إيقاظ القوابل
للتقرب بالنوافل
تأليف
برهان الدين أبي العرفان
إبراهيم بن حسن الشهرزوري الكوراني
ت 1101هـ
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1430هـ/2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤلف ...
إبراهيم الكوراني (1)
إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي ، نزيل المدينة المنورة ، الشيخ الإمام العالم العلامة ، خاتم المحققين ، عمدة المسندين ، العارف بالله تعالى ، صاحب المؤلفات العديدة ، الصوفي ، النقشبندي ، المحقق المدقق ، الأثري ، المسند ، النسابة ، أبو الوقت برهان الدين .
مولده :
ولد في شوال ، سنة خمس وعشرين والف ، من الهجرة النبوية ، على صاحبها السلام والحيّة .
نشأته وتنقلاته وشيوخه :
طلب العم بنفسه ، ورحل إلى المدينة المنورة ، وتوطنها ، وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء ، كالصفي أحمد بن محمد القشاشي ، والعارف أبي المواهب أحمد ابن علي الشنأوي ، وملا محمد شريف بن يوسف الكوراني ، و عبد الكريم بن أبي بكر الحسيني الكوراني ، وأخذ بدمشق عن الحافظ النجم محمد بن محمد العامري الغزي ، وبمصر عن أبي العزايم سلطان بن أحمد المزاحي ، ومحمد بن علاء الدين البابلي ، والتقى عبد الباقي الحنبلي ، وغيرهم ، واشتهر ذكره ، وعلا قدره ، وهرع إليه الطالبون من البلدان القاصية ؛ للأخذ والتلقي عنه ودرَّس بالمسجد الشريف النبوي .
مؤلفاته :
ألف مؤلفات نافعة عديدة منها :
ـ إتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف .
ـ إتحاف الزكى بشرح التحفة المرسلة إلى النبي .
ـ الأسفار في أصل استخارة أعمال الليل والنهار (2) .
ـ إشراق الشمس بتعريق الكلمات الخمس .
ـ إفاضة العلام بتحقيق مسئلة الكلام .
ـ الإلماع المحيط بتحقيق الكسب الوسط بين طرفي الافراط والتفريط .
ـ إنباه الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا الله .
__________
(1) سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر / الموصوعة الشعرية ... ... ... ... ...
(2) وقد ذكرها في هذه الرسالة .(1/1)
ـ إيقاظ القوابل للتقرب بالنوافل (1) .
ـ بلغة المسير إلى توحيد العلى الكبير .
ـ تحقيق التوفيق بين كلامي أهل الكلام وأهل الطريق .
ـ تكميل التعريف لكتاب في التصريف .
ـ جواب سؤالات عن قول تقبل الله .
ـ جواب العتيد لمسألة أول واجب .
ـ الجواب المشكور عن السؤال المنظور .
ـ جوابات الغرأوية عن المسائل الجأوية الجهرية .
ـ حاشية شرح الأندلسية للقصيري .
ـ حسن الأوبة في حكم ضرب النوبة .
ـ شرح العقيدة المسماة بالعقيدة الصحيحة .
ـ شرح العوامل الجرجانية .
ـ المصافحة تقبل الله تعالى .
ـ ضياء المصباح في شرح بهجة الأرواح .
ـ عجالة ذوي الأنتباه بتحقيق إعراب لا إله إلا الله .
ـ العجالة فيما كتب محمد بن محمد القلعي سؤاله .
ـ قصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل .
ـ القول الجلي في تحقيق قول الإمام زين الدين بن علي .
ـ القول المبين في مسألة التكوين .
ـ المتمة للمسألة المهمة وذيلها .
ـ مسألة التقاليد .
ـ مسالك الأبرار إلى أحاديث النبي المختار .
ـ المسلك الجلي في حكم سطح الولي .
ـ مسلك السداد إلى مسألة خلق أفعال العباد .
ـ النبراس لكشف الالتباس الواقع في الأساس .
وغير ذلك من المؤلفات التي تنوف عن المائة ، وكان جبلاً من جبال العلم ، بحراً من بحور العرفان .
وفاته :
توفي يوم الأربعاء ، بعد العصر ، ثامن عشري شهر ربيع الثاني ، سنة إحدى ومائة وألف ، بمنزلة ظاهر المدينة المنورة ، ودفن بالبقيع ، رحمه الله تعالى .
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
__________
(1) وهي الرسالة التي بين أيدينا ، وهي موضع التحقيق .(1/2)
الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيراً طيّبا مباركاً فيه ، كما يُحِبُّ ربُّنا ويرضى ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله الأحد الصمد ، الغنيّ الذي يفتقر إليه كل ما في الكون طولا وعرضا ، وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله، الفاتح الخاتم ، المبعوث بدين الحق ليظهره على الدين كله ؛ فأبانه نفلاً وفرضا ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان وسلم ، صلاة وسلاما فائضي البركات ، يملآن سماء وأرضاً .
