كتاب
الألغاز النحوية في علم العربية
تأليف
الشيخ بن عبد الله خالد الأزهري
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1430هـ/ 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
...
... الحمد لله مسبغ النعم ، مسبل الغطاء ، مضفي النعم والآلاء ، المحمود على السراء والضراء ، المشكور في الشدة والرخاء ، أحمده ، ولا محمود على الحقيقة سواه ، وأشكره شكراً لا يأباه ، ولا يستئناه ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي من خير العناصر اصطفاه ، ومن أكرم الأجداد والآباء اختاره واجتباه ، صلى الله عليه وعلى آله خير آل وأبقاه على الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهين ، ومَن استسن بسنته وهداه ، وبعد ...(1/1)
... فإني نظرت في علم العربية ، ووقفت على دقائقه وحقائقه ، وراجعت كتب العلماء وتصانيفهم ، فوجدتها مشتملة على أبيات من الشِّعر مُصعبة المباني ، مُغمضة المعاني ، قد ألغز قائلها إعرابها ، ودفن في غامض الصنعة صوابها ، وهي في الظاهر فاسدة قبيحة ، وفي الباطن جيدة صحيحة ، وقد كان العلماء المتقدمون كالأصمعي وغيره يتساءلون عنها ، ويتماحنون بها ، أردت أن أجمع منها ما تيسر ؛ لأوضِّح مشكله ، وأبين مجمله ، مشيرا إلى موضع النكتة منه ، غير مشتغل بإيراد النظائر والأمثال ، فيفضي إلى الضجر والملال ؛ ليكون ذلك داعيا إلى النظر فيه ، وأنساً لحفاظه ومتأمليه ، وأقدم على ذلك الكلام إعراب حديث عنه صلى الله عليه وسلم ؛ لتكثر فائدته وتعظُم ، وجعلته برسم الخزانة المولوية السلطانية الملكية الكاملة ، أدام الله مُلك مالكها ، إذ كان الله سبحانه وتعالى قد خصّه من العلم بأوفر نصيب ، ونار قدحه منه بالسهم المصيب / لا سيما علم العربية ، الذي هو 2ب مفتاح الفهوم ، وسرّ العلوم ، والسبب الموصل إلى علم البيان ، المطّلع على دقائق معاني القرآن ، فقد خصّه الله بالفضل العظيم ، والقلب الرحيم ، حتى شهدت له بذلك الضمائر والقلوب ، واستوجب شكر نعمه في الحضور والغيوب ، وأقرّت بالتقصير أدراك مواراه ، واعترفت أنه لا يصلح لممالك الدنيا ملِك إلاّ إياه ، فأسبغ الله عليه نعمه وفضله ، كما بسط في العباد طوله وعدله ، وجعل بقاءه ما بقي الأبد ، وملك ملكته في النفس والولد .
... القول على ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال :
( إنَّ من آمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر )(1/2)
يُروى بالرفع والنصب ، أمَّا النصب فلا إشكال فيه ؛ لأنه اسم إنّ ، قُدِّم فيه الخبر على الاسم ، إذ كان الخبر حرف جرٍّ ، كقولك : إنّ في الدار زيداً ، قال تعالى : [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ] (1) ، وقدّم الخبر هنا على الاسم لما فيه من الإشعار بتعظيم الممدوح ، لأنه صلى الله عليه وسلم نبّه بقوله : إنّ مِن آمن الناس عليّ ، إلى زجر النفوس وحثها على تعرّف من هو بهذه الفضيلة مخصوص ، وهذا قريب من قول العرب : نعم الرجل زيد ، حيث قدّموا الرجل لما فيه من العموم على زيد ، وشبهه ؛ ليكون أبلغ في مدح زيد منه لو قدّم زيدا ، إذ لو قال : نعم زيد من غير ذكر الرجل ونحوه ، لم يكن موقعه في النفوس كموقعه بعد ذكر الرجل ؛ لأنك إذا قلت نعم الرجل زيد ، فقد انتظمت بالرجل زيدا وغيره من الرجال ، فإذا أفردت زيدا بالذكر ، دلّ على إفرادك إياه على امتيازه وفضله / على سائر مَن ذكرته 3 أ معه في قولك : نعم الرجل زيد ، وليس ذلك موجودا في قولك : نعم زيد ، فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ من آمن الناس عليّ ) إنْ تمّ من الصحابة مَن هو موصوف بهذه الفضيلة ، وما من واحد منهم إلاّ ويجوز أنْ يكون هو المراد بهذه الخصيصة ، فإذا عيّن بعد ذلك كان كتخصيص زيد بعد ذكره عاماً في قولك : نعم الرجل زيد ، والله أعلم .
... وأمَّا الرفع فيكون اسم إنّ محذوفا تقديره وجهان :
أحدهما : أن يكون ضمير الشأن والقصة ، أي أنّ الأمر والشأن من آمن الناس ، وهذا كما أنشده سيبويه من قول الشاعر (2) :
__________
(1) آل عمران 13 ، النور 44 ، النازعات 26
(2) هذا البيت: للأخطل، وكان نصرانياً، فلذلك ذكر الكنيسة.
