إعلام أولى النهى أن تقدم دول الغرب ليس بسبب كفرها و تأخر دول الإسلام كان بسبب عدم تمسكها بإسلامها
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فهذه كلمة إلى كل منبهر بحضارة الغرب الحديثة و تقدمهم العلمي ، ويتوهم أن هذه الحضارة و هذا التقدم سببه الكفر و الإلحاد و عندما ينظر لدول الإسلام اليوم يجد التخلف الحضاري و العلمي فيتوهم أن سبب هذا التخلف و التأخر هو الإسلام فلا تلازم بين التقدم و صحة الدين و المعتقد إنما التلازم بين التقدم و الأخذ بأسبابه ، و لا تلازم بين التخلف والتمسك بالإسلام إنما التلازم بين التخلف و الأسباب المفضية له و ليس التمسك بالإسلام سبب من الأسباب المفضية للتخلف بل التمسك بالإسلام سبب من أسباب الرقي .(1/1)
و الإسلام لغة هو الانقياد والخضوع والإذعان والاستسلام والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض (1) و أما الإسلام اصطلاحاً فهو الدين الذي أنزل على محمد ،وهو عقيدة و شريعة و أخلاق (2) ، أو الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك (3) ، و التقدم لغة من تقدَّم أي سار أو انتقل إلى الإمام، و لفظ التقدم يشير إلى أي حركة تتجه وجهة مرغوباً فيها، وإلى التحول المتدرج من حال إلى ما هو خير منها ، و التقدم اصطلاحا هو مصطلح اقتصادي يتمثل في قدرة الدول على مواكبة التطور الاقتصادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعي والازدهار الثقافي بسبب استغلالها الجيد والعقلاني لمواردها الطبيعية والبشرية المتوفرة .
__________
(1) - انظر لسان العرب مادة سلم ، والمصباح المنير للفيومي مادة سلم وانظر معجم لغة الفقهاء للقلعجي ص 68 انظر القاموس الفقهي ص 181 مادة سلم
(2) - معجم لغة الفقهاء للقلعجي ص 68
(3) - 200 سؤال وجواب في العقيدة الإسلامية للشيخ حافظ الحكمي ص 12 مكتبة العلم(1/2)
تقدم الدول له أسباب و الدول التي تأخذ بأسباب التقدم تتقدم أما الدول التي لا تأخذ بأسباب التقدم فتتأخر و كلما زاد الأخذ بأسباب التقدم زاد التقدم و كلما قل الأخذ بأسباب التقدم قل التقدم و من أسباب التقدم الجدية في العمل و الاجتهاد فيه فمن جد وجد ومن زرع حصد و من أسباب التقدم أيضا توفير الخبرات الفنية فكيف يقوم تقدم بلا خبرات فنية ؟!! و نقص الخبرات الفنية يؤدي إلى تأخر إنتاجية العمل وانخفاض الدخل القومي و من أسباب التقدم أيضا توفير الأيدي العاملة المُدربة فكيف يقوم تقدم بلا أيدي عاملة مدربة ؟!! و من أسباب التقدم أيضا توفير الأموال لشراء الأدوات و المعدات ودفع أجور العاملين و بناء المصانع و الدول الفقيرة ليس لديها أموال كافية لبناء المصانع و شراء الأدوات و المعدات فكيف تتقدم ؟!!! و تجد في الدول الفقيرة جزء كبير من ثروات البلد غير مستغلة و في حالة استغلالها لا تستغل الاستغلال الأمثل و من أسباب التقدم الاهتمام بالبحث العلمي ،و للبحث العلمي دور مهم وفاعل في تنمية ورفعة المجتمعات. ففي كل عصر هنالك تحديات جديدة تواجه الإنسان في كل مجالات الحياة، كانتشار أوبئة غريبة أو تفاقم بعض الأخطار التى من شأنها تهديد البيئة بشكل مباشر أو حدوث خلل في استخدام الموارد والثروات الطبيعية. عندئذ لا بد من أن تملك المجتمعات ثقافة البحث العلمي الجاد التى من شأنها إيجاد الحلول والمفاتيح لهذه المعضلات ، و من أسباب التقدم توفر وسائل المواصلات المتنوعة ،و من أسباب التقدم أيضا توفير المواد الخام و من أسباب التقدم أيضا توفير المصانع و توفير الأسواق المُستهلكة لما تنتُجُه المصانع ،و من أسباب التقدم أيضا توفر مصادر الطاقة و من أسباب التقدم أيضا وجود النظام العادل الذي يُشجع العمل ، و يمنع الظلم و الطغيان .(1/3)