أمَّا بعد ...(1/3)
فقد قال الله : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ] (1) وقال تعالى : [وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ] (2) أي : فيما بين ذلك ، وإنما يتحقق ذلك بالحضور مع الله سبحانه في جميع تقلباته ، في الأشغال والمهمات ، وأقلّ درجات ذلك أن يستحضرعندما يتوجه لفعل ما هو مطلوبٌ ، الفعل فرضا أوسنّة ، أنّ الله أمر بهذا وجوبا أو ندبا ، وعند ترك ما هو مطلوبٌ ، الترك محرما أو مكروها أنّ الله نهى عن هذا ، وعند المُباح أنّ الله أباح هذا ، ولولا أنّه أباحه لما فعلتُهُ ، فإنْ ضُمَّ إلى هذا نيّة صالحة أُخرى فهو أزكى ، وتتفاوت الدرجات في ذلك على حسب تفاوُت مراتب الهمة ، والفهم عن الله سبحانه ؛ فتتفاوت لذلك درجات كمال الاتِّباع ، فكامل ، وأكمل ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ [ عَبْدِي ] (3) بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ [فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ ] (4) كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ) .
__________
(1) الأحزاب 41 ، 42
(2) الأعراف 205
(3) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل ، وما أثبتناه من صحيح البخاري / الموسوعة الشعرية .
(4) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل ، وما أثبتناه من صحيح البخاري / الموسوعة الشعرية .(1/4)
زاد في غير رواية البخاري : ( وفؤادَهُ الذي يَعْقِلُ به ، ولِسانَهُ الذي يتكلّمُ به ) ، والمراد بالنوافل جميع ما يُنْدَب مِن الأقوال والأفعال ، فعلى طالب الحق سبحانه أنْ يسلك بعد أداء ما افترض عليه طريق التّقرّب بالنوافل بالتزام ما يطيقه من مندوبات الأقوال والأفعال بخالص العبودية ، فإنها تُنتِج المحبّة الإلهية المُنْتَجَة ، لِما ذُكِر في الحديث .(1/5)
فمن أراد العمل على ذلك فعليه بالذكر بالغدوِّ والآصال ، وأنْ لا يكون من الغافلين فيما بين ذلك عند تقلباته في الأشغال ، وأفضل الذكر لا إله إلاّ الله ، لحديث ( أفْضلُ ما قلتُهُ أنا والنَّبيُّون مِنْ قَبلِي لا إلهَ إلاّ الله ) فإنْ كان متجرداً عن الأسباب فلينقطع للذكر ، وإنْ كان من أهل / الأسباب فليجعل منه وِرْدَاً 2 ب بحسب الفراغ ، ومن الوَسط أنْ يقول : لا إله إلاّ الله ألفاً بعد كلٍّ من الصبح والعِشاء والتهجّد ، وعند الغدوِّ يأخذ بالعُشر ، والاستغفار مائة بعد كلِّ من الأوقات الثلاثة ، فقد ورد : (مَنْ أكثرَ من الاستغفارِ ، جعلَ اللهُ له من كلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، ومِن كلِّ ضِيْقٍ مَخْرَجًا ، ورَزَقَهُ مِنْ حيثُ لا يحتَسِب ) ، وورد ( إنّ للقلوب صَدَأ كصدأ الحديد ، جلاؤها الاستغفار ) ، ويعمل بمضمون حديث ( مَنْ استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة ، كان من الذين يُستجاب لهم ، ويرزق بهم أهل الأرض ) ، ويكون ذلك بعد الصبح ، ويعمل بمضمون حديث ( مَن استغفر دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاث مرات ، فقال : أَستغفرُ الله الذي لا إله إلاّ هو الحيُّ القيوم ، وأتوبُ إليه ، غفرتُ له ذنوبَه وإنْ كان قد فرّ من الزّحف ) ، ويقول بعد الصبح كل يوم : لا إله إلاّ الله وحده , لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يُحيى ويُميت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، وإنْ تيسّر بعد كلّ فريضة ، فهو أولى ، فقد ورد بذلك الحديث أيضا ، ويقول بعد كلٍّ من الصبح والعصر : اللهم صلِّ على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ، عدد خلقك بدوامك عشرا ، ويقول بعد العاشرة : وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين ، وعلى أهل طاعتك أجمعين من أهل السموات ، وأهل الأرضين ، وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، عَدَدَ خلقك ، ورضى نفسك ، وزِنَةَ عرشك ، ومداد كلماتك ، كلَّما ذكرك الذاكرون ، وغَفَلَ عن ذكرك [(1/6)
الغافلون ] (1) ، وإنْ جعل بعد كل فريضة عشرا فهو أزكى ، وقد ورد ( مَنْ صلّى عليّ حين يُصبح عشرا ، وحين يُمسي عشرا ، أدركته شفاعتي يوم القيام ) أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، وورَدَ ( مَنْ سرَّه أنْ يلقى الله عزّ وجل راضياً فليُكثِر الصلاة عليّ ) أخرجه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها ، والإخلاص بعد كل فريضة عشراً ، فقد ورد ( مَنْ قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة ) أخرجه أبو يَعْلَى عن أنس رضي الله عنه ، وبعد ركعتي الضحى بسورتها ، والشمس وضحاها (2) ، يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، عدد خلق الله ، بدوام الله عشرا .