والجآذر: أولاد البقر، واحدها جؤذر - بضم الذال وفتحها - وأهل البصرة لا يعرفون فتح الذال، لأن فعللاً، عندهم غير مستعمل، وحكى الكوفيون ألفاظاً كثيرة على فعلل هي: جؤذر، برقع، وطحلب، وضفدع، وجخدب. يقول: من دخل الكنيسة رأى فيها من نساء النصارى وبينهم أشباه الجآذر والظباء!!. وهو من شواهد خزانة الأدب ، الشاهد 78 ، وجمل الزجاجي ، والحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل ، وابن يعيش 3/115(1/3)
( من الخفيف )
إن مَنْ يَدْخل الكنيسةَ يوماً يَلقَ فيها جآذِراً وَظِباءً
... أي أنّ الأمر مَن يدخل ، لأن مَن هذه شرطية ، وأدوات الشرط لا يعمل فيها ما قبلها
والوجه الثاني : أن يكون المحذوف اسما ظاهرا تقديره إنّ رجلاً من آمن الناس عليّ ، ومِن هذا قوله تعالى : [ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ] (1) ، أي أحد ، وقوله :
... [مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ ] (2) ، أي فريق ، وقوله : [ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ] (3) أ ي شيئاً ، وأنشد سيبويه (4) : ( من الوافر )
... ... كَأَنَّكَ مِن جِمالِ بَني أُقَيشٍ يُقَعقَعُ خَلفَ رِجلَيهِ بِشَنِّ
أي جمل من جمال ، وأنشد أيضاً (5) : ( من الطويل )
... ومَا الدَّهْرُ إِلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا أَمُوتُ وأُخْرَى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ
... أي فمنهما تارة أموت ، وهذا الباب واسع جدا ، ومَن أنكر أن يكون في الكلام ، أو في القرآن مقدر محذوف ، أو أنّ بعضه يعمل في بعض / ولا يتعلق بعضه ببعض فقد3 ب اقتحم خطرا ، وركب غريراً ، ثم هو محجوج بقول العرب : ضَربَ زيد من غير ذكر مضروب ، ومن المحال وقوع الضرب من غير مضروب ، والله أعلم .
... وهذا أول الابتداء في ذكر ما تيسر من إيضاح ما ألغز من الإعراب مما أنشده أبو علي في تذكرته :
... ... لا تقنطنّ وكن في الله محتسبا ... ... فبينما أنت ذا بأس أتى الفرجا
موضع الإشكال فيه نصب ( ذا ) وحقه أنْ يكون مرفوعا ؛ لأنه خبر المبتدأ ، الذي هو ( أنت ) لعلة في قوله : فبينما أنت ، والجواب عن نصبه أنه خبر لكان المضمرة ، تقديره فبينما كنت ذا بأس ، وهذا كقول ما أنشده سيبويه (6) : ( من البسيط )
__________
(1) النساء 159
(2) النساء 46
(3) الأحقاف 31 ، نوح 4
(4) خزانة الأدب ، الشاهد 346 ـ والمفصل ، والكامل للمبرد
(5) نسب هذا البيت لكل من تميم بن أبي بن مقبل ، والعجير السلولي ، وهو في ديوانيهما .
(6) البيت لخفاف بن ندبة السلمي .(1/4)
... ... أَبا خُراشَةَ أَمّا أَنتَ ذا نَفَرٍ فَإِنَّ قَومِيَ لَم تَأَكُلهُمُ الضَبعُ
أي لَئِن كنت ذا نفر .
الإشكال الثاني نصبه الفرجا ، وحقه أن يكون مرفوعا ؛ لأنه فاعل أتى ، والجواب عن النصب أنه مفعول بـ( محتسبا) ، تقديره لا تقنطن ، وكن في الله محتسبا الفرجا ، وفي أتى ضمير فاعل ، يعود إلى الفرج ، فتقدير الكلام إذاً : احتسبْ في الله الفرج ، فبينما كنت ذا بأس أتاك الفرج .
ومن ذلك ما أنشده أبو عليّ أيضا في مسائله البصرية :
... سآتر مهرتي رجل فقير ... ... وأركب في الحوادث مهرتان
الإشكال فيه أيضا في رفعه رجل فقير ، وجوابه أنه مرفوع على الحكاية ، والثاني رفعه مهرتان ، وحقه أن يكون منصوبا ؛ لأنه مفعول لأركب ، وجوابه أنه ليس تثنية مهرة ، وإنما هو مهر رجل تان / أي تاجر ، ومنه ما أنشده بعض العلماء : ( من الوافر ) 4أ
أكلت دجاجتان وبطتان كما ركب المهلب بغلتان
أي دجاج رجل تان ، وكذا البواقي .
... وسيأتي لهذا نظير إن شاء الله تعالى .
... وأنشد أبو عليّ أيضا بقوله :
فرعون مالي وهامان الأولى زعموا ... أني بخلت بما يعطيه قارونا
الإشكال فيه أيضا في موضعين ، أحدهما : نصبه فرعون ، وجوابه أنّ قوله ( فر ) فعل أمر من قولهم : أفِرُ الشيء يفِرُهُ ، إذا كثَّره ، وفاعله مستتر ، أي فرْ أنت ، وقوله عون مفعول بفِر ، والعون ها هنا بمعنى الأعوان ، أي أكثر أعوان ما لي ، وها مان : ها فعل ماضٍ ، أي ضعف ، ومان فاعل بوها ، والمان أسفل البطن .
الإشكال الثاني : نصبه قارون ، وظاهره أن يكون مرفوعا فاعلا ليعطي ، وجوابه أنه منصوب على أنه مفعول ثانٍ ليعطي ، وفاعل يعطي مستتر ، أي يُعطيه الله قارونا ، أضمر الفاعل للعلم به ، فيصير تقدير الكلام : كثر أعوان مالي ، ضعف مان الذين زعموا أني بخلت بالذي يعطيه الله قارونا ، والله أعلم .
