الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
____________________
(1/1)
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الْمَنْعُوتِ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِفْضَالِ وَالْعَطَاءِ وَالنَّوَالِ الْمُحْسِنِ الْمُجْمِلِ على مَمَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا تَغَيُّرَ له وَلَا زَوَالَ وَأَشْكُرُهُ شُكْرًا لَا تَحَوُّلَ له وَلَا انْفِصَالَ
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَلَا مِثْلَ وَلَا مِثَالَ شَهَادَةً أَدَّخِرُهَا لِيَوْمٍ لَا بَيْعٌ فيه وَلَا خِلَالٌ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ وَأَسَدِّ الْأَفْعَالِ الْمُحَكِّمُ لِلْأَحْكَامِ وَالْمُمَيِّزُ بين الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ صلى اللَّهُ عليه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَخَيْرِ آلٍ صَلَاةً دَائِمَةً بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
أَمَّا بَعْدُ فإن كِتَابَ الْمُقْنِعِ في الْفِقْهِ تَأْلِيفُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أبي مُحَمَّدٍ عبد اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بن قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ من أَعْظَمِ الْكُتُبِ نَفْعًا وَأَكْثَرِهَا جَمْعًا وَأَوْضَحِهَا إشَارَةً وَأَسْلَسِهَا عِبَارَةً وَأَوْسَطِهَا حَجْمًا وَأَغْزَرِهَا عِلْمًا وَأَحْسَنِهَا تَفْصِيلًا وَتَفْرِيعًا وَأَجْمَعِهَا تَقْسِيمًا وَتَنْوِيعًا وَأَكْمَلِهَا تَرْتِيبًا وَأَلْطَفِهَا تَبْوِيبًا قد حَوَى غَالِبَ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ فَمَنْ حَصَّلَهَا فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَنْزِ وَالْمَطْلَبِ فَهُوَ كما قال مُصَنِّفُهُ فيه جَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَلَقَدْ صَدَقَ وَبَرَّ وَنَصَحَ فَهُوَ الْحَبْرُ الْإِمَامُ فإن من نَظَرَ فيه بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ وَالْإِنْصَافِ وَجَدَ ما قال حَقًّا وَافِيًا بِالْمُرَادِ من غَيْرِ خِلَافٍ إلَّا أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ في بَعْضِ مَسَائِلِهِ الْخِلَافَ من غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَاشْتَبَهَ على النَّاظِرِ فيه الضَّعِيفُ من الصَّحِيحِ فَأَحْبَبْت إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أُبَيِّنَ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورَ وَالْمَعْمُولَ عليه وَالْمَنْصُورَ وما اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَهَبُوا إلَيْهِ ولم يَعْرُجُوا على غَيْرِهِ ولم يُعَوِّلُوا عليه
____________________
(1/3)
فَصْلٌ
اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكَرِّرُ في كِتَابِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً عِبَارَتُهُ فيها مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ فَيُحْتَاجُ إلَى تَبْيِينِهَا وَأَنْ يُكْشَفَ عنها الْقِنَاعُ
فإنه تَارَةً يُطْلِقُ الرِّوَايَتَيْنِ أو الرِّوَايَاتِ أو الْوَجْهَيْنِ أو الْوَجْهَ أو الْأَوْجُهَ أو الِاحْتِمَالَيْنِ أو الِاحْتِمَالَاتِ بِقَوْلِهِ فَهَلْ الْحُكْمُ كَذَا على رِوَايَتَيْنِ أو على وَجْهَيْنِ أو فيه رِوَايَتَانِ أو وَجْهَانِ أو احْتَمَلَ كَذَا وَاحْتَمَلَ كَذَا وَنَحْوُ ذلك فَهَذَا وَشِبْهُهُ الْخِلَافُ فيه مُطْلَقٌ
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَالِبِ الْأَصْحَابِ ليس هو لِقُوَّةِ الْخِلَافِ من الْجَانِبَيْنِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ حِكَايَةُ الْخِلَافِ من حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ من صَرَّحَ بِاصْطِلَاحِ ذلك كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا
وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا جَازَ أو لم يَجُزْ أو صَحَّ أو لم يَصِحَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أو الرِّوَايَاتِ أو الْوَجْهَيْنِ أو الْوُجُوهِ أو بِقَوْلِهِ ذلك على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أو الْوَجْهَيْنِ وَالْخِلَافُ في هذا أَيْضًا مُطْلَقٌ لَكِنْ فيه إشَارَةٌ ما إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ
وقد قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ قال إذَا قُلْت ذلك فَهُوَ الصَّحِيحُ وهو ظَاهِرُ مُصْطَلَحِ الْحَارِثِيِّ في شَرْحِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن في كِتَابِهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً يُطْلِقُ فيها الْخِلَافَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَلَا عَزَاهَا أَحَدٌ إلَى اخْتِيَارِهِ كما يَمُرُّ بِك ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي صِحَّتِهِ عنه بُعْدٌ وَرُبَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَةُ أو الْوَجْهُ الْمَسْكُوتُ عنه مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ فاذكره وهو في كَلَامِهِ كَثِيرٌ
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ مُفَصَّلًا فيها ثُمَّ يُطْلِقُ رِوَايَتَيْنِ فيها وَيَقُولُ في الْجُمْلَةِ بِصِيغَةِ التمريض ( ( ( التعريض ) ) ) كما ذَكَرَهُ في آخِرِ الْغَصْبِ أو يحكى بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ إطْلَاقَ الرِّوَايَتَيْنِ عن الْأَصْحَابِ كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْمُوصَى له وَيَكُونُ في ذلك أَيْضًا تَفْصِيلٌ فَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(1/4)
وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذلك وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ إلَّا أَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على الْخِلَافِ فَوَافَقَ كَلَامَهُمْ أو تَابَعَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ
وَتَارَةً يقول فَعَنْهُ كَذَا وَعَنْهُ كَذَا كما قَالَهُ في بَابِ النَّذْرِ وَالْمَعْرُوفُ من الْمُصْطَلَحِ أَنَّ الْخِلَافَ فيه مُطْلَقٌ
وَتَارَةً يقول فقال فُلَانٌ كَذَا وقال فُلَانٌ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا من جُمْلَةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِيمَا يَظْهَرُ
وَتَارَةً يقول بَعْدَ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ فُلَانٌ وقال فُلَانٌ كَذَا أو عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا وَعِنْدَ فُلَانٍ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا في قُوَّةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ قِيلَ إنَّ فيه مَيْلًا إلَى قُوَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَكَانَ له وَجْهٌ
وَتَارَةً يقول بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ في قَوْلِ فُلَانٍ أو فقال فُلَانٌ كَذَا وقال غَيْرُهُ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَالشُّفْعَةِ وَالنَّذْرِ وَهَذَا أَيْضًا في قُوَّةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ
وَتَارَةً يقول بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ فُلَانٍ وَيُحْتَمَلُ كَذَا أو فقال فُلَانٌ كَذَا وَيُحْتَمَلُ كَذَا كما ذَكَرَهُ في أَوَاخِرِ بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ وَأَوَاخِرِ بَابِ شُرُوطِ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَظَاهِرُ هذه الْعِبَارَةِ أَنَّهُ ما اطَّلَعَ على غَيْرِ ذلك الْقَوْلِ وَذَكَرَ هو الِاحْتِمَالَ وقد يَكُونُ تَابَعَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ وقد يَكُونُ في الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فَنُنَبِّهُ عليه
وَتَارَةً يقول فقال فُلَانٌ كَذَا وَيَقْتَصِرُ عليه من غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَقَدْ لَا يَكُونُ فيها خِلَافٌ كما ذَكَرَهُ عن الْقَاضِي في بَابِ الْفِدْيَةِ في الضَّرْبِ الثَّالِثِ في الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فَهُوَ في حُكْمِ الْمَجْزُومِ بِهِ وقد يَكُونُ فيها خِلَافٌ كما ذَكَرَهُ عن الْقَاضِي في بَابِ الْهِبَةِ
____________________
(1/5)
وَتَارَةً يقول بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ في رِوَايَةٍ كما ذَكَرَهُ في وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَبَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أو يقول في وَجْهٍ كما ذَكَرَهُ في أَرْكَانِ النِّكَاحِ فَفِي هذا يَكُونُ اخْتِيَارُهُ في الْغَالِبِ خِلَافَ ذلك وَفِيهِ إشْعَارٌ بِتَرْجِيحِ الْمَسْكُوتِ عنه مع احْتِمَالِ الْإِطْلَاقِ
وقد قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَإِنْ كان الْخَادِمُ لها فَنَفَقَتُهُ على الزَّوْجِ وَكَذَا نَفَقَةُ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ في وَجْهٍ قال في الْفُرُوعِ وَقَوْلُهُ في وَجْهٍ يَدُلُّ على أَنَّ الْأَشْهَرَ خِلَافُهُ
وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ وقد يَكُونُ الْأَصْحَابُ اخْتَلَفُوا في حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَمِنْهُمْ من حَكَى وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ من حَكَى رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ من ذَكَرَ الطَّرِيقَتَيْنِ فَأَذْكُرُ ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يقول وَعَنْهُ كَذَا أو وَقِيلَ أو وقال فُلَانٌ أو وَيَتَخَرَّجُ أو وَيُحْتَمَلُ كَذَا وَالْأَوَّلُ هو الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ ذلك التَّخْرِيجُ أو الِاحْتِمَالُ إلَّا وهو قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ بَلْ غَالِبُ الِاحْتِمَالَاتِ لِلْقَاضِي أبي يَعْلَى في الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ وَبَعْضُهَا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَلِغَيْرِهِ وقد تَكُونُ لِلْمُصَنِّفِ وَسَنُبَيِّنُ ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَالتَّخْرِيجُ في مَعْنَى الِاحْتِمَالِ والاحتمال في مَعْنَى الْوَجْهِ إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ مَجْزُومٌ بِالْفُتْيَا بِهِ قَالَهُ في الْمَطْلَعِ يَعْنِي من حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَهَذَا على إطْلَاقِهِ فيه نَظَرٌ على ما يَأْتِي في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ وفي الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ
والاحتمال تَبْيِينُ أَنَّ ذلك صَالِحٌ لِكَوْنِهِ وَجْهًا
فَ التَّخْرِيجُ نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى ما يُشْبِهُهَا وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فيه
والاحتمال يَكُونُ إمَّا لِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما خَالَفَهُ أو لِدَلِيلٍ مُسَاوٍ له وَلَا يَكُونُ التَّخْرِيجُ أو الِاحْتِمَالُ إلَّا إذَا فُهِمَ الْمَعْنَى
والقول يَشْمَلُ الْوَجْهَ وَالِاحْتِمَالَ وَالتَّخْرِيجَ وقد يَشْمَلُ الرِّوَايَةَ
____________________
(1/6)
وهو كَثِيرٌ في كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَبِي بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا وَالْمُصْطَلَحُ الْآنَ على خِلَافِهِ
وَرُبَّمَا يَكُونُ ذلك الْقَوْلُ الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أو الِاحْتِمَالُ أو التَّخْرِيجُ رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَرُبَّمَا كان ذلك هو الْمَذْهَبُ كما سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيَّنًا
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يقول وَقِيلَ عنه كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْمُوصَى له وَعُيُوبِ النِّكَاحِ أو وحكى عنه كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ أو وحكى عن فُلَانٍ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْقِسْمَةِ بِصِيغَةِ التمريض ( ( ( التعريض ) ) ) في ذلك وقد يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَثْبَتَهُ لِصِحَّتِهِ عِنْدَهُ فَتَبَيَّنْهُ
وَتَارَةً يحكى الْخِلَافَ في الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يقول قال فُلَانٌ كَذَا بِغَيْرِ وَاوٍ وَلَا يَكُونُ ذلك في الْغَالِبِ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا قَبْلَهُ لَكِنْ ذَكَرَهُ لِفَائِدَةٍ إمَّا لِكَوْنِهِ أَعَمَّ أو أَخَصَّ من الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أو يَكُونُ مُقَيَّدًا أو مُطْلَقًا وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ وَنَحْوِهِ وَرُبَّمَا ذَكَرَ ذلك لِمَفْهُومِ ما قَبْلَهُ كما ذَكَرَهُ في الْعَاقِلَةِ عن أبي بَكْرٍ وَهِيَ عِبَارَةُ عُقْدَةٍ
وَتَارَةً يقول بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أو وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا أو في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أو في الصَّحِيحِ عنه أو في الْمَشْهُورِ عنه وَلَا يقول ذلك إلَّا وَثَمَّ خِلَافٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذلك كما قال وقد يَكُونُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ عِنْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ كما ذَكَرَهُ في بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَغَيْرِهِ
وظاهر الْمَذْهَبِ هو الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ
وَتَارَةً يقول في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ أو الْوَجْهَيْنِ أو على أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(1/7)
أو الْوَجْهَيْنِ وَلَا تَكَادُ تَجِدُ ذلك إلَّا الْمَذْهَبَ وقد يَكُونُ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ وَيَكُونُ الْأَصَحَّ وَالْأَظْهَرَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ
وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ ثُمَّ يقول أَوْلَاهُمَا كَذَا كما ذَكَرَهُ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْعَدَدِ وَهَذَا يَكُونُ اخْتِيَارَهُ وقد يَكُونُ الْمَذْهَبَ كما في الْعَدَدِ
وَتَارَةً يقول بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أو وَهِيَ أَصَحُّ كما ذَكَرَهُ في الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا وَيَكُونُ في الْغَالِبِ كما قال وقد يَكُونُ ذلك اخْتِيَارَهُ
وَتَارَةً يقول وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ كما قَالَهُ في الْمُسَاقَاةِ أو وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ كما ذَكَرَهُ في آخِرِ بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى وَهَذَا يَكُونُ اخْتِيَارَهُ
وَتَارَةً يُصَرِّحُ بِاخْتِيَارِهِ فيقول وَعِنْدِي كَذَا أو هذا الصَّحِيحُ عِنْدِي أو وَالْأَقْوَى عِنْدِي كَذَا أو وَالْأَوْلَى كَذَا أو وهو أَوْلَى وَهَذَا في الْغَالِبِ يَكُونُ رِوَايَةً أو وَجْهًا وقد يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَرُبَّمَا كان الْمَذْهَبَ
وَتَارَةً يُقَدِّمُ شيئا ثُمَّ يقول وَالصَّحِيحُ كَذَا كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ كما قال وَرُبَّمَا كان ذلك اخْتِيَارَهُ
وَتَارَةً يقول قال أَصْحَابُنَا أو وقال أَصْحَابُنَا أو وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَذَا وَنَحْوَهُ وقد عُرِفَ من اصْطِلَاحِهِ أَنَّ اخْتِيَارَهُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ
وَتَارَةً يقول اخْتَارَهُ شُيُوخُنَا أو عَامَّةُ شُيُوخِنَا كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الظِّهَارِ وفي آخِرِ بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ
وَتَارَةً يقول نُصَّ عليه وهو اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ كما ذَكَرَهُ في بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ وَالْمَذْهَبُ يَكُونُ كَذَلِكَ
وَتَارَةً يَذْكُرُ الْحُكْمَ ثُمَّ يقول هذا الْمَذْهَبُ ثُمَّ يَحْكِي خِلَافًا كما ذَكَرَهُ في بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ أو يَذْكُرُ قَوْلًا ثُمَّ يقول وَالْمَذْهَبُ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ في الطَّلَاقِ أو يقول وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ كما قال
____________________
(1/8)
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يقول أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَعِنْدَ فُلَانٍ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الرِّبَا أو يُقَدِّمُ حُكْمًا ثُمَّ يقول وَأَوْمَأَ في مَوْضِعٍ بِكَذَا كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْغَصْبِ وَهَذَا يُؤْخَذُ من مَدْلُولِ كَلَامِهِ
وَتَارَةً يقول وَيَفْعَلُ كَذَا في ظَاهِرِ كَلَامِهِ كما ذَكَرَهُ في بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْغَصْبِ وَشُرُوطِ الْقِصَاصِ وَالزَّكَاةِ وَالْقَضَاءِ
والظاهر من الْكَلَامِ هو اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ هو في أَحَدِهِمَا أَرْجَحُ أو ما تَبَادَرَ منه عِنْدَ إطْلَاقِهِ مَعْنًى مع تَجْوِيزِ غَيْرِهِ
وَيَأْتِي هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَغَيْرُهُمَا أَوَّلَ الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ
وَتَارَةً يقول نَصَّ عليه أو وَالْمَنْصُوصُ كَذَا أو قال أَحْمَدُ كَذَا وَنَحْوُهُ وقد يَكُونُ في ذلك خِلَافٌ فَأَذْكُرُهُ وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
والنص والمنصوص ( ( ( النص ) ) ) هو الصَّرِيحُ في مَعْنَاهُ
وَتَارَةً يَقْطَعُ بِحُكْمِ مَسْأَلَةٍ وقد يَزِيدُ فيها فيقول بِلَا خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ أو يقول وَجْهًا وَاحِدًا أو رِوَايَةً وَاحِدَةً وهو كَثِيرٌ في كَلَامِهِ وَيَكُونُ في الْغَالِبِ فيها خِلَافٌ كما سَتَرَاهُ وَرُبَّمَا كان الْمَسْكُوتُ عنه هو الْمَذْهَبُ بَلْ رُبَّمَا جَزَمَ في كُتُبِهِ بِشَيْءٍ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ في مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الطَّاهِرِ بِالطَّهُورِ
وَتَارَةً يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ يقول فَالْقِيَاسُ كَذَا ثُمَّ يحكى غَيْرَهُ كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الدِّيَاتِ أو يَذْكُرُ الْحُكْمَ ثُمَّ يقول وَالْقِيَاسُ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ أو يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ يقول في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ وَيَقْتَصِرُ عليه كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ الصَّدَاقِ وَاللِّعَانِ أو يَذْكُرُ الْحُكْمَ ثُمَّ يقول وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَذَا كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْهِبَةِ وفي الْغَالِبِ يَكُونُ ذلك اخْتِيَارَهُ وَرُبَّمَا كان الْمَذْهَبَ كما سَتَرَاهُ
وَتَارَةً يَحْكِي بَعْضَ الْأَقْوَالِ ثُمَّ يقول وَلَا عَمَلَ عليه كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ
____________________
(1/9)
الْفَرَائِضِ وَأَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَشُرُوطِ الْقِصَاصِ وَرُبَّمَا قَوَّاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ فَيَكُونُ قَوْلَهُ وَلَا عَمَلَ عليه عِنْدَهُ وَعِنْدَ من تَابَعَهُ
وَتَارَةً يقول هو أو غَيْرُهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه كما ذَكَرَهُ في الْغَصْبِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا وقد يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا روى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ وروى عنه أَنَّهُ رَجَعَ عنها فَهَلْ تَسْقُطُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ وَلَا تُذْكَرُ لِرُجُوعِهِ عنها أو تُذْكَرُ وَتُثْبَتُ في التَّصَانِيفِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عن اجْتِهَادَيْنِ في وَقْتَيْنِ فلم يُنْقَضْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَلَوْ عُلِمَ التَّارِيخُ بِخِلَافِ نُسَخِ الشَّارِعِ
فيه اخْتِلَافٌ بين الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ في بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ وَجَدَهُ فيها بَطَلَتْ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا
قُلْت عَمَلُ الْأَصْحَابِ على ذِكْرِهَا وَإِنْ كان الثَّانِي مَذْهَبَهُ فَعَلَى هذا يَجُوزُ التَّخْرِيجُ وَالتَّفْرِيعُ وَالْقِيَاسُ عليه كَالْقَوْلِ الثَّانِي
قال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَالثَّانِي مَذْهَبَهُ قِيلَ الْأَوَّلُ إنْ جُهِلَ رُجُوعُهُ عنه وَقِيلَ أو عُلِمَ وَقُلْنَا مَذْهَبُهُ ما قَالَهُ تَارَةً
وقال في الْفُرُوعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعُلِمَ التَّارِيخُ فَقِيلَ الثَّانِي مَذْهَبُهُ وَقِيلَ وَالْأَوَّلُ وَقِيلَ وَلَوْ رَجَعَ عنه
وقال في أُصُولِهِ وَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا فَالثَّانِي مَذْهَبُهُ وهو نَاسِخٌ اخْتَارَهُ في التَّمْهِيدِ وَالرَّوْضَةِ وَالْعُدَّةِ وَذِكْرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ كَقَوْلِهِمَا هذا قَوْلٌ قَدِيمٌ أو أَوَّلٌ وَالْعَمَلُ على كَذَا كَنَصَّيْنِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إذَا رَأَيْت ما هو أَقْوَى أَخَذْتُ بِهِ وَتَرَكْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ
وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَلْزَمُهُ وَلَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا خَالَفَ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ انْتَهَى
____________________
(1/10)
وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ ثُمَّ يقول وَالْعَمَلُ على الْأَوَّلِ كما ذَكَرَهُ في بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَيَكُونُ الْحُكْمُ كما قال
وَتَارَةً يَحْكِي بَعْضَ الرِّوَايَاتِ أو الْأَقْوَالِ ثُمَّ يقول وهو بَعِيدٌ كما ذَكَرَهُ في بَابِ حَدِّ الزنى وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا وقد يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَأَذْكُرُهُ
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ يَخْرُجُ منها إلَى نَظِيرَتِهَا مِمَّا لَا نَقْلَ فيها عِنْدَهُ كما ذَكَرَهُ في أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ في قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ في النَّاظِرِ في الْوَقْفِ وفي بَابِ الْوَكَالَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ في الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ إمَّا تَابَعَ غَيْرَهُ أو قَالَهُ من عِنْدِهِ
وقد يَكُونُ في الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ لم يَطَّلِعْ عليه فَأَذْكُرُهُ إنْ ظَفِرْت أو يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ يُخَرِّجُ فيها قَوْلًا من نَظِيرَتِهَا وهو كَثِيرٌ في كَلَامِهِ وَالْحُكْمُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ منصوص ( ( ( منصوصا ) ) ) عَلَيْهِمَا في مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ ثُمَّ يُخَرِّجُ من إحْدَاهُمَا حُكْمَهَا إلَى الْأُخْرَى كما ذَكَرَهُ في بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ
وَلِلْأَصْحَابِ في جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ في مِثْلِ هذا وَأَشْبَاهِهِ خِلَافٌ وَيَأْتِي في الْبَابِ الْمَذْكُورِ في أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا وَيَأْتِي ذلك في الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ مُحَرَّرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَهَا مَفْهُومٌ فَرُبَّمَا ذَكَرْت الْمَفْهُومَ وما فيه من الْمَسَائِلِ وَالْخِلَافِ إنْ كان وَظَفِرْت بِهِ
وَرُبَّمَا أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدٍ قد قَيَّدَهَا بِهِ الْمُحَقِّقُونَ من الْأَصْحَابِ أو بَعْضِهِمْ فَأُنَبِّهُ عليه وَأَذْكُرُ من قَالَهُ من الْأَصْحَابِ إنْ تَيَسَّرَ
وَتَارَةً يَكُونُ كَلَامُهُ عَامًّا وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ أو عَكْسُهُ وَقَصَدَ ضَرْبَ الْمِثَالِ فَنُبَيِّنُهُ وَسَيَمُرُّ بِك ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(1/11)
وَلِلْمُصَنِّفِ في كِتَابِهِ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ في حِكَايَةِ الْخِلَافِ غير ذلك ليس في ذِكْرِهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا
وأحشى على كل مَسْأَلَةٍ إنْ كان فيها خِلَافٌ وَاطَّلَعْت عليه وَأُبَيِّنُ ما يَتَعَلَّقُ بِمَفْهُومِهَا وَمَنْطُوقِهَا وَأُبَيِّنُ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ من ذلك كُلِّهِ فإنه الْمَقْصُودُ وَالْمَطْلُوبُ من هذا التَّصْنِيفِ وَغَيْرُهُ دَاخِلٌ تَبَعًا
وَهَذَا هو الذي حَدَانِي إلَى جَمْعِ هذا الْكِتَابِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وهو في الْحَقِيقَةِ تَصْحِيحٌ لِكُلِّ ما في مَعْنَاهُ من الْمُخْتَصَرَاتِ فإن أَكْثَرَهَا بَلْ وَالْمُطَوَّلَاتُ لَا تَخْلُو من إطْلَاقِ الْخِلَافِ
وقد أَذْكُرُ مَسَائِلَ لَا خِلَافَ فيها تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا لِتَعَلُّقِهَا بها أو لِمَعْنًى آخَرَ أُبَيِّنُهُ وَأَذْكُرُ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ وَاخْتِيَارُهُ وَمَنْ صَحَّحَ وَضَعَّفَ وَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ إنْ تَيَسَّرَ ذلك
وَأَذْكُرُ إنْ كان في الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَمَنْ الْقَائِلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ
وقد يَكُونُ لِلْخِلَافِ فَوَائِدُ مُبَيَّنَةٌ عليه فَأَذْكُرُهَا إنْ تَيَسَّرَ وَإِنْ كان فيها خِلَافٌ ذَكَرْته وَبَيَّنْت الرَّاجِحَ منه
وقد يَكُونُ التَّفْرِيعُ على بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أو الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ فَأَذْكُرُهُ وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أو بَعْضَهُ فَأُكْمِلُهُ
وَرُبَّمَا ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ في مَكَانَيْنِ أو أَكْثَرَ أو أَحَلَّتْ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ على من أَرَادَهَا
وَلَيْسَ غَرَضِي في هذا الْكِتَابِ الِاخْتِصَارَ وَالْإِيجَازَ وَإِنَّمَا غَرَضِي الْإِيضَاحُ وَفَهْمُ الْمَعْنَى
وقد يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَعْضُ فُرُوعٍ فَأُنَبِّهُ على ذلك بِقَوْلِي فَائِدَةٌ أو فَائِدَتَانِ أو فَوَائِدُ فَيَكُونُ كَالتَّتِمَّةِ له وَإِنْ كان فيه خِلَافٌ ذَكَرْته وَبَيَّنْت الْمَذْهَبَ منه
____________________
(1/12)
وَإِنْ كان الْمَذْهَبُ أو الرِّوَايَةُ أو الْقَوْلُ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ نَبَّهْت على ذلك بِقَوْلِي وهو من الْمُفْرَدَات أو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ إنْ تَيَسَّرَ
وَرُبَّمَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ غَرِيبَةً أو كَالْغَرِيبَةِ فَأُنَبِّهُ عليها بِقَوْلِي فيعايى بها
وقد يَكُونُ في بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ زِيَادَةٌ أو نَقْصٌ زَادَهَا من أَذِنَ له الْمُصَنِّفُ في إصْلَاحِهِ أو نَقْصِهَا أو تَكُونُ النُّسَخُ الْمَقْرُوءَةُ على الْمُصَنِّفِ مُخْتَلِفَةً كما في بَابِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَأُنَبِّهُ على ذلك وَأَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ
وَرُبَّمَا يَكُونُ اخْتِلَافُ النُّسَخِ مَبْنِيًّا على اخْتِلَافٍ بين الْأَصْحَابِ فَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَذْكُرُ بَعْضَ حُدُودٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أو غَيْرُهُ وَأُبَيِّنُ من ذَكَرَهَا وَمَنْ صَحَّحَ أو زَيَّفَ إنْ تَيَسَّرَ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كان الْخِلَافُ في الْمَسْأَلَةِ قَوِيًّا من الْجَانِبَيْنِ ذَكَرْت كُلَّ من يقول بِكُلِّ قَوْلٍ وَمَنْ قَدَّمَ وَأَطْلَقَ وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ في ذلك مَهْمَا اسْتَطَعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَإِنْ كان الْمَذْهَبُ ظَاهِرًا أو مَشْهُورًا وَالْقَوْلُ الذي يُقَابِلُهُ ضَعِيفًا أو قَوِيًّا وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ أَكْتَفِي بِذِكْرِ الْمَذْهَبِ وَذِكْرِ ما يُقَابِلُهُ من الْخِلَافِ من غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ في ذِكْرِ من قَدَّمَ وَأَخَّرَ فإن ذِكْرَهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ
فَظَنَّ بهذا التَّصْنِيفِ خَيْرًا فَرُبَّمَا عَثَرْت فيه بِمَسَائِلَ وَفَوَائِدَ وَغَرَائِبَ وَنُكَتٍ كَثِيرَةٍ لم تَظْفَرْ بِمَجْمُوعِهَا في غَيْرِهِ فَإِنِّي نَقَلْت فيه من كُتُبٍ كَثِيرَةٍ من كُتُبِ الْأَصْحَابِ من الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ من الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ
فَمِمَّا نَقَلْت منه من الْمُتُونِ الْخِرَقِيِّ وَالتَّنْبِيهِ وَبَعْضِ الشَّافِي لِأَبِي بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَتَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ لِابْنِ حَامِدٍ وَالْإِرْشَادِ لِابْنِ أبي مُوسَى وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَمُعْظَمِ التَّعْلِيقَةِ وَهِيَ الْخِلَافُ الْكَبِيرُ وَالْخِصَالُ وَقِطْعَةٌ من الْمُجَرَّدِ وَمِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي
____________________
(1/13)
أبي يَعْلَى وَمِنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ من الْمُضَارَبَةِ إلَى آخِرِهِ لِابْنِ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَأَجْزَاءٍ من الِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالْفُصُولِ وَالتَّذْكِرَةِ وَبَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَفُرُوعِ الْقَاضِي أبي الْحُسَيْنِ وَمِنْ مَجْمُوعِهِ من الْهِبَةِ إلَى آخِرِهِ بِخَطِّهِ وَالْعُقُودِ وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا وَالْإِيضَاحِ وَالْإِشَارَةِ وَغَالِبِ الْمُبْهِجِ لِأَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ وإلإفصاح لِابْنِ هُبَيْرَةَ وَالْغُنْيَةِ لِلشَّيْخِ عبد الْقَادِرِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ لِلْحَلْوَانِيِّ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في تَصْحِيحِ الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ لِوَلَدِهِ يُوسُفَ وَالْمُسْتَوْعِبِ لِلسَّامِرِيِّ وَالْخُلَاصَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي بن مُنَجَّا وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَرَأَيْت في نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ أَنَّ اسْمَ الْهَادِي عُمْدَةُ الْعَازِمِ في تَلْخِيصِ الْمَسَائِلِ الْخَارِجَةِ عن مُخْتَصَرِ أبي الْقَاسِمِ وَالْعُمْدَةِ مع الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ وَالْبُلْغَةِ وَمِنْ التَّلْخِيصِ إلَى الْوَصَايَا لِلشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ بن تَيْمِيَّةَ وَالْمُحَرَّرِ لِلْمَجْدِ وَالْمَنْظُومَةِ لِابْنِ عبد الْقَوِيِّ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَزُبْدَتِهَا وَالْإِفَادَاتِ بِأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَآدَابِ الْمُفْتِي لِابْنِ حَمْدَانَ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ إلَى أَثْنَاءِ الزَّكَاةِ وَالْوَجِيزِ لِلشَّيْخِ الْحُسَيْنِ بن السِّرِّيِّ الْبَغْدَادِيِّ وَنَظْمِهِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ رَزِينٍ وَمِنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى الشَّرِكَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجُزْءٍ من مُخْتَصَرِ الْمُجَرَّدِ من الْبُيُوعِ لِلشَّيْخِ أبي نَصْرِ عبد الرحمن مُدَرِّسِ المُسْتَنْصِرِيَّة وَالْفُرُوقِ لِلزَّرِيرَانِيِّ وَالْمُنَوِّرِ في رَاجِحِ الْمُحَرَّرِ وَالْمُنْتَخَبِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ الآدمي الْبَغْدَادِيِّ وَالتَّذْكِرَةِ وَالتَّسْهِيلِ لِابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَأَخِّرِ على ما قِيلَ وَالْفُرُوعِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى لِلْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بن مُفْلِحٍ وَمِنْ الفايق ( ( ( الفائق ) ) ) إلَى النِّكَاحِ لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ بن قَاضِي الْجَبَلِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ في اخْتِصَارِ الْهِدَايَةِ لِلشَّيْخِ صَفِّي الدِّينِ عبد الْمُؤْمِنِ بن عبد الْحَقِّ وَاخْتِيَارَاتِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ جَمَعَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ بن اللَّحَّامِ البعلى ولم يَسْتَوْعِبْهَا وَجُمْلَةٍ من مَجَامِيعِهِ وَفَتَاوِيهِ وَمَجَامِيعِ غَيْرِهِ وَفَتَاوِيهِ والهدى
____________________
(1/14)
لِلْعَلَّامَةِ بن الْقَيِّمِ وَغَالِبِ كُتُبِهِ وَمُخْتَصَرٍ ضَخْمٍ لِابْنِ أبي الْمَجْدِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ بن رَجَبٍ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ في تَحْرِيرِ أَحْكَامِ النِّهَايَةِ لِلْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ بن اللَّحَّامِ وَنَظْمِ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ لِلْقَاضِي عِزِّ الدِّينِ الْمَقْدِسِيِّ وَالتَّسْهِيلِ لِلْبَعْلِيِّ
وَمِمَّا نَقَلْت منه من الشُّرُوحِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ شَمْسِ الدِّينِ بن أبي عُمَرَ علي الْمُقْنِعِ وهو الْمُرَادُ بِقَوْلِي الشَّرْحُ وَالشَّارِحُ وَشَرْحِ أبي الْبَرَكَاتِ بن مُنَجَّا عليه وَقِطْعَةٍ من مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لِابْنِ عبد الْقَوِيِّ إلَى أَثْنَاءِ الزَّكَاةِ عليه وَقِطْعَةٍ لِابْنِ عُبَيْدَانِ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ عليه وَقِطْعَةٍ من الْحَارِثِيِّ من الْعَارِيَّةِ إلَى الْوَصَايَا عليه وَشَرْحِ مَنَاسِكِهِ لِلْقَاضِي مُوَفَّقِ الدِّينِ الْمَقْدِسِيِّ مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ وَالْمُغْنِي لِلْمُصَنِّفِ علي الْخِرَقِيِّ وَشَرْحِ الْقَاضِي عليه وَشَرْحِ بن الْبَنَّا عليه وَشَرْحِ بن رَزِينٍ عليه وَشَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عليه وَشَرْحِ الزَّرْكَشِيّ عليه وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ الطُّوفِيِّ إلَى النِّكَاحِ عليه وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَمُخْتَصَرِ الْمُغْنِي لِابْنِ عُبَيْدَانَ بِخَطِّهِ وَمِنْ مُخْتَصَرِ الْمُغْنِي لِابْنِ حَمْدَانَ إلَى آخِرِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بِخَطِّهِ وَسَمَّاهُ التَّقْرِيبَ وهو كِتَابٌ عَظِيمٌ وَشَرْحِ بِهَاءِ الدِّينِ عليها وَشَرْحِ صَفِيِّ الدِّينِ على الْمُحَرَّرِ وَقِطْعَةٍ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عليه وَتَعْلِيقَةٍ لِابْنِ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةِ عليه وَقِطْعَةٍ لِلْمَجْدِ إلَى صِفَةِ الْحَجِّ على الْهِدَايَةِ وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ أبي الْبَقَاءِ عليها وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلزَّرْكَشِيِّ من أَوَّلِ الْعِتْقِ إلَى أَثْنَاءِ الصَّدَاقِ وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلشَّيْخِ حَسَنِ بن عبد النَّاصِرِ الْمَقْدِسِيِّ من كِتَابِ الإيمان إلَى آخِرِ الْكِتَابِ وهو الْجُزْءِ السَّابِعُ وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ أبي حَكِيمٍ عليها وَالنُّكَتِ على الْمُحَرَّرِ وَالْحَوَاشِي على الْمُقْنِعِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بن مُفْلِحٍ وَحَوَاشِي شَيْخِنَا على الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَحَوَاشِي قَاضِي الْقُضَاةِ مُحِبِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بن نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ على الْفُرُوعِ وَتَصْحِيحِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الذي في الْمُقْنِعِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ النَّابْلُسِيِّ وَتَصْحِيحِ شَيْخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ الْكَتَّانِيِّ على الْمُحَرَّرِ
____________________
(1/15)
وَغَيْرِ ذلك من التَّعَالِيقِ وَالْمَجَامِيعِ وَالْحَوَاشِي وَقِطْعَةٍ من شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ رَجَبٍ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا وَقَفْت عليه
وَاعْلَمْ أَنَّ من أَعْظَمِ هذه الْكُتُبِ نَفْعًا وَأَكْثَرِهَا عِلْمًا وَتَحْرِيرًا وَتَحْقِيقًا وَتَصْحِيحًا لِلْمَذْهَبِ كِتَابُ الْفُرُوعِ فإنه قَصَدَ بِتَصْنِيفِهِ تَصْحِيحَ الْمَذْهَبِ وَتَحْرِيرَهُ وَجَمْعَهُ وَذَكَرَ فيه أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَالِبًا الْمَذْهَبُ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ إلَّا أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لم يُبَيِّضْهُ كُلَّهُ ولم يُقْرَأْ عليه وَكَذَلِكَ الْوَجِيزُ فإنه بَنَاهُ على الرَّاجِحِ من الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عنه وَذَكَرَ أَنَّهُ عرضة على الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أبي بَكْرِ عبد اللَّهِ بن الزَّرِيرَانِيِّ فَهَذَّبَهُ له إلَّا أَنَّ فيه مَسَائِلَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ تَابَعَ فيها الْمُصَنِّفَ على اخْتِيَارِهِ وَتَابَعَ في بَعْضِ الْمَسَائِلِ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَلَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَسَيَمُرُّ بِك ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ
وَكَذَلِكَ التَّذْكِرَةُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ فإنه بَنَاهَا على الصَّحِيحِ من الدَّلِيلِ وَكَذَلِكَ بن عبد الْقَوِيِّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فإنه قال فيه أَبْتَدِئُ بِالْأَصَحِّ في الْمَذْهَبِ نَقْلًا أو الْأَقْوَى دَلِيلًا وَإِلَّا قُلْت مَثَلًا رِوَايَتَانِ أو وَجْهَانِ وَكَذَا قال في نَظْمِهِ
% وَمَهْمَا تَأْتِي الِابْتِدَا بِرَاجِحٍ % فَإِنِّي بِهِ عِنْدَ الْحِكَايَةِ أَبْتَدِي %
وَكَذَلِكَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فإنه بَنَاهَا على الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ وَفِيهَا مَسَائِلُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخُلَاصَةُ لِابْنِ مُنَجَّا فإنه قال فيها أُبَيِّنُ الصَّحِيحَ من الرِّوَايَةِ وَالْوَجْهِ وقد هَذَّبَ فيها كَلَامَ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ الْإِفَادَاتُ بِأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ لِابْنِ حَمْدَانَ فإنه قال فيها أَذْكُرُ هُنَا غَالِبًا صَحِيحَ الْمَذْهَبِ وَمَشْهُورَهُ وَصَرِيحَهُ وَمَشْكُورَهُ وَالْمَعْمُولَ عِنْدَنَا عليه وَالْمَرْجُوعَ غَالِبًا إلَيْهِ
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا أَنَّ طَرِيقَتِي في هذا الْكِتَابِ النَّقْلُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَعْزُو إلَى كل كِتَابٍ ما نَقَلْت منه وَأُضِيفُ إلَى كل عَالِمٍ ما أَرْوِي عنه فَإِنْ كان الْمَذْهَبُ ظَاهِرًا أو مَشْهُورًا أو قد اخْتَارَهُ جُمْهُورُ
____________________
(1/16)
الْأَصْحَابِ وَجَعَلُوهُ مَنْصُورًا فَهَذَا لَا إشْكَالَ فيه وَإِنْ كان بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَدَّعِي أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ
وَإِنْ كان التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفًا بين الْأَصْحَابِ في مَسَائِلَ مُتَجَاذِبَةِ الْمَأْخَذِ فَالِاعْتِمَادُ في مَعْرِفَةِ الْمَذْهَبِ من ذلك على ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةُ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ فَإِنَّهُمْ هَذَّبُوا كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَهَّدُوا قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ بِيَقِينٍ
فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْمَذْهَبُ ما قَدَّمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فيه في مُعْظَمِ مَسَائِلِهِ
فَإِنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ أو كان من غَيْرِ الْمُعْظَمِ الذي قَدَّمَهُ فَالْمَذْهَبُ ما اتَّفَقَ عليه الشَّيْخَانِ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ أو وَافَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ في أَحَدِ اخْتِيَارَيْهِ وَهَذَا ليس على إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا هو في الْغَالِبِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمَذْهَبُ مع من وَافَقَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أو الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِلَّا فَالْمُصَنِّفُ لَا سِيَّمَا إنْ كان في الْكَافِي ثُمَّ الْمَجْدُ
وقد قال الْعَلَّامَةُ بن رَجَبٍ في طَبَقَاتِهِ في تَرْجَمَةِ بن الْمُنَى وَأَهْلُ زَمَانِنَا وَمَنْ قَبْلَهُمْ إنَّمَا يَرْجِعُونَ في الْفِقْهِ من جِهَةِ الشُّيُوخِ وَالْكُتُبِ إلَى الشَّيْخَيْنِ الْمُوَفَّقِ وَالْمَجْدِ انْتَهَى
فَإِنْ لم يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا في ذلك تَصْحِيحٌ فَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْوَجِيزِ ثُمَّ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْكُبْرَى ثُمَّ النَّاظِمُ ثُمَّ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ ثُمَّ من بَعْدَهُمْ أَذْكُرُ من قَدَّمَ أو صَحَّحَ أو اخْتَارَ إذَا ظَفِرْت بِهِ وَهَذَا قَلِيلٌ جِدًّا
وَهَذَا الذي قُلْنَا من حَيْثُ الْجُمْلَةِ وفي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَهَذَا لَا يَطَّرِدُ أَلْبَتَّةَ بَلْ قد يَكُونُ الْمَذْهَبُ ما قَالَهُ أَحَدُهُمْ في مَسْأَلَةٍ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ ما قَالَهُ الْآخَرُ في أُخْرَى وَكَذَا غَيْرُهُمْ بِاعْتِبَارِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْمُوَافِقِ له من الْأَصْحَابِ
____________________
(1/17)
هذا ما يَظْهَرُ لي من كَلَامِهِمْ وَيَظْهَرُ ذلك لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَعَرَفَهُ وَسَنُنَبِّهُ على بَعْضِ ذلك في أَمَاكِنِهِ
وقد قِيلَ إنَّ الْمَذْهَبَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ما قَالَهُ الشَّيْخَانِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْمَجْدُ ثُمَّ الْوَجِيزُ ثُمَّ الرِّعَايَتَيْنِ
وقال بَعْضُهُمْ إذَا اخْتَلَفَا في الْمُحَرَّرِ وَالْمُقْنِعِ فَالْمَذْهَبُ ما قَالَهُ في الْكَافِي
وقد سُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عن مَعْرِفَةِ الْمَذْهَبِ في مَسَائِلِ الْخِلَافِ فيها مُطْلَقٌ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فقال طَالِبُ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ ذلك من كُتُبٍ أُخَرَ مِثْلِ كِتَابِ التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي وَالِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِ ذلك من الْكُتُبِ الْكِبَارِ التي يُذْكَرُ فيها مَسَائِلُ الْخِلَافِ وَيُذْكَرُ فيها الرَّاجِحُ وقد اُخْتُصِرَتْ هذه الْكُتُبَ في كُتُبُ مُخْتَصَرَةٍ مِثْلِ رؤوس الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي أبي يَعْلَى وَالشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَلِأَبِي الْخَطَّابِ وَلِلْقَاضِي أبي الْحُسَيْنِ وقد نُقِلَ عن أبي الْبَرَكَاتِ جَدِّنَا أَنَّهُ كان يقول لِمَنْ يَسْأَلُهُ عن ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إنَّهُ ما رَجَّحَهُ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس مَسَائِلِهِ قال وَمِمَّا يُعْرَفُ منه ذلك الْمُغْنِي لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَشَرْحُ الْهِدَايَةِ لِجَدِّنَا وَمَنْ كان خَبِيرًا بِأُصُولِ أَحْمَدَ وَنُصُوصِهِ عَرَفَ الرَّاجِحَ من مَذْهَبِهِ في عَامَّةِ الْمَسَائِلِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وهو مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ
وَاعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ إذَا اخْتَلَفَ بين الْأَصْحَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذلك لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ من الْجَانِبَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قال بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ إمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ وَيَكُونُ ذلك في الْغَالِبِ مَذْهَبًا لِإِمَامِهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنْ كان لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كان بين الْأَصْحَابِ فَهُوَ مَقِيسٌ على قَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ وَنُصُوصِهِ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَجْهَ مَجْزُومٌ بِجَوَازِ الْفُتْيَا بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
____________________
(1/18)
وَسَمَّيْته بِالْإِنْصَافِ في مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ من الْخِلَافِ
وأنا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يُدْخِلَنَا بِهِ جَنَّاتِ
النَّعِيمِ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُطَالِعَهُ وَكَاتِبَهُ وَالنَّاظِرَ فيه إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ
وما تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عليه تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ = كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ الْمِيَاهِ
فَائِدَةٌ الطَّهَارَةُ لها مَعْنَيَانِ مَعْنًى في اللُّغَةِ وَمَعْنًى في الِاصْطِلَاحِ فَمَعْنَاهَا في اللُّغَةِ النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عن الْأَقْذَارِ قال أبو الْبَقَاءِ وَيَكُونُ ذلك في الْأَخْلَاقِ أَيْضًا وَمَعْنَاهَا في اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ قِيلَ رَفْعُ ما يَمْنَعُ الصَّلَاةَ من حَدَثٍ أو نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ أو رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِإِخْرَاجِهِ الْحَجَرَ وما في مَعْنَاهُ في الِاسْتِجْمَارِ وَدَلْكُ النَّعْلِ وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ على قَوْلٍ فإن تَقْيِيدَهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ يُخْرِجُ ذلك وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا نَجَاسَةً تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا فإن زَوَالَهَا طَهَارَةٌ وَلَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا الْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ وَالتَّجْدِيدَ وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَهِيَ طَهَارَةٌ وَلَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ
وَقَوْلُهُ بِالْمَاءِ أو رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ فيه تَعْمِيمٌ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِكَوْنِهِمَا طَهُورَيْنِ قال ذلك الزَّرْكَشِيُّ
وَأُجِيبَ عن الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّ الطَّهَارَةَ في الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ شَيْءٍ إذْ هِيَ مَصْدَرُ طَهُرَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ شَيْءٍ وَإِطْلَاقُ الطَّهَارَةِ على الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ مَجَازٌ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْوُضُوءِ الرَّافِعِ وَالْغُسْلِ الرَّافِعِ في الصُّورَةِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في دَلْكِ النَّعْلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ بِذَلِكَ كما يَأْتِي بَيَانُ ذلك وَعَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ إنما ( ( ( وإنما ) ) ) يَحْصُلُ ذلك في الْغَالِبِ
____________________
(1/19)
بِالتُّرَابِ وَأَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الطَّهُورَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِهِ
وقال بن أبي الْفَتْحِ في الْمُطْلِعِ الطَّهَارَةُ في الشَّرْعِ ارْتِفَاعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وما أَشْبَهَهُ من حَدَثٍ أو نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ وَارْتِفَاعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ فَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ وما أَشْبَهَهُ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَلَكِنْ يَرُدُّ عليه غَيْرُ ذلك وَفِيهِ إبْهَامٌ ما
وقال شَارِحُ الْمُحَرَّرِ مَعْنَى الطَّهَارَةِ في الشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلِذَلِكَ نَقُولُ الطَّهَارَةُ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا هو مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا وهو مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ الطِّهَارَاتِ مُنْعَكِسٌ في غَيْرِهَا ثُمَّ الْمُسْتَقْذَرُ شَرْعًا إمَّا عَيْنِيٌّ وَيُسَمَّى نَجَاسَةً أو حُكْمِيٌّ وَيُسَمَّى حَدَثًا فَالتَّطْهِيرُ إخْلَاءُ الْمَحَلِّ من الْأَقْذَارِ الشَّرْعِيَّةِ
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ حَدَّ الْفُقَهَاءِ لِلطَّهَارَةِ بِرَفْعِ ما يَمْنَعُ الصَّلَاةَ من حَدَثٍ أو نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ أو إزَالَةُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ وهو أَجْوَدُ ما قِيلَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ جَيِّدٍ لِأَنَّ ما يَمْنَعُ الصَّلَاةَ ليس إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْسَانِ لَا إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْيَانِ ثُمَّ الْحَدُّ مُتَعَدٍّ وَالْمَحْدُودُ لَازِمٌ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ وَالْحَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لَكِنْ لو فَسَّرَ بِهِ التَّطْهِيرَ جَازَ فإنه بِمَعْنَاهُ مع طُولِ الْعِبَارَةِ انْتَهَى
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ الطَّهَارَةُ في الشَّرْعِ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا ضِدُّ الْوَصْفِ بِالنَّجَاسَةِ وهو خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا يَمْنَعُ من اصطحابه ( ( ( استصحابه ) ) ) في الصَّلَاةِ بالجملة ( ( ( في ) ) ) وَيَشْتَرِكُ في ذلك الْبَدَنُ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَهِيَ اسْتِعْمَالٌ مَخْصُوصٌ بِمَاءٍ أو تُرَابٍ يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ مُشْتَرَطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ في الْجُمْلَةِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وقال وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ يُتَصَوَّرُ قِيَامُهَا مع الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَضِدِّهَا كَبَدَنِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أو خَلَا عنها وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وقال في الْوَجِيزِ الطَّهَارَةُ اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ في مَحَلِّ التَّطْهِيرِ على الْوَجْهِ
____________________
(1/20)
الْمَشْرُوعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فيه زِيَادَةً مع أَنَّهُ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَحْدُودِ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فيه زِيَادَةً صَحِيحٌ إذْ لو قال اسْتِعْمَالُ الطَّهُورُ على الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَصَحَّ وَخَلَا عن الزِّيَادَةِ قال من شَرَعَ في شَرْحِهِ وهو صَاحِبُ التَّصْحِيحِ وفي حَدِّ الْمُصَنِّفِ خَلَلٌ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّهُورَ وَالتَّطْهِيرَ اللَّذَيْنِ هُمَا من أَجْزَاءِ الرسم ( ( ( الرسوم ) ) ) مُشْتَقَّانِ من الطَّهَارَةِ الْمَرْسُومَةِ وَلَا يُعْرَفُ الْحَدُّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مُفْرَدَاتِهِ الْوَاقِعَةِ فيه فَيَلْزَمُ الدُّورُ انْتَهَى
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ الطَّهَارَةُ شَرْعًا ما يَرْفَعُ مَانِعَ الصَّلَاةِ وهو غَيْرُ جَامِعٍ لِمَا تَقَدَّمَ
وَقَدَّمَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ أنها في الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ أو بَدَلِهِ في أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ
قُلْت وهو جَامِعٌ إلَّا أَنَّ فيه إبْهَامًا وهو حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ
وَقِيلَ الطَّهَارَةُ ضِدُّ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ وَقِيلَ الطَّهَارَةُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ شَرْعًا وَقِيلَ الطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ طَاهِرَةٍ شَرْعًا
وَحَدَّهَا في الرِّعَايَةِ بِحَدٍّ وَقَدَّمَهُ وَأَدْخَلَ فيه جَمِيعَ ما يُتَطَهَّرُ بِهِ وما يُتَطَهَّرُ له لَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ جِدًّا
قَوْلُهُ وَهِيَ على ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ في تَقْسِيمِ الْمَاءِ أَرْبَعَ طُرُقٍ
أَحَدُهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَاءَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ طَهُورٌ وَطَاهِرٌ وَنَجِسٌ
الطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَالطَّاهِرُ قِسْمَانِ طَاهِرٌ طَهُورٌ وَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا وَهِيَ قَرِيبَةٌ من الْأُولَى
____________________
(1/21)
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ طَاهِرٌ طَهُورٌ وَنَجِسٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فإن عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَسَوَاءٌ كان مُطْلَقًا أو مُقَيَّدًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ نَقَلَهُ في الْفُرُوعِ عنه في بَابِ الْحَيْضِ
الطَّرِيقُ الرَّابِعُ أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ طَهُورٌ وَطَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَمَشْكُوكٌ فيه لِاشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
تَنْبِيهٌ يَشْمَلُ قَوْلُهُ وهو الْبَاقِي على أَصْلِ خِلْقَتِهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً يَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ أَكْثَرِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ
قَوْلُهُ وما تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ أو بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عنه
أَيْ صَوْنُ الْمَاءِ عن السَّاقِطِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ في ذلك وهو الْمَذْهَبُ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْمُحَرَّرِ لَا بَأْسَ بِمَا تَغَيَّرَ بِمَقَرِّهِ أو بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عنه وَقِيلَ يكره ( ( ( ويكره ) ) ) فِيهِمَا جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عنه أَنَّهُ لو أَمْكَنَ صَوْنُهُ عنه أو وَضَعَ قَصْدًا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فيه وَلَيْسَ على إطْلَاقِهِ على ما يَأْتِي في الْفَصْلِ الثَّانِي فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ أو تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا يَسِيرًا
قَوْلُهُ أو لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالدُّهْنِ
صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّهُورِيَّةِ في ذلك وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وبن مُنَجَّا وبن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ في شُرُوحِهِمْ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
____________________
(1/22)
طَهُورِيَّتَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ فَطَهُورٌ في الْأَصَحِّ قال في الرِّعَايَتَيْنِ طَهُورٌ في الْأَشْهَرِ وَقِيلَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا غَيَّرَهُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ
وَقَوْلُ بن رَزِينٍ لَا خِلَافَ في طَهُورِيَّتِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ إنَّمَا يَكُون طَهُورًا إذَا غَيَّرَ رِيحَهُ فَقَطْ على تَعْلِيلِهِمْ فَأَمَّا إذَا غَيَّرَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ فَلَا ثُمَّ قَالَا وَالصَّحِيح أَنَّهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرَات إذَا غَيَّرَتْ يَسِيرًا فَإِنْ قُلْنَا تُؤَثِّرُ ثُمَّ أَثَّرَتْ هُنَا وَإِلَّا فَلَا
فَائِدَةٌ مُرَادُهُ بِالْعُودِ الْعُودُ الْقَمَارِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ مَوْضِعٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وهو بِفَتْحِ الْقَافِ وَمُرَادُهُ بِالْكَافُورِ قِطَعُ الْكَافُورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أو لَا يُخَالِطُهُ فإنه لو كان غير قِطَعٍ لَخَالَطَ وهو وَاضِحٌ
تَنْبِيهٌ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعُودَ وَالْكَافُورَ وَالدُّهْنَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانِ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِلْخِلَافِ في طَهُورِيَّتِهِ
قَوْلُهُ أو ما أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ
صَرَّحَ بِطَهُورِيَّتِهِ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجُمْهُورُهُمْ جَزَمَ بِهِ منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَسْلُبُهُ إذَا وُضِعَ قَصْدًا وَخَرَّجَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ على التُّرَابِ إذَا
____________________
(1/23)
وُضِعَ قَصْدًا وَصَرَّحَ أَيْضًا أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو ما أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَعْدِنِيِّ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ التُّرَابِ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ على الْمَذْهَبِ لَكِنْ إنْ ثَخُنَ الْمَاءُ بِوَضْعِ التُّرَابِ فيه بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَجْرِي على الْأَعْضَاءِ لم تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ وَيَأْتِي ذلك في الْفَصْلِ الثَّانِي قَرِيبًا بِأَتَمَّ من هذا مُفَصَّلًا
قَوْلُهُ أو سُخِّنَ بِالشَّمْسِ
صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا قال الْآجُرِّيُّ في النَّصِيحَةِ يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ يُقَالُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ وَقَالَهُ التَّمِيمِيُّ قَالَهُ في الْفَائِقِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ قَالَهُ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا حَكَاهُ عنه في الْحَاوِي
وقال بن رَجَبٍ في الطَّبَقَاتِ قَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ رِزْقَ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ وَافَقَ جَدَّهُ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيَّ على كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَمَحَلُّهُ إذَا كان في آنِيَةٍ وَاسْتَعْمَلَهُ في
____________________
(1/24)
جَسَدِهِ وَلَوْ في طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَمَّا لو سُخِّنَ بِالشَّمْسِ مَاءُ الْعُيُونِ وَنَحْوِهَا لم يُكْرَهْ قَوْلًا وَاحِدًا قال في الرِّعَايَةِ اتِّفَاقًا
وَحَيْثُ قُلْنَا يُكْرَهُ لم تَزُلْ الْكَرَاهَةُ إذَا بَرَدَ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ تَزُولُ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو بِطَاهِرٍ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ اشْتَدَّ حَرُّهُ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ وَالْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ إذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفَسَّرَ في الرِّعَايَةِ النَّصَّ من عِنْدِهِ بِذَلِكَ
قُلْت وهو مُرَادُ النَّصِّ قَطْعًا وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ وقال في الرِّعَايَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجْزِيَهُ مع شِدَّةِ حَرِّهِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ قد تَقَدَّمَ خِلَافٌ في بَعْضِ الْمَسَائِلِ هل هو طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ أو طَاهِرٌ فَقَطْ
فَائِدَةٌ الْأَحْدَاثُ جَمْعُ حَدَثٍ وَالْحَدَثُ ما أَوْجَبَ وُضُوءًا أو غُسْلًا قَالَهُ في الْمَطْلَعِ وقال في الرِّعَايَةِ وَالْحَدَثُ وَالْأَحْدَاثُ ما اقْتَضَى وُضُوءًا أو غُسْلًا أو اسْتِنْجَاءً أو اسْتِجْمَارًا أو مَسْحًا أو تَيَمُّمًا قَصْدًا كَوَطْءٍ وَبَوْلِ وَنَجْوٍ وَنَحْوِهَا غَالِبًا أو اتِّفَاقًا كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا وَاحْتِلَامِ نَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عليه وَخُرُوجِ رِيحٍ منهم غَالِبًا فَالْحَدَثُ ليس نَجَاسَةً لِأَنَّهُ مَعْنًى وَلَيْسَ عَيْنًا فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ محدث ( ( ( الحدث ) ) )
والمحدث من لَزِمَهُ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وُضُوءٌ أو غُسْلٌ أو هُمَا أو اسْتِنْجَاءٌ أو اسْتِجْمَارٌ أو مَسْحٌ أو تَيَمُّمٌ أو اُسْتُحِبَّ له ذلك قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وهو غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ التَّجْدِيدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَكُلُّ مُحْدِثٍ ليس نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا شَرْعًا
والطاهر ضِدُّ النَّجِسِ وَالْمُحْدِثِ وقيل ( ( ( وقياس ) ) ) بَلْ عَدَمُهُمَا شَرْعًا
____________________
(1/25)
وَأَمَّا الْأَنْجَاسُ فَجَمْعُ نَجَسٍ وَحَدُّهُ في الِاصْطِلَاحِ كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مع إمْكَانِهِ لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا ولضرر ( ( ( ولا ) ) ) بها في بَدَنٍ أو عَقْلٍ قَالَهُ في الْمَطْلَعِ وقال في الرِّعَايَةِ النَّجَسُ كُلُّ نَجَاسَةٍ وما تَوَلَّدَ منها وَكُلُّ طَاهِرٍ طَرَأَ عليه ما يُنَجِّسُهُ قَصْدًا أو اتِّفَاقًا مع بَلَلِ أَحَدِهِمَا أو هُمَا أو تَغَيُّرُ صِفَتِهِ الْمُبَاحَةِ بِضِدِّهَا كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ بِنَفْسِهِ خَمْرًا أو مَوْتِ ما يُنَجِّسُ بِمَوْتِهِ فَيُنَجَّسُ بِنَجَاسَتِهِ فَهُوَ نَجِسٌ وَمُتَنَجِّسٌ فَكُلُّ نَجَاسَةٍ نَجَسٌ وَلَيْسَ كُلُّ نَجَسٍ نَجَاسَةً وَالْمُتَنَجِّسُ نَجُسَ بِالتَّنَجُّسِ وَالْمُنَجَّسُ نَجُسَ بِالتَّنْجِيسِ
وَأَمَّا النَّجَاسَةُ فَقِسْمَانِ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ فَالْعَيْنِيَّةُ لَا تَطْهُرُ بِغَسْلِهَا بِحَالٍ وَهِيَ كُلُّ عَيْنٍ جَامِدَةٍ يَابِسَةٍ أو رَطْبَةٍ أو مَائِعَةٍ يَمْنَعُ منها الشَّرْعُ بِلَا ضَرُورَةٍ لَا لِأَذًى فيها طَبْعًا وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أو غَيْرِهِ شَرْعًا قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال وَقِيلَ كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا مع إمْكَانِهِ لَا لِحُرْمَتِهَا أو اسْتِقْذَارِهَا وَضَرَرِهَا في بَدَنٍ أو عَقْلٍ
وَالْحُكْمِيَّةُ تَزُولُ بِغَسْلِ مَحِلِّهَا وَهِيَ كُلُّ صِفَةٍ طَهَارِيَّةٍ مَمْنُوعَةٍ شَرْعًا بِالضَّرُورَةِ لَا لِأَذًى فيها طَبْعًا وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أو غَيْرِهِ شَرْعًا تَحْصُلُ بِاتِّصَالِ نَجَاسَةٍ أو نَجِسٍ بِطَهُورٍ أو طَاهِرٍ قَصْدًا مع بَلَلِ أَحَدِهِمَا أو هُمَا وهو التَّنْجِيسُ أو التَّنْجِيسُ اتِّفَاقًا من نَائِمٍ أو مَجْنُونٍ أو مُغْمًى عليه أو طِفْلٍ أو طِفْلَةٍ أو بَهِيمَةٍ أو لِتَغَيُّرِ صِفَةِ الطَّاهِرِ بِنَفْسِهِ كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ خَمْرًا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وَيَأْتِي هل نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ عَيْنِيَّةٌ أو حُكْمِيَّةٌ في فَصْلِ التَّنْجِيسِ
وَقِيلَ النَّجَاسَةُ لُغَةً ما يَسْتَقْذِرُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَشَرْعًا عَيْنٌ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِحَمْلِ جِنْسِهَا فيها وإذا اتَّصَلَ بها بَلَلٌ تَعَدَّى حُكْمُهَا إلَيْهِ
وَقِيلَ النَّجَاسَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ نَجِسَةٍ
تَنْبِيهٌ يَشْمَلُ قَوْلُهُ فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذكر ( ( ( ذكره ) ) ) ما في كَرَاهَتِهِ خِلَافٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
____________________
(1/26)
فمما ( ( ( فما ) ) ) دخل في عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَاءُ زَمْزَمَ وهو تَارَةً يُسْتَعْمَلُ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَتَارَةً في رَفْعِ الْحَدَثِ وَتَارَةً في غَيْرِهِمَا فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كُرِهَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت وهو عَجِيبٌ منه
وقال النَّاظِمُ وَيُكْرَهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ من مَاءِ زَمْزَمَ في الْأُولَى وقال في التَّلْخِيصِ وَمَاءُ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ منها فَظَاهِرُهُ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَالطَّهَارَةِ بِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فيه قَوْلٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ الْمَسْكُوتُ عنه في النَّظْمِ
وقال بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ وَلَا يُكْرَهُ مَاءُ زَمْزَمَ على الْأَصَحِّ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ فَهَلْ يُبَاحُ أو يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ فيه ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أو يَحْرُمُ أو يَحْرُمُ حَيْثُ يَنْجُسُ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ نُصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وقال هذا أَوْلَى وَكَذَا قال بن عُبَيْدَانَ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في نَظْمِهِ وبن رَزِينٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ في الْمُنْتَقَى وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال نُصَّ عليه وبن رَزِينٍ وَهِيَ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاسْتَحَبَّ بن الزَّاغُونِيِّ في مَنْسَكِهِ الْوُضُوءَ منه وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا
____________________
(1/27)
وَحَرَّمَ بن الزَّاغُونِيِّ أَيْضًا رَفْعَ الْحَدَثِ بِهِ حَيْثُ تَنَجَّسَ بِنَاءً على أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ تَعْظِيمُهُ وقد زَالَ بِنَجَاسَتِهِ وقد قِيلَ إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ فَعَلَى هذا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا لو سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ هل يَجُوزُ الْوُضُوءُ منه مع الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ على وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا بن الزَّاغُونِيِّ في فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْوَقْفِ وَأَمَّا الشُّرْبُ منه فَمُسْتَحَبٌّ وَيَأْتِي في صِفَةِ الْحَجِّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ في غَيْرِ ذلك من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَمَّا رَشُّ الطَّرِيقِ وَجَبَلِ التُّرَابِ الطَّاهِرِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا مَاءُ الْحَمَّامِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ إبَاحَةُ اسْتِعْمَالِهِ نُصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ فإنه قال أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجَدِّدَ مَاءً غَيْرِهِ وَنُقِلَ عنه يَغْتَسِلُ من الْأُنْبُوبَةِ وَيَأْتِي في فَصْلِ النَّجَسِ هل مَاءُ الْحَمَّامِ كَالْجَارِي أو إذَا فَاضَ من الْحَوْضِ
وَمِنْهَا مَاءُ آبَارِ ثَمُودَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إبَاحَتُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ ثُمَّ قال وَلَا وَجْهَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ على إبَاحَتِهِ مع هذا الْخَبَرِ وَنَصِّ أَحْمَدَ وذكر النَّصَّ عن أَحْمَدَ وَالْأَحَادِيثَ في ذلك
وَمِنْهَا الْمُسَخَّنُ بِالْمَغْصُوبِ وفي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْحَاوِيَيْنِ إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ
وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَصِحُّ بِهِ
____________________
(1/28)
وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تَصِحُّ وَتُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فيه لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ صَحِيحَةٌ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنَّمَا عَرَضَ له مَانِعٌ وهو الْغَصْبُ
وَمِنْهَا كَرَاهَةُ الطَّهَارَةِ من بِئْرٍ في الْمَقْبَرَةِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالسَّامِرِيُّ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَنَصَّ أَحْمَدُ على كَرَاهَتِهِ وَهَذَا وَارِدٌ على عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ في هذه الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا
إحْدَاهَا وَهِيَ أَصَحُّهَا أَنَّ فيها رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَطَعَ بها في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهَا في الْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ الْكَرَاهَةُ جَزَمَ بِهِ في الْمُجَرَّدِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في رؤوس الْمَسَائِلِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وصححه ( ( ( وصحيحه ) ) ) في التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو الْأَظْهَرُ قال في الْخُلَاصَةِ وَيُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَاتِ على الْأَصَحِّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ كُرِهَ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا الْأَشْهَرُ وهو منها وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ قال في الْفَائِقِ وَلَوْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ لَا تَصِلُ لم يُكْرَهْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(1/29)
قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وفي كَرَاهَةِ مُسَخَّنٍ بِنَجَاسَةٍ رِوَايَةٌ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وقال أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ إن ظَنَّ وُصُولَ النَّجَاسَةِ كُرِهَ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُصُولِهَا لم يُكْرَهْ وَإِنْ تَرَدَّدَ فَالرِّوَايَتَانِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ في الْفُرُوعِ
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ إنْ احْتَمَلَ وُصُولَهَا إلَيْهِ كُرِهَ قَوْلًا وَاحِدًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْ فَرِوَايَتَانِ وَمَحَلُّ هذا في الْمَاءُ الْيَسِيرُ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَهِيَ طَرِيقَةُ أبي الْبَقَاءِ في شَرْحِهِ وَشَارِحِ الْمُحَرَّرِ
الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ إنْ احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ من غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَالرِّوَايَتَانِ وَحَمَلَ بن مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه وهو بَعِيدٌ وَإِنْ كان الْمَاءُ كَثِيرًا لم يُكْرَهْ وَإِنْ كان حَصِينًا لم يُكْرَهْ وَقِيلَ إنْ كان يَسِيرًا وَيُعْلَمُ عَدَمَ وُصُولِ النَّجَاسَةِ لم يُكْرَهْ وَفِيهِ وَجْهٌ يُكْرَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ إنْ لم يَعْلَمْ وُصُولَهَا إلَيْهِ وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ لم يُكْرَهْ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَإِنْ كان حَصِينًا لم يُكْرَهْ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
الطَّرِيقَةُ السَّادِسَةُ الْمُسَخَّنُ بها قِسْمَانِ أحدهما ( ( ( أحدها ) ) ) إنْ غَلَبَ على الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا إلَيْهِ فَوَجْهَانِ الْكَرَاهَةُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وهو أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَعَدَمُهَا اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ وَالثَّانِي ما عَدَا ذلك فَرِوَايَتَانِ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَدَمُهَا اخْتِيَارُ بن حَامِدٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّارِحِ وبن عُبَيْدَانَ
الطَّرِيقَةُ السَّابِعَةُ الْمُسَخَّنُ بها أَيْضًا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُصُولُ شَيْءٍ من أَجْزَائِهَا إلَى الْمَاءِ وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ فَيُكْرَهُ وَالثَّانِي إذَا كان حَصِينًا فَوَجْهَانِ الْكَرَاهَةُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَعَدَمُهَا اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ وبن
____________________
(1/30)
عَقِيلٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ
الطَّرِيقَةُ الثَّامِنَةُ إنْ لم يَتَحَقَّقْ وُصُولُهَا فَرِوَايَتَانِ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُهَا فَنَجَسٌ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
الطَّرِيقَةُ التَّاسِعَةُ إنْ احْتَمَلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ ولم يَتَحَقَّقْ كُرِهَ في رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ وفي الْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ وَإِنْ كانت النَّجَاسَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا فَوَجْهَانِ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا وَهِيَ طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ في الْكَافِي
الطَّرِيقَةُ الْعَاشِرَةُ إنْ كانت لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا فَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ في الْهَادِي قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إذَا غَلَبَ على الظَّنِّ وُصُولُ الدُّخَانِ فَفِي كراهته ( ( ( الكراهة ) ) ) وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يُكْرَهُ
الطَّرِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ إنْ اُحْتُمِلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ ظَاهِرًا كُرِهَ وَإِنْ كان بَعِيدًا فَوَجْهَانِ وَإِنْ لم يُحْتَمَلْ لم يُكْرَهْ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ بِحَالٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ بن تَمِيمٍ في مُخْتَصَرِهِ
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا في رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ وَعَدَمُهَا مُطْلَقًا في أُخْرَى وَقِيلَ إنْ كان حَائِلُهُ حَصِينًا لم يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ قَلَّ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ إنْ كانت لَا تَصِلُ إلَيْهِ لم يُكْرَهْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقِيلَ مع وثاقه الْحَائِلِ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْفَائِقِ
الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا على الْأَصَحِّ إنْ بَرَدَ وَقِيلَ وَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ وحائله غَيْرُ حَصِينٍ كُرِهَ وَقِيلَ غَالِبًا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهَا إلَيْهِ نَجُسَ على الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَفِيهَا زِيَادَةٌ على الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
فَهَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ طَرِيقَةً وَلَا تَخْلُو من تَكْرَارٍ وَبَعْضِ تَدَاخُلٍ
____________________
(1/31)
فَوَائِدُ
إحْدَاهُنَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ في الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا لم يَحْتَجْ إلَيْهِ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَكَذَا الْمُشَمَّسُ إذَا قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وقال أَيْضًا لِلْكَرَاهَةِ مَأْخَذَانِ أَحَدُهُمَا احْتِمَالُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي سَبَبُ الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ سُخِّنَ بِإِيقَادِ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ وَالْحَاصِلُ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ
الثَّانِيَةُ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ إيقَادَ النَّجَسِ لَا يَجُوزُ كَدُهْنِ الْمَيْتَةِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ ذَكَرَهَا بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ قال في الرِّعَايَةِ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَيَجُوزُ في الْأَقْيَسِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فَعَلَى الثَّانِيَةِ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ وَقِيلَ مَائِعًا وَيَأْتِي في الْآنِيَةِ هل يَجُوزُ بَيْعُ النَّجَاسَةِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ الْبَيْعِ
الثَّالِثَةُ إذَا وَصَلَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ إلَى شَيْءٍ فَهَلْ هو كَوُصُولِ نَجِسٍ أو طَاهِرٍ مَبْنِيٌّ على الاستحالة ( ( ( استحالة ) ) ) على ما يَأْتِي في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ لَا يَطْهُرُ
قَوْلُهُ فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَوْنَهُ أو طَعْمَهُ أو رِيحَهُ
فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وبن تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ إحْدَاهُمَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ فَيَصِيرُ طَاهِرًا غير مُطَهِّرٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال الْقَاضِي هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا في كُتُبِ الْخِلَافِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هو غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمَذْهَبِ
____________________
(1/32)
الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ بَلْ هو بَاقٍ على طَهُورِيَّتِهِ قال في الْكَافِي نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهَا وَعَنْهُ أَنَّهُ طَهُورٌ مع عَدَمِ طَهُورِ غَيْرِهِ اخْتَارَهَا بن أبي مُوسَى وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ طَهُورِيَّةُ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ قال عبد اللَّهِ بن أبي بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِكَيْتَلَةَ في كِتَابِهِ الْمُهِمِّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ سَمِعْت شَيْخِي مُحَمَّدَ بن تَمِيمٍ الْحَرَّانِيَّ قال وقد ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنِيرِ في شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رِوَايَةً في طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ الْمَغْلِيِّ ذَكَرَهُ بن خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ في تَعْلِيقِهِ على الْمُحَرَّرِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ ما أُضِيفَ إلَى ما خَالَطَهُ وَغَلَبَتْ أَجْزَاؤُهُ على أَجْزَاءِ الْمَاءِ كَلَبَنٍ وَخَلٍّ وَمَاءِ بَاقِلَاءٍ مَغْلِيٍّ لم يَجُزْ التَّوَضُّؤُ بِهِ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال وَأَظُنُّ الْجَوَازَ سَهْوًا
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو تَغَيَّرَ صِفَتَانِ أو ثَلَاثَةٌ مع بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَعَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ طَهُورٌ هُنَاكَ فَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَوَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ في الْحُكْمِ وَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ عِنْدَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَعِنْدَ الْقَاضِي تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ في الْحُكْمِ مع بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ في ذلك وَاخْتَارَهُ بن خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ في تَعْلِيقِهِ وقال قال بَعْضُ مَشَايِخِنَا هِيَ أَقْعَدُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ من قَوْلِ أبي الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِالطَّاهِرَاتِ وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَذَكَرَ في الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَغَيُّرَ جَمِيعِ الصِّفَاتِ بِمَقَرِّهِ لَا يَضُرُّهُ
____________________
(1/33)
فَائِدَةٌ تَغَيُّرُ كَثِيرٍ من الصِّفَةِ كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ وَأَمَّا تَغَيُّرُ يَسِيرٍ من الصِّفَةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْفَى عنه مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ هو كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن الْمُنَى وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَنُقِلَ عن الْقَاضِي أَنَّهُ قال في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على السَّلْبِ بِالْيَسِيرِ في الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَقَالَهُ بن حَامِدٍ في الرِّيحِ أَيْضًا انْتَهَى وَقِيلَ الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقِيلَ يُعْفَى عن يَسِيرِ الرَّائِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو كان الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ تُرَابًا أُوضِعَ قَصْدًا أَنَّهُ كَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي إنْ وَضَعَ ذلك ( ( ( تلك ) ) ) قَصْدًا لَا يَضُرُّ وَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ ما لم يَصِرْ طِينًا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وبن رَزِينٍ وَالتَّسْهِيلِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وغيرهما ( ( ( وغيرهم ) ) ) قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْعَامَّةُ قِيَاسًا على ما إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من عِنْدِهِ إنْ صَفَا الْمَاءُ من التُّرَابِ فَطَهُورٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ
قُلْت أَمَّا إذَا صَفَا الْمَاءُ من التُّرَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ في طَهُورِيَّتِهِ نِزَاعٌ في الْمَذْهَبِ
الثَّانِي مَحَلُّ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إذَا وَضَعَ ما يَشُقُّ صَوْنُهُ عنه قَصْدًا
____________________
(1/34)
أو كان الْمُخَالِطُ مِمَّا لَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عنه أَمَّا ما يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عنه إذَا وُضِعَ من غَيْرِ قَصْدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَوَّلَ الْبَابِ
قَوْلُهُ أو اُسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ
فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ
إحْدَاهُمَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ فَيَصِيرُ طَاهِرًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وفي الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْخِصَالِ لِلْقَاضِي وَالْمُبْهِجِ وَخِصَالِ بن الْبَنَّاءِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْعُمْدَةِ وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالنَّاظِمُ وبن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَغَيْرُهُمْ قال في الْكَافِي أَشْهَرُهُمَا زَوَالُ الطَّهُورِيَّةِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ قال في الْبُلْغَةِ يَكُونُ طَاهِرًا غير مُطَهِّرٍ على الْأَصَحِّ قال في الْمُغْنِي ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قال بن خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ في تَعْلِيقِهِ هذه الرِّوَايَةُ عليها جَادَّةُ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِنَا ثُمَّ قال قُلْت ولم أَجِدْ عن أَحْمَدَ نَصًّا ظَاهِرًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ يُسْتَثْنَى من هذه الرِّوَايَةِ لو غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ وَقُلْنَا يُجْزِئُ فإنه يَكُونُ طَهُورًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ قال لِأَنَّ الْغُسْلَ مَكْرُوهٌ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا فَيُعَايَى بها
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ طَهُورٌ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ سَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي
____________________
(1/35)
صَاحِبَ الشَّرْحِ يَمِيلُ إلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَرَجَّحَهَا بن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ وصححها ( ( ( وصححهما ) ) ) بن رَزِينٍ وَاخْتَارَهَا أبو الْبَقَاءِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
قُلْت وهو أَقْوَى في النَّظَرِ
وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ نص ( ( ( ونص ) ) ) عليه في ثَوْبِ الْمُتَطَهِّرِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَفِيهِ بُعْدٌ فَعَلَيْهَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ في بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ منهم الْمَجْدُ وبن حَمْدَانَ وَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ على الصَّحِيحِ من الرِّوَايَتَيْنِ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ قال شَيْخُنَا أبو الْفَرَجِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ طَهُورٌ في إزَالَةِ الْخَبَثِ فَقَطْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وهو كما قال وَقِيلَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ في تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ ابْتِدَائِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ في جُمْلَةِ حديث مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ أَنَّهُ كان في تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وقال بن تَمِيمٍ وَحَكَى شَيْخُنَا رِوَايَةً بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ في غُسْلِ الْمَيِّتِ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ في غَيْرِهِ
الثَّانِي اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في إثْبَاتِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَأَثْبَتَهَا أبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ وبن عَقِيلٍ وأبو الْبَقَاءِ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَتْ في الْمُغْنِي وَنَفَاهَا الْقَاضِي أبو يَعْلَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عن كَلَامِ أَحْمَدَ وَتَأَوَّلَاهَا وَرَدَّ عليهم بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
الثَّالِثُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ما إذَا كان الْمَاءُ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَأَمَّا إنْ كان قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ طَهُورٌ صَرَّحَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ كَالْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا أَرَادُوا في الْغَالِبِ
____________________
(1/36)
وَيَأْتِي في عِشْرَةِ النِّسَاءِ هل الْمُسْتَعْمَلُ في غُسْلِ جَنَابَةِ الذِّمِّيَّةِ أو حَيْضِهَا أو نِفَاسِهَا طَاهِرٌ أو طَهُورٌ وَيَأْتِي في بَابِ الْوُضُوءِ هل يَجِبُ نِيَّةٌ لِغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ من الْحَيْضِ
قَوْلُهُ أو طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ
فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ على رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَ في طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ وَقُلْنَا إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ في رَفْعِ الْحَدَثِ تُسْلَبُ طَهُورِيَّتُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَخِصَالِ بن الْبَنَّا والمبهج وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الشَّارِحُ أَظْهَرُهُمَا طَهُورِيَّتُهُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ طَهُورٌ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا أبو الْبَرَكَاتِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن رَزِينٍ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وَالْمُجَرَّدِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو اُسْتُعْمِلَ في طَهَارَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ أَنَّهُ طَهُورٌ بِلَا نِزَاعٍ وهو كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ في الْوُضُوءِ أو الْغُسْلِ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَكَذَا ما انْفَصَلَ من غَسْلَةٍ زَائِدَةٍ على الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طَهَارَةِ مَحَلِّهَا وفي الْأَصَحِّ كُلُّ غَسْلَةٍ في وُجُوبِهَا خِلَافٌ
____________________
(1/37)
كَالثَّامِنَةِ في غَسْلِ الْوُلُوغِ وَالرَّابِعَةِ في غَسْلِ نَجَاسَةِ غَيْرِهِ إن قُلْنَا تجزى ( ( ( تجزئ ) ) ) الثَّلَاثُ وَعَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُنْقِيَةٍ إنْ قُلْنَا تُجْزِئُ انْتَهَى
قَوْلُهُ أو غَمَسَ فيه يَدَهُ قَائِمٌ من نَوْمِ اللَّيْلِ قبل غَسْلِهَا ثَلَاثًا فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وهو الْمَذْهَبُ قال أبو الْمَعَالِي في شَرْحِ الْهِدَايَةِ عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا الْمَنْصُوصُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَوْلَى أَنَّ ما غُمِسَ فيه كَفُّهُ طَاهِرٌ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَالنَّاظِمُ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَالنَّاظِمُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَهِيَ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان الْمَاءُ في إنَاءٍ لَا يَقْدِرُ على الصَّبِّ منه بَلْ على الِاغْتِرَافِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ما يَغْتَرِفُ بِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ فإنه يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَصُبُّ على يَدَيْهِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كان الْمَاءُ الذي غَمَسَ يَدَهُ فيه دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَمَّا إنْ كان قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الْغَمْسُ شيئا بَلْ هو بَاقٍ على طَهُورِيَّتِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وهو وَاضِحٌ
____________________
(1/38)
الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في وُجُوبِ غَسْلِهَا إذَا قام من نَوْمِ اللَّيْلِ على ما يَأْتِي في آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ فإنه أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَهُنَاكَ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ أَثَّرَ في الْمَاءِ مَنْعًا وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ فَلَا وَقَطَعَ بهذا في الْفُصُولِ وَالْكَافِي وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
قال الشَّارِحُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّا إنْ قُلْنَا غَسْلُهُمَا وَاجِبٌ فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ في رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ في طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ
وقال في الْمُغْنِي فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ في تَعَبُّدٍ من غَيْرِ حَدَثٍ كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ من نَوْمِ اللَّيْلِ فَإِنْ قُلْنَا ليس ذلك بِوَاجِبٍ لم يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُهُ في الْمَاءِ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فقال الْقَاضِي هو طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ فيه رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَلِ في رَفْعِ الْحَدَثِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ
وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ في الْإِنَاءِ قبل غَسْلِهَا فَعَلَى قَوْلِ من لم يُوجِبْ غَسْلَهَا لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا شيئا وَمَنْ أَوْجَبَهُ قال إنْ كان كَثِيرًا لم يُؤَثِّرْ وَإِنْ كان يَسِيرًا فقال أَحْمَدُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَهُ فَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ إرَاقَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَزُولَ طَهُورِيَّتُهُ وَمَالَ إلَيْهِ
وقال بن الزَّاغُونِيِّ إنْ قُلْنَا غَسْلُهُمَا سُنَّةٌ فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ يَخْرُجُ على رِوَايَتَيْنِ
وقال بن تَمِيمٍ وَإِنْ غَمَسَ قَائِمٌ من نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ في مَاءٍ قَلِيلٍ قبل غَسْلِهَا ثَلَاثًا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهَا زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ فَأَنَاطَ الْحُكْمَ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهَا
وقال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ إذَا غَمَسَ يَدَهُ في الْإِنَاءِ قبل غَسْلِهَا لم يُؤَثِّرْ شيئا وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ وَإِنْ كان يَسِيرًا كُرِهَ الْوُضُوءُ لِأَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ مَنْعًا وَإِلَّا فَطَهُورِيَّتُهُ بَاقِيَةٌ وَقِيلَ النَّهْيُ تَعَبُّدٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه شيئا وَقِيلَ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ بِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأَظْهَرُ ما قُلْنَا انْتَهَى
____________________
(1/39)
وَقِيلَ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في وُجُوبِ غَسْلِهَا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ إنْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا فَطَاهِرٌ بِانْفِصَالِهِ لَا بِغَمْسِهِ في الْأَقْيَسِ وَلَا يَحْصُلُ غَسْلُ يَدِهِ في الْمَذْهَبِ فَإِنْ سُنَّ غَسْلُهُمَا فَطَهُورٌ انْتَهَى
وقال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عن غَسْلِ الْيَدِ من نَوْمِ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ في رَفْعِ الْحَدَثِ إنْ قُلْنَا هو وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا هو سُنَّةٌ خَرَجَ على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ في طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ من غَسْلِهِمَا
الثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو غَمَسَ يَدَهُ أَنَّهُ لو حَصَلَ في يَدِهِ من غَيْرِ غَمْسٍ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أَحْمَدَ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَوْلَى أَنَّهُ طَهُورٌ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ كَغَمْسِ يَدِهِ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ في الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ
الرَّابِعُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ يَدَهُ أَنَّهُ لو غَمَسَ عُضْوًا غير يَدِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فيه وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه غَمْسُ غَيْرِ كَفَّيْهِ شيئا
الْخَامِسُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يَدَهُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا غَمْسُ جَمِيعِهَا وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقِيلَ غَمْسُ بَعْضِهَا كَغَمْسِهَا كُلِّهَا اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي
____________________
(1/40)
وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالْفُصُولِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ
السَّادِسُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ من نَوْمِ اللَّيْلِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا قبل نِصْفِ اللَّيْلِ أو بَعْدَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ وقال بن عَقِيلٍ هو ما زَادَ على نِصْفِ اللَّيْلِ قال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ بَلْ من نَوْمِ أَكْثَرِ من نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ
السَّابِعُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ من نَوْمِ اللَّيْلِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا إذَا كان قَائِمًا من نَوْمِ النَّهَارِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ حُكْمُ نَوْمِ النَّهَارِ حُكْمُ نَوْمِ اللَّيْلِ
الثَّامِنُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ كان الْغَامِسُ صَغِيرًا أو مَجْنُونًا أو كَافِرًا أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ في الْغَمْسِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِغَمْسِهِمْ وهو الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُمْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
التَّاسِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَلَوْ كانت يَدُهُ في جِرَابٍ أو مَكْتُوفَةً وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَقِيلَ
____________________
(1/41)
على رِوَايَةٍ الْوُجُوبُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال بن عَقِيلٍ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
الْعَاشِرُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ قبل غَسْلِهَا ثَلَاثًا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى وَغَيْرُهُمْ لِاقْتِصَارِهِمْ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ بَعْدَ ذلك
الْحَادِيَ عَشَرَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان قبل نِيَّةِ غَسْلِهَا أو بَعْدَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وقال الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا بَعْدَ النِّيَّةِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْغَمْسُ بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ
فَوَائِدُ
الْأُولَى على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ وَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ في وَجْهٍ فَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَقِيلَ وَالنَّجَاسَةُ انْتَهَى وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ تَجِبُ إرَاقَتُهُ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في شُرْبٍ وَغَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ وهو الذي اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ
الثَّالِثَةُ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا في مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
____________________
(1/42)
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ يُؤَثِّرُ وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هذه الْمَسْأَلَةِ تَأْتِي في آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ
الرَّابِعَةُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وما قَلَّ وَغَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ من الْمَذْيِ دُونَهُ وَانْفَصَلَ غير مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَهُورٌ وَعَنْهُ طَاهِرٌ وَقِيلَ الْمُسْتَعْمَلُ في غَسْلِهِمَا كَالْمُسْتَعْمَلِ في غَسْلِ الْيَدَيْنِ من نَوْمِ اللَّيْلِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بهذا الْقَوْلِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وبن تَمِيمٍ وَيَأْتِي عَدَدُ الْغَسَلَاتِ في ذلك في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
الْخَامِسَةُ لو نَوَى جُنُبٌ بِانْغِمَاسِهِ كُلِّهِ أو بَعْضِهِ في مَاءٍ قَلِيلٍ رَاكِدٍ رَفْعَ حَدَثِهِ لم يَرْتَفِعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ يَرْتَفِعُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ كان الْمُنْفَصِلُ عن الْعُضْوِ لو غُسِلَ ذلك الْعُضْوُ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فيه أَثَّرَ أَثَّرَ هُنَا فَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جَزْءٍ انْفَصَلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ قال في الصُّغْرَى وهو أَظْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَاهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالتَّلْخِيصِ وقال على الْمَنْصُوصِ وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْتَفِعَ حَدَثُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَمَّا غَمَسَهُ كُلَّهُ وهو أَوْلَى انْتَهَى وَالِاحْتِمَالُ لِلشِّيرَازِيِّ
السَّادِسَةُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو نَوَى بَعْدَ غَمْسِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/43)
وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال في الْحَاوِي قال أَصْحَابُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عن أَوَّلِ جُزْءٍ يَرْتَفِعُ منه فَيَحْصُلُ غَسْلُ ما سِوَاهُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا يَجْزِيهِ وَقِيلَ يَرْتَفِعُ هُنَا عَقِيبَ نِيَّتِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ قَالَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ
السَّابِعَةُ لَا أَثَرَ لِلْغَمْسِ بِلَا نِيَّةٍ لِطَهَارَةِ بَدَنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ ما في الْمُغْنِي عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ قال بِالْمَنْعِ فِيمَا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
الثَّامِنَةُ لو كان الْمَاءُ كَثِيرًا كُرِهَ أَنْ يَغْتَسِلَ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي وَعَنْهُ لَا يَنْبَغِي فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ قبل انْفِصَالِهِ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ يَرْتَفِعُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَقْيَسُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
التَّاسِعَةُ لو اغْتَرَفَ الْجُنُبُ أو الْحَائِضُ أو النُّفَسَاءُ بيده من مَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قال بن عُبَيْدَانَ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عليه في مَوَاضِعَ وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ لِصَرْفِ النِّيَّةِ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
الْعَاشِرَةُ هل رِجْلٌ وَفَمٌ وَنَحْوُهُ كَيَدٍ في هذا الْحُكْمِ أَمْ يُؤَثِّرُ هُنَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال بن تَمِيمٍ وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ في الْمَاءِ لَا لِغَسْلِهَا وقد نَوَى أَثَّرَ على الْأَصَحِّ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ
____________________
(1/44)
فيه لَا لِغَسْلِهَا بِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا فَطَاهِرٌ في الْأَصَحِّ وَإِنْ غَمَسَ فيه فمه احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لو اغْتَرَفَ مُتَوَضِّئٌ بيده بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عنها أَزَالَ الطَّهُورِيَّةَ كَالْجُنُبِ وَإِنْ لم يَنْوِ غَسْلَهَا فيه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ طَهُورٌ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجُنُبِ على ما تَقَدَّمَ وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ يَصِيرُ الْمَاءُ بِانْتِقَالِهِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ مُسْتَعْمَلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا فَهِيَ كُلُّهَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا في الْجُنُبِ وَعَنْهُ يَكْفِيهِمَا مَسْحُ اللُّمْعَةِ بِلَا غَسْلٍ لِلْخَبَرِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أو قبل زَوَالِهَا فَهُوَ نَجِسٌ
إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عن مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا فَلَا خِلَافَ في نَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ انْفَصَلَ قبل زَوَالِهَا غير مُتَغَيِّرٍ وكان دُونَ الْقُلَّتَيْنِ انْبَنَى على تَنْجِيسِ الْقَلِيلِ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ على ما يَأْتِي في أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ على مَحَلٍّ نَجِسٍ مع عَدَمِ تَغَيُّرِهِ لِأَنَّهُ وَارِدٌ وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ ذَكَرَهُ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لو كان نَجِسًا لَمَا طَهُرَ الْمَحِلُّ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ قبل الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ وَعَقِيبَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ لم يَتَجَدَّدْ له مُلَاقَاةُ النَّجَاسَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ انْفَصَلَ غير مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا فَهُوَ طَاهِرٌ
إنْ كان الْمَحِلُّ أَرْضًا هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا خِلَافَ بين الْأَصْحَابِ في طَهَارَةِ هذا في الْأَرْضِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْحُسَيْنِ وَجْهًا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ عن
____________________
(1/45)
الْأَرْضِ كَالْمُنْفَصِلِ عن غَيْرِهَا في الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَحَكَاهُ بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ رِوَايَةً
قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا
وَعَنْهُ طَهَارَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عن أَرْضٍ أَعْيَانُ النَّجَاسَةِ فيه مُشَاهَدَةٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان غير الْأَرْضِ فَهُوَ طَاهِرٌ
في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا قال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْهِدَايَةِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْكَافِي أَظْهَرُهُمَا طَهَارَتُهُ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن عُبَيْدَانَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي
أَنَّهُ نَجِسٌ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْخُلَاصَةِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا كان الْمُزَالُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَمَّا إذَا كان قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فإنه طَهُورٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وهو وَاضِحٌ
تَنْبِيهٌ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا بن عَقِيلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ رِوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
فَائِدَةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُنْفَصِلُ عنه طَاهِرًا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَمَعْنَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَقِيلَ الْمَحِلُّ نَجِسٌ كَالْمُنْفَصِلِ عنه جَزَمَ بِهِ في الإنتصار وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ قال بن تَمِيمٍ وما انْفَصَلَ عن مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا بها فَهُوَ وَالْمَحَلُّ نَجِسَانِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْعَدَدَ وقال الْآمِدِيُّ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ انْتَهَى وقال بن عُبَيْدَانَ لَمَّا نَصَرَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ طَاهِرٌ وَلَنَا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ في الطَّهَارَةِ
____________________
(1/46)
وَالنَّجَاسَةِ كما لو أَرَاقَ مَاءً من إنَاءٍ وَلَا يَلْزَمُ الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ قُصُورَ ذلك بَلْ نَقُولُ ما دَامَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً فَالْمَحِلُّ لم يَطْهُرْ
وقال في الْفُرُوعِ وفي طَهَارَةِ الْمَحِلِّ مع نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا على وَجْهَيْنِ
بِنَاءً على الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا رُفِعَ بِهِ حَدَثٌ على ما تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ طَهُورًا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا الصَّحِيحُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ طَهُورٌ قال الْمَجْدُ وهو الصَّحِيحُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا أَقْوَى
فَائِدَةٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَاءَ في مَحَلِّ التَّطْهِيرِ لَا يُؤَثِّرُ تَغَيُّرُهُ وَالْحَالَةُ هذه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمُوا بِهِ وَقِيلَ فيه قَوْلٌ يُؤَثِّرُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِوَصْفٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ لُغَةً وَشَرْعًا وَنُقِلَ عنه في الِاخْتِيَارَاتِ أَنَّهُ قال اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ منه امْرَأَةٌ فَهُوَ طَهُورٌ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قال الْمَجْدُ لَا خِلَافَ في ذلك وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قال بن الْبَنَّا في خِصَالِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ هو طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَقَدْ أَبْعَدَ السَّامِرِيُّ حَيْثُ اقْتَضَى كَلَامُهُ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ مع حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ في ذلك في طَهَارَةِ الرَّجُلِ بِهِ
قُلْت ليس كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِنَّمَا قال أَوَّلًا هو طَاهِرٌ ثُمَّ قال وَهَلْ
____________________
(1/47)
يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ على رِوَايَتَيْنِ فَحُكِمَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ أَوَّلًا ثُمَّ هل يَكُونُ طَهُورًا مع كَوْنِهِ طَاهِرًا حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَ في قَوْلِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا على وَجْهَيْنِ وهو كَثِيرٌ في كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَا تَنَاقُضَ فيه لِكَوْنِهِمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمَعَ ذلك هل يَكُونُ طَهُورًا حَكَوْا الْخِلَافَ فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الطَّاهِرِيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ وَهَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وهو الطَّهُورِيَّةُ فيه الْخِلَافُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وَكَذَا قال الشَّارِحُ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا وهو الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وبن تَمِيمٍ وبن أبي مُوسَى وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُهُمَا عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ قال في الْمُغْنِي وبن عُبَيْدَانَ هِيَ الْمَشْهُورَةُ قال بن رَزِينٍ لم يَجُزْ لِغَيْرِهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ هِيَ أَضْعَفُ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا كَاسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فيه قَالَهُ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهَا بن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وَالطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ في الْمُنْتَقَى وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَقْيَسُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فَعَلَيْهَا لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ على الصَّحِيحِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ مَنْعُ الرَّجُلِ من اسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ نُصَّ عليه وَلِذَلِكَ يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ سِوَاهَا وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ في طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالرَّجُلِ وهو غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيَجِبُ قَصْرُهُ على مُورِدِهِ
____________________
(1/48)
قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ
اعْلَمْ أَنَّ في مَعْنَى الْخَلْوَةِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ أنها عَدَمُ الْمُشَاهَدَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا من حَيْثُ الْجُمْلَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمُخْتَارَةُ قال في الْفُرُوعِ وتزول ( ( ( ونزول ) ) ) الْخَلْوَةِ بِالْمُشَاهَدَةِ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَعْنَى الْخَلْوَةِ انْفِرَادُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ شُوهِدَتْ أَمْ لَا اخْتَارَهَا بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي وَأَطْلَقَهَا في الْفُصُولِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْمُذْهَبِ
وَتَزُولُ الْخَلْوَةُ بِمُشَارَكَتِهِ لها في الِاسْتِعْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَزُولُ حُكْمُ الْخَلْوَةِ بِمُشَاهَدَةِ مُمَيِّزٍ وَبِكَافِرٍ وَامْرَأَةٍ فَهِيَ كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَنَظْمِهِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَأَلْحَقَ السَّامِرِيُّ الْمَجْنُونَ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَنَحْوِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو خَطَأٌ على ما يَأْتِي
وَقِيلَ لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ
وَقِيلَ لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فقال ولم يَرَهَا ذَكَرٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَقِيلَ أو عَبْدٍ وَقِيلَ أو مُمَيِّزٍ وَقِيلَ أو مَجْنُونٍ وهو خَطَأٌ وَقِيلَ إنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهَا منه أُنْثَى أو كَافِرٌ فَوَجْهَانِ انْتَهَى
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ بِالطَّهَارَةِ يَشْمَلُ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَمَّا الْحَدَثُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا خَلْوَتُهَا بِهِ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس كَالْحَدَثِ فَلَا تُؤَثِّرُ
____________________
(1/49)
خَلْوَتُهَا فيه قال بن حَامِدٍ فيه وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا جَوَازُ الْوُضُوءِ بِهِ وَاقْتَصَرَ عليه في الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قال الْمَجْدُ وهو الصَّحِيحُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وقال إنَّهُ ألأصح وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ في الِاسْتِنْجَاءِ وَاقْتَصَرَ على كَلَامِ بن حَامِدٍ في غَيْرِهِ
الثَّانِي شَمِلَ قَوْلُهُ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ وهو ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَقِيلَ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا في طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ كَالتَّجْدِيدِ وَنَحْوِهِ وهو الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا في بَعْضِ الطَّهَارَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ خَلْوَتُهَا في بَعْضِ الطَّهَارَةِ كَخَلْوَتِهَا في جَمِيعِهَا اخْتَارَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
الرَّابِعُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِالطَّهَارَةِ أنها لو خَلَتْ بِهِ لِلشُّرْبِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَا يُكْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَالِيَةِ بِهِ لِلطَّهَارَةِ
____________________
(1/50)
الْخَامِسُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا بِهِ في التَّنْظِيفِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَلَا غَسْلُهَا ثَوْبَ الرَّجُلِ وَنَحْوَهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال ولم يُكْرَهْ
السَّادِسُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ منه يَعْنِي من الْمَاءِ أنها إذَا خَلَتْ بِالتُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ أنها لَا تُؤَثِّرُ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَاءِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
السَّابِعُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ امْرَأَةٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلَا بِهِ لَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهُ مَنْعًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ عن الْأَصْحَابِ وَجْهًا بِمَنْعِ النِّسَاءِ من ذلك قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وقال في الْفَائِقِ وَلَا يَمْنَعُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِالْمَاءِ الرَّجُلَ وَقِيلَ بَلَى ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ
قُلْت في صِحَّةِ هذا الْوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ في الْفَائِقِ عنه نَظَرٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ نَقْلِهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَجُ عليه وَلَا على الذي قَبْلَهُ وهو مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ
الثَّامِنُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ امْرَأَةٍ أَنَّ خَلْوَةَ الْمُمَيِّزَةِ لَا تَأْثِيرَ لها وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فإنه قال مُكَلَّفَةٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ خَلْوَةُ الْمُمَيِّزَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَإِنَّهُمَا قَالَا أو رَفَعَتْ بِهِ مُسْلِمَةٌ حَدَثًا
التَّاسِعُ شَمِلَ قَوْلُهُ امْرَأَةٍ الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ قالوا امْرَأَةٌ وهو أَحَدُ
____________________
(1/51)
الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمَةِ وهو ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَإِنَّهُمَا قَالَا مُسْلِمَةٌ
قُلْت وهو بَعِيدٌ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ في خَلْوَةِ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ وَذَكَرَ في الْفُصُولِ وَمَنْ بَعْدَهُ احْتِمَالًا بِالْفَرْقِ بين الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَبَيْنَ الْغُسْلِ فَتُؤَثِّرُ خَلْوَةُ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ دُونَ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْغُسْلَ لم يُفِدْ إبَاحَةَ شَيْءٍ
الْعَاشِرُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ امْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ الْخُنْثَى في الْخَلْوَةِ كَالْمَرْأَةِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
الْحَادِيَ عَشَرَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الطَّهَارَةُ بِهِ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّجُلِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هل يَلْحَقُ الصَّبِيُّ بِالْمَرْأَةِ أو بِالرَّجُلِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
الثَّانِيَ عَشَرَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ كَالرَّجُلِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هل يَلْحَقُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بِالرَّجُلِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
الثَّالِثَ عَشَرَ عُمُومُ قَوْلِهِ الطَّهَارَةُ يَشْمَلُ الْحَدَثَ وَالْخَبَثَ أَمَّا الْحَدَثُ
____________________
(1/52)
فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْخَبَثُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس كَالْحَدَثِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ قال بن عُبَيْدَانَ وهو الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن خَطِيبِ السَّلَامِيَّةَ في تعليقته ( ( ( تعليقه ) ) ) وَقِيلَ يُمْنَعُ منه كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ وبن عبد الْقَوِيِّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَحَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ عن الْأَصْحَابِ غير بن أبي مُوسَى قال بن رَزِينٍ هذا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو بَعِيدٌ أَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن عُبَيْدَانَ
الرَّابِعَ عَشَرَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى الطَّهَارَةُ بِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَقِيلَ هِيَ كَالرَّجُلِ في ذلك وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ فقال طَهُورٌ وَلَا يُسْتَعْمَلُ في الْحَدَثِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ
الْخَامِسَ عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هُنَا وفي كل مَسْأَلَةٍ قُلْنَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مَحِلُّهُ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ أو طَاهِرٌ أَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ طَاهِرٌ فَلَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الذي يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِنْ تَوَضَّأَ به الرَّجُلُ فَرِوَايَتَانِ وَقِيلَ مع طَهُورِيَّتِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ طَهُورٌ أو طَاهِرٌ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَهَا التَّطْهِيرُ بِهِ يَعْنِي الْخَالِيَةَ بِهِ ثُمَّ قال قُلْت إنْ بَقِيَ طَهُورًا وَإِلَّا فَلَا وفي جَوَازِ تَطَهُّرِ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِهِ إذَنْ وَجْهَانِ وفي جَوَازِ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ بِهِ إذَنْ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ بَلْ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ قُلْنَا هو طَهُورٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى فحكى خِلَافًا في الجواز ( ( ( جواز ) ) ) مع الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ
____________________
(1/53)
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هذا ضَعِيفٌ جِدًّا
السَّادِسَ عَشَرَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْخَالِيَةِ بِهِ الطَّهَارَةُ بِهِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ ثُمَّ قال قُلْت إنْ بَقِيَ طَهُورًا كما تَقَدَّمَ وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَدَلَّ أَنَّ في بَاطِنِهِ قَوْلًا لَا يَجُوزُ لها ذلك
قُلْت هو قَوْلٌ سَاقِطٌ فإنه يُفْضِي إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِحُّ لها طَهَارَةٌ البتة في بَعْضِ الصُّوَرِ وهو مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
السَّابِعَ عَشَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كان الْمَاءُ الْخَالِيَةُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وهو الْوَاقِعُ في الْغَالِبِ أَمَّا إنْ كان قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تُؤَثِّرُ فيه مَنْعًا وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن عَقِيلٍ الْكَثِيرُ كَالْقَلِيلِ في ذلك قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ هذا بَعِيدٌ جِدًّا قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ
فَوَائِدُ
منها لو خُلِطَ طَهُورٌ بِمُسْتَعْمَلٍ فَإِنْ كان لو خَالَفَ في الصِّفَةِ غَيَّرَهُ أَثَّرَ مَنْعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال الْمَجْدُ عِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ لِأَكْثَرِهِمَا مِقْدَارًا اعْتِبَارًا بِغَلَبَةِ أَجْزَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ أَنَّ غَيْرَهُ لو كان خَلًّا أَثَّرَ مَنْعًا قال الْمَجْدُ وَلَقَدْ تَحَكَّمَ بن عَقِيلٍ بِقَوْلِهِ إنْ كان الواقع ( ( ( الوقع ) ) ) بِحَيْثُ لو كان خَلًّا غير مَنْعٍ إذْ الْخَلُّ ليس بِأَوْلَى من غَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَنَصَّ أَحْمَدَ فِيمَنْ انْتَضَحَ من وُضُوئِهِ في إنَائِهِ لَا بَأْسَ
____________________
(1/54)
وَمِنْهَا لو بَلَغَ بَعْدَ خَلْطِهِ قُلَّتَيْنِ أو كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ طَهُورٌ وَاخْتَارَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ طَهُورِيَّةَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا انْضَمَّ وَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَأَطْلَقَ في الشَّرْحِ فِيمَا إذَا كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ احْتِمَالَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا لو كان معه ما يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَخَلَطَهُ بِمَائِعٍ لم يُغَيِّرْهُ وَتَطَهَّرَ منه وَبَقِيَ قَدْرُ الْمَائِعِ أو دُونَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ وقال هو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وقال بن تَمِيمٍ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ إنْ اسْتَعْمَلَ الْجَمِيعَ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَإِنْ كان الطَّهُورُ لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ وَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ لم يُغَيِّرْهُ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْكَافِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ قال في الْمُغْنِي هذا أَوْلَى وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ اختاره ( ( ( واختاره ) ) ) الْقَاضِي أَيْضًا في الْجَامِعِ وَحَمَلَ بن عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي في الْمَسْأَلَتَيْنِ على أَنَّ الْمَائِعَ لم يُسْتَهْلَكْ قال بن عُبَيْدَانَ حَكَى في الْمُغْنِي الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ ولم أَرَ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَلَكِنْ فَرَضَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ الْخِلَافَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ في زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَرَدَّ شَيْخُنَا في حَوَاشِيهِ على الْفُرُوعِ بِرَدٍّ حَسَنٍ
وَمِنْهَا مَتَى تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ما نَجُسَ وهو ما تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ مُرَادُهُ إذَا كان في غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ على ما تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عليه
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ وهو يَسِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ إحْدَاهُمَا يَنْجُسُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا
____________________
(1/55)
وَالْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال في الْكَافِي أَظْهَرُهُمَا نَجَاسَتُهُ قال في الْمُغْنِي هذا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ قال الشَّارِحُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال بن مُنَجَّا الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ أَصَحُّ قال في الْمُذْهَبِ يَنْجُسُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال بن تَمِيمٍ نَجِسٌ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ يَنْجُسُ مُطْلَقًا في الْأَظْهَرِ قال في الْخُلَاصَةِ فَيَنْجُسُ على الْأَصَحِّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ عنه قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَالْمُخْتَارَةُ لِلْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قبل ذلك في قَوْلِهِ فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أو قبل زَوَالِهَا فَهُوَ نَجِسٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا عُمُومُ هذه الرِّوَايَةِ يَقْتَضِي سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا الطَّرْفُ أو لَا وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ وَنُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَحَكَى أبو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ عن أَحْمَدَ طَهَارَةَ ما لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَاخْتَارَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَعُمُومُهَا أَيْضًا يَقْتَضِي سَوَاءٌ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فيه أَمْ لَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنْ مَضَى زَمَنٌ تسرى فيه النَّجَاسَةُ نَجُسَ وَإِلَّا فَلَا
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَنْجُسُ اخْتَارَهَا بن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا وبن الْمُنَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال في الْحَاوِيَيْنِ وهو أَصَحُّ عِنْدِي قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَرَ هذه الرِّوَايَةَ كَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَظُنُّ اخْتَارَهَا بن الْجَوْزِيِّ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهَا أبو الْمُظَفَّرِ بن الْجَوْزِيِّ
____________________
(1/56)
وأبو نَصْرٍ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بين يَسِيرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْفَى عن يَسِيرُ الرَّائِحَةِ ذَكَرَهُ بن الْبَنَّا وشذذه ( ( ( وشدده ) ) ) الزَّرْكَشِيُّ
قُلْت نَصَرَهُ بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَظُنُّ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وبن الْقَيِّمِ وما هو بِبَعِيدٍ
الثَّانِي هذا الْخِلَافُ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَمَّا الْجَارِي فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالرَّاكِدِ إنْ بَلَغَ جَمِيعُهُ قُلَّتَيْنِ دَفَعَ النَّجَاسَةَ إنْ لم تُغَيِّرْهُ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هِيَ أَشْهَرُ قال بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ في مَسْأَلَةِ الْمَفْهُومِ هل هو عَامٌّ أَمْ لَا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ في التَّنَجُّسِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ قال بن تَمِيمٍ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ لَا يُنَجِّسُ قَلِيلُهُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَإِنْ قُلْنَا يُنَجِّسُ قَلِيلُ الرَّاكِدِ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ قال في الْكُبْرَى هو أَقْيَسُ وَأَوْلَى قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَا يُنَجِّسُ قَلِيلٌ جَارٍ قبل تَغَيُّرِهِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وقال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وهو أَصَحُّ عِنْدِي وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَالنَّاظِمُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِنَفْسِهَا اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وقال هِيَ الْمَذْهَبُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ قال في الْكَافِي وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ وَاخْتَارَهَا في الْمُسْتَوْعِبِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَشْهَرُ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الْأَصْحَابُ فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ لِقِلَّةِ ما يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ إذْ لو فَرَضْنَا كَلْبًا في جَانِبِ نَهْرٍ كَبِيرٍ وَشَعْرَةٌ منه في جَانِبِهِ الْآخَرِ لَكَانَ ما يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ لِقِلَّتِهِ وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً فَيُعَايَى بها وَلَكِنْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ذلك وَسَوَّوْا بين الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كما يَأْتِي في النَّجَاسَةِ الْمُمْتَدَّةِ
____________________
(1/57)
فَائِدَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَوَائِدُ ذَكَرَهَا بن رَجَبٍ في أَوَّلِ قَوَاعِدِهِ
منها إذَا وَقَعَتْ فيه نَجَاسَةٌ فَعَلَى الْأُولَى يُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ فَإِنْ كان كَثِيرًا لم يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَإِلَّا نَجُسَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لم يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَإِلَّا نَجُسَ وَعَلَى الثَّالِثَةِ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لم يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَإِلَّا نَجُسَتْ
وَمِنْهَا لو غُمِسَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ في مَاءٍ جَارٍ وَمَرَّتْ عليه سَبْعُ جَرَيَاتٍ فَهَلْ هو غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ أو سَبْعٌ على وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا أبو حَسَنِ بن الْغَازِي تِلْمِيذُ الْآمِدِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وفي شَرْحِ الْمُذْهَبِ لِلْقَاضِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَدُلُّ عليه وَكَذَلِكَ لو كان ثَوْبًا وَنَحْوَهُ وَعَصَرَهُ عَقِيبَ كل جَرْيَةٍ
وَمِنْهَا لو انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ في مَاءٍ جَارٍ لِلْوُضُوءِ وَمَرَّتْ عليه أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ مُتَوَالِيَةً فَهَلْ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ حَدَثُهُ أَمْ لَا على وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ لم يُفَرِّقْ بين الرَّاكِدِ وَالْجَارِي قال بن رَجَبٍ قُلْت بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ على التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ وَأَنَّهُ إذَا انْغَمَسَ في دِجْلَةَ فإنه لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ حتى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا
وَمِنْهَا لو حَلَفَ لَا يَقِفُ في هذا الْمَاءِ وكان جَارِيًا لم يَحْنَثْ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ وقال بن رَجَبٍ وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لَا سِيَّمَا وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ له وَالْأَيْمَانُ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ
فَوَائِدُ
إحداها الْجَرْيَةُ ما أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وزاد الْمُصَنِّفُ
____________________
(1/58)
ما انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةً أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ فَجَزَمَ بِهِ هو وبن رَزِينٍ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ الْجَرْيَةُ ما فيه النَّجَاسَةُ وَقَدْرُ مِسَاحَتِهَا فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَتَهَا وَيَسْرَتَهَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ
الثَّانِيَةُ لو امْتَدَّتْ النَّجَاسَةُ فما في كل جَرْيَةٍ نَجَاسَةٌ مُنْفَرِدَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَا بِهِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ الْكُلُّ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ
الثَّالِثَةُ مَتَى تَنَجَّسَتْ جَرْيَاتُ الْمَاءِ بِدُونِ التَّغَيُّرِ ثُمَّ رَكَدَتْ في مَوْضِعٍ فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ كَثِيرٌ طَاهِرٌ لَاحِقٌ أو سَابِقٌ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ وَقِيلَ إنه بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي قال الْمُصَنِّفُ إنما ( ( ( إنه ) ) ) جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا كان يَفِيضُ من الْحَوْضِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال بن تَمِيمٍ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَارِي من الْمَطَرِ على الْأَسْطِحَةِ وَالطُّرُقِ إنْ كان قَلِيلًا وَفِيهِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أو عَذِرَةً مَائِعَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرْشَادِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
إحْدَاهُمَا لَا يُنَجَّسُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وهو ظَاهِرُ الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هذا قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّفْرِيعُ عليه قال في الْمُذْهَبِ لم يُنَجِّسْ في أَصَحِّ
____________________
(1/59)
الرِّوَايَتَيْنِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ عَدَمُ النَّجَاسَةِ أَصَحُّ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ
قُلْت وَهَذَا الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ في الْخُطْبَةِ
وَالْأُخْرَى يُنَجِّسُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يُنَجِّسُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ قال في الْكَافِي أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ قال في الْمُغْنِي أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ وقال بن عُبَيْدَانَ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ وبن الْبَنَّا وَالْقَاضِي وقال اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَشُيُوخُ أَصْحَابِنَا قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذه الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ عنه قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُونَ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هِيَ الْأَشْهَرُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُتَوَسِّطِينَ أَيْضًا كَالْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وبن الْبَنَّا وبن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ ولم يَسْتَثْنِ في التَّلْخِيصِ إلَّا بَوْلَ الْآدَمِيِّ فَقَطْ وَرَوَى صَالِحٌ عن أَحْمَدَ مثله
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا بَوْلُ الْآدَمِيِّ بِلَا رَيْبٍ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَذِرَةِ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْآدَمِيِّ وهو الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مُصَرِّحِينَ بِهِ منهم صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْبُلْغَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ كُلَّ بَوْلٍ نَجِسٍ حُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِ الآدمي نَقَلَهُ عنه بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا وقال في الْفَائِقِ قال بن أبي مُوسَى أو كُلُّ نَجَاسَةٍ يَعْنِي كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَأَدْخَلَ غَيْرَهُمَا وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ
تَنْبِيهٌ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنْ تَكُونَ الْعَذِرَةُ مَائِعَةً وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَطَعَ الشَّارِحُ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ لِابْنِ عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالْخِرَقِيُّ وَالْكَافِي
____________________
(1/60)
وَالْفُصُولِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَائِعَةً أو رَطْبَةً وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لو كانت يَابِسَةً وَذَابَتْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَنْهُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ لم تَذُبْ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ
اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مِقْدَارِ الذي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَصَانِعِ التي بِطَرِيقِ مَكَّةَ صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي ولم أَجِدْ عن إمَامِنَا وَلَا عن أَحَدٍ من أَصْحَابِنَا تَحْدِيدَ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ بِأَكْثَرَ من تَشْبِيهِهِ بِمَصَانِعِ مَكَّةَ وقال في الْمُبْهِجِ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ في الزَّمَنِ الْيَسِيرِ قال وَالْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابِنَا يُقَدِّرُونَهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ وَقَدَّرَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ بِالْمَصَانِعِ الْكِبَارِ كَاَلَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ بِأَنَّهُ الذي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ
فَوَائِدُ
إحداها لو تَغَيَّرَ بَعْضُ الْكَثِيرِ بِنَجَاسَةٍ فَبَاقِيهِ طَهُورٌ إنْ كان كَثِيرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وبن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وقال بن عَقِيلٍ الْجَمِيعُ نَجِسٌ وَقَدَّمَهُ
____________________
(1/61)
بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَقِيلَ الْبَاقِي طَهُورٌ وَإِنْ قَلَّ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت اخْتَارَهُ الْقَاضِي ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
وَلَوْ كان التَّغَيُّرُ بِطَاهِرٍ فما لم يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُتَغَيِّرُ طَاهِرٌ فَإِنْ زَالَ فَطَهُورٌ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّهُورِ في كل شَيْءٍ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الطَّاهِرِ من الْمَاءِ وَالْمَائِعِ في كل شَيْءٍ لَكِنْ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ في رَفْعِ الْأَحْدَاثِ وَإِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ وَلَا في طَهَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ قال في الرِّعَايَةِ على الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ في غَيْرِ التَّطْهِيرِ وقال الْقَاضِي غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مُبَاحٌ وَإِنْ لم يَطْهُرْ بِهِ قال في الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا غَمَسَ يَدَهُ وَقُلْنَا إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في شُرْبٍ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ كما تَقَدَّمَ انْتَهَى
وَالنَّجِسُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بها وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَهُورٌ وَلَا طَاهِرٌ أو لِعَطَشِ مَعْصُومٍ آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ سَوَاءٌ كانت تُؤْكَلُ أولا وَلَكِنْ لَا تُحْلَبُ قَرِيبًا أو لِطَفْءِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ ما لَا يُصَلَّى عليه قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وقال في الْفُرُوعِ وَحَرَّمَ الْحَلْوَانِيُّ اسْتِعْمَالَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ سَقْيَهُ لِلْبَهَائِمِ كَالطَّعَامِ النَّجِسِ وقال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ بِحَالٍ بَلْ يُرَاقُ وَقَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ في الْمُتَغَيِّرِ وَأَنَّهُ في حُكْمِ عَيْنٍ نَجِسَةٍ بِخِلَافِ قَلِيلٍ نَجِسٍ لم يَتَغَيَّرْ
الثَّالِثَةُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ عَيْنِيَّةٌ
قُلْت وَفِيهِ بُعْدٌ وهو كَالصَّرِيحِ في كَلَامِ أبي بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا وَهَذَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ
فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إذَنْ أنها حُكْمِيَّةٌ وهو الصَّوَابُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في
____________________
(1/62)
شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ عَيْنِيَّةً لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَنَفْسُهُ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ في كُتُبِ الْخِلَافِ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُجَاوِرَةٌ سَرِيعَةُ الْإِزَالَةِ لَا عَيْنِيَّةٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ ذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
قَوْلُهُ وإذا انْضَمَّ إلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ كَثِيرٌ طُهْرُهُ إنْ لم يَبْقَ فيه تَغَيُّرٌ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ إذَا كان الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ إلَّا ما قَالَهُ أبو بَكْرٍ على ما يَأْتِي قَرِيبًا فَأَمَّا إنْ كان الْمُتَنَجِّسُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لم يَتَغَيَّرْ وَقُلْنَا أنهما لَيْسَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِإِضَافَةِ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ قَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَطْهُرُ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَقِيلَ يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ قُلَّتَيْنِ طَهُورِيَّتَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قال بن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ قال شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ الذي يَظْهَرُ أَنَّ هذا الْقَوْلُ وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ إذَا انْمَاعَتْ النَّجَاسَةُ في الْمَاءِ فَهُوَ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ وَلَا يُطَهِّرُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وهو مَحْمُولٌ على أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِنَفْسِهِ إذَا كان دُونَ الْقُلَّتَيْنِ
فَائِدَةٌ الْإِفَاضَةُ صَبُّ الْمَاءِ على حَسْبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وبن عُبَيْدَانَ وغيرهما ( ( ( وغيرهم ) ) ) وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ الِاتِّصَالَ في صَبِّهِ
____________________
(1/63)
قَوْلُهُ وَإِنْ كان الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أو بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ طَهُرَ
إذَا كان الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ كَثِيرًا فَتَارَةً يَكُونُ مُتَنَجِّسًا بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أو عَذِرَتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِهِمَا فَإِنْ كان بِأَحَدِهِمَا فَقَدْ تَقَدَّمَ ما يُطَهِّرُهُ إذَا كان غير متغيرا ( ( ( متغير ) ) ) وَإِنْ كان مُتَغَيِّرًا بِأَحَدِهِمَا فَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ وَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَإِنْ كان مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إلَيْهِ أو بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ جَزَمَ بِهِ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ ما يُمْكِنُ نَزْحُهُ لم يُطَهِّرْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُطَهِّرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكْثِهِ طَهُرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَإِنْ كان مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ ما لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا كَمَصَانِعِ مَكَّةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ كَبِئْرِ بُضَاعَةَ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِطَهُورٍ يُمْكِنُ نَزْحُهُ فلم يُمْكِنْ نَزْحُهُ لم يَطْهُرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَطْهُرُ
وَإِنْ كان مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَطْهُرُ الْكَثِيرُ النَّجِسُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ على الْأَصَحِّ وقال بن تَمِيمٍ أَظْهَرُهُمَا يَطْهُرُ وقال بن عُبَيْدَانَ الْأَوْلَى يَطْهُرُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وقال بن عَقِيلٍ هل الْمُكْثُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَى التَّطْهِيرِ على وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ بِمُكْثِهِ بِحَالٍ قال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْهُرَ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بِنَاءً على أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
____________________
(1/64)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ طَهُرَ يَعْنِي صَارَ طَهُورًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ما طَهُرَ من الْمَاءِ بِالْمُكَاثَرَةِ أو بِمُكْثِهِ طَهُورٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ أَنَّهُ لو بَقِيَ بَعْدَهُ قَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وهو الْمَذْهَبُ وَقِيلَ يَطْهُرُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت تَطْهِيرُ الْمَاءِ بِالنَّزْحِ لَا يَزِيدُ على تَحْوِيلِهِ لِأَنَّ التَّنْقِيصَ وَالتَّقْلِيلَ يُنَافِي ما اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ في دَفْعِ النَّجَاسَةِ من الْكَثْرَةِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ على أَنَّهُ إذَا حُرِّكَ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ طَهُرَ لو كان بِهِ قَائِلٌ لَكِنَّهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِمَاءٍ يَسِيرٍ أو غَيَّرَهُ من تُرَابٍ وَنَحْوِهِ طَهُرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِاتِّصَافِهِ بِأَصْلِ التَّطْهِيرِ انْتَهَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْمَاءُ الْمَنْزُوحُ طَهُورٌ ما لم تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ طَاهِرٌ لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ وفي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ وَأَرْضُهَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ إحْدَاهُمَا لَا يَجِبُ غَسْلُ ذلك وهو الصَّحِيحُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ غَسْلُ ذلك وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَجِبُ غَسْلُ الْبِئْرِ النَّجِسَةِ الضَّيِّقَةِ وَجَوَانِبِهَا وَحِيطَانِهَا وَعَنْهُ وَالْوَاسِعَةُ أَيْضًا انْتَهَى قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الرِّوَايَتَانِ في الْبِئْرِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ يَجِبُ غَسْلُهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً
____________________
(1/65)
قَوْلُهُ وَإِنْ كُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ أو بِغَيْرِ الْمَاءِ فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ لم يَطْهُرْ
اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ تَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا
فَإِنْ كان كَثِيرًا وَكُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ أو بِغَيْرِ الْمَاءِ لم يَطْهُرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهَا قال بن تَمِيمٍ لم يَطْهُرْ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ
وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَطْهُرَ وهو وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ حَكَاهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَلَّلَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ لو زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ طَهُرَ فَأَوْلَى أَنْ يَطْهُرَ إذَا كان يَطْهُرُ بِمُخَالَطَتِهِ لِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ قال في النُّكَتِ فَخَالَفَ في هذه الصُّورَةِ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقِيلَ يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ الْيَسِيرِ دُونَ غَيْرِهِ وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَ في الْإِيضَاحِ رِوَايَتَيْنِ في التُّرَابِ
وَإِنْ كان الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ مَاءٌ طَهُورٌ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ خَرَجَ في الصُّورَةِ التي قَبْلَهَا جَزَمَ هُنَا بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا هُنَا وَبَعْضُهُمْ تَخْرِيجًا أَنَّهُ يَطْهُرُ إلْحَاقًا وَجَعْلًا لِلْكَثِيرِ بِالِانْضِمَامِ كَالْكَثِيرِ من غَيْرِ انْضِمَامٍ وهو الصَّوَابُ وهو ظَاهِرُ تَخْرِيجِ الْمُحَرَّرِ
فَعَلَى هذا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى قُلَّةٍ نَجِسَةٍ وَزَالَ التَّغَيُّرُ ولم يَكْمُلْ بِبَوْلٍ أو نَجَاسَةٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهَا وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يَطْهُرُ وَخَرَّجَ في الْكَافِي طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مِثْلِهَا قال لِمَا ذَكَرْنَا
____________________
(1/66)
وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْخِلَافُ في الْقَلِيلِ الْمُطَهَّرِ إذَا أُضِيفَ إلَى كَثِيرٍ نَجِسٍ قال في النُّكَتِ وَكَلَامُهُ في الْكَافِي فيه نَظَرٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ من مَسْأَلَةِ زَوَالِ التَّغْيِيرِ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ
الثَّانِي قَوْلُهُ أو بِغَيْرِ الْمَاءِ مُرَادُهُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ وماله رَائِحَةٌ تعطى رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو اجْتَمَعَ من نَجِسٍ وَطَاهِرٍ وَطَهُورٍ قُلَّتَانِ بِلَا تَغْيِيرٍ فَكُلُّهُ نَجِسٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ طَاهِرٌ وَقِيلَ طَهُورٌ وهو الصَّوَابُ
الثَّانِيَةُ إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا غير الْمَاءِ تَنَجَّسَ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ أَصْلًا له كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فيه الْمَاءُ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَالْبَوْلُ هُنَا كَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت بَلْ أَشَدُّ
الثَّالِثَةُ لو وَقَعَ في الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ في رَفْعِ الْحَدَثِ وَقُلْنَا إنَّهُ طَاهِرٌ أو طَاهِرٌ غَيَّرَهُ من الْمَاءِ نَجَاسَةٌ لم ينجس ( ( ( يتنجس ) ) ) إذَا كان كَثِيرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ بن مُنَجَّا في نِهَايَتِهِ وَغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنَجِّسَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال عن الْأَوَّلِ فيه نَظَرٌ وهو كما قال وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وبن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْهِدَايَةُ
____________________
(1/67)
وَالْإِيضَاحُ وَالْمُذْهَبُ وَالتَّلْخِيصُ وَالْبُلْغَةُ وَالْخُلَاصَةُ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَالْمُنْتَخَبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال إنَّهُ أَوْلَى وبن رَزِينٍ وقال إنَّهُ أَصَحُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وقال إنَّهُ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَرْبَعُمِائَةٍ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَكَى عنه ما يَدُلُّ على أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ انْتَهَى
قُلْت وَيُؤْخَذُ من رِوَايَةٍ نَقَلَهَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ رِطْلًا وَثُلُثَا رِطْلٍ فَإِنَّهُمْ قالوا الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَعَنْهُ وَنِصْفٌ وَعَنْهُ وَثُلُثٌ وَالْقِرْبَةُ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بها فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ يَكُونُ الْقُلَّتَانِ ما قُلْنَا ولم أَجِدْ من صَرَّحَ بِهِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ الرِّوَايَاتِ فِيمَا تَسَعُ الْقُلَّةَ وما قُلْنَاهُ لَازَمَ ذلك
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مِسَاحَةُ الْقُلَّتَيْنِ إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وأربعة ( ( ( وأربع ) ) ) أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَهُوَ سُبُعُ الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبُعِهِ وَعَلَى هذا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ هو مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فيه ولم أَجِدْ في النُّسْخَةِ التي عِنْدِي إلَّا كَالْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيلَ هو مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وهو في الْمُغْنِي الْقَدِيمِ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وقال في الرِّعَايَةِ في صِفَةِ الْغُسْلِ وَالرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ الْآنَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وهو أَحَدٌ وَتِسْعُونَ مِثْقَالًا وكان قبل ذلك
____________________
(1/68)
تِسْعُونَ مِثْقَالًا زِنَتُهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ فَزِيدَ فيها مِثْقَالٌ لِيَزُولَ الْكَسْرُ وقال غَيْرُهُ ذلك فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَكُونُ الْقُلَّتَانِ بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةَ رِطْلٍ وَسَبْعَةَ أَرْطَالٍ وَسُبُعُ رِطْلٍ
قَوْلُهُ وَهَلْ ذلك تَقْرِيبٌ أو تَحْدِيدٌ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ قال في الْكَافِي أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ تَحْدِيدٌ اخْتَارَهُ أبو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ قال بن عُبَيْدَانَ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي قال الشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إذا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ يَكُونُ تَقْرِيبًا وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ إذَا قُلْنَا هُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَاخْتَارَ أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ تَحْدِيدٌ وَالْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ وَقَدَّمَ في الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا في مَحَلِّ الْخِلَافِ في التَّقْرِيبِ وَالتَّحْدِيدِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ
أصحها ( ( ( أصحهما ) ) ) أَنَّهُ جَارٍ سَوَاءٌ قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ أو أَرْبَعُمِائَةٍ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/69)
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي فإنه قال اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هل هُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَقْرِيبًا أو تَحْدِيدًا قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو الْأَشْبَهُ
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ في الْخَمْسِمِائَةِ رِوَايَتَانِ وفي الْأَرْبَعِمِائَةِ وَجْهَانِ وَهِيَ الْمُقَدَّمَةُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ثُمَّ قال وَقِيلَ الْوَجْهَانِ إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
الثَّانِي حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ هُنَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا في الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وبن مُنَجَّا وبن رَزِينٍ في شَرْحَيْهِمَا وحكى الْخِلَافُ رِوَايَتَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمَجْدِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الرِّوَايَتَانِ في الْخَمْسِمِائَةِ وَالْوَجْهَانِ في الْأَرْبَعِمِائَةِ وَقَدَّمَ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ من اعْتَبَرَ التَّحْدِيدَ لم يُعْفَ عن النَّقْصِ الْيَسِيرِ وَالْقَائِلُونَ بِالتَّقْرِيبِ يُعْفَوْنَ عن ذلك
فَوَائِدُ
إحداها لو شَكَّ في بُلُوغِ الْمَاءِ قَدْرًا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ وهو الصَّحِيحُ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ قال ( ( ( قاله ) ) ) في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وهو أَظْهَرُ
____________________
(1/70)
الثَّانِيَةُ لو أخبره عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ قَبِلَ قَوْلَهُ إنْ عَيَّنَ السَّبَبَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يَقْبَلُ مُطْلَقًا وَمَشْهُورُ الْحَالِ كَالْعَدْلِ على الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وهو ظَاهِرُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَإِنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْبُلُوغِ وَقِيلَ يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُمَيِّزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عن السَّبَبِ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقِيلَ يَلْزَمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
الثَّالِثَةُ لو أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَلَا أَمَارَةَ كُرِهَ سُؤَالُهُ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ فَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ وَقِيلَ بَلَى كما لو سَأَلَ عن الْقِبْلَةِ وَقِيلَ الْأَوْلَى السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَقِيلَ بِلُزُومِهِمَا وَأَوْجَبَ الْأَزَجِيُّ إجَابَتَهُ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ وَإِلَّا فَلَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال أبو الْمَعَالِي إنْ كان نَجِسًا لَزِمَهُ الْجَوَابُ وَإِلَّا فَلَا نَقَلَهُ بن عُبَيْدَانَ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ لم يَتَحَرَّ فِيهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وهو كما قالوا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرِينَ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وبن شَاقِلَا وأبو عَلِيٍّ النَّجَّادُ قال بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ
____________________
(1/71)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا إذَا قُلْنَا يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ فَهَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ بِوَاحِدٍ أو لَا بُدَّ من الْكَثْرَةِ عُرْفًا أو لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِسْعَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ أو لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَشَرَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ فيه أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَدَّمَ في الْفُرُوعِ أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وهو الصَّحِيحُ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ الْعُرْفَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ فقال يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَعُرْفًا وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ وقال الزَّرْكَشِيُّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالتَّحَرِّي إذَا كان النَّجِسُ عُشْرَ الطَّاهِرِ يَتَحَرَّى وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وقال الْقَاضِي في جَامِعِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارُ ذلك بِعَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ وَوَاحِدٍ نَجِسٍ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقُ
الثَّانِي قَوْلُهُ لم يَتَحَرَّ فِيهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ يُشْعِرُ أَنَّ له أَنْ يَتَحَرَّى في غَيْرِ الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ أو الطَّاهِرِ أو تَسَاوَيَا وَلَا قَائِلَ بِهِ من الْأَصْحَابِ لَكِنْ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَجْرَاهُ على ظَاهِرِهِ وقال أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وِفَاقًا لِدَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَسَحْنُونٍ من أَصْحَابِ مَالِكٍ
قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم يُرِدْ هذا وَأَنَّهُ لم يَنْفَرِدْ بهذا الْقَوْلِ وَالدَّلِيلُ عليه قَوْلُهُ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَدَلَّ أَنَّ في الْمَذْهَبِ خِلَافًا مَوْجُودًا قَبْلَهُ غير ذلك وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ على ما تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا أو كان عَدَدُ النَّجِسِ أَكْثَرَ فَلَا خِلَافَ في عَدَمِ التَّحَرِّي إلَّا تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفَائِقِ مع التَّسَاوِي رَدًّا إلَى الْأَصْلِ فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَوَابٍ لِتَصْحِيحِهِ
____________________
(1/72)
فَأَجَابَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ بِأَنْ قال هذا من بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ وهو مَجَازٌ سَائِغٌ
قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عنه بِأَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هو في مَفْهُومِ كَلَامِهِ وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ له عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وبن عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِمْ من الْأُصُولِيِّينَ وَأَنَّهُ يَكْفِي فيه صُورَةٌ وَاحِدَةٌ كما هو مَذْكُورٌ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَهَذَا مِثْلُهُ وَإِنْ كان من كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ
ثُمَّ ظَهَرَ لي جَوَابٌ آخَرُ أَوْلَى من الْجَوَابَيْنِ وهو الصَّوَابُ وهو أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هو على الْقَوْلِ الْمَسْكُوتِ عنه وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَقَيَّدَهُ وَلَهُ في كِتَابِهِ مَسَائِلُ كَذَلِكَ نَبَّهْت على ذلك في أَوَّلِ الْخُطْبَةِ
فَوَائِدُ
إحداها ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّحَرِّي أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وهو صَحِيحٌ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ معه فَقَدْ يُعَايَى بها
الثَّانِيَةُ حَيْثُ أَجَزْنَا له التَّحَرِّي فَتَحَرَّى فلم يَظُنَّ شيئا قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَرَاقَهُمَا أو خَلَطَهُمَا بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى
قُلْت فَلَوْ قِيلَ بِالتَّيَمُّمِ من غَيْرِ إرَاقَةٍ وَلَا خَلْطٍ لَكَانَ أَوْجَهَ بَلْ هو الصَّوَابُ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمُشْتَبَهِ هُنَا كَعَدَمِهِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ أَمَّا إذَا كان عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ فإنه لَا يَتَحَرَّى قَوْلًا وَاحِدًا
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا إذَا لم يُمْكِنْ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ امْتَنَعَ من التَّيَمُّمِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوا التَّيَمُّمَ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ على اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ وَهُنَا هو قَادِرٌ على اسْتِعْمَالِهِ
____________________
(1/73)
مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ النَّجِسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِيَسِيرٍ وَالطَّهُورُ قُلَّتَانِ فَأَكْثَرُ بِيَسِيرٍ أو يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَيَشْتَبِهُ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا إذَا كان النَّجَسُ غير بَوْلٍ فَإِنْ كان بَوْلًا لم يَتَحَرَّ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ في الْكَافِي وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمَا
الثَّالِثَةُ لو تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ النَّجَسَ لم تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَلْزَمُهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ من أَحَدِهِمَا من غَيْرِ تَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ لم يَصِحَّ وُضُوءُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ
الرَّابِعَةُ لو احْتَاجَ إلَى الشُّرْبِ لم يَجُزْ من غَيْرِ تَحَرٍّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمَتَى شَرِبَ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طاهر ( ( ( طاهرا ) ) ) فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ على وَجْهَيْنِ جَزَمَ في الْفَائِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وُجُوبَ الْغَسْلِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعُ
الْخَامِسَةُ الْمَاءُ الْمُحَرَّمُ عليه اسْتِعْمَالُهُ كَالْمَاءِ النَّجِسِ على ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَتَحَرَّى هُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ من كل إنَاءٍ وُضُوءًا وَيُصَلِّي بِهِمَا ما شَاءَ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ إرَاقَتُهُمَا أو خَلْطُهُمَا على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِعْدَامُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال في الْمُذْهَبِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قال النَّاظِمُ هذا أَوْلَى وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن
____________________
(1/74)
عَبْدُوسٍ في التَّذْكِرَةِ وَالتَّسْهِيلِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا هو الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وبن رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْعُدَ عنهما بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الطَّلَبُ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى أَرَاقَهُمَا وَعَنْهُ أو خَلَطَهُمَا وقال في الْكُبْرَى خَلَطَهُمَا أو أَرَاقَهُمَا وَعَنْهُ تَتَعَيَّنُ الْإِرَاقَةُ وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ حُكْمَ الْخَلْطِ حُكْمُ الْإِرَاقَةِ وهو كَذَلِكَ
فَوَائِدُ
إحداها لو عَلِمَ أَحَدٌ النَّجَسَ فَأَرَادَ غَيْرَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ لَزِمَهُ إعْلَامُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ النَّجَاسَةِ وَفَرَضَهُ في إرَادَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إنْ إزَالَتُهَا شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ وهو احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ لو تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ أَعَادَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ إنْ لم نَقُلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
الثَّالِثَةُ لو اشْتَبَهَ عليه طَاهِرٌ بِنَجِسٍ غَيْرِ الْمَاءِ كَالْمَائِعَاتِ وَنَحْوِهَا فقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ حَرُمَ التَّحَرِّي بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَالَهُ في الْكَافِي كما تَقَدَّمَ
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ تَوَضَّأَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ كَامِلَيْنِ من هذا وُضُوءًا كَامِلًا مُنْفَرِدًا وَمِنْ
____________________
(1/75)
الْآخَرِ كَذَلِكَ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وبن رَزِينٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا من هذا غَرْفَةٌ وَمِنْ هذا غَرْفَةٌ وهو الْمَذْهَبُ قال بن تَمِيمٍ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا في الْأَظْهَرِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ مَذْهَبُنَا يَتَوَضَّأُ منها وُضُوءًا وَاحِدًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ في مَوْضِعٍ آخَرَ
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا كان عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ فَمَنْ يقول يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ لَا يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا وَمَنْ يقول وُضُوءًا وَاحِدًا من هذا غَرْفَةٌ وَمِنْ هذا غَرْفَةٌ يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ كَذَلِكَ مع الطَّهُورِ الْمُتَيَقَّنِ
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَوَضَّأَ أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِالتَّحَرِّي إذَا اشْتَبَهَ الطَّهُورُ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ غَيْرِ الْمَاءِ
فَائِدَةٌ لو تَرَكَ فَرْضَهُ وَتَوَضَّأَ من وَاحِدٍ فَقَطْ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ لَا إعَادَةَ عليه
الثَّالِثُ قال بن عُبَيْدَانَ قال بن عَقِيلٍ وَيَتَخَرَّجُ في هذا الْمَاءِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ إنَّهُ طَهُورٌ وَيَتَخَرَّجُ على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى انْتَهَى
____________________
(1/76)
قُلْت هذا مُتَعَيِّنٌ وهو مُرَادُ الْأَصْحَابِ
وَمَتَى حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ أو بِطَهُورِيَّتِهِ فما اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجِسٍ أو بِطَهُورٍ مِثْلِهِ وَلَبِسَتْ الْمَسْأَلَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْرِيجِ وَمُرَادُ بن عَقِيلٍ إذَا كان الطَّاهِرُ مُسْتَعْمَلًا في رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْمَسْأَلَةُ أَعَمُّ من ذلك
قَوْلُهُ وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً
وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ أو وُضُوءًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن عَقِيلٍ يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ إذَا قُلْنَا يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو مُفْضٍ إلَى تَرْكِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ من غَيْرِ حَاجَةٍ
فَائِدَةٌ لو احْتَاجَ إلَى شُرْبٍ تَحَرَّى وَشَرِبَ الْمَاءَ الطَّاهِرَ عِنْدَهُ وَتَوَضَّأَ بِالطَّهُورِ ثُمَّ تَيَمَّمَ معه احْتِيَاطًا إنْ لم يَجِدْ طَهُورًا غير مُشْتَبِهٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ صلى في كل ثَوْبٍ صَلَاةً بِعَدَدِ النَّجِسِ وزاد صَلَاةً
يَعْنِي إذَا عَلِمَ عَدَدَ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ في شُرُوحِهِمْ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَقِيلَ يَتَحَرَّى مع كَثْرَةِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ قال في الْكَافِي وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ فقال بن عَقِيلٍ يُصَلِّي في أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي انْتَهَى وَقِيلَ يَتَحَرَّى سَوَاءٌ قَلَّتْ الثِّيَابُ أو كَثُرَتْ قَالَهُ بن عَقِيلٍ في فَنُونِهِ وَمُنَاظَرَاتِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ يُصَلِّي في وَاحِدٍ بِلَا تَحَرٍّ وفي
____________________
(1/77)
الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هذا فِيمَا إذَا بَانَ طَاهِرًا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُكَرِّرُ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ كُلَّ مَرَّةٍ في ثَوْبٍ منها بِعَدَدِ النَّجِسِ وَيَزِيدُ صَلَاةً وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ في الْكَافِي فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ في عَدَدِ النَّجِسِ فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو كَثُرَ عَدَدُ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ ولم يَعْلَمْ عَدَدَهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُصَلِّي حتى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صلى في ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَنُقِلَ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّ بن عَقِيلٍ قال يَتَحَرَّى في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَكُنْ عِنْدَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ فَإِنْ كان عِنْدَهُ ذلك لم تَصِحَّ الصَّلَاةُ في الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا الْأَمْكِنَةُ
الثَّانِيَةُ قال الْأَصْحَابُ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ من اشْتَبَهَتْ عليه الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ
الثَّالِثَةُ لو اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لم يَتَحَرَّ لِلنِّكَاحِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَتَحَرَّى في عَشَرَةٍ وَلَهُ النِّكَاحُ من قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ وَبَلْدَةٍ وفي لُزُومِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قال في الْفَائِقِ لو اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ بَلَدٍ لم يُمْنَعْ من نِكَاحِهِنَّ وَيُمْنَعُ في عَشْرٍ وفي مِائَةٍ وَجْهَانِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ يَتَحَرَّى في مِائَةٍ وهو بَعِيدٌ انْتَهَى وقال في الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ جَازَ له الْإِقْدَامُ على النِّكَاحِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا لو اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِلَحْمِ أَهْلِ مِصْرَ أو قَرْيَةٍ وقال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ لو اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ من الْأَجْنَبِيَّاتِ مُنِعَ من التَّزَوُّجِ
____________________
(1/78)
بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حتى يَعْلَمَ أُخْتَهُ من غَيْرِهَا انْتَهَى وَقَدَّمَ في الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حتى يَتَحَرَّى
وَلَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَجَبَ الْكَفُّ عنهما ولم يَتَحَرَّ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْحَرَامُ بَاطِنَا الْمَيْتَةِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من جَوَازِ التَّحَرِّي في اشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مِثْلِهِ في الْمَيْتَةِ بِالْمُذَكَّاةِ قال أَحْمَدُ أَمَّا شَاتَانِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فَأَمَّا إذَا كَثُرْنَ فَهَذَا غَيْرُ هذا وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قِيلَ له فَثَلَاثَةٌ قال لَا أَدْرِي
الرَّابِعَةُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّحَرِّي في الْعِتْقِ وَالصَّلَاةِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ بَابُ الْآنِيَةِ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من قَوْلِهِ كُلُّ إنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ عَظْمُ الْآدَمِيِّ فإنه لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ وَيُسْتَثْنَى الْمَغْصُوبُ لَكِنْ ليس بِوَارِدٍ على الْمُصَنِّفِ وَلَا على غَيْرِهِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مُبَاحٌ من حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ عُرِضَ له ما أَخْرَجَهُ عن أَصْلِهِ وهو الْغَصْبُ
قَوْلُهُ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ إلَّا أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيَّ كَرِهَ الْوُضُوءَ من إنَاءٍ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَصُفْرٍ وَالنَّصُّ عَدَمُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ وَأَبَا الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيَّ كَرِهَ الْوُضُوءَ من إنَاءٍ ثَمِينٍ كَبِلَّوْرٍ وَيَاقُوتٍ ذَكَرَهُ عنه بن الصَّيْرَفِيِّ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَحْتَمِلُ الْحَدِيدُ وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ إلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمُضَبَّبِ بِهِمَا فإنه يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ منهم الْخِرَقِيُّ
____________________
(1/79)
وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخِصَالِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وبن رَزِينٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِمَا وَغَيْرُهُمْ
قال الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيمَا عَلِمْنَا في تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا وَذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا في الْمُذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَحَكَى بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ عن أبي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ أَنَّهُ قال إذَا اتَّخَذَ مِسْعَطًا أو قِنْدِيلًا أو نَعْلَيْنِ أو مِجْمَرَةً أو مِدْخَنَةً ذَهَبًا أو فِضَّةً كُرِهَ ولم يَحْرُمْ وَيَحْرُمُ سَرِيرٌ وَكُرْسِيٌّ وَيُكْرَهُ عَمَلُ خُفَّيْنِ من فِضَّةٍ وَلَا يَحْرُمُ كَالنَّعْلَيْنِ وَمَنَعَ من الشَّرْبَةِ وَالْمِلْعَقَةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا حَكَاهُ وهو غَرِيبٌ
قُلْت هذا بَعِيدٌ جِدًّا وَالنَّفْسُ تَأْبَى صِحَّةَ هذا
قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهَا
يَعْنِي يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا بَلْ يُكْرَهُ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ جِدًّا
قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عن اسْتِعْمَالِ ذلك نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ بِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ مِنْهُمَا مع قَوْلِهِ بِالْكَرَاهَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا فَهَلْ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَخِصَالِ بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ
أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ منها وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن
____________________
(1/80)
عُبَيْدَانَ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ في الْغَصْبِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْوَجِيزِ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ مع الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ كما تَقَدَّمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ منها جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ منها في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ
فَائِدَةٌ الْوُضُوءُ فيها كَالْوُضُوءِ منها وَلَوْ جَعَلَهَا مَصَبًّا لِفَضْلِ طَهَارَتِهِ فَهُوَ كَالْوُضُوءِ منها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ هُنَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْمُمَوَّهِ والمطلى الْمُطَعَّمِ وَالْمُكَفَّفِ وَنَحْوِهِ بِأَحَدِهِمَا كَالْمُصْمَتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ بَقِيَ لَوْنُ الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ وَقِيلَ وَاجْتَمَعَ منه شَيْءٌ إذَا حُكَّ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا قال أَحْمَدُ لَا تُعْجِبُنِي الْحِلَقُ وَعَنْهُ هِيَ من الْآنِيَةِ وَعَنْهُ أَكْرَهُهَا وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ هِيَ كَالضَّبَّةِ
الثَّانِيَةُ حُكْمُ الطَّهَارَةِ من الْإِنَاءِ الْمَغْصُوبِ حُكْمُ الْوُضُوءِ من آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَعَدَمُ الصِّحَّةِ منه من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لو اشْتَرَى إنَاءً بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً من الْفِضَّةِ
اسْتَثْنَى لِلْإِبَاحَةِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً لَكِنْ بِشُرُوطٍ منها أَنْ تَكُونَ ضَبَّةً وَأَنْ تَكُونَ يَسِيرَةً وَأَنْ تَكُونَ لِحَاجَةٍ ولم يَسْتَثْنِهَا الْمُصَنِّفُ لَكِنْ في كَلَامِهِ أَوْمَأَ إلَيْهَا وَأَنْ تَكُونَ من الْفِضَّةِ وَلَا خِلَافَ في جَوَازِ ذلك بَلْ هو إجْمَاعٌ
____________________
(1/81)
بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَلَا يُكْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ
وَأَمَّا ما يُبَاحُ من الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ
فَائِدَةٌ في الضَّبَّةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى منه
يَسِيرَةٌ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَتُبَاحُ وَكَثِيرَةٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا تُبَاحُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِبَاحَةَ إذَا كانت أَقَلَّ مِمَّا هِيَ فيه
وَكَثِيرَةٌ لِحَاجَةٍ فَلَا تُبَاحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وهو ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفُرُوعِ أبي الْحُسَيْنِ وَخِصَالِ بن الْبَنَّا وبن رَزِينٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِمَا وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وهو مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وَيَسِيرَةٌ لِحَاجَةٍ فَلَا تُبَاحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَفُرُوعِ أبي الْحُسَيْنِ وَخِصَالِ بن الْبَنَّا وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُذْهَبِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَإِنْ كان التَّضْبِيبُ بِالْفِضَّةِ وكان يَسِيرًا على قَدْرِ حَاجَةِ الْكَسْرِ فَمُبَاحٌ قال النَّاظِمُ وهو الْأَقْوَى قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا تُبَاحُ الْيَسِيرَةُ لِزِينَةٍ في الْأَظْهَرِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ
____________________
(1/82)
وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفَائِقِ وَتُبَاحُ الْيَسِيرَةُ لِغَيْرِهَا في الْمَنْصُوصِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُسْتَثْنَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ فقال في الْيَسِيرِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أو لِحَاجَةٍ أَوْجُهٌ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَقِيلَ فَرْقٌ بين الْحَلْقَةِ وَنَحْوِهَا وَغَيْرِ ذلك فَيَحْرُمُ في الْحَلْقَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا في بَعْضِ كُتُبِهِ وَتَقَدَّمَ النَّصُّ في الْحَلْقَةِ
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ يُبَاحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ
فَائِدَةٌ حَدُّ الْكَثِيرِ ما عُدَّ كَثِيرًا عُرْفًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ ما اسْتَوْعَبَ أَحَدَ جَوَانِبِ الْإِنَاءِ وَقِيلَ ما لَاحَ على بُعْدٍ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا الضَّبَّةَ من الذَّهَبِ فَلَا تُبَاحُ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ قال أبو بَكْرٍ يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ وقد ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ وَقِيلَ يُبَاحُ لِحَاجَةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ في الضَّبَّةِ الْيَسِيرَةِ من الذَّهَبِ الْوَجْهَيْنِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقد غَلِطَ طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ حَيْثُ حَكَتْ قَوْلًا بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ تَبَعًا في الْآنِيَةِ عن أبي بَكْرٍ وأبو بَكْرٍ إنَّمَا قال ذلك في بَابِ اللِّبَاسِ وَالتَّحَلِّي وَهُمَا أَوْسَعُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا يُبَاحُ الِاكْتِحَالُ بِمَيْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا حَاجَةٌ وَيُبَاحَانِ لها وَقَالَهُ أبو الْمَعَالِي بن مُنَجَّا أَيْضًا
____________________
(1/83)
قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بها إذَا لم يُبَاشِرْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ
الْمُبَاشَرَةُ تَارَةً تَكُونُ لِحَاجَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كانت لِحَاجَةٍ أُبِيحَتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كانت لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا التَّحْرِيمُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال في الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا تُبَاشَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَحَرَامٌ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ انْتَهَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ في الْمُقْنِعِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَحَمَلَ بن مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه
قُلْت وهو بَعِيدٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُبَاحُ وأطلقهن ( ( ( أطلقهن ) ) ) في الْفُرُوعِ وبن تميم وبن عُبَيْدَانَ
فَائِدَةٌ الْحَاجَةُ هُنَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بها غَرَضٌ غير الزِّينَةِ وَإِنْ كان غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُبَاحُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وقال في ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَا إلَى كَوْنِهَا من ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فإن هذه ضَرُورَةٌ وَهِيَ تُبِيحُ الْمُفْرَدَ انْتَهَى وَقِيلَ مَتَى قَدَرَ على التَّضْبِيبِ بِغَيْرِهَا لم يَجُزْ أَنْ يُضَبِّبَ بها وهو احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَقِيلَ الْحَاجَةُ عَجْزُهُ عن إنَاءٍ آخَرَ وَاضْطِرَارُهُ إلَيْهِ
قَوْلُهُ وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الِاسْتِعْمَالِ ما لم تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا
____________________
(1/84)
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في نَظْمِهِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ قال نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ عليه الْأَكْثَرُونَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ في الْآنِيَةِ وَعَنْهُ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَ نَاظِمُ الْآدَابِ فيها إبَاحَةَ الثِّيَابِ وَقَطَعَ بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَوَانِي التي قد اسْتَعْمَلُوهَا وَعَنْهُ الْمَنْعُ من اسْتِعْمَالِهَا مُطْلَقًا وَعَنْهُ ما وَلَّى عَوْرَاتِهِمْ كَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِ لَا يصلى فيه اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ في الْكِتَابِيِّ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ فيه وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَعَنْهُ أَنَّ من لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنَحْوِهِمْ لَا يُسْتَعْمَلُ ما اسْتَعْمَلُوهُ من آنِيَتِهِمْ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ وَلَا يُؤْكَلُ من طَعَامِهِمْ إلَّا الْفَاكِهَةُ وَنَحْوُهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وأطلقهما بن تَمِيمٍ بِعَنْهُ وَعَنْهُ
وَأَمَّا ثِيَابُهُمْ فَكَثِيَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَدْخَلَ الثِّيَابَ في الرِّوَايَةِ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ وَمَنَعَ بن أبي مُوسَى من اسْتِعْمَالِ ثِيَابِهِمْ قبل غَسْلِهَا وَكَذَا ما سَفَلَ من ثِيَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ قال الْقَاضِي وَكَذَا من يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ من أَهْلِ الْكِتَابِ في مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُمْ أَكْلُهُ أو يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ أو يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ فقال أَوَانِيهِمْ نَجِسَةٌ لَا يُسْتَعْمَلُ ما اسْتَعْمَلُوهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ قال الشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ قال الْخِرَقِيُّ في شَرْحِهِ وبن أبي مُوسَى لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ قُدُورِ النَّصَارَى حتى تُغْسَلَ وزاد الْخِرَقِيُّ وَلَا أَوَانِي طَبْخِهِمْ دُونَ أَوْعِيَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى وَقِيلَ لَا يُسْتَعْمَلُ قِدْرُ كِتَابِيٍّ قبل غَسْلِهَا
____________________
(1/85)
فَوَائِدُ
إحداها حُكْمُ أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وملاقى النَّجَاسَاتِ غَالِبًا وَثِيَابِهِمْ كَمَنْ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَحُكْمُ ما صَبَغَهُ الْكُفَّارُ حُكْمُ ثِيَابِهِمْ وَأَوَانِيهِمْ
الثَّانِيَةُ بَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ كَثِيَابِهِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وَقِيلَ وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ قال بن تَمِيمٍ قال أبو الْحُسَيْنِ في تَمَامِهِ وَالْآمِدِيُّ أَبْدَانُ الْكُفَّارِ وَثِيَابُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ في الْحُكْمِ وَاحِدٌ وهو نَصُّ أَحْمَدَ وزاد أبو الْحُسَيْنِ وَطَعَامُهُمْ
الثَّالِثَةُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ في ثِيَابِ الْمُرْضِعَةِ وَالْحَائِضِ وَالصَّبِيِّ مع الْكَرَاهَةِ قَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَهِيَ تَخْرِيجٌ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَأَلْحَقَ بن أبي مُوسَى ثَوْبَ الصَّبِيِّ بِثَوْبِ الْمَجُوسِيِّ في مَنْعِ الصَّلَاةِ فيه قبل غَسْلِهِ وَحَكَى في الْقَوَاعِدِ في ثِيَابِ الصِّبْيَانِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا وَالْمَنْعُ
قَوْلُهُ وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ يَعْنِي النَّجِسَةَ بِالدِّبَاغِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه أَحْمَدُ في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَطْهُرُ منها جِلْدُ ما كان طَاهِرًا في حَالِ الْحَيَاةِ نَقَلَهَا عن أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَتَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِلَيْهَا مَيْلُ الْمَجْدِ في الْمُنْتَقَى وَصَحَّحَهُ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ يَطْهُرُ جِلْدُ ما كان مَأْكُولًا في حَالِ الْحَيَاةِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا جَمَاعَةٌ منهم بن رَزِينٍ أَيْضًا في شَرْحِهِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن الرِّوَايَةِ الْأُولَى في رِوَايَةِ أَحْمَدَ بن الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ الصافاني ( ( ( الصاغاني ) ) ) وَرَدَّهُ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا إنَّمَا هو رِوَايَةٌ أُخْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(1/86)
وَعَنْهُ الدِّبَاغُ مُطَهَّرٌ فَعَلَيْهَا هل يُصَيِّرُهُ الدِّبَاغُ كَالْحَيَاةِ وهو اخْتِيَارُ أبي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَيَطْهُرُ جِلْدُ كل ما حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ في الْحَيَاةِ أو كَالذَّكَاةِ وهو اخْتِيَارُ أبي الْبَرَكَاتِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا ما تُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ فيه وَجْهَانِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فَهَلْ ذلك مَخْصُوصٌ بِمَا كان مَأْكُولًا في حَالِ الْحَيَاةِ أو يَشْمَلُ جَمِيعَ ما كان طَاهِرًا في حَالِ الْحَيَاةِ فيه لِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا في الْفُرُوعِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ
أَحَدُهُمَا يَشْمَلُ جَمِيعَ ما كان طَاهِرًا في حَالِ الْحَيَاةِ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَطْهُرُ إلَّا الْمَأْكُولُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وبن رَزِينٍ وبن عبد الْقَوِيِّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في الْيَابِسَاتِ على رِوَايَتَيْنِ
أَطْلَقَهُمَا في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِمَا وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في هذا الْبَابِ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَصَحَّحَهُ في نَظْمِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في يَابِسٍ على الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ في بَابٍ من النَّجَاسَاتِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
____________________
(1/87)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ بَعْدَ الدَّبْغِ هِيَ من زَوَائِدِ الشَّارِحِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ بن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ في الْيَابِسَاتِ مع الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وفي الْأُخْرَى لَا يُبَاحُ وهو أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ عن ذلك فَأَمَّا قبل الدَّبْغِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى وَقَدَّمَ هذا الْوَجْهَ الزَّرْكَشِيُّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ قبل الدَّبْغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يَدُلُّ على الْأَوَّلِ قال في الْفَائِقِ وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بها في الْيَابِسَاتِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال أبو الْخَطَّابِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ في الْيَابِسَاتِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال أبو الْخَطَّابِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ في الْيَابِسِ وَسَدِّ البثرى ( ( ( البثور ) ) ) بها وَنَحْوَهُ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ بِقِيلِ وَقِيلَ
الثَّانِي مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في غَيْرِ الْيَابِسَاتِ كَالْمَائِعَاتِ وَنَحْوِهَا وهو كَذَلِكَ فَقَدْ قال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ لَا يُنْتَفَعُ بها فيه رِوَايَةً وَاحِدَةً قال بن عَقِيلٍ وَلَوْ لم يُنَجِّسْ الْمَاءَ بِأَنْ كان يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قال لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ أَشْبَهَتْ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في فَتَاوِيهِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بها في ذلك إنْ لم يُنَجِّسْ الْعَيْنَ
فَائِدَةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ يُبَاحُ دَبْغُهُ وَعَلَى الْمَنْعِ هل يُبَاحُ دَبْغُهُ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ جَازَ أُبِيحَ الدَّبْغُ وَإِلَّا احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ وَاحْتَمَلَ الْإِبَاحَةَ كَغَسْلِ
____________________
(1/88)
نَجَاسَةٍ بِمَائِعٍ وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ وَإِنْ لم يَطْهُرْ كَذَا قال الْقَاضِي وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ وهو أَظْهَرُ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ يَعْنِي إذَا ذُبِحَ ذلك وهو صَحِيحٌ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَجْلِ ذلك خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا لِغَيْرِهِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ كان في النَّزْعِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كان جِلْدَ آدَمِيٍّ وَقُلْنَا يُنَجَّسُ بِمَوْتِهِ وهو صَحِيحٌ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَهُ عليه في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وقال الشَّارِحُ وحكى ذلك عن بن حَامِدٍ وقال في مَكَان آخَرَ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْآدَمِيِّ إجْمَاعًا قال في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ انْتَهَى قال بن تَمِيمٍ وفي اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَأْكُولًا وَغَيْرَ آدَمِيٍّ وَجْهَانِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي جِلْدِ الْآدَمِيِّ وَجْهَانِ أَنَّهُ نَجِسٌ بِمَوْتِهِ
فَوَائِدُ
ما يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ اُنْتُفِعَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عليه وَقِيلَ يَجُوزُ وقال في مَكَان آخَرَ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْآدَمِيِّ إجْمَاعًا قال في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ انْتَهَى وَفِيهِ رِوَايَةٌ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وقال الشَّارِحُ وحكى عن بن حَامِدٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ كما لو لم يَطْهُرْ بِدَبْغِهِ وَكَمَا لو بَاعَهُ قبل الدَّبْغِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ في الْبُيُوعِ وَأَطْلَقَ أبو الْخَطَّابِ جَوَازَ بَيْعِهِ مع نَجَاسَتِهِ كَثَوْبٍ
____________________
(1/89)
نَجِسٍ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ منه بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بها وَلَا فَرْقَ وَلَا إجْمَاعَ كما قِيلَ قال بن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزِّبْلِ قال اللَّخْمِيُّ هذا من قَوْلِهِ يَدُلُّ على بَيْعِ الْعَذِرَةِ وقال بن الْمَاجِشُونِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ لِأَنَّهُ من مَنَافِعِ الناس
فَوَائِدُ
الْأُولَى يُبَاحُ لُبْسُ جِلْدِ الثَّعَالِبِ في غَيْرِ صَلَاةٍ فيه نُصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فيه وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فيه وَعَنْهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ذَكَرَهُ في التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُنَّ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ بن تَمِيمٍ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُبَاحُ لُبْسُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وفي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فيه وَجْهَانِ انْتَهَى وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافُ في هذا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في حِلِّهَا وقال في الْفُرُوعِ وفي لُبْسِ جِلْدِ الثَّعْلَبِ رِوَايَتَانِ وَيَأْتِي حُكْمُ حِلِّهَا في بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَيَأْتِي آخِرَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَهَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا في نَجَاسَتِهِ
الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ افْتِرَاشُ جُلُودِ السِّبَاعِ مع الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ يُبَاحُ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَبَالَغَ حتى قال يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ في الْيَابِسِ وَسَدِّ الْبُثُوقِ وَنَحْوِهِ ولم يَشْتَرِطْ دِبَاغًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ
وَالثَّالِثَةُ في الْخَرَزِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ رِوَايَاتٍ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ صَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَرَاهَةُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَالْجَوَازَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
____________________
(1/90)
وَيَجِبُ غَسْلُ ما خُرِّزَ بِهِ رَطْبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ قال في الرِّعَايَةِ هذا الْأَقْيَسُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ لِإِفْسَادِ الْمَغْسُولِ
وَالرَّابِعَةُ نَصَّ أَحْمَدُ على جوز ( ( ( جواز ) ) ) الْمُنْخُلِ من شَعْرٍ نجس وَاقْتَصَرَ عليه بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ثُمَّ قال وَقُلْت يُكْرَهُ
فَوَائِدُ
منها جَعْلُ مُصْرَانٍ وَتَرًا دِبَاغٌ وَكَذَلِكَ الْكَرِشُ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا
وَمِنْهَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يُدْبَغُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَشِّفًا لِلرُّطُوبَةِ مُنَقِّيًا لِلْخَبَثِ بِحَيْثُ لو نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ في الْمَاءِ لم يَفْسُدْ وزاد بن عَقِيلٍ وَأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلرَّائِحَةِ وَالسَّهُوكَةِ وَلَا يَظْهَرُ منه رَائِحَةٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ خَبِيثٌ إذَا انْتَفَعَ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ في الْمَائِعَاتِ
وَمِنْهَا يُشْتَرَطُ غَسْلُ الْمَدْبُوغِ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُشْتَرَطُ غَسْلُهُ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْحَوَاشِي وَالرِّعَايَتَيْنِ قال بن عُبَيْدَانَ اشْتِرَاطُ الْغَسْلِ أَظْهَرُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
وَمِنْهَا لَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِنَجِسٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَحْصُلُ بِهِ وَيُغْسَلُ بَعْدَهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَمِنْهَا لو شُمِّسَ أو تُرِّبَ من غَيْرِ دَبْغٍ لم يَطْهُرْ قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَوَاشِي الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في التَّشْمِيسِ وَقِيلَ يَطْهُرُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ فِيهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في التَّشْمِيسِ في
____________________
(1/91)
الْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهَانِ في تَتْرِيبِهِ أو رِيحٍ فَكَأَنَّهُ ما اطَّلَعَ على الْخِلَافِ في التَّتْرِيبِ
وَمِنْهَا لَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إلَى فِعْلٍ فَلَوْ وَقَعَ جِلْدٌ في مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ طَهُرَ
قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وأنفحتها نَجِسٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في نَظْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ
فَائِدَةٌ حُكْمُ جِلْدَةِ الأنفحة حُكْمُ الأنفحة على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِنَجَاسَةِ الْجِلْدَةِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ اتِّفَاقًا وقال في الْفَائِقِ وَالنِّزَاعُ في الأنفحة دُونَ جِلْدَتِهَا وَقِيلَ فِيهِمَا
قَوْلُهُ وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا نَجِسٌ
وَكَذَا عَصَبُهَا وَحَافِرُهَا يَعْنِي التي تُنَجِّسُ بِمَوْتِهَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وعنه طَاهِرٌ ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفَائِقِ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ الطَّهَارَةَ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قال وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هذا يَجُوزُ بَيْعُهُ قال في الْفُرُوعِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فيه وَقِيلَ وهو الْأَصَحُّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ وهو الرُّطُوبَةُ انْتَهَى وفي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ أَنَّ ما سَقَطَ عَادَةً مِثْلُ قُرُونِ الْوُعُولِ طَاهِرٌ وَغَيْرُهُ نَجِسٌ
قَوْلُهُ وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ
وَكَذَلِكَ الْوَبَرُ يَعْنِي الطَّاهِرَ في حَالِ الْحَيَاةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ صُوفُ الْمَيْتَةِ ما أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ وَعَنْهُ أَنَّ ذلك كُلَّهُ نَجِسٌ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ قال لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَقِيلَ يَنْجُسُ شَعْرُ الْهِرِّ وما دُونَهَا في الْخِلْقَةِ بِالْمَوْتِ لِزَوَالِ عِلَّةِ الطَّوَافِ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ
____________________
(1/92)
فَائِدَةٌ في الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالرِّيشِ الْمُنْفَصِلِ من الْحَيَوَانِ الْحَيِّ الذي لَا يُؤْكَلُ غير الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ النَّجَاسَةُ وَالطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ من النَّجِسِ وَالطَّهَارَةُ من الطَّاهِرِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ فَحُكْمُ شَعْرِهِ حُكْمُ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ ما كان طَاهِرًا فَشَعْرُهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا وما كان نَجِسًا فَشَعْرُهُ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بين حَالَةِ الْحَيَاةِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ قال بن عُبَيْدَانَ وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ صُوفٍ أو شَعْرٍ أو وَبَرٍ أو رِيشٍ فإنه تَابِعٌ لِأَصْلِهِ في الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وما كان أَصْلُهُ مُخْتَلِفًا فيه خَرَجَ على الْخِلَافِ انْتَهَى وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَشَعْرُهَا وَصُوفُهَا وَوَبَرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ وَعَنْهُ نَجِسٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لَا يُؤْكَلُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ في الصُّوفِ وَنَحْوِهِ وَمُنْفَصِلُهُ في الْحَيَاةِ طَاهِرٌ وَقِيلَ لَا وهو بَعِيدٌ انْتَهَى وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ في الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ وَقَدَّمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ من حَيَوَانٍ حَيٍّ لَا يُؤْكَلُ وَعَنْهُ من طَاهِرٍ طَاهِرٌ انْتَهَى
فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ من الْحَيَوَانِ الْحَيِّ الذي لَا يُؤْكَلُ طاهره على الْمُقَدَّمِ سَوَاءٌ كانت من طَاهِرٍ أو نَجِسٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إدْخَالُ شَعْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هو قَدَّمَ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ شَعْرَهُمَا نَجِسٌ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَهُمَا وَأَطْلَقَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ بن تَمِيمٍ في آخِرِ بَابِ اللِّبَاسِ
وَأَمَّا شَعْرُ الْآدَمِيِّ الْمُنْفَصِلُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ طَهَارَتُهُ قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ نَجَاسَتُهُ غير شَعْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْهُ نَجَاسَتُهُ من كَافِرٍ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ طَهَارَةُ ظُفُرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِنَجَاسَتِهِ ذَكَرَهُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرُهُ قال بن عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقًا في بَابِ إزَالَةِ
____________________
(1/93)
النَّجَاسَةِ من الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَأْتِي في ذلك الْبَابِ حُكْمُ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا صَلُبَ قِشْرُ بَيْضَةِ الْمَيْتَةِ من الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ فَبَاطِنُهَا طَاهِرٌ بِلَا نِزَاعٍ وَنُصَّ عليه وَإِنْ لم يَصْلُبْ فَهُوَ نَجِسٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ أبو الْحُسَيْنِ في فُرُوعِهِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ والفايق ( ( ( والفائق ) ) ) وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَقِيلَ طَاهِرٌ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالثَّانِيَةُ لو سُلِقَتْ الْبَيْضَةُ في نَجَاسَةٍ لم تَحْرُمْ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ
قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ بِشَيْءٍ فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ بِشَيْءٍ فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لم تَكُنْ حَاجَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالنَّظْمُ وَالْفُرُوعُ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ قال بن رَجَبٍ في كِتَابِ الْخَوَاتِمِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ وَهِيَ اخْتِيَارُ عَلِيِّ بن أبي مُوسَى وَالسَّامِرِيِّ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي انْتَهَى قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ ما فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وهو بَعِيدٌ انْتَهَى وقال في الْمُسْتَوْعِبِ تَرْكُهُ أَوْلَى قال في النُّكَتِ وَلَعَلَّهُ أَقْرَبُ انْتَهَى وَقَطَعَ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ وما هو بِبَعِيدٍ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ كَمُصْحَفٍ وفي نُسَخٍ لِمُصْحَفٍ
قُلْت أَمَّا دُخُولُ الْخَلَاءِ بِمُصْحَفٍ من غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا شَكَّ في تَحْرِيمِهِ قَطْعًا وَلَا يَتَوَقَّفُ في هذا عَاقِلٌ
____________________
(1/94)
تَنْبِيهٌ حَيْثُ دخل الْخَلَاءَ بِخَاتَمٍ فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ فَصَّهُ في بَاطِنِ كَفِّهِ وَإِنْ كان في يَسَارِهِ أَدَارَهُ إلَى يَمِينِهِ لِأَجْلِ الِاسْتِنْجَاءِ
فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا فيه نُصَّ عَلَيْهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في حَمْلِ الْحِرْزِ مِثْلُ حَمْلِ الدَّرَاهِمِ قال النَّاظِمُ بَلْ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ من حَمْلِهَا
قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّ حَمْلَ الدَّرَاهِمِ في الْخَلَاءِ كَغَيْرِهَا في الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا ثُمَّ رَأَيْت بن رَجَبٍ ذَكَرَ في كِتَابِ الْخَوَاتِمِ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ على كَرَاهَةِ ذلك في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن هَانِئٍ فقال في الدِّرْهَمِ إذَا كان فيه اسْمُ اللَّهِ أو مَكْتُوبًا عليه قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ اسْمُ اللَّهِ الْخَلَاءَ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حتى يَدْنُوَ من الْأَرْضِ
إذَا لم تَكُنْ حَاجَةٌ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَهِيَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عن أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ الْإِطْلَاقُ فَشَمِلَ رَدَّ السَّلَامِ وَحَمْدَ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذلك قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ وَكَرِهَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ فَيُكْرَهُ بِلَا خِلَافٍ في الْمُذْهَبِ نَصَّ عليه الْإِمَامُ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ من عَدَمِ الْكَرَاهَةِ قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ
وَأَمَّا حَمْدُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فَيَحْمَدُ وَيُجِيبُ بِقَلْبِهِ وَيُكْرَهُ بِلَفْظِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ في الْخَلَاءِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في بَابِ الْأَذَانِ
____________________
(1/95)
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِهَا فيه وَعَلَى سَطْحِهِ قال في الْفُرُوعِ وهو متجه ( ( ( يتجه ) ) ) على حَاجَتِهِ
قُلْت الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ في نَفْسِ الْخَلَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ
وقال في الْغُنْيَةِ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا يَزِيدُ على التَّسْمِيَةِ وَالتَّعَوُّذِ وقال بن عُبَيْدَانَ وَمَنَعَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ من الْجَمِيعِ فقال وَلَا يَتَكَلَّمُ بِرَدِّ سَلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قال صَاحِبُ النِّهَايَةِ قال بن عُبَيْدَانَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ لِحَدِيثِ أبي سَعِيدٍ فإنه يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا انْتَهَى قال في النُّكَتِ دَلِيلُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَعَنْ أَحْمَدَ ما يَدُلُّ عليه انْتَهَى وَقَوْلُ بن عُبَيْدَانَ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ فيه نَظَرٌ إذْ قد صَرَّحَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ في ذلك وَتَقَدَّمَ نَقْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَلَيْسَ في كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ تَصْرِيحٌ في ذلك بَلْ كِلَاهُمَا مُحْتَمِلٌ كَلَامَ غَيْرِهِمَا
قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَثُ فَوْقَ حَاجَتِهِ
يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْكَافِي وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَحَوَاشِي بن مُفْلِحٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وهو رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ هذه الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عن الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَمَعْنَاهُ في الرِّعَايَةِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْمَجْدِ في ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ لُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَيُقَالُ إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ وَيَأْخُذُ منه الْبَاسُورَ قال في الْفُرُوعِ وَالنُّكَتِ وهو أَيْضًا كَشْفٌ لِعَوْرَتِهِ في خَلْوَةٍ
____________________
(1/96)
بِلَا حَاجَةٍ وفي تَحْرِيمِهِ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالنُّكَتِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ بن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ اللُّبْثَ فَوْقَ الْحَاجَةِ أَخَفُّ من كَشْفِ الْعَوْرَةِ ابْتِدَاءً من غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنَّهُمَا جَزَمَا هُنَا بِالْكَرَاهَةِ
وَصَحَّحَ بن عُبَيْدَانَ التَّحْرِيمَ في كَشْفِهَا ابْتِدَاءً من غَيْرِ حَاجَةٍ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فيه بن تَمِيمٍ وَيَأْتِي ذلك في أَوَّلِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا لم يَحْرُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُكْرَهُ وقال بن تَمِيمٍ جَازَ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَاك قال
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ حَالَ التَّخَلِّي ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ نَقَلَهُ عَنْهُمْ في الْفُرُوعِ في بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ
قُلْت منهم بن حَمْدَانَ في رِعَايَتَيْهِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَلَا يَبُولُ في شِقٍّ وَلَا سَرَبٍ
يَعْنِي يُكْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
وَقَوْلُهُ وَلَا طَرِيقٍ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وهو الصَّحِيحُ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِالطَّرِيقِ هُنَا الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَقَوْلُهُ وَلَا ظِلٍّ نَافِعٍ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
وَقَوْلُهُ وَلَا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ
وَكَذَا مَوْرِدُ الْمَاءِ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ
____________________
(1/97)
الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ إنْ كانت الثَّمَرَةُ له كُرِهَ وَإِنْ كانت لِغَيْرِهِ حَرُمَ انْتَهَى
وَهُمَا وَجْهَانِ في الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَعِبَارَةُ كثيرة ( ( ( كثير ) ) ) من الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فيها الْكَرَاهَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذلك وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَبِقَوْلِهِ قِيلَ وَلَا يَبُولُ في شِقٍّ وَلَا سَرَبٍ فإنه يُكْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ كما تَقَدَّمَ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ مُثْمِرَةٍ يَعْنِي عليها ثَمَرَةٌ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ من أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُطَهِّرُهَا رِيحٌ وَلَا شَمْسٌ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ على الظَّنِّ مَجِيءُ الثَّمَرَةِ قبل مَطَرٍ أو سَقْيٍ يُطَهِّرَانِهِ كما لو كان عليها ثَمَرَةٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا تُجْمَعُ ثَمَرَتُهُ من تَحْتِهِ كَالزَّيْتُونِ انْتَهَى
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا إذَا كانت رَطْبَةً بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ منها شَيْءٌ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُثْمِرَةٍ أَنَّ له أَنْ يَبُولَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ في تَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَبُولُ تَحْتَ مُثْمِرَةٍ وَلَا غَيْرِ مُثْمِرَةٍ
فَوَائِدُ يُكْرَهُ بَوْلُهُ في مَاءٍ رَاكِدٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَأَطْلَقَ الآدمي الْبَغْدَادِيُّ في مُنْتَخَبِهِ تَحْرِيمَهُ فيه وَجَزَمَ بِهِ في مُنَوَّرِهِ وقال في الْفُرُوعِ وفي النِّهَايَةِ يُكْرَهُ تَغَوُّطُهُ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ أَيْضًا فقال يُكْرَهُ الْبَوْلُ في الْمَاءِ الدَّائِمِ وَكَذَا التَّغَوُّطُ فيه
وَيُكْرَهُ بَوْلُهُ في مَاءٍ قَلِيلٍ جَارٍ وَلَا يُكْرَهُ في الْكَثِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ الْكَرَاهَةَ انْتَهَى
____________________
(1/98)
وَيَحْرُمُ التَّغَوُّطُ في الْمَاءِ الْجَارِي على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْفُصُولِ وَالنِّهَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَبُولُ في مَاءٍ وَاقِفٍ وَلَا يَتَغَوَّطُ في مَاءٍ جَارٍ
قُلْت إنْ نَجُسَا بِهِمَا انْتَهَى
وَيُكْرَهُ في إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَيُكْرَهُ في مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُبَلَّطٍ وَلَا يُكْرَهُ في الْمُبَلَّطِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ
وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ في الْمَقْبَرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ منهم بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وبن الْجَوْزِيِّ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ كَرَاهَةَ الْبَوْلِ في نَارٍ قال بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يُقَالُ يُوَرِّثُ السَّقَمَ زَادَ في الْفُصُولِ وَيُؤْذِي بِرَائِحَتِهِ زَادَ في الرِّعَايَةِ وَرَمَادٍ قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالسَّامِرِيُّ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَقَزْعٍ وهو الْمَوْضِعُ الْمُتَجَرِّدُ عن النَّبْتِ مع بَقَايَا منه
وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا بِلَا حَاجَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه إنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا وَنَاظِرًا وَعَنْهُ يُكْرَهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ وهو الْأَقْوَى عِنْدِي
وَيَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ على ما نُهِيَ عن الِاسْتِجْمَارِ بِهِ كَرَوْثٍ وَعَظْمٍ وَنَحْوِهِمَا وَعَلَى ما يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ كَذَنَبِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَتَغَوَّطُ على ماله حُرْمَةٌ كَمَطْعُومٍ وَعَلَفِ بَهِيمَةٍ وَغَيْرِهِمَا وقال في النِّهَايَةِ يُكْرَهُ تَغَوُّطُهُ على الطَّعَامِ كَعَلَفِ دَابَّةٍ قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ
____________________
(1/99)
وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ على الْقُبُورِ قَالَهُ في النِّهَايَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي
قُلْت لو قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ لَكَانَ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ ذلك جَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ لم يُصَرِّحْ بِالْكَرَاهَةِ
وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَعِنْدَ أبي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا على ما يَأْتِي قَرِيبًا قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ وقال أَيْضًا وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِمَا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ في ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بن الْحَارِثِ وهو ظَاهِرُ ما في خِلَافِ الْقَاضِي وَحَمْلُ النَّهْيِ حين كان قِبْلَةً وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في النَّسْخِ بَقَاءَ حُرْمَتِهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فيه يُكْرَهُ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرِّيحَ دُونَ حَائِلٍ يَمْنَعُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ في الْفَضَاءِ وفي اسْتِدْبَارِهَا فيه وَاسْتِقْبَالِهَا في الْبُنْيَانِ رِوَايَتَانِ
اعْلَمْ أَنَّ في هذه الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ جَوَازُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ في الْبُنْيَانِ دُونَ الْفَضَاءِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ
____________________
(1/100)
وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال هذا تَفْصِيلُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ
وَالثَّانِيَةُ يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ في الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الهدي وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَالثَّالِثَةُ يَجُوزَانِ فِيهِمَا
وَالرَّابِعَةُ يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ في الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا
وَالْخَامِسَةُ يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ في الْبُنْيَانِ فَقَطْ وَحَكَاهَا بن الْبَنَّا في كَامِلِهِ وَجْهًا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وقال في الْمُبْهِجِ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كان الرِّيحُ في غَيْرِ جِهَتِهَا وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ في رؤوس الْمَسَائِلِ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ في الصحارى وَلَا يُمْنَعُ في الْبُنْيَانِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا في الْفَضَاءِ وَإِنْ كان بين الْبُنْيَانِ جَازَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ في الْمَوْضِعَيْنِ وقال في الْمَذْهَبِ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كان في الْفَضَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وفي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ كان في الْبُنْيَانِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وفي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ وَيَجُوزُ ذلك في الْبُنْيَانِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَكْفِي انْحِرَافُهُ عن الْجِهَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ أبو دَاوُد وَمَعْنَاهُ في الْخِلَافِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَحَفِيدِهِ لَا يَكْفِي وَيَكْفِي الِاسْتِتَارُ بِدَابَّةٍ وَجِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/101)
وَقِيلَ لَا يَكْفِي قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ قربة منها كما لو كان في بَيْتٍ قال وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ وَمَالَ إلَيْهِ
الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا في فَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ وَاسْتِجْمَارٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ
قَوْلُهُ فإذا فَرَغَ مَسَحَ بيده الْيُسْرَى من أَصْلِ ذَكَرِهِ إلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا
نَصَّ على ذلك كُلِّهِ وَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ ذلك كُلُّهُ ثَلَاثًا وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُكْرَهُ السَّلْتُ وَالنَّتْرُ قال بن أبي الْفَتْحِ في مَطْلَعِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثًا عَائِدٌ إلَى مَسْحِهِ وَنَتْرِهِ أَيْ يَمْسَحُهُ ثَلَاثًا وَيَنْتُرُهُ ثَلَاثًا صَرَّحَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ انْتَهَى وهو في بَعْضِ نُسَخِهَا وَلَيْسَ ذلك في بَعْضِهَا
وَقَوْلُهُ من أَصْلِ ذَكَرِهِ هو الدَّرْزَايُ من حَلْقَةِ الدُّبُرِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَتَنَحْنَحُ وَلَا يَمْشِي بَعْدَ فَرَاغِهِ وَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وهو صَحِيحٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كُلُّ ذلك بِدْعَةٌ وَلَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَوْلًا يُكْرَهُ نَحْنَحَةٌ ومشى وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَسْوَسَةٌ
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ يَتَنَحْنَحُ زَادَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَيَمْشِي خُطُوَاتٍ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذلك وقال الْمُصَنِّفُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ بَوْلِهِ قَلِيلًا
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ بَصْقُهُ على بَوْلِهِ لِلْوَسْوَاسِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ
____________________
(1/102)
قَوْلُهُ وَلَا يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَجْمِرْ بها
وَكَذَا قال جَمَاعَةٌ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَهُمَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ
إنْ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ أَجْزَأَهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت قِيَاسُ قَوْلِهِمْ في الْوُضُوءِ في الْفِضَّةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ هُنَا انْتَهَى وَقِيلَ يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ دُونَ الِاسْتِجْمَارِ وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ بِصِحَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الِاسْتِجْمَارِ
فَائِدَةٌ قِيلَ كَرَاهَةُ مَسِّ الْفَرْجِ مُطْلَقًا أَيْ في جَمِيعِ الْحَالَاتِ وهو ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ قال في رِوَايَتِهِ أَكْرَهُ أَنْ يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ مَخْصُوصَةٌ بِحَالَةِ التَّخَلِّي وَحَمَلَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عليه وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ رِوَايَةَ صَالِحٍ كَذَلِكَ وَيَأْتِي في أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ هل يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ في مَسِّ الْفَرْجِ وَالِاسْتِجْمَارِ بها إذَا لم تَكُنْ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كان ثَمَّ ضَرُورَةٌ جَازَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ
فَائِدَةٌ إذَا اسْتَجْمَرَ من الْغَائِطِ أَخَذَ الْحَجَرَ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ وَإِنْ اسْتَجْمَرَ من الْبَوْلِ فَإِنْ كان الْحَجَرُ كَبِيرًا أَخَذَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ وقال الْمَجْدُ يَتَوَخَّى
____________________
(1/103)
الِاسْتِجْمَارَ بِجِدَارٍ أو مَوْضِعٍ نَاتِئٍ من الْأَرْضِ أو حَجَرٍ ضَخْمٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى إمْسَاكِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ جَعَلَ الْحَجَرَ بين عَقِبَيْهِ أو بين أَصَابِعِهِ وَتَنَاوَلَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَهُ بها فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَمَسَحَ بِشِمَالِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُمْسِك ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ الْمَسْحُ بِشِمَالِهِ قال بن عُبَيْدَانَ فَإِنْ كان أَقْطَعَ الْيُسْرَى أو بها مَرَضٌ فَفِي صِفَةِ اسْتِجْمَارِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ وَالثَّانِي وهو الصَّحِيحُ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يُمْسِكُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ وَيَمْسَحُهُ بِهِ انْتَهَى
قُلْت وفي هذا نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ هو وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَلَطٌ في النَّقْلِ أو سِبْقَةُ قَلَمٍ فإن أَقْطَعَ الْيُسْرَى لَا يُمْكِنُهُ الْمَسْحُ بِشِمَالِهِ وَلَا مَسْكٌ بها وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ على أَقْطَعَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فإن الْحُكْمَ في قَطْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وقد تَقَدَّمَ الْحُكْمُ في ذلك وَالْحُكْمُ الذي ذَكَرَهُ هُنَا هو نَفْسُ الْحُكْمِ الذي ذَكَرَهُ في الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهُ فَهُنَا سَقْطٌ وَالنُّسْخَةُ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْحُكْمُ في أَقْطَعِ الْيُسْرَى وَمَرِيضِهَا جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْيَمِينِ من غَيْرِ نِزَاعٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عن مَوْضِعِهِ
مُرَادُهُ إذَا خَافَ التَّلَوُّثَ وَأَمَّا إذَا لم يَخَفْ التَّلَوُّثَ فإنه لَا يَتَحَوَّلُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ جَمْعَهُمَا مُطْلَقًا أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ
____________________
(1/104)
كَلَامِ بن أبي مُوسَى أَنَّ الْجَمْعَ في مَحَلِّ الْغَائِطِ فَقَطْ أَفْضَلُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجَرِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَاءِ فقال أَحْمَدُ يُكْرَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ في أَحَدِهِمَا وَيَسْتَجْمِرَ في الْآخَرِ نَصَّ عليه
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ من الْأَحْجَارِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ الْحَجَرِ أَفْضَلُ منه اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْخَلَّالُ وأبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَعَنْهُ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ على الْمَاءِ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهَا بن حَامِدٍ أَيْضًا
قَوْلُهُ وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنْ لم يَعْدُوَ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْمَاءُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ إذَا تَعَدَّى الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ وَجَبَ الْمَاءُ على الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَجْمِرْ في غَيْرِ الْمَخْرَجِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ قال بن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ لَا يَسْتَجْمِرْ في غَيْرِ الْمَخْرَجِ قال في الْفُصُولِ وَحَدُّ الْمَخْرَجِ نَفْسُ الثَّقْبِ انْتَهَى وَاغْتَفَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالسَّامِرِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ما تَجَاوَزَهُ تَجَاوُزًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ
وَقِيلَ يَسْتَجْمِرُ في الصَّفْحَتَيْنِ وَالْحَشَفَةِ حَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ
____________________
(1/105)
تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ في الصَّفْحَتَيْنِ وَالْحَشَفَةِ وَغَيْرِ ذلك لِلْعُمُومِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَحَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ ما يَتَجَاوَزُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ بِأَنْ يَنْتَشِرَ الْغَائِطُ إلَى نِصْفِ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ فَأَكْثَرَ وَالْبَوْلُ إلَى نِصْفِ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ فَإِذَنْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وقال بن عَقِيلٍ إنْ خَرَجَتْ أَجْزَاءُ الْحُقْنَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَلَا يُجْزِئُ فيها الِاسْتِجْمَارُ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قُلْت فَيُعَايَى بها
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الثَّيِّبَ وَالْبِكْرَ أَمَّا الْبِكْرُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ لِأَنَّ عُذْرَتَهَا تَمْنَعُ انْتِشَارَ الْبَوْلِ في الْفَرْجِ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَإِنْ خَرَجَ بَوْلُهَا بِحِدَّةٍ ولم يَنْتَشِرْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ تَعَدَّى إلَى مَخْرَجِ الْحَيْضِ فقال الْأَصْحَابُ يَجِبُ غَسْلُهُ كَالْمُنْتَشِرِ عن الْمَخْرَجِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَ فيه الْحَجَرُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وهو الصَّحِيحُ فإنه مُعْتَادٌ كَثِيرًا وَالْعُمُومَاتُ تُعَضِّدُ ذلك وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وقال هو وَغَيْرُهُ هذا إنْ قُلْنَا يَجِبُ تَطْهِيرُ بَاطِنِ فَرْجِهَا على ما اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَتَكُونُ كَالْبِكْرِ قَوْلًا وَاحِدًا وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ لَا يَجِبُ الْمَاءُ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَيَحْتَمِلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا
وَقِيلَ يَجِبُ الْمَاءُ لِلْمُتَعَدِّي وَلِغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَالَا غَسْلًا وَقَطَعَ بِهِ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى بن الزَّاغُونِيِّ في وَجِيزِهِ الْخِلَافَ
____________________
(1/106)
رِوَايَتَيْنِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ لِلْمُتَعَدِّي وَلِغَيْرِهِ مع الِاتِّصَالِ دُونَ غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ لو تَنَجَّسَ الْمَخْرَجَانِ أو أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ الْخَارِجِ وَلَوْ بِاسْتِجْمَارٍ بِنَجِسٍ وَجَبَ الْمَاءُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وفي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو وَهْمٌ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن عَقِيلٍ في الْحُقْنَةِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وفي إجْزَاءِ الِاسْتِجْمَارِ عن الْغَسْلِ الْوَاجِبِ فِيهِمَا وَجْهَانِ
فَوَائِدُ
منها يَبْدَأُ الرَّجُلُ وَالْبِكْرُ بِالْقُبُلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَتَخَيَّرَانِ وَقِيلَ الْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها مُخَيَّرَةٌ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالدُّبُرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوْلَى بُدَاءَةُ الرَّجُلِ في الِاسْتِنْجَاءِ بِالْقُبُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا التَّخْيِيرُ وَالثَّانِي الْبُدَاءَةُ بِالدُّبُرِ وَأَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَصَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ بين الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وقال بن تَمِيمٍ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِقُبُلِهِ وَالْمَرْأَةُ بِأَيِّهِمَا شَاءَتْ وَفِيهِ وَجْهٌ تَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِالدُّبُرِ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَيَبْدَأُ الرَّجُلُ بِقُبُلِهِ وَالْمَرْأَةُ بِدُبُرِهَا وَقِيلَ يَتَخَيَّرَانِ بَيْنَهُمَا زَادَ في الْكُبْرَى وَقِيلَ الْبِكْرُ تَتَخَيَّرُ وَالثَّيِّبُ تَبْدَأُ بِالدُّبُرِ
وَمِنْهَا لو انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ لم يَجُزْ فيه الِاسْتِجْمَارُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وبن رَزِينٍ وَنَصَرَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فيه اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي
____________________
(1/107)
الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ مع بَقَاءِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ قال بن تَمِيمٍ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إجْزَاءُ الْوَجْهَيْنِ مع بَقَاءِ الْمَخْرَجِ أَيْضًا
تَنْبِيهٌ هذا الْحُكْمُ سَوَاءٌ كان الْمَخْرَجُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أو أَسْفَلَ منها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ وقال بن عَقِيلٍ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَا إذَا انْفَتَحَ الْمَخْرَجُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في الْمُذْهَبِ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَانْفَتَحَ أَسْفَلُ الْمَعِدَةِ فَخَرَجَ منه الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ لم يَجُزْ فيه الِاسْتِجْمَارُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا إذَا خَرَجَ من أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى نَجَاسَةٌ لم يُجْزِهِ الِاسْتِجْمَارُ قَالَهُ في النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ بن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ سَوَاءٌ كان مُشْكِلًا أو غَيْرَهُ إذَا خَرَجَ من ذَكَرِهِ وَفَرْجِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَعْنِي بِالْإِجْزَاءِ
وَمِنْهَا لَا يَجِبُ غَسْلُ ما أَمْكَنَ من دَاخِلِ فَرَجِ ثَيِّبٍ في نَجَاسَةٍ وَجَنَابَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ يَجِبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في آخِرِ الْغُسْلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تُدْخِلْ يَدَهَا وَإِصْبَعَهَا بَلْ تَغْسِلُ ما ظَهَرَ نَقَلَ أبو جَعْفَرٍ إذَا اغْتَسَلَتْ فَلَا تُدْخِلْ يَدَهَا في فَرْجِهَا قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ أَرَادَ أَحْمَدُ ما غَمُضَ في الْفَرْجِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِهِ قال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ هو في حُكْمِ الْبَاطِنِ وقال أبو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا هو في حُكْمِ الظَّاهِرِ وَذَكَرَهُ في الْمَطْلَعِ عن أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي قال في الْفُرُوعِ وَعَلَى ذلك يَخْرُجُ إذَا خَرَجَ ما احْتَشَّتْهُ بِبَلَلٍ هل يَنْقُضُ أَمْ لَا قال في الرِّعَايَةِ
____________________
(1/108)
لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الظَّاهِرِ وقال أبو الْمَعَالِي إنْ ابْتَلَّ ولم يَخْرُجْ من مَكَانِهِ فَإِنْ كان بين الشُّفْرَيْنِ نَقَضَ وَإِنْ كان دَاخِلًا لم يَنْقُضْ قال في الْفُرُوعِ وَيَخْرُجُ على ذلك أَيْضًا فَسَادُ الصَّوْمِ بِدُخُولِ إصْبَعِهَا أو حَيْضٍ إلَيْهِ وَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ في حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ في وُجُوبِ غَسْلِهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُكْمَ طَرَفِ الْغُلْفَةِ كَرَأْسِ الذَّكَرِ وَقِيلَ حَشَفَةُ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ أَظْهَرُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وَمِنْهَا الدُّبُرُ في حُكْمِ الْبَاطِنِ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِنَحْوِ الْحُقْنَةِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَتِهِ
وَمِنْهَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال بن عُبَيْدَانَ هذا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ طَاهِرٌ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم بن حَامِدٍ وبن رَزِينٍ وَيَأْتِي ذلك في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِ شَيْءٍ من النَّجَاسَاتِ إلَّا الدَّمُ وما تَوَلَّدَ منه من الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ
وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ اسْتَنْجَى أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ كَمَنْ اسْتَجْمَرَ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ ينقى كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَالْخِرَقِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يَخْتَصُّ الِاسْتِجْمَارُ بِالْأَحْجَارِ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَرِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في قَوَاعِدِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اشْتِرَاطَ إبَاحَةِ الْمُسْتَجْمَرِ بِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(1/109)
تَنْبِيهٌ حَدُّ الْإِنْقَاءِ بِالْأَحْجَارِ بَقَاءُ أَثَرٍ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ هو أزالة عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَبِلَّتِهَا بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْحَجَرُ نَقِيًّا ليس عليه أَثَرٌ إلَّا شيئا يَسِيرًا فَلَوْ بَقِيَ ما يَزُولُ بِالْخِرَقِ لَا بِالْحَجَرِ أُزِيلَ على ظَاهِرِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي وَالْإِنْقَاءُ بِالْمَاءِ خُشُونَةُ الْمَحَلِّ كما كان قال الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ هو ذَهَابُ لُزُوجَةِ النَّجَاسَةِ وَآثَارِهَا وهو مَعْنَى الْأَوَّلِ
فَائِدَةٌ لو أتى بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ اكْتَفَى في زَوَالِهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ذَكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وقال في النِّهَايَةِ لَا بُدَّ من الْعِلْمِ في ذلك
قَوْلُهُ إلَّا الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ بِهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَبِمَا نهى عنه قال لِأَنَّهُ لم يَنْهَ عنه لِكَوْنِهِ لَا يُنَقِّي بَلْ لِإِفْسَادِهِ فإذا قِيلَ يَزُولُ بِطَعَامِنَا مع التَّحْرِيمِ فَهَذَا أَوْلَى
قَوْلُهُ وَالطَّعَامُ
دخل في عُمُومِهِ طَعَامُ الْآدَمِيِّ وَطَعَامُ الْبَهِيمَةِ أَمَّا طَعَامُ الْآدَمِيِّ فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ منه الْأَصْحَابُ وَأَمَّا طَعَامُ الْبَهِيمَةِ فَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَطَعَامِ الْآدَمِيِّ منهم أبو الْفَرَجِ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في قَوَاعِدِهِ الْإِجْزَاءَ بِالْمَطْعُومِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وما له حُرْمَةٌ
كما فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قال جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من الْأَصْحَابِ وَكُتُبُ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ
____________________
(1/110)
قلت وَهَذَا لَا شَكَّ فيه وَلَا نَعْلَمُ ما يُخَالِفُهُ
قال في الرِّعَايَةِ وَكُتُبٌ مُبَاحَةٌ وقال في النِّهَايَةِ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ وقال في النِّهَايَةِ أَيْضًا وَحِجَارَةُ الْحَرَمِ قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ انْتَهَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حَرَمَ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ خِلَافُهُ
قَوْلُهُ وما يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وَجَوَّزَ الْأَزَجِيُّ الِاسْتِجْمَارَ بِذَلِكَ
فَوَائِدُ
إحداها لو اسْتَجْمَرَ بِمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ في الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في غَيْرِ الْمُبَاحِ وَالرَّوْثِ وَالْعِظَامِ وَالطَّعَامِ فَعَلَى هذا الْمَذْهَبِ إنْ اسْتَنْجَى بَعْدَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ بِمُبَاحٍ فقال في الْفُرُوعِ فَقِيلَ لَا يُجْزِئُ وَقِيلَ يُجْزِئُ إنْ أَزَالَ شيئا وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاءَ وَعَدَمَهُ بن تَمِيمٍ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الثَّالِثَ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُ طَرِيقَةً
وقال الزَّرْكَشِيُّ إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ تَعَيَّنَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ الطَّاهِرِ فَقَطَعَ الْمَجْدُ وَالْمُصَنِّفُ في الْكَافِي بِتْعَيْنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وفي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ وهو وَهْمٌ
وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ المنقى جَازَ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ بِمُنَقٍّ وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِمُحَرَّمٍ أو مُحْتَرَمٍ فَهَلْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ أو يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ على وَجْهَيْنِ وَتَقَدَّمَ إذَا تَنَجَّسَ الْمَخْرَجَانِ أو أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ الْخَارِجِ
____________________
(1/111)
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِجِلْدِ السَّمَكِ وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمُذَكَّى مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ بن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ بِالْمَدْبُوغِ منها وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا
وَيَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِحَشِيشٍ رَطْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ يَجُوزُ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ في الْحَشِيشِ الْوَجْهَيْنِ
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ من ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ بِلَا نِزَاعٍ وَكَيْفَمَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ في الِاسْتِجْمَارِ أَجْزَأَ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ الْحَجَرَ الْأَوَّلَ من مُقَدِّمِ صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى مُؤَخِّرِهَا ثُمَّ يُدِيرَهُ على الْيُسْرَى حتى يَرْجِعَ بِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منه ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِيَ من مُقَدِّمِ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ على الْمَسْرَبَةِ وَالصَّفْحَتَيْنِ فَيَسْتَوْعِبُ الْمَحَلَّ في كل مَرَّةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ
الرَّابِعَةُ لو أَفْرَدَ كُلَّ جِهَةٍ بِحَجَرٍ لم يُجْزِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يُجْزِئُ قال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِكُلِّ جِهَةٍ مَسْحَةٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً عن أَحْمَدَ وقال في الرِّعَايَةِ وَيُسَنُّ أَنْ يَعُمَّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ بِحَجَرٍ مَرَّةً وَعَنْهُ بَلْ كُلَّ جَانِبٍ منه بِحَجَرٍ مَرَّةً وَالْوَسَطَ بِحَجَرٍ مَرَّةً وَقِيلَ يَكْفِي كل ( ( ( لكل ) ) ) جِهَةٍ مَسْحُهَا ثَلَاثًا بِحَجَرٍ وَالْوَسَطِ مَسْحَةٌ ثَلَاثًا بِحَجَرٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ إمَّا بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ في الِاسْتِجْمَارِ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ إذَا كان له ثَلَاثُ شُعَبٍ فَصَاعِدًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالشِّيرَازِيُّ
____________________
(1/112)
قَوْلُهُ وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ من كل خَارِجٍ إلَّا الرِّيحَ
شَمِلَ كَلَامُهُ الْمُلَوَّثَ وَغَيْرَهُ وَالطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ أَمَّا النَّجِسُ الْمُلَوَّثُ فَلَا نِزَاعَ في وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ منه وَأَمَّا النَّجِسُ غَيْرُ الْمُلَوَّثِ وَالطَّاهِرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ منه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا بَلْ هو ظَاهِرُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ
قُلْت وهو ضَعِيفٌ
وَقِيلَ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِلْخَارِجِ الطَّاهِرِ وهو ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ فَإِنَّهُمْ قالوا وهو وَاجِبٌ لِكُلِّ نَجَاسَةٍ من السَّبِيلِ وَكَذَا قَيَّدَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَيُجْزِئُ أَحَدُهُمَا لِسَبِيلٍ نَجِسٍ بِخَارِجِهِ قال في التَّسْهِيلِ وَمُوجِبُهُ خَارِجٌ من سَبِيلٍ سِوَى طَاهِرٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ لِلْخَارِجِ الطَّاهِرِ وَلَا لِلنَّجِسِ غَيْرِ الْمُلَوَّثِ قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ من نَاشِفٍ لَا يُنَجِّسُ الْمَحَلَّ وَكَذَلِكَ إذَا كان الْخَارِجُ طَاهِرًا كَالْمَنِيِّ إذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا نَجَاسَةَ هُنَا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَصَحُّ قِيَاسًا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَكَيْفَ يستنجى أو يَسْتَجْمِرُ من طَاهِرٍ أَمْ كَيْفَ يَحْصُلُ الْإِنْقَاءُ بِالْأَحْجَارِ في الْخَارِجِ غَيْرِ الْمُلَوَّثِ وَهَلْ هذا إلَّا شَبِيهٌ بِالْعَبَثِ وَهَذَا من أَشْكَلِ ما يَكُونُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَايَى بها وَأَطْلَقَ الْوُجُوبَ وَعَدَمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ إلَّا الرِّيحَ يَعْنِي لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ له وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ له قَالَهُ في الْفَائِقِ وَأَوْجَبَهُ حَنَابِلَةُ الشَّامِ
____________________
(1/113)
ذَكَرَهُ بن الصَّرْفِيِّ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ الِاسْتِنْجَاءُ من نَوْمٍ وَرِيحٍ وَإِنَّ أَصْحَابَنَا بِالشَّامِ قالت الْفَرْجُ تَرْمُصُ كما تَرْمُصُ الْعَيْنُ وَأَوْجَبَتْ غَسْلَهُ ذَكَرَهُ أبو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ ذَكَرَهُ عنه بن الصَّرْفِيِّ
قُلْت لم نَطَّلِعْ على كَلَامِ أَحَدٍ من الْأَصْحَابِ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ سَكَنَ الشَّامَ وَبِلَادَهَا قال ذلك
وَقَوْلُهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ الِاسْتِنْجَاءُ صَوَابُهُ وَقَيَّدَ بِالِاسْتِنْجَاءِ
تَنْبِيهٌ عَدَمُ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ منها لِمَنْعِ الشَّارِعِ منه قَالَهُ في الِانْتِصَارِ وقال في الْمُبْهِجِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَأَمَّا حُكْمُهَا فَالصَّحِيحُ أنها طَاهِرَةٌ وقال في النِّهَايَةِ هِيَ نَجِسَةٌ فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ على الْمَذْهَبِ أو إنْ تَغَيَّرَ بها وقال في الِانْتِصَارِ هِيَ طَاهِرَةٌ لَا تُنْقَضُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِمَا يَتْبَعُهَا من النَّجَاسَةِ فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا وَيُعْفَى عن خَلْعِ السَّرَاوِيلِ لِلْمَشَقَّةِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وفي الْمُذْهَبِ وَجْهٌ بَعِيدٌ لَا عَمَلَ عليه بِتَنْجِيسِهَا
قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَهُ فَهَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا لَا يَصِحُّ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ هذا اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هذا أَشْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالْجُمْهُورِ قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الصَّرْصَرِيُّ في نَظْمِ زَوَائِدِ الْكَافِي وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالتَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/114)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهَا في الْمُحَرَّرِ
فَائِدَةٌ لو كانت النَّجَاسَةُ على غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أو على السَّبِيلَيْنِ غير خَارِجَةٍ مِنْهُمَا صَحَّ الْوُضُوءُ قبل زَوَالِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ كَلَامِهِ قال بن رَزِينٍ ليس بِشَيْءٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَهُ خَرَجَ على الرِّوَايَتَيْنِ
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ يَعْنِي تَخْرِيجَ التَّيَمُّمِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ على رِوَايَتَيْ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ على الِاسْتِنْجَاءِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ قال في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَلَا فَرْقَ بين التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ في الْكَافِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا
أَمَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ فَفِي التَّيَمُّمِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فَهُنَا أَوْلَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا بُطْلَانُهُ وَقِيلَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ لَا التَّيَمُّمُ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ قَبْلَهُ وَجْهًا وَاحِدًا انْتَهَى وقال في الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ في الْوُضُوءِ وفي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ وقال في الْكَافِي وَشَرْحِ
____________________
(1/115)
الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ هل يَصِحُّ التَّيَمُّمُ على وَجْهَيْنِ انْتَهَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ في التَّيَمُّمِ لو كانت النَّجَاسَةُ في غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ صَحَّ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ على غَسْلِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْأَشْبَهُ الْجَوَازُ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ عن بن عَقِيلٍ أَنَّهُ قال إنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ على غَيْرِ الْفَرْجِ حُكْمُهَا على الْفَرْجِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْمُذْهَبِ لم يَصِحَّ التَّيَمُّمُ على قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَاقْتَصَرَ عليه وَاَلَّذِي رَأَيْته في الْفُصُولِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ في هذه الْمَسْأَلَةِ مع حِكَايَتِهِ لِلْخِلَافِ وَأَطْلَقَهُ في مَسْأَلَةِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن تَمِيمٍ وَالْكَافِي وَالْحَوَاشِي وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَائِدَةٌ إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ قبل الِاسْتِنْجَاءِ فإنه يَسْتَفِيدُ في الْحَالِ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَلُبْسَ الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَمَّا يَسْتَنْجِي بِهِ وَغَيْرَ ذلك وَتَسْتَمِرُّ الصِّحَّةُ إلَى ما بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ ما لم يَمَسَّ فَرْجَهُ بِأَنْ يَسْتَجْمِرَ بِحَجَرٍ أو خِرْقَةٍ أو يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ وَعَلَى يَدِهِ خِرْقَةٌ فَإِنْ مَسَّ فَرْجَهُ خَرَجَ على الرِّوَايَتَيْنِ في نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
____________________
(1/116)
بَابُ السِّوَاكِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ
قَوْلُهُ السِّوَاكُ مَسْنُونٌ في جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ
صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ في جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَمَّا غَيْرُ الصَّائِمِ فَلَا نِزَاعَ في اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ له في جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ في الْجُمْلَةِ
وَأَمَّا الصَّائِمُ قبل الزَّوَالِ فَإِنْ كان بِسِوَاكٍ غَيْرِ رَطْبٍ اُسْتُحِبَّ له قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ يَتَوَجَّهُ هذا في غَيْرِ الْمُوَاصِلِ أَمَّا الْمُوَاصِلُ فَتَتَوَجَّهُ كَرَاهَتُهُ له مُطْلَقًا انْتَهَى الذي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عليه
قُلْت فيه نَظَرٌ إذا الْوِصَالُ إمَّا مَكْرُوهٌ أو مُحَرَّمٌ فَلَا يُرْفَعُ الِاسْتِحْبَابُ
وَإِنْ كان رَطْبًا فَيُبَاحُ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أو الرِّوَايَاتِ وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وبن أبي الْمَجْدِ وَغَيْرُهُمْ قال في النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ هو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَطَعَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَهُ في كِتَابِ الصِّيَامِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في الصِّيَامِ وبن تَمِيمٍ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ نَقَلَهَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ قَالَهُ بن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ وقال في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ لَا يُعْجِبُنِي السِّوَاكُ الرَّطْبُ وَقِيلَ يُبَاحُ في صَوْمِ النَّفْلِ
قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَلْ هو كَالصَّرِيحِ اسْتِحْبَابُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِهِ
قَوْلُهُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُسْتَحَبُّ
وَكَذَا قال في الْمُذْهَبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ وهو إحْدَى
____________________
(1/117)
الرِّوَايَاتِ عن أَحْمَدَ وهو الْمَذْهَبُ قال في التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يُكْرَهُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُكْرَهُ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَيَحْتَمِلُ إبَاحَةً وَهِيَ رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
وَقَوْلُهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا قَائِلَ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ الْخِلَافُ في إبَاحَتِهِ مَشْهُورٌ لَكِنَّ عُذْرَهُ أَنَّهُ لم يَطَّلِعْ عليه
وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَعَدَمَهَا في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ يُبَاحُ في النَّفْلِ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهَا في الْفَائِقِ وَإِلَيْهَا مَيْلُهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهَا في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظَمَهَا وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِغَيْرِ عُودٍ رَطْبٍ قال في الْحَاوِي وإذا أَبَحْنَا لِلصَّائِمِ السِّوَاكَ فَهَلْ يُكْرَهُ بِعُودِ رَطْبٍ على رِوَايَتَيْنِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ بِالْعَشِيِّ
فَائِدَةٌ من سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ اسْتَاكَ على لِثَتِهِ وَلِسَانِهِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْإِفَادَاتِ وقال في أَوَّلِهِ يُسَنُّ كُلَّ وَقْتٍ على أَسْنَانِهِ وَلِثَتِهِ وَلِسَانِهِ
قَوْلُهُ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ في ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَالِانْتِبَاهِ من النَّوْمِ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ
وَكَذَا قال في الْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْعُمْدَةِ وزاد في الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَعِنْدَ الْوُضُوءِ وزاد على ذلك في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ وزاد في التَّسْهِيلِ على ذلك
____________________
(1/118)
وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وزاد في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى على ذلك وَعِنْدَ الْغُسْلِ وَقِيلَ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وقال بن تَمِيمٍ وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْمَنْزِلِ وَالْقِيَامِ من النَّوْمِ وَأَكْلِ ما يُغَيِّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ قال الزَّرْكَشِيُّ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَالْقِيَامِ من نَوْمِ اللَّيْلِ وَدُخُولِ الْمَنْزِلِ وَالْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِطَالَةِ السُّكُوتِ وَخُلُوِّ الْمَعِدَةِ من الطَّعَامِ وَاصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ وقال في الْخُلَاصَةِ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ قِيَامِهِ من نَوْمِهِ وَعِنْدَ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمِهِ وهو مَعْنَى ما في الْهِدَايَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَسْتَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ التَّسَاوِي بين جميع ( ( ( جمع ) ) ) ما يُسْتَاكُ بِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْأَرَاكَ أَوْلَى انْتَهَى
قُلْت وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ أَرَاك الْبَرِّ
وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عن الْأَرَاكِ وَالزَّيْتُونِ وَالْعُرْجُونِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من أَرَاكٍ وَزَيْتُونٍ أو عُرْجُونٍ وَقِيلَ أو قَتَادٍ وَاقْتَصَرَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ على هذه الثَّلَاثَةِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَضُرُّهُ
كَالرَّيْحَانِ وَالرُّمَّانِ وَالْعُودِ الزَّكِيِّ الرَّائِحَةِ وَالطَّرْفَاءِ وَالْآسِ وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ التَّسَوُّكِ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَالتَّخَلُّلِ بِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ بِالْقَصَبِ دُونَ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَاكَ بِإِصْبَعِهِ أو بِخِرْقَةٍ فَهَلْ يُصِيبُ السُّنَّةَ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ في الْإِصْبَعِ
أَحَدُهُمَا لَا يُصِيبُ السُّنَّةَ بِذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ أبو بَكْرٍ في الشَّافِي
____________________
(1/119)
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قال في الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ لم يُصِبْ السُّنَّةَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُصِيبُ السُّنَّةَ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَته وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ السِّوَاكُ سُنَّةٌ بِأَرَاكٍ لَا خِرْقَةٍ وَإِصْبَعٍ في وَجْهٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
وَقِيلَ يُصِيبُ بِقَدْرِ إزَالَتِهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وَقِيلَ يُصِيبُ السُّنَّةَ عِنْدَ عَدَمِ السِّوَاكِ وما هو بِبَعِيدٍ
وَقِيلَ لَا يُصِيبُ بِالْإِصْبَعِ مع وُجُودِ الْخِرْقَةِ وَلَا يُصِيبُ بِالْخِرْقَةِ مع وُجُودِ السِّوَاكِ
وَقِيلَ يُصِيبُ السُّنَّةَ بِالْإِصْبَعِ في مَوْضِعِ الْمَضْمَضَةِ في الْوُضُوءِ خَاصَّةً اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْخِرْقَةِ وَعِنْدَ الْوُضُوءِ بِالْإِصْبَعِ فَزَادَنَا وَجْهًا وهو إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْخِرْقَةِ مُطْلَقًا دُونَ الْإِصْبَعِ في غَيْرِ وُضُوءٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً وَظَاهِرُ الْوَجِيزِ إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْإِصْبَعِ فَقَطْ فإنه قال بِإِصْبَعٍ أو عُودٍ لَيِّنٍ وقال بن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وَلَا يجزئ ( ( ( يجزي ) ) ) بِالْإِصْبَعِ وَقِيلَ الْخِرْقَةُ وَالْمِسْوَاكُ سواء في الْفَضْلِ ثُمَّ الْإِصْبَعُ
قَوْلُهُ وَيَسْتَاكُ عَرْضًا
يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَسْنَانِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ طُولًا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْمُبْهِجِ قال بن عُبَيْدَانَ فَيُحْمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَمِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّ الْأَكْثَرَ على الْمُغَايَرَةِ وقال في الْفَائِقِ طُولًا وقال الشَّيْخُ وَالشِّيرَازِيُّ عَرْضًا وَمُرَادُهُ بِالشَّيْخِ الْمُصَنِّفُ وفي هذا النَّقْلِ نَظَرٌ بَيِّنٌ
____________________
(1/120)
قَوْلُهُ وَيَدَّهِنُ غِبًّا
يَعْنِي يَوْمًا وَيَوْمًا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَيَّدَهُ في الرِّعَايَةِ فقال ما لم يَجِفَّ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ بِالْبَلَدِ كَالْغَسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَيَفْعَلُهُ لِحَاجَةٍ للخبر ( ( ( للخبز ) ) ) وقال احْتَجُّوا على أَنَّ الِادِّهَانَ يَكُونُ غِبًّا بِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ نهى عن التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا وَنَهَى أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فَدَلَّ أنه ( ( ( أن ) ) ) يُكْرَهَ غَيْرُ غِبٍّ
تَنْبِيهٌ في صِفَةِ قَوْلُهُ يَكْتَحِلُ وِتْرًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ يَكُونُ في كل عَيْنٍ ثَلَاثَةٌ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وقال بن عُبَيْدَانَ وَصِفَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ في كل عَيْنٍ وِتْرًا كَوَاحِدٍ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ انْتَهَى
وَالثَّانِي في الْيُمْنَى ثَلَاثَةٌ وفي الْيُسْرَى اثْنَانِ وروى عن أَحْمَدَ وقال السَّامِرِيُّ روى يَقْسِمُ الْخَامِسَ في الْعَيْنَيْنِ
فَوَائِدُ جَمَّةٌ
يُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الشَّعْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إنْ شَقَّ إكْرَامُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَغْسِلَهُ وَيُسَرِّحَهُ وَيُفَرِّقَهُ وَيَكُونَ إلَى أُذُنَيْهِ وَيَنْتَهِيَ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَجَعَلَهُ ذُؤَابَةً
ويعفى لِحْيَتَهُ وقال بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ ما لم يَسْتَهْجِنْ طُولَهَا وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ ما زَادَ على الْقَبْضَةِ وَنَصُّهُ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ ذلك وَأَخْذِ ما تَحْتَ حَلْقِهِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى وَقِيلَ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَأَخَذَ أَحْمَدُ من حَاجِبِيهِ وَعَارِضِيهِ
وَيَحُفُّ شَارِبَهُ أو يَقُصُّ طَرَفَهُ وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا قال
____________________
(1/121)
في الْمُسْتَوْعِبِ وَيُسَنُّ حَفُّهُ وهو طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ على الشَّفَةِ وَاخْتَارَ بن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ إحْفَاءَهُ من أَصْلِهِ انْتَهَى
وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَعَلَيْهِ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّاحَةِ ثُمَّ إبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ السَّبَّاحَةِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ اخْتَارَهُ بن بَطَّةَ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ يَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّاحَةِ وقال الْآمِدِيُّ يَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ السَّبَّاحَةِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ كَذَلِكَ الْيُسْرَى
وَقِيلَ يَبْدَأُ بِسَبَّابَةِ يُمْنَاهُ بِلَا مُخَالَفَةٍ إلَى خِنْصَرِهَا ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى وَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى
وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا بَعْدَ قَصِّهَا تَكْمِيلًا لِلنَّظَافَةِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ إنَّ حَكَّ الْجَسَدِ بها قبل الْغَسْلِ يَضُرُّهُ
وَيَكُونُ ذلك يوم الْجُمُعَةِ قبل الزَّوَالِ
قُلْت قبل الصَّلَاةِ وهو مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يوم الْخَمِيسِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ إذَا قُلْنَا يَفْعَلُ يوم الْخَمِيسِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْعَصْرِ
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَحِيفَ عليها في الْقَصِّ نَصَّ عليه
وَيَنْتِفُ إبْطَهُ وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ وَالتَّنْوِيرُ في الْعَانَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَهُ أَحْمَدُ وقال في الْغُنْيَةِ يَجُوزُ حَلْقُهُ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إزَالَتُهُ كَالنَّوْرَةِ وَكَرِهَ الْآمِدِيُّ كَثْرَةَ التَّنْوِيرِ
____________________
(1/122)
وَيَدْفِنُ ذلك كُلَّهُ نَصَّ عليه وَيَفْعَلُهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ وَلَا يَتْرُكُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نَصَّ عليه فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ صَرَّحَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ كَمْ يترك ( ( ( مرة ) ) ) قال أَرْبَعِينَ فَأَمَّا الشَّارِبُ فَفِي كل جُمُعَةٍ وَقِيلَ عِشْرِينَ وَقِيلَ لِلْمُقِيمِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ لِلْمُسَافِرِ أَرْبَعِينَ وَلِلْمُقِيمِ عِشْرِينَ وَقِيلَ فِيهِمَا عَكْسُهُ قال وهو أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشِّيبِ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالتَّحْرِيمِ لِلنَّهْيِ عنه
وَيَخْتَضِبُ وَيُسْتَحَبُّ بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْفَخْرُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَلَا بَأْسَ بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ وقال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ خِضَابُهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ من صُفْرَةٍ أو حُمْرَةٍ سُنَّةٌ نَصَّ عليه وَيُكْرَهُ بِسَوَادٍ نَصَّ عليه وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْغُنْيَةِ وَالتَّلْخِيصِ يُكْرَهُ بِسَوَادٍ في غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا يَحْرُمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْمَعَالِي يَحْرُمُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال وهو مُتَّجِهٌ
وَيَنْظُرُ في الْمِرْآةِ وَيَقُولُ ما وَرَدَ
وَيَتَطَيَّبُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ بِمَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ وَعَكْسُهُ لِلْمَرْأَةِ
وَلَا يُكْرَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَجٍّ أو عَمْرَةٍ أو حَاجَةٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ في نِهَايَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
وَيُكْرَهُ حَلْقُ رَأْسِ الْمَرْأَةِ من غَيْرِ عُذْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ الْحَلْقُ وَالْقَصُّ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ وَقِيلَ يَحْرُمَانِ وَقِيلَ يَحْرُمُ حَلْقُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَأْتِي حُكْمُ حَلْقِ الْقَفَا عِنْدَ الْكَلَامِ على الْقَزَعِ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْخِتَانُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
____________________
(1/123)
وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قال في النَّظْمِ هذا أَوْلَى وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَجِبُ على الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى قال بن تَمِيمٍ قال بن أبي مُوسَى هو سُنَّةٌ لِلذُّكُورِ
قَوْلُهُ ما لم يَخَفْهُ على نَفْسِهِ
هذا الْمَذْهَبُ قال أَحْمَدُ إنْ خَافَ على نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ لَا يَخْتَتِنَ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مع أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوهُ بِفَرْضِ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ من طَرِيقِ الْأَوْلَى وقال في الْفُصُولِ يَجِبُ إذَا لم يَخَفْ عليه التَّلَفَ فَإِنْ خِيفَ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُخْتَنُ فَظَاهِرُهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ قل ( ( ( أقل ) ) ) من يَتْلَفُ منه قال أبو بَكْرٍ وَالْعَمَلُ على ما نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَنَّهُ مَتَى خشي عليه لم يُخْتَنْ وَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
فَوَائِدُ
منها مَحَلُّ وُجُوبِهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجِبُ الْخِتَانُ إذَا وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ وقال في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَيَجِبُ خِتَانُ بَالِغٍ آمِنٍ
وَمِنْهَا يَجُوزُ له أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إنْ قوى عليه وَأَحْسَنَهُ نَصَّ عليه ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْخِتَانَ زَمَنَ الصِّغَرِ أَفْضَلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ زَادَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من الْأَصْحَابِ إلَى التَّمْيِيزِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا الْمَشْهُورُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُسَنُّ ما بين سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ قال في التَّلْخِيصِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ قبل مُجَاوَزَةِ عَشْرِ سِنِينَ إذَا بَلَغَ سِنًّا يُؤْمَنُ فيه ضَرَرُهُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(1/124)
في الْعَقِيقَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُخْتَنَ يوم حَادِي عِشْرِينَ فَإِنْ فَاتَ تُرِكَ حتى يَشْتَدَّ وَيَقْوَى وَعَنْ أَحْمَدَ لم أَسْمَعْ فيه شيئا وقال التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ الْخِتَانُ يوم السَّابِعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ قال الْخَلَّالُ الْعَمَلُ عليه وَأَطْلَقَهُمَا في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَكَذَا الْحُكْمُ من وِلَادَتِهِ إلَى يَوْمِ السَّابِعِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال ولم يذكر كَرَاهِيَةَ الْأَكْثَرِ
وَمِنْهَا يُؤْخَذُ في خِتَانِ الرَّجُلِ جِلْدَةُ الْحَشَفَةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أو أَكْثَرُهَا وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ اقْتَصَرَ على أَكْثَرِهَا جَازَ وَيُؤْخَذُ في خِتَانِ الْأُنْثَى جِلْدَةٌ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا لِلْخَبَرِ نَصَّ عليه
وَمِنْهَا أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ في الْخِتَانِ كَالرَّجُلِ فَيُخْتَنُ ذَكَرُهُ وَإِنْ لَزِمَ الْأُنْثَى خُتِنَ فَرْجُهُ أَيْضًا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
فَوَائِدُ
منها لَا تُقْطَعُ الْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ نَقَلَهُ عبد اللَّهِ عن أَحْمَدَ وَيُكْرَهُ ثَقْبُ أُذُنِ الصَّبِيِّ إلَّا الْجَارِيَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا وَقِيلَ يَحْرُمُ في حَقِّهَا اخْتَارَهُ بن الْجَوْزِيِّ
قُلْت وهو بَعِيدٌ في حَقِّ الْجَارِيَةِ
وقال بن عَقِيلٍ هو كَالْوَشْمِ وَقِيلَ يَحْرُمُ على الذَّكَرِ وقال في الْفُصُولِ يَفْسُقُ بِهِ في الذَّكَرِ وفي النِّسَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ ولم يذكر غَيْرَهُ
