٌ بِرَمَضَانَ مُمْكِنَةٌ في جَمِيعِ لَيَالِيِهِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ منه لَيْلَةُ النِّصْفِ منه لَيْلَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ
قُلْت أو إنْ كانت لَيْلَةَ جُمُعَةٍ ذَكَرَهُ في اللَّطَائِفِ
ثَمَانِ عَشْرَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ حَادِي عِشْرِينَ ثَانِي عِشْرِينَ ثَالِثُ عِشْرِينَ رَابِعُ عِشْرِينَ خَامِسُ عِشْرِينَ سَادِسُ عِشْرِينَ سَابِعُ عِشْرِينَ ثَامِنُ عِشْرِينَ تَاسِعُ عِشْرِينَ ثَلَاثِينَ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَنْتَقِلُ في جَمِيعِ رَمَضَانَ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ في الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كُلِّهِ في أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِثْلُهُ بِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ في السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَهَلْ هِيَ اللَّيَالِي السَّبْعُ من آخِرِ الشَّهْرِ أو في آخِرِ سَبْعٍ من الشَّهْرِ مُنْحَصِرَةٌ في السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ منه في أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَالْعَشْرُ الْأَخِيرُ مُبْهَمَةٌ في الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ أو آخِرُ لَيْلَةٍ أو أَوَّلُ لَيْلَةٍ أو تَاسِعُ لَيْلَةٍ أو سَابِعَ عَشْرَةَ أو إحْدَى وَعِشْرِينَ أو آخِرُ لَيْلَةٍ في سَبْعٍ أو ثَمَانٍ من أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي لَيْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ أو سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ أو تِسْعَ عَشْرَةَ أو إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ أو إحْدَى وَعِشْرِينَ أو ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أو ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أو خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أو ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أو سَبْعٍ وَعِشْرِينَ الثَّالِثَةُ من الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أو الْخَامِسَةُ منه
وَزِدْنَا قَوْلًا على ذلك
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قام الْعَشْرَ كُلَّهُ وَإِنْ كان نَذَرَهُ في أَثْنَاءِ الْعَشْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ في النُّذُورِ
الثَّانِيَةُ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ نَصَّ عليه
____________________
(3/356)
الثَّالِثَةُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا وَعَنْهُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ بن بَطَّةَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْجَوْزِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ أَفْضَلُ في حَقِّهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ من لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا
وقال يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وكذا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ في صَلَاةِ الْعِيدِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ أبو حَكِيمٍ أَنَّ يوم عَرَفَةَ أَفْضَلُ قال وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ هذه الْأَيَّامَ أَفْضَلُ من غَيْرِهَا وَيَتَوَجَّهُ على اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمُ الْقَرِّ الذي يَلِيهِ
قال في الْغُنْيَةِ إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ من الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى وَعَرَفَةَ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَاخْتَارَ منها يوم عَرَفَةَ
وقال أَيْضًا إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ في أَشْرَفِ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَرْفَعِهَا عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً
الرَّابِعَةُ قال في الْفُرُوعِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ على ظَاهِرِ ما في الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا قد يُقَالُ ذلك وقد يُقَالُ لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذلك أَفْضَلُ قال وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوهٍ وَذَكَرَهَا
الْخَامِسَةُ رَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ بن شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فيه أَفْضَلُ
وقال في الْغُنْيَةِ إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ من الشُّهُورِ أَرْبَعَةً رَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَرَمَضَانُ
____________________
(3/357)
وَالْمُحَرَّمُ وَاخْتَارَ منها شَعْبَانَ وَجَعَلَهُ شَهْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال بن الْجَوْزِيِّ قال الْقَاضِي في قَوْله تَعَالَى { منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } إنَّمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فيها وَلِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فيها أَشَدُّ من تَعْظِيمِهِ في غَيْرِهَا كَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطَّاعَاتِ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ مَعْنَاهُ = كِتَابُ الِاعْتِكَافِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وهو لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى
يَعْنِي على صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ من مُسْلِمٍ طَاهِرٍ مِمَّا يُوجِبُ غُسْلًا
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وهو سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ
بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ عَلَّقَهُ أو قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ فَلَهُ شرطه ( ( ( شرط ) ) ) وَآكَدُهُ عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرُ ولم يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بين الْبَعِيدِ وَغَيْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يَعْتَكِفُ بِالثَّغْرِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ عن الثَّغْرِ
وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ منه فَقِيلَ يَبْطُلُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ إلْحَاقًا له بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ
وَقِيلَ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِمَكَانٍ كَالْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَلَا يَصِحُّ من كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ
وَلَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ في نَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ
____________________
(3/358)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَقَلُّهُ إذَا كان تَطَوُّعًا أو نَذْرًا مُطْلَقًا ما يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً وفي كَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ لَا لَحْظَةٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ في أَيَّامِ النَّهْيِ التي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا
وَعَلَيْهِ أَيْضًا لو صَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لم يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ
وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ في لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ كما قال الْمُصَنِّفُ
وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَلَا بَعْضَ يَوْمٍ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا كان غير صَائِمٍ فَأَمَّا إنْ صَائِمًا فَيَصِحُّ في بَعْضِ يَوْمٍ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بهذا غَيْرُ وَاحِدٍ
قُلْت منهم صَاحِبُ الْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ على إطْلَاقِهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بَعْضَ يَوْمٍ وَلَوْ كان صَائِمًا وهو الْوَجْهُ الثَّانِي اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَكَلَامُهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَقَلُّ من يَوْمٍ إذَا اشْتَرَطْنَا الصَّوْمَ اخْتِيَارُ أبي الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ إذَا لم يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى
قُلْت قال في الْفَائِقِ وَلَوْ شَرَطَ النَّاذِرُ صَوْمًا فَيَوْمٌ على الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قال قُلْت بَلْ مُسَمَّاهُ من صَائِمٍ انْتَهَى
____________________
(3/359)
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ في أَيَّامِ النَّهْيِ التي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا وَاعْتِكَافُهَا نَذْرًا وَنَفْلًا كَصَوْمِهَا نَذْرًا وَنَفْلًا
فَإِنْ أتى عليه يَوْمُ الْعِيدِ في أَثْنَاءِ اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فيه فَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ وَيَجُوزُ خُرُوجُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى إنْ شَاءَ وَإِلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الْعُكُوفِ ثُمَّ يَعُودُ قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ من يَوْمِهِ لِتَمَامِ أَيَّامِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى على الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ له ما لم يَنْذُرْهُ بَلْ يَصِحُّ في الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كان فَرْضَ رَمَضَانَ أو كَفَّارَةً أو نَذْرًا أو تَطَوُّعًا
الثَّانِيَةُ لو نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ هل يَلْزَمُهُ صَوْمٌ قَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْهُ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى ثُمَّ قال وَقِيلَ إنْ شَرَطْنَاهُ فيه لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هو الذي في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَ اللُّزُومَ وَعَدَمَهُ في الْفُرُوعِ
واما إذَا شَرَطَ فيه الصَّوْمَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ رَمَضَانُ آخَرُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا لَا يُجْزِئُهُ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ
ولم يذكر الْقَاضِي خِلَافًا في نَذْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمُتَنَاقِضٌ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقْرَبُ إلَى الْتِزَامِ الصَّوْمِ فَهُوَ أَوْلَى ذَكَرَهُ الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ وَالْقَوْلُ بِهِ في الْمُطْلَقِ مُتَعَيِّنٌ
الثَّالِثَةُ لو نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ فَفَاتَهُ فَالصَّحِيحُ من
____________________
(3/360)
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ خَارِجَ رَمَضَانَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال بن أبي مُوسَى يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ من رَمَضَانَ في الْعَامِ الْمُقْبِلِ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وبن مَنْصُورٍ وَلِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ على لَيْلَةِ الْقَدْرِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الرِّعَايَةِ هذا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من تَعْيِينِ الْعَشْرِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ في التي قَبْلَهَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِاشْتِمَالِهِ على لَيْلَةٍ لَا تُوجَدُ في غَيْرِهِ وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
الرَّابِعَةُ لو نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أو يَصُومَ مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ مَعًا فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أو اعْتَكَفَ وَصَامَ فَرْضَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهُ لم يُجْزِهِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ لَا الْجَمْعُ فَلَهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَالْوَجْهَانِ في التي قَبْلَهَا قَالَهُ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وقال في التَّلْخِيصِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا أو يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا لم يَلْزَمْهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الصَّوْمَ من شِعَارِ الِاعْتِكَافِ وَلَيْسَ الِاعْتِكَافُ من شِعَارِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أو يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا صَحَّا بِدُونِهِ وَلَزِمَاهُ دُونَ الِاعْتِكَافِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ مع الصَّوْمِ فَقَطْ انْتَهَى
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالْوَجْهَانِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ هُنَا لِتَبَاعُدِ ما بين الْعِبَادَتَيْنِ
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَيَقْرَأَ فيها سُورَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ الْجَمْعُ فَلَوْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لم يُجْزِهِ ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ لِلْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَلَا لِلْعَبْدِ
____________________
(3/361)
بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ شَرَعَا فيه بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَخَرَّجَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ من الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ كَرِوَايَةٍ في الْمَرْأَةِ في صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْدُوبَيْنِ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالتَّعْلِيقِ وَنَصَرَهَا في غَيْرِ مَوْضِعٍ
وَالْعَبْدُ يَصُومُ النَّذْرَ قال الْمَجْدُ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا من نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَقَطْ لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا في صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورٍ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمَا تحليلهما ( ( ( تحليلها ) ) ) إذَا أَذِنَا لَهُمَا في النَّذْرِ وهو غَيْرُ مُعَيَّنٍ
قال الْمَجْدُ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا إلَّا من مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قبل النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا في سُقُوطِ نَفَقَتِهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فيه فَكَالْمَنْذُورِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لم يُحَلِّلَاهُمَا صَحَّ وَأَجْزَأَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْفُرُوعِ
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن الْبَنَّا يَقَعُ بَاطِلًا لِتَحْرِيمِهِ كَصَلَاةٍ في مَغْصُوبٍ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ في الْعَبْدِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان بِإِذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إنْ كان تَطَوُّعًا وَإِلَّا فَلَا
إذَا أَذِنَا لَهُمَا فَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا وَتَارَةً يَكُونُ تَطَوُّعًا فَإِنْ كان تَطَوُّعًا فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان وَاجِبًا فَتَارَةً يَكُونُ نَذْرًا مُعَيَّنًا وَتَارَةً يَكُونُ مُطْلَقًا فَإِنْ كان مُعَيَّنًا لم يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان مُطْلَقًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا ليس لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ كَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ في النَّذْرِ الْمُطْلَقِ الذي يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَنَذْرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قال فيها إنْ شِئْت مُتَفَرِّقَةً أو مُتَتَابِعَةً
____________________
(3/362)
إذَا أَذِنَ لَهُمَا في ذلك يَجُوزُ تَحْلِيلُهُمَا منه عِنْدَ مُنْتَهَى كل يَوْمٍ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ له منه إذَنْ كَالتَّطَوُّعِ قال وَلَا أَعْرِفُ فيه نَصًّا لِأَصْحَابِنَا لَكِنَّ تَعْلِيلَهُمْ يَدُلُّ على ما ذَكَرْت قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ وقال في الرِّعَايَةِ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا في غَيْرِ نَذْرٍ وَقِيلَ في غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَذِنَا لَهُمَا ثُمَّ رَجَعَا قبل الشُّرُوعِ جَازَ إجْمَاعًا
الثَّانِيَةُ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ حُكْمُ الْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمَا وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ له أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
يَعْنِي لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا مُطْلَقًا نَصَّ عليه قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن منجا وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ على الْكَسْبِ وَإِنَّمَا له دَيْنٌ في ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ الْمَدِينِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ هُنَا قال في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ هُنَا ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ انْتَهَوْا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَمْنَعُ من إنْفَاقِهِ هُنَا
وقال الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْفِقَ على نَفْسِهِ مِمَّا قد جَمَعَهُ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ له الْحَجُّ من الْمَالِ الذي جَمَعَهُ ما لم يَأْتِ نَجْمُهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ على إذْنِهِ له وَيَأْتِي ذلك في بَابِ الْمُكَاتَبِ بِأَتَمَّ من هذا
____________________
(3/363)
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَأَطْلَقَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَقَالُوا نَصَّ عليه أَحْمَدُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا في مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فيه
اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَأْتِيَ عليه في مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ وهو مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَوَّلًا فَإِنْ لم يَأْتِ عليه في مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ فَهَذَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ في كل مَسْجِدٍ سَوَاءٌ جُمِّعَ فيه أو لَا وَإِنْ أتى عليه في مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ لم تَصِحَّ إلَّا في مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فيه أَيْ يصلي فيه الْجَمَاعَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ في الصُّورَتَيْنِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ على وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أو شَرْطِيَّتِهَا أَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ فَيَصِحُّ في أَيِّ مَسْجِدٍ كان قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاشْتِرَاطُ الْمَسْجِدِ الذي يُجَمَّعُ فيه من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ من الرَّجُلِ مُطْلَقًا إلَّا في مَسْجِدٍ تُقَامُ فيه الْجَمَاعَةُ قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
قَوْلُهُ إلَّا الْمَرْأَةَ لها الِاعْتِكَافُ في كل مَسْجِدٍ إلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَمَسْجِدُ بَيْتِهَا ليس مَسْجِدًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا قال في الْفُرُوعِ وقال في الِانْتِصَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ في مَسْجِدٍ تُقَامُ فيه الْجَمَاعَةُ وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَالْخِرَقِيِّ كما تَقَدَّمَ ذلك في الرَّجُلِ
فَوَائِدُ
إحداها رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ في مَوْضِعٍ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ
____________________
(3/364)
قال الْحَارِثِيُّ في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ أنها منه جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في مَوْضِعٍ فَقَالَا وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ كَهُوَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ فقال إنْ كانت مَحُوطَةً فَهِيَ منه وَإِلَّا فَلَا
قال الْمَجْدُ وَنَقَلَ محمد بن الْحَكَمِ ما يَدُلُّ على صِحَّةِ هذا الْجَمْعِ وهو أَنَّهُ كان إذَا سمع أَذَانَ الْعَصْرِ وهو في رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ انْصَرَفَ ولم يُصَلِّ فيه وقال ليس هو بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ هذا الْمَسْجِدُ هو الذي عليه حَائِطٌ وَبَابٌ وَقُدِّمَ هذا الْجَمْعُ في الْمُسْتَوْعِبِ وقال وَمِنْ أَصْحَابِنَا من جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ على رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ أنها رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ على اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ وَقَدَّمَهُ أَيْضًا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى
الثَّانِيَةُ الْمَنَارَةُ التي لِلْمَسْجِدِ إنْ كانت فيه أو بَابُهَا فيه فَهِيَ من الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ مَنْعِ جُنُبٍ وَإِنْ كان بَابُهَا خَارِجًا منه بِحَيْثُ لَا يَسْتَطْرِقُ إلَيْهَا إلَّا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أو كانت خَارِجَ الْمَسْجِدِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ منه كما جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَخَرَجَ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي لِأَمْرٍ منه بُدٌّ كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ اخْتَارَهُ بن الْبَنَّا وَالْمَجْدُ قال الْقَاضِي لِأَنَّهَا بُنِيَتْ له فَكَأَنَّهَا فيه وقال أبو الْخَطَّابِ لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِهِ وقال الْمَجْدُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الْأَذَانِ وَكَانَتْ منه فِيمَا بُنِيَتْ له وَلَا يَلْزَمُهُ ثُبُوتُ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا لم تُبْنَ له وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
الثَّالِثَةُ ظَهْرُ الْمَسْجِدِ منه بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
الرَّابِعَةُ لَمَّا ذَكَرَ في الْآدَابِ الثَّوَابَ الْحَاصِلَ بِالصَّلَاةِ في مَسْجِدَيْ مَكَّةَ
____________________
(3/365)
وَالْمَدِينَةِ قال وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ الْمَسْجِدَ على ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَظَاهِرِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ من أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قال بن عَقِيلٍ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَسْجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَا كان في زَمَانِهِ لَا ما زِيدَ فيه لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في مَسْجِدِي هذا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عليه
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الِاعْتِكَافُ في الْجَامِعِ إذَا كانت الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ
وَلَا يَلْزَمُ فيه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ وَجْهًا بِلُزُومِ الِاعْتِكَافِ فيه فَإِنْ اعْتَكَفَ في غَيْرِهِ بَطَلَ لِخُرُوجِهِ إلَيْهَا
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَنْ يَعْتَكِفَ في غَيْرِ الْجَامِعِ الذي يَتَخَلَّلُهُ الْجُمُعَةُ لَكِنْ يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ
قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أو الصَّلَاةَ في مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعْلُهُ في غَيْرِهِ
هذا الْمَذْهَبُ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفَائِقِ قال أبو الْخَطَّابِ الْقِيَاسُ وُجُوبُهُ انتهى وَجَزَمَ بِهِ في تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أو الصَّلَاةَ فيه لَا يَفْعَلُهُ في غَيْرِهِ
تَنْبِيهَانِ
الأول ( ( ( الأولى ) ) ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ سَوَاءٌ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أو الصَّلَاةَ في مَسْجِدٍ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ عَتِيقٍ أو جَدِيدٍ امْتَازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ أو لَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي إذَا كان الْمَسْجِدُ بَعِيدًا يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ يَلْزَمُهُ فيه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ فإنه قال الْقِيَاسُ لُزُومُهُ تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ
____________________
(3/366)
عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ الحديث وَذَكَرَهُ أبو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا في تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ وَجْهًا يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ الْعَتِيقُ في نَذْرِ الصَّلَاةِ قال الْمَجْدُ وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ
وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في تَعْيِينِ ما امْتَازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ وَجْهَيْنِ وَاخْتَارَ في مَوْضِعٍ آخَرَ يَتَعَيَّنُ
وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قَالَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ له أَنْ يَعْتَكِفَ وَيُصَلِّيَ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ الذي عَيَّنَهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عليه كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ ولم يذكر عَدَمَ الْكَفَّارَةِ في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على الْمُصَنِّفِ وَكَذَا في نُسَخٍ كَثِيرَةٍ
وَقِيلَ عليه كَفَّارَةٌ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ في وَجْهٍ إنْ لم يَفْعَلْ وَجَزَمَ بِالْكَفَّارَةِ في تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ ذَكَرَهُ في بَابِ النَّذْرِ
الثَّانِي قال في الْفُرُوعِ وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ في غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى فَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ في غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ
الثَّالِثُ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الصَّلَاةَ وَالِاعْتِكَافَ إذَا نَذَرَهُمَا في غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ على حَدٍّ سَوَاءٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُصَلِّي في غَيْرِ مَسْجِدٍ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى
الرَّابِعُ قَوْلُهُ فَلَهُ فِعْلُهُ في غَيْرِهِ يَعْنِي من الْمَسَاجِدِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُصَلِّي في غَيْرِ مَسْجِدٍ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لو أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى ما عَيَّنَهُ بِنَذْرِهِ فَإِنْ كان يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ
____________________
(3/367)
خُيِّرَ بين ذَهَابِهِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الْإِبَاحَةَ في السَّفَرِ الْقَصِيرِ ولم يُجَوِّزْهُ بن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال في التَّلْخِيصِ لَا يَتَرَخَّصُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ يُكْرَهُ وَذَكَرَ بن منجا في شَرْحِ الْمُقْنِعِ يُكْرَهُ إلَى الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا
وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إلَى الْمَشَاهِدِ
قال في الْفُرُوعِ ومراده ( ( ( مراده ) ) ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ
وَإِنْ كان لَا يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بين الذَّهَابِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال في الْوَاضِحِ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ
قَوْلُهُ إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ من الْمَدِينَةِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في آخِرِ بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ في نَذْرِهِ لم يُجْزِهِ في غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ إنْ قُلْنَا الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ أَنَّ مَسْجِدَهَا أَفْضَلُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لم يُجْزِهِ في غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ على ما تَقَدَّمَ
____________________
(3/368)
وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدَانِ فَقَطْ نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فيه قبل دُخُولِ لَيْلَتِهِ إلَى انْقِضَائِهِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ أو يَدْخُلُ قبل فَجْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ من أَوَّلِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهُ بِنَاءٌ على اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ له
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا كَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ إذَا نَذَرَ عَشْرًا مُعَيَّنًا
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ جَوَازُ دُخُولِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ
الثَّانِيَةُ لو أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ من رَمَضَانَ تَطَوُّعًا دخل قبل لَيْلَتِهِ الْأُولَى نَصَّ عليه
وَعَنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ منه
وَتَقَدَّمَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا في رَمَضَانَ وَفَاتَهُ
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ لَزِمَهُ ما يَتَخَلَّلُهُ من لَيَالِيِهِ إلَى لَيْلَتِهِ الْأُولَى نَصَّ عليه وَفِيهِمَا في لَيَالِيِهِ الْمُتَخَلِّلَةِ تَخْرِيجُ بن عَقِيلٍ وَقَوْلُ أبي حَكِيمٍ الْآتِيَانِ قَرِيبًا
قَوْلُهُ وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال الْقَاضِي يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَجْهًا وَاحِدًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ لو نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ
وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعُهُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَصَحَّحَهُ بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ
____________________
(3/369)
فَائِدَتَانِ
إحداهما ( ( ( إحداها ) ) ) يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفَهُ قبل الْغُرُوبِ من أَوَّلِ لَيْلَةٍ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ في نَظِيرَتِهَا
وَعَنْهُ أو وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى
وَعَنْهُ أو قبل الْفَجْرِ الثَّانِي من أَوَّلِ يَوْمٍ فيه
الثَّانِيَةُ يَكْفِيهِ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيِهِ أو ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا قال الْمَجْدُ على رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ يَجُوزُ إفْرَادُ اللَّيَالِي عن الْأَيَّامِ إذَا لم نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لم يَجِبْ وَوَجَبَ اعْتِكَافُ كل يَوْمٍ مع لَيْلَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عليه