... ومن ذلك ما أنشده ابن السكّيت :
... ... قال زيدٍ سمعت صاحب بكر ... قائل قم وقعت في اللأواء(1/5)
الإشكال فيه في أربعة مواضع ، أحدها : قال زيد بالجر ، وحقه أن يكون مرفوعا فاعلا لقال ، وجوابه أنه مخفوض بإضافة قال إليه ، وقال منصوب لأنه مفعول بسمعت مقدم ، وقال هاهنا اسم وليس بفعل ، من قوله صلى الله عليه وسلم : نهى من (1) القال والقيل ، فيصير تقديره : سمعت قال زيدٍ ، أي كلام زيدٍ .
/ ... الإشكال الثاني قوله : صاحبِ بكر ، بكسر الباء من صاحب ، وظاهره يقتضي4ب أن يكون منصوبا بسمعت ، وجوابه أن قوله صاح منادى مرخم، أي يا صاح ، وببكر جار ومجرور .
... الإشكال الثالث قوله : قائل بالرفع ، وظاهره يقتضي أن يكون منصوبا على الحال من صاحب بكر ، وجوابه أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي وهو قائل .
... الإشكال الرابع قوله : في اللأواء بالرفع ، الظاهر أن يكون مجرورا بفي ، وجوابه أنّ قوله : فِ فعل أمر من وفى يفي ، واللأواء مرفوع بالابتداء ، وخبره ببكر المتقدم ذكره ، فيصير تقدير البيت : سمعت كلام زيد وهو قائل اللأواء ببكر قد وقعت فَفِ ، أي فاعفِ .
... ومن ذلك ما امتحن به أبو محمد اليزيدي ، أحد أئمة العربية ، والفراء المشهورَين أبا الحسن الكسائي بحضرة الرشيد ، وهو قول الشاعر :
... ... لا يكون العيْر مهرا ... ... لا يكون المهر مهر
__________
(1) ربما الصواب عن القال والقيل .(1/6)
قال اليزيدي للكسائي : انظر في الشِّعر ، هل فيه عيب؟ قال الكسائي : نعم ، قد لحن الشاعر ، فإنه لا بدّ أن ينصب المهر ، لأنه خبر يكون المتصرفمن كان ، فقال اليزيدي : أخطأت ، الشعر صحيح ، وضرب بقلنسوته الأرض ، وقال : أنا أبو محمد، إنما هو لا يكون العير مهرا لا يكون ، ثم ابتدأ بقوله : المهر مهر ، فيكون الكلام قد تمّ عند قوله لا يكون ، وابتدأ الكلام بعده ، فقال يحيى بن خالد ، وكان حاضرا : أتتكئ بحضرة أمير المؤمنين ، وتكشف رأسك ، والله لخطأ الكسائي مع أدبه / أحب إلينا من صوابك مع سوء أدبك ، 5 أ فقال له : الغلبة أنعشتني ، ما كنت أحسب منه ذلك والله ، ومن ذلك ما أنشده بعض العلماء :
... ... صل حبالي فقد سئمت الجفاء ... ... يا قتولي واحفظ عليّ الإخاء
... الإشكال فيه في موضعين : أحدهما قوله : الجفاء بالرفع ، وظاهره يقتضي أن يكون منصوبا بسئمت ، وجوابه أنه مرفوع بالابتداء ، وخبره قتولي يا فلان ، وحذف المنادى .
... الإشكال الثاني ، قوله : الإخاء بالرفع ، وظاهره يقتضي أن يكون منصوبا باحفظ ، وجوابه أنه مرفوع بالابتداء ، وخبره عليّ ، مقدّم عليه ، كقولك : عليّ إكرامُك ، واحفظ كلام تام ، لا تعلّق له بما بعده ، فيصير تقدير البيت : الجفاء قتولي يا فلان ، اصبر فعليّ إكرامك .
... ومن ذلك ما أنشده العلماء المتقدمون والمتأخرون (1)
هيهات قد سفهت أميّة رأيها وَاستجهلت سُفَهاؤها حُلَماؤها
حَرْبٌ تورد بينها بتَشاجُرٍ قد كفَّرتْ آباؤها أَبناؤها
__________
(1) للفرذدق ، ولم أجده في المطبوع من ديوانه ، انظر رسالة الصاهل والشاحج / الموسوعة الشعرية .(1/7)
الإشكال في البيت الأول في موضعين ، أحدهما : قوله سفهت أمية رأيها ، بنصب الرأي ، وظاهره يقتضي أن يكون مرفوعاً بدلا من أمية ، أي رأي أميّة ، كقولك أعجبني زيد علمه ، أي علم زيد ، وجوابه أنه منصوب على أنه مفعول به ، كقوله تعالى : [إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ] (1) فتكون سفهت على هذا التقدير بمعنى سفه ذكره جماعة من العلماء المتقدمين ، ويجوز أن يكون منصوبا على التمييز ، على مذاهب الكوفيين ، فإنهم يجوزون أن يكون التمييز معرفة ، كقولك تصبب زيد عرقا / أي تصبب عرق زيد ، [ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ] (2) 5ب أي اشتعل شيب الرأس ، وعلى هذين الوجهين يخرج نصب قوله تعالى : [وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ] (3) في نصب المعيشة .