__________
(1) الغافلون : ساقطة من الأصل المخطوط .
(2) كتب : بسورتها ، والشمس وضحاها ، والضحى . وأغلب الظن أن كلمة والضحى زائدة ، لآنه قال بسورتها أي بسورة الضحى .(1/7)
ويس وتبارك كلّ صباح ومساء ، ويزيد في المساء بعد المغرب سورة ( ألََمَ ) السجدة ، وإن ضاق عن يس في الليل فـ ( ألَمَ ) وتبارك ، فقد صحّ عن جابر رضي الله عنه أنّه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ ( ألَمَ ) تنزيل ، السجدة / وتبارك الذي بيده الملك ، وورد مرفوعا : 3 أ ( ألَمَ تنزيل ، السجدة ، تجيء لها جناحان يوم القيامة تُظِلُّ صاحبَها ، وتقول : لا سبيلَ عليه ، لا سبيلَ عليه ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : ( مَنْ قرأ تبارك الذي بيده الملك ، وألَمَ تنزيل ، السجدة ، بين المغرب والعشاء الآخرة فكأنما قام ليلة القدر ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صلى أربع ركعات بعد العشاء الآخرة ، قرأ في الركعتين الأوليين قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، وفي الركعتين الأخريين تبارك الذي بيده الملك ، وألَمَ تنزيل ، السجدة ، كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر ) وأمَّا يس فمن حديث أنس مرفوعا عند الترمذي وغيره ( مَن قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ) وعن عقبة بن عامر ، وابن عباس ، وأبي برزة مثله ، ومن حديث قلابة عند البيهقي في شعب الإيمان : ( من قرأها فكأنما قرأ القرآن أحد عشر مرة ) ، ومن حديث معقل بن يسار عند أحمد وأبي داود والنسائي وغيرهم مرفوعا ( يس قلب القرآن ، لا يقرؤها عبد يريد الله والدار الآخرة إلاّ غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) وورد ( مَنْ صلّى ست ركعات بعد المغرب ، قبل أنْ يتكلم غُفِر له بها ذنوب خمسين سنة ) .(1/8)
وورد ( مَنْ صلّى بين المغرب والعشاء فإنها من صلاة الأوابين ) ، ويقول بعد ركعتي المغرب : مرحبا بملائكة الليل .. إلى آخر الدعاء المذكور في العوارف (1) ، وينوي بعد ركعتي المغرب في ركعتين منها ، حفظ الإيمان مع الأوابين ، ويقول بعد السلام : اللهم سدّدني بالإيمان ، واحفظه عليّ في حياتي ، وعند وفاتي ، وبعد مماتي ، كما وصّى به الشيخ محيى الدين قدّس سره في باب الوصايا في الفتوحات المكية ، قال : يقرأ فيهما الإخلاص ستا ، والمعوذتين مرة مرة ، وركعتين بعدهما بنية الأوابين فقط ، وركعتين بعدهما بنية الأوابين مع الاستخارة ، أي المطلقة التي يعملها أهل الله كل يوم لأعمال الليل والنهار ، قال الشيخ محيى الدين قدس سره : جرّبنا ذلك فوجدنا عليه كل خير ، ويقول في موضع الحاجة : اللهم إنْ كنتَ تعلم أنّ جميع ما أتحركُ فيه في حقّي ، وفي حقِّ غيري ، وجميع ما يتحرك فيه غيري في حقّي وفي حقِّ أهلي وولدي ، وما ملكت يميني مِنْ ساعتي هذه إلى مثلها من اليوم الآخر خير لي ، ويذكر الدعاء إلى آخره ، وكذلك في مقابله ، وقد أفردنا في ذلك رسالة (2) ، وأوضحنا فيها موافقتها للسنة ، كما ذكره المجد الفيروزابادي في سفر السعادة ، والسيد السمهوري في جواهر العقدين ، وذكرنا الجواب على اعتراض الشيخ ابن حجر على الشيخ شهاب الدين السهروردي قدس سره .
