أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:5
[أقضية رسول الله ص ]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ترجمة المؤلف
هو الإمام الحجّة محمد بن فرج، أبو عبد اللّه مولى محمد بن يحيى، المعروف بابن الطّلّاع، القرطبي الفقيه المالكي، مفتي الأندلس و مسندها في الحديث.
ولد في سلخ ذي القعدة سنة أربع و أربعمئة.
ذكره ابن بشكوال فقال: بقية الشيوخ الأكابر في وقته، و زعيم المفتين بحضرته.
روى عن: يونس بن عبد اللّه القاضي، و مكي بن أبي طالب، و أبي عبد اللّه بن عابد، و حاتم بن محمد، و أبي عليّ الحدّاد الأندلسيّ، و أبي عمرو المرشانيّ، و معاوية بن محمد العقيليّ، و أبي عمر ابن القطّان.
قال: و كان فقيها عالما، حافظا للفقه، حاذقا بالفتوى، مقدّما في الشّورى، مقدّما في علل الشّروط، مشاركا في أشياء، مع دين و خير و فضل، و طول صلاة، قوّالا بالحقّ و إن أوذي فيه، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، معظّما عند الخاصّة، و العامّة يعرفون له حقّه. ولي الصّلاة بقرطبة، و كان مجوّدا لكتاب اللّه. أفتى النّاس بالجامع، و أسمع الحديث، و عمّر حتّى سمع منه الكبار و الصّغار، و صارت الرّحلة إليه. ألّف كتابا في أحكام النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم قرأته على أبي رحمه اللّه عنه.
تفقه على مذهب الإمام مالك و أصحابه حتى حذق الفتوى و برع فيها، و صار مقدما في الشورى، عارفا بعقد الشروط و عللها، ذاكرا لأخبار شيوخ بلده و فتاويهم، مشاركا في أشياء من العلم، مع خير و فضل و دين.
و قال القاضي عياض: كان صالحا قوّالا بالحقّ، شديدا على أهل البدع، غير هيوب للأمراء، شوّر عند موت ابن القطّان، إلى أن دخل المرابطون فأسقطوه من الفتيا لتعصّبه عليهم، فلم يستفت إلى أن مات.
سمع منه عالم كثير، و رحل النّاس إليه من كلّ قطر لسماع «الموطّأ» و لسماع «المدوّنة» لعلوّه في ذلك.(1/1)
و حدّث عنه أبو عليّ بن سكّرة، و قال في مشيخته الّتي خرّجها له عياض: سمع يونس بن عبد اللّه بن مغيث، و حمل عنه «الموطّأ» و «سنن النّسائيّ». و كان أسند من بقي، صحيحا،
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:6
فاضلا، عنده بله تامّ بأمر دنياه و غفلة. و يؤثر عنه في ذلك طرائف. و كان شديدا على أهل البدع، مجانبا لمن يخوض في غير الحديث.
و روى اليسع بن حزم عن أبيه قال: كنّا مع ابن الطّلّاع في بستانه، فإذا بالمعتمد بن عبّاد يجتاز من قصره، فرأى ابن الطّلّاع، فنزل عن مركوبه، و سأل دعاءه، و تذمّم و تضرّع، و نذر و تبرّع، فقال له: يا محمد انتبه من غفلتك و سنتك.
توفي رحمه اللّه لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة 497 ه، و شهده جمع عظيم.
من تصانيفه: نوازل الأحكام النبوية، و كتاب في الوثائق، و كتاب في الأقضية و هو كتابنا هذا الذي نقدمه في ثوبه الجديد متمنين على اللّه أن ينفع به إنه على ما يشاء قدير، و بالإجابة جدير، و الحمد للّه رب العالمين «1».
__________________________________________________
(1) انظر عن محمد بن فرج: الصلة لابن بشكوال (2/ 564) رقم (1239)، و المغرب في حلى المغرب (165)، و المعين في طبقات المحدثين (146) رقم (1588)، و سير أعلام النبلاء (19/ 199- 202) رقم (121)، و شذرات الذهب (3/ 407)، و شجرة النور الزكية لابن مخلوف (1/ 123).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:7
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم(1/2)
الحمد للّه كما حمد نفسه و أضعاف ما حمده خلقه حتى يفنى حمدهم و يبقى حمده، لا إله إلا هو وحده. هذا كتاب أذكر فيه- إن شاء اللّه تعالى- ما انتهى إليّ من أقضية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التي قضى بها، أو أمر بالقضاء فيها، إذ لا يحل لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر اللّه به عز و جل في كتابه، أو بما ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه حكم بها، أو بما أجمع العلماء عليه، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة.
و اتفق مالك و أبو حنيفة و الشافعي- رحمهم اللّه تعالى- على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس حتى يكون عالما بالحديث و الفقه معا مع عقل و ورع.
و كان مالك رحمه اللّه يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها: لا أراها تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم و الورع.
قال عبد الملك بن حبيب- رحمه اللّه تعالى-: فإن لم يكن فعقل و ورع، فبالعقل يسأل و به تصلح خصال الخير كلها، و بالورع يعف. و إن طلب العلم وجده، و إن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده.
و أبدأ في ذلك بأقضيته صلّى اللّه عليه و سلم في الدماء لما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم و غيره: «إن أول ما يقضي اللّه تبارك و تعالى بين الناس يوم القيامة في الدماء». و أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فمن وجدت له صلاة نظر في سائر عمله، و من لم توجد له صلاة لم ينظر في شي من «1» عمله.
و ليس بعد الشرك باللّه عز و جل أعظم من قتل النفس «2».
روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «زوال الدنيا بجميع ما فيها أهون على اللّه عز و جل من
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (6533) و (6864)، و مسلم (1678)، و الترمذي (1396) مختصرا على الفقرة الأولى. و رواه النسائي (3991) مطولا، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
((1/3)
2) رواه مالك في الموطأ (1/ 173) في قصر الصلاة. باب جامع الصلاة. بلاغا. و إسناده منقطع. و له شواهد.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:8
قتل امرئ مسلم» «1». رواه ابن الأحمر في مسنده.
و في مسند بقي و البزار أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لو أن أهل السموات و الأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأدخلهم اللّه النار أجمعين» «2»
و قال عليه السلام: «من أعان في قتل امرئ مسلم بنصف كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه» «3».
و في البخاري قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» «4»، هكذا رواه الأصيلي: من دينه، و رواه القابسي: من ذنبه.
و في كتاب الخطابي: قال سفيان بن عيينة: نصف كلمة هو أن يقول أق أي: اقتل، و هذا كقول النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «كفى بالسيف شا» «5» أي شاهدا.
و في غير كتاب الخطابي و قال عليه السلام: «من لقي اللّه لم يشرك به شيئا و لم يتندّ بدم مسلم كان حقا على اللّه أن يغفر له» «6».
و في الخطابى و قال عليه السلام: «لا يزال المؤمن صالحا معنقا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح» «7».
و قال الخطابي: معنى بلح أعيا. و يقال: أعيا الفرس إذا انقطع جريه، و بلّح الغريم إذا أفلس.
__________________________________________________
(1) رواه بن ماجه (2619) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. و إسناده صحيح. و رواه الترمذي (1395) من حديث عبد الله بن عمرو. مرفوعا و موقوفا. و قال الترمذي و الأصح موقوفا.
(2) رواه الترمذي (1398) من حديث أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و قال هذا حديث غريب. و رواه الطبراني في الصغير (566). و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 297) و قال: رواه الطبراني في الصغير. و فيه جسر بن فرقد ضعيف.
((1/4)
3) رواه ابن ماجه (2620) و البيهقي في السنن (8/ 22)، و العقيلي في الضعفاء (457) و في إسناده يزيد بن زياد الشامي. قال البخاري: منكر الحديث. و قال البيهقي: يزيد منكر الحديث. و أورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 104) من حديث أبي هريرة، و عمر، و أبي سعيد. و أعلها كلها.
(4) رواه البخاري (6862) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5) رواه أبو داود (4417)، و ابن ماجه (2606) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه و إسناده ضعيف.
(6) رواه الطبراني في الكبير (17/ 339 و 351). و قال البيهقي في مجمع الزوائد (1/ 19): رواه الطبراني في الكبير. و إسناده حسن. من حديث جرير بن عبد اللّه البجلي رضي الله عنهما.
(7) رواه أبو داود (4270)، و البيهقي في السنن (8/ 22) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:9
قال مالك- رحمه اللّه-: من لقي اللّه (تعالى) و لم يشرك في دم مسلم لقي اللّه خفيف الظهر.
و نبدأ بأول أسباب الحكم في القتل: و هو السجن. اختلف أهل الأمصار هل سجن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبو بكر رضي اللّه عنه أحدا أم لا؟ فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن، و لا سجنا أحدا، و ذكر بعضهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سجن في المدينة في تهمة دم. رواه عبد الرزاق و النسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
و ذكر أبو داود عنه في مصنفه قال: حبس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ناسا من قومي في تهمة بدم «1».
و بهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم، و أدخله البخاري في كتاب الوضوء، فدل أنه معروف.
و في غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي صلى اللّه عليه و سلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه «2».(1/5)
و وقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه، و قال في الحديث: حتى باع غنيمة له «3».
و في كتاب ابن شعبان عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا قتل عبده متعمدا، فجلده النبيّ صلى اللّه عليه و سلم مائة جلدة، و نفاه سنة، و لم يقده به، و أمره أن يعتق رقبة «4».
و قال ابن شعبان في كتابه: و قد رويت عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه حكم بالضرب و السجن. و من غير كتاب ابن شعبان.
و ثبت عن عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أنه كان له سجن، و أنه سجن الحطيئة على الهجو، و سجن صبيغا التميمي على سؤاله عن الذاريات و المرسلات و النازعات و شبههن، و أمر الناس بالتفقه، و ضربه مرة بعد مرة، و نفاه إلى العراق و قيل: إلى البصرة، و كتب ألايجالسه أحد.
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3630)، و الترمذي (1417)، و النسائي (8/ 67) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي اللّه عنه و إسناده حسن.
(2) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 102) و صححه. و قال في التلخيص: إبراهيم بن خثيم متروك؛ و العقيلي (1/ 53) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و إسناده ضعيف.
(3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 486)، و عبد الرزاق في المصنف رقم (16716)، و البيهقي في السنن (10/ 276) و هو حديث حسن.
(4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 254)، و الدارقطني (3/ 143 و 144) و في إسناده إسماعيل بن عياش و هو ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:10
قال المحدث: فلو جاءنا و نحن مائة لتفرقنا عنه. ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته، فأمره عمر فخلى بينه و بين الناس «1».
و سجن عثمان بن عفان- رضي اللّه عنه- ضابئ بن الحارث و كان من لصوص بني تميم و فتاكهم حتى مات في السجن.(1/6)
و سجن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه بالكوفة.
و سجن عبد اللّه بن الزبير بمكة، و سجن أيضا في سجن دارم: محمد ابن الحنفية إذ امتنع من بيعته.
و وقع في كتاب الخطّابي عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- أنه سجن، و أنه بنى سجنا من قصب، فسماه: نافعا، ففتقته اللصوص، ثم بنى سجنا من مدر و سماه: مخيسا، ثم قال: ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا حصنا حصينا و أميرا كيسا.
و في مصنف أبي داود عن النضر بن شميل عن هرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال:
أتيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بغريم لي فقال لي: «الزمه». ثم قال: «يا أخا بني تميم ما تريد أن تصنع بأسيرك» «2».
و احتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول للّه عز و جل: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النّساء: الاية 15].
و بقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في الذي أمسك رجلا للاخر حتى قتله: «اقتلوا القاتل و اصبروا الصابر» «3». و قال أبو عبيد: قوله اصبروا الصابر يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت.