وَإِنْ ابْتَدَأَ الثَّلَاثِينَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَتَمَامُهُ في تِلْكَ السَّاعَةِ من الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَإِنْ لم نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ فَيَتِمُّ اعْتِكَافُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ في الصُّورَةِ الْأُولَى أو الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ في الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَعْتَكِفَ بَعْضَ يَوْمٍ أو بَعْضَ لَيْلَةٍ دُونَ يَوْمِهَا الذي يَلِيهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَهُ تَفْرِيقُهَا
وَكَذَا لو نَذَرَ لَيَالِيَ مَعْدُودَةً وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ
وقال الْقَاضِي يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا إذَا نَذَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِلْقَرِينَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فيه لَفْظُ الشَّهْرِ فَعُدُولُهُ عنه يَدُلُّ على عَدَمِ التَّتَابُعِ
قُلْت لو قِيلَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في نَذْرِهِ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا لَكَانَ له وَجْهٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ من نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ ثُمَّ وَجَدْت بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ ذَكَرَهُ وَجْهًا وَقَدَّمَهُ نَاظِمُهَا
تَنْبِيهٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَلَهُ تَفْرِيقُهَا إذَا لم يَنْوِ التَّتَابُعَ فَأَمَّا إذَا نَوَى التَّتَابُعَ فإنه يَلْزَمُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/370)
فَوَائِدُ
منها إذَا تَابَعَ فإنه يَلْزَمُهُ ما يَتَخَلَّلُهَا من لَيْلٍ أو نَهَارٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ
وَمِنْهَا يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَيَّامًا قبل الْفَجْرِ الثَّانِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ أو بَعْدَ صَلَاتِهِ
وَمِنْهَا لو نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أو مُطْلَقًا دخل مُعْتَكَفَهُ قبل فَجْرِ الثَّانِي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَحَكَى بن أبي مُوسَى رِوَايَةً يَدْخُلُ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ
وَمِنْهَا لو نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا جَازَ له تَتَابُعُهُ
قَوْلُهُ أو نَذَرَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ ما يَتَخَلَّلُهَا من لَيْلٍ أو نَهَارٍ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَخَرَّجَ بن عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ما يَتَخَلَّلُهُ وَاخْتَارَهُ أبو حَكِيمٍ وَخَرَّجَهُ أَيْضًا من اعْتِكَافِ يَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ معه لَيْلَةٌ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لَيْلًا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَائِدَةٌ لو نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيِّنًا أو مُطْلِقًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَتَى يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ وَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ من أَيَّامٍ فَلَوْ كان في وَسَطَ النَّهَارِ وقال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا من وَقْتِي هذا لَزِمَهُ من ذلك الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ وفي دُخُولِ اللَّيْلَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَمِنْ ذلك الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ من الْمَسْجِدِ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ منه كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ
إجْمَاعًا وهو الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ إذَا لَزِمَهُ التَّتَابُعُ في اعْتِكَافِهِ وَسَوَاءٌ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مُدَّةً أو شَرَطَ التَّتَابُعَ في عَدَدٍ
____________________
(3/371)
فَائِدَةٌ يَحْرُمُ بَوْلُهُ في الْمَسْجِدِ في إنَاءٍ وَكَذَا فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ احْتِمَالًا لَا يَجُوزُ في إنَاءٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ مع أَمْنِ تَلْوِيثِهِ وَكَذَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ في هَوَاءِ الْمَسْجِدِ قال بن تَمِيمٍ يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ نَصَّ عليه قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ في الْإِجَارَةِ في التَّمَسُّحِ بِحَائِطِهِ مُرَادُهُ الْحَظْرُ فإذا بَالَ خَارِجًا وَجَسَدُهُ فيه لَا ذَكَرُهُ كُرِهَ وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَقِيلَ فيه الْوَجْهَانِ
وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ
قَوْلُهُ وَالطَّهَارَةِ
يَجُوزُ له الْخُرُوجُ لِلْوُضُوءِ عن حَدَثٍ نَصَّ عليه وَإِنْ قُلْنَا لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فيه بِلَا ضَرُورَةٍ وَيَخْرُجُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وكذا لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ إنْ وَجَبَ وَإِلَّا لم يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ
فَوَائِدُ
يَجُوزُ له أَيْضًا الْخُرُوجُ لِقَيْءٍ بَغْتَةً وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ لِحَاجَتِهِ وَلَهُ الْمَشْيُ على عَادَتِهِ وَقَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لم يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ لَا ضَرَرَ عليه فيه وَلَا منه كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ عنها وَلَا نَقْصَ عليه وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ
وَيَجُوزُ الْخُرُوجُ لِيَأْتِيَ بِمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ يَحْتَاجُهُ إنْ لم يَكُنْ له من يَأْتِيهِ بِهِ نَصَّ عليه
وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ في بَيْتِهِ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي يَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ أبو حَكِيمٍ وَحُمِلَ كَلَامُ أبي الْخَطَّابِ عليه
وقال بن حَامِدٍ إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ منه إلَى مَنْزِلِهِ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ فيه يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ لَا كل أَكْلِهِ
قَوْلُهُ وَالْجُمُعَةِ
يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ إنْ كانت وَاجِبَةً عليه وكذا إنْ لم تَكُنْ وَاجِبَةً عليه
____________________
(3/372)
وَاشْتَرَطَ خُرُوجَهُ إلَيْهَا فَأَمَّا إنْ كانت غير وَاجِبَةٍ عليه ولم يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ إلَيْهَا فإنه لَا يَجُوزُ له الْخُرُوجُ إلَيْهَا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ فَلَهُ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا نَصَّ عليه وَلَهُ إطَالَةُ الْمُقَامِ بَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ لِصَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ لِلِاعْتِكَافِ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ عَكْسُ ذلك ذَكَرَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْخِيَرَةُ إلَيْهِ في تَعْجِيلِ الرُّجُوعِ وَتَأْخِيرِهِ وفي شَرْحِ الْمَجْدِ احْتِمَالٌ أَنَّ تَبْكِيرَهُ أَفْضَلُ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في بَابِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لم يَسْتَثْنِ الْمُعْتَكِفَ
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ وَأَنَّهُ إنْ تَنَفَّلَ فَلَا يَزِيدُ على أَرْبَعٍ
وَنَقَلَ أبو دَاوُد في التَّبْكِيرِ أَجْوَدُ وَأَنَّهُ يَرْكَعُ بَعْدَهَا عَادَتَهُ
الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ إلَى الْجُمُعَةِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَظَاهِرُ ما سَبَقَ يَلْزَمُهُ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْأَفْضَلُ خُرُوجُهُ لِذَلِكَ وَعَوْدُهُ في أَقْصَرِ طَرِيقٍ لَا سِيَّمَا في النَّذْرُ
وَالْأَفْضَلُ سُلُوكُ أَطْوَلِ الطُّرُقِ إنْ خَرَجَ لِجُمُعَةٍ عِبَادَةً وَغَيْرَهَا
قَوْلُهُ وَالنَّفِيرِ الْمُتَعَيَّنِ
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا إذَا تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ
يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلشَّهَادَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ عليه فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ لم يَتَعَيَّنْ عليه التَّحَمُّلُ وَلَوْ كان سَبَبُهُ اخْتِيَارِيًّا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
____________________
(3/373)
الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَتَيْنِ إنْ كان تَعَيَّنَ عليه تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا خَرَجَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَالْخَوْفِ من فِتْنَةٍ
يَجُوزُ الْخُرُوجُ إنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ وَخَافَ منها إنْ أَقَامَ في الْمَسْجِدِ على نَفْسِهِ أو حُرْمَتِهِ أو مَالِهِ نَهْبًا أو حَرِيقًا وَنَحْوَهُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ أو مَرَضٍ
اعْلَمْ أَنَّ الْمَرَضَ إذَا كان يَتَعَذَّرُ معه الْقِيَامُ فيه أو لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ يَجُوزُ له الْخُرُوجُ وَإِنْ كان الْمَرَضُ خَفِيفًا كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ لم يَجُزْ له الْخُرُوجُ إلَّا أَنْ يُبَاحَ بِهِ الْفِطْرُ فَيُفْطِرُ فإنه يَخْرُجُ إنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ
تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إلَى بَيْتِهَا إنْ لم يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحْبَةٌ فإذا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ كان له رَحْبَةٌ يُمْكِنُ ضَرْبُ خِبَائِهَا فيها بِلَا ضَرَرٍ فَعَلَتْ ذلك فإذا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بن بُخْتَانَ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَ محمد بن الْحَكَمِ تَذْهَبُ إلَى بَيْتِهَا فإذا طَهُرَتْ بَنَتْ على اعْتِكَافِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا إنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ منه وهو وَاضِحٌ
فَعَلَى الْأَوَّلِ إقَامَتُهَا في الرَّحْبَةِ على سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ جُلُوسُهَا في الرَّحْبَةِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ
وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عليها
____________________
(3/374)
وَهَذَا الْحُكْمُ إذَا لم تَخَفْ تَلْوِيثَهُ فَأَمَّا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ فَأَيْنَ شَاءَتْ وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمْنِ على نَفْسِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلِهَذَا قال بَعْضُهُمْ هذا مع سَلَامَةِ الزَّمَانِ
قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ ما يَجُوزُ الْخُرُوجُ له وَنَحْوُ ذلك
فَنَحْوُ ذلك إذَا تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ أو إنْقَاذِ غَرِيقٍ كما تَقَدَّمَ وَكَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ أو غَيْرُهُ على الْخُرُوجِ وَكَذَا لو خَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا فَخَرَجَ وَاخْتَفَى وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عليه فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ منه بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا لم يَبْطُلْ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَاجِبٌ
فَائِدَةٌ لو خَرَجَ من الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لم يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ كَالصَّوْمِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ يَبْطُلُ لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ كَالْجِمَاعِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ ويبنى كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ وَاخْتَارَهُ وَذِكْرُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ الْمُكْرَهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ إذَا أُكْرِهَ على الْخُرُوجِ وَلَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا وَلَا يُشَيِّعُ جِنَازَةً
وكذا كُلُّ قُرْبَةٍ كَزِيَارَةٍ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ
وَعَنْهُ له فِعْلُ ذلك كُلِّهِ من غَيْرِ شَرْطٍ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وبن الْمُنْذِرِ رِوَايَةً عن أَحْمَدَ بِالْمَنْعِ مع الِاشْتِرَاطِ أَيْضًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يقضى زَمَنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا في ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ كما لو عَيَّنَ الشَّهْرَ قال الْمَجْدُ وَلَوْ قَضَاهُ صَارَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَشْرُوطُ في غَيْرِ الشَّهْرِ
____________________
(3/375)
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من ذلك لو تَعَيَّنَتْ عليه صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أو دَفْنُ مَيِّتٍ أو تَغْسِيلُهُ فإنه كَالشَّهَادَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ عليه على ما سَبَقَ
وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ ما يَجُوزُ له فِعْلُهُ في الْمَسْجِدِ
فَائِدَةٌ لو شَرَطَ في اعْتِكَافِهِ فِعْلَ ما له منه بُدٌّ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَيَحْتَاجُهُ كَالْعَشَاءِ في بَيْتِهِ وَالْمَبِيتِ فيه جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَرُوهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ الْمَنْعُ من ذلك جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَلَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أو الْإِجَارَةِ أو التَّكَسُّبِ بِالصِّنَاعَةِ في الْمَسْجِدِ لم يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ
وَلَوْ قال مَتَى مَرِضْت أو عَرَضَ لي عَارِضٌ خَرَجْت فَلَهُ شَرْطُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَأَطْلَقُوا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ هُنَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ في الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ كَنَذْرِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ منه إلَّا لِمَرَضٍ فإنه يقضى زَمَنَ الْمَرَضِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ شَرْطِهِ هُنَا على نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ فَنَزَلَ على الْأَقَلِّ وَيَكُونُ الشَّرْطُ أَفَادَ هُنَا الْبِنَاءَ مع سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ على أَصْلِنَا
قَوْلُهُ وَلَهُ السُّؤَالُ عن الْمَرِيضِ في طَرِيقِهِ ما لم يُعَرِّجْ
إذَا خَرَجَ إلَى ما لَا بُدَّ منه فَسَأَلَ عن الْمَرِيضِ أو غَيْرِهِ في طَرِيقِهِ ولم يُعَرِّجْ جَازَ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إذَا لم يَقِفْ له قال في الْفُرُوعِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ في الرِّعَايَةِ فَيَسْأَلُ عن الْمَرِيضِ وَقِيلَ أو غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ لو وَقَفَ لِمَسْأَلَتِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
____________________
(3/376)
قَوْلُهُ وَالدُّخُولُ إلَى مَسْجِدٍ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فيه
إذَا خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ منه فَدَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فيه جَازَ إنْ كان الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَانِ حَاجَتِهِ من الْأَوَّلِ وَإِنْ كان أَبْعَدَ أو خَرَجَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فِيهِمَا وكلام ( ( ( كلام ) ) ) الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ على الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ في الْمُتَتَابِعِ وَتَطَاوَلَ خُيِّرَ بين اسْتِئْنَافِهِ وَإِتْمَامِهِ مع كَفَّارَةِ يَمِينٍ
مُرَادُهُ بِالتَّتَابُعِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَمُرَادُهُ بِالْخُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ الْخُرُوجُ لِلنَّفِيرِ وَالْخَوْفِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِ ذلك وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَةِ يُتِمُّهُ وفي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ وَقِيلَ أو يَسْتَأْنِفُ إنْ شَاءَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَيَتَخَرَّجُ يَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ في مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِهِ وَلَا يَجِبُ بِنَاءً على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ في انْقِطَاعِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَا يُوجِبُهُ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ أَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ لِوَاجِبٍ كَمَرَضٍ لَا يُؤْمَنُ معه تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ لَا كَفَّارَةَ فيه وَإِلَّا كان فيه الْكَفَّارَةُ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ إلَّا لِعُذْرِ حَيْضٍ أو نِفَاسٍ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ
وَضَعَّفَ الْمَجْدُ كَلَامَ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال الْمَجْدُ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَقْضِي وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ قال وَيَتَوَجَّهُ من قَوْلِ الْقَاضِي هُنَا في الصَّوْمِ وَلَا فَرْقَ
فَائِدَةٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْخُرُوجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ يَدُلُّ على أَنَّهُ يُوجَدُ خُرُوجٌ لِمُعْتَادٍ وهو صَحِيحٌ فَالْمُعْتَادُ من هذه الْأَعْذَارِ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ إجْمَاعًا وَالطَّهَارَةُ من الْحَدَثِ إجْمَاعًا وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ إجْمَاعًا وَالْجُمُعَةُ وقد تَقَدَّمَ شُرُوطُ ذلك
____________________
(3/377)
وَغَيْرُ الْمُعْتَادِ بَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ
ثُمَّ إنَّ غير الْمُعْتَادِ إذَا خَرَجَ له فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ أو لَا فَإِنْ تَطَاوَلَ فَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمُ
وَإِنْ لم يَتَطَاوَلْ فذكر الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا أو وَاجِبًا وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي في النَّاسِي قال في الْفُرُوعِ وَعَلَى هذا يَتَوَجَّهُ لو خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا أَنْ يَخْرُجَ بُطْلَانُهُ على الصَّوْمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ في مُتَعَيَّنٍ قَضَى وفي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ
يَعْنِي إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ وَتَطَاوَلَ في مُتَتَابِعٍ مُتَعَيَّنٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن منجا
أَحَدُهُمَا يُكَفِّرُ مع الْقَضَاءِ وهو الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه في الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الذي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ انْتَهَى
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ في الْفِتْنَةِ وَالْخُرُوجِ لِلنَّفِيرِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى في عِدَّةِ الْوَفَاةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا كَفَّارَةَ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْ أَحْمَدَ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مع الْعُذْرِ انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فيه أو حَاضَتْ فيه الْمَرْأَةُ في الْكَفَّارَةِ مع الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ هذا مَعْنَى كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ وَقَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا قال فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ في الْكَفَّارَاتِ في الِاعْتِكَافِ على رِوَايَتَيْنِ
وَعَنْ الْقَاضِي إنْ وَجَبَ الْخُرُوجُ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لم يَجِبْ وَجَبَتْ
____________________
(3/378)
وقال ( ( ( وقول ) ) ) بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ إنْ كان الْخُرُوجُ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمَرَضِ وَالْفِتْنَةِ وَنَحْوِهِمَا وَجَبَتْ وَإِنْ كان لِحَقٍّ عليه كَالشَّهَادَةِ وَالنَّفِيرِ وَالْحَيْضِ فَلَا كَفَّارَةَ وَقِيلَ تَجِبُ
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ عَدَمَ الْكَفَّارَةِ في الِاعْتِكَافِ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ على رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا في الصَّوْمِ وَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَرَكَ اعْتِكَافَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بشرطه ( ( ( بشرط ) ) ) أو نِيَّتِهِ
الثَّانِيَةُ إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ وَتَطَاوَلَ في نَذْرِ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ التَّتَابُعُ على قَوْلِ الْقَاضِي السَّابِقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ كما تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ تَمَّمَ ما بَقِيَ على ما تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الذي خَرَجَ فيه من أَوَّلِهِ لِيَكُونَ مُتَتَابِعًا وَلَا كَفَّارَةَ عليه هذا الْمَذْهَبُ
وقال الْمَجْدُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ بين ذلك وَبَيْنَ الْبِنَاءِ على بَعْضِ الْيَوْمِ وَيُكَفِّرُ
قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِمَا له منه بُدٌّ في الْمُتَتَابِعِ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ
يَعْنِي سَوَاءً كان مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا أو عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ أو كان مُتَتَابِعًا بِنِيَّةٍ أو قُلْنَا يُتَابِعُ في الْمُطْلَقِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا مُخْتَارًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ يَسْتَأْنِفُ الْمُطْلَقَ الْمُتَتَابِعَ بِلَا كَفَّارَةٍ وَقِيلَ أو يبنى أو يُكَفِّرُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَهَذَا الْقَوْلُ من الْمُفْرَدَاتِ
فَائِدَةٌ خُرُوجُهُ لِمَا له منه بُدٌّ مُبْطِلٌ سَوَاءٌ تَطَاوَلَ أو لَا لَكِنْ لو أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لم يَبْطُلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَبْطُلُ
____________________
(3/379)
هذا كُلُّهُ إذَا كان عَالِمًا مُخْتَارًا فَأَمَّا إنْ خَرَجَ مُكْرَهًا أو نَاسِيًا فَقَدْ سَبَقَ
قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ في مُعَيَّنٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ
يَعْنِي إذَا خَرَجَ لِمَا له منه بُدٌّ وفي الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ في الْمُعَيَّنِ فَتَارَةً يَكُونُ نَذْرُهُ مُتَتَابِعًا مُعَيَّنًا وَتَارَةً يَكُونُ مُعَيَّنًا ولم يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ فَإِنْ كان مُعَيَّنًا ولم يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِهِ اعْتِكَافَ شَهْرِ شَعْبَانَ وَخَرَجَ لِمَا له منه بُدٌّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً وفي الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَشَرْحِ بن منجا وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ لِتَضَمُّنِ نَذْرِهِ التَّتَابُعَ قال الْمَجْدُ وَهَذَا أَصَحُّ في الْمَذْهَبِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يبنى لِأَنَّ التَّتَابُعَ حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ فَسَقَطَ وَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ فَصَارَ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَيَقْضِي ما فَاتَهُ
وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ من نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فيه رِوَايَتَيْنِ
وَإِنْ كان مُتَتَابِعًا مُعَيَّنًا كَنَذْرِ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا اسْتَأْنَفَ إذَا خَرَجَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَإِنْ وطىء الْمُعْتَكِفُ في الْفَرْجِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ
إنْ وطىء عَامِدًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ كان نَاسِيًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَسَادُ اعْتِكَافِهِ أَيْضًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَخَرَّجَ الْمَجْدُ من الصَّوْمِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ وقال الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يبنى
قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عليه إلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ في الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا نَقَلَهُ أبو دَاوُد وهو ظَاهِرُ نَقْلِ بن إبْرَاهِيمَ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
____________________
(3/380)
وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْكَافِي وبن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفَائِقِ وَلَا كَفَّارَةَ عليه لِلْوَطْءِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو الصَّحِيحُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ إنْ كان نَذْرًا كَرَمَضَانَ وَالْحَجِّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ إلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ النَّذْرِ لَا لِلْوَطْءِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَ في وَقْتٍ عَيَّنَ اعْتِكَافَهُ بِالنَّذْرِ
الثَّانِي خَصَّ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ بِالِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ لَا غَيْرُ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ يَجِبُ في التَّطَوُّعِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا وَجْهَ له قال ولم يَذْكُرْهَا الْقَاضِي وَلَا وَقَفْت على لَفْظٍ يَدُلُّ عليها عن أَحْمَدَ وَهِيَ في الْمُسْتَوْعِبُ فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
الثَّالِثُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا عليه الْكَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَحَكَى ذلك رِوَايَةً عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْخُلَاصَةِ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُ أبي بَكْرٍ ما اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْذُورَ بِالْوَطْءِ وهو كما لو أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ لِمَا له منه بُدٌّ على ما سَبَقَ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ قال إنَّ هذا الْخِلَافَ في نَذْرٍ وَقِيلَ مُعَيَّنٍ
____________________
(3/381)
وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ فَلِهَذَا قِيلَ يَجِبُ الْكَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَحَكَى الْقَوْلَ بِذَلِكَ في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ عليه بِالْوَطْءِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَ في الْكُبْرَى وُجُوبَهَا كَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ قال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَتَأَوَّلَهَا الْمَجْدُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الشِّيرَازِيِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَلَا
بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ حَكَى عن بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْفَسَادِ مع الْإِنْزَالِ وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ في إلْحَاقِهِ بِالْوَطْءِ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ
وقال الْمَجْدُ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ وَلَا يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وقال مُبَاشَرَةُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ على إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ هُنَا لَا يُبْطِلُهُ كَالصَّوْمِ انْتَهَى
قُلْت الْأَوْلَى وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إذَا أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا بِالْوَطْءِ في الْفَرْجِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِلَا شَهْوَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا بِالتَّحْرِيمِ وما هو بِبَعِيدٍ
وَتَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
الثَّانِيَةُ لو سَكِرَ في اعْتِكَافِهِ فَسَدَ وَلَوْ كان لَيْلًا وَلَوْ شَرِبَ ولم يَسْكَرْ أو
____________________
(3/382)
أتى كَبِيرَةً فقال الْمَجْدُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَفْسُدُ وَاقْتَصَرَ هو وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ عليه
الثَّالِثَةُ لو ارْتَدَّ في اعْتِكَافِهِ بَطَلَ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ وَاجْتِنَابُ ما لَا يَعْنِيهِ
من جِدَالٍ وَمِرَاءٍ وَكَثْرَةِ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ قال الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ في غَيْرِ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَوْلَى
وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مع من يَأْتِيهِ ما لم يُكْثِرْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا لَا يَشْغَلُهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ليس الصَّمْتُ من شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ قال بن عَقِيلٍ يُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَإِنْ نَذَرَهُ لم يَفِ بِهِ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا عن الْكَلَامِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ قَرَأَ عِنْدَ الْحُكْمِ الذي أُنْزِلَ له أو ما يُنَاسِبُهُ فَحَسَنٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَعَاهُ لِذَنْبٍ تَابَ منه ما يَكُونُ لنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَك وَقَوْلِهِ عِنْدَ ما أَهَمَّهُ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ
قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ له قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمُ وَالْمُنَاظَرَةُ فيه
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ قال أبو بَكْرٍ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ الحديث وَلَا يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ
____________________
(3/383)
قال أبو الْخَطَّابِ يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ في اسْتِحْبَابِ ذلك رِوَايَتَيْنِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِعْلُهُ لِذَلِكَ أَفْضَلُ من الِاعْتِكَافِ لِتَعَدِّي نَفْعِهِ قال الْمَجْدُ وَيَتَخَرَّجُ على أَصْلِنَا في كَرَاهَةِ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بين الناس وهو مُعْتَكِفٌ إذَا كان يَسِيرًا وَجْهَانِ بِنَاءً على الْإِقْرَاءِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ فإنه في مَعْنَاهُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَيُصْلِحَ بين الْقَوْمِ وَيَعُودَ الْمَرِيضَ وَيُصَلِّيَ على الْجِنَازَةِ وَيُعَزِّيَ ويهني ( ( ( ويهنئ ) ) ) وَيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ كُلُّ ذلك في الْمَسْجِدِ
قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ الْإِيضَاحِ يَحْرُمُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أو يُزَوِّجَ
وقال الْمَجْدُ قال أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ له تَرْكُ لُبْسِ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَالتَّلَذُّذُ بِمَا يُبَاحُ قبل الِاعْتِكَافِ وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عن غَلَبَةٍ وَلَوْ مع قُرْبِ الْمَاءِ وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ من ذلك انْتَهَى
وَكَرِهَ بن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ لُبْسَ رَفِيعِ الثِّيَابِ
قال الْمَجْدُ وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ في قِيَاسِ مَذْهَبِنَا وكره ( ( ( كره ) ) ) بن عَقِيلٍ إزَالَةَ ذلك في الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صِيَانَةً له وَذَكَرَ غَيْرُهُ يُسَنُّ ذلك قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَلَا يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فيه
وَيُكْرَهُ له أَنْ يَتَطَيَّبَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَتَطَيَّبُ وَنَقَلَ أَيْضًا لَا يُعْجِبُنِي وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَنَقَلَ بن إبْرَاهِيمَ يَتَطَيَّبُ كَالتَّنَظُّفِ وَلِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَقَاسَ أَصْحَابُنَا الْكَرَاهَةَ على الْحَجِّ وَالتَّحْرِيمَ على الصَّوْمِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في كَرَاهَةِ لُبْسِ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالتَّطَيُّبِ وَجْهَيْنِ
____________________
(3/384)
وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ في الْمَسْجِدِ على ما يَأْتِي في أَوَاخِرِ الرَّجْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ هُنَاكَ وقال بن تَمِيمٍ يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ عليه نَصَّ عليه على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِمَا لَا بُدَّ منه
الثَّانِيَةُ يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ أو غَيْرِهَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فيه لَا سِيَّمَا إنْ كان صَائِمًا ذَكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمِنْهَاجِ وَمَعْنَاهُ في الْغَنِيَّةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ولم يَرَ ذلك الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمُعْتَكِفِ في الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالشَّرْحِ هُنَا وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا قال بن هُبَيْرَةَ مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَازَهُ أَحْمَدُ وَجَزَمَ في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِالْكَرَاهَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَالْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وَالْمَجْدُ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ في آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عن أَحْمَدَ ما يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ في الْمَسْجِدِ ما لَا بُدَّ منه كما يَجُوزُ خُرُوجُهُ له إذَا لم يَكُنْ له من يَأْتِيهِ بِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ في الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ له
وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ له
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا قِيلَ في صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْآدَابِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في صِحَّتِهِمَا وَجْهَانِ مع التَّحْرِيمِ
قُلْت قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن هُبَيْرَةَ
وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ الصِّحَّةُ هُنَا وقال في الْفُرُوعِ في آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ وفي صِحَّةِ الْبَيْعِ في الْمَسْجِدِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَتَحْرِيمِهِ خِلَافًا لهم رِوَايَتَانِ وقال في الْمُغْنِي قبل كِتَابِ السَّلَمِ بِيَسِيرٍ وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ في الْمَسْجِدِ فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ
____________________
(3/385)
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عن الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فيه نَصَّ عليه
وقال بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ في كِتَابِ الْبَيْعِ قبل الْخِيَارِ يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ في الْمَسْجِدِ لِلْخَبَرِ وَلَا يَصِحَّانِ في الْأَصَحِّ فِيهِمَا انْتَهَى
قال بن تَمِيمٍ ذَكَرَ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ بُطْلَانَهُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ
وقال في الْفُرُوعِ وَالْإِجَارَةُ فيه كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ
وَيَأْتِي في كِتَابِ الْحُدُودِ هل يَحْرُمُ إقَامَةُ الْحَدِّ فيه أَمْ يُكْرَهُ
وقال بن بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ ما عَقَدَهُ من الْبَيْعِ في الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
الرَّابِعَةُ يَحْرُمُ التَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ في الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَالْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ قال الْمَجْدُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ في اشْتِرَاطِهِ
وَنَقَلَ أبو الْخَطَّابِ ما يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ فَإِنْ كان يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ
وقال في الرَّوْضَةِ لَا يَجُوزُ له فِعْلُ غَيْرِ ما هو فيه من الْعِبَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ وَلَا أَنْ يَصْنَعَ الصَّنَائِعَ قال وقد مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا من الْإِقْرَاءِ وَإِمْلَاءِ الحديث قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وقال بن البناء ( ( ( البنا ) ) ) يُكْرَهُ أَنْ يَتَّجِرَ أو يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ حَكَاهُ الْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أو غَيْرَهَا لِلتَّكَسُّبِ فقال بن الْبَنَّا لَا يَجُوزُ حَكَاهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَ هو وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا الْجَوَازَ قالوا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَلَفِّ عِمَامَتِهِ وَالتَّنْظِيفِ
____________________
(3/386)
الْخَامِسَةُ لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْبَيْعِ وَعَمَلِ الصَّنْعَةِ لِلتَّكَسُّبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قَوْلًا بِالْبُطْلَانِ إنْ حَرُمَ لِخُرُوجِهِ بِالْمَعْصِيَةِ عن وُقُوعِهِ قربه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ = كِتَابُ الْمَنَاسِكِ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ من الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ
قَوْلُهُ يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ في الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً
وُجُوبُ الْحَجِّ في الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً إجْمَاعٌ وَالْعُمْرَةُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ فَمَرَّةً وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها تَجِبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وَالْكَافِي قال الْمَجْدُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ كَالْحَجِّ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ جَزَمَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ أنها سُنَّةٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَعَلَيْهَا يَجِبُ إتْمَامُهَا إذَا شَرَعَ فيها وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ
وَعَنْهُ تَجِبُ على الْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَالْأَثْرَمِ وَالْمَيْمُونِيِّ وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عليها نُصُوصُهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ فَلَا يَجِبُ على كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا
إنْ كان الْكَافِرُ أَصْلِيًّا لم يَجِبْ عليه إجْمَاعًا وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عليه وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا وَعَنْهُ لَا يُعَاقَبُ عليه وَعَنْهُ يُعَاقَبُ على النَّوَاهِي لَا الْأَوَامِرِ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
____________________
(3/387)
تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُرْتَدَّ وهو كَذَلِكَ لَكِنْ هل يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَقْضِي ما فَاتَهُ من صَلَاةٍ وَصَوْمٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِرِدَّتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَلَا يَجِبُ عليه الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ في حَالِ رِدَّتِهِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ
وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وهو مُسْتَطِيعٌ لم يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ في كِتَابِ الْحَجِّ وَالْإِفَادَاتِ
قال أبو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ في كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَتَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ مُسْتَوْفًى في كِتَابِ الصَّلَاةِ فَلْيُرَاجَعْ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يَصِحُّ الْحَجُّ من الْكَافِرِ وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَيَخْرُجُ منه بِرِدَّتِهِ فيه
الثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ على الْمَجْنُونِ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ منه إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ إجْمَاعًا وَكَذَا إنْ عَقَدَهُ له الْوَلِيُّ اقْتِصَارًا على النَّصِّ في الطِّفْلِ وَقِيلَ يَصِحُّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
الثَّالِثَةُ هل يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ من أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَمْ لَا يَبْطُلُ كَالْمَوْتِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وبن عَقِيلٍ
أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ
قُلْت وهو قِيَاسُ الصَّوْمِ إذَا أَفَاقَ جُزْءًا من الْيَوْمِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ الصِّحَّةُ وهو قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
فَعَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ من أُغْمِيَ عليه
____________________
(3/388)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ الْمَجْدِ في الصَّوْمِ
الرَّابِعَةُ لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ يَبْطُلُ
وَأَطْلَقَ بن عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ في بُطْلَانِهِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ
الْخَامِسَةُ لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالسُّكْرِ قَوْلًا وَاحِدًا وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ الْبُطْلَانَ من الْوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في الْإِغْمَاءِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يَجِبُ على صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ مَالَ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى الْوُجُوبِ على الْعَبْدِ إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ وفي يَدِهِ مَالٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَكَذَا إذَا لم يَحْتَجْ إلَى رَاحِلَةٍ لِكَوْنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ وَيَعْتِقَ في الْحَجِّ قبل الْخُرُوجِ من عَرَفَةَ وفي الْعُمْرَةِ قبل طَوَافِهَا
هذا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُمَا
فَائِدَةٌ لو سَعَى أَحَدُهُمَا قبل الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَهَلْ يُجْزِئُهُ هذا السَّعْيُ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعُ
أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وقال هو الْأَشْبَهُ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ الْإِجْزَاءَ بِاجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْكَمَالِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
____________________
(3/389)
وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَعَلَى الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارُهُ وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ وَلَا قَدْرَ له مَحْدُودٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ يُجْزِئُهُ إعَادَتُهُ قال في التَّرْغِيبِ يُعِيدُهُ على الْأَصَحِّ قال في التَّلْخِيصِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا بالأجزاء فَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا لِنَقْضِهِمَا في ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ كَاسْتِمْرَارِهِ
الثَّانِيَةُ حُكْمُ الْكَافِرِ يُسْلِمُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ حُكْمُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وقال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ
وَقِيلَ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ فَعَلَى الثَّانِي يُحَلِّلُهُ الْوَلِيُّ إذَا كان فيه ضَرَرٌ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ ليس له تَحْلِيلُهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عنه وَلِيُّهُ
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عنه غَيْرُ الْوَلِيِّ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ
____________________
(3/390)
وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَقِيلَ يَصِحُّ من الْأُمِّ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةَ في الْعَصَبَةِ وَالْأُمِّ قال في الْفَائِقِ وَكَذَا الْأُمُّ وَالْعَصَبَةُ سَوَاءٌ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ يَصِحُّ في الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا الْعَصَبَةَ غير الْوَلِيِّ بِالْأُمِّ وقال في الْحَاوِيَيْنِ وفي أُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ غَيْرِ وَلِيِّهِ وَجْهَانِ
فَائِدَةٌ الْوَلِيُّ هُنَا من يَلِي ماله فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ عنه وَلَوْ كان مُحْرِمًا وَلَوْ كان لم يَحُجَّ عن نَفْسِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عنه عَقْدُهُ له
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَفْعَلُ عنه ما يَعْجِزُ عن عَمَلِهِ
أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ما لَا يَعْجِزُ عنه وهو صَحِيحٌ فَيَفْعَلُ الصَّغِيرُ كُلَّ ما يَقْدِرُ عليه كَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ وَسَوَاءٌ أَحَضَرَهُ الْوَلِيُّ أو غَيْرُهُ وما يَعْجِزُ عنه يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ كما قال الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يرمى عنه إلَّا من رَمَى عن نَفْسِهِ كَالنِّيَابَةِ في الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْزِئُ هُنَاكَ وَقَعَ عن نَفْسِهِ هُنَا إنْ كان مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ وَإِنْ كان حَلَالًا لم يُعْتَدَّ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَاةَ نَاوَلَهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ في كَفِّهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ منه فيرمى عنه فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ في يَدِهِ وَرَمَى بها فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطُوفَ فَعَلَهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أو رَاكِبًا وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ من الطَّائِفِ بِهِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ له الْإِحْرَامَ
____________________
(3/391)
فَإِنْ نَوَى الطَّوَافَ عن نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ وَقَعَ عن الصَّبِيِّ كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ
وَيَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عنه الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ وَسَوَاءٌ كان طَافَ عن نَفْسِهِ أو لَا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ في ذلك كُلِّهِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا لَا يُجْزِئُ عن الصَّبِيِّ كَالرَّمْيِ عن الْغَيْرِ فَعَلَى هذا يَقَعُ عن الْحَامِلِ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا شَرْطٌ فَهِيَ كَجُزْءٍ منه شَرْعًا
وَقِيلَ يَقَعُ هُنَا عن نَفْسِهِ كما لو نَوَى الْحَجَّ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَالْمَحْمُولُ الْمَعْذُورُ وُجِدَتْ النِّيَّةُ منه وهو أَهْلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْغُوَ نِيَّتُهُ هُنَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِ الطَّوَافِ لَا يَقَعُ عن غَيْرِ مُعَيَّنٍ
وَقَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْحَجِّ في مَالِ وَلِيِّهِ
هذا الْمَذْهَبُ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وهو أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال إجْمَاعًا
وَعَنْهُ في مَالِهِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي في خِلَافِهِ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ يَخْتَصُّ فِيمَا يَزِيدُ على نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَبِمَا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ بِهِ تَمْرِينًا على الطَّاعَةِ زَادَ الْمَجْدُ وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْمِلُ ذلك وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي
____________________
(3/392)
وَغَيْرُهُمْ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَنَفَقَةُ الْحَجِّ وَقِيلَ الزَّائِدَةُ على نَفَقَةِ حَضَرِهِ وَكَفَّارَتِهِ وَدِمَاؤُهُ تَلْزَمُهُ في مَالِهِ انْتَهَى
وقال الْمَجْدُ أَمَّا سَفَرُ الصَّبِيِّ معه لِتِجَارَةٍ أو خِدْمَةٍ أو إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا أو لِيُقِيمَ بها لِعِلْمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ له السَّفَرُ بِهِ في وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ فَلَا نَفَقَةَ على الْوَلِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً بَلْ على الْجِهَةِ الْوَاجِبَةِ فيها بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى
وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وقال يُؤْخَذُ هذا من كَلَامِ غَيْرِهِ من التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَتِهِ
قَوْلُهُ وكفارته ( ( ( كفارته ) ) ) في مَالِ وَلِيِّهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ
قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَلْزَمُ ذلك الْوَلِيَّ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ فقال وما لَزِمَهُ من الْفِدْيَةِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إجْمَاعًا ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ نَفَقَةُ الْحَجِّ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ الْمُجْحِفَةُ بِالصَّبِيِّ تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَكُونُ في مَالِ الصَّبِيِّ قَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْكَفَّارَاتِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الصَّبِيُّ فِيمَا إذَا كان يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مع الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أو فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ أو تَطْبِيبِهِ لِمَرَضٍ
فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ عليه كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ
فَأَمَّا ما لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ فيه كَفَّارَةٌ مع الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ في
____________________
(3/393)
الْأَشْهَرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ في رِوَايَةٍ وَالْوَطْءِ وَالتَّقْلِيمِ على تَخْرِيجٍ فَلَا كَفَّارَةَ فيه إذَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ على الْوَلِيِّ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ صَامَ عنه لِوُجُوبِهَا عليه ابْتِدَاءً
الثَّانِيَةُ وَطْءُ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يَمْضِي في فَاسِدِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ احْتِمَالًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ وَقِيلَ يَصِحُّ قبل بُلُوغِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي في خِلَافِهِ
وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ إذَا تَحَلَّلَ الصَّبِيُّ من إحْرَامِهِ لِفَوَاتٍ أو إحْصَارٍ لَكِنْ إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ على الْمَقْضِيَّةِ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَهُوَ كَالْبَالِغِ يُحْرِمُ قبل الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ على ما يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَمَتَى بَلَغَ في الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ في حَالٍ يُجْزِئُهُ عن حَجَّةِ الْفَرْضِ لو كانت صَحِيحَةً فإنه يَمْضِي فيها ثُمَّ يَقْضِيهَا وَيُجْزِئُهُ ذلك عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ كما يَأْتِي نَظِيرُهُ في الْعَبْدِ قَرِيبًا
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الصَّبِيِّ أَيْضًا في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ
بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ من غَيْرِ إذْنِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وقال بن عَقِيلٍ يَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِغَصْبِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قد حَجَّ في بُدْنِ غَصْبٍ فَهُوَ آكَدُ من الْحَجِّ بِمَالِ
____________________
(3/394)
غَصْبٍ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ليس بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ قال فَيَكُونُ هذا الْمَذْهَبَ وَنَصَرَهُ وَسَبَقَ مِثْلُهُ في الِاعْتِكَافِ عن جَمَاعَةٍ
قال وَدَلَّ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ بِالْغَصْبِ على تَخْرِيجِ رِوَايَةٍ إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَا فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا
يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فذكر الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ
أَمَّا حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ كَالنَّذْرِ أو بِتَطَوُّعٍ فَإِنْ كان بِوَاجِبٍ فَتَارَةً يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ فَتَارَةً أَيْضًا يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ
فَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ إذَا قُلْنَا يَصِحُّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ كما هو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ليس له تَحْلِيلُهُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا الْأَشْهَرُ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ قَوْلَ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ من الْمُضِيِّ في الْإِحْرَامِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وقال إنْ لم يَخْرُجْ منه وُجُوبُ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ كان بَلَاهَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفُرُوعِ
فَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له تَحْلِيلُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَنْهُ له تَحْلِيلُهُ
فَائِدَةٌ لو بَاعَهُ سَيِّدُهُ وهو مُحْرِمٌ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ في تَحْلِيلِهِ وَعَدَمِهِ وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لم يَعْلَمْ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلُهُ
____________________
(3/395)
وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ السَّيِّدِ عن إذْنِهِ فَهُوَ كما لو لم يَأْذَنْ وَإِنْ لم يَعْلَمْ فَفِيهِ الْخِلَافُ في عَزْلِ الْوَكِيلِ قبل عِلْمِهِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِ الْوَكَالَةِ
وَأَمَّا إنْ كان إحْرَامُهُ بِوَاجِبٍ مِثْلُ إنْ نَذَرَ الْحَجَّ فإنه يَلْزَمُهُ قال الْمَجْدُ لَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا
وَهَلْ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كان بِإِذْنِهِ لم يَجُزْ له تَحْلِيلُهُ وَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ له مَنْعُهُ أَمْ لَا لِوُجُوبِهِ عليه كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ
إحْدَاهُمَا له مَنْعُهُ منه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ليس له مَنْعُهُ منه وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ كان النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ لم يَمْلِكْ مَنْعَهُ منه لِأَنَّهُ قد لَزِمَهُ على الْفَوْرِ وَإِنْ كان مُطْلَقًا فَلَهُ مَنْعُهُ منه قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على خِلَافِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
فَوَائِدُ
لو أَفْسَدَ الْعَبْدُ حجة بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فيه وَالْقَضَاءُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْقَضَاءِ في حَالِ الرِّقِّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ ليس لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ منه وَإِنْ كان شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ هذا الصَّحِيحُ وَقِيلَ له مَنْعُهُ حَكَاهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ نَقَلَهُ عنه بن رَجَبٍ
وإذا لم يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ من الْقَضَاءِ وَجْهَانِ كَالْمَنْذُورِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى جَوَازُ الْمَنْعِ ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَدَّمَ ذلك في بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ في أَحْكَامِ الْعَبْدِ
____________________
(3/396)
وَأَيْضًا فإنه قال كَالْمَنْذُورِ وَالْمَذْهَبُ له مَنْعُهُ من الْمَنْذُورِ كما تَقَدَّمَ
وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أو إحْصَارٍ فيه الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ في الْحُرِّ الصَّغِيرِ
وَإِنْ عَتَقَ قبل أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ من ذلك لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ خَالَفَ فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ على ما تَقَدَّمَ يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ قبل حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
وَإِنْ عَتَقَ في الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ في حَالٍ يُجْزِئُهُ عن حَجَّةِ الْفَرْضِ لو كانت صَحِيحَةً فإنه يَمْضِي فيها وَيُجْزِئُهُ ذلك عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ انْتَهَى
وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ جِنَايَةٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ
وَإِنْ تَحَلَّلَا لِحَصْرٍ أو حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ لم يَتَحَلَّلْ قبل الصَّوْمِ وَلَيْسَ له مَنْعُهُ نَصَّ عليه وَقِيلَ في إذْنِهِ فيه وفي صَوْمٍ آخَرَ في إحْرَامٍ بِلَا إذْنِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَوَجَدَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ وَيَأْتِي هذا وَغَيْرُهُ في آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مُسْتَوْفًى
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ ولم يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عنه ذَكَرَهُ في الْفُصُولِ وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ صَامَ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أو أَقْرَنَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ على سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَ فيه انْتَهَى وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَهَدْيُ تَمَتُّعِ الْعَبْدِ وَقِرَانِهِ عليه وَقِيلَ على سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَهُ فِيهِمَا وَقِيلَ ما لَزِمَهُ من دَمٍ فَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا صَامَ قال في الْكُبْرَى قُلْت بَلْ يَلْزَمُهُ وَحْدَهُ
وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ أَيْضًا هذا حُكْمُ الْعَبْدِ وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ حَجِّ الْمُكَاتَبِ في أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ
واما أَحْكَامُ الْمَرْأَةِ فإذا أَحْرَمَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ أو تَطَوُّعٍ فَإِنْ كان بِوَاجِبٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَذْرٍ أو بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ
فَإِنْ كان بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ له تَحْلِيلَهَا وهو الْمَذْهَبُ
____________________
(3/397)
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وبن حَامِدٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ بن منجا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الْحُسَيْنِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا الْأَشْهَرُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَشْهَرُهُمَا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ذَكَرُوهُ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ
وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ له تَحْلِيلُهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ الرُّجُوعُ ما لم يُحْرِمْ
وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا في إحْرَامِهَا بِالتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَاكَ فَهَلْ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَا فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالثَّانِيَةُ ليس له تَحْلِيلُهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْمُغْنِي في مَكَان وَلَيْسَ له مَنْعُهَا من الْحَجِّ الْمَنْذُورِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخَانِ
وَقِيلَ له تَحْلِيلُهَا إنْ كان النَّذْرُ غير مُعَيَّنٍ وَإِنْ كان مُعَيَّنًا لم يَمْلِكْهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِإِذْنِهِ لم يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(3/398)
فَائِدَةٌ حَيْثُ جَازَ له تَحْلِيلُهَا فَحَلَّلَهَا فلم نقبل ( ( ( تقبل ) ) ) أَثِمَتْ وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا
قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ من حَجِّ الْفَرْضِ وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَكْمَلَتْ الْمَرْأَةُ شُرُوطَ الْحَجِّ وَأَرَادَتْ الْحَجَّ لم يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا منه وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَعَنْهُ له تَحْلِيلُهَا قال في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ فيه رِوَايَتَانِ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه مَنْعُهَا قال وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَتْ قبل الْمِيقَاتِ