... الإشكال الثاني : سفهاؤها حلماؤها ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون الأول مرفوعا فاعلاً لاستجهلت ، والثاني منصوب على أنه مفعول به ، وجوابه أنّ قوله : استجهلت ، كلام تام ، فيه ضمير يعود على أمية ، وقوله سفهاؤها حلماؤها مبتدأ وخبر ، أي سفهاء الحرب حلماؤها .
... وأمَّا الثاني فالإشكال فيه في موضع واحد ، وهو قوله : كفرت آباؤها أبناؤها ، برفعهما ، وظاهر الكلام يقتضي رفع الأول ، ونصب الثاني ، على ما تقدم في البيت الأول ، وجوابه أنّ قوله : قد كفرت ، كلام تام ، ومعناه قد لبست أميّة السلاح ، وهو التغطية ، وقوله : آباؤها أبناؤها مبتدأ وخبر ، ومن ذلك قول الشاعر ، وأنشده بعض المتأخرين :
كساني أبي عثمان ثوبان للوغى ... ... وهل ينفع الثوب الرقيق لدى الحرب
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما : أب عثمان ، بالجر ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا ، فاعلا لكساني ، وجوابه أنّ قوله كساني ، الكاف للتشبيه ، أي مثل ساني ، والساني المستقي ، من قولهم سنا ، يسنو ، إذا استقى ، وأبي عثمان على هذا مجرور بإضافة ساني إليه .
__________
(1) البقرة 130
(2) مريم 4
(3) القصص 58(1/8)
... والإشكال الثاني قوله ثوبان بالرفع ، وظاهره يقتضي أن يكون منصوبا على أنه مفعول لكساني ، وجوابه أنه اسم علم على رجل ، وليس بتثنية / ثوب ، فيصير تقدير 6أ الكلام : ثوبان للوغى مثل ساني أبي عثمان في الضعف وقلة الفائدة والغناء ، ومن ذلك ما أنشده بعض العلماء (1) : ...
ولو ولدتْ فُقيرةُ جروَ كَلبٍ لسُبّ بذلك الجرو الكلابَا
الإشكال فيه في موضع واحد ، وهو سُب الكلابا ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا على أنه مفعول لما لم يُسم فاعله ، كقوله : سُبَّ زيدٌ ، وشُتم عمرو ، وجوابه أنه منصوب على أنه مفعول به لسب ، والمفعول الذي لم يُسم فاعله هو المصدر الذي دلّ عليه سُبّ ، أي سُب السبّ ، وهذا لا يجوز إلاّ في ضرورة الشعر ؛ لأن الفعل إذا بُني لما لم يُسم فاعله ، وفي الكلام مفعول به ، ومصدر ، لم يجز أنْ يُقام المصدر مقام الفعل إلاّ في ضرورة الشعر على نحو ما ذكروه ، بل يتعين إقامة المفعول به مقام الفاعل ؛ لكونه أشبه بالفاعل من سائر المفاعيل ، وأقرب إليه منها ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... أبالكوز فاشرب قهوة بابلية لَها في عِظام الشَّارِبينِ دَبيبُ
الإشكال فيه في موضع واحد ، وهو قوله : أبالكوز ، بالنصب (2) ، وظاهر الكلام يقتضي أنْ يكون مجرورا بالباء ، وجوابه أنّ قوله : أبل ، فعل أمر من قولهم : أبل فلانٌ من مرضه ، إذا أفاق ، وكوز اسم علم على رجل ، وهو منادى بحذف حرف النداء ، كقوله تعالى : [يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ] (3) ، أي يا يوسف أعرض عن هذا ، فتقدير الكلام إذا : أفق ، إنْ تقف تشرب قهوة بابلية .
... ومن ذلك ما أنشده بعض العلماء :
... ... لقد قال عبدَ الله شرّ مقالة ... كفى بك يا عبد العزيزُ حسيبها
__________
(1) من الوافر لجرير
(2) كتبت : بالرفع ، وهو خطأ ، لأن الأسماء الخمسة ( أب ، أخ ، حم ، فو ، ذو ) ترفع بالواو ، وتنصب بالألف ، وتجر بالياء .
(3) يوسف 29(1/9)
/ الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما : عبدَ بفتح الدال ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون 6ب مرفوعا فاعلاً بقال ، وجوابه أنه أراد تثنية عبد ، أي عبدان لله ، ثم حذف النون للإضافة ، والألف لسكونها ، وسكون اللام من الله ، فهو مرفوع في التقدير ، منصوب في اللفظ .
... والإشكال الثاني ، قوله : يا عبد العزيزُ ، برفع العزيز ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مجرورا ، وجوابه أنّ قوله : يا عبد منادى مرخم ، أي يا عبدة ، ثم حذف الهاء للترخيم ، وترك الفتحة قبلها تدل عليها ، وقوله : العزيزُ حسيبها ، مبتدأ وخبر ، فيصير تقدير البيت : العزيز حسيب هذه المقالة التي هي شرّ (1) ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... ستعلم أنه يأتيك بكرٍ ... ... وأنّ أخوك في من اللغوب
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : بكر ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا فاعلا بيأتي ، وجوابه أنّ قوله : يأتي فعل فاعله مستتر ، أي يأتي إنسان كبكرٍ ، فبكر على هذا مجرور بكاف التشبيه .