و كذلك ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن علي بن أبي طالب: يحبس الممسك في السجن حتى يموت.
«باب حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المحاربين من أهل الكفر»
في البخاري و مسلم عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قدم عليه نفر من عكل، أو من عرينة، و في مصنف عبد الرزاق من بني فزارة، قد ماتوا هزالا. و في حديث آخر من بني سليم فأسلموا و اجتووا المدينة فأمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها و ألبانها، ففعلوا و صحّوا و سمنوا، فارتدوا و قتلوا الراعي، و استاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فما ترجّل
__________________________________________________
((1/7)
1) رواه البزار (2259) و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 113) و قال: رواه البزار و فيه أبو بكر بن أبي سبرة متروك.
(2) رواه أبو داود (3629) في الأقضية، و ابن ماجه (2428) و إسناده ضعيف.
(3) رواه أبو عبيد في الغريب عن إسماعيل بن أمية مرسلا، و الدارقطني في السنن (3/ 140) من حديث إسماعيل بن أمية مرسلا. و هو ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:11
النهار حتى جي ء بهم، فأمر بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: فقطّعت أيديهم و أرجلهم، و سملت أعينهم، ثم أمر بحبسهم حتى ماتوا «1».
و في حديث آخر: أمر بمسامير فأحميت، فكحّلهم، و قطع أيديهم و أرجلهم و ما حبسهم، و ألقوا في الحرّة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا «2».
و في حديث آخر: سمل أعينهم. قال أبو قلابة: سرقوا و قتلوا، و كفروا بعد أيمانهم، و حاربوا اللّه و رسوله «3».
قال سعيد بن جبير في مصنف عبد الرزاق، و محمد بن سيرين في كتاب أبي عبيد: كان هذا قبل أن ينزل على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في المائدة: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ [المائدة:
الاية 33].
و في البخاري و مسلم: كانوا ثمانية نفر، و سملوا أعين الرعاء. قاله أنس «4».
و في مصنف عبد الرزاق: قلت لأنس: ما سمل؟ قال: تحرّ مرآة الحديد ثم تقرّب إلى عينيه حتى تذوبا «5».
«باب كيف يساق القاتل إلى السلطان و كيف يقرره على القتل»
في كتاب مسلم و عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدّثه أن أباه قال: إني لقاعد مع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال: يا رسول اللّه هذا قتل أخي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«أقتلته؟» فقال: إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته. قال: «كيف قتلته؟»، قال:(1/8)
كنت أنا و هو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هل لك من شي ء تؤدّيه عن نفسك؟»، قال: ما لي مال إلا كسائي و فأسي. قال:
«أفترى قومك يشترونك؟». قال: أنا أهون على قومي من ذلك. فرمي إليه بنسعته و قال: «دونك صاحبك». فانطلق به الرجل فلما ولّيا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن قتله فهو مثله». فبلغ الرجل ذلك فرجع فقال: يا رسول اللّه بلغني أنك قلت: «إن قتله فهو مثله»، و إنما أخذته بأمرك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أما تريد أن يبوء بإثمك و إثم صاحبك؟» قال: يا نبيّ اللّه! لعلّه قال بلى، قال: «فإن ذاك كذاك». قال: فرمى بنسعته، و خلّى سبيله «6».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (233) و (1501)، و مسلم (1671 و 10 و 12)، و أبو داود (4364)، و الترمذي (72).
(2) رواه البخاري (6804) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (3018) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (3018).
(5) رواه عبد الرزاق في المصنف (17132) من حديث أنس رضي الله عنه موقوفا.
(6) رواه مسلم (1680).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:12
و في حديث آخر نحوه و قال فيه: فلما أدبر به الرجل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «القاتل و المقتول في النار». قال: فأتى رجل الرجل فأخبره بمقالة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فخلى عنه «1».
قال إسماعيل بن سالم: فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت قال: حدثني بن أشرع أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إنما سأله أن يعفو عنه فأبى.(1/9)
و في مسند ابن أبي شيبة في حديث وائل بن حجر الحضرمي كذلك أيضا و قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لوليّ المقتول: «أتعفو عنه؟» قال: لا، قال: «أتأخذ الدية؟» قال: لا. قال: «فتقتله؟» قال: نعم. فأعاد عليه ثلاثا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن عفوت عنه يبوء بإثمه» «2».
و في المسند أيضا في حديث أبي هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فرفع ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدفعه إلى وليّ المقتول فقال القاتل: يا رسول اللّه ما أردت قتله. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للولي: «أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار». قال: فخلّى سبيله، و كان مكتوفا بنسعة قال: فخرج يجر نسعته قال: فسمي: ذا النسعة «3».
و في غير المسند قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «عمد يد و خطأ قلب» وقع هذا في الواضحة.
و في مصنف النسائي: و اللّه يا رسول اللّه ما أردت قتله. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للولى: «إن كان صادقا فقتلته دخلت النار». و كذلك ذكر النسائي: أن القاتل قال: يا رسول اللّه ما أردت قتله. ثم ذكر باقي الحديث كما في حديث أبي هريرة.
و ذكر ابن إسحاق أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم سار إلى الطائف على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على حرة الرعاء من لبة فابتنى بها مسجدا و صلى فيه. و حدثني عمرو بن شعيب أنه أقاد يومئذ بحرة الرعاء بدم، و هو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به.
قال في الواضحة: إنما قتله بالقسامة. و في الواضحة و السير: أن محلم بن جثامة قتل عامر ابن الأضبط الأشجعي فأقسم ولاته ثم دعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى الدية فأجابوا فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمائة من الإبل.
قال في السير: بخمسين. و قال: خمسين في سفرنا و خمسين إذا رجعنا. فلم يلبث محلّم إلا قليلا.(1/10)
__________________________________________________
(1) رواه مسلم رقم (1680/ 33).
(2) رواه أبو داود (4499) و النسائي (4724)، و البيهقي في السنن (8/ 60) .. و هو حديث صحيح.
(3) رواه أبو داود رقم (4498)، و الترمذي (1407)، و ابن ماجه (2690)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:13
قال في السير: أقل من سبع حتى مات فدفن فلفظته الأرض.
قال في السير: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد قال: «اللهم لا تغفر لمحلّم» ثلاثا، فلفظته الأرض ثلاث مرات «1»، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن الأرض لتقبل من هو شر منه و لكن اللّه أراد أن يجعله لكم عبرة». فألقوه بين ضوجي جبل فأكلته السباع «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن قتل أحدا بحجر»
في البخاري عن أنس بن مالك أن يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين «3»، و في حديث آخر: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة فرماها يهودي بحجر، فجي ء بها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بها رمق فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أقتلك فلان؟» فأشارت برأسها: أن لا، ثم قال الثانية فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثالثة فأشارت برأسها أن نعم، فجي ء باليهودي فلم يزل به حتى أقر، فرض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رأسه بالحجر.
و في حديث آخر فقتله بين حجرين «4».
و في كتاب مسلم و مصنف عبد الرزاق: فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يرجم (فرجم) حتى مات «5».
في هذا الحديث من الفقه أن يقتل القاتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو خنق أو شبهه و هو قول مالك، بخلاف قول أهل العراق الذين يقولون: لا قود إلا بحديدة. و فيه أن الإشارة المفهومة كالكلام، و فيه أن يقتل الرجل بالمرأة.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن ضرب امرأة حاملا فطرحت جنينها»(1/11)
من الموطأ و البخاري و مسلم عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الآخرى فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغرة «6» عبد أو وليدة «7».
__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (6/ 10)، و أبو داود (4503)، و البيهقي في السنن (9/ 816) و إسناده ضعيف.
(2) رواه ابن كثير في البداية و النهاية (4/ 225 و 226) و إسناده ضعيف.
(3) رواه البخاري (2413) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (6877)، و أبو داود (4527 و 4528)، و الترمذي (1394) من حديث أنس.
(5) رواه مسلم (1672/ 16)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(6) الغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد و الإماء.
(7) رواه البخاري (5758 و 5759 و 5760)، و مسلم (1618)، و الموطأ (2/ 855)، و الترمذي (1410)، و أبو داود (4576 و 4577)، و النسائي (8/ 47 و 48).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:14(1/12)
و في حديث آخر في كتاب مسلم: فرمت إحداهما الآخرى بحجر فقتلتها و ما في بطنها، و في حديث آخر: ضربتها بعمود فسطاطا و هي حبلى، و كانت ضرّتها فقتلتها فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم دية المقتولة على عصبة القاتلة و غرة لما في بطنها. و في كتاب النسائي: ضربت إحداهما الآخرى بمسطح فقتلتها و جنينها، فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في جنينها بغرة و أن تقتل بها. و كذلك ذكر غير النسائي أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قتلها مكانها. و قيمة الغرة التي قضى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمسون دينارا أو ستمائة درهم قاله قتادة و غيره، و به قال مالك بن أنس، و في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة: أن اسم الهذلي الذي قتلت إحدى امرأتيه الآخرى: حمل بن مالك بن النابغة. و اسم القاتلة: أم عفيف ابنة مسروح من بني سعد بن هذيل، و المقتولة: مليكة بنت عويمر من بني لحيان بن هذيل «1».
و في البخاري ما يدل أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يقتل الضاربة، و ذلك أنه قال: حدثنا عبد اللّه بن يوسف عن الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو وليدة ثم إن المرأة التي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن ميراثها لبنيها و زوجها و أن العقل على عصبتها «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله»(1/13)
من موطأ مالك بن أنس عن أبي ليلى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة: أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن عبد اللّه بن سهل، و محيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما، فأتي محيصة، فأخبر أن عبد اللّه بن سهل قتل و طرح في فقير بئر بئر أو عين، فأتى يهود، فقال: أنتم و اللّه قتلتموه، فقالوا: و اللّه ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو و أخوه حويصة، و هو أكبر منه و عبد الرحمن بن سهل: أخوه المقتول، فذهب محيصة ليتكلم و هو الذي كان بخيبر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمحيصة: «كبّر كبّر»، يريد السن، فتكلم حويصة ثم تكلّم محيصة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إما أن يدوا «3» صاحبكم أو يأذنوا بحرب من اللّه»، فكتب إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في ذلك، فكتبوا: إنا و اللّه ما قتلناه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحويصة و محيصة و عبد الرحمن: «أتحلفون و تستحقون دم صاحبكم؟» كذا روى يحيى بن يحيى «4».
و في حديث ابن أبي ليلى و في حديث يحيى بن سعيد خاصة: «و تستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم». و في البخاري: «و تستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم». و في مصنف أبي داود: «دم
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (18356) من كلام عكرمة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (6740) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) يدوا: أي يعطوا الدية.
(4) رواه مالك في الموطأ (2352 و 2353) في القسامة و إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:15
صاحبكم» و تكرر فقالوا: لا. و في حديث آخر: لم نشهد و لم نحضر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«(1/14)
فتحلف لكم يهود»، و في حديث آخر: «فتبريكم يهود بخمسين يمينا». فقالوا: يا رسول اللّه ليسوا بمسلمين. و في حديث آخر: كيف نقبل أيمان قوم كفار، فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. و تكرر الحديث في كتاب مسلم و قال فيه: «تستحقون صاحبكم أو قاتلكم»، و ذكر من طريق مالك: «دم صاحبكم» مثل رواية يحيى، و في حديث آخر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته». و في البخاري و مسلم: فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من إبل الصدقة، و في كتاب أبي داود و المصنف: فألقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ديته على اليهود لأنه وجد بينهم. و في البخاري أيضا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «تأتون بالبينة على من قتله»، قالوا: ما لنا بينة، قال: «يحلفون»، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يبطل دمه فوداه من إبل الصدقة، و في مصنف عبد الرزاق: أن النبيّ بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار، فأبوا أن يحلفوا فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العقل على اليهود و حويصة و محيصة ابنا عم القتيل و عبد الرحمن أخوه، و في مصنف عبد الرزاق:
و هو أول من كانت فيه القسامة في الإسلام «1».