__________
(1) يعني كتاب عوارف المعارف للسهروردي .
(2) سماها الأسفار في أصل استخارة أعمال الليل والنهار .(1/9)
ويقول بعد كل فريضة: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم ، وأتوب إليه / ثلاث مرات ، ثم يقول : اللهم أنت السلام ... الخ ، ثم الفاتحة 3ب [ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ] (1) ، ثم يقول : اللهم إني أُقدِّم إليك بين يدي كل نَفَس ولحظةٍ ولمحةٍ وطرفةٍ يَطْرُفُ بها أهل السموات ، وأهل الأرض من كل شيء هو كائن في علمك ، أو قد كان ، اللهم إنّي أُقدِّم إليك بين يدي ذلك كله ، [اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ] ... إلى قوله [الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ] (2) ، ثم [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ] ... إلى قوله : [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ] (3) ، فيقول بعده : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ، ثم يقول : [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ]...
__________
(1) البقرة 163
(2) البقرة 255 ، والآية بتمامها [اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ]
(3) آل عمران ، 18 ، 19 ، والأيتان [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ](1/10)
إلى قوله : [ بِغَيْرِ حِسَابٍ ] (1) ، ثم يقول : اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة ، رحيمَهما ، رحماني أنت ، ترحمني ، فارحمني برحمة من عندك ، تُغنيني بها عن رحمة مَنْ سِواك ، ثم يقول : سبحان الله ( 33 ) مرة ، والحمد لله ( 33 ) مرة ، الله أكبر ( 33 ) ، ثم لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يُحيى ويُميت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا مُعطيَ لِما منعتَ ، ولا رادَّ لِما قضيت ، ولا ينفع ذا الجَدِ مِنك الجَدُّ ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم ، [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (2) الآية ، ثم يُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بما أحبّ ، ثم يختم بـ [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (3) الآية (4) .
ثم لا إله إلاّ الله عشر مرات ، هذا بعد كل فريضة .
__________
(1) آل عمران 26 ، 27 والآيتان [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ]
(2) الأحزاب 56
(3) الصافات 180 ـ 182
(4) كتب في الهامش بعد كلمة الآية : قف .(1/11)
وصل : عن عليّ رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، والآيتين من آل عمران شهد الله أنه لا إله إلاّ هو ، وقل اللهم مالك الملك ... إلى وترزق من تشاء بغير حساب ، معلقتان بالعرش ما بينهن وبين الله حجاب ، قُلن يا رب تهبطنا إلى أرضك ، وإلى مَنْ يعصيك ، فقال الله عزّ وجل : حلفت لا يقرأكنّ أحدٌ من عبادي دبر كل صلاة إلاّ جعلت الجنة مثواه على ما كان منه ، وإلاّ أسكنته حظيرة القدس ، وإلاّ نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة ، وإلاّ قضيت له كل يوم سبعين حاجة ، أدناها المغفرة ، ولأُعيذه من النار ، ومن كلِّ عدوٍّ ، ونصرته عليه) . أخرجه ابن حبان في الضعفاء ، وابن السُّنِّي في عمل اليوم والليلة ، وأبو منصورالشّحامي في الأربعين ، كما في الجامع الكبير للحافظ جلال الدين السيوطي ، قال : وقد سُئل الحافظ أبو الفضل العراقي عن هذا الحديث فقال : رجال إسناده وثّقهم المتقدمون ، وتكلّم في بعضهم المتأخرون ، وساق الكلام في رجاله ، إلى أن قال : وقد أفرط ابن الجوزي ، فذكر هذا الحديث في الموضوعات ، ولعله استعظم ما فيه من الثواب ، وإلاّ فحالُ رواته كما ترى ، انتهى .