... الإشكال الثاني قوله : وإن أخوك بالرفع ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون منصوبا؛ لأنه اسم إنّ ، وجوابه أنّ ( إنَّ ) فعل ماض من الأنين ، فعلى هذا الأخ مرفوع به ، فتقدير البيت إذا : ستعلم أنه يأتي إنسان مثل بكر ، وقد أنّ أخوك من اللغوب ، واللغوب التعب ، قال تعالى : [ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ] (2) ، أي تعب ، ومن ذلك ما أنشده بعض العلماء :
لقد قال عبدَ الله قولا عرفته ... ... أتانا أبي داوود في مرتع خصب
/الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : عبدَ الله ، بالفتح ، وظاهر الكلام يقتضي أن 7 أ يكون فاعلاً مرفوعا بقال ، وجوابه أنه أراد تثنية عبد على ما قدمنا ذكره في البيت قبله .
__________
(1) كتبت : أشر ، وهوخطأ .
(2) ق 38(1/10)
... الإشكال الثاني : أتاني أبي داوود ، بخفض أبي ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا فاعلا بالاتي ، وجوابه أن قوله : أتانا تثنية أتان ، فعلى هذا يكون أبي داود مخفوضا بإضافتها إليه ، ومن ذلك قول الشاعر ، ما أنشده ابن السيّد :
... ... رأيت عبد الله يضرب خالد ... وأبا عميرة بالمدينة يضرب
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : يضرب خالد بالرفع ، وجوابه أنه مرفوع يضرب على أنه فاعل ، ومفعول يضرب محذوف ، تقديره يضرب خالد عبد الله .
... والإشكال الثاني قوله : أبا عميرةُ ، برفع عميرة ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مجرورا بإضافة أبا إليه ، وجوابه أنّ أبى فعل ماض من الإباء ، من قولهم أبى يأبى إذا امتنع ، فيصير تقدير البيت : رأيت عبد الله يضربه خالد ، وامتنع عميرة من أن يضرب بالمدينة ، ومن ذلك ما أنشده أبن السيد أيضا :
... ... وإنَّا رعاةٍ للضيوف أكارما ... سمت يراها الأقربون على بعد
الإشكال فيه في موضع واحد ، وهو قوله : وإنّارعاةٍ ، بالخفض ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا خبرا لإنَّا ، وجوابه أنّ قوله إن حرف شرط جازم ، ونار ، النار المعروفة ، وعاتٍ مخفوض بإضافة النار إليه ، وهو اسم فاعل من قولهم عتا يعتو إذا تجبّر ، فتقدير الكلام : إنا وإنْ سمعت نار عات ، أي ارتفعت للضيوف ، في حال كونهم كراما ، فرآها الأقربون على بعد ، ولم يذكر في البيت جواب الشرط ، فتقديره والله أعلم : ارتفعت نار
/ هذا المعاتي للضيوف ، تُقصد وتُؤم ، ومن ذلك قول الشاعر : ... ... ... 7ب
... ... أقول لخالداً ياعمرو لمَّا ... علتنا بالسيوفُ المرهفات
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : لخالد أبا ، بالنصب ، وجوابه أنّ اللام من قوله لخالدا فعل أمر من ولي يلي ، وخالد منصوب بهذا الفعل ، أي اتبع خالدا يا عمرو .(1/11)
... والإشكال الثاني قوله : علتنا بالسيوف المرهفات ، برفع السيوف ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مجرورا بالباء ، وجوابه أنّ علت فعل ماض من علا يعلو ، ونابي جملي ، والناب هو الجمل المسن ، والسيوف مرفوع ؛ لأنه فاعل علت ، فتقدير البيت : قلت يا عمرو اتبع خالدا لما علت السيوف المرهفات جملي ، والله أعلم ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... وأنتم معشرٍ قوم لئام ... ... نلقى إليكم أذى وبؤسِ
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : معشرٍ بالجر ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا ، خبر المبتدأ الذي هو أنتم ، وجوابه أنّ قوله : معشر ، أي مع شرٍّ ، ولكنه خفف لإقامة الوزن ، فهو إذا مجرور بمع .
... والإشكال الثاني قوله : وبؤسِ بالخفض ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون منصوبا بالعطف على أذى ، وجوابه أنه مخفوض بالعطف على شرٍّ ، فتقدير البيت : إنا وأنتم مع شرٍّ وبؤسٍ ، نلقى إليكم أذى ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... تبيّن فإنّ الدهر فيه عجائبا ... ولم طوت الغبراء قوما وداحسِ
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : عجائبا ، بالنصب ، وظاهر الطلام يقتضي أن يكون مرفوعا بالابتداء ، وخبره في المجرور المقدّم عليه ، وجوابه أنه منصوب / على 8أ أنه مفعول لتبيّن .