و الدول الغربية اليوم أخذت بأسباب التقدم فأصبحت متقدمة فهي دول عملية تفعل ما تقول ،و تقول ما تفعل و عندما تؤثر فيها قضية تفكر مباشرة بحلها و لو على حساب راحتها أما الدول الإسلامية اليوم فلم تأخذ بأسباب التقدم فأصبحت متخلفة فهي دول غير عملية لا تفعل ما تقول و لا تقول ما تفعل ، و الدول الغربية اليوم عندها نظام عادل يشجع العمل و يمنع الظلم والطغيان و لا فرق بين رئيس الدولة و أي فرد فيها أمام القانون و هناك احترام للآراء أما الدول الإسلامية اليوم فحدث و لا حرج من نهب الثروات و استبداد الآراء والرشاوي و السرقات و عدم وضع كل شخص في المكان الذي يليق به ،و الدول الغربية استفادة من حضارة المسلمين و قد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة لعلوم المسلمين. و كان ذلك هو الأساس الذى بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة ،و العلوم في الحضارة الإسلامية قد بلغت ذروتها في القرنين السابع والثامن الهجري، مثل اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية، وعرض لسان الدين الخطيب لقضية العدوى، ووضع علم حساب المثلثات من قبل نصير الدين الطوسي، والاكتشافات المتعددة في علم الرياضيات لغيّاث الدين الكاشي، وتأسيس ابن خلدون لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع في القرنين السابع والثامن من الهجرة أما الدول الإسلامية فلم تستفد من حضارتها ، ولا ينبغي نسيان أن الاحتلال و الاستعمار الذي عاشت فيه الدول الإسلامية عشرات السنيين له دور في تأخرها في حين أن الدول الكافرة أخذت في الرقي في علوم المادة و الصناعات .(1/4)
و الذي يعرف الشريعة الإسلامية يعرف أن التمسك بالإسلام من أسباب التقدم و عدم التمسك بالإسلام من أسباب التخلف فقد حث الإسلام على العمل فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» (1) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (2) . و دعى الإسلام لإتقان العمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه » (3) و دعى الإسلام لعلو الهمم و الجدية في كل شيء نافع و من ضمن الأشياء النافعة العمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها » (4) و نهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل من سرقة و رشوة و غصب و ربا وغير ذلك قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } (5) أي : يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق, إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم, ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه.
__________
(1) - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 5546
(2) - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 5041
(3) - حديث حسن كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 1880
(4) - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 1890
(5) - النساء الآية 29(1/5)
إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به, ونهاكم عنه (1) ،و أمر الإسلام بإعداد ما استطعنا من قوة للحفاظ على بلادنا و محاربة أعدائنا قال تعالى : { و َأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } (2) فهذا أمرٌ جازمٌ بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة على اختلاف صنوفها وأسبابها ولو بلغت القوة من التقدم ما بلغت ،والقوى عديدة فالإعلام قوة ، و الأقمار الصناعية قوة و الصناعة قوة و الاقتصاد قوة و العلم قوة و الطب قوة ، وليس الإعداد للعدو مقتصر ا على إعداد الرجال على تدريبهم فيها على وسائل الحرب وأساليبها ومعداتها المباشرة للقاء العدو بل الإعداد للعدو أشمل من ذلك ،هو أن تسعى للتتفوق على الأمم الأخرى في كل مجال نافع، لأنها أخرجت للناس لتهديهم وتقودهم إلى الله سبحانه، وهذه القيادة تقتضي تفوقها على غيرها، تفوق أفرادهم على أفراد الأمم الأخرى، كل في اختصاصه وتفوق مجتمعهم على المجتمعات الأخرى في العلوم الإنسانية: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، وفي العلوم الكونية: الطبية، والفلكية، والتجارية، والصناعية والجغرافية، وغيرها، لأنها مجالات يكمل بعضها بعضا. ولا يمكن أن تنهض أمة وتفوق غيرها، أو تلحق بركاب الأمم المتقدمة في مضمار الحياة، مالم تكن حائزة على قدر كاف من العلوم الإنسانية والعلوم الكونية.