في هذا من الفقه: القتل بالقسامة لقوله عليه السلام: «أتحلفون و تستحقون دم صاحبكم».(1/15)
و في الحديث الاخر في كتاب مسلم: «فيدفع برمته»، و فيه تبدية المدعين بالأيمان بخلاف الحقوق، و فيه ألايقضى بالنكول دون رد الأيمان، و فيه محاربة أهل الذمة إذا منعوا حقا، و فيه أن من بعد عن السلطان ألايشخص و يكتب إلى الموضع الذي هو به، و فيه إباحة كتاب القاضي بغير شهود، و فيه القضاء على الغائب بخلاف قول أهل العراق، و فيه ألايحلف في القسامة رجل واحد، و فيه الحكم على أهل الذمة بحكم الإسلام و إنما أعطى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الدية من إبل الصدقة من حق الغارمين الذين جعل اللّه عز و جل لهم سهما في الصدقة إذا لم يتيقن أن يهوديا قتله، و فيه أن يعطي الرجل من الزكاة أكثر من نصاب.
و اتفق مالك و الشافعي رحمهما اللّه تعالى على تبدية المدعين الدم بالقسامة إلا أنه لا يقسم عند الشافعي بقول الميت: دمي عند فلان و قال: إذا كانت بين المدعين و المدعى عليهم عداوة كما كانت بين اليهود و المسلمين وجبت القسامة و إلا فلا. و قال ابن لبابة: قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم و أموالهم» «2» يبطل التدمية.
و في مسند البزار: أن قوما احتفروا بئرا بأرض اليمن فسقط فيها الأسد فأصبحوا ينظرون
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3173) و (6143) و (6898) و مسلم (1669)، و أبو داود (4520 و 4521 و 4523)، و الترمذي (1422)، و النسائي (8/ 5 و 12) باب تبرئة أهل الدم في القسامة.
(2) رواه البخاري (4552)، و مسلم (1711)، و أبو داود (3619)، و النسائي (8/ 248)، و الترمذي (1343) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:16(1/16)
فوقع رجل في البئر فتعلق برجل آخر فتعلق الاخر باخر حتى كانوا أربعة، فسقطوا جميعا فجرحهم الأسد فقتله رجل برمحه فقال الناس للأول: أنت قتلت أصحابنا و عليك ديتهم فأبى، فتحاكموا إلى علي بن أبي طالب فقال: إجمعوا ممن حفر البئر من الناس ربع دية. و ثلث دية.
و نصف دية و دية كاملة، للأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة. و للثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه إثنان، و للثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد، و للاخر الدية تامة، فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العام المقبل فقصّوا عليه فقال رجل منهم: إن عليّ بن أبي طالب قضى بيننا بكذا، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:
«هو ما قضى بينكم» «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن تزوج امرأة أبيه» و إرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه
و في كتاب النسائي و مسند ابن أبي شيبة قال البراء: لقيت خالي أبا بردة و معه الراية فقال:
أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى من تزوج امرأة أبيه، و في كتاب النسائي: إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن أقتله «2». و في غير الكتابين أن جئ برأسه و استفئ ماله. و في كتاب الصحابة لابن السكن، و ذكره أيضا ابن أبي خيثمة: أن خالد بن أبي كريمة حدث عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرّس بامرأة أبيه، فضرب عنقه و خمّس ماله، قال يحيى بن معين:
هذا حديث صحيح «3».(1/17)
و في كتاب ابن السكن و كتاب ابن أبي خيثمة أن ابن عم مارية أم ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يتهم بها فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لعلي بن أبي طالب: «اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه». فأتاه علي فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها، فقال له عليّ: هات يدك، فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب لبس له. ذكر فكفّ عنه علي ثم أتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه إنه مجبوب ما له ذكر «4». رواه
__________________________________________________
(1) رواه البزار (1532)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 287) و قال رواه البزار. و قال في آخره لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. قلت و لم يقل عن علي يعني أن حنشا لم يقل عن علي. و في إسناده حنش بن المعتمر قال البخاري- يتكلمون في حديثه. و قال النسائي ليس بالقوي. و قال أبو حاتم ليس أراهم يحتجون بحديثه.
(2) رواه أحمد في المسند (18557)، و ابن أبي شيبة (10/ 104 و 105)، و النسائي (6/ 109)، و الترمذي (1362)، و أبو داود (4457) من حديث البراء رضي الله عنه. و إسناده حسن.
(3) رواه النسائي في الكبرى (7274)، و البيهقي في السنن (8/ 208)، و ابن ماجه (2608) من حديث معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه. و إسناده صحيح.
(4) رواه أحمد في المسند (3/ 281) (13989)، و مسلم (2771 و 59) من حديث أنس رضي الله عنه. و رواه الطحاوي في مشكل الاثار (4953)، و أبو نعيم في الحلية (7/ 93) من حديث علي رضي الله عنه. و إسناده حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:17
ثابت البناني عن أنس، و في حديث آخر فوجده في نخلة يجمع تمرا و هو ملفوف بخرقة فلما رأى السيف ارتعد و سقطت الخرقة فإذا هو مجبوب لا ذكر له.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في القتيل يوجد بين قريتين»(1/18)
في مسند ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال: وجد قتيل بين قريتين فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فألقاه على أقربهما «1»، و في مصنف عبد الرزاق قال عمر بن عبد العزيز: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني ديار قوم أن الأيمان على المدّعى عليهم، فإن نكلوا حلف المدّعون و استحقوا، فإن نكل الفريقان، كانت الدية على المدعى عليهم و بطل النصف إذا لم يحلفوا «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالقصاص بالجرح»
و قوله: ألايقاد من جرح إلا بعد البرء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في رجل طعن آخر بقرن في رجله فقال: يا رسول اللّه أقدني، فقال: «حتى تبرأ جراحك»، فأبى الرجل إلا أن يستقيد، فأقاده النبيّ صلى اللّه عليه و سلم. فصح المستقاد منه و عرج المستقيد فقال: عرجت و برأ صاحبي: فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «ألم آمرك أن لا تستقيد حتى تبرأ جراحك فعصيتني فأبعدك اللّه عز و جل، و بطل عرجك». ثم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من كان به جرح بعد الرجل الذي عرج ألايستفاد منه حتى يبرأ جرح صاحبه فالجرح على ما بلغ حتى يبرأ، فما كان من شلل أو عرج فلا قود فيه، و هو عقل، و من استقاد بجرح فأصيب المستقاد منه فعقل ما فضل من ديته على جرح صاحبه له «3»
قال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص. و ليس للإمام أن يضربه و لا يسجنه إنما هو القصاص، و ما كان ربك نسيا، و لو شاء لأمر بالضرب و السجن.
و قال مالك: يقتص منه و يعاقب لجراءته.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السن و ما لم ير فيه قصاصا»
في البخاري و مسلم عن أنس بن مالك: أن ابنة النضر أخت الرّبيّع لطمت جارية فكسرت
__________________________________________________
((1/19)
1) رواه أحمد في المسند (3/ 39) و (11341)، و البزار (1534)، و العقيلي في الضعفاء (1/ 76)، و البيهقي في السنن (8/ 126). و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 290) و قال: رواه أحمد و البزار. و فيه عطية العوفي ضعيف. نقول: و في إسنادهما أيضا أبو إسرائيل الملائي الكوفي ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (18290) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر أن عمر و ذكره ... بلاغا.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (17991)، و البيهقي في السنن (8/ 68)، و الدارقطني (3/ 88) من طريق محمد بن حمدان، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. و سنده حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:18
ثنيتها. و في حديث آخر في كتاب مسلم: سحلت أسنانها، فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع: يا رسول اللّه أيقتص من فلانة؟ و اللّه لا يقتص منها. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «سبحان اللّه يا أم الربيع القصاص في كتاب اللّه». قالت: و اللّه لا يقتص منها أبدا، قالت: فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن من عباد اللّه من لو أقسم على اللّه لأبره» «1».
و في الكتابين: أن رجلا عضّ يد رجل، فنزع يده من فيه فوقعت ثنّيتاه، فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «يعص أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟ لا دية لك» «2».
و في مصنف أبي داود قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية «3».
و في المدونة و الموطأ عن زيد بن ثابت بمائة دينار «4»، و قال مالك: ليس فيها إلا الاجتهاد «5»
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن أقر بالزنا و هو محصن»(1/20)
في موطأ مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: إن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق، فقال له: إن الاخر قد زنى، فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتب إلى اللّه و استتر يستر اللّه عليك، فإن اللّه يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر، فلم تقرره نفسه حتى أتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له: إن الاخر زنى، قال سعيد: فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى إذا أكثر عليه، بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى أهله: «أجنة يشتكي؟ أبه جنون؟» فقالوا: لا و اللّه يا رسول اللّه إنه لصحيح. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أبكر أم ثيب؟» فقال: بل ثيب يا رسول اللّه.
فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرجم «6».
و وقع في البخاري، أخبرنا محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن جابر: أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «أبك جنون؟» قال: لا، قال:
__________________________________________________
(1) رواه البخاري رقم (2703) و (2806)، و مسلم (1675).
(2) رواه البخاري (6892)، و مسلم (1673) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(3) رواه أبو داود (4567)، و النسائي (8/ 55) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. و سنده حسن.
(4) رواه مالك في الموطأ (2266) في القسامة من كلام زيد بن ثابت رضي الله عنه موقوفا.
(5) رواه مالك في الموطأ (2267) من كلام مالك بن أنس رحمه الله موقوفا عليه.
((1/21)
6) رواه مالك في الموطأ (1756) في الحدود، و هو حديث مرسل. و يشهد له ما بعده.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:19
«أحصنت؟» قال: نعم، فأمر به فرجم في المصلّى، فلما أذلقته الحجارة فرّ فأدرك فرجم حتى مات فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم خيرا و صلّى عليه. و لم يقل يونس و لا ابن جريج عن الزهري: و صلى عليه «1».
و في كتاب مسلم: فرده أربع مرات، و في حديث آخر: فرده مرتين. و في حديث آخر:
فرده مرتين أو ثلاثا، ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطيبا من العشي قال: «أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل اللّه تخلّف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس، عليّ ألاأوتي برجل فعل ذلك إلا نكلت به». قال: فما استغفر و لا سبه «2».
و في حديث آخر فلبثوا يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الناس جلوس فقال:
«استغفروا لماعز بن مالك». فقالوا: غفر اللّه لماعز بن مالك، قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم». و في مصنف أبي داود: «و الذي نفسي بيده إنه الان لفي أنهار الجنة ينغمس فيها» «3».
و في الموطأ لمالك، عن يعقوب بن زيد، بن طلحة عن أبيه زيد بن طلحة عن عبد اللّه بن أبي مليكة، أنه أخبره: أن امرأة جاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخبرته أنها زنت، و هي حامل. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «اذهبي حتى تضعيه»، فلما وضعته جاءت، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اذهبي حتى ترضعيه». فلما أرضعته جاءته فقال: «اذهبي فاستودعيه». ثم قال: فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت «4».(1/22)
و في كتاب مسلم فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحفر لها حفرة إلى صدرها، ثم رجمت و صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول اللّه و قد زنت! قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. و هل أفضل من أن جادت بنفسها للّه». و في كتاب النسائي: و حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجمها و رماها بحجر قدر الحمصة و هو راكب على بغلته «5».