واما إذَا لم تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْحَجِّ فَلَهُ مَنْعُهَا من الْخُرُوجِ له وَالْإِحْرَامِ بِهِ فَلَوْ خَالَفَتْ وَأَحْرَمَتْ وَالْحَالَةُ هذه لم يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا ليس له مَنْعُهَا فَيُسْتَحَبُّ لها أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ ليس له مَنْعُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ حتى تَسْتَأْذِنَهُ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ كان غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ
وقال بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ نَصَّ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ على أنها لَا تَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُ ليس له مَنْعُهَا قال فَعَلَى هذا يُجْبَرُ على الْإِذْنِ لها
الثَّانِيَةُ لو أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أنها لَا تَحُجُّ الْعَامَ لم يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى كما لو مَنَعَهَا عَدُوٌّ من الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا
وَنَقَلَ مُهَنَّا وَسُئِلَ عن الْمَسْأَلَةِ فقال قال عَطَاءٌ الطَّلَاقُ هَلَاكٌ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ
____________________
(3/399)
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِمَنْعِ الْإِحْرَامِ وقال هو أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ ذَكَرَهُ في أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ
وَسَأَلَهُ بن إبْرَاهِيمَ عن عَبْدٍ قال إذَا دخل أَوَّلُ يَوْمٍ من رَمَضَانَ فامراته طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لم يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ من رَمَضَانَ قال يُحْرِمُ وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ إذَا عَلِمَ منه رُشْدًا
فَجَوَّزَ أَحْمَدُ إسْقَاطَ حَقِّ السَّيِّدِ لِضَرَرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مع تَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ
وَرَوَى عبد اللَّهِ عنه لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَمْنَعَهُ قال في الِانْتِصَارِ فَاسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ
الثَّالِثَةُ ليس لِلْوَالِدِ مَنْعُ وَلَدِهِ من حَجٍّ وَاجِبٍ وَلَا تَحْلِيلُهُ منه وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فيه وَلَهُ مَنْعُهُ من التَّطَوُّعِ كَالْجِهَادِ لَكِنْ ليس له تَحْلِيلُهُ إذَا أَحْرَمَ لِلُزُومِهِ بِشُرُوعِهِ
وَيَلْزَمُهُ طَاعَةُ وَالِدَيْهِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيَحْرُمُ طَاعَتُهُمَا فيها
وَلَوْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَهَا نَصَّ على ذلك كُلِّهِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا فِيمَا فيه نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عليه فَإِنْ شَقَّ عليه ولم يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أبي الْحَارِثِ وَجَعْفَرٍ لَا طَاعَةَ لَهُمَا إلَّا في الْبِرِّ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ لَا طَاعَةَ في مَكْرُوهٍ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ لَا طَاعَةَ لَهُمَا في تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ وقال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ له مَنْعُ وَلَدِهِ من سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ وقال أَحْمَدُ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عن الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أبيه لَا يُعْجِبُنِي هو يَقْدِرُ يَبَرُّ أَبَاهُ بِغَيْرِ هذا
وقال في الْغُنْيَةِ يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا
وَيَأْتِي فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِالطَّلَاقِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في أَمْرِهِ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ
____________________
(3/400)
الرَّابِعَةُ ليس لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ من حَجِّ الْفَرْضِ وَلَكِنْ يَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عليه في الطَّرِيقِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ على نَفَقَةِ الْحَجِّ ولم يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَصَحَّحَ في النَّظْمِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ ذَكَرَهُ في أَوَاخِرِ الْحَجْرِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَلَهُ في الْأَصَحِّ مَنْعُهُ منه وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ وَإِلَّا فَلَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ
قَوْلُهُ الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ وهو أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً
هذا الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه وَاعْتَبَرَ بن الْجَوْزِيِّ في كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ في حَقِّ من يَحْتَاجُهُمَا فَأَمَّا من أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عبد الْحَلِيمِ وَلَدُ الْمَجْدِ وَوَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في الْقُدْرَةِ بِالتَّكَسُّبِ وقال هذا ظَاهِرٌ على أَصْلِنَا فإن عِنْدَنَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ على الْكَسْبِ وَلَا يُجْبَرُ على الْمَسْأَلَةِ قال وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عليه إذَا كان قَادِرًا على الْكَسْبِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ كان مُتَوَجِّهًا على أَصْلِنَا وقال الْقَاضِي ما قَالَهُ في كَشْفِ الْمُشْكِلِ وزاد فقال تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ على تَحْصِيلِهِ بِصَنْعَةٍ أو مَسْأَلَةٍ إذَا كانت عَادَتَهُ انْتَهَى
وَقِيلَ من قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ من مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَيَدْخُلُ في الْآيَةِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ له حِرْفَةٌ الْمَسْأَلَةُ قال أَحْمَدُ لَا أُحِبُّ له ذلك
وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في قَوْلِ أَحْمَدَ لَا أُحِبُّ كَذَا هل هو لِلتَّحْرِيمِ أو الْكَرَاهَةِ على وَجْهَيْنِ على ما يَأْتِي في آخِرِ الْكِتَابِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُشْتَرَطُ الزَّادُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أو بَعُدَتْ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا قال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ الْحَجُّ
____________________
(3/401)
بَدَنِيٌّ مَحْضٌ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ في وُجُوبِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِهِ وهو الْمُصَحَّح لِلْمَشْرُوطِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ له انْتَهَى
وَيُشْتَرَطُ مِلْكُ الزَّادِ فَإِنْ لم يَكُنْ في الْمَنَازِلِ لَزِمَهُ حَمْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ في الْمَنَازِلِ لم يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ إنْ كان بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ إذَا عُدِمَ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ التَّيَمُّمِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفُرُوعِ
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ هُنَا بَذْلُ الزِّيَادَةِ التي لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ في شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
وَفَرَّقُوا بين التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ هذا بِأَنَّ الْمَاءَ يَتَكَرَّرُ عَدَمُهُ وَالْحَجُّ الْتَزَمَ فيه الْمَشَاقَّ فَكَذَا الزِّيَادَةُ في ثَمَنِهِ إنْ كانت لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لِئَلَّا يَفُوتَ نَقَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ على وِعَاءِ الزَّادِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ منه
وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عليها مع الْبُعْدِ وَقَدْرُهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ إلَّا مع الْعَجْزِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وقال في الْكَافِي وَإِنْ عَجَزَ عن الْمَشْيِ وَأَمْكَنَهُ الْحَبْوُ لم يَلْزَمْهُ قال في الْفُرُوعِ وهو مُرَادُ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ في الرَّاحِلَةِ صَالِحَةٌ لِمِثْلِهِ
يَعْنِي في الْعَادَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الناس لِأَنَّ اعْتِبَارَ الرَّاحِلَةِ لِلْقَادِرِ على الْمَشْيِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ ولم يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَاعْتَبَرَ في الْمُسْتَوْعِبِ إمْكَانَ الرُّكُوبِ مع أَنَّهُ قال رَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ عن الرَّاحِلَةِ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذلك في الزَّادِ وهو صَحِيحٌ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في الزَّادِ يَلْزَمُهُ لِظَاهِرِ
____________________
(3/402)
النَّصِّ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ انْتَهَى
قُلْت قَطَعَ بِذَلِكَ في الْوَجِيزِ فقال وَوَجَدَ زَادًا وَمَرْكُوبًا صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ وقال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ أَنْ لَا يَحْصُلَ معه ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ
فَائِدَةٌ إذَا لم يَقْدِرْ على خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اعْتَبَرَ من يَخْدُمُهُ لِأَنَّهُ من سَبِيلِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ عَادَةُ مِثْلِهِ في الزَّادِ وَيَلْزَمُهُ لو أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ
قَوْلُهُ فَاضِلًا عن مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ على الدَّوَامِ
اعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ له إذَا رَجَعَ ما يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ على الدَّوَامِ من عَقَارٍ أو بِضَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْإِفَادَاتِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
وقال في الرَّوْضَةِ وَالْكَافِي يُعْتَبَرُ كِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ فَقَطْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ نَقَلَ أبو طَالِبٍ يَجِبُ عليه الْحَجُّ إذَا كان معه نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ مَكَّةَ وَيَرْجِعُ وَيَخْلُفُ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ حتى يَرْجِعَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَاضِلًا عن قَضَاءِ دَيْنِهِ
أَنَّهُ سَوَاءٌ كان حَالًّا أو مُؤَجَّلًا وَسَوَاءٌ كان لِآدَمِيٍّ أو لِلَّهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَنْ لَا يَكُونَ عليه دَيْنٌ حَالٌّ يُطَالَبُ بِهِ بِحَيْثُ لو قَضَاهُ لم يَقْدِرْ على كَمَالِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ انْتَهَى
____________________
(3/403)
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو كان مُؤَجَّلًا أو كان حَالًّا وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه ولم يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ
فَائِدَةٌ إذَا خَافَ الْعَنَتَ من يَقْدِرُ على الْحَجِّ قَدَّمَ النِّكَاحَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لِوُجُوبِهِ إذَنْ وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا لَكِنْ نُوزِعَ في ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ
وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْحَجَّ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ كما لو لم يَخَفْهُ إجْمَاعًا
قَوْلُهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ
وَكَذَا ما لَا بُدَّ له منه
فَائِدَةٌ لو فَضَلَ من ثَمَنِ ذلك ما يَحُجُّ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ منه ما يَكْفِيهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى كُتُبِهِ لم يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا فَلَوْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ لِكِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في أَوَّلِ بَابِ الْفِطْرَةِ
قَوْلُهُ فَمَنْ كَمُلَتْ فيه هذه الشُّرُوطُ وَجَبَ عليه الْحَجُّ على الْفَوْرِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ على الْفَوْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ ذَكَرَهَا بن حَامِدٍ وَاخْتَارَهُ أبو حَازِمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَجْهًا
زَادَ الْمَجْدُ مع الْعَزْمِ على فِعْلِهِ في الْجُمْلَةِ
وَيَأْتِي في كِتَابِ الْغَصْبِ إذَا حَجَّ بِمَالِ غَصْبٍ
فَائِدَةٌ لو أَيْسَرَ من لم يَحُجَّ ثُمَّ مَاتَ من تِلْكَ السَّنَةِ قبل التَّمَكُّنِ من الْحَجِّ فَهَلْ يَجِبُ قَضَاءُ الْحَجِّ عنه فيه رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ
____________________
(3/404)
قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ عن السَّعْيِ إلَيْهِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يرجي بروه لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عنه من يَحُجَّ عنه وَيَعْتَمِرَ من بَلَدِهِ وقد أَجْزَأَ عنه وَإِنْ عُوفِيَ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ لو اعْتَدَّتْ من رَفْعِ حَيْضِهَا بِسَنَةٍ لم تَبْطُلْ عِدَّتُهَا بِعَوْدِ حَيْضِهَا قال الْمَجْدُ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا
يَعْنِي إذَا اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ ثُمَّ عُوفِيَ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على خِلَافٍ هُنَا لِلْخِلَافِ هُنَاكَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو عُوفِيَ قبل فَرَاغِ النَّائِبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ قال في الْفُرُوعِ أَجْزَأَهُ في الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ قال الْمُصَنِّفُ الذي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وهو أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وَأَمَّا إذَا بريء قبل إحْرَامِ النَّائِبِ فإنه لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
الثَّانِيَةُ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْعَاجِزِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لَا يرجي بُرْؤُهُ من كان نِضْوَ الْخِلْقَةِ لَا يَقْدِرُ على الثُّبُوتِ على الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أو كانت الْمَرْأَةُ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَأَطْلَقَ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ
قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عنه من يَحُجَّ عنه وَيَعْتَمِرَ يَعْنِي يَكُونُ ذلك على الْقُدْرَةِ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ من بَلَدِهِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ
____________________
(3/405)
وَقِيلَ يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عنه من مِيقَاتِهِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ
وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ
فَوَائِدُ
منها لو كان قَادِرًا على نَفَقَةِ رَاجِلٍ لم يَلْزَمْهُ الْحَجُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ قِيلَ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ هو اللُّزُومُ
وَمِنْهَا لو كان قَادِرًا ولم يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ في ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً على إمْكَانِ السَّيْرِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وزاد فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ كان الْمَالُ الْمُشْتَرَطُ في الْإِيجَابِ على المعضوب ( ( ( المغصوب ) ) ) بِقَدْرِ ما نُوجِبُهُ عليه لو كان صَحِيحًا
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ إذَا لم يَجِدْ نَائِبًا اشْتَرَطَ لِلْمَالِ الْمُوجَبِ عليه أَنْ لَا يَنْقُصَ عن نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِلنَّائِبِ لِئَلَّا يَكُونَ النَّائِبُ بَاذِلًا لِلطَّاعَةِ في الْبَعْضِ وهو غَيْرُ مُوجِبٍ على أَصْلِنَا كَبَذْلِ الطَّاعَةِ في الْكُلِّ
وَمِنْهَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنُوبَ عن الرَّجُلِ وَلَا إسَاءَةَ وَلَا كَرَاهَةَ في نِيَابَتِهَا عنه قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ وَتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِهَا
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو رجى زَوَالُ عِلَّتِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وهو صَحِيحٌ فَإِنْ فَعَلَ لم يُجْزِئْهُ بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذلك إذَا كان في وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا لَا خَفَارَةَ فيه يُوجَدُ فيه الْمَاءُ وَالْعَلَفُ على الْمُعْتَادِ
يُشْتَرَطُ في الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ آمِنًا وَلَوْ كان غير الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ إذَا أَمْكَنَ سُلُوكُهُ بَرًّا كان أو بَحْرًا لَكِنَّ الْبَحْرَ تَارَةً يَكُونُ فيه السَّلَامَةُ وَتَارَةً يَكُونُ فيه الْهَلَاكُ وَتَارَةً يَسْتَوِي فيه الْأَمْرَانِ فَإِنْ كان الْغَالِبُ فيه السَّلَامَةَ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ وَإِنْ كان الْغَالِبُ فيه الْهَلَاكَ لم يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ سَلِمَ فيه قَوْمٌ وَهَلَكَ فيه
____________________
(3/406)
آخَرُونَ فذكر بن عَقِيلٍ عن الْقَاضِي يَلْزَمُهُ ولم يُخَالِفْهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ
وقال بن الْجَوْزِيِّ الْعَاقِلُ إذَا أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ يَسْتَوِي فيه احْتِمَالُ السَّلَامَةِ وَالْهَلَاكِ وَجَبَ الْكَفُّ عن سُلُوكِهَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال أَعَانَ على نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ
وَيُشْتَرَطُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَكُونَ في الطَّرِيقِ خَفَارَةٌ فَإِنْ كان فيه خَفَارَةٌ لم يَلْزَمْهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن حَامِدٍ إنْ كانت الْخَفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَيَّدَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي بِالْيَسِيرَةِ زَادَ الْمَجْدُ إذَا أَمِنَ الْغَدْرَ من الْمَبْذُولِ له انْتَهَى
قُلْت وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ بَلْ يَتَعَيَّنُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا في الدَّفْعِ عن الْمُخْفَرِ وَلَا تَجُوزُ مع عَدَمِهَا كما يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ من الرَّعَايَا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُوجَدُ فيه الْمَاءُ وَالْعَلَفُ على الْمُعْتَادِ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ ذلك لِكُلِّ سَفَرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِمَشَقَّتِهِ عَادَةً وقال بن عَقِيلٍ يَلْزَمُهُ حَمْلُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ إنْ أَمْكَنَهُ كَالزَّادِ قال في الْفُرُوعِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ ذَكَرَ في الْمَاءِ أَيْضًا
قَوْلُهُ وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذلك إذَا كان في وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا
قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ من شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ
____________________
(3/407)
كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ بن منجا في شَرْحِهِ وَالتَّلْخِيصِ
وَعَنْهُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ على ما يَأْتِي في الْمُحْرِمِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا ظَاهِرُ كَلَامِ بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَأْثَمُ إنْ لم يَعْزِمْ على الْفِعْلِ إذَا قَدَرَ قال بن عَقِيلٍ يَأْثَمُ إنْ لم يَعْزِمْ كما نَقُولُ في طَرَيَان الْحَيْضِ وَتَلَفِ الزَّكَاةِ قبل إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَالْعَزْمُ في الْعِبَادَاتِ مع الْعَجْزِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ في عَدَمِ الْإِثْمِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الذي في الصَّلَاةِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لو حَجَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ في الطَّرِيقِ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْوُجُوبِ
وَعَلَى الْأَوَّلِ لو كَمُلَتْ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ ثُمَّ مَاتَ قبل وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ حَجَّ عنه بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ أَعْسَرَ قبل وُجُودِهِمَا بَقِيَ في ذِمَّتِهِ
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لم يَجِبْ عليه الْحَجُّ قبل وُجُودِهِمَا
فَائِدَةٌ يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَيُعْتَبَرُ له قَائِدٌ كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ وَالْقَائِدُ لِلْأَعْمَى كَالْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ وَأَطْلَقُوا الْقَائِدَ
وقال في الْوَاضِحِ يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدٌ يُلَائِمُهُ أَيْ يُوَافِقُهُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْقَائِدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ وَقِيلَ وَغَيْرُ مُجْحِفَةٍ وَلَوْ تَبَرَّعَ الْقَائِدُ لم يَلْزَمْهُ لِلْمِنَّةِ
____________________
(3/408)
قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عليه الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ أُخْرِجَ عنه من جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ
بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ فَرَّطَ أو لَا وَيَكُونُ من حَيْثُ وَجَبَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ من أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ لِيَتَخَيَّرَ الْمَنُوبَ عنه
وَقِيلَ من لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ حَجَّ منها نَصَّ عليه كَحَيَاتِهِ
وَقِيلَ هذا هو الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَكِنْ احْتَسَبَ له بِسَفَرِهِ من بَلَدِهِ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُتَّجَهٌ لو سَافَرَ لِلْحَجِّ
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَيَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَحُجُّوا من أَصْلِ مَالِ الْمَيِّتِ عنه حتى يُخْرِجُوا هذا وَإِنْ لم تَكُنْ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تُجْزِئُ من مِيقَاتَيْهِ
وَقِيلَ يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عنه من مِيقَاتِهِ لِأَنَّهُ من حَيْثُ وَجَبَ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو حَجَّ عنه خَارِجًا عن بَلَدِ الْمَيِّتِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فقال الْقَاضِي يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْقَرِيبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
وَإِنْ كان أَكْثَرَ من مَسَافَةِ الْقَصْرِ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا كَمَنْ وَجَبَ عليه الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ من دُونِهِ
وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا حَجَّ عن الْمَعْضُوبِ
وَتَقَدَّمَ إذَا أَيْسَرَ ثُمَّ مَاتَ قبل التَّمَكُّنِ
____________________
(3/409)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في فُصُولِهِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ
وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الصَّوْمِ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آخِرُ ما بَيَّضَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
الثَّانِيَةُ لو مَاتَ هو أو نَائِبُهُ في الطَّرِيقِ حُجَّ عنه من حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ مَسَافَةً قَوْلًا وَفِعْلًا
قَوْلُهُ فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عن ذلك أو كان عليه دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ وَحُجَّ بِهِ من حَيْثُ يَبْلُغُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يَسْقُطُ الْحَجُّ سَوَاءٌ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أو لَا
وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ وهو قَوْلٌ في شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ
فَائِدَةٌ لو وَصَّى بِحَجِّ نَفْلٍ أو أَطْلَقَ جَازَ من الْمِيقَاتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ما لم تَمْنَعْ قَرِينَةٌ
وَقِيلَ من مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّرْغِيبِ كَحَجٍّ وَاجِبٍ وَمَعْنَاهُ لِلْمُصَنِّفِ
وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في بَابِ الْمُوصَى بِهِ
قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ على الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا يَعْنِي أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ كَالِاسْتِطَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ
____________________
(3/410)
الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَيْهَا يُحَجُّ عنها لو مَاتَتْ أو مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ وَهِيَ أَيْضًا من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَلَى الْمَذْهَبُ لم تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْوُجُوبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي
وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ إلَّا في مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما لَا يُعْتَبَرُ في أَطْرَافِ الْبَلَدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ في الْحَجِّ الْوَاجِبِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مع النِّسَاءِ وَمَعَ كل من أَمِنَتْهُ
وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ في الْقَوَاعِدِ من النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ ذَكَرَهَا الْمَجْدُ ولم يَرْتَضِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مع عَدَمِ الْمَحْرَمِ وقال هذا مُتَوَجِّهٌ في كل سَفَرِ طَاعَةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ
فَائِدَةٌ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ حَيْثُ شَرَطَهُ ولم يَشْتَرِطْهُمَا
وَظَاهِرُ نَقْلِ أبي الْخَطَّابِ يَقْتَضِي رِوَايَةً بِالْعَكْسِ وهو أَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّهُمَا شَرْطَانِ
____________________
(3/411)
لِلْوُجُوبِ وَذَكَرَ في الْمُحَرَّرِ رِوَايَةً بِأَنَّهُ شَرْطُ لُزُومٍ قال وَالتَّفْرِقَةُ على كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلَةٌ وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بين هذه الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إمَّا نَفْيًا وَإِمَّا إثْبَاتًا انْتَهَى
قُلْت مِمَّنْ سَوَّى بين الثَّلَاثَةِ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ فيه وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْوَجِيزِ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ بن عَقِيلٍ إلَى أنها تُزَادُ لِلْحِفْظِ وَالرَّاحَةِ لِنَفْسِ السَّعْيِ قال في الْفُرُوعِ وما قَالَهُ الْمَجْدُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ كَلَامَ بن عَقِيلٍ انْتَهَى
وَمِمَّنْ فَرَّقَ بين الْمَحْرَمِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ الْمُصَنِّفُ في الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي فإنه قَدَّمَ فِيهِمَا أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ اللُّزُومِ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّاظِمُ
وَتَبِعَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ صَاحِبَ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكَ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةَ وَالْهِدَايَةَ فَقَطَعُوا بِأَنَّهُمَا من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَأَطْلَقُوا في الْمَحْرَمِ الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَطَعَ في الْإِيضَاحِ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَأَطْلَقَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ عَكْسَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ
وَقَدَّمَ في التَّلْخِيصِ أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ اللُّزُومِ كَالْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ في الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ التَّفْرِقَةُ فإنه أَطْلَقَ فِيهِمَا الرِّوَايَتَيْنِ منه وَعَنْهُ وقال اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُمَا من شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْرَمَ من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَمُوَافَقَتُهُ لِلْمَجْدِ تُنَافِي ما اصْطَلَحَهُ في الْفُرُوعِ وَظَهَرَ أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ في هذه الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ في كُتُبِهِ الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ دخل في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في قَوْلِهِ وهو زَوْجُهَا أو من تُحَرَّمُ عليه على التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أو بِسَبَبٍ مُبَاحٍ رَابُّهَا وهو زَوْجُ أُمِّهَا وَرَبِيبُهَا وهو بن زَوْجِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(3/412)
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ في أُمِّ امْرَأَتِهِ يَكُونُ مَحْرَمًا لها في حَجِّ الْفَرْضِ فَقَطْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال الْأَثْرَمُ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أنها لم تُذْكَرْ في قَوْله تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } الْآيَةَ
وَعَنْهُ الْوَقْفُ في نَظَرِ شَعْرِهَا وَشَعْرِ الرَّبِيبَةِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا في الْآيَةِ وَهِيَ أَيْضًا من الْمُفْرَدَاتِ
الثَّانِي قَوْلُهُ نَسَبٍ أو سَبَبٍ مُبَاحٍ
يُحْتَرَزُ منه عن السَّبَبِ غَيْرِ الْمُبَاحِ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أو زِنًا فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الموطأة ( ( ( الموطوءة ) ) ) وَابْنَتِهَا لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ
قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ وَأَوْلَى
وَعَنْهُ بَلَى يَكُونُ مَحْرَمًا وهو قَوْلٌ في شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ في وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزنى وهو ظَاهِرُ ما في التَّلْخِيصِ فإنه قال بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَيَدْخُلُ في الْآيَةِ بِخِلَافِ الزنى
الثَّالِثُ قال في الْفُرُوعِ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالشُّبْهَةِ ما جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ الْوَطْءُ الْحَرَامُ مع الشُّبْهَةِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَحْوِهَا
لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ أَنَّ الْوَطْءَ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ
الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُلَاعِنَ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا فَلِهَذَا قال الآدمي الْبَغْدَادِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا وهو مُرَادُ من أَطْلَقَ
الْخَامِسُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَأَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ في التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ انْتَهَى