... والإشكال الثاني قوله : وداحسِ بالجر ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون منصوبا عطفا على قوما ، وجوابه أنّ داحس فعل أمر من دحس يدحس (1) ، أي جرب ، فهو إذا معطوف على تبيّن ، أي تبيّن عجائبا وجرّب ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... فأصبحت تغر قر كوانسا ... ... فلا تلمه لن ينام البائسا
الإشكال فيه نصب البائسا ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا فاعلا بينام ، وجوابه أنه منصوب على أنه بدل من الهاء في تلمه ، فتقدير البيت : فلم تلم البائس ، فإنه لن ينام ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... قيل لي انظر إلى السهام تجدها ... ... طائرات كما يطير الفراشا
__________
(1) كتب : فعل أمر من داحس أحس ، ,أظنه من أخطاء الناسخ .(1/12)
الإشكال فيه في نصب الفراشا ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون مرفوعا فاعلا ليطير ، وجوابه أنه منصوب على أنه مفعول ثان لتجدها ، تقديره تجدها طائرات كالفراش ، فلما سقطت الكاف انتصب ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... يسعدنا بالمزار طارقه ... ... هند ظلاما فتغنم الغرضُ
الإشكال فيه رفعه الغرض ، وظاهر الكلام يقتضي أن يكون منصوبا مفعول لنغنم ، وجوابه أنه مرفوع ؛ لأنه فاعل ليسعدنا ، تقديره : يسعدنا الغرض بأن تزورنا هند طارقة فنغنم ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... كلّ بابا إذا وصلت إليه ... ... هينا لا تكن عجولا حريصا
موضوع الإشكال فيه نصب بابا ، وظاهر الكلام يقتضي جرّه بإضافة / كل إليه ، 8 ب وجوابه أنّ قوله كل فعل أمر من أكلَ يأكل ، يعني : كل لباب الخبز إذا وصلت إليه ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... منعوني وما أكلت من الزاد ... ... رغيف وما يُردُّ الرغيفَ
الإشكال فيه في موضعين ، أحدهما قوله : وما أكلت رغيف بالرفع ، وظاهر الكلام يقتضي نصبه بأكلت ، وجوابه أنه مرفوع لأنه خبر المبتدأ الذي هو ما ، تقديره : والذي أكلته رغيف ، وحذف مفعول أكلت للعلم به .
... الثاني قوله : وما يرد الرغيفَ ، بالنصب ، وظاهر الكلام يقتضي رفعه بيرد ، وجوابه أنه منصوب بمنعوني ، ويصير تقدير الكلام : منعوني الرغيف ولا يُرد ، والذي أكلته رغيف ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... حدّثوني إنّ زيدٍ باكيا ... ... قائل في حب هند تعف(1/13)
الإشكال فيه في خمسة مواضع ، أحدها قوله : إنّ زيدٍ بالجر ، وظاهر الكلام يقتضي نصبه بإنّ ، وجوابه إنّ أنّ هنا مصدر من الأنين ، وزيد مخفوض بإضافة المصدر إليه ، والثاني باكيا بالنصب ، والظاهر يقتضي رفعه ؛ لأنه خبر لأنّ ، وجوابه أنه حال من زيد ، والثالث قوله قائل بالرفع ، وجوابه أنه خبر لمبتدأ محذوف ، والرابع قوله في حب ، وجوابه أن فِ فعل أمر من وفَى يفي ، وحب فعل أمر من حبَّ يُحِبُّ ، والخامس قوله هند ، (وجوابه أن يحبها ، أي بأن أحب زيادا ، واسم ليس مستتر فيها ) (1) ، ومن ذلك ما أنشده الدُّريدي (2) :
فطاعَنْتُ عنهُ القَوْمَ حتَّى تبدَّدوا وحتَّى عَلاني حالِكُ اللونِ أسوَدِ
/ الإشكال فيه جرّ أسود ، والظاهر يقتضي رفعه صفة لحالك ، وجوابه أنه أراد حتى 9 أ علاني حالٌ بالتنون ، وكلون بإضافة لون إلى أسود ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... مِنْ سعيدَ بن دعلج يا ابن هند ... ... تنجُ من كيده ومِنْ مسعودا
الإشكال فيه نصب سعيدَ ومسعودا ، والظاهر يقتضي جرّهما بمن ، وجوابه أنّ قوله مِن فعل أمر من مان يمين إذا كذب لإ فهما منصوبان بهذا الفعل ، وتقدير البيت : كذب سعيدا ومسعودا يا ابن هند تنجُ من كيدهما ، ومن ذلك ما أنشده أبو علي الفارسي :
... ... وتحنُّ منيته حنينا معجلا ... عندي قوابله الرجال مستترٍ
الإشكال فيه جر مستتر ، وجوابه أنه مجرور بدل من الهاء في قوابله ، أي قوابل المستتر ، والرجال خبر المبتدأ الذي هو قوابله ، ومعنى البيت أنه يصف زندة قدح بها زندة أخرى ، فأخرجت نارا ، فجعل النار كالولد ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... إنا إذا ما أتيناهم بقاعة ... ... قالوا لقارئنا خلّ الأساطير
__________
(1) ما بين القوسين كلام غير مفهوم ، وغير صحيح .
(2) كتبت الدريني خطاً ، والصواب ما أثبتناه ، والبيت لدريد بن الصمة ، انظر الأصمعيات ، ص 109 . وروايته في الأصمعيات :
... ... فطاعَنْتُ عنهُ الخَيلَ حتَّى تبدَّدَتْ وحتَّى عَلاني حالِكُ اللونِ أسوَدُ(1/14)
الإشكال فيه قوله : خلّ الأساطير ، وجوابه أنه أراد خلّ الأسى ، أي الحزن ، ثم قالوا لقومهم طيروا عن هذه الأمور ، ومن ذلك قول الشاعر :
... على نفرٌ ضرب المنين ولم أزل ... ... بحمدك مثل الكسرِ يُضرب في الكَسر
الإشكال فيه رفعه نفر ، والظاهر يقتضي جرّه بعلى ، وجوابه أنّ على هنا فعل ماض من علا يعلو ، ونفر فاعل به ، ومعنى / البيت أنه ارتفع قوم كما ترتفع المنون بعضها مع بعض ، وأنه لم يزل في انحطاط كما أن ضرب الكسور بعضها في بعض كذلك ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... إنّ فيها أخيك وابن زياد وعليها أبيك والمختارا
الإشكال فيه جر أبيك وأخيك ، والظاهر يقتضي نصبهما بإنّ ، والجواب أنه أراد أخي ، وأبي بإضافتهما إلى نفسه ، وقوله : كوا فعل ماض من كوى يكوي ، وابن زياد ، والمختار منصوبان به ، أي إنّ أخي كوى ابن زياد ، وإنّ أبي كوى المختار ، ومن ذلك قول الشاعر : ...