و في حديث الموطأ من الفقه: أن من أقر بالزنا مرة واحدة أقيم عليه الحد، و لا ينتظر أن يقر أربع مرات، و ألايجلد من وجب رجمه، و أن المجنون لا يلزمه إقراره بدليل قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «أبه جنة؟».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على اليهود بالرجم في الزنا»
في الموطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (6820)، و مسلم (1701) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2) رواه مسلم (1692)، و أبو داود (4422) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (1695)، و أبو داود (4433) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(4) رواه مالك في الموطأ (2/ 821) و (1759) في الحدود، و هو مرسل و لكن يشهد له ما بعده.
(5) رواه مسلم (1696). و أبو داود (4440) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:20(1/23)
فذكروا أن رجلا منهم و امرأة قد زنيا، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم». فقالوا: نفضحهم و يجلدون. فقال عبد اللّه بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها و ما بعدها، فقال له عبد اللّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرجما، فقال عبد اللّه بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. قال مالك:
معنى يحني ظهره: يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه «1».
و ذكر البخاري و مسلم نحوه «2» و في كتاب النسائي عن ابن عباس أنه قال: الرجم في كتاب اللّه عز و جل حق، و لا يغوص عليه إلا غوّاص «3» قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [المائدة: الاية 65]. و قال مالك في غير الموطأ: لم يكن اليهوديان أهل ذمة. و ذكر البخاري أنهما أهل ذمة، و وقع في معاني القرآن للزجاج: أن الزنا كثر في أشراف اليهود بخيبر، و كان في التوراة أن على المحصنين الرجم، فزنى رجل و امرأة فطمعت اليهود أن يكون نزل على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الجلد على المحصنين، و هي تأويل قول اللّه عز و جل: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [المائدة: الاية 41]. يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه أي أوتيتم هذا الحكم المحرّف فخذوه و إن لم تؤتوه فاحذروا.(1/24)
و في مصنف أبي داود، نا يحيى بن موسى البلخي، نا أبو أسامة عن مجالد، عن عامر، عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت يهود برجل و امرأة منهم زنيا فقال: «ايتوني بأعلم الرجلين منكم»، فأتوه بابني صوريا، فناشدهما اللّه كيف تجدان أمر هذين في التوراة فقالا: نجد في التوراة أنه إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما»، قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم برجمهما. و في حديث آخر بأربعة منهم، و في رواية أخرى قال لليهود: «ايتوني بأربعة منكم»، و يقال إن مجالدا غير مقبول الحديث و إنما رجمهما النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بغير شهادة اليهود إما بوحي أو بشهادة مسلمين أو بإقرارهما «4».
في مسند البزار أنهم أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بابني صوريا فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أنتما أعلم من وراءكما؟» فقالا: كذلك يزعمون، فناشدهما باللّه الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدان أمر
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (1755) في الحدود و هو حديث صحيح.
(2) رواه البخاري (6819)، و مسلم (1699) من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما.
(3) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 359) و صححه الحاكم. و قال في التلخيص: صحيح.
(4) رواه أبو داود (4452) من حديث جابر رضي اللّه عنه. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:21
هذين في توراة اللّه قالا: نجد فيها إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة، فإذا وجد في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة، و إذا شهد أربعة ثم ذكر باقي الحديث كما ذكره انتهى «1».(1/25)
و في الحديث من الفقه أن اليهود إذا رضوا بحكم الإسلام حكم بينهم إن أحب بغير رأي أساقفتهم، و ألايحفر للمرجوم لأنه لو حفر لليهودي لم يقدر أن يحني على المرأة ليقيها الحجارة. و بهذا أخذ مالك ألايحفر له، و قال بعض أصحابه: الإمام مخير إن شاء حفر له و إن شاء لم يحفر له، و ألاجلد على المرجوم. و في مصنف أبي داود و كتاب الشرف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى في رجل وطئ جارية امرأته و كانت أحلتها له بجلد و إن لم تكن أحلتها له برجم «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نقض الصلح الحرام و إقامة الحد على الزاني البكر و على المريض و صفة السوط
في الموطأ مالك عن ابن شهاب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة، و زيد بن خالد الجهني، أنهما أخبراه أنّ رجلين اختصما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أحدهما: يا رسول اللّه، اقض بيننا بكتاب اللّه، و قال الاخر، و هو أفقههما: أجل يا رسول اللّه فاقض بيننا بكتاب اللّه و ائذن لي في أن أتكلم. قال: «تكلم»، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة و جارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني: جلد مائة، و تغريب سنة، و إنما الرجم على امرأته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أما و الذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللّه عز و جل، أما غنمك و جاريتك فردّ عليك»، و جلد ابنه مائة، و غرّبه عاما، و أمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الاخر فإن اعترفت رجمها. فاعترفت فرجمها «3».(1/26)
قال مالك: العسيف: الأجير. قال بعض العلماء: معنى قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لأقضين بينكما بكتاب اللّه» أي بحكم اللّه الذي هو و حي ليس بقرآن بقول اللّه عز و جل: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ [القلم: الاية 47]. أي يحكمون. و قيل: إن ذلك من مجمل القرآن في قوله سبحانه و تعالى: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ [النّور: الاية 8]. و هي التي يرميها زوجها، فأبان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فعله أن ذلك العذاب الرجم على الزاني المحصن.
__________________________________________________
(1) رواه البزار (1558)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 271) و قال رواه البزار من طريق مجالد عن الشعبي. و قد صححها ابن عدي أقول مجالد بن سعيد ضعيف. و يشهد له ما قبله.
(2) رواه أبو داود (4459) و إسناده ضعيف.
(3) رواه مالك في الموطأ (1760) في الحدود، و البخاري (6633 و 6634)، و أبو داود (4445)، و الترمذي (1433) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:22
و في الحديث من الفقه: نقض الصلح الحرام، و التوكيل على إقامة الحد، بخلاف قول أبي حنيفة الذي لا يجيز الوكالة على الحدود إلا على إقامة البينة خاصة، و إقرار الزاني مرة واحدة، و ألايجلد من وجب رجمه، و سؤال عالم و ثم أعلم منه. و أن من رمى امرأة غيره بالزنا أن السلطان يبعث إليها فإن أقرت حدّت و برئ الرامي الذي رماها، و إن أنكرت جلد الذي رماها الحد. و إجازة خبر الواحد في الأحكام و الأعذار إلى المحكوم عليه، و تغريب الزاني البكر و لا تغريب على النساء و لا على العبيد لأن النساء عورة و العبيد سلعة. و تأوّل البخاري أن التغريب النفي فترجم الباب في كتابه: البكران يجلدان و ينفيان.(1/27)
و قال النسائي في صون النساء عن مجلس الحكم في الموطأ مالك عن زيد بن أسلم: أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال: «فوق هذا»، فأتي بسوط جديد، لم تقطع ثمرته فقال: «دون هذا»، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجلد. ثم قال: «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اللّه، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه، فإنه من يبدي صفحته نقم عليه كتاب اللّه» «1». قوله لم تقطع ثمرته يعني طرفه، و الثمرة الطرف.
و قوله عليه السلام: «من أصاب من هذه القاذورات» يعني جميع المعاصي كالزنا و الخمر و شبه ذلك.
و في كتاب أبي عبيد: أن سعد بن عبادة أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم برجل كان في الحيّ مخدّج سقيم وجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة» «2». و في شرح الحديث لابن قتيبة: اجلدوه، قالوا: نخاف أن يموت. قال:
اجلدوه بعثكال. و العثكال: الكباسة، و أهل المدينة يسمونه العذق و هو العرجون هذا في الأحكام لإسماعيل و هذا خاص.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حد القذف و الخمر و ما روي عنه في اللواط
في كتاب النسائي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لما نزل عذري قام النبيّ صلى اللّه عليه و سلم على المنبر فذكر ذلك، وتلا ما أنزل اللّه، فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين و المرأة فضربوا حدهم «3».
و في البخاري عن عروة: لم يسم من أهل الإفك إلا: حسان و مسطح و حمنة بنت جحش
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (1769) في الحدود و هو حديث مرسل.
(2) رواه أحمد في المسند (5/ 222)، و البيهقي في السنن (8/ 230) و إسناده صحيح.
((1/28)
3) رواه أبو داود (4474 و 4475)، و الترمذي (3181) من حديث عائشة رضي الله عنها. و هو حديث حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:23
في أناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة- كما قال اللّه عز و جل- و الذي تولى كبره منهم «1» و هو: عبد اللّه بن أبي بن سلول.
لم يثبت عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه رجم في اللواط، و لا أنه حكم فيه. و ثبت عنه أنه قال: «اقتلوا الفاعل و المفعول به» «2». رواه ابن عباس و أبو هريرة. و في حديث أبي هريرة: «أحصنا أو لم يحصنا» «3».
و حكم به أبو بكر الصديق، و كتب به إلى خالد بعد مشورة خير القرون و كان أشدّهم في ذلك علي بن أبي طالب، و روي عن أبي بكر الصديق أنه حرقهم بالنار قال ابن عباس: بعد أن رجمهم. قال ابن عباس: و إن كان غير محصن رجم «4»، و ذكر ابن القصار أن الصحابة اجتمعوا على ذلك و أن أبا بكر قال: يرميان من شاهق. و أن علي بن أبي طالب هدم عليهما حائطا، و ما وقع في المصنفات المشهورة أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ما قتل مرتدا و لا زنديقا و ثبت عنه أنه عليه السلام قال: «من غيّر دينه فاقتلوه» «5».
و قتل أبو بكر امرأة يقال لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.
في البخاري عن عقبة بن الحارث قال: جي ء بالنعمان أو بابن النعمان إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و هو سكران فشق عليه، و أمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد و النعال فكنت فيمن شهد ضربه «6». و قال أنس: جلد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في الخمر بالجريد و النعال، و جلد أبو بكر أربعين «7». و قال السائب بن يزيد: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أمارة أبي بكر و صدر من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا و نعالنا و أرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا و فسقوا جلد ثمانين «8»، هكذا وقع في كتاب الحدود.
__________________________________________________
((1/29)
1) رواه البخاري (4757) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه أحمد في المسند (2733)، و الحاكم (4/ 355)، و البيهقي في السنن (8/ 233) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. و في إسناده عباد بن منصور: ضعيف لسوء حفظه و تدليسه و تغيره. قال أبو حاتم: نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس- يعني كان يدلسها- بإسقاط رجلين.
(3) رواه ابن ماجه (2562)، و الحاكم (4/ 355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و إسناده ضعيف.
(4) رواه البيهقي في السنن (8/ 232). و هو حديث مرسل. و انظر الترغيب و الترهيب للمنذري (ج/ 3/ 286).
(5) رواه أحمد في المسند (1/ 217 و 219)، و البخاري (3017)، و أبو داود (4351)، و الترمذي (1458)، و البيهقي (8/ 195) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) رواه البخاري (6775).
(7) رواه البخاري (6773) و (6776).
(8) رواه البخاري (6779) من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:24
وقع في مناقب عثمان أنه دعا عليا فجلد الوليد بن عقبة ثمانين، و وقع في موضع آخر في حديث عثمان بن عفان حين شهد عنه حمران، و رجل آخر على الوليد بن عقبة. شهد حمران:
أنه شرب الخمر. و شهد الاخر: أنه رآه يتقيأها. فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها. فقال:
يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها.
فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد اللّه بن جعفر قم فاجلده. فجلده و علي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك قد جلد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أربعين و أبو بكر أربعين و عمر ثمانين و كل سنّة و هذا أحب إليّ «1». و أخذ الشافعي بأربعين.(1/30)
و في مصنف عبد الرزاق أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم جلد فيها ثمانين «2» و هي الحدود التي للّه عز و جل و لا يجوز العفو عنها: قتل المرتد و الزنديق و السارق، و من سب اللّه أو رسوله أو عائشة و المحارب، وحد الزنا و السرقة و الخمر و اللواط، و اختلف في القذف إذا بلغ الإمام.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السارق يسرق مرارا»
في موطأ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم «3». مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد اللّه بن صفوان، أن صفوان بن أمية قيل له: من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة، فنام في المسجد، و توسّد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول اللّه، هو عليه صدقة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«فهلّا قبل أن تأتيني به» «4».
و في كتاب النسائي عن ابن محيريز قال: سألت فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه فقال: سنة قد قطع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يد سارق، و علّق يده في عنقه. و في مصنف أبي داود مثله «5».
و في البخاري، و كتاب مسلم: أن قريشا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت. قال في كتاب مسلم في غزوة الفتح قالوا: و من يكلّم فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ و من يجترئ عليه إلا أسامة بن
__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (624) و (1184)، و مسلم (1707 و 38)، و أبو داود (4481)، و ابن ماجه (2571).
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (13547) و هو حديث مرسل و فيه رجل مجهول.
((1/31)
3) رواه مالك في الموطأ (1788)، و أحمد في المسند (2/ 64) و (5310)، و البخاري (6795)، و مسلم (1686)، و أبو داود (4385). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) رواه مالك في الموطأ (1822) و هو مرسل. و رواه ابن ماجه (2595) و هو حديث حسن.
(5) رواه النسائي (8/ 92) و (4982)، و أبو داود (4411)، و ابن ماجه (2587) و إسناده ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:25
زيد حبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ فكلّم أسامة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «أتشفع في حد من حدود اللّه تعالى؟» فقال أسامة: يا رسول اللّه استغفر لي. فلما كان العشي قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فخطب فأثنى على اللّه عز و جل بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد: إنما هلك من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، و الذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». ثم أمر بتلك المرأة المخزومية فقطعت يدها «1».
و في حديث آخر في كتاب مسلم: أن أم سلمة كلّمت فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «لو كانت فاطمة قطعت يدها». فقطعت «2».
و في حديث آخر أن هذه المخزومية كانت تستعير الحلي و المتاع فتجحده فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بقطع يدها «3».
و في مصنف عبد الرزاق: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أتي بعبد سرق فأتي به أربع مرات فتركه، ثم أتي به الخامسة فقطع يده، ثم أتي به السادسة فقطع رجله، ثم أتي به السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله «4».
و في الواضحة: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أتي بسارق فقال: «اقتلوه»، فقالوا: إنما سرق يا رسول اللّه.
فقال: «اقطعوه» حتى قطعت قوائمه الأربع، ثم أتي به أبو بكر و قد سرق بفيه فأمر به أبو بكر فقتل «5».
و هذا عند أكثر العلماء خاص في ذلك الرجل وحده، إلا ما قال أبو المصعب صاحب مالك إنه إن سرق في الخامسة قتل.(1/32)
و في مصنف أبي داود أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمر بقتله في الخامسة فقتل و ألقي في بئر.
قال جابر: و رمينا عليه الحجارة «6».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3475) و (6887)، و مسلم (1688) و أبو داود (4373)، و الترمذي (1430) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه مسلم (1689) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3) رواه مسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه عبد الرزاق في المصنف (18773)، و البيهقي (8/ 273) من حديث ابن جريج قال: أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حدثه أن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذكره و عبد ربه مجهول. و الحارث بن عبد الله روايته عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مرسلة.
(5) رواه النسائي (8/ 89 و 90)، و الحاكم (4/ 382)، و البيهقي (8/ 272 و 273) و صححه الحاكم. و قال الذهبي في التلخيص: منكر من حديث الحارث بن حاطب رضي الله عنه و إسناده ضعيف. و له شاهد من حديث جابر رضي الله عنه رواه أبو داود (4410)، و النسائي (8/ 90 و 91). و البيهقي (8/ 272). و قال النسائي هذا حديث منكر. و مصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. نقول و له طرق لعله يتقوى بها.
(6) رواه أبو داود (4410) من حديث جابر رضي الله عنه. و هو حديث حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:26
و فيما روى الأصيلي عن شيوخه ببغداد و وجدته بخطه أن رجلا كان يسرق الصبيان فأتي به النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقطع يده «1».
عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن الحسن قال: أتي النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بسارق سرق طعاما فلم يقطعه «2»، فقال سفيان: و الذي يفسد من نهاره الثريد و اللحم و شبهه، ليس فيه قطع و لكن يعزّر.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، و في الساحر كيف يقتل(1/33)
في الحديث الثابت أن يهودية سمّت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في شاة. و اسم اليهودية: زينب بنت الحارث بن سلام، و أكثرت من السم في الذراع، فلما وضعتها بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، و معه بشر بن البراء بن معرور و قد أخذ منها كما أخذ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، فأما بشر فأساغها، و أما النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فلفظها، ثم قال: «إن هذا العظم ليخبرني: أنه مسموم»، ثم دعا باليهودية فاعترفت فقال: «ما حملك على ذلك؟» قالت: قلت إن كان ملكا استرحنا منه، و إن كان نبيا لم يضره. فتجاوز عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و مات بشر من أكلته التي أكل «3»، فاتفق البخاري و مسلم و إسماعيل القاضي و ابن هاشم على أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عفا عنها.
و ذكر أبو داود في مصنفه، و ذكره أيضا صاحب كتاب شرف المصطفى: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمر بقتلها بسبب من مات من المسلمين من أكل الشاة «4».
و في حديث آخر في كتاب الشرف: أنه صلبها.
و في مصنف عبد الرزاق: أتي صلى اللّه عليه و سلم بساحر فقال: «احبسوه فإن مات صاحبه فاقتلوه» «5».
و قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «حد السارق ضربه بالسيف» «6». ذكره ابن سلام في
__________________________________________________
(1) رواه البيهقي في السنن (8/ 268)، و الدارقطني (3/ 202) و قال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن محمد و هو كثير الخطأ على هشام. و هو ضعيف الحديث. و قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. و قال أبو حاتم: متروك الحديث.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (18915) و هو حديث مرسل. و فيه رجل مجهول.
((1/34)
3) ذكره ابن كثير في البداية و النهاية (4/ 211) بلفظ المؤلف. و قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق و ذكره. و رواه أحمد في المسند (2784) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما و هو حديث صحيح و رواه البخاري (5777) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه أبو داود (4511) و هو حديث صحيح.
(5) رواه عبد الرزاق في المصنف (18754) و إسناده منقطع. يزيد بن رومان روايته عن أبي هريرة مرسلة.
(6) رواه الترمذي (1460)، و الدارقطني ص (336)، و الحاكم (4/ 360)، و الطبراني في المعجم الكبير (1665)، و البيهقي في السنن (8/ 136) و قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. و إسماعيل-
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:27
تفسيره، و قتلت عائشة مدبّرة سحرتها فيما يذكر، و لم يثبت و إنما ثبت أنها باعتها «1»، و فعلت ذلك أيضا حفصة، وقع قتل حفصة لها في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي، و ذكر أن عثمان أنكر ذلك عليها إذ فعلته دون أمر السلطان، «2» و ذكر ابن المنذر أن عائشة باعتها، و ذكر الحديث عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «حد الساحر ضربه بالسيف»، و قال في إسناده مقال أنه من رواية إسماعيل بن مسلم و هو ضعيف.
و في كتاب النسائي و أبي داود عن ابن عباس أن رجلا أعمى سمع أم ولد له تسب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقتلها فأهدر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم دمها «3».(1/35)
و في هذا الحديث من الفقه: أن من سبّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قتل و لم يستتب، بخلاف المرتد. و ذكر ابن المنذر في الأشراف أن عوام العلماء أجمعوا على ذلك إلا ما روي عن أبي حنيفة- رضي اللّه عنه- أن من سب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من أهل الذمة لم يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، و الحجة عليه أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللّه و رسوله، فانتدب إليه جماعة بإذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقتلوه «4». و زاد الفضل في كتابه و صاحب الشرف و أتوا برأسه إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم في مخلاة.
و في قول أبي بكر الصديق لأبي برزة الأسلمي: إذا أراد قتل رجل آذى أبا بكر بلسانه فقال له أبو بكر: ليست هذه لأحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «5»، دليل بيّن أن من سبّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قتل، و كذلك يقتل من آذاه أو عابه أو انتقصه. رواه عيسى عن ابن القاسم في المستخرجة.
و روى ابن وهب عن مالك أنه قال: من قال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وسخ ازدراء على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو استنقاصا قتل «6».
و في المستخرجة روي عن عيسى عن ابن القاسم: من سب النبيّ قتل بعد أن يستتاب كالمرتد، و ميراثه لجماعة المسلمين و سواء أظهر ذلك أو أسرّه. و كذلك في الواضحة لمالك و ابن القاسم و غيرهما، و في غير الكتابين يقتل بغير استتابة. ذكره ابن الحكم عن مالك.
__________________________________________________
ابن مسلم المكي يضعف في الحديث. و الصحيح عن جندب موقوف. أقول إسماعيل بن مسلم المكي- قال الذهبي: متفق على ضعفه. و قال في الكاشف. ضعفوه و تركه النسائي.
(1) ذكره ابن قيم في زاد المعاد. باب في حكمه صلى اللّه عليه و سلم في الساحر (ج/ 5/ 62) و قال رواه ابن المنذر.
(2) رواه البيهقي في السنن (8/ 136) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. و إسناده صحيح.
((1/36)
3) رواه أبو داود (4361)، و النسائي (7/ 107 و 108)، و الدارقطني (4/ 216 و 217) من حديث ابن عباس. و الحاكم (4/ 354) و صححه و وافقه الذهبي.
(4) رواه البخاري (2510 و 3031)، و مسلم (1801)، و أبو داود (2768) من حديث جابر رضي الله عنه.
(5) رواه أبو داود رقم (4363)، و النسائي (7/ 108 و 109) و إسناده صحيح من حديث أبي برزة رضي اللّه عنه.
(6) ذكره القاضي عياض في الشفا، باب من سب النبي صلى اللّه عليه و سلم و انتقصه من كلام مالك رحمه الله موقوفا عليه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:28
كتاب الجهاد
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أول قتيل قتل من المشركين و أول غنيمة
في معاني القرآن لابن النحاس، و أحكام القرآن لإسماعيل القاضي، و السير لابن هشام و بعضهم يزيد على بعض في اللفظ: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث عبد اللّه بن جحش الأسدي، و بعث معه رهطا من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار. قال في السير: ثمانية في رجب، و قال في الأحكام: في جمادى الآخرة لأنه ذكر أن قتل ابن الحضرمي وقع في آخر يوم من جمادى و أول يوم من رجب. و وقع في السير: في آخر رجب و أول شعبان. قال النحاس و إسماعيل: و أمّر عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبعث عبد اللّه بن جحش، و كتب له كتابا و أمره ألايقرأه حتى يبلغ مكان كذا و كذا، و لا يستكره من أصحابه أحدا. قال في السير: ألايقرأه حتى يسير يومين. فلما سار يومين و قرأه إذا فيه: «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف فترصد بها قريشا و تعلم لنا من أخبارهم». فلما قرأ الكتاب استرجع و قال: سمعا و طاعة، ثم قال لأصحابه: من أراد أن يسير معي سار، و من أراد أن يرجع فليرجع فقد نهاني النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أن أستكره أحدا منكم.(1/37)
قال إسماعيل القاضي و النحاس: فرجع منهم رجلان، و قال ابن هشام في السير: لم يرجع منهم أحد، إلا أنهم لما كانوا بموضع يقال له نجران فوق الفرع أضل منهم سعد بن أبي وقاص، و عتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه و مضى عبد اللّه بن جحش ببقية أصحابه حتى نزلوا بنخلة حيث أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا و أدما و تجارة من تجارة قريش و فيها عمرو بن الحضرمي، و عبد اللّه بن عباد، و يقال مالك بن عباد أخو الصدف.