____________________
(3/413)
فَيَكُونُ ذلك مُسْتَثْنًى من كَلَامِ من أَطْلَقَ
وقال في الْمُحَرَّرِ الْمَحْرَمُ زَوْجُهَا أو من تَحْرُمُ عليه أَبَدًا لَا من تَحْرِيمِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أو زِنًا
فَقِيلَ إنَّمَا قال ذلك لِئَلَّا يَرِدَ عليه أَزْوَاجُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ على الْمُسْلِمِ أَبَدًا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وهو الْإِسْلَامُ وَلَيْسُوا بِمَحَارِمَ لَهُنَّ
فَقِيلَ كان يَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُنَّ كما اسْتَثْنَى المزنى بها فَأُجِيبُ لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِنَّ فَأَوْرَدَ عليه الْمُلَاعَنَةَ وَلَا جَوَابَ عنه
السَّادِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَبْدَ ليس بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى قال الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ في شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ وهو الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَمْرُهُ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وكان أَيْضًا لَا يُؤْمَنُ عليها كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَلْزَمُ من النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَعَنْهُ هو مَحْرَمٌ لها
قال الْمَجْدُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ في شَرْحِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَحْرَمٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
السَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ دُخُولُ الْعَبْدِ إذَا كان قَرِيبًا قال في الْفُرُوعِ وَشَرَطَ كَوْنَ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا نَصَّ عليه وَكَذَا قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ وَاشْتَرَطَ الْحُرِّيَّةَ في الْمَحْرَمِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى قَوْلُهُ إذَا كان بَالِغًا عَاقِلًا
بِلَا نِزَاعٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فيه
____________________
(3/414)
أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُسْلِمِ أَمِينًا عليها
قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ
قال وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ إنْ أَمِنَ عليها وقال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الْكِتَابِيَّ مَحْرَمٌ لِابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ إنْ قُلْنَا يَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ انْتَهَى
قُلْت يُشْكِلُ هذا على قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّهُمْ يَمْنَعُونَ من دُخُولِهِ الْحَرَمَ لَكِنْ لنا هُنَاكَ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ أو لِلْحَاجَةِ أو مُطْلَقًا فَيَتَمَشَّى هذا الِاحْتِمَالُ على بَعْضِ هذه الْأَقْوَالِ
الثَّانِيَةُ نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عليها نَصَّ عليه فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لها وَلَهُ
الثَّالِثَةُ لو بَذَلَتْ النَّفَقَةَ له لم يَلْزَمْ الْمَحْرَمَ غير عَبْدِهَا السَّفَرُ بها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يلزمه ( ( ( لزمه ) ) )
الرَّابِعَةُ ما قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لو أَرَادَ أُجْرَةً لَا تَلْزَمُهَا قال وَيَتَوَجَّهُ أنها كَنَفَقَتِهِ كما في التَّغْرِيبِ في الزنى وفي قَائِدِ الْأَعْمَى فَدَلَّ ذلك كُلُّهُ على انه لو تَبَرَّعَ لم يَلْزَمْهَا لِلْمِنَّةِ قال وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لِلْمَحْرَمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا النَّفَقَةُ كَقَائِدِ الْأَعْمَى وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ
الْخَامِسَةُ إذَا أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ من الْمَحْرَمِ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيِ أو كان وَوُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حتى عُدِمَ فَعَنْهُ تُجَهِّزُ رَجُلًا يَحُجُّ عنها
قُلْت وهو أَوْلَى كالمعضوب ( ( ( كالمغصوب ) ) )
وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على الْمَنْعِ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
قال الْمَجْدُ يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَنْعِ على أَنَّ تَزَوُّجَهَا لَا يَبْعُدُ عَادَةً وَالْجَوَازُ على من أَيِسَتْ ظَاهِرًا أو عَادَةً لِزِيَادَةِ سِنٍّ أو مَرَضٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ على ظَنِّهَا عَدَمُهُ
____________________
(3/415)
ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ أو اسْتَنَابَتْ من لها مَحْرَمٌ ثُمَّ فُقِدَ فَهِيَ كَالْمَعْضُوبِ وقال الْآجُرِّيُّ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ إنْ لم يَكُنْ مَحْرَمٌ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ بِبَدَنِهَا وَوَجَبَ أَنْ يَحُجَّ عنها غَيْرُهَا قال في الْفُرُوعِ وهو مَحْمُولٌ على الْإِيَاسِ قال في التَّبْصِرَةِ إنْ لم تَجِدْ مَحْرَمًا فَرِوَايَتَانِ لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ في حُصُولِ الْإِيَاسِ منه
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لم يَحُجَّ عن نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ وَلَا نَذْرَهُ وَلَا نَافِلَةً فَإِنْ فَعَلَ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَأَرَادَ الْحَجَّ فَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ وَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عن نَفْسِهِ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
فَإِنْ أَرَادَ الْحَجَّ عن غَيْرِهِ لم يَجُزْ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ كان حَجُّ الْغَيْرِ فَرْضًا أو نَفْلًا أو نَذْرًا وَسَوَاءٌ كان الْغَيْرُ حَيًّا أو مَيِّتًا هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
قال الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فيه وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ يَقَعُ عن الْمَحْجُوجِ عنه ثُمَّ يَقْلِبُهُ الْحَاجُّ عن نَفْسِهِ
نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ قال لِمَنْ لَبَّى عن غَيْرِهِ اجْعَلْهَا عن نَفْسِك
وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
وَعَنْهُ يَجُوزُ عن غَيْرِهِ وَيَقَعُ عنه قال الْقَاضِي وهو ظَاهِرٌ نَقَلَ محمد بن مَاهَانَ وفي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عن حَجِّهِ لِنَفْسِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَنُوبُ من لم يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ ما قِيلَ يَنُوبُ في نَفْلٍ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَيَحْرُمُ
____________________
(3/416)
وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَنْعَ
وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عن نَفْسِهِ نَذْرًا أو نَافِلَةً فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ وَيَقَعُ عن حَجَّةِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَقَعُ ما نَوَاهُ وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا ولم يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ هُنَا منهم الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ في فُرُوعِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَوْهَا في التي قَبْلَهَا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تُجْزِئُ عن الْمَنْذُورَةِ مع حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ تُجْزِئُ عنهما وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو أَحْرَمَ بِنَفْلٍ من عليه نَذْرٌ فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ نَقْلًا وَمَذْهَبًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هذا وَغَيْرَهُ الْأَشْهَرُ في أَنَّهُ يَسْلُكُ في النَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ لَا النَّفْلِ
الثَّانِيَةُ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
الثَّالِثَةُ لو أتى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ قبل إتْيَانِهِ بِالْآخَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا لِوُجُوبِهِمَا على الْفَوْرِ
الرَّابِعَةُ لو حَجَّ عن نَذْرِهِ أو عن نَفْلِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ وَقَعَتْ عن الْقَضَاءِ دُونَ ما نَوَاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ
الْخَامِسَةُ النَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عنه فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِنَذْرٍ أو نَفْلٍ عَمَّنْ عليه حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عنها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ اسْتَنَابَ عنه أو عن مَيِّتٍ وَاحِدًا في فَرْضِهِ وَآخَرَ في نَذْرِهِ في سَنَةٍ جَازَ
قال بن عَقِيلٍ وهو أَفْضَلُ من التأخير ( ( ( التأجير ) ) ) لِوُجُوبِهِ على الْفَوْرِ قال في الْفُرُوعِ
____________________
(3/417)
كَذَا قال فَيَلْزَمُهُ وُجُوبُهُ إذًا وَيُحْرِمُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قبل الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأُخْرَى عن النَّذْرِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لم يَنْوِهِ وقال في الْفُصُولِ يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ قد يُعْفَى عن التَّعْيِينِ في بَابِ الْحَجِّ وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا ثُمَّ يُعَيِّنُ قال وهو أَشْبَهُ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ على الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ في حَجِّ التَّطَوُّعِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ والصرصرى في نَظْمِهِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ في الْأَصَحِّ قال في الْخُلَاصَةِ وَيَجُوزُ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَسْتَنِيبَ إذَا كان عَاجِزًا يُرْجَى معه زَوَالُ عِلَّتِهِ من غَيْرِ خِلَافٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْقَادِرِ بِنَفْسِهِ على الْخِلَافِ كما تَقَدَّمَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَوَائِدُ
منها حُكْمُ الْمَحْبُوسِ حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمَرْجُوُّ بُرْؤُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/418)
وَمِنْهَا يَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عن الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ في النَّفْلِ إذَا كَانَا قد حَجَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ
وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عن أَبَوَيْهِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ لم يَحُجَّا وقال بَعْضُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عنهما وَعَنْ غَيْرِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُمَّ وَيُقَدِّمَ وَاجِبَ أبيه على نَفْلِ أُمِّهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا وقد تَقَدَّمَ حُكْمُ طَاعَةِ وَالِدَيْهِ في الْحَجِّ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ من حَجِّ الْفَرْضِ
وَمِنْهَا في أَحْكَامِ النِّيَابَةِ فَنَقُولُ من أَعْطَى مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عن شَخْصٍ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا جَعَالَةٍ جَازَ نَصَّ عليه كَالْغَزْوِ وقال أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَيَحُجَّ عن غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ
قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ الإجارة ( ( ( للإجارة ) ) ) أو أَحُجُّ حَجَّةً بِكَذَا
وَالنَّائِبُ أَمِينٌ يَرْكَبُ وَيُنْفِقُ بِالْمَعْرُوفِ منه أو مِمَّا اقْتَرَضَهُ أو اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ على رَبِّهِ أو يُنْفِقُ من نَفْسِهِ وَيَنْوِي رُجُوعَهُ بِهِ وَتَرَكَهُ وَأَنْفَقَ من نَفْسِهِ فقال في الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
قال الْأَصْحَابُ وَيَضْمَنُ ما زَادَ على الْمَعْرُوفِ وَيَرُدُّ ما فَضَلَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ له فيه لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ أَبَاحَهُ فَيُؤْخَذُ منه
وَلَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبُهُ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ وَضَمِنَ ما أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا لِلُزُومِ ما أَذِنَ فيه قال في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ في قَوْلِهِ حُجَّ عَنِّي بهذا فما فَضَلَ فَلَكَ ليس له أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قبل حَجِّهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ له صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمَصْلَحَتِهِ وَشِرَاءُ مَاءٍ لِلطَّهَارَةِ بِهِ وتداوى وَدُخُولُ حَمَّامٍ
وَإِنْ مَاتَ أو ضَلَّ أو صُدَّ أو مَرِضَ أو تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ أو أَعْوَزَ بَعْدَهُ لم يَضْمَنْ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من كَلَامِهِمْ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَبِبَيِّنَةٍ
____________________
(3/419)
وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا
وَعَنْهُ إنْ رَجَعَ لِمَرَضٍ رَدَّ ما أَخَذَ كَرُجُوعِهِ لِخَوْفِهِ مَرَضًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه احْتِمَالٌ
وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا يُمْكِنُهُ سُلُوكُ أَقْرَبَ منه بِلَا ضَرَرٍ ضَمِنَ ما زَادَ
قال الْمُصَنِّفُ أو تَعَجَّلَ عَجَلَةً يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَضْمَنُ ما زَادَ على أَمْرٍ بِسُلُوكِهِ
وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحِلًّا ثُمَّ رَجَعَ لِيُحْرِمَ ضَمِنَ نَفَقَةَ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ
وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَوْقَ مُدَّةِ قَصْرٍ بِلَا عُذْرٍ فَمِنْ مَالِهِ وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلَا
وَهَلْ الْوَحْدَةُ عُذْرٌ أَمْ لَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مُخْتَلِفٌ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عُذْرٌ وَمَعْنَاهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ لِلنَّهْيِ
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ على أَجِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عن الْقَافِلَةِ أو لَا يَسِيرُ في آخِرِهَا أو وَقْتَ الْقَائِلَةِ أو لَيْلًا فَخَالَفَ ضَمِنَ
فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا شَرْطٍ وَالْمُرَادُ مع الْأَمْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَمَتَى وَجَبَ الْقَضَاءُ فَمِنْهُ عن الْمُسْتَنِيبِ وَيَرُدُّ ما أَخَذَ لِأَنَّ الْحَجَّةَ لم تَقَعْ عن مُسْتَنِيبِهِ كَجِنَايَتِهِ كَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا في الرِّعَايَةِ نَفَقَةُ الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءُ على النَّائِبِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال وَفِيهِ نَظَرٌ
فَإِنْ حَجَّ من قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ وَمَعَ عُذْرٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ احْتَسَبَ له بالنفقة ( ( ( النفقة ) ) )
فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ لِدُخُولِهِ في حَجٍّ ظَنَّهُ عليه فلم يَكُنْ وَفَاتَهُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا إلَّا وَاجِبًا على مُسْتَنِيبٍ فيؤدى عنه بِوُجُوبٍ سَابِقٍ
وَالدِّمَاءُ عليه وَالْمَنْصُوصُ وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ كَنَهْيِهِ على مُسْتَنِيبِهِ إنْ أَذِنَ كَدَمِ إحْصَارٍ وَأَطْلَقَ في الْمُسْتَوْعِبِ في دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ
____________________
(3/420)
وَنَقَلَ بن مَنْصُورٍ إنْ أَمَرَ مَرِيضٌ من يرمى عنه فَنَسِيَ الْمَأْمُورُ أَسَاءَ وَالدَّمُ على الْآمِرِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ما سَبَقَ من نَفَقَةِ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ وَالدَّمِ مع عُذْرٍ على مُسْتَنِيبِهِ كما ذَكَرُوهُ في النَّفَقَةِ في فَوَاتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ انْتَهَى
وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عليه على غَيْرِهِ لم يَصِحَّ شرطه ( ( ( شرط ) ) ) كَأَجْنَبِيٍّ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ إنْ شرطه ( ( ( شرط ) ) ) على نَائِبٍ لم يَصِحَّ وَاقْتَصَرَ عليه في الرِّعَايَةِ فَيُؤْخَذُ منه يَصِحُّ عَكْسُهُ
وفي صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِحَجٍّ أو عَمْرَةٍ رِوَايَتَا الْإِجَارَةِ على قُرْبَةٍ يَأْتِيَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْإِجَارَةِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَيَلْزَمُ من اسْتَنَابَهُ إجَارَةٌ بِدَلِيلِ اسْتِنَابَةِ قَاضٍ وفي عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَمُحْدِثٍ في صَلَاةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قالوا وَاخْتَارَ بن شَاقِلَا تَصِحُّ وَذُكِرَ في الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةُ عنه وَعَنْ الْخِرَقِيِّ
فَعَلَى هذا تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ لم يَسْتَنِبْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ كَتَوْكِيلٍ وَأَنْ يَسْتَنِيبَ لِعُذْرٍ
وَإِنْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ بِتَحْصِيلِ حَجَّةٍ له اسْتَنَابَ فَإِنْ قال بِنَفْسِك قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ في بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ فَإِنْ صَحَّتْ لم يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ انْتَهَى
وَلَا يَسْتَنِيبُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ قال بِنَفْسِك لم يَجُزْ في وَجْهٍ وفي آخَرَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قال الْآجُرِّيُّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فقال تَحُجَّ عنه من بَلَدِ كَذَا لم يَجُزْ حتى يَقُولَ تُحْرِمُ عنه من مِيقَاتِ كَذَا وَإِلَّا فَمَجْهُولَةٌ
فإذا وَقَّتَ مَكَانًا يُحْرِمُ منه فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَمَاتَ فَلَا أُجْرَةَ وَالْأُجْرَةُ من إحْرَامِهِ مِمَّا عَيَّنَهُ إلَى فَرَاغِهِ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا جَهَالَةَ وَيُحْمَلُ على عَادَةِ ذلك الْبَلَدِ غَالِبًا وَمَعْنَاهُ
____________________
(3/421)
كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَمُرَادُهُمْ قال وَيَتَوَجَّهُ إنْ لم يَكُنْ لِلْبَلَدِ إلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ جَازَ
فَعَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ الْحَجُّ عن الْمُسْتَنِيبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ
وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ النُّسُكِ وَانْفِسَاخُهَا بِتَأْخِيرٍ وَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ فَإِنْ قَدِمَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَتِهِ وَعَدَمُهُ لِعَدَمِهَا وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا يَجُوزُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا
وَيَمْلِكُ ما يَأْخُذُهُ وَيَتَصَرَّفُ فيه وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ أُحْصِرَ أو ضَلَّ أو تَلِفَ ما أَخَذَهُ فَرَّطَ أو لَا وَلَا يَحْتَسِبُ له بِشَيْءٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَالدِّمَاءُ عليه وَإِنْ أَفْسَدَهُ كَفَّرَ وَمَضَى فيه وَقَضَاهُ وَتُحْسَبُ أُجْرَةُ مُسَافِرٍ قبل إحْرَامِهِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قِسْطُ ما سَارَهُ لَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رُكْنٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْبَاقِي
وَمَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ بِأُجْرَةٍ أو جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ له وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ كما سَبَقَ
وقال الْآجُرِّيُّ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ من مِيقَاتٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا وَإِنْ أَحْرَمَ منه ثُمَّ مَاتَ اُحْتُسِبَ منه إلَى مَوْتِهِ
وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عن مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت الْأَوْلَى الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَهُوَ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا على ما يَأْتِي في الشَّرِكَةِ
وَعَلَى الثَّانِي يُعَايَى بها
وَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عن غَيْرِهِ فقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لم يُؤْمَرْ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَنَصِّ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنْ أَحْرَمَ بِهِ من مِيقَاتٍ فَلَا وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ من النَّفَقَةِ ما بَيْنَهُمَا
____________________
(3/422)
وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ لم يَضْمَنْ كَتَمَتُّعِهِ وفي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُعْذَرُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ لم يَضْمَنْ وفي الرِّعَايَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ
وَعُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ كَإِفْرَادِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ لِأَنَّهُ أَحَلَّ فيها من الْمِيقَاتِ
وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ وَأَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ وَيَرُدُّ نَفَقَةً قَدْرَ ما يَتْرُكُهُ من إحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ من الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقال في الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وأن من تَمَتُّعٍ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا
وَإِنْ اسْتَنَابَ شَخْصًا في حَجَّةٍ وَاسْتَنَابَهُ آخَرُ في عُمْرَةٍ فَقَرَنَ ولم يَأْذَنَا له صَحَّا له وَضَمِنَ الْجَمِيعَ كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أو عَكْسَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَقَعُ عنهما وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ من لم يَأْذَنْ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ في صِفَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وفي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ من أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُمَا لَا ضَمَانَ هُنَا وهو مُتَّجَهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَضَمَانُ الْجَمِيعِ
وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَقَرَنَ لِنَفْسِهِ فَالْخِلَافُ
وَإِنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ حَجَّ أو اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ ولم يَضْمَنْ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ لِنَفْسِهِ
وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامٍ من مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أو من غَيْرِهِ أو من بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ من مِيقَاتٍ أو في عَامٍ أو في شَهْرٍ فَخَالَفَ فقال بن عَقِيلٍ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَجُوزُ لِإِذْنِهِ فيه بِالْجُمْلَةِ وقال في الِانْتِصَارِ وَلَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ ما أَمَرَهُ بِهِ وَجَبَ رَدُّ ما أَخَذَهُ
وَيَأْتِي في أَوَاخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَعْضُ أَحْكَامِ من حَجَّ عن غَيْرِهِ
____________________
(3/423)
بَابُ الْمَوَاقِيتِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى قَوْلُهُ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ من الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ
اعْلَمْ أَنَّ بين ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ أو تِسْعَةٌ وهو أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَقِيلَ أَكْثَرُ من سَبْعِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ مِائَتَا مِيلٍ إلَّا مِيلَيْنِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أو سَبْعَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ كَبِيرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَرَأَيْت من وَهَّمَ قَوْلَ من قال إنَّ بَيْنَهُمَا مِيلًا
وَيَلِيهِ في الْبُعْدِ الْجُحْفَةُ وَهِيَ على ثَلَاثِ مَرَاحِلَ من مَكَّةَ وَقِيلَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أو سِتَّةٌ وَوَهَمَ من قال ثَلَاثٌ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ وَقِيلَ أَقْرَبُهَا ذَاتُ عِرْقٍ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ قَرْنٌ عن مَكَّةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ويلملم لَيْلَتَانِ
وَرَأَيْت في شَرْحِ الْحَافِظِ بن حَجَرٍ أَنَّ بين يَلَمْلَمُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَيْنِ ثَلَاثُونَ مِيلًا وَبَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَالْمَسَافَةُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا
فَقَرْنٌ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَهِيَ نجد الْيَمَنُ وَنَجْدُ الْحِجَازُ وَالطَّائِفُ وَذَاتُ عِرْقٍ لِلْمَشْرِقِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ
الثَّانِيَةُ هذه الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ فإنه مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لم
____________________
(3/424)
يَعْلَمُوا بِتَوْقِيتِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ذَاتَ عِرْقٍ فقال ذلك بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ كان مُوَفَّقًا لِلصَّوَابِ انْتَهَى
قُلْت يَتَعَيَّنُ ذلك وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُوَقِّتَ لهم
الثَّالِثَةُ الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ من أَوَّلِ جُزْءٍ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ من آخِرِهِ جَازَ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ عليها من غَيْرِهِمْ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ مَرَّ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ على ذِي الْحُلَيْفَةِ أو من غَيْرِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ على غَيْرِهِ لم يَكُنْ لهم مُجَاوَزَتُهُ إلَّا مُحْرِمِينَ نَصَّ عليه وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْجُحْفَةِ إذَا كان من أَهْلِ الشَّامِ وَجَعَلَهُ في الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا من عِنْدِهِ وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ وهو مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ من مَوْضِعِهِ
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو كان له مَنْزِلَانِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ من أَقْرَبِهِمَا إلَى الْبَيْتِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِحْرَامَ من الْبَعِيدِ أَوْلَى وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ
قَوْلُهُ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ
سَوَاءٌ كان من اهلها أو من غَيْرِهِمْ وَسَوَاءٌ كان في مَكَّةَ أو في الْحَرَمِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَكُلَّمَا تَبَاعَدَ كان أَفْضَلَ
وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى أَنَّ من كان بِمَكَّةَ من غَيْرِ أَهْلِهَا إذَا أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ من دُونِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ
وَعَنْهُ من اعْتَمَرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ بن عَقِيلٍ وزاد غَيْرُ وَاحِدٍ فيها من أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عن الْآفَاقِيِّ وَبِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ
____________________
(3/425)
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ من التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ وَبَعْدَهَا إذَا أَحْرَمَ من الْحَرَمِ بها وَفِعْلُ الْعُمْرَةِ في كل سَنَةٍ وَتَكْرَارُهَا
قَوْلُهُ وإذا أَرَادُوا الْحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ
هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كان مَكِّيًّا أو غير مَكِّيٍّ إذَا كان فيها قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا تَرْجِيحَ يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَهُ من الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ في الْفَضِيلَةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ وَيَحْرُمُ من الْمَسْجِدِ قال في الْفُرُوعِ ولم أَجِدْ عنه خِلَافَهُ ولم يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا في الْإِيضَاحِ فإنه قال يُحْرِمُ بِهِ من الْمِيزَابِ
قُلْت وَكَذَا قال في الْمُبْهِجِ
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لهم الْإِحْرَامُ من الْحَرَمِ وَالْحِلِّ وَلَا دَمَ عليهم على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وبن مَنْصُورٍ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ إنْ فَعَلَ ذلك فَعَلَيْهِ دَمٌ
وَعَنْهُ إنْ أَحْرَمَ من الْحِلِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ من أَحْرَمَ من الْحَرَمِ صَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّاظِمِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وقال إنْ مَرَّ في الْحَرَمِ قبل مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عليه وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ فِيمَنْ اعْتَمَرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ من أَهْلِ مَكَّةَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ
وَعَنْ أَحْمَدَ الْمُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ عن غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عن نَفْسِهِ وَاجِبًا أو نَفْلًا أو أَحْرَمَ عن نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عن غَيْرِهِ أو عن إنْسَانٍ ثُمَّ عن آخَرَ يُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وقال في التَّرْغِيبِ لَا خِلَافَ فيه قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
____________________
(3/426)
وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ بِخِلَافِ ما جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وروى هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ لَكِنْ بَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ
وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَمَنْ لم يَكُنْ طَرِيقُهُ على مِيقَاتِ فإذا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ أَحْرَمَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ فَإِنْ تَسَاوَيَا في الْقُرْبِ إلَيْهِ فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عن مَكَّةَ وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِيقَاتَ من خَرَجَ عن الْمَوَاقِيتِ إذَا حَاذَاهَا
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ لم يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عن مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجَهٌ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه سَوَاءٌ أَرَادَ نُسُكًا أو مَكَّةَ وَكَذَا لو أَرَادَ الْحَرَمَ فَقَطْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ مُطْلَقًا من غَيْرِ إحْرَامٍ إلَّا أَنْ يريد ( ( ( يرد ) ) ) نُسُكًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ لِلْخَبَرِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَظَاهِرُ النَّصِّ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ
مُرَادُهُ إذَا كان مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا فَلَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ أو عَبْدٌ أو صَبِيٌّ ثُمَّ لَزِمَهُمْ بِأَنْ أَسْلَمَ أو بَلَغَ أو عَتَقَ أَحْرَمُوا من مَوْضِعِهِمْ من غَيْرِ دَمٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْمُذْهَبِ لَا دَمَ على الْكَافِرِ عِنْدَ أبي مُحَمَّدٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
____________________
(3/427)
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَعَنْهُ في الْكَافِرِ يُسْلِمُ يُحْرِمُ من الْمِيقَاتِ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ كَالْمُسْلِمِ وهو مُتَمَكِّنٌ من الْمَانِعِ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يَتَخَرَّجُ في الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَكَذَلِكَ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ وَهُمَا مِثْلُهُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ وَأَوْلَى انْتَهَى
قُلْت لو قِيلَ بِالدَّمِ عَلَيْهِمَا دُونَ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ لَكَانَ له وَجْهٌ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا من الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ من التَّخْرِيجِ وقال الرِّوَايَةُ التي كانت في الْكَافِرِ مَبْنِيَّةٌ على أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى
وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وبنا ( ( ( وبنى ) ) ) بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ في الْكَافِرِ على أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ
وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ دَمٌ إنْ لم يُحْرِمُوا من الْمِيقَاتِ
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فإنه يُحْرِمُ من مَوْضِعِ إفَاقَتِهِ وَلَا دَمَ عليه
فَائِدَةٌ لو تَجَاوَزَ الْمُحْرِمُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ في الْأَصَحِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ يَقْضِيهِ وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ
قَوْلُهُ إلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أو حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَالْحَطَّابِ
وَالْفَيْجِ وَنَقْلِ الْمِيرَةِ وَالصَّيْدِ وَالِاحْتِشَاشِ وَنَحْوِ ذلك وَكَذَا تَرَدُّدُ الْمَكِّيِّ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ وَيَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الْحُدُودِ هل يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ
____________________
(3/428)
قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ بَدَا له النُّسُكُ أَحْرَمَ من مَوْضِعِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ من الْمِيقَاتِ وَلَا دَمَ عليه ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَاحِدًا
قَوْلُهُ وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ رَجَعَ فَأَحْرَمَ منه
يَعْنِي يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لَكِنْ ذلك مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أو غَيْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ
قال في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ انْتَهَى
قُلْت قال في الرِّعَايَةِ وفي وُجُوبِ رُجُوعِهِ مُحِلًّا لِيُحْرِمَ منه مع أَمْنِ عَدُوٍّ وَفَوْتِ وَقْتِ حَجٍّ وَجْهَانِ
وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَى بن عَقِيلٍ أَنَّهُ إنْ لم يَخَفْ عَدُوًّا وَلَا فَوْتًا لَزِمَهُ الرُّجُوعُ وَالْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو رَجَعَ فَأَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ قبل إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وحكى وَجْهٌ عليه دَمٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْرَمَ من مَوْضِعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ
هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا
وَعَنْهُ يَسْقُطُ الدَّمُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي كَالْعَالِمِ الْعَامِدِ بِلَا نِزَاعٍ وَالْمُكْرَهُ كَالْمُطِيعِ
____________________
(3/429)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال في الْفُرُوعِ وقال أَصْحَابُنَا في الْمُكْرَهِ قال وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ على مُكْرَهٍ أو أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ
وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ دَمٌ
الثَّانِيَةُ لو أَفْسَدَ نُسُكَهُ هذا لم يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوِزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ مُهَنَّا يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قبل مِيقَاتِهِ
أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ قبل الْمِيقَاتِ لَكِنَّهُ لو فَعَلَ غير الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْجَوَازَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ من الْمِيقَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَنَقَلَ صَالِحٌ إنْ قَوِيَ على ذلك فَلَا بَأْسَ
قَوْلُهُ وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قبل أَشْهُرِهِ
يَعْنِي أَنَّ هذا هو الِاخْتِيَارُ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
نَقَلَ أبو طَالِبٍ وَسِنْدِيٌّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يريد ( ( ( يرد ) ) ) فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذلك
قال الْقَاضِي بِنَاءً على أَصْلِهِ في فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وبن حَامِدٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ وقال وقد يُبْنَى الْخِلَافُ على الْخِلَافِ في الْإِحْرَامِ فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ صَحَّ كَالْوُضُوءِ وَإِنْ قُلْنَا رُكْنٌ لم يَصِحَّ وقد يُقَالُ على الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا انْتَهَى
وَنَقَلَ عبد اللَّهِ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ أَجْزَأَ عنها وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عنها
____________________
(3/430)
وَقَوْلُهُ يتحلل ( ( ( تحلل ) ) ) بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عنها وَنَقَلَهُ بن مَنْصُورٍ وَيُكْرَهُ
قال الْقَاضِي أَرَادَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً لَا يَجُوزُ
قَوْلُهُ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ من ذِي الْحِجَّةِ
فَيَكُونُ يَوْمُ النَّحْرِ من أَشْهُرِ الْحَجِّ وهو يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ آخِرُهُ ليلة ( ( ( له ) ) ) النَّحْرُ وَاخْتَارَ بن هُبَيْرَةَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الْحِنْثِ بِهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وهو مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وقال يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ جَوَازُ الْإِحْرَامِ فيها على خِلَافِ ما سَبَقَ وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عنها
وقال الْمَوْلَى من الشَّافِعِيَّةِ لَا فَائِدَةَ فيه إلَّا في كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فيها
وَنَقَلَ في الْفَائِقِ عن بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ قال فَائِدَةُ الْخِلَافِ خُرُوجُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عن الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَلُزُومُ الدَّمِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْعُمْرَةِ في صِفَةِ الْعُمْرَةِ بَابُ الْإِحْرَامِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْإِحْرَامُ هو نِيَّةُ النُّسُكِ وَهِيَ كَافِيَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ رِوَايَةً أَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ كَافِيَةٌ مع التَّلْبِيَةِ أو سَوْقِ الْهَدْيِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
الثَّانِيَةُ لو أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ وَقَطَعَ بِهِ بن
____________________
(3/431)
عَقِيلٍ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فيه فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فَيَكُونُ بَاطِلًا ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ هل يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ
الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وهو صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ وَتَقَدَّمَ ذلك
فَائِدَةٌ إذَا لم يَجِدْ مَاءً فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ قال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْغُسْلِ وَيَتَيَمَّمُ في الْأَصَحِّ لِحَاجَةٍ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يتيمم ( ( ( تيمم ) ) ) في الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ له التَّيَمُّمُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ
قَوْلُهُ وَيَتَطَيَّبُ
يَعْنِي في بَدَنِهِ وَسَوَاءٌ كان له جِرْمٌ أو لَا فَأَمَّا تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ يَحْرُمُ
وَقِيلَ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ كَتَطْيِيبِ بَدَنِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
قال الزَّرْكَشِيُّ وقد شَمِلَهُ كَلَامُ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
وَيَأْتِي هل له اسْتِدَامَةُ ذلك وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ له لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ
____________________
(3/432)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ إزَارًا ورداءا ( ( ( ورداء ) ) )
فَالرِّدَاءُ يَضَعُهُ على كَتِفَيْهِ وَالْإِزَارُ في وَسَطِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ إخْرَاجَ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ من الرِّدَاءِ أَوْلَى
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ إحْرَامُهُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ قال في التَّبْصِرَةِ بَعْضُهُ على عَاتِقِهِ
قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمُ عَقِيبَهُمَا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ صَلَاةٍ إمَّا مَكْتُوبَةٍ أو نَفْلٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ فَقَطْ وإذا رَكِبَ وإذا سَارَ سَوَاءٌ
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ فَرْضٍ إنْ كان وَقْتَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ
فَائِدَةٌ لَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ في وَقْتِ نَهْيٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه الْخِلَافُ الذي في صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ في وَقْتِ النَّهْيِ وقد مَرَّ وَلَا يُصَلِّيهِمَا أَيْضًا من عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ
قال بن منجا إنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ ما هو فَإِنْ قِيلَ النِّيَّةُ قِيلَ فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ وَنِيَّةُ النِّيَّةِ لَا تَجِبُ لَمَا فيه من التَّسَلْسُلِ وَإِنْ قِيلَ التَّجَرُّدُ فَالتَّجَرُّدُ ليس رُكْنًا في الْحَجِّ وَلَا شَرْطًا وِفَاقًا وَالْإِحْرَامُ قِيلَ إنَّهُ أَحَدُهُمَا
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ النِّيَّةُ وَالتَّجَرُّدُ هَيْئَةٌ لها وَالنِّيَّةُ لَا تَجِبُ لها النِّيَّةُ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ مَعْنَاهُ يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا
____________________
(3/433)
مُعَيَّنًا وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ انْتَهَى
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْ يُسْتَحَبُّ فيقول اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ إلَى آخِرِهِ
أَنَّهُ يقول ذلك بِلِسَانِهِ أو بِمَا في مَعْنَاهُ وهو صَحِيحٌ فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِقَلْبِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الِاشْتِرَاطُ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الِاشْتِرَاطَ لِلْخَائِفِ فَقَطْ وَنَقَلَ أبو دَاوُد إنْ اُشْتُرِطَ فَلَا بَأْسَ
فَائِدَةٌ الِاشْتِرَاطُ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ
أَحَدَهُمَا إذَا عَاقَهُ عَدُوٌّ أو مَرَضٌ أو ذَهَابُ نَفَقَةٍ أو نَحْوُهُ جَازَ له التَّحَلُّلُ
الثَّانِيَ لَا شَيْءَ عليه بِالتَّحَلُّلِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ في آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ لَكِنْ قَوْلُنَا جَازَ له التَّحَلُّلُ هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ يُحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْحَصْرِ وهو ظَاهِرُ الحديث
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه مِرَارًا كَثِيرَةً وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَصَالِحٍ يَخْتَارُ التَّمَتُّعَ لِأَنَّهُ آخِرُ ما أَمَرَ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَعَنْهُ إنْ سَاقَ الهدى فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ رَوَاهَا الْمَرُّوذِيُّ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هو الْمَذْهَبُ وقال وَإِنْ اعْتَمَرَ وَحَجَّ في سَفْرَتَيْنِ أو اعْتَمَرَ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الآئمة الْأَرْبَعَةِ وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ في الصُّورَةِ الْأُولَى وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَفْضَلُ من الثَّانِيَةِ
____________________
(3/434)
نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ في الصُّورَةِ الْأُولَى
فَائِدَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في حَجَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ حتى اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ هل حَلَّ من عُمْرَتِهِ فيه وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَحْمَدَ لَا شَكَّ أَنَّهُ كان قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ
قَوْلُهُ وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ
هذا هو الصَّحِيحُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وفي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ هو أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَطْلَقَ منهم صَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ من مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَأَطْلَقُوا منهم الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وبن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ في أَشْهُرِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ وَيَفْرُغَ منها
هَكَذَا قال الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ قال الْأَصْحَابُ وَيَفْرُغَ منها
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْخِرَقِيِّ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيَتَحَلَّلُ
وقال الزَّرْكَشِيُّ وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ من عَامِهِ قال وقد أَشَارَ الشَّيْخَانِ إلَى ذلك فَقَالَا حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ ذلك قال وَلَا يَغُرَّنَّك ما وَقَعَ في كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ من أَنَّ التَّمَتُّعَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ في
____________________
(3/435)
أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ منها ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ الخ فإن هذا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ
وَمِنْ هُنَا قُلْنَا إنَّ تَمَتُّعَ حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحٌ على الْمَذْهَبِ انْتَهَى
وقال في الْمُحَرَّرِ فَالتَّمَتُّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ قبل الْحَجِّ في أَشْهُرِهِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ولم يَقُولُوا وَيَفْرُغَ منها وَيَأْتِي أَيْضًا في شُرُوطِ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ على التَّمَتُّعِ هل النِّيَّةُ شَرْطٌ في التَّمَتُّعِ أَمْ لَا
قُلْت ما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَرُدُّ على كَلَامِ الْأَصْحَابِ في قَوْلِهِمْ وَيَفْرُغَ منها إذْ الْفَرَاغُ لَا بُدَّ منه على كل مُتَمَتِّعٍ سَوَاءٌ كان آفَاقِيًّا أو مَكِّيًّا إذْ لو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قبل فَرَاغِ الْعُمْرَةِ لَكَانَ قَارِنًا لَا دَمَ عليه لِأَجْلِ تَمَتُّعِهِ لآنه انْتَقَلَ عن التَّمَتُّعِ إلَى الْقِرَانِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عليه دَمَ الْقِرَانِ كما يَأْتِي في شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْمُتَمَتِّعِ وَقَالَهُ هو في الشُّرُوطِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ادَّعَاهُ عَدَمُ صِحَّةِ عُمْرَةِ الْمَكِّيِّ فإن الْأَصْحَابَ قالوا يَفْرُغَ منها وَقَالُوا يَصِحُّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ فإذا تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا بُدَّ من فَرَاغِهِ منها وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّمَتُّعِ إلَّا بِفَرَاغِهِ من الْعُمْرَةِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذلك لِلْمَكِّيِّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
وَيَأْتِي في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ هل يَحِلُّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ من الْعُمْرَةِ ولم يَسُقْ الهدى إذَا كان مُلَبَّدًا أَمْ لَا
وَيَأْتِي أَيْضًا في شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ على الْمُتَمَتِّعِ هل النِّيَّةُ شَرْطٌ في التَّمَتُّعِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ أو من قَرِيبٍ منها في عَامِهِ
هَكَذَا زَادَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَقَلَهُ حَرْبٌ وأبو دَاوُد يَعْنِي أَنَّهُمْ قالوا من مَكَّةَ أو من قَرِيبٍ منها وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ لَكِنْ قَيَّدَ الْقُرْبَ بِالْحَرَمِ وَاَلَّذِي عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُحْرِمُ
____________________
(3/436)
في عَامِهِ ولم يَقُولُوا من مَكَّةَ وَلَا من قَرِيبٍ منها وَنَسَبَهُ في الْفُرُوعِ إلَى الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وزاد بَعْضُ الْأَصْحَابِ فقال يُحْرِمُ في عَامِهِ من مَكَّةَ ولم يذكر قَرِيبًا منها منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْكَافِي وبن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
قَوْلُهُ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا
هذا بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ يَعْتَمِرُ بَعْدَ ذلك ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقُوا منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قال جَمَاعَةٌ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ
قال في الْفَائِقِ هو أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ من أَدْنَى الْحِلِّ وَكَذَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ زَادَ بَعْضُهُمْ على ذلك وَعَنْهُ بَلْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَاتِ وهو صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وقال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ الْإِفْرَادُ أَنْ لَا يَأْتِيَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَجْوَدُ
قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَحَلَّلَ منه في يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ فيه بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ في ظَاهِرِ ما نَقَلَهُ بن هَانِئٍ ليس على مُعْتَمِرٍ بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ لِأَنَّهُ في حُكْمِ ما ليس من أَشْهُرِهِ بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ فيه وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ
قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ من الْأَوَّلِ صَحَّ
وقال في الْفُصُولِ الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ في أَشْهُرِهِ فإذا تَحَلَّلَ منه أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ
قَوْلُهُ وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جميعا
هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْمُحَرَّرِ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في مُدَّةِ الْإِحْرَامِ وقال آخَرُونَ يُحْرِمُ بِهِمَا جميعا من الْمِيقَاتِ
____________________
(3/437)
منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ أو يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عليها الْحَجَّ
أَطْلَقَ ذلك أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ من مَكَّةَ أو قُرْبِهَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ على الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ بِهِ في أَشْهُرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ذلك
الثَّانِيَةُ لو شَرَعَ في طَوَافِ الْعُمْرَةِ لم يَصِحَّ إدْخَالُ الْحَجِّ عليها كما لو سَعَى إلَّا لِمَنْ معه هدى فإنه يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا بِنَاءً على الْمَذْهَبِ من أَنَّ من معه الهدى لَا يَجُوزُ له التَّحَلُّلُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ من عُمْرَةٍ أو حَجٍّ أو هُمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَعَنْ أبي الْخَطَّابِ لَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أَحْرَمَ بِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه الْعُمْرَةَ لم يَصِحَّ إحْرَامُهُ بها ولم يَصِرْ قَارِنًا
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ فيه خِلَافٌ
وَقِيلَ يَجُوزُ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ على الْحَجِّ ضَرُورَةً
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَهَا لِتَأَكُّدِ الْحَجِّ بِفِعْلِ بَعْضِهِ وَعَلَيْهِ بِرَفْضِهَا دَمٌ وَيَقْضِيهَا
فَائِدَةٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَالْمُفْرِدِ في الْإِجْزَاءِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
____________________
(3/438)
وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ كما يَتَأَخَّرُ الْحِلَاقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَوَطْؤُهُ قبل طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَعَنْهُ على الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَعَنْهُ على الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو حَفْصٍ لِعَدَمِ طَوَافِهَا
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ أَنَّ عَمْرَةَ الْقَارِنِ تُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ على فِعْلِ الْحَجِّ كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبل طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لها فَقِيلَ تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ ثُمَّ يَعْتَمِرُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَقِيلَ لَا تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ فإذا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لها ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ سَعَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَيَأْتِي هل لِلْقِرَانِ إحْرَامَانِ أو إحْرَامٌ وَاحِدٌ في آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ قبل قَوْلِهِ وَكُلُّ هَدْيٍ أو إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ على الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ
فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا دَمُ نُسُكٍ لَا دَمُ جُبْرَانَ
أَمَّا الْقَارِنُ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ عليه هدى وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ على الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا في كِتَابِهِ وَالْقَارِنُ إنَّمَا روى أَنَّ عُمَرَ قال لِلصَّبِيِّ اذْبَحْ تَيْسًا
وَسَأَلَهُ بن مُشَيْشٍ الْقَارِنُ يَجِبُ عليه الدَّمُ وُجُوبًا فقال كَيْفَ يَجِبُ عليه وُجُوبًا وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ قال في الْفُرُوعِ فَتَتَوَجَّهُ منه رِوَايَةٌ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ الدَّمُ دَمَ نُسُكٍ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الصَّحِيحُ من
____________________
(3/439)
الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْمُبْهِجِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ ليس بِدَمِ نُسُكٍ يعينان ( ( ( يعنيان ) ) ) بَلْ دَمُ جُبْرَانَ
فَائِدَةٌ لَا يَلْزَمُ الدَّمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كما قال الْمُصَنِّفُ وَقَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أو إلَى الْمِيقَاتِ إنْ قُلْنَا بِهِ كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ لِأَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ بَاقٍ بَعْدَ السَّفَرِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ انْتَهَى
وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَيَجِبُ الدَّمُ عليه بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ
أَحَدِهَا ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وهو إذَا لم يَكُنْ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذَا شَرْطٌ في وُجُوبِهِ إجْمَاعًا وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كان منها دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من نَفْسِ مَكَّةَ وهو اخْتِيَارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن منجا في شَرْحِهِ
وَقِيلَ أَوَّلُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من آخِرِ الْحَرَمِ وهو الْمَذْهَبُ وَذَكَرَهُ بن هُبَيْرَةَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى من له مَنْزِلٌ قَرِيبٌ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَنْزِلٌ بَعِيدٌ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فلم يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ من الْقَرِيبِ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إقَامَتَهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِمَالِهِ ثُمَّ بِبَنِيهِ ثُمَّ الذي أَحْرَمَ منه
الثَّانِيَةُ لو دخل آفَاقِيٌّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بها بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ أو نَوَاهَا
____________________
(3/440)
بَعْدَ فَرَاغِهِ منه فَعَلَيْهِ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَحَكَى وَجْهًا لَا دَمَ عليه
الثَّالِثَةُ لو اسْتَوْطَنَ آفَاقِيٌّ مَكَّةَ فَهُوَ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
الرَّابِعَةُ لو اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الشَّامَ أو غَيْرَهَا ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا لَزِمَهُ الدَّمُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ لَا دَمَ عليه كَسَفَرِ غَيْرِ مَكِّيٍّ ثُمَّ عودة
الشَّرْطِ الثَّانِي أَنْ يَعْتَمِرَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ عُمْرَتُهُ في الشَّهْرِ الذي أَهَلَّ فيه وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَنَا بِالشَّهْرِ الذي أَحْرَمَ فيه فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ في رَمَضَانَ ثُمَّ حَلَّ في شَوَّالٍ لم يَكُنْ مُتَمَتِّعًا نَصَّ عليه في رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ
الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَحُجَّ من عَامِهِ
الشَّرْطِ الرَّابِعِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بين الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ فَأَحْرَمَ فَلَا دَمَ عليه نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالَا ولم يُحْرِمْ بِهِ من مِيقَاتٍ أو يُسَافِرُ سَفَرَ قَصْرٍ وقال في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ من الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عليه وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ وقال بن عَقِيلٍ هو رِوَايَةٌ وقال في التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ إنْ سَافَرَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ بِهِ فَوَجْهَانِ
وَنَظِيرُ أَثَرِ الْخِلَافِ في قَرْنٍ مِيقَاتِ أَهْلِ نَجْدٍ فإنه أَقَلُّ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ أَمَّا ما عَدَاهُ فإن بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ على ظَاهِرِ ما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(3/441)
في الْمَوَاقِيتِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ إنَّ أَقْرَبَهَا ذَاتُ عِرْقٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ
الشَّرْطِ الْخَامِسِ أَنْ يَحِلَّ من الْعُمْرَةِ قبل إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ يَحِلُّ أَوَّلًا فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قبل حَلِّهِ منها صَارَ قَارِنًا
الشَّرْطِ السَّادِسِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ من الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ أبو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَحْرَمَ منه لم يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من دُونِ الْمِيقَاتِ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْإِحْرَامِ من دُونِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ لم يَقُمْ ولم يَنْوِهَا بِهِ وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ وَرَدُّوا ما قَالَهُ الْقَاضِي
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِعُمْرَةٍ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ من التَّنْعِيمِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ من عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَا وفي نَصِّهِ على هذه الصُّورَةِ تَنْبِيهٌ على إيجَابِ الدَّمِ في الصُّورَةِ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
الشَّرْطِ السَّابِعِ نِيَّةُ الْمُتَمَتِّعِ في ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أو في أَثْنَائِهَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ الْأَكْثَرُ
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَنْوِي في الْأَصَحِّ وقال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَنْوِي في الْأَظْهَرِ وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
____________________
(3/442)
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ التسكين ( ( ( النسكين ) ) ) عن وَاحِدٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عن غَيْرِهِ أو عَكْسِهِ أو فَعَلَ ذلك عن اثْنَيْنِ كان عليه دَمُ الْمُتْعَةِ
وقال في التَّلْخِيصِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ النُّسُكَانِ عن شَخْصٍ وَاحِدٍ إمَّا عن نَفْسِهِ أو عن غَيْرِهِ فَإِنْ كان عن شَخْصَيْنِ فَلَا تَمَتُّعَ لِأَنَّهُ لم يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ الثَّانِي من الْمِيقَاتِ إذَا كان عن غَيْرِ الْأَوَّلِ
وَالْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ في الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَنَى عَلَيْهِمَا وَالْمَجْدُ يُوَافِقُهُ في الْأَصْلِ الثَّانِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِ مُخَالَفَتُهُ في الْأَوَّلِ