/ ومن حديث ابن عباس عند الحكيم الترمذي ، عن جبريل عليه السلام( إنّ 4 أ ربك يقول : مَن قال في دبر كل صلاة مكتوبة مرة واحدة : اللهم إني أُقدِّم اليك بين يدي كل نَفَس ولمحةٍ وطرفةٍ يطرف بها أهل السموات ، وأهل الأرض من كل شيء هو كائن في علمك ، أو قد كان ، أُقدِّم بين يدي ذلك كله ، الله لا إله إلاّ هو الحي القيوم ... إلى قوله العلي العظيم ، فإنّ الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة إلاّ يصعد إليَّ منه فيها سبعون ألف ألف حسنة حتى يُنفخَ في الصور ، وتُشغل الملائكة ) .(1/12)
وهذا ما وصّى به الشيخ محيى الدين قُدِّس سره في الباب (560 ) من الفتوحات ، قال : وكذلك تقول في إثر كل صلاة فريضة إذا سلّمت منها ، قبل الكلام : اللهم إني أُقدِّم إليك بين يدي كل نَفَس ولمحةٍ ولحظةٍ وطرفةٍ يَطْرُفُ بها أهل السموات ، وأهل الأرض وكل شيء هو كائن في علمك ، أو قد كان ، اللهم إنّي أُقدِّم إليك بين يدي ذلك كله ، الله لا إله إلاّ هو الحي القيوم ... الخ ، فقيَّد بقوله قبل الكلام ، وزاد لحظة واللهم وَ ذكر مكان من الواو ، فليواظب الراغب في الخيرات على ذلك ، ففيه خير كثير ، وبالله التوفيق .
وعن الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه المسمى بالدلالة على الله تعالى ، عن سيدنا الخضر عليه السلام أنه سأل من اجتمع بهم من الأنبياء عن استعمال شيء يأمن به العبد من سلب الإيمان فلم يجبه ، حتى اجتمع بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن ذلك ، فسأل عنه جبريل عليه السلام ، فسأل عنه رب العزة ، فقال الله عزّ وجل : مَن واظبَ (1) على قراءة آية الكرسي ، [ وآمن الرسول ]... إلى أخر السورة ، [ وشَهِد الله ] ... إلى قوله [ الإسلام] ، و[ قل اللهم مالك الملك ] ... إلى [ بغير حساب ] ، وسورة الإخلاص ، والمعوذتين ، والفاتحة عقب كل صلاة أَمِنَ من سلب الإيمان ، انتهى .
فينبغي أن يُجمع بين الروايتين ، فيزيد [ آمن الرسول ] بعد آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين ، بعد قوله [ بغير حساب ] ، والدعاء المذكور بعده .
__________
(1) كتب : واضب ، والصواب ما أثبتناه . وَظَبَ على الشيء وُظوباً: دامَ. أبو زيد: المواظبة: المثابرة على الشيء . الصحاح ( وظب )(1/13)
ويقول كل يوم بعد الصبح : يا الله ، يا واحد ، يا أحد ، يا جواد انفحني منك بنفحة خير ، إنّك على ما تشاء قدير ( 11 ) مرة ، ويكون ابتداؤه من يوم الخميس ، بعد قراءة الفاتحة . لغوث الثقلين قدس سره ، ومشايخ السلسلة من السابقين واللاحقين ، كما شرطه المشايخ ، قال شيخنا قدس سره : وهو عمل غوث الثقلين ، وصل إلى هذا الفقير من شيخه ، ومفتاح قفل نشأته ، الأكمل أحمد بن علي الشنأوي قدس سره ، انتهى .
ويقول : يا عزيز كل يوم بعد الصبح أيضا ( 41 ) مرة ، ويا إله الآلهة ، الرفيع جلاله( 15 ) مرة، ويا قيُّوم، فلا يفوتُ شيءٌ من علمِهِ، ولا يؤدُهُ ( 27 ) مرة ، وإنْ وَسِعَ الوقت قال: سبحان الله وبحمده /سبحان الله العظيم ( 100)4ب
وورَدَ ( مَنْ قال : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله ، وأتوب إليه كُتبت كما قالها ، ثم عُلِّقت بالعرش ، لا يمحوها ذنب عملها صاحبها حتى يلقى الله (1) ، وهي مختومة (2) كما قالها ) ، رواه الطبراني عن ابن عباس .
وورد من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطَّت خطاياه وإنْ كانت مثل زبد البحر .
__________
(1) كتب : حتى الله ، وما أثبتناه من الحاشية ، حيث كُتب : لعله حتى يلقى الله .
(2) كتب : وهي مختومة وهي مختومة . وأظنه تكرار من الناسخ .(1/14)
ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، ومَنْ زاد زاده الله ، وصحّ عن عليّ وابن عباس ، وغيرهما رضي الله عنهم حديث صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيام من كل شهر يُذْهِبْنَ وَضَرَ الصَّدر ، الوضر : الحقد ، والغيظ ، والغش ، وما يفيد التخلية من مهمات السالك العامل على جلاء قلبه ، مع ما صحّ من حديث صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ، وفي رواية صوم الدهر وإفطاره ، فإنْ وَجَدَ من نفسه قوّة فليصُم من شوال سِتا ، ومن ذي الحجة التسع الأول ، وهذا وِرْدُ شيخنا قُدِّس سره ، حتى أنه ما تركَ صومها في آخر سني عمر ، وكانت وفاته قُدِّس سره في ذي الحجة من شهور سنة ( 1071 ) الموافق لسنة ( 81 ) من عمره قُدِّس سره ، ولم يُفطر مع كون الصوم شاقا عليه لكِبَر السِّن ، وضعف البدن ، وحرارة الوقت ، لكونه وافق صيف الحجاز ، رَوَّح الله روحه ، وأعلى في المقربين فتوحه ، آمين .