و اسم الصدف عمرو بن مالك أخو السكون بن أشرس من كندة، و يقال كنانة، فتشاور القوم فيهم و ذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: و اللّه لئن تركناهم هذه الليلة ليدخلن الحرم و ليمتنعن به منكم و لئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم و هابوا الإقدام عليهم. ثم أجمعوا على قتل من قدروا عليه، و أخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد اللّه التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، و استؤسر عثمان بن عبد اللّه و الحكم بن كيسان و أفلت من القوم نوفل بن عبد اللّه فأعجزهم، فأقبل عبد اللّه بن جحش و أصحابه بالعير و الأسيرين حتى قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة، فلما قدموا عليه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام». فوقف العير و الأسيرين و أبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك سقط في أيدي القوم،
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:29(1/38)
و ظنوا أنهم قد هلكوا و عنفهم إخوانهم من المسلمين و قالت قريش قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام و سفكوا فيه الدماء و أخذوا فيه الأموال و أسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين: إنما أصابوا ذلك في شعبان. و قالت يهود: تفاءل بذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد اللّه بن عمرو عمرت الحرب و الحضرمي حضرت الحرب و واقد وقدت الحرب فجعل اللّه ذلك عليهم فلما أنزل اللّه عز و جل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة: الاية 217]. يعني أكبر من قتل ابن الحضرمي، و الفتنة كفر باللّه و عبادة الأوثان أكبر من هذا كله ففرج اللّه عن المسلمين ما كانوا فيه من الإشفاق، و قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العير و الأسيرين و بعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد اللّه و الحكم بن كيسان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا نفديكموهما حتى يقدما صاحبانا» يعني سعد بن أبي وقاص و عتبة بن غزوان «فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم»، فقدم سعد و عتبة ففاداهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم و حسن إسلامه و أقام عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى قتل ببئر معونة، و أما عثمان فلحق بمكة و مات كافرا. و وقع في الهداية لمكي و غيرها و كان هذا أول قتال وقع بين المسلمين و الكفار و أول غنيمة غنمت و أول قتيل قتل من الكفار «1».
و وقع أيضا في الأحكام لإسماعيل أنه أول قتيل قتل من المشركين. و ذكر مكي: أن ابن وهب روى أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ردّ الغنيمة، و ودى القتيل. و كان ذلك بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا.(1/39)
قال إسماعيل القاضي: و في إرسال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن جحش بكتاب مختوم و أمره أن لا يقرأه إلا بعد يومين من الفقه إجازة الشهادة على وصية مطبوعة، و هو قول مالك و كثير من السلف، و روي عن الحسن أنه لم يجز الشهادة على وصية كتاب مطبوع و قال: لعل فيه جورا.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الجاسوس»
في البخاري و غيره عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: جاء عين من المشركين إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو نازل فلما طعم انسل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «عليّ الرجل اقتلوه»، فابتدره القوم، قال: و كان أبي يسبق الفرس فسبقهم إليه فأخذ بخطام راحلته فقتله، فنفّله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سلبه «2».
__________________________________________________
(1) رواه ابن جربر الطبري في التاريخ (2/ 253)، و ابن كثير في البداية و النهاية (3/ 249 و 250) و قال ابن كثير قال ابن اسحاق و ذكره. و انظر ابن هشام (1/ 603 و 604) و ابن سعد (2/ 60 و 61) و ابن كثير (2/ 366 و 371) و انظر زاد المعاد (3/ 168).
(2) رواه البخاري (3051)، و أبو داود (2653)، و ابن ماجه (2836) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:30(1/40)
عبيد اللّه بن أبي رافع قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنا و الزبير و المقداد. قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة، و معها كتاب فخذوه منها». و في كتاب الفضل: «خذا منها الكتاب، و خلّيا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكما فاضربا عنقها». يعني علي بن أبي طالب و الزبير، و لم يكن معهما المقداد. و ذكر أن جبريل أخبر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بخبر الكتاب و ذكر الزجّاج، و كذلك أن اللّه أطلعه على ذلك، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن في الظعينة فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب قال:(1/41)
فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول اللّه لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش و لم أكن من أنفسها، و كان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهليهم و أموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، و ما فعلت ذلك كفرا و لا ارتدادا و لا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قد صدقكم». فقال عمر: يا رسول اللّه دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «إنه قد شهد بدرا و ما يدريك لعل اللّه أن يكون قد أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». فأنزل اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: الاية 1] «1».
و ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال أن اسم الظعينة التي وجد عندها الكتاب: سارة. و أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمر بقتلها عام الفتح، و ذكره أيضا ابن هشام، و ذكر أنها امرأة من مزينة.
قال سحنون: و إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل، و لم يستتب و ماله لورثته. و قال غيره:(1/42)
يجلد جلدا وجيعا و يطال حبسه و ينفى عن موضع يقرب الكفار. و في (المستخرجة) قال ابن القاسم: يقتل و لا يقبل لهذا توبة و هو كالزنديق. و في كتاب اللّه تعالى وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التّوبة: الاية 47] فهذا الجاسوس، و قول سحنون أصح لحديث حاطب الذي أراد عمر أن يقتله.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأسرى و ذكر من قتله النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بيده و في الأسير يقتل على غلط
روى ابن وهب أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قتل سبعين أسيرا بعد إثخان من يهود، قتل يوم بدر من الأسارى عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أن ربط، و لم يقتل من الأسرى يوم بدر غيره، ضرب عنقه
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3007) و (4274) و (4890)، و مسلم (2494)، و أبو داود (2650)، و الترمذي (3305)، و البغوي في معالم التنزيل (4/ 328) من حديث علي رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:31
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. و يقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. و ذكر ابن هشام أن النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي بن أبي طالب صبرا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما يذكرون بالصفراء.
و قال ابن هشام: بالأثيل، و ذكر ابن حبيب: أنه أسلم. فاللّه أعلم أيّ ذلك أصح.
و ذكر ابن قتيبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتل ثلاثة صبرا يوم بدر: عقبة بن أبي معيط، و طعيمة بن عدي، و النضر بن الحارث. و قالت قتيلة أخت النضر بن الحارث بن كلدة ابن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار شعرا:
يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة و أنت موفّق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ما إن تزالّ بها النجائب تخفق
أمحمد يا خير ضن ء كريمة من قومها و الفحل فحل معرق
ما كان ضرّك لو مننت و ربما منّ الفتى و هو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن بأعز ما يغلو به ما ينفق(1/43)
فالنضر أقرب من أسرت قرابة و أحقهم إن كان عتق يعتق
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه للّه أرحام هناك تشقّق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا رسف المقيّد و هو عان موثق
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما بلغه هذا الشعر: «لو بلغني قبل قتله لمننت عليه» «1». قال معمر:
و فيه نزلت وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان: الاية 6]، الاية كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس و الروم و يقول: يحدثكم محمد صلى اللّه عليه و سلم عن عاد و ثمود، و أحدثكم عن فارس و الروم و يستهزئ بالقرآن. قال عكرمة: و فيه نزلت وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [الأنعام: الاية 93]. قال مجاهد: و فيه نزلت وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال: الاية 32]. قال الكلبي: و فيه نزلت لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال:
الاية 31]. و لقد كثر يومئذ الفداء و أكثر ما فدي به الرجل أربعة آلاف، و ربما فدي أن يعلّم عددا من المسلمين الكتابة. و روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «يعلّم عشرة من المسلمين الكتابة». قال ابن وهيب: إن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط.
و في تفسير ابن سلام قال الحسن: أطلق النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الأسرى فمن شاء منهم رجع إلى مكة، و قال ابن سيرين: الطلقاء أهل مكة، و العتقاء أهل الطائف.
__________________________________________________
(1) رواه ابن كثير في البداية و النهاية (3/ 305 و 306) باب مقتل النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط لعنهما الله. و قال ابن كثير: قال ابن اسحاق و ذكره و ابن سيد الناس في عيون الاثر (1/ 1292) باب ما قيل في الشعر في غزوة بدر.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:32(1/44)
و في السير لابن هشام أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال يوم الفتح لأهل مكة في حديث ذكره: «اذهبوا فأنتم طلقاء» «1».
و روى سفيان عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «الطلقاء من قريش، و العتقاء من ثقيف» «2». من كتاب الأعراب لسفيان و شعبة.
و في معاني القرآن للنحاس عن عبد اللّه بن مسعود قال: لما كان يوم بدر جي ء بالأسرى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا رسول اللّه قومك و أصلك فاستبقهم فلعل اللّه أن يتوب عليهم. فقال عمر: يا رسول اللّه كذّبوك و أخرجوك و قاتلوك قدّمهم فاضرب أعناقهم، و ذكر الحديث و قال فيه: فأنزل اللّه عز و جل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: الاية 67] «3».
و قال الحسن أيضا في كتاب ابن سلام لم يكن أوحي إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في ذلك شي ء، فاستشار المسلمين فأجمعوا رأيهم على قبول الفداء ففادوا أسارى أهل بدر بأربعة آلاف، و ما أثخن نبيّ اللّه يومئذ في الأرض «4».
و في كتاب الشرف: إن أول رأس علّق في الإسلام: رأس أبي عزة. جعل في رمح، و حمل إلى المدينة.
و في السير: و كان في جملة السبعين أسيرا يوم بدر أبو عزة عمرو بن عبد اللّه الشاعر فشكا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كثرة عياله و عاهده ألايخرج عليه، فخرج يوم أحد يحرّض المشركين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فأسر و لم يؤسر أحد غيره، فضربت عنقه صبرا «5». و يوم أحد قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) رواه ابن هشام في السيرة (2/ 412) عن ابن اسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم. و البيهقي في السنن (9/ 118) و ذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 408) و هو حديث حسن بمجموع طرقه.
((1/45)
2) رواه أحمد في المسند (4/ 363)، و الطيالسي (671)، و الطبراني في الكبير (2311)، و الحاكم (4/ 80 و 81) و صححه و وافقه الذهبي. من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (المهاجرون و الأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا و الآخرة و الطلقاء من قريش. و العتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا و الآخرة) و إسناده حسن و رواه أبو يعلى (5033) و البزار رقم (2813) من حديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه. و هو حديث حسن بمجموع طرقه.
(3) رواه مسلم (1763)، و الترمذي (3081) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و ذكره القرطبي في التفسير (8/ 31) من حديث عبد الله بن مسعود. و إسناده منقطع. لكن يشهد له رواية عمر رضي الله عنه.
(4) رواه البيهقي في السنن (9/ 68) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جعل رسول الله صلى اللّه عليه و سلم في فداء الأسارى أهل الجاهلين أربعمائة و هو حديث حسن.
(5) رواه البيهقي في دلائل النبوة (3/ 280) و ابن كثير في البداية و النهاية (4/ 46) و البيهقي في السنن (9/ 65) و ابن حجر في الفتح (10/ 530) و قال البيهقي في البداية و النهاية: حدثنا أبو العباس محمد-
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:33
أبي بن خلف طعنه بالحربة فخدشه في عنقه فاحتقن الدم فقال: قتلني و اللّه محمد، فقال له كفار قريش: ذهب و اللّه فؤادك أن بك من بأس. قال: إنه قد كان قال بمكة إني أقتلك فو اللّه لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدو اللّه بسرف و هم قافلون إلى مكة. و كان المسلمون يوم أحد سبعمائة رجل و المشركون ثلاثة آلاف معهم مائتا فارس «1».