... ... وفي كتب الحجاج أمثال معشر ... ... تعلّمها منا سعيدا وعامرا
... ... الإشكال فيه نصب سعيدا وعامرا ، والظاهر يقتضي رفعهما بتعلّمها ، وجوابه أنّ قوله تعلّمها فيه ضمير يعود على الحجاج ، أي تعلمها الحجاج ، وقوله منا فعل وفاعل من المين ، وهو الكذب ، وانتصب سعيدا وعامرا على أنهما مفعول بهما ، أي كذبنا سعيدا وعامرا ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... لقد طاف عبدَ الله بالبيت سبعة ... ... فسل عن عبيدُ الله ثم أبا بكرُ
الإشكال فيه من ثلاثة أوجه ، أحدها : نصبه عبد الله ، وهو فاعل بطاف ، وجوابه أنه أراد تثنية عبد على ما تقدم .
... والثاني قوله : فسل عن عبيدُ الله بالرفع ، والظاهر يقتضي جره بعن ، وجوابه أن سلعن فعل ماض من السلعنة ، وهي ضرب من المشي ، وعبيد الله مرفوع به .(1/15)
... والثالث / قوله : أبا بكرُ بالرفع ، والظاهر يقتضي جره بإضافة أبا إليه ، 10 أ وجوابه أنّ أبى فعل ماض من الإباء ، وهو (1) الامتناع ، وبكر رفع به ، فتقدير البيت : فقد طاف عبدان لله بالبيت ، ومشى عبيد الله ، وامتنع بكر ، ومن ذلك قول الشاعر (2) :
نعى النّعاة أمير المؤمنين لنا يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا
فالشّمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ تبكي عليك نجومَ اللّيل والقمرا
حمّلت أمراً عظيماً فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
أمَّا البيت الأول فلا إشكال فيه ، وأما الثاني فموضع الإشكال فيه نصب النجوم والقمر ، والظاهر يقتضي رفعهما بتبكي ، وجوابه أنهما منصوبان بكاسفة ، أي أنّ الشمس ليست بكاسفة نجوم الليل والقمرا ، وفي تبكي ضمير يعود إلى الشمس .
... وأمَّا البيت الثالث فموضع إشكاله نصب عمرا ، وجوابه أنه أراد يا عمراه بهاء السكت منادى مندوب ، فوقف على الألف من غير هاء، أي حذفت منه هاء السكت ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... رمينا جاتم حيث التقينا ... ... وهذا عامرا زيد البقينا
الإشكال فيه من موضعين ، أحدهما قوله : جاتم بالكسر ، والظاهر يقتضي نصبه برمينا ، وجوابه أنّ قوله جات ِ منادى مرخم / ومن حرف جر . ... ... ... ... 10 ب
... الإشكال الثاني قوله : وهذا عامرا زيد ، وجوابه أنّ هذى فعل ماض من المهاذاة ، وعامرا منصوب على أنه مفعول به ، وزيد مرفوع على أنه فاعل ، والتقدير هذى زيدٌ عامرا ، كقولك ضارب زيد عمراً ، ومن ذلك ما أنشده بعض العلماء :
... ... إذا ما جاء شهرَ الصوم فافطر ... ... على مشوية وكل النهارُ
... ... فإن كبار آثام البرايا ... ... إذا قرنت برحمته صغار
الإشكال فيه من وجهين ، أحدهما نصب شهر ، والظاهر يقتضي رفعه بجاء ، وجوابه أنه منصوب على أنه مفعول فيه .
__________
(1) كتبت : من الاباة وهي الامتناع .