وعن جابر : ( مَن صام العشْر كُتِب بكل يوم صوم سنة، غير يوم عرفة ، فإنه مَنْ صام يوم عرفة كُتِب له صوم سنتين ) ، رواه ابن النجار ، كما في الجامع الكبير للسيوطي .
وعن أبي هريرة : ( ما من أيام من أيام الدنيا أحبّ إلى الله أنْ يُتعبَّد له فيها من أيام العشر ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر) ، رواه البيهقي ، وغيره .
وعن ابن عباس : ( ما مِن أيام أفضل عند الله ، ولا العمل فيهن أحبّ إلى الله تعالى من هذه العشر ، فأكثروا فيها من التهليل والتكبير (1) ، وإنّ صيام يوم منها يعدل صيام سنة ، والعمل فيها يُضاعَف سبعمائة ضعف) . رواه البيهقي . وشيخنا الإمام قدس سره كان يأمر أصحابه بإحياء هذه الليالي العشر بقراءة القرآن كل ليلة عشرة أجزاء بالمدارسة ، ففي كل ثلاث ليال ختمة ، وليلة العيد ختمة كاملة بالتقسيم .
__________
(1) كتب : من التهليل والتكبير والتهليل ، ولعله تكرار من الناسخ .(1/15)
هذا ومن الأيام الفاضلة يوم عاشوراء ، ويوم النصف من شعبان (1) ، وورد في فضائل رجب أحاديث بأسانيد ضعيفة ، لا بأس بالعمل بها ، فإن وَجَد من نفسه قوة فليعمل بها رجاء فضل الله ، فمنها : ( صوم أول رجب كفارة ثلاث سنين ، والثاني كفارة سنتين ، والثالث كفارة سنة ، ثم كل يوم شهر )، رواه الخلال عن ابن عباس .
ومنها : ( في رجب يوم وليلة مَنْ صام ذلك اليوم ، وقام تلك الليلة ، كان كمن صام من الدهر مائة سنة / وقام مائة سنة ، وهو لثلاث بقين من رجب ) 5 أ. ومنها : ( مَن صام سبعة أيام غلّقت عنه سبعة أبواب من جهنم ، ومن صام ثمانية أيام فُتحت له ثمانة أبواب من الجنة ) .
ومَن وجد قوّة من نفسه ، فقد ورد : ( أفضل الصيام صوم أخي داود ، كان يصوم يوما ، ويُفطر يوما ، ولا يفرُّ إذا لاقى ) . رواه الترمذي وغيره عن ابن عمرو ، والنكتة في هذا التذييل أنّ مَنْ تعوَّد الصوم بعد الفطر ، وتكرر منه ذلك بمثل صوم داود ، كان كرّارًا غير فرارٍ في جهاد نفسه ، التي هي أعدى أعدائه ، ومَنْ كان كذلك لا يفرّ إذا لاقى ، فيشير الحديث إلى أنّ مِنْ فوائده الثبات عن اللقاء .
وقد ورد : ( الصائم بعد رمضان كالكارِّ بعد الفارِّ) ، أخرجه البيهقي عن ابن عباس ، وبالله التوفيق .