وَيَحْرُم نَمَصٌ وَوَشَرٌ وَوَشْمٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ
وَيَحْرُمُ وَصْلُ شَعْرٍ بِشَعْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجُوزُ مع
____________________
(1/125)
الْكَرَاهَةِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ قِيلَ يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ
وفي تَحْرِيمِ نَظَرِ شَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ زَادَ في التَّلْخِيصِ وَلَوْ كان بَائِنًا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالتَّلْخِيصِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ الْجَوَازُ ذَكَرَهُ عنه بن رَجَبٍ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا
وَيَحْرُمُ وَصْلُهُ بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ وَصْلِ الشَّعْرِ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ معه وَجْهَانِ الْأَوَّلُ الصِّحَّةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ فِيمَا إذَا وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ قُلْنَا يَنْجَسُ الآدمي بِالْمَوْتِ وَقِيلَ تَصِحُّ وَلَوْ كان نَجِسًا حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
وَلَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَعَنْهُ هِيَ كَالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ إنْ أَشْبَهَهُ كَصُوفٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ
وَلَا بَأْسَ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِشَدِّ الشَّعْرِ وَأَبَاحَ بن الْجَوْزِيِّ النَّمَصَ وَحْدَهُ وَحَمَلَ النَّهْيَ على التَّدْلِيسِ أو أَنَّهُ شِعَارُ الْفَاجِرَاتِ وفي الْغُنْيَةِ وَجْهٌ يَجُوزُ النَّمَصُ بِطَلَبِ الزَّوْجِ وَلَهَا حَلْقُهُ وَحَفُّهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَتَحْسِينُهُ بِتَحْمِيرٍ وَنَحْوِهِ وَكَرِهَ بن عَقِيلٍ حَفَّهُ كَالرَّجُلِ فإن أَحْمَدَ كَرِهَهُ له وَالنَّتْفُ بِمِنْقَاشٍ لها وَيُكْرَهُ التَّحْذِيفُ وهو إرْسَالُ الشَّعْرِ الذي بين الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ
قُلْت وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ
وَيُكْرَهُ النَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قال أَحْمَدُ لِتَغْمِسَ يَدَهَا غَمْسًا قال في الرِّعَايَةِ في بَابِ ما يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ أو يُكْرَهُ قُلْت وَيُكْرَهُ التَّكْتِيبُ
____________________
(1/126)
وَنَحْوُهُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ وَجْهًا بِإِبَاحَةِ تَحْمِيرٍ وَنَقْشٍ وَتَطْرِيفٍ بِإِذْنِ زَوْجٍ فَقَطْ انْتَهَى وَعَمَلُ الناس على ذلك من غَيْرِ نَكِيرٍ
وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْمَاشِطَةِ قال في الْفُرُوعِ ذكره جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عن أَحْمَدَ قال وَالْمَنْقُولُ عنه أَنَّ مَاشِطَةً قالت إنِّي أَصِلُ رَأْسَ الْمَرْأَةِ بِقَرَامِلَ وَأُمَشِّطُهَا أَفَأَحُجُّ منه قال لَا وَكَرِهَ كَسْبَهَا وقال بن عَقِيلٍ يَحْرُمُ التَّدْلِيسُ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُرْدَانِ وَكَذَا عِنْدَهُ يَحْرُمُ تَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَنَحْوُهُ وقال في الْفُنُونِ يُكْرَهُ كَسْبُهَا
فَائِدَةٌ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحِجَامَةَ يوم السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ نَقَلَهُ حَرْبٌ وأبو طَالِبٍ وَعَنْهُ الْوَقْفُ في الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ يُكْرَهُ يوم الْجُمُعَةِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ قال حَنْبَلٌ كان أبو عبد اللَّهِ يَحْتَجِمُ أَيْ وَقْتَ هَاجَ بِهِ الدَّمُ وَأَيَّ سَاعَةٍ كانت ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَالْفَصْدُ في مَعْنَى الْحِجَامَةِ وَالْحِجَامَةُ أَنْفَعُ منه في بَلَدٍ حَارٍّ وما في مَعْنَى ذلك وَالْفَصْدُ بِالْعَكْسِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تُكْرَهُ يوم الثُّلَاثَاءِ لِخَبَرِ أبي بَكْرَةَ وَفِيهِ ضَعْفٌ قال وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ أبي دَاوُد لِاقْتِصَارِهِ على رِوَايَتِهِ قال وَيَتَوَجَّهُ تَرْكُهَا فيه أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ مثله في يَوْمِ الْأَحَدِ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ بِلَا نِزَاعٍ
وهو أَخْذُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ بَعْضِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ بَلْ هو حَلْقُ وَسَطِ الرَّأْسِ وَقِيلَ بَلْ هو حَلْقُ بُقَعٍ منه
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ حَلْقُ الْقَفَا مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ زَادَ فيه جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لِمَنْ لم يَحْلِقْ رَأْسَهُ ولم يَحْتَجْ إلَيْهِ لِحِجَامَةٍ أو غَيْرِهَا نَصَّ عليه وقال أَيْضًا هو من فِعْلِ الْمَجُوسِ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ منهم
____________________
(1/127)
قَوْلُهُ وَيَتَيَامَنُ في سِوَاكِهِ
أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ من الْفَمِ فَمُسْتَحَبٌّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا أَخْذُ السِّوَاكِ بِالْيَدِ فقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ السُّنَّةُ إرْصَادُ الْيُمْنَى لِلْوُضُوءِ وَالسِّوَاكِ وَالْأَكْلِ وَنَحْوِ ذلك وَقَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن بَطَّةَ من الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ من الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَالَ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِيَسَارِهِ نَقَلَهُ حَرْبٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ وقال نَصَّ عليه وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ما عَلِمْت إمَامًا خَالَفَ فيه كَانْتِثَارِهِ وَرَّدَ بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الرِّوَايَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى حَرْبٍ وقال هِيَ تَصْحِيفٌ من الِاسْتِنْثَارِ بِالِاسْتِنَانِ
قَوْلُهُ وَسُنَنُ الْوُضُوءِ عَشْرٌ السِّوَاكُ بِلَا نِزَاعٍ وَالتَّسْمِيَةُ
وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الْخَلَّالُ الذي اسْتَقَرَّتْ عليه الرِّوَايَاتُ عنه أَنَّهُ لَا بَأْسَ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ الذي اسْتَقَرَّ عليه قَوْلُ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَته وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنْتَخَبِ وَعَنْهُ أنها وَاجِبَةٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالنِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ التَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ في طَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وأبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَالْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وبن الْبَنَّا وأبو الْخَطَّابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَكَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا بَلْ أَكْثَرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في التَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
____________________
(1/128)
وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل هِيَ فَرْضٌ لَا تَسْقُطُ سَهْوًا اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ أو وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ سَهْوًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وهو الْمَذْهَبُ فيه رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى الثَّانِيَةِ لو ذَكَرَهَا في أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يسمى وَيَبْنِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَقَطَعُوا بِهِ وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا حتى غَسَلَ عُضْوًا لم يُعْتَدَّ بِغَسْلِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا حتى غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فإنه يُسَمِّي وَيَبْنِي لِأَنَّهُ قد ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ على وُضُوئِهِ وقاله بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ
فَائِدَةٌ صِفَةُ التَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَوْ قال بِسْمِ الرحمن أو بِسْمِ الْقُدُّوسِ أو نَحْوِهِ فَوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَتَبِعَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ لم يُجْزِهِ على الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وبن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ
قُلْت الْأَوْلَى الْإِجْزَاءُ وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ من الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثَلَاثًا لا ( ( ( إلا ) ) ) أَنْ يَكُونَ قَائِمًا من نَوْمِ اللَّيْلِ
غَسْلُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عن نَوْمٍ أو عن غَيْرِ نَوْمٍ فَإِنْ كان عن غَيْرِ نَوْمٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ
____________________
(1/129)
عليه أَحْمَدُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِهِمَا مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَغْسِلُهُمَا إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا بَلْ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وقال الْقَاضِي إنْ شَكَّ فِيهِمَا سُنَّ غَسْلُهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَتَهُمَا خُيِّرَ
وَإِنْ كان عن نَوْمٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عن نَوْمِ اللَّيْلِ أو عن نَوْمِ النَّهَارِ فَإِنْ كان عن نَوْمِ النَّهَارِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم اسْتِحْبَابُ غَسْلِهِمَا وَعَنْهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَحَكَاهَا في الْفُرُوعِ هُنَا قَوْلًا
وَإِنْ كان عن نَوْمِ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في وُجُوبِ غَسْلِهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ في شُرُوحِهِمْ
إحْدَاهُمَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَيَجِبُ على الْأَصَحِّ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ بَلْ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا بن حَامِدٍ وَأَحْمَدُ بن جَعْفَرٍ الْمُنَادِي وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْعُمْدَةُ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَالْمُنْتَخَبُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ قال صَاحِبُ النُّكَتِ وَحَيْثُ وَجَبَ الْغُسْلُ فإنه شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ
قُلْت وَقَالَهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(1/130)
وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ سُقُوطَ غَسْلِهِمَا بِالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ على ما يَأْتِي وهو الصَّحِيحُ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالنَّوْمِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَتَعَلَّقُ بِالنَّوْمِ الزَّائِدِ على النِّصْفِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ كما تَقَدَّمَ
الثَّانِيَةُ غَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَعَلَى هذا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ في أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْتَبَرَانِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُعْتَبَرَانِ إنْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَإِلَّا فَلَا وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ دُونَ التَّسْمِيَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عن نِيَّةِ غَسْلِهِمَا على الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ لَا من الْوُضُوءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ وَقِيلَ غَسْلُهُمَا مُعَلَّلٌ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ كَجَعْلِ الْعِلَّةِ في النَّوْمِ اسْتِطْلَاقَ الْوِكَاءِ بِالْحَدَثِ وهو مَشْكُوكٌ فيه وَقِيلَ غَسْلُهُمَا مُعَلَّلٌ بِمَبِيتِ يَدِهِ مُلَابِسَةً لِلشَّيْطَانِ
الثَّالِثَةُ إنَّمَا يُغْسَلَانِ لِمَعْنًى فِيهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ فَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ ولم يُدْخِلْ يَدَهُ في الْإِنَاءِ لم يَصِحَّ وُضُوءُهُ وَفَسَدَ الْمَاءُ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا إنَّمَا يُغْسَلَانِ لِأَجْلِ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ ذَكَرَهُ أبو الْحُسَيْنِ رِوَايَةً فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ ولم يَفْسُدْ الْمَاءُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ من غَيْرِ إدْخَالٍ
قَوْلُهُ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِمَا قبل الْوَجْهِ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ يَجِبُ وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ وَبَعْدَهُ يأتي ( ( ( ويأتي ) ) ) في بَابِ الْوُضُوءِ هل يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِيَمِينِهِ
____________________
(1/131)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بين الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ تَبَعًا لِلْمَجْدِ وَالْأَقْيَسُ وُجُوبُ تَرْتِيبِهِمَا كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ وَعَنْهُ لَا يَجِبَانِ بَيْنَهُمْ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يَجِبُ ذلك في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ نَصَّ عليه تَصْرِيحًا وفي رِوَايَةِ كَثِيرٍ من أَصْحَابِهِ
فَعَلَى هذا لو تَرَكَهُمَا حتى صلى أتى بِهِمَا وَأَعَادَ الصَّلَاةَ دُونَ الْوُضُوءِ نَصَّ عليه أَحْمَدُ وَمَبْنَاهُ على أَنَّ وُجُوبَهُمَا بِالسُّنَّةِ وَالتَّرْتِيبِ إنَّمَا وَجَبَ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ مُعْتَضِدًا بِالسُّنَّةِ ولم يُوجَدْ ذلك فِيهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَحْدَهَا
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ على الِاسْتِنْشَاقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْوَاوُ في قَوْلِهِ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِلتَّرْتِيبِ كَثُمَّ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ وُجُوبَهُ على قَوْلِنَا لم يَدُلَّ الْقُرْآنُ عليه
قَوْلُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا أَصَحُّ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ إلَّا ما استثنى وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وهو الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ اسْتِحْبَابُ الْمُبَالَغَةِ في الِاسْتِنْشَاقِ وَحْدَهُ وَاخْتَارَهُ بن الزَّاغُونِيِّ وَعَنْهُ تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ وَقِيلَ تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ في الِاسْتِنْشَاقِ وَحْدَهُ اخْتَارَهَا بن شَاقِلَا وَيُحْكَى رِوَايَةً ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَيْضًا قَالَهُ الشَّارِحُ قال بن تَمِيمٍ
____________________
(1/132)
قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا في الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا في الْوُضُوءِ ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ في فَنُونِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ في الْفَمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ في الْفَمِ كُلِّهِ أو أَكْثَرِهِ فَزَادَ أَكْثَرَهُ وَلَا يَجْعَلُهُ وُجُوبًا
وَالْمُبَالَغَةُ في الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ أو أَكْثَرُهُ كما قال في الْمَضْمَضَةِ وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا قال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا تَجِبُ الْإِدَارَةُ في جَمِيعِ الْفَمِ وَلَا الِاتِّصَالُ إلَى جَمِيعِ بَاطِنِ الْأَنْفِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ في فَمِهِ من غَيْرِ إدَارَتِهِ قَالَهُ في الْمُبْهِجِ وَاقْتَصَرَ عليه بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ يَكْفِي قال في الْمَطْلَعِ الْمَضْمَضَةُ في الشَّرْعِ وَضْعُ الْمَاءِ في فيه وَإِنْ لم يُحَرِّكْهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا
يَعْنِي فَلَا تَكُونُ الْمُبَالَغَةُ سُنَّةً بَلْ تُكْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال أبو الْفَرَجِ تَحْرُمُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ
قَوْلُهُ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ
إنْ كانت خَفِيفَةً وَجَبَ غَسْلُهَا وَإِنْ كانت كَثِيفَةً وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم اسْتِحْبَابُ
____________________
(1/133)
تَخْلِيلِهَا وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ كَالتَّيَمُّمِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ لِلْأَثَرِ وهو كما قال وَقِيلَ يَجِبُ التَّخْلِيلُ ذَكَرَهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا شَعْرُ غَيْرِ اللِّحْيَةِ كَالْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةُ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ ذلك مِثْلُ اللِّحْيَةِ في الْحُكْمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ في لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ ذلك كُلِّهِ مُطْلَقًا
وَالثَّانِيَةُ صِفَةُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ أَنْ يَأْخُذَ كَفًّا من مَاءٍ فَيَضَعَهُ من تَحْتِهَا أو من جَانِبَيْهَا بِأَصَابِعِهِ نَصَّ عليه مُشَبَّكَةً فيها قَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ زَادَ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيَعْرُكُهَا وَقِيلَ يُخَلِّلُهَا من مَاءِ الْوَجْهِ وَلَا يُفْرِدُ لِذَلِكَ مَاءً قَالَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَيَكُونُ ذلك عِنْدَ غَسْلِهِمَا وَإِنْ شَاءَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ نَصَّ عليه
قَوْلُهُ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ
يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ يُخَلِّلُ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ وَيَبْدَأُ من الرِّجْلِ الْيُمْنَى بِخِنْصَرِهَا وَالْيُسْرَى بِالْعَكْسِ زَادَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى زَادَ في التَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ من أَسْفَلِ الرِّجْلِ قال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدَهُ الْيُمْنَى
____________________
(1/134)
وَالثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ في غَسْلِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ودلك ( ( ( وذلك ) ) ) الْمَوَاضِعُ التي يَنْبُو عنها الْمَاءُ وَعَرْكُهَا
قَوْلُهُ وَالتَّيَامُنُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ التَّيَامُنِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ رِوَايَةً عن أَحْمَدَ بِوُجُوبِهِ وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ تَرْكُهُ قال بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ هُنَا في حُكْمِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ حتى إنَّهُ يَجُوزُ غَسْلُ إحْدَاهُمَا بِمَاءِ الْأُخْرَى
قَوْلُهُ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ
إنْ قُلْنَا هُمَا من الرَّأْسِ وهو الْمَذْهَبُ فَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشِّيرَازِيُّ وبن الْبَنَّا وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ في مَوْضِعٍ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَمْسَحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّخْلِيصِ وَالْبُلْغَةِ في السُّنَنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال بن رَجَبٍ في الطَّبَقَاتِ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ أَبَا الْفَتْحِ بن جَلِيَّةَ قَاضِي حَرَّانَ كان يَخْتَارُ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَعْدَ مَسْحِهِمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ قال بن رَجَبٍ وهو غَرِيبٌ جِدًّا
وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهُ قال ذَكَرَ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وبن حَامِدٍ
____________________
(1/135)
أَنَّهُمَا يَمْسَحَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَعْدَ أَنْ يَمْسَحَا بِمَاءِ الرَّأْسِ قال وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَزَادَ بن حَامِدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ هو بن جَلَبَةَ قَاضِي حَرَّانَ
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُمَا بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ يَمْسَحُهُمَا مَعًا ولم يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِخِلَافِ ذلك
قُلْت صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِاسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْأُذُنِ الْيُمْنَى قبل الْيُسْرَى
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ هذه الْأَحْكَامُ إذَا قُلْنَا هُمَا من الرَّأْسِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا هُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ ذَكَرَهَا بن عَقِيلٍ فَيَجِبُ لَهُمَا مَاءٌ جَدِيدٌ في وَجْهٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ منه يَجِبُ التَّرْتِيبُ
الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ من الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ أَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ وَذَكَرَ بن عُبَيْدَانَ في بَابِ الْوُضُوءِ أَنَّ بن عبد الْبَرِّ قال روى عن أَحْمَدَ أَنَّهُ قال ما أَقْبَلَ مِنْهُمَا من الْوَجْهِ يُغْسَلُ معه وما أَدْبَرَ من الرَّأْسِ كَمَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بن صَالِحٍ وَمَالَ إلَيْهِ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ
الثَّالِثُ قَوْلُهُ وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ بِلَا نِزَاعٍ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ حتى لِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ
فَوَائِدُ
إحداها يَعْمَلُ في عَدَدِ الْغَسَلَاتِ بِالْأَقَلِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في النِّهَايَةِ يَعْمَلُ بِالْأَكْثَرِ
الثَّانِيَةُ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَحْرُمُ قال بن
____________________
(1/136)
رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْوَجْهِ غَسْلَةً رَابِعَةً تُصَبُّ من أَعْلَاهُ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُزَادُ في الرِّجْلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ على الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَانِ أَفْضَلُ وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْأُولَى فَرِيضَةٌ وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وإذا قِيلَ لَك أَيُّ مَوْضِعٍ تُقَدَّمُ فيه الْفَضِيلَةُ على السُّنَّةِ فَقُلْ هُنَا
الثَّالِثَةُ لو غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ من بَعْضٍ لم يُكْرَهْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ
الرَّابِعَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ مَسْحُ الْعُنُقِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْعُنُقِ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الصَّحِيحُ من الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْفَائِقِ لَا يُسَنُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ في الْغُنْيَةِ وبن الْجَوْزِيِّ في أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ وأبو الْبَقَاءِ وبن الصَّيْرَفِيِّ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْخُلَاصَةِ وَمَسْحُ الْعُنُقِ مُسْتَحَبٌّ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وبن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وبن حَمْدَانَ في الْإِفَادَاتِ وَالنَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْكَلَامُ على الْوُضُوءِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ بَلْ يُكْرَهُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ كما صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ تَرْكُ الْأَوْلَى وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ يقول عِنْدَ كل عُضْوٍ ما وَرَدَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
____________________
(1/137)
لِضَعْفِهِ جِدًّا قال بن الْقَيِّمِ أَمَّا الْأَذْكَارُ التي يَقُولُهَا الْعَامَّةُ على الْوُضُوءِ عِنْدَ كل عُضْوٍ فَلَا أَصْلَ لها عنه عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا عن أَحَدٍ من الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَفِيهِ حَدِيثٌ كَذِبٌ عليه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ انْتَهَى
قال أبو الْفَرَجِ يُكْرَهُ السَّلَامُ على الْمُتَوَضِّئِ وفي الرِّعَايَةِ وَرَدُّ السَّلَامِ أَيْضًا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ وَلَا الرَّدُّ وَإِنْ كان الرَّدُّ على طُهْرٍ أَكْمَلَ
الْخَامِسَةُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ قال وَلَا تَصْرِيحَ بِخِلَافِهِ وهو مُتَّجِهٌ لِكُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ انْتَهَى بَابٌ فَرْضُ الْوُضُوءِ وَصِفَتُهُ
قَوْلُهُ تَرْتِيبُهُ على ما ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ بين الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَأَخَذَ منها أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وبن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ رِوَايَةً بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ رَأْسًا وَتَبِعَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ منهم صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ فيه وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَبَى ذلك عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ منهم أبو مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ في شَرْحِهِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي لم أَرَ عنه فيه اخْتِلَافًا قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا في الْمَذْهَبِ إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ حَكَى رِوَايَةَ أَحْمَدَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ في نَفْلِ الْوُضُوءِ وَمَعْنَاهُ لِلْقَاضِي في الْخِلَافِ
فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ التَّرْتِيبُ لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ فَلَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لم يُجْزِئْهُ وَلَوْ انْغَمَسَ في مَاءٍ جَارٍ يَنْوِي
____________________
(1/138)
رَفْعَ الْحَدَثِ فَمَرَّتْ عليه أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ أَجْزَأَهُ إنْ مَسَحَ رَأْسَهُ أو قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْغَسْلِ عن الْمَسْحِ على ما يَأْتِي وَلَوْ لم يُمِرَّ عليه إلَّا جَرْيَةً وَاحِدَةً لم يُجْزِهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَصَّ أَحْمَدُ في رَجُلٍ أَرَادَ الْوُضُوءَ فَانْغَمَسَ في الْمَاءِ ثُمَّ خَرَجَ فَعَلَيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ قال وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الْمَاءَ إذَا كان جَارِيًا فَمَرَّتْ عليه جَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ انْتَهَى وَإِنْ كان انْغِمَاسُهُ في مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ فَإِنْ أَخْرَجَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ خَرَجَ من الْمَاءِ مُرَاعِيًا لِلتَّرْتِيبِ أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ التي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ إنْ مَكَثَ فيه قَدْرًا يَتَّسِعُ لِلتَّرْتِيبِ وَقُلْنَا يُجْزِيهِ غَسْلُ الرَّأْسِ عن مَسْحِهِ أو مَسَحَهُ ثُمَّ مَكَثَ بِرِجْلَيْهِ قَدْرًا يَسْعَ غَسْلَهُمَا أَجْزَأَهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو الْأَقْوَى عِنْدِي وقال في الِانْتِصَارِ لم يُفَرِّقْ أَحْمَدُ بين الْجَارِي وَالرَّاكِدِ وَإِنَّ تَحَرُّكَهُ في الرَّاكِدِ يَصِيرُ كَالْجَارِي فَلَا بُدَّ من التَّرْتِيبِ
قَوْلُهُ وَالْمُوَالَاةُ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ
إحْدَاهَا هِيَ فَرْضٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قاله الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ في مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فَإِنْ خَلَعَ قبل ذلك أَعَادَ الْوُضُوءَ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ
وَالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ وَقِيلَ إنَّهَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ لم يَذْكُرْهَا في فُرُوضِ الْوُضُوءِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي ولم يذكر الْخِرَقِيُّ الْمُوَالَاةَ
تَنْبِيهٌ الرِّوَايَتَانِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعُودَانِ إلَى الْمُوَالَاةِ فَقَطْ لِمَا تَقَدَّمَ عنه في
____________________
(1/139)
الْمُغْنِي أَنَّهُ لم يَرَ عنه فيه اخْتِلَافًا وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
قُلْت صَرَّحَ بِهِ في الْهَادِي فقال وفي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ رِوَايَتَانِ وقال في الْكَافِي وحكى عنه أَنَّ التَّرْتِيبَ ليس بِوَاجِبٍ
فَائِدَةٌ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بِالنِّسْيَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِ وهو منها وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَسْقُطَانِ وَقِيلَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَحْدَهُ قال بن تَمِيمٍ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالْعُذْرِ وَالْجَهْلِ كَذَلِكَ في الْحُكْمِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالْعُذْرِ وقال هو أَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِ أَحْمَدَ وَقَوَّى ذلك وَطَرَدَهُ في التَّرْتِيبِ وقال لو قِيلَ بِسُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ كما لو غَسَلَ وَجْهَهُ فَقَطْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ زَالَ قبل انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِغَسْلِهِ لَتَوَجَّهَ انْتَهَى
قَوْلُهُ وهو أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتى يَنْشَفَ الذي قَبْلَهُ
مُرَادُهُ في الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ وَقَدَّرَهُ في غَيْرِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَصَرَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ قال بن رَزِينٍ وبن عُبَيْدَانَ هذا الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هو أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتى يَنْشَفَ الْكُلُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَقِيلَ هو أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتى يَنْشَفَ أَيُّ عُضْوٍ كان حَكَاهُ بن عَقِيلٍ وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ طُولُ الْمُكْثِ عُرْفًا قال الْخَلَّالُ هو الْأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَالْعَمَلُ عليه قال في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ ويوالى عُرْفًا قال بن رَزِينٍ وَهَذَا أَقْيَسُ
____________________
(1/140)
قُلْت يَحْتَمِلُ أَنَّ هذه الرِّوَايَةَ مُرَادُ من حَدّهَا بِحَدٍّ وَيَكُونُونَ مُفَسِّرِينَ لِلْعُرْفِ بِذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ قال مَعْنَاهُ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ في زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أو طَالَ عُرْفًا قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ أو بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ على رِوَايَتَيْنِ
فَوَائِدُ
منها لَا يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ في الْعُضْوِ الْآخَرِ بِسُنَّةٍ كَتَخْلِيلٍ أو إسْبَاغٍ أو إزَالَةِ شَكٍّ وَيَضُرُّ إسْرَافٌ وَإِزَالَةُ وَسَخٍ وَنَحْوِهِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَأَطْلَقَا وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا ما جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ إذَا كان إزَالَةُ الْوَسَخِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ وَجَزَمَ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَأَطْلَقُوا وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا إذَا أَزَالَهَا لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ وَلَا تَضُرُّ الْإِطَالَةُ لِوَسْوَسَةٍ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ تَضُرُّ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَضُرُّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ إذَا طَالَتْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا تَضُرُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَضُرُّ الْإِطَالَةُ في تَحْصِيلِ الْمَاءِ قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالرِّعَايَةُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَعَنْهُ لَا تَضُرُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا لَا يُشْتَرَطُ لِلْغَسْلِ مُوَالَاةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ الِاشْتِرَاطَ كَالْوُضُوءِ وَيَأْتِي ذلك في الْغُسْلِ
وَمِنْهَا إذَا قُلْنَا الْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ وَفَاتَتْ أو فَرَّقَ الْغُسْلَ فَلَا بُدَّ لِإِتْمَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ من نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(1/141)
بِنَاءً على أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ قُرْبُ الْفِعْلِ منها كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على الْخِلَافِ كما يَأْتِي في نِيَّةِ الْحَجِّ في دُخُولِ مَكَّةَ وَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي ذلك في الْغُسْلِ
قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ النِّيَّةُ فَرْضٌ قال بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وقال الْخِرَقِيُّ وَالنِّيَّةُ من فُرُوضِهَا وَأَوَّلُوا كَلَامَهُ وَقِيلَ رُكْنٌ ذَكَرَهُمَا في الرِّعَايَةِ قُلْت لَا يَظْهَرُ التَّنَافِي بين الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهَا وَرُكْنِيَّتِهَا فَلَعَلَّهُ حَكَى عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ
وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ وَجْهًا في الْمُذْهَبِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ في طَهَارَةِ الْحَدَثِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وهو شَاذٌّ وقال في الْفُرُوعِ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عن أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ ليس من شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ
وقال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَيَتَوَجَّهُ على الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ من غَيْرِ نِيَّةٍ قال وقد بَنَى الْقَاضِي هذه الْمَسْأَلَةَ على أَنَّ التَّجْدِيدَ هل يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا وَيَأْتِي في آخِرِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ هل يَحْتَاجُ غَسْلُ الذِّمِّيَّةِ إلَى النِّيَّةِ أَمْ لَا
فَائِدَةٌ لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هو الصَّوَابُ
الْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بها سِرًّا وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ بن عُبَيْدَانَ وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْأَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ من الْمُتَأَخِّرِينَ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ أنها لَا تُشْتَرَطُ لِطَهَارَةِ الْخُبْثِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ شَرْطٌ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَحَكَى بن مُنَجَّا في النِّهَايَةِ أَنَّ الْأَصْحَابَ
____________________
(1/142)
قَالُوهُ في كُتُبِ الْخِلَافِ وَقِيلَ إنْ كانت النَّجَاسَةُ على الْبَدَنِ فَهِيَ شَرْطٌ وَإِلَّا فَلَا وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِصَوْبِ غَمَامٍ أو فِعْلِ مَجْنُونٍ أو طِفْلٍ احْتِمَالَانِ
قَوْلُهُ وهو أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ الْحَدَثِ أو الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إلَّا بها
هذا الْمَذْهَبُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمَا النِّيَّةُ هِيَ قَصْدُ الْمَنْوِيِّ وَقِيلَ الْعَزْمُ على الْمَنْوِيِّ وَقِيلَ إنْ نَوَى مع الْحَدَثِ النَّجَاسَةَ لم يُجْزِئْهُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ قال في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ إنْ نَوَى مع الْحَدَثِ التَّنَظُّفَ أو التَّبَرُّدَ لم يُجْزِئْهُ
فَائِدَةٌ يَنْوِي من حَدَثُهُ دَائِمٌ الِاسْتِبَاحَةَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ وَقِيلَ أو يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ قال الْمَجْدُ هِيَ كَالصَّحِيحِ في النِّيَّةِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ نِيَّتُهَا كَنِيَّةِ الصَّحِيحِ وَيَنْوِي رَفْعَهُ انْتَهَى وَقِيلَ أو يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَقِيلَ هُمَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَمْعُهُمَا أَوْلَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ نِيَّةِ الْفَرْضِ قَطَعَ بِهِ بن مُنَجَّا وبن حَمْدَانَ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في شَرْحِهِ فإنه قال هذه الطَّهَارَةُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْجَبَهَا وقال أبو جَعْفَرٍ طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
فَائِدَةٌ لم يذكر الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا من شُرُوطِ الْوُضُوءِ إلَّا النِّيَّةَ وَلِلْوُضُوءِ شُرُوطٌ أُخْرَى
منها ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في آخِرِ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وهو إزَالَةُ ما على الْفَرْجَيْنِ من أَذًى بِالْمَاءِ أو بِالْأَحْجَارِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ
____________________
(1/143)
وَمِنْهَا إزَالَةُ ما على غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ من نَجَاسَةٍ على قَوْلٍ تَقَدَّمَ هُنَاكَ
وَمِنْهَا دُخُولُ الْوَقْتِ على من حَدَثُهُ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَحْوِهِمْ على ما يَأْتِي في آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ
وَمِنْهَا التَّمْيِيزُ فَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَا تَمْيِيزَ له كَمَنْ له دُونَ سَبْعٍ وَقِيلَ سِتٌّ أو من لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يَرُدُّ الْجَوَابَ على ما يَأْتِي في كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَمِنْهَا إزَالَةُ ما يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ
وَمِنْهَا الْعَقْلُ فَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَا عَقْلَ له كَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ
وَمِنْهَا الطَّهَارَةُ من الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَزَمَ بِهِ بن عُبَيْدَانَ قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْحَائِضِ على ما يَأْتِي أَوَّلَ الْحَيْضِ مُسْتَوْفًى
قُلْت وَمِنْهَا الطَّهَارَةُ من الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَعْنِي انْقِطَاعَهُمَا وَالْفَرَاغَ من خُرُوجِهِمَا
وَمِنْهَا طَهُورِيَّةُ الْمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ في تَجْوِيزِهِ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ في نَفْلِ الْوُضُوءِ كما تَقَدَّمَ عنه ذلك في كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وَمِنْهَا إبَاحَةُ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما تَقَدَّمَ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ
فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ شَرْطًا لِلْوُضُوءِ في بَعْضِهَا خِلَافٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ أو التَّجْدِيدُ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ على رِوَايَتَيْنِ
إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ كَالْجُلُوسِ في الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ
____________________
(1/144)
إحْدَاهُمَا يَرْتَفِعُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ قال الْمَجْدُ وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يرتفع ( ( ( يرتقع ) ) ) اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وأبو الْخَطَّابِ قال بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ
فَائِدَةٌ ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ الْغَضَبُ وَالْأَذَانُ وَرَفْعُ الشَّكِّ وَالنَّوْمُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ وَجُلُوسُهُ بِالْمَسْجِدِ وَنَحْوُهُ وَقِيلَ وَدُخُولُهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ وَحَدِيثٌ وَتَدْرِيسُ عِلْمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ أَيْضًا وَقِيلَ وَكِتَابَتُهُ وقال في النِّهَايَةِ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَأَكْلٌ قال الْأَصْحَابُ وَمِنْ كل كَلَامٍ مُحَرَّمٍ كَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ لَا وَكُلُّ ما مَسَّتْهُ النَّارُ وَالْقَهْقَهَةُ وَأَطْلَقَهَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعُ وَكَذَا في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ في الْقَهْقَهَةِ
وَأَمَّا إذَا نَوَى التَّجْدِيدَ وهو نَاسٍ حَدَثَهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ
أَحَدُهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وفي الْمُغْنِي وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّارِحِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ
____________________
(1/145)
الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وبن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ في شَرْحَيْهِمَا وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ
إحْدَاهُمَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِيمَا إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ وَجَعَلَا هذه الْمَسْأَلَةَ مِثْلَهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ
وَالثَّانِي لَا يَرْتَفِعُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال على الْأَقْيَسِ وَالْأَشْهَرِ وقال في الصُّغْرَى هذا أَصَحُّ وكذا قال بن مُنَجَّا في النِّهَايَةِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ على الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ على ما يَأْتِي
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَرْتَفِعُ هُنَا وَإِنْ ارْتَفَعَ فِيمَا تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ بن حَمْدَانَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيمَا تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ وَصَحَّحَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال إنَّ الْأَشْهَرَ لَا يَرْتَفِعُ
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ إنْ لم يَرْتَفِعْ فَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ احْتِمَالَانِ قَالَهُ بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ قال بن عُبَيْدَانَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ في التَّجْدِيدِ وَأَمَّا ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ فَفِيهِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ على الرِّوَايَتَيْنِ في التَّجْدِيدِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ انْتَهَى وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ في الْكُلِّ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
قُلْت وَمِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/146)
وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ أو التَّبَرُّدَ أو تَعْلِيمَ غَيْرِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ إذَا نَوَى النَّجَاسَةَ مع الْحَدَثِ لم يُجْزِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَعَنْهُ لَا يُسَنُّ كما لو لم يَصِلْ بَيْنَهُمَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كما لو لم يَفْعَلْ ما يُسْتَحَبُّ له الْوُضُوءُ وَكَتَيَمُّمٍ وَكَغُسْلٍ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ في الْغُسْلِ وحكى عنه يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَقِيلَ لَا يُدَاوِمُ عليه
قَوْلُهُ وإذا نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا فَهَلْ يجزئ ( ( ( يجزي ) ) ) عن الْوَاجِبِ على وَجْهَيْنِ
وَقِيلَ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وَعِنْدَ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَيَرْتَفِعُ بِالْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا في الْمُحَرَّرِ كَالْأَكْثَرِ
فَوَائِدُ
منها إذَا قُلْنَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ حُصُولُ الْمَسْنُونِ وَقِيلَ لَا يَحْصُلُ أَيْضًا
وَمِنْهَا وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ لو تَطَهَّرَ عن وَاجِبٍ هل يُجْزِئُ
____________________
(1/147)
عن الْمَسْنُونِ على ما تَقَدَّمَ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُجْزِيهِ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا هُنَاكَ لِأَنَّهُ أَعْلَى وَلَوْ نَوَاهُمَا حَصَلَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا لو نَوَى طَهَارَةً مُطْلَقَةً أو وُضُوءًا مُطْلَقًا عليه لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالتَّلْخِيصِ وَرَجَّحَهُ في الْفُصُولِ وقال بن عَقِيلٍ أَيْضًا إنْ قال هذا الْغُسْلُ لِطَهَارَتِي انْصَرَفَ إلَى إزَالَةِ ما عليه من الْحَدَثِ وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَتْ الطَّهَارَةُ نَافِلَةً وَنَافِلَةُ الطَّهَارَةِ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا يَخْرُجُ وَجْهَانِ في رَفْعِ الْحَدَثِ وقال أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى الْغُسْلَ وَحْدَهُ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً وَتَارَةً غير عِبَادَةٍ فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ انْتَهَى
وَقِيلَ يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا لو نَوَى الْجُنُبُ الْغُسْلَ وَحْدَهُ أو لِمُرُورِهِ في الْمَسْجِدِ لم يَرْتَفِعْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أبي الْمَعَالِي وَقِيلَ يَرْتَفِعُ وَقِيلَ يَرْتَفِعُ في الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا وقال بن تَمِيمٍ إنْ نَوَى الْجُنُبُ بِغُسْلِهِ الْقِرَاءَةَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ الْأَكْبَرُ وفي الْأَصْغَرِ وَجْهَانِ وَإِنْ نَوَى اللُّبْثُ في الْمَسْجِدِ ارْتَفَعَ الْأَصْغَرُ وفي الْأَكْبَرِ وَجْهَانِ وَقِيلَ يَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ في الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ
وَمِنْهَا لو نَوَى بِطَهَارَتِهِ صَلَاةً مُعَيَّنَةً لَا غَيْرَهَا ارْتَفَعَ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي وَجْهَيْنِ كَمُتَيَمِّمٍ نَوَى إقَامَةَ فَرْضَيْنِ في وَقْتَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الْوُضُوءَ أو الْغُسْلَ فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهُمَا فَهَلْ يَرْتَفِعُ سَائِرُهُمَا على وَجْهَيْنِ
____________________
(1/148)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وبن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ في شَرْحَيْهِمَا وَالْحَاوِيَيْنِ
أَحَدُهُمَا يَرْتَفِعُ سَائِرُهَا وهو الْمَذْهَبُ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هذا الْمَشْهُورُ وقال بن عُبَيْدَانَ هذا الصَّحِيحُ قال في الْفَائِقِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ في أَحْدَاثِ الْوُضُوءِ
وَالثَّانِي لَا يَرْتَفِعُ إلَّا ما نَوَاهُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ في مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَرَجَّحَهُ الْمَجْدُ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَقِيلَ لَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَيْضِ عن الْجَنَابَةِ وَلَا نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عن الْحَيْضِ وَتُجْزِئُ في غَيْرِهِمَا نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ وَقِيلَ تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَيْضِ عن الْجَنَابَةِ وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عن الْحَيْضِ وما سِوَى ذلك يَتَدَاخَلُ وَقِيلَ إنْ نَسِيَتْ الْمَرْأَةُ حَالَهَا أَجْزَأَهَا نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فينوى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا لو نَوَى مع ذلك أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُ ما نَوَاهُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ وهو الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ فيه الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِيمَا إذَا نَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ
الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان اجْتِمَاعُهَا مَعًا أو مُتَفَرِّقَةً إذَا كانت مُتَنَوِّعَةً وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وهو الصَّوَابُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَا مَعًا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى رَفْعَ بَعْضِ أَحْدَاثِهِ التي نَقَضَتْ وُضُوءَهُ مَعًا زَادَ في الْكُبْرَى إنْ أَمْكَنَ اجتماعها ( ( ( اجتماعهما ) ) ) ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا وَقِيلَ بَلْ ما نَوَاهُ وَحْدَهُ وَقِيلَ
____________________
(1/149)
وَغَيْرُهُ إنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا وَنَوَاهُ وَقِيلَ إنْ تَكَرَّرَتْ من جِنْسٍ أو أَكْثَرَ فَأَطْلَقَ النِّيَّةَ ارْتَفَعَ الْكُلُّ وَإِنْ عَيَّنَ في الْجِنْسِ أَوَّلَهَا أو آخِرَهَا أو أَحَدَ الْأَنْوَاعِ فَوَجْهَانِ انْتَهَى
الثَّالِثُ تَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِ أبي بَكْرٍ أَنَّهُ لو نَوَى بَعْدَ ذلك رَفْعَ الْحَدَثِ عن بَاقِي الْأَسْبَابِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ على الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ
وَأَيْضًا من فَوَائِدِهِ لو اغْتَسَلَتْ الْحَائِضُ إذَا كانت جُنُبًا لِلْحَيْضِ حَلَّ وَطْؤُهَا دُونَ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْجَنَابَةِ قال بن تَمِيمٍ وَلَا يَمْنَعُ الْحَيْضَ صِحَّةُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَنْصُوصُ قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو الْأَقْوَى عِنْدِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ وَقَالَا لَا تَمْنَعُ الْجَنَابَةَ غُسْلُ الْحَيْضِ مِثْلُ إنْ أَجْنَبَتْ في أَثْنَاءِ غُسْلِهَا منه انْتَهَى وَيَأْتِي ذلك بِأَتَمَّ من هذا في الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ
الرَّابِعُ قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ على أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ هذا صَحِيحٌ وَأَوَّلُ وَاجِبَاتِهَا الْمَضْمَضَةُ وَالتَّسْمِيَةُ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَجُوزُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يَجُوزُ مع ذِكْرِهَا وَبَقَاءِ حُكْمِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا قال بن تَمِيمٍ وَجَوَّزَ الْآمِدِيُّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ ما لم يَفْسَخْهَا وَكَذَا يَخْرُجُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وقال الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ إذَا قَدَّمَ النِّيَّةَ وَاسْتَصْحَبَ ذِكْرَهَا حتى يَشْرَعَ في الطَّهَارَةِ جَازَ وَإِنْ نَسِيَهَا أَعَادَ وقال أبو الْحُسَيْنِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ ما لم يَعْرِضْ ما يَقْطَعُهَا من اشْتِغَالٍ بِعَمَلٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لَا يُبْطِلُهَا عَمَلٌ يَسِيرٌ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَصْحَبَ حُكْمَهَا أَجْزَأَهُ
____________________
(1/150)
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ نِسْيَانُهَا في الْأَشْهَرِ وَلَا غَفْلَةٌ عنها مُطْلَقًا وَقِيلَ بَلْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فيه
فَوَائِدُ
منها لو أَبْطَلَ الْوُضُوءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ منه لم يَبْطُلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَبْطُلُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا لو شَكَّ في الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ منها لم يُؤَثِّرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَبْطُلُ وَقِيلَ إنْ شَكَّ عَقِيبَ فَرَاغِهِ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَلَا
وَمِنْهَا لو أَبْطَلَ النِّيَّةَ في أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ بَطَلَ ما مَضَى منها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ ما مَضَى منها جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي لَكِنْ إنْ غَسَلَ الْبَاقِيَ بِنِيَّةٍ أُخْرَى قبل طُولِ الْفَصْلِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَإِنْ طَالَتْ انْبَنَى على وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ قال في التَّلْخِيصِ وَهُمَا الْأَقْيَسُ وَأَطْلَقَهُمَا الشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وقال بن تَمِيمٍ وَإِنْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ في أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ بَطَلَ ما مَضَى منها في أَحَدِ الْوُجُوهِ وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قُلْت ظَاهِرُ الْقَوْلِ الثَّانِي مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ هو مُفْضٍ إلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ وَفَاتَتْ فما أَظُنُّ أَحَدًا يقول ذلك وَلَا بُدَّ في الْقَوْلِ الثَّالِثِ من إضْمَارٍ وَتَقْدِيرُهُ وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ فَأَخَلَّ بها بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا
وَمِنْهَا لو فَرَّقَ النِّيَّةَ على أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ صَحَّ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وقال وَحَكَى شَيْخُنَا أبو الْفَرَجِ رَحِمَهُ اللَّهُ في مَاءِ الْوُضُوءِ هل يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ عن الْعُضْوِ أو يَكُونُ مَوْقُوفًا إنْ أَكْمَلَ طَهَارَتَهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لم يُكْمِلْهَا فَلَا يَضُرُّهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ
____________________
(1/151)
انْفِصَالِهِ وَالثَّانِي هو مَوْقُوفٌ قال فَعَلَى هذا لَا يَصِحُّ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ على أَعْضَائِهِ انْتَهَى
وَمِنْهَا غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ من الْحَيْضِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ قَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وبن تَمِيمٍ وقال وَاعْتَبَرَ الدِّينَوَرِيُّ في تَكْفِيرِ الْكَافِرِ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ النِّيَّةَ وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ ها هنا انْتَهَى قال في الْقَوَاعِدِ وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ على أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ أَمْ لَا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ ذلك بِيَمِينِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ بِيَسَارِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ حَرْبٍ الِاسْتِنْشَاقُ بِالشِّمَالِ
قَوْلُهُ من غُرْفَةٍ وَإِنْ شَاءَ من ثَلَاثٍ وَإِنْ شَاءَ من سِتٍّ
هذه الصِّفَاتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَالْأَفْضَلُ جَمْعُهَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ من الْغُرْفَةِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ بِغُرْفَتَيْنِ لِكُلِّ عُضْوٍ غُرْفَةٌ حَكَاهَا الْآمِدِيُّ وَعَنْهُ بِثَلَاثٍ لَهُمَا مَعًا وَعَنْهُ بِسِتٍّ ذَكَرَهَا بن الزَّاغُونِيِّ قال بن تَمِيمٍ بَعْدَ ذلك وَهَلْ يُكْمِلُ الْمَضْمَضَةَ أو يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فيه وَجْهَانِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ ثم ( ( ( ويستنشق ) ) ) يستنشق من الْغُرْفَةِ ثُمَّ ثَانِيًا كَذَلِكَ منها أو من غُرْفَةٍ ثَالِثَةٍ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ ثَالِثًا وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ
قَوْلُهُ وَهُمَا وَاجِبَانِ في الطَّهَارَتَيْنِ
يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَرُوهُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ وَاجِبٌ وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ في الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ في الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى
____________________
(1/152)
عَكْسُ التي قَبْلَهَا نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ وَعَنْهُ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ في الْوُضُوءِ وَحْدَهُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ عَكْسُهَا ذَكَرَهَا بن الْجَوْزِيِّ وَعَنْهُ هُمَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا
فَائِدَةٌ هل يُسَمِّيَانِ فَرْضًا أَمْ لَا وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ فِيهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ في تَسْمِيَتِهِمَا فَرْضًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ في سُقُوطِهِمَا سَهْوًا
وقال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هذا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ في الْوَاجِبِ هل يُسَمَّى فَرْضًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَمَّى فَرْضًا فَيُسَمَّيَانِ فَرْضًا انْتَهَى
وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ هُمَا وَاجِبَانِ لَا فَرْضَانِ وقال الزَّرْكَشِيُّ حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ فَتَرْكُهُمَا أو أَحَدَهُمَا وَلَوْ سَهْوًا لم يَصِحَّ وُضُوءُهُ قَالَهُ الْجُمْهُورُ
قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا على الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الصُّغْرَى
وقال بن الزَّاغُونِيِّ إنْ قِيلَ إنَّ وُجُوبَهُمَا بِالسُّنَّةِ صَحَّ مع السَّهْوِ وحكى عن أَحْمَدَ في ذلك رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُوبُهُمَا بِالْكِتَابِ وَالثَّانِيَةُ بِالسُّنَّةِ
تَنْبِيهٌ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هل لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ أَمْ لَا فقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا فَائِدَةَ له وَمَتَى قُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا لم ( ( ( لما ) ) ) يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِتَرْكِهِمَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ لَهُمَا الْكِتَابُ لم يَصِحَّ الْوُضُوءُ بِتَرْكِهِمَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَإِنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ لَهُمَا السُّنَّةُ صَحَّ وُضُوءُهُ مع السَّهْوِ وَهَذَا اخْتِيَارُ بن الزَّاغُونِيِّ كما تَقَدَّمَ عنه
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ الِانْتِثَارُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَكُونُ بِيَسَارِهِ وَعَنْهُ يَجِبُ
____________________
(1/153)
تَنْبِيهٌ دخل في قَوْلِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا من مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى ما انْحَدَرَ من اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ الْعِذَارُ
وهو الشَّعْرُ النَّابِتُ على الْعَظْمِ النَّاتِئِ الْمُسَامِتِ لِصِمَاخِ الْأُذُنِ إلَى الصُّدْغِ وَدَخَلَ أَيْضًا الْعَارِضُ وهو ما تَحْتَ الْعِذَارِ إلَى الذَّقَنِ وَدَخَلَ أَيْضًا الْمَفْصِلَانِ الْفَاصِلَانِ بين اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنَيْنِ وَهُمَا يَلِيَانِ الْعِذَارِ من تَحْتِهِمَا وَقِيلَ وَهُمَا شَعْرُ اللَّحْيَيْنِ وَلَا تَدْخُلُ النَّزْعَتَانِ في الْوَجْهِ بَلْ هُمَا من الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن عُبَيْدَانَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمَا من الرَّأْسِ قال في الْفُرُوعِ من الرَّأْسِ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُمَا من الرَّأْسِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ هُمَا من الْوَجْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
فَائِدَةٌ النَّزْعَتَانِ ما انْحَسَرَ عنه الشَّعْرُ في فودى الرَّأْسِ وَهُمَا جَانِبَا مُقَدَّمِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمَا بَيَاضُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ من جَانِبَيْ نَاصِيَتِهِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو قَرِيبٌ من الْأَوَّلِ
وَلَا يَدْخُلُ الصُّدْغُ وَالتَّحْذِيفُ أَيْضًا في الْوَجْهِ بَلْ هُمَا من الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمَجْدُ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا من الرَّأْسِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في الصُّدْغِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ
وَقِيلَ هُمَا من الْوَجْهِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وبن عُبَيْدَانِ وَحَكَى أبو الْحُسَيْنِ في الصُّدْغِ رِوَايَتَيْنِ
وَقِيلَ التَّحْذِيفُ من الْوَجْهِ دُونَ الصُّدْغِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ قَالَهُ جَمَاعَةٌ
____________________
(1/154)
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا بن رَزِينٍ في التَّحْذِيفِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وقال بن عَقِيلٍ الصُّدْغُ من الْوَجْهِ
فَائِدَةٌ الصُّدْغُ هو الشَّعْرُ الذي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عن رَأْسِهَا قَلِيلًا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَقِيلَ هو ما يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَلَعَلَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
واما التَّحْذِيفُ فَهُوَ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ في جَانِبَيْ الْوَجْهِ وَمُنْتَهَى الْعَارِضِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَالشَّعْرُ الدَّاخِلُ في الْوَجْهِ ما انْتِهَاءُ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ وفي الْفُرُوعِ هو الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الْجَبِينِ في جَانِبَيْ الْوَجْهِ بين النَّزَعَةِ وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ وَكَذَا قال غَيْرُهُ وَلَعَلَّ ما في الزَّرْكَشِيّ وَمُنْتَهَى الْعَارِضِ سَبْقَةُ قَلَمٍ وَإِنَّمَا هو مُنْتَهَى الْعِذَارِ كما قال غَيْرُهُ وَالْحِسُّ يُصَدِّقُهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ بِشَرْطِ أَمْنِ الضَّرَرِ وَاخْتَارَهُ في النِّهَايَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِهِمَا مُطْلَقًا وَلَوْ لِلْجَنَابَةِ وَعَنْهُ يَجِبُ لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وهو من الْمُفْرَدَاتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ دَاخِلِهِمَا وَلَوْ أُمِنَ الضَّرَرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بَلْ يُكْرَهُ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وبن عُبَيْدَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال اخْتَارَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخَانِ وَقَطَعَ في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَعُقُودِ
____________________
(1/155)
بن الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ بِالِاسْتِحْبَابِ إذَا أُمِنَ الضَّرَرُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ في الْجَنَابَةِ دُونَ الْوُضُوءِ
فَائِدَةٌ لو كان فِيهِمَا نَجَاسَةٌ لم يَجِبْ غَسْلُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قُلْت فَيُعَايَى بها وَعَنْهُ يَجِبُ
وَأَمَّا ما في الْوَجْهِ من الشَّعْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليه في آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ في سُنَنِ الْوُضُوءِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ من مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ يَعْنِي الْمُعْتَادَ في الْغَالِبِ فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَفْرَعِ بِالْفَاءِ الذي يَنْبُتُ شَعْرُهُ في بَعْضِ جَبْهَتِهِ وَلَا بِأَجْلَحَ الذي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عن مُقَدِّمِ رَأْسِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ مع ما اسْتَرْسَلَ من اللِّحْيَةِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِلَا رَيْبٍ قال بن عُبَيْدَانَ هِيَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ قال بن رَجَبٍ في الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ غَسْلُ ما اسْتَرْسَلَ من اللِّحْيَةِ وهو مُقْتَضَى ما نَصَّهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي من عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِلِ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ
فَائِدَةٌ يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ ما في حَدِّ الْوَجْهِ وما خَرَجَ عنه عَرْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ بِحَالٍ نَقَلَ بَكْرٌ عن أبيه أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ أَيُّمَا أَعْجَبُ إلَيْك غَسْلُ اللِّحْيَةِ أو التَّخْلِيلُ فقال غَسْلُهَا ليس من السُّنَّةِ وَإِنْ لم يُخَلِّلْ أجزأه فَأَخَذَ من ذلك الْخَلَّالُ أنها لَا تُغْسَلُ مُطْلَقًا فقال الذي ثَبَتَ عن أبي عبد اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهَا وَلَيْسَتْ من الْوَجْهِ
____________________
(1/156)
وَرَدَّ ذلك الْقَاضِي وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ ليس من السُّنَّةِ أَيْ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَرَدَّ أبو الْمَعَالِي على الْقَاضِي
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ تَقَدَّمَ ذلك وَصِفَتُهُ في بَابِ السِّوَاكِ مُسْتَوْفًى
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَإِنْ كان يَسْتُرُهَا أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ في وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ يَجِبُ غَسْلُ ما تَحْتَ شَعْرِ غَيْرِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا على الصَّحِيحِ قال في الرِّعَايَةِ وَيُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا في الْأَشْهَرِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ
قَوْلُهُ وَيُدْخِلُ الْمَرْفِقَيْنِ في الْغَسْلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا في الْغَسْلِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ من لَا مَرْفِقَ له يَغْسِلُ إلَى قَدْرِ الْمَرْفِقِ في غَالِبِ الناس قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
فَوَائِد
لو كان له يَدٌ زَائِدَةٌ أو إصْبَعٌ أَصْلُهَا في مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا وَإِنْ كانت نَابِتَةً في غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ كَالْعَضُدِ وَالْمَنْكِبِ وَتَمَيَّزَتْ لم يَجِبْ غَسْلُهَا سَوَاءٌ كانت قَصِيرَةً أو طَوِيلَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن عَقِيلٍ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ يَجِبُ غَسْلُ ما حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ منها وَيَأْتِي في الرِّعَايَةِ غَسَلَ منها ما حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ في الْأَصَحِّ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
____________________
(1/157)
وَأَمَّا إذَا لم تَتَمَيَّزْ إحْدَاهُمَا من الْأُخْرَى فإنه يَجِبُ غَسْلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ قال في الْفُرُوعِ في بَابِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا وَمَنْ له يَدَانِ على كُوعَيْهِ أو يَدَانِ وَذِرَاعَانِ على مَرْفِقَيْهِ وَتَسَاوَتَا فَهُمَا يَدٌ انْتَهَى
وَلَوْ كان له يَدَانِ لَا مَرْفِقَ لَهُمَا غَسَلَ إلَى قَدْرِ الْمَرْفِقِ في غَالِبِ عَادَاتِ الناس وَتَقَدَّمَ كما قُلْنَا في الرُّجُوعِ إلَى حَدِّ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ في حَقِّ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ
فَإِنْ انْقَلَعَتْ جِلْدَةٌ من الْعَضُدِ حتى تَدَلَّتْ من الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُهَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ تَقَلَّعَتْ من الذِّرَاعِ حتى تَدَلَّتْ من الْعَضُدِ لم يَجِبْ غَسْلُهَا وَإِنْ طَالَتْ وَإِنْ تَقَلَّعَتْ من أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ غَسَلَ ما حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ من ظَاهِرِهَا والمتجافى منه من بَاطِنِهَا وما تَحْتَهُ لِأَنَّهَا كَالنَّابِتَةِ في الْمَحَلَّيْنِ قَطَعَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَوْ تَدَلَّتْ جِلْدَةٌ من مَحَلِّ الْفَرْضِ أو الْيَدِ غُسِلَتْ في الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَقِيلَ إنْ تَدَلَّتْ من مَحَلِّ الْفَرْضِ غُسِلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ عَكْسُهُ وَإِنْ الْتَحَمَ رَأْسُهَا في مَحَلِّ الْفَرْضِ غُسِلَ ما فيه منها وَقِيلَ كَيَدٍ زَائِدَةٍ انْتَهَى
وإذا انْكَشَطَتْ جِلْدَةٌ من الْيَدِ وَقَامَتْ وَجَبَ غَسْلُهَا وَإِنْ كانت غير حَسَّاسَةٍ بَلْ يَبِسَتْ وَزَالَتْ رُطُوبَةُ الْحَيَاةِ منها
فَائِدَةٌ لو كان تَحْتَ أَظْفَارِهِ يَسِيرُ وَسَخٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى ما تَحْتَهُ لم تَصِحَّ طَهَارَتُهُ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالتَّلْخِيصِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ تَصِحُّ وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَاحِبُ حَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَنَصَرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ يَصِحُّ مِمَّنْ يَشُقُّ تَحَرُّزُهُ منه كَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ من الزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَاخْتَارَهُ في
____________________
(1/158)
التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ حَيْثُ كان من الْبَدَنِ كَدَمٍ وَعَجِينٍ وَنَحْوِهِمَا وَاخْتَارَهُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الرَّأْسِ الْمَسْحُ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُجْزِئُ بَلُّ الرَّأْسِ من غَيْرِ مَسْحٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو غَسَلَهُ عِوَضًا عن مَسْحِهِ أَجْزَأَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إنْ أَمَّرَ يَدَهُ صَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ اخْتَارَهُ بن شَاقِلَا قال في الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ زَادَ في الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بَلْ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ يُجْزِئُ وَإِنْ لم يُمِرَّ يَدَهُ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا لم يُمِرَّ يد ( ( ( يدا ) ) ) الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ
الثَّانِيَةُ لو أَصَابَ الْمَاءُ رَأْسَهُ أَجْزَأَ إنْ أَمَّرَ يَدَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ حتى يُمِرَّ يَدَهُ وَيَقْصِدَ وُقُوعَ الْمَاءِ عليه قال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُجْزِئُ وُقُوعُ الْمَطَرِ بِلَا قَصْدٍ وَقِيلَ يُجْزِئُ إنْ أَمَّرَ يَدَهُ يَنْوِي بِهِ مَسْحَ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ في التَّلْخِيصِ وبن عَقِيلٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فَإِنْ لم يُمِرَّهَا ولم يَقْصِدْ فَكَعَكْسِهِ على ما تَقَدَّمَ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَيَبْدَأُ بِيَدَيْهِ هذا الْأَوْلَى وَالْكَامِلُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِبَعْضِ يَدِهِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ إذَا مَسَحَ بِأَكْثَرَ يَدِهِ قال في الْفُرُوعِ لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ في الْأَصَحِّ فيه وَقِيلَ على الْأَصَحِّ
____________________
(1/159)
وَقِيلَ إنْ وَجَبَ مَسَحَهُ كُلَّهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسْحَ بِحَائِلٍ يُجْزِئُ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ في ذلك الْمَسْحُ بِخَشَبَةٍ وَخِرْقَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ بِغَيْرِ يَدٍ كَخَشَبَةٍ وَخِرْقَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ يُجْزِئُ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في الْمَسْحِ بِالْخِرْقَةِ الْمَبْلُولَةِ وَالْخَشَبَةِ
وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ مَبْلُولَةً على رَأْسِهِ ولم يُمِرَّهَا عليه أو وَضَعَ عليه خِرْقَةً مَبْلُولَةً أو بَلَّهَا وَهِيَ عليه لم يُجْزِئْهُ في الْأَصَحِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
قَوْلُهُ من مُقَدِّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُمَا من انْتَشَرَ شَعْرُهُ وَيَرُدُّهُمَا من لَا شَعْرَ له أو كان مَضْفُورًا وَعَنْهُ تَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِمُؤَخَّرِهِ وَتَخْتِمُ بِهِ وَقِيلَ ما لم تَكْشِفْهُ وَعَنْهُ لَا تَرُدُّهُمَا إلَيْهِ وَعَنْهُ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمَصَبِّ الشَّعْرِ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذلك يَكُونُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَرُدُّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ
فَائِدَةٌ كَيْفَمَا مَسَحَهُ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كما قال الْمُصَنِّفُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بين مُسَبِّحَتَيْهِ وَيَضَعَهُمَا على مُقَدِّمِ رَأْسِهِ وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ في صُدْغَيْهِ ثُمَّ يُمِرَّ بِيَدَيْهِ إلَى مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ وَيُدْخِلَ مُسَبِّحَتَيْهِ في صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ لِظَاهِرِهِمَا
وَقِيلَ بَلْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ في الْمَاءِ ثُمَّ يُرْسِلَهُمَا حتى يَقْطُرَ الْمَاءُ ثُمَّ يَتْرُكَ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى على طَرَفِ سَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى انْتَهَى قال الزَّرْكَشِيُّ وَصِفَةُ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ أَحَدَ طَرَفَيْ سَبَّابَتَيْهِ على طَرَفِ
____________________
(1/160)
الْأُخْرَى وَيَضَعَهُمَا على مُقَدِّمِ رَأْسِهِ وَيَضَعَ الْإِبْهَامَيْنِ على الصُّدْغَيْنِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ نَصَّ عليه وهو الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ وعفى ( ( ( وعفا ) ) ) في الْمُبْهِجِ وَالْمُتَرْجِمِ عن يَسِيرِهِ لِلْمَشَقَّةِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ اخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ أَكْثَرُهُ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا وَالْيَسِيرُ الثُّلُثُ فما دُونَهُ وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ الْأَكْثَرَ فَشَمِلَ أَكْثَرَ من النِّصْفِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ قَدْرِ النَّاصِيَةِ وَأَطْلَقَ الْأَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ فَعَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ على الصَّحِيحِ بَلْ لو مَسَحَ قَدْرَهَا من وَسَطِهِ أو من أَيِّ جَانِبٍ منه أَجْزَأَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ عن أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ قال الْقَاضِي وَعَامَّةُ من بَعْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ على الْمَعْرُوفِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي وبن حَمْدَانَ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وقال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَتَعَيَّنَ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ النَّاصِيَةُ مُقَدِّمُ الرَّأْسِ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ هِيَ قِصَاصُ الشَّعْرِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وقال ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ من غَيْرِ تَحْدِيدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَصَرَّحَ بن أبي مُوسَى بِعَدَمِ تَحْدِيدِ الرِّوَايَةِ فقال وَعَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ الْبَعْضِ من غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ احْتِمَالًا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ في التَّجْدِيدِ دُونَ غَيْرِهِ وقال الْقَاضِي
____________________
(1/161)
في التَّعْلِيقِ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ لِلْعُذْرِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَمْسَحُ معه الْعِمَامَةَ لِعُذْرٍ كَالنَّزْلَةِ وَنَحْوِهَا وَتَكُونُ كَالْجَبِيرَةِ فَلَا تَوْقِيتَ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ غَيْرِهَا قال الْخَلَّالُ وَالْمُصَنِّفُ هذه الرِّوَايَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ عن أَحْمَدَ قال الْخَلَّالُ الْعَمَلُ في مَذْهَبِ أبي عبد اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أنها إنْ مَسَحَتْ مُقَدِّمَ رَأْسِهَا أَجْزَأَهَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا إذَا قُلْنَا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ لم يَكْفِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عنه على الْمَشْهُورِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَلَا يَكْفِي أُذُنَيْهِ في الْأَشْهَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عن ذلك الْبَعْضِ وَلِلْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَجْهٌ بِالْإِجْزَاءِ قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ قال بن تَمِيمٍ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ على الْبَيَاضِ الذي فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ دُونَ الشَّعْرِ إذَا قُلْنَا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ
وَالثَّانِيَةُ لو مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَقُلْنَا الْفَرْضُ منه قَدْرُ النَّاصِيَةِ فَهَلْ الْكُلُّ فَرْضٌ أو قَدْرُ النَّاصِيَةِ فيه وَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ قَدْرُ النَّاصِيَةِ
قُلْت وَلَهَا نَظَائِرُ في الزَّكَاةِ وَالْهَدْيِ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ عليه شَاةٌ في خَمْسٌ من الْإِبِلِ أو دَمٌ في الْهَدْيِ فَأَخْرَجَ بَعِيرًا
قَوْلُهُ وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ مع الْأُذُنَيْنِ
إذَا قُلْنَا يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ وَأَنَّهُمَا من الرَّأْسِ مَسْحُهُمَا وُجُوبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وقال هو وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمَا الْأَوْلَى مَسْحُهُمَا وَجَزَمَ بِالْوُجُوبِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا قال
____________________
(1/162)
الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا قال الشَّارِحُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفَائِقِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وحكى ( ( ( وحكاه ) ) ) في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ
فَائِدَةٌ الْبَيَاضُ الذي فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ دُونَ الشَّعْرِ من الرَّأْسِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْوُضُوءِ وَقَدَّمَهُ في بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
قُلْت وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ ليس من الرَّأْسِ إجْمَاعًا وَتَقَدَّمَ بَعْضُ فُرُوعِ هذه الْمَسْأَلَةِ في أَوَاخِرِ بَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ
فَائِدَةٌ الْوَاجِبُ مَسْحُ ظَاهِرِ الشَّعْرِ فَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ لم يُجْزِهِ كما لو غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ وَلَوْ حَلَقَ الْبَعْضَ فَنَزَلَ عليه شَعْرُ ما لم يَحْلِقْ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عليه قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ فَقَدَ شَعْرَهُ مَسَحَ بَشَرَتَهُ وَإِنْ فَقَدَ بَعْضَهُ مَسَحَهُمَا وَإِنْ انْعَطَفَ بَعْضُهُ على ما عَلَا منه أَجْزَأَ مَسْحُ شَعْرِهِ فَقَطْ انْتَهَى
قُلْت وَيَحْتَمِلُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ
قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال الشَّارِحُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وبن الْجَوْزِيِّ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا
____________________
(1/163)
في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
قَوْلُهُ وَيُدْخِلُهُمَا في الْغَسْلِ
يَعْنِي الْكَعْبَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فيه
قَوْلُهُ وَإِنْ كان أَقْطَعَ غَسَلَ ما بَقِيَ من مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ لم يَبْقَ شَيْءٌ سَقَطَ
شَمِلَ كَلَامُهُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ
الْأُولَى أَنْ يَبْقَى من مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ فَيَجِبُ غَسْلُهُ بِلَا نِزَاعٍ
الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ من فَوْقِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عن طَهَارَةٍ
الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ من مَفْصِلِ الْمَرْفِقَيْنِ أو الْكَعْبَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ طَرَفِ السَّاقِ وَالْعَضُدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَصَالِحٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ
وَظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ فإنه قال فَإِنْ كان الْقَطْعُ من الْمَرْفِقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الْحَجِّ من خِلَافِهِ وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ على الِاسْتِحْبَابِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمَسَّ رَأْسَ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ كما قُلْنَا فِيمَنْ قَطَعَ منه من فَوْقِ الْمَرْفِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ
فَائِدَةٌ وَكَذَا حُكْمُ التَّيَمُّمِ إذَا قُطِعَتْ الْيَدُ من الْكَفِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
____________________
(1/164)
وبن تَمِيمٍ وقال الْقَاضِي يَسْقُطُ التَّيَمُّمُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَيَأْتِي ذلك في التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ
فَائِدَةٌ لو وَجَدَ الْأَقْطَعَ من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) بأجره الْمِثْلِ وَقَدَرَ عليه من غَيْرِ إضْرَارٍ لَزِمَهُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لِتَكَرُّرِ الضَّرَرِ دَوَامًا وقال في الْمُذْهَبِ يَلْزَمُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ وَجَدَ من يُيَمِّمُهُ ولم يَجِدْ من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) لَزِمَهُ ذلك فَإِنْ لم يَجِدْ صلى على حَسَبِ حَالِهِ وفي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ كَعَادِمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا هو وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ صلى ولم يَعُدْ في أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ قال بن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمَا صلى على حَسَبِ حَالِهِ ولم يَذْكُرُوا إعَادَةً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ من عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كما يَأْتِي فَكَذَا هُنَا قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في اسْتِنْجَاءِ مِثْلِهِ
قُلْت صَرَّحَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فقال إذَا عَجَزَ الْأَقْطَعُ عن أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ وَوَجَدَ من يُنْجِيهِ ويوضيه ( ( ( ويوضئه ) ) ) بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى فَإِنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذلك قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَيَتَيَمَّمُ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكُ له وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
قال في الْفَائِقِ قُلْت وَكَذَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ انْتَهَى قال في الْمُسْتَوْعِبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَهُ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثًا وَأَمَّا ما يَقُولُهُ على كل عُضْوٍ وَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ فَتَقَدَّمَ في بَابِ السِّوَاكِ
قَوْلُهُ وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ
هذا الْمَذْهَبُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتُبَاحُ إعَانَتُهُ على الْأَصَحِّ قال
____________________
(1/165)
في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَنِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَيُبَاحُ تَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ
وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ يُبَاحُ تَنْشِيفُهَا وَهِيَ أَصَحُّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيُبَاحُ مَسْحُهُ على الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ ونهايته ( ( ( ونهاية ) ) ) أبي يَعْلَى وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
فَوَائِدُ
منها السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمُعِينُ عن يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَقِفُ عن يَمِينِهِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ قال في الْفَائِقِ وَيَقِفُ الْمُعِينُ عن يَمِينِهِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى
وَمِنْهَا يَضَعُ من يَصُبُّ على نَفْسِهِ إنَاءَهُ عن يَسَارِهِ إنْ كان ضَيِّقَ الرَّأْسِ وَإِنْ كان وَاسِعًا يَغْتَرِفُ منه بِالْيَدِ وَضَعَهُ عن يَمِينِهِ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا
وَمِنْهَا لو وَضَّأَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَاهُ الْمُتَوَضِّئُ فَقَطْ صَحَّ على الصَّحِيحِ
____________________
(1/166)
من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) إنْ كان مُسْلِمًا وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا من غَيْرِ عُذْرٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَمِنْهَا لو يَمَّمَهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عليه أَيْضًا وقال في الرِّعَايَةِ في التَّيَمُّمِ إنْ عَجَزَ عنه صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) مُسْلِمًا أو كِتَابِيًّا وَقِيلَ بَلْ مُسْلِمٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَمِنْهَا لو أَكْرَهَ من يَصُبُّ عليه الْمَاءَ أو يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) على وُضُوئِهِ لم يَصِحَّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَصِحُّ في صَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ وقال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ من يُوَضِّئُهُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عليه لم يَصِحَّ في الْأَصَحِّ
فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الْمُكْرَهَ بِفَتْحِ الرَّاءِ هو الْمُتَوَضِّئُ فقال بَعْدَ أَنْ حَكَى ذلك كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قال وَمَحَلُّ النِّزَاعِ مُشْكِلٌ على ما ذَكَرَهُ فإنه إذَا أُكْرِهَ على الْوُضُوءِ وَنَوَى وَتَوَضَّأَ لِنَفْسِهِ صَحَّ بِلَا تَرَدُّدٍ قال الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ إذَا أُكْرِهَ على الْعِبَادَةِ وَفَعَلَهَا لِدَاعِي الشَّرْعِ لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ وَإِنْ تَوَضَّأَ ولم يَنْوِ لم يَصِحَّ إلَّا على وَجْهٍ شَاذٍّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ نِيَّةٌ وقد يُقَالُ لَا يَصِحُّ وَلَا ينوى لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ إلَى الْغَيْرِ فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُجَرَّدَةً عن فِعْلٍ فَلَا تَصِحُّ وقد ذَكَرُوا أَنَّ الصَّحِيحَ من الرِّوَايَتَيْنِ في الْأَيْمَانِ أَنَّ الْمُكْرَهَ بِالتَّهْدِيدِ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ على تَرْكِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ إلَى الْغَيْرِ انْتَهَى
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالْإِكْرَاهِ إكْرَاهُ من يَصُبُّ الْمَاءَ أو يُوَضِّئُهُ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ وَمُوَافَقَةِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ وَإِنْ أُكْرِهَ الْمُتَوَضِّئُ لِمَنْ يُوَضِّئُهُ فَعَلَى هذا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الذي أَوْرَدَهُ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ نَفْضُ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ كَرِهَهُ
____________________
(1/167)
الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قال بن عُبَيْدَانَ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَوَاشِي هذا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ قال بن عُبَيْدَانَ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ على الْفَرْضِ كَإِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَغْسِلُ ما فَوْقَ الْمَرْفِقِ قال في الْفَائِقِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ على مَحَلِّ الْفَرْضِ في نَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ شَيْخُنَا
وَمِنْهَا يُبَاحُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ في الْمَسْجِدِ إنْ لم يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ حَرُمَ كَاسْتِنْجَاءٍ أو رِيحٍ وَيُكْرَهُ إرَاقَةُ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ في الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا إرَاقَتُهُ في مَكَان يُدَاسُ فيه كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا اخْتَارَهُ في الْإِيجَازِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ ولم يذكر الْقَاضِي في الْجَامِعِ خِلَافَهُ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَمُذْهَبِ بن الْجَوْزِيِّ وَفُصُولِ بن عَقِيلٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وقال بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَهَلْ ذلك تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ أو لِلطَّرِيقِ على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يُغَسَّلُ في الْمَسْجِدِ مَيِّتٌ قال وَيَجُوزُ عَمَلُ مَكَان فيه لِلْوُضُوءِ لِلْمُصَلِّينَ بِلَا مَحْذُورٍ وَيَأْتِي في الِاعْتِكَافِ هل يَحْرُمُ الْبَوْلُ في الْمَسْجِدِ في إنَاءٍ أَمْ لَا
____________________
(1/168)
بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ
فَوَائِدُ
منها الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى شِبْهِهِمَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَرْفَعُهُ
وَمِنْهَا الْمَسْحُ أَفْضَلُ من الْغَسْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال الْقَاضِي لم يَرِدْ الْمُدَاوَمَةُ على الْمَسْحِ وَعَنْهُ الْغَسْلُ أَفْضَلُ وَقِيلَ إنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ في الْفَضِيلَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ إنْ لم يُدَاوِمْ الْمَسْحَ فَهُوَ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْأَفْضَلَ في حَقِّ كل وَاحِدٍ ما هو الْمُوَافِقُ لِحَالِ قَدَمِهِ فَالْأَفْضَلُ لِمَنْ قَدَمَاهُ مَكْشُوفَتَانِ غَسْلُهُمَا وَلَا يَتَحَرَّى لُبْسَ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عليه كما كان عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ وَيَمْسَحُ قَدَمَيْهِ إذَا كان لَابِسًا لِلْخُفِّ انْتَهَى
وَمِنْهَا لَا يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَلْبَسَ لِيَمْسَحَ كَالسَّفَرِ لِيُرَخِّصَ
وَمِنْهَا الْمَسْحُ رُخْصَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ عَزِيمَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ من فَوَائِدِهَا الْمَسْحَ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَتَعْيِينُ الْمَسْحِ على لَابِسِهِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
وَمِنْهَا لُبْسُ الْخُفِّ مع مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ مَكْرُوهٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ
وَمِنْهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا كَغَيْرِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ بِوَقْتِ كل صَلَاةٍ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ اسْتَأْنَفَتْ الْوُضُوءَ وَجْهًا وَاحِدًا
____________________
(1/169)
وَمِنْهَا لو غَسَلَ صَحِيحًا وَتَيَمَّمَ لِجُرْحٍ فَهَلْ يَمْسَحُ على الْخُفِّ قال غَيْرُ وَاحِدٍ هو كَالْمُسْتَحَاضَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلزَّمِنِ وفي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ إذَا لم يَبْقَ من فَرْضِ الْأُخْرَى شَيْءٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ وهو خُفٌّ قَصِيرٌ وَالْجَوْرَبَيْنِ
بِلَا نِزَاعٍ إنْ كَانَا مُنَعَّلَيْنِ أو مُجَلَّدَيْنِ وَكَذَا إنْ كَانَا من خِرَقٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا على ما يَأْتِي وَجَوَازُ الْمَسْحِ على الْجَوْرَبِ من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا وقال في الْفُرُوعِ يَجُوزُ الْمَسْحُ على جَوْرَبٍ ضَيِّقٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ
قَوْلُهُ وفي الْمَسْحِ على الْقَلَانِسِ وَخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارَاتِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في جَوَازِ الْمَسْحِ على الْقَلَانِسِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا الْإِبَاحَةُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُبَاحُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال في نَظْمِهِ هذا الْمَنْصُورُ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وقال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ يُبَاحُ إذَا كانت مَحْبُوسَةً تَحْتَ حَلْقِهِ بِشَيْءٍ
____________________
(1/170)
قال في الْفَائِقِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْقَلَانِسِ تَحْنِيكٌ وَاشْتَرَطَهُ الشِّيرَازِيُّ
فَائِدَةٌ الْقَلَانِسُ جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وقد تُبْدَلُ مُثَنَّاةً من تَحْتٍ وقد تُبْدَلُ أَلْفًا وَتُفْتَحُ السِّينُ فَيُقَالُ قَلَنْسَاةٌ وقد تُحْذَفُ النُّونُ من هذه بَعْدَهَا هَاءُ تَأْنِيثٍ مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ والدينات قَلَانِسُ كِبَارٌ أَيْضًا كانت الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا قَدِيمًا قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هِيَ على هَيْئَةِ ما تَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ وقال الْحَافِظُ بن حَجَرٍ الْقَلَنْسُوَةُ غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ تُسْتَرُ بِهِ الرَّأْسُ قَالَهُ الْقَزَّازُ في شَرْحِ الْفَصِيحِ وقال بن هِشَامٍ هِيَ التي يَقُولُهَا الْعَامَّةُ الشَّاشَةُ وفي الْمُحْكَمِ هِيَ من مُلَابِسِ الرُّءُوسِ مَعْرُوفَةٌ وقال أبو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ هِيَ التي تُغَطَّى بها الْعَمَائِمُ وَتَسْتُرُ من الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ كَأَنَّهَا عِنْدَهُ رَأْسُ الْبُرْنُسِ انْتَهَى
وَجَوَازُ الْمَسْحِ على دِينَاتِ الْقُضَاةِ من الْمُفْرَدَاتِ
واما خُمُرُ النِّسَاءِ الْمُدَارَةُ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في جَوَازِ الْمَسْحِ عليها الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قال النَّاظِمُ هذا الْمَنْصُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وهو ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ
قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ إلَّا الْجَبِيرَةَ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
____________________
(1/171)
إنْ كان الْمَمْسُوحُ عليه غير جَبِيرَةٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عليه كَمَالُ الطَّهَارَةِ قبل لُبْسِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَالُهَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وقال وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِمَسْحِ الْعِمَامَةِ ذَكَرَهُ بن هُبَيْرَةَ فَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَحَكَى أبو الْفَرَجِ رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ رَأْسًا فَإِنْ لَبِسَ مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ في الْخُفِّ جَازَ له الْمَسْحُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو غَرِيبٌ بَعِيدٌ
قُلْت اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال أَيْضًا وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لها ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ على طَهَارَةٍ وَيَكْفِيهِ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ من تَوَضَّأَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَرَفَعَ الْعِمَامَةَ ثُمَّ أَعَادَهَا وَلَا يَبْقَى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وما قَالَهُ رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ
تَنْبِيهٌ من فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ لو غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ خَلَعَ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الْأُخْرَى وَلَوْ لَبِسَ الْأُولَى طَاهِرَةً ثُمَّ لَبِسَ الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً خَلَعَ الْأُولَى فَقَطْ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي بَكْرٍ وَيَخْلَعُ الثَّانِيَةَ وَهَذَا مُفَرَّعٌ على الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا خَلْعَ
وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا وَغَسَلَهُمَا فيه خَلَعَ على الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَهُ قبل الْحَدَثِ وَإِنْ لم يَلْبَسْ حتى أَحْدَثَ لم يَجُزْ له الْمَسْحُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَخْلَعُهُ وَيَمْسَحُ قال في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى في هذه الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ لِابْتِدَاءِ اللُّبْسِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَهِيَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ فَذَكَرُوا فيها الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ
قُلْت وقد تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ التي نَقَلَهَا أبو الْفَرَجِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ له الْمَسْحُ عليها في هذه الْمَسْأَلَةِ
وَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا في الْخُفِّ ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ أو فَعَلَهُ مُحْدِثٌ ولم نَعْتَبِرْ التَّرْتِيبَ لم يَمْسَحْ على الْأُولَى وَيَمْسَحُ على الثَّانِيَةِ
____________________
(1/172)
وَكَذَا الْحُكْمُ لو لَبِسَ عِمَامَةً قبل طُهْرٍ كَامِلٍ فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ لَبِسَهَا ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَلَعَ على الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَوْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ توضا وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كما لو لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا فلما غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهَا إلَى السَّاقِ ثُمَّ أَعَادَهَا وَإِنْ لم يَرْفَعْهَا رَفْعًا فَاحِشًا احْتَمَلَ أَنَّهُ كما لو غَسَلَ رِجْلَيْهِ في الْخُفِّ لِأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عن حُكْمِ اللُّبْسِ وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ اللُّبْسِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عفى ( ( ( عفا ) ) ) عنه هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لها ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ على طَهَارَةٍ وَيَكْفِي فيها الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ وقال أَيْضًا يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَخْلَعَهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ يَلْبَسَهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ وَهَذَا مُرَادُ بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ في الْعِمَامَةِ هل يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهَا على طَهَارَةٍ عنه رِوَايَتَانِ
أَمَّا ما لَا يُعْرَفُ عن أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فَبَعِيدٌ إرَادَتُهُ جِدًّا فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ عليه قَالَهُ في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ لو أَحْدَثَ قبل وُصُولِ الْقَدَمِ مَحَلَّهَا لم يَمْسَحْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلِهَذَا لو غَسَلَهَا في هذا الْمَكَانِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَحَلَّهَا مسح ( ( ( يمسح ) ) ) وَعَنْهُ يَمْسَحُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
وَأَمَّا إذَا كان الْمَمْسُوحُ عليه جَبِيرَةٌ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عليها قال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لها في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْخُلَاصَةِ يُشْتَرَطُ على الْأَصَحِّ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وبن عَبْدُوسٍ وبن الْبَنَّا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لها الطَّهَارَةُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى
____________________
(1/173)
الرِّوَايَتَيْنِ وَقَوَّاهُ أَيْضًا في نَظْمِهِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْمَجْدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ شَدَّ على غَيْرِ طَهَارَةٍ نَزَعَ فَإِنْ خَافَ تَيَمَّمَ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي يَمْسَحُ فَقَطْ وفي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ تَخْرِيجًا وَقِيلَ يَمْسَحُ وَيَتَيَمَّمُ
وَحَيْثُ قُلْنَا يَتَيَمَّمُ لو عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ فَرْضِ التَّيَمُّمِ ضَرُورَةً كَفَى مَسْحُهُمَا بِالْمَاءِ وَلَا يُعِيدُ ما صلى بِلَا تَيَمُّمٍ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هذه الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَمْسَحُ على جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لم تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ
تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى ما عَدَا الْجَبِيرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ فَقَطْ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ يَبْعُدُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ وَإِنْ قَرُبَ منها لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِلَافَ فيها ليس مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ الثَّانِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا أَشْهَرُ من الْخِلَافِ فيها قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْخِلَافُ هُنَا في غَيْرِ الْجَبِيرَةِ وقال بن عُبَيْدَانَ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى ما عَدَا الْجَبِيرَةَ من الْمَمْسُوحِ لِأَنَّ الْخِلَافَ في الْجَبِيرَةِ ليس مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ وَإِنَّمَا هو في تَقَدُّمِ أَصْلِ الطَّهَارَةِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الْخِلَافُ إلَى الْجَبِيرَةِ لِقُرْبِهَا وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فيها أَشْهَرُ وَهَذَا هو الذي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ وَكَلَامُ أبي الْخَطَّابِ سَوَاءٌ في الْمَعْنَى قال صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَلَا بُدَّ من
____________________
(1/174)
بَيَانِ مَوْضِعِ الرِّوَايَتَيْنِ فإنه في الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَكَذَا ذَكَرَهُ في شَرْحِ الْمُقْنِعِ انْتَهَى كَلَامُ بن عُبَيْدَانَ
فَائِدَةٌ لو لَبِسَ خُفًّا على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها على عِمَامَةٍ أو عَكْسِهِ فَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْمَلْبُوسِ الثَّانِي فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال بن عُبَيْدَانَ قال أَصْحَابُنَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ قال في الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ قال الْقَاضِي يَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمَسْحِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أبي الْبَرَكَاتِ الْجَوَازُ جَزْمًا على قَاعِدَتِهِ من أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ انْتَهَى
قُلْت الْمَذْهَبُ الرَّفْعُ كما تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ وَيَأْتِي آخِرَهُ
وَكَذَا الْحُكْمُ لو شَدَّ جَبِيرَةً على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها عِمَامَةً وَخُفًّا أو أَحَدَهُمَا وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لها الطَّهَارَةُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَضَعَّفَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى جَوَازَ الْمَسْحِ في هذه الْمَسْأَلَةِ
وَقِيلَ يَجُوزُ الْمَسْحُ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ في الْأُولَى لِأَنَّ مَسْحَهُمَا عَزِيمَةٌ وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ أَيْضًا
وَلَوْ شَدَّ جَبِيرَةً على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها جَبِيرَةً جَازَ الْمَسْحُ عليها جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفُرُوعِ
وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا أو عِمَامَةً على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها على الْجَبِيرَةِ جَازَ الْمَسْحُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وقال بن حَامِدٍ إنْ كانت الْجَبِيرَةُ في رِجْلِهِ وقد مَسَحَ عليها ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لم يَمْسَحْ عليه
____________________
(1/175)
فَائِدَةٌ لَا يَمْسَحُ على خُفٍّ لَبِسَهُ على طَهَارَةٍ تَيَمَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وقال هو أَوْلَى وقال في رِوَايَةٍ من قال لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ إلَّا وُجُودُ الْمَاءِ له أَنْ يَمْسَحَ وَتَقَدَّمَ في اول الْبَابِ إذَا تَيَمَّمَ لِجُرْحٍ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يَمْسَحُ كَالْجَبِيرَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الِاخْتِيَارَاتِ وَلَا تَتَوَقَّتُ مُدَّةُ الْمَسْحِ في حَقِّ الْمُسَافِرِ الذي يَشُقُّ اشْتِغَالُهُ بِالْخَلْعِ وَاللُّبْسِ كَالْبَرِيدِ الْمُجَهَّزِ في مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ غَيْرُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْسَحَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ بن شِهَابٍ وَقِيلَ لَا يَمْسَحُ مُطْلَقًا عُقُوبَةً له
فَائِدَةٌ لو أَقَامَ وهو عَاصٍ بِإِقَامَتِهِ كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَبَى وَأَقَامَ فَلَهُ مَسْحُ مُقِيمٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي هل هو كَعَاصٍ بِسَفَرِهِ في مَنْعِ الترخص ( ( ( الترخيص ) ) ) فيه وَجْهَانِ
قُلْت فَعَلَى الْمَنْعِ يُعَايَى بها
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إلَّا الْجَبِيرَةَ فإنه يَمْسَحُ عليها إلَى حَلِّهَا
بِلَا نِزَاعٍ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ كَالتَّيَمُّمِ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ بن حَامِدٍ وأبو الْخَطَّابِ وَجْهًا
____________________
(1/176)
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَتَيْنِ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ غير الْجَبِيرَةِ وَقِيلَ اللُّصُوقِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ غير اللُّصُوقِ وَالْجَبِيرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً
قُلْت وَهَذَا هو الصَّوَابُ وَأَنَّ اللُّصُوقَ حَيْثُ تَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ يَمْسَحُ عليه إلَى حلة كَالْجَبِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فيها خِلَافٌ
قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَالْمَشْهُورُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ أَيْ من وَقْتِ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ فَلَوْ مَضَى من الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أو ثَلَاثَةٌ إنْ كان مُسَافِرًا ولم يَمْسَحْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وما لم يُحْدِثْ لَا يُحْتَسَبُ من الْمُدَّةِ فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا على طَهَارَةِ اللُّبْسِ ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ انْتَهَى وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وانتهاءها ( ( ( وانتهاؤها ) ) ) وَقْتُ الْمَسْحِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ صَلَوَاتٍ مِثْلُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْجَمْعَ من مَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَيَمْسَحُ من وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَمْسَحُ إلَى مِثْلِهَا من الْغَدِ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ قبل فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَتَتِمُّ له سَبْعُ صَلَوَاتٍ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً كما قُلْنَا في الْمُقِيمِ
قَوْلُهُ وَإِنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ أُتَمّ مَسَحَ مُقِيمٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال في الْمُبْهِجِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ إنْ كان مَسَحَ مُسَافِرًا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال بن رَجَبٍ في الطَّبَقَاتِ وهو غَرِيبٌ وَنَقَلَهُ في الْإِيضَاحِ رِوَايَةً ولم أَرَهَا فيه
وَالصَّحِيحُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
____________________
(1/177)
قُلْت منهم بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْخَطَّابِ في خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالْكَافِي وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ
وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وأبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فقال هو النَّصُّ الْمُتَأَخِّرُ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى
قال الْخَلَّالُ نَقَلَهُ عنه أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَقَدْ غَالَى الْخَلَّالُ حَيْثُ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً فقال نَقَلَ عنه أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ وَرَجَعَ عن قَوْلِهِ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
فَائِدَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ صلى في الْحَضَرِ أو لَا وقال أبو بَكْرٍ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ صلى بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ في الْحَضَرِ غَلَبَ جَانِبُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً
قَوْلُهُ أو شَكَّ في ابْتِدَائِهِ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ في التي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَسَوَاءٌ كان الشَّكُّ حَضَرًا أو سَفَرًا قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قُلْت وَمَسْحُ مُسَافِرٍ مع الشَّكِّ في أَوَّلِهِ غَرِيبٌ بَعِيدٌ
فَائِدَةٌ لو شَكَّ في بَقَاءِ الْمُدَّةِ لم يَجُزْ الْمَسْحُ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَبَانَ بَقَاؤُهَا صَحَّ وُضُوءُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كما يُعِيدُ ما صلى بِهِ مع شَكِّهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
____________________
(1/178)
قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْدَثَ ثُمَّ سَافَرَ قبل الْمَسْحِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا قال في الرِّعَايَةِ وهو غَرِيبٌ وَقِيلَ إنْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا على ما يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْمَسْحِ على الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ إلَّا إنْ تَخَرَّقَ أَكْثَرُهُ قال في الِاخْتِيَارَاتِ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ على الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ ما دَامَ اسْمُهُ بَاقِيًا وَالْمَشْيُ فيه مُمْكِنٌ اخْتَارَهُ أَيْضًا جَدُّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ من الْعُلَمَاءِ لَكِنْ من شَرْطِ الْخَرْقِ أَنْ لَا يَمْنَعَ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا جَوَازَ الْمَسْحِ على الْمَلْبُوسِ وَلَوْ كان دُونَ الْكَعْبِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قوله وَثَبَتَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا كان لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَدِّهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه وهو الْمَذْهَبُ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِالنَّعْلَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا ما لم يَخْلَعْ النَّعْلَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يَتَخَرَّجُ الْمَنْعُ منه انْتَهَى
وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ على الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورِ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ مَسْحُهُمَا وَقِيلَ يُجْزِئُ مَسْحُ الْجَوْرَبِ وَحْدَهُ وَقِيلَ أو النَّعْلِ قال في الْفُرُوعِ فَقِيلَ يَجِبُ مَسْحُهُمَا وَعَنْهُ أو أَحَدِهِمَا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إجْزَاءُ الْمَسْحِ على أَحَدِهِمَا قَدْرَ الْوَاجِبِ
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا هو الْمَذْهَبَ
____________________
(1/179)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ الْمَسْحُ على الذي يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَبْدُو بَعْضُهُ لَوْلَا شَدُّهُ أو شَرْجُهُ كَالزُّرْبُولِ الذي له سَاقٌ وَنَحْوُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه اخْتَارَهُ أبو الْحُسَيْنِ الْآمِدِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وبن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِجَوَازِ الْمَسْحِ شَرْطَيْنِ سَتْرَ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَثُبُوتَهُ بِنَفْسِهِ وَثَمَّ شُرُوطٌ أُخَرُ
منها تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ كَامِلَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا إبَاحَتُهُ فَلَوْ كان مَغْصُوبًا أو حَرِيرًا أو نَحْوَهُ لم يَجُزْ الْمَسْحُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ وقال في الْفُرُوعِ مُبَاحٌ على الْأَصَحِّ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ في الْأَصَحِّ قال بن عُبَيْدَانَ هذا الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَالسَّامِرِيُّ الصِّحَّةَ على الصَّلَاةِ وَأَبَى ذلك الشَّيْخَانِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وقال إنَّهُ وَهْمٌ فإن الْمَسْحَ رُخْصَةٌ تَمْتَنِعُ بِالْمَعْصِيَةِ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وقال في الْفُصُولِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَنْ هو في بَلَدِ ثَلْجٍ وَخَافَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَصْلِيِّ أَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ لُزُومًا على الصَّحِيحِ قال بن عَقِيلٍ إنْ مَسَحَ على ذلك فَهَلْ يَصِحُّ على الْوَجْهَيْنِ في الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَالطَّهَارَةُ من أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ قال فَإِنْ مَسَحَ ثُمَّ نَدِمَ فَخَلَعَ وَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ قبل أَنْ يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ انْبَنَى على
____________________
(1/180)
الرِّوَايَتَيْنِ في خَلْعِ الْخُفِّ هل تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْقَدَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ من أَصْلِهَا
وَمِنْهَا إمْكَانُ الْمَشْيِ فيه مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَدَخَلَ في ذلك الْجُلُودُ وَاللُّبُودُ وَالْخَشَبُ وَالزُّجَاجُ وَنَحْوُهَا قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مع إمْكَانِ الْمَشْيِ فيه كَوْنُهُ مُعْتَادًا وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مع ذلك كُلِّهِ كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ وَأَطْلَقَهُمَا في غَيْرِ الْمُعْتَادِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْهِدَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ قَوْلِي إمْكَانُ الْمَشْيِ فيه قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُمْكِنُ الْمَشْيُ فيه قَدْرَ ما يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ الْمُسَافِرُ في حَاجَتِهِ في وَجْهٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أو أَقَلَّ
وَمِنْهَا طَهَارَةُ عَيْنِهِ إنْ لم تَكُنْ ضَرُورَةٌ بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ كان ثَمَّ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ على جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ قبل الدَّبْغِ في بِلَادِ الثُّلُوجِ إذَا خَشِيَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ بِخَلْعِهِ وَنَحْوِ ذلك بَلْ يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ بن عُبَيْدَانَ هذا الْأَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَصَحَّحَهُ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ وَالْحَالَةُ هذه فَيُجْزِيهِ الْمَسْحُ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ لِلْإِذْنِ فيه إذَنْ وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ حَالَ الْمَسْحِ لَا تَضُرُّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اخْتِيَارُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ إبَاحَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنِّهَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي النَّجِسِ الْعَيْنِ وَقِيلَ لِضَرُورَةِ بَرْدٍ أو غَيْرِهِ وَجْهَانِ
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَصِفَ الْقَدَمَ لِصَفَائِهِ فَلَوْ وَصَفَهُ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالزُّجَاجِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه
قَوْلُهُ فَإِنْ كان فيه خَرْقٌ يَبْدُو منه بَعْضُ الْقَدَمِ لم يَجُزْ الْمَسْحُ عليه
____________________
(1/181)
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَقَدَّمَ عنه قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا على ما يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ
فَوَائِدُ
منها مَوْضِعُ الْخَرَزِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ
وَمِنْهَا لو كان فيه خَرْقٌ يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ جَازَ الْمَسْحُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَجُوزُ
وَمِنْهَا لو كان لَا يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ لم يَجُزْ الْمَسْحُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَجُوزُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
فَائِدَةٌ لو مَسَحَ على خُفٍّ طَاهِرِ الْعَيْنِ وَلَكِنَّ بِبَاطِنِهِ أو قَدَمِهِ نَجَاسَةً لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا إلَّا بِنَزْعِهِ جَازَ الْمَسْحُ عليه وَيَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةَ إذَا لم يَجِدْ ما يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَ ذلك صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَقِيلَ فيه وَجْهَانِ أَصْلُهُمَا الرِّوَايَتَانِ في صِحَّةِ الْوُضُوءِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا طَهَارَةً لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ بها غَالِبًا بِدُونِ نَقْضِهَا فَجُعِلَتْ كَالْعَدَمِ قَالَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ قال كَثِيرُونَ يَخْرُجُ على رِوَايَتَيْ الْوُضُوءِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحَلِّ هُنَاكَ لَمَّا أَوْجَبَتْ الطَّهَارَتَيْنِ جُعِلَتْ إحْدَاهُمَا تَابِعَةً لِلْأُخْرَى وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو الْجَوْرَبَ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ أو يَسْقُطُ منه إذَا مَشَى
لم يَجُزْ الْمَسْحُ على هذا بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ فَوَكَّدَ أو شَدَّ لَفَائِفَ لم يَجُزْ الْمَسْحُ عليه
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قال
____________________
(1/182)
الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَنْصُوصُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ حتى جَعَلَهُ أبو الْبَرَكَاتِ إجْمَاعًا انْتَهَى وَفِيهِ وَجْهٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى بن عَبْدُوسٍ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ بِشَرْطِ قُوَّتِهَا وَشَدِّهَا انْتَهَى وَقِيلَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها مع الْمَشَقَّةِ وهو مَخْرَجٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ
فَائِدَةٌ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مع ما تَقَدَّمَ من الْمَسَائِلِ مَسْحَ الْقَدَمِ وَنَعْلِهَا التي يَشُقُّ نَزْعُهَا إلَّا بِيَدٍ وَرِجْلٍ كما جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ قال وَالِاكْتِفَاءُ هُنَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ نَفْسِهَا أو الظَّاهِرِ منها غَسْلًا أو مَسْحًا أَوْلَى من مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ وَكَمَسْحِ عِمَامَةٍ وقال يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ إلَّا الْمُخَرَّقَ أَكْثَرُهُ فَكَالنَّعْلِ
وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَيْضًا على مَلْبُوسٍ دُونَ النَّعْلِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك عنه
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فلم يُحْدِثْ حتى لَبِسَ عليه آخَرَ جَازَ الْمَسْحُ عليه
مَسَائِلُ
منها لو كَانَا صَحِيحَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ على الْفَوْقَانِيِّ بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِهِ
وَمِنْهَا لو كان الْفَوْقَانِيُّ صَحِيحًا وَالتَّحْتَانِيُّ مُخَرَّقًا أو لِفَافَةً جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا عليه
وَمِنْهَا لو كان الْفَوْقَانِيُّ مُخَرَّقًا وَالتَّحْتَانِيُّ صَحِيحًا من جَوْرَبٍ أو خُفٍّ أو جُرْمُوقٍ جَازَ الْمَسْحُ على الْفَوْقَانِيِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا على التَّحْتَانِيِّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ هُمَا كَنَعْلٍ مع جَوْرَبٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا في الْمَسْحِ
وَمِنْهَا لو كان تَحْتَ الْمُخَرَّقِ مُخَرَّقٌ وَسِتْرٌ لم يَجُزْ الْمَسْحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَجُوزُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقِيلَ يَجُوزُ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في
____________________
(1/183)
الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا لو كان تَحْتَ الْمُخَرَّقِ لِفَافَةٌ لم يَجُزْ الْمَسْحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لَكِنْ لم يَدْخُلْ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يَجُوزُ وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ هل الْخُفُّ الْفَوْقَانِيُّ وَالتَّحْتَانِيُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عن الْغَسْلِ أَمْ لَا
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ لو لَبِسَ عِمَامَةً فَوْقَ عِمَامَةٍ لِحَاجَةٍ كَبُرُودَةٍ وَغَيْرِهَا قبل حَدَثِهِ وَقَبْلَ مَسْحِ السُّفْلَى بِهِ مَسَحَ الْعُلْيَا التي بِصِفَةِ السُّفْلَى وَإِلَّا فَلَا كما لو تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا أو نَحْوَهُ
تَنْبِيهٌ قد يُقَالُ ظَاهِرُ قَوْلِ وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ أَنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ أَعْلَاهُ وهو مُشْطُ الْقَدَمِ إلَى الْعُرْقُوبِ وهو وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَى الْخُفِّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا
وَقِيلَ يَمْسَحُ على قَدْرِ النَّاصِيَةِ من الرَّأْسِ اخْتَارَهُ بن الْبَنَّا
وَقِيلَ إنَّ هذا الْقَوْلَ هو الْمَذْهَبُ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُجْزِئُ مَسْحُ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ في رؤوس مَسَائِلِهِ الْعَدَدُ الذي يُجْزِئُ في الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ ثَلَاثُ أَصَابِعَ على ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَرَأَيْت شَيْخَنَا مَائِلًا إلَى هذا لِأَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ في هذا الْمَوْضِعِ وفي مَسْحِ الرَّأْسِ إلَى الْأَحَادِيثِ انْتَهَى قال بن رَجَبٍ في الطَّبَقَاتِ وهو غَرِيبٌ جِدًّا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ
يَعْنِي لَا يَمْسَحُهُمَا بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ
____________________
(1/184)
عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن أبي مُوسَى يُسْتَحَبُّ ذلك
فَائِدَةٌ لو اقْتَصَرَ على مَسْحِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقِبِ لم يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا
وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ وَلَا تَكْرَارُ مَسْحِهِ وَيُكْرَهُ غَسْلُهُ ويجزى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبَالَغَ الْقَاضِي فقال بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مع الْغَسْلِ لِعُدُولِهِ عن الْمَأْمُورِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في ذلك
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَسْنُونِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ على أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى سَاقَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَسَحَ على خُفَّيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَصَابِعِهِ على الْخُفَّيْنِ وَظَاهِرُ هذا أَنَّهُ لم يُقَدِّمْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ
وَالثَّانِيَةُ حُكْمُ مَسْحِ الْخُفِّ بِإِصْبَعٍ أو حَائِلٍ كَالْخِرْقَةِ وَنَحْوِهَا وَغَسْلُهُ حُكْمُ مَسْحِ الرَّأْسِ في ذلك على ما تَقَدَّمَ هُنَاكَ
وَيُكْرَهُ غَسْلُ الْخُفِّ وَتَكْرَارُ مَسْحِهِ وَتَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ على الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ إذَا كانت سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا ما جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَذَكَرَ الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ مع التَّحْنِيكِ على ما يَأْتِي
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ على غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ فَيَجُوزَ
____________________
(1/185)
في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ أبي الْبَقَاءِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ الْهِدَايَة لِلْمَجْدِ وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن الزَّاغُونِيِّ وَالْمُصَنِّفُ وهو مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فإنه اخْتَارَ جَوَازَ الْمَسْحِ على الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ فَذَاتُ الذُّؤَابَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها جَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُبْهِجِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمْ قالوا مُحَنَّكَةً وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ قال في الشَّرْحِ وهو أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وقال في الْفَائِقِ وفي اشْتِرَاطِهِ التَّحْنِيكَ وَجْهَانِ اشْتَرَطَهُ بن حَامِدٍ وَأَلْغَاهُ بن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيِّ وَشَيْخُنَا وَخَرَجَ من الْقَلَانِسِ وَقِيلَ الذُّؤَابَةُ كَافِيَةٌ وَقِيلَ بِعَدَمِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ انْتَهَى
فَائِدَةٌ ذَكَرَ الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْعِمَامَةَ إذَا كانت مُحَنَّكَةً وَلَيْسَ لها ذُؤَابَةٌ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ بِلَا حَنْكٍ في الْخِلَافِ وَرَجَّحَ جَوَازَ الْمَسْحِ عليها
قُلْت الْخِلَافُ في اشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ مع التَّحْنِيكِ ضَعِيفٌ قَلَّ من ذَكَرَهُ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْمَسْحِ على الْمُحَنَّكَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ بِذُؤَابَةٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كما تَقَدَّمَ
وَأَمَّا الْعِمَامَةُ الصَّمَّاءُ وَهِيَ التي لَا حَنَكَ لها وَلَا ذُؤَابَةَ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليها وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ فيها وَجْهَيْنِ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ وَقَالُوا لم يُفَرِّقْ
____________________
(1/186)
أَحْمَدُ قال بن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ وهو مَذْهَبُهُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ الْمَسْحِ وقال هِيَ الْقَلَانِسُ
قَوْلُهُ وَيُجْزِيهِ مَسْحُ أَكْثَرِهَا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا وهو رِوَايَةٌ وَاخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ في مَسْحِ الرَّأْسِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَقَدْرُ النَّاصِيَةِ أَجْزَأَ مِثْلُهُ في الْعِمَامَةِ وَجْهًا وَاحِدًا بَلْ أَوْلَى انْتَهَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يجزئ ( ( ( يجزي ) ) ) مَسْحُ وَسَطِ الْعِمَامَةِ وَحْدَهُ وَعَنْهُ يَجِبُ أَيْضًا مَسْحُ ما جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ مع مَسْحِ الْعِمَامَةِ وَعَنْهُ وَالْأُذُنَيْنِ أَيْضًا
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَسْحُ على الْعِمَامَةِ وَلَوْ لَبِسَتْهَا لِلضَّرُورَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ تَمْسَحُ عليها مع الضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال وَإِنْ قِيلَ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ تَوَجَّهَ خِلَافٌ كَصَمَّاءَ قال وَمِثْلُ الْحَاجَةِ لو لَبِسَ مُحْرِمٌ خُفَّيْنِ لِحَاجَةٍ هل يَمْسَحُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيَمْسَحُ على جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لم يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يجزى الْمَسْحُ على الْجَبِيرَةِ من غَيْرِ تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ ويصلى من غَيْرِ إعَادَةٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لَا يَجْمَعُ في الْجَبِيرَةِ بين الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ قَوْلًا وَاحِدًا وقال بن حَامِدٍ يَمْسَحُ على جَبِيرَةِ الْكَسْرِ وَلَا يَمْسَحُ على الصُّوفِ بَلْ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ نَزْعَهُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِ حَكَاهَا في الْمُبْهِجِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَحَكَى بن أبي مُوسَى وبن عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لَكِنَّهُمْ بَنَوْهَا على ما إذَا لم يَتَطَهَّرْ وَقُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ قال وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لي عِنْدَ التَّحْقِيقِ
____________________
(1/187)
أَنَّ هذا ليس بِخِلَافٍ كما سَيَأْتِي انْتَهَى قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الطَّهَارَةُ قَبْلَهَا شَرْطٌ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ مع الْمَسْحِ فَعَلَيْهَا لَا يَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالتُّرَابِ فَلَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ سَقَطَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ يُعِيدُ إذَنْ وَقِيلَ هل يَقَعُ التَّيَمُّمُ على حَائِلٍ في مَحَلِّهِ كَمَسْحِهِ بِالْمَاءِ أَمْ لَا لِضَعْفِ التُّرَابِ فيه وَجْهَانِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُمَا فِيمَا إذَا اشْتَرَطْنَا الطَّهَارَةَ وَخَافَ من نَزْعِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَمْسَحُ على الْجَبِيرَةِ إلَى حَلِّهَا وَأَنَّ الْمَسْحَ عليها لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ إذَا لم يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقد يَتَجَاوَزُهَا إلَى جُرْحٍ أو وَرَمٍ أو شَيْءٍ يُرْجَى بِهِ الْبُرْءُ أو سُرْعَتُهُ وقد يُضْطَرُّ إلَى الْجَبْرِ بِعَظْمٍ يَكْفِيهِ أَصْغَرُ منه لَكِنْ لَا يَجِدُ سِوَاهُ وَلَا ما يُجْبَرُ بِهِ انْتَهَى وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ عن الْخَلَّالِ أَنَّهُ قال لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ على الْعَصَائِبِ كَيْفَمَا شَدَّهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
فَائِدَةٌ مُرَادُ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ وإذا شَدَّ الْكَسِيرُ الْجَبَائِرَ وكان طَاهِرًا ولم يَعْدُ بها مَوْضِعَ الْكَسْرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ بها تَجَاوُزًا لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فإن الْجَبِيرَةَ إنَّمَا تُوضَعُ على طَرَفَيْ الصَّحِيحِ لِيَنْجَبِرَ الْكَسْرُ قَالَهُ شُرَّاحُهُ
فَوَائِدُ
منها إذَا تَجَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لم يَخَفْ التَّلَفَ فَإِنْ خَافَ التَّلَفَ سَقَطَ عنه بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا إنْ خَافَ الضَّرَرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَخَرَجَ من قَوْلِ أبي بَكْرٍ فِيمَنْ جَبَرَ كَسْرَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا
____________________
(1/188)
وَحَيْثُ قُلْنَا يَسْقُطُ النَّزْعُ فإنه يَمْسَحُ على قَدْرِ الْحَاجَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا لَا يَمْسَحُ زِيَادَةً على مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَإِنْ كان لِحَاجَةٍ قال بن تَمِيمٍ وهو بَعِيدٌ عليها يَتَيَمَّمُ لِلزَّائِدِ وَلَا يُجْزِيهِ مَسْحُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ من الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ الْمَسْحُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يَجْمَعُ فيه بين الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْجَبِيرَةِ وَخَافَ
وَمِنْهَا لو تَأَلَّمَتْ إصْبَعُهُ فَأَلْقَمَهَا مَرَارَةً جَازَ الْمَسْحُ عليها قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ
وَمِنْهَا لو جَعَلَ في شِقِّ فَأْرٍ أو نَحْوِهِ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ جَازَ له الْمَسْحُ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَعَنْهُ ليس له الْمَسْحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وقال بن عَقِيلٍ يَغْسِلُهُ وَلَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ وقال الْقَاضِي يَقْلَعُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا فَيُصَلِّي وَيُعِيد
وَمِنْهَا لو انْقَطَعَ ظُفْرُهُ أو كان بِإِصْبَعِهِ جُرْحٌ أو فَصَادٌ وَخَافَ إنْ أَصَابَهُ أَنْ يَنْدَقَّ في الْجُرْحِ أو وَضَعَ دَوَاءً على جُرْحٍ أو وَجَعٍ وَنَحْوِهِ جَازَ الْمَسْحُ عليه نَصَّ عليه وقال الْقَاضِي في اللُّصُوقِ على الْجُرُوحِ إنْ لم يَكُنْ في نَزْعِهِ ضَرَرٌ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ وَيَمْسَحُ على موضع ( ( ( موضح ) ) ) الْجُرْحِ وَإِنْ كان في نَزْعِهِ ضَرَرٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ يَمْسَحُ عليها وقال بن حَامِدٍ يَمْسَحُ على جَبِيرَةِ الْكَسْرِ وَلَا يَمْسَحُ على لُصُوقٍ بَلْ يَتَيَمَّمُ إلَّا إنْ خَافَ نَزْعَهُ كما تَقَدَّمَ عنه