__________
(1) - التفسير الميسر
(2) - الأنفال الآية 60(1/6)
والفرق بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى، أن الأمة الإسلامية تأخذ توجيهها في علومها الإنسانية من الله الخالق، الذي آمنت به وبكتابه ورسوله، وأيقنت أن كل توجيه يخالف توجيه الخالق فيه الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة،كما أنها تبني علومها الكونية على إيمانها بخالقها، فتستغل كل طاقاتها في طاعة الله سبحانه. بخلاف الأمم الأخرى، فإنها تضع لعلومها الإنسانية أصولا وقواعد من عند نفسها، ولا تخضع لتوجيه الباري سبحانه، كما أنها تبني علومها الكونية على الفصل بين الإيمان بالله وتلك العلوم، فتستغل طاقاتها وما سخره الله لها فيما ترسمه لها أهواؤها بعيدا عن توجيه الله. وبهذا يظهر أن الأمة الإسلامية يجب أن تجاهد وتكافح في كل مجال من مجالات الحياة، ولا تقتصر على مجال دون مجال، وإن كان بعض هذه المجالات قد يكون أولى بالاهتمام من غيره في بعض الأوقات، على حسب الظروف والأحوال. فلا بدَّ من إعداد رجال مهرة في السياسة الشرعية، وهي السياسة التي رسمها الكتاب السنة، وشرحها علماء الإسلام قديماً وحديثاً على ضوء المبادئ الإسلامية، مع تعمقهم في أصول سياسات الأمم، وما يوافق منها الإسلام وما يخالفه، ومعرفة عيوب تلك السياسات لتجنبها وفضحها وبيان أضرارها.(1/7)
وكذلك لا بد من معرفتهم بالقوانين الدولية المتعلقة بحالة السلم وحالة الحرب، وما فيها كذلك من موافقة ومخالفة للإسلام، وما فيها من عيوب تعود بالضرر على المجتمع الدولي لتعرية ذلك الضرر وكشفه ولا بد كذلك من إعداد رجال مهرة في علم الاقتصاد الإسلامي، ليرسموا للأمة الإسلامية المنهاج الناجح، في استغلال خيراتهم واستثمار أموالهم وتصريفها والحول بينها وبين استغلال أعداء الله لها، مع اجتناب جمع الأموال من مصادر محرمة، أو إنفاقها في مصارف محرمة، ويجب أن يكونوا على اطلاع واسع على علوم الاقتصاد الأجنبية، لمعرفة ما يقره الإسلام منها وما لا يقره، ليكون التعامل مع غير المسلم ولا بد من إعداد رجال مهرة في التربية والتعليم، يضعون خططا ومناهج مرحلية مفيدة للمسلمين، تكون مبنية على أصول الإسلام محققة للأهداف التي يصبو إليها المسلمون، تكتشف بها مواهب الناشئة من أبنائهم التي يوجهون على ضوئها للتخصصات المتنوعة النافعة، بعد أخذهم جميعا ما يجب عليهم عينا تعلمه في أمور دينهم. ين مبنيا ًعلى ما أحله الله ورسوله، لا على ما حرمه الله شرعاً أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم. ولابد من إعداد رجال مهرة في توجيه وسائل الإعلام، يشرفون على الأجهزة الإعلامية من إذاعة مسموعة، ومرئية، وصحافة مقروءة وغيرها، ليقوموا بوضع خطط تحقق مناهجها إشباع الرغبات المتنوعة للأمة الإسلامية، في حدود الآداب الإسلامية البعيدة عن الإفراط والتفريط. ويجب أن تتعاون أجهزة الإعلام مع مؤسسات التعليم والمجتمع، على تربية الناشئة على الحقائق الإيمانية والأعمال الصالحة، وتكون وسيلة لتعليم كل أفراد الأمة على اختلاف مستوياتهم وتخصصاتهم، وتبث فيهم روح الجهاد والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل الله، وتعرفهم على تاريخ أسلافهم الصالحين الذين حملوا راية الإسلام عالية حتى سلموها إليهم، مع بيان الثغرات التي حصلت في هذا التاريخ فشوهته أو حطمت بعض معالمه.(1/8)
وتبث في روح أطفاله حب الله وحب رسوله، والرغبة في دخول الجنة والبعد عن النار، مع بيان ما يحقق ذلك كله، وترغبهم في حفظ كتاب الله والإكثار من قراءته والعمل به، وتختار لهم بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحث على الخلق الفاضل والفروسية والرجولة والشجاعة، وتلهب مشاعرهم بالشعر الحماسي والأناشيد الإسلامية الخفيفة وهكذا. ولا بد من إعداد رجال مهرة في الطب بكل أنواعه وتخصصاته، كما أنه لا بد من إعداد رجال مهرة في جميع الصناعات والمهن التي لا يستغنى عنها، وأي تقصير في أي مجال من هذه المجالات وغيرها، فإنه يؤثر على الأمة الإسلامية ويضر بها وإن كانت متفوقة في غيره. ويأتي بعد ذلك إقامة المصانع الحربية وتدريب الرجال على جميع أنواع الأسلحة (1) .