(2) لجرير في رثاء عمر بن عبد العزيز .(1/16)
... والإشكال الثاني رفع النهار ‘ والظاهر يقتضي نصبه بكل ، وجوابه أنه مرفوع على أنه فاعل بجاء، والنهار هنا فرخ الحبارى في شهر الصوم فافطر على مشويه وكل ، ومن ذلك قول الشاعر ، وهو ما رواه أبو عمر الزاهد غلام ثعلب ، صاحب الفصيح ، أنه سأله عن قول الشاعر :
... ... استرزق الله واطلب من خزائنه ... ... رزقا يثبك وإنّ اللهُ غفّارا
فقال إنّ قوله : إنّ فعل أمرٍ من الأنين ، أي اطلب وأظهر الخشوع بالأنين ، والله مرفوع على أنه فاعل يثبك ، وغفارا منصوب على الحال ، وتقديره واطلب من الله رزقا يثبك في حال كونه غفارا ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... جاءك سلمانَ أبوها شماً ... ... فقد غدا سيدها الحارث
الإشكال فيه نصب سلمان ، والظاهر يقتضي رفعه ، وجوابه أن جاء فعل ماض ، وكسلمان جار ومجرور ، ممنوع من الصرف / للزيادة ، وإنما أُفردت الكاف في الخط لبيان 11 أ الإلغاز ، أبو فاعل جاء ، والضمير لامرأة قد عُرفت من السياق ، شما فعل أمر من شام البرق ، يشمه ، ونونه للتوكيد ، كتبت بالألف على القياس ، سيدها نصب بشما ، كما تقول انظر سيدها ، والحارث فاعل غدا ، ون ذلك قول الشاعر :
... ... إنما أمّ خالدا يوم جاءت ... ... خالت الزينبين من عمرو زيدا
أُمَّ : فعل ماض من أمَّه إذا قصده ، مبني لما لم يُسم فاعله ، ويحتمل أن يكون من أّمّه إذا شجّه ، ومنه المأمومة، وخالدا منصوب على الوجهين ، وخالت أصله خالتان تثنية خالة ، فحذف النون للإضافة ، والألف لالتقاء الساكنين ، ومِنْ فعل أمر من مان يمينُ إذا كذب ، وعمرو منادى تقديره يا عمرو ، وزيداً مفعول مِنْ ، تقديره اكذبْ يا عمرو زيدا ، وزيدا مصدر زاد ، من الزيادة ، لا اسم علم ، فنصبه على المفعولية المطلقة ، لأن المين زيادة في الحديث، فكأنه قال : زِدْ زِيادة ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... وردنا ماء مكة فاستقينا ... من البئر التي حفر الأميرا(1/17)
الإشكال فيه نصب الأميرا ، وحقه أن يكون مرفوعا ، فاعلا لحفر ، وجوابه أنه مفعول لاستقينا ، أي طلبنا منه السقيا ، كقوله : استقينا اللهَ فأسقانا ، أو بمعنى رفعناه من البئر ، كأنه وقع في البئر التي حفرناها ، فاستقوا منها ، ومن ذلك قول الشاعر :
/ ... في الناسَ قوما يرون الغدر سيمتهم ... ومنهم كاذباً في القول لمّادا (1) 11ب
الإشكال فيه نصبه الناس ، وحقه أن يكون مجرورا بفي ، وجوابه أن في ( فِ ) فعل أمر من وفى يفي ، والناس مفعول ، وقوما حال ، ويرون تامة ، أي حال كونهم يبصرون ، والغدر مبتدأ ، خبره سيمتهم ، ومِن فعل أمر من مان إذا كذب ، والفاعل مستتر ، والهاء والميم مفعول ، وكاذبا حال مؤكدة ، ومن ذلك قول تميم بن رافع المخزومي :
أقول لعبد الله لما سقاؤنا ونحن بوادي عبد شمس وهاشما (2)
أي حين وهى سقاؤنا ، ونحن بوادي عبد شمس وهى : لم يبق فيه شيء من الماء ، اشم البرق ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... مِن أبا قاسمٍ وأُمَّ أباهُ ... ... ولِزيداً ومِنْ أباه الجهولا
مِن : فعل أمر ، وفاعله مستتر وجوبا ، أبا : مفعول ، وقاسم مضاف إليه ، وأمَّ : فعل أمر بمعنى اقصد ، أباه : مفعول لقوله أُمَّ ، ولزيداً : الواو حرف عطف ، ولِ : فعل أمر من ولي يلي ، وزيداً مفعول ، ومِن : فعل أمر، أباه : مفعول ، الجهولا : صفة لأبا ، ومن ذلك قول الشاعر :
... ... أيها الفاضل فينا افتنا ... ... وأزل عنا بفتياك العنا
... ... كيف قال نحاة العصر في ... أنا أنت الضاربي أنت أنا
/ جوابه : ... ... ... ... ... ... ... ... 12 (3) ...
... ... أنا أنت الضاربي مبتدا ... ... فاعتبره يا إماما عندنا
... ... أنت بعد الضاربي فاعله ... ... وأنا يخبر عنه باعتنا
... ... ثم أنت الضاربي أنت أنا ... ... ... خبر من أنت ما فيه افتنا
... ... وأنا الجملة عنه خبر ... ... وهي من أنت إلى أنت أنا
__________
(1) اللّمد : التواضع بالذل . اللسان ( لمد )
(2) انظر البيت في : العمدة ، نفح الطيب ، الإحاطة في أخبار غرناطة ، زهر الأكم في الأمثال والحكم .
(3) الورقة الأخيرة صفحة واحدة .(1/18)
ومن ذلك قول الشاعر :
... ... إنّ هندُ المليحةُ الحسناءَ ... ... ... وأيَ مَنْ أضمرت لخلٍّ وفاء
وجوابه الهمزة : فعل أمر ، والنون للتوكيد ، والأصل إين بهمزة ، وبإسطانه للمخاطبة ، ثم حذف الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة ، وهند منادى ، والمليحة صفة لها على اللفظ ، والحسناء إمَّا نعت لها على الموضع ، وإمَّا نعت لمفعول به محذوف ، أي عِدي يا هند المرأة الحسناء ، وعلى الوجهين إنما أمرها بإيفاء الوعد من غير أن يُعيّن لها الموعد ، وأي مصدر نوعي منصوب بفعل الأمر ، والأصل وأياً مثل وأى من ، مثله : [فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ] (1) ، وقوله : أضمرت بتاء التأنيث محمول على معنى مَن . والله أعلم .
تمت الألغاز بحمد الله وعونه ، وحُسن توفيقه ،
ونسأل الله أن يُحسن لنا الختام ،
بحرم خير الأنام ، وصلى الله
على سيدنا محمد ، وعلىآله
وصحبه ، وسلم ، عدد ما
في عِلم الله ، صلاة
دائمة ، بدوام
مُلْك
الله
م
__________
(1) القمر 42(1/19)