وَمِنْهَا الْجَبِيرَةُ النَّجِسَةُ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخِرَقُ النَّجِسَةُ يَحْرُمُ الْجَبْرُ بها وَالْمَسْحُ عليها بَاطِلٌ وَالصَّلَاةُ فيها بَاطِلَةٌ كَالْخُفِّ النَّجِسِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ النَّجِسَةُ كَالطَّاهِرَةِ
____________________
(1/189)
وَإِنْ كانت الْجَبِيرَةُ من حَرِيرٍ أو غَصَبٍ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عليها احْتِمَالَانِ
أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عليها كَالْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَالْحَرِيرِ وهو الصَّحِيحُ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِنْ شَدَّ جَبِيرَةً حَلَالًا مَسَحَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَصِحُّ الْمَسْحُ عليها وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ على الْخِلَافِ هُنَا إذَا مَنَعْنَا من جَوَازِ الْمَسْحِ على الْخُفِّ الْحَرِيرِ وَالْغَصْبِ على ما تَقَدَّمَ وَإِلَّا حَيْثُ أَجَزْنَا هُنَاكَ فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ وَرَأْسُهُ أو انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْكَافِي بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ في أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال الشَّارِحُ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَشْهَرُ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَعُقُودِ بن الْبَنَّا وَالْعُمْدَةِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ الْمَمْسُوحِ عليه
تَنْبِيهٌ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مَبْنَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ على طُرُقٍ فَقِيلَ هُمَا مَبْنِيَّانِ على الْمُوَالَاةِ اخْتَارَهُ بن الزَّاغُونِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى هذا لو حَصَلَ ذلك قبل فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أَجْزَأَهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْمَسْحَ هل يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا وَقَطَعَ
____________________
(1/190)
بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وقال هو وأبو الْمَعَالِي وَحَفِيدُهُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
وَقِيلَ لَا يَرْفَعُهُ وَتَقَدَّمَ ذلك أَوَّلَ الْبَابِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَةَ بن تَمِيمٍ
وَقِيلَ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على غَسْلِ كل عُضْوٍ بِنِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ الْوُضُوءِ في أَثْنَاءِ النِّيَّةِ
وَقِيلَ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ في النَّقْضِ وَإِنْ تَبَعَّضَتْ في الثُّبُوتِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وقاله الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَيَأْتِي في آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هل يَرْفَعُ الْحَدَثَ عن الْعُضْوِ الذي غُسِلَ قبل تَمَامِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
فَوَائِدُ
منها إذَا حَدَثَ الْمُبْطِلُ في الصَّلَاةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ على الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ من سَبَقَهُ الْحَدَثُ اخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ قال في الرِّعَايَةِ وَقُلْت إنْ ارْتَفَعَ حَدَثُهُمْ بَنَوْا وَإِلَّا اسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ وَخَرَّجَهُمَا بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ على ما إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ على الْمُتَيَمِّمِ وهو في الصَّلَاةِ على ما يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كما لو كان خَارِجَ الصَّلَاةِ نَظَرًا لِإِطْلَاقِهِمْ
وَمِنْهَا لو زَالَتْ الْجَبِيرَةُ فَهِيَ كَالْخُفِّ مُطْلَقًا على ما تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
____________________
(1/191)
وَقِيلَ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ قبل الْبُرْءِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَقَاءَهَا قبل الْبُرْءِ وَبَعْدَهُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ
وَمِنْهَا خُرُوجُ الْقَدَمِ أو بَعْضِهِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ كَخَلْعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وعنه لا وَعَنْهُ لَا إنْ خَرَجَ بَعْضُهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ تَبَعًا لِلْمَجْدِ وَإِنْ أَخْرَجَ قَدَمَهُ أو بَعْضَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عليه فَهُوَ كَالْخَلْعِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ إنْ جَاوَزَ الْعَقِبُ حَدَّ مَوْضِعِ الْغَسْلِ أَثَّرَ وَدُونَهُ لَا يُؤَثِّرُ وَعَنْهُ إنْ خَرَجَ الْقَدَمُ إلَى سَاقِ الْخُفَّيْنِ لَا يُؤَثِّرُ قال وَحَكَى بَعْضُهُمْ في خُرُوجِ بَعْضِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ رِوَايَتَيْنِ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ
وَمِنْهَا لو رَفَعَ الْعِمَامَةَ يَسِيرًا لم يَضُرَّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال أَحْمَدُ إذَا زَالَتْ عن رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا لم يَفْحُشْ قال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ إذَا لم يَرْفَعْهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ تَبْطُلُ بِظُهُورِ شَيْءٍ من رَأْسِهِ فإنه قال وإذا ظَهَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْضُ رَأْسِهِ أو قَدَمِهِ بَطَلَتْ وقال في مَكَان آخَرَ فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْحَائِلِ لِيَحُكَّ رَأْسَهُ ولم يَظْهَرْ شَيْءٌ من الرَّأْسِ لم تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ
وَمِنْهَا لو نَقَضَ جَمِيعَ الْعِمَامَةِ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَإِنْ نَقَضَ منها كَوْرًا أو كَوْرَيْنِ وَقِيلَ أو حَنَّكَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ وهو الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عبد الْقَوِيِّ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْكُبْرَى وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَتِهِ وَفَحُشَ وَقِيلَ وَلَوْ كُورًا تَبْطُلُ وَالثَّانِيَةُ لَا تَبْطُلُ
قُلْت وهو أَوْلَى وَقَدَّمَهَا بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال الْقَاضِي لو انْتَقَضَ منها كُورٌ وَاحِدٌ بَطَلَتْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو نَزَعَ خُفًّا فَوْقَانِيًّا كان قد مَسَحَهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/192)
وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ نَزْعُ التَّحْتَانِيِّ فَيَتَوَضَّأُ كَامِلًا أو يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ على الْخِلَافِ السَّابِقِ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ فَيَتَوَضَّأُ او يَمْسَحُ التَّحْتَانِيَّ مُفْرَدًا على الْخِلَافِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى لَكِنْ قال الْأَوْلَى وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْفُرُوعِ بعنه ( ( ( بعده ) ) ) وَعَنْهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ
الثَّانِيَةُ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا من الْخُفِّ الْفَوْقَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيِّ بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عن الْغَسْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عن الْغَسْلِ وَالتَّحْتَانِيُّ كَلِفَافَةٍ وَقِيلَ الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عن التَّحْتَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيُّ بَدَلٌ عن الْقَدَمِ وَقِيلَ هُمَا كَظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ في الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إلَّا الْجَبِيرَةُ
اعْلَمْ أَنَّ الْجَبِيرَةَ تُخَالِفُ الْخُفَّ في مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ
منها أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ تَقَدُّمَ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عليها على رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الْمُخْتَارُ على ما تَقَدَّمَ بِخِلَافِ جَوَازِ الْمَسْحِ على الْخُفِّ
وَمِنْهَا عَدَمُ التَّوْقِيتِ بِمُدَّةٍ كما تَقَدَّمَ
وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمَسْحِ على جَمِيعِهَا
وَمِنْهَا دُخُولُهَا في الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى كما تَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَمِنْهَا أَنَّ شَدَّهَا مَخْصُوصٌ بِحَالِ الضَّرُورَةِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْمَسْحَ عليها عَزِيمَةٌ بِخِلَافِ الْخُفِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ
وَمِنْهَا أَنَّهُ لو لَبِسَ خُفًّا على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها على الْجَبِيرَةِ جَازَ له أَنْ يَمْسَحَ عليه على طَرِيقِهِ وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها على عِمَامَةٍ أو لَبِسَ عِمَامَةً على طَهَارَةٍ مَسَحَ فيها على خُفٍّ لم يَجُزْ الْمَسْحُ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ على ما تَقَدَّمَ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على اشْتِرَاطِ جَوَازِ الْمَسْحِ على الْجَبِيرَةِ مُسْتَوْفًى فَلْيُعَاوَدْ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ فيها على الْخِرَقِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ
قُلْت وفي هذا نَظَرٌ ظَاهِرٌ
____________________
(1/193)
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في جَوَازِ الْمَسْحِ على الْجَبِيرَةِ سَتْرُ مَحَلِّ الْفَرْضِ إذَا لم يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ بِخِلَافِ الْخُفِّ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ على صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْجَبِيرَةِ إذَا كانت من حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ على رِوَايَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ في ذلك بِخِلَافِ الْخُفِّ على الْمُحَقَّقِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْجَبِيرَةِ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ على الْخُفِّ فيه على قَوْلٍ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قد خَالَفَتْ الْجَبِيرَةُ فيها الْخُفَّ في الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا فيه خِلَافٌ بَعْضُهُ ضَعِيفٌ وَمَرْجِعُ ذلك كُلِّهِ أو مُعْظَمِهِ إلَى أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عَزِيمَةٌ وَمَسْحَ الْخُفِّ وَنَحْوِهِ رُخْصَةٌ بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الْحَدَثُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ وأبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ كَالْجَنَابَةِ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ لَا يَحِلُّ إلَّا أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ فَقَطْ
وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالْحَدَثِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَجِبُ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ قال بن الْجَوْزِيِّ لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عن حَدَثٍ وَنَجَسٍ قبل إرَادَةِ الصَّلَاةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَنْ وَوُجُوبُ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ قال وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في الْغُسْلِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ
____________________
(1/194)
قَوْلُهُ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ الْخَارِجُ من السَّبِيلَيْنِ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا نَادِرًا أو مُعْتَادًا
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ من الْقُبُلِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ من الذَّكَرِ فَقَطْ قال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا في الرِّيحِ يَخْرُجُ من الذَّكَرِ أَنْ لَا يَنْقُضَ قال الْقَاضِي أبو الْحُسَيْنِ هو قِيَاسُ مَذْهَبِنَا وَأَطْلَقَ في الْخَارِجِ من الْقُبُلِ في الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ
فَوَائِدُ
منها لو قَطَرَ في إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ خَرَجَ نَقَضَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وبن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يَخْلُو من نَتَنٍ يَصْحَبُهُ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ لَا يَنْقُضُ قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ خَرَجَ ما قَطَرَهُ في إحْلِيلِهِ لم يَنْقُضُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ فِيمَا إذَا يَخْرُجُ منه شَيْءٌ وقال في نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في نَجَاسَتِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَ إنْ خَرَجَ سَائِلًا بِبَلٍّ نَجِسٍ وَإِلَّا فَلَا
وَمِنْهَا لو احْتَشَى في قُبُلِهِ أو دُبُرِهِ قُطْنًا أو مِيلًا ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ بَلَلٌ نَقَضَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وَإِنْ خَرَجَ نَاشِفًا فَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وهو ظَاهِرُ نَقْلِ عبد اللَّهِ عن أَحْمَدَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَرَجَّحَهُ بن حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقِيلَ يَنْقُضُ رَجَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَمَّا إذَا احْتَشَى قُطْنًا وَقِيلَ يَنْقُضُ إذَا خَرَجَتْ من الدُّبُرِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا إذَا خَرَجَتْ الْحُقْنَةُ من الْفَرْجِ نَقَضَتْ قال بن تَمِيمٍ نَقَضَتْ وَجْهًا وَاحِدًا قال صَاحِبُ النِّهَايَةِ لَا يَخْتَلِفُ في ذلك الْمَذْهَبُ وَهَكَذَا لو وطىء امْرَأَتَهُ دُونَ الْفَرْجِ
____________________
(1/195)
فَدَبَّ مَاؤُهُ فَدَخَلَ الْفَرْجَ ثُمَّ خَرَجَ منه نَقَضَ ولم يَجِبْ عليها الْغُسْلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَغْتَسِلُ منه وَإِنْ لم يَخْرُجْ من الْحُقْنَةِ أو الْمَنِيِّ شَيْءٌ فَقِيلَ يَنْقُضُ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ لَكِنْ إنْ كان الْمُحْتَقِنُ قد أَدْخَلَ رَأْسَ الزَّرَّاقَةِ نَقَضَ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في الْمَنِيِّ وَالْحُقْنَةُ مِثْلُهُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَنْقُضُ إذَا كانت الْحُقْنَةُ في الدُّبُرِ دُونَ الْقُبُلِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَمِنْهَا لو ظَهَرَتْ مَقْعَدَتُهُ فَعَلِمَ أَنَّ عليها بَلَلًا لم يَنْقُضْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وَأَطْلَقَهُمَا في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ عليها بَلَلًا لم يُنْتَقَضْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ ينتقض ( ( ( ينقض ) ) ) وَجَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إذَا خَرَجَتْ مَقْعَدَتُهُ وَمَعَهَا بِلَّةٌ لم تَنْفَصِلْ عنها ثُمَّ عَادَتْ
وَمِنْهَا لو ظَهَرَ طَرَفُ مُصْرَانٍ أو رَأْسُ دُودَةٍ نَقَضَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ
وَمِنْهَا لو صَبَّ دُهْنًا في أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ ثُمَّ خَرَجَ منها لم يَنْقُضْ وَكَذَلِكَ لو خَرَجَ من فَمِهِ في ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال أبو الْمَعَالِي يَنْقُضُ
وَمِنْهَا إذَا خَرَجَتْ الْحَصَاةُ من الدُّبُرِ فَهِيَ نَجِسَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ في مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ الْحَصَاةُ الْخَارِجَةُ من الدُّبُرِ طَاهِرَةٌ قال في الْفُرُوعِ وهو غَرِيبٌ بَعِيدٌ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا نَادِرًا أو مُعْتَادًا
____________________
(1/196)
قال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ طَاهِرًا كان أو نَجِسًا
فَائِدَةٌ لو خَرَجَ من أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ غَيْرُ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وكان يَسِيرًا لم يَنْقُضْ على الْمَذْهَبِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قال في الرِّعَايَةِ لم يَنْقُضْ في الْأَشْهَرِ
قَوْلُهُ الثَّانِي خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ من سَائِرِ الْبَدَنِ
فَإِنْ كانت غَائِطًا أو بَوْلًا نَقَضَ قَلِيلهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً كان السَّبِيلَانِ مَفْتُوحَيْنِ أو مَسْدُودَيْنِ وَسَوَاءٌ كان الْخَارِجُ من فَوْقِ الْمَعِدَةِ أو من تَحْتِهَا وَتَقَدَّمَ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ بن عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ قالوا الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَا تَحْتَ الْمَعِدَةِ
فَائِدَةٌ لو انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَفُتِحَ غَيْرُهُ فَأَحْكَامُ الْمُخْرَجِ بَاقِيَةٌ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في النِّهَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُدَّ خِلْقَةً فَسَبِيلُ الْحَدَثِ الْمُنْفَتِحِ وَالْمَسْدُودِ كَعُضْوٍ زَائِدٍ من الْخُنْثَى انْتَهَى وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُنْفَتِحِ أَحْكَامُ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ منه وهو مُخْرَجٌ لِلْمَجْدِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ عليه بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ فيه في بَابِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كانت غَيْرُهَا لم يَنْقُضْ إلَّا كثيرها ( ( ( كثيرا ) ) )
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى أَنَّ قَلِيلَهَا يَنْقُضُ وَهِيَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا بن أبي مُوسَى وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ لَا يَنْقُضُ الْكَثِيرُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لَا يَنْقُضُ الْكَثِيرُ من غَيْرِ الْقَيْءِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَالْمِدَّةُ إذَا خَرَجَ من غَيْرِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَثُرَ ذَكَرَهَا بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ يَنْقُضُ كَثِيرُ الْقَيْءِ وَيَسِيرُهُ طَعَامًا كان أو دَمًا أو قَيْحًا أو دُودًا أو نَحْوَهُ وَقِيلَ إنْ
____________________
(1/197)
قَاءَ دَمًا أو قَيْحًا أُلْحِقَ بِدَمِ الْجُرُوحِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في مُقْنِعِهِ وَفِيهِ لَا يَنْقُضُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَالْمِدَّةُ إذَا خَرَجَ من غَيْرِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَثُرَ ذَكَرَهَا بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَنَفَى هذه الرِّوَايَةَ الْمَجْدُ وَالنَّقْضُ بِخُرُوجِ الدُّودِ وَالدَّمِ الْكَثِيرِ من السَّبِيلَيْنِ من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ وهو ما فَحُشَ في النَّفْسِ
كَذَا قال في الْمُسْتَوْعِبِ هذا تَفْسِيرُ لِحَدِّ الْكَثِيرِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ عن أَحْمَدَ وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الْخَلَّالُ الذي اسْتَقَرَّتْ عليه الرِّوَايَاتُ عن أَحْمَدَ أَنَّ حَدَّ الْفَاحِشِ ما اسْتَفْحَشَهُ كُلُّ إنْسَانٍ في نَفْسِهِ وَتَبِعَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ عليه وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ما يَفْحُشُ في الْقَلْبِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَنْهُ ما فَحُشَ في نَفْسِ أَوْسَاطِ الناس قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَكَثِيرٌ نَجِسٌ عُرْفًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذلك
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ الْكَثِيرُ قَدْرُ الْكَفِّ وَعَنْهُ قَدْرُ عَشْرِ أَصَابِعَ وَعَنْهُ هو ما لو انْبَسَطَ جامده أو انْضَمَّ متفرقه كان شِبْرًا في شِبْرٍ وَعَنْهُ هو ما لَا يُعْفَى عنه في الصَّلَاةِ حَكَاهُنَّ في الرِّعَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَطَعَ بِهِ بن عَبْدُوسٍ وَحَكَاهُ عن شَيْخِهِ أَنَّ الْيَسِيرَ قَطْرَتَانِ وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
____________________
(1/198)
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا لو مَصَّ الْعَلَقُ أو الْقُرَادُ دَمًا كَثِيرًا نَقَضَ الْوُضُوءَ وَلَوْ مَصَّ الذُّبَابُ أو الْبَعُوضُ لم يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ منه ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي
الثَّانِيَةُ لو شَرِبَ مَاءً وَقَذَفَهُ في الْحَالِ نَجُسَ وَنُقِضَ كَالْقَيْءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَوَجَّهَ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا أَنَّهُ كَالْقَيْءِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَغَيَّرَ
الثَّالِثَةُ لَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الرَّأْسِ وهو ظَاهِرٌ على الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الصَّدْرِ أَيْضًا وهو ظَاهِرٌ وَنَصَرَهُ أبو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ طَهَارَةُ بَلْغَمِ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ ذَكَرَهُ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ يَنْقُضُ وهو نَجِسٌ وَجَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتَيْهِ قال أبو الْحُسَيْنِ لَا يَنْقُضُ بَلْغَمٌ كَثِيرٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ بَلَى فَظَاهِرُهُ إدْخَالُ بَلْغَمِ الرَّأْسِ في الْخِلَافِ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ أَيْضًا في بَلْغَمِ الرَّأْسِ إذَا انْعَقَدَ وَازْرَقَّ وقال بن تَمِيمٍ وَلَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الرَّأْسِ وهو ظَاهِرٌ وفي بَلْغَمِ الصَّدْرِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَنْقُضُ وفي نَجَاسَته وَجْهَانِ
وَالثَّانِيَةُ هِيَ كَالْمَنِيِّ وفي الرِّعَايَةِ قَرِيبٌ من ذلك
وَيَأْتِي حُكْمُ طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَتَمَّ من هذا
قَوْلُهُ الثَّالِثُ زَوَالُ الْعَقْلِ إلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ جَالِسًا أو قَائِمًا
زَوَالُ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُ إجْمَاعًا وَيَنْقُضُ بِالنَّوْمِ في الْجُمْلَةِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال الْخَلَّالُ هذه الرِّوَايَةُ خَطَأٌ بَيِّنٌ
إذَا عَلِمَ ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ
____________________
(1/199)
وَيَنْقُضُ كَثِيرُهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَنْقُضُ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْجَالِسِ وَلَوْ كان كَثِيرًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وحكى عنه لَا يَنْقُضُ غَيْرُ نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ
فَائِدَةٌ يُسْتَثْنَى من النَّقْضِ بِالنَّوْمِ نَوْمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه لَا يَنْقُضُ وَلَوْ كَثُرَ على أَيِّ حَالٍ كان وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ ذَكَرُوهُ في خَصَائِصِهِ فَيُعَايَى بها وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ نَوْمَ الْقَائِمِ كَنَوْمِ الْجَالِسِ فَلَا يَنْقُضُ الْيَسِيرُ منه نَصَّ عليه قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ الظَّاهِرُ عن أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بين الْجَالِسِ وَالْقَائِمِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ وبن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَكَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا
قال الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي الْأَوْلَى إلْحَاقُ الْقَائِمِ بِالْجَالِسِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ يَنْقُضُ منه وَإِنْ لم يَنْقُضْ من الْجَالِسِ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ
وَأَمَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ إذَا كان يَسِيرًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَنْقُضُ وهو الْمَذْهَبُ على ما اصْطَلَحْنَاهُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْمُصَنِّفُ قال في الْكَافِي الْأَوْلَى إلْحَاقُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُضْطَجِعِ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وبن الْبَنَّا وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(1/200)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَكَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ وَيَنْقُضُ نَوْمُ السَّاجِدِ
تَنْبِيهٌ دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نَوْمَ الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَوَكِّئِ وَالْمُحْتَبِي الْيَسِيرِ يَنْقُضُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ بِشَرْطِهِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال الْخَلَّالُ عن هذه الرِّوَايَةِ وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ وقد تَقَدَّمَ ذلك
الثَّانِيَةُ مِقْدَارُ النَّوْمِ الْيَسِيرِ ما عُدَّ يَسِيرًا في الْعُرْفِ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ هو ما لَا يَتَغَيَّرُ عن هَيْئَتِهِ كَسُقُوطِهِ وَنَحْوِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ هو ذلك مع بَقَاءِ نَوْمِهِ وقال أبو بَكْرٍ قَدْرُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ يَسِيرٌ وَعَنْهُ إنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ يَسِيرٌ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ
الثَّالِثَةُ حَيْثُ يَنْقُضُ النَّوْمُ فَهُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ وَإِنْ كان الْأَصْلُ
____________________
(1/201)
عَدَمَ خُرُوجِهِ وَبَقَاءَ الطَّهَارَةِ وَحَكَى بن أبي مُوسَى في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهَانِ النَّوْمُ نَفْسُهُ حَدَثٌ لَكِنْ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ
قَوْلُهُ الرَّابِعُ مَسُّ الذَّكَرِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ مُطْلَقًا بَلْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ منه اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في فَتَاوِيه وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ سَهْوًا وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ غَيْرِ الْحَشَفَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو بَعِيدٌ قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْقَلَفَةُ كَالْحَشَفَةِ وَحَكَى بن تَمِيمٍ وَجْهًا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْقَلَفَةِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ غَيْرُ مَسِّ الثَّقْبِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا وهو بَعِيدٌ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ وَفَرْجِ الْمَيِّتَةِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ الطِّفْلِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ إنْ كان عُمْرُهُ دُونَ سَبْعٍ وقال بن أبي مُوسَى مَسُّ الذَّكَرِ لِلَّذَّةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يَنْقُضُ مَسُّهُ لِغَيْرِ لَذَّةٍ على رِوَايَتَيْنِ
تَنْبِيهَاتٌ
إحدها ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَسُّ الذَّكَرِ بيده أن الْمُمَاسَّةَ تَكُونُ من غَيْرِ حَائِلٍ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقيل يَنْقُضُ إذَا مَسَّهُ بِشَهْوَةٍ من وَرَاءِ حَائِلٍ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ مَسُّ الذَّكَرِ عَدَمُ النَّقْضِ بِغَيْرِ الْمَسِّ فَلَا يَنْقُضُ بِانْتِشَارِهِ بِنَظَرٍ أو فِكْرٍ من غَيْرِ مَسٍّ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَنْقُضُ بِذَلِكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَقِيلَ يَنْقُضُ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ دُونَ دَوَامِ الْفِكْرِ
الثَّالِثُ شَمِلَ قَوْلُهُ مَسُّ الذَّكَرِ ذَكَرَ نَفْسِهِ وَذَكَرَ غَيْرِهِ وهو الصَّحِيحُ
____________________
(1/202)
وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً بِاخْتِصَاصِ النَّقْضِ بِمَسِّ ذَكَرِ نَفْسِهِ
الرَّابِعُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا الذَّكَرَ الصَّحِيحَ وَالْأَشَلَّ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَسُّ الذَّكَرِ الْأَشَلِّ كَمَسِّ ذَكَرٍ زَائِدٍ فَلَا يَنْقُضُ في الْأَصَحِّ
الْخَامِسُ مُرَادُهُ بِالذَّكَرِ ذَكَرُ الْآدَمِيِّ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ وفي مَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ احْتِمَالٌ بِالنَّقْضِ ذَكَرَهُ أبو الْفَرَجِ بن أبي الْفَهْمِ شَيْخُ بن تَمِيمٍ
السَّادِسُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بيده أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الْمَسُّ بِأَصْلِيٍّ أو زَائِدٍ كَالْإِصْبَعِ وَالْيَدِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِزَائِدٍ
السَّابِعُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بيده غَيْرُ الظُّفْرِ فَإِنْ مَسَّهُ بِالظُّفْرِ لم يَنْقُضْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ هو في حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ هذا جَادَّةُ الْمَذْهَبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال بَعْضُهُمْ اللَّمْسُ بِالظُّفْرِ كَلَمْسِهِ يَعْنِي من الْمَرْأَةِ على ما يَأْتِي قال وهو مُتَّجِهٌ وَقِيلَ يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا
الثَّامِنُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بيده أَنَّهُ لو مَسَّهُ بِغَيْرِ يَدِهِ لَا يَنْقُضُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فإنه تَارَةً يَمَسُّهُ بِفَرْجٍ غَيْرِ ذَكَرٍ وتاره يَمَسُّهُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ مَسَّهُ بِفَرْجٍ غَيْرِ ذَكَرٍ نَقَضَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وهو من الْمُفْرَدَاتِ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ يَنْقُضُ مَسُّهُ بِفَرْجٍ وَالْمُرَادُ لَا ذَكَرُهُ بِذَكَرِ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أبو الْمَعَالِي انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ في شَرْحِهِ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَإِنْ مَسَّهُ بِغَيْرِ ذلك لم يَنْقُضْ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَأْتِي لو مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَ الرَّجُلِ أو عَكْسَهُ هل هو من قَبِيلِ مَسِّ الْفَرْجِ أو مَسِّ النِّسَاءِ
____________________
(1/203)
التَّاسِعُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ غَيْرُ مَسِّ الذَّكَرِ فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ ما انْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أو تَحْتَهَا مع بَقَاءِ الْمَخْرَجِ وَعَدَمِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ نَقَضَ في الْأَضْعَفِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ أو بِظَهْرِهِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَالنَّقْضُ بِظَاهِرِ الْكَفِّ من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ لَا نَقْضَ إلَّا إذَا مَسَّهُ بِكَفِّهِ فَقَطْ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِظَهْرِ يَدِهِ فَفِي نَقْضِهِ بِحَرْفِ كَفِّهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ
قُلْت الْأَوْلَى النَّقْضُ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ
قَوْلُهُ وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَنْقُضُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَحَكَاهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وفي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وبن عَبْدُوسٍ وبن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا وَالزَّرْكَشِيُّ في شُرُوحِهِمْ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
أَحَدُهُمَا لَا يَنْقُضُ وهو الصَّحِيحُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَدَمُ النَّقْضِ أَقْوَى وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ يَنْقُضُ مَسُّهُ وَلَوْ مُنْفَصِلًا في وَجْهٍ
____________________
(1/204)
وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَالْمُنْتَخَبِ فَقَالُوا يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمُتَّصِلِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالثَّانِي يَنْقُضُ وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ
تَنْبِيهٌ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كما حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وهو الْأَصَحُّ
فَوَائِدُ
الْأُولَى مُرَادُهُ بِالْمَقْطُوعِ الْبَائِنُ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْبَاقِي من أَصْلِ الْمَقْطُوعِ حُكْمُ الْبَائِنِ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وأبو الْمَعَالِي يَنْقُضُ مَحَلُّ الذَّكَرِ قال الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ لو جَبَّ الذَّكَرَ فَمَسَّ مَحَلَّ الْجَبِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ لم يَبْقَ منه شَيْءٌ شَاخِصٌ وَاكْتَسَى بِالْجِلْدِ لِأَنَّهُ قام مَقَامَ الذَّكَرِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ
الثَّانِيَةُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْغُلْفَةِ إذَا قُطِعَتْ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالْحُرْمَةِ وَلَا مَسُّ عُضْوٍ مَقْطُوعٍ من امْرَأَةٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ ثُمَّ قال قُلْت غير فَرْجِهَا
الثَّالِثَةُ حَيْثُ قُلْنَا يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ لَا يَنْقُضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ رِوَايَةً وَاحِدَةً حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ على رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً على ذِكْرِ أبي الْخَطَّابِ له في أُصُولِ مَسِّ الْخُنْثَى وَادَّعَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في جَعْلِهِ من أُصُولِ هذه الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ في الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ كما هِيَ في مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَبَيَّنَ فَسَادَهُ
____________________
(1/205)
وَيَأْتِي ذلك بِأَتَمَّ من هذا بَعْدَ نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ
قَوْلُهُ وإذا لَمَسَ قُبُلَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَذَكَرَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا لم يَنْتَقِضْ إلَّا أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ
قال أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ إذَا مَسَّ قُبُلَ الْخُنْثَى انْبَنَى لنا على أَرْبَعَةِ أُصُولٍ أَحَدُهَا مَسُّ الذَّكَرِ وَالثَّانِي مَسُّ النِّسَاءِ وَالثَّالِثُ مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا وَالرَّابِعُ هل يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ أَمْ لَا
قُلْت وَتَحْرِيرُ ذلك أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ في حَقِّهِ ما يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَعَدَمَهُ تَمَسَّكْنَا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ ولم نُزِلْهَا بِالشَّكِّ
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّمْسَ يَخْتَلِفُ هل هو لِلْفَرْجَيْنِ أو لِأَحَدِهِمَا وَهَلْ هو من الْخُنْثَى نَفْسِهِ أو من غَيْرِهِ أو مِنْهُمَا وَهَلْ الْغَيْرُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى أو خُنْثَى وَاللَّمْسُ منهم هل هو لِشَهْوَةٍ أو لِغَيْرِهَا مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا
فَتَلَخَّصَ هُنَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ صُورَةً لِأَنَّهُ تَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ أو عَكْسَهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا
وَتَارَةً تَمَسُّ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ أو خُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ أو عَكْسَهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا
وَتَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَخُنْثَى آخَرُ قُبُلَهُ أو عَكْسَهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا
وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ وَيَمَسُّ الذَّكَرَ أَيْضًا رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو خُنْثَى آخَرُ لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا
وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَيَمَسُّ الْقُبُلَ أَيْضًا رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو خُنْثَى آخَرُ لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا
____________________
(1/206)
وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ أو يَمَسُّ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو خُنْثَى قُبُلَهُ لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا
وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَيَمَسُّ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو خُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا
وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ أو ذَكَرَ نَفْسِهِ وَيَمَسُّ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أو خُنْثَى فَرْجَيْهِ جميعا لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا
وَتَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ وَامْرَأَةٌ أَحَدَهُمَا أو عَكْسَهُ أو يَمَسُّ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ وَخُنْثَى آخَرُ أَحَدَهُمَا أو عَكْسَهُ أو تَمَسُّ امْرَأَةٌ فَرْجَيْهِ وَخُنْثَى آخَرُ أَحَدَهُمَا أو عَكْسَهُ
فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ صُورَةً يَحْصُلُ النَّقْضُ في مَسَائِلَ منها
فَمِنْهَا إذَا لَمَسَ فَرْجَيْهِ سَوَاءٌ كان اللَّامِسُ رَجُلًا أو امْرَأَةً أو خُنْثَى آخَرَ أو هو نَفْسُهُ
وَمِنْهَا إذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَمِنْهَا إذَا لَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ بِشَهْوَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَدَمُ النَّقْضِ وهو وَجْهٌ
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ
وَأَمَّا الْخُنْثَى نَفْسُهُ فَيُتَصَوَّرُ نَقْضُ وُضُوئِهِ إذَا قُلْنَا بِنَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ في صُوَرٍ
منها إذَا لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ أو عَكْسَهُ لِشَهْوَةٍ منها
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ وَمَسَّهُ الْخُنْثَى نَفْسُهُ أَيْضًا
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ وَلَمَسَ رَجُلٌ قُبُلَهُ لِشَهْوَةٍ
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ أَيْضًا لِشَهْوَةٍ
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ وَلَمَسَ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ جميعا لِشَهْوَةٍ
____________________
(1/207)
وَمِنْهَا لو لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ فَرْجَيْهِ جميعا لِشَهْوَةٍ فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ وَيُتَصَوَّرُ نَقْضُ وُضُوءِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ في مَسَائِلَ
منها لو مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ منها
وَمِنْهَا لو مَسَّ رَجُلٌ قُبُلَهُ وَامْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أو شَهْوَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قد مَسَّ فَرْجًا أَصْلِيًّا
وَمِنْهَا لو مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَهُ وَخُنْثَى آخَرُ قُبُلَهُ فَقَدْ مَسَّ أَحَدُهُمَا فَرْجَهُ الْأَصْلِيَّ يَقِينًا
وَمِنْهَا لو مَسَّ رَجُلٌ قُبُلَهُ وَخُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ قد وُجِدَ من أَحَدِهِمَا مَسُّ فَرْجٍ أَصْلِيٍّ
وَمِنْهَا لو مَسَّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ لَمَسَ ذَكَرَهُ أو امْرَأَةٌ لَمَسَتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهَا
وَمِنْهَا لو مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ او امْرَأَةٌ مَسَّتْ فَرْجَهَا
وَمِنْهَا لو مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَامْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ
وَمِنْهَا لو مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ وَخُنْثَى آخَرُ لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا وما أَشْبَهَ ذلك وَالْحُكْمُ في ذلك أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لِتَيَقُّنِ زَوَالِ طُهْرِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِمَا
تَنْبِيهٌ هذا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ اللَّمْسُ من اثْنَيْنِ أَمَّا إنْ وُجِدَ من وَاحِدٍ فَإِنْ مَسَّ أَحَدُهُمَا لم يُنْتَقَضْ إلَّا أَنْ يَمَسَّ ماله منه بِشَهْوَةٍ وَإِنْ مَسَّهُمَا جميعا اُنْتُقِضَ سَوَاءٌ كان اللَّامِسُ ذَكَرًا أو أُنْثَى أو خُنْثَى أو هو لِشَهْوَةٍ أو غَيْرِهَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَ مَسْأَلَةً
فَائِدَةٌ لو لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى وَلَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ الرَّجُلِ اُنْتُقِضَ وُضُوءُ الْخُنْثَى وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ إنْ وُجِدَ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا شَهْوَةٌ وَإِلَّا فَلَا
____________________
(1/208)
وَلَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى فَرْجَ امْرَأَةٍ وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُمَا إنْ كان لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا وَلَوْ لَمَسَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْخُنْثَيَيْنِ ذَكَرَ الْآخَرِ أو قُبُلَهُ فَلَا نَقْضَ في حَقِّهِمَا فَإِنْ مَسَّ أَحَدُهُمَا ذَكَرَ الْآخَرِ وَالْآخَرُ قُبُلَ الْأَوَّلِ اُنْتُقِضَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ إنْ كان لِشَهْوَةٍ وَإِلَّا فَلَا فَيُلْحَقُ حُكْمُهُ بِمَا قَبْلَهُ
وإذا تَوَضَّأَ الْخُنْثَى وَلَمَسَ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَطَهَّرَ وَلَمَسَ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ أو فَاتَتْهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا دُونَ الْوُضُوءِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
قَوْلُهُ وفي مَسِّ الدُّبُرِ وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا رِوَايَتَانِ
يَعْنِي على الْقَوْلِ يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ أَمَّا مَسُّ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ فيه وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يَنْقُضُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ يَنْقُضُ على الْأَصَحِّ قال في النِّهَايَةِ وَهِيَ أَصَحُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارِ الْأَكْثَرِينَ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيِّ وبن عَقِيلٍ وبن الْبَنَّا وبن عَبْدُوسٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْهِدَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَنْقُضُ قال الْخَلَّالُ الْعَمَلُ عليه وهو الْأَشْبَهُ في قَوْلِهِ وَحُجَّتِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يَنْقُضُ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ منهم الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ فَإِنَّهُمَا ما ذَكَرَا إلَّا الذَّكَرَ
وَأَمَّا مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي
____________________
(1/209)
وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
إحْدَاهُمَا يَنْقُضُ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ يَنْقُضُ على الْأَصَحِّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذه الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَقَطَعَ بِهِ في النِّهَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَنْقُضُ كَإِسْكَتَيْهَا قال بن عُبَيْدَانَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ في الْمُغْنِي عَدَمُ النَّقْضِ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الْمَلْمُوسُ فَرْجَهَا أو فَرْجَ غَيْرِهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وفي مَسِّهَا فَرْجَ نَفْسِهَا وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى
قُلْت لو قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَوْجَهَ قِيَاسًا على الرِّوَايَةِ التي ذَكَرَهَا بن الزَّاغُونِيِّ في مَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلنَّقْضِ بِذَلِكَ الشَّهْوَةُ وهو مُفَرَّعٌ على الْمَذْهَبِ وَاشْتَرَطَهُ بن أبي مُوسَى وهو جَارٍ على الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ
الثَّانِيَةُ هل مَسُّ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ أو مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَ الرَّجُلِ من قَبِيلِ مَسِّ النِّسَاءِ أو من قَبِيلِ مَسِّ الْفَرْجِ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمْ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ من قَبِيلِ لَمْسِ الْفَرْجِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ شَهْوَةٌ قال في النُّكَتِ وهو الْأَظْهَرُ
وَإِنْ قُلْنَا هو من قَبِيلِ مَسِّ النِّسَاءِ اُشْتُرِطَ الشَّهْوَةُ على الصَّحِيحِ على ما يَأْتِي
____________________
(1/210)
قَوْلُهُ الْخَامِسُ أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَلَوْ بَاشَرَ مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً
وَقِيلَ إنْ انْتَشَرَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وحكى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ رَجَعَ عنها وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُسْتَوْعِبِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْأُنْثَى اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُسْتَحَبُّ إنْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِيَةُ حُكْمُ مَسِّ الْمَرْأَةِ بَشَرَةَ الرَّجُلِ حُكْمُ مَسِّ الرَّجُلِ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْقُضُ لَمْسُهُ لها وَهِيَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَسَّ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَمَسَّ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَنْقُضُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ فَيَنْقُضُ مَسُّ أَحَدِهِمَا لِلْخُنْثَى وَمَسُّهُ لها وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَخَرَّجَ في الْمُسْتَوْعِبِ النَّقْضَ بِمَسِّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةِ السِّحَاقِ
الثَّانِي دخل في عُمُومِ كَلَامِهِ الْمَيْتَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْعَجُوزُ وَذَاتُ الْمَحْرَمِ فَهُنَّ كَالشَّابَّةِ الْحَيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ
أَمَّا الْمَيْتَةُ فَهِيَ كَالْحَيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ
____________________
(1/211)
وَالتَّلْخِيصِ وَالْإِفَادَاتِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وبن الْبَنَّا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَصَرَّحَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الطِّفْلَةِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ لَمْسُ التي تُشْتَهَى
قُلْت لَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ
وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَهِيَ كَالشَّابَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْإِفَادَاتِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت لو لَمَسَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا شَهْوَةَ له من لها شَهْوَةٌ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ نَقْضُ وُضُوئِهَا إنْ حَصَلَ لها شَهْوَةٌ لَا نَقْضُ وُضُوئِهِ مُطْلَقًا
وَأَمَّا ذَاتُ الْمَحْرَمِ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
____________________
(1/212)
وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَحَكَاهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ
فَائِدَةٌ قَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إلْحَاقَ الْأَرْبَعَةِ بِغَيْرِهِنَّ على رِوَايَةِ النَّقْضِ بِشَهْوَةٍ وَقَدَّمَ على رِوَايَةِ النَّقْضِ مُطْلَقًا عَدَمَ الْإِلْحَاقِ وهو ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في الثَّانِي
فَائِدَةٌ لَمْسُ الْمَرْأَةِ من وَرَاءِ حَائِلٍ لِشَهْوَةٍ لَا يَنْقُضُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ بَلَى قال الْقَاضِي في مُقْنِعِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ النَّقْضُ إذَا كان لِشَهْوَةٍ قال في الرِّعَايَةِ عن هذه الرِّوَايَةِ وهو بَعِيدٌ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى الْمَسُّ بِخِلْقَةٍ زَائِدَةٍ من اللَّامِسِ أو الْمَلْمُوسِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْإِصْبَعِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِزَائِدٍ وَلَا مَسُّ الزَّائِدِ قال بن عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ على ما وَقَعَ لي لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ بِدَلِيلِ ما لو مَسَّ الذَّكَرَ الزَّائِدَ فإنه لَا يَنْقُضُ كَذَا ها هنا قال صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهَذَا ليس بِشَيْءٍ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ مَسُّ أَصْلِيٍّ بِزَائِدٍ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا اللَّمْسَ بِيَدٍ شَلَّاءَ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ قال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَالشَّعْرِ لِأَنَّهَا لَا رُوحَ فيها وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ مَسُّ أَصْلِيٍّ بِأَشَلَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
قَوْلُهُ وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يَنْقُضُ
____________________
(1/213)
قَوْلُهُ وَالْأَمْرَدُ
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لَمْسُهُ وَلَوْ كان لِشَهْوَةٍ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَخَرَّجَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ إذَا كان بِشَهْوَةٍ وَحَكَاهَا بن تَمِيمٍ وَجْهًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَحَكَاهُ في الْإِيضَاحِ رِوَايَةً قال بن رَجَبٍ في الطَّبَقَاتِ وهو غَرِيبٌ قال بن عُبَيْدَانَ وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَجِّهٌ وَنَصَرَهُ
قُلْت وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةٍ فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى
قَوْلُهُ وفي نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا لَا يَنْقُضُ وَإِنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُ اللَّامِسِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ لَا يَنْقُضُ على الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَالْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ وبن هُبَيْرَةَ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالتَّصْحِيحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَنْقُضُ وَضُوءُهُ أَيْضًا صَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا بن عَبْدُوسٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَحَكَى الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ إنْ كان الْمَلْمُوسُ رَجُلًا اُنْتُقِضَ طُهْرُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَنْقُضُ وُضُوءَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَقِيلَ مع الشَّهْوَةِ منها
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في الْمَلْمُوسِ إذَا قُلْنَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يُنْتَقَضُ فَالْمَلْمُوسُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى
____________________
(1/214)
فَائِدَةٌ قال بن تَمِيمٍ لم يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا الشَّهْوَةَ في الْمَلْمُوسِ قال في النُّكَتِ عن قَوْلِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اكْتِفَاءً منهم بِبَيَانِ حُكْمِ اللَّامِسِ وَأَنَّ الشَّهْوَةَ مُعْتَبَرَةٌ منه قال الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ وِفَاقًا لِلشَّيْخَيْنِ يَعْنِي بِهِمَا الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ من الْمَلْمُوسِ قال الْمَجْدُ يَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ رِوَايَةُ النَّقْضِ عنه على ما إذَا الْتَذَّ الْمَلْمُوسُ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ إذَا قُلْنَا بِالنَّقْضِ في الْمَلْمُوسِ اعتبر ( ( ( اعتبرنا ) ) ) الشَّهْوَةَ في الْمَشْهُورِ كما نَعْتَبِرُهَا من اللَّامِسِ حتى يُنْتَقَضَ وَضُوءُهُ إذَا وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ منه دُونَ اللَّامِسِ وَلَا يُنْتَقَضُ إذَا لم تُوجَدْ منه وَإِنْ وُجِدَتْ عِنْدَ اللَّامِسِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ فَرْجُهُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا قال في النُّكَتِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ وَحَكَى الْخِلَافَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا ثُمَّ قال وَقِيلَ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ بِخِلَافِ لَمْسِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ انْتَهَى
قال بن عُبَيْدَانَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمَلْمُوسِ وَحَكَى عَدَمَ النَّقْضِ إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ فَرْجَ امْرَأَةٍ لم يُنْتَقَضْ طُهْرُهَا بِحَالٍ قال وَعَلَى رِوَايَةِ النَّقْضِ إنْ كان لِشَهْوَةٍ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهَا وَإِلَّا فَلَا قال في النُّكَتِ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ فَرْجُهُ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك في الْبَابِ في آخِرِ الْكَلَامِ على مَسِّ الذَّكَرِ
قَوْلُهُ السَّادِسُ غَسْلُ الْمَيِّتِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ غَسْلَ الْمَيِّتِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا ذَكَرًا أو أُنْثَى وهو
____________________
(1/215)
من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ اخْتَارَهُ أبو الْحَسَنِ التيمي ( ( ( التميمي ) ) ) وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلِبَعْضِ الْأَصْحَابِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ النَّقْضِ إذَا غَسَلَهُ في قَمِيصٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ أَظْهَرُ
تَنْبِيهٌ قَيَّدَ في الرِّعَايَةِ مَسْأَلَةَ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِغَسْلِهِ بِمَا إذَا قُلْنَا يَنْقُضُ مَسُّ الْفَرْجِ وهو ظَاهِرُ تَعْلِيلِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وقد يَكُونُ تَعَبُّدِيًّا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا غَسْلُ بَعْضِ الْمَيِّتِ كَغَسْلِ جَمِيعِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ غَسْلُ الْبَعْضِ قال في الرِّعَايَةِ وهو أَظْهَرُ
الثَّانِيَةُ لو يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ لم يَنْقُضْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ كَالْغُسْلِ
قَوْلُهُ السَّابِعُ أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ قال الْخَلَّالُ على هذا اسْتَقَرَّ قَوْلُ أبي عبد اللَّهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ يَنْقُضُ بِنَيْئِهِ فَقَطْ ذَكَرَهَا بن حَامِدٍ وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَفَحُشَتْ قال الزَّرْكَشِيُّ كَعَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ مُتَأَوِّلٌ وَقِيلَ فيه مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ هو عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَمَنْ عَلِمَ لَا يُعْذَرُ وَعَنْهُ بَلَى مع التَّأْوِيلِ وَعَنْهُ مع طُولِ الْمُدَّةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ شَرِبَ من لَبَنِهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
____________________
(1/216)
يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَنْقُضُ اللَّحْمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرْشَادِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
إحْدَاهُمَا لَا يَنْقُضُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهَا الْكَثِيرُ من أَصْحَابِنَا قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ قال النَّاظِمُ هذا الْمَنْصُورُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هو كَاللَّحْمِ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ
تَنْبِيهٌ حَكَى الْأَصْحَابُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ وَحَكَاهُمَا في الْإِرْشَادِ وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ من كَبِدِهَا أو طِحَالِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُجَرَّدِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يَنْقُضُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على اللَّحْمِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وبن عُبَيْدَانَ وقال وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَإِنْ قُلْنَا يَنْقُضُ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
وَالثَّانِي يَنْقُضُ
____________________
(1/217)
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا حَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ في الْمُجَرَّدِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَحَكَى أَكْثَرُهُمْ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ أَكْلُ ما عَدَا ما ذَكَرَهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ في بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا غَيْرِ اللَّحْمِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قال في الْفُرُوعِ وفي بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَالْمَرَقِ وَاللَّبَنِ رِوَايَتَانِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَحُكْمُ سَائِرِ أَجْزَائِهِ غَيْرُ اللَّحْمِ كَالسَّنَامِ وَالْكَرِشِ وَالدُّهْنِ وَالْمَرَقِ وَالْمُصْرَانِ وَالْجِلْدِ حُكْمُ الطِّحَالِ وَالْكَبِدِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي سَنَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَرَقِهِ وَكَرِشِهِ وَمُصْرَانِهِ وَقِيلَ وَجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ في شُحُومِهَا وَجْهَانِ وَحَكَى الْخِلَافَ في ذلك بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّ أَكْلَ الْأَطْعِمَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَنْقُضُ الطَّعَامُ الْمُحَرَّمُ وَعَنْهُ يَنْقُضُ اللَّحْمُ الْمُحَرَّمُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يَنْقُضُ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَقَطْ قال أبو بَكْرٍ وَبَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ تَخْرُجُ عليه حَكَاهُ عنه بن عَقِيلٍ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَمَّا لَحْمُ الْخَبِيثِ الْمُبَاحِ لِلضِّرْوَةِ كَلَحْمِ السِّبَاعِ فَيَنْبَنِي الْخِلَافُ فيه على أَنَّ النَّقْضَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ أو مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَيُعْطَى حُكْمُهُ بَلْ هو أَبْلَغُ منه انْتَهَى
قُلْت الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوُضُوءَ من لَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَقِيلَ هو مُعَلَّلٌ فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا من الشَّيَاطِينِ كما جاء في الحديث الصَّحِيحِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو دَاوُد وفي حَدِيثٍ
____________________
(1/218)
آخَرَ على ذِرْوَةِ كل بَعِيرٍ شَيْطَانٌ فَإِنْ أَكَلَ منها أَوْرَثَ ذلك قُوَّةً شَيْطَانِيَّةً فَشُرِعَ وَضُوءُهُ منها لِيُذْهِبَ سُورَةَ الشَّيْطَانِ
قَوْلُهُ الثَّامِنُ الرِّدَّةُ عن الْإِسْلَامِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّدَّةَ عن الْإِسْلَامِ تُنْقِضُ الْوُضُوءَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ لَا تُنْقِضُ وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ في النَّقْضِ بها قال في الْفُرُوعِ وَلَا نَصَّ فيها
فَائِدَةٌ لم يذكر الْقَاضِي في الْجَامِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْخِصَالِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن الْبَنَّا في الْعُقُودِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالسَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَخْرُ بن تَيْمِيَّةَ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ الرِّدَّةَ من نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا لَا تُنْقِضُ عِنْدَهُمْ وَقِيلَ إنَّمَا تَرَكُوهَا لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا لِأَنَّهُ إنْ لم يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَجَبَ عليه الْغُسْلُ وَيَدْخُلُ فيه الْوُضُوءُ وقد أَشَارَ إلَى ذلك الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فقال لَا مَعْنَى لِجَعْلِهَا من النَّوَاقِضِ مع وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ له فَائِدَةٌ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّا نُوجِبُ عليه الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ فَإِنْ نَوَاهُمَا بِالْغُسْلِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قُلْنَا لم يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ لم يَجِبْ عليه الْغُسْلُ انْتَهَى قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت وَمِثْلُ هذا لَا يَخْفَى على الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُلَازِمٌ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ تُنْقِضُ الْوُضُوءَ السَّامِرِيُّ وَحَكَى بن حَمْدَانَ وَجْهًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ بِالِالْتِقَاءِ بِحَائِلٍ وَلَا بِالْإِسْلَامِ وَإِذَنْ يَنْتَفِي الْخِلَافُ بين الْأَصْحَابِ في الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ على هذه الثَّمَانِيَةِ ظَاهِرٌ على أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ غير ذلك وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ ما يُوجِبُ الْغُسْلَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَإِنْ لم يَكُنْ
____________________
(1/219)
خَارِجًا من السَّبِيلِ كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لم يُنْزِلْ وَانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَإِنْ لم يَظْهَرْ وَالرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِيلَاجِ بِحَائِلٍ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ على ما يَأْتِي في أَوَّلِ بَابِ الْغُسْلِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ كما تَقَدَّمَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال بن عُبَيْدَانَ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَصْحَابِنَا
قُلْت منهم الْمَجْدُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْخِرَقِيُّ وَالسَّامِرِيُّ وبن حَمْدَانَ وَقِيلَ لَا وَلَوْ مَيِّتًا وقال بن تَمِيمٍ وما أَوْجَبَ الْغُسْلَ غَيْرُ الْمَوْتِ يَجِبُ منه الْوُضُوءُ إلَّا انْتِقَالُ الْمَنِيِّ وَالْإِيلَاجُ مع الْحَائِلِ وَإِسْلَامُ الْكَافِرِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ أَيْضًا
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمِنْهَا ما أَوْجَبَ غُسْلًا كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مع حَائِلٍ يَمْنَعُ الْمُبَاشَرَةَ بِلَا إنْزَالٍ في الْأَصَحِّ فيه وَانْتِقَالِ الْمَنِيِّ بِلَا إنْزَالٍ على الْأَصَحِّ فيه وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ في وَجْهٍ إنْ وَجَبَ غُسْلُهُ في الْأَشْهَرِ انْتَهَى وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ في وُجُوبِ الْوُضُوءِ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ في بَابِ الْغُسْلِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ غير ذلك وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا من النَّوَاقِضِ زَوَالُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوُهَا بِشَرْطِهِ مُطْلَقًا وَخُرُوجِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَهِيَ فيها في وَجْهٍ وَبُطْلَانِ الْمَسْحِ بِفَرَاغِ مُدَّتِهِ وَخَلْعِ حَائِلِهِ وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقًا وَبُرْءُ مَحَلِّ الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا مُطْلَقًا كَقَلْعِهَا وَانْتِقَاضُ كُورٍ أو كُورَيْنِ من الْعِمَامَةِ في رِوَايَةٍ وَخَلْعِهَا وَبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ الذي كَمَّلَ بِهِ الْوُضُوءَ وَغَيْرَهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَزَوَالِ ما أَبَاحَهُ وَغَيْرِ ذلك انْتَهَى
قُلْت كُلُّ ذلك مَذْكُورٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ في أَمَاكِنِهِ ولم يَذْكُرْهُ
____________________
(1/220)
الْمُصَنِّفُ هُنَا اعْتِمَادًا على ذِكْرِهِ في أَبْوَابِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هُنَا ما هو مُشْتَرَكٌ فَأَمَّا الْمَخْصُوصُ فَيُذْكَرُ عِنْدَ حُكْمِ ما اُخْتُصَّ بِهِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا من الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى عن أَحْمَدَ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ بِذَلِكَ
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِإِزَالَةِ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَنَحْوِهِمَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ يُنْقَضُ قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ غَرِيبٌ قال بن تَمِيمٍ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ في الْأَصَحِّ
فَائِدَةٌ اقْتَصَرَ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ في كِتَابِهِ الطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ على النَّقْضِ بِالْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِغَيْرِهَا
تَنْبِيهٌ دخل في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ في الْحَدَثِ أو تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ في الطَّهَارَةِ مَسَائِلُ
منها ما ذَكَرَهُ هُنَا وهو قَوْلُهُ فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا نَظَرَ في حَالِهِ قَبْلَهُمَا فَإِنْ كان مُتَطَهِّرًا فَهُوَ مُحْدِثٌ وَإِنْ كان مُحْدِثًا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ وَهَذَا هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يَتَطَهَّرُ مُطْلَقًا كما لو جَهِلَ ما كان قَبْلَهُمَا في هذه الْمَسْأَلَةِ
وقال الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ لو قِيلَ يَتَطَهَّرُ لَكَانَ له وَجْهٌ لِأَنَّ يَقِينَ الطَّهَارَةِ قد عَارَضَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ وإذا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا وَبَقِيَ عليه الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ فإنه يَكُونُ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ بِيَقِينٍ
وَمِنْهَا لو تَيَقَّنَ فِعْلَ طَهَارَةٍ رَافِعًا بها حَدَثًا وَفِعْلَ حَدَثٍ نَاقِضًا بِهِ طَهَارَةً فإنه يَكُونُ على مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا قَطْعًا
وَمِنْهَا لو جَهِلَ حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا في هذه الْمَسْأَلَةِ أو عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهَلْ هو كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا أو ضِدُّهُ فيه وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي
____________________
(1/221)
قُلْت وُجُوبُ الطَّهَارَةِ أَقْوَى وَأَوْلَى
وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا جَهِلَ حَالَهُمَا أَنَّهُ يَكُونُ على ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا وَقَدَّمَهُ في النُّكَتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا وَاخْتَارَ أبو الْمَعَالِي في شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا أَنَّهُ يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا وَجَزَمَ في الْمُسْتَوْعِبِ في مَسْأَلَةِ الْحَالَيْنِ أَنَّهُ لو تَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا في وَقْتٍ لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا تَعَارَضَ هذا الْيَقِينُ وَسَقَطَ وكان على حَالِهِ قبل ذلك من حَدَثٍ أو طَهَارَةٍ
قال في النُّكَتِ وَأَظُنُّ أَنَّ وَجِيهَ الدِّينِ بن مُنَجَّا أَخَذَ اخْتِيَارَهُ من هذا وَنَزَّلَ كَلَامَ من أَطْلَقَ من الْأَصْحَابِ عليه
وَمِنْهَا لو تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عن حَدَثٍ وَلَا يَدْرِي الْحَدَثَ عن طُهْرٍ أو لَا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا
وَمِنْهَا لو تَيَقَّنَ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ فَهُوَ على ضِدِّ حَالِهَا قَبْلَهَا
وَمِنْهَا لو تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَدَثَ عن ( ( ( على ) ) ) طَهَارَةٍ وَلَا يَدْرِي الطَّهَارَةَ عن حَدَثٍ أَمْ لَا عَكْسُ التي قَبْلَهَا فَهُوَ مُحْدِثٌ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عليه الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ
اما تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ فَبِالْإِجْمَاعِ
وَأَمَّا الطَّوَافُ فَتُشْتَرَطُ له الطَّهَارَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ عليه الْأَصْحَابُ فَيَحْرُمُ عليه فِعْلُهُ بِلَا طَهَارَةٍ وَلَا يُجْزِيهِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ وَيُجْبَرُ بِدَمٍ وَعَنْهُ وَكَذَا الْحَائِضُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال لَا دَمَ
____________________
(1/222)
عليها لِعُذْرٍ وقال هل هِيَ وَاجِبَةٌ أو سُنَّةٌ لها فيه قَوْلَانِ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ التَّطَوُّعُ أَيْسَرُ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَوَّلِ الْحَيْضِ وفي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا لم يُجْزِئْهُ
وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّ كِتَابَتِهِ وَجِلْدِهِ وَحَوَاشِيهِ لِشُمُولِ اسْمِ الْمُصْحَفِ له بِدَلِيلِ الْبَيْعِ وَلَوْ كان الْمَسُّ بِصَدْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ كِتَابَتِهِ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ قال لِشُمُولِ اسْمِ الْمُصْحَفِ لِجَوَازِ جُلُوسِهِ على بِسَاطٍ على حَوَاشِيهِ كِتَابَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وقال الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ لِلْجُنُبِ مَسُّ ما له قِرَاءَتُهُ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ جَوَازُ مَسِّ الْجِلْدِ فإنه قال لَا يَمَسُّ الْمُحْدِثُ مُصْحَفًا وَقِيلَ وَلَا جِلْدَهُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ مَسُّهُ وهو تَارَةً مَسُّ الْمُصْحَفِ فَلَا يَجُوزُ على الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ وهو وَجْهٌ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَتَارَةً يَمَسُّ الْمَكْتُوبَ في الْأَلْوَاحِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ
وَتَارَةً يَمَسُّ اللَّوْحَ أو يَحْمِلُهُ فَيَجُوزُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ فإنه قال وفي مَسِّ الصِّبْيَانِ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ وَاقْتَصَرَ عليه وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ في رِوَايَةِ مَسِّ صَبِيٍّ لَوْحًا كُتِبَ فيه قال بن رَزِينٍ وهو أَظْهَرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وقال الْقَاضِي في مُسْتَدْرَكِهِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِمَسِّهِ لِبَعْضِ الْقُرْآنِ وَيُمْنَعُ
____________________
(1/223)
من جُمْلَتِهِ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ من له عَشْرٌ فَصَاعِدًا بِنَاءً على وُجُوبِ الصَّلَاةِ عليه
فَوَائِدُ
منها لَا يَحْرُمُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ وَلَا في غَلَّافَتِهِ أو كُمِّهِ أو تَصَفُّحُهُ بِكُمِّهِ أو بِعُودٍ أو مَسُّهُ من وَرَاءِ حَائِلٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ وبن عَبْدُوسٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو مُحَمَّدٍ قال الْقَاضِي وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَقِيلَ يَحْرُمُ إلَّا لِوَرَّاقٍ لِحَاجَتِهِ وَعَنْهُ الْمَنْعُ من تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا إلَى بَقِيَّةِ الْحَوَائِلِ وَأَبَى ذلك طَائِفَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَفَرَّقَ بِأَنَّ كُمَّهُ وَعَبَاءَتَهُ مُتَّصِلًا بِهِ أَشْبَهَتْ أَعْضَاءَهُ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في حَمْلِهِ بِعِلَاقَتِهِ أو في غِلَافِهِ وَتَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ أو عُودٍ وَنَحْوِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ
وَمِنْهَا هل يَجُوزُ مَسُّ ثَوْبٍ رُقِمَ بِالْقُرْآنِ أو فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ فيه وَجْهَانِ أو رِوَايَتَانِ رَوَى بن عُبَيْدَانَ في الثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ بِالْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ في الْفِضَّةِ الْمَنْقُوشَةِ قال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ في رِوَايَةِ مَسِّ ثَوْبٍ رُقِمَ بِهِ وَفِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَوَازُ قال في النَّظْمِ عن الدِّرْهَمِ الْمَنْقُوشِ هذا الْمَنْصُورُ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وهو وَجْهٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال لِأَنَّهُ أَبْلَغُ من الْكَاغَدِ وقال الْقَاضِي في التَّخْرِيجِ ما لَا يُتَعَامَلُ بِهِ غَالِبًا لَا يَجُوزُ مَسُّهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وقال في النِّهَايَةِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ بِالْجَوَازِ في مَسِّ الْخَاتَمِ الْمَرْقُومِ فيه قُرْآنٌ وَاخْتَارَ في النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ ثَوْبٍ كُتِبَ فيه قُرْآنٌ
____________________
(1/224)
وَمِنْهَا يَجُوزُ حَمْلُ خُرْجٍ فيه مَتَاعٌ وَفِيهِ مُصْحَفٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ كان فَوْقَ الْمَتَاعِ أو تَحْتَهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ وهو فيه
وَمِنْهَا يَجُوزُ مَسُّ كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْمَنْعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ فيه وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ أَيْضًا في حَمْلِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَقِيلَ في مَسِّ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فيه وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ من ذلك ما نَقَلَهُ أبو طَالِبٍ في الرَّجُلِ يَكْتُبُ الحديث أو الْكِتَابَ لِلْحَاجَةِ فَيَكْتُبُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ فقال بَعْضُهُمْ يَكْرَهُهُ وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ وقال الصَّحِيحُ الْمَنْعُ من حَمْلِ ذلك وَمَسِّهِ انْتَهَى
وَمِنْهَا يَجُوزُ مَسُّ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ وَالْمَأْثُورِ عن اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذلك
قُلْت وَالْمَنْعُ من قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَقْوَى وَأَوْلَى
وَمِنْهَا لو رُفِعَ الْحَدَثُ عن عُضْوٍ من أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ مَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ لم يَجُزْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عنه وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ إذَا قُلْنَا يَرْتَفِعُ عنه
وَاعْلَمْ أَنَّ في رَفْعِ الْحَدَثِ عن الْعُضْوِ قبل إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ ذلك مُرَاعًى فَإِنْ كَمَّلَهُ ارْتَفَعَ وَإِلَّا فَلَا
قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَهِّرًا إلَّا بِعَمَلِ الْجَمِيعِ قال الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ طَاهِرٍ على الْمَذْهَبِ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَوْ رُفِعَ الْحَدَثُ عن عُضْوٍ لم يَمَسَّهُ بِهِ قبل إكْمَالِ الطَّهَارَةِ في الْأَصَحِّ قال بن تَمِيمٍ وَلَوْ رُفِعَ الْحَدَثُ عن عُضْوٍ لم يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ حتى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ
وَمِنْهَا يَحْرُمُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِعُضْوٍ نَجِسٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ
____________________
(1/225)
قُلْت هذا خَطَأٌ قَطْعًا
وَمِنْهَا لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ إذَا كان على غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَحْرُمُ قال في الْفُرُوعِ عن هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ
قُلْت صَرَّحَ بن تَمِيمٍ بِالثَّانِيَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ بِالْأُولَى وَذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ في الرِّعَايَةِ وقال في التَّبْصِرَة لَا تُعْتَبَرُ الطَّهَارَةُ من النَّجَاسَةِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ
وَمِنْهَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ لِتَكْمِيلِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي ثُمَّ مَسَّهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ له مَسُّهُ قبل تَكْمِيلِهَا بِالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وهو سَهْوٌ
وَمِنْهَا يَجُوزُ كِتَابَتُهُ من غَيْرِ مَسٍّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقِيلَ هو كَالتَّقْلِيبِ بِالْعُودِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَازَ التَّقْلِيبُ بِالْعُودِ وَلِلْمَجْدِ احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الرِّعَايَةِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَحْمِلْهُ على مُقْتَضَى ما في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا
تَنْبِيهٌ خَرَجَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الذِّمِّيُّ لِانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ منه وَعَدَمِ صِحَّتِهَا وهو صَحِيحٌ لَكِنْ له نَسْخُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ بِدُونِ حَمْلٍ وَمَسٍّ قَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ قال بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ على كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ إذَا لم يَحْمِلْهُ قال أبو بَكْرٍ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَصَاحِفَ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَهَا النَّصَارَى قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ يَحْتَمِلُ قَوْلُ أبي بَكْرٍ يَكْتُبُهُ مُكْتَبًا بين يَدَيْهِ وَلَا يَحْمِلُهُ وهو قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَسَّ الْقَلَمِ لِلْحَرْفِ كَمَسِّ الْعُودِ لِلْحَرْفِ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ يُعْجِبُك أَنْ تَكْتُبَ النَّصَارَى الْمَصَاحِفَ قال لَا يُعْجِبُنِي قال الزَّرْكَشِيُّ فَأَخَذَ من ذلك رِوَايَةً بِالْمَنْعِ قال الْقَاضِي في خِلَافِهِ يُمْكِنُ حَمْلُهَا على أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمَصَاحِفَ في حَالِ كِتَابَتِهَا وقال في الْجَامِعِ
____________________
(1/226)
ظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ ذلك وَكَرِهَهُ لِلْخِلَافِ وقال في النِّهَايَةِ يُمْنَعُ منه وَأَطْلَقَ في الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ الرِّوَايَتَيْنِ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَيُمْنَعُ من قِرَاءَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه
قال الْقَاضِي التَّخْرِيجُ لَا يَمْنَعُ لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ من مَسِّهِ انْتَهَى وَيُمْنَعُ من تَمَلُّكِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أو غَيْرِهِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ تَوَسُّدَهُ وفي تَخْرِيجِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ التَّحْرِيمَ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُصَنَّفِ وَالْمُغْنِي وَالشَّارِحِ قال في الْآدَابِ وَقَدَّمَ هو عَدَمَ التَّحْرِيمِ وهو الذي ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَجْهًا
وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ التي فيها قُرْآنٌ وَإِلَّا كُرِهَ قال أَحْمَدُ في كُتُبِ الحديث إنْ خَافَ سَرِقَتَهُ فَلَا بَأْسَ قال في الْفُرُوعِ ولم يذكر أَصْحَابُنَا مَدَّ الرِّجْلَيْنِ إلَى جِهَةِ ذلك وَتَرْكُهُ أَوْلَى أو يُكْرَهُ
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَحْرُمُ إلَّا مع غَلَبَةِ السَّلَامَةِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ بِدُونِ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ
وَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ في الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ بَابُ الْغُسْلِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِلَذَّةٍ
مُرَادُهُ إذَا خَرَجَ من مَخْرَجِهِ وَلَوْ خَرَجَ دَمًا وهو صَحِيحٌ
قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذلك لم يُوجِبْ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَثْبَتَ هذه الرِّوَايَةَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم
____________________
(1/227)
بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَغَيْرُهُ وَبَعْضُهُمْ تَخْرِيجًا منهم الْمَجْدُ من رِوَايَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْبَوْلِ دُونَ ما قَبْلَهُ على ما يَأْتِي قَرِيبًا
قال بن تَمِيمٍ فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَرِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَرِوَايَتَانِ مُطْلَقًا أَصَحُّهُمَا عَدَمُ وُجُوبِهِ ثُمَّ قال وَإِنْ صَارَ بِهِ سَلَسُ الْمَنِيِّ أو الْمَذْيُ أو الْبَوْلُ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي في مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ
قُلْت فَيُعَايَى بها في مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ لِكَوْنِهِ لَا يَجِبُ عليه إلَّا الْوُضُوءُ بِلَا نِزَاعٍ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذلك لم يُوجِبْ الْيَقْظَانُ
فَأَمَّا النَّائِمُ إذَا رَأَى شيئا في ثَوْبِهِ ولم يذكر احْتِلَامًا وَلَا لَذَّةً فإنه يَجِبُ عليه الْغُسْلُ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا لَكِنْ قال الْأَزَجِيُّ وأبو الْمَعَالِي الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا رَآهُ بِبَاطِنِ ثَوْبِهِ
قُلْت وهو صَحِيحٌ وهو مُرَادُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَظْهَرُ
وَحَيْثُ وَجَبَ عليه الْغُسْلُ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ ما صلى قبل ذلك حتى يَتَيَقَّنَ فَيَعْمَلَ بِالْيَقِينِ في ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ
تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ منه كَابْنِ عَشْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ بن اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَفِيهِ وَجْهٌ بن تِسْعِ سِنِينَ جَزَمَ بِهِ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في كِتَابِ اللِّعَانِ
فَوَائِدُ
إحداها لو انْتَبَهَ بَالِغٌ أو من يُحْتَمَلُ بُلُوغُهُ فَوَجَدَ بَلَلًا جَهِلَ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَجَبَ الْغُسْلُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ مع الْحُلُمِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ قال الزَّرْكَشِيُّ فَهَلْ يُحْكَمُ
____________________
(1/228)
بِأَنَّهُ مَنِيٌّ وهو الْمَشْهُورُ أو مَذْيٌ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي مُحَمَّدٍ فيه رِوَايَتَانِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَغْسِلُ بَدَنَهُ وَثَوْبَهُ احْتِيَاطًا قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ لَا يَجِبُ وَلِهَذَا قالوا وَإِنْ وَجَدَهُ يَقِظَةً وَشَكَّ فيه تَوَضَّأَ وَلَا يَلْزَمُهُ غُسْلُ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمَنِيِّ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَلْزَمُهُ حُكْمُهُمَا انْتَهَى
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا غُسْلُ ثَوْبِهِ ذَكَرَهُ في الْفُنُونِ عن الشَّرِيفِ أبي جَعْفَرٍ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ وقال يَنْبَغِي على هذا التَّقْدِيرِ أَنْ لَا يَجُوزَ له الصَّلَاةُ قبل الِاغْتِسَالِ في ذلك الثَّوْبِ قبل غَسْلِهِ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ وُجُودَ الْمُفْسِدِ لِلصَّلَاةِ لَا مَحَالَةَ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إذَا لم يَسْبِقْ نَوْمَهُ مُلَاعَبَةٌ أو بَرْدٌ أو نَظَرٌ أو فِكْرٌ أو نَحْوُهُ فَإِنْ سَبَقَ نَوْمَهُ ذلك لم يَجِبْ الْغُسْلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ وَعَنْهُ يَجِبُ مع الْحُلُمِ قال في النُّكَتِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ إنْ ذَكَرَ احْتِلَامًا سَوَاءٌ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ فِكْرٌ أو مُلَاعَبَةٌ أو لَا قال وهو قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
الثَّانِيَةُ إذَا احْتَلَمَ ولم يَجِدْ بَلَلًا لم يَجِبْ الْغُسْلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا وَعَنْهُ يَجِبُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَغْرَبَ بن أبي مُوسَى في حِكَايَتِهِ رِوَايَةً بِالْوُجُوبِ وَعَنْهُ يَجِبُ إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَلَا
الثَّالِثَةُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا رَأَى مَنِيًّا في ثَوْبٍ يَنَامُ فيه هو وَغَيْرُهُ وَكَانَا من أَهْلِ الِاحْتِلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَافَّهُ وَلَا يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في الْخِتَانِ وَمِثْلُهُ لو سَمِعَا رِيحًا من أَحَدِهِمَا وَلَا يُعْلَمُ من أَيُّهَا هِيَ وَكَذَا كُلُّ اثْنَيْنِ تُيُقِّنَ مُوجِبُ الطَّهَارَةِ من أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ
____________________
(1/229)
قَوْلُهُ فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِهِ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فلم يَخْرُجْ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِيضَاحِ وَالنَّظْمِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا يَجِبُ الْغُسْلُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ أَحْمَدَ بن أبي عُبَيْدَةَ وَحَرْبٍ قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عن أَحْمَدَ الْمُخْتَارَةُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ حتى إنَّ جُمْهُورَهُمْ جَزَمُوا بِهِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ ولم يَذْكُرُوا خِلَافًا قال في التَّلْخِيصِ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الْخُلَاصَةِ يَجِبُ على الْأَصَحِّ وَنَصَرَهَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال في الرِّعَايَةِ النَّصُّ وُجُوبُهُ وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ حتى يَخْرُجَ وَلَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالشَّرِيفُ فِيمَا حَكَاهُ عنه الشِّيرَازِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قال في الرِّعَايَةِ فَعَلَيْهَا يُعِيدُ ما صلى لَمَّا انْتَقَلَ انْتَهَى وما رَأَيْته لِغَيْرِهِ فإذا خَرَجَ اغْتَسَلَ بِلَا نِزَاعٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبُلُوغِ وَالْفِطْرُ وَفَسَادُ النُّسُكِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرُ ذلك على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(1/230)
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ تَثْبُتُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ الْتِزَامًا وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قُلْت وهو أَوْلَى قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي قال بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَإِنْ لم يَجِبْ بِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ لم يَجِبْ بِانْتِقَالِهِ بَلْ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ قال في الْفُرُوعِ في الْفَائِقِ لو خَرَجَ الْمَنِيُّ إلَى قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ أو فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَجَبَ الْغُسْلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَحَكَاهُ بن تَمِيمٍ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ
قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ أو خَرَجَتْ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ لم يَجِبْ الْغُسْلُ
يَعْنِي على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِانْتِقَالِ من غَيْرِ خُرُوجٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقال الْخَلَّالُ تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عن أبي عبد اللَّهِ أَنَّهُ ليس عليه إلَّا الْوُضُوءُ بَالَ أو لم يَبُلْ على هذا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا الْمَذْهَبُ زَادَ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْأَقْوَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وبن أبي مُوسَى وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ يَجِبُ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يَجِبُ إذَا خَرَجَ قبل الْبَوْلِ دُونَ ما بَعْدَهُ اخْتَارَهَا الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ عَكْسُهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ دُونَ ما قَبْلَهُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ
____________________
(1/231)
وَمِنْهَا خَرَّجَ الْمَجْدُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ من غَيْرِ شَهْوَةٍ كما تَقَدَّمَ عنه وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا غُسْلَ عليه إلَّا أَنْ تَنْزِلَ الشهوة ( ( ( لشهوة ) ) )
فَوَائِدُ
منها أَنَّ الْحُكْمَ إذَا جَامَعَ فلم يُنْزِلْ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ هُنَا منهم بن تَمِيمٍ فقال وَإِنْ جَامَعَ وَأَكْسَلَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ نَصَّ عليه وَفِيهِ وَجْهٌ لَا غُسْلَ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِشَهْوَةٍ وقال في الرِّعَايَةِ وَالنَّصُّ يَغْتَسِلُ ثَانِيًا
وَمِنْهَا قِيَاسُ انْتِقَالِ الْمَنِيِّ انْتِقَالُ الْحَيْضِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَمِنْهَا لو خَرَجَ من امْرَأَةٍ مَنِيُّ رَجُلٍ بَعْدَ الْغُسْلِ فَلَا غُسْلَ عليها وَيَكْفِيهَا الْوُضُوءُ نَصَّ عليه وَلَوْ وطىء دُونَ الْفَرْجِ وَدَبَّ مَاؤُهُ فَدَخَلَ الْفَرْجَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَا غُسْلَ عليها أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ ذلك وحكى عن بن عَقِيلٍ أَنَّ عليها الْغُسْلَ وهو وَجْهٌ حَكَاهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فيها وَفِيمَا إذَا دخل فَرْجَهَا من مَنِيِّ امْرَأَةٍ بِسِحَاقٍ ثُمَّ قال وَالنَّصُّ عَدَمُهُ في ذلك كُلِّهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْوُضُوءُ من ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ الذي قَبْلَهُ
تَنْبِيهَاتٌ
أحدها يَعْنِي بِقَوْلِهِ الثَّانِي الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ
وهو تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ في الْفَرْجِ أو قَدْرِهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في بَابِ الرَّجْعَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ تَوْجِيهًا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْبُوبَةِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ انْتَهَى وَمُرَادُهُ إذَا وُجِدَ ذلك بِلَا حَائِلٍ فَإِنْ وُجِدَ حَائِلٌ مِثْلُ أَنْ لَفَّ عليه خِرْقَةً أو أَدْخَلَهُ في كِيسٍ لم يَجِبْ الْغُسْلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَجِبُ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَهُمَا في
____________________
(1/232)
الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هل يَجِبُ عليه الْوُضُوءُ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا وَالصَّحِيحُ من ( ( ( على ) ) ) الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ منهم الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بَعْدَ قَوْلِهِ الرِّدَّةُ في الْفَائِدَةِ
الثَّانِي دخل في كَلَامِهِ لو كان ( ( ( كانا ) ) ) نَائِمًا أو مَجْنُونًا أو اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ الْحَشَفَةَ وهو كَذَلِكَ وهو الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ على النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وبن عُبَيْدَانَ فقالا ( ( ( فقال ) ) ) وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ نَائِمٍ أو مَجْنُونٍ أو مَيِّتٍ أو بَهِيمَةٍ اغْتَسَلَتْ وَقِيلَ وَيَغْتَسِلُ النَّائِمُ إذَا انْتَبَهَ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ
قُلْت يعايى بها أَيْضًا
الثَّالِثُ وقد يَدْخُلُ في كَلَامِهِ أَيْضًا لو اسْتَدْخَلَتْ حَشَفَةَ مَيِّتٍ أَنَّهُ يَجِبُ عليه الْغُسْلُ وهو وَجْهٌ فَيُعَادُ غُسْلُهُ فَيُعَايَى بها وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِذَلِكَ غُسْلُ الْمَيِّتِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت فَيُعَايَى بها أَيْضًا
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ عليها الْغُسْلُ في الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ فَكَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ على ما يَأْتِي بَعْدَ ذلك قَرِيبًا
الرَّابِعُ شَمِلَ قَوْلُهُ تَغَيَّبَتْ الْحَشَفَةُ في الْفَرْجِ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ
أَمَّا الْبَالِغُ فَلَا نِزَاعَ فيه وَأَمَّا غَيْرُهُ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ
____________________
(1/233)
كَالْبَالِغِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ على غَيْرِ الْبَالِغِ غُسْلٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال بن الزَّاغُونِيِّ في فَتَاوِيهِ لَا نُسَمِّيهِ جُنُبًا لِأَنَّهُ لَا مَاءَ له ثُمَّ إنْ وَجَدَ شَهْوَةً لَزِمَهُ وَإِلَّا أُمِرَ بِهِ لِيَعْتَادَهُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يُجَامِعُ مِثْلُهُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الذَّكَرِ بن عَشْرِ سِنِينَ وَالْأُنْثَى تِسْعٍ قال في الْفُرُوعِ الْمُرَادُ بهذا ما قَبْلَهُ يَعْنِي كَوْنَ الذَّكَرِ بن عَشْرِ سِنِينَ وَالْأُنْثَى ابْنَةَ تِسْعٍ وهو الذي يُجَامِعُ مِثْلُهُ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ عنه خِلَافُهُ انْتَهَى
وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغُسْلِهِ قبل الْبُلُوغِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ على الصَّحِيحِ عِنْدَ إرَادَةِ ما يَتَوَقَّفُ عليه الْغُسْلُ أو الْوُضُوءُ أو مَاتَ شَهِيدًا قبل فِعْلِهِ وَعَدَّ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ هذا قَوْلًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقِيلَ بَابُ الْمِيَاهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوْلَى أَنَّ هذا مُرَادُ الْمَنْصُوصِ أو يُغَسَّلُ لو مَاتَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يَجِبُ على الصَّبِيِّ الْوُضُوءُ بِمُوجِبَاتِهِ وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ وَنَحْوِهِ
فَائِدَةٌ قال النَّاظِمُ يَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ حُكْمًا فقال
% وتقضى مُلَاقَاةُ الْخِتَانِ بِعِدَّةِ أو جه وَغُسْلٍ مع ثُيُوبَةٍ تُمَهِّدْ %
% وَتَقْرِيرِ مَهْرٍ وَاسْتِبَاحَةِ أَوَّلٍ % وَإِلْحَاقِ أَنْسَابٍ وَإِحْصَانِ مُعْتَدِ %
% وَفَيْئَةِ مُولٍ مع زَوَالٍ لِعُنَّةٍ % وَتَقْرِيرِ تَكْفِيرِ الظِّهَارِ تَعَدُّدِ %
% وَإِفْسَادِهَا كَفَّارَةً في ظِهَارِهِ % وَكَوْنِ الإما ( ( ( الإماء ) ) ) صَارَتْ فِرَاشًا لِسَيِّدِ %
% وَتَحْرِيمِ أصهار وَقَطْعِ تَتَابُعِ ال صيام وَحِنْثِ الْحَالِفِ الْمُتَشَدِّدِ
____________________
(1/234)
انْتَهَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَطْءِ الْكَامِلِ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا
وقد رَأَيْت لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَدَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَعَدَّهَا سَبْعِينَ حُكْمًا أَكْثَرُهَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا وَعَدُّ النَّاظِمِ ليس بِحَصْرٍ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ قُبُلًا الْقُبُلُ الْأَصْلِيُّ فَلَا غُسْلَ بِوَطْءٍ قبل غَيْرِ أَصْلِيٍّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يَجِبُ قال الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ لو أَوْلَجَ رَجُلٌ في قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ هل يَجِبُ عليه الْغُسْلُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وقال بن عَقِيلٍ لو جَامَعَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْخُنْثَيَيْنِ الْآخَرَ بِالذَّكَرِ في الْقُبُلِ لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ هذا وَهْمٌ فَاحِشٌ ذَكَرَ نَقِيضَهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ قال بن تَمِيمٍ وهو سَهْوٌ
قَوْلُهُ أو دُبُرًا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه فَيَجِبُ على الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَأَطْلَقَهُمَا النَّاظِمُ وَقِيلَ يَجِبُ على الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءِ
قَوْلُهُ من آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ حتى لو كان سَمَكَةً حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وقال بن شِهَابٍ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ في الْبَهِيمَةِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال ذَكَرَهُ عنه في بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَبَابُ حَدِّ الزِّنَى
قَوْلُهُ حَيٍّ أو مَيِّتٍ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ إذَا وطىء على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ يُعَادُ غُسْلُهُ
____________________
(1/235)
قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَنْ وطىء مَيِّتًا بَعْدَ غُسْلِهِ أُعِيدَ غُسْلُهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَيَجِبُ الْغُسْلُ على كل وَاطِئٍ وَمَوْطُوءٍ إذَا كان من أَهْلِ الْغُسْلِ سَوَاءٌ كان الْفَرْجُ قُبُلًا أو دُبُرًا من كل آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ حَيًّا أو مَيِّتًا انْتَهَى
وقال بن تَمِيمٍ هل يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِإِيلَاجٍ في فَرْجِهِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ وَتَابَعَهُ بن عُبَيْدَانَ على ذلك وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لو اسْتَدْخَلَتْ حَشَفَةَ مَيِّتٍ هل يُعَادُ غُسْلُهُ
فَائِدَةٌ لو قالت امْرَأَةٌ لي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ فقال أبو الْمَعَالِي لَا غُسْلَ عليها لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ وَالِاحْتِلَامِ قال في الْفُرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ وقد قال بن الْجَوْزِيِّ في قَوْله تَعَالَى { لم يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } فيه دَلِيلٌ على أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِ انْتَهَى
قُلْت الصَّوَابُ وُجُوبُ الْغُسْلِ
قَوْلُهُ الثَّالِثُ إسْلَامُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كان أو مُرْتَدًّا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَسَوَاءٌ وُجِدَ منه ما يُوجِبُ الْغُسْلَ أو لَا وَسَوَاءٌ اغْتَسَلَ له قبل إسْلَامِهِ أو لَا وَعَنْهُ لَا يَجِبُ بِالْإِسْلَامِ غُسْلٌ بَلْ يُسْتَحَبُّ
قُلْت وهو أَوْلَى وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو قَوْلُ أبي بَكْرٍ في غَيْرِ التَّنْبِيهِ وقال أبو بَكْرٍ لَا غُسْلَ عليه إلَّا إذَا وُجِدَ منه في حَالِ كُفْرِهِ ما يُوجِبُ الْغُسْلَ من الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُ الْمَذْهَبُ في الْكَافِي رِوَايَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَغْرَبَ أبو مُحَمَّدٍ في الْكَافِي فَحَكَى ذلك رِوَايَةً وهو كما قال وَقِيلَ يَجِبُ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ بِشَرْطِهِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو وُجِدَ سَبَبٌ من الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ في حَالِ كُفْرِهِ لم
____________________
(1/236)
يَلْزَمْهُ له غُسْلٌ إذَا أَسْلَمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بَلْ يكتفى بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَسْبَابُهُ الْمُوجِبَةُ له في الْكُفْرِ كَثِيرَةٌ وَبَنَاهُ أبو الْمَعَالِي على مُخَاطَبَتِهِمْ فَإِنْ قُلْنَا هُمْ مُخَاطَبُونَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ كما تَقَدَّمَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ كَالْوُضُوءِ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُوجِبُ الْإِسْلَامَ غُسْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ وُجِدَ سَبَبُهُ قَبْلَهُ فَلَزِمَهُ بِذَلِكَ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِمَا غُسْلٌ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَلَوْ اغْتَسَلَ في حَالِ كُفْرِهِ أَعَادَ على قَوْلِهِمْ جميعا على الصَّحِيحِ قال في الرِّعَايَةِ لم يُجْزِئْهُ غُسْلُهُ حَالَ كُفْرِهِ في الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وقال الْقَاضِي في شَرْحِهِ هذا إذَا لم نُوجِبْ الْغُسْلَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا إعَادَةَ عليه إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ قال بِنَاءً على أَنَّهُ يُثَابُ على الطَّاعَةِ في حَالِ كُفْرِهِ إذَا أَسْلَمَ وَأَنَّهُ كَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا مُعْتَقِدًا حِلَّهَا وَفِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ هذا الْحُكْمُ في غَيْرِ الْحَائِضِ أَمَّا الْحَائِضُ إذَا اغْتَسَلَتْ لِزَوْجِهَا أو سَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ فإنه يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهَا إعَادَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ هِيَ كَالْكَافِرِ إذَا اغْتَسَلَ في حَالِ كُفْرِهِ على ما تَقَدَّمَ قال أبو الْفَرَجِ بن أبي الْفَهْمِ إذَا اغْتَسَلَتْ الذِّمِّيَّةُ من الْحَيْضِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهَا وقال في الرِّعَايَةِ لو اغْتَسَلَتْ كِتَابِيَّةٌ عن حَيْضٍ أو نِفَاسٍ لِوَطْءِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ أو سَيِّدٍ مُسْلِمٍ صَحَّ ولم يَجِبْ وَقِيلَ يَجِبُ على الْأَصَحِّ وفي غُسْلِهَا من جَنَابَةٍ وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ فإذا أَسْلَمَتْ قبل وَطْئِهِ سَقَطَ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ وَجَبَ حَالَ الْكُفْرِ بِطَلَبِهَا فَالْوَجْهَانِ وَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرَةٍ غَيْرَهَا انْتَهَى
____________________
(1/237)
تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الْمُرْتَدَّ بِالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا غُسْلَ على الْمُرْتَدِّ إنْ أَوْجَبْنَاهُ على الْأَصَحِّ
قَوْلُهُ الرَّابِعُ الْمَوْتُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَجِبُ مع حَيْضٍ وَنِفَاسٍ
قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا
قال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذلك قُلْت إنْ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْحَيْضِ فَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ غُسْلُهَا لِلْجَنَابَةِ قبل الِانْقِطَاعِ وَجَبَ غُسْلُ الْحَائِضِ الْمَيِّتَةَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ وَالسَّادِسُ النِّفَاسُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ قال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عن كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالطُّهْرُ بين الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هذا تَجَوُّزٌ من أبي الْقَاسِمِ فإن الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ في التَّحْقِيقِ هو الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَانْقِطَاعُهُ شَرْطُ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَصِحَّتُهُ فَسَمَّاهُ مُوجِبًا انْتَهَى وَاقْتَصَرَ على هذا الْقَوْلِ في الْمُغْنِي وَقِيلَ هذا يَجِبُ بِانْقِطَاعِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمِنْهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ إذَا فَرَغَا وَانْقَطَعَا قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَشْهَرُ وقال بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ وقال بن الْبَنَّا قال ( ( ( كقول ) ) ) الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا اسْتَشْهَدَتْ الْحَائِضُ قبل الطُّهْرِ فَإِنْ قُلْنَا
____________________
(1/238)
يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَجَبَ غُسْلُهَا لِلْحَيْضِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ إلَّا بِالِانْقِطَاعِ لم يَجِبْ الْغُسْلُ لِأَنَّ الشَّهِيدَةَ لَا تُغَسَّلُ وَلَوْ لم يَنْقَطِعْ الدَّمُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ قَالَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
قال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اسْتَشْهَدَتْ الْحَائِضُ قبل الطُّهْرِ هل تُغَسَّلُ لِلْحَيْضِ فيه وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ عليها بِخُرُوجِ الدَّمِ غُسِّلَتْ لِسَبْقِ الْوُجُوبِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ إلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ لم يَجِبْ انْتَهَى
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ على الْقَوْلَيْنِ منهم الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الطُّهْرَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الْغُسْلِ أو في السَّبَبِ الْمُوجِبِ له ولم يُوجَدْ
قال الطُّوفِيُّ في شَرْحِهِ بعد ما ذُكِرَ ما تَقَدَّمَ وَعَلَى هذا التَّفْرِيعِ إشْكَالٌ وهو أَنَّ الْمَوْتَ إمَّا أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ انْقِطَاعِ الدَّمِ أولا فَإِنْ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ لَزِمَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَشَرْطِهِ على الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لم يُنَزَّلْ مَنْزِلَةَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَهِيَ في حُكْمِ الْحَائِضِ على الْقَوْلَيْنِ فَلَا يَجِبُ غُسْلُهَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ هو الِانْقِطَاعُ فَسَبَبُ الْوُجُوبِ مُنْتَفٍ وَإِنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ خُرُوجُ الدَّمِ فَشَرْطُ الْوُجُوبِ وهو الِانْقِطَاعُ مُنْتَفٍ وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ انْتَهَى
وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي على الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وهو وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالْخُرُوجِ احْتِمَالَيْنِ لتحقق ( ( ( لتحقيق ) ) ) الشَّرْطِ بِالْمَوْتِ وهو غَيْرُ مُوجِبٍ انْتَهَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يَنْبَنِي أَيْضًا على قَوْلِ الْخِرَقِيِّ إنه لَا يَجِبُ بَلْ لَا يَصِحُّ غُسْلُ مَيِّتَةٍ مع قِيَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَإِنْ لم تَكُنْ شَهِيدَةً وهو قَوِيٌّ في الْمَذْهَبِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ فيه أَنَّ غُسْلَهَا لِلْجَنَابَةِ قبل انْقِطَاعِ دَمِهَا لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ الْحَدَثِ كما هو رَأْيُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَإِذًا لَا يَصِحُّ غُسْلُ لموت ( ( ( الموت ) ) ) لِقِيَامِ الْحَدَثِ كَالْجَنَابَةِ وإذا لم يَصِحَّ لم يَجِبْ حِذَارًا من تَكْلِيفِ ما لَا يُطَاقُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ غُسْلِهَا لِلْجَنَابَةِ قبل ذلك فَيَنْتَفِي هذا الْبِنَاءُ انْتَهَى
____________________
(1/239)
قُلْت هذا الْقَوْلُ الذي حَكَاهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتَةِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا
وقال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ
فَرْعٌ لو أَسْلَمَتْ الْحَائِضُ أو النُّفَسَاءُ قبل انْقِطَاعِ الدَّمِ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ على من أَسْلَمَ مُطْلَقًا لَزِمَهَا الْغُسْلُ إذَا طَهُرَتْ لِلْإِسْلَامِ فَيَتَدَاخَلُ الْغُسْلَانِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ خَرَجَ وُجُوبُ الْغُسْلِ عليها عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ على الْقَوْلَيْنِ في مُوجِبِهِ إنْ قُلْنَا يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَلَا غُسْلَ عليها لِأَنَّهُ وَجَبَ حَالَ الْكُفْرِ وقد سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ لَا غُسْلَ على من أَسْلَمَ وَعَلَى هذا تُغَسَّلُ عِنْدَ الطُّهْرِ نَظَافَةً لَا عِبَادَةً حتى لو لم تَنْوِ أَجْزَأَهَا وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وُجِدَ حَالَ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ كَالْمُسْلِمَةِ الْأَصْلِيَّةِ
قال وَهَذَا الْفَرْعُ إنَّمَا اسْتَخْرَجْته ولم أَرَهُ لِأَحَدٍ وَلَا سَمِعْته منه وَلَا عنه إلَى هذا الْحِينِ وَإِنَّمَا أَقُولُ هذا حَيْثُ قُلْته تَمْيِيزًا لِلْمَقُولِ عن الْمَنْقُولِ أَدَاءً لِلْأَمَانَةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ لَا يَجِبُ على الْحَائِضِ غُسْلٌ في حَالِ حَيْضِهَا من الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا وَلَكِنْ يَصِحُّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فيها وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ في هذا الْبَابِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ وَالْفَائِقِ في بَابِ الْحَيْضِ وَعَنْهُ يَجِبُ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهَا قال في النُّكَتِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَصِحُّ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهَا كَذَلِكَ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ انْتَهَى
وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَيَصِحُّ غُسْلُ
____________________
(1/240)
الْحَيْضِ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَلِذَا لَا تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ غُسْلَ الْحَيْضِ مع وُجُودِ الْجَنَابَةِ مِثْلُ إنْ أَجْنَبَتْ في أَثْنَاءِ غُسْلِهَا من الْحَيْضِ
وَتَقَدَّمَ ذلك فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ
قَوْلُهُ وفي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةُ عن الدَّمِ وَجْهَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ في بَابِ الْحَيْضِ وَالْوَجْهُ الْغُسْلُ فاما الْوِلَادَةُ الْخَالِيَةُ عن الدَّمِ فَقِيلَ لَا غُسْلَ عليها وَقِيلَ فيها وَجْهَانِ انْتَهَى
أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِذَلِكَ قَالَهُ الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَالْمَجْدِ وَالشَّارِحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ في بَابِ الْحَيْضِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ وهو رِوَايَةٌ في الْكَافِي اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن الْبَنَّا وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ الْحَيْضِ
تَنْبِيهَانِ
احدهما قَوْلُهُ الْعَرِيَّةُ عن الدَّمِ من زَوَائِدِ الشَّارِحِ
الثَّانِي حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كما حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ وَالطُّوفِيُّ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ فَإِنْ عَرَتْ الْمَرْأَةُ عن
____________________
(1/241)
نِفَاسٍ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا في السِّقْطِ فَهَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَحَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ في الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةِ عن الدَّمِ فَقِيلَ وهو الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ إنَّ الْوِلَادَةَ مَظِنَّةٌ لِدَمِ النِّفَاسِ غَالِبًا وَأُقِيمَتْ مَقَامَهُ كَالْوَطْءِ مع الْإِنْزَالِ وَالنَّوْمِ مع الْحَدَثِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَبِهِ عَلَّلَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ فقال لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ أَصْلُهُ الْمَنِيُّ أَشْبَهَ الْمَنِيَّ وَيُسْتَبْرَأُ بِهِ الرَّحِمُ أَشْبَهَ الْحَيْضَ انْتَهَى
وَرُدَّ ذلك بِخُرُوجِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا نِزَاعٍ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْرُمُ الْوَطْءُ قبل الْغُسْلِ وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ
وَعَلَى الثَّانِي لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ قَالَهُ بن تَمِيمٍ قال وقال الْقَاضِي مَتَى قُلْنَا بِالْغُسْلِ حَصَلَ بها الْفِطْرُ انْتَهَى وَكَذَا بَنَى صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ هذه الْأَحْكَامَ على التَّعْلِيلَيْنِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ قبل الْغُسْلِ الْخِلَافَ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَلَدَ طاهر ( ( ( ظاهر ) ) ) قال في الْفُرُوعِ وَالْوَلَدُ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِ النَّجَاسَاتِ وَعَنْهُ ليس بِطَاهِرٍ فَيَجِبُ غُسْلُهُ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقًا وفي مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ ذَكَرَهَا في كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ في وُجُوبِ غُسْلِ الْوَلَدِ مع الدَّمِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
قُلْت الْأَوْلَى وَالْأَقْوَى الْوُجُوبُ لِمُلَابَسَتِهِ لِلدَّمِ وَمُخَالَطَتِهِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ سِوَى هذه السَّبْعَةِ التي ذَكَرَهَا وهو صَحِيحٌ وَيَأْتِي بَعْضُ الْمَسَائِلِ في وُجُوبِ الْغُسْلِ فيها خِلَافٌ في الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ
____________________
(1/242)
قَوْلُهُ وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عليه قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يَجُوزُ قِرَاءَةُ آيَةٍ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ عن أَحْمَدَ يَجُوزُ قِرَاءَةُ آيَةٍ وَنَحْوِهَا قال في التَّلْخِيصِ وَقِيلَ يَخْرُجُ من تَصْحِيحِ خُطْبَةِ الْجُنُبِ جَوَازُ قِرَاءَةِ آيَةٍ مع اشْتِرَاطِهَا وقال بن عَقِيلٍ في وَاضِحِهِ في مَسْأَلَةِ الْإِعْجَازِ لَا يَحْصُلُ التَّحَدِّي بِآيَةٍ أو آيَتَيْنِ وَلِهَذَا جَوَّزَ الشَّرْعَ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ تِلَاوَتَهُ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فيه بِخِلَافِ ما إذَا طَالَ وقال أبو الْمَعَالِي لو قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أو بِحُكْمٍ كَقَوْلِهِ { ثُمَّ نَظَرَ } أو مَدّهَا مَدَّتَانِ لم يَحْرُمْ وَإِلَّا حَرُمَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ لَا تُمْنَعُ الْحَائِضُ من قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ وَالْحَائِضُ أَشَدُّ وَيَأْتِي ذلك أَوَّلَ بَابِ الْحَيْضِ
قَوْلُهُ وفي بَعْضِ آيَةٍ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وهو الْمَذْهَبُ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَيَحْرُمُ قِرَاءَةُ آيَةٍ على جُنُبٍ وَنَحْوِهِ قال في الْإِفَادَاتِ لَا يَقْرَأُ آيَةً وقال في الْفُرُوعِ وَيَجُوزُ بَعْضُ آيَةٍ على الْأَصَحِّ وَلَوْ كَرَّرَ ما لم يَتَحَيَّلْ على قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ عليه وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَلَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ آيَةٍ تَبَرُّكًا
قُلْت الْأَوْلَى الْجَوَازُ إنْ لم تَكُنْ طَوِيلَةً كَآيَةِ الدَّيْنِ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في الشَّرْحِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(1/243)
فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةٌ لَا تُجْزِئُ في الصَّلَاةِ لِإِسْرَارِهَا في ظَاهِرِ كَلَامِ نِهَايَةِ أبي الْمَعَالِي قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال غَيْرُهُ له تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ إذَا لم يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ له تَهَجِّيهِ قال في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَلَهُ تَهَجِّيهِ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ في بُطْلَانِ صَلَاةٍ بِتَهَجِّيهِ هذا الْخِلَافِ وقال في الْفُصُولِ تَبْطُلُ لِخُرُوجِهِ عن نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى له قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا وَذِكْرًا وَقِيلَ أو تَعَوُّذًا أو اسْتِرْجَاعًا في مُصِيبَةٍ لَا قِرَاءَةَ نَصَّ عليه وَعَلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبْحِ وَلَهُ قَوْلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ إذَا لم يُرِدْ الْقِرَاءَةَ وَلَهُ التَّفَكُّرُ في الْقُرْآنِ انْتَهَى
وقال في الْفُرُوعِ وَلَهُ قَوْلُ ما وَافَقَ قُرْآنًا ولم يَقْصِدْهُ نَصَّ عليه وَالذِّكْرُ وَعَنْهُ ما أَحَبَّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِأَنَّهُ من الْقُرْآنِ قال الْقَاضِي في هذا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ وَعَلَّلَهُ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَجْمُوعٌ انْتَهَى وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْجُنُبِ الذَّكَرِ لَا لِلْحَائِضِ
فَائِدَةٌ قال أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ في الْمُصْحَفِ من غَيْرِ تِلَاوَةٍ وَيَقْرَأُ عليه الْقُرْآنَ وهو سَاكِتٌ لِأَنَّهُ في هذه الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى قِرَاءَةٍ
قَوْلُهُ يَجُوزُ له الْعُبُورُ في الْمَسْجِدِ
يَجُوزُ لِلْجُنُبِ عُبُورُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ إبَاحَةَ الْعُبُورِ له وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على الْإِبَاحَةِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ
____________________
(1/244)
وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ منهم بِذَلِكَ وَحَمَلَ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ على ذلك
فَائِدَةٌ كَوْنُ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا قَرِيبًا حَاجَةٌ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ قال بن تَمِيمٍ وَكَوْنُ الطَّرِيقِ أَخْصَرَ نَوْعُ حَاجَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا انْتَهَى
قال في الْفُرُوعِ في آخِرِ الْوَقْفِ كَرِهَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا وَمَنَعَ شَيْخُنَا من اتِّخَاذِهِ طَرِيقًا انْتَهَى
وَأَمَّا مُرُورُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ في أَوَّلِ بَابِ الْحَيْضِ وَإِنْ شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا
فَائِدَةٌ حَيْثُ أَبَحْنَا لِلْكَافِرِ دُخُولَ الْمَسْجِدِ فَفِي مَنْعِهِ وهو جُنُبٌ وَجْهَانِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وبن تَمِيمٍ ذَكَرَهُ في بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَالْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ من جَوَّزَ لهم الدُّخُولَ الْإِطْلَاقُ وَأَكْثَرُهُمْ يَحْصُلُ له الْجَنَابَةُ ولم نَعْلَمْ أَحَدًا قال بِاسْتِفْسَارِهِمْ وهو الْأَوْلَى وَيَأْتِي ذلك في أَحْكَامِ الذِّمَّةِ وَبَنَى الْخِلَافَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ على مُخَاطَبَتِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَعَدَمِهَا
فَائِدَةٌ يُمْنَعُ السَّكْرَانُ من الْعُبُورِ في الْمَسْجِدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلِلْقَاضِي في الْخِلَافِ جَوَابٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَيُمْنَعُ أَيْضًا من عليه نَجَاسَةٌ من اللُّبْثِ فيه قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وَتَتَعَدَّى كَظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي قال بَعْضُهُمْ وَيَتَيَمَّمُ لها لِعُذْرٍ قال في الْفُرُوعِ وهو ضَعِيفٌ
قُلْت لو قِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا من غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ له وَجْهٌ صِيَانَةً له عن دُخُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ من غَيْرِ عُذْرٍ
وَيُمْنَعُ أَيْضًا الْمَجْنُونُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ كَصَغِيرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فيه وَأَطْلَقَ الْقَاضِي في الْخِلَافِ مَنْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَنَقَلَ
____________________
(1/245)
مُهَنَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجَنَّبَ الصِّبْيَانَ الْمَسَاجِدَ وقال في النَّصِيحَةِ يُمْنَعُ الصَّغِيرُ من اللَّعِبِ فيه لَا لِصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وهو مَعْنَى كَلَامِ بن بَطَّةَ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ عليه اللُّبْثُ فيه إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ
هذا الْمَذْهَبُ في غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ تَوَضَّأَ نَقَلَهَا أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَإِنْ لم يَتَوَضَّأْ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ وَنَقَلَهَا الْخَطَّابِيُّ عن أَحْمَدَ وَقِيلَ في جُلُوسِهِ فيه بِلَا غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ رِوَايَتَانِ
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْكَافِرِ إذَا جَازَ له دُخُولُ الْمَسْجِدِ
فَوَائِدُ
منها لو تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ على الْجُنُبِ وَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْثِ جَازَ له من غَيْرِ تَيَمُّمٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وأبو الْمَعَالِي يَتَيَمَّمُ قال في الْمُغْنِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّيَمُّمِ غَيْرُ صَحِيحٍ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وهو الْأَقْوَى عِنْدِي
وَأَمَّا لُبْثُهُ فيه لِأَجْلِ الْغُسْلِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وقال بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال بن تَمِيمٍ وَفِيهِ بُعْدٌ مع اقْتِصَارِهِ عليه وَقِيلَ لَا يَتَيَمَّمُ
وَمِنْهَا مُصَلَّى الْعِيدِ مَسْجِدٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هذا هو الصَّحِيحُ وَمَنَعَ في الْمُسْتَوْعِبِ الْحَائِضَ منه ولم يَمْنَعْهَا في النَّصِيحَةِ منه وَأَمَّا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ قَوْلًا وَاحِدًا
وَمِنْهَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ حُكْمُ الْجُنُبِ فِيمَا تَقَرَّرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُمَا ما يُبَاحُ لِلْجُنُبِ
____________________
(1/246)
كما قبل طُهْرِهِمَا نَصَّ عليه وَيَأْتِي ذلك في بَابِ الْحَيْضِ
قَوْلُهُ وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ
يَعْنِي أَحَدُهَا الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ يَجِبُ على من تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ من عَرَقٍ أو رِيحٍ يَتَأَذَّى بِهِ الناس وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ أو الْوُجُوبِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ يَكُونَ في يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا إنْ صلى
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسْتَحَبُّ لها الِاغْتِسَالُ لِلْجُمُعَةِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لها قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَمَنْ لَا يَكُونُ له الْحُضُورُ من النِّسَاءِ يُسَنُّ لها الْغُسْلُ قال الشَّارِحُ فَإِنْ أَتَاهَا من لَا تَجِبُ عليه سُنَّ له الْغُسْلُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ
وَيَأْتِي في الْجُمُعَةِ وَقْتُ الْغُسْلِ وَوَقْتُ فَضِيلَتِهِ وَهَلْ وهو آكَدُ الْأَغْسَالِ
قَوْلُهُ وَالْعِيدَيْنِ
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يَجِبُ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ أو الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ حَاضِرَهُمَا وَيُصَلِّيَ سَوَاءٌ صلى وَحْدَهُ أو في جَمَاعَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا صلى في الْجَمَاعَةِ قال في التَّلْخِيصِ ليس لِمَنْ حَضَرَهُ وَإِنْ لم يُصَلِّ
قَوْلُهُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ
____________________
(1/247)
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لَهُمَا ذَكَرَهُ في التَّبْصِرَةِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ وَقْتُ مَسْنُونِيَّةِ الْغُسْلِ من طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ له الْغُسْلُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَتِهِ قال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُصِيبُ السُّنَّةَ قبل الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ وقال أبو الْمَعَالِي في جَمِيعِ لَيْلَتِهِ أو بَعْدَ نِصْفِهَا كَالْأَذَانِ فإنه أَقْرَبُ قال في الْفُرُوعِ فَيَجِيءُ من قَوْلِهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَخْتَصُّ بِالسَّحَرِ كَالْأَذَانِ
قُلْت لو قِيلَ يَكُونُ وَقْتُ الْغُسْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِدْرَاكِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ له وَجْهٌ
وَوَقْتُ الْغُسْلِ لِلِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ وَالْكُسُوفِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وفي الْحَجِّ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِ النُّسُكِ الذي يُغْتَسَلُ له قَرِيبًا منه
قَوْلُهُ وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ الْغُسْلِ من غُسْلِ الْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قال بن عَقِيلٍ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَعَنْهُ يَجِبُ من الْكَافِرِ وَقِيلَ يَجِبُ من غُسْلِ الْحَيِّ أَيْضًا وَقِيلَ يَجِبُ مُطْلَقًا
قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عليه إذَا أَفَاقَا من غَيْرِ احْتِلَامٍ
هذا الْمَذْهَبُ بهذا الْقَيْدِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَجِبُ وَالْحَالَةُ هذه وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقِيلَ يَجِبُ مع وُجُودِ الْبِلَّةِ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وقال بن تَمِيمٍ وَلَا يَجِبُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ غُسْلٌ وَإِنْ وَجَدَ بِلَّةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَعَنْهُ يَجِبُ بِهِمَا وَفِيهِ وَجْهٌ يَجِبُ إنْ كان ثَمَّ بِلَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَيَأْتِي كَلَامُهُ
____________________
(1/248)
في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قال بن الْبَنَّا إنْ قِيلَ إنَّ الْمَجْنُونَ يُنْزِلُ وَجَبَ عليه الْغُسْلُ قال الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ بَعْدَ كَلَامِ بن الْبَنَّا وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ على أَنَّ الْمَجْنُونَ يُنْزِلُ أو لَا يُنْزِلُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ تَيَقَّنَ الْحُلُمَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وقال بَعْضُهُمْ إنْ تَيَقَّنَ وَجَبَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ
قُلْت مَأْخَذُهَا إمَّا التَّرْتِيبُ على احْتِمَالِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ أو النَّظَرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِنْزَالِ تَارَةً وَإِلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ تَارَةً أُخْرَى
قُلْت التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَيَقَّنَ الْإِنْزَالَ وَجَبَ الْغُسْلُ أو عَدَمُهُ فَلَا يَجِبُ وَإِنْ تَرَدَّدَ فيه فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِنْ ظَنَّهُ ظَنًّا فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَا إذَا تَيَقَّنَ أو بِمَا إذَا شَكَّ فيه أو يُخَرَّجُ على تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ إذا الظَّاهِرُ الْإِنْزَالُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَحَقَّقَ الْإِنْزَالُ وَجَبَ وَإِلَّا خَرَجَ على فِعْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هل هو لِلْوُجُوبِ أو لِلنَّدْبِ على ما عُرِفَ في الْأُصُولِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ
وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا تَيَقَّنَ الْإِنْزَالَ أولا وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِدُونِ تَيَقُّنِ الْإِنْزَالِ اطراحا لِلشَّكِّ وَاسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ وَحَكَى ذلك بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وهو مع احْتِمَالِهِ وَالِاخْتِلَافِ فيه عن أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ عَجِيبٌ انْتَهَى كَلَامُ الطُّوفِيِّ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إذَا أَفَاقَا من غَيْرِ احْتِلَامٍ أَنَّهُمَا إذَا احْتَلَمَا من ذلك يَجِبُ الْغُسْلُ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وفي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ وَقِيلَ إنْ أَنْزَلَا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وقال في الْكُبْرَى وفي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِلَا احْتِلَامٍ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ إنْ أَنْزَلَا مَنِيًّا وَقِيلَ أو ما يَحْتَمِلُهُ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِلَّا سُنَّ وقال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وفي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ بِلَا حُلْمٍ رِوَايَتَانِ وقال
____________________
(1/249)
أبو الْخَطَّابِ إنْ لم يَتَيَقَّنْ مِنْهُمَا الْإِنْزَالُ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا انْتَهَى
وقد يُفْهَمُ من الرِّعَايَتَيْنِ أَنَّ لنا رِوَايَةً بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِنْ أَنْزَلَ ولم أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ وهو بَعِيدٌ جِدًّا مع تَحَقُّقِ الْإِنْزَالِ
قَوْلُهُ وَغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يَجِبُ حَكَاهَا في التَّبْصِرَةِ وَمَنْ بَعْدَهُ قال في الرِّعَايَةِ يُسَنُّ غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ ثُمَّ لِكُلِّ صَلَاةِ جَمْعٍ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ في السَّفَرِ ثُمَّ في كل يَوْمٍ مَرَّةً مع الْوُضُوءِ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ وَعَنْهُ يَجِبُ غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقِيلَ إذَا جَمَعَتْ بين صَلَاتَيْنِ فَلَا انْتَهَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ دُخُولُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
قَوْلُهُ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالطَّوَافِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وقال وَلَوْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ كان الْغُسْلُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ ذلك فيه نَوْعُ عَبَثٍ لَا مَعْنَى له
فَائِدَةٌ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلَوْ كانت حَائِضًا أو نُفَسَاءَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُسْتَحَبُّ لها ذلك قال في الْفُرُوعِ وَمِثْلُهُ أَغْسَالُ الْحَجِّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ حَصْرِهِ الْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ في الثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْمُسَمَّاةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِغَيْرِ ذلك وَبَقِيَ مَسَائِلُ لم يَذْكُرْهَا
____________________
(1/250)
منها ما نَقَلَهُ صَالِحٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِدُخُولِ الْحَرَمِ
وَمِنْهَا ما ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ في مَنْسَكِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلسَّعْيِ
وَمِنْهَا ما ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيُّ في مَنْسَكِهِ أيضا ( ( ( عن ) ) ) وصاحب ( ( ( صاحب ) ) ) الْإِشَارَةِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَيَالِيَ مِنًى
وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُهُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ على سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَصَّ أَحْمَدُ على اسْتِحْبَابِهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُهُ لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ يُسْتَحَبُّ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قال بن عُبَيْدَانَ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا ما اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَالْإِنْبَاتِ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ
وَمِنْهَا الْغُسْلُ لِلْحِجَامَةِ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَاهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
فَوَائِدُ
الْأُولَى الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُسْلَ من غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ الْأَغْسَالِ ثُمَّ بَعْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ الْأَغْسَالِ وَقِيلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ آكَدُ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِمَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ له لِلْحَاجَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ في الْإِحْرَامِ وَقِيلَ لَا يَتَيَمَّمُ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ
____________________
(1/251)
من الْأَصْحَابِ في الْإِحْرَامِ على ما يَأْتِي وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ
وَالثَّالِثَةُ يَتَيَمَّمُ لِمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ له لِعُذْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ عُذْرٍ قال في الْفُرُوعِ وَتَيَمُّمُهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْمَاءِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ في رَدِّهِ السَّلَامَ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْمَقْصُودُ وهو رَدُّهُ على الْفَوْرِ وَجَوَّزَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ التَّيَمُّمَ لِمَا يُسْتَحَبُّ له الْوُضُوءُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَخَفَّ أَمْرُهَا
وَتَقَدَّمَ ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ في بَابِ الْوُضُوءِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ
قَوْلُهُ في صِفَةِ الْغُسْلِ وهو ضَرْبَانِ كَامِلٌ يَأْتِي فيه بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قبل الْغُسْلِ وَغَسْلُ ما بِهِ من أَذًى وَالْوُضُوءُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا قبل الْغُسْلِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ حتى يَغْتَسِلَ وَعَنْهُ غُسْلُ رِجْلَيْهِ مع الْوُضُوءِ وَتَأْخِيرُ غَسْلِهِمَا حتى يَغْتَسِلَ سَوَاءً في الْأَفْضَلِيَّةِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَفْضَلُ وَعَنْهُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ
تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَيَحْثِي على رَأْسِهِ ثَلَاثًا يروى بها أُصُولَ الشَّعْرِ أَنَّهُ يروى بِمَجْمُوعِ الْغَرَفَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يروى بِكُلِّ مَرَّةٍ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ بِكُلِّ مَرَّةٍ قال في الْفُرُوعِ ويروى رَأْسَهُ وَالْأَصَحُّ ثَلَاثًا وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ
____________________
(1/252)
وَاسْتَحَبَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ تَخْلِيلَ أُصُولِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ قبل إفَاضَةِ الْمَاءِ
قَوْلُهُ وَيُفِيضُ الْمَاءَ على سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَرَّةً وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ بِلَا نِزَاعٍ وَيُدَلِّكُ بَدَنَهُ بِيَدَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا قال الْأَصْحَابُ يَتَعَاهَدُ مَعَاطِفَ بَدَنِهِ وَسُرَّتَهُ وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وما يَنُوءُ عنه الْمَاءُ وقال الزَّرْكَشِيُّ كَلَامُ أَحْمَدَ قد يَحْتَمِلُ وُجُوبَ الدَّلْكِ