__________
(1) كتب : الشعبان .(1/16)
وصل . الطريق إلى التمكين في الحضور مع الله تعالى في جميع التقلبات ، أنْ يعمل على قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الإيمان أن تعلَمَ أنّ الله معك حيث كنت ) ، فإنّ استحضار ذلك بالتعمّل أولاً ، والتدريج حتى يرسخ طريق إلى ترك المنهيات ، وفعل المأمورات ، إمَّا حياءً من الله ، أوتعظيما له ، ويشير إلى الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أنْ تعبد الله كأنك تراه ) وإلى الأول : ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، والأول مرقاة إلى الثاني ، فإن مقام التعظيم أرقى ؛ لقطع منازعة النفس حينئذ ، وأمَّا مقام الحياء فقد يكون معه بعض منازعة النفس ، فإذا عمل على ذلك حتى تمكن ، استقام بإذن الله القيّوم ، والاستقامة هي المقول فيها إنها أكبر كرامة ، فإنها مع أنها لا مكر فيها ، ولا استدراج قيام بحق العبودية بمقتضى الموطن ، فإنّ هذا الموطن دار التكليف ، فالعاقل مَنْ يُعطي الموطن حقّه من القيام بحق العبودية المطلوبة منه ، والدار الآخرة موطن الجزاء ، فلا ينبغي تضييع الوقت بالاشتغال بنتائج الأعمال ، وتعلق الهِمّة بها ، بل لا يكون همُّهُ إلاّ خالص العبودية ، وأمَّا أمر تقديم النتائج وتأخيرها فيفوضه إلى الله ، فإن قدَّم شيئا منها من غير طلب منه ، كان طاهرا من الحظ ، سالما من الآفات ولله الحمد ، وإنما كانت (1)
__________
(1) كتب : كان ..(1/17)
الاستقامة سالمة من المكر ؛ لأنها اتِّباعُ الشَّرع على وجه الكمال، وفائدة الشرع الأمن من المكر ؛ لأن الله ما بعث الأنبياء ليمكر بهم ، بل ليبيِّنوا طريق السعادة ، كما قال تعالى [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] (1) واللازم باطل بالنص ، فكذا الملزوم ، فمَن أحكمَ بدايته ، وسلك منهج الشرع القويم من غير خلط ببدعة بحسب الوسع ، ثم انفعل عن همته شيء ، كان مصحوبا بالسعادة والأمن مِن المكر ، وأمَّا الهمم المؤثرة من غير إحكام البدايات بالأوامر الشرعية ، فيصحبها المكر ، نعوذ بالله من ذلك .
/ قال الشيخ نفع الله به في الباب (463) : وليست الكرامات في عُرف هذا 5 ب اللسان إلاّ خرق العوائد مع الاستقامة في الحال ، أو تنتج الاستقامة في الفور ، لا بدّ من ذلك عندهم ، وسبب هذا التحديد أنّ خرق العادة قد لا يكون كرامة من الله للعبد .
لما قال في مواقع النجوم : إنّ الكرامات من حيث هي كرامات لأهل الوصول المحققين ، أهل العناية ، ومِن حيث هو خرق عوائد قد ينالها الممكور به المستدرج .
__________
(1) النساء 165(1/18)
وقال في الباب ( 184 ) : الكرامة على قسمين ، حسّية ومعنوية ، فالعامة ما تعرف الكرامة إلاّ الحسيَّة ، مثل الكلام على الخاطر ، والإخبار بالمغيبات الماضية ، والكائنة ، والآتية ، والأخذ من الكون ، والمشي على الماء ، واختراق الهواء ، وطيّ الأرض ، والاحتجاب عن الأبصار ، فالعامة لا تعرف الكرامة إلاّ مثل هذا ، وأمَّا الكرامة المعنوية فلا يعرفها إلاّ الخواص من عباد الله ، وهي أن يحفظ عليه آداب الشريعة ، وأنْ يُوفّقَ لإتيان مكارم الأخلاق ، واجتناب سفاسفها ، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها ، والمسارعة في الخيرات ، وإزالة الغِل والحقد من صدره للناس ، والحسد ، وسوء الظن ، وطهارة القلب من كلّ صفة مذمومة ، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس ، ومراعاة أنفاسه في خروجها ودخولها، فيتلقّاها بالأدب إذا وردت عليه ، ويخرجها وعليها خلعة الحضور، فهذه كلُّها عندنا كرامات الأولياء المعنوية، التي لا يدخلها مكر ، ولا استدراج ، بل هي دليل على الوفاء بالعهود ، وصحة العقد ، والرضا بالقضاء في عدم المطلوب ، ووجود المكروه ، ولا يُشاركك في هذه الكرامات إلاّ الملائكة المقرّبون ، وأهل الله المصطَفَوْن الأخيار ، وأمَّا التي ذكرنا أنّ العامة تعرفها فكلّها يمكن أنْ يدخلها المكر الخفي ، ثم إنَّا فرضناها كرامة ، فلا بدّ أن تكون نتيجة عن استقامة ، فإنّ الحدود الشرعية لا تنصبُ حبالة للمكر الإلهي ، فإنها عين الطريق الواضحة إلى نَيْل السعادة ، فإذا ظهر شيء عليه من كرامات العامة ضجَّ إلى الله منها ، وسأل الله أنْ يستره بالعوائد ، وأنْ لا يتميز عن العامة بأمر يُشار إليه فيه ، ما عدا العلم ؛ لأنّ العلم هو المطلوب ، وبه تقع المنفعة . انتهى الغرض منه هنا .(1/19)
وقال قدّس سره في التجلّيات مِن تجلي الوصيّة ما هذا نصّه : أوصيك في هذا التجلّي بالعلم ، وتحفّظ من لذات الأحوال ، فإنها سموم قاتلة ، وحُجب مانعة ، فإنّ العلم يستعبدك له تعالى ، وهو المطلوب منك ، ويحضرك / معه ، والحال6 أ يسوِّدك على أبناء الجنس ، فيستعبدهم لك قهر الحال ؛ فتتسلّط عليهم بعون الربوبية ، وأين أنت في ذلك الوقت مما خُلِقت له ، فالعلم أشرف مقام ، فلا يفوتك .