و في البخاري أن سعد بن معاذ قال لأمية بن خلف: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول إنه قاتلك بمكة. قال: لا أدري. ففزع لذلك فزعا شديدا، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس فقال:(1/46)
أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى بركت برك الناس، و إن تخلّفت و أنت سيد أهل هذا الوادي تخلّفوا معك، فلم يزل به حتى قال: أما إذا غلبتني لأشترينّ أجود بعير بمكة. ثم قال أمية: يا أمّ صفوان جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي، قال: لا و ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله اللّه ببدر «2».
و في معاني النحاس: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتل أمية بن خلف بيده و هو غلط.
و كانت وقعة أحد يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين و ثلاثين شهرا من الهجرة من كتاب المفضل و قال غيره للنصف من شوال، و في كتاب آخر و بعضه من المدونة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتي بأبي أمامة سيد أهل اليمامة، و يقال أثاثة بن أثال أسيرا فأمر به فربط في المسجد، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعرض عليه الإسلام كل يوم ثلاث مرات، ثم خيّره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله فقال: إن تقتل تقتل عظيما، و إن تفاد تفاد عظيما، و إن تعتق تعتق عظيما و أما أن أسلم فو اللّه لا أسلم قسرا أبدا. فأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأطلق فقال: أشهد ألاإله إلا اللّه و أنك رسول اللّه «3».
قال أصبغ في كتاب ابن الموّاز: و ينبغي للإمام إذا أراد أن يقتل أسيرا أن يدعوه إلى الإسلام، و يسأله هل له عند أحد عهد ممن أسره. و قال ابن جريج و السدي في قول اللّه عز و جل: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً [محمّد: الاية 4]. هي في أهل الأوثان من كفار العرب و هي
__________________________________________________
ابن يعقوب- قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله و ذكره. و هذا سند صحيح إلى الشافعي رحمه الله.
((1/47)
1) أخرجه ابن هشام (2/ 84) بلا سند. و أورده ابن كثير (2/ 63) من رواية ابن الأسود عن عروة بن الزبير. و من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب. و كلاهما مرسل. و هو ضمن حديث مطول أخرجه ابن جرير من طريق السدي مرسلا كما في ابن كثير (2/ 44).
(2) رواه البخاري رقم (3950).
(3) رواه البخاري (469) و (4372)، و مسلم (1764)، و أبو داود (2679)، و ابن خزيمة (252) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و انظر ابن كثير في التفسير (4/ 173).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:34
منسوخة بقوله عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التّوبة: الاية 5]. و قال ابن عباس: خيّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الأسرى بين الفداء و المن و القتل و الاستعباد يفعل ما يشاء. و على هذا القول أكثر العلماء «1».
و في كتاب الخطابي أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأسير يرعد فقال: «أدفئوه» يريد أدفئوه من الدف ء و لم يكن من لغته صلى اللّه عليه و سلم الهمز فذهبوا به فقتلوه فوداه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لو أراد قتله لقال دافوه و دافوا عليه بالتثقيل.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قريظة و النضير ورد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ
في البخاري و مسلم و النسائي: نزل يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ، و هذا اللفظ للنسائي. أخبرنا قتيبة بن سعد عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: رمي يوم الأحزاب سعد ابن معاذ فقطع أكحله «2». و في البخاري: رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل «3». قال في النسائي: فحسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالنار فانتفخت يده فتركه فنزفه الدم فحسمه أخرى فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة.(1/48)
فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. فأرسل إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
قال في البخاري في حديث أبي سعيد الخدري و كان قريبا فجاء على حمار فلما دنا من المسجد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قوموا إلى سيدكم» «4»، قال في غير البخاري فقال: المهاجرون من قريش: إنما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الأنصار، و قالت الأنصار: إنما عم بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقاموا إليه فجاء فجلس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له: «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» «5». و وقع في البخاري في موضع آخر عن عائشة: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أتى بني قريظة فنزلوا على حكمه فرد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحكم إلى سعد فقال سعد: إني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة و أن تسبى النساء و الذرية و أن تقسم أموالهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك» «6». قال في غير البخاري: «من
__________________________________________________
(1) ذكره ابن كثير في التفسير (4/ 173) باب قوله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً و قال: رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما. و قاله قتادة و الضحاك و السدي و ابن جريج- و قال آخرون و هم الأكثرون: ليست منسوخة إنما الإمام مخير بين المن على الأسير و مفاداته فقط. و لا يجوز له قتله.
(2) رواه الترمذي (1582) و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(3) رواه البخاري (4122) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه البخاري (3043) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) رواه أحمد في المسند (3/ 22) و (11168)، و مسلم (1768)، و النسائي في الكبرى (8222) و عبد بن حميد في المنتخب (995) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري (4122)، و مسلم (1769) من حديث عائشة رضي الله عنها.(1/49)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:35
فوق سبعة أرقعة» «1». ثم استنزلوا فحبسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالمدينة بدار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى سوق المدينة فخندق فيها، ثم بعث فيهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق و فيهم حيي بن أخطب، و كعب بن أسد رئيسهم و هم ستمائة أو سبعمائة و المكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة إلى الألف. و قالوا لكعب بن أسد و هم يذهب بهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون أن الداعي لا ينزع و الذاهب منكم لا يرجع! هو و اللّه القتل «2». قالت عائشة: و لم يقتل من نسائهم إلا امرأة اسمها بنانة و هي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته «3».
و في جامع المستخرجة في سماع ابن القاسم قال مالك: قال عبد اللّه بن أبي بن سلول لسعد بن معاذ في أمر بني قريظة إنهم أحد جناحي و هم ثلاثمائة دارع و ستمائة حاسر فقال له سعد: قد تألى سعد ألاتأخذه في اللّه لومة لائم.
و في كتاب النسائي: و كانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات «4».
و في كتاب ابن سحنون: روي أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم نهى أن تقبل من العدو النزول على حكم اللّه لأنك لا تدري أتصيب حكم اللّه فيهم و أنزلهم على حكمك، قال سحنون: فإن جهل الإمام فأنزلهم على حكم اللّه، يعني إذا طلبوا ذلك فهي شبهة فليردّوا إلى مأمنهم إلى أن يجيبوا إلى الإسلام.
قال محمد: و ليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم فإن أبوا عرضت عليهم الجزية. من النوادر قال سحنون: و إن نزلوا على حكم اللّه و حكم فلان فحكم بالسيف أو بسبي الذرية أو أخذ المال لم ينفذ و كأنهم نزلوا على حكم اللّه وحده.
قال ابن شهاب في مختصر المدونة: كانت وقعة بني النضير في المحرّم سنة ثلاث، و قال
__________________________________________________
((1/50)
1) رواه الخطابي في إصلاح خطأ المحدثين ص (52)، و ابن كثير في البداية و النهاية (4/ 108)، و في عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 73) و قال: قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة». و في إسناده عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ لم نقف له على ترجمته. و علقمة بن وقاص الليثي قال الحافظ: أخطأ من زعم أن له صحبة فالحديث مرسل و فيه مجاهيل.
(2) ذكره في عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 73). عن ابن اسحاق. قال: ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى اللّه عليه و سلم و ذكره.
(3) رواه أبو داود (2671) في الجهاد. باب في قتل النساء من حديث عائشة رضي الله عنها. و إسناده حسن.
(4) رواه الترمذي (1582) من حديث جابر رضي الله عنه. و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. و هو كما قال.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:36
غيره: سنة أربع خرج إليهم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول، و حوصروا ثلاثا و عشرين يوما و قالت عائشة: خمسة و عشرين يوما. و في البخاري: بعد بدر بستة أشهر. قاله عروة «1».
و في حكم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في بني قريظة من الفقه: أن أهل الذمة إذا حاربوا و الإمام عادل، فليستحل بذلك نساءهم و ذراريهم، و من ضعف من رجالهم من شيخ و ذي زمانة. قاله الأوزاعي، و ابن الماجشون، و أصبغ، و ابن حبيب، و ابن الموّاز، و خالفهم ابن القاسم في الشيخ الكبير و من به زمانة، أو من يرى أنه مغلوب منهم. فقال: لا يستباحوا و لا يسترقوا.
قال أبو عبيد: إنما استحل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دماء بني قريظة لمظاهرتهم الأحزاب عليه، و كانوا في عهده فرأى ذلك نكثا لعهدهم.(1/51)
قال أبو عبيد: و قال سفيان بن عيينة: إنا لا نعلم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة فإنه منّ عليهم، و كان نقضهم أن قاتلت حلفاؤهم من بني بكر حلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من خزاعة. فنصر أهل مكة بني بكر على حلفائه، فاستحل غزوهم. قال المفضل:
حاصرهم إحدى و عشرين ليلة، ثم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الصلح، فأبى ذلك عليهم إلا على أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به عليه السلام، فرضوا فأمرهم أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم، و ما بقي فلرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فخرجوا إلى الشام و هو حشرهم.
و ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن اليهود قيل لهم: انزلوا على حكم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم. قالوا:
ننزل على حكم سعد، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «انزلوا على حكم سعد» «2».
و في مصنف أبي داود: كان النضير أشرف من قريظة، و كلاهما من ولد هارون النبيّ عليه السلام «3».
و في كتاب المفضل: و كان سبب النضير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سار إليهم و معه نفر من
__________________________________________________
((1/52)
1) رواه البخاري تعليقا في ترجمة باب (14) في المغازي حديث بني النضير. و مخرج رسول الله إليهم في دية الرجلين و ما أرادوا من الغدر برسول الله صلى اللّه عليه و سلم- و قال: قال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد. و قال الحافظ في الفتح: وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا، و لفظه عن الزهري و هو في حديثه عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير. و هم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. و كانت منازلهم و نخلهم بناحية المدينة. فحاصرهم رسول الله صلى اللّه عليه و سلم حتى نزلوا على الجلاء. و على أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة و الأموال لا الحلقة يعني السلاح. فأنزل الله فيهم سَبَّحَ لِلَّهِ إلى قوله لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر: 1، 2].
(2) رواه أحمد في المسند (6/ 141 و 142)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 128)، و قال: رواه أحمد و فيه محمد بن عمرو بن علقمة. و هو حسن الحديث. و بقية رجاله ثقات. و قال في الفتح (11/ 43) و سنده حسن.