قَوْلُهُ وَيَنْتَقِلُ من مَوْضِعِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قال في التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ وَغُسْلُ رِجْلَيْهِ نَاحِيَةً لَا في حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ وقال في الْفَائِقِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ عن مَوْضِعِهِ وَعَنْهُ لَا وَعَنْهُ إنْ خَافَ التَّلَوُّثَ
قَوْلُهُ فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ غَسْلَهُمَا إلَّا لِطِينٍ وَنَحْوِهِ كَالْوُضُوءِ
تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَمُجْزَى وهو أَنْ يَغْسِلَ ما بِهِ من أَذًى يُصِيبُهُ من فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كان مُرَادُهُ فَهُوَ على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ على ما يَأْتِي وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فيه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَعَمَّ من ذلك فَيَكُونُ مُرَادُهُ النَّجَاسَةَ مُطْلَقًا وهو أَوْلَى وَحَمَلَ بن عُبَيْدَانَ كَلَامَهُ على ما إذَا كان عليه نَجَاسَةٌ
____________________
(1/253)
أو أَذًى ثُمَّ قال وَكَذَلِكَ إنْ كانت على سَائِرِ بَدَنِهِ أو على شَيْءٍ من أَعْضَاءِ الْحَدَثِ وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ ما على فَرْجِهِ من نَجَاسَةٍ أو مَنِيٍّ أو نَحْوِ ذلك وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُرَادُ ما عليه من نَجَاسَةٍ قال وهو أَجْوَدُ من قَوْلِ أبي الْخَطَّابِ أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ انْتَهَى قال الزَّرْكَشِيُّ مُرَادُهُ النَّجَاسَةُ
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كانت على مَوْضِعٍ من الْبَدَنِ فَتَارَةً تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَتَارَةً لَا تَمْنَعُ فَإِنْ مَنَعَتْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَدَنِ فَلَا إشْكَالَ في تَوَقُّفِ صِحَّةِ الْغُسْلِ على زَوَالِهَا وَإِنْ كانت لَا تَمْنَعُ فَقَدَّمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَصَحَّحُوهُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مع آخِرِ غَسْلَةٍ طَهُرَ عِنْدَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ وقال في النَّظْمِ هو الْأَقْوَى وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُسْلَ يَصِحُّ قبل زَوَالِ النَّجَاسَةِ كَالطَّاهِرَاتِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَقِيلَ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ إلَّا بِغَسْلَةٍ مُفْرَدَةٍ بَعْدَ طَهَارَتِهِ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ حَكَاهُ عنه بن عُبَيْدَانَ
فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْغُسْلِ على الْحُكْمِ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي مُحَمَّدٍ في الْمُقْنِعِ ثُمَّ قال لَكِنْ لَفْظُهُ يُوهِمُ زَوَالَ ما بِهِ من أَذًى أَوَّلًا وَهَذَا الْإِيهَامُ ظَاهِرُ ما في الْمُسْتَوْعِبِ فإنه قال في المجزي ( ( ( المجزئ ) ) ) يُزِيلُ ما بِهِ من أَذًى ثُمَّ يَنْوِي وَتَبِعَا في ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَبَا الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ لَكِنَّ لَفْظَهُ في ذلك أَبْيَنُ من لَفْظِهِمَا وَأَجْرَى على الْمَذْهَبِ فإنه قال يَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَنْوِي وَكَذَلِكَ قال بن عَبْدُوسٍ في الْمُجْزِئِ يَنْوِي بَعْدَ كَمَالِ الِاسْتِنْجَاءِ وَزَوَالِ نَجَاسَتِهِ إنْ كانت ثُمَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُحْمَلُ كَلَامُ أبي مُحَمَّدٍ وَالسَّامِرِيِّ على ما قال أبو الْخَطَّابِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ على الْغُسْلِ كَالْمَذْهَبِ في الْوُضُوءِ
____________________
(1/254)
لَكِنَّ هذا قد يَشْكُلُ على أبي مُحَمَّدٍ فإن مُخْتَارَهُ في الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عليه قال وَيَتَلَخَّصُ لي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عليه إنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ على الْوُضُوءِ وَإِنْ لم نَقُلْ ذلك وَكَانَتْ النَّجَاسَةُ على غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أو عَلَيْهِمَا غير خَارِجَةٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ التَّقْدِيمُ ثُمَّ هل يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مع بَقَاءِ النَّجَاسَةِ أو لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مع الْحُكْمِ بِزَوَالِهَا فيه قَوْلَانِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيُّ
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي ما وَافَقَ عليه الْمَجْدُ كما تَقَدَّمَ وهو أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مع آخِرِ غَسْلَةٍ طَهُرَ عِنْدَهَا ولم يذكر في المجزىء ( ( ( المجزئ ) ) ) غَسْلُ ما بِهِ من أَذًى فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ
تَنْبِيهٌ حَكَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ أو ثَلَاثًا وَحَكَاهُ في الْفُرُوعِ رِوَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَيَعُمُّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ
فَشَمِلَ الشَّعْرَ وما تَحْتَهُ من الْبَشَرَةِ وَغَيْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْمُغْنِي وهو ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ
قُلْت وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ فَظَاهِرُهُ إدْخَالُ الظُّفْرِ في الْخِلَافِ وَنَصَرَ في الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِلِ وقال هو وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَظْهَرُ لي وَجْهُ احْتِمَالِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ اخْتَارَهُ الدِّينَوَرِيُّ فقال بَاطِنُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ في الْجَنَابَةِ كَالْوُضُوءِ وَقِيلَ يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ في الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ
فَوَائِدُ
منها لَا يَجِبُ غَسْلُ ما أَمْكَنَ غَسْلُهُ من بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ من جَنَابَةٍ
____________________
(1/255)
وَلَا نَجَاسَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال الْمَجْدُ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقُ وقال الْقَاضِي يَجِبُ غَسْلُهُمَا مَعَهَا إذَا كانت ثَيِّبًا لا مكانه من غَيْرِ ضَرَرٍ كَحَشَفَةِ الْأَقْلَفِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ إلَى حَيْثُ يَصِلُ الذَّكَرُ إنْ كانت ثَيِّبًا وَإِنْ كانت بِكْرًا فَلَا قال فَعَلَى هذا لَا تُفْطِرُ بِإِدْخَالِ الْإِصْبَعِ وَالْمَاءِ إلَيْهِ وَقِيلَ إنْ كان في غُسْلِ الْحَيْضِ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ وَلَا يَجِبُ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَتَمَّ من هذا
وَمِنْهَا يَجِبُ على الْمَرْأَةِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ وما يَظْهَرُ عِنْدَ الْقُعُودِ على رِجْلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَهُ في الْحَاوِي وَغَيْرِهِ
وَمِنْهَا يَجِبُ غَسْلُ حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَمِنْهَا يَجِبُ نَقْضُ شَعْرِ رَأْسِ الْمَرْأَةِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو مُخْتَارُ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَحَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن عَبْدُوسٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ على الِاسْتِحْبَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ
تَنْبِيهٌ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ نَصًّا وَوَجْهًا وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ في الْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ بن الزَّاغُونِيِّ
وَمِنْهَا لَا يَجِبُ نَقْضُ شَعْرِ الرَّأْسِ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ
____________________
(1/256)
من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ بن الزَّاغُونِيِّ
قُلْت الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ كَالْحَائِضِ وَالْحَالَةُ هذه الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وَيَعُمُّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُكْتَفَى في الْإِسْبَاغِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ في الْغُسْلِ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ في الْغُسْلِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَالتَّرْتِيبِ وَعَنْهُ تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ حَكَاهَا بن حَامِدٍ وَحَكَاهَا أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا وَقَدَّمَهُ في الْإِيضَاحِ في آخِرِ الْبَابِ وَجَزَمَ بِهِ في أَوَّلِ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَلَامِ على الْمُوَالَاةِ وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ في الْغُسْلِ فَعَلَيْهَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في سُنَنِ الْوُضُوءِ
فَائِدَةٌ إذَا فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ في الْغُسْلِ أو الْوُضُوءِ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَا بُدَّ لِلْإِتْمَامِ من نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَتَقَدَّمَ ذلك أَيْضًا في الْمُوَالَاةِ في الْوُضُوءِ بِأَتَمَّ من هذا
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في الْكَلَامِ على غَسْلِ الْوَجْهِ في الْوُضُوءِ
وَالثَّانِي لم يذكر الْمُصَنِّفُ هُنَا التَّسْمِيَةَ وهو مَاشٍ على اخْتِيَارِهِ في عَدَمِ وُجُوبِهَا في الْوُضُوءِ كما تَقَدَّمَ ذلك
وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ على الْغُسْلِ كَهِيَ على الْوُضُوءِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَاخْتِيَارًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ التَّسْمِيَةُ لِغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ من الْحَيْضِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ
____________________
(1/257)
وَيَحْسُنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ في أَنَّهُمْ هل هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ السِّدْرُ في غُسْلِ الْحَيْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ وَكَلَامِ بن عَقِيلٍ وُجُوبُ ذلك وَقَالَهُ بن أبي مُوسَى
وَيُسْتَحَبُّ لها أَيْضًا أَنْ تَأْخُذَ مِسْكًا فَتَجْعَلَهُ في قُطْنَةٍ أو شَيْءٍ وَتَجْعَلَهُ في فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَإِنْ لم تَجِدْ فَطِينًا لِتَقْطَعَ الرَّائِحَةَ ولم يذكر الْمُصَنِّفُ الطِّينَ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ الطِّينُ فَبِمَاءٍ طَهُورٍ وقال أَحْمَدُ أَيْضًا في غُسْلِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَمَيِّتٍ قال الْقَاضِي في جَامِعِهِ مَعْنَاهُ يَجِبُ مَرَّةً وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا وَيَكُونُ السِّدْرُ وَالطِّيبُ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ
وَيُسْتَحَبُّ في غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ السِّدْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَإِزَالَةِ شَعْرِهِ وَأَوْجَبَهُ في التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ بالمد ( ( ( ومهنا ) ) ) وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّاعَ هُنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ كَصَاعِ الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَقَلَهُ الجماعة ( ( ( جماعة ) ) ) عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَوْمَأَ في رِوَايَةِ بن مُشَيْشٍ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ في الْمَاءِ خَاصَّةً وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال هو الْأَقْوَى وَتَقَدَّمَ قَدْرُ الرِّطْلِ في آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْخِلَافُ فيه وَالْمُدُّ رُبُعُ الصَّاعِ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْبَغَ بِدُونِهِمَا أَجْزَأَهُ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَعْرُوفُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ ذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَكُونُ مَكْرُوهًا بِدُونِهِمَا فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ
____________________
(1/258)
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِذَلِكَ
قَوْلُهُ وَإِنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ أَجْزَأَهُ عنهما
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حتى يَتَوَضَّأَ إما قبل الْغُسْلِ أو بَعْدَهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَسَوَاءٌ وُجِدَ منه الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ أو لَا نَحْوُ أَنْ يَكُونَ قد فَكَّرَ أو نَظَرَ فَانْتَقَلَ الْمَنِيُّ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في آخِرِ الْبَابِ قَبْلَهُ وَاخْتَارَ أبو بَكْرٍ أَنَّهُ يُجْزِيهِ عنهما إذَا أتى بِخَصَائِصِ الْوُضُوءِ من التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَمَسْحِ رَأْسِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ بِهِ في الْمُبْهِجِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ أو غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ أَخِيرًا انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْجُنُبَ مع الْغُسْلِ وُضُوءٌ بِدُونِ حَدَثٍ يُوجِبُهُ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَذَكَرَهُ الدِّينَوَرِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ فَلَا تَدَاخُلَ وَقِيلَ من أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أو أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ يَكْفِيهِ الْغُسْلُ على الْأَصَحِّ وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا وقال في الرِّعَايَةِ وَلَوْ غَسَلَ بَدَنَهُ نَاوِيًا لَهُمَا ثُمَّ أَحْدَثَ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَلَا تَرْتِيبَ وَقِيلَ لو زَالَتْ الْجَنَابَةُ عن أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ لَهُمَا لم يَتَدَاخَلَا وَإِنْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ تَدَاخَلَا وَقِيلَ لو غَسَلَ الْجُنُبُ كُلَّ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى
قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَتَابَعَهُ بن عَقِيلٍ وَالْآمِدِيُّ لو أَجْنَبَ فَغَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ قال وَلَيْسَ في الْأُصُولِ وُضُوءٌ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ في ثَلَاثَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا يَجِبُ في الرِّجْلَيْنِ إلَّا هذا وَعَلَّلَهُ فَيُعَايَى بها
وقال إنْ أَجْنَبَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ وضوءه ( ( ( وضوئه ) ) ) ثُمَّ أَحْدَثَ قبل أَنْ يَغْسِلَ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ غَسَلَ ما بَقِيَ من بَدَنِهِ عن الْجَنَابَةِ وَغَسَلَ أَعْضَاءَ وضوءه ( ( ( وضوئه ) ) ) عن الْحَدَثِ على
____________________
(1/259)
التَّرْتِيبِ وَإِنْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ وضوءه ( ( ( وضوئه ) ) ) ثُمَّ أَحْدَثَ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ منها ولم يَجِبْ تَرْتِيبٌ انْتَهَى
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ ارْتَفَعَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ عَكْسُهُ كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ يَجِبُ الْوُضُوءُ فَقَطْ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى فَقَطْ لَا يُجْزِئُ عن الصُّغْرَى وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَرْتَفِعُ الْأَصْغَرُ أَيْضًا معه وقال ( ( ( وقاله ) ) ) الْأَزَجِيُّ أَيْضًا وَحَكَاهُ أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً ذَكَرَهُ بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مِثْلُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لو نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أو أَمْرًا لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ لَا قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ
وَالثَّانِيَةُ لو نَوَتْ من انْقَطَعَ حَيْضُهَا بِغُسْلِهَا حِلَّ الْوَطْءِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا إنَّمَا نَوَتْ ما يُوجِبُ الْغُسْلَ وهو الْوَطْءُ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ أو الْأَكْلَ أو الْوَطْءَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ
إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ النَّوْمَ اُسْتُحِبَّ له غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ ذلك لِلرَّجُلِ فَقَطْ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ هذا الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في كَلَامِ أَحْمَدَ ما ظَاهِرُهُ وُجُوبُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
____________________
(1/260)
وإذا أَرَادَ الْأَكْلَ وَكَذَا الشُّرْبُ اُسْتُحِبَّ له غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ قَبْلَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ فَقَطْ وَعَنْهُ يَغْسِلُ يَدَهُ وَيَتَمَضْمَضُ فَقَطْ وَعَلَى كل قَوْلٍ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا نَصَّ عليه قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُكْرَهُ صَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ
وإذا أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الْوَطْءِ اُسْتُحِبَّ له غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ فَقَطْ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَعَلَيْهَا لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ لَا يُكْرَهُ في الْمَنْصُوصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كَالْجُنُبِ وَقَبْلَ انْقِطَاعِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْوُضُوءُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت وَاسْتِحْبَابُ غَسْلِ جَنَابَتِهَا وَهِيَ حَائِضٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُشْعِرُ بِاسْتِحْبَابِ وضوءها ( ( ( وضوئها ) ) ) لِلنَّوْمِ هُنَا
فَوَائِدُ
منها لو أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ لم يُعِدْهُ في ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِتَعْلِيلِهِمْ بِخِفَّةِ الْحَدَثِ أو بِالنَّشَاطِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ حتى يَبِيتَ على إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وقال لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه جُنُبٌ وهو حَدِيثٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وأبو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وقال في الْفَائِقِ بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ في الثَّلَاثَةِ وَالْوُضُوءُ هُنَا لَا يَبْطُلُ بِالنَّوْمِ
وَمِنْهَا غَسْلُهُ عِنْدَ كل مَرَّةٍ أَفْضَلُ قُلْت فَيُعَايَى بها
وَمِنْهَا يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ وَبَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ على الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ
____________________
(1/261)
وقال في رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ من بَنَاهُ النِّسَاءُ
وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَمَّامِيِّ وفي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ الصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ وَلَهُ دُخُولُهُ نَصَّ عليه وقال بن الْبَنَّا يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْغُنْيَةِ وَإِنْ عَلِمَ وُقُوعَهُ في مُحَرَّمٍ حَرُمَ وفي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ له دُخُولُهُ مع ظَنِّ السَّلَامَةِ غَالِبًا وَلِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ وَإِلَّا حَرُمَ نَصَّ عليه وَكَرِهَهُ بِدُونِ عُذْرٍ بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ قال في الْفَائِقِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهَا بِتَرْكِ اغْتِسَالٍ فيه لِنَظَافَةِ بَدَنِهَا اخْتَارَهُ بن الْجَوْزِيِّ وَشَيْخُنَا انْتَهَى
وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ دُخُولُهُ إلَّا من عِلَّةٍ يُصْلِحُهَا الْحَمَّامُ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ مع الْعُذْرِ تَعَذُّرَ غَسْلِهَا في بَيْتِهَا لِتَعَذُّرِهِ أو خَوْفِ ضَرَرٍ وَنَحْوِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يُعْتَبَرُ وهو ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَقِيلَ وَاعْتِيَادُ دُخُولِهَا عُذْرٌ لِلْمَشَقَّةِ
وَقِيلَ لَا تَتَجَرَّدُ فَتَدْخُلُهُ بِقَمِيصٍ خَفِيفٍ قَالَهُ بن أبي مُوسَى وَأَوْمَأَ إلَيْهِ
وَلَا يُكْرَهُ قُرْبُ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خِلَافًا لِلْمِنْهَاجِ لِانْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ
وَتُكْرَهُ فيه الْقِرَاءَةُ نَصَّ عليه وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا يُعْجِبُنِي وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ السَّلَامُ وَقِيلَ لَا
وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَسَطْحِهِ وَنَحْوِهِ كَبَقِيَّتِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فيه كَصَلَاةٍ على ما يَأْتِي
وَيَأْتِي هل ثَمَنُ الْمَاءِ على الزَّوْجِ أو عليها في كِتَابِ النَّفَقَاتِ
وَيُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ في مُسْتَحَمٍّ وَمَاءٍ عُرْيَانًا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عليها أَكْثَرُ نُصُوصِهِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا
____________________
(1/262)
بَابُ التَّيَمُّمِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ وهو بَدَلٌ
يعنى لِكُلِّ ما يَفْعَلُهُ بِالْمَاءِ من الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وقال الْمُصَنِّفُ فيه إنْ احْتَاجَ وَكَوَطْءِ حَائِضٍ انْقَطَعَ دَمُهَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وهو الْمَذْهَبُ وَقِيلَ يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَالْحَالَةُ هذه ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً وَصَحَّحَهَا بن الصَّيْرَفِيِّ عنه
فَائِدَةٌ لَا يُكْرَهُ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ لم يَخَفْ الْعَنَتَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَصَحَّحَهُ أبو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُذْهَبِ
قَوْلُهُ وهو بَدَلٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا دُخُولُ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قبل وَقْتِهِ وَلَا لِنَذْرٍ في وَقْتِ النَّهْيِ عنه
هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وفي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ تَخْرِيجٌ بِالْجَوَازِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَلَا لِنَفْلٍ مُعَيَّنٍ قبل وَقْتِهِمَا نَصَّ عليه وَخَرَجَ وَلَا لِنَفْلٍ وَقِيلَ مُطْلَقٌ بِلَا سَبَبِ وَقْتِ نَهْيٍ وَقِيلَ بَلَى وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ قبل وَقْتِهِ فَالنَّفَلُ الْمُعَيَّنُ أَوْلَى انْتَهَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو أَصَحُّ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ وهو الْمَذْهَبُ فَأَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ فَيَجُوزُ ذلك كما في كل وَقْتٍ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
____________________
(1/263)
قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
فَائِدَةٌ النَّذْرُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ كَالنَّفْلِ قال ذلك في الرِّعَايَةِ
وفي قَوْلِهِ الْجِنَازَةُ كَالنَّفْلِ نَظَرٌ مع قَوْلِهِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْفَرْضِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ عليها ثَانِيًا وَيَأْتِي بَيَانُ وَقْتِ ذلك عنه
قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الثَّانِي الْعَجْزُ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ أَنَّ الْعَدَمَ سَوَاءٌ كان حَضَرًا أو سَفَرًا وَسَوَاءٌ كان الْعَادِمُ مُطْلَقًا أو مَحْبُوسًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَدَمِ إلَّا في السَّفَرِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ من حُبِسَ في الْمِصْرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُعِيدُ وَجَزَمَ في الْإِفَادَاتِ بِأَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ يُعِيدُ
وَيَأْتِي هُنَاكَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ في السَّفَرِ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الْقَاضِي وَلَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ له تُقَارِبُ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةً جَازَ له التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ على الرَّاحِلَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ إلَّا في السَّفَرِ الْمُبَاحِ الطَّوِيلِ
فَعَلَى هذا الْقَوْلِ يُصَلِّي وَيُعِيدُ بِلَا نِزَاعٍ وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُعِيدُ على الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُعِيدُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَيَأْتِي إذَا خَرَجَ إلَى أَرْضِ بَلَدِهِ لِحَاجَةٍ كَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ
____________________
(1/264)
وَالثَّانِيَةُ لو عَجَزَ الْمَرِيضُ عن الْحَرَكَةِ وَعَمَّنْ يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَادِمِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ انْتَظَرَ من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَنْتَظِرُ من يوضيه ( ( ( يوضئه ) ) ) وَلَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ يَنْتَظِرُ الْمَاءَ قَرِيبًا فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالِاسْتِقَاءِ
قَوْلُهُ أو لِضَرَرٍ في اسْتِعْمَالِهِ من جُرْحٍ
يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ إذَا حَصَلَ له ضَرَرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ في بَدَنِهِ أو بَقَاءِ شَيْنٍ أو نَظَائِرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ إلَّا إذَا خَافَ التَّلَفَ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ أو بَرْدٍ
يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ بَعْدَ غَسْلِ ما يُمْكِنُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كان في الْحَضَرِ أو السَّفَرِ وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ في الْحَضَرِ
وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَتَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ من جُرْحٍ أو بَرْدٍ شَدِيدٍ أو مَرَضٍ يُخْشَى زِيَادَتُهُ أو تَطَاوُلُهُ وَكَذَا لو خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا
قَوْلُهُ أو عَطَشٍ يَخَافُهُ على نَفْسِهِ
إذَا خَافَ على نَفْسِهِ الْعَطَشَ حَبَسَ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ بِلَا نِزَاعٍ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا
قَوْلُهُ أو رَفِيقِهِ
يَعْنِي الْمُحْتَرَمَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ إذَا وَجَدَ عَطْشَانًا يَخَافُ تَلَفَهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ وَتَيَمَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى الْعَطْشَانِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال
____________________
(1/265)
أبو بَكْرٍ في مُقْنِعِهِ وَالْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هل يَجِبُ حَبْسُ الْمَاءِ لِلْعَطَشِ الْغَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ
أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا في خَوْفِهِ عَطَشَ نَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وقال في الرِّعَايَةِ وَلَوْ خَافَ أَنْ يَعْطَشَ بَعْدَ ذلك هو أو أَهْلُهُ أو عَبْدُهُ أو أَمَتُهُ لم يَجِبْ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَقِيلَ بَلَى بِثَمَنِهِ إنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عن نَفْسِ الْعَطْشَانِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ انْتَهَى
فَوَائِدُ
منها إذَا وَجَدَ الْخَائِفُ من الْعَطَشِ مَاءً طَاهِرًا أو مَاءً نَجِسًا يَكْفِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشُرْبِهِ حَبَسَ الطَّاهِرَ لِشُرْبِهِ وَأَرَاقَ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عن شُرْبِهِ فَإِنْ خَافَ حَبَسَهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ
وقال الْقَاضِي يَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ وَيَحْبِسُ النَّجِسَ لِشُرْبِهِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وهو الصَّحِيحُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجِسَ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا لو أمكنة أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ فقال في الْفُرُوعِ إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَعْنِي بِاللُّزُومِ
وَمِنْهَا لو مَاتَ رَبُّ الْمَاءِ يَمَّمَهُ رَفِيقُهُ الْعَطْشَانُ وَغَرِمَ ثَمَنَهُ في مَكَانِهِ وَقْتَ إتْلَافِهِ لِوَرَثَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في النِّهَايَةِ وَإِنْ غَرِمَهُ
____________________
(1/266)
مَكَانَهُ فَبِمِثْلِهِ وَقِيلَ الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ قال أبو بَكْرٍ في الْمُقْنِعِ وَالتَّنْبِيهِ وَقِيلَ رَفِيقُهُ أَوْلَى إنْ خَافَ الْمَوْتَ وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى
وَيَأْتِي حُكْمُ فَضْلَةِ الْمَاءِ من الْمَيِّتِ آخِرَ الْبَابِ
فَائِدَةٌ لو خَافَ فَوْتَ رُفْقَةٍ سَاغَ له التَّيَمُّمُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ لم يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوْتِ الرُّفْقَةِ لِفَوْتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو بَهِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيَدَعُ الْمَاءَ لِخَوْفِهِ على بَهِيمَةِ غَيْرِهِ وهو وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِهِ على بَهِيمَةِ غَيْرِهِ كَبَهِيمَتِهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
قُلْت وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فإن قَوْلَهُ أو رَفِيقِهِ أو بَهِيمَتِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ في بَهِيمَتِهِ إلَى رَفِيقِهِ فَتَقْدِيرُهُ أو بَهِيمَةِ رَفِيقِهِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ وهو أَوْلَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ
وَالثَّانِي مُرَادُهُ بِالْبَهِيمَةِ الْبَهِيمَةُ الْمُحْتَرَمَةُ كَالشَّاةِ وَالْحِمَارَةِ وَالسِّنَّوْرِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ احْتِرَازًا من الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ أو خَشْيَتِهِ على نَفْسِهِ أو مَالِهِ في طَلَبِهِ
لو خَافَتْ امْرَأَةٌ على نَفْسِهَا فُسَّاقًا في طَرِيقِهَا وهو صَحِيحٌ نَصَّ عليه قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ بَلْ يَحْرُمُ عليها الْخُرُوجُ إلَيْهِ وَتَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي وَلَا تُعِيدُ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ أنها تَتَيَمَّمُ وَلَا تُعِيدُ وَجْهًا وَاحِدًا قال بن أبي مُوسَى تَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عليها في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ تُعِيدُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال الزَّرْكَشِيُّ أَبْعَدَ من قَالَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ لَا أَدْرِي
____________________
(1/267)
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا قَوْلُهُ أو خَشْيَةً على نَفْسِهِ أو مَالِهِ في طَلَبِهِ
لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ مُحَقَّقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَوْ كان خَوْفُهُ جُبْنًا لَا عن سَبَبٍ يُخَافُ من مِثْلِهِ لم تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ له التَّيَمُّمُ وَيُعِيدَ إذَا كان مِمَّنْ يَشْتَدُّ خَوْفُهُ
الثَّانِي لو كان خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ مِثْلُ من رَأَى سَوَادًا بِاللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ليس بِعَدُوٍّ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَالْمُغْنِي وَالشَّارِحُ
أَحَدُهُمَا لَا يُعِيدُ وهو الصَّحِيحُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ لَا يُعِيدُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ في الْأَسْفَارِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ في نَصِّهَا وَهِيَ كَذَلِكَ أَنْدَرُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالثَّانِي يُعِيدُ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وقال بن الْجَوْزِيِّ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ إنْ احْتَاجَ الْمَاءُ لِلْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهَا تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْخَوْفَ على نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ في غَازٍ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ على نَفْسِهِ لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِهِ
يَعْنِي يُبَاحُ له التَّيَمُّمُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ
____________________
(1/268)
الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَعَنْهُ إنْ كان ذَا مَالٍ كَثِيرٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ زِيَادَةً لَزِمَهُ الشِّرَاءُ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ لو كانت يَسِيرَةً يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وهو صَحِيحٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في النِّهَايَةِ وهو الصَّحِيحُ قال في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَلْزَمُهُ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وبن تَمِيمٍ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَكَرَهُمَا أبو الْحُسَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَهُمَا احْتِمَالٌ وَأَطْلَقَهُمَا وَجْهَيْنِ في الْمُغْنِي وقال أَحْمَدُ تُوقَفُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ثَمَنُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ في شِرَاءِ الْمُسَافِرِ له في تِلْكَ الْبُقْعَةِ أو مِثْلُهَا غَالِبًا على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِأُجْرَةِ النَّقْلِ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ في التَّلْخِيصِ
الثَّانِيَةُ لو لم يَكُنْ معه الثَّمَنُ وهو يَقْدِرُ عليه في بَلَدِهِ وَوَجَدَهُ يُبَاعُ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ لم يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وأبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ قَالَهُ الشَّارِحُ في بَابِ الظِّهَارِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أو بِثَمَنٍ مِثْلِهِ وَلَوْ في ذِمَّتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أو تَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ
____________________
(1/269)
قال في الْمَطْلَعِ تَقْدِيرُهُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا وَكَذَا أو لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ قال في الْمُقْنِعِ تَقْدِيرُهُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا أو كَذَا لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى من مُثْبَتٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ تَعَذُّرَهُ في كل صُورَةٍ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ إلَّا في صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ حُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ على ثَمَنٍ مِثْلِهِ وَحُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ مُبِيحٌ أَيْضًا لِلتَّيَمُّمِ وَصُورَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُوَافِقَةٌ لِلْمُسْتَثْنَى منه في الْحُكْمِ
قال في الْجَوَابِ عن هذا الْإِشْكَالُ في اللَّفْظِ وَتَصْحِيحُهُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى من منفى مَعْنًى فإن قَوْلَهُ أو تَعَذُّرِهِ في مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِكَوْنِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَاءُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا لِأَنَّ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقٌ ما لم يَحْصُلْ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ ما قبل إلَّا وما بَعْدَهُ فيه كَلَامٌ وَاحِدٌ فَيَصِيرُ مَعْنَى هذا الْكَلَامِ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ بِأَشْيَاءَ منها حُصُولُ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِهِ أو ثَمَنٍ يُعْجَزُ عن أَدَائِهِ
ثُمَّ قال وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت على إعْرَابِ هذا لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا ذَكَرَ أَنَّ هذه الْعِبَارَةَ فَاسِدَةٌ انْتَهَى
قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عن ذلك بِمَا هو أَوْضَحُ مِمَّا قال بِأَنْ يُقَالَ اسْتِثْنَاءُ الْمُصَنِّفِ من الْمَفْهُومِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ وَلَكِنْ وُجِدَ وما يُبَاعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ أو بِثَمَنٍ يَعْجِزُ عن أَدَائِهِ وهو كَثِيرٌ في كَلَامِهِمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَاءِ قَرْضًا وَكَذَا ثَمَنُهُ وله ( ( ( ولي ) ) ) ما يُوفِيهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمُرَادُ
وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ هِبَةً مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن الزَّاغُونِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ إذَا كان عَزِيزًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن حَامِدٍ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ مُطْلَقًا وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِ الْمَاءِ هِبَةً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/270)
وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ
الثَّانِيَةُ حُكْمُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ حُكْمُ الْمَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ من الْأَحْكَامِ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا عَارِيَّةً
قَوْلُهُ فَإِنْ كان بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ له وَغَسَلَ الْبَاقِي
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ لِلْجُرْحِ إنْ لم يُمْكِنْ مَسْحُ الْجُرْحِ بِالْمَاءِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَمْسَحُ الْجُرْحَ بِالتُّرَابِ أَيْضًا قَالَهُ الْقَاضِي في مُقْنِعِهِ قال بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَمْسَحُ الْجُرْحَ وَفِيهِ نَظَرٌ وقال بن حَامِدٍ وَلَوْ سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ فَأَصَابَهُ جُرْحٌ وَخَافَ التَّلَفَ بِغُسْلِهِ لم يُبَحْ له التَّيَمُّمُ وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ وقال هو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ الْمَسْحُ فَقَطْ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو كان بِهِ جُرْحٌ وَيَخَافُ من غَسْلِهِ فَمَسْحُهُ بِالْمَاءِ أَوْلَى من مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وهو خَيْرٌ من التَّيَمُّمِ وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَاخْتَارَهُ هو وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا مع الْمَسْحِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ في التَّلْخِيصِ
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُ إذَا كان الْجُرْحُ طَاهِرًا أَمَّا إنْ كان نَجِسًا فَلَا يَمْسَحُ عليه قَوْلًا وَاحِدًا وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ نَقْلِ بن هَانِئٍ مَسْحُ الْبَشَرَةِ لِعُذْرٍ كَجَرِيحٍ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وهو أَوْلَى
فَوَائِدُ
منها لو كان على الْجُرْحِ عِصَابَةٌ أو لُصُوقٌ او جَبِيرَةٌ كَجَبِيرَةِ الْكَسْرِ
____________________
(1/271)
أَجْزَأَ الْمَسْحُ عليها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ وَيَتَيَمَّمُ معه وَتَقَدَّمَ ذلك في حُكْمِ الْجَبِيرَةِ في آخِرِ بَابِ الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ مُسْتَوْفًى فَلْيُعَاوَدْ
وَمِنْهَا لو كان الْجُرْحُ في بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عُبَيْدَانَ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قال الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا الْجَرِيحُ الْمُتَوَضِّئُ فَعِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى ما بَعْدَهُ حتى يَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ وَأَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مع التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ وقال في التَّلْخِيصِ هذا الْمَشْهُورُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُرَتِّبُهُ غَيْرُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ وَيُوَالِيهِ على الْمَذْهَبِ فِيهِمَا إنْ جَرَحَ في أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ لَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو الْأَصَحُّ قال الْمُصَنِّفُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ هذا التَّرْتِيبُ وَعَلَّلَهُ وَمَالَ إلَيْهِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَتَّبَ وقال أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وهو الصَّحِيحُ من مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وقال الْفَصْلُ بين أنها في أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ وَوَجْهٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُجْعَلُ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ في مَكَانِ الْعُضْوِ الذي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عنه فَلَوْ كان الْجُرْحُ في وَجْهِهِ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ ثُمَّ يَغْسِلُ صَحِيحَ وَجْهِهِ ثُمَّ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ وَإِنْ كان الْجُرْحُ في عُضْوٍ آخَرَ لَزِمَهُ غَسْلُ ما قَبْلَهُ ثُمَّ كان الْحُكْمُ فيه على ما ذَكَرْنَا في الْوَجْهِ وَإِنْ كان في وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ احْتَاجَ في كل عُضْوٍ إلَى تَيَمُّمٍ في مَحَلِّ غَسْلِهِ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مع التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مع وُضُوئِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
____________________
(1/272)
وَأَمَّا إنْ كان الْجُنُبُ جَرِيحًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ قبل غَسْلِ الصَّحِيحِ وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي إنْ كان جُنُبًا
وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قال الْقَاضِي في رِوَايَتَيْهِ لَا خِلَافَ فيه في الْمَذْهَبِ قال في التَّلْخِيصِ يَلْزَمُهُ في الْجَنَابَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ حَكَاهَا بن الزَّاغُونِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ
تَنْبِيهٌ في قَوْلِهِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلْبَاقِي إشْعَارٌ أَنَّ تَيَمُّمَهُ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال بن الْجَوْزِيِّ في الْمَذْهَبِ فَإِنْ تَيَمَّمَ قبل اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ في الْجَنَابَةِ جَازَ وقال هو وَغَيْره يَسْتَعْمِلُهُ في أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ كان مُحْدِثًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ على وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وبن عُبَيْدَانَ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كَالْمُصَنَّفِ وفي النَّوَادِرِ وَالرِّعَايَةِ رِوَايَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ بن رَزِينِ وَغَيْرِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى
____________________
(1/273)
تَنْبِيهٌ قال بَعْضُهُمْ أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمُوَالَاةِ نَقَلَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وقال الْمَجْدُ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فَهُوَ كَالْجُنُبِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَرَدُّوا الْأَوَّلَ بِأُصُولٍ كَثِيرَةٍ
وَقِيلَ هذا يَنْبَنِي على جَوَازِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ على أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ
وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ من مَسَحَ على الْخُفِّ ثُمَّ خَلَعَهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ لو وَجَدَ الْمَاءَ في هذه الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لم يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ
فَوَائِدُ
إحداها إذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
قُلْت فَيُعَايَى بها وَسَوَاءٌ كان في الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أو الْأَصْغَرِ وَحَكَى بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَاضِحِ في إرَاقَتِهِ قبل تَيَمُّمِهِ رِوَايَتَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو كان على بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وهو مُحْدِثٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ نَصَّ عليه قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال الْمَجْدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ في مَحَلٍّ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ من الْحَدَثِ فَيَسْتَعْمِلُهُ فيه عنهما وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ تَحْقِيقًا لِشُرُوطِهِ وَلَوْ كانت النَّجَاسَةُ في ثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ الْبَابِ
الثَّالِثَةُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ لو وَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلتَّيَمُّمِ فَقُلْت يَسْتَعْمِلُهُ من لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إنْ وَجَدَ ما يَكْفِيهِ من مَاءٍ أو تُرَابٍ وَإِنْ تَيَمَّمَ في وَجْهِهِ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ
قُلْت إنْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ في رَحْلِهِ وما قَرُبَ منه
____________________
(1/274)
هذا الْمَذْهَبُ بِشُرُوطِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وأبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ قَالَهُ بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في لُزُومِ الطَّلَبِ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمَاءِ وَعَدَمَهُ أَمَّا إنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ منهم بن تَمِيمٍ وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَهُ إمَّا في رَحْلِهِ أو رَأَى خَضِرَةً وَنَحْوَهَا وَجَبَ الطَّلَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ بن تَمِيمٍ قال الزَّرْكَشِيُّ إجْمَاعًا وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَالْحَالَةُ هذه ذَكَرَهَا في التَّبْصِرَةِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ وهو لُزُومُ الطَّلَبِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ لو رَأَى ما يَشُكُّ معه في الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ كما لو كان في صَلَاةٍ قال في الْفُرُوعِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ من رَفِيقِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إنْ دَلَّ عليه اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ
الثَّانِيَةُ وَقْتُ الطَّلَبِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قبل ذلك وَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ بِشَرْطِهِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ لَزِمَهُ طَلَبُهُ في رَحْلِهِ وما قَرُبَ منه صِفَةُ الطَّلَبِ أَنْ يُفَتِّشَ في رَحْلِهِ ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فيه وَيَسْأَلَ رُفْقَتَهُ عن مَوَارِدِ مَاءٍ أو عن مَاءٍ مَعَهُمْ لِيَبِيعُوهُ له أو يَبْذُلُوهُ كما تَقَدَّمَ
وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَسْعَى عن يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ إلَى ما قَرُبَ منه مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى وَإِنْ رَأَى خَضِرَةً أو شيئا
____________________
(1/275)
يَدُلُّ على الْمَاءِ قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ وَإِنْ رَأَى نَشْزًا أو حَائِطًا قَصَدَهُ وَاسْتَبَانَ ما عِنْدَهُ فَإِنْ لم يَجِدْ فَهُوَ عَادِمٌ له وَإِنْ كان سَائِرًا طَلَبُهُ أَمَامَهُ قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ ظَنَّهُ فَوْقَ جَبَلٍ بِقُرْبِهِ عَلَاهُ وَإِنْ ظَنَّهُ وَرَاءَهُ فَوَجْهَانِ مع أَمْنِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا
قَوْلُهُ فَإِنْ دَلَّ عليه قَرِيبًا لَزِمَهُ قَصْدُهُ
يَعْنِي إذَا دَلَّهُ ثِقَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لو خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لم يَلْزَمْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ
فَائِدَةٌ الْقَرِيبُ ما عُدَّ قَرِيبًا عُرْفًا على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَتَذْكِرَةِ بن رَزِينٍ وَقِيلَ مِيلٌ وَقِيلَ فَرْسَخٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ ما تَتَرَدَّدُ الْقَوَافِلُ إلَيْهِ في الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ بن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَظْهَرُ وَفَسَّرُوهُ بِالْعُرْفِ وَقِيلَ ما يَلْحَقُهُ الْفَوْتُ ذَكَرَ الْأَخِيرِينَ في التَّلْخِيصِ وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ بن تَمِيمٍ وَقِيلَ مَدُّ بَصَرِهِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ إذَا كان بَعِيدًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إنْ لم يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ قال في التَّلْخِيصِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا من اعْتَبَرَ اشْتِرَاطَ الْقُرْبِ قال وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عِنْدِي على الْقُرْبِ وَقِيلَ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَوَائِدُ
إحداها لو خَرَجَ من بَلَدِهِ إلَى أَرْضٍ من أَعْمَالِهِ لِحَاجَةٍ كَالْحِرَاثَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالصَّيْدِ وَنَحْوِ ذلك حَمْلُ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَحْمِلُهُ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَتَيَمَّمُ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ بِرُجُوعِهِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يُعِيدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ يُعِيدُ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ
____________________
(1/276)
وَمَحَلُّ هذا إذَا أَمْكَنَهُ حَمْلُهُ أَمَّا إذَا لم يُمْكِنْهُ حَمْلُهُ وَلَا الرُّجُوعُ لِلْوُضُوءِ إلَّا بِتَفْوِيتِ حَاجَتِهِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بَلَى وَلَوْ كانت حَاجَتُهُ في أَرْضِ قَرْيَةٍ أُخْرَى فَلَا إعَادَةَ عليه وَلَوْ كانت قَرِيبَةً قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
الثَّانِيَةُ لو مَرَّ بِمَاءٍ قبل الْوَقْتِ أو كان معه فَأَرَاقَهُ ثُمَّ دخل الْوَقْتُ وَعَدِمَ الْمَاءَ صلى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عليه وَإِنْ مَرَّ بِهِ في الْوَقْتِ وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أو كان معه فَأَرَاقَهُ في الْوَقْتِ أو بَاعَهُ في الْوَقْتِ أو وَهَبَهُ فيه حرم عليه ذلك بِلَا نِزَاعٍ ولم يَصِحَّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن الْجَوْزِيِّ وأبو الْمَعَالِي وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في الْفُرُوعِ أَشْهَرُهَا لَا يَصِحُّ قال بن تَمِيمٍ لم يَصِحَّ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ فَهُوَ عَاجِزٌ عن تَسْلِيمِهِ شَرْعًا
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ فِيهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِبَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَيَأْتِي إذَا آثَرَ أَبَوَيْهِ بِالْمَاءِ آخِرَ الْبَابِ
الثَّالِثَةُ لو تَيَمَّمَ وَصَلَّى بَعْدَ إعْدَامِ الْمَاءِ في مَسْأَلَةِ الْإِرَاقَةِ وَالْمُرُورِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أو وُهِبَ له مَاءٌ فلم يَقْبَلْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بعد ما تَلِفَ فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِرَاقَةِ وَالْمُرُورِ في الْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ
جَزَمَ في الْإِفَادَاتِ بِالْإِعَادَةِ في الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ وَصَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الْمُرُورِ بِهِ وَالْإِرَاقَةِ وفي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى في الْمُرُورِ بِهِ
____________________
(1/277)
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَإِنْ تَيَمَّمَ مع بَقَاءِ الْمَاءِ لم يَصِحَّ وَإِنْ كان بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فَهُوَ كَالْإِرَاقَةِ وَنَصَّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ على عَدَمِ الْإِعَادَةِ في الْكُلِّ وَقِيلَ يُعِيدُ إنْ أَرَاقَهُ وَلَا يُعِيدُ إنْ مَرَّ بِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَيَمَّمَ لم يُجْزِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَالْأَثْرَمِ وَمُهَنَّا وَصَالِحٍ وبن الْقَاسِمِ كما لو نَسِيَ الرَّقَبَةَ فَكَفَّرَ بِالصِّيَامِ وَعَنْهُ يجزى ( ( ( يجزئ ) ) ) ذَكَرَهَا الْقَاضِي في شَرْحِهِ وَالْمُجَرَّدِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْآمِدِيُّ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ حَكَاهَا بن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ الْجَاهِلُ بِهِ كَالنَّاسِي
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمَاءُ بِمَوْضِعٍ يَظْهَرُ بِهِ تَفْرِيطُهُ وَتَقْصِيرُهُ في طَلَبِهِ بِأَنْ يَجِدَهُ في رَحْلِهِ وهو في يَدِهِ أو بِبِئْرٍ بِقُرْبِهِ أَعْلَامُهَا ظَاهِرَةٌ فَأَمَّا إنْ ضَلَّ عن رَحْلِهِ وَفِيهِ الْمَاءُ وقد طَلَبَهُ أو كانت الْبِئْرُ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةٌ ولم يَكُنْ يَعْرِفُهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ عليه لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ يُعِيدُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْبِئْرِ في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ فِيمَا إذَا ضَلَّ عن رَحْلِهِ
وَأَمَّا إذَا أُدْرِجَ الْمَاءُ في رَحْلِهِ ولم يَعْلَمْ بِهِ أو ضَلَّ مَوْضِعُ الْبِئْرِ التي كان يَعْرِفُهَا فَقِيلَ لَا يُعِيدُ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فقال الصَّحِيحُ الذي نَقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عليه لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ في هذه الْحَالَةِ مُفَرِّطًا وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقِيلَ يُعِيدُ وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في الْأُولَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فيها وَقَدَّمَ بن رَزِينٍ في الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كَالنَّاسِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الثَّانِيَةِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْأُولَى في الرِّعَايَةِ
____________________
(1/278)
وَأَمَّا إذَا كان الْمَاءُ مع عَبْدِهِ ولم يَعْلَمْ بِهِ السَّيِّدُ وَنَسِيَ الْعَبْدُ أَنْ يُعْلِمَهُ حتى صلى بِالتَّيَمُّمِ فَقِيلَ لَا يُعِيدُ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ من غَيْرِهِ وَقِيلَ هو كَنِسْيَانِهِ قال في الْفَائِقِ يُعِيدُ إذَا جَهِلَ الْمَاءَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَةِ على جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا
يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ على جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا وَلِعَدَمِ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لها قال في الْفَائِقِ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ مُطْلَقًا وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى وقال بن أبي مُوسَى لَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ الْمَاءِ قال بن تَمِيمٍ قال بَعْضُهُمْ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا بَلْ يُصَلِّي على حَسَبِ حَالِهِ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عليه إلَّا عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ
يَعْنِي إذَا كانت على بَدَنِهِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ على بَدَنِهِ إعَادَةٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ سَوَاءٌ كانت على جُرْحٍ أو غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الشَّارِحُ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قال بن عُبَيْدَانَ وهو الصَّحِيحُ وَالْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في النَّظْمِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَا يُعِيدُ على الْأَظْهَرِ قال بن تَمِيمٍ لَا إعَادَةَ نَصَّ عليه اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ
____________________
(1/279)
وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا كان على جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ عليه الْإِعَادَةُ يَعْنِي إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَذَكَرَ في الْكَافِي قَوْلَ أبي الْخَطَّابِ ثُمَّ قال وَقِيلَ في الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ وَعَنْهُ يُعِيدُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَنْهُ يُعِيدُ في الْحَضَرِ وَأَطْلَقَ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا وَعَدَمَهَا مُطْلَقًا في الْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قال في الْمُحَرَّرِ وإذا لم يَجِدْ من بِبَدَنِهِ نَجَاسَةُ مَاءٍ تَيَمَّمَ لها فَإِنْ عَدِمَ التُّرَابَ صلى وفي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا يُعِيدُ فَهَلْ يُعِيدُ إذَا تَيَمَّمَ لها على وَجْهَيْنِ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ قال الْمَجْدُ نَصَّ عليه وَشَهَرَهُ النَّاظِمُ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَبِاِتِّخَاذِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ
قال بن تَمِيمٍ الْخِلَافُ في الْإِعَادَةِ هُنَا فَرْعٌ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذَا صلى بِنَجَاسَةٍ لَا يَقْدِرُ على إزَالَتِهَا من غَيْرِ تَيَمُّمٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وقال بَعْضُهُمْ لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا بَلْ يُصَلِّي على حَسَبِ حَالِهِ وفي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ وقال بن عُبَيْدَانَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ في الْإِعَادَةِ إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَرْعٌ على رِوَايَةِ إيجَابِ الْإِعَادَةِ على من صلى بِالنَّجَاسَةِ عَاجِزًا عن إزَالَتِهَا وَعَنْ التَّيَمُّمِ لها فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا إعَادَةَ هُنَاكَ فَلَا إعَادَةَ مع التَّيَمُّمِ وَجْهًا وَاحِدًا انْتَهَى
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَةِ على جُرْحٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ على ثَوْبِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال بن عَقِيلٍ مَتَى قُلْنَا يُجْزِئُ ذلك أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ من النَّجَاسَةِ بِالْأَرْضِ فَقَدْ دخل الْجَامِدُ في غَيْرِ الْبَدَنِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ ذلك وهو بَعِيدٌ قال بن عُبَيْدَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ قَوْلَ بن عَقِيلٍ قال في الْفُرُوعِ وَحَكَى قَوْلَهُ انْتَهَى
____________________
(1/280)
وَأَمَّا الْمَكَانُ فَلَا يَتَيَمَّمُ له قَوْلًا وَاحِدًا وَيَأْتِي إذَا كان مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هل يُجْزِئُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا وَهَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ لِلتَّيَمُّمِ لِلنَّجَاسَةِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا تَيَمَّمَ له من حَدَثٍ أو غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ يَلْزَمُهُ قبل التَّيَمُّمِ أَنْ يُخَفِّفَ من النَّجَاسَةِ ما أَمْكَنَهُ بِمَسْحِهِ أو حَتَّهُ بِالتُّرَابِ أو غَيْرِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ حتى لَا يَبْقَى لها أَثَرٌ
قَوْلُهُ وَإِنْ يَتَيَمَّمْ في الْحَضَرِ خَوْفًا من الْبَرْدِ وَصَلَّى فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ
يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ على ما تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
إحْدَاهُمَا لَا إعَادَةَ عليه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُغْنِي وبن رَزِينٍ قال في النَّظْمِ هذا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لم يُعِدْ على الْأَظْهَرِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَالثَّانِيَةُ عليه الْإِعَادَةُ كَالْقُدْرَةِ على تَسْخِينِهِ قال في الْحَاوِيَيْنِ أَعَادَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو تَيَمَّمَ خَوْفًا من الْبَرْدِ في السَّفَرِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عليه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ عليه الْإِعَادَةُ وَأَطْلَقَهُ بن تَمِيمٍ
____________________
(1/281)
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يُعِيدُ هُنَا فَهَلْ الْأُولَى فَرْضُهُ أو الثَّانِيَةُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
أَحَدُهُمَا الْأُولَى فَرْضُهُ وَالثَّانِي الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ
قُلْت هذا الْأُولَى وَإِلَّا لَمَّا كان في الْإِعَادَةِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ ثُمَّ وَجَدْته جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَنَقَلَهُ عن الْقَاضِي وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَقُلْنَا يُعِيدُ هل الْأُولَى أو الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ
قَوْلُهُ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صلى على حَسَبِ حَالِهِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عليه وَالْحَالَةُ هذه فَيَفْعَلُهَا وُجُوبًا في هذه الْحَالَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَيَقْضِيهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَزِيدُ على ما يُجْزِئُ في الصَّلَاةِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَتَوَجَّهُ لو فَعَلَ مَاشِيًا لِأَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ مع الْعَجْزِ وَلِأَنَّ له أَنْ يَزِيدَ على ما يجزى ( ( ( يجزئ ) ) ) في ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ قال في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ له فِعْلُ ذلك على أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال ثُمَّ قال وقد جَزَمَ جَدُّهُ وَجَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ
قُلْت قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يَقْرَأُ الْجُنُبُ فيها ما يُجْزِئُ فَقَطْ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا وَلَا يَتَنَفَّلُ ثُمَّ قال قُلْت وَلَا يَزِيدُ على ما يُجْزِئُ في طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ وَنَحْوِ ذلك وَقِيلَ وَلَا يَقْرَأُ جُنُبٌ في غَيْرِ صَلَاةِ فَرْضٍ شيئا مع عَدَمِهِمَا انْتَهَى قال بن تَمِيمٍ وَلَا يَقْرَأُ في غَيْرِ صَلَاةٍ إنْ كان جُنُبًا
قَوْلُهُ وفي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/282)
إحْدَاهُمَا لَا يُعِيدُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهَا في التَّصْحِيحِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَالْمَجْدِ وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ قال النَّاظِمُ هذا الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ونصره ( ( ( ونص ) ) ) بن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهَا في الْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُعِيدُ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَعَادَ على الْأَقْيَسِ وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَعَادَ في رِوَايَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ لو وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَأَعَادَ على الصَّحِيحِ نَصَّ عليه زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ بِوِجْدَانِ التُّرَابِ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ إنْ قَدَرَ فيها عليه خَرَجَ وَإِنْ لم يَقْدِرْ فَهُوَ كَمُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ على ما يَأْتِي
فَوَائِدُ
منها على الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال أبو الْمَعَالِي وَقِيلَ الْأُولَى فَرْضُهُ وَقِيلَ هُمَا فَرْضُهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَقِيلَ إحْدَاهُمَا فَرْضُهُ لَا بِعَيْنِهَا
وَمِنْهَا لو أَحْدَثَ من لم يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِنَوْمٍ أو غَيْرِهِ في الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاقْتَصَرَ عليه وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ وَجَدَ المصلى الْمَاءَ أو التُّرَابَ وَقُلْنَا تُعَادُ مع دَوَامِ الْعَجْزِ خَرَجَ منها وَإِلَّا أَتَمَّهَا إنْ شَاءَ
وقال أَيْضًا وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وهو فيها فيه رِوَايَتَانِ
قُلْت الْأُولَى عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وهو فيها
قال في الْفَائِقِ وَمَنْ صلى على حَسَبِ حَالِهِ اخْتَصَّ مُبْطِلُهَا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ وقال في الْفُرُوعِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ على الْمَيِّتِ إذَا لم يُغَسَّلْ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِغُسْلِهِ مُطْلَقًا
____________________
(1/283)
وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عليه بِهِ وَالْأَصَحُّ وَبِالتَّيَمُّمِ وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِأَحَدِهِمَا مع أَمْنِ تَفَسُّخِهِ
وَمِنْهَا لو كان بِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِوُضُوءٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عنه ويصلى على حَسَبِ حَالِهِ وفي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ في الْإِعَادَةِ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ ذَكَرَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ فَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ له غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يَجُوزُ بِالسَّبْخَةِ أَيْضًا وَعَنْهُ بِالرَّمْلِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَيَّدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ بِأَنْ يَكُونَ لهما ( ( ( له ) ) ) غُبَارٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وقال صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالرَّمْلِ مُطْلَقًا نَقَلَهَا عنه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ بن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِمَا عِنْدَ الْعَدَمِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا بِالنُّورَةِ وَالْجَصِّ نَقَلَهَا بن عَقِيلٍ وَقِيلَ يَجُوزُ بِمَا تَصَاعَدَ على الْأَرْضِ لَا بِعَدَمٍ على الْأَصَحِّ قال بن أبي مُوسَى يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ بِكُلِّ طَاهِرٍ تَصَاعَدَ على وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلُ الرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وما في مَعْنَى ذلك وَيُصَلِّي وَهَلْ يُعِيدُ على رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ التُّرَابِ من أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا لم يَجِدْ تُرَابًا وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ التُّرَابُ الطَّهُورُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ التُّرَابِ الْمُحْتَرِقِ فَإِنْ كان مُحْتَرِقًا لم يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجُوزُ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ بِتُرَابٍ لو ضَرَبَ على يَدٍ أو على ثَوْبٍ أو بِسَاطٍ أو حَصِيرٍ أو حَائِطٍ أو صَخْرَةٍ أو حَيَوَانٍ أو بَرْذَعَةِ حِمَارٍ أو شَجَرٍ أو خَشَبٍ
____________________
(1/284)
أو عِدْلٍ أو شَعْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا عليه غُبَارٌ طَهُورٌ يَعْلَقُ بيده وهو صَحِيحٌ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
فَوَائِدُ
منها أَعْجَبَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ حَمْلُ التُّرَابِ لِأَجْلِ التَّيَمُّمِ وعند ( ( ( وعنه ) ) ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ لَا يَحْمِلُهُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ إذْ لم يُنْقَلْ عن الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ من السَّلَفِ فِعْلُ ذلك مع كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ قال الْقَاضِي بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى لَكِنْ إنْ إمكنه تَجْفِيفُهُ وَالتَّيَمُّمُ بِهِ قبل خُرُوجِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ذلك وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي
وَمِنْهَا لو وَجَدَ ثَلْجًا ولم يُمْكِنْ تَذْوِيبُهُ لَزِمَهُ مَسْحُ أَعْضَائِهِ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ قال الْقَاضِي مَسْحُ الْأَعْضَاءِ بِالثَّلْجِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ كان يَجْرِي إذَا مَسَّ يَدَهُ وَجَبَ وَلَا إعَادَةَ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ بِالثَّلْجِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ قَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ
وَالثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ
وَمِنْهَا لو نَحَتَ الْحِجَارَةَ كَالْمِكْدَنِ وَالْمَرْمَرِ وَنَحْوِهِمَا حتى صَارَ تُرَابًا لم يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الصُّلْبَ كَالْأَرْمَنِيِّ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَصِحُّ في الْأَشْهَرِ بِتُرَابِ طِينٍ يَابِسٍ خُرَاسَانِيٍّ أو أَرْمَنِيٍّ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ مَأْكُولٍ قبل طَبْخِهِ وَقِيلَ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ بُعْدٌ انْتَهَى
____________________
(1/285)
قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ منهم الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في النِّهَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وهو أَقْيَسُ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُذْهَبُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ من تُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا فَإِنْ لم يَتَكَرَّرْ جَازَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ يَجُوزُ وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَهُوَ كَالْمَاءِ اعْلَمْ أَنَّ التُّرَابَ كَالْمَاءِ في مَسَائِلَ
منها ما تَقَدَّمَ
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِتُرَابِ مَسْجِدٍ ثُمَّ قال وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ
وقال في بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ في فَصْلٍ ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وفي الْفُصُولِ إنْ رَمَى بحصي الْمَسْعَى كُرِهَ وَأَجْزَأَ لِأَنَّ الشَّرْعَ نهى عن إخْرَاجِ تُرَابِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ لو لم يَصِحَّ أَجْزَأَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ من مَنْعِهِ الْمَنْعُ
وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ قد تُيُمِّمَ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ وَهَذَا الصَّحِيحُ في الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً كما لو لم يَتَيَمَّمْ منه على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فيه
فَائِدَةٌ لَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ مع أَنَّهُ مَسْجِدٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ
____________________
(1/286)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَفَرَائِضُهُ أَرْبَعَةٌ مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ ما تَحْتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قال في الْمُذْهَبِ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ جَمِيعُ ما يَجِبُ غَسْلُهُ من الْوَجْهِ ما خَلَا الْأَنْفَ وَالْفَمَ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ مَسْحُ ذلك وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَمْسَحُ ما أَمْكَنَ مَسْحُهُ من ظَاهِرِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ قِيلَ وما نَزَلَ عن ذَقَنِهِ
وَالثَّانِي مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ سِوَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَطْعًا بَلْ يُكْرَهُ
قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ هُنَا حُكْمُهُمَا في الْوُضُوءِ على ما تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ هُمَا هُنَا سُنَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا هُمَا في الْوُضُوءِ فَرْضَانِ وَقِيلَ التَّرْتِيبُ هُنَا سُنَّةٌ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّرْتِيبَ في الْوُضُوءِ ولم يَذْكُرْهُ هُنَا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ في التَّيَمُّمِ وَإِنْ وَجَبَ في الْوُضُوءِ لِأَنَّ بُطُونَ الْأَصَابِعِ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بَعْدَ الْوَجْهِ في التَّيَمُّمِ بِالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ يُعْتَدُّ بِمَسْحِهَا معه وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال بن تَمِيمٍ وهو أَوْلَى قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ إنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَةٍ لم يَجِبْ
قال بن عَقِيلٍ رَأَيْت التَّيَمُّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قد أَسْقَطَ تَرْتِيبًا مُسْتَحَقًّا في الْوُضُوءِ وهو أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَسْحِ بَاطِنِ يَدَيْهِ قبل مَسْحِ وَجْهِهِ
فَائِدَةٌ قَدْرُ الْمُوَالَاةِ هُنَا بِقَدْرِهَا زَمَنًا في الْوُضُوءِ عُرْفًا قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ
____________________
(1/287)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ في غَيْرِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَلَا يَجِبَانِ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَجِبَانِ فيه أَيْضًا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ أبو الْحُسَيْنِ وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقِيلَ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فيه فَقَطْ قال بن تَمِيمٍ هذا الْقَوْلُ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ من فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ وهو مَاشٍ على ما اخْتَارَهُ في أنها لَا تَجِبُ في الْوُضُوءِ وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ في التَّيَمُّمِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ هُنَا حُكْمُهَا على الْوُضُوءِ على ما تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أنها سُنَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا في الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقَدَّمَهُ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ مع تَقْدِيمِهِ في الْوُضُوءِ أنها فَرْضٌ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما لو وَضَّأَهُ غَيْرُهُ على ما تَقَدَّمَ في آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ هُنَا لِعَدَمِ قَصْدِهِ
الثَّانِيَةُ لو نَوَى وَصَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ جَمِيعَ وَجْهِهِ لم يَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقِيلَ يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمَجْدِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمُذْهَبِ وَقِيلَ إنْ مَسَحَ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالشَّارِحُ
____________________
(1/288)
قُلْت وَهَذَا الصَّحِيحُ قِيَاسًا على مَسْحِ الرَّأْسِ وَصَحَّحَ في الْمُغْنِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا لم يَمْسَحْ وَمَعَ الْمَسْحِ حَكَى احْتِمَالَيْنِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ
الثَّالِثَةُ لو سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عليه لم يَصِحَّ وَإِنْ فَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أو مَسَحَ بِغَيْرِ ما عليه صَحَّ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ نَقَلَهُ من الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ أو عَكْسُهُ بِنِيَّةٍ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَيَأْتِي إذَا تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أو بَعْضِ يَدٍ أو بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالسُّنَّةُ في التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ
قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ له من حَدَثٍ أو غَيْرِهِ فَشَمِلَ التَّيَمُّمَ لِلنَّجَاسَةِ فَتَجِبُ النِّيَّةُ لها على الصَّحِيحِ من الْوَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وفي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وفي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في مَوْضِعٍ وَهَذَا احْتِمَالُ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لها كَبَدَلِهِ وهو الْغُسْلُ بِخِلَافِ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ في الْفُرُوعِ وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن عَقِيلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ الصِّحَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وفي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في مَوْضِعٍ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهَا إنْ لم يَكُنْ مُحْدِثًا وَإِنْ كان مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَيَأْتِي بَعْدَ هذا
قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى جَمِيعَهَا جَازَ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن عَقِيلٍ إنْ كان عليه حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ هل يُكْتَفَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ يَنْبَنِي على تَدَاخُلِ الطَّهَارَتَيْنِ في الْغُسْلِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَدَاخَلَانِ فَهُنَا أَوْلَى لِكَوْنِهِمَا من جِنْسَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا يَتَدَاخَلَانِ هُنَاكَ فَالْأَشْبَهُ عِنْدِي لَا يَتَدَاخَلَانِ هُنَا كَالْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ إذَا كَانَتَا من جِنْسَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
____________________
(1/289)
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لم يَجُزْ عن الْآخَرِ
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كانت عليه أَحْدَاثٌ فَتَارَةً تَكُونُ مُتَنَوِّعَةً عن أَسْبَابِ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ وَتَارَةً لَا تَتَنَوَّعُ فَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِهِمَا وَنَوَى بَعْضَهَا بِالتَّيَمُّمِ فَإِنْ قُلْنَا في الْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا لم يَنْوِهِ فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ هُنَاكَ أَجْزَأَ هُنَا على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ هُنَا فَلَا يَحْصُلُ له إلَّا ما نَوَاهُ وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ جَمِيعُهَا في الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ وَالْوُضُوءُ رَافِعٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ إنْ كَانَا جَنَابَةً وَحَيْضًا أو نِفَاسًا لم يُجْزِهِ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ أُبِيحَ له ما يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ من قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ ولم تُبَحْ له الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ أَحْدَثَ لم يُؤْثِرْ ذلك في تَيَمُّمِهِ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ وَبَقِيَ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ بِحَالِهِ وَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا من حَيْضِهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ ثُمَّ أَجْنَبَتْ لم يَحْرُمْ وَطْؤُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وقال بن عَقِيلٍ إنْ قُلْنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ احْتَاجَ كُلُّ وَطْءٍ إلَى تَيَمُّمٍ يَخُصُّهُ
الثَّانِيَةُ صِفَةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ ما يَتَيَمَّمُ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَصِحُّ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعْتَبَرُ معه تَعْيِينُ ما يَتَيَمَّمُ له قبل الْحَدَثِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنْ ظَنَّ فَائِتَةً
____________________
(1/290)
فلم تَكُنْ أو بَانَ غَيْرُهَا لم يَصِحَّ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن الْجَوْزِيِّ إنْ نَوَى التَّيَمُّمَ فَقَطْ صلى نَفْلًا وقال أبو الْمَعَالِي إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ أو فَرْضَ الطَّهَارَةِ فَوَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى نَفْلًا أو أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ لم يُصَلِّ إلَّا نَفْلًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال بن حَامِدٍ إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ جَازَ له فِعْلُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ من نَوَى شيئا له فِعْلٌ أَعْلَى منه
قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ وَالْجَمْعُ بين الصَّلَاتَيْنِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ
بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا يَجْمَعُ في وَقْتِ الْأُولَى قال بن تَمِيمٍ له الْجَمْعُ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ وفي الْجَمْعِ في وَقْتِ الْأُولَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَعَنْهُ لَا يُجْمَعُ بِهِ بين فَرْضَيْنِ وَلَا يصلى بِهِ فَائِتَتَيْنِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن الْقَاسِمِ وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ بن عُبَيْدَانِ وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ قال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَعَنْهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ فَعَلَيْهَا له فِعْلُ غَيْرِهِ مِمَّا شَاءَ حتى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وفي الْفُرُوعِ لو خَرَجَ الْوَقْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ من النَّوَافِلِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ إنْ كان جُنُبًا وَالْوَطْءُ إنْ كانت حَائِضًا على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عليها وَذَكَرَ في الِانْتِصَارِ وَجْهًا أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى تَيَمُّمٍ وقال هو ظَاهِرُ نَقْلِ بن الْقَاسِمِ وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن عَقِيلٍ لَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِتَيَمُّمِ الصَّلَاةِ على هذه الرِّوَايَةِ إلَّا أَنْ يَطَأَ قَبْلَهَا ثُمَّ لَا تُصَلِّي بِهِ وَتَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَطْءٍ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك عنه قَرِيبًا
وقال بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ فَعَلَيْهَا لو تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهَلْ يصلى بِهِ
____________________
(1/291)
أُخْرَى على وَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ إنْ تَعَيَّنَتَا لم يُصَلِّ وَإِلَّا صلى انْتَهَى
وَعَلَيْهَا أَيْضًا لو كان عليه صَلَاةٌ من يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا لَزِمَهُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَةَ قُلْت فَعَلَيْهَا من نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ من يَوْمٍ كَفَاهُ لِصَلَاةِ الْخَمْسِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً من صَلَاتَيْنِ وَجَهِلَ عَيْنَهَا أَعَادَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ من يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ جِنْسَهُمَا صلى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ من يَوْمٍ وَجَهِلَهُمَا وَقِيلَ يَكْفِي صَلَاةُ يَوْمٍ بِتَيَمُّمَيْنِ وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ من يَوْمٍ فَلِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ وَقِيلَ في الْمُخْتَلِفَتَيْنِ من يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ يصلى الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِتَيَمُّمٍ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ آخَرَ انْتَهَى
وَعَلَى الْوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ لو نَسِيَ صَلَاةً من يَوْمٍ صلى الْخَمْسَ بِتَيَمُّمٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
وَأَمَّا جَوَازُ فِعْلِ التَّنَفُّلِ إذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَجُوزُ له التَّنَفُّلُ بِهِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْفَرْضَ الذي يَتَيَمَّمُ له وَعَنْهُ لَا يَتَنَفَّلُ قبل الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ الرَّاتِبَةِ
وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ الذي ذَكَرَهُ في الِانْتِصَارِ أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالتَّنَفُّلُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ على ذلك بِأَتَمَّ من هذا عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ وَالْجَمْعُ بين الصَّلَاتَيْنِ وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ أَنَّ من نَوَى شيئا اسْتَبَاحَ فِعْلَهُ وَاسْتَبَاحَ ما هو مِثْلُهُ أو دُونَهُ ولم يَسْتَبِحْ ما هو أَعْلَى منه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ
____________________
(1/292)
وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَهَذَا هو الضَّابِطُ في ذلك وَقِيلَ من نَوَى الصَّلَاةَ لم يُبَحْ له فِعْلُ غَيْرِهَا قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ من نَوَى الصَّلَاةَ لم يُبَحْ له غَيْرُهَا وَالْقِرَاءَةُ فيها وَأَنَّ من نَوَى شيئا لم يُبَحْ له غَيْرُهُ قال وَفِيهَا بُعْدٌ وَعَنْهُ يُبَاحُ له أَيْضًا فِعْلُ ما هو أَعْلَى مِمَّا نَوَاهُ وَقِيلَ إنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ صلى فَرْضًا وَتَقَدَّمَ هو وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَرِيبًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ النَّذْرُ دُونَ ما وَجَبَ بِالشَّرْعِ على الصَّحِيحِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ بين ما وَجَبَ بِالشَّرْعِ وما وَجَبَ بِالنَّذْرِ انْتَهَى وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضُ جِنَازَةٍ أَعْلَى من النَّافِلَةِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَتَحَرَّجُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً بِتَيَمُّمِ جِنَازَةٍ وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ على الْمَشْهُورِ في الْمَذْهَبِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَوْ كان الطَّوَافُ فَرْضًا
وقال أبو الْمَعَالِي وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بِتَيَمُّمِهِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَطَوَافٍ وَنَحْوِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بَلَى وَإِنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِلْقِرَاءَةِ أو لِمَسِّ مُصْحَفٍ فَلَهُ اللُّبْثُ في الْمَسْجِدِ وقال الْقَاضِي له فِعْلُ جَمِيعِ النَّوَافِلِ لِأَنَّهَا في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَيَمَّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَهُ الْقِرَاءَةُ لَا الْعَكْسُ وَلَا يَسْتَبِيحُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلُبْثٍ وَقِيلَ في الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ وَيُبَاحُ اللُّبْثُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلطَّوَافِ لَا الْعَكْسُ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ الْعَكْسُ بَلَى على الصَّحِيحِ
وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَفِي جَوَازِ فِعْلِ نَفْلِ الطَّوَافِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وبن عُبَيْدَانَ
قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّوَافِ أَعْلَى من مَسِّ الْمُصْحَفِ كَذَا نَقَلَهُ بن عُبَيْدَانَ
وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ
____________________
(1/293)
لِقِرَاءَةٍ أو لُبْثٍ أو مَسِّ مُصْحَفٍ لم يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال بن تَمِيمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ قال بن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ
تَنْبِيهٌ هذا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ أَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ فَتُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ النَّافِلَةِ وقال بن حَامِدٍ تُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّتِهِ مُطْلَقًا لَا بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ كما تَقَدَّمَ
فَائِدَةٌ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ لو تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ فَرْضٍ ثُمَّ بَلَغَ لم يَجُزْ له أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا لِأَنَّ ما نَوَاهُ كان نَفْلًا وَجَزَمَ بِهِ بن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ لو تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ فيه وهو فيها أو بَعْدَهَا فَلَهُ التَّنَفُّلُ بِهِ وفي الْفَرْضِ وَجْهَانِ وَالْوَجْهُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ
قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ قَالَهُ في الْفَائِقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ على الْأَوَّلِ وقال بن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ فقال وَهَلْ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِلْفَجْرِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أو بِزَوَالِهَا على وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عن الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالنَّجَاسَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لِتَجَدُّدِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ في طَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
تَنْبِيهَاتٌ
منها أَنَّ التَّيَمُّمَ على الْقَوْلَيْنِ يَبْطُلُ بِهِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فَلَا يُبَاحُ له فِعْلُ شَيْءٍ من الْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَطِ لها التَّيَمُّمُ وَقِيلَ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ التي دخل وَقْتُهَا فَيُبَاحُ له قَضَاءُ التي
____________________
(1/294)
تَيَمَّمَ في وَقْتِهَا إنْ لم يَكُنْ صَلَّاهَا وَفِعْلُ الْفَوَائِتِ وَالتَّنَفُّلِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذلك اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال وَعَكْسُهُ لو تَيَمَّمَ لِلْحَاضِرَةِ ثُمَّ نَذَرَ في الْوَقْتِ صَلَاةً لم يَجُزْ فِعْلُ الْمَنْذُورَةِ بِهِ عِنْدِي لِأَنَّهُ سَبَقَ وُجُوبُهَا وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ انْتَهَى كَلَامُ الْمَجْدِ وَمَنْ تَابَعَهُ
وَمِنْهَا دخل في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ أو تَيَمَّمَتْ الْحَائِضُ لِلْوَطْءِ أو اسْتَبَاحَا ذلك بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يَبْطُلُ كما لَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ وَرُدَّ ما عَلَّلَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ في الْفَائِقِ في الْحَائِضِ اسْتِمْرَارَ تَيَمُّمِهَا إلَى الْحَيْضِ الْآتِي وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو خَرَجَ الْوَقْتُ وهو في الصَّلَاةِ أنها تَبْطُلُ قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَوْ كان في الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةُ وبن تَمِيمٍ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كان الْوَقْتُ شَرْطًا وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ من وَجَدَ الْمَاءَ وهو في الصَّلَاةِ وَخَرَّجَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ على رِوَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ في الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ قال بن تَمِيمٍ وَكَذَا يَخْرُجُ في الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ في الصَّلَاةِ أو انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَكَذَا الْخِلَافُ عن الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ تُصَلِّي وَانْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فيها مَنُوطٌ بِشَرْطِهِ وَفَرَاغِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فيها وَزَوَالِ الْمَلْبُوسِ عن مَحَلِّهِ عَمْدًا قبل السَّلَامِ فيها
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ إذَا كان في غَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا
____________________
(1/295)
خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وهو فيها لم يَبْطُلْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَمِنْهَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِطَوَافٍ وَجِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْفَرِيضَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ إنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ ثُمَّ جىء ( ( ( جيء ) ) ) بِأُخْرَى فَإِنْ كان بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ فيه لم يُصَلِّ عليها حتى يَتَيَمَّمَ لها قال الْقَاضِي هذا لِلِاسْتِحْبَابِ وقال بن عَقِيلٍ لِلْإِيجَابِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَقَدَّرَ لِلْوَقْتِ فَوَقْتُ كل صَلَاةِ جِنَازَةٍ قَدْرُ فِعْلِهَا وَكَذَا قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَوَاصِلَ هُنَا كَتَوَاصُلِ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ قال وَعَلَى قِيَاسِهِ ما ليس له وَقْتٌ مَحْدُودٌ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ
قال في الْفُرُوعِ فَعَلَى هذا النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَالْكُسُوفِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لها بِخُرُوجِ وَقْتِ تِلْكَ النَّافِلَةِ وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فيها تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إلَى وَقْتِ النَّهْيِ عن تِلْكَ النَّافِلَةِ وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فيها تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمُخْتَارُ لِلْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ وقال أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ يَرْفَعُهُ رَفْعًا مُؤَقَّتًا على رِوَايَةِ الْوَقْفِ وَعَنْهُ أَنَّهُ رَافِعٌ فيصلى بِهِ إلَى حَدَثِهِ اخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدِ بن الْجَوْزِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن رَزِينٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى الْقُدْرَةِ على الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ قبل وَقْتِهِ وَلِنَفْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا سَبَبَ له وَقْتُ نَهْيٍ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ التَّيَمُّمُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ ذلك كما تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَتَيَمَّمُ
____________________
(1/296)
لِلْفَائِتَةِ إذَا أَرَادَ فِعْلَهَا ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إذَا ذَكَرَهَا قال وهو أَوْلَى
وَيَتَيَمَّمُ لِلْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَلِلِاسْتِسْقَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا وَلِلْجِنَازَةِ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ أو يُمِّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَيُعَايَى بها فَيُقَالُ شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حتى يَتَيَمَّمَ غَيْرُهُ وقال في الرِّعَايَةِ وَوَقْتُ التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا طَهُرَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ بَلْ إنْجَازُ غُسْلِهِ
وَوَقْتُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَقْتُ الْمَنْذُورَةِ كُلُّ وَقْتٍ على الْمَذْهَبِ وَوَقْتُ جَمِيعِ التَّطَوُّعَاتِ وَقْتُ جَوَازِ فِعْلِهَا وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يصلى بِهِ ما لم يَحْدُثْ وَقِيلَ أو يَجِدُ الْمَاءَ
قُلْت ظَاهِرُ هذا مُشْكِلٌ فإنه يَقْتَضِي أَنَّهُ على النَّصِّ يُصَلِّي وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وهو خِلَافُ الْإِجْمَاعِ
فَائِدَةٌ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لو نَوَى الْجَمْعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ تَيَمَّمَ لها أو لثانية ( ( ( الثانية ) ) ) في وَقْتِ الْأُولَى لم يَبْطُلْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى في الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يَبْطُلُ
قُلْت وَيَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَوُجُودِ الْمَاءِ وَمُبْطِلَاتِ الْوُضُوءِ
أَمَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليه
وَأَمَّا وُجُودُ الْمَاءِ لِفَاقِدِهِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا
وَأَمَّا مُبْطِلَاتُ الْوُضُوءِ فَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عن الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِمَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بِلَا نِزَاعٍ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عن الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَعَنْ الْحَيْضِ
____________________
(1/297)
وَالنِّفَاسِ بِحُدُوثِهِمَا فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا من الْحَيْضِ له ثُمَّ أَجْنَبَتْ جَازَ وَطْؤُهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ على ما تَقَدَّمَ وَيَتَيَمَّمُ الرَّجُلُ إذَا وطىء ثَانِيًا عن نَجَاسَةِ الذَّكَرِ إنْ نَجِسَتْ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا
قَوْلُهُ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ ما يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه ثُمَّ خَلَعَهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ
هذا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ في مَحَلِّ التَّيَمُّمِ أو بَعْضِهِ فَيَبْطُلُ بِخَلْعِهِ وقال أَصْحَابُنَا يَبْطُلُ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ على الْخُفَّيْنِ وفي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَرَدَّ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ وَهَذَا من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لم تَجِبْ إعَادَتُهَا
بِلَا نِزَاعٍ ولم يُسْتَحَبَّ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لو صلى على جِنَازَةٍ ثُمَّ وَجَدَهُ قَرِيبًا وهو صَحِيحٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ الْوَقْفُ وَإِنْ تَيَمَّمَ أَعَادَ غَسْلَهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فيها بَطَلَتْ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي في صَلَاتِهِ اخْتَارَهُمَا الْآجُرِّيُّ وَأَطْلَقَهُمَا في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْمُضِيُّ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ قال الشَّارِحُ وهو أَوْلَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ لَكِنْ هو أَفْضَلُ وَقِيلَ الْخُرُوجُ منها أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ من
____________________
(1/298)
الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يَمْضِي فَقِيلَ وُجُوبًا وَقِيلَ جَوَازًا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت الْأَوْلَى قَلْبُهَا نَفْلًا
فَائِدَةٌ رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ رَجَعَ عن الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلِذَلِكَ أَسْقَطَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَثْبَتَهَا بن حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ هُنَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عن اجْتِهَادَيْنِ في وَقْتَيْنِ فلم يَنْقَضِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ بِخِلَافِ نَسْخِ الشَّارِعِ وَهَكَذَا اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ في كل رِوَايَةٍ عُلِمَ رُجُوعُهُ عنها ذَكَرَ ذلك الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لو عَيَّنَ نَفْلًا أَتَمَّهُ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ على أَقَلِّ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهَا مَتَى فَرَغَ من الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَتَابَعَهُ من بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ هَكَذَا الْحُكْمُ عليها لو انْقَلَبَ الْمَاءُ وهو في الصَّلَاةِ فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا قَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال أبو الْمَعَالِي إنْ عَلِمَ تَلَفَهُ فيها بَقِيَ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَالَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ لَمَّا فَرَغَ شَرَعَ في طَلَبِهِ بَطَلَ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالتَّيَمُّمُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَلَوْ انْقَلَبَ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَلَيْهَا لو وَجَدَهُ وهو يُصَلِّي على مَيِّتٍ بِتَيَمُّمٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَبَطَلَ تَيَمُّمُ الْمَيِّتِ أَيْضًا على الصَّحِيحِ فِيهِمَا فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ ويصلي عليه وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ وَلَا يُغَسَّلُ فَهَذَانِ الْفَرْعَانِ مُسْتَثْنَيَانِ من الرِّوَايَةِ على الْمُقَدَّمِ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ من قَوْلِهِ بَطَلَتْ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي على من سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُ من تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ أو وَطْءٍ أو لُبْثٍ وَنَحْوِهِ التَّرْكُ بِوُجُودِ الْمَاءِ
____________________
(1/299)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً وَاحِدَةً قال في الْفُرُوعِ وَحَكَى وَجْهًا لَا يَلْزَمُ
الثَّانِيَةُ الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ إنْ وَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بهذا الشَّرْطِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْجُمْهُورِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَيَّدَهُ بِوَقْتِ الإختيار وهو قَيْدٌ حَسَنٌ وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَالْقَاضِي وَقِيلَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ حتى يَضِيقَ الْوَقْتُ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لو ظَنَّ عَدَمَهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
قُلْت وهو أَوْلَى وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وفي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ
الثَّانِي أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَ الْمَاءِ في آخِرِ
____________________
(1/300)
الْوَقْتِ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وهو صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَالْحَالَةُ هذه وَقِيلَ يَجِبُ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت إلَى مَكَانِ الْمَاءِ لِقُرْبِهِ منه إنْ وَجَبَ الطَّلَبُ وَبَقِيَ الْوَقْتُ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى في أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ ليس له التَّيَمُّمُ حتى يَضِيقَ الْوَقْتُ ذَكَرَهُ أبو الْحُسَيْنِ كما تَقَدَّمَ وَقِيلَ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ كما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ في التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ ويسمى وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ على التُّرَابِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسْنُونَ وَالْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ يَفْعَلُ بِهِمَا كما قال الْمُصَنِّفُ عنه وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وبن الزَّاغُونِيِّ وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَحَكَى رِوَايَةً
قُلْت حَكَاهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقِيلَ الْأَوْلَى ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وقال وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَمِينِهِ وَيَمِينَهُ بِيَسَارِهِ أو عَكَسَ وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُمَا فِيهِمَا صَحَّ وَقِيلَ لَا وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يُجْزِئُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا نِزَاعٍ وقال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ من ضَرْبَتَيْنِ جَازَ وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُسَنُّ ضَرْبَتَيْنِ وَقِيلَ أو أَكْثَرَ من ضَرْبَةٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ
يَمْسَحُ ظَاهِرَ الْوَجْهِ بِمَا لَا يَشُقُّ فَلَا يَمْسَحُ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَلَا بَاطِنَ
____________________
(1/301)
الشُّعُورِ الْخَفِيفَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ اسْتِثْنَاءُ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ لو تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أو بَعْضِ يَدِهِ أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ هو كَالْوُضُوءِ يَعْنِي في مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ الْإِجْزَاءَ قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ
فَإِنْ أَوْصَلَ التُّرَابَ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِرْقَةٍ أو خَشَبَةٍ صَحَّ على الصَّحِيحِ قال في الْفُرُوعِ وهو كَالْوُضُوءِ وَصَحَّحَ هُنَاكَ الصِّحَّةَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قال بن عَقِيلٍ فيه وَجْهَانِ بِنَاءً على مَسْحِ الرَّأْسِ بِحَائِلٍ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ
وَإِنْ أَمَرَّ الْوَجْهَ على التُّرَابِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ قال في الْفُرُوعِ وَقِيلَ إنْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ أو أَمَرَّ الْوَجْهَ على التُّرَابِ لم يَصِحَّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ أو صَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ وَجْهَهُ وإذا سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عليه
قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ
فَائِدَةٌ لو قُطِعَتْ يَدُهُ من الْكُوعِ وَجَبَ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وقال نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ
وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَتْ من فَوْقِ الْكُوعِ لم يَجِبْ قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ نَصَّ عليه
____________________
(1/302)
قَوْلُهُ وَمَنْ حُبِسَ في الْمِصْرِ صلى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عليه
إذَا عَدِمَ الْمَحْبُوسُ وَنَحْوُهُ الْمَاءَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ يَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يصلى بِالتَّيَمُّمِ في الْحَضَرِ حتى يُسَافِرَ أو يَقْدِرَ على الْمَاءِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَّلِ الْبَابِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُعِيدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُعِيدُهُ وَهِيَ تُخَرَّجُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا من فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم فَيَشْتَغِلُ بِالشَّرْطِ وَعَنْهُ تَقْدِيمُ الْوَقْتِ على الشَّرْطِ فَيُصَلِّي مُتَيَمِّمًا قَالَهُ في الْفَائِقِ
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ وهو جُنُبٌ وَخَافَ إنْ اغْتَسَلَ خَرَجَ الْوَقْتُ أو نَسِيَهَا وَذَكَرَهَا آخِرَ الْوَقْتِ وَخَافَ أَنْ يَغْتَسِلَ أو يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْوَقْتِ كَالْمَذْهَبِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا إنْ اسْتَيْقَظَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَفُوتُ الْوَقْتُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَلَا يَفُوتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حتى يَفُوتَ الْوَقْتُ كَالْغُلَامِ وَالْمَرْأَةِ التي مَعَهَا أَوْلَادُهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ حتى تَغْسِلَهُمْ وَنَحْوَ ذلك أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ في الْحَمَّامِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ مَنْهِيٌّ عنهما كَمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وهو في الْمَسْجِدِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا جَوَازَ التَّيَمُّمِ خَوْفًا من فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ أَوْلَى من الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ
قُلْت وهو قَوِيٌّ في النَّظَرِ وَخَرَّجَهُ في الْفَائِقِ لِنَفْسِهِ من الرِّوَايَةِ التي في الْعِيدِ وَجَعَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْجُمُعَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ وَأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فيها
فَائِدَةٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ الْخَائِفُ فَوَاتَ عَدُوِّهِ فإنه لَا يَجُوزُ
____________________
(1/303)
له التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ هُنَا وفي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ
قَوْلُهُ وَلَا الْجِنَازَةِ
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا من فَوَاتِ الْجِنَازَةِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ قال الْأَصْحَابُ وَكَذَا اخْتَارَهُ يَعْنِي أنها كَالْمَكْتُوبَةِ في عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لها خَوْفًا من فَوَاتِهَا وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِفَوَاتِ الْجِنَازَةِ فَوَاتُهَا مع الْإِمَامِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال جَمَاعَةٌ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ على قَبْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فيه
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مع وُجُودِ الْمَاءِ خَوْفًا من فَوَاتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وهو الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال بن تَمِيمٍ وَأَلْحَقَ عبد الْعَزِيزِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ التَّيَمُّمِ فيها وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وفي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ وَالْعِيدِ إذَا خَافَ الْفَوْتَ رِوَايَتَانِ وَحَكَى في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً كَالْجِنَازَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وقال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ وَعِيدٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ قال بن حَامِدٍ يَخْرُجُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ على الْجِنَازَةِ وقال بن تَمِيمٍ وهو حَسَنٌ
____________________
(1/304)
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمُسَافِرُ إلَى الْمَاءِ وقد ضَاقَ الْوَقْتُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَرَدَّ غَيْرَهُ وَقِيلَ تَيَمَّمَ قال بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَنَصَرَهُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانِ وقال ما أَدَقَّ هذا النَّظَرُ وَلَوْ طَرَدَهُ في الْحَضَرِ لَكَانَ قد أَجَادَ وَأَصَابَ
قُلْت وهو الْمَذْهَبُ وهو مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ من الْقَاعِدَةِ في الْخُطْبَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ أو عَلِمَ الْمَاءَ قَرِيبًا أو خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أو دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ إنْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ أو دَلَّهُ ثِقَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُذْهَبِ في خَوْفِ دُخُولِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ كَخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ بِالتَّيَمُّمِ في الْأُولَى وَأَطْلَقَ بن حَمْدَانَ فيه الْوَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عليها غُسْلُ حَيْضٍ فَبَذَلَ ما يَكْفِي أَحَدُهُمْ لأولاهم ( ( ( لأولادهم ) ) ) بِهِ فَهُوَ لِلْمَيِّتِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلْحَيِّ يَعْنِي هو أَوْلَى بِهِ من الْمَيِّتِ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وأبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ
____________________
(1/305)
قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ فيه وَجْهَانِ
يَعْنِي على رِوَايَةٍ أَنَّ الْحَيَّ أَوْلَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
أَحَدُهُمَا الْحَائِضُ أَوْلَى وهو الصَّحِيحُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُ الْحَائِضِ بِكُلِّ حَالٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالثَّانِي الْجُنُبُ مُطْلَقًا أَوْلَى قَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقِيلَ الرَّجُلُ الْجُنُبُ خَاصَّةً أَوْلَى من الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وَقِيلَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ يُقْرَعُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ
فَوَائِدُ
إحداها من عليه نَجَاسَةٌ أَحَقُّ من الْمَيِّتِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ الْمَيِّتُ أَوْلَى أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالتَّلْخِيصُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَجَسُ الْبَدَنِ غَيْرُ قُبُلٍ وَدُبُرٍ وَقِيلَ وَغَيْرُ ثَوْبِ سُتْرَةٍ أَوْلَى منهم وَمِنْ الْمَيِّتِ إذَنْ وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى وَقِيلَ الْمَيِّتُ أَوْلَى منه مُطْلَقًا وَمِنْ غَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ قال في الْفُرُوعِ يُقَدَّمُ جُنُبٌ على مُحْدِثٍ وَقِيلَ الْمُحْدِثُ إلَّا أَنْ يَكْفِيَ من تَطَهَّرَ بِهِ مِنْهُمَا وَإِنْ كَفَاهُ فَقَطْ قُدِّمَ
وَقِيلَ الْجُنُبُ وقال بن تَمِيمٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مُحْدِثٌ وَجُنُبٌ وَوُجِدَ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَيَفْضُلُ منه ما لَا يَكْفِي الْآخَرَ فَالْجُنُبُ أَوْلَى في وَجْهٍ وَقَدَّمَهُ
____________________
(1/306)
بن عُبَيْدَانَ وفي آخِرِ الْمُحْدِثِ أَوْلَى قَدَّمَهُ في الْمُذْهَبِ وفي ثَالِثٍ هُمَا سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أو يُعْطِيهِ الْبَاذِلُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَإِنْ كان يَكْفِي الْجُنُبَ وَيَفْضُلُ عن الْمُحْدِثِ فَالْجُنُبُ أَوْلَى وَإِنْ كان يَكْفِي الْمُحْدِثَ وَحْدَهُ فَهُوَ أَوْلَى
وقال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ كَفَاهُ وَحْدَهُ مِمَّنْ يُقَدَّمُ وَمِنْ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ لم يَكُنْ أَحَدُهُمْ فَالْجُنُبُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى من الْمُحْدِثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ فَبِالْقُرْعَةِ وَقِيلَ أو بِالتَّخْيِيرِ من بَاذِلِهِ وَإِنْ كَفَى الْجُنُبَ أو نَحْوَهُ وَفَضَلَ من الْمُحْدِثِ شَيْءٌ فَوَجْهَانِ وَإِنْ كان يَفْضُلُ من وَاحِدٍ ما لَا يَكْفِي الْآخَرَ قدم ( ( ( يقدم ) ) ) الْمُحْدِثُ وَقِيلَ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ وَقِيلَ بَلْ من قُرِعَ وَقِيلَ بَلْ بِالتَّخْيِيرِ من بَاذِلِهِ
الثَّالِثَةُ لو بَادَرَ عن غَيْرِهِ أَوْلَى منه فَتَطَهَّرَ بِهِ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال بن تَمِيمٍ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاقْتَصَرَ عليه
الرَّابِعَةُ قال في التَّلْخِيصِ وَاعْلَمْ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ لَا تُتَصَوَّرُ إذَا كان الْمَاءُ لِبَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَصَوَّرَهَا جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا في مَاءٍ مُبَاحٍ أو مَمْلُوكٍ أَرَادَ مَالِكُهُ بَذْلَهُ لِأَحَدِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الْمُبَاحَ قبل وَضْعِ الْأَيْدِي عليه لَا مِلْكَ فيه وَبَعْدَ وَضْعِ الْأَيْدِي لِلْجَمِيعِ وَالْمَالِكُ له وِلَايَةُ صَرْفِهِ إلَى من شَاءَ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْفَضِيلَةَ وَلَفْظُ الْأَحَقِّيَّةِ والأولوية لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَعِنْدِي لِذَلِكَ صُورَةٌ مَعْصُومَةٌ من ذلك وَهِيَ أَنْ يوصى بمائة لِأَوْلَاهُمْ بِهِ انْتَهَى
قال في الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ في التَّلْخِيصِ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا في النَّذْرِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ وَالْوَقْفِ عليه وَفِيمَا إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ مَعْرِفَةَ أَوْلَاهُمْ بِهِ لِيُؤْثَرَ بِهِ وَفِيمَا إذَا ما وَرَدُوا على مُبَاحٍ وَازْدَحَمُوا وَتَشَاحُّوا في التَّنَاوُلِ أَوَّلًا
الْخَامِسَةُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَأْتِي هذه الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا في الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ وقال هو ظَاهِرُ ما نُقِلَ عن أَحْمَدَ وهو أَوْلَى من التَّشْقِيصِ
____________________
(1/307)
السَّادِسَةُ لو اجْتَمَعَ جُنُبَانِ أو نَحْوُهُمَا أو مُحْدِثَانِ حَدَثًا أَصْغَرَ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا اقْتَرَعَا وَقِيلَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا قال ذلك في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ
السَّابِعَةُ لو اجْتَمَعَ على شَخْصٍ وَاحِدٍ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ في بَدَنِهِ وَمَعَهُ ما يَكْفِي أَحَدَهُمَا قَدَّمَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ نَصَّ عليه وَكَذَا إنْ كانت على ثَوْبِهِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْحَدَثُ وَهِيَ قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ عليه نَجَاسَةٌ في ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ قَدَّمَ الثَّوْبَ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحُ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ تُقَدَّمُ نَجَاسَةُ ثَوْبِهِ على نَجَاسَةِ بَدَنِهِ وَنَجَاسَةُ الْبَدَنِ على نَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ وَيَسْتَجْمِرُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ
الثَّامِنَةُ لو كان الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ لَزِمَ اسْتِعْمَالُهُ ولم يَكُنْ له بَذْلُهُ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ إنْ فَضَلَ منه عن حَاجَتِهِ اُسْتُحِبَّ له بَذْلُهُ
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ بن الْقَيِّمِ في الهدى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ بِالْمَاءِ من يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ هو وَأَمَّا إذَا كان الْمَاءُ لِلْوَلَدِ فَهَلْ له أَنْ يُؤْثِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِهِ وَيَتَيَمَّمَ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَ بن عُبَيْدَانَ عَدَمَ الْجَوَازِ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ إنْ كان الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِنْ كان الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ وقال في الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا وَأَطْلَقَ وقال فَإِنْ آثَرَ بِهِ وَتَيَمَّمَ لم يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مع وُجُودِهِ لِذَلِكَ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ الْآخَرُ فَحُكْمُ الْمُؤْثَرِ بِهِ حُكْمُ من أَرَاقَ الْمَاءَ على ما تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ دَلَّ عليه قَرِيبًا
وَأَمَّا إذَا كان الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ غُسِّلَ بِهِ فَإِنْ فَضَلَ منه فَضْلٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ الْوَارِثُ حَاضِرًا فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ لِلطَّهَارَةِ بِثَمَنِهِ في مَوْضِعِهِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ
____________________
(1/308)
في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَوَاشِي وَغَيْرِهِمْ وقيل ليس له ذلك وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ إذَا كان رَفِيقَ الْمَيِّتِ عَطْشَانُ وَلَهُ مَاءٌ أَوَّلَ الْبَابِ
التَّاسِعَةُ لو اجْتَمَعَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ لَا ثَوْبَ لَهُمَا وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَبُذِلَ ثَوْبٌ لِأَوْلَاهُمَا بِهِ صلى فيه الْحَيُّ ثُمَّ كُفِّنَ فيه الْمَيِّتُ في وَجْهٍ وهو الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ ذَكَرَهُ في بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
وفي وَجْهٍ آخَرَ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ على صَلَاةِ الْحَيِّ فيه وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وقال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ مُطْلَقًا قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدٌ وَيَأْتِي في الْجَنَائِزِ في فَصْلِ الْكَفَنِ لو وُجِدَ كَفَنٌ وَاحِدٌ وَوُجِدَ جَمَاعَةٌ من الْأَمْوَاتِ هل يُجْمَعُونَ فيه أو يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ
الْعَاشِرَةُ لو احْتَاجَ حَيٌّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ زَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ إنْ خَشِيَ التَّلَفَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ على الْمَيِّتِ قال في الْفُرُوعِ يُقَدَّمُ في الْأَصَحِّ من احْتَاجَ كَفَنَ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ لَا يُقَدَّمُ وقال بن عَقِيلٍ وبن الْجَوْزِيِّ يُصَلَّى عليه عَادِمَ السُّتْرَةِ في إحْدَى لِفَافَتَيْهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ عُرْيَانًا كَلِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ بها ذَكَرَهُ في الْكَفَنِ بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ
يَعْنِي الْمَاءَ الطَّهُورَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الْقَاضِي قال أَصْحَابُنَا لَا تَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ أَوْمَأَ إلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على أنها تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ذَكَرَهُ في آخِرِ الْبَابِ وَقِيلَ تُزَالُ بِغَيْرِ الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ قال حَفِيدُهُ وهو أَشْبَهُ بِنُصُوصِ أَحْمَدَ نَقَلَهُ بن خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ في تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(1/309)
وَقِيلَ تُزَالُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ وهو رِوَايَةٌ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا تُزَالُ إلَّا بِمَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
قَوْلُهُ وَتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ بِلَا نِزَاعٍ
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا وَجَمِيعِ أَجْزَائِهِمَا نَجِسٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ يُغْسَلُ وُلُوغُهُ فَقَطْ تَعَبُّدًا وِفَاقًا لِمَالِكٍ فَظَاهِرُ الْقَوْلِ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْوُلُوغُ تَعَبُّدًا وَعَنْهُ طَهَارَةُ الشَّعْرِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ عبد الْعَزِيزِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال بن تَمِيمٍ فَيَخْرُجُ ذلك في كل حَيَوَانٍ نَجِسٍ وهو كما قال وَعَنْهُ سُؤْرُهُمَا طَاهِرٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ نَقَلَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
قَوْلُهُ وَتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ سَبْعًا
تُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ سَبْعًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ ثَمَانِيًا فَظَاهِرُ ما نَقَلَهُ بن أبي مُوسَى اخْتِصَاصُ الْعَدَدِ بِالْوُلُوغِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْخِنْزِيرِ كَنَجَاسَةِ الْكَلْبِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ هو شَرٌّ من الْكَلْبِ وَقِيلَ لَيْسَتْ نَجَاسَةُ الْخِنْزِيرِ كَنَجَاسَةِ الْكَلْبِ فلم يذكر أَحْمَدُ فيه عَدَدًا وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ في نَجَاسَتِهِمَا عَدَدٌ قال بن شِهَابٍ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ رِوَايَةً قال بن تَمِيمٍ قال شَيْخُنَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ أَنَّ الْعَدَدَ لَا يَجِبُ في غَيْرِ الْآنِيَةِ
وَتَقَدَّمَ في الْوُضُوءِ هل تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ في غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ التُّرَابِ في غَسْلِ نَجَاسَتِهِمَا مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ
____________________
(1/310)
الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ اسْتِحْبَابُ التُّرَابِ ذَكَرَهَا بن الزَّاغُونِيِّ نَقَلَهَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وقال وهو ضَعِيفٌ وقال بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ في الْوُلُوغِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ حَكَاهَا بن الزَّاغُونِيِّ وَقِيلَ إنْ تَضَرَّرَ الْمَحَلُّ سَقَطَ التُّرَابُ قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وهو الْأَظْهَرُ وَقِيلَ يَجِبُ في إنَاءٍ وَنَحْوِهِ فَقَطْ وَحَكَى رِوَايَةً
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لو جَعَلَ التُّرَابَ في أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ أَنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الْأَوْلَوِيَّةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ فيه وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْوَجِيزِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وهو الصَّوَابُ وَبَنَاهُ على قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَعَنْهُ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ في الْغَسْلَةِ الْأُولَى وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ قال بن تَمِيمٍ الْأَوْلَى جَعْلُهُ في الْأُولَى إنْ غُسِلَ سَبْعًا قال في الْإِفَادَاتِ لَا يَكُونُ إلَّا في الْأَخِيرَةِ وَعَنْهُ الْأَخِيرَةُ أَوْلَى وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ في الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ إنْ غَسَلَهَا ثَمَانِيًا فَفِي الثَّامِنَةِ أَوْلَى جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وقال نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ غَسَلَهُ ثَمَانِيًا فَفِي الثَّامِنَةِ أَوْلَى
فَوَائِدُ
إحداها لَا يَكْفِي ذَرُّ التُّرَابِ على الْمَحَلِّ بَلْ لَا بُدَّ من مَائِعٍ يُوصِلُهُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْفِيَ ذَرُّهُ وَيُتْبِعَهُ الْمَاءَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وهو أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
____________________
(1/311)
الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ مَحَلِّ الْوُلُوغِ بِالتُّرَابِ قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقِيلَ يَكْفِي مُسَمَّى التُّرَابِ مُطْلَقًا قَالَهُ بن الزَّاغُونِيِّ وَقِيلَ يَكْفِي مُسَمَّاهُ فِيمَا يَضُرُّ دُونَ غَيْرِهِ قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ يَكْفِي منه ما يُغَيِّرُ الْمَاءَ قَالَهُ بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
الثَّالِثَةُ يُشْتَرَطُ في التُّرَابِ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُجْزِئُ بِالطَّاهِرِ أَيْضًا وهو ظَاهِرُ ما في التَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَهُ أُشْنَانًا أو نَحْوَهُ فَعَلَى وجهين ( ( ( وجهان ) ) )
أَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفُرُوعِ
إحْدَاهُمَا يُجْزِئُ ذلك وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هذا أَقْوَى الْوُجُوهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَقُومُ غَيْرُ التُّرَابِ مَقَامَهُ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْفُصُولِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على التُّرَابِ قال في الْمُذْهَبِ هذا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال بن حَامِدٍ إنَّمَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عن التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ أو إفْسَادِ الْمَغْسُولِ بِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ في إسْقَاطِ التُّرَابِ في نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا تَضَرَّرَ الْمَحَلُّ وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ عن التُّرَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ في إقَامَةِ
____________________
(1/312)
الْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ عن التُّرَابِ وَقِيلَ تَقُومُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ مَقَامَ التُّرَابِ فِيمَا يُخَافُ تَلَفُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ
قَوْلُهُ وفي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
إحْدَاهُنَّ يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قال بن هُبَيْرَةَ هو الْمَشْهُورُ وَصَحَّحَهُ في التصحيح ( ( ( الصحيح ) ) ) وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ قال في الْمُذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ هذا الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجِبُ غَسْلُهَا ثَلَاثًا اختارها الْمُصَنِّفُ في الْعُمْدَةِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ في غَيْرِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدَّمَهُ مُطْلَقًا بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الِاسْتِنْجَاءِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في بَابِهِ
وَالثَّالِثَةُ تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ من غَيْرِ عَدَدٍ اختارها الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَطَعَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ في الْبَدَنِ وَيَجِبُ في السَّبِيلَيْنِ وفي غَيْرِ الْبَدَنِ سَبْعٌ قال الْخَلَّالُ وَهِيَ وَهْمٌ وَعَنْهُ يَجِبُ الْعَدَدُ إلَّا في الْخَارِجِ من السَّبِيلَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَ أبو مُحَمَّدٍ في الْمُغْنِي لَا يَجِبُ الْعَدَدُ إلَّا في الِاسْتِنْجَاءِ وَعَنْهُ يَغْسِلُ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثٍ وَغَيْرِهِ بِسَبْعٍ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ الْخَارِجُ من السَّبِيلَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ وَمِنْ غَيْرِ نَجَاسَتِهِمَا وَعَنْهُ لَا يَجِبُ في الثَّوْبِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ عَدَدٌ ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَسْحُ في الْمُتَنَجِّسِ الذي يَضُرُّهُ الْغَسْلُ كَثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالْوَرِقِ وَنَحْوِهِمَا قال
____________________
(1/313)
وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْرَطُ التُّرَابُ على وَجْهَيْنِ
وَهُمَا في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَهُ بن أبي مُوسَى يَعْنِي على الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذَكَرَهَا أبو بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أعنى الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ التُّرَابُ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ بِالتُّرَابِ في أَصَحِّ الوجهين ( ( ( الوجهان ) ) ) وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا الْمَشْهُورُ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التُّرَابِ قَوْلًا وَاحِدًا على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ وُجُوبُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ حُكْمَ التُّرَابِ في الْغُسْلِ ثَلَاثًا حُكْمُهُ في الْغُسْلِ سَبْعًا وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَدَدِ
الثَّانِي مَحَلُّ الْخِلَافِ في التُّرَابِ إنَّمَا هو في غَيْرِ مَحَلِّ السَّبِيلَيْنِ فَأَمَّا مَحَلُّ السَّبِيلَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فيه تُرَابٌ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عليه وَحَكَى عن الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ أَوْجَبَ التُّرَابَ في مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِوُجُوبِهِ في الْفَائِقِ عنه
____________________
(1/314)
فَوَائِدُ
منها حَيْثُ قُلْنَا يَغْسِلُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ سَبْعًا لم تَزُلْ طَهُورِيَّةُ ما بَعْدَ الْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن عَقِيلٍ وجها ( ( ( واحدا ) ) ) وَاحِدًا وَقِيلَ تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
قُلْت فَيُعَايَى بها على هذا الْقَوْلِ
وَمِنْهَا قال في الْفُرُوعِ يُحْسَبُ الْعَدَدُ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ قبل زَوَالِهَا في ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وفي ظَاهِرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا
وَمِنْهَا يُغْسَلُ ما نَجِسَ بِبَعْضِ الْغَسَلَاتِ بِعَدَدِ ما بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الْغَسْلَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ بعدد ( ( ( بعد ) ) ) ما بَقِيَ مع تِلْكَ الْغَسْلَةِ وَقِيلَ يُغْسَلُ سَبْعًا إنْ اشْتَرَطْنَا السَّبْعَ في أَصْلِهِ واختاره بن حَامِدٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وأطلق ( ( ( أطلق ) ) ) الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ بن عُبَيْدَانَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُغْسَلُ بِتُرَابٍ إنْ لم يَكُنْ غَسَلَ بِهِ وَاشْتَرَطْنَاهُ وَعَلَى الثَّالِثِ يَغْسِلُ بِتُرَابٍ أَيْضًا إنْ اشْتَرَطْنَاهُ في أَصْلِهِ
قَوْلُهُ كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا إذَا كانت على الْأَرْضِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كانت على الْأَرْضِ تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ سَوَاءٌ كانت من كَلْبٍ أو خِنْزِيرٍ أو غَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ وَنَحْوُهَا حتى يَنْفَصِلَ الْمَاءُ وَقِيلَ يَجِبُ الْعَدَدُ من نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مَعَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في مُقْنِعِهِ وَالنَّصُّ خِلَافُهُ وَعَنْهُ يَجِبُ الْعَدَدُ في غَيْرِ الْبَوْلِ نَقَلَهُ بن حَامِدٍ وَحَكَى الْآمِدِيُّ رِوَايَةً في الْأَرْضِ يَجِبُ لِكُلِّ بَوْلَةٍ ذَنُوبٌ وَعَنْهُ في بِرْكَةٍ وَقَعَ فيها بَوْلٌ تُنْزَحُ وَيُقْلَعُ الطِّينُ ثُمَّ تُغْسَلُ
فَوَائِدُ
الْأُولَى الصَّخْرُ وَالْأَجْرِبَةُ من الْحَمَّامِ وَالْأَحْوَاضِ وَنَحْوِ ذلك حُكْمُهَا حُكْمُ
____________________
(1/315)
الْأَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا
الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ الْعَصْرُ في كل غَسْلَةٍ مع إمْكَانِهِ فِيمَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ أو دَقُّهُ أو تَقْلِيبُهُ إنْ كان ثَقِيلًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا قال بن عُبَيْدَانَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ذلك في غَيْرِ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال الصَّحِيحُ لَا يُجْزِئُ تَجْفِيفُ الثَّوْبِ عن عَصْرِهِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِئُ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَفَافُهُ كَعَصْرِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في إجْزَاءِ التَّجْفِيفِ عن الْعَصْرِ في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
وَإِنْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ مَحَلًّا لَا يَتَشَرَّبُ بها كَالْآنِيَةِ وَنَحْوِهَا طَهُرَ بِمُرُورِ الْمَاءِ عليه وَانْفِصَالِهِ عنه وَإِنْ لَصِقَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ وَجَبَ مع ذلك إزَالَتُهَا وَيَجِبُ الحت ( ( ( الحث ) ) ) وَالْقَرْضُ قال في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ إنْ لم يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ بها وقال في الرِّعَايَةِ إنْ تَعَذَّرَتْ الْإِزَالَةُ بِدُونِهَا أو لَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ
الثَّالِثَةُ وَلَوْ كَاثَرَ مَاءً نَجِسًا في إنَاءٍ بِمَاءٍ كَثِيرٍ لم يَطْهُرْ الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يَطْهُرُ وَإِنْ لم يُرَقْ وَلَوْ طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ نَجِسٌ في إنَاءٍ بِمُكْثِهِ لم يَطْهُرْ الْإِنَاءُ معه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَإِنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ عنه حُسِبَ غَسْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُكْمَلُ وَقِيلَ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ تَبَعًا كَالْمُحْتَفَرِ من الْأَرْضِ وَقِيلَ إنْ مَكَثَ بِقَدْرِ الْعَدَدِ طَهُرَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْحُكْمُ في الثَّوْبِ إذَا لم يُعْتَبَرْ عَصْرُهُ وَالْإِنَاءُ إذَا غُمِسَ في مَاءٍ كَثِيرٍ وَأَمَّا اعْتِبَارُ تَكْرَارِ غَمْسِهِ فَمَبْنِيٌّ على اعْتِبَارِ الْعَدَدِ وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ وَخَضْخَضَتُهُ في الْمَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَكْفِي وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي إنْ مَرَّ عليه أَجْزَاءٌ ثَلَاثَةٌ قِيلَ كَفَى وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
فَلَوْ وَضَعَ ثَوْبًا في الْمَاءِ ثُمَّ غَمَرَهُ بِمَاءٍ وَعَصَرَهُ فَغَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يبنى عليها وَيَطْهُرُ
____________________
(1/316)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه لِأَنَّهُ وَارِدٌ كَصَبِّهِ في غَيْرِ إنَاءٍ وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ ما يَنْفَصِلُ بِعَصْرِهِ لَا يُفَارِقُهُ عَقِيبَهُ وَعَنْهُ يَطْهُرُ إنْ تَعَذَّرَ بِدُونِهِ
وَلَوْ عَصَرَ الثَّوْبَ في الْمَاءِ ولم يَرْفَعْهُ منه لم يَطْهُرْ حتى يُخْرِجَهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ قَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ يَطْهُرُ بِذَلِكَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
الرَّابِعَةُ لو غَسَلَ بَعْضَ الثَّوْبِ النَّجِسِ طَهُرَ ما غَسَلَ منه قال الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا لِمُلَاقَاتِهِ غير الْمَغْسُولِ قال بن حَمْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى فَإِنْ أَرَادَ غَسْلَ بَقِيَّتِهِ غَسَلَ ما لَاقَاهُ
الْخَامِسَةُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أو رِيحٍ أو هُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أو يَشُقُّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أو يَتَضَرَّرُ الْمَحَلُّ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْعَدَدِ وَقِيلَ يَضُرُّ بَقَاؤُهُمَا أو أَحَدِهِمَا وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُعْفَى عن اللَّوْنِ دُونَ الرِّيحِ لِأَنَّ قَلْعَ أَثَرِهِ أَعْسَرُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَطْهُرُ مع بَقَائِهِمَا أو بَقَاءِ أَحَدِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال جَمَاعَةٌ يُعْفَى عنه منهم الْقَاضِي في شَرْحِهِ وَقِيلَ في زَوَالِ لَوْنِهَا فَقَطْ وَجْهَانِ وَيَضُرُّ بَقَاءُ الطَّعْمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَضُرُّ
السَّادِسَةُ لو لم تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمِلْحٍ أو غَيْرِهِ مع الْمَاءِ لم يَجِبْ في ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَهُ في الْفُرُوعِ قال وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَذَكَرَهُ بن الزَّاغُونِيِّ في التُّرَابِ تَقْوِيَةً لِلْمَاءِ
قَوْلُهُ وَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ وَلَا بِجَفَافٍ أَيْضًا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ تَطْهُرُ في الْكُلِّ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ قال في الرِّعَايَةِ وَخَرَّجَ
____________________
(1/317)
لنا فِيهِمَا الطَّهَارَةَ إنْ زَالَ لَوْنُهَا وَأَثَرُهَا وَقِيلَ وَرِيحُهَا وَقِيلَ على الْأَرْضِ وقال بن تَمِيمٍ وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الطَّهَارَةَ بِذَلِكَ على التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِحَالَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إن غير الْأَرْضِ لَا تَطْهُرُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ تَطْهُرُ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ في حَبْلِ الْغَسِيلِ وَاخْتَارَ هذا الْقَوْلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وَإِحَالَةُ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ لِلنَّجَاسَةِ كَالشَّمْسِ وقال أَيْضًا إذَا أَزَالَهَا التُّرَابُ عن النَّعْلِ فَعَنْ نَفْسِهِ إذْ خَالَطَهَا وقال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
قَوْلُهُ وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ من النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ وَلَا بِنَارٍ أَيْضًا إلَّا الْخَمْرَةَ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَرُوهُ وَعَنْهُ بَلْ تَطْهُرُ وَهِيَ مُخْرَجَةٌ من الْخَمْرَةِ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَرَّجَهَا الْمَجْدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فَحَيَوَانٌ مُتَوَلِّدٌ من نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ وَصَرَاصِيرِ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ نَصَّ عليه وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ في نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِّرَ بِنَجَاسَةٍ وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ وَنَقَلَ حَرْبٌ لَا بَأْسَ قال في الْفُرُوعِ وَعَلَيْهَا يَخْرُجُ عَمَلُ زَيْتِ نَجِسٍ صَابُونًا وَنَحْوَهُ وَتُرَابُ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ فَإِنْ لم يَسْتَحِلَّ عفى عن يَسِيرِهِ في رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ تَنَجَّسَ التَّنُّورُ بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ فَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغُسْلُ وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ يُسَجَّرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى على ذلك
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَرِيحَةٌ في التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِحَالَةِ وَأَنَّ هذا من الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنْ يكتفي بِالْمَسْحِ إذَا لم يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّ نَجَاسَةَ الْجَلَّالَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ وقال فَلْيُتَأَمَّلْ ذلك فإنه
____________________
(1/318)
دَقِيقٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْقُصْرُمِلُّ وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَنَحْوُهَا نَجِسٌ وَعَلَى الثَّانِي طَاهِرٌ وَكَذَا ما تَصَاعَدَ من بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ ثُمَّ عَادَ فَتَقْطُرُ فإنه نَجِسٌ على الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ في الْهَوَاءِ كما يَتَصَاعَدُ بُخَارُ الْحَمَّامَاتِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ ما يَتَصَاعَدُ في الْحَمَّامَاتِ وَنَحْوِهَا طَهُورٌ أو يُخَرَّجُ على هذا الْخِلَافِ
قَوْلُهُ إلَّا الْخَمْرَةَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَمْرَةَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا تَطْهُرُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَحَكَى الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ لَا يَطْهُرُ إذَا انْقَلَبَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ فيه مَاءً وَقِيلَ لَا تَطْهُرُ الْخَمْرَةُ مُطْلَقًا
فَائِدَةٌ دَنُّ الْخَمْرِ مِثْلُهَا فَيَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فِيمَا لم يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ في غَلَيَانِهِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَإِنْ خُلِّلَتْ لم تَطْهُرْ
اعْلَمْ أَنَّ الْخَمْرَةَ يَحْرُمُ تَخْلِيلُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ فِيمَا يُلْقَى فيها فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَ وَفَعَلَ لم تَطْهُرْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ تَطْهُرُ وفي الْوَسِيلَةِ في آخِرِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ أنها تَحِلُّ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لو خُلِّلَتْ طَهُرَتْ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنْ خُلِّلَتْ كُرِهَ ولم تَطْهُرْ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو خُلِّلَتْ بِنَقْلِهَا من الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ أو بِالْعَكْسِ أو فُرِغَ من مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ أو أَلْقَى جَامِدًا فيها فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(1/319)
وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى واطلقهما في النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ في الْفَائِقِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ طَرِيقَةٌ مُوجَزَةٌ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى إحْدَاهُمَا لَا تَطْهُرُ وهو الْمَذْهَب وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ تَطْهُرُ كما لو نَقَلَهَا بِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيلِ وَتَخَلَّلَتْ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ تَطْهُرُ بِالنَّقْلِ فَقَطْ وهو أَصَحُّ ثُمَّ قال قُلْت وَكَذَا إنْ كَشَفَ الزِّقَّ فَتَخَلَّلَ بِشَمْسٍ أو ظِلٍّ
فَوَائِدُ
إحداها في جَوَازِ إمْسَاكِ خَمْرٍ لِيَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ في خَمْرَةِ الْخَلَّالِ دُونَ غَيْرِهَا وهو الصَّحِيحُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَشْهَرُ قال في الرِّعَايَةِ وهو أَظْهَرُ وَجَزَمَ بن تَمِيمٍ بِإِرَاقَةِ خَمْرِ الْخَلَّالِ وَأَطْلَقَ في خَمْرِ الْخَلَّالِ الوجهين ( ( ( الوجهان ) ) )
فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لو تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ طَهُرَ على الصَّحِيحِ قال في الْفُرُوعِ وَعَلَى الْمَنْعِ تَطْهُرُ على الْأَصَحِّ وَعَنْهُ لَا تَطْهُرُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لو اتَّخَذَهُ لِلْخَلِّ فَتَخَمَّرَ وَقُلْنَا يُرَاقُ فَأُمْسِكَ لِيَصِيرَ خَلًّا فَصَارَ خَلًّا فَفِي طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ وفي جَوَازِ إمْسَاكِ الْخَمْرِ لِيَصِيرَ خَلًّا وَجْهَانِ فَإِنْ جَازَ فَصَارَ خَلًّا طَهُرَ وَإِنْ لم يَجُزْ لم يَطْهُرْ انْتَهَى وَهُمَا وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
وَإِنْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلْخَمْرِ ولم يَتَخَمَّرْ وَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ فَفِي حِلِّهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ قَبْلَهُ
الثَّانِيَةُ الْخَلُّ الْمُبَاحُ أَنْ يُصَبَّ على الْعِنَبِ أو الْعَصِيرِ خَلٌّ قبل غَلَيَانِهِ حتى لَا يغلى نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
الثَّالِثَةُ الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ نَجِسَةٌ على الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
____________________
(1/320)
وَقِيلَ طَاهِرَةٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَوَاشِي وَقِيلَ نَجِسَةٌ إنْ أُمِيعَتْ وَإِلَّا فَلَا أَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَيَأْتِي حُكْمُ أَكْلِهَا في بَابِ حَدِّ الْمُسْكِرِ
قَوْلُهُ وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال أبو الْخَطَّابِ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ منها ما يَتَأَتَّى غَسْلُهُ مِثْلُ أَنْ تُصَبَّ في مَاءٍ كَثِيرٍ وَتُحَرَّكَ ثُمَّ تُتْرَكَ حتى تَطْفُوَ فَتُؤْخَذَ وَنَحْوَ ذلك وهو تَخْرِيجُ الْكَافِي ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْبَيْعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقِيلَ يَطْهُرُ زِئْبَقٌ بِالْغَسْلِ لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْجَامِدِ قَالَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَاقْتَصَرَ عليه جَمَاعَةٌ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فَيُعَايَى بها فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ تَطْهِيرُهُ ذَكَرَهُ في التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي في كِتَابِ الْبَيْعِ ما يَتَعَلَّقُ بِبَيْعِهِ
فَوَائِدُ
منها تَقَدَّمَ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْخِلَافُ في تَنْجِيسِ الْمَائِعَاتِ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَلَوْ كان جَامِدًا أُخِذَتْ منه النَّجَاسَةُ وما حَوْلَهَا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ وَحَدُّ الْجَامِدِ ما لم تَسْرِ النَّجَاسَةُ فيه على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وقال بن عَقِيلٍ حَدُّهُ ما لو كُسِرَ وِعَاؤُهُ لم تَسِلْ أَجْزَاؤُهُ وَرَدَّهُ الْأَصْحَابُ قال في الْفَائِقِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ ما لو قُوِّرَ لم يَلْتَئِمْ حَالًا
وَلَا يَطْهُرُ ما عَدَا الْمَاءَ وَالْأَدْهَانِ من الْمَائِعَاتِ بِالْغَسْلِ سِوَى الزِّئْبَقِ على ما تَقَدَّمَ فَلَا يَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ نُقِعَ في نَجَاسَةٍ بِتَكْرَارِ غَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ كُلَّ مَرَّةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالْعَجِينِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَطْهُرُ قال في الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وهو الْمُخْتَارُ
وَمِثْلُ ذلك خِلَافًا وَمَذْهَبًا الْإِنَاءُ إذَا تَشَرَّبَ نَجَاسَةً وَالسِّكِّينُ إذَا أُسْقِيَتْ مَاءً نَجِسًا وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ إذَا طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/321)
وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْأَقْوَى عِنْدِي طَهَارَتُهُ وَاعْتُبِرَ الْغَلَيَانُ وَالتَّجْفِيفُ وقال ذلك في مَعْنَى عَصْرِ الثَّوْبِ
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ في مَسْأَلَةِ الْجَلَّالَةِ طَهَارَةَ اللَّحْمِ وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ في ذلك كُلِّهِ عَدَدٌ قال بن تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ قال يُغْلَى اللَّحْمُ في مَاءٍ طَاهِرٍ وَتُجَفَّفُ الْحِنْطَةُ ثُمَّ تُغْسَلُ بَعْدَ ذلك مِرَارًا إنْ اعْتَبِرْنَا الْعَدَدَ وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى على هذه الرِّوَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ انْتَهَى
وَلَا يَطْهُرُ الْجِسْمُ الصَّقِيلُ بِمَسْحِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَطْهُرُ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هل يَطْهُرُ أو يُعْفَى عَمَّا بَقِيَ على وَجْهَيْنِ وَعَنْهُ تَطْهُرُ سِكِّينٌ من دَمِ ذَبِيحَةٍ بِمَسْحِهَا فَقَطْ وَيَطْهُرُ اللَّبِنُ وَالْآجُرُّ وَالتُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ كما لو كانت النَّجَاسَةُ أَعْيَانًا وَطُبِخَ ثُمَّ غُسِلَ ظَاهِرُهُ فإنه يَطْهُرُ وَكَذَا بَاطِنُهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إنْ سُحِقَ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَقِيلَ يَطْهُرُ بِالنَّارِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وإذا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ لَزِمَهُ غَسْلُ ما تَيَقَّنَ بِهِ إزَالَتَهَا
أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُمْ غَيْرُ الصَّحْرَاءِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ في الرِّعَايَةِ وَالنُّكَتِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ لَزِمَهُ غَسْلُ ما تَيَقَّنَ بِهِ إزَالَتَهَا
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَكْفِي الظَّنُّ في غَسْلِ الْمَذْيِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَكْفِي الظَّنُّ في غَسْلِ الْمَذْيِ وَغَيْرِهِ من النَّجَاسَاتِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تُخَرَّجَ رِوَايَةٌ في بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ من الرِّوَايَةِ التي في الْمَذْيِ وَذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْجَلَّالَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ ذلك بِالْمَذْيِ لِأَنَّهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على رِوَايَةٍ لَكِنْ لَازِمُ ذلك أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كل نَجَاسَةٍ يُعْفَى عن يَسِيرِهَا وهو مُلْتَزَمٌ انْتَهَى
قُلْت قال في النُّكَتِ وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على جَوَازِ التَّحَرِّي في غَيْرِ صَحْرَاءَ
____________________
(1/322)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ ويجزي ( ( ( ويجزئ ) ) ) في بَوْلِ الْغُلَامِ الذي لم يَأْكُلْ الطَّعَامَ النَّضْحُ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ أَنَّ بَوْلَهُ طَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ بَلْ هو ظَاهِرُهُ فإنه قال وما خَرَجَ من الْإِنْسَانِ من بَوْلٍ وَغَيْرِهِ فإنه نَجِسٌ إلَّا بَوْلَ الْغُلَامِ الذي لم يَأْكُلْ الطَّعَامَ فإنه يُرَشُّ عليه الْمَاءُ وَاخْتَارَهُ ابو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا لَكِنْ قال يُعِيدُ الصَّلَاةَ كما روى عن أبي عبد اللَّهِ إذَا صلى في ثَوْبٍ فيه مَنِيٌّ ولم يَغْسِلْهُ ولم يَفْرُكْهُ يُعِيدُ وَإِنْ كان طَاهِرًا قال الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ وَهَذَا بَعِيدٌ قال في الرِّعَايَةِ وهو غَرِيبٌ بَعِيدٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال قال الْقَاضِي عن هذا الْقَوْلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قُلْت فَيُعَايَى بها على قَوْلِ أبي إِسْحَاقَ
الثَّانِي مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ الذي لم يَأْكُلْ الطَّعَامَ يَعْنِي بِشَهْوَةٍ وَالنَّضْحُ غَمْرُهُ بِالْمَاءِ وَإِنْ لم يَقْطُرْ منه شَيْءٌ
قَوْلُهُ وإذا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أو الْحِذَاءِ وَجَبَ غَسْلُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وقال اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ
قُلْت منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وبن رَزِينٍ وَعَنْهُ يُغْسَلُ من الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَيُدَلَّكُ من غَيْرِهِمَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن عُبَيْدَانَ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقِيلَ يُجْزِئُ
____________________
(1/323)
دَلْكُهُ من الْيَابِسَةِ لَا الرَّطْبَةِ وَحَمَلَ الْقَاضِي الرِّوَايَاتِ على ما إذَا كانت النَّجَاسَةُ يَابِسَةً وقال إذَا دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ لم يُجْزِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَرَدَّهُ الْأَصْحَابُ وَأَطْلَقَ بن تَمِيمٍ في إلْحَاقِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ الْوَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ إلْحَاقُ طَرَفِ الْخُفِّ بِأَسْفَلِهِ قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ
قُلْت يَتَوَجَّهُ فيه وَجْهَانِ من نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ بِحَرْفِ الْكَفِّ على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا مَسُّهُ بِكَفِّهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ الدَّلْكُ لَا يُطَهِّرُهُ بَلْ هو مَعْفُوٌّ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا يُطَهِّرُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَنْجُسَانِ الْمَائِعُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الْمُذْهَبِ فَإِنْ وَقَعَا في مَاءٍ يَسِيرٍ تَنَجَّسَ على الصَّحِيحِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ لَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يَطْهُرُ قال في الرِّعَايَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ
قُلْت منهم بن حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن عُبَيْدَانَ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْكَافِي وبن تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ حُكْمُ حَكِّهِ بِشَيْءٍ حُكْمُ دَلْكِهِ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ غَيْرُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّلْكُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ في ذَيْلِ الْمَرْأَةِ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ كما نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بن سَعِيدٍ يَطْهُرُ بِمُرُورِهِ على طَاهِرٍ بِذَيْلِهَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال ذَيْلُ ثَوْبِ آدَمِيٍّ أو إزَارُهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
____________________
(1/324)
وَدَخَلَ في مَفْهُومِ كَلَامِهِ الرِّجْلُ إذَا تَنَجَّسَتْ لَا يُجْزِئُ دَلْكُهَا بِالْأَرْضِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ هي كَالْخُفِّ وَالْحِذَاءِ حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ قال في الْفَائِقِ قُلْت وَيَحْتَمِلُ في رِجْلِ الْحَافِي عَادَةً وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَلَا يُعْفَى عن يَسِيرٍ من النَّجَاسَاتِ إلَّا الدَّمَ وما تَوَلَّدَ منه من الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ
اعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ وما تَوَلَّدَ منه يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا
أَحَدُهَا دَمُ الْآدَمِيِّ وما تَوَلَّدَ منه من الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ سَوَاءٌ كان منه أو من غَيْرِهِ غَيْرُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وما خَرَجَ من السَّبِيلَيْنِ
الثَّانِي دَمُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لَحْمُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَفْوُ عنه وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ في هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْعَفْوُ عن يَسِيرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عنه فِيهِمَا وَقِيلَ لَا يُعْفَى عنه إلَّا إذَا كان من دَمِ نَفْسِهِ وهو احْتِمَالٌ في التَّلْخِيصِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ من الْمِدَّةِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ولم يَقُمْ دَلِيلٌ على نَجَاسَتِهِ حَكَى جَدُّهُ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ طَهَارَتَهُ وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِ شَيْءٍ من النَّجَاسَاتِ في الصَّلَاةِ حَكَاهُ بن الزَّاغُونِيِّ
الثَّالِثُ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يعفي عن يَسِيرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ وَالْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِإِطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عن الدَّمِ وَقِيلَ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
الرَّابِعُ الدَّمُ الْخَارِجُ من السَّبِيلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَفْوُ عن
____________________
(1/325)
يَسِيرِهِ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَمَاعَةٍ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْفَى عن ذلك اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وهو الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
الْخَامِسُ دَمُ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ الذي لَا يُؤْكَلُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ وَالْقَمْلِ وَنَحْوِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالتَّسْهِيلِ وبن رَزِينٍ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ فَإِنَّهُمَا قَالَا وما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وهو ظَاهِرُ ما قَطَعَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فإنه قال في الْمَعْفُوِّ عنه من حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِدَمِ الْآدَمِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ
السَّادِسُ دَمُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وفي الْفُرُوعِ احْتِمَالٌ بِالْعَفْوِ عنه كَغَيْرِهِ وقال في الْفَائِقِ في الْعَفْوِ عن دَمِ الْخِنْزِيرِ وَجْهَانِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عن الْيَسِيرِ فَمَحَلُّهُ في بَابِ الطَّهَارَةِ دُونَ الْمَائِعَاتِ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
الثَّانِيَةُ حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عن يَسِيرِهِ فَيُضَمُّ مُتَفَرِّقًا في ثَوْبٍ وَاحِدٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُضَمُّ بَلْ لِكُلِّ دَمٍ حُكْمٌ وَإِنْ كان في ثَوْبَيْنِ لم يُضَمَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بَلْ
____________________
(1/326)
لِكُلِّ دَمٍ حُكْمٌ وَقِيلَ يُضَمُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ ذَكَرَهُ في بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَيَأْتِي إذَا لَبِسَ ثِيَابًا في كل ثَوْبٍ قَدْرٌ من الْحَرِيرِ يُعْفَى عنه هل يُبَاحُ أو يُكْرَهُ في آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
الثَّالِثَةُ في الدِّمَاءِ الطَّاهِرَةِ الْمُخْتَلَفِ فيها وَالْمُتَّفَقِ عليها منها دَمُ عُرُوقِ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ نَصَّ عليه وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَنْفَكُّ عنه فَيَسْقُطُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ نَجَاسَتُهُ قال بن الْجَوْزِيِّ الْمُحَرَّمُ هو الدَّمُ الْمَسْفُوحُ ثُمَّ قال الْقَاضِي فَأَمَّا الدَّمُ الذي يَبْقَى في خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ وما يَبْقَى في الْعُرُوقِ فَمُبَاحٌ قال في الْفُرُوعِ ولم يذكر جَمَاعَةٌ إلَّا دَمَ الْعُرُوقِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فيه لَا أَعْلَمُ خِلَافًا في الْعَفْوِ عنه وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَرَقَ بَلْ يُؤْكَلُ مَعَهَا انْتَهَى
قُلْت وَمِمَّنْ قال بِطَهَارَةِ بَقِيَّةِ الدَّمِ الذي في اللَّحْمِ غَيْرِ دَمِ الْعُرُوقِ وَإِنْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالنَّاظِمُ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَغَيْرِهِمْ
وَمِنْهَا دَمُ السَّمَكِ وهو طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيُؤْكَلُ وَقِيلَ نَجِسٌ
وَمِنْهَا دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهَا وهو طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال قال بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُحَرَّرِ صَحَّحَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الِانْتِصَارِ في مَوْضِعٍ وَحَكَاهُ عن الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ الْمَجْدُ وَعَنْهُ نَجِسٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُذْهَبِ وبن عُبَيْدَانَ
____________________
(1/327)
وَمِنْهَا دَمُ الشَّهِيدِ وهو طَاهِرٌ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ نَجِسٌ وَعَلَيْهِمَا يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ فَيُعَايَى بها ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ في الْمَنْثُورِ وَقِيلَ طَاهِرٌ ما دَامَ عليه قَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
وَمِنْهَا الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَهُمَا دَمَانِ وَلَا خِلَافَ في طَهَارَتِهِمَا
وَمِنْهَا الْمِسْكُ وَاخْتُلِفَ مِمَّ هو فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُرَّةُ الْغَزَالِ وَقِيلَ هو من دَابَّةٍ في الْبَحْرِ لها أَنْيَابٌ قال في التَّلْخِيصِ فَيَكُونُ مِمَّا يُؤْكَلُ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ هو دَمُ الْغِزْلَانِ وهو طَاهِرٌ وَفَأْرَتُهُ أَيْضًا طَاهِرَةٌ على الصَّحِيحِ وقال الْأَزَجِيُّ فَأْرَتُهُ نَجِسَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ نَجَاسَةُ الْمِسْكِ لِأَنَّهُ جَزْءٌ من حَيَوَانٍ لَكِنَّهُ يَنْفَصِلُ بِطَبْعِهِ
وَمِنْهَا الْعَلَقَةُ التي يُخْلَقُ منها الْآدَمِيُّ أو حَيَوَانٌ طَاهِرٌ وَهِيَ طَاهِرَةٌ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وبن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ من الْفَرْجِ قال في الْمُغْنِي وَالصَّحِيحُ نَجَاسَتُهَا وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالشَّرْحِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ نَجِسَةٌ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُذْهَبُ وَحَكَاهُمَا بن عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت وَالْمُضْغَةُ كَالْعَلَقَةِ وَمِثْلُهَا الْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ على الصَّحِيحِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَقِيلَ نَجِسَةٌ قال الْمَجْدُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَلَقَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ نَجَاسَةُ بَيْضِ نَدٍّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ وَالْمِدَّةَ نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ طَهَارَةُ ذلك اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فقال لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ من الْمِدَّةِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ولم يَقُمْ دَلِيلٌ على نَجَاسَتِهِ انْتَهَى
____________________
(1/328)
وَأَمَّا مَاءُ الْقُرُوحِ فقال في الْفُرُوعِ هو نَجِسٌ في ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ وَإِلَّا فَلَا
قُلْت منهم صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ من الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْمِدَّةِ وَأَمَّا ما يَسِيلُ من الْفَمِ وَقْتَ النَّوْمِ فَطَاهِرٌ في ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَأَثَرُ الِاسْتِنْجَاءِ أَثَرُ الِاسْتِجْمَارِ يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ ذَكَرَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال لو قَعَدَ في مَاءٍ يَسِيرٍ نَجَّسَهُ أو عَرَقٍ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِالْكُلِّيَّةِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال بن عُبَيْدَانِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَامِدٍ وأبو حَفْصِ بن الْمُسْلِمَةِ الْعُكْبَرِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ في بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يُعْفَى عن عَرَقِ الْمُسْتَجْمِرِ في سَرَاوِيلِهِ نَصَّ عليه وَاسْتَدَلَّ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ بِالنَّصِّ على أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ طَاهِرٌ لَا أَنَّهُ نَجِسٌ وَيُعْفَى عنه وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عنه إلَّا في مَحَلِّهِ وَلَا يُعْفَى عنه في سَرَاوِيلِهِ
قَوْلُهُ وَعَنْهُ في الْمَذْيِ وَالْقَيْءِ وَرِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالطَّيْرِ وَعِرْقِهِمَا وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ وَالنَّبِيذِ وَالْمَنِيِّ أَنَّهُ كَالدَّمِ
يُعْفَى عن يَسِيرِهِ كَالدَّمِ على هذه الرِّوَايَةِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِ شَيْءٍ من ذلك
وَأَمَّا الْمَذْيُ فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(1/329)
وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ خُصُوصًا في حَقِّ الشَّابِّ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن عُبَيْدَانِ
تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَذْيَ نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ فَيُغْسَلُ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعَنْهُ في الْمَذْيِ أَنَّهُ يُجْزِئُ فيه النَّضْحُ فَيَصِيرُ طَاهِرًا بِهِ كَبَوْلِ الْغُلَامِ الذي لم يَأْكُلْ الطَّعَامَ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُحَرَّرِ صَحَّحَهَا بن عَقِيلٍ في إشَارَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ قُلْنَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ فَيُنَجَّسُ وَإِنْ قُلْنَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ فَلَهُ حُكْمُهُ انْتَهَى وَعَنْهُ ما يَدُلُّ على طَهَارَتِهِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ في نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ يُغْسَلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ إذَا خَرَجَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَالْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَعَنْهُ يُغْسَلُ جَمِيعُ الذَّكَرِ فَقَطْ ما أَصَابَهُ الْمَذْيُ وما لم يُصِبْهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها على هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ
وَعَنْهُ لَا يُغْسَلُ إلَّا ما أَصَابَهُ الْمَذْيُ فَقَطْ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانِ وَهِيَ أَظْهَرُ أَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
____________________
(1/330)
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى تُجْزِئُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ وزاد إنْ لم يُلَوِّثْهُمَا الْمَذْيُ نَصَّ عليه
وَأَمَّا الْقَيْءُ فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْإِفَادَاتِ قال الْقَاضِي يُعْفَى عن يَسِيرِ الْقَيْءِ وما لَا يَنْقُضُ خُرُوجُهُ كَيَسِيرِ الدُّودِ وَالْحَصَى وَنَحْوِهِمَا إذَا خَرَجَ من غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في النَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانِ
وَأَمَّا رِيقُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعِرْقُهُمَا على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِمَا فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ قال الْخَلَّالُ وَعَلَيْهِ مَذْهَبُ أبي عبد اللَّهِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هو الظَّاهِرُ عن أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَغَيْرُهُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانِ
وَأَمَّا رِيقُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالطَّيْرِ وَعِرْقِهَا على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بِنَاءً على رِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعِرْقِهِمَا وَأَوْلَى وهو الذي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي في مَوْضِعٍ
____________________
(1/331)
وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ بِالْعَفْوِ عن يَسِيرِ رِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَكَذَلِكَ ما كان في مَعْنَاهُمَا من سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في أَرْوَاثِهَا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في سِبَاعِ الطَّيْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانِ
وَأَمَّا بَوْلُ الْخُفَّاشِ وَكَذَا الْخِشَافُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وَكَذَا الْخُطَّافُ قَالَهُ في الْفَائِقِ فَلَا يُعْفَى عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانِ
وَأَمَّا النَّبِيذُ النَّجِسُ فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ في الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانِ
وَأَمَّا الْمَنِيُّ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ فَلَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا ظَاهِرُ النَّصِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ
____________________
(1/332)
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا قُلْنَا هو نَجِسٌ هل يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ مُطْلَقًا أو من الرَّجُلِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِ شَيْءٍ من النَّجَاسَاتِ غَيْرِ ما تَقَدَّمَ وَثَمَّ مَسَائِلُ
منها دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِمَا يُعْفَى عن ذلك على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ
وَمِنْهَا بَقِيَّةُ دَمِ اللَّحْمِ الْمَأْكُولِ من غَيْرِ الْعُرُوقِ يُعْفَى عنه على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ على ما تَقَدَّمَ
وَمِنْهَا يَسِيرُ النَّجَاسَةِ إذَا كانت على أَسْفَلِ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ بَعْدَ الدَّلْكِ يُعْفَى عنه على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ
وَمِنْهَا يَسِيرُ سَلَسِ الْبَوْلِ مع كَمَالِ التَّحَفُّظِ يُعْفَى عنه قال النَّاظِمُ قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْعَفْوِ وَعَلَى قِيَاسِهِ يَسِيرُ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ
وَمِنْهَا يَسِيرُ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا يُعْفَى عنه ما لم تَظْهَرْ له صِفَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَالنَّظْمِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ يُعْفَى عن ذلك ما لم يَتَكَاثَفْ زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ ما لم يَجْتَمِعْ منه شَيْءٌ وَيَظْهَرْ له صِفَةٌ وَقِيلَ أو تَعَذَّرَ أو تَعَسَّرَ التَّحَرُّزُ منه وَأَطْلَقَ أبو الْمَعَالِي الْعَفْوَ عن غُبَارِ النَّجَاسَةِ ولم يُقَيِّدْهُ بِالْيَسِيرِ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ وَقِيلَ لَا يُعْفَى عن يَسِيرِ ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ غُبَارٌ نَجِسٌ من طَرِيقٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ في الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ النَّجَاسَةَ بِهِ
وَمِنْهَا يَسِيرُ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِمَا يُعْفَى عنه في رِوَايَةٍ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ
____________________
(1/333)
وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ بن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عنه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وزاد وَمَنِيُّهُ وقيئه ( ( ( وقيؤه ) ) ) وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى في الْفَائِقِ
وَمِنْهَا يَسِيرُ بَوْلِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَرَوْثِهِمَا وَكَذَا يَسِيرُ بَوْلِ كل بَهِيمٍ نَجِسٍ أو طَاهِرٍ لَا يوكل وَيَنْجُسُ بِمَوْتِهِ لَا يُعْفَى عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُعْفَى عنه وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ في رَوْثِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
وَمِنْهَا يَسِيرُ نَجَاسَةِ الْجَلَّالَةِ قبل حَبْسِهَا لَا يُعْفَى عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُعْفَى عنه وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَمِنْهَا يَسِيرُ الْوَدْيِ لَا يُعْفَى عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يعفي عنه رِوَايَةً في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فيها وبن تَمِيمٍ
وَمِنْهَا ما قَالَهُ في الرِّعَايَةِ يُعْفَى عن يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عفى عنه من دَمٍ وَنَحْوِهِ في الْأَصَحِّ وَاخْتَارَ الْعَفْوَ عن يَسِيرِ ما لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ ثُمَّ قال وَقِيلَ إنْ سَقَطَ ذُبَابٌ على نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ ثُمَّ وَقَعَ في مَائِعٍ أو رَطْبٍ نَجِسٍ وَإِلَّا فَلَا إنْ مَضَى زَمَنٌ يَجِفُّ فيه وَقِيلَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه غَالِبًا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْعَفْوَ عن يَسِيرِ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا في الْأَطْعِمَةِ وغيرها ( ( ( وغيرهم ) ) ) حتى بَعْرِ الْفَأْرِ قال في الْفُرُوعِ وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ النَّظْمِ
قُلْت قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت الْأَوْلَى الْعَفْوُ عنه في الثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ وَلَا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ في عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ خُصُوصًا في الطَّوَاحِينِ وَمَعَاصِرِ السُّكَّرِ وَالزَّيْتِ وهو أَشَقُّ صِيَانَةً من سُؤْرِ الْفَأْرِ وَمِنْ دَمِ الذُّبَابِ وَنَحْوِهِ وَرَجِيعِهِ وقد اخْتَارَ طَهَارَتَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ انْتَهَى
____________________
(1/334)
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا قُلْت يُعْفَى عن يَسِيرِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فيه لِأَجْلِ الْخِلَافِ فيه فَالْخِلَافُ في الْكَلْبِ أَظْهَرُ وَأَقْوَى انْتَهَى
وَأَمَّا طِينُ الشَّوَارِعِ فما ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ من ذلك فَهُوَ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ هو طاهر ( ( ( ظاهر ) ) ) ما لم تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ طَاهِرٌ نَصَّ عليه أَحْمَدُ في مَوَاضِعَ وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْمَذْهَبَ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ وهو الطَّهَارَةُ في الْأَعْيَانِ كُلِّهَا قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَطِينُ الشَّوَارِعِ طَاهِرٌ إنْ جُهِلَ حَالُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالنَّظْمِ وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ قال بن تَمِيمٍ اخْتَارَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَعَلَيْهَا يُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ في الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وهو احْتِمَالُ من عِنْدَهُ فيه اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ لَا يُعْفَى عنه قال في التَّلْخِيصِ ولم أَعْرِفْ لِأَصْحَابِنَا فيه قَوْلًا صَرِيحًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عنه وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهِمِّ أَنَّ بن تَمِيمٍ قال إذَا كان الشِّتَاءُ فَفِي نَجَاسَةِ الْأَرْضِ رِوَايَتَانِ فإذا جاء الصَّيْفُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً فَإِنْ عُلِمَ نَجَاسَتُهَا فَهِيَ نَجِسَةٌ وَيُعْفَى عن يَسِيرِهِ على الصَّحِيحِ من الْوَجْهَيْنِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّوَارِعِ عُفِيَ عن يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عنه ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يُعْفَى عنه وَقِيلَ يُعْفَى عن يَسِيرِهِ إنْ شُقَّ وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ أَنَّ تُرَابَ الشَّارِعِ طَاهِرٌ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال هو أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ
تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَفْوِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّهُ في الْجَامِدَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ إلَّا عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فإن عِنْدَهُ يُعْفَى عن يَسِيرِ النَّجَاسَاتِ في الْأَطْعِمَةِ أَيْضًا كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا
____________________
(1/335)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا ما يُعْفَى عن يَسِيرِهِ يُعْفَى عن أَثَرِ كَثِيرِهِ على جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ
الثَّانِيَةُ حَدُّ الْيَسِيرِ هُنَا ما لم يُنْقِضْ الْوُضُوءَ وَحَدُّ الْكَثِيرِ ما نَقَضَ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ من الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ فما لم يُنْقِضْ هُنَاكَ فَهُوَ يَسِيرٌ هُنَا وما نَقَضَ هُنَاكَ فَهُوَ كَثِيرٌ هُنَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ مُشْكِلٌ يَأْتِي بَيَانُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ وَلَكِنْ قَدَّمَ في الْفَائِقِ هُنَا ما يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ ما فَحُشَ في أَنْفُسِ أَوْسَاطِ الناس وَقَدَّمَ في الْمُسْتَوْعِبِ هُنَاكَ ما فَحُشَ في النَّفْسِ وَقَدَّمَ هُنَا الْيَسِيرَ ما دُونَ شِبْرٍ في شِبْرٍ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ بن عُبَيْدَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَعْضَ الْأَقْوَالِ التي في الْمَسْأَلَةِ هُنَا وَقِيلَ الْكَثِيرُ ما يُنْقِضُ الْوُضُوءَ وقال في نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَعَنْهُ الْكَثِيرُ ما لَا يُعْفَى عنه في الصَّلَاةِ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا أَنَّ الْكَثِيرَ ما فَحُشَ في نُفُوسِ أَوْسَاطِ الناس كما قَدَّمَهُ هُنَاكَ وَقَدَّمَ بن تَمِيمٍ في الْمَوْضِعَيْنِ ما فَحُشَ في نَفْسِ كل إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ وَعَنْهُ الْيَسِيرُ ما دُونَ شِبْرٍ في شِبْرٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ كما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ ما دُونَ قَدْرِ الْكَفِّ وَعَنْهُ ما دُونَ فِثْرٍ في فتر ( ( ( فثر ) ) ) وهو قَوْلٌ في الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ هو الْقَطْرَةُ وَالْقَطْرَتَانِ وما زَادَ عَلَيْهِمَا فَكَثِيرٌ وَعَنْهُ الْيَسِيرُ ما دُونَ ذِرَاعٍ في ذِرَاعٍ حَكَاهَا أبو الْحُسَيْنِ وَعَنْهُ ما دُونَ قَدَمٍ وَعَنْهُ ما يَرْفَعُهُ الْإِنْسَانُ بِأَصَابِعِهِ الْخَمْسِ وَعَنْهُ هو قَدْرُ عَشَرِ أَصَابِعَ حَكَاهَا بن عُبَيْدَانِ وقال بن أبي مُوسَى ما فَحُشَ في نَفْسِ الْمُصَلِّي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ معه وما لم يَفْحُشْ إنْ بَلَغَ الْفِتْرَ لم تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ
قُلْت هذه الْأَقْوَالُ التِّسْعَةُ الضَّعِيفَةُ لَا دَلِيلَ عليها وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْكَثِيرَ
____________________
(1/336)
ما فَحُشَ في النَّفْسِ وَالْيَسِيرُ ما لم يَفْحُشْ في النَّفْسِ لَكِنْ هل كُلُّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ أو الِاعْتِبَارُ بِأَوْسَاطِ الناس على ما تَقَدَّمَ في بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ
تَنْبِيهَاتٌ
أحدها قال في الْفُرُوعِ وَالْيَسِيرُ قَدْرُ ما نُقِضَ وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْيَسِيرَ قَدْرُ ما لم يُنْقَضْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَالْكَثِيرُ قَدْرُ ما نُقِضَ وَحَصَلَ سَبْقُ قَلَمٍ فَكَتَبَ وَالْيَسِيرُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ما لم يُنْقَضْ وَسَقَطَ لَفْظُ لم قال شَيْخُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ قَدْرُ مُنَوَّنَةٌ وما نَافِيَةٌ فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وهو بَعِيدٌ
الثَّانِي مَحَلُّ الْخِلَافِ هُنَا في الْيَسِيرِ عِنْدَ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَان في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في الدَّمِ وَنَحْوِهِ لَا غَيْرُ قال بن تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ كَثِيرُ الْقَيْءِ مِلْءُ الْفَمِ وَعَنْهُ نِصْفُهُ وَعَنْهُ ما زَادَ على النَّوَاةِ وَعَنْهُ هو كَالدَّمِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ وَمِلْءُ الْفَمِ ما يَمْتَنِعُ الْكَلَامُ معه في وَجْهٍ وفي آخَرَ ما لم يُمْكِنْ إمْسَاكُهُ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي في مُقْنِعِهِ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمَا شُمُولُ غَيْرِ الدَّمِ مِمَّا يُمْكِنُ وُجُودُهُ كَالْقَيْءِ وَنَحْوِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا وَسَوَاءٌ جُمْلَتُهُ وَأَطْرَافُهُ وَأَبْعَاضُهُ وَقَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ في بَعْضِ كُتُبِهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي لم يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بين الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْآدَمِيَّةِ وفي الْحَيَاةِ وَعَنْهُ يَنْجُسُ مُطْلَقًا فَعَلَيْهَا قال شَارِحُ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْجُسُ الشَّهِيدُ بِالْقَتْلِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَقِيلَ يَنْجُسُ الْكَافِرُ دُونَ الْمُسْلِمِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يَنْجُسُ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ على كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ في الْمُسْلِمِ
____________________
(1/337)
وَلَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَبَدًا كَالشَّاةِ وَخَصَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْخِلَافَ بِالْمُسْلِمِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ في الْكَافِرِ وَعَنْهُ يَنْجُسُ طَرْفُ الْآدَمِيِّ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا صَحَّحَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَأَبْطَلَ قِيَاسَ الْجُمْلَةِ على الطَّرْفِ في النَّجَاسَةِ بِالشَّهِيدِ فإنه يَنْجُسُ طَرْفُهُ بِقَطْعِهِ وَلَوْ قُتِلَ كان طَاهِرًا لِأَنَّ لِلْجُمْلَةِ من الْحُرْمَةِ ما ليس لِلطَّرْفِ بِدَلِيلِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لو وَقَعَ في مَاءٍ فَغَيَّرَهُ لم يَنْجُسْ الْمَاءُ ذَكَرَهُ في الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ وَاقْتَصَرَ عليه بن تَمِيمٍ
قُلْت فَيُعَايَى بها على قَوْلِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ
وقال بن عَقِيلٍ قال أَصْحَابُنَا رِوَايَةُ التَّنْجِيسِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ كَثْرَةُ الْمَاءِ الْخَارِجِ يَخْرُجُ منه لَا لِنَجَاسَةٍ في نَفْسِهِ قال وَلَا يَصِحُّ كما لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانِ وَيَأْتِي إذَا سَقَطَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه لَا خِلَافَ فيه قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قُلْت وَعَلَى قِيَاسِهِ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه
قَوْلُهُ وما لَا نَفْسَ له سَائِلَةٌ
يَعْنِي لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إذَا لم يَتَوَلَّدْ من النَّجَاسَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَنْجُسُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أو لم يَكُنْ يُؤْكَلُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لَا يُكْرَهُ ما مَاتَ فيه وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْكَرَاهَةِ
وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لَا يَنْجُسُ ما مَاتَ فيه على الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يَنْجُسُ إنْ شَقَّ التَّحَرُّزُ منه وَإِلَّا تَنَجَّسَ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وقال جَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الذُّبَابَ وَالْبَقَّ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَنْجُسُ ما مَاتَ فيه على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعُ وَقِيلَ لَا يُنَجِّسُهُ
____________________
(1/338)
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ لَا يُنَجِّسُهُ إنْ شَقَّ التَّحَرُّزُ منه وَإِلَّا نُجِّسَ قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يَنْجُسُ إنْ لم يُؤْكَلْ فَيَنْجُسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ في الْأَصَحِّ إنْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ منه غَالِبًا
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ كَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِ فَنَحْوُ الذُّبَابِ الْبَقُّ وَالْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ وَالزَّنَابِيرُ وَالسَّرَطَانُ وَالْقَمْلُ وَالْبَرَاغِيثُ وَالنَّحْلُ وَالنَّمْلُ وَالدُّودُ وَالصَّرَاصِيرُ وَالْجُعَلُ وَنَحْوُ ذلك وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَزَغَ لها نَفْسٌ سَائِلَةٌ نَصَّ عليه كَالْحَيَّةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ ليس لها نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ وفي تَنْجِيسِ الْوَزَغِ وَدُودِ الْقَزِّ وَبِزْرِهِ وَجْهَانِ
فَائِدَةٌ إذَا مَاتَ في الْمَاءِ الْيَسِيرِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ هل يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا لم يَنْجُسْ الْمَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لم يَنْجُسْ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ وهو الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ يَنْجُسُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وبن عُبَيْدَانَ وَكَذَا الْحُكْمُ لو وُجِدَ فيه رَوْثَةٌ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في كِتَابِ الطَّهَارَةِ
قَوْلُهُ وَبَوْلُ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَنْجُسُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرَّوْثِ وَالْبَوْلِ في الْهِدَايَةِ
فَائِدَةٌ قال في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ الْإِبِلِ لِلْأَثَرِ
____________________
(1/339)
وَإِنْ قُلْنَا هو نَجِسٌ وقال في الْآدَابِ يَجُوزُ شُرْبُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِلضَّرُورَةِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَأَمَّا شُرْبُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فقال في رِوَايَةِ أبي دَاوُد أَمَّا من عِلَّةٍ فَنَعَمْ وَأَمَّا رَجُلٌ صَحِيحٌ فَلَا يُعْجِبُنِي قال الْقَاضِي في كِتَابِ الطِّبِّ يَجِبُ حَمْلُهُ على أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا على طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ أو على رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ وَأَمَّا على رِوَايَةِ طَهَارَتِهِ فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ انْتَهَى وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا لِغَيْرِ التَّدَاوِي قال في الْآدَابِ وهو أَشْهَرُ وَيَأْتِي هذا وَغَيْرُهُ في أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَوْلَ السَّمَكِ وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ وهو صَحِيحٌ لَكِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ لم يَحْكِ في طَهَارَتِهِ خِلَافًا وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا بِنَجَاسَتِهِ وفي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ بِنَجَاسَتِهِ
الثَّانِي مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ بَوْلَ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ إذَا كان طَاهِرًا نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنِيَّ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا كان طَاهِرًا نَجِسٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ طَاهِرٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَمَحَلُّ هذا في غَيْرِ ما لَا نَفْسَ له سَائِلَةٌ فَإِنْ كان مِمَّا لَا نَفْسَ له سَائِلَةٌ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ في قَوْلِنَا قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وقال وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ نَجَاسَتُهُ إذَا لم يَكُنْ مَأْكُولًا
قَوْلُهُ وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَرُوهُ سَوَاءٌ كان من احْتِلَامٍ أو جِمَاعٍ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ لَا يَجِبُ فيه فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ وقال أبو إِسْحَاقَ يَجِبُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَعَادَ ما صلى فيه قبل ذلك وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ يُجْزِئُ
____________________
(1/340)
فَرْكُ يَابِسِهِ وَمَسْحُ رَطْبِهِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ يجزى ( ( ( يجزئ ) ) ) فَرْكُ يَابِسِهِ من الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ قَدَّمَهَا في الْفَرْكِ في الْحَاوِي وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْبَوْلِ فَلَا يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ وَقَطَعَ بِهِ بن عَقِيلٍ في مَنِيِّ الْخَصِيِّ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ وَقِيلَ مَنِيُّ الْجِمَاعِ نَجِسٌ دُونَ مَنِيِّ الِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ دُونَ مَنِيِّ الرَّجُلِ حَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَنِيُّ الْمُسْتَجْمِرِ نَجِسٌ دُونَ غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَدْيَ نَجِسٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْمَذْيِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْهِدَايَةِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَذْيِ قَرِيبًا وَحُكْمُ الْمَعْفُوِّ عنه وَعَنْ الْوَدْيِ
قَوْلُهُ وفي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رِوَايَتَانِ
أَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ ذَكَرَهُ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا هو طَاهِرٌ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ في شُرُوحِهِمْ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ نَجِسَةٌ اخْتَارَهَا أبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال الْقَاضِي ما أَصَابَ منه في حَالِ الْجِمَاعِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ من الْمَذْيِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ بَلْغَمُ الْمَعِدَةِ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَقِيلَ كَالْقَيْءِ
وَأَمَّا بَلْغَمُ الرَّأْسِ إذَا انْعَقَدَ وَازْرَقَّ وَبَلْغَمُ الصَّدْرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/341)
طَهَارَتُهُمَا قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ طَهَارَتُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ الْفَائِقُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَقِيلَ فِيهِمَا الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ في بَلْغَمِ الْمَعِدَةِ
قُلْت ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَقِيلَ بَلْغَمُ الصَّدْرِ نَجِسٌ جَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَقِيلَ بَلْغَمُ الصَّدْرِ إنْ انْعَقَدَ وَازْرَقَّ كَالْقَيْءِ وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هل يَنْقُضُ خُرُوجُ الْبَلْغَمِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ نَجِسَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ في الْجَمِيعِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قال في الْمُذْهَبِ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أنها طَاهِرَةٌ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وبن تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ
قُلْت وهو الصَّحِيحُ وَالْأَقْوَى دَلِيلًا
وَعَنْهُ في الطَّيْرِ لَا يُعْجِبُنِي عَرَقُهُ إنْ أَكَلَ الْجِيَفَ فَدَلَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ لِأَكْلِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَالَ إلَيْهِ وَعَنْهُ سُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فيه فَيَتَيَمَّمُ معه لِلْحَدَثِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ وَلِلنَّجِسِ فَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ وَتَيَمَّمَ صلى بِهِ وهو لُبْسٌ على طَهَارَةٍ لَا يصلى بها فَيُعَايَى بها وقال بن عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّيَمُّمِ وَأَنْ يصلى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَاةً لِيُؤَدِّيَ فَرْضَهُ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ كان نَجِسًا تَأَدَّى فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كان طَاهِرًا كانت الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ ولم يَضُرَّهُ فَسَادُ الْأُولَى أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ تَيَمَّمَ ثُمَّ صلى لم يَتَيَقَّنْ الصِّحَّةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صلى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَهَذَا
____________________
(1/342)
أَصَحُّ عِنْدِي وَمَتَى تَيَمَّمَ معه ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ دُونَ وُضُوئِهِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
تَنْبِيهَانِ
أحدهما ( ( ( أحداهما ) ) ) قَوْلُهُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ مُرَادُهُ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُمَا نَجِسَانِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُ بِدَلِيلِ ما ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الْهِرِّ وما دُونَهَا في الْخِلْقَةِ بِدَلِيلِ ما يَأْتِي بَعْدَهُ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِهِ دُخُولُ شَعْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ في ذلك وَأَنَّهُ نَجِسٌ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وغيرهم ( ( ( وغيرهما ) ) ) قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وبن تَمِيمٍ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ كُلُّ حَيَوَانٍ حُكْمُ شَعْرِهِ حُكْمُهُ في الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْآنِيَةِ وَتَقَدَّمَ ذلك مُسْتَوْفًى في آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ
فَائِدَةٌ لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ بِلَا نِزَاعٍ وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ نَجِسٌ وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ قِيلَ نَجِسٌ وَنَقَلَهُ أبو طَالِبٍ في لَبَنِ حِمَارٍ قال الْقَاضِي هو قِيَاسُ قَوْلِهِ في لَبَنِ السِّنَّوْرِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ طَاهِرٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحُكْمُ بَيْضِهِ حُكْمُ لَبَنِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِمَا لَا يُؤْكَلَانِ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي
قَوْلُهُ وَسُؤْرُ الْهِرِّ وما دُونَهَا في الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ
وهو بَقِيَّةُ طَعَامِ الْحَيَوَانِ وَشَرَابِهِ وهو مَهْمُوزٌ يَعْنِي أنها وما دُونَهَا طَاهِرٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ فِيمَا دُونَ الْهِرِّ من الطَّيْرِ وَقِيلَ وَغَيْرُهُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الطَّيْرِ بن تَمِيمٍ
____________________
(1/343)
قال الزَّرْكَشِيُّ الْوَجْهُ بِنَجَاسَتِهِ ضَعِيفٌ قال الْآمِدِيُّ سُؤْرُ ما دُونَ الْهِرِّ طَاهِرٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا بِنَجَاسَةِ شَعْرِ الْهِرِّ الْمُنْفَصِلِ في حَيَاتِهَا
فَوَائِدُ
إحداها لَا يُكْرَهُ سُؤْرُ الْهِرِّ وما دُونَهَا في الْخِلْقَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه في الْهِرِّ وَالْفَأْرِ وَقَدَّمَهُ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهَا تَطُوفُ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ منها كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّ مِثْلَ الْهِرِّ كَالْهِرِّ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ سُؤْرُ الْفَأْرِ لِأَنَّهُ ينسى وَحَكَى رِوَايَةً قال في الْحَاوِيَيْنِ وَسُؤْرُ الْفَأْرِ مَكْرُوهٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قال في الرِّعَايَتَيْنِ يُكْرَهُ في الْأَشْهَرِ وَأَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ في كَرَاهَةِ سُؤْرِ ما دُونَ الْهِرِّ رِوَايَتَيْنِ
الثَّانِيَةُ لو وَقَعَتْ هِرَّةٌ أو فَأْرَةٌ أو نَحْوُهَا مِمَّا يَنْضَمُّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ في مَائِعٍ فَخَرَجَتْ حَيَّةً فَهُوَ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ لَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو وَقَعَتْ في جَامِدٍ وَإِنْ وَقَعَتْ وَمَعَهَا رُطُوبَةٌ في دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ أُلْقِيَتْ وما حَوْلَهَا وَإِنْ اخْتَلَطَ ولم يَنْضَبِطْ حَرُمَ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ما حَدُّ الْجَامِدِ من الْمَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ في آخِرِ ما يُعْفَى عنه
الثَّالِثَةُ لو أَكَلَتْ الْهِرَّةُ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ في مَاءٍ يَسِيرٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذلك بَعْدَ غَيْبَتِهَا أو قَبْلَهَا فَإِنْ كان بَعْدَهَا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ نَجِسٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ
____________________
(1/344)
وَغَيْرِهِمْ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالْأَقْوَى عِنْدِي أنها إنْ وَلَغَتْ عَقِيبَ الْأَكْلِ نَجِسٌ وَإِنْ كان بَعْدَهُ بِزَمَنٍ يَزُولُ فيه أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِالرِّيقِ لم يَنْجُسْ قال وَكَذَلِكَ يَقْوَى عِنْدِي جَعْلُ الرِّيقِ مُطَهِّرًا أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وكل ( ( ( كل ) ) ) بَهِيمَةٍ طَاهِرَةٍ كَذَلِكَ انْتَهَى وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ في الْفَائِقِ أَنَّ أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ وَالْبَهَائِمِ طَاهِرَةٌ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَقَلَ أَنَّ ابْنَةَ الْمُوَفَّقِ نَقَلَتْ أَنَّ أَبَاهَا سُئِلَ عن أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ فقال الشَّيْخُ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْهِرَّةِ إنَّهَا من الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ قال الشَّيْخُ هُمْ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ قال فَشَبَّهَ الْهِرَّ بِهِمْ في الْمَشَقَّةِ انْتَهَى وَقِيلَ طَاهِرٌ إنْ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ وُرُودُهَا على ما يُطَهِّرُ فَمَهَا وَإِلَّا فَنَجِسٌ وَقِيلَ طَاهِرٌ إنْ كانت الْغَيْبَةُ قَدْرَ ما يُطَهِّرُ فَمَهَا وَإِلَّا فَنَجِسٌ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ كان الْوُلُوغُ قبل غَيْبَتِهَا فَقِيلَ طَاهِرٌ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال الْآمِدِيُّ هذا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَقِيلَ نَجِسٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمَجْدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ
الرَّابِعَةُ سُؤْرُ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ مُطْلَقًا وَعَنْهُ سُؤْرُ الْكَافِرِ نَجِسٌ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال وَقِيلَ إنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ غَالِبًا أو تَدَيَّنَ بها أو كان وَثَنِيًّا أو مَجُوسِيًّا أو يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ النَّجِسَةَ فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ مَشْهُورَةٌ مُخْتَارَةٌ لِكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ
الْخَامِسَةُ يُكْرَهُ سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ إذَا لم تَكُنْ مَضْبُوطَةً نَصَّ عليه قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ رِوَايَةٌ بِأَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ طَاهِرٌ وَيَخْرُجُ من ذلك في كل حَيَوَانٍ نَجِسٍ
____________________
(1/345)
بَابُ الْحَيْضِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ هو دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ
الْحَيْضُ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ من قَعْرِهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ في أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ على صِفَةٍ خَاصَّةٍ مع الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ لحكمة ( ( ( لحكم ) ) ) تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ إنْ كانت حَامِلًا وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ وَعِنْدَ الْوَضْعِ يَخْرُجُ ما فَضَلَ عن غِذَاءِ الْوَلَدِ ثُمَّ يَقْلِبُهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ الْوَلَدُ وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ مُرْضِعٌ فإذا خَلَتْ من حَمْلٍ وَرَضَاعٍ بَقِيَ ذلك الدَّمُ لَا مَصْرِفَ له فَيَخْرُجُ على حَسَبِ الْعَادَةِ
وَالنِّفَاسُ خُرُوجُ الدَّمِ من الْفَرْجِ لِلْوِلَادَةِ
وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَخْرُجُ من عِرْقٍ فَمُ ذلك الْعِرْقِ في أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالْعَاذِرَ لُغَةً فيه حَكَاهُمَا بن سِيدَهْ
وَالْمُسْتَحَاضَةُ من عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَالدَّمُ الْفَاسِدُ أَعَمُّ من ذلك
الثَّانِيَةُ الْمَحِيضُ مَوْضِعُ الْحَيْضِ على الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ زَمَنُهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وقال قَوْمٌ الْمَحِيضُ الْحَيْضُ فَهُوَ مَصْدَرٌ وقال بن عَقِيلٍ وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْمَحِيضِ الْحَيْضُ أو مَوْضِعُهُ إنْ قُلْنَا هو مَكَانَهُ اخْتَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا هو اسْمٌ لِلدَّمِ جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى ما عَدَاهُ
قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا قِيلَ لِأَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا قال لَا هذا خِلَافُ السُّنَّةِ وَيَأْتِي في أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ هل تَقْضِي النُّفَسَاءُ إذَا طَرَحَتْ نَفْسَهَا قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَكُونُ لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ قال وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ فَيُعَايَى بها انْتَهَى
____________________
(1/346)
قُلْت وفي هذه الْمُعَايَاةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ
قال في النُّكَتِ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ بِهِ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قُلْت صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَيَأْتِي قَرِيبًا وَجْهٌ أنها إذَا تَوَضَّأَتْ لَا تُمْنَعُ من اللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ وهو دَلِيلٌ على أَنَّ الْوُضُوءَ منها يُفِيدُ حُكْمًا وَتَقَدَّمَ هل يَصِحُّ الْغُسْلُ مع قِيَامِ الْحَيْضِ في بَابِ الْغُسْلِ
قَوْلُهُ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
تُمْنَعُ الْحَائِضُ من قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا تُمْنَعُ منه وَحَكَى رِوَايَةً قال في الرِّعَايَةِ وهو بَعِيدُ الْأَثَرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَنَعَ من قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وقال إنْ ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا في الْفَائِقِ وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ لها وَلِلْجُنُبِ وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ وَهِيَ أَشَدُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَقَدَّمَ تَفَاصِيلُ ما يَقْرَأُ من لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَهِيَ منهم في أَثْنَاءِ بَابِهِ فَلْيُعَاوَدْ
قَوْلُهُ وَاللُّبْثُ في الْمَسْجِدِ
تُمْنَعُ الْحَائِضُ من اللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا تُمْنَعُ إذَا تَوَضَّأَتْ وَأَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْغُسْلِ حَيْثُ قال وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عليه قِرَاءَةُ آيَةٍ وَيَجُوزُ له الْعُبُورُ في الْمَسْجِدِ وَيَحْرُمُ عليه اللُّبْثُ فيه إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَظَاهِرُهُ دُخُولُ الْحَائِضِ في هذه الْعِبَارَةِ لَكِنْ نَقُولُ عُمُومُ ذلك اللَّفْظِ مَخْصُوصٌ بِمَا هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها لَا تُمْنَعُ من الْمُرُورِ منه وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَقِيلَ تُمْنَعُ من الْمُرُورِ وَحَكَى رِوَايَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ لها الْعُبُورُ لِتَأْخُذَ شيئا كَمَاءٍ وَحَصِيرٍ ونحوهما ( ( ( ونحوها ) ) ) لَا لِتَتْرُكَ فيه
____________________
(1/347)
شيئا كَنَعْشٍ وَنَحْوِهِ وَقَدَّمَ بن تَمِيمٍ جَوَازَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لها لِحَاجَةٍ وَأَمَّا إذَا خَافَتْ تَلْوِيثَهُ لم يَجُزْ لها الْعُبُورُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ تُمْنَعُ في الْأَشْهَرِ وَقِيلَ لَا تُمْنَعُ وَنَصَّ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ بن إبْرَاهِيمَ تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْغُسْلِ ما يُسَمَّى مَسْجِدًا وما ليس بِمَسْجِدٍ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَتَوَضَّأَتْ ما حُكْمُهُ
قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ
في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَائِضَ تُمْنَعُ من الطَّوَافِ مُطْلَقًا وَلَا يَصِحُّ منها وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يَصِحُّ وَتَجْبُرُهُ بِدَمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَهُ لها عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا دَمَ عليها وَتَقَدَّمَ ذلك بِزِيَادَةٍ في آخِرِ بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عليه الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ
وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك أَيْضًا في بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِأَتَمَّ من هذا
قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُ إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وقال في الْفَائِقِ وَيَتَوَجَّهُ إبَاحَتُهُ حَالَ الشِّقَاقِ
فَائِدَةٌ لو سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أو الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ لم يَمْنَعْ منه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَمْنَعُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ وَحَكَى في الْوَاضِحِ في الْخُلْعِ رِوَايَتَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ لَا يَحْرُمُ الْفَسْخُ
وَأَصْلُ ذلك أَنَّ الطَّلَاقَ في الْحَيْضِ هل هو مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ أو لِحَقِّهَا فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا فيه وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ ذلك في بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ وَتَقَدَّمَ هل يَصِحُّ غُسْلُهَا من الْجَنَابَةِ في حَالِ حَيْضِهَا في بَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ
____________________
(1/348)
قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ إلَّا في الِاعْتِدَادِ
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَوْنُ النِّفَاسِ لَا يُوجِبُ الْبُلُوغَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ قبل النِّفَاسِ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْحَجْرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا في ذلك وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا تُمْنَعُ من قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِنْ مَنَعْنَا الْحَائِضَ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَنَقَلَ بن ثَوَابٍ تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْحَائِضِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وقال في النُّكَتِ قد يُؤْخَذُ من كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إيمَاءً إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِوَطْءِ النُّفَسَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ في النِّفَاسِ تَقْوَى لِطُولِ مُدَّتِهِ غَالِبًا فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الزَّاجِرِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَاَلَّذِي نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ أن وَطْءَ النُّفَسَاءِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْحَيْضَ هو الْأَصْلُ في الْوُجُوبِ قال وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ فَرَّعَ على ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ في الْحَائِضِ
قَوْلُهُ وإذا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ وَالطَّلَاقِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا يُبَاحَانِ حتى تَغْتَسِلَ وَأَطْلَقَهُمَا في الطَّلَاقِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ أُبِيحَ الصَّوْمُ ولم تُبَحْ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ
قَوْلُهُ ولم يُبَحْ غَيْرُهُمَا حتى تَغْتَسِلَ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ تُبَاحُ الْقِرَاءَةُ قبل الِاغْتِسَالِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَمَنْ يقول تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ فَهُنَا أَوْلَى وَقِيلَ يُبَاحُ لِلنُّفَسَاءِ دُونَ الْحَائِضِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ بن ثَوَابٍ وأطلقهن ( ( ( فأطلقهن ) ) ) بن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُ مَنْعَ الْوَطْءِ قبل الْغُسْلِ وهو صَحِيحٌ لَكِنْ إنْ عَدِمَتْ
____________________
(1/349)
الْمَاءَ تَيَمَّمْت وَجَازَ له وَطْؤُهَا فَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ حَرُمَ وَطْؤُهَا حتى تَغْتَسِلَ وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ التَّيَمُّمِ فَلَوْ امْتَنَعَتْ من الْغُسْلِ غُسِّلَتْ الْمُسْلِمَةُ قَهْرًا وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَا لِلْعُذْرِ كَالْمُمْتَنِعِ من الزَّكَاةِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَالصَّحِيحُ أنها لَا تصلى بهذا الْغُسْلِ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَتُغَسَّلُ الْمَجْنُونَةُ قال في الْفُرُوعِ وَتَنْوِيهٌ وقال بن عَقِيلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسِّلَهَا لِيَطَأَهَا وَيَنْوِيَ غُسْلَهَا تَخْرِيجًا على الْكَافِرَةِ وَيَأْتِي غُسْلُ الْكَافِرَةِ في بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وقال أبو الْمَعَالِي فِيهِمَا لَا نِيَّةَ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهَا تُعِيدُهُ إذَا أَفَاقَتْ وَأَسْلَمَتْ وَكَذَا قال الْقَاضِي في الْكَافِرَةِ
فَائِدَةٌ لو أَرَادَ وَطْئَهَا فَادَّعَتْ أنها حَائِضٌ وَأَمْكَنَ قَبْلَهُ نَصَّ عليه فِيمَا خَرَّجَهُ من مَحْبِسِهِ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ من الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَعْمَلَ بِقَرِينَةٍ وَأَمَارَةٍ
قُلْت مُرَادُهُ بِالتَّخْرِيجِ من الطَّلَاقِ لو قالت قد حِضْت وَكَذَّبَهَا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا على الْحَيْضَةِ فإن هُنَاكَ رِوَايَةً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ وهو الصَّوَابُ فَخَرَّجَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ من هُنَاكَ رِوَايَةً إلَى هذه الْمَسْأَلَةِ وما هو بِبَعِيدٍ
قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ من الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَجَزَمَ بِهِ في النِّهَايَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال في النُّكَتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا لَا فَرْقَ بين أَنْ يَأْمَنَ على نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ أو يَخَافَ وَقَطَعَ الْأَزَجِيُّ في نِهَايَتِهِ بِأَنَّهُ إذَا
____________________
(1/350)
لم يَأْمَنْ على نَفْسِهِ من ذلك حَرُمَ عليه لِئَلَّا يَكُونَ طَرِيقًا إلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ وقد يُقَالُ يُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ على هذا انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا يَجِبُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجِبُ وهو قَوْلُ بن حَامِدٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا في الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ عليه بِالْوَطْءِ في الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَفَّارَةً وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ ليس عليه إلَّا التَّوْبَةُ فَقَطْ وهو قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ عليه نِصْفَ دِينَارٍ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ عليه دِينَارٌ أو نِصْفُ دِينَارٍ وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وقال الشَّارِحُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ في الْكَفَّارَةِ دِينَارٌ أو نِصْفُ دِينَارٍ على وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَصَحَّحَهُ في الْمُغْنِي قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُجْزِئُ نِصْفُ دِينَارٍ وَالْكَمَالُ دِينَارٌ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وبن عُبَيْدَانِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْفُرُوعِ وقال نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ
قُلْت وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَعَلَيْهَا لو كَفَّرَ بِدِينَارٍ كان الْكُلُّ وَاجِبًا
وَخَرَّجَ بن رَجَبٍ في قَوَاعِدِهِ وَجْهًا أَنَّ نِصْفَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عليه دِينَارٌ كَفَّارَةً وَعَنْهُ عليه نِصْفُ دِينَارٍ في إدْبَارِهِ وَدِينَارٌ في إقْبَالِهِ وَعَنْهُ عليه نِصْفُ دِينَارٍ إذَا وَطِئَهَا في دَمٍ أَصْفَرَ وَدِينَارٌ إنْ وَطِئَهَا
____________________
(1/351)
في دَمٍ أَسْوَدَ قال في الرِّعَايَةِ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ سَوَاءٌ وَعَنْهُ عليه نِصْفُ دِينَارٍ في آخِرِهِ أو أَوْسَطِهِ وَدِينَارٌ في أَوَّلِهِ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ وَذَكَرَ أبو الْفَرْجِ عليه نِصْفُ دِينَارٍ لِعُذْرٍ وَقِيلَ إنْ عَجَزَ عن دِينَارٍ أَجْزَأَ نِصْفُ دِينَارٍ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ من الْمُفْرَدَاتِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ غُسْلِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ هو كَالْوَطْءِ في حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ إذَا وطىء الْمُسْتَحَاضَةَ من غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَيَأْتِي في عِشْرَةِ النِّسَاءِ إذَا امْتَنَعَتْ الذِّمِّيَّةُ من غُسْلِ الْحَيْضِ هل يُبَاحُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا
الثَّانِيَةُ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ كَالرَّجُلِ إنْ طَاوَعَتْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عليها ( ( ( عليهما ) ) ) وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي وَقِيلَ عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَشْتَرِكَانِ فيها قال بن عُبَيْدَانِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَتْ فإنه لَا كَفَّارَةَ عليها
الثَّالِثَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحَيْضِ أو بِالتَّحْرِيمِ أو بِهِمَا وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ نَصَّ عليه وَكَذَا لو أُكْرِهَ الرَّجُلُ وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عليه وَاخْتَارَ بن أبي مُوسَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مع الْعُذْرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ على الْعَالِمِ فَفِي وُجُوبِهَا على الْجَاهِلِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ قال الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ عن هذه الرِّوَايَةِ بِنَاءً على الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ قال في الْفُرُوعِ وَبَانَ بهذا أَنَّ من كَرَّرَ الْوَطْءَ في حَيْضَةٍ أو حَيْضَتَيْنِ أَنَّهُ في تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ كَالصَّوْمِ
الرَّابِعَةُ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ كَفَّارَةٌ بِوَطْئِهِ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ انْبَنَى على وَطْءِ الْجَاهِلِ
____________________
(1/352)
وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وهو احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَصَحَّحَهُ بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفَائِقِ وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ
الْخَامِسَةُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِالْوَطْءِ في الدُّبُرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ ذَكَرَهَا بن الْجَوْزِيِّ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ
السَّادِسَةُ لو وَطِئَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ في أَثْنَاءِ وَطْئِهِ فَإِنْ اسْتَدَامَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَزَعَ في الْحَالِ انْبَنَى على أَنَّ النَّزْعَ هل هو جِمَاعٌ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ يَأْتِي بَيَانُهُمَا في أَثْنَاءِ بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ مُحَرَّرًا
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ جِمَاعٌ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً على الْقَوْلِ بها في الْمَعْذُورِ وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَنَحْوِهِمَا كما تَقَدَّمَ وَعَلَى الْقَوْلِ الذي اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى لَا كَفَّارَةَ عليه لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ أَيْضًا لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ جَامَعْتُك لم يَجُزْ له أَنْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ النَّزْعُ في غَيْرِ زَوْجَتِهِ ذَكَرَهُ بن عُبَيْدَانِ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ ليس بِجِمَاعٍ لَا كَفَّارَةَ عليه مُطْلَقًا
السَّابِعَةُ لو لَفَّ على ذَكَرِهِ خِرْقَةً ثُمَّ وطىء فَهُوَ كَالْوَطْءِ بِلَا خِرْقَةٍ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ
الثَّامِنَةُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً أَنَّ الْمَخْرَجَ كَفَّارَةٌ فَتُصْرَفُ مَصْرِفَ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وهو صَحِيحٌ قال في الْفُرُوعِ وهو كَفَّارَةٌ قال
____________________
(1/353)
أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا إلَى من له أَخْذُ الزَّكَاةِ لِلْحَاجَةِ قال في شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُطْلَقَةُ
التَّاسِعَةُ لو عَجَزَ عن التَّكْفِيرِ لم تَسْقُطْ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وفي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ فإنه قال وَتَسْقُطُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ في رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ وَلَا تَسْقُطُ غَيْرُهَا بِالْعَجْزِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذلك نَصَّ عليه قال الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا انْتَهَى وَيَأْتِي ذلك هُنَاكَ أَيْضًا وَعَنْهُ تَسْقُطُ اختارها بن حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ قال في الْفُرُوعِ هُنَاكَ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ على الْأَصَحِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ هُنَا وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عنها كُلِّهَا لَا عن بَعْضِهَا لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ فيها وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ
الْعَاشِرَةُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْكَفَّارَةَ من أَيِّ ذَهَبٍ كان إذَا كان صَافِيًا خَالِيًا من الْغِشِّ تِبْرًا كان أو مَضْرُوبًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَضْرُوبُ لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ خَاصَّةً وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ
الْحَادِيَةَ عَشَرَ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هو في إخْرَاجِ الْقِيمَةِ كَالزَّكَاةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال بن نَصْرِ اللَّهِ الْأَظْهَرُ لَا يُجْزِئُ كَزَكَاةٍ وَقِيلَ يُجْزِئُ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ صَحَّحَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في
____________________
(1/354)
الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانِ وَالْفُرُوعِ فَعَلَى الْأُولَى يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عن الذَّهَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِيهِ وقال مَحَلُّ الْخِلَافِ في غَيْرِهِمَا وَلَيْسَ كما قال وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ حَكَاهُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ هل الدِّينَارُ هُنَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ أو اثْنَا عَشَرَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَ دَرَاهِمَ كَمْ يُخْرِجُ وَإِلَّا فلو ( ( ( فلا ) ) ) أَخْرَجَ ذَهَبًا لم تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ بِلَا شَكٍّ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ له الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ أَقَلُّهُ عَشْرُ سِنِينَ وهو احْتِمَالٌ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ أَقَلُّهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا أَقَلَّ لِسِنِّ الْحَيْضِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا أَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ له كَذَا فَهُوَ تَحْدِيدٌ فَلَا بُدَّ من تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ أو عَشْرَةٍ أو اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إنْ قُلْنَا بِهِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْإِفَادَاتِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وبن عُبَيْدَانِ في الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالنِّهَايَةِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْعِنَايَةِ وَحُمِلَ عليه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عليه وَغَيْرِهِمْ قال في الْهِدَايَةِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ تَحِيضُ قبل تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ وَقِيلَ تَقْرِيبًا وَصَرَّحَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْبُلْغَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ تَقْرِيبًا
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ وأطلقها ( ( ( وأطلقهما ) ) ) في الْفُرُوعِ بِقِيلِ وَقِيلَ
____________________
(1/355)
قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمَذَاهِبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْهَادِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها قال بن الزَّاغُونِيِّ هو اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ قال في الْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قال في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُبْهِجِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ سَنَةً جَزَمَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَالْإِيضَاحِ وَتَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ أبو الْخَطَّابِ في رؤوس الْمَسَائِلِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في النِّهَايَةِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَالْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن عُبَيْدَانَ وَعَنْهُ سِتُّونَ في نِسَاءِ الْعَرَبِ قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ لِلْعَجَمِ وَالنَّبَطِ وَغَيْرِهِمْ وَالسِّتُّونَ لِلْعَرَبِ وَنَحْوِهِمْ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُمَا في الْكَافِي
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قال في الْمُغْنِي في الْعَدَدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عن عَادَتِهَا مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ على الْعَادَةِ التي كانت تَرَاهُ فيها فَهُوَ حَيْضٌ في الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ فَلِلْمُصَنِّفِ في هذه الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَاتٌ وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فيه فَتَصُومُ وَتُصَلِّي اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَنَاظِمُهُ قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ فَعَلَيْهَا تَصُومُ وُجُوبًا على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ
____________________
(1/356)
بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ وَعَنْهُ اسْتِحْبَابًا ذَكَرَهَا بن الْجَوْزِيِّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ سِنِّ الْحَيْضِ
قَوْلُهُ وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ أنها تَحِيضُ ذَكَرَهَا أبو الْقَاسِمِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وقد وُجِدَ في زَمَنِنَا وَغَيْرِهِ أنها تَحِيضُ مِقْدَارَ حَيْضِهَا قبل ذلك وَيَتَكَرَّرُ في كل شَهْرٍ على صِفَةِ حَيْضِهَا وقد رُوِيَ أَنَّ إِسْحَاقَ نَاظَرَ أَحْمَدَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إِسْحَاقَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ ما تَرَاهُ اسْتِحْبَابًا نَصَّ عليه وَقِيلَ وُجُوبًا وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ وَجْهَيْنِ
فَائِدَةٌ لو رَأَتْ الدَّمَ قبل وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ فَهُوَ نِفَاسٌ وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ من الْأَرْبَعِينَ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَيُعْلَمُ ذلك بِأَمَارَةٍ من الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ رُؤْيَةِ الدَّمِ من غَيْرِ عَلَامَةٍ فَلَا تُتْرَكُ له الْعِبَادَةُ ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ قُرْبُهُ من الْوَضْعِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَعَادَتْ ما صَامَتْهُ من الْفَرْضِ فيه وَلَوْ رَأَتْهُ مع الْعَلَامَةِ فَتَرَكَتْ الْعِبَادَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَهُ عن الْوَضْعِ أَعَادَتْ ما تَرَكَتْهُ فيه من وَاجِبٍ فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْوَلَدِ اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ معه من الْمُدَّةِ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَالدَّمُ الْخَارِجُ معه قبل انْفِصَالِهِ نِفَاسٌ يُحْسَبُ من الْمُدَّةِ وَخَرَجَ أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ انْتَهَى قال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَالدَّمُ الْخَارِجُ معه نِفَاسٌ وَعَنْهُ بَلْ فَسَادٌ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ من الْوَضْعِ وَيَأْتِي هذا أَيْضًا في النِّفَاسِ
____________________
(1/357)
قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَعَنْهُ يَوْمٌ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ قال الْخَلَّالُ مَذْهَبُ أبي عبد اللَّهِ الذي لَا اخْتِلَافَ فيه أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ قال في الْفُصُولِ وقد قال جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا إنَّ إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ يَكُونُ مع لَيْلَتِهِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ على هذا الْقَوْلِ في أَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ انْتَهَى
قُلْت منهم الْقَاضِي في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَلَا أَكْثَرُهُ بَلْ كُلُّ ما اسْتَقَرَّ عَادَةً لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ نَقَصَ عن يَوْمٍ أو زَادَ على الْخَمْسَةَ عَشَرَ أو السَّبْعَةَ عَشَرَ ما لم تَصِرْ مُسْتَحَاضَةً
قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الْخَلَّالُ مَذْهَبُ أبي عبد اللَّهِ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا اخْتِلَافَ فيه عِنْدَهُ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً وَعَنْهُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيلَ وَلَيْلَةً وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ
قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بين الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمُخْتَارُ في الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ قال أبو بَكْرٍ في رِوَايَتَيْهِ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ على الْخِلَافِ في أَكْثَرِ الْحَيْضِ فإذا قِيلَ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ قِيلَ أَكْثَرُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وقال قَالَهُ أبو بَكْرٍ في كِتَابِ الْقَوْلَيْنِ وَالتَّنْبِيهِ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اكثر الْأَصْحَابِ ما قُلْنَا أَوَّلًا أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بين الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ما قالوا لو كانت الْمَرْأَةُ تَحِيضُ في كل شَهْرٍ حَيْضَةً لَا تَزِيدُ على ( ( ( عن ) ) ) ذلك وَلَا تَنْقُصُ وَالْوَاقِعُ قَطْعًا
____________________
(1/358)
بِخِلَافِ ذلك وَقِيلَ أَقَلُّ الطُّهْرِ بين الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً وَعَنْهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ عن أَحْمَدَ قَالَهُ أبو الْبَرَكَاتِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
قُلْت وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو الصَّوَابُ
قال الزَّرْكَشِيُّ لَا عِبْرَةَ بِحِكَايَةِ بن حَمْدَانَ ذلك قَوْلًا ثُمَّ تَخْطِئَتِهِ وَعَنْهُ لَا تَوْقِيتَ فيه إلَّا في الْعِدَّةِ يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ فَرَاغَ عِدَّتِهَا في شَهْرٍ فَإِنَّهَا تُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ على الْأَصَحِّ
فَائِدَةٌ غَالِبُ الطُّهْرِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ
قَوْلُهُ الْمُبْتَدَأَةُ أَيْ الْمُبْتَدَأُ بها الدَّمُ تَجْلِسُ
اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَسْوَدَ جَلَسَتْهُ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَحْمَرَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالْأَسْوَدِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَحْمَرَ إذَا رَأَتْهُ تَجْلِسُهُ كَالْأَسْوَدِ وَقِيلَ لَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَحْمَرَ إذَا ما قُدِّرَ وَإِنْ أَجْلَسْنَاهَا الْأَسْوَدَ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ قال بن عَقِيلٍ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْأَحْمَرَ
وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِصُفْرَةٍ أو كُدْرَةٍ فَقِيلَ إنَّهَا لَا تَجْلِسُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَالْفَائِقُ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ على الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ عِنْدَ الْكَلَامِ على الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى عِنْدَ أَحْكَامِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فَنَاقَضَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ أنها ( ( ( كأنها ) ) ) تَجْلِسُ بِمُجَرَّدِ ما تَرَاهُ وهو صَحِيحٌ
____________________
(1/359)
وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا أنها لَا تَجْلِسُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ الْحَيْضِ
قَوْلُهُ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَصَالِحٍ وَالْمَرُّوذِيِّ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَعَلَيْهِ تَفْعَلُ كما قال الْمُصَنِّفُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِهِ فما دُونَ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ ما تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ
إحْدَاهَا تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ الْمَذْهَبُ كما تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ وَالثَّالِثَةُ تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا وَالرَّابِعَةُ تَجْلِسُ إلَى أَكْثَرِهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ أَثْبَتَ طَرِيقَةَ أبي الْخَطَّابِ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي أَنَّ فيها الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وبن الزَّاغُونِيِّ وَالْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَهِيَ أَصَحُّ وَجَعَلَ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وهو الذي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً رِوَايَةً وَاحِدَةً وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
وَجُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً قبل انْقِطَاعِهِ من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ
قَوْلُهُ وَتَفْعَلُ ذلك ثَلَاثًا فَإِنْ كان في الثَّلَاثِ على قَدْرٍ وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً وَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ
____________________
(1/360)
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَجْلِسُ ما جَاوَزَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ إلَّا بَعْدَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ فَتَجْلِسُ في الرَّابِعَةِ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ تَجْلِسُهُ في الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَعَنْهُ يَصِيرُ عَادَةً بِمَرَّتَيْنِ قَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَتَجْلِسُهُ في الثَّالِثِ على الصَّحِيحِ عليها وَقِيلَ في الثَّانِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال إنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ جَلَسَتْ في الثَّانِي وَإِنْ قُلْنَا بِثَلَاثٍ جَلَسَتْ في الثَّالِثِ
قَوْلُهُ وَأَعَادَتْ ما صَامَتْهُ من الْفَرْضِ فيه
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا وَقْتُ الْإِعَادَةِ بَعْدَ أَنْ تَثْبُتَ الْعَادَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ قبل ثُبُوتِهَا احْتِيَاطًا وهو رِوَايَةٌ في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا في مُدَّةِ الدَّمِ الزَّائِدِ عَمَّا أَجْلَسْنَاهَا فيه قبل تَكْرَارِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه احْتِيَاطًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ ذَكَرَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهَا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَطْلَقَ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ في إبَاحَتِهِ رِوَايَتَيْنِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ هِيَ كَمُسْتَحَاضَةٍ انْتَهَى
وَيُبَاحُ وَطْؤُهَا في طُهْرِهَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ قبل تَكْرَارِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ أمن ( ( ( أمنت ) ) ) الْعَنَتَ وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وبن تَمِيمٍ في مَوْضِعٍ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ في مَوْضِعٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْمُغْنِي وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما إذَا لم يَنْقَطِعْ على ما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ قال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ
____________________
(1/361)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ كان دَمُهَا مُتَمَيِّزًا بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أنها تَجْلِسُ الدَّمَ الْمُتَمَيِّزَ الْأَسْوَدَ إذَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا من غَيْرِ تَكْرَارٍ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ قال الشَّارِحُ هو ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هُنَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ بن عَقِيلٍ قال في الْفُرُوعِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ في الْأَصَحِّ قال بن تَمِيمٍ لَا يُفْتَقَرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال الْقَاضِي وأبو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ إنَّهَا تَجْلِسُ من التَّمْيِيزِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا أو مَرَّتَيْنِ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ قال في الْفُرُوعِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ لِثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَيُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ في الْعَادَةِ كما سَبَقَ في اعْتِبَارِهِ في التَّمْيِيزِ خِلَافٌ ثَانٍ فَإِنْ لم يُعْتَبَرْ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هذه الْعَادَةِ على التَّمْيِيزِ بَعْدَهَا فيه وَجْهَانِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ في الْعَادَةِ التَّوَالِي فيه وَجْهَانِ قال بَعْضُهُمْ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ انْتَهَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يُعْتَبَرُ في الْعَادَةِ التَّوَالِي في الْأَشْهُرِ وَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ في الْحُكْمِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ وَيَأْتِي قَرِيبًا هل يُعْتَبَرُ في جُلُوسِ من لم يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الْمُسْتَحَاضَةِ أَمْ لَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا تَجْلِسُ الْمُمَيِّزَةُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أو الدَّمِ الثَّخِينِ أو الدَّمِ الْمُنْتِنِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ولم يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ على الصَّحِيحِ في ذلك وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّوْنُ فَقَطْ وَقِيلَ ولم يَنْقُصْ غَيْرُهُ عن أَقَلِّ الطُّهْرِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ جَاوَزَ التَّمْيِيزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ
____________________
(1/362)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَتَجْلِسُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَجَاوَزَ الْأَسْوَدُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ جَلَسَتْ من الدَّمِ الْأَحْمَرِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ تَجْلِسُ من الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِدَمِ الْحَيْضِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُ بن تَمِيمٍ فَفِي اعْتِبَارِ التَّكْرَارِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَلَوْ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ جَلَسَتْ الْأَسْوَدَ فَقَطْ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ وَتَجْلِسُ من الْأَحْمَرِ أَقَلَّ الْحَيْضِ لِإِمْكَانِ حَيْضَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
الثَّانِيَةُ لَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ زِيَادَةِ الدَّمَيْنِ على شَهْرٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ قَالَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وقال في الْفُرُوعِ وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ على شَهْرٍ في الْأَصَحِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ مُتَمَيِّزًا قَعَدَتْ من كل شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ بن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا الصَّحِيحُ من الرِّوَايَاتِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ أَقَلُّهُ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا إطْلَاقُ الْأَقَارِبِ وهو ظَاهِرُ
____________________
(1/363)
كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى منهم بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ
قُلْت وهو أَوْلَى وَيَكُونُ تَبَيُّنًا لِلْمُطْلَقِ من كَلَامِهِمْ فَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ جَلَسَتْ الْأَقَلَّ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقبل ( ( ( وقيل ) ) ) الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ نَقَلَهُ بن تَمِيمٍ وقال في الْفُرُوعِ تَبَعًا لِابْنِ حَمْدَانَ وَقِيلَ تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وقال أبو الْمَعَالِي تَتَحَرَّى انْتَهَى فَإِنْ لم يكن ( ( ( تكن ) ) ) لها أَقَارِبُ رُدَّتْ إلَى غَالِبِ عَادَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَهِيَ السِّتُّ أو السَّبْعُ على الصَّحِيحِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ من نِسَاءِ بَلَدِهَا منهم بن حَمْدَانَ
قُلْت وهو أَوْلَى
الثَّانِي لم يَعْزُ الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي نَقْلَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعِ في الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا إلَى أبي الْخَطَّابِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ فيها من غَيْرِ نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ لم يَخْتَلِفْ فيه اثْنَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في إثْبَاتِ الرِّوَايَاتِ في الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ ما تَرَى الدَّمَ كما تَقَدَّمَ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو سَهْوٌ من الْمُصَنِّفِ
قُلْت ليس في ذلك كَبِيرُ أَمْرٍ غَايَتُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا الْخِلَافَ عن أَحْمَدَ في الْمُصَنَّفِ فعزى النَّقْلُ إلَى أبي الْخَطَّابِ وَاعْتَمَدَ على نَقْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ نَقَلَهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أو سَبْعٌ لَكِنْ لَا تَجْلِسُ أَحَدَهُمَا إلَّا بِالتَّحَرِّي على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْخِيرَةُ في ذلك إلَيْهَا فَتَجْلِسُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ جَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وقال كَوُجُوبِ دِينَارٍ أو نِصْفِهِ في الْوَطْءِ في الْحَيْضِ
____________________
(1/364)
قُلْت وهو ضَعِيفٌ جِدًّا وهو مُفْضٍ إلَى أَنَّ لها الْخِيرَةَ في وُجُوبِ الْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ
الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ في جُلُوسِ من لم يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الِاسْتِحَاضَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هذا أَشْهَرُ فَتَجْلِسُ قبل تَكَرُّرِهِ أَقَلَّهُ وَلَا تَرُدُّ إلَى غَالِبِ الْحَيْضِ أو غَيْرِهِ إلَّا في الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَعَنْهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ قال الشَّارِحُ وهو أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَثْبُتُ بِدُونِ تَكْرَارٍ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فَعَلَيْهَا تَجْلِسُ في الشَّهْرِ الثَّانِي وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
تَنْبِيهٌ مِثْلُ ذلك الْحُكْمِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن تَمِيمٍ في الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ وَيَثْبُتُ ذلك بِدُونِ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ تَفْتَقِرُ إلَى التَّكْرَارِ كَالْمُبْتَدِئَةِ وَيَأْتِي حُكْمُ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ في الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ
قَوْلُهُ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ الْمُعْتَادَةُ رَجَعَتْ إلَى عَادَتِهَا وَإِنْ كانت مُمَيِّزَةً
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كانت الْمُسْتَحَاضَةُ لها عَادَةٌ تَعْرِفُهَا ولم يَكُنْ لها تَمْيِيزٌ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْعَادَةَ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كان لها تَمْيِيزٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ولم يَكُنْ لها عَادَةٌ أو كان لها عَادَةٌ وَنَسِيَتْهَا عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ بِلَا نِزَاعٍ على ما تَقَدَّمَ وَيَأْتِي وَإِنْ كان لها عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ فَتَارَةً يَتَّفِقَانِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَتَجْلِسُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ إمَّا بِمُدَاخَلَةِ بَعْضِ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ أو مُطْلَقًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها تَجْلِسُ الْعَادَةَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ هو
____________________
(1/365)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ في الْمُبْهِجِ إنْ اجْتَمَعَا عُمِلَ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لم يُمْكِنْ سَقَطَا وقال بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أبو الْفَرَجِ يَعْنِي بِهِ بن أبي الْفَهْمِ الْعَمَلَ بِهِمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ إذَا أَمْكَنَ
فَائِدَةٌ لَا تَكُونُ مُعْتَادَةً حتى تَعْرِفَ شَهْرَهَا وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَشَهْرُهَا عِبَارَةٌ عن الْمُدَّةِ التي لها فيه حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ وَلَوْ نَقَصَتْ عَادَتُهَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ في الشَّهْرِ الْآخَرِ جَلَسَتْ مِقْدَارَ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ وَلَا غَيْرُ قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ
بِلَا نِزَاعٍ كما تَقَدَّمَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عن أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَزِيدَ على أَكْثَرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَدَلَّ على ذلك كَلَامُهُ في الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ وقال بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ الْأَحْمَرُ عن أَقَلِّ الطُّهْرِ حتى يُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا فَاصِلًا بين حَيْضَتَيْنِ فإذا رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ ثُمَّ الْأَصْفَرَ بَعْدَهَا فَالْأَسْوَدُ هو الْحَيْضُ وَالْأَحْمَرُ مع الْأَصْفَرِ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَصْفَرَ فَالْأَحْمَرُ حَيْضٌ لِأَنَّ حَيْضَهَا أَقْوَى ما تَرَاهُ من دَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّتِهِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في التَّمْيِيزِ اللَّوْنُ فَقَطْ وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِمُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ فَتَجْلِسُ الْأَكْثَرَ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ ذلك في الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَتَقَدَّمَتْ الْأَمْثِلَةُ على الْمَذْهَبِ وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ في تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ سَوَاءٌ فَلْيُعَاوَدْ
____________________
(1/366)
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلتَّمْيِيزِ تَكْرَارٌ بَلْ مَتَى عَرَفَتْ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ قال في الْفُرُوعِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ في الْأَصَحِّ قال بن تَمِيمٍ وَلَا يَفْتَقِرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ وقال الْقَاضِي وأبو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُمَيِّزَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ لها تَمْيِيزٌ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ
يَعْنِي إذَا نَسِيَتْ الْعَادَةَ ولم يَكُنْ لها تَمْيِيزٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ وفي هذه الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ على الصَّحِيحِ على ما تَقَدَّمَ
أَحَدُهَا أَنْ تَنْسَى الْوَقْتَ وَالْعَدَدَ وهو مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ قال بن عُبَيْدَانَ وبن رَجَبٍ وهو الصَّحِيحُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَقَلُّهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ في الْكَافِي تَخْرِيجًا وَحَكَى الْقَاضِي في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فيها وَجْهًا لَا تَجْلِسُ شيئا بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيُمْنَعُ وَطْؤُهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْوَاجِبَ
وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً ثَالِثَةً من الْمُبْتَدَأَةِ تَجْلِسُ عَادَةَ نساءها ( ( ( نسائها ) ) ) وَأَثْبَتَهَا في الْكَافِي رِوَايَةً فَلِذَلِكَ قال الزَّرْكَشِيُّ لَمَّا حكى في الْكَافِي الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَخْرِيجًا
____________________
(1/367)
وَتَخْرِيجُ الْقَاضِي رِوَايَةٌ وهو سَهْوٌ بَلْ الثَّانِيَةُ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ عن أَحْمَدَ وَالثَّالِثَةُ مُخَرَّجَةٌ وَقِيلَ فيها الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ يَعْنِي التي في الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا كانت غير مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَخَرَّجَ فيها رِوَايَتَيْ الْمُبْتَدَأَةِ وَقَدَّمَهَا في الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ عن الْأَصْحَابِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ وَقَدَّمَ في الْفُرُوعِ هذه الطَّرِيقَةَ لَكِنْ قال الْمَشْهُورُ انْتِفَاءُ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ وَعَادَةِ نِسَائِهَا وَحَيْثُ أَجْلَسْنَاهَا عَدَدًا فَفِي مَحَلِّهِ الْخِلَافُ الْآتِي
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ جُلُوسِهَا غَالِبَ الْحَيْضِ إنْ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لِأَقَلِّ الطُّهْرِ وكان الْبَاقِي غَالِبَ الْحَيْضِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ لم يَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَجْلَسْنَاهَا الزَّائِدَ عن أَقَلِّ الطُّهْرِ فَقَطْ كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا حَيْضَهَا وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وهو الْبَاقِي عن أَقَلِّ الطُّهْرِ بين الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ الطُّهْرُ عن أَقَلِّهِ وَإِنْ لم يُعْرَفْ شَهْرُهَا جَلَسَتْ من الشَّهْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبَ الْحَيْضِ
قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا جَلَسَتْهَا من أَوَّلِ كل شَهْرٍ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا الْحَالُ الثَّانِي من أَحْوَالِ النَّاسِيَةِ وهو نَوْعَانِ
أَحَدُهُمَا هذا وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ قال في الْحَاوِيَيْنِ هو قَوْلُ غَيْرِ أبي بَكْرٍ وكذا قال في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وفي الْآخَرِ تَجْلِسُهُ بِالتَّحَرِّي
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وبن أبي مُوسَى وَقَدَّمَهُ في نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الشَّرْحِ وَشَرْحِ بن
____________________
(1/368)
مُنَجَّا وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ تَجْلِسُ من تَمْيِيزٍ لَا تَعْتَدُّ بِهِ إنْ كان لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ
قُلْت وهو قَوِيٌّ وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمَا إنْ ذَكَرَتْ أَوَّلَ الدَّمِ كَمُعْتَادَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَشْهُرًا ثُمَّ جاء الدَّمُ خَامِسَ يَوْمٍ من الشَّهْرِ مَثَلًا أو اسْتَمَرَّتْ وقد نَسِيَتْ الْعَادَةَ فَفِيهَا الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ تَجْلِسُ من خَامِسِ كل شَهْرٍ قال الْمَجْدُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَصَحُّ اخْتَارَ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ طَالَ عَهْدُهَا بِزَمَنِ افْتِتَاحِ الدَّمِ وَنَسِيَتْهُ أنها تَتَحَرَّى وَقْتَ جُلُوسِهَا وقال بن حَامِدٍ وَالْقَاضِي في شَرْحَيْهِمَا فِيمَنْ عَلِمَتْ قَدْرَ الْعَادَةِ وَجَهِلَتْ مَوْضِعَهَا إنَّهَا لَا تَجْلِسُ شيئا وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا مَضَى قَدْرُهَا وتقضى من رَمَضَانَ بِقَدْرِهَا وَالطَّوَافِ وَلَا تُوطَأُ وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ رِوَايَةً لَا تَجْلِسُ شيئا
تَنْبِيهٌ كُلُّ مَوْضِعٍ أَجْلَسْنَاهَا بِالتَّحَرِّي أو بِالْأَوَّلِيَّةِ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ في كل شَهْرٍ حَيْضَةً
فَائِدَةٌ إذَا تَعَذَّرَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ من الْأَوَّلِيَّةِ أو التَّحَرِّي عَمِلَتْ بِالْآخَرِ قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ قال وَلَمَّا ذَكَرَ أبو الْمَعَالِي الْوَجْهَيْنِ في أَوَّلِ كل شَهْرٍ أو التَّحَرِّيَ قال وَهَذَا إذَا لم تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ فَإِنْ عَرَفَتْ فَهُوَ أَوَّلُ دُورِهَا وَجَعَلْنَاهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ قال وَإِنْ لم تَذْكُرْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ لَكِنْ تَذَكَّرَتْ أنها طَاهِرَةٌ في وَقْتٍ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا عَقِبَ ذلك الطُّهْرِ انْتَهَى
وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي بِأَنْ يَتَسَاوَى عِنْدَهَا الْحَالُ ولم تَظُنَّ شيئا وَتَعَذَّرَتْ الْأَوَّلِيَّةُ أَيْضًا بِأَنْ قالت حَيْضِي في كل عِشْرِينَ يَوْمًا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَأُنْسِيت زَمَنَ افْتِتَاحِ الدَّمِ وَالْأَوْقَاتُ كُلُّهَا في نَظَرِي سَوَاءٌ وَلَا أَعْلَمُ هل أنا الْآنَ طَاهِرٌ أو حَائِضٌ فقال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا أَعْرِفُ لِأَصْحَابِنَا في هذه
____________________
(1/369)
كَلَامًا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُهَا سُلُوكُ طَرِيقِ الْيَقِينِ بَلْ يُجْزِئُهَا الْبِنَاءُ على أَصْلٍ لَا يَتَحَقَّقُ معه فَسَادٌ في صَوْمِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنْ كان مُحْتَمَلًا فَتَصُومُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَتَقْضِي منه خَمْسَةَ أَيَّامٍ وهو قَدْرُ حَيْضِهَا وهو الذي يَتَحَقَّقُ فَسَادُهُ وما زَادَ عليه لم يَتَحَقَّقْ فيه ذلك فَلَا تُفْسِدُهُ وَتُوجِبُ قَضَاءَهُ بِالشَّكِّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَتُصَلِّيهَا أَبَدًا لَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ في الْحَالِ غُسْلًا ثُمَّ عَقِيبَ انْقِضَاءِ قَدْرِ حَيْضِهَا غُسْلًا ثَانِيًا وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَفِيمَا بَعْدَهُمَا بِقَدْرِ مُدَّةِ طُهْرِهَا فَإِنْ انْقَضَتْ لَزِمَهَا غُسْلَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ وَكَذَلِكَ أَبَدًا كُلَّمَا مَضَى قَدْرُ الطُّهْرِ اغْتَسَلَتْ غُسْلَيْنِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ انْتَهَى قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَالْمَعْرُوفُ خِلَافُهُ
فَائِدَةٌ مَتَى ضَاعَتْ أَيَّامُهَا في مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فما عَدَا الْمُدَّةَ طُهْرٌ ثُمَّ إنْ كانت أَيَّامُهَا نِصْفَ الْمُدَّةِ فَأَقَلُّ حَيْضِهَا بِالتَّحَرِّي أو من أَوَّلِهَا وَإِنْ زَادَ ضُمَّ الزَّائِدُ إلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالشَّكُّ فِيمَا بَقِيَ
فَائِدَةٌ ما جَلَسَتْهُ النَّاسِيَةُ من الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فيه فَهُوَ كَالْحَيْضِ الْمُتَيَقَّنِ في الْأَحْكَامِ وما زَادَ على ما تَجْلِسُهُ إلَى الْأَكْثَرِ فَقِيلَ هِيَ فيه كَالْمُسْتَحَاضَةِ في الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فيها وَقِيلَ هو كَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فيه قَالَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ هو طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فيه وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِينٍ في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا في جَوَازِ وَطْئِهَا فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَطْلَقَهَا في الْفُرُوعِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُنَا في الْوَجْهِ الثَّانِي هو طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فيه
اعْلَمْ أَنَّ الطُّهْرَ الْمَشْكُوكَ فيه حُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمُتَيَقَّنِ على الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ الْأَزَجِيُّ في النِّهَايَةِ بِمَنْعِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ إثْمٌ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَنَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَمْنَعَ عن سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ انْتَهَى وَقِيلَ تَقْضِي ما صَامَتْهُ فيه وَقِيلَ يَحْرُمُ
____________________
(1/370)
وَطْؤُهَا فيه وَقَبْلَهُ في مُبْتَدَأَةٍ اُسْتُحِيضَتْ وَقُلْنَا لَا تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ في كل مَوْضِعِ حَيْضِ من لَا عَادَةَ لها وَلَا تَمْيِيزَ مِثْلَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لم تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا وَلَا تَمْيِيزَ لها
قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا في وَقْتٍ من الشَّهْرِ كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ جَلَسَتْهَا فيه إمَّا من أَوَّلِهِ أو بِالتَّحَرِّي
على اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا إذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا هُنَاكَ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا وَهُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هذه مَحْصُورَةٌ في جَزْءٍ من الشَّهْرِ وَفِيهَا من الْخِلَافِ ما تَقَدَّمَ
وَهَذَا النَّوْعُ الثَّانِي من الْحَالِ الثَّانِي
قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ جَلَسَتْ فيه غَالِبَ الْحَيْضِ أو أَقَلَّهُ
على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا إذَا لم تَكُنْ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُعْتَادَةُ عَادَةً وَلَا تَمْيِيزَ كما تَقَدَّمَ وَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وقد عُلِمَ ذلك هُنَاكَ وَهَذَا الْحَالُ الثَّالِثُ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهَا إذَا كان دَمُهَا مُتَمَيِّزًا على الصَّحِيحِ وَإِنْ كان غير مُتَمَيِّزٍ فَهَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ التَّمْيِيزِ أَمْ لَا
قَوْلُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ أو تَقَدُّمٍ أو تَأَخُّرٍ أو انْتِقَالٍ فَالْمَذْهَبُ أنها لَا تَلْتَفِتُ إلَى ما خَرَجَ عن الْعَادَةِ حتى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا أو مَرَّتَيْنِ
على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ في الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ من الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا هُنَا هو الْمَذْهَبُ كما قال نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّ الْمُتَقَدِّمِينَ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
____________________
(1/371)
قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَعِنْدِي أنها تَصِيرُ إلَيْهِ من غَيْرِ تَكْرَارٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلَا يَسَعُ النِّسَاءَ الْعَمَلُ بِغَيْرِهِ قال بن تَمِيمٍ وهو أَشْبَهُ قال بن عُبَيْدَانَ وهو الصَّحِيحُ قال في الْفَائِقِ وهو الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ في رِوَايَةِ مَنْصُورٍ قال الْمَجْدُ وروى عن أَحْمَدَ مِثْلُهُ وَرَوَاهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال الشِّيحُ أبو الْفَرَجِ إنْ كانت الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لم تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تَلْتَفِتُ إلَى الْخَارِجِ عن الْعَادَةِ قبل تَكْرَارِهِ فَتَصُومُ وَتُصَلِّي في الْمُدَّةِ الْخَارِجَةِ عن الْعَادَةِ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فيها وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْعَادَةِ وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الدَّمِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَارِجِ عن الْعَادَةِ وهو قَوْلٌ في الْفَائِقِ وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَلَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ فإذا تَكَرَّرَ ذلك مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا صَارَ عَادَةً وَأَعَادَتْ ما فَعَلَتْهُ من وَاجِبِ الصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ وَعَنْهُ يَحْتَاجُ الزَّائِدُ عن الْعَادَةِ إلَى التَّكْرَارِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ في التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وقال أبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ إنْ كانت الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لم تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ
فَائِدَةٌ لو ارْتَفَعَ حَيْضُهَا ولم يَعُدْ أو يَئِسَتْ قبل التَّكْرَارِ لم تَقْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَقْضِي وقال في الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ لُزُومُ الْقَضَاءِ كَصَوْمِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فيه لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهِ بِخِلَافِ صَوْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ في طُهْرٍ مَشْكُوكٍ وهو قَوْلٌ في الْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَإِنْ طَهُرَتْ في أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ
هذا الْمَذْهَبُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ في جَمِيعِ أَحْكَامِهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ذَكَرَهُ عنه بن عُبَيْدَانَ في النِّفَاسِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ هُنَاكَ وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ على رِوَايَتَيْنِ من الْمُبْتَدَأَةِ على ما تَقَدَّمَ وقال في الِانْتِصَارِ هو كَنَقَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ في رِوَايَةٍ وفي
____________________
(1/372)
أُخْرَى النِّفَاسُ آكَدُ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا مَشَقَّةَ وَعَنْهُ يَجِبُ قَضَاءُ وَاجِبِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ عَادَتَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ ولم يَعْتَبِرْ بن أبي مُوسَى النَّقَاءَ الْمَوْجُودَ بين الدَّمَيْنِ وَأَوْجَبَ عليها فيه قَضَاءَ ما صَامَتْهُ فيه من وَاجِبٍ وَنَحْوِهِ قال لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ من ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ طَهُرَتْ في أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ أَنَّهُ سَوَاءٌ كان الطُّهْرُ قَلِيلًا أو كَثِيرًا وهو صَحِيحٌ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي ولم يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بين قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إذَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ مع ذلك قال في الْفُرُوعِ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ زَمَنَ الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ نَقَاءٌ خَالِصًا لَا تَتَغَيَّرُ معه الْقُطْنَةُ إذَا احْتَشَتْ بها في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَنْ بَكْرٍ هِيَ طَاهِرٌ إذَا رَأَتْ الْبَيَاضَ قال شَيْخُنَا إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إنْ كان سَاعَةً وَعَنْهُ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ انْتَهَى
وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أنها لَا تَعْتَدُّ بِمَا دُونَ الْيَوْمِ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ما يَدُلُّ عليه وَخَرَّجَهُ من الرِّوَايَةِ التي في النِّفَاسِ قال بن تَمِيمٍ وهو أَصَحُّ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ في الْعَادَةِ فَهَلْ تَلْتَفِتُ إلَيْهِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفَائِقُ وَالشَّرْحُ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي
إحْدَاهُمَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ فَتَجْلِسُهُ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْكَافِي وهو الْأَوْلَى قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في رِوَايَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حتى يَتَكَرَّرَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى قال أبو بَكْرٍ وهو الْغَالِبُ عن أبي عبد اللَّهِ في الرِّوَايَةِ وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فيه فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ لِلْفَرْضِ على سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ كَدَمِ النُّفَسَاءِ الْعَائِدِ في مُدَّةِ النِّفَاسِ
____________________
(1/373)
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَادَ في الْعَادَةِ ولم يَتَجَاوَزْهَا فَأَمَّا إنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أو لَا فَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ فما دُونَ فَمَنْ قال في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ليس الْعَائِدُ بِحَيْضٍ فَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا وَمَنْ قال هو حَيْضٌ هُنَاكَ وهو الْمَذْهَبُ فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا أَنَّ الْجَمِيعَ ليس بِحَيْضٍ إذَا لم يَتَكَرَّرْ وهو الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي جَمِيعُهُ حَيْضٌ بِنَاءً على الْوَجْهِ الذي ذَكَرْنَا أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ في أَنَّ الزَّائِدَ على الْعَادَةِ حَيْضٌ ما لم يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ما وَافَقَ الْعَادَةَ فَهُوَ حَيْضٌ وما زَادَ عليها فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَأَطْلَقَهُنَّ بن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالشَّرْحُ وَالْمُغْنِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ
واما إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا أو لَا فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ بين طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرُ من خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُلَفَّقُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَيُجْعَلَانِ حَيْضَةً وَاحِدَةً إذَا تَكَرَّرَ أو يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا على الْمَذْهَبِ وَكُلٌّ من الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِمُفْرَدِهِ فَيَكُونَانِ حَيْضَتَيْنِ إذَا تَكَرَّرَ وَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا عن أَقَلِّ الْحَيْضِ فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ إذَا لم يُمْكِنْ ضَمُّهُ إلَى ما بَعْدَهُ
وَإِنْ لم يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ الطُّهْرِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أو لَا
وَيَظْهَرُ ذلك بِالْمِثَالِ فَنَقُولُ إذَا كانت الْعَادَةُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا فَرَأَتْ منها خَمْسَةً دَمًا وَطَهُرَتْ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَتَكَرَّرَ ذلك فَالْخَمْسَةُ
____________________
(1/374)
الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ تُلَفِّقُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ رَأَتْ الثَّانِيَ سِتَّةً أو سَبْعَةً لم يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَلَوْ كانت رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتَكَرَّرَ هذا كَانَا حَيْضَتَيْنِ لِوُجُودِ طُهْرٍ صَحِيحٍ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كانت رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا ثُمَّ اثْنَتَيْ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا فَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً لِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ مع ما بَيْنَهُمَا من الطُّهْرِ على أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَلَا جَعْلُهُمَا حَيْضَتَيْنِ على الْمَذْهَبِ لِانْتِفَاءِ طُهْرٍ صَحِيحٍ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْهُمَا ما وَافَقَ الْعَادَةَ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةً
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في مُرَادِ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حتى تَجِيءَ أَيَّامُهَا فقال أبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي وبن عَقِيلٍ مُرَادُهُ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَنَعَهَا أَنْ تَلْتَفِتَ إلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَرَادَ غير ذلك لَقَالَ حتى يَتَكَرَّرَ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ ولم يَعْبُرْ فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ قبل التَّكْرَارِ وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ في كل حَالٍ سَوَاءٌ كان في الْعَادَةِ أو بَعْدَهَا لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ فَيُتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الزَّمَانَ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَهَذَا أَظْهَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الظَّاهِرُ اعْتِمَادًا على الْإِطْلَاقِ وَسَكَتَ عن التَّكْرَارِ لِتَقَدُّمِهِ له فِيمَا إذَا زَادَتْ الْعَادَةُ أو تَقَدَّمَتْ وَعَلَى هذا إذَا عَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ حَيْضًا انْتَهَى وَاخْتَارَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ
الثَّانِيَةُ إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ في أَثْنَاءِ الْعَادَةِ وَقُلْنَا لَا تَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ وَجَبَ قَضَاءُ ما صَامَتْهُ في الطُّهْرِ وَطَافَتْهُ فيه ذَكَرَهُ بن أبي مُوسَى وقال بن تَمِيمٍ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ في مَسْأَلَةِ النِّفَاسِ لَا يَجِبُ قَضَاءُ ذلك قال وهو أَصَحُّ
____________________
(1/375)
قَوْلُهُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ في أَيَّامِ الْحَيْضِ من الْحَيْضِ
يَعْنِي في أَيَّامِ الْعَادَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ لَيْسَتَا بِحَيْضٍ مُطْلَقًا
فَائِدَةٌ لو وَجَدَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَيْضِ وَتَكَرَّرَتَا فَلَيْسَتَا بِحَيْضٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ بن رَزِينٍ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَنَصَرَهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وزاد صَاحِبُ الْمُفْرَدَاتِ أنها لَا تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ فقال ليس بِحَيْضٍ ذَا وَلَوْ تَكَرَّرَ وَغُسْلُهَا ليس بِذَا تَقَرُّرًا وَعَنْهُ إنْ تَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرَطَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ اتِّصَالَهَا بِالْعَادَةِ وَقُطِعَ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّ حُكْمَهَا مع اتِّصَالِ الْعَادَةِ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ قال بن تَمِيمٍ فَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ حَيْضٌ إذَا تَكَرَّرَ لو رَأَتْهُ بَعْدَ الطُّهْرِ وَتَكَرَّرَ لم تَلْتَفِتْ إلَيْهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَجْهَيْنِ هل هُمَا حَيْضٌ مُطْلَقًا أو لَا يَكُونَانِ حَيْضًا مُطْلَقًا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في ذلك كُلِّهِ إذَا لم يُجَاوِزْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ وَمَنْ كانت تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلَى الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضًا وَالْبَاقِي طُهْرًا
هذا قَالَهُ على سَبِيلِ ضَرْبِ الْمِثَالِ وَإِلَّا فَمَتَى رَأَتْ دَمًا مُتَفَرِّقًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ
____________________
(1/376)
الْحَيْضِ وَنَقَاءً فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَالدَّمُ حَيْضٌ وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَعَنْهُ أَيَّامُ النَّقَاءِ وَالدَّمِ حَيْضٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقِيلَ إنْ تَقَدَّمَ دَمٌ يَبْلُغُ الْأَقَلَّ على ما نَقَصَ عن الْأَقَلِّ فَهُوَ حَيْضٌ تَبَعًا له وَإِلَّا فَلَا
فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ في الطُّهْرِ وَلَا تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى غُسْلٍ حتى تَرَى من الدَّمِ ما يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وقال في الْفُرُوعِ وَمَتَى انْقَطَعَ قبل بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَيْضًا وَجْهَانِ انْتَهَى وَكَذَا قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ تَغْتَسِلُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ في أَنْصَافِ الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى وَقِيلَ بَلْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ من الدَّمِ في الْمُبْتَدَأَةِ وَقِيلَ إنْ نَقَصَ النَّقَاءُ عن يَوْمٍ لم يَكُنْ طُهْرًا تَغْتَسِلُ عنه وَلَا تَجْلِسُ غير الدَّمِ الْأَوَّلِ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا زَمَنَ طُهْرِهَا وَرَعًا قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُبَاحُ
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَتَكُونَ مُسْتَحَاضَةً
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مُلَفِّقَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ لم يَتَّصِلْ دَمُهَا الْمُجَاوِزُ الْأَكْثَرَ بِدَمِ الْأَكْثَرِ فَالنَّقَاءُ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بين الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةٌ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا إعَادَةُ شَدِّهِ وَغَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا لم تُفَرِّطْ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ
____________________
(1/377)
مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَلْزَمُهَا ذلك وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَقِيلَ يَلْزَمُهَا إنْ خَرَجَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا
الثَّانِي مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ إذَا خَرَجَ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَأَمَّا إذَا لم يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا تَتَوَضَّأُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عليه فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَقِيلَ يَجِبُ
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ فَيُعَايَى بها
قَوْلُهُ وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ
وَكَذَا قال في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ قبل وَقْتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يَجُوزُ حَكَاهُ في الرِّعَايَةِ
إذَا عَلِمْت ذلك فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ طُهْرُهَا إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ قال وهو أَوْلَى وَكَذَا قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فقال
% وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ طُهْرٌ يَبْطُلُ % لِمَنْ بها اسْتِحَاضَةٌ قد نَقَلُوا %
% لَا بِالْخُرُوجِ منه لو تَطَهَّرَتْ % لِلْفَجْرِ لم تَبْطُلْ بِشَمْسٍ ظَهَرَتْ %
وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَالصَّحِيحُ فيه أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كما تَقَدَّمَ وقال الْقَاضِي يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَبِخُرُوجِهِ أَيْضًا قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ تَوَضَّأَتْ قبل الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَرْضِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ أَوَّلِهِ بَطَلَ بِدُخُولِهِ وَتُصَلِّي قَبْلَهُ نَفْلًا ثُمَّ قال وَإِنْ تَوَضَّأَتْ فيه له أو لِغَيْرِهِ بَطَلَ بِخُرُوجِهِ في الْأَصَحِّ كما لو تَوَضَّأَتْ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ انْتَهَى وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في مَكَانَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ
____________________
(1/378)
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ وَتُصَلِّي ما شَاءَتْ من الصَّلَوَاتِ
هذا هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا تَجْمَعُ بين فَرْضَيْنِ قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ فقال لَا تَجْمَعُ بين فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ لِلْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِخِفَّةِ عُذْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي قَائِمَةً بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وقال بن تَمِيمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُبِيحُ الْجَمْعَ انْتَهَى
قُلْت قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَاجِبُ عليها أَنْ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ ما شَاءَتْ من صَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ وَتَجْمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ في وَقْتِ إحْدَاهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وقال إنْ تَوَضَّأَتْ وَدَخَلَ عليها وَقْتُ صَلَاةٍ أو خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى أنها تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لها أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وقد حَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْخِرَقِيِّ لِكُلِّ صَلَاةٍ على أَنَّ مَعْنَاهُ لِوَقْتِ كل صَلَاةٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ على ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ كما في التَّيَمُّمِ انْتَهَى قال في الْمُغْنِي وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ قال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ تَجْمَعُ بِالْغُسْلِ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فيه نَقَلَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا وقال في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَإِنَّمَا تَجْمَعُ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَوَائِدُ
إحداها لها أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا تَطُوفُ إلَّا أَنْ تَطُولَ اسْتِحَاضَتُهَا قال أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ في مَجْمُوعِهِ لَعَلَّهُ غَلَطٌ
____________________
(1/379)
الثَّانِيَةُ الْأَوْلَى لها أَنْ تُصَلِّيَ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ لِحَاجَةٍ من انْتِظَارِ جَمَاعَةٍ أو لِسُتْرَةٍ أو تَوَجُّهٍ أو تَنَفُّلٍ وَنَحْوِهِ أو لِمَا لَا بُدَّ منه جَازَ وَإِنْ كان لِغَيْرِ ذلك جَازَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وفي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
الثَّالِثَةُ لو كان لها عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ في وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ فَبِذَا تَعَيَّنَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا عِبْرَةَ بِانْقِطَاعِهِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ
الرَّابِعَةُ لو عَرَضَ هذا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ أَبْطَلَ طَهَارَتَهَا فَإِنْ وُجِدَ قبل الدُّخُولِ في الصَّلَاةِ لم يَجُزْ الشُّرُوعُ فيها فَإِنْ خَالَفَتْ وَشَرَعَتْ وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فيه فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ عَادَ قبل ذلك فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ وفي إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ عَرَضَ هذا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ فَفِي بَقَاءِ طُهْرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ إعَادَتُهَا وهو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وفي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ
الْخَامِسَةُ لو عَرَضَ هذا الِانْقِطَاعُ الْمُبْطِلُ لِلْوُضُوءِ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا مع الْوُضُوءِ وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ تَخْرُجُ تَتَوَضَّأُ وَتَبْنِي وَذَكَرَ بن حَامِدٍ وَجْهًا ثَالِثًا لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ بَلْ تُتِمُّهُمَا قال الشَّارِحُ انْبَنَى على الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ في الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ بن حَامِدٍ وَاقْتَصَرَ عليه الشَّارِحُ وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَدَثَ هُنَا مُتَجَدِّدٌ ولم يُوجَدْ عنه بَدَلٌ وَتَقَدَّمَ ذلك وَنَظِيرُهُ في التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
السَّادِسَةُ مُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/380)
اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنْ تكون ( ( ( يكون ) ) ) لها عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ وَقِيلَ لَا تَنْصَرِفُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ فقال وَعِنْدِي لَا تَنْصَرِفُ ما لم تَمْضِ مُدَّةُ الِاتِّسَاعِ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو خَالَفَتْ ولم تَنْصَرِفْ بَلْ مَضَتْ فَعَادَ الدَّمُ قبل مُدَّةِ الِاتِّسَاعِ فَعِنْدَ الْأَصْحَابِ فيه الْوَجْهَانِ في الِانْقِطَاعِ قبل الشُّرُوعِ على ما تَقَدَّمَ
السَّابِعَةُ لو تَوَضَّأَتْ من لها عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ فَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حتى اتَّسَعَ أو بَرَأَتْ بَطَلَ وُضُوءُهَا إنْ وُجِدَ منها دَمٌ معه أو بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا
الثَّامِنَةُ لو كَثُرَ الِانْقِطَاعُ وَاخْتَلَفَ بِتَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ وَوُجِدَ مَرَّةً وَعُدِمَ أُخْرَى ولم يَكُنْ لها عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ بِاتِّصَالٍ وَلَا بِانْقِطَاعٍ فَهَذِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ في بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ الْمُتَّسِعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ دُونَ ما دُونَهُ وفي سَائِرِ ما تَقَدَّمَ إلَّا في فَصْلٍ وَاحِدٍ وهو أنها لَا تُمْنَعُ من الدُّخُولِ في الصَّلَاةِ وَالْمُضِيِّ فيها بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ قبل تَبَيُّنِ اتِّسَاعِهِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي هُنَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بهذا الِانْقِطَاعِ بَلْ يَكْفِي وُجُودُ الدَّمِ في شَيْءٍ من الْوَقْتِ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ أَحْمَدَ بن الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال بن تَمِيمٍ وهو أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
التَّاسِعَةُ لَا يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ دَائِمٌ وَيَكْفِي فيه الِاسْتِبَاحَةُ فَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ فَلَا يُعْتَبَرُ على ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَجْدِ
قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ من بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيُ وَالرِّيحُ وَالْجَرِيحُ الذي لَا يَرْقَأُ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ
بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ عليه أَنْ يَحْتَشِيَ نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ لَا يَلْزَمُهُ
____________________
(1/381)
فَائِدَةٌ لو قَدَرَ على حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ لِأَجْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ كَالْمَكَانِ النَّجِسِ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَجَزَمَ بِهِ أبو الْمَعَالِي لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بَدَلَ له وقال أبو الْمَعَالِي أَيْضًا وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْقِرَاءَةُ أو لَحِقَهُ السَّلَسُ إنْ صلى قَائِمًا صلى قَائِمًا وقال أَيْضًا لو كان لو قام وَقَعَدَ لم يَحْبِسْهُ وَلَوْ اسْتَلْقَى حَبْسَهُ صلى قَائِمًا أو قَاعِدًا لِأَنَّ المستلقى لَا نَظِيرَ له اخْتِيَارًا وَيَأْتِي قَرِيبًا من ذلك سَتْرُ الْعَوْرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً منه
قَوْلُهُ وَهَلْ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ في الْفَرْجِ من غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالشَّرْحِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ
إحْدَاهُمَا لَا يُبَاحُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مع عَدَمِ الْعَنَتِ قال في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ وهو منها
الثَّانِيَةُ يُبَاحُ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَيُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ من غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو فَعَلَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَالْوَطْءِ في الْحَيْضِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَا كَفَّارَةَ عليه قَوْلًا وَاحِدًا وفي الرِّعَايَةِ احْتِمَالٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ حَرَامٍ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا شَمِلَ قَوْلُهُ خَوْفِ الْعَنَتِ الزَّوْجَ أو الزَّوْجَةَ أو هُمَا وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا خَافَ الْعَنَتَ يُبَاحُ له وَطْؤُهَا مُطْلَقًا وهو
____________________
(1/382)
صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّوْلَ لِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَالَهُ بن عَقِيلٍ في رِوَايَتَيْهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال الشَّبَقُ الشَّدِيدُ كَخَوْفِ الْعَنَتِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ مُطْلَقًا مع أَمْنِ الضَّرَرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وقال الْقَاضِي لَا يُبَاحُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ كَالْعَزْلِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ قال في الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ في بَعْضِ جَوَابِهِ وَالزَّوْجَةُ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا وقال وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ وقال وَفِعْلُ الرَّجُلِ ذلك بها من غَيْرِ عِلْمٍ يُتَوَجَّهُ تَحْرِيمُهُ لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مُطْلَقًا من النَّسْلِ الْمَقْصُودِ وقال وَيُتَوَجَّهُ في الْكَافُورِ وَنَحْوِهِ له لِقَطْعِ الْحَيْضِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ الذي لَا شَكَّ فيه
قال في الْفَائِقِ وَلَا يَجُوزُ ما يَقْطَعُ الْحَمْلَ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ
الثَّانِيَةُ يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِحُصُولِ الْحَيْضِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ إلَّا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ ذَكَرَهُ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ
قُلْت وَلَيْسَ له مُخَالِفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ من ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَيَأْتِي في أَثْنَاءِ النِّفَاسِ إذَا شَرِبَتْ شيئا لِتُلْقِي ما في بَطْنِهَا
قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ سِتُّونَ حَكَاهَا بن عَقِيلٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ النِّفَاسِ وَلَوْ زَادَ على الْأَرْبَعِينَ أو السِّتِّينَ أو السَّبْعِينَ وَانْقَطَعَ فَهُوَ نِفَاسٌ لَكِنْ إنْ اتَّصَلَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَحِينَئِذٍ فَالْأَرْبَعُونَ مُنْتَهَى الْغَالِبِ وَتَقَدَّمَ إذَا رَأَتْهُ قبل وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من أَيِّ وَقْتٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ فَلْيُعَاوَدْ
____________________
(1/383)
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ إنْ لم يُصَادِفْ عَادَةً ولم يُجَاوِزْهَا فَإِنْ صَادَفَ عَادَةً ولم يُجَاوِزْهَا فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَهَا فَاسْتِحَاضَةٌ إنْ لم يَتَكَرَّرْ إذَا لم يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ
قُلْت وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بَعْدَ السِّتِّينَ على الْقَوْلِ بِهِ وَلَا فَرْقَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْأَصْحَابُ على ذلك بِنَاءً على الْمَذْهَبِ
قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ
يَعْنِي لَا حَدَّ بِزَمَنٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ وَعَنْهُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ذَكَرَهَا أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ لِقَوْلِهِ في رِوَايَةِ أبي دَاوُد وقد قِيلَ له إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمٍ فقال بَعْدَ يَوْمٍ لَا يَكُونُ وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو وُجِدَ فَأَقَلُّهُ قَطْرَةٌ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ مَجَّةٌ قَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ وَقِيلَ قَدْرُ لَحْظَةٍ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى هذه الْأَقْوَالَ وَرِوَايَةَ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ ولم يذكر في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا في الْفَرْجِ حتى تُتَمِّمَ الْأَرْبَعِينَ
يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ في أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ كُرِهَ له على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ونص ( ( ( نص ) ) ) عليه وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وَقِيلَ يَحْرُمُ مع عَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَقِيلَ يُكْرَهُ إنْ أَمِنَ الْعَنَتَ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وإذا انْقَطَعَ دَمُهَا في مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فيها فَهُوَ نِفَاسٌ
على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ
____________________
(1/384)
قال في الْفَائِقِ فَهُوَ نِفَاسٌ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَعَنْهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فيه تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ وهو الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وأبو الْخَطَّابِ وَالشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ في رؤوس مَسَائِلِهِمَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ هذا أَشْهَرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ إنْ كان الثَّانِي يوم ( ( ( يوما ) ) ) وَلَيْلَةً فَهُوَ مَشْكُوكٌ فيه وَإِنْ كان أَقَلَّ من ذلك فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ تَصُومُ وَتُصَلِّي معه وَلَا تَقْضِي قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَهَذَا لَا وَجْهَ له وقال الْقَاضِي أَيْضًا إنْ كان الْعَائِدُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَقْضِي ما وَجَبَ فِيهِمَا من صَوْمٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَاعْتِكَافٍ احْتِيَاطًا نَقَلَهُ بن تَمِيمٍ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو وَلَدَتْ من من غَيْرِ دَمٍ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فيه قال في الْفُرُوعِ مَشْكُوكٌ فيه في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ هو نِفَاسٌ قال بن تَمِيمٍ يَخْرُجُ هذا الدَّمُ على رِوَايَتَيْنِ هل هو مَشْكُوكٌ فيه أو نِفَاسٌ قال فَإِنْ صَلَحَ الْعَائِدُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَصَادَفَ الْعَادَةَ لم يَبْقَ مَشْكُوكًا فيه سَوَاءٌ كان زَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا كَامِلًا أو لَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرُهُمْ أَطْلَقَ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ الطُّهْرُ الذي بين الدَّمَيْنِ طُهْرٌ صَحِيحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فيه تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ
____________________
(1/385)
الْوَاجِبَ وَنَحْوَهُ وحكى عن بن أبي مُوسَى وَعَنْهُ تَقْضِي الصَّوْمَ مع عَوْدِهِ وَلَا تَقْضِي الطَّوَافَ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وإذا انْقَطَعَ دَمُهَا في مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فيها أَنَّ الطُّهْرَ الذي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا طُهْرٌ صَحِيحٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ إنْ رَأَتْ النَّقَاءَ أَقَلَّ من يَوْمٍ لَا تَثْبُتُ لها أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ وَمِنْهَا خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ في النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بين الْحَيْضِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ في أَثْنَاءِ الْعَادَةِ ثُمَّ عَادَ فيها
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِسْقَاطِ نُطْفَةٍ ذَكَرَهُ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال بن الْجَوْزِيِّ في أَحْكَامِ النِّسَاءِ يَحْرُمُ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ قبل أَنْ يُنْفَخَ فيه الرُّوحُ قال وَلَهُ وَجْهٌ انْتَهَى وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْأَحْوَطُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَعْمِلُ دَوَاءً يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَنِيِّ في مَجَارِي الْحَبَلِ
الثَّانِيَةُ من اسْتَمَرَّ دَمُهَا يَخْرُجُ من فَمِهَا بِقَدْرِ الْعَادَةِ في وَقْتِهَا وَوَلَدَتْ فَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ وَدَمُ النِّفَاسِ من فَمِهَا فَغَايَتُهُ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُهُ حَيْضًا كَزَائِدٍ على الْعَادَةِ أو كَمَنِيٍّ خَرَجَ من غَيْرِ مَخْرَجِهِ ذَكَرَهُ في الْفُنُونِ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَوَّلُ النِّفَاسِ من الْأَوَّلِ وَآخِرُهُ منه
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَعَلَيْهَا لو كان بين الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي نُصَّ عليه بَلْ هو دَمُ فَسَادٍ وَقِيلَ تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ وقال لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فيه وَعَنْهُ أَنَّهُ من الْأَخِيرِ يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ من الْأَوَّلِ وَآخِرَهُ من الْأَخِيرِ فَعَلَيْهَا تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ من وِلَادَتِهِ فَلَوْ كان بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا أو أَكْثَرُ فَهُمَا نِفَاسَانِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالتَّلْخِيصِ وَعَنْهُ نِفَاسٌ وَاحِدٌ وهو الصَّحِيحُ على هذه الرِّوَايَةِ قال
____________________
(1/386)
بن تَمِيمٍ وقال غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ الْكُلُّ نِفَاسٌ
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَقِيلَ إنْ كان بَيْنَهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ وَالثَّانِي دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ من الثَّانِي فما قَبْلَهُ كَدَمِ الْحَامِلِ إنْ كان ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ نِفَاسٌ وَإِنْ زَادَ فَفَاسِدٌ وَقِيلَ بَلْ نِفَاسٌ لَا يُعَدُّ من غَيْرِ مُدَّةِ الْأَوَّلِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَوَّلُ مُدَّةِ النِّفَاسِ من الْوَضْعِ إلَّا أَنْ تَرَاهُ قبل وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ من الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَلَدِ اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ معه من الْمُدَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَخَرَّجَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وفي الْفَائِقِ
وَتَقَدَّمَ ذلك مُحَرَّرًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ فَلْيُعَاوَدْ
الثَّانِيَةُ يَثْبُتُ حُكْمُ النِّفَاسِ بِوَضْعِ شَيْءٍ فيه خَلْقُ الْإِنْسَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه قال بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا وَمُدَّةُ تَبْيِينِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ غَالِبًا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وقد قال الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ ما يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا فَلَوْ وَضَعَتْ عَلَقَةً أو مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فيها لم يَثْبُتْ لها بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَعَنْهُ يَثْبُتُ بِوَضْعِ مُضْغَةٍ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ وَعَلَقَةٌ وهو وَجْهٌ في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَثْبُتُ لها حُكْمُ النُّفَسَاءِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ من الْعِدَّةِ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَدَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ دُونَ دُونِهِ في الْأَصَحِّ أَيْ دَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ دُونَ من وُضِعَ لِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَدَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ
____________________
(1/387)
كِتَابُ الصَّلَاةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لِلصَّلَاةِ مَعْنَيَانِ مَعْنًى في اللُّغَةِ وَمَعْنًى في الشَّرْعِ فَمَعْنَاهَا في اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَهِيَ في الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عن الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ من الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ من الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةً بِالتَّسْلِيمِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ عِبَارَةٌ عن هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُشْتَمِلَةٍ على رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذِكْرِهِ انْتَهَى وَسُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا على الدُّعَاءِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ الذي عليه جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ من الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
وقال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا سُمِّيَتْ صَلَاةً لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ كالمصلى من السَّابِقِ في الْخَيْلِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ صَلَاةً لِمَا يَعُودُ على صَاحِبِهَا من الْبَرَكَةِ وَتُسَمَّى الْبَرَكَةُ صَلَاةً في اللُّغَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمَغْفِرَةِ التي هِيَ مَقْصُودَةٌ بِالصَّلَاةِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ صَلَاةً لِمَا تَتَضَمَّنُ من الْخُشُوعِ وَالْخَشْيَةِ لِلَّهِ مَأْخُوذٌ من صَلَيْت الْعُودَ إذَا لَيَّنْته وَالْمُصَلِّي يَلِينُ وَيَخْشَعُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ صَلَاةً لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتْبَعُ من تَقَدَّمَهُ فَجِبْرِيلُ أَوَّلُ من تَقَدَّمَ بِفِعْلِهَا وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَبَعًا له وَمُصَلِّيًا ثُمَّ الْمُصَلُّونَ بَعْدَهُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ صَلَاةً لِأَنَّ رَأْسَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ صَلَوَى إمَامِهِ والصلوان عَظْمَانِ عن يَمِينِ الذَّنَبِ وَيَسَارِهِ في مَوْضِعِ الرِّدْفِ ذُكِرَ ذلك في النِّهَايَةِ إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فإنه ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ
الثَّانِيَةُ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وهو قبل الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ سِتَّةٍ وَقِيلَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ
تَنْبِيهٌ دخل في عُمُومِ قَوْلِهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ على كل مُسْلِمٍ من أَسْلَمَ قبل بُلُوغِ الشَّرْعِ له كَمَنْ أَسْلَمَ في دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ
____________________
(1/388)
الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قال في الْفُرُوعِ وَيَقْضِيهَا مُسْلِمٌ قبل بُلُوغِ الشَّرْعِ وَقِيلَ لَا يَقْضِيهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِنَاءً على أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ قال في الْفَائِقِ وَخَرَجَ رِوَايَتَانِ في ثُبُوتِ حُكْمِ الْخِطَابِ قبل الْمَعْرِفَةِ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يَقْضِي حَرْبِيٌّ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْوَجْهَانِ في كل من تَرَكَ وَاجِبًا قبل بُلُوغِ الشَّرْعِ كَمَنْ لم يَتَيَمَّمْ لِعَدَمِ الْمَاءِ لِظَنِّهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِهِ أو لم يُزَكِّ أو أَكَلَ حتى تَبَيَّنَ له الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ لِظَنِّهِ ذلك أو لم تُصَلِّ مُسْتَحَاضَةٌ وَنَحْوُهُ قال وَالْأَصَحُّ لَا فَرْضًا قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ ولم يَقْضِ وَإِلَّا أَثِمَ وَكَذَا لو عَامَلَ بربى ( ( ( بربا ) ) ) أو نَكَحَ فَاسِدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ له التَّحْرِيمُ
قَوْلُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ على كل مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ
يَعْنِي لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ النُّفَسَاءَ إذَا طَرَحَتْ نَفْسَهَا لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عنها وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ جَمَاعَةٌ منهم بن تَمِيمٍ
قَوْلُهُ وَتَجِبُ على النَّائِمِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ أو إغْمَاءٍ أو شُرْبِ دَوَاءٍ
اما النَّائِمُ فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عليه إجْمَاعًا وَيَجِبُ إعْلَامُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ أبو الْخَطَّابِ في التَّمْهِيدِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ إعْلَامُهُ وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ لم يَضِقْ الْوَقْتُ بَلْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ مُطْلَقَاتٌ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ
وَأَمَّا من زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَكَذَا من زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ الْوُجُوبِ في ذلك كُلِّهِ وقال في الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ تَلْزَمُهُ بِلَا نِزَاعٍ
____________________
(1/389)
وَقِيلَ لَا تَجِبُ إذَا سَكِرَ مُكْرَهًا وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ
وَتَجِبُ على من زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ بِلَا نِزَاعٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو جُنَّ مُتَّصِلًا بِكُرْهٍ فَفِي وُجُوبِهَا عليه زَمَنَ جُنُونِهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهِيَ لِأَبِي الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ
قُلْت الذي يَظْهَرُ الْوُجُوبُ تَغْلِيظًا عليه كَالْمُرْتَدِّ على ما يَأْتِي قَرِيبًا وقال بن تَمِيمٍ وَيُبَاحُ من السَّمُومِ تَدَاوِيًا ما الْغَالِبُ عنه السَّلَامَةُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي لَا يُبَاحُ كما لو كان الْغَالِبُ منه الْهَلَاكَ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فيه ما صَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
وَأَمَّا الْمُغْمَى عليه فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُهَا عليه مُطْلَقًا نُصَّ عليه في رِوَايَةِ صَالِحٍ وبن مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ كَالنَّائِمِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ عليه كَالْمَجْنُونِ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ
وَأَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ يَعْنِي مُبَاحًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ عليه وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّ الْإِغْمَاءَ بِتَنَاوُلِ الْمُبَاحِ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ وَالْإِغْمَاءَ بِالْمَرَضِ لَا يُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا امْتَنَعَ من شُرْبِ الدَّوَاءِ خَوْفًا من مَشَقَّةِ الْقَضَاءِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ من شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ بِهِ فَإِنْ كان زَوَالًا لَا يَدُومُ كَثِيرًا فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ وَإِنْ تَطَاوَلَ فَهُوَ كالجنون ( ( ( كالمجنون ) ) )
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ على كَافِرٍ
الْكَافِرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا أو مُرْتَدًّا فَإِنْ كان أَصْلِيًّا لم تَجِبْ عليه بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ لم يَقْضِهَا وَهَذَا إجْمَاعٌ وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بها فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعَنْهُ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بها وَعَنْهُ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الْأَوَامِرِ قال في الرِّعَايَةِ وَلَا تَلْزَمُ كَافِرًا أَصْلِيًّا وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ وَهِيَ أَصَحُّ انْتَهَى وَمَحَلُّ ذلك أُصُولُ الْفِقْهِ
____________________
(1/390)
وَإِنْ كان مُرْتَدًّا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْضِي ما تَرَكَهُ قبل رِدَّتِهِ وَلَا يَقْضِي ما فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ قال الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا هذا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ الصُّغْرَى مع أَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ قال في الْفَائِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ عليه في حَالِ الرِّدَّةِ وَعَدَمُ إلْزَامِهِ بِقَضَائِهَا بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ انْتَهَى وَعَنْهُ يَقْضِي ما تَرَكَهُ قبل رِدَّتِهِ وَبَعْدَهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ في الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ لَكِنْ قال الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كما تَقَدَّمَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن عُبَيْدَانَ وَنَصَرَهُ وَعَنْهُ لَا يَقْضِي ما تَرَكَهُ قبل رِدَّتِهِ وَلَا بَعْدَهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَ الْأَخِيرَةَ وَقَدَّمَ في الْحَاوِيَيْنِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عليه فِيمَا تَرَكَهُ حَالَةَ رِدَّتِهِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في وُجُوبِ ما تَرَكَهُ قبل الرِّدَّةِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيَقْضِي ما تَرَكَهُ قبل رِدَّتِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وقد قال الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وإذا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما تَرَكَهُ من الْعِبَادَاتِ في رِدَّتِهِ على رِوَايَتَيْنِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما تَرَكَهُ من الْعِبَادَاتِ زَمَنَ الرِّدَّةِ على رِوَايَتَيْنِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ بَنَاهُمَا بن الصَّيْرَفِيِّ وَالطُّوفِيُّ على أَنَّ الْكُفَّارَ هل يُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا قال وَفِيهِ نَظَرٌ من وَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا
فَائِدَةٌ في بُطْلَانِ اسْتِطَاعَةِ قَادِرٍ على الْحَجِّ بِرِدَّتِهِ وَوُجُوبِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ في رِدَّتِهِ فَقَطْ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ نَقْلًا وَمَذْهَبًا فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو طَرَأَ
____________________
(1/391)
عليه جُنُونٌ في رِدَّتِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْضِي ما فَاتَهُ في حَالِ جُنُونِهِ لِأَنَّ عَدَمَهُ رُخْصَةٌ تَخْفِيفًا قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي بن مُنَجَّا وَغَيْرُهُ
قُلْت فَيُعَايَى بها وَقِيلَ لَا يَقْضِي كَالْحَائِضِ
تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ في قَضَاءِ الصَّلَاةِ جَارٍ في الزَّكَاةِ إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ على ما يَأْتِي وَكَذَا هو جَارٍ في الصَّوْمِ فَإِنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَيَنْوِي بها لِلتَّعَذُّرِ وَإِنْ لم تَكُنْ قُرْبَةً كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَالْمُمْتَنِعُ من الزَّكَاةِ كَالْمُمْتَنِعِ من أَدَاءِ الْحُقُوقِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُ ظَاهِرًا وَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت الصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ
وَقِيلَ إنْ أَسْلَمَ قَضَاهَا على الْأَصَحِّ وَلَا يَجْزِيهِ إخْرَاجُهُ حَالَ كُفْرِهِ زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ وَقِيلَ وَلَا قَبْلَهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
ولم أَفْهَمْ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ أخرجها ( ( ( إخراجها ) ) ) قبل الرِّدَّةِ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ على الْإِسْلَامِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ ارْتَدَّ لم تُجْزِهِ كَالْحَجِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إذَا عَجَّلَهَا قبل أَنْ يَرْتَدَّ ثُمَّ ارْتَدَّ وَحَالَ الْحَوْلُ عليه وهو ولم يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ بِرِدَّتِهِ فيه وَإِلَّا انْقَطَعَ
وَأَمَّا إعَادَةُ الْحَجِّ إذَا فَعَلَهُ قبل رِدَّتِهِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ نُصَّ عليه قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ هذا هو الصَّحِيحُ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَاتُهُ في إسْلَامِهِ إذَا عَادَ وَلَوْ الْحَجَّ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ في شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ ذَكَرَهُ في بَابِ الْحَجِّ وَنَصَّ على ذلك الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ ذَكَرَهُ في كِتَابِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِفَادَاتِ قال أبو الْحَسَنِ الحوزي ( ( ( الجوزي ) ) ) وَجَمَاعَةٌ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ وَاخْتَارَ
____________________
(1/392)
الْإِعَادَةَ أَيْضًا الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ في كِتَابِ الْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِعَادَةِ قِيلَ بِحُبُوطِ الْعَمَلِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ كَإِيمَانِهِ فإنه لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ ثَانِيًا وَالْوَجْهَانِ في كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا بِالْمَوْتِ عليها قال جَمَاعَةٌ الْإِحْبَاطُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الثَّوَابِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعَمَلِ لِبَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ من صلى خَلْفَهُ وَحِلِّ ما كان ذَبَحَهُ وَعَدَمِ نَقْضِ تَصَرُّفِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو أَسْلَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ في وَقْتِهَا وكان قد صَلَّاهَا قبل رِدَّتِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَجِّ على ما تَقَدَّمَ من الْخِلَافِ في الْمَذْهَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ هُنَا إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الْحَجِّ لِفِعْلِهَا في إسْلَامِهِ الثَّانِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
الثَّانِيَةُ قال الْأَصْحَابُ لَا تَبْطُلُ عِبَادَةٌ فَعَلَهَا في الْإِسْلَامِ السَّابِقِ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا ما تَقَدَّمَ من الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وقال في الرِّعَايَةِ إنْ صَامَ قبل الرِّدَّةِ فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ
قَوْلُهُ وَلَا مَجْنُونٍ
يَعْنِي أنها لَا تَجِبُ على الْمَجْنُونِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ تَجِبُ عليه فَيَقْضِيهَا وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ لَا تَجِبُ على الْأَبْلَهِ الذي لَا يَعْقِلُ وقال في الصَّوْمِ لَا يَجِبُ على الْمَجْنُونِ وَلَا على الْأَبْلَهِ لِلَّذِينَ لَا يُفِيقَانِ وقال في الرِّعَايَةِ يَقْضِي الْأَبْلَهُ مع قَوْلِهِ في الصَّوْمِ الْأَبْلَهُ كَالْمَجْنُونِ ذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ ثُمَّ قال كَذَا ذُكِرَ
____________________
(1/393)
قُلْت ليس الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ما قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا قال يَقْضِي على قَوْلٍ وَهَذَا لَفْظُهُ وَيَقْضِيهَا مع زَوَالِ عَقْلِهِ بِنَوْمٍ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قال أو بِشُرْبِ دَوَاءٍ ثُمَّ قال وَقِيلَ مُحْرِمٍ أو أَبْلَهَ وَعَنْهُ أو مَجْنُونٍ فَهُوَ إنَّمَا حَكَى الْقَضَاءَ في الْأَبْلَهِ قَوْلًا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ في الصَّوْمِ فما بين كَلَامِهِ في الْمَوْضِعَيْنِ تَنَافٍ بَلْ كَلَامُهُ مُتَّفِقٌ فِيهِمَا وَجَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ جُنُونٍ لم يَسْقُطْ وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وقال في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ لو ضُرِبَ رَأْسُهُ فَجُنَّ لم يَجِبْ عليه الْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ
قَوْلُهُ وإذا صلى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ وَذَكَرَ أبو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ إنْ صلى جَمَاعَةً حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لَا إنْ صلى مُنْفَرِدًا وقال ( ( ( وقاله ) ) ) في الْفَائِقِ وَهَلْ الْحُكْمُ لِلصَّلَاةِ أو لِتَضَمُّنِهَا الشَّهَادَةَ فيه وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا بن الزَّاغُونِيِّ
فَائِدَةٌ في صِحَّةِ صَلَاتِهِ في الظَّاهِرِ وَجْهَانِ وفي بن الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ قال الْقَاضِي صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ذَكَرَهُ في النُّكَتِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ شَرْطُ الصَّلَاةِ تَقَدُّمُ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْإِسْلَامِ فإذا تَقَرَّبَ بِالصَّلَاةِ يَكُونُ بها مُسْلِمًا وَإِنْ كان مُحْدِثًا وَلَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا لِفَقْدِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هذا عليه أَنْ يُعِيدَهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصِحُّ في الظَّاهِرِ اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ فَعَلَيْهِ تَصِحُّ إمَامَتُهُ على الصَّحِيحِ نُصَّ عليه وَقِيلَ تَصِحُّ قال أبو الْخَطَّابِ الْأَصْوَبُ أَنَّهُ إنْ أَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ إنَّمَا فَعَلْتهَا وقد اعْتَقَدَتْ الْإِسْلَامَ قُلْنَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةُ من صلى خَلْفَهُ وَإِنْ قال فَعَلْتهَا تَهَزُّؤًا قَبِلْنَا منه فِيمَا عليه من إلْزَامِ الْفَرَائِضِ ولم نَقْبَلْ
____________________
(1/394)
منه فِيمَا يُؤْثِرُهُ من دِينِهِ قال في الْمُغْنِي إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كان قد أَسْلَمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسْلِمُ بِغَيْرِ فِعْلِ الصَّلَاةِ من الْعِبَادَاتِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْلِمُ إذَا أَذَّنَ في وَقْتِهِ وَمَحَلِّهِ لَا أَعْلَمُ فيه نِزَاعًا وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا إذَا أَذَّنَ في غَيْرِ وَقْتِهِ وَمَحَلِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ في بَابِ الْأَذَانِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ وَزَكَاةِ مَالِهِ وَحَجِّهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ اكثر الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي في بَابِ الْمُرْتَدِّ وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ في غَيْرِ الْحَجِّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقِيلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِفِعْلِ ذلك اخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْحَجِّ فَقَطْ وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وَقِيلَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِبَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ وَالْأَقْوَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِنَا كَجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ قال في الْفُرُوعِ وَيَدْخُلُ فيه كُلُّ ما يُكَفِّرُ الْمُسْلِمَ بِإِنْكَارِهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ الْكَافِرُ قال وَهَذَا مُتَّجَهٌ
قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ على صَبِيٍّ
لَا يَخْلُو الصَّبِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ دُونَ التَّمْيِيزِ أو يَكُونَ مُمَيِّزًا
فَإِنْ كان دُونَ التَّمْيِيزِ لم تجب ( ( ( يجب ) ) ) عليه الْعِبَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا ولم تَصِحَّ منه على الصَّحِيحِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّ بن سَبْعٍ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ الْخِرَقِيِّ صِحَّةُ صَلَاةِ الْعَاقِلِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِسِنٍّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ الْخِرَقِيِّ بن ثَلَاثِ سِنِينَ أَيْضًا وَنَحْوُهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ إذَا عَقَلَهُ
وَأَمَّا إنْ كان مُمَيِّزًا أو هو بن سَبْعِ سِنِينَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ بن سِتٍّ وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ بن عَشْرٍ
____________________
(1/395)
وقال بن أبي الْفَتْحِ في الْمُطْلِعِ هو الذي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ وَقَالَهُ الطُّوفِيُّ في مُخْتَصَرِهِ في الْأُصُولِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عليه وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ وَأَنَّ بن سِتٍّ أو سَبْعٍ يَفْهَمُ ذلك غَالِبًا وَضَبَطُوهُ بِالسِّنِّ
إذَا عَلِمْت ذلك فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا من الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَا تَجِبُ عليه إلَّا أَنْ يَبْلُغَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ تَجِبُ على من بَلَغَ عَشْرًا قال في الْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ تِسْعًا تَجِبُ عليها وَعَنْهُ تَجِبُ على الْمُرَاهِقِ اخْتَارَهَا أبو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وبن عَقِيلٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ في الْأُصُولِ قال أبو الْمَعَالِي وَنُقِلَ عن أَحْمَدَ في بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ قُتِلَ وَعَنْهُ تَجِبُ على الْمُمَيِّزِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَذَكَرَهَا في الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ في الْجُمُعَةِ قال في الْجُمُعَةِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وأذا أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عليه فَهَلْ الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِمَا عَدَا الْجُمُعَةَ أَمْ يَعُمُّ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ قُلْنَا بتكليفه ( ( ( بتكلفه ) ) ) في الصَّلَاةِ قال الْمَجْدُ هو كَالْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ التَّسْوِيَةُ بين الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ الْجُمُعَةِ وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ
فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ على الْمُمَيِّزِ لو فَعَلَهَا صَحَّتْ منه بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ ثَوَابُ عَمَلِهِ لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في غَيْرِ مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ في الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ من الْفُنُونِ وَقَالَهُ بن هُبَيْرَةَ وقال بن عَقِيلٍ أَيْضًا في بَعْضِ كُتُبِهِ الصَّبِيُّ ليس من أَهْلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
____________________
(1/396)
وَرَدَّهُ في الْفُرُوعِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ في طَرِيقَتِهِ في مَسْأَلَةِ تَصَرُّفِهِ ثَوَابُهُ لِوَالِدَيْهِ
قَوْلُهُ وَيُؤْمَرُ بها لِسَبْعٍ
اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ على الْوَلِيِّ أَمْرُهُ بها وَتَعْلِيمُهُ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةُ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي دَاوُد خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بن عَقِيلٍ في مُنَاظَرَاتِهِ وقال بن الْجَوْزِيِّ لَا يَجِبُ على وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ أَنْ يُنَزِّهَهُمَا عن النَّجَاسَةِ وَلَا أَنْ يُزِيلَهَا عنهما بَلْ يُسْتَحَبُّ وَذَكَرَ وَجْهًا أَنَّ الطَّهَارَةَ تَلْزَمُ الْمُمَيِّزَ
قَوْلُهُ وَيُضْرَبُ على تَرْكِهَا لِعَشْرٍ
اعْلَمْ أَنَّ ضَرْبَ بن عَشْرٍ على تَرْكِهَا وَاجِبٌ على الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عليه قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا تَصِحُّ من الصَّغِيرِ فَيُشْتَرَطُ لها ما يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَبِيرِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ إلَّا في السُّتْرَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ يَدُلُّ على صِحَّتِهَا بِدُونِ الْخِمَارِ مِمَّنْ لم تَحِضْ
قَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ في أَثْنَائِهَا أو بَعْدَهَا في وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا
يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَجِبُ عليه إلَّا بِالْبُلُوغِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِيهِمَا وهو تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا بَلَغَ بَعْدَ فَرَاغِهَا اخْتَارَهُ في شَرْحِ الْمُذْهَبِ وَقِيلَ إنْ لَزِمَتْهُ وَأَتَمَّهَا كَفَتْهُ ولم يَجِبْ قَضَاؤُهَا إذَا بَلَغَ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ وَجَبَتْ وهو فيها لَزِمَهُ إتْمَامُهَا على الْقَوْلِ بِإِعَادَتِهَا
قُلْت فَيُعَايَى بها
وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تَجِبُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا مَبْنِيٌّ على الْخِلَافِ فِيمَنْ دخل
____________________
(1/397)
في نَفْلٍ هل يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ على ما يَأْتِي في صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَ أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ بن عُبَيْدَانَ أَنَّهُ يُتِمُّهَا وَذَكَرَ الثَّانِيَ احْتِمَالًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لو تَوَضَّأَ قبل بُلُوغِهِ ثُمَّ بَلَغَ وهو على تِلْكَ الطَّهَارَةِ لم يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا كَوُضُوءِ الْبَالِغِ قبل الْوَقْتِ وهو غَيْرُ مَقْصُودٍ في نَفْسِهِ وَقُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ كَوُضُوءِ الْبَالِغِ لِلنَّافِلَةِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ على ما تَقَدَّمَ مُحَرَّرًا في التَّيَمُّمِ قبل قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ
فَائِدَةٌ لو أَسْلَمَ كَافِرٌ لم يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ لَا يَصِحُّ نَفْلًا فإذا وُجِدَ فَهُوَ على وَجْهِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وهو الْأَبُ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي خِلَافًا وقال أبو الْبَقَاءِ الْإِسْلَامُ أَصْلُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْلَاهَا فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عليه وَمَعَ التَّسْلِيمِ فقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عليه إعَادَتُهُ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عليه الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ أو لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا
زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ إذَا كان ذَاكِرًا لها قَادِرًا على فِعْلِهَا وهو مُرَادٌ لِمَنْ لم يذكر ذلك
وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ على ما يَأْتِي في بَابِهِ لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ لِأَجْلِ ذلك
وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إذَا كان مُشْتَغِلًا بِشَرْطِهَا وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ولم يذكر الِاشْتِغَالَ بِالشَّرْطِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ له وَغَيْرِهِمْ
وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِشَرْطِهَا على قِسْمَيْنِ قِسْمٌ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ
وَقِسْمٌ يَحْصُلُ بَعْدَ زَمَنٍ قَرِيبٍ فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُجَوِّزُونَهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(1/398)
وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ولم يَذْكُرْهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ كما تَقَدَّمَ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِهَا إلَّا لِنَاوِي جَمْعِهَا أو لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا فَهَذَا لم يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ من الْأَصْحَابِ بَلْ من سَائِرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيُّ فَهَذَا لَا شَكَّ فيه وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ليس على عُمُومِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ صُوَرًا مَعْرُوفَةً كما إذَا أَمْكَنَ الْوَاصِلَ إلَى الْبِئْرِ أَنْ يَضَعَ حَبْلًا يستقى بِهِ وَلَا يَفْرُغُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ أو أَمْكَنَ الْعُرْيَانَ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبًا وَلَا يَفْرُغُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَنَحْوِ هذه الصُّوَرِ وَمَعَ هذا فَاَلَّذِي قَالَهُ هو خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ عن أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وما أَظُنُّ يُوَافِقُهُ إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قال وَيُؤَيِّدُ ما ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْعُرْيَانَ لو أَمْكَنَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَرْيَةٍ يَشْتَرِي منها ثَوْبًا وَلَا يُصَلِّ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ له التَّأْخِيرُ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عن تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صلى حَسَبَ حَالِهِ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا كان دَمُهَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ الْوَقْتِ لم يَجُزْ لها التَّأْخِيرُ بَلْ تصلى في الْوَقْتِ بِحَسَبِ حَالِهَا انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُهُ إنْ اسْتَيْقَظَ أَوَّلَ الْوَقْتِ
وَاخْتَارَ أَيْضًا تَقْدِيمَ الشَّرْطِ إذَا اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ وهو جُنُبٌ وَخَافَ إنْ اغْتَسَلَ خَرَجَ الْوَقْتُ اغْتَسَلَ وَصَلَّى وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ لو نَسِيَهَا تَقَدَّمَ ذلك كُلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوز لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا من فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ
وقال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ في جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ بِالشُّرُوطِ نَظَرٌ وَذَلِكَ من وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لم يَنْقُلْهُ أَحَدٌ من الْأَصْحَابِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ بَلْ نَقَلُوا عَدَمَ الْجَوَازِ وَاسْتَثْنَوْا من نَوَى الْجَمْعَ لَا غَيْرُ وَذَكَرَ ذلك أبو الْخَطَّابِ في هِدَايَتِهِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ فيها وفي خُلَاصَتِهِ
____________________
(1/399)
وَثَانِيهِمَا أَنَّ ذلك يَدْخُلُ فيه من أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَمْدًا حتى بَقِيَ من الْوَقْتِ مِقْدَارُ الصَّلَاةِ وَلَا وَجْهَ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ له انْتَهَى وقال ذلك أَيْضًا بن عُبَيْدَانَ في شَرْحِهِ وَتَقَدَّمَ في آخِرِ التَّيَمُّمِ إذَا خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أو الْجِنَازَةَ ونحوهما ( ( ( ونحوها ) ) ) هل يَشْتَغِلُ بِالشَّرْطِ أو يَتَيَمَّمُ وَيَأْتِي آخِرَ صَلَاةِ الْخَوْفِ هل يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أَمْ لَا
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا وهو صَحِيحٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْقَاتٌ مُوَسَّعَةٌ لَكِنْ قَيَّدَ ذلك الْأَصْحَابُ بِمَا إذَا لم يَظُنَّ مَانِعًا من الصَّلَاةِ كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ وَكَمَنْ أُعِيرَ سُتْرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَطْ أو مُتَوَضِّئٍ عَدِمَ الْمَاءَ في السَّفَرِ وَطَهَارَتُهُ لَا تَبْقَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ وَتَقَدَّمَ إذَا كانت لِلْمُسْتَحَاضَةِ عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا في وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لها
فإذا انْتَفَتْ هذه الْمَوَانِعُ جَازَ له تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ فِعْلِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ عَزْمِهِ على الْفِعْلِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِدُونِ الْعَزْمِ وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ في التَّمْهِيدِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَالَهُ بن عُبَيْدَانَ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْقَاضِي في الْكِفَايَةِ وَيَنْبَنِي على الْقَوْلَيْنِ هل يَأْثَمُ الْمُتَرَدِّدُ حتى يَضِيقَ وَقْتُهَا عن بَعْضِهَا أَمْ لَا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ في الْعَصْرِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لَا يُكْرَهُ أَدَاؤُهَا وَيَأْتِي في بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ
الثَّانِيَةُ لو مَاتَ من جَازَ له التَّأْخِيرُ قبل الْفِعْلِ لم يَأْثَمْ على الصَّحِيحِ من
____________________
(1/400)
الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَأْثَمُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَسْقُطُ إذَنْ بِمَوْتِهِ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَلَا فَائِدَةَ في بَقَائِهَا في الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ
قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا لَا جُحُودًا دُعِيَ إلَى فِعْلِهَا فَإِنْ أَبَى حتى تَضَايَقَ وَقْتُ التي بَعْدَهَا وَجَبَ قَتْلُهُ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمَشْهُورُ انْتَهَى وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إذَا أَبَى حتى تَضَايَقَ وَقْتُ أَوَّلِ صَلَاةٍ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وهو ظَاهِرُ الْكَافِي وَقَدَّمَهُ بن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَيَأْتِي لَفْظُهُ وقال أبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا الْأُولَى من الْمَجْمُوعَتَيْنِ لَا يَجِبُ قَتْلُهُ بها حتى يَخْرُجَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ قال الْمُصَنِّفُ وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ قَتْلُهُ حتى يَتْرُكَ ثَلَاثًا وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُبْهِجِ وَجَزَمَ بِهِ في الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ في الْوَاضِحِ وَالشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ وَالْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وقال بن تَمِيمٍ فَإِنْ أَبَى بَعْدَ الدُّعَاءِ حتى خَرَجَ وَقْتُهَا وَجَبَ قَتْلُهُ وَإِنْ لم يَضِقْ وَقْتُ الثَّانِيَةِ نُصَّ عليه وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ صَلَاتَيْنِ وَعَنْهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا قال وَحَكَى الْأَصْحَابُ اعْتِبَارَ ضِيقِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ على الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَضِيقِ وَقْتِ الرَّابِعَةِ على الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَغَالَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ فقال يُقْتَلُ لِتَرْكِ الْأُولَى وَلِتَرْكِ كل فَائِتَةٍ إذَا أَمْكَنَهُ من غَيْرِ عُذْرٍ إذْ الْقَضَاءُ على الْفَوْرِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُنَا في الرِّوَايَةِ الْأُولَى حتى تَضَايَقَ وَقْتُ التي بَعْدَهَا وفي الرِّوَايَةِ
____________________
(1/401)
الثَّالِثَةِ وَيَضِيقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ قِيلَ في الْأُولَى يَضِيقُ الْوَقْتُ عن فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ وفي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عن فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْمَتْرُوكَةِ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ حتى يَضِيقَ وَقْتُ التي دخل وَقْتُهَا عن فِعْلِهَا فَقَطْ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا الدَّاعِي له هو الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ فَلَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً قبل الدُّعَاءِ لم يَجِبْ قَتْلُهُ وَلَا يَكْفُرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَكَذَا لو تَرَكَ كَفَّارَةً أو نَذْرًا وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لم يُدْعَ إلَيْهَا قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الْمُسْتَوْعِبِ في بَابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ قَوْلِهِ أو اغْتَسَلَ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ
الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِمَ كَفَرَ إبْلِيسُ فذكر أبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا أَنَّهُ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَا بِجُحُودِهِ وَقِيلَ كَفَرَ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشِّفَاهِيِّ من اللَّهِ تَعَالَى فإنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَاطَبَهُ بِذَلِكَ قال الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ في الِاسْتِعَاذَةِ له وقال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا كَفَرَ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَعَانَدَ وَطَغَى وَأَصَرَّ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحِقٌّ في تَمَرُّدِهِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ خَيْرٌ منه فَكَانَ تَرْكُهُ لِلسُّجُودِ تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ وكان من الْكَافِرِينَ وَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ كَفَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ
قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ حتى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا
حُكْمُ اسْتِتَابَتِهِ هُنَا حُكْمُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ من الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ نُصَّ عليه على ما يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِهِ
فَائِدَةٌ يَصِيرُ هذا الذي كَفَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُسْلِمًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَقَلَ حَنْبَلٌ تَوْبَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَصْوَبُ
____________________
(1/402)
أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ منها وَبِمُقْتَضَى ما في الصُّوَرِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الشَّهَادَتَيْنِ وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ وَبِالْإِتْيَانِ بها ذُكِرَ ذلك في النُّكَتِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ على الْقَتْلِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وقال الْقَاضِي يُضْرَبُ ثُمَّ يُقْتَلُ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ من الْعِبَادَاتِ تَهَاوُنًا غَيْرُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ زَكَاةٍ بُخْلًا وَلَا بِتَرْكِ صَوْمٍ وَحَجٍّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا وَعَنْهُ يَكْفُرُ اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَقَدَّمَ في النَّظْمِ أَنَّ حكمهما ( ( ( حكمها ) ) ) حُكْمُ الصَّلَاةِ وَعَنْهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ الزَّكَاةَ إذَا قَاتَلَ عليها وَعَنْهُ يَكْفُرُ بها وَلَوْ لم يُقَاتِلْ عليها وَيَأْتِي ذلك في بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ
وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَكْفُرُ بِالتَّرْكِ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فإنه يُقْتَلُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُقْتَلُ وَعَنْهُ يُقْتَلُ بِالزَّكَاةِ فَقَطْ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَقَوْلُنَا في الْحَجِّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ كَعَزْمِهِ على تَرْكِهِ أو ظَنِّهِ الْمَوْتَ من عَامِهِ بِاعْتِقَادِهِ الْفَوْرِيَّةَ يَخْرُجُ على الْخِلَافِ في الْحَدِّ بِوَطْءٍ في نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فيه وَحُمِلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عليه قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا وَاضِحٌ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَلَا وَجْهَ له ثُمَّ اخْتَارَ في الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا بِالْفَوْرِيَّةِ قُتِلَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في الْخِلَافِ فإنه قال قِيَاسُ قَوْلِهِ يُقْتَلُ كَالزَّكَاةِ قال الْقَاضِي وقد ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ في الْخِلَافِ فقال الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ سَوَاءٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِيمَنْ لَا اعْتِقَادَ له وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِاعْتِقَادِهِ أَوْلَى وَيَأْتِي من أتى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فيه هل يَفْسُقُ بِهِ أَمْ لَا وَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في بَابِ الْمُرْتَدِّ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قال الْأَصْحَابُ لَا يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ فَائِتَةٍ لِلْخِلَافِ في الْفَوْرِيَّةِ قال
____________________
(1/403)
في الْفُرُوعِ فَيُتَوَجَّهُ فيه ما سَبَقَ وَقِيلَ يُقْتَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ على الْفَوْرِ فَعَلَى هذا لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَتَقَدَّمَ ذلك
الثَّانِيَةُ لو تَرَكَ شَرْطًا أو رُكْنًا مُجْمَعًا عليه كَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَكَذَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لو تَرَكَ شَرْطًا أو رُكْنًا مُخْتَلَفًا فيه يُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ الْمُخْتَلَفُ فيه ليس هو كَالْمُجْمَعِ عليه في الْحُكْمِ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ أَيْضًا لَا بَأْسَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ كما نَحُدُّهُ بِفِعْلِ ما يُوجِبُ الْحَدَّ على مَذْهَبِهِ قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وفي الْأَصْلِ نَظَرٌ مع أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا أو لِكُفْرِهِ
على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالشَّارِحُ
إحْدَاهُمَا يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في الْفَائِقِ وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُونَ قال في الْإِفْصَاحِ اخْتَارَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَذُكِرَ في الْوَسِيلَةِ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهَا اخْتِيَارُ الْأَثْرَمِ وَالْبَرْمَكِيِّ
قُلْت وَاخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وأبو إِسْحَاقَ بن شَاقِلَا وبن حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُبْهِجِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُقْتَلُ حَدًّا اخْتَارَهُ أبو عبد اللَّهِ بن بَطَّةَ وَأَنْكَرَ قَوْلَ من قال إنَّهُ يَكْفُرُ وقال الْمَذْهَبُ على هذا لم أَجِدْ في الْمَذْهَبِ خِلَافَهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وقال هو أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ
____________________
(1/404)
الذَّهَبِ وبن رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَقِيلَ لِفِسْقِهِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قد فَرَضَ مُتَأَخِّرُو الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةً يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا وهو أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كان مقرى بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَدُعِيَ إلَيْهَا ثَلَاثًا وَامْتَنَعَ مع تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ ولم يُصَلِّ حتى قُتِلَ هل يَمُوتُ كَافِرًا أو فَاسِقًا على قَوْلَيْنِ قال وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتَنِعَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَهَا وَلَا يَفْعَلُهَا وَيَصْبِرَ على الْقَتْلِ هذا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ قَطُّ انْتَهَى
قُلْت وَالْعَقْلُ يَشْهَدُ بِمَا قال وَيَقْطَعُ بِهِ وهو عَيْنُ الصَّوَابِ الذي لَا شَكَّ فيه وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا كَافِرًا
فَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَلَا يُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا وَلَا يَرِثُهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي يُدْفَنُ مُنْفَرِدًا وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ من قُتِلَ مُرْتَدًّا يُتْرَكُ بِمَكَانِهِ وَلَا يُدْفَنُ وَلَا كَرَامَةَ وَعَلَيْهَا لَا يَرِقُّ وَلَا يُسْبَى له أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ نُصَّ عليه وَعَلَى الثَّانِيَةِ حُكْمُهُ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ
فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا وهو مُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ بَابُ الْأَذَانِ
فَوَائِدُ
إحداها الْأَذَانُ أَفْضَلُ من الْإِقَامَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْإِقَامَةُ أَفْضَلُ وهو رِوَايَةٌ في الْفَائِقِ وَقِيلَ هُمَا في الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ
الثَّانِيَةُ الْأَذَانُ أَفْضَلُ من الْإِمَامَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال في الْمُغْنِي اخْتَارَهُ
____________________
(1/405)
بن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَعَنْهُ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وهو وَجْهٌ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وبن الْجَوْزِيِّ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ في الْفَضِيلَةِ وَقِيلَ إنْ عَلِمَ من نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ وَجَمِيعِ خِصَالِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا
الثَّالِثَةُ له الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي أَنَّهُ أَفْضَلُ وقال ما صَلَحَ له فَهُوَ أَفْضَلُ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهُمَا مَشْرُوعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ سَوَاءٌ كانت حَاضِرَةً أو فَائِتَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غير الْفَائِتَةِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ في ذلك قَرِيبًا وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا جَمَعَ بين صَلَاتَيْنِ أو قَضَاءِ فَوَائِتَ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِغَيْرِهَا من الصَّلَوَاتِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُشْرَعُ لِلْمَنْذُورَةِ وَأَطْلَقَهُمَا بن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ ما يقول لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجِنَازَةِ وَالتَّرَاوِيحِ
الثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِلرِّجَالِ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِكُلِّ مُصَلٍّ منهم سَوَاءٌ صلى في جَمَاعَةٍ أو مُنْفَرِدًا سَفَرًا أو حَضَرًا وهو صَحِيحٌ قال الْمُصَنِّفُ وَالْأَفْضَلُ لِكُلِّ مصلي ( ( ( مصل ) ) ) أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي قَضَاءً أو في غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ قال في الْفُرُوعِ وهما ( ( ( وهو ) ) ) أَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ إلَّا لكل ( ( ( كل ) ) ) وَاحِدٍ مِمَّنْ في الْمَسْجِدِ فَلَا يُشْرَعُ بَلْ حَصَلَ له الْفَضِيلَةُ كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ أو الْمُنْفَرِدُ على الْإِقَامَةِ جَازَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ نُصَّ عليه وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ انْتَهَى وَيَأْتِي قَرِيبًا هل يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُسَافِرِ أَمْ لَا
الرَّابِعُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ لِلرِّجَالِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ للخناثي وَلَا لِلنِّسَاءِ وهو صَحِيحٌ بَلْ يُكْرَهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ من
____________________
(1/406)
الرِّوَايَاتِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ يُبَاحَانِ لَهُمَا مع خَفْضِ الصَّوْتِ ذَكَرَهُمَا في الرِّعَايَةِ وقال في الْفُصُولِ تُمْنَعُ من الْجَهْرِ بِالْأَذَانِ وَعَنْهُ يُسْتَحَبَّانِ لِلنِّسَاءِ ذَكَرَهَا في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يُسَنُّ لَهُنَّ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فقال في الْفُرُوعِ وفي كَرَاهَتِهِمَا لِلنِّسَاءِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ وَعَنْهُ يُسَنُّ الْإِقَامَةُ فَقَطْ وَيُتَوَجَّهُ في التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ في قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ انْتَهَى وَمَنَعَهُنَّ في الْوَاضِحِ من الْأَذَانِ ذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ في آخِرِ الْإِحْرَامِ
قَوْلُهُ وَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ
اعْلَمْ أَنَّهُمَا تَارَةً يُفْعَلَانِ في الْحَضَرِ وَتَارَةً في السَّفَرِ فَإِنْ فَعَلَهُمَا في الْحَضَرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ في الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ هُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ في الْأَمْصَارِ سُنَّةٌ في غَيْرِهَا وَعَنْهُ هُمَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وقال في الرَّوْضَةِ الْأَذَانُ فَرْضٌ وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ وَعَنْهُ هُمَا وَاجِبَانِ لِلْجُمُعَةِ فَقَطْ اخْتَارَهُ بن أبي مُوسَى وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ على ذلك قال الزَّرْكَشِيُّ لَا نِزَاعَ فِيمَا نَعْلَمُهُ في وجوبهما ( ( ( وجوبها ) ) ) لِلْجُمُعَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ لها
قُلْت قد تَقَدَّمَ الْخِلَافُ في ذلك ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا لَكِنَّ عُذْرَهُ أَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على ذلك وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ الْفَرْضُ لِلْجُمُعَةِ بِأَوَّلِ أَذَانٍ
وَإِنْ فُعِلَا في السَّفَرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في الْمُحَرَّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حُكْمُ السَّفَرِ حُكْمُ الْحَضَرِ فِيهِمَا
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ قال الزَّرْكَشِيُّ
____________________
(1/407)
وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ طَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ
فَائِدَةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُسْتَثْنَى من ذلك المصلى وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْقَضَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَلَيْسَ هُمَا في حَقِّهِمْ فَرْضَ كِفَايَةٍ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ بِفَرْضِيَّتِهِمَا فِيهِنَّ وَهِيَ رِوَايَةٌ في الْمُنْفَرِدِ وَاخْتَارَهُ في الْمُنْفَرِدِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرعاية ( ( ( الكفاية ) ) ) وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ على تَرْكِهِمَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ
أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاتَّفَقُوا على تَرْكِهِمَا فَلَا يُقَاتَلُونَ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُقَاتَلُونَ أَيْضًا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
فَائِدَةٌ يَكْفِي مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ في الْمِصْرِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يَكْفِي مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمْ قال الْمَجْدُ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِأَهْلِهِ الْعِلْمُ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ مَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَمَّنْ صلى معه لَا عَمَّنْ لم يُصَلِّ معه وَإِنْ سَمِعَهُ سَوَاءٌ كان وَاحِدًا أو جَمَاعَةً في الْمَسْجِدِ الذي صلى فيه بِأَذَانٍ أو غَيْرِهِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ في الْفَجْرِ فَقَطْ كَبِلَالٍ وبن أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا على الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا وقال الْقَاضِي لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ على أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ إلَّا من حَاجَةٍ وَتَابَعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَيُقِيمَ من أَذَّنَ أَوَّلًا
وَإِنْ لم يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ يَزِيدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كُلُّ وَاحِدٍ من جَانِبٍ أو دَفْعَةٍ
____________________
(1/408)
وَاحِدَةٍ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَيُقِيمُ أَحَدُهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ وهو كما قال فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَجُوزُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ كان فَقِيرًا وَلَا يَجُوزُ مع غِنَاهُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال وَكَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ ذَكَرَهُ عنه في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيَأْتِي في أَثْنَاءِ بَابِ الْإِجَارَةِ هل تَصِحُّ الْإِجَارَةُ على عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ من أَهْلِ الْقُرْبَةِ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا رَزَقَ الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ من يَقُومُ بِهِمَا
كَرِزْقِ الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ الْإِمَامُ غَيْرَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَجُوزُ إلَّا مع امْتِيَازٍ بِحُسْنِ صوت ( ( ( الصوت ) ) )
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في ذلك بين الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ من الْأَصْحَابِ في الْعَبْدِ وَصَرَّحَ بِهِ أبو الْمَعَالِي وقال يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ وقال بن هُبَيْرَةَ في الْإِفْصَاحِ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ حُرًّا بَالِغًا طَاهِرًا قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا فَرْقَ
قُلْت قال في الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَأَمَّا الْأَعْمَى فَصَرَّحَ بِأَذَانِهِ الْأَصْحَابُ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا عَلِمَ بِالْوَقْتِ وَنُصَّ عليه
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي مُرَادُهُ يُسْتَحَبُّ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ
____________________
(1/409)
الثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ في الْمُؤَذِّنِ ذُكُورِيَّتُهُ وَعَقْلُهُ وَإِسْلَامُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِالْوَقْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال أبو الْمَعَالِي يُشْتَرَطُ ذلك وَيَأْتِي ذِكْرُ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا
قَوْلُهُ فَإِنْ تَشَاحَّ فيه نَفْسَانِ قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا في ذلك
يَعْنِي في الصَّوْتِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ بِالْوَقْتِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا في دِينِهِ وَعَقْلِهِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ على الْأَفْضَلِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ ثُمَّ من يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ أو أَكْثَرُهُمْ وهو الْمَذْهَبُ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا
وهو الْمَذْهَبُ وَقُدِّمَ في الْكَافِي الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْأَفْضَلِيَّةِ في الصَّوْتِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْقُرْعَةُ على من يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ نَقْلُهَا طَاعَةٌ قَالَهُ الْقَاضِي قَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وقال أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ إذَا اسْتَوَيَا في الْأَفْضَلِيَّةِ في الْخِصَالِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ في الدِّينِ وَالْعَقْلِ قُدِّمَ أَعْمَرُهُمْ لِلْمَسْجِدِ وَأَتَمُّهُمْ له مُرَاعَاةً وَأَقْدَمُهُمْ تَأْذِينًا وَجُزِمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وقال أبو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ يُقَدَّمُ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا أو أَبُوهُ وقال السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ من أَوْلَادِ من جَعَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْأَذَانَ فيه وَإِنْ كان من غَيْرِهِمْ جَازَ
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمُصَنَّفِينَ مُخْتَلِفَةٌ في ذلك بَعْضُهَا مُبَايِنٌ لِبَعْضٍ فَأَنَا أَذْكُرُ لَفْظَ كل مُصَنِّفٍ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ
فقال في الْكَافِي فَإِنْ تَشَاحَّ فيه اثْنَانِ قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا في هذه الْخِصَالِ وَهِيَ
____________________
(1/410)
الصَّوْتُ وَالْأَمَانَةُ وَالْعِلْمُ بِالْوَقْتِ وَالْبَصَرُ فَإِنْ اسْتَوَيَا في ذلك أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ من يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ
وقال في الْوَجِيزِ فَإِنْ تَشَاحَّ اثْنَانِ قُدِّمَ الْأَدْيَنُ الْأَفْضَلُ فيه ثُمَّ من قُرِعَ
وقال في تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فيه ثُمَّ الْأَدْيَنُ ثُمَّ مُخْتَارُ جَارٍ مُصَلٍّ ثُمَّ من قُرِعَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ بِعَيْنِهَا لَكِنْ شُرِطَ في الْجَارِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا وهو كَذَلِكَ
وقال في الْفَائِقِ وَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّشَاحُنِ أَفْضَلُهُمَا في ذلك ثُمَّ في الدِّينِ ثُمَّ من يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْإِقْرَاعُ
وقال في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فيه ثُمَّ في دِينِهِ ثُمَّ مُرْتَضَى الْجِيرَانِ ثُمَّ الْقَارِعُ
وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيُقَدَّمُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَدْيَنُ ثُمَّ مُخْتَارٌ ثُمَّ قَارِعٌ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ طَرِيقَتُهُمْ كَطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ
وقال النَّاظِمُ يُقَدَّمُ مُتْقِنٌ عِنْدَ التَّنَازُعِ ثُمَّ أَدْيَنُ ثُمَّ أَعْقَلُ ثُمَّ من يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ ثُمَّ الْإِقْرَاعُ فَقُدِّمَ الْأَدْيَنُ على الْأَعْقَلِ وَلَا يُنَافِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ
وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ تَشَاحَّ فيه اثْنَانِ قُدِّمَ من له التَّقْدِيمُ ثُمَّ الْأَعْقَلُ ثُمَّ الْأَدْيَنُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ فيه ثُمَّ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ ثُمَّ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي له ثُمَّ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا فيه وَقِيلَ أو أَبُوهُ ثُمَّ من قُرِعَ مع التَّسَاوِي وَعَنْهُ بَلْ من رَضِيَهُ الْجِيرَانُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا في صَوْتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَعِلْمِهِ بِالْوَقْتِ ثُمَّ في دِينِهِ وَعَقْلِهِ
وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ كما تَقَدَّمَ
وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فَإِنْ تَشَاحَّ اثْنَانِ قُدِّمَ الْأَدْيَنُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ فيه ثُمَّ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ ثُمَّ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي له ثُمَّ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا فيه ثُمَّ من قُرِعَ وَعَنْهُ من رَضِيَهُ الْجِيرَانُ
____________________
(1/411)
وقال في الْإِفَادَاتِ فَإِنْ تَشَاحَّ فيه اثْنَانِ قُدِّمَ أَدْيَنُهُمَا ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا ثُمَّ أَعْمَرُهُمَا لِلْمَسْجِدِ وَأَكْثَرُهُمَا مُرَاعَاةً له ثُمَّ أَسْبَقُهُمَا تَأْذِينًا فيه ثُمَّ من رَضِيَهُ الْجِيرَانُ ثُمَّ من قُرِعَ
وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَإِنْ تشاح ( ( ( تشاحا ) ) ) فيه اثْنَانِ قُدِّمَ الْأَفْضَلُ فيه وَالْأَدْيَنُ الْأَعْقَلُ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ المراعى له الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا ثُمَّ من قُرِعَ وَعَنْهُ من رَضِيَهُ الْجِيرَانُ
وقال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَأَحَقُّهُمْ بِهِ أَفْضَلُهُمْ ثُمَّ أَصْلَحُهُمْ لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ مُخْتَارُ الْجِيرَانِ ثُمَّ الْقَارِعُ وَعَنْهُ الْقَارِعُ ثُمَّ مُخْتَارُ الْجِيرَانِ
وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فَإِنْ تَشَاحُّوا قُدِّمَ أَكْمَلُهُمْ في دِينِهِ وَعَقْلِهِ وَفَضْلِهِ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ مَزِيَّةٌ في عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ أو التَّقْدِيمِ بِالْأَذَانِ وَعَنْهُ يَقُومُ من يَرْتَضِي الْجِيرَانُ
وَكَذَا قال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
وقال في الْفُصُولِ وَإِنْ تَشَاحُّوا قُدِّمَ من رَضِيَهُ الْجِيرَانُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى يُقَدَّمُ من تُخْرِجُهُ الْقُرْعَةُ ولم يَزِدْ عليه
وقال في الْمُبْهِجِ وَإِنْ تشاح ( ( ( تشاحا ) ) ) اثْنَانِ في الْأَذَانِ أَذَّنَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ ولم يَزِدْ عليه
وقال في الْفُرُوعِ وَمَعَ التَّشَاجُرِ يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ في ذلك ثُمَّ الْأَدْيَنُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ هو ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجِيرَانِ ثُمَّ الْقُرْعَةُ وَعَنْهُ هِيَ قَبْلَهُمْ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ قَالَهُ الْقَاضِي وَعَنْهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا بِمَزِيَّةِ عِمَارَةٍ وَقِيلَ أو سَبْقِهِ بِأَذَانٍ انْتَهَى
وَهِيَ أَحْسَنُ الطُّرُقِ وَأَصَحُّهَا ولم يذكر الْمَسْأَلَةَ بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْعُقُودِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ
قَوْلُهُ وَالْأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً لَا تَرْجِيعَ فيه
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُخْتَارَ من الْأَذَانِ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَيْسَ فيه تَرْجِيعٌ
____________________
(1/412)
وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَعَنْهُ التَّرْجِيعُ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ إلَى الْيَوْمِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ
فَائِدَةٌ قال أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ قُبَيْلَ الْأَذَانِ { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي لم يَتَّخِذْ وَلَدًا ولم يَكُنْ له شَرِيكٌ في الْمُلْكِ ولم يَكُنْ له وَلِيٌّ من الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } وقال في الْفُصُولِ لَا يُوصَلُ الْأَذَانُ بِذِكْرٍ قَبْلَهُ خِلَافَ ما عليه أَكْثَرُ الْعَوَامّ الْيَوْمَ وَلَيْسَ مَوْطِنَ قُرْآنٍ ولم يُحْفَظْ عن السَّلَفِ فَهُوَ مُحْدَثٌ انْتَهَى وقال في التَّبْصِرَةِ يقول في آخِرِ دُعَاءِ الْقُنُوتِ { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ } الْآيَةَ فقال في الْفُرُوعِ فَيُتَوَجَّهُ عليه قَوْلُهَا قبل الْأَذَانِ
قَوْلُهُ وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً
هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هو مُخَيَّرٌ بين هذه الصِّفَةِ وَتَثْنِيَتِهَا
فَائِدَةٌ لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا لِنَفْسِهِ مع عَجْزِهِ قَالَهُ أبو الْمَعَالِي ذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ في آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ
قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَّعَ في الْأَذَانِ أو ثَنَّى في الْإِقَامَةِ فَلَا بَأْسَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي تَرْجِيعُ الْأَذَانِ وَعَنْهُ التَّرْجِيعُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ
فَائِدَةٌ التَّرْجِيعُ قَوْلُ الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا بَعْدَ التَّكْبِيرِ ثُمَّ يَجْهَرُ بِهِمَا
قَوْلُهُ وَيَقُولُ في أَذَانِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ
لَا نِزَاعَ في اسْتِحْبَابِ قَوْلِ ذلك وَلَا يَجِبُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَجِبُ ذلك جَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
____________________
(1/413)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ في غَيْرِ أَذَانِ الْفَجْرِ وَيُكْرَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ أَيْضًا وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْأَشْهَرُ في الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ نِدَاءِ الْأُمَرَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ وهو قَوْلُهُ الصَّلَاةُ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوُهُ قال في الْفُصُولِ يُكْرَهُ ذلك لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخْرِجَهُ عن الْبِدْعَةِ لِفِعْلِهِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ في الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ الْإِقَامَةَ
وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قال بن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا من الْأَصْحَابِ إنَّهُ يَكُونُ في حَالِ تَرَسُّلِهِ وَحَدْرِهِ لَا يَصِلُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُعْرَبًا بَلْ جَزْمًا وَإِسْكَانًا وَحَكَاهُ بن بَطَّةَ عن بن الْأَنْبَارِيِّ عن أَهْلِ اللُّغَةِ قال وروى عن إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قال شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ قال وقال أَيْضًا الْأَذَانُ جَزْمٌ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ مَعْنَاهُ اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ على كل جُمْلَةٍ فَيَحْصُلُ الْجَزْمُ وَالسُّكُونُ بِالْوَقْفِ لَا أَنَّهُ مع عَدَمِ الْوَقْفِ على الْجُمْلَةِ يَتْرُكُ إعْرَابَهَا كما قال انْتَهَى
وقال بن تَمِيمٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ في الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ الْإِقَامَةَ وَأَنْ يَقِفَ على كل كَلِمَةٍ وقال بن بَطَّةَ يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْإِعْرَابِ فِيهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَيَجْزِمُهُمَا وَلَا يُعْرِبُهُمَا وَكَذَا قال غَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَيُؤَذِّنُ قَائِمًا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا فَلَوْ أَذَّنَ أو أَقَامَ قَاعِدًا أو رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ أو مَاشِيًا جَازَ وَيُكْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَيَصِحُّ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ لِغَيْرِ الْقَائِمِ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ في الْجَمِيعِ وقال أَحْمَدُ إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لَا يُعْجِبُنِي وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ بِالْكَرَاهَةِ لِلْمَاشِي وَبِعَدَمِهَا لِلرَّاكِبِ الْمُسَافِرِ
____________________
(1/414)
قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا في السَّفِينَةِ وَالْمَرَضِ جَالِسًا وَقَالَهُ في الْحَاوِيَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ حَالَ مَشْيِهِ وَرُكُوبِهِ في رِوَايَةٍ وقال في مَكَان آخَرَ وَلَا يَمْشِي فِيهِمَا وَلَا يَرْكَبُ نَصَّ عليه فَإِنْ رَكِبَ كُرِهَ وقال في الْفَائِقِ وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا انْتَهَى وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ذلك في الْكُلِّ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ في الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ قال الْقَاضِي إنْ أَذَّنَ رَاكِبًا أو مَاشِيًا حَضَرًا كُرِهَ وَعَنْهُ يُكْرَهُ ذلك في الأقامة في الْحَضَرِ وقال بن حَامِدٍ إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أو مَشَى فيه كَثِيرًا بَطَلَ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وهو رِوَايَةٌ في الثَّانِيَةِ وقال في الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ إنْ مَشَى في الْأَذَانِ كَثِيرًا عُرْفًا بَطَلَ وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى عَدَمِ إجْزَاءِ أَذَانِ الْقَاعِدِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ حَكَى أبو الْبَقَاءِ في شَرْحِهِ رِوَايَةً أَنَّهُ يُعِيدُ إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا قال الْقَاضِي هذا مَحْمُولٌ على نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على نَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِهِ
قَوْلُهُ مُتَطَهِّرًا
يَعْنِي أَنَّهُ تستحب ( ( ( يستحب ) ) ) الطَّهَارَةُ له وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ من حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى له بِلَا نِزَاعٍ وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لَكِنْ تُكْرَهُ له الْإِقَامَةُ بِلَا نِزَاعٍ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ ولم يُكْرَهْ الْأَذَانُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا وَهِيَ في الْإِقَامَةِ أَشَدُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَيَصِحُّ من الْجُنُبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَرْبٍ وَعَنْهُ يُعِيدُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْإِيضَاحِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ في إعَادَتِهِ احْتِمَالَانِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كان أَذَانُهُ في مَسْجِدٍ فَإِنْ كان مع جَوَازِ اللُّبْثِ إمَّا بِوُضُوءٍ على الْمَذْهَبِ أو نَجَسٍ وَنَحْوِ ذلك صَحَّ وَمَعَ تَحْرِيمِ اللُّبْثِ فَهُوَ كَالْأَذَانِ وَالزَّكَاةِ في مَكَان غَصْبٍ وفي ذلك قَوْلَانِ الْمَذْهَبُ
____________________
(1/415)
عِنْدَ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ الْبُطْلَانُ وهو مُقْتَضَى قَوْلِ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ وَقَطَعَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ كَمَكَانِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ فإذا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا ولم يَسْتَدِرْ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يُزِيلُ قَدَمَهُ في مَنَارَةٍ وَنَحْوِهَا نَصَرَهُ الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ وهو الْمَعْمُولُ بِهِ
زَادَ أبو الْمَعَالِي يَفْعَلُ ذلك مع كِبَرِ الْبَلَدِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ قال في الْإِقْنَاعِ يَشْرَعُ إزَالَةَ قَدَمَيْهِ في الْمَنَارَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قال الْفُرُوعُ وَظَاهِرُهُ يُزِيلُ صَدْرَهُ انْتَهَى
قُلْت قال في التَّلْخِيصِ وَلَا يُحَوِّلُ صَدْرَهُ عن الْقِبْلَةِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا أَنَّهُ سَوَاءٌ كان على مَنَارَةٍ أو غَيْرِهَا أو على الْأَرْضِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ إنْ أَذَّنَ في صَوْمَعَةٍ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا ولم يُحَوِّلْ قَدَمَيْهِ وَإِنْ أَذَّنَ على الْأَرْضِ فَهَلْ يَلْتَفِتُ على رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُ بن عُبَيْدَانَ وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَرِيبَةٌ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يقول حَيَّ على الصَّلَاةِ في الْمَرَّتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ عن يَمِينِهِ وَيَقُولُ حَيَّ على الْفَلَاحِ كَذَلِكَ عن يَسَارِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ يقول حَيَّ على الصَّلَاةِ يَمِينًا ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا ثُمَّ يقول
____________________
(1/416)
حَيَّ على الْفَلَاحِ يَمِينًا ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا وَقِيلَ يقول حَيَّ على الصَّلَاةِ مَرَّةً عن يَمِينِهِ ثُمَّ يقول عن يَسَارِهِ حَيَّ على الْفَلَاحِ مَرَّةً ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ وهو كما قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
الثَّانِيَةُ لَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا في الْحَيْعَلَةِ في الْإِقَامَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ هذا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي فيه وَجْهَيْنِ
قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ إصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ
يَعْنِي السَّبَّابَتَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ على أُذُنَيْهِ مَبْسُوطَةً مَضْمُومَةً سِوَى الْإِبْهَامِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ قال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْهِدَايَةِ وَلْيَجْعَلْ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً على أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذلك مع قَبْضِهِ على كَفَّيْهِ وهو اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ نَقَلَهُ عنه بن بَطَّةَ فقال سَأَلْت أَبَا الْقَاسِمِ الْخِرَقِيَّ عن صِفَةِ ذلك فَأَرَانِيهِ بِيَدَيْهِ جميعا وَضَمَّ أَصَابِعَهُ على رَاحَتَيْهِ وَوَضَعَهُمَا على أُذُنَيْهِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وبن الْبَنَّا وَذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن صَاحِبِ الْبُلْغَةِ وقد تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَخَيَّرَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ بين وَضْعِ أَصَابِعِهِ وَإِصْبُعَيْهِ
فَائِدَةٌ يَرْفَعُ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ في الْأَذَانِ كُلِّهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عن الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ
____________________
(1/417)
الصُّغْرَى وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَرْفَعُ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَالشَّهَادَتَيْنِ
قَوْلُهُ وَيَتَوَلَّاهُمَا مَعًا
يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَعَنْهُ الْمُؤَذِّنُ وَغَيْرُهُ في الْإِقَامَةِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ وَقِيلَ تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ لِغَيْرِ الذي أَذَّنَ وَعِنْدَ أبي الْفَرَجِ تُكْرَهُ إلَّا أَنْ يُؤَذِّنَ الْمَغْرِبَ بِمَنَارَةٍ فَلَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ لِغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ إذ ( ( ( إذا ) ) ) اتشاح ( ( ( تشاح ) ) ) فيه اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ على الْوَاحِدِ قَرِيبًا
قَوْلُهُ وَيُقِيمُ في مَوْضِعِ أَذَانِهِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ عليه
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال في النَّصِيحَةِ السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِالْمَنَارَةِ وَيُقِيمَ أَسْفَلَ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ في جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَنَقَلَ جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ يُسْتَحَبُّ ذلك لِيَلْحَقَ آمِينَ مع الْإِمَامِ
قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا
بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا إلَّا بينة ( ( ( بنية ) ) ) وَيُشْتَرَطُ فيه أَيْضًا أَنْ يَكُونَ من وَاحِدٍ فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْضَهُ وَكَمَّلَهُ آخَرُ لم يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ
فَائِدَةٌ رَفْعُ الصَّوْتِ فيه رُكْنٌ قال في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ إذَا كان لِغَيْرِ حَاضِرٍ قال في الْبُلْغَةِ إذَا كان لِغَيْرِ نَفْسِهِ قال بن تَمِيمٍ إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ أو لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وهو أَفْضَلُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ بِالْكُلِّ أو بِالْبَعْضِ
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا مُرَادُ من أَطْلَقَ بَلْ هو كَالْمَقْطُوعِ بِهِ وهو وَاضِحٌ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ أَذَّنَ في الْوَقْتِ لِلْغَائِبِينَ أو في
____________________
(1/418)
الصَّحْرَاءِ فَزَادَ في الصَّحْرَاءِ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وقال أبو الْمَعَالِي رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ من يَقُومُ بِهِ لِجَمَاعَةٍ رُكْنٌ انْتَهَى
فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ قَدْرَ طَاقَتِهِ ما لم يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ التَّوَسُّطُ وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا نُصَّ عليه
فَائِدَةٌ يُشْتَرَطُ في الْمُؤَذِّنِ ذُكُورِيَّتُهُ وَعَقْلُهُ وَإِسْلَامُهُ وَتَقَدَّمَ ذلك في اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ وَعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ ما يَأْتِي
قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَّسَهُ أو فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أو كَلَامٍ كَثِيرٍ أو مُحَرَّمٍ لم يُعْتَدَّ بِهِ
يَعْنِي لو فَرَّقَ بين الْأَذَانِ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ لم يُعْتَدَّ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُحَرَّمَ تَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا فَإِنْ كان كَثِيرًا أَبْطَلَ الْأَذَانَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وفي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ يُعْتَدُّ بِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان يَسِيرًا لم يُعْتَدَّ بِالْأَذَانِ وَأَبْطَلَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال في الْحَاوِيَيْنِ وَلَا يَقْطَعُهُمَا بِفَصْلٍ كَثِيرٍ وَلَا كَلَامٍ مُحَرَّمٍ وَإِنْ كان يَسِيرًا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ لَا يُبْطِلُهُ وَيُعْتَدُّ بِالْأَذَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو ارْتَدَّ في الْأَذَانِ أَبْطَلَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُبْطِلُهُ إنْ عاد ( ( ( أعاد ) ) ) في الْحَالِ كَجُنُونِهِ وَإِفَاقَتِهِ سَرِيعًا وَبَالَغَ الْقَاضِي فَأَبْطَلَ الْأَذَانَ
____________________
(1/419)
بِالرِّدَّةِ بَعْدَهُ قِيَاسًا على قَوْلِهِ في الطَّهَارَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ
الثَّانِيَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ الْمُبَاحَ وَالسُّكُوتَ الْيَسِيرَ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِالْيَسِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ لَا يَتَكَلَّمُ في الْإِقَامَةِ بِحَالٍ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَّا الْفَجْرُ فإنه يُؤَذَّنُ لها بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْأَذَانِ وَإِجْزَاؤُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الزَّرْكَشِيُّ لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ قبل الْوَقْتِ كَثِيرًا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إلَّا قبل الْوَقْتِ يَسِيرًا وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ قبل الْفَجْرِ إذَا كان بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَعْنِي الْكَاذِبَ وَقِيلَ الْأَذَانُ قبل الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ قَبْلَهَا كَغَيْرِهَا إجْمَاعًا وَكَالْإِقَامَةِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَعِنْدَ أبي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ يَجُوزُ الْأَذَانُ قبل دُخُولِ الْوَقْتِ لِلْفَجْرِ وَالْجُمُعَةِ قَالَهُ في الْإِيضَاحِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَجْوَدُ من قَوْلِ بن حَمْدَانَ وَقِيلَ لِلْجُمُعَةِ قبل الزَّوَالِ لِعُمُومِ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَاسْتَثْنَى بن عَبْدُوسٍ مع الْفَجْرِ الصَّلَاةَ الْمَجْمُوعَةَ قال وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ صَارَا وَقْتًا وَاحِدًا وَعَنْهُ يُكْرَهُ قبل الْوَقْتِ مُطْلَقًا ذَكَرَهَا في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وقال في الْفَائِقِ يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ خَاصَّةً بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَعَنْهُ لَا إلَّا أَنْ يُعَاوِدَ بَعْدَهُ وهو الْمُخْتَارُ انْتَهَى
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قبل الْفَجْرِ أَنْ يَكُونَ معه من يُؤَذِّنُ في الْوَقْتِ وَأَنْ يَتَّخِذَ ذلك عَادَةً لِئَلَّا يَضُرَّ الناس وفي الْكَافِي ما يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذلك
____________________
(1/420)
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنْ يُكْرَهَ الْأَذَانُ قبل الْفَجْرِ في رَمَضَانَ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ والمغني وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ على الْأَظْهَرِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يُكْرَهُ في رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ إذَا لم يُعِدْهُ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَقِيلَ يُكْرَهُ إذَا لم يَكُنْ عَادَةً فَإِنْ كان عَادَةً لم يُكْرَهْ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الناس من غَيْرِ نَكِيرٍ
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ وَهِيَ ظَاهِرُ إدْرَاكِ الْغَايَةِ فإنه قال وَيَجُوزُ فيه لِفَجْرِ غَيْرِ رَمَضَانَ من نِصْفِ اللَّيْلِ وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَبْلَهُ في رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُعَادَ ذَكَرَهَا أبو الْحُسَيْنِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جَلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يُقِيمَ
هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّ الْجَلْسَةَ تَكُونُ خَفِيفَةً جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ يَجْلِسُ بِقَدْرِ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ قال أَحْمَدُ يَقْعُدُ الرَّجُلُ مِقْدَارَ رَكْعَتَيْنِ قال في الْإِفَادَاتِ يَفْصِلُ بين الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ وُضُوءٍ وَرَكْعَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَكَذَا الْحُكْمُ في كل صَلَاةٍ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يَجْلِسُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ في صَلَاةٍ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا وفي الْمَغْرِبِ يَجْلِسُهُ وقال في التَّبْصِرَةِ يَجْلِسُ في الْمَغْرِبِ وما يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا بِقَدْرِ
____________________
(1/421)
حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ وقال في الْإِفَادَاتِ وَيَفْصِلُ بين كل أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بِقَدْرِ وُضُوءٍ وَرَكْعَتَيْنِ وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ يَفْصِلُ بين الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ الْوُضُوءِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبُ فإنه يَجْلِسُ جَلْسَةً خَفِيفَةً وَاسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ بين أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ من الْمُفْرَدَاتِ
فَائِدَةٌ تُبَاحُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاةِ الْمَغْرِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ذَكَرَاهُ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ يُكْرَهُ قال بن عَقِيلٍ لَا يَرْكَعُ قبل الْمَغْرِبِ شيئا وَعَنْهُ يُسَنُّ فِعْلُهُمَا جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وقال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ لَا يُكْرَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهَلْ يُسْتَحَبُّ على رِوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ بين كل أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ وَقَالَهُ بن هُبَيْرَةَ في غَيْرِ الْمَغْرِبِ
قَوْلُهُ وَمَنْ جَمَعَ بين صَلَاتَيْنِ أو قَضَاءِ فَوَائِتَ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا
وَهِيَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ صَرَّحَ بِهِ بن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ من غَيْرِ أَذَانٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ تُجْزِئُ إقَامَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ وقال في النَّصِيحَةِ يُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ في وَقْتِ الْأُولَى أو الثَّانِيَةِ فَيُؤَذِّنَ لها أَيْضًا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ جَمَعَ في وَقْتٍ الأولى ( ( ( للأولى ) ) ) أو الثَّانِيَةِ أو قَضَى فَرَائِضَ أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَقَامَ قال في النُّكَتِ في الْجَمْعِ إذَا جَمَعَ في وَقْتِ
____________________
(1/422)
الثَّانِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا صَلَّاهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ كَالْفَائِتَيْنِ إذَا فَرَّقَهُمَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَجَمَاعَةٌ لم يُفَرِّقُوا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أو جَمَعَ بين صَلَاتَيْنِ فَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِلْأُولَى خَاصَّةً وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وقال بن أبي مُوسَى إذَا قَضَى فَوَائِتَ أو جَمَعَ فَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَقَامَ وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ لو دخل مَسْجِدًا قد صلي فيه خُيِّرَ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا من غَيْرِ كَرَاهَةٍ
قَوْلُهُ وَهَلْ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وبن عُبَيْدَانَ
إحْدَاهُمَا يُجْزِئُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ في الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَحَوَاشِي الْمُحَرَّرِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُجْزِئُ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ في أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ قال الْقَاضِي يَصِحُّ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا في الْمُرَاهِقِ
فَائِدَةٌ عَلَّلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ نَفْلٌ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قَالَا وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَتَخَرَّجُ في أَذَانِهِ رِوَايَتَانِ كَشَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ وقال أَمَّا صِحَّةُ أَذَانِهِ في الْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ جَائِزًا إذَا أَذَّنَ غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ في جَوَازِهِ وَمِنْ
____________________
(1/423)
الْأَصْحَابِ من أَطْلَقَ الْخِلَافَ قال وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الذي يُسْقِطُ الْفَرْضَ عن أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَيُعْتَمَدُ في وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ في مَوَاقِيتِ الْعِبَادَاتِ وَأَمَّا الْأَذَانُ الذي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً في مِثْلِ الْمَسَاجِدِ التي في الْمِصْرِ وَنَحْوِ ذلك فَهَذَا فيه الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَهَلْ يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْفَاسِقِ وَالْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ على وَجْهَيْنِ
أَمَّا أَذَانُ الْفَاسِقِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ في الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
أَحَدُهُمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ في أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هذه الرِّوَايَةُ أَقْوَى وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْمُبْهِجِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ تَقِيًّا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعْتَدُّ بِهِ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وقال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيَصِحُّ من صَبِيٍّ بَالِغٍ وَفَاسِقٍ على الْأَظْهَرِ
تَنْبِيهٌ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ في الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ وهو الصَّوَابُ
وَأَمَّا الْأَذَانُ الْمُلَحَّنُ إذَا لم يُحِلْ الْمَعْنَى فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
____________________
(1/424)
أَحَدُهُمَا يُعْتَدُّ بِهِ مع الْكَرَاهَةِ وَبَقَاءِ الْمَعْنَى وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالشَّرْحِ وَشَيْخُنَا في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ الْمَلْحُونِ حُكْمُ الْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي إجْزَاءِ الْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ وَقِيلَ وَالْمَلْحُونِ وَجْهَانِ
فَائِدَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عنه قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ قال فَيُتَوَجَّهُ على هذا بَقَاءُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ من هو فَرْضٌ عليه
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سمع الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كما يقول إلَّا في الْحَيْعَلَةِ فإنه يقول لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّامِعُ في الْحَيْعَلَةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّارِحِ وَالنَّظْمِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قال في النُّكَتِ هو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَكَاهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ قال في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وهو ضَعِيفٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وقال الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا يقول كما يقول وَقَالَهُ الْقَاضِي قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كان بَعْضُ مَشَايِخِنَا
____________________
(1/425)
يقول إذَا كان في الْمَسْجِدِ حَيْعَلَ وَإِنْ كان خَارِجَهُ حَوْقَلَ وَقِيلَ يُخَيَّرُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَهُ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ إجَابَتُهُ
تَنْبِيهَاتٌ
أَحَدُهَا يَدْخُلُ في قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سمع الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كما يقول الْمُؤَذِّنُ نَفْسُهُ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ فَيُجِيبُ نَفْسَهُ خُفْيَةً وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فإن في قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سمع الْمُؤَذِّنَ من أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَقِيلَ لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وحكى رِوَايَةً عن أَحْمَدَ قال بن رَجَبٍ في الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ هذا الْأَرْجَحُ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا إجَابَةُ مُؤَذِّنٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ وهو صَحِيحٌ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ ذلك قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ يَعْنِي الْأَذَانَ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَحَلُّ ذلك إذَا كان الْأَذَانُ مَشْرُوعًا
الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْقَارِئَ وَالطَّائِفَ وَالْمَرْأَةَ يُجِيبُونَهُ وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا الْمُصَلِّي إذَا سمع الْمُؤَذِّنَ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ وَلَوْ كانت الصَّلَاةُ نَفْلًا بَلْ يَقْضِيَهُ إذَا سَلَّمَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَهُ وَيَقُولُ مِثْلَ ما يقول وَلَوْ في الصَّلَاةِ انْتَهَى فَإِنْ أَجَابَهُ فيها بَطَلَتْ بِالْحَيْعَلَةِ فَقَطْ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال أبو الْمَعَالِي إنْ لم يَعْلَمْ أنها دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا وقال وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْحَيْعَلَةِ أَيْضًا إنْ نَوَى الْأَذَانَ لَا إنْ نَوَى الذِّكْرَ
وَأَمَّا الْمُتَخَلِّي فَلَا يُجِيبُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لَكِنْ إذَا خَرَجَ أَجَابَهُ
وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُجِيبُهُ في الْخَلَاءِ وَتَقَدَّمَ ذلك في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ
____________________
(1/426)
الرَّابِعُ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وهو صَحِيحٌ لَكِنْ يقول عِنْدَ قَوْلِهِ قد قَامَتْ الصَّلَاةُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا زَادَ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ما دَامَتْ السماوات ( ( ( السموات ) ) ) وَالْأَرْضُ وَقِيلَ يَجْمَعُ بين قَوْلِهِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَبَيْنَ قد قَامَتْ الصَّلَاةُ
الْخَامِسُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّثْوِيبِ صَدَقْت وَبَرَرْت فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّهُ يقول صَدَقْت وَبِالْحَقِّ نَطَقْت
السَّادِسُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لم يَرِدْ في الحديث فَلَا يَقُلْهُمَا وقد حَكَى لي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ في مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ فيها الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
فَائِدَةٌ لو دخل الْمَسْجِدَ وَالْمُؤَذِّنُ قد شَرَعَ في الْأَذَانِ لم يَأْتِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا بِغَيْرِهَا حتى يَفْرُغَ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وقال نُصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ اخْتَارَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في الْفَائِقِ وَمَنْ دخل الْمَسْجِدَ وهو يَسْمَعُ التَّأْذِينَ فَهَلْ يُقَدِّمُ إجَابَتَهُ على التَّحِيَّةِ على رِوَايَتَيْنِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ هَكَذَا وَرَدَ في لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ وبن خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِمَا وَتَابَعَ الْمُصَنِّفُ على هذه الْعِبَارَةِ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَمَاعَةً وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُمَا إلَّا مُنْكِرِينَ فيقول وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا مُوَافَقَةً لِلْقُرْآنِ وهو الْوَارِدُ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَرَدُّ بن الْقَيِّمِ الْأَوَّلُ في بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ من خَمْسَةِ أَوْجُهٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ من الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ بِلَا عُذْرٍ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ
____________________
(1/427)
على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَكَرِهَهُ أبو الْوَفَا وأبو الْمَعَالِي وَنَقَلَ بن الْحَكَمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا يَخْرُجُ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لَا يَنْبَغِي وقال بن تَمِيمٍ وَيَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ نُصَّ عليه قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قبل الْوَقْتِ فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ نُصَّ عليه
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ هذا مُرَادُ من أَطْلَقَ
الثَّانِيَةُ لَا يُؤَذَّنُ قبل الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ وَقْتِ التَّأْذِينِ كَالْإِمَامِ وَجَزَمَ أبو الْمَعَالِي بِتَحْرِيمِهِ وَمَتَى جاء الْمُؤَذِّنُ الرَّاتِبُ وقد أَذَّنَ قَبْلَهُ اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهُ نُصَّ عليه
الثَّالِثَةُ لَا يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِقَامَةِ إلَيْهِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا دخل الْمَسْجِدَ حَالَ الْأَذَانِ
الرَّابِعَةُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنَادِي لِلْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدِ بِقَوْلِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً أو الصَّلَاةُ وَقِيلَ لَا ينادى لَهُنَّ وَقِيلَ لَا ينادى لِلْعِيدِ فَقَطْ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا ينادى لِلْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَقَالَهُ طَائِفَةٌ من أَصْحَابِنَا وَيَأْتِي هل النِّدَاءُ لِلْكُسُوفِ سُنَّةٌ أو فَرْضُ كِفَايَةٍ في بَابِهِ
إذَا عَلِمْت ذلك فَنَصْبُ الصَّلَاةِ على الْإِغْرَاءِ وَنَصْبُ جامعه على الْحَالِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يَرْفَعُهُمَا وَيَنْصِبُهُمَا
وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا ينادى على الْجِنَازَةِ وَالتَّرَاوِيحِ نَصَّ عليه في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ ينادى لَهُمَا وقال الْقَاضِي ينادى لِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَيَأْتِي ذلك مُفَرَّقًا في أَبْوَابِهِ
____________________
(1/428)
بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ أَوَّلُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ
اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا من شُرُوطِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ وقال في الْفُرُوعِ وَسَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ وَهِيَ تَدُلُّ على السَّبَبِيَّةِ وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَهِيَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ إذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْخِطَابُ وَكَذَا قال الْأُصُولِيُّونَ إنْ من السَّبَبِ وَقْتِيٌّ كَالزَّوَالِ لِلظُّهْرِ وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ النِّيَّةِ عن النِّيَّةِ هِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ وَلَا تَكُونُ شَرْطًا سَادِسًا إلَّا بِكَوْنِ دُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَمَّاهُ سَبَبًا وَحَكَمَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ
قُلْت السَّبَبُ قد يَجْتَمِعُ مع الشَّرْطِ وَإِنْ كان يَنْفَكُّ عنه فَهُوَ هُنَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ من الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ قال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَمِيعُهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ مع الْقُدْرَةِ دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْوَقْتَ فإن دُخُولَهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ جميعا إلَّا ما استثنى من الْجَمِيعِ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ فإذا دخل وَجَبَتْ وإذا وَجَبَتْ وَجَبَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ عليها كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا
قَوْلُهُ وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ الظُّهْرُ وَهِيَ الْأُولَى
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْخَمْسِ افْتِرَاضًا وَبِهَا بَدَأَ جِبْرِيلُ حين أَمَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ وَبَدَأَ بها الصَّحَابَةُ حين سُئِلُوا عن الْأَوْقَاتِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَبَدَأَ في الْإِرْشَادِ وَالشِّيرَازِيُّ في الْإِيضَاحِ وَالْمُبْهِجِ وأبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَتَابَعَهُ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْفَجْرِ وَقَالَهُ الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فقال بَدَأَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا كَالْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي في بَعْضِ كُتُبِهِ وَغَيْرِهِمَا بِالظُّهْرِ وَمِنْهُمْ من
____________________
(1/429)
بَدَأَ بِالْفَجْرِ كَابْنِ أبي مُوسَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي في مَوْضِعٍ قال وَهَذَا أَجْوَدُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوُسْطَى إذَا كانت الْفَجْرُ الْأُولَى انْتَهَى وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْفَجْرِ لِبُدَاءَتِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بها لِلسَّائِلِ وهو مُتَأَخِّرٌ عن الْأَوَّلِ وَنَاسِخٌ لِبَعْضِهِ وَبَدَأَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ بِالْفَجْرِ ثُمَّ ثَنَّيَا بِالظُّهْرِ وَقَالَا هِيَ الْأُولَى
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا في شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْغَيْمُ وَشِدَّةُ الْحَرِّ اُسْتُحِبَّ تَعْجِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَأَمَّا في شِدَّةِ الْحَرِّ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أنها تُؤَخَّرُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فَقَطْ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُصُولِ وَالنَّظْمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أنها تُؤَخَّرُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ مُطْلَقًا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَرَجَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى في الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُصَنِّفِ في الْكَافِي وَالْفَخْرِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَالْفَائِقُ وَشَرَطَ الْقَاضِي في الْمُحَرَّرِ مع الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ كَوْنَهُ في بَلَدٍ حَارٍّ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اشْتَرَطَ ذلك طَائِفَةٌ من أَصْحَابِنَا وقال وَمِنْهُمْ من يَشْتَرِطُ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ انْتَهَى وَشَرَطَ بن الزَّاغُونِيِّ كَوْنَهُ في مَسَاجِدِ الدُّرُوبِ
فَائِدَةٌ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اُخْتُلِفَ في الْمَعْنَى الذي من أَجْلِهِ أُمِرَ بِالْإِبْرَادِ فَمِنْهُمْ من قال هو حُصُولُ الْخُشُوعِ فيها فَلَا فَرْقَ بين من يُصَلِّي وَحْدَهُ أو في جَمَاعَةٍ وَمِنْهُمْ من قال هو خَشْيَةُ الْمَشَقَّةِ على من بَعُدَ من الْمَسْجِدِ بِمَشْيِهِ في الْحَرِّ فَتَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ في مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ التي تُقْصَدُ من الْأَمْكِنَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ
____________________
(1/430)
وَمِنْهُمْ من قال هو وَقْتُ تَنَفُّسِ جَهَنَّمَ فَلَا فَرْقَ بين من يُصَلِّي وَحْدَهُ أو في جَمَاعَةٍ انْتَهَى
تَنْبِيهٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يُؤَخِّرُ لِيَمْشِيَ في الْفَيْءِ منهم صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وقال الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ يُؤَخِّرُ حتى يَنْكَسِرَ الْحَرُّ وقال بن الزَّاغُونِيِّ حتى يَنْكَسِرَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَنَحْوَهُ وقال جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ وقال الْقَاضِي بِحَيْثُ يَكُونُ بين الْفَرَاغِ من الصَّلَاتَيْنِ آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَضْلٌ وَاقْتَصَرَ عليه بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا مع الْغَيْمِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَنَصَرُوهُ وَعَنْهُ لَا يُؤَخِّرُ مع الْغَيْمِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِذَلِكَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ في الْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَجُزِمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ صلى في جَمَاعَةٍ أو وَحْدَهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً وهو ظَاهِرُ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا أو لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً قال بن الزَّاغُونِيِّ يُؤَخِّرُ
____________________
(1/431)
إلَى قَرِيبٍ من وَسَطِ الْوَقْتِ وقال في الْحَاوِي تُؤَخَّرُ لِقُرْبِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في مَسْأَلَةِ الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْغَيْمِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مُطْلَقًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ مع الْغَيْمِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَجَمَاعَةٍ
قُلْت وهو الْأُولَى لِيَخْرُجَ من الْخِلَافِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَالْأَثْرَمِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ في الْغَيْمِ حُكْمُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ في الْغَيْمِ على ما تَقَدَّمَ وَنَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ
فَائِدَةٌ قَوْلُهُ عن الْعَصْرِ وَهِيَ الْوُسْطَى هو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَلَا أَعْلَمُ عنه وَلَا عَنْهُمْ فيها خِلَافًا
قُلْت وَذَكَرَ الْحَافِظُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بن حُجْرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فيها عِشْرِينَ قَوْلًا وَذَكَرَ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ من الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَدَلِيلَهُ فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا مُلَخَّصَةً
فَنَقُولُ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ الْمَغْرِبِ الْعِشَاءِ الْفَجْرِ الظُّهْرِ جميعا بها وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ التَّوَقُّفُ الْجُمُعَةُ الظُّهْرُ في الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةُ في غَيْرِهَا الصُّبْحُ أو الْعِشَاءُ الصُّبْحُ او الْعَصْرُ الصُّبْحُ أو الْعَصْرُ على التَّرْدِيد وهو غَيْرُ الذي قَبْلَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ صَلَاةُ الْخَوْفِ صَلَاةُ عِيدِ النَّحْرِ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ الْوِتْرُ صَلَاةُ الضُّحَى صَلَاةُ اللَّيْلِ
قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا من خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ
____________________
(1/432)
الْعَصْرِ يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ ليس بَيْنَهُمَا وَقْتٌ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عن خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالتَّلْخِيصِ وقال بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَحْمَدَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ قال في الْفُرُوعِ فَبَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ
قَوْلُهُ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ
هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بها في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَعَنْهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ في تَذْكِرَةِ بن عَقِيلٍ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ النِّهَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
قَوْلُهُ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
يَعْنِي إنْ قُلْنَا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فما بَعْدَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ وَإِنْ قُلْنَا إلَى مَصِيرِ ظِلِّ كل شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَكَذَلِكَ فَلَهَا وَقْتَانِ فَقَطْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كل شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازِ الِاصْفِرَارِ وَبَعْدَهُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ إلَى الْغُرُوبِ وقال في الْكَافِي يَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ هو غَرِيبٌ وقال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ
قُلْت لو قِيلَ إنَّهُ أَرَادَ الْجَوَازَ مع الْكَرَاهَةِ لَكَانَ له وَجْهٌ فإن لنا وَجْهًا
____________________
(1/433)
بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ مع الْكَرَاهَةِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَاخْتَارَهُ بن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ على ما يَأْتِي مع أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ بَلْ قَالَهَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَالْجَوَازِ انْتَهَى وَنَقُولُ هو وَقْتُ جَوَازٍ في الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَعْذُورِ قال بن تَمِيمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وهو قَوْلٌ حَكَاهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مع الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ نَقَلَهَا صَالِحٌ قَالَهُ الْقَاضِي وَلَفْظُ رِوَايَةِ صَالِحٍ يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إلَيَّ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي ما لم تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا قاله في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا إلَّا مع الصَّحْوِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَقِيلَ عنه يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا مع الصَّحْوِ
قَوْلُهُ عن الْمَغْرِبِ وَوَقْتُهَا من مَغِيبِ الشَّمْسِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ في الْحَضَرِ وَالْأَحْمَرِ في غَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ قال الْمُصَنِّفُ تُعْتَبَرُ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ لِدَلَالَتِهَا على غَيْبُوبَةِ الْأَحْمَرِ لَا لِنَفْسِهِ وَحَكَى بن عَقِيلٍ إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ فَهَلْ يَدْخُلُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مع بَقَاءِ الْحُمْرَةِ أو حتى يَذْهَبَ ذلك فيه رِوَايَتَانِ
فَائِدَةٌ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال الْآجُرِّيُّ في النَّصِيحَةِ لها وَقْتٌ وَاحِدٌ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ وقال من أَخَّرَ حتى يَبْدُوَ النَّجْمُ فَقَدْ أَخْطَأَ
____________________
(1/434)
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ لِمَنْ قَصَدَهَا
يَعْنِي لِمَنْ قَصَدَهَا مُحْرِمًا وَهَذَا إجْمَاعٌ وقال صَاحِبُ الْفُرُوعِ وكلامهم ( ( ( كلامهم ) ) ) يَقْتَضِي لو دُفِعَ من عَرَفَةَ قبل الْمَغْرِبِ وَحَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ وَقْتَ الْغُرُوبِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا وَيُصَلِّيهَا في وَقْتِهَا قال وكلام ( ( ( كلام ) ) ) الْقَاضِي يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها لَا تُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ وهو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ وهو الْمُخْتَارُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها في الْغَيْمِ كَالظُّهْرِ كما تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ ذلك قَرِيبًا
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا يَكُونُ تَأْخِيرُهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ قَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَاقْتُصِرَ في الْفُصُولِ على قَوْلِهِ وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا بِمِنًى يُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِالْعِشَاءِ وَذَلِكَ نُسُكٌ وَفَضِيلَةٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَقَوْلُهُ إلَّا بِمِنًى هو في الْفُصُولِ وَصَوَابُهُ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ
الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن هُبَيْرَةَ يُكْرَهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ كَثُرَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا وَيَأْتِي ذلك في تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ تَسْمِيَتُهَا بِالْمَغْرِبِ
قَوْلُهُ عن الْعِشَاءِ وَوَقْتُهَا من مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ
يَعْنِي وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال في الْفُرُوعِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ منهم الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي في الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قال الشَّارِحُ الْأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عن ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ انْتَهَى وَعَنْهُ نِصْفُهُ جَزَمَ
____________________
(1/435)
بِهِ في الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْمُبْهِجِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ في نَظْمِهِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
قَوْلُهُ ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وقال في الْكَافِي ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي كما قال في الْعَصْرِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْأَدَاءَ بَاقٍ وَتَقَدَّمَ ما قلنا ( ( ( قلناه ) ) ) في كَلَامِهِ وَوَافَقَ الْكَافِيَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبُ وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصُ وَالْبُلْغَةُ فَقَالُوا وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ انْتَهَى وَقِيلَ يَخْرُجُ الْوَقْتُ مُطْلَقًا بِخُرُوجِ وَقْت الِاخْتِيَارِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لم يذكر في الْوَجِيزِ لِلْعِشَاءِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ في الْعَصْرِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ
الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْضِهَا إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ ما لم يَكُنْ عُذْرٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ في الْأَصَحِّ وَقَالَهُ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ في الْعَصْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقِيلَ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في كِتَابِ الصَّلَاةِ
____________________
(1/436)
بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عليه الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِهَا
قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ ما لم يُشَقَّ
اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَقَّ التَّأْخِيرُ على جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ كُرِهَ التَّأْخِيرُ وَإِنْ شَقَّ على بَعْضِهِمْ كُرِهَ أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ هل يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا أو يُرَاعَى حَالُ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَ الْأَشَقِّ عليهم فيه رِوَايَتَانِ فَحَكَوْا الْخِلَافَ مُطْلَقًا وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ يُسَنُّ تَأْخِيرُهَا وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إذَا أُخِّرَ الْمَغْرِبُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ أو الْجَمْعِ فإنه حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا مع الْغَيْمِ نُصَّ عليه وَقِيلَ مع تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ معه وَالْخُرُوجِ إلَيْهَا
فَوَائِدُ
يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كان له من يُوقِظُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْجَامِعِ وما هو بِبَعِيدٍ
وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا في أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أو شَغْلٍ أو شَيْءٍ يَسِيرٍ وَالْأَصَحُّ أو مع الْأَهْلِ وَقِيلَ يُكْرَهُ مع الْأَهْلِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ قال في الرِّعَايَةِ وبن تَمِيمٍ وَلَا يُكْرَهُ لِمُسَافِرٍ وَلِمُصَلٍّ بَعْدَهَا
وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَلَا تَسْمِيَةُ الْفَجْرِ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ وَقِيلَ يُكْرَهُ فِيهِمَا وَقِيلَ يُكْرَهُ في الْأَخِيرَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ في الْأُولَى قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن عَبْدُوسٍ الْمَنْعُ من ذلك وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْأَشْهَرُ عنه إنَّمَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ حتى يَغْلِبَ عليها الِاسْمُ وَأَنَّ مِثْلَهَا في الْخِلَافِ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ
____________________
(1/437)
قَوْلُهُ عن الْفَجْرِ وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ
وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَالْمُنْتَخَبُ وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ فَعَلَى هذا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ وَعَنْهُ إنْ أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ فَالْأَفْضَلُ الْإِسْفَارُ وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْمَأْمُومِينَ وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ في الْمُبْهِجِ وَنَصَرَهَا أبو الْخَطَّابِ في الِانْتِصَارِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهَا بَعْضُهُمْ وقال في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا الْحَاجُّ بِمُزْدَلِفَةَ قال في الْفُرُوعِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وِفَاقٌ
قُلْت وهو عَيْنُ الصَّوَابِ وهو مُرَادُ من أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ
تَنْبِيهٌ قال الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كان الْأَرْفَقُ على الْمَأْمُومِينَ الْإِسْفَارَ مع حُضُورِهِمْ أو حُضُورِ بَعْضِهِمْ أَمَّا لو تَأَخَّرَ الْجِيرَانُ كلهم فَالْأَوْلَى هُنَا التَّأْخِيرُ بِلَا خِلَافٍ على مُقْتَضَى ما قَالَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وقال نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس لها وَقْتُ ضَرُورَةٍ بَلْ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ كما في الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَذْهَبُ قال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَجَعَلَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وبن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وبن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ لها وَقْتَيْنِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ وهو إلَى الْإِسْفَارِ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وهو إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ اخْتِيَارِ الْأَوْلَى في اخْتِصَامِ الْمَلَاءِ الْأَعْلَى وقد أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ
____________________
(1/438)
وقال هذه صَلَاةُ مُفْرِطٍ إنَّمَا الْإِسْفَارُ أَنْ يَنْتَشِرَ الضَّوْءُ على الْأَرْضِ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فَيَحْصُلُ له فَضِيلَةُ ذلك بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ إذَا دخل الْوَقْتُ قال في التَّلْخِيصِ وَيَقْرُبُ منه قَوْلُ الْمَجْدِ قَدْرُ الطَّهَارَةِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِ ذلك وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ قَوْلًا يَتَطَهَّرُ قبل الْوَقْتِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ من صَلَاةٍ في وَقْتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَهَا
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ في الْمَذْهَبِ وَلَوْ كان آخِرَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ من الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ جَمْعَهُمَا وَعَنْهُ لَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى وبن عَبْدُوسٍ تِلْمِيذِ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن عُبَيْدَانَ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا بِنَاءُ ما خَرَجَ منها عن الْوَقْتِ على تَحْرِيمِهِ الْأَدَاءَ في الْوَقْتِ وَوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ في الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَابِعُهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي أنها مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ الْآتِيَةُ بَعْدَ ذلك
الثَّانِيَةُ جَمِيعُ الصَّلَاةِ التي قد أَدْرَكَ بَعْضَهَا في وَقْتِهَا أَدَاءٌ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَشْهُورُ وَقِيلَ تَكُونُ جَمِيعُهَا أَدَاءً في الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أبو الْمَعَالِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وبن أبي مُوسَى وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ بن عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مُتَوَجَّهٌ وَقِيلَ قَضَاءٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ الْخَارِجُ عن الْوَقْتِ قَضَاءٌ وَاَلَّذِي في الْوَقْتِ أَدَاءٌ
____________________
(1/439)
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ من رَكْعَةٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ على ما يَأْتِي في بَابِهِ وَعَنْهُ تُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَغَيْرِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا لَكِنَّ عُمُومَ كَلَامِهِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا قَالَهُ هُنَاكَ وهو أَوْلَى
قَوْلُهُ وَمَنْ شَكَّ في الْوَقْتِ لم يُصَلِّ حتى يَغْلِبَ على ظَنِّهِ دُخُولُهُ
فإذا غَلَبَ على ظَنِّهِ دُخُولُهُ صلى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يصلى حتى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حتى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا احْتِيَاطًا إلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ أو تَكُونَ صَلَاةُ الْعَصْرِ في وَقْتِ الْغَيْمِ فإنه يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ وقال الْآمِدِيُّ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إذَا تَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ أو غَلَبَ على ظَنِّهِ غُرُوبُهَا
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَجِدْ من يُخْبِرُهُ عن يَقِينٍ أو لم يُمْكِنْهُ مُشَاهَدَةُ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ أخبره بِذَلِكَ مُخْبِرٌ عن يَقِينٍ قَبِلَ قَوْلَهُ
يَعْنِي إذَا كان يَثِقُ بِهِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو سمع أَذَانَ ثِقَةٍ عَارِفٍ يَثِقُ بِهِ قال في الْفُصُولِ وأبو الْمَعَالِي في نِهَايَتِهِ وبن تَمِيمٍ وبن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ يَعْمَلُ بِالْأَذَانِ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ في دَارِ الْحَرْبِ حتى يَعْلَمَ إسْلَامَ الْمُؤَذِّنِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ في دُخُولِ الْوَقْتِ
____________________
(1/440)
مع إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ وهو مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ كما شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَإِنْ كان عن ظَنٍّ لم يُقْبَلْ
مُرَادُهُ إذَا لم يَتَعَذَّرْ عليه الِاجْتِهَادُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عليه الِاجْتِهَادُ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وفي كِتَابِ أبي عَلِيٍّ الْعُكْبَرِيِّ وَأَبِي الْمَعَالِي وبن حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمَا لَا يُقْبَلُ أَذَانٌ في غَيْمٍ لِأَنَّهُ عن اجْتِهَادٍ فَيَجْتَهِدُ هو قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لو عَرَفَ أَنَّهُ يُعْرَفُ الْوَقْتُ بِالسَّاعَاتِ أو تَقْلِيدِ عَارِفٍ عَمِلَ بِهِ وَجَزَمَ بهذا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مع إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ وهو خِلَافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ وَخِلَافُ ما شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
فَائِدَةٌ الْأَعْمَى الْعَاجِزُ يُقَلِّدُ فَإِنْ عَدِمَ من يُقَلِّدُهُ وَصَلَّى أَعَادَ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ من الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَرَتَّبُ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ من الْوَقْتِ وَلَوْ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَلِهَذَا قِيلَ يُخَيَّرُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَهُ الْأَدَاءُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ منهم بن بَطَّةَ وبن أبي مُوسَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ إلَّا إنْ تَضَايَقَ الْوَقْتُ عن فِعْلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ يُوجَدُ الْمَانِعُ
قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّ أو حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ
يَعْنِي إذَا طَرَأَ عَدَمُ التَّكْلِيفِ
____________________
(1/441)
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ التي أَدْرَكَهَا تَارَةً تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا وَتَارَةً لَا تُجْمَعُ فَإِنْ كانت لَا تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِشَرْطِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كانت تُجْمَعُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ التي دخل وَقْتُهَا فَقَطْ وَلَوْ خَلَا جَمِيعُ وَقْتِ الْأُولَى من الْمَانِعِ وَسَوَاءٌ فَعَلَهَا أو لم يَفْعَلْهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم بن حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فيه وفي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَجْمُوعَةِ إلَيْهَا وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ أو أَسْلَمَ كَافِرٌ أو أَفَاقَ مَجْنُونٌ أو طَهُرَتْ حَائِضٌ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ وَإِنْ كان ذلك قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَإِنْ كان قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُمْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ
يَعْنِي إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ من الْوَقْتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ بِقَدْرِ جُزْءٍ ما قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ قال وقد يُؤْخَذُ منه الْقَوْلُ بِرَكْعَةٍ فَيَكُونُ فَائِدَةَ الْمَسْأَلَةِ وهو مُتَّجَهٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخِلَافَ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ أو تَكْلِيفٌ هل يُعْتَبَرُ بِتَكْبِيرَةٍ أو رَكْعَةٍ وَاخْتَارَ بِرَكْعَةٍ في التَّكْلِيفِ انْتَهَى
إذَا عَلِمْت ذلك فإنه إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ في وَقْتِ صَلَاةٍ لَا تُجْمَعُ لَزِمَتْهُ فَقَطْ وَإِنْ كان في وَقْتِ صَلَاةٍ تُجْمَعُ مع ما قَبْلَهَا إلَيْهَا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا على الْفَوْرِ
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم
____________________
(1/442)
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ على الْفَوْرِ مُطْلَقًا وَقِيلَ يَجِبُ على الْفَوْرِ في خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا إذَا تَابَ لَا يَشْرَعُ له قَضَاؤُهَا وَلَا تَصِحُّ منه بَلْ يُكْثِرُ من التَّطَوُّعِ وَكَذَا الصَّوْمُ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ في كَلَامِ طَائِفَةٍ من أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا منهم الْجُوزَجَانِيُّ وأبو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ وبن بَطَّةَ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا على الْفَوْرِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَتَضَرَّرْ في بَدَنِهِ أو في مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا فَإِنْ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ ذلك سَقَطَتْ الْفَوْرِيَّةُ نُصَّ عليه
قَوْلُهُ مُرَتَّبًا قَلَّتْ أو كَثُرَتْ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ قال في الْمُبْهِجِ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ قال بن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَمَالَ إلَى ذلك وقال كان أَحْمَدُ لِشِدَّةِ وَرَعِهِ يَأْخُذُ من هذه الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فيها بِالِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا فَأَجَابَ سِنِينَ عَدِيدَةً بِبَقَاءِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَائِتَةٍ في الذِّمَّةِ لَا يَكَادُ يَقُومُ عليه دَلِيلٌ قَوِيٌّ قال وقد أخبرني بَعْضُ أَعْيَانِ شُيُوخِنَا الْحَنْبَلِيِّينَ أَنَّهُ رَأَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّوْمِ وَسَأَلَهُ عَمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ في هذه الْمَسَائِلِ أَيُّهَا أَرْجَحُ قال فَفَهِمْت منه أَنَّهُ أَشَارَ إلَى رُجْحَانِ ما يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى وَقِيلَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ في خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا في مَوْضِعٍ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَلَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ وَلَهُ نَظَائِرُ
فَائِدَةٌ لو كَثُرَتْ الْفَرَائِضُ الْفَوَائِتُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ سُنَنِهَا قَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ سُنَّةَ الْفَجْرِ وقال لَا يُهْمِلُهَا وقال في الْوِتْرِ إنْ شَاءَ قَضَاهُ وَإِنْ شَاءَ فَلَا وَنَقَلَ مَهَنَّا يَقْضِي سُنَّةَ
____________________
(1/443)
الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ قال الْمَجْدُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ دُونَهَا وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي السُّنَنَ قال بَعْدَ رِوَايَةِ مُهَنَّا الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ كما يَقْضِي غَيْرَهُ من الرَّوَاتِبِ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ هذا من الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ في رِوَايَةٍ خَاصَّةٍ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ لَا يَتَطَوَّعُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مُتَقَدِّمَةٌ إلَّا الْوِتْرَ فإنه يُوتِرُ وقال في الْفُصُولِ يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وفي بَقِيَّةِ الرَّوَاتِبِ من النَّوَافِلِ رِوَايَتَانِ نَصٌّ على الْوِتْرِ لَا يَقْضِي وَعَنْهُ يَقْضِي انْتَهَى
وَأَمَّا انْعِقَادُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا كان عليه فَوَائِتُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لِتَحْرِيمِهِ إذَنْ كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ في الْجَوَازِ وَأَنَّ على الْمَنْعِ لَا يَصِحُّ قال الْمَجْدُ وَكَذَا يَتَخَرَّجُ في النَّفْلِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ أو عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْفَوَاتِ مع عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ انْتَهَى وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ في بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي قَرِيبًا من ذلك في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فإذا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ
قَوْلُهُ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ
سَقَطَ وُجُوبُهُ يَعْنِي وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ إذَا بَقِيَ من الْوَقْتِ بِقَدْرِ ما يَفْعَلُهَا فيه ثُمَّ يَقْضِي وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي هذه الرِّوَايَةَ وحكى عن أَحْمَدَ ما يَدُلُّ على رُجُوعِهِ عنها وَكَذَا قال أبو حَفْصٍ قال إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلًا قَدِيمًا أو غَلَطًا وَعَنْهُ يَسْقُطُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ عن قَضَاءِ كل الْفَوَائِتِ فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ في أَوَّلِ الْوَقْتِ اخْتَارَهَا أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ وَعَنْهُ يَسْقُطُ بِخَشْيَةِ فَوَاتِ الْجَمَاعَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَعَنْهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِكَوْنِهَا جُمُعَةً جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَالَهُ الْقَاضِي
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وقال نُصَّ عليه لَكِنْ عليه فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ السُّقُوطِ ثُمَّ يَقْضِيهَا ظُهْرًا وَفِيهِ وَجْهٌ ليس عليه فِعْلُ
____________________
(1/444)
الْجُمُعَةِ إذَا قُلْنَا لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ قال في الْفُرُوعِ في أَوَّلِ الْجُمُعَةِ وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ لِخَوْفِ فَوْتِهَا وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَاتَتْهُ نُصَّ عليه
فَوَائِدُ
إحداها لو بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَاضِرَةِ مع ضِيقِ الْوَقْتِ صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَصِحُّ
الثَّانِيَةُ لَا تَنْعَقِدُ النَّافِلَةُ مع ضِيقِ الْوَقْتِ عن الْحَاضِرَةِ إذَا فَعَلَهَا عَمْدًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَنْعَقِدُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْمَجْدِ وهو أَعَمُّ
الثَّالِثَةُ خَشْيَةُ خُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَخَشْيَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ فإذا خَشِيَ الِاصْفِرَارَ صلى الْحَاضِرَةَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمَجْدُ وبن عُبَيْدَانَ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ أو نَسِيَ التَّرْتِيبَ سَقَطَ وُجُوبُهُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ حتى قال الْقَاضِي إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ سَقَطَ وُجُوبُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ حَكَاهَا بن عَقِيلٍ قال أبو حَفْصٍ هذه الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ ما نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عنه فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَلَطًا أو قَوْلًا قَدِيمًا
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو جَهِلَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقِيلَ يَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ فقال هو كَالنَّاسِي لِلتَّرْتِيبِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو ذَكَرَ فَائِتَةً وقد أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ فَتَارَةً يَكُونُ إمَامًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ فَإِنْ كان غير إمَامٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ وَيُتِمُّهَا نَفْلًا إمَّا رَكْعَتَيْنِ وَإِمَّا أَرْبَعًا وَعَنْهُ يُتِمُّهَا الْمَأْمُومُ دُونَ الْمُنْفَرِدِ وَعَنْهُ عَكْسُهَا حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَعَنْهُ يُتِمُّهَا فَرْضًا
____________________
(1/445)
اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَعَنْهُ تَبْطُلُ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَوَهِمَهُ الْخَلَّالُ وَعَنْهُ ذِكْرُ الْفَائِتَةِ في الْحَاضِرَةِ يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ عن الْمَأْمُومِ خَاصَّةً وَإِنْ كان إمَامًا فَالصَّحِيحُ عن أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقْطَعُهُمَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمْ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ فَعَلَى هذا إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْفَرْضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ أَتَمَّهَا كَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ وَالْحَالَةُ هذه فَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فَرْضًا وَعَنْهُ تَبْطُلُ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لو نَسِيَ صَلَاةً من يَوْمٍ وَجَهِلَ عَيْنَهَا صلى خَمْسًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَعَنْهُ يُصَلِّي فَجْرًا ثُمَّ مَغْرِبًا ثُمَّ رُبَاعِيَّةً وقال في الْفَائِقِ وَيَتَخَرَّجُ إيقَاعُ وَاحِدَةٍ بِالِاجْتِهَادِ أَخْذًا من الْقِبْلَةِ
الثَّانِيَةُ لو نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا من يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ السَّابِقَةَ تَحَرَّى في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا ثُمَّ عَصْرًا ثُمَّ ظُهْرًا قال وَقِيلَ عَصْرًا ثُمَّ ظُهْرًا ثُمَّ عَصْرًا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لو تَحَرَّى فلم يَقْوَ عِنْدَهُ شَيْءٌ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وبن عُبَيْدَانَ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرًا أو عَكْسَهُ ذَكَرَهَا في الْفُرُوعِ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي احْتِمَالًا ولم يُفَرِّقْ بين أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ أو لَا فقال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ ظُهْرٌ ثُمَّ عَصْرٌ ثُمَّ ظُهْرٌ أو بِالْعَكْسِ قال وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ أَشْبَهَ ما لو نَسِيَ صَلَاةً لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ اخْتَارَهُ أبو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ وأبو الْمَعَالِي وبن مُنَجَّا وَنَقَلَ أبو دَاوُد ما يَدُلُّ على ذلك
الثَّالِثَةُ لو عَلِمَ أَنَّ عليه من يَوْمٍ الظُّهْرَ وَصَلَاةً أُخْرَى لَا يَعْلَمُ هل هِيَ الْمَغْرِبُ
____________________
(1/446)
أو الْفَجْرُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ولم يَجُزْ له الْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا قَبْلَهَا
الرَّابِعَةُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ لو تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا من إحْدَى طَهَارَتِهِ ولم يَعْلَمْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ أعادة الْوُضُوءِ وَالصَّلَاتَيْنِ وَلَوْ لم يَعْلَمْ حَدَثَهُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا وَقُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِلْأُولَى خَاصَّةً لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَحِيحَةٌ على كل تَقْدِيرٍ بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ وَسَتْرُهَا عن النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَاجِبٌ
فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ كَشْفَهَا في غَيْرِ الصَّلَاةِ تَارَةً يَكُونُ في خَلْوَةٍ وَتَارَةً يَكُونُ مع زَوْجَتِهِ أو سُرِّيَّتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ مع غَيْرِهِمَا فَإِنْ كان مع غَيْرِهِمَا حَرُمَ كَشْفُهَا وَوَجَبَ سَتْرُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَالتَّدَاوِي وَالْخِتَانِ وَمَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْعَيْبِ وَالْوِلَادَةِ وَنَحْوِ ذلك وَإِنْ كان مع زَوْجَتِهِ أو سُرِّيَّتِهِ جَازَ له ذلك وَإِنْ كان في خَلْوَةٍ فَإِنْ كان ثَمَّ حَاجَةٌ كَالتَّخَلِّي وَنَحْوِهِ جَازَ وَإِنْ لم تَكُنْ حَاجَةٌ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ جَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقَدَّمَ في النَّظْمِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وبن تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ هذا أَيْضًا هُنَاكَ وَعَنْهُ يَجُوزُ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ ذَكَرَهَا في النُّكَتِ وهو وَجْهٌ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ
____________________
(1/447)
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ أو الْكَرَاهَةِ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ في ظُلْمَةٍ أو حَمَّامٍ أو بحضرة ( ( ( يحضره ) ) ) مَلَكٌ أو جِنِّيٌّ أو حَيَوَانٌ بَهِيمٌ أو لَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ
الثَّانِيَةُ يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ في الصَّلَاةِ عن نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ صلى في قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ ولم يَزُرَّهُ وَلَا شَدَّ وَسَطَهُ وكان بِحَيْثُ يَرَى عَوْرَتَهُ في قِيَامِهِ أو رُكُوعِهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ غَيْرِهِ في مَنْعِ الْإِجْزَاءِ نُصَّ عليه وَلَا يُعْتَبَرُ سَتْرُهَا من أَسْفَلَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَاعْتَبَرَهُ أبو الْمَعَالِي إنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت فَلَوْ صلى على حَائِطٍ فَرَأَى عَوْرَتَهُ من تَحْتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى
وَيَكْفِي في سَتْرِهَا نَبَاتٌ وَنَحْوُهُ كَالْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْحَشِيشُ مع وُجُودِ ثَوْبٍ وَيَكْفِي مُتَّصِلٌ بِهِ كَيَدِهِ وَلِحْيَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عليه وَعَنْهُ لَا يَكْفِي وَهِيَ وَجْهٌ في بن تَمِيمٍ وقد تَرَدَّدَ الْقَاضِي في شَرْحِ الْمُذْهَبِ في السَّتْرِ بِلِحْيَتِهِ فَجَزَمَ تَارَةً بِأَنَّ السَّتْرَ بِالْمُتَّصِلِ ليس بِسَتْرٍ في الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ وَرَجَعَ إلَى أَنَّهُ سَتْرٌ في الصَّلَاةِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُهُ لُبْسُ بَارِيَةٍ وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ وَلَا ضَفِيرَةٍ
وَلَا يَلْزَمُ سَتْرُهَا بِالطِّينِ وَلَا بِالْمَاءِ الْكَدِرِ جُزِمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ بن الْجَوْزِيِّ وَالشَّارِحُ وبن رَزِينٍ في الْمَاءِ وَقَدَّمَهُ في الطِّينِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَ بن عَقِيلٍ يَجِبُ بِالطِّينِ لَا بِالْمَاءِ الْكَدِرِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَيِّنَ بِهِ عَوْرَتَهُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ لُزُومِ الِاسْتِتَارِ بِالطِّينِ قال وهو الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عن أَحْمَدَ انْتَهَى وَجَزَمَ في التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِالْمَاءِ وَأَطْلَقَ في الطِّينِ الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ سَتْرِهَا بِالطِّينِ لو طلى ( ( ( صلى ) ) ) بِهِ ثُمَّ تَنَاثَرَ شَيْءٌ لم يَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ على الصَّحِيحِ وقال بن أبي الْفَهْمِ يَلْزَمُهُ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
____________________
(1/448)
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ أَنَّهُ إذَا كان يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ من وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ فَأَمَّا إنْ كان يَسْتُرُ اللَّوْنَ وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ لم يَضُرَّ قال الْأَصْحَابُ لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عليه لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ وَنَقَلَ مُهَنَّا تغطى خُفَّهَا لِأَنَّهُ يَصِفُ قَدَمَهَا وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي على أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ
قَوْلُهُ وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَعَنْهُ أنها الْفَرْجَانِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في الْفُرُوعِ وَهِيَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وقال هِيَ أَظْهَرُ وَإِلَيْهَا مَيْلُ صَاحِبِ النَّظْمِ أَيْضًا فيه
وَأَمَّا عَوْرَةُ الْأَمَةِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أنها ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ بن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْهَادِي وبن تَمِيمٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ بن حَامِدٍ وَالشِّيرَازِيُّ وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ عَوْرَتُهَا ما لَا يَظْهَرُ غَالِبًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ
____________________
(1/449)
بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَأَمَةٌ ما لَا يَظْهَرُ غَالِبًا على الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ وبن عُبَيْدَانَ قال الْقَاضِي في الْجَامِعِ ما عَدَا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا إلَى مِرْفَقَيْهَا وَرِجْلَيْهَا إلَى رُكْبَتَيْهَا فَهُوَ عَوْرَةٌ قال الْآمِدِيُّ عَوْرَةُ الْأَمَةِ ما خَلَا الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ وَالْقَدَمَيْنِ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ انْتَهَى وَقِيلَ الْأَمَةُ الْبَرْزَةُ كَالرَّجُلِ بِخِلَافِ الْخَفْرَةِ قال في الْإِفَادَاتِ وَالْأَمَةُ الْبَرْزَةُ كَالرَّجُلِ وَالْخَفْرَةُ ما لَا يَظْهَرُ غَالِبًا انْتَهَى وَقِيلَ ما عَدَا رَأْسَهَا عَوْرَةٌ اخْتَارَهُ بن حَامِدٍ ذَكَرَهُ عن بن تَمِيمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَا قَائِلَ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ له وَعَنْهُ عَوْرَةُ الْأَمَةِ الْفَرْجَانِ كَالرَّجُلِ ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ منهم أبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وبن الْبَنَّا وَالْحَلْوَانِيُّ وبن الْجَوْزِيِّ وَالسَّامِرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعُ وَغَيْرُهُمْ
قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ من الْأَمَةِ عَوْرَةٌ قال وقد حَكَى جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا أَنَّ عَوْرَتَهَا السَّوْأَتَانِ فَقَطْ كَالرِّوَايَةِ في عَوْرَةِ الرَّجُلِ قال وَهَذَا غَلَطٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ على الْمَذْهَبِ خُصُوصًا وَعَلَى الشَّرِيعَةِ عُمُومًا وَكَلَامُ أَحْمَدَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عن هذا الْقَوْلِ انْتَهَى
قُلْت قد حَكَى جَدُّهُ وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ أَنَّ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ من الْأَمَةِ عَوْرَةً إجْمَاعًا وَرَدُّ هذه الرِّوَايَةِ في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي حُكْمُ ما إذَا عَتَقَتْ في الصَّلَاةِ قَرِيبًا
فَائِدَةٌ قِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَةِ سَتْرُ رَأْسِهَا في الصَّلَاةِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَقَدْ بَالَغَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فقال لو صَلَّتْ مُغَطَّاةُ الرَّأْسِ لم يَصِحَّ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ سَتْرُ رَأْسِ أُمِّ الْوَلَدِ إنْ قُلْنَا هِيَ كَرَجُلٍ ذَكَرَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
____________________
(1/450)
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَدَمُ دُخُولِهِمَا في الْعَوْرَةِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هُمَا من الْعَوْرَةِ نَقَلَهُ بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ الرُّكْبَةُ فَقَطْ من الْعَوْرَةِ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ أَنَّ عَوْرَةَ من هو دُونَ الْبُلُوغِ من الذُّكُورِ مُخَالِفٌ لِعَوْرَةِ الرَّجُلِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَبَا الْمَعَالِي بن الْمُنَجَّا فإنه قال الصَّغِيرُ بَعْدَ الْعَشْرِ كَالْبَالِغِ وَمِنْ السَّبْعِ إلَى الْعَشْرِ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ وقد تَقَدَّمَ في كِتَابِ الصَّلَاةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُضْرَبُ على تَرْكِهَا لِعَشْرٍ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ قَالَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصَّغِيرِ ما يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَبِيرِ إلَّا في سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَعَلَّلَاهُ
الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ أَنَّ عَوْرَةَ الْخُنْثَى مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَتِهِ في الْحُكْمِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ أَنَّ الْخُنْثَى مُخَالِفٌ لها في الْحُكْمِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنَّ عَوْرَتَهُ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال في الْمُذْهَبِ هذا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ في النظم ( ( ( النظر ) ) ) وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَوْرَتُهُ كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي في أَحْكَامِ الْخُنْثَى قال في الرِّعَايَةِ وهو أَوْلَى وَاخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ قَالَهُ في الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
قُلْت وهو الْأَوْلَى وَالْأَحْوَطُ
فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا قُلْنَا الْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ سَتَرَ الْخُنْثَى فَرْجَهُ وَذَكَرَهُ وَدُبُرَهُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَحْتَاطُ فَيَسْتُرُ كَالْمَرْأَةِ
____________________
(1/451)
قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ حتى ظُفْرُهَا وَشَعْرُهَا إلَّا الْوَجْهَ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَجْهَ ليس بِعَوْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا وَعَنْهُ الْوَجْهُ عَوْرَةٌ أَيْضًا قال الزَّرْكَشِيُّ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ جَمِيعَهَا عَوْرَةٌ وهو مَحْمُولٌ على ما عَدَا الْوَجْهَ أو على غَيْرِ الصَّلَاةِ انْتَهَى وقال بَعْضُهُمْ الْوَجْهُ عَوْرَةٌ وَإِنَّمَا كُشِفَ في الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ ليس بِعَوْرَةٍ في الصَّلَاةِ وهو عَوْرَةٌ في بَابِ النَّظَرِ إذَا لم يَجُزْ النَّظَرُ إلَيْهِ انْتَهَى
قوله وفي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْجَامِعِ الصغير ( ( ( الكبير ) ) ) وَالْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْفُصُولِ وَالتَّذْكِرَةِ له وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وبن عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
إحْدَاهُمَا هُمَا عَوْرَةٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عليه الْجُمْهُورُ قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ قال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وفي الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَقَدَّمَهُ في الْإِيضَاحِ وَالرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْفُرُوعِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ جُزِمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالنِّهَايَةِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا وبن عُبَيْدَانَ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ
____________________
(1/452)
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ما عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ عَوْرَةٌ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا في الْخِمَارِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ أَيْضًا
قُلْت وهو الصَّوَابُ
الثَّانِي قد يُقَالُ شَمِلَ قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ الْمُمَيِّزَةَ وَالْمُرَاهِقَةَ وهو قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ في الْمُرَاهِقَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ فيها قال في النُّكَتِ وَكَلَامُ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أنها كَالْبَالِغَةِ في عَوْرَةِ الصَّلَاةِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي في كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ كَالْأَمَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال في الْفُرُوعِ قال بَعْضُهُمْ وَمُرَاهِقَةٌ وقال بَعْضُهُمْ وَمُمَيِّزَةٌ كَأَمَةٍ نَقَلَ أبو طَالِبٍ في شَعْرٍ وَسَاقٍ وَسَاعِدٍ لَا يَجِبُ سَتْرُهُ حتى تَحِيضَ قال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقِيلَ الْمُمَيِّزَةُ كَالْأَمَةِ وقال أبو الْمَعَالِي هِيَ بَعْدَ تِسْعٍ كَبَالِغٍ ثُمَّ ذَكَرَ عن الْأَصْحَابِ إلَّا في كَشْفِ الرَّأْسِ وَقَبْلَ التِّسْعِ وَقِيلَ السَّبْعِ الْفَرْجَانِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ ما سِوَاهُمَا انْتَهَى
قَوْلُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْأَمَةِ
أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها كَالْأَمَةِ في حُكْمِ الْعَوْرَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ هِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ بن تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وبن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في
____________________
(1/453)
الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْهَادِي وبن عُبَيْدَانَ
وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها كَالْأَمَةِ أَيْضًا كما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قال بن تَمِيمٍ هِيَ كَالْأَمَةِ على الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ قال في الْمُحَرَّرِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ على الْأَصَحِّ قال الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ قال النَّاظِمُ هذا أَوْلَى قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَظْهَرُ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن عُبَيْدَانَ
فَائِدَةٌ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا على صِفَةٍ كَالْأَمَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ وَعَنْهُ الْمُدَبَّرَةُ كَأُمِّ الْوَلَدِ وقال بن الْبَنَّا هِيَ كَأُمِّ الْوَلَدِ
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ في ثَوْبَيْنِ
بِلَا نِزَاعٍ بَلْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا لَكِنْ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ مع سَتْرِ رَأْسِهِ وَالْإِمَامُ أَبْلَغُ
قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ على سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَجْزَأَهُ إذَا كان على عَاتِقِهِ شَيْءٌ من اللِّبَاسِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ في الْجَمَاعَةِ شَرْطٌ في صِحَّةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم قال الْقَاضِي عليه
____________________
(1/454)
أَصْحَابُنَا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ سَتْرُهُمَا وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ وهو من الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وَعَنْهُ سُنَّةٌ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مع كَشْفِ الْمَنْكِبَيْنِ وَأَبَى ذلك الشَّيْخَانِ
وَأَمَّا في النَّفْلِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تجزئة إذَا لم يَكُنْ على عَاتِقِهِ شَيْءٌ من اللِّبَاسِ فَهُوَ كَالْفَرْضِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ قال في الْإِفَادَاتِ وَعَلَى الرَّجُلِ الْقَادِرِ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَمَنْكِبَيْهِ وَأَطْلَقَ وَكَذَا قال في الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وقال الْقَاضِي يُجْزِئُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ في النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وهو الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نُصَّ عليها في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ هذه الْمَشْهُورَةُ وَجُزِمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ ما جُزِمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ على وُجُوبِهِ في الْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالنَّظْمِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَيْخُنَا في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وبن عُبَيْدَانَ
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا كان على عَاتِقِهِ شَيْءٌ من اللِّبَاسِ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْيَسِيرُ الذي يَصْلُحُ لِلسَّتْرِ وهو ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ الْجَمِيعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وبن عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُجْزِئُ وَلَوْ بِحَبْلٍ أو خَيْطٍ وهو رِوَايَةٌ في الْوَاضِحِ وَنَسَبَهُ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وبن الْجَوْزِيِّ في
____________________
(1/455)
الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي سَتْرُ أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ نُصَّ عليها في رِوَايَةِ مُثَنَّى بن جَامِعٍ وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْإِقْنَاعِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمُنَوِّرِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ لَا بُدَّ من سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ وَهُمَا عَاتِقَاهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَتُهُ وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ في شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِأَنَّ عَاتِقَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
الثَّالِثُ قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ في دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِلْحَفَةٍ يَعْنِي الْحُرَّةَ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَتَقَدَّمَ ما يُسْتَحَبُّ لُبْسُهُ لها في الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ وإذا انْكَشَفَ من الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ في النَّظَرِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ قال الزَّرْكَشِيُّ هو الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَبْطُلُ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ يَبْطُلُ في الْمُغَلَّظَةِ فَقَطْ وَقَالَهُ بن عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا وَقَدَّرَ بن أبي مُوسَى الْعَفْوَ بِظُهُورِ الْعَوْرَةِ في الرُّكُوعِ فَقَطْ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا انْكَشَفَ أَنَّهُ إذَا انْكَشَفَ من غَيْرِ قَصْدٍ وهو
____________________
(1/456)
مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا لو كُشِفَ يَسِيرٌ من الْعَوْرَةِ قَصْدًا فإنه يُبْطِلُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ في مُخْتَصَرِهِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا قَدْرُ الْيَسِيرِ ما عُدَّ يَسِيرًا عُرْفًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْيَسِيرُ من الْعَوْرَةِ ما كان قَدْرَ رَأْسِ الْخِنْصَرِ وَجُزِمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ قال بن تَمِيمٍ وَلَا وَجْهَ له وهو كما قال
الثَّانِيَةُ كَشْفُ الْكَثِيرِ من الْعَوْرَةِ في الزَّمَنِ الْقَصِيرِ كَالْكَشْفِ الْيَسِيرِ في الزَّمَنِ الطَّوِيلِ على ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ هُنَا وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ هُنَاكَ وَقِيلَ إنْ احْتَاجَ عَمَلًا كَثِيرًا في أَخْذِهَا فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ الْخِلَافَ في كَشْفِ الْيَسِيرِ من الْعَوْرَةِ وَجَزَمَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْكُبْرَى بِالْعَفْوِ عن الْكَشْفِ الْكَثِيرِ في الزَّمَنِ الْيَسِيرِ
قَوْلُهُ وَمَنْ صلى في ثَوْبٍ حَرِيرٍ أو مَغْصُوبٍ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يَصِحُّ مع التَّحْرِيمِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وبن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وهو أَظْهَرُ وَقِيلَ تَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ من عَالِمٍ بِالنَّهْيِ وَتَصِحُّ من غَيْرِهِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ إنْ كان شِعَارًا يَعْنِي يَلِي جَسَدَهُ وَاخْتَارَهُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقِيلَ إذَا كان قَدْرَ سَتْرِ عَوْرَةٍ كَسَرَاوِيلَ وَإِزَارٍ وَقِيلَ تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ دُونَ غَيْرِهَا وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ قال الْآمِدِيُّ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ قَوْلًا وَاحِدًا
____________________
(1/457)
فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ في النَّافِلَةِ ذَكَرَهَا في النُّكَتِ وَيَأْتِي نَظِيرُهَا في الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ
وقال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارِ وَقْفُ الصِّحَّةِ على تَحْلِيلِ الْمَالِكِ في الْغَصْبِ وقد نُصَّ على مِثْلِهِ في الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ في النَّفْلِ قَرِيبًا بِأَعَمَّ من هذا
فَائِدَةٌ لو لَبِسَ عِمَامَةً مَنْهِيًّا عنها أو تِكَّةً وَصَلَّى فيها صَحَّتْ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ في مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ في التِّكَّةِ وَلَوْ صلى وفي يَدِهِ خَاتَمٌ ذَهَبٌ أو دُمْلُجٌ أو في رِجْلِهِ خُفٌّ حَرِيرٌ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ في التَّبْصِرَةِ احْتِمَالًا في بُطْلَانِهَا بِجَمِيعِ ذلك إنْ كان رَجُلًا وَقِيلَ تَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ وقال أبو بَكْرٍ إذَا صلى وفي يَدِهِ خَاتَمٌ حَدِيدٌ أو صُفْرٌ أَعَادَ صَلَاتَهُ
فَائِدَةٌ لو لم يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ صلى فيه ولم يُعِدْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُصَلِّي وَيُعِيدُ قال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ فَأَمَّا الْحَرِيرُ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ فَيُصَلِّي فيه وَلَا يُعِيدُ وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِعَادَةَ على الرِّوَايَتَيْنِ في الثَّوْبِ النَّجِسِ قال وهو وَهْمٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ فيه التَّحْرِيمُ وقد زَالَتْ في هذه الْحَالِ إجْمَاعًا فَأَشْبَهَ زَوَالَهَا بِالْجَهْلِ وَالْمَرَضِ انْتَهَى
وَلَوْ لم يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا مَغْصُوبًا لم يُصَلِّ فيه قَوْلًا وَاحِدًا وَصَلَّى عُرْيَانًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَلَوْ خَالَفَ وَصَلَّى لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِارْتِكَابِ النَّهْيِ وَقِيلَ تَصِحُّ
فَائِدَةٌ حُكْمُ النَّفْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ حُكْمُ الْفَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقِيلَ يَصِحُّ في النَّفْلِ وَإِنْ لم
____________________
(1/458)
نُصَحِّحْهَا في الْفَرْضِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ قال في الْفُرُوعِ وَنَفْلُهُ كَفَرْضِهِ كَثَوْبٍ نَجِسٍ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ لَا وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ من صلى نَفْلًا في ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ أو في مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ قال قُلْت فَإِنْ كان معه ثَوْبَانِ نَجِسٌ وَحَرِيرٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُمَا فَالْحَرِيرُ أَوْلَى
فَوَائِدُ
منها لو جَهِلَ أو نَسِيَ كَوْنَهُ غَصْبًا أو حَرِيرًا أو حُبِسَ في مَكَان غَصْبٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي في حَبْسِهِ بِغَصْبٍ رِوَايَتَيْنِ ثُمَّ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ في ثَوْبٍ يَجْهَلُ غَصْبَهُ لِعَدَمِ إثْمِهِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال
وَمِنْهَا لَا يَصِحُّ نَفْلُ الْآبِقِ وَيَصِحُّ فَرْضُهُ ذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وبن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ زَمَنَ فَرْضِهِ مُسْتَثْنًى شَرْعًا فلم يَغْصِبْهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بُطْلَانُ فَرْضِهِ قَوِيٌّ وَظَاهِرُ كَلَامِ بن هُبَيْرَةَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ مُطْلَقًا إنْ لم يَسْتَحِلَّ الْإِبَاقَ
وَمِنْهَا تَصِحُّ صَلَاةُ من طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أو غَصْبٍ قبل دَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ بن الزَّاغُونِيِّ عن طَائِفَةٍ من الْأَصْحَابِ أنها لَا تَصِحُّ وقال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَ الْمَسْأَلَةِ من أَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مَكَان فَخَالَفَهُ وَأَقَامَ
وَمِنْهَا لو غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ فَكَغَيْرِهِ من الْمَغْصُوبِ وَإِنْ مَنَعَهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ أو زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ قال في الْفُرُوعِ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ فيها أَوْلَى لِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فيها وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ مع الْكَرَاهَةِ قال في الْفَائِقِ صَحَّتْ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَقْوَى الْبُطْلَانُ
____________________
(1/459)
وَمِنْهَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالْأَذَانُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمُ وَالْعَقْدُ في مَكَان غَصْبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَصَلَاةٍ وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ في الشِّرَاءِ
وَمِنْهَا لو تَقَوَّى على أَدَاءِ عِبَادَةٍ بِأَكْلٍ مُحَرَّمٍ صَحَّتْ وقال أَحْمَدُ في بِئْرٍ حفرت ( ( ( حفر ) ) ) بِمَالٍ غَصْبٍ لَا يَتَوَضَّأُ منها وَعَنْهُ إنْ لم يَجِدْ غَيْرَهَا لَا أَدْرِي وَيَأْتِي إذَا صلى على أَرْضِ غَيْرِهِ أو مُصَلَّاهُ في الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ
قَوْلُهُ وَمَنْ لم يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صلى فيه
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا تَصِحُّ فيه مُطْلَقًا بَلْ يُصَلِّي عُرْيَانًا وهو تَخْرِيجٌ لِلْمَجْدِ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ في الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَعَنْهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صلى فيه وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فيه مُطْلَقًا مع نَجَاسَةٍ عينيه كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَيُصَلِّي عُرْيَانًا قَالَهُ بن حَامِدٍ
فَائِدَةٌ حَيْثُ قُلْنَا يُصَلِّي عُرْيَانًا فإنه لَا يُعِدْ على الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُعِيدُ
قَوْلُهُ وَأَعَادَ على الْمَنْصُوصِ
هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ وَجَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وَالْعُمْدَةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وغيرهم ( ( ( وغيره ) ) ) وَذَكَرَهُ في الْمُذْهَبِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا رِوَايَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وبن تَمِيمٍ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ بِنَاءً على من صلى في مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منه فإنه قال لَا إعَادَةَ عليه فَمِمَّنْ خَرَّجَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ أبو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/460)
قال بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ سَوَّى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بين الْمَسْأَلَتَيْنِ ولم يُخَرِّجْ طَائِفَةً من الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا قال في أُصُولِهِ وَأَكْثَرُ من خَرَّجَ خَرَّجَهَا مِمَّنْ صلى في مَوْضِعٍ نَجِسٍ كما خَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ من مَسْأَلَةِ من عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَأَمَّا من صلى في مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منه فإنه لَا إعَادَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه وَخَرَّجَ الْإِعَادَةَ من الْمَسْأَلَةِ التي قَبْلَهَا ولم يُخَرِّجْ بَعْضَهُمْ قال في الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وهو أَظْهَرُ
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هو ما قَالَهُ أو جَرَى منه مَجْرَى الْقَوْلِ من تَنْبِيهٍ أو غَيْرِهِ وفي جَوَازِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ من جِهَةِ الْقِيَاسِ أو من فِعْلِهِ أو من مَفْهُومِ كَلَامِهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ما قِيسَ على كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ لو أَفْتَى في مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ في وَقْتَيْنِ لم يَجُزْ النَّقْلُ وَالتَّخْرِيجُ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ في التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ وَالطُّوفِيُّ في أُصُولِهِ وَشَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ بن حَامِدٍ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازَ قال الطُّوفِيُّ في أُصُولِهِ وَالْأَوْلَى جَوَازُ ذلك بَعْدَ الْجَدِّ وَالْبَحْثِ من أَهْلِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُطْلِعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
قُلْت كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ على جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وهو كَثِيرٌ في كَلَامِهِمْ في الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ وَفِيهِ دَلِيلٌ على الْجَوَازِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ في خُطْبَةِ الْكِتَابِ
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هذا الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً على ما يَأْتِي بَيَانُهُ وَتَحْرِيرُهُ آخِرَ الْكِتَابِ في الْقَاعِدَةِ وَكَذَا لو نَصَّ على حُكْمٍ في الْمَسْأَلَةِ وَسَكَتَ عن نَظِيرَتِهَا فلم يَنُصَّ على حُكْمٍ فيها لَا يَجُوزُ نَقْلُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عليه إلَى الْمَسْكُوتِ عنه بَلْ هُنَا عَدَمُ النَّقْلِ أَوْلَى
____________________
(1/461)
قَالَهُ الطُّوفِيُّ في مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِ وقال في شَرْحِهِ وَقِيَاسُ الْجَوَازِ في التي قَبْلَهَا نَقْلُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عليه إلَى الْمَسْكُوتِ عنه إذَا عُدِمَ الْفَرْقُ الْمُؤَثِّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ النَّظَرِ الْبَالِغِ من أَهْلِهِ انْتَهَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ فيها وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ
فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا تَكُونُ إلَّا في نَصَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ في مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ وَأَمَّا التَّخْرِيجُ وَحْدَهُ فَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ من الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ التي تَكُونُ من الْإِمَامِ أو الشَّرْعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ بَنَى فَرْعًا على أَصْلٍ بِجَامِعٍ مُشْتَرَكٍ
فَائِدَةٌ إذَا صلى في مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عنه فَإِنْ كانت النَّجَاسَةُ رَطْبَةً أَوْمَأَ غَايَةَ ما يُمْكِنُهُ وَجَلَسَ على قَدَمَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ بن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَإِنْ كانت يَابِسَةً فَكَذَلِكَ قال في الْوَجِيزِ وَمَنْ مَحَلُّهُ نَجِسٌ بِضَرُورَةٍ أَوْمَأَ ولم يُعِدْ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ فقال يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ كَمَنْ صلى في مَاءٍ وَطِينٍ قال الْقَاضِي يَقْرُبُ أَعْضَاؤُهُ من السُّجُودِ بِحَيْثُ لو زَادَ شيئا لَمَسَّتْهُ النَّجَاسَةُ وَيَجْلِسُ على رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُ على الْأَرْضِ غَيْرَهُمَا وَعَنْهُ يَجْلِسُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُذْهَبِ
قَوْلُهُ وَمَنْ لم يَجِدْ إلَّا ما يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ سَتَرَهَا
إنْ كانت السُّتْرَةُ لَا تَكْفِي إلَّا الْعَوْرَةَ فَقَطْ أو مَنْكِبَيْهِ فَقَطْ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُصَلِّي قَائِمًا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وقال الْقَاضِي يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا قال بن تَمِيمٍ وهو بَعِيدٌ قال بن عَقِيلٍ هذا مَحْمُولٌ على سُتْرَةٍ تَتَّسِعُ أَنْ يَتْرُكَهَا على كَتِفَيْهِ وَيَشُدَّهَا من وَرَائِهِ
____________________
(1/462)
فَتَسْتُرَ دُبُرَهُ وَالْقُبُلُ مَسْتُورٌ بِضَمِّ فَخِذَيْهِ عليه فَيَحْصُلَ سَتْرُ الْجَمِيعِ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْبُلْغَةِ وَإِنْ كانت السُّتْرَةُ تَكْفِي عَوْرَتَهُ فَقَطْ أو تَكْفِي مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ فَقَطْ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا أَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُصَلِّي قَائِمًا وهو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ وَيُصَلِّي جَالِسًا نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وبن عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا
قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَكْفِهِمَا جميعا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ
بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هو في الْأَوْلَوِيَّةِ
قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ على ظَاهِرِ كَلَامِهِ
وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ سَتَرَهُ على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهَادِي وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالشَّرْحِ وَقِيلَ الْقُبُلُ أَوْلَى وهو رِوَايَةٌ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ
قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذلك
وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَقِيلَ بِالتَّسَاوِي قال في الْعُمْدَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ فَإِنْ لم يَكْفِهِمَا سَتَرَ أَحَدَهُمَا وَاقْتَصَرَا عليه وَقَدَّمَهُ بن رَزِينٍ
____________________
(1/463)
في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَقِيلَ سَتْرُ أَكْثَرِهِمَا أَوْلَى وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قَوْلُهُ وَإِنْ بُذِلَتْ له سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا إذَا كانت عَارِيَّةً
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو وُهِبَتْ له سُتْرَةٌ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ
الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ السُّتْرَةِ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَالزِّيَادَةُ هُنَا على قِيمَةِ الْمِثْلِ مِثْلُ الزِّيَادَةِ في مَاءِ الْوُضُوءِ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ التَّيَمُّمِ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ صلى جَالِسًا يُومِئُ إيمَاءً فَإِنْ صلى قَائِمًا جَازَ
صَرَّحَ بِأَنَّ له الصَّلَاةَ جَالِسًا وَقَائِمًا وهو الْمَذْهَبُ وإذا صلى قَائِمًا فإنه يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وهو الْمَذْهَبُ وَقُوَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ جَالِسًا أَوْلَى وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ عليه عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وبن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ تَجِبُ الصَّلَاةُ جَالِسًا وَالْحَالَةُ هذه وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ فإنه قال لَا يُصَلُّونَ قِيَامًا إذَا رَكَعُوا وَسَجَدُوا بَدَتْ عَوْرَاتُهُمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ يَعْنِي يَلْزَمُهُ ذلك اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ بن الْجَوْزِيِّ قَالَهُ في الْفُرُوعِ
____________________
(1/464)
وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَأَمَّا ما حَكَاهُ أبو مُحَمَّدٍ في الْمُقْنِعِ من وُجُوبِ الْقِيَامِ على رِوَايَةٍ فَمُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ
وَهَذَا أَعْجَبُ منه فإن هذه الرِّوَايَةَ مَشْهُورَةٌ مَنْقُولَةٌ في الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَالْمُخْتَصَرَةِ وَذَكَرَهَا بن حَمْدَانَ في رِعَايَتِهِ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَلْ قَوْلُهُ مُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ له مُوَافِقٌ على ذلك غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ لم يَذْكُرْهَا وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِ ذِكْرِهَا عَدَمُ إثْبَاتِهَا وَإِنَّمَا نَفَاهَا بن عَقِيلٍ على ما يَأْتِي من كَلَامِهِ في الْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَمَنْ أَثْبَتَ مُقَدَّمٌ على من نَفَى
وَقِيلَ يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا في الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا بِخِلَافِ من يُصَلِّي جَمَاعَةً قال بِنَاءً على أَنَّ السَّتْرَ كان لِمَعْنًى في غَيْرِ الْعَوْرَةِ وهو عن أَعْيُنِ الناس وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ إنْ تَوَارَى بَعْضُ الْعُرَاةِ عن بَعْضٍ فَصَلَّوْا قِيَامًا فَلَا بَأْسَ قال الْقَاضِي ظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ خَلْوَةً وَنَقَلَ بَكْرُ بن مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلُّوا جُلُوسًا وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بين الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا وقال وهو الْمَذْهَبُ قال بن عَقِيلٍ في رِوَايَتَيْهِ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْعُرَاةَ إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً يُصَلُّونَ جُلُوسًا وَلَا يَجُوزُ قِيَامًا وَاخْتُلِفَ في الْمُنْفَرِدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْجَمَاعَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ صلى جَالِسًا يُومِئُ إيمَاءً
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا صلى جَالِسًا أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ اخْتَارَهُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حَيْثُ قُلْنَا يُصَلِّي جَالِسًا فإنه لَا يَتَرَبَّعُ بَلْ ينضام ( ( ( ينضم ) ) ) بِأَنْ يَضُمَّ إحْدَى فَخِذَيْهِ على الْأُخْرَى وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ
____________________
(1/465)
وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعَنْهُ يَتَرَبَّعُ جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال نُصَّ عليه
قُلْت وهو بَعِيدٌ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ
الثَّانِيَةُ حَيْثُ صلى عُرْيَانًا فإنه لَا يُعِيدُ إذَا قَدَرَ على السُّتْرَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَلْحَقَهُ الدِّينَوَرِيُّ بِعَادِمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ على ما تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً منه في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ
يَعْنِي قَرِيبَةً عُرْفًا سَتَرَ وَبَنَى وَإِنْ كانت بَعِيدَةً عُرْفًا سَتَرَ وَابْتَدَأَ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ يَبْنِي مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَبْنِي مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ انْتَظَرَ من يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا لم تَبْطُلْ لِأَنَّهُ انْتِظَارُ وَاجِدٍ كَانْتِظَارِ الْمَسْبُوقِ وقال بن حَامِدٍ إذَا قَدَرَ على السُّتْرَةِ في الصَّلَاةِ فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ أو يَبْنِي يُخَرَّجُ على الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ في الصَّلَاةِ وَجُوِّزَ لِلْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ في الصَّلَاةِ الْبِنَاءُ مع الْقُرْبِ وَجْهًا وَاحِدًا
فَائِدَةٌ لو قال لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَصَلَّتْ كَذَلِكَ عَاجِزَةً عن ستره عَتَقَتْ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عليه تَصِحُّ الصَّلَاةُ دُونَ الْعِتْقِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْمُعْتَقَةِ في الصَّلَاةِ حُكْمُ وَاجِدِ السُّتْرَةِ في الصَّلَاةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا على الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بن حَامِدٍ وقال بن تَمِيمٍ وَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ في الصَّلَاةِ فَهِيَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ السُّتْرَةَ لَكِنَّ حُكْمَهَا في الْبِنَاءِ مع الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَكَذَا إنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ سِتْرًا له وَاحْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ بِخِلَافِ الْعَارِي إذْ الصَّحِيحُ فيه عَدَمُ تَخْرِيجِهِ على من سَبَقَهُ الْحَدَثُ انْتَهَى وَلَوْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ او وُجُوبَ السُّتْرَةِ أو الْقُدْرَةَ عليه لَزِمَهَا الْإِعَادَةُ كَخِيَارِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ
____________________
(1/466)
الثَّانِيَةُ لو طُعِنَ في دُبُرِهِ فَصَارَتْ الرِّيحُ تَتَمَاسَكُ في حَالِ جُلُوسِهِ فإذا سَجَدَ خَرَجَتْ منه لَزِمَهُ السُّجُودُ بِالْأَرْضِ نُصَّ عليه تَرْجِيحًا لِلرُّكْنِ على الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا في نَفْسِهِ وَخَرَّجَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يُومِئُ بِنَاءً على الْعُرْيَانِ وَقَوَّاهُ هو وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَتَقَدَّمَ ما يُشْبِهُ ذلك في الْحَيْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ من بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ
قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً
قال في الْفُرُوعِ وُجُوبًا
قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
وَإِمَامُهُمْ في وَسَطِهِمْ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ إمَامَ الْعُرَاةِ يَجِبُ أَنْ يَقِفَ بَيْنَهُمْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ مُتَقَدِّمًا عليهم فَعَلَى الْأَوَّلِ لو خَالَفَ وَفَعَلَ بَطَلَتْ وَعَلَى الثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَلَوْ كان الْمَكَانُ يَضِيقُ عَنْهُمْ صَفًّا وَاحِدًا صلى الْكُلُّ جَمَاعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَثُرَتْ صُفُوفُهُمْ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقِيلَ يُصَلُّونَ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وقال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وبن رَزِينٍ فَإِنْ لم يَسَعْهُمْ صَفٌّ وَاحِدٌ وَقَفُوا صُفُوفًا وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ وَإِنْ صلى كُلُّ صَفٍّ جَمَاعَةً فَهُوَ أَحْسَنُ
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا لو كانت السُّتْرَةُ لِوَاحِدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بها فَلَوْ أَعَارَهَا وَصَلَّى عُرْيَانًا لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَيُسْتَحَبُّ إعَارَتُهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ وَصَلَّى بها واحد ( ( ( واحدا ) ) ) بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ خَافُوا خُرُوجَ الْوَقْتِ دُفِعَتْ السُّتْرَةُ إلَى من يُصَلِّي فيها إمَامًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيُصَلِّي الْبَاقِي عُرَاةً وَقِيلَ لَا يُقَدَّمُ الْإِمَامُ بِالسُّتْرَةِ بَلْ يُصَلِّي فيها
____________________
(1/467)
وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهَلْ يَلْزَمُ انْتِظَارُ السُّتْرَةِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ في غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ لَا يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا كَالْقُدْرَةِ على الْقِيَامِ بَعْدَهُ فيه وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ وبن عُبَيْدَانَ وبن رَزِينٍ وهو الصَّحِيحُ الصَّوَابُ وَجُزِمَ بِهِ في الْكَافِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهَا لِيُصَلِّيَ فيها وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَهَذَا أَقْيَسُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وقال وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صلى بها وَاحِدٌ
قُلْت إنْ عَيَّنَهُ رَبُّهَا وَإِلَّا اقْتَرَعُوا إنْ تَشَاحُّوا انْتَهَى
قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَإِنْ صلى صَاحِبُ الثَّوْبِ وقد بَقِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُ لِمَنْ يَصْلُحُ لِإِمَامَتِهِمْ وَإِنْ أَعَارَهُ لِغَيْرِهِ جَازَ وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَإِنْ اسْتَوَوْا ولم يَكُنْ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ منهم أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَيَكُونُ من تَقَعُ له الْقُرْعَةُ أَحَقَّ بِهِ وَإِلَّا قُدِّمَ من يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِعَارِيَّتِهِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَاجِدَ الْمَاءِ أَصْلًا لِلُّزُومِ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَلَا فَرْقَ وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ في مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ على الْقِيَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الِانْتِظَارَ وَحَمَلَهُ بن عَقِيلٍ على اتِّسَاعِ الْوَقْتِ
الثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالسُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ من الرَّجُلِ وَتَقَدَّمَ آخِرَ التَّيَمُّمِ إذَا بُذِلَتْ سُتْرَةٌ الْأَوْلَى من الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ أَنْ يُصَلِّيَ الْحَيُّ ثُمَّ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ بَعْدَهَا إذَا احْتَاجَ إلَى لِفَافَةِ الْمَيِّتِ وَهَلْ يصلى عليه عُرْيَانًا أو يَأْخُذُ لِفَافَتَهُ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ في الصَّلَاةِ السَّدْلُ
هذا الْمَذْهَبُ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ إنْ كان تَحْتَهُ ثَوْبٌ لم يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ وَعَنْهُ إنْ كان تَحْتَهُ ثَوْبٌ وَإِزَارٌ لم يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ
____________________
(1/468)
مُطْلَقًا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَنْهُ يَحْرُمُ فَيُعِيدُ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْإِعَادَةِ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وقال أبو بَكْرٍ إنْ لم تَبْدُ عَوْرَتُهُ لم يُعِدْ بِاتِّفَاقٍ
قَوْلُهُ وهو أَنْ يَطْرَحَ على كَتِفَيْهِ ثَوْبًا وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ على الْكَتِفِ الْأُخْرَى
وَهَذَا التَّفْسِيرُ هو الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَهُ في أَوَّلِ بَابِ ما يُكْرَهُ في الصَّلَاةِ في اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمْ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هذا الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عنه
وقدم ( ( ( وقدمه ) ) ) في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هو أَنْ يَضَعَ على كَتِفَيْهِ ثَوْبًا مَنْشُورًا وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ على أَحَدِ كَتِفَيْهِ وَنَقَلَ صَالِحٌ هو أَنْ يَطْرَحَ الثَّوْبَ على أَحَدِهِمَا وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال نُصَّ عليه وَعَنْهُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بِالثَّوْبِ ويرخى طَرَفَيْهِ وَلَا يَرُدَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا على الْكَتِفِ الْأُخْرَى وَلَا يَضُمَّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ وهو قَوْلٌ في الرِّعَايَةِ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ هو أَنْ يُرْخِيَ ثَوْبَهُ على عَاتِقِهِ لَا يَمَسُّهُ وَقِيلَ هو إسْبَالُ الثَّوْبِ على الْأَرْضِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وبن عَقِيلٍ وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ مع طَرْحِهِ على أَحَدِ كَتِفَيْهِ وَقِيلَ هو وَضْعُ وَسَطِ الرِّدَاءِ على رَأْسِهِ وَإِرْسَالُهُ من وَرَائِهِ على ظَهْرِهِ وَهِيَ لِبْسَةُ الْيَهُودِ وَقِيلَ هو وَضْعُهُ على عُنُقِهِ ولم يَرُدَّهُ على كَتِفَيْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
قَوْلُهُ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ في الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ فَيُعِيدُ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ قال بن تَمِيمٍ وَحَكَى بن حَامِدٍ وَجْهًا في
____________________
(1/469)
بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ مُطْلَقًا وقال بن أبي مُوسَى إذَا لم يَكُنْ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَعَادَ وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ في الْإِعَادَةِ في الرِّعَايَتَيْنِ
قَوْلُهُ وهو أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ ليس عليه غَيْرُهُ
هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وَالشَّارِحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَإِنْ كان عليه غَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ إذَا كان فَوْقَ الْإِزَارِ دُونَ الْقَمِيصِ وقال صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ هو أَنْ يَضَعَ الرِّدَاءَ على رَأْسِهِ ثُمَّ يَسْدُلَ طَرَفَيْهِ إلَى رِجْلَيْهِ وقال بن تَمِيمٍ وقال السَّامِرِيُّ هو أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ وَيَرْفَعَ طَرَفَيْهِ إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَلَا يَبْقَى لِيَدَيْهِ ما يُخْرِجُهُمَا منه ولم أَرَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ قال في الْفُرُوعِ وهو الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ قال أبو عُبَيْدٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمُ على الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَلَفُّ الْكُمِّ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمَ على الْفَمِ وَلَفَّ الْكُمِّ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَأَمَّا التَّلَثُّمُ على الْأَنْفِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا قال في الْفُصُولِ يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ على الْأَنْفِ على أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وبن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ
قَوْلُهُ وَشَدُّ الْوَسَطِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ
يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنُصَّ عليه وَعَنْهُ
____________________
(1/470)
لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَشُدَّهُ لِعَمَلِ الدُّنْيَا فَيُكْرَهَ نَقَلَهُ بن إبْرَاهِيمَ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِكَرَاهَةِ شَدِّهِ على هذه الصِّفَةِ لِعَمَلِ الدُّنْيَا منهم بن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَيَأْتِي كَلَامُهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ كَرَاهَةُ شَدِّ وَسَطِهِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاقْتُصِرَ عليه في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِالنَّصَارَى في كل وَقْتٍ وَقِيلَ يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ
الثَّانِي مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ أَنَّهُ إذَا كان لَا يُشْبِهُهُ لَا يُكْرَهُ وهو صَحِيحٌ بَلْ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ يُسْتَحَبُّ نُصَّ عليه لِلْخَبَرِ وَأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْعَوْرَةِ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ بِمِنْدِيلٍ أو مِنْطَقَةٍ وَنَحْوِهَا وقال بن عَقِيلٍ يُكْرَهُ الشَّدُّ بِالْحِيَاصَةِ يَعْنِي لِلرَّجُلِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنْ شَدَّ وَسَطَهُ بِمَا يُشْبِهُ الزُّنَّارَ كَالْحِيَاصَةِ وَنَحْوِهَا كُرِهَ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمِنْطَقَةَ في الصَّلَاةِ زَادَ بَعْضُهُمْ وفي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ يُكْرَهُ شَدُّ وَسَطِهِ على الْقَمِيصِ لِأَنَّهُ من زِيِّ الْيَهُودِ وَلَا بَأْسَ بِهِ على الْقَبَاءِ قال الْقَاضِي لِأَنَّهُ من عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال بن تَمِيمٍ لَا بَأْسَ بِشَدِّ الْقَبَاءِ في السَّفَرِ على غَيْرِهِ نَصَّ عليه وَاقْتَصَرَ عليه
الثَّالِثُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ في حَقِّ الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ الشَّدُّ فَوْقَ ثِيَابِهَا لِئَلَّا يَحْكِيَ حَجْمَ أَعْضَائِهَا وَبَدَنِهَا انْتَهَى قال بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ في الصَّلَاةِ شَدُّ وَسَطِهَا بِمِنْدِيلٍ وَمِنْطَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا
قَوْلُهُ وَإِسْبَالُ شَيْءٍ من ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ
____________________
(1/471)
يَعْنِي يُكْرَهُ وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا إنْ أَرَادُوا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَكِنْ قال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ الْمُرَادُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وهو الْأَلْيَقُ وحكى في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْخِلَافُ في كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْرُمُ إلَّا في حَرْبٍ أو يَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ
قُلْت هذا عَيْنُ الصَّوَابِ الذي لَا يُعْدَلُ عنه وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ نَصِّ أَحْمَدَ قال في الْفُرُوعِ وَيَحْرُمُ في الْأَصَحِّ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ في غَيْرِ حَرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَذْهَبُ هو حَرَامٌ قال في الرِّعَايَةِ وهو أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَالْإِفَادَاتُ
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ يَحْرُمُ أو يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ
قالوا في الْحَاجَةِ كَوْنُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ ولم يُرِدْ التَّدْلِيسَ على النِّسَاءِ انْتَهَى فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إسْبَالِ الثِّيَابِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ بَلْ يُقَالُ يَجُوزُ الْإِسْبَالُ من غَيْرِ خُيَلَاءَ لِحَاجَةٍ وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ هذا في قَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ من خَشَبٍ فلم تُعْرَفْ
فَوَائِدُ
منها يَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَأَمَّا مع كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَيَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا
وَمِنْهَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ نُصَّ عليه وَيُكْرَهُ زِيَادَتُهُ إلَى تَحْتِ كَعْبَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ على الصَّحِيحِ من الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ ما تَحْتَهُمَا في النَّارِ وَذَكَرَ النَّاظِمُ من لم يَخَفْ خُيَلَاءَ لم يُكْرَهْ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ هذا في حَقِّ الرَّجُلِ
____________________
(1/472)
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ زِيَادَةُ ثَوْبِهَا إلَى ذِرَاعٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ في الْبَيْتِ كَالرَّجُلِ منهم السَّامِرِيُّ في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ
وَمِنْهَا قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ يُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرَّجُلِ إلَى رؤوس أَصَابِعِهِ أو أَكْثَرَ بِيَسِيرٍ وَيُوَسِّعُهَا قَصْدًا وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ كُمِّ الْمَرْأَةِ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمْ في سَعَتِهِ قَصْدًا قال في التَّلْخِيصِ وَيُسْتَحَبُّ لها تَوْسِيعُ الْكُمِّ من غَيْرِ إفْرَاطٍ بِخِلَافِ الرَّجُلِ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ لُبْسُ ما يَصِفُ الْبَشَرَةَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ في بَيْتِهَا نُصَّ عليه وقال أبو الْمَعَالِي لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُكْرَهُ لِمَنْ لم يَرَهَا إلَّا زَوْجٌ أو سَيِّدٌ وَذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ والنظم ( ( ( والناظم ) ) ) في آدَابِهِ قال في الرِّعَايَةِ وهو الْأَصَحُّ وَأَمَّا لُبْسُهَا ما يَصِفُ اللِّينَ وَالْخُشُونَةَ وَالْحَجْمَ فَيُكْرَهُ
ومنها ( ( ( منها ) ) ) كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الزِّيقَ الْعَرِيضَ لِلرَّجُلِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فيه لِلْمَرْأَةِ قال الْقَاضِي إنَّمَا كرهه ( ( ( كره ) ) ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّهْرَةِ وقال بَعْضُهُمْ إنَّمَا كُرِهَ الْإِفْرَاطُ جَمْعًا بين قَوْلَيْهِ وقال أَحْمَدُ في الْفَرْجِ لِلدُّرَّاعَةِ من بَيْنِ يَدَيْهَا قد سَمِعْت ولم أَسْمَعْ من خَلَفِهَا إلَّا أَنَّ فيه سَعَةً عِنْدَ الرُّكُوبِ وَمَنْفَعَةً
وَمِنْهَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ لُبْسَ زِيِّ الْأَعَاجِمِ كَعِمَامَةٍ صَحَّاءَ وَكَنَعْلٍ صِرَّارَةٍ لِلزِّينَةِ لَا لِلْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ
وَمِنْهَا يُكْرَهُ لُبْسُ ما فيه شُهْرَةٌ أو خِلَافُ زِيِّ بَلْدَةٍ من الناس على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَنَصُّهُ لَا وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَحْرُمُ شُهْرَةً وهو ما قُصِدَ بِهِ الِارْتِفَاعُ وَإِظْهَارُ التَّوَاضُعِ لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ لِذَلِكَ وَأَمَّا الْإِسْرَافُ في الْمُبَاحِ فَالْأَشْهَرُ لَا يَحْرُمُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ ما فيه صُورَةُ حَيَوَانٍ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ
____________________
(1/473)
وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْآدَابِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ عبد الْقَوِيِّ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَنْبَغِي
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَوَائِدُ
الأولى ( ( ( الأول ) ) ) لو أُزِيلَ من الصُّورَةِ ما لَا تَبْقَى معه الْحَيَاةُ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ وَمِثْلُ ذلك صُوَرُ الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ وَتِمْثَالٌ
الثَّانِيَةُ يَحْرُمُ تَصْوِيرُ ما فيه رُوحٌ وَلَا يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ وَالتِّمْثَالِ مِمَّا لَا يُشَابِهُ ما فيه رُوحٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ التَّصْوِيرِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال في الْوَجِيزِ وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ وَاسْتِعْمَالُهُ وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ الصَّلَاةَ على ما فيه صُورَةٌ وقال في الْفُصُولِ يُكْرَهُ في الصَّلَاةِ صُورَةٌ وَلَوْ على ما يُدَاسُ
الثَّالِثَةُ يَحْرُمُ تَعْلِيقُ ما فيه صُورَةُ حَيَوَانٍ وَسَتْرُ الْجِدَارِ بِهِ وَتَصْوِيرُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ وحكى رِوَايَةً وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ في بَابِ الْوَلِيمَةِ وَلَا يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ وَلَا جَعْلُهُ مِخَدَّةً بَلْ وَلَا يُكْرَهُ فيها لِأَنَّهُ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ اتَّكَأَ على مِخَدَّةٍ فيها صُورَةٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَأْتِي ذلك في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْوَلِيمَةِ
الرَّابِعَةُ يُكْرَهُ الصَّلِيبُ في الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ وهو ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ
____________________
(1/474)
قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ
بِلَا نِزَاعٍ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَتَحْرُمُ تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَالشِّرَابَةُ الْمُفْرَدَةُ نُصَّ عليه وَيَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَيَحْرُمُ سَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُكْرَهُ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ من ذَكَرَ تَحْرِيمَ لُبْسِهِ فَقَطْ وَمِثْلُهُ تَعْلِيقُهُ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا لَا يُنَقِّي كَالْحَرِيرِ النَّاعِمِ وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّ في فَشَخَانَةٍ وَالْخَيْمَةِ وَالْبُقْجَةِ وَكَدَالَّةٍ وَنَحْوِهِ الْخِلَافُ
قَوْلُهُ وما غَالِبُهُ الْحَرِيرُ
أَيْ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغَالِبَ يَكُونُ بِالظُّهُورِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ الِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ في الْوَزْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْآدَابِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَالْحَوَاشِي
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ
قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ على الْقَاعِدَةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ قال وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْكُفَّارِ وإذا جَازَ بَيْعُهَا لهم جَازَ صُنْعُهَا لِبَيْعِهَا لهم وَعَمَلُهَا لهم بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى
فَائِدَةٌ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ في الْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ كَالذَّكَرِ جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال في الْكُبْرَى وَالْخُنْثَى في الْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ في الصَّلَاةِ وَعَنْهُ وَغَيْرِهَا كَذَكَرٍ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَى هو وما نُسِجَ معه فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ
____________________
(1/475)
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ لَكِنْ إنَّمَا أَطْلَقَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَزْنًا بِنَاءً على ما قَدَّمَهُ
أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وقال صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْمَجْدَ وهو ظَاهِرُ ما جُزِمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ لِأَنَّهُمْ قالوا في التَّحْرِيمِ أو ما غَالِبُهُ الْحَرِيرُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بن الْبَنَّا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْرُمُ قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ قال في الْفُصُولِ لِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ وَلَيْسَ تَغْلِيبُ التَّحْلِيلِ بِأَوْلَى من التَّحْرِيمِ ولم يَحْكِ خِلَافَهُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لُبْسُ الْقِسِيِّ وَالْمُلْحَمِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دُخُولُ الْخَزِّ في الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ من إبْرَيْسِمَ وَصُوفٍ أو وَبَرٍ وهو اخْتِيَارُ بن عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ إبَاحَةُ الْخَزِّ نَصَّ عليه وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ قد لَبِسَهُ الصَّحَابَةُ وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فيه وَلَا خُيَلَاءَ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ في الْآدَابِ وَغَيْرِهِ
فَائِدَةٌ الْخَزُّ ما عُمِلَ من صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ قَالَهُ في الْمُطْلِعِ في كِتَابِ النَّفَقَاتِ قال في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ هو الْمَعْمُولُ من إبْرَيْسِمَ وَوَبَرٍ طَاهِرٍ كَوَبَرِ
____________________
(1/476)
الْأَرْنَبِ وَغَيْرِهَا وَاقْتَصَرَ على هذا في الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ قال وما عُمِلَ من سَقَطِ حَرِيرٍ وَمِشَاقَتِهِ وما يُلْقِيهِ الصَّانِعُ من بَلَهٍ من تَقَطُّعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ في ذلك وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا قال في الْمُطْلِعِ وَالْخَزُّ الْآنَ الْمَعْمُولُ من الْإِبْرَيْسِمَ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ الْخَزُّ ما سدى بِالْإِبْرَيْسَمِ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ أو صُوفٍ لِغَلَبَةِ اللُّحْمَةِ على الْحَرِيرِ انْتَهَى
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهِ بِهِ
هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ حُكْمُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ حُكْمُ الْحَرِيرِ الْمَنْسُوجِ مع غَيْرِهِ على ما سَبَقَ
فَائِدَةٌ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَنْسُوجَ بِالْفِضَّةِ وَالْمُمَوَّهَ بها كَالْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهِ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وقال في الرِّعَايَةِ وما نُسِجَ بِذَهَبٍ وَقِيلَ أو فِضَّةٍ حَرُمَ
قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْهَادِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ فَهَؤُلَاءِ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِيمَا اسْتَحَالَ لَوْنُهُ مُطْلَقًا وقال بن تَمِيمٍ فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُ الْمُمَوَّهِ فَوَجْهَانِ فَإِنْ كان بَعْدَ اسْتِحَالَتِهِ لَا يَحْصُلُ عنه شَيْءٌ فَهُوَ مُبَاحٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَكَذَا قال في الْفَائِقِ وقال في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْمَنْسُوجِ وَالْمُمَوَّهِ بِذَهَبٍ قبل اسْتِحَالَتِهِ وقال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ يَحْرُمُ ما نُسِجَ أو مُوِّهَ بِذَهَبٍ بَاقٍ وقال في الْفُرُوعِ فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ ولم يَحْصُلْ منه شَيْءٌ وَقِيلَ مُطْلَقًا أُبِيحَ في الْأَصَحِّ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَفِيمَا اسْتَحَالَ لَوْنُهُ من الْمُمَوَّهِ وَنَحْوِهِ بِذَهَبٍ وَقِيلَ لَا يَجْتَمِعُ منه شَيْءٌ إذَا حُكَّ
____________________
(1/477)
وَجْهَانِ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَقِيلَ ما اسْتَحَالَ ولم يَجْتَمِعْ منه شَيْءٌ إذَا حُكَّ حَلَّ وَجْهًا وَاحِدًا انْتَهَى
وَحَاصِلُ ذلك أَنَّهُ إذَا لم يَحْصُلْ منه شَيْءٌ يُبَاحُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَإِنْ كان يَحْصُلُ منه شَيْءٌ بَعْدَ حَكِّهِ لم يُبَحْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَفِي الْمُسْتَحِيلِ لَوْنُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِبَاحَةُ وَعَدَمُهَا وَالْفَرْقُ وهو الْمَذْهَبُ
قَوْلُهُ فَإِنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ لِمَرَضٍ أو حَكَّةٍ
فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وبن تَمِيمٍ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ لَهُمَا وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَحَفِيدُهُ يُبَاحُ لَهُمَا على الْأَصَحِّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُبَاحُ على الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في إدْرَاكِ الْغَايَةِ في الْحَكَّةِ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ لَهُمَا قَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو حَكَّةٍ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَثَّرَ لُبْسُهُ في زَوَالِهَا أَمْ لَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا أَثَّرَ في زَوَالِهَا جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى
قُلْت وهو الصَّوَابُ
قَوْلُهُ أو في الْحَرْبِ على رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وبن تَمِيمٍ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ
____________________
(1/478)
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ وهو الْمَذْهَبُ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُبَاحُ على الْأَظْهَرِ قال في الْخُلَاصَةِ يُبَاحُ على الْأَصَحِّ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هذه الرِّوَايَةُ أَقْوَى قال في الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى يُبَاحُ في الْحَرْبِ من غَيْرِ حَاجَةٍ في أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ اخْتَارَهُ بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُنَوِّرِ فإنه لم يَسْتَثْنِ لِلْإِبَاحَةِ إلَّا الْمَرَضَ وَالْحَكَّةَ وَقَدَّمَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ يُبَاحُ مع مُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ بِهِ وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ ضَرُورَةً وَجَزَمَ بِهِ في التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ فَقَطْ من غَيْرِ حَاجَةٍ قال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إنْ لم يَكُنْ له بِهِ حَاجَةٌ في الْحَرْبِ حَرُمَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ كَالْجُبَّةِ لِلْقِتَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَقِيلَ يُبَاحُ في دَارِ الْحَرْبِ فَقَطْ وَقِيلَ يَجُوزُ حَالَ شِدَّةِ الْحَرْبِ ضَرُورَةً وفي لُبْسِهِ أَيَّامَ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ رِوَايَتَانِ وَهَذِهِ طَرِيقَتُهُ في التَّلْخِيصِ وَجَعَلَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ في غَيْرِ الْحَاجَةِ وَقَدَّمَهُ بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وقال وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ في الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قال في مَعْنَى الْحَاجَةِ ما هو مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَإِنْ قام غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ في آخِرِ بَابٍ فيه وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ في الْحَرْبِ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كان الْقِتَالُ مُبَاحًا من غَيْرِ حَاجَةٍ وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ وَلَوْ احْتَاجَهُ في نَفْسِهِ وَوَجَدَ غَيْرَهُ وَتَقَدَّمَ في كَلَامِ بن عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ ما يَدُلُّ على ذلك
قَوْلُهُ أو أَلْبَسَهُ الصَّبِيَّ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
____________________
(1/479)
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
إحْدَاهُمَا يَحْرُمُ على الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ قال الشَّارِحُ التَّحْرِيمُ أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ لِتَقْيِيدِهِمْ التَّحْرِيمَ بِالرَّجُلِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَحْرُمُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو صلى فيه لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَصِحُّ وقال في الْمُسْتَوْعِبِ في آخِرِ بَابٍ عنه وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ
فَائِدَةٌ حُكْمُ إلْبَاسِهِ الذَّهَبَ حُكْمُ إلْبَاسِهِ الْحَرِيرَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا
قَوْلُهُ وَيُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ وَالْفَرْشِ بِهِ
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ وهو وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ
فَائِدَةٌ يُكْرَهُ كِتَابَةُ الْمَهْرِ في الْحَرِيرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ في الْآدَابِ وَقِيلَ يَحْرُمُ في الْأَقْيَسِ وَلَا يَبْطُلُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وبن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ
قُلْت لو قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ له وَجْهٌ
قَوْلُهُ وَيُبَاحُ الْعَلَمُ الْحَرِيرُ في الثَّوْبِ إذَا كان أَرْبَعَ أَصَابِعَ فما دُونَ
يَعْنِي مَضْمُومَةً وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَإِدْرَاكِ
____________________
(1/480)
الْغَايَةِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يُبَاحُ قَدْرَ الْكَفِّ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ وقال ليس لِلْأَوَّلِ مُخَالِفٌ لِهَذَا بَلْ هُمَا سَوَاءٌ انْتَهَى وَغَايَرَ بين الْقَوْلَيْنِ في الْفُرُوعِ وَجَزَمَ في الْوَجِيزِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا دُونَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وما رَأَيْت من وَافَقَهُ على ذلك وقال بن أبي مُوسَى لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ الدَّقِيقِ دُونَ الْعَرِيضِ وقال أبو بَكْرٍ يُبَاحُ وَإِنْ كان مُذَهَّبًا وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ وَالْمُذْهَبِ يَحْرُمُ نُصَّ عليه
فَائِدَةٌ لو لَبِسَ ثِيَابًا في كل ثَوْبٍ قَدْرٌ يُعْفَى عنه وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا لم يُكْرَهْ بَلْ يُبَاحُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفَائِقِ وبن تَمِيمٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ إذَا كان عليه نَجَاسَةٌ يُعْفَى عنها هل يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ في الْمُزَعْفَرِ وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ في الْمُزَعْفَرِ وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا تَحْرِيمَ الْمُزَعْفَرِ وفي الْمُزَعْفَرِ وَجْهٌ يُكْرَهُ في الصَّلَاةِ فَقَطْ وهو ظَاهِرُ ما في التَّلْخِيصِ قَالَهُ في الْآدَابِ
فَائِدَةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ لَا يُعِيدُ من صلى في ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَكَذَا لو كان لَابِسًا ثِيَابًا مُسْبَلَةً أو خُيَلَاءَ وَنَحْوَهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ يُعِيدُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ
فَوَائِدُ
الْأُولَى يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْأَحْمَرِ الْمُصْمَتِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ
____________________
(1/481)
نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ في النِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِغَيْرِ زِينَةٍ وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ وهو وَجْهٌ في بن تَمِيمٍ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُقَالُ أَوَّلُ من لَبِسَهُ آلُ قَارُونَ وَآلُ فِرْعَوْنَ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وكذا الْخِلَافُ في الْبِطَانَةِ
الثَّانِيَةُ يُسَنُّ لُبْسُ الثِّيَابِ الْبِيضِ وَالنَّظَافَةُ في ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ قال في الرِّعَايَةِ قُلْت وَمَجْلِسِهِ قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا
الثَّالِثَةُ يُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلْجُنْدِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ لهم في الْحَرْبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَّا لِمُصَابٍ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَخْرِقُهُ الْوَصِيُّ قال في الْفُرُوعِ وهو بَعِيدٌ ولم يَرُدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ سَلَامَ لَابِسِهِ
الرَّابِعَةُ يُبَاحُ الْكَتَّانُ إجْمَاعًا وَيُبَاحُ أَيْضًا الصُّوفُ وَيُسَنُّ الرِّدَاءُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُبَاحُ كَفَتْلِ طَرَفِهِ نُصَّ عليه وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ فيه يُكْرَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَيُكْرَهُ الطَّيْلَسَانُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قال بن تَمِيمٍ وَكَرِهَ السَّلَفُ الطَّيْلَسَانَ وَاقْتَصَرُوا عليه زَادَ في التَّلْخِيصِ وهو الْمُقَوَّرُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ بَلْ يُبَاحُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ قال في الْآدَابِ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُدَوَّرُ وَقِيلَ وَغَيْرُهُمَا غَيْرُ الْمُرَبَّعِ
الْخَامِسَةُ يُسَنُّ إرْخَاءُ ذُؤَابَتَيْنِ خَلْفَهُ نُصَّ عليه قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا من الْإِسْبَالِ وقال الْآجُرِّيُّ وَإِنْ أَرْخَى طَرَفَهَا بين كَتِفَيْهِ فَحَسَنٌ قال غَيْرُ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْعِمَامَةُ مُحَنَّكَةً
السَّادِسَةُ يُسَنُّ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وقال في التَّلْخِيصِ لَا بَأْسَ قال النَّاظِمُ وفي مَعْنَاهُ التُّبَّانُ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ السَّرَاوِيلُ أَسْتَرُ في الْإِزَارِ وَلِبَاسُ الْقَوْمِ كان الْإِزَارَ قال في
____________________
(1/482)
الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وهو أَظْهَرُ خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَفْضَلُ مع الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وقال الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ لُبْسُ الْقَمِيصِ
السَّابِعَةُ يُبَاحُ لُبْسُ الْعَبَاءَةِ قال النَّاظِمُ وَلَوْ لِلنِّسَاءِ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ بِلَا تَشَبُّهٍ
الثَّامِنَةُ يُبَاحُ نَعْلٌ خَشَبٌ وَنَعْلٌ فيه حَرْفٌ لَا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ
التَّاسِعَةُ ما حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ بَيْعُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَأُجْرَتُهَا نُصَّ عليه
الْعَاشِرَةُ يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلَفًا في نَجَاسَتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ وفي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا إنْ طَهُرَ بِدَبْغِهِ لُبِسَ بَعْدَهُ وَإِلَّا لم يَجُزْ وَيَجُوزُ له إلْبَاسُهُ دَابَّةً وَقِيلَ مُطْلَقًا كَثِيَابٍ نَجِسَةٍ بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
قَوْلُهُ وَهِيَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ أو ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غير مَعْفُوٍّ عنها أو حَمَلَهَا لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ
الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ في بَدَنِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَبُقْعَتِهِ وَهِيَ مَحَلُّ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عنه شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الاصحاب وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ طَهَارَةُ مَحَلِّ ثِيَابِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وَعَنْهُ أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ واطلقهما في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ فِيمَنْ لَاقَاهَا ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ احْتِمَالَيْنِ قال الْمَجْدُ وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ في بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا حَمَلَ قَارُورَةً فيها نَجَاسَةٌ أو آدَمِيًّا أو غَيْرَهُ أو مَسَّ ثَوْبًا أو حَائِطًا نَجِسًا أو قَابَلَهَا ولم يُلَاقِهَا
____________________
(1/483)
قَوْلُهُ وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ أو بَسَطَ عليها شيئا طَاهِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ عليها مع الْكَرَاهَةِ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال الشَّارِحُ هذا أَوْلَى وَصَحَّحَهُ في الْمُذْهَبِ وَالنَّاظِمُ قال بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وقال بن أبي مُوسَى إنْ كانت النَّجَاسَةُ الْمَبْسُوطَةُ عليها رَطْبَةً لم تَصِحَّ الصَّلَاةُ وَإِلَّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مع الْكَرَاهَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ تَصِحُّ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ اذا كان الْحَائِلُ صَفِيقًا فَإِنْ كان خَفِيفًا أو مُهَلْهَلًا لم تَصِحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَحَكَى بن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَجْهًا بِالصِّحَّةِ وهو بَعِيدٌ
فَائِدَةٌ حُكْمُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ إذَا بَسَطَ عليه شيئا طَاهِرًا وَصَلَّى عليه حُكْمُ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ إذَا بَسَطَ عليها شيئا طَاهِرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَصِحُّ هُنَا وَإِنْ لم نُصَحِّحْهَا هُنَاكَ وَكَذَا الْحُكْمُ لو وَضَعَ على حَرِيرٍ يَحْرُمُ جُلُوسُهُ عليه شيئا وَصَلَّى عليه ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي قال في الْفُرُوعِ فَيُتَوَجَّهُ إنْ صَحَّ جَازَ جُلُوسُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ بَسَطَ على الْأَرْضِ الْغَصْبِ ثَوْبًا له وَصَلَّى عليه لم تَصِحَّ وَلَوْ كان له عُلُوٌّ فَغَصَبَ السُّفْلَ وَصَلَّى في الْعُلُوِّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ بَسَطَ طَاهِرًا على أَرْضٍ غَصْبٍ أو بَسَطَ على أَرْضِهِ ما غَصَبَهُ بَطَلَتْ
____________________
(1/484)
قُلْت وَيُتَخَرَّجُ صِحَّتُهَا زَادَ في الْكُبْرَى وَقِيلَ تَصِحُّ في الثَّانِيَةِ فَقَطْ انْتَهَى
قُلْت الذي يَظْهَرُ إنَّمَا يَكُونُ هذا الْقَوْلُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ ما إذَا بَسَطَ طَاهِرًا على أَرْضٍ غَصْبٍ وفي الْفُرُوعِ هُنَا بَعْضُ نَقْصٍ
قَوْلُهُ وَإِنْ صلى على مَكَان طَاهِرٍ من بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ معه إذَا مَشَى
اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صلى على مَكَان طَاهِرٍ من بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ وَطَرَفُهُ نَجِسٌ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا لو كان تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ في نَجَاسَةٍ وما يصلى عليه طَاهِرٌ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجَسُ بِحَرَكَتِهِ ما لم يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِهِ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إذَا كان النَّجَسُ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَأَطْلَقَهُمَا بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ وَإِنْ كان مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ معه إذَا مَشَى لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بيده أو وَسَطِهِ شَيْءٌ مَشْدُودٌ في نَجَسٍ أو سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فيها نَجَاسَةٌ أو أَمْسَكَ بِحَبْلٍ مُلْقًى على نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كان لَا يَنْجَرُّ معه إذَا مَشَى كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ وَالْحَيَوَانِ الْكَبِيرِ الذي لَا يَقْدِرُ على جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عليه صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ كان الشَّدُّ في مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِمَّا لَا يُمْكِنُ جَرُّهُ معه كَالْفِيلِ لم يَصِحَّ كَحَمْلِهِ ما يُلَاقِيهَا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا
فَائِدَةٌ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ما لَا يَنْجَرُّ تَصِحُّ الصَّلَاةُ معه لو انْجَرَّ قال وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ وهو أَوْلَى
قَوْلُهُ وَمَتَى وَجَدَ عليه نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ هل كانت في الصَّلَاةِ أو لَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ
____________________
(1/485)
هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَذَكَرَ في التَّبْصِرَةِ وَجْهًا أنها تَبْطُلُ
قَوْلُهُ فَإِنْ عَلِمَ أنها كانت في الصَّلَاةِ لَكِنْ جَهِلَهَا أو نَسِيَهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ في النَّاسِي وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ
إحْدَاهُمَا تَصِحُّ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وبن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ بن مُنَجَّا وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بها ( ( ( بهما ) ) ) في الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَصِحُّ فَيُعِيدُ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ الْإِعَادَةُ قال في الْحَاوِيَيْنِ أَعَادَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْإِفَادَاتُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وبن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا في النَّاسِي وَقِيلَ إنْ كانت إزَالَتُهَا شَرْطًا أَعَادَ وَإِنْ كانت وَاجِبَةً فَلَا ذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وقال الْآمِدِيُّ يُعِيدُ إنْ كان قد تَوَانَى رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقُطِعَ في التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمُفَرِّطَ في الْإِزَالَةِ وَقِيلَ في الصَّلَاةِ لَا يُعِيدُ بِالنِّسْيَانِ
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ في الْجَاهِلِ فَأَمَّا النَّاسِي فَيُعِيدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ليس عنه نَصٌّ في النَّاسِي انْتَهَى وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ في الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي قَالَهُ الْمَجْدُ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِمَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَيْنِ في الْكَافِي
الثَّانِي مَحَلُّ الْخِلَافِ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ
____________________
(1/486)
أَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَهَا وَاجِبٌ فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ حَكَى قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إنْ قُلْنَا وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ أَعَادَ فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ
الثَّالِثُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ أو جَهِلَهَا جَهْلُ عَيْنِهَا هل هِيَ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا حتى فَرَغَ منها أو جَهِلَ أنها كانت عليه ثُمَّ تَحَقَّقَ أنها كانت عليه بِقَرَائِنَ فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أنها نَجَاسَةٌ وَجَهِلَ حُكْمَهَا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَطَعُوا بِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى حُكْمُ الْجَهْلِ بِحُكْمِهَا حُكْمُ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَجُزِمَ بِهِ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَأَمَّا إذَا جَهِلَ كَوْنَهَا في الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَتَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وهو قَوْلُهُ وَمَتَى وَجَدَ عليه نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ هل كانت في الصَّلَاةِ أَمْ لَا
فَوَائِدُ
الْأُولَى حُكْمُ الْعَاجِزِ عن إزَالَتِهَا عنه حُكْمُ النَّاسِي لها في الصَّلَاةِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم بن حَمْدَانَ وبن تَمِيمٍ وقال أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَكَذَا لو زَادَ مَرَضُهُ لِتَحْرِيكِهِ أو نَقْلِهِ وقال بن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أو احْتَاجَهُ لِحَرْبٍ
الثَّانِيَةُ لو عَلِمَ بها في الصَّلَاةِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَبْطُلُ مُطْلَقًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ أَمْكَنَ إزَالَتُهَا من غَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ وَلَا مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فيها إذَا عَلِمَ بها بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا إعَادَةَ هُنَاكَ أَزَالَهَا هُنَا وَبَنَى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال بن عَقِيلٍ تَبْطُلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَأَمَّا إذَا لم تُزَلْ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ أو في زَمَنٍ طَوِيلٍ فَالْمَذْهَبُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَقِيلَ يُزِيلُهَا وَيَبْنِي
قُلْت وهو ضَعِيفٌ
الثَّالِثَةُ لو مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا نَجِسًا أو قَابَلَهَا رَاكِعًا أو سَاجِدًا ولم يُلَاقِهَا أو سَقَطَتْ عليه فَأَزَالَهَا سَرِيعًا أو زَالَتْ هِيَ سَرِيعًا أو مَسَّ حَائِطًا نَجِسًا لم يَسْتَنِدْ
____________________
(1/487)
إلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ في الْجَمِيعِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ لم يَصِحَّ
الرَّابِعَةُ لو حَمَلَ قَارُورَةً فيها نَجَاسَةٌ أو آجُرَّةً بَاطِنُهَا نَجِسٌ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لو حَمَلَ آدَمِيًّا مُسْتَجْمِرًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ إذَا حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وبن تَمِيمٍ وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً مَذِرَةً أو عُنْقُودَ عِنَبٍ حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ في شَرْحِهِ فإن الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ قَاسَهَا على الْقَارُورَةِ وقال بَلْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَقِيلَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وبن تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً فيها فَرْخٌ مَيِّتٌ فَوَجْهَانِ
الْخَامِسَةُ قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ في هذا الْبَابِ بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مُقَوٍّ لِلدَّمِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو منها فَأَجْرَيْنَا لِذَلِكَ حُكْمَ الطَّهَارَةِ ما دَامَ فيه تَبَعًا وقال في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ من النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَاللَّبَنُ وَالْقُرُوحُ فَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً عن نَجَاسَةٍ لِأَنَّ ما كان في الْبَاطِنِ مُسْتَتِرًا بِسِتَارٍ خِلْقَةً ليس بِنَجِسٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وبن عُبَيْدَانَ
فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ في الْمَكَانَيْنِ يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ في الْأَوَّلِ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ ما في الْبَاطِنِ وَلَكِنْ أَجْرَى عليها حُكْمَ الطَّهَارَةِ تَبَعًا وَضَرُورَةً وفي الثَّانِي قَطَعَ بِأَنَّهُ ليس بِنَجِسٍ وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ قال في الْفُرُوعِ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا ما اسْتَتَرَ في الْبَاطِنِ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ ليس بِنَجِسٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ كَذَا قال انْتَهَى
قَوْلُهُ وإذا جَبَرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجُبِرَ لم يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ
____________________
(1/488)
وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كما لو خَافَ التَّلَفَ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ من غَيْرِ تَيَمُّمٍ وإذا لم يُغَطِّهِ اللَّحْمُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ له وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وقيل ( ( ( فقيل ) ) ) لَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَوْ مَاتَ من يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ قُلِعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال أبو الْمَعَالِي إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ لم يُقْلَعْ لِلْمَثُلَةِ وَإِلَّا قُلِعَ وقال جَمَاعَةٌ يُقْلَعُ سَوَاءٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ أَمْ لَا
قَوْلُهُ فَإِنْ سَقَطَتْ سنة فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا فَثَبَتَتْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَعَنْهُ أنها نَجِسَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إذَا جَبَرَ بِهِ سَاقَهُ كما تَقَدَّمَ في التي قَبْلَهَا وقال بن أبي مُوسَى إنْ ثَبَتَ ولم يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ وَيُعِيدُ ما صلى معه وَكَذَا الْحُكْمُ لو قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَعَادَهُ في الْحَالِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ
فَائِدَةٌ لو شَرِبَ خَمْرًا ولم يَزُلْ عَقْلُهُ غَسَلَ فَمَهُ وَصَلَّى ولم يَلْزَمْهُ قَيْؤُهُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهَا
قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْحُشِّ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ
هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قال في الْفُرُوعِ هو أَشْهَرُ وَأَصَحُّ في الْمَذْهَبِ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لم تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فيها وَتَصِحُّ قال الْمَجْدُ لم أَجِدْ عن أَحْمَدَ لَفْظًا بِالتَّحْرِيمِ مع الصِّحَّةِ وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فيها وَقِيلَ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لم يُصَلِّ فيه بِحَالٍ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ ذَكَرَهُمَا في الرِّعَايَةِ قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في مَوَاضِعِ النَّهْيِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَتَصِحُّ على الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ هذه طَرِيقَةُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كان من الْأَصْحَابِ من يَحْكِي الْخِلَافَ في الصِّحَّةِ مع الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ انْتَهَى
____________________
(1/489)
تَنْبِيهٌ عُمُومُ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في الْمَقْبَرَةِ يَدُلُّ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ فيها وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ وهو إحْدَى الرِّوَايَاتِ عن أَحْمَدَ وَصَحَّحَهَا النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قال في الْفُصُولِ في آخِرِ الْجَنَائِزِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا تَجُوزُ وَعَنْهُ تَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ اخْتَارَهَا بن عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ تَصِحُّ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وهو الْمَذْهَبُ قال بن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ تُبَاحُ في مَسْجِدٍ وَمَقْبَرَةٍ قال في الْمُحَرَّرِ لَا يُكْرَهُ في الْمَقْبَرَةِ قال في الْكَافِي وَيَجُوزُ في الْمَقْبَرَةِ قال في الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ في الْمَقْبَرَةِ قال في الْخُلَاصَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ في مَقْبَرَةٍ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ
فَوَائِدُ
الْأُولَى لَا يَضُرُّ قَبْرٌ وَلَا قَبْرَانِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ إذَا لم يَصِلْ إلَيْهِ جَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ يَضُرُّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْفَائِقُ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ بِنَاءً على أَنَّهُ هل يُسَمَّى مَقْبَرَةً أَمْ لَا وقال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْخَشْخَاشَةَ فيها جَمَاعَةُ قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ
الثَّانِيَةُ لو دَفَنَ بِدَارِهِ مَوْتَى لم تَصِرْ مَقْبَرَةً قَالَهُ بن الْجَوْزِيِّ في الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُ
الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ عن أَعْطَانِ الْإِبِلِ التي تُقِيمُ فيها وَتَأْوِي إلَيْهَا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ هو مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا إذَا صَدَرَتْ
____________________
(1/490)
عن الْمَنْهَلِ زَادَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ وما تَقِفُ فيه لِتَرِدَ الْمَاءَ زَادَ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فقال وَقِيلَ هو ما تَقِفُ فيه لِتَرِدَ الْمَاءَ قال وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وقال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أو تَقِفُ لِعَلَفِهَا
الرَّابِعَةُ الْحُشُّ ما أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيُمْنَعُ من الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ وَيَسْتَوِي في ذلك مَوْضِعُ الْكَنِيفِ وَغَيْرِهِ
الْخَامِسَةُ الْمَنْعُ من الصَّلَاةِ في هذه الْأَمْكِنَةِ تَعَبُّدٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قال الزَّرْكَشِيُّ تَعَبُّدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال بن رَزِينٍ في شَرْحِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَقِيلَ مُعَلَّلٌ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ مُعَلَّلٌ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا هو مَظِنَّةٌ من هذه الْأَمَاكِنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ فَعَلَى الْأُولَى حُكْمُ مُسَلَّحِ الْحَمَامِ وَأَتُونِهِ كَدَاخِلِهِ وَكَذَا ما يَتْبَعُهُ في الْبَيْعِ نُصَّ عليه وَكَذَا غَيْرُهُ قال بَعْضُهُمْ وهو الْمَذْهَبُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في حَمَّامٍ وَأَتُونِهِ وَبُيُوتِهِ وَمَجْمَعِ وَقُودِهِ وَكُلِّ ما يَتْبَعُهُ في الْبَيْعِ من الْأَمَاكِنِ وَتَحْوِيهِ حُدُودُهُ وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا كُلَّ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ فَلَا فَرْقَ في الْمَقْبَرَةِ بين الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ وَالْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِ الْمَنْبُوشَةِ وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ في أَسْطِحَةِ هذه الْمَوَاضِعِ
قَوْلُهُ وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ
يَعْنِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فيه وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم في الْمُخْتَصَرَاتِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ تَصِحُّ مع التَّحْرِيمِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وبن عَقِيلٍ في فَنُونِهِ وَالطُّوفِيُّ في مُخْتَصَرِهِ في الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ تَصِحُّ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ وَقِيلَ تَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ حَكَاهُ بن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَغَيْرِهِ وقال إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ منه لم تَصِحَّ فيه بِحَالٍ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ وَقِيلَ يَصِحُّ النَّفَلُ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ في بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ
____________________
(1/491)
فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ في النَّفْلِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا في الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تَصِحُّ في الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ فَهُوَ من الْمُفْرَدَاتِ
فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ في أَرْضِ غَيْرِهِ أو مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وقال بن حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يصلى في كل أَرْضٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ فَلِهَذَا قال في الْفُرُوعِ وَلَوْ صلى على أَرْضِ غَيْرِهِ أو مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ صَحَّ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ حَمْلُهَا على الْكَرَاهَةِ أَوْلَى قال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ على إرَادَةِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا أَوْلَى من الطَّرِيقِ وَأَنَّ الْأَرْضَ الْمُزْدَرَعَةَ كَغَيْرِهَا قال وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ وَلَوْ كانت لِكَافِرٍ قال وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ بِأَرْضِهِ
قَوْلُهُ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا حُكْمُ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَسْطِحَتِهَا كَذَلِكَ
يَعْنِي كَالْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهَا وهو الْمَذْهَبُ قال الشَّارِحُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا على هذا قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَأَلْحَقَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَجْزَرَةَ وَمَحَجَّةَ الطَّرِيقِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ في هذه الْأَمْكِنَةِ وَإِنْ لم يُصَحِّحْهَا في غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَنْهُ تَصِحُّ على أَسْطِحَتِهَا وَإِنْ لم يُصَحِّحْهَا في دَاخِلِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال أبو الْوَفَا سَطْحُ النَّهْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عليه لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عليه وهو رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وقال غَيْرُهُ هو كَالطَّرِيقِ قال الْمَجْدُ وَالْمَشْهُورُ عنه الْمَنْعُ فيها وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ على أَسْطِحَتِهَا وَكَرِهَهَا في رِوَايَةِ عبد اللَّهِ وَجَعْفَرٍ على نَهْرٍ وَسَابَاطٍ وقال الْقَاضِي
____________________
(1/492)
فِيمَا تَجْرِي فيه سَفِينَةٌ كَالطَّرِيقِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ وَاخْتَارَ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ الصِّحَّةَ كَالسَّفِينَةِ قال أبو الْمَعَالِي وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَالطَّرِيقِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فيه الصِّحَّةَ
قُلْت وَجَزَمَ بِهِ بن تَمِيمٍ فقال لو جَمَدَ مَاءُ النَّهْرِ فَصَلَّى عليه صَحَّ
تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ في الْمَدْبَغَةِ وهو صَحِيحٌ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وبن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَقِيلَ هِيَ كالمجزرة ( ( ( كالمجزر ) ) ) وَاخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ
فَوَائِدُ
إحداها الْمَجْزَرَةُ ما أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَالنَّحْرِ والمزبلة ما أُعِدَّ لِلنَّجَاسَةِ وَالْكُنَاسَةِ وَالزُّبَالَةِ وَإِنْ كانت طَاهِرَةً وقارعة الطَّرِيقِ ما كَثُرَ سُلُوكُ السَّابِلَةِ فيها سَوَاءٌ كان فيها سَالِكٌ أو لَا دُونَ ما عَلَا عن جَادَّةِ الْمَارَّةِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً نُصَّ عليه وَقِيلَ يَصِحُّ فيه طُولًا إنْ لم يَضِقْ على الناس لَا عَرْضًا وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ في طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ
الثَّانِيَةُ إنْ بنى الْمَسْجِدُ بِمَقْبَرَةٍ فَالصَّلَاةُ فيه كَالصَّلَاةِ في الْمَقْبَرَةِ وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ حَوْلَهُ أو في قِبْلَتِهِ فَالصَّلَاةُ فيه كَالصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ على ما يَأْتِي قَرِيبًا هذا هو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ تَصِحُّ يَعْنِي مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ
قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال الْآمِدِيُّ لَا فَرْقَ بين الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وقال في الْهَدْيِ لو وُضِعَ الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا لم يَجُزْ ولم يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ وقال بن عَقِيلٍ في الْفُصُولِ إنْ بنى فيها مَسْجِدٌ بَعْدَ أَنْ انْقَلَبَتْ أَرْضُهَا بِالدَّفْنِ لم تَجُزْ الصَّلَاةُ فيه لِأَنَّهُ بنى في أَرْضٍ الظَّاهِرُ نَجَاسَتُهَا كَالْبُقْعَةِ النَّجِسَةِ وَإِنْ
____________________
(1/493)