انتهى ، وبالله التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .
وصل . ورد في الصحيح مرفوعا : ( إنّ لله ملائكة يطوفون في الطريق ، يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادَوْا هلموا إلى حاجتكم ؛ فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، فيسألهم ربهم ، وهو أعلم بهم منهم : ما يقول عبادي .. ) وساق الحديث إلى أنْ قال : ( فيقول الله فأُشهِدُكُم أنّي قد غفرت لهم ، فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان، ليس منهم، إنما جاء لحاجة )، وفي رواية ( فيقولون إنّ فيهم فلاناً الخطّاء ، لم يُردهم ، إنما جاء لحاجة ) وفي رواية ( يقولون ربّ فيهم فلان ، عبد خطّاء ، إنما مرّ فجلس معهم ، قال : هم الجلساء ) وفي رواية ( هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم ) وفي رواية ( لا يشقى لهم جليس ) زاد في رواية ( وله قد غفرت ، هم القوم ...) الخ ، فإذا كان الله تعالى من فضله ورحمته واعتنائه بأهل الذكر يغفر لِمَن جالسهم صورة ، وليس منهم حقيقة ، بل إنما لابسهم بمجالسةٍ صُورية ، فكيف إذا جالسهم وشاركهم في الذكر ، وأمَّا مَنْ ضَمَّ إلى ذلك محبتهم ، والحرص على الاقتداء بهم ، واقتفاء أثرهم ، والتَّخلُّق بأخلاقهم ، بحسب الوسع والوقت والإيمان ، بما وهبهم الله من العلوم الإلهية المُفاضة عليهم ببركات التقوى ، والاتّباع للسنة المُطهّرة ، مما هي فوق طورالعقول من حيث أفكارها ، لا مِن حيث قبولها للفيض الإلهي ، فإنه حريٌّ بأن يلحق بهم ، فضلاً من الله ونعمة .
خاتمة :(1/20)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ قال حين يُصبح : [فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ] (1) .. الآية كلها ، أدرك ما فاته في يومه ذلك ، ومن قالهن حين يُمسي أدرك ما فاته في ليله ) رواه أبو داود في سننه ، وسكت عليه ، قال الحافظ ابن حجر : وقد وجدت للحديث شاهدا بسند معضل ، لا بأس برواته ، ثم ساق سنده إلى محمد بن واسع ، قال : ( مَن قال حين يُصبح ثلاث مرات [فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ] ... إلى آخرها ، لم يفته خير كان قبله من الليل ، ولم يدركه يومه شرّ ، ومن قالها حين يمسي مثله ، وكان /إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح6ب وثلاث مرات إذا أمسى) ثم قال ابن حجر : ولبعض حديثه شاهد بسند ضعيف أيضا ، مُصرّح برفعه ، ثم ساق سنده إلى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ألا أُخبركم بمن سمّى الله خليه الذي وفّى ؛ لأنه كان يقول كلما أصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) انتهى .
__________
(1) الروم 17 ، 18(1/21)
قال في الأذكار : وروينا في كتاب ابن السُّنِّي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قال إذا أصبح اللهم إنّي أصبحت منك في نعمة وعافية وستر ، فأتمّ نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ثلاث مرات إذا أصبح ، وإذا أمسى ، كان حقّاً على الله أن يُتمّ عليه ) قال الحافظ ابن حجر : ووجدت لحديث ابن عباس شاهدا ، وساق سنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : صلّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته دعا بهذا الدعاء : ( اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية ، فأتمَّ عليّ نعمتك وعافيتك ، وارزقني شكرك ، اللهم بنورك اهتديت ، وبفضلك استغنيت ، وبنعمتك أصبحت وأمسيت ) ، انتهى .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
قال المؤلف : تمّ الإلحاق ليلة الأحد (18) رجب ، سنة (1079) عمّها الله بالخيرات والبركات والأمن بمنّه وفضاه ، آمين .
فرغ من كتابة هذه النسخة المباركة الميمونة المنسوبة لمولانا الشيخ إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني المدني الشافعي ، وذلك بقلم مالكها الفقير إلى الله ، راجي عفو سيده ومولاه محمد بن هندي ، عامله الله بفضله ، وجعله من محبي العلم وأهله في ضحى يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة 1229.
وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله
وصحبه
وسلم.(1/22)