الثَّانِيَةُ لَا تُعْتَبَرُ هذه الشُّرُوطُ في كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يُعْتَبَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ فإن الْمُتْعَةَ تَصِحُّ من الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ كَالْإِفْرَادِ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ ليس لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ
قال الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ مَعْنَاهُ ليس عليهم دَمُ مُتْعَةٍ
وقال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت قد يُقَالُ إنَّ هذا من الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِنَاءً على أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ عليهم فَلَا مُتْعَةَ عليهم أَيْ الْحَجُّ كَافِيهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عليهم فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا انْتَهَى
وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً لَا تَصِحُّ الْمُتْعَةُ منهم قال بن أبي مُوسَى لَا مُتْعَةَ لهم وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
الثَّالِثَةُ لَا يَسْقُطُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِإِفْسَادِ نُسُكِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ يَسْقُطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وقال الْقَاضِي إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِلْإِفْسَادِ دَمَانِ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ انْتَهَى
____________________
(3/443)
الرَّابِعَةُ لَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا أَيْضًا بِفَوَاتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَسْقُطُ
الْخَامِسَةُ إذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ دَمٌ وَلِقِرَانِهِ الثَّانِي آخَرُ وفي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وقال الْمُصَنِّفُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمٌ لِقِرَانِهِ وَدَمٌ لِفَوَاتِهِ وإذا قَضَى الْقَارِنُ مُفْرِدًا لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ وزاد في الْفُصُولِ يَلْزَمُهُ دَمٌ ثَالِثٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فإذا فَرَغَ من قَضَى مُفْرِدًا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من الْأَبْعَدِ كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ وإذا قَضَى مُتَمَتِّعًا فإذا تَحَلَّلَ من الْعُمْرَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ من الْأَبْعَدِ
السَّادِسَةُ يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَرَدَّ ما نُقِلَ عنه خِلَافُهُ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِالْوُقُوفِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهُ في الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا في الْكَافِي ولم يذكر غَيْرَهُمَا وكذا قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وقال بن الزَّاغُونِيُّ في الْوَاضِحِ يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْإِحْرَامِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَعَنْهُ يَلْزَمُ بإحرام ( ( ( إحرام ) ) ) الْعُمْرَةِ لِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ إذَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْنِيَ عليها ما إذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ يَخْرُجُ عنه من تَرِكَتِهِ
وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَائِدَةُ الرِّوَايَاتِ إذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ فَمَتَى يَثْبُتُ الْعُذْرُ فيه الرِّوَايَاتُ
445
تَنْبِيهَانِ
____________________
(3/444)
أَحَدُهُمَا هذا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ في لُزُومِ الدَّمِ
وَأَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ فَجَزَمَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قبل وُجُوبِهِ قال في الْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ قبل فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قال فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ إذَا وَجَبَ لِقَوْلِهِ { وَلَا تَحْلِقُوا رؤوسكم ( ( ( رءوسكم ) ) ) حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فَلَوْ جَاوَزَ قبل يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحَلْقُ لِوُجُودِ الْغَايَةِ قال وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ في الْمُحْصَرِ وَيَنْبَنِي على عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَلِأَنَّهُ لو جَازَ لَنَحَرَهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَصَارَ كَمَنْ لَا هدى معه وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا وكان له نِيَّةٌ أو فَعَلَ الْأَفْضَلَ وَلِمَنْعِ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِهِ انْتَهَى
وقد جَزَمَ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ وَقْتَ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ
وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَجُوزُ له نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ أَوْلَى من الصَّوْمِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَحَمَلَ رِوَايَةَ بن مَنْصُورٍ بِذَبْحِهِ يوم النَّحْرِ على وُجُوبِهِ يوم النَّحْرِ
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ وَمَعَهُ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ لَا يَضِيعُ أو يَمُوتُ أو يُسْرَقُ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قال في الْكَافِي وَإِنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ نَحَرَهُ وَإِنْ قَدِمَ بِهِ في الْعَشْرِ لم يَنْحَرْهُ حتى يَنْحَرَهُ بِمِنًى اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاقْتَصَرَ عليه
الثَّانِي هذا الْحُكْمُ مع وُجُودِ الهدى لَا مع عَدَمِهِ
وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَثْنَاءِ بَابِ الْفِدْيَةِ
____________________
(3/445)
قَوْلُهُ وَمَنْ كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا له أَنْ يَفْسَخَ إذَا طَافَ وَسَعَى وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً لِأَمْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ
اعْلَمْ أَنَّ فَسْخَ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَبٌّ بشرطه ( ( ( بشرط ) ) ) نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ بِالْجَوَازِ وَأَرَادُوا فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مع الْمُخَالِفِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ لَكِنْ الْمُصَنِّفُ هُنَا ذَكَرَ الْفَسْخَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال هذا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ
وَعَنْ بن عَقِيلٍ الطَّوَافُ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ هو الْفَسْخُ وَبِهِ حَصَلَ رَفْضُ الْإِحْرَامِ لَا غَيْرُ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَسْخِ وما يَنْفَسِخُ بِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَهَذَا جَيِّدٌ وَالْأَحَادِيثُ لَا تَأْبَاهُ انْتَهَى
وقال في الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وهو مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِلْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ أَنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَا وَقَفَا بِعَرَفَةَ وَلَا سَاقَا هَدْيًا فلم يُفْصِحُوا بِوَقْتِ الْفَسْخِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْفَسْخِ سَوَاءٌ طَافَا وَسَعَيَا أو لَا إذَا لم يَقِفَا بِعَرَفَةَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَغُرَّنَّك كَلَامُ بن منجا فإنه قال ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ شَرْطٌ في اسْتِحْبَابِ الْفَسْخِ قال وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قبل الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ وَسَعَى ثُمَّ فَسَخَ يَحْتَاجُ إلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ ولم يُرِدْ مِثْلَ ذلك
قال وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لَأَحْبَبْنَا له أَنْ يَفْسَخَ وَقْتَ طَوَافِهِ أَيْ وَقْتَ جَوَازِ طَوَافِهِ انْتَهَى كَلَامُ بن منجا وَغَفَلَ عن كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
____________________
(3/446)
وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَكَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَأْبَى ذلك
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ في كَلَامِهِمْ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافًا ثَانِيًا كما زَعَمَ بن منجا انْتَهَى
قُلْت قال في الْكَافِي يُسَنُّ لَهُمَا إذَا لم يَكُنْ مَعَهُمَا هَدْيٌ أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ وَيَنْوِيَا عُمْرَةً وَيَحِلَّا من إحْرَامِهِمَا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَتَقْصِيرٍ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُ بن منجا إنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قبل الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ليس كَذَلِكَ بَلْ قد يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَهَا إن الْفَسْخَ إنَّمَا هو بَعْدَ الطَّوَافِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فإنه كَالنَّصِّ فإن الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ إنَّمَا هو بَعْدَ طَوَافِهِمْ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ لَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ زَادَ الْمُصَنِّفُ إذَا طَافَا وَسَعَيَا فَيَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهِمَا ذلك عُمْرَةً مُفْرَدَةً فإذا فَرَغَا منها وَحَلَّا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ
وقال في الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ لو ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لم يَبْعُدْ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجِبُ على من اعْتَقَدَ عَدَمَ مَسَاغِهِ نَقَلَهُ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد سَاقَ هَدْيًا فَيَكُونُ على إحْرَامِهِ
هذا شَرْطٌ في صِحَّةِ فَسْخِ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَأْتِي حِكَايَةً الخلاف بَعْدَ هذا
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ لم يَقِفْ بِعَرَفَةَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ ولو ( ( ( لو ) ) ) سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لم يَكُنْ له أَنْ يَحِلَّ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ فَعَلَى هذا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قبل تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ فإذا ذَبَحَهُ يوم النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا نَصَّ عليه
____________________
(3/447)
نَقَلَ أبو طَالِبٍ الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ من التَّحَلُّلِ من جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ في الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا المذهب وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يَحِلُّ كَمَنْ لم يُهْدِ وهو مُقْتَضَى ما نَقَلَهُ يُوسُفُ بن مُوسَى قَالَهُ الْقَاضِي
وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ أَيْضًا فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أو مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ هَدْيٌ له أَنْ يُقَصِّرَ من شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً
وَعَنْهُ إنْ قَدِمَ قبل الْعَشْرِ نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ
وَنَقَلَ يُوسُفُ بن مُوسَى فِيمَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا معه هَدْيٌ إنْ قَدِمَ في شَوَّالٍ نحره ( ( ( نحوه ) ) ) وَحَلَّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ وَإِنْ قَدِمَ في الْعَشْرِ لم يَحِلَّ فَقِيلَ له خَبَرُ مُعَاوِيَةَ فقال إنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ
قال الْقَاضِي ظَاهِرُهُ يَتَحَلَّلُ قبل الْعَشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ إحْرَامُهُ وقال الْمُصَنِّفُ يَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ له التَّحَلُّلَ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ
وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ فإنه يَلْزَمُهُ دَمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عن الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّانِيَةُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ ذلك وَاقْتَصَرَ في الْفُرُوعِ على حِكَايَةِ قَوْلِهِمَا
قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قبل فَوْتِ الْحَجِّ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً نَصَّ عليه ولم تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ
____________________
(3/448)
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ في ذلك كُلِّهِ وكذا الْحُكْمُ لو خَافَ غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ نَصَّ عليه وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ وَتَسْقُطُ عنه الْعُمْرَةُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ ولم يُعَيِّنْ نُسُكًا صَحَّ وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى ما شَاءَ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا يَجْعَلُهُ عُمْرَةً وقال الْقَاضِي يَجْعَلُهُ عُمْرَةً إنْ كان في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْلَى كَابْتِدَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وقال في الرِّعَايَةِ إنْ شَرَطْنَا تَعْيِينَ ما أَحْرَمَ بِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ ما أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بمثله
وَكَذَا لو أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا نَعْلَمُهُ ثُمَّ إنْ عَلِمَ ما أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ مِثْلُهُ وَكَذَا لو كان إحْرَامُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما لو أَحْرَمَ هو بِهِ مُطْلَقًا على ما تَقَدَّمَ
قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى ما يصرف ( ( ( يصرفه ) ) ) إلَيْهِ وَلَا إلَى ما كان صَرَفَهُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ
قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ في نَفْسِهِ
وَلَوْ كان إحْرَامُ من أَحْرَمَ بمثله فَاسِدًا فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ لنا فِيمَا إذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً هل تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً أَمْ لَا على ما يَأْتِي في النَّذْرِ
وَلَوْ جَهِلَ إحْرَامَ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ من أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا
وَلَوْ شَكَّ هل أَحْرَمَ الْأَوَّلُ أو لَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ
____________________
(3/449)
ما لو لم يُحْرِمْ فَيَكُونُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وقال فَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْلَمَ أَنَّهُ لم يُحْرِمْ لَجَزَمَ بِالْإِحْرَامِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كان مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فلم يَكُنْ مُحْرِمًا وقال في الْكَافِي حُكْمُهُ حُكْمُ من أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا
بِلَا نِزَاعٍ قال في الْفُرُوعِ مُعَلِّلًا لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِوَاحِدَةٍ فَيَصِحُّ بِهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قال فَدَلَّ على خِلَافٍ هُنَا كَأَصْلِهِ قال وهو مُتَوَجِّهٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ يواحده ( ( ( بواحدة ) ) ) مِنْهُمَا في قَوْلٍ وقال أَيْضًا يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ في انْعِقَادِهِ بِهِمَا
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ أبو دَاوُد وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا قال بن منجا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وقال الْقَاضِي يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّ أَحْمَدَ على الِاسْتِحْبَابِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ على كل تَقْدِيرٍ جَائِزٌ
قال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ فَأُنْسِيهِ أو أَحْرَمَ بِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ أو إفْرَادٍ أو قِرَانٍ جَازَ وَسَقَطَ عنه فَرْضُهُ إلَّا النَّاسِيَ لِنُسُكِهِ إذَا عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ أو بِتَمَتُّعٍ وقد سَاقَ الْهَدْيُ فإنه يُجْزِيهِ عن الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ هل يَجْعَلُهُ عُمْرَةً أو ما شَاءَ
فَائِدَةٌ لو عَيَّنَ الْمَنْسِيُّ بِقِرَانٍ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا دَمَ عليه على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ احْتِيَاطًا وَقِيلَ وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ بِنَاءً على إدْخَالِ الْعُمْرَةِ على الْحَجِّ لِحَاجَةٍ فَيَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ وَلَوْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيُجْزِيهِ عنهما
____________________
(3/450)
وَلَوْ كان شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ جَعَلَهُ عُمْرَةً لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ معه فإذا سَعَى وَحَلَقَ فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيُتَمِّمُهُ وَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْحَلْقِ في غَيْرِ وَقْتِهِ وَإِنْ كان حَاجًّا وَإِلَّا قَدَّمَ مُتْعَةً
وَلَوْ كان شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَجَعَلَهُ حَجًّا أو قِرَانًا تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ ولم يُجْزِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلنُّسُكِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ المنسى عُمْرَةٌ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عليها بَعْدَ طَوَافِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عليه وَلَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ لِلشَّكِّ في سَبَبِهِمَا
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عن رَجُلَيْنِ وَقَعَ عن نَفْسِهِ
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو أَحْرَمَ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَقَعَ عن نَفْسِهِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وقال أبو الْخَطَّابِ يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ قال في الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي له صَرْفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ
فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لو طَافَ شَوْطًا أو سَعَى أو وَقَفَ بِعَرَفَةَ قبل جَعْلِهِ لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ جَعْلُهُ عن نَفْسِهِ على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَبْطُلُ كَذَا قال في الرِّعَايَةِ وَيَضْمَنُ
فَائِدَةٌ يُؤَدَّبُ من أَخَذَ من اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عنهما في عَامٍ وَاحِدٍ لِفِعْلِهِ مُحْرِمًا نَصَّ عليه فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ في عَامٍ في نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ونسبه ( ( ( ونسيه ) ) ) أو تَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عنهما وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ غَرِمَ ذلك وَإِلَّا فَمِنْ تركه الْمُوصِيَيْنِ إنْ كان النَّائِبُ غير مُسْتَأْجِرٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَاهُ
وَإِنْ أَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ولم يَنْسَهُ صَحَّ ولم يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدُ نَصَّ عليه
____________________
(3/451)
قُلْت قد قِيلَ إنَّهُ يُمْكِنُ فِعْلُ حَجَّتَيْنِ في عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِيَسِيرٍ ثُمَّ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قبل طُلُوعِ فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ
قَوْلُهُ وإذا اسْتَوَى على رَاحِلَتِهِ لَبَّى
يَعْنِي إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ التَّلْبِيَةِ عَقِبَ إحْرَامِهِ وهو الْمَذْهَبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ التَّلْبِيَةُ حين يُحْرِمُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَنَقَلَ حَرْبٌ يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَقِيلَ وَاجِبَةٌ اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عن أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ نَقَلَهُ بن إبْرَاهِيمَ قال جَمَاعَةٌ وَعَنْ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عليه زَادَ بَعْضُهُمْ وَنَائِمٍ
وقد ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةَ كَنُطْقِهِ
قُلْت الصَّوَابُ الذي لَا شَكَّ فيه أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ بِالتَّلْبِيَةِ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ بها حَيْثُ عَلِمْنَا إرَادَتَهُ لِذَلِكَ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَبَّى تَلْبِيَةَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ
أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عليها وهو صَحِيحٌ فَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عليها وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ
____________________
(3/452)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عليها وَقِيلَ له الزِّيَادَةُ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَا فيها
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها
الْإِطْلَاقُ فَيَدْخُلُ فيه لو أَحْرَمَ من بَلَدِهِ لَكِنْ الْأَصْحَابُ قَيَّدُوا ذلك بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا في مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهَا وَالْمَنْقُولُ عن أَحْمَدَ إذَا أَحْرَمَ من مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حتى يَبْرُزَ
فَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يُلَبِّي بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِعَدَمِ نَقْلِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا بَعْدَهَا الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
الثَّانِيَةُ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ التَّلْبِيَةِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وقال له الْأَثْرَمُ ماشىء ( ( ( ما ) ) ) يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا فَتَبَسَّمَ وقال لَا أَدْرِي من أَيْنَ جاؤوا ( ( ( جاءوا ) ) ) بِهِ قُلْت أَلَيْسَ يُجْزِيهِ مَرَّةٌ قال بَلَى لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا
وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَلْبِيَتِهِ بِالْعِبَادَةِ
وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا حَسَنٌ فإن اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ
وقال في الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
____________________
(3/453)
قَوْلُهُ وَيُلَبِّي إذَا عَلَا نَشْزًا أو هَبَطَ وَادِيًا وفي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ لمكتوبات ( ( ( المكتوبات ) ) ) وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وإذا الْتَقَتْ الرِّفَاقُ
بِلَا نِزَاعٍ وَيُلَبِّي أَيْضًا إذَا سمع مُلَبِّيًا أو أتى مَحْظُورًا نَاسِيًا أو رَكِبَ دَابَّةً
زَادَ في الرِّعَايَةِ أو نَزَلَ عنها وزاد في الْمُسْتَوْعِبِ وإذا رَأَى الْبَيْتَ
قَوْلُهُ وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ إلَّا بِمِقْدَارِ ما تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا
السُّنَّةُ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا بها أَكْثَرَ من إسْمَاعِ رَفِيقَتِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَمَنَعَهَا في الْوَاضِحِ من ذلك وَمِنْ أَذَانٍ أَيْضًا هذا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا إنَّ صَوْتَهَا ليس بِعَوْرَةٍ
وَإِنْ قُلْنَا هو عَوْرَةٌ فَإِنَّهَا تُمْنَعُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أنها تَقْتَصِرُ على إسْمَاعِ نَفْسِهَا قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ وفي كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَجَمَاعَةٍ لَا تَجْهَرُ إلَّا بِقَدْرِ ما تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يَقْدِرُ عليها قَالَهُ الْأَصْحَابُ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ نُسُكَهُ في التَّلْبِيَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهَا في الْفُرُوعِ
وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ فيها أَوَّلَ مَرَّةٍ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ
وَحَيْثُ ذَكَرَهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَارِنِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قبل الْحَجِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه فيقول لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عليه
وقال الْآجُرِّيُّ يَذْكُرُ الْحَجَّ قبل الْعُمْرَةِ فيقول لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَةً
الثَّالِثَةُ لَا بَأْسَ بِالتَّلْبِيَةِ في طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عن أبي الْخَطَّابِ لَا يُلَبِّي لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ
____________________
(3/454)
فَعَلَى الْأَوَّلِ قال الْأَصْحَابُ لَا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ في طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فيه
وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي يُكْرَهُ إظْهَارُهَا فيه وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ وَجْهًا يُسَنُّ إظْهَارُهَا فيه
وَأَمَّا في السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فقال في الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ وهو مُرَادُ أَصْحَابِنَا
الرَّابِعَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ لِعَدَمِ نَقْلِهِ
قال وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ في أَثْنَاءِ التَّلْبِيَةِ وَمُخَاطَبَتَهُ حتى بِسَلَامٍ وَرَدَّهُ منه كَالْأَذَانِ انْتَهَى
قُلْت قال في الْمُذْهَبِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فَإِنْ سُلِّمَ عليه رَدَّ وَبَنَى
تَنْبِيهٌ هذه أَحْكَامُ فِعْلِ التَّلْبِيَةِ أَمَّا وَقْتُ قَطْعِهَا فَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ فَلْيُعَاوِدْ
بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
قَوْلُهُ وَهِيَ تِسْعَةٌ حَلْقُ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ
يُمْنَعُ من إزَالَةِ الشَّعْرِ إجْمَاعًا وَسَوَاءٌ كان من الرَّأْسِ أو غَيْرِهِ من أَجْزَاءِ الْبَدَنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وقال في الْمُبْهِجِ إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خلافة وهو أَظْهَرُ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا شَيْءَ في تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ
____________________
(3/455)
رِوَايَةً لَا شَيْءَ فيها قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عن أَحْمَدَ ولم أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ
وَعِبَارَتُهُ في الْمُغْنِي في بَابِ الْفِدْيَةِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ على أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ من أَخْذِ أَظْفَارِهِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا في قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ حَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وروى عن عَطَاءٍ وَعَنْهُ لَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ فيه فِدْيَةٌ انْتَهَى
هذا لَفْظُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْهُ يَعُودُ إلَى عَطَاءٍ لَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ لم يَتَقَدَّمْ له ذِكْرٌ نَبَّهَ على ذلك بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وهو كما قال
قَوْلُهُ فَمَنْ حَلَقَ أو قَلَّمَ ثَلَاثَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ
هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ هو وَأَصْحَابُهُ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا في أَرْبَعِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا
نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ الْأَشْهَرُ عنه وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ
وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى رِوَايَةً لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا في خَمْسٍ فَصَاعِدًا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ قال في الْفُرُوعِ وَلَا وَجْهَ لها قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَضْعَفُهَا وَأَطْلَقَهُنَّ في التَّلْخِيصِ
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا فِيمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ
قال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِمِقْدَارِ تَرَفُّهِهِ بِإِزَالَتِهِ
قَوْلُهُ وَفِيمَا دُونَ ذلك في كل وَاحِدٍ مُدٌّ من طَعَامٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمَذْهَبُ
____________________
(3/456)
عِنْدَ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو الذي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ من الرِّوَايَاتِ وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى
وَعَنْهُ قَبْضَةٌ
لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فيه من الشَّارِعِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ الْمُرَادَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ
وَعَنْهُ دِرْهَمٌ وَعَنْهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أو نِصْفُهُ
ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْقَاضِي وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي من لَيَالِي مِنًى وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْزَمُ على تَخْرِيجِ الْقَاضِي أَنْ يَخْرُجَ أَنْ لَا شَيْءَ عليه وَأَنْ يَجِبَ دَمٌ كما جاء ذلك في لَيَالِي مِنًى
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا يَلْزَمُهُ في كل شَعْرَةٍ أو ظُفُرٍ ثُلُثُ دَمٍ وما هو بِبَعِيدٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ حُلِقَ رَأْسُهُ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عليه
يَعْنِي على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَلَا شَيْءَ على الْحَالِقِ وهذا ( ( ( هذا ) ) ) الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ أَنَّ الضَّمَانَ على الْحَالِقِ إذَا كان مُحْرِمًا كَشَعْرِ الصَّيْدِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَةٌ لو حُلِقَ رَأْسُهُ وهو سَاكِتٌ ولم يَنْهَهُ فَقِيلَ الْفِدْيَةُ على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ صَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي
قُلْت وهو الصَّوَابُ وهو ظَاهِرُ الْمُنَوِّرِ
وَقِيلَ على الْحَالِقِ كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وهو سَاكِتٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
____________________
(3/457)