(3) رواه أبو داود (3591) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:37
أصحابه، فكلّمهم في أن يعينوه في دية الكلابيين اللّذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا:(1/53)
نفعل يا أبا القاسم، و خلا بعضهم ببعض فتوامروا فيه و هموا بالغدر به، و قال عمرو بن جحاش النضيري: أنا أظهر على البيت، و أطرح عليه صخرة، و ذكر غيره رحى فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا فو اللّه ليخبرن بما هممتم به و إنه لنقض العهد الذي بيننا و بينه. و جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخبر بما همّوا به. قال غيره: نزل جبريل- عليه السلام- فأخبره فنهض مسرعا فتوجه إلى المدينة، و لحقه أصحابه فقالوا: قمت و لم نشعر. فقال: «همّت يهود بالغدر فأخبرني اللّه عز و جل بذلك»، و بعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أن اخرجوا من بلدي لا تساكنوني، و قد هممتم بغدري و قد أجّلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه». فأقاموا أياما يتجهزون، و أرسل إليهم عبد اللّه ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم فإنّ معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون حولكم، و تنصركم قريظة و حلفاؤكم من غطفان. فطمع حيي فيما قال له و بعث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إنا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك. فأظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم التكبير، فسار إليهم، و علي بن أبي طالب يحمل رايته فلما رأوه قاموا على حصونهم و معهم النبل و الحجارة، و اعتزلتهم قريظة، و خانهم ابن أبيّ و حلفاؤهم من غطفان، و حاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و قطع نخلهم فقالوا: نخرج من بلدك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا نقبل ذلك.(1/54)
و لكن اخرجوا و لكم دماؤكم و ما حملت الإبل إلا الحلقة» يعني السلاح، فنزلوا على ذلك و قبض النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الأموال و الحلقة، و كانت أموال بنو النضير خالصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لنوائبه و لم يخمّسها لأن اللّه عز و جل أفاءها عليه، و لم يوجف المسلمون عليها بخيل و لا ركاب، فهذا جزاء بني النضير الذي قال اللّه عز و جل: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [البقرة: الاية 85]. و قوله عز و جل: وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر: الاية 5] «1».
و أما قريظة فسار إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في ثلاثة آلاف من المسلمين فحاصرهم خمسة عشر يوما، فأرسلوا إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: أن يرسل إليهم أبا لبابة فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إلى حلقه أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت اللّه و رسوله فلم يرجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و سار إلى المسجد، و ارتبط بسارية و لم يأت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى أنزل اللّه توبته. ثم نزلوا على حكم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأمر بهم عليه السّلام محمد بن مسلمة فكتفوا و نحوا ناحية، و استعمل عليهم عبد اللّه بن سلام، فجمع أمتعتهم و ما وجد في حصونهم من الحلقة و الأثاث فوجد فيها ألفين و خمسمائة سيف، و ثلاثمائة درع و ألف رمح و خمسمائة ما بين ترس و حجفة. و وجد عندهم جرار خمر فأهرق، و لم يخمّس، و كلّمت الأوس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيهم: أن يهبهم لهم و كانوا حلفاءهم، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل المقاتلة، و سبي النساء و الذرية، و أن تقسم
__________________________________________________
((1/55)
1) رواه ابن سعد في طبقاته (2/ 43 و 44)، و ابن جرير الطبري (2/ 542)، و ابن هشام في السيرة (2/ 174) باب أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع من حديث ابن إسحاق.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:38
الأموال. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة»، و انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أمر بهم فأدخلوا المدينة، و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عامة أصحابه، و أخرجوا رسلا رسلا فضربت أعناقهم. و كانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة، و اصطفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لنفسه ريحانة بنت عمرو، و أمر بالغنائم فجمعت و أخرج الخمس من المتاع و السبي، ثم أمر بالباقي فبيع فيمن يزيد، و قسمه بين المسلمين، و كانت السهمان على ثلاثة آلاف و اثنين و سبعين سهما للفرس سهمان و لصاحبه سهم، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعتق منه و يهب و يخدم «1». و كذلك قال مالك في المستخرجة: خمّس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قريظة و لم يخمّس بني النضير.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان عام الفتح
في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل مكة عام الفتح و على رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول اللّه ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اقتلوه» «2». هكذا رواه مالك عن ابن شهاب، و روى غيره و على رأسه عمامة سوداء «3». و ذكر البخاري و مسلم و هو على راحلته و خلفه أسامة بن زيد.
و في كتاب الأموال لأبي عبيد: فنادى ألايجهزنّ على جريح و لا يتّبعن مدبر، و لا يقتلن أسير، و من أغلق بابه فهو آمن «4».(1/56)
و في كتاب النسائي و غيره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «من دخل الكعبة فهو آمن، و من أغلق بيته فهو آمن، و من ألقى السلاح فهو آمن، و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، و أمّن جميع الناس إلا أربعة رجال و امرأتين «5». و ذكر ابن حبيب: ستة رجال و أربع نسوة فقال: «اقتلوهم و إن تعلّقوا بأستار الكعبة». و هم على ما ذكره النسائي و غيره: عبد اللّه بن خطل، و عكرمة بن أبي جهل، و مقيس بن صبابة، و عبد اللّه بن سعد بن سرح، فأما عبد اللّه بن خطل فأدرك و هو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث و عمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا و كان أشبّ الرجلين
__________________________________________________
(1) رواه ابن سعد في طبقاته (2/ 57)، و ابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 581)، و المغازي للواقدي (496)، و في سيرة ابن هشام (2/ 194 و 203) باب نزول بني قريظة على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يحكم سعد.
(2) رواه البخاري (3044)، و مالك في الموطأ (1/ 423)، و مسلم (1357) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (1358)، و أبو داود (4076)، و الترمذي (1735)، و ابن حبان (3720) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4) رواه البزار (1849)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 243)، و قال: رواه البزار و الطبراني في الأوسط. و فيه كوثر بن حكيم ضعيف متروك.
(5) رواه مسلم (1780)، و أبو داود (3024) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:39
فقتله. و أما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، و لم يتعرض النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لحال ابن خطل «1»، و ذكر ابن هشام أن نميلة قتله و هو رجل من قومه. و أن عبد اللّه بن خطل قتله سعد بن حريث و أبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه «2». و ذكر صاحب الشرف أن أبا برزة قتله. و قالت أخت مقيس شعرا:
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه و فجع أضياف الشتاء بمقيس(1/57)
و أما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم ههنا شيئا. فقال عكرمة: و اللّه لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عليّ عهدا إن كنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوا كريما. فجاء فأسلم.
و أما عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه بايع عبد اللّه. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ذلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا- حين رآني كففت يدي عن بيعته- فيقتله». قالوا: ما يدرينا يا رسول اللّه ما في نفسك، هلا أومأت إلينا برأسك. قال: «إنه ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة عين» «3».
و في كتاب ابن هشام: و ذكره ابن حبيب أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمر بقتل الحويرث بن نفير بن وهب ابن عبد مناف بن قصي سوى النفر المذكورين و المرأتين، فقتله علي بن أبي طالب صبرا. ذكره ابن حبيب، و ذكر ابن حبيب امرأتين سواهما: هند ابنة عتبة بن ربيعة، و سارة مولاة عمرو بن هشام. و المرأتين المذكورتين كانتا قينتين تغنيان بهجاء النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لعبد اللّه بن خطل: فرتنا و قريبة.
فأسلمت فرتنا، و بقيت حتى ماتت في خلافة عثمان، و قتلت قريبة و سارة، و أسلمت هند بنت عتبة و بايعت «4»، و ذكر ابن إسحاق أن سارة أمّنها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعد أن استؤمن لها، فبقيت حتى أوطأها رجل فرسا في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها «5». و ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن سارة حملت كتاب حاطب إلى مكة «6».
__________________________________________________
((1/58)
1) رواه النسائي في السنن (7/ 105 و 106) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. و إسناده صحيح.
(2) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 409). باب أسماء من أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم بقتلهم و سبب ذلك.
(3) رواه أبو داود (2683)، و النسائي (7/ 105 و 106) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. و هو حديث صحيح.
(4) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 410) باب أسماء من أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم بقتلهم و سبب ذلك.
(5) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 411) باب أسماء من أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم بقتلهم بدون سند.
(6) ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (296) من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي اللّه عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:40(1/59)
قال ابن إسحاق: و إنما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقتل عبد اللّه بن أبي سرح لأنه كان أسلم و كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فارتد مشركا، ثم أسلم بعد، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله، ثم ولاه عثمان بعد عمر «1». و عبد اللّه بن خطل كان مسلما فبعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بعث معه رجلا من الأنصار، و كان معه مولىّ له يخدمه، و كان مسلما فنزل منزلا و أمر المولى أن يذبح له تيسا فيصنع له طعاما فنام و استيقظ و لم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا. و الحويرث بن نفير كان ممن يؤذي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمكة، و كان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة و أم كلثوم ابنتي النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس بهما الحويرث فرمى بهما إلى الأرض، و مقيس قتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، و رجع مشركا إلى مكة، و قدم مقيس على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم مكة مسلما سنة ست: عام الحديبية، و طلب دية أخيه، فأمر له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بدية أخيه، ثم قتل الذي قتل أخاه، و رجع إلى مكة مشركا و قال في شعره:
حللت به و تري و أدركت ثورتي و كنت إلى الأوثان أول راجع
و كان الذي قتل أخاه هشام بن صبابة رجل من رهط عبادة بن الصامت أصابه خطأ و هو يظن أنه من العدو في غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست «2»(1/60)
قال ابن هشام: و بلغني أن أول قتيل وداه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يوم الفتح: جنيدب بن الأكوع، قتلته بنو كعب، فوداه بمائة ناقة «3» و قال عليه السلام: «يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل إن يقع» «4» قال ابن حبيب: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أذن لخزاعة أن يضعوا السيوف في بني بكر إلى صلاة العصر. قال ابن هشام: و ذلك أن الصلح الذي انعقد بين النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و بين أهل مكة عام الحديبية وقع فيه من الشرط: أن من أحب أن يدخل في عقد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و عهده- عليه السلام- دخل، و من أحب أن يدخل في عهد أهل مكة دخل. فدخلت خزاعة في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و دخلت بنو بكر في عهد قريش، ثم تظاهر بنو بكر و قريش على خزاعة، و نقضوا عهدهم فيهم، و أصابوا فيهم فخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم المدينة على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و استنصره، و كان مما أهاج فتح مكة. قال ابن سلام في تفسيره: و في قتل خزاعة لمن قتلوه بمكة و ذلك خمسون رجلا أنزل اللّه عز و جل: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التّوبة: الاية 14]. قال أبو سفيان: يا رسول اللّه
__________________________________________________
(1) ذكره البيهقي في دلائل النبوة (5/ 62)، و ابن هشام في السيرة (4/ 23). و في إسناده أحمد بن عبد الجبار. قال الحافظ في التقريب: ضعيف.
(2) رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 62) و قال البيهقي: قال ابن اسحاق و ذكره. و ابن هشام في السيرة (2/ 410). و قال: قال ابن اسحاق. و ذكره بدون سند.
(3) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 416) باب أول قتيل وداه الرسول صلى اللّه عليه و سلم يوم الفتح.
(4) ذكره ابن حجر في الفتح (12/ 206) و في البداية و النهاية (4/ 305)- من حديث ابن إسحاق و لم يذكر له سند.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:41(1/61)
أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، ثم قال- عليه السلام- «لا تغزى قريش أبدا و لا يقتل قرشي صبرا أبدا» «1» يعني: على كفر.
قال ابن قتيبة: لا يقتل قرشي صبرا بضم اللام، و من رواه جزما أوجب ظاهر الكلام للقرشي ألايقتل إن ارتد و لا يقتص منه إن قتل، و من رواه رفعا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش ألايرتد منها أحد عن الإسلام فيستحق القتل.
قال ابن حبيب: أقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ بمكة خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة «2».
و في البخاري عن ابن عباس: أقام النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بمكة: تسعة عشر يوما يقصر «3».
و عن أنس: أقمنا مع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عشرة نقصر «4». قال ابن عباس: و نحن نقصر ما بيننا و بين تسعة عشر فإذا زدنا أتممنا «5». و قال المزّني عن الشافعي: أقام النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بمكة حين افتتحها ثمان عشرة ليلة يقصر «6».
و في مصنف أبي داود عن جابر: أقام النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة «7». و هذا خلاف قول ابن عباس.
قال أبو عبيد: قال ميمون بن مهران: حاصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة، ثم أخذوا الأمان على ألايكتموا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا- قال غيره: كنزا- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يا بني الحقيق- قال