__________
(1) - الجهاد في سبيل الله للدكتور عبد الله الأهدل(1/9)
و الذي يقرأ التاريخ يلاحظ أنه الإسلام قد استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوره أن يقيم حضارة باهرة كانت من أطول الحضارات عمرًا فى التاريخ. و الشواهد على ذلك ما خلفه المسلمون من علم غزيز فى شتى مجالات العلوم والفنون ، وتضم مكتبات العالم آلافًا مؤلفة من المخطوطات العربية الإسلامية تبرهن على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة مما يدل أنه يوم أن كان العرب مؤمنون موحدون سادوا الأمم و تعلمت منهم الأمم العلوم المختلفة و لما لا و الإسلام يدعو إلى الصلاح و الإصلاح في أمور الدين والدنيا، و يحث على تعلم العلوم النافعة التي تخدم البشرية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل » (1) و الإسلام ينهى عن أي ضرر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لاضرر ولا ضرار » (2) ،و الضرر هو إيصال الأذى للغير، بما فيه منفعة للموصل، والضرار إيصال الأذى للغير بما ليس لموصل الأذى نفع فيه، يعني : أن الضرر هو أن تضر بأحد لكي تنتفع، فإذا وصله ضرر: أذى معين، انتفعت أنت بذلك و الضرار أن توصل الأذى دون فائدة لك ولا مصلحة، و الإسلام يدعو إلى كل ما من شأنه تقوية العزائم، وإنهاض الهمم؛ كي تقوى الأمة، وتتبوأ مكانها اللائق بها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها
__________
(1) - حديث حسن كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 167
(2) - صححه الألباني في إرواء الغليل 2175(1/10)
ويكره سفسافها » (1) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان » (2) و سوف لا انقل كلاما على مدى ما وصل له المسلمون من حضارة من كلام المسلمين أنفسهم بل سأنقل كلام الغرب المنصفين يقول المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد : (( كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى )) (3) و يقول المستشرق الألماني أدم متز : (( لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة )) (4) و المستشرق الفرنسي كارادى فو : (( والسبب الآخر لاهتمامنا بعلم العرب هو تأثيره العظيم في الغرب، فالعرب ارتقوا بالحياة العقلية والدراسة العلمية إلى المقام الأسمى في الوقت الذي كان العالم المسيحي يناضل نضال المستميت للإنعتاق من أحابيل البربرية وأغلالها، لقد كان لهؤلاء العلماء (العرب) عقول حرة مستطلعة )) و يقول المستشرق الفرنسي جوستاف لبون : (( وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وأفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين
__________
(1) - حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 1890
(2) - حديث حسن كما في صحيح الجامع الصغير للألباني حديث رقم 6650
(3) - مجلة حراء ( مجلة علمية ثقافية فصلية ) العدد : 9 ( أكتوبر – ديسمبر ) 2007
(4) - مجلة حراء ( مجلة علمية ثقافية فصلية ) العدد : 9 ( أكتوبر – ديسمبر ) 2007(1/11)
مدّنُوا أوروبا مادة وعقلاً )) و يقول المؤرخ سديو : (( لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوروبيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى )) فالتمسك بالإسلام سبب للرقي و التقدم و سيادة الأمم و ترك التمسك بالإسلام سبب للتأخر و التخلف .
و نخلص من هذا أن بعدم التلازم بين التقدم و صحة الدين و المعتقد إنما التلازم بين التقدم و الأخذ بأسبابه ، و لا تلازم بين التخلف والتمسك بالإسلام إنما التلازم بين التخلف و الأسباب المفضية له و ليس التمسك بالإسلام سبب من الأسباب المفضية للتخلف بل التمسك بالإسلام سبب من أسباب الرقي و تأخر دول الإسلام سببه عدم التمسك به . هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد سيد بكالوريوس الطب والجراحة السبت 20 محرم 1430 هـ 17 /1 / 2009 م(1/12)