قَوْلُهُ وَإِنْ كان مُكْرَهًا أو نَائِمًا فَالْفِدْيَةُ على الْحَالِقِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ على الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَذَكَرَ في الْإِرْشَادِ وَجْهًا أَنَّ الْقَرَارَ على الْحَالِقِ
وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عليه
وَيَأْتِي إذَا أُكْرِهَ على الْحَلْقِ وَحَلَقَ بِنَفْسِهِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في آخِرِ الْفِدْيَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ فَلَا فِدْيَةَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وفي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ يَجِبُ الضَّمَانُ على الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ
فَائِدَةٌ لو طَيَّبَ غَيْرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالِقِ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ
قُلْت لو قِيلَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ على الْمُطَيِّبِ الْمُحْرِمِ لَكَانَ مُتَّجَهًا لِأَنَّهُ في الْغَالِبِ لَا يَسْلَمُ من الرَّائِحَةِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ وفي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أو أَلْبَسَ غَيْرَهُ فَكَالْحَالِقِ
قَوْلُهُ وَقَطْعُ الشَّعْرِ وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ
وَكَذَا قَطْعُ بَعْضِ الظُّفُرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَخَرَّجَ بن عَقِيلٍ وَجْهًا يَجِبُ عليه بِنِسْبَتِهِ كَأُنْمُلَةِ إصْبَعٍ وما هو بِبَعِيدٍ وَجَزَمَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وهو احْتِمَالٌ لِأَبِي حَكِيمٍ ذَكَرَهُ عنه في الْمُسْتَوْعِبِ وَذَكَرَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ قَوْلًا
قَوْلُهُ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْهَادِي وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَعَنْهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي
____________________
(3/458)
وبن عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفُرُوعِ
وقال في الْمُبْهِجِ إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لم يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ وهو أَظْهَرُ
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الرِّوَايَتَيْنِ لو قَطَعَ من رَأْسِهِ شَعْرَتَيْنِ وَمِنْ بَدَنِهِ شَعْرَتَيْنِ فَيَجِبُ الدَّمُ على الْمَذْهَبِ وَلَا يَجِبُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ
فَائِدَةٌ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو لَبِسَ أو تَطَيَّبَ في رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ أَنَّ فيه الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّ عليه فِدْيَةً وَاحِدَةً وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ وهو الْمَذْهَبُ
وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ في اللُّبْسِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَا أَنَّ عليه فِدْيَةً وَاحِدَةً
قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ في عَيْنَيْهِ شَعْرٌ فَقَلَعَهُ أو نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ أو انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ
يَعْنِي قَصَّ ما احْتَاجَ إلَى قَصِّهِ
أو قَطَعَ جِلْدًا عليه شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ عليه
وَكَذَا لو افْتَصَدَ فَزَالَ الشَّعْرُ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُضْمَنُ أو حَجَمَ أو احْتَجَمَ ولم يَقْطَعْ شَعْرًا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في الْفَصْدِ مِثْلُهُ
وَالْمَذْهَبُ في ذلك كُلِّهِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عليه بِفِعْلِ شَيْءٍ من ذلك
وقال الْآجُرِّيُّ إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَآذَاهُ قَطَعَهُ وَفَدَى
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو حَصَلَ له أَذًى من غَيْرِ الشَّعْرِ كَشِدَّةِ حَرٍّ وَقُرُوحٍ وَصُدَاعٍ أَزَالَهُ وَفَدَى كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرُورَةٍ
____________________
(3/459)
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ له تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَلَا فِدْيَةَ بِقَطْعِهِ بِلَا تَعَمُّدٍ نَقَلَهُ بن إبْرَاهِيمَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ بَانَ بِمُشْطٍ أو تَخْلِيلٍ فَدَى قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ شَعْرٌ أو كان مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ عليه قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ له حَكُّ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ بِرِفْقٍ نَصَّ عليه ما لم يَقْطَعْ شَعْرًا وَقِيلَ غَيْرُ الْجُنُبِ لَا يَحُكُّهُمَا بِيَدَيْهِ وَلَا يَحُكُّهُمَا بِمُشْطٍ وَلَا ظُفْرٍ
الرَّابِعَةُ يَجُوزُ غَسْلُهُ في حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ إنَّ تَرْكَ غَطْسِهِ في الْمَاءِ وَتَغْيِيبَ رَأْسِهِ أَوْلَى أو الْجَزْمُ بِهِ
الْخَامِسَةُ يَجُوزُ له غَسْلُ رَأْسِهِ بِسِدْرٍ أو خطمى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَيَفْدِي نَقَلَ صَالِحٌ قَدَّ رَجُلٌ شَعْرَهُ وَلَعَلَّهُ يَقْطَعُهُ من الْغَسْلِ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ حَكَى صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا في الْفِدْيَةِ رِوَايَتَيْنِ وَقَدَّمُوا مَذْهَبَ الْوُجُوبِ
وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ على الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ ذلك فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ فَدَى وَإِلَّا فَلَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ كَالِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ احْتَاجَ إلَى قَطْعِهِ بِحِجَامَةٍ أو غَسْلٍ لم يَضُرَّهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ الثَّالِثُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ
تَقَدَّمَ في بَابِ السِّوَاكِ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ من الرَّأْسِ
____________________
(3/460)
وَأَنَّ ما فَوْقَهُمَا من الْبَيَاضِ من الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْوُضُوءِ ما هو من الرَّأْسِ وما هو من الْوَجْهِ وَالْخِلَافُ في ذلك مُسْتَوْفًى فما كان من الرَّأْسِ حَرُمَ تَغْطِيَتُهُ هُنَا وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
قَوْلُهُ فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ أو خِرْقَةٍ أو قِرْطَاسٍ فيه دَوَاءٌ أو غَيْرِهِ أو عصبة وَلَوْ بِسَيْرٍ أو طينة بِطِينٍ أو حِنَّاءٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ بِنَوْرَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
فَائِدَةٌ فِعْلُ بَعْضِ الْمَنْهِيِّ عنه كَفِعْلِهِ كُلِّهِ في التَّحْرِيمِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
وَكَذَا ما في مَعْنَاهُ كَالْهَوْدَجِ والعمارية ( ( ( والعمادية ) ) ) وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوِ ذلك
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ في تَحْرِيمِ الِاسْتِظْلَالِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حتى إنَّ الْقَاضِيَ في التَّعْلِيقِ وفي غَيْرِهِ وبن الزَّاغُونِيِّ وَصَاحِبَ الْعُقُودِ وَالتَّلْخِيصِ وَجَمَاعَةً لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ في ذلك
قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ
والرواية ( ( ( والراوية ) ) ) الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا هِيَ الظَّاهِرُ عنه وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
قال الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ هذا الْمَشْهُورُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَعَنْهُ يَجُوزُ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ
____________________
(3/461)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِفِعْلِ ذلك وهو الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ قبل ذلك فَمَتَى فَعَلَ كَذَا وكذا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
فَسِيَاقُهُ يَدُلُّ على ذلك وَعَلَيْهِ شَرْحُ بن منجا وَفِيهَا رِوَايَاتٌ
إحْدَاهَا لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذلك وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو أَظْهَرُ قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَلَا يَسْتَظِلُّ بِمَحْمَلٍ في رِوَايَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَا عليه في الْخُطْبَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ عليه الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذلك قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةُ بن عَقِيلٍ وَعُقُودُ بن الْبَنَّا وَالْإِيضَاحُ وَصَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَالْمُبْهِجِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ إنْ كَثُرَ الِاسْتِظْلَالُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا وهو الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ في رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ الأولتين ( ( ( الأولين ) ) ) فَعِنْدَ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفِ في الْكَافِي وَالْمَجْدِ وَالشَّارِحِ وبن منجا في شَرْحِهِ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّتَانِ على الرِّوَايَتَيْنِ في تَحْرِيمِ الِاسْتِظْلَالِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ بن حَمْدَانَ
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّتَانِ على الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ في الِاسْتِظْلَالِ
____________________
(3/462)
إذْ لَا جَوَازَ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَثْنِي الْيَسِيرَ فَيُبِيحُهُ وَلَا يُوجِبُ فيه فِدْيَةً كما تَقَدَّمَ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ إذَا اسْتَظَلَّ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا وَرَاكِبًا قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ لَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فيه فِدْيَةٌ وَفِيمَا لَا فِدْيَةَ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال بن عَقِيلٍ إنْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ فَدَى مِثْلَ أَنْ يَقْصِدَ بِحَمْلِ شَيْءٍ على رَأْسِهِ السَّتْرَ
الثَّالِثَةُ يَجُوزُ تَلْبِيدُ رَأْسِهِ بِغَسْلٍ أو صَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ غُبَارٌ أو دَبِيبٌ وَلَا يُصِيبَهُ شُعْثٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَ على رَأْسِهِ شيئا أو نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا أو اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أو شَجَرَةٍ أو بَيْتٍ فَلَا شَيْءَ عليه
وَلَوْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ لم يَسْتَثْنِ بن عَقِيلٍ إذَا حَمَلَ على رَأْسِهِ شيئا وَقَصَدَ السَّتْرَ بِهِ مِمَّا تَجِبُ فيه الْفِدْيَةُ
قَوْلُهُ وفي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ وَلَا فِدْيَةَ عليه هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(3/463)
قُلْت منهم الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
قال في الرِّعَايَةِ وَالْجَوَازُ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَالتَّصْحِيحِ وَتَمَامِ أبي الْحُسَيْنِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَغَيْرِهِمَا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على الْمَنْعِ من تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِتَغْطِيَتِهِ نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْمُبْهِجِ
قَوْلُهُ الرَّابِعُ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إزَارًا فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ أو نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ وَلَا يَقْطَعَهُمَا وَلَا فِدْيَةَ عليه
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَعَنْهُ إنْ لم يَقْطَعْ الْخُفَّيْنِ إلَى دُونِ الْكَعْبَيْنِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
قال الْخَطَّابِيُّ الْعَجَبُ من الْإِمَامِ أَحْمَدَ في هذا يَعْنِي في قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فإنه لَا يَكَادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ
وَقُلْت سُنَّةً لم تَبْلُغْهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ من الْخَطَّابِيِّ في تَوَهُّمِهِ عن أَحْمَدَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ أو خفاؤها ( ( ( خفائها ) ) ) وقد قال الْمَرُّوذِيُّ احتجيت ( ( ( احتججت ) ) ) على أبي عبد اللَّهِ بِقَوْلِ بن عُمَرَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُلْت هو زِيَادَةٌ في الْخَبَرِ فقال هذا حَدِيثٌ وَذَاكَ حَدِيثٌ
فَقَدْ اطَّلَعَ على السُّنَّةِ وَإِنَّمَا نَظَرَ نَظَرًا لَا يَنْظُرُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَصِّرُونَ وَهَذَا يَدُلُّ على غَايَتِهِ في الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ انْتَهَى
____________________
(3/464)
وفي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ
وَيَأْتِي في أَوَّلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا لَبِسَ مُكْرَهًا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يَقْطَعَهُمَا
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُمَا وهو صَحِيحٌ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هو إفْسَادٌ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا بِالنَّهْيِ عن إضَاعَةِ الْمَالِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَجَوَّزَ الْقَطْعَ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَأَنَّ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ إحْرَامٍ
قال الْمُصَنِّفُ وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَخُرُوجًا عن حَالِهِمَا من غَيْرِ قَطْعٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى الرَّانُ كَالْخُفِّ فِيمَا تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ لو لَبِسَ مَقْطُوعًا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مع وُجُودِ نَعْلٍ لم يَجُزْ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وَالْمَجْدُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ له لُبْسُهُ وَلَا فِدْيَةَ عليه لِأَنَّهُ ليس بِخُفٍّ
فَلُبْسُ اللَّالَكَةِ وَالْجُمْجُمِ وَنَحْوِهِمَا يَجُوزُ على الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ وقال
____________________
(3/465)
الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في اللَّالَكَةِ وَالْجُمْجُمِ عَدَمُ لُبْسِهِمَا لَا مع عَدَمِ النَّعْلَيْنِ
الثَّالِثَةُ لو وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا لَبِسَ الْخُفَّ وَلَا فِدْيَةَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ واختاره الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَالْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ عليه الْفِدْيَةَ بِلُبْسِ الْخُفِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قُلْت هذا الْمَذْهَبُ
الرَّابِعَةُ يُبَاحُ النَّعْلُ كَيْفَمَا كانت على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِإِطْلَاقِ إبَاحَتِهَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَعَنْهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ في عَقِبِ النَّعْلِ أو قَيْدِهَا وهو السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ على الزِّمَامِ وَذَكَرَهُ في الْإِرْشَادِ
وقال الْقَاضِي مُرَادُهُ الْعَرِيضَيْنِ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فيها
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ لَبِسَ الْمَخِيطَ ما عُمِلَ على قَدْرِ الْعُضْوِ وَهَذَا إجْمَاعٌ وَلَوْ كان دِرْعًا مَنْسُوجًا أو لِبْدًا مَعْقُودًا وَنَحْوَ ذلك قال جَمَاعَةٌ بِمَا عُمِلَ على قَدْرِهِ وَقُصِدَ بِهِ
وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ كان غير مُعْتَادٍ كَجَوْرَبٍ في كَفٍّ وَخُفٍّ في رَأْسٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
فَائِدَتَانِ
الْأُولَى لَا يُشْتَرَطُ في اللُّبْسِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا بَلْ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ
قَوْلُهُ وَلَا يَعْقِدُ عليه مِنْطَقَةً وَلَا رِدَاءً وَلَا غَيْرَهُ
نَصَّ عليه وَلَيْسَ له أَنْ يُحْكِمَهُ بِشَوْكَةٍ أو إبْرَةٍ أو خَيْطٍ وَلَا يَزُرَّهُ في عُرْوَتِهِ وَلَا يَغْرِزَهُ في إزَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَفَدَى
____________________
(3/466)
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ شَدُّ وَسَطِهِ بِمِنْدِيلٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لم يَعْقِدْهُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَتَهُ على وَسَطِهِ لَا يَعْقِدُهَا وَيَدْخُلُ بَعْضُهَا في بَعْضٍ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ له شَدُّ وَسَطِهِ بِحَبْلٍ وَعِمَامَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَبِرِدَاءٍ لِحَاجَةٍ
قَوْلُهُ وَلَا يَعْقِدَ عليه مِنْطَقَةً
اعْلَمْ أَنَّ الْمِنْطَقَةَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فيها نَفَقَتُهُ أو لَا فَإِنْ كان فيها نَفَقَتُهُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْهِمْيَانِ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لم يَكُنْ فيها نَفَقَتُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَلْبَسَهَا لِوَجَعٍ أو لِحَاجَةٍ أو غَيْرِهِمَا فَإِنْ لَبِسَهَا لِوَجَعٍ أو لِحَاجَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْدِي وَكَذَا لو لَبِسَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِطَرِيقِ أَوْلَى
وفي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ أَنَّ الْمِنْطَقَةَ كَالْهِمْيَانِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وبن أبي مُوسَى وبن حَامِدٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا النَّفَقَةُ وَعَدَمُهَا وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قَوْلُهُ إلَّا إزَارَهُ وَهِمْيَانَهُ الذي فيه نَفَقَتُهُ إذَا لم يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ
أَمَّا الْإِزَارُ إذَا لم يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يَعْقِدَهُ بِلَا نِزَاعٍ
وَأَمَّا الْهِمْيَانُ فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَعْقِدَهُ إذَا لم يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ إذَا كانت نَفَقَتُهُ فيه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي رَوْضَةِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ ولم يُعْلَمْ من هو مُصَنِّفُهَا لَا يَعْقِدُ سُيُورَ الْهِمْيَانِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ احْتِيَاطًا على النَّفَقَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ طَرَحَ على كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
قُلْت منهم الْقَاضِي في خِلَافِهِ وأبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ
____________________
(3/467)
وقال الْخِرَقِيُّ لَا فِدْيَةَ عليه إلَّا أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ في الْكُمَّيْنِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ صَحَّحَهَا في التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ
وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إذَا طَرَحَ الْقَبَاءَ على كَتِفَيْهِ ولم يُدْخِلْ يَدَيْهِ في الْكُمَّيْنِ فَلَيْسَ عليه شَيْءٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ سَهَا
وقال في الْوَاضِحِ أن أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ فَدَى
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ
أَنَّهُ لَا يَتَقَلَّدُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَعَنْهُ يَتَقَلَّدُ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ اخْتَارَهُ بن الزَّاغُونِيِّ
قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ في غَيْرِ مَكَّةَ لِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ فيها لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَتَقَلَّدُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ وَإِنَّمَا مُنِعَ منه لِأَنَّهُ في مَعْنَى اللُّبْسِ عِنْدَهُ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ ذلك ليس في مَعْنَى الْمَلْبُوسِ الْمَنْصُوصِ على تَحْرِيمِهِ
قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَهُ في الْحَرَمِ انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ما أَرَادَ ذلك وَإِنَّمَا أَرَادَ جَوَازَ التَّقَلُّدِ بِهِ لِلْمُحْرِمِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ في الْجُمْلَةِ أَمَّا الْمَنْعُ من ذلك في مَكَّةَ فَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هذا وَكَذَا بن الزَّاغُونِيِّ وَكَذَا الرِّوَايَةُ
فَائِدَةٌ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أو غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ لم يَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فَدَى لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ قَدَّمَهُ في
____________________
(3/468)
الْفُرُوعِ وقال أبو بَكْرٍ يُغَطِّي رَأْسَهُ وَيَفْدِي وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ عن بن الْمُبَارَكِ ولم يُخَالِفْهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ الْخَامِسُ شَمُّ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ والأدهان بها
يَحْرُمُ الإدهان بِدُهْنٍ مُطَيِّبٍ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في الْوَاضِحِ رِوَايَةً لَا فِدْيَةَ بِذَلِكَ
وَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ الْأَدْهَانِ غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ
قَوْلُهُ وَأَكْلُ ما فيه طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُهُ أو رِيحُهُ
إذَا أَكَلَ ما فيه طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُهُ أو رِيحُهُ فَدَى وَلَوْ كان مَطْبُوخًا أو مَسَّتْهُ النَّارُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَإِنْ كانت رَائِحَتُهُ ذَهَبَتْ وَبَقِيَ طَعْمُهُ فَالْمَذْهَبُ كما قال الْمُصَنِّفُ يَحْرُمُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
وَقِيلَ لَا فِدْيَةَ عليه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
وَيَأْتِي إذَا اشْتَرَى طِيبًا وَحَمَلَهُ وَقَلَبَهُ ولم يَقْصِدْ شَمَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَسَّ من الطِّيبِ ما لَا يَعْلَقُ بيده فَلَا فِدْيَةَ عليه
بِلَا نِزَاعٍ كَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ وَعَنْبَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِقَ بيده أَنَّ عليه الْفِدْيَةَ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَغَالِيَةٍ وَمَاءِ وَرْدٍ
وَقِيلَ أو جَهِلَ ذلك كَمِسْكٍ مَسْحُوقٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وَيَأْتِي في بَابِ الْفِدْيَةِ قبل قَوْلِهِ وَإِنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ لو مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا هل تَجِبُ عليه الْفِدْيَةُ أَمْ لَا
____________________
(3/469)
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ وَالْفَوَاكِهِ وَالشِّيحِ وَالْخُزَامَى
بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا كُلُّ نَبَاتِ الصَّحْرَاءِ وما يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ لَا لِقَصْدِ الطِّيبِ كَالْحِنَّاءِ وَالْعُصْفُرِ وَكَذَا الْقُرُنْفُلُ وَالدَّارَصِينِيُّ وَنَحْوُهَا
قَوْلُهُ وفي شَمِّ الرَّيْحَانِ وَالنِّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْبُرَمِ وَنَحْوِهَا وَالِادِّهَانُ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ في رَأْسِهِ رِوَايَتَانِ
شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَيْئَيْنِ أَحَدَهُمَا الِادِّهَانَ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ وَالثَّانِيَ شَمَّ ما عَدَا ذلك مِمَّا ذَكَرَهُ وَنَحْوُهُ وهو يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ
أَحَدِهِمَا ما يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ لِلطِّيبِ وَلَا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ كَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَالنَّمَّامِ وَالْبُرَمِ وَالنِّرْجِسِ وَالْمَرْزَجُوشِ وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُبَاحُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ فيه قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ شَمُّهُ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَصَحَّحَ في التَّصْحِيحِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ في شَمِّ الرَّيْحَانِ وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ في شَمِّ النِّرْجِسِ وَالْبُرَمِ وهو غَرِيبٌ أَعْنِي التَّفْرِقَةَ بين الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالزَّرْكَشِيِّ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا فِدْيَةَ فيه وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ ليس من آلَةِ الْمُحْرِمِ لِلْكَرَاهِيَةِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ يَحْرُمُ شَمُّ ما نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ
الْقِسْمُ الثَّانِي ما يُنْبَتُ لِلطِّيبِ وَيُتَّخَذُ منه طِيبٌ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ
____________________
(3/470)
وَالْخَيْرِيِّ وهو الْمَنْثُورُ وَاللِّينُوفَرِ وَالْيَاسَمِينِ وهو الذي يُتَّخَذُ منه الزنبق ( ( ( الزئبق ) ) ) فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ شَمُّهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ شَمَّهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْكَافِي وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وبن الْبَنَّا في عُقُودِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُبَاحُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ فيه وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالزَّرْكَشِيِّ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ مُرَادُهُ بِالرَّيْحَانِ الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وقال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَلَهُ شَمُّ رَيْحَانٍ وَعَنْهُ بَرِّيٌّ
الثَّانِي تَابَعَ الْمُصَنِّفُ أَبَا الْخَطَّابِ في حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ في جَمِيعِ ذلك وَتَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ أَيْضًا صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي في الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قال وفي سَائِرِ النَّبَاتِ الطَّيِّبِ الرَّائِحَةِ الذي لَا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ وَجْهَانِ قِيَاسًا على الرَّيْحَانِ
وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ أَنَّ جَمِيعَ الْقِسْمَيْنِ فيه وَجْهَانِ في الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قال وَقِيلَ في الْجَمِيعِ الرِّوَايَتَانِ انْتَهَى
فَتَلَخَّصَ لِلْأَصْحَابِ في حِكَايَةِ الْخِلَافِ ثَلَاثُ طُرُقٍ
فَائِدَةٌ الرَّيْحَانُ وَغَيْرُهُ نحوه ( ( ( ونحوه ) ) ) كَأَصْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وفي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَاءِ وَرْدٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ عليه انْتَهَى
أَمَّا الإدهان بِدُهْنٍ لَا طِيبَ فيه كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَدُهْنِ الْبَانِ السَّاذَجِ
____________________
(3/471)
وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ جَوَازُ ذلك وَلَا فِدْيَةَ فيه نَصَّ عليه وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ
قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
% أو يَدَّهِنُ في رَأْسِهِ بِالشَّيْرَجِ % أو زَيْتِ الْمَنْصُوصِ لَا من خَرَجَ %
وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ بن الْبَنَّا في عُقُودِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قال في الْفُرُوعِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ
قُلْت قال الْخِرَقِيُّ في مُخْتَصَرِهِ لَا يَدَّهِنُ بِمَا فيه طِيبٌ وَلَا ما لَا طِيبَ فيه فَعَطَفَهُ على ما فيه الْفِدْيَةُ وَالظَّاهِرُ التَّسَاوِي وَيَأْتِي في التَّنْبِيهِ الثَّالِثُ
قال الْقَاضِي هذه الرِّوَايَةُ نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن منجا في شَرْحِهِ وَالشَّرْحِ وَلَكِنْ إنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ في التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ لَا في وُجُوبِ الْفِدْيَةِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الِادِّهَانَ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ الزَّيْتَ وَالشَّيْرَجَ وَالسَّمْنَ وَالشَّحْمَ وَالْبَانَ السَّاذَجَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ على الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ السَّمْنَ كَالزَّيْتِ
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ في رَأْسِهِ أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالرَّأْسِ فَقَطْ وفي غَيْرِهِ يَجُوزُ وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَتَبِعَهُمَا بن منجا وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ كما تَقَدَّمَ
قال في الْفُرُوعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَالْوَجْهُ وَلِهَذَا قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا
____________________
(3/472)
في دَهْنِ شَعْرِهِ فلم يَخُصَّ الرَّأْسَ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الرِّوَايَتَانِ في رَأْسِهِ وَيَدَيْهِ
قُلْت وَعَلَى هذا الْأَكْثَرُ كَالْمُصَنِّفِ في الْكَافِي وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ هذه طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ
قُلْت وَرَدَ النَّصُّ عن أَحْمَدَ بِالْمَنْعِ في الرَّأْسِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ وَمَنْ أَجْرَى الْخِلَافَ في جَمِيعِ الْبَدَنِ نَظَرَ إلَى تَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِالشُّعْثِ وهو مَوْجُودٌ في الْبَدَنِ وفي الرَّأْسِ أَكْثَرُ
الثَّالِثُ حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فإن الْفِدْيَةَ تَجِبُ على ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَكَذَلِكَ قال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ مَنَعَ منه وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ انْتَهَى
قُلْت جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
ولم يُوجِبْ الْمُصَنِّفُ الْفِدْيَةَ على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وقد ذَكَرَ ذلك الْقَاضِي أَيْضًا في تَعْلِيقِهِ لَكِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْعَ من أَحْمَدَ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ من غَيْرِ فِدْيَةٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ أو في مَوْضِعٍ لِيَشُمَّ الطِّيبَ فَشَمَّهُ
مِثْلَ من قَصَدَ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَمَتَى قَصَدَ شَمَّ الطِّيبِ حَرُمَ عليه وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا شَمَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ عن بن حَامِدٍ يُبَاحُ ذلك
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الطِّيبِ حَمْلُهُ وَنَقْلُهُ إذَا لم يَشُمَّهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ لِأَنَّهُ
____________________
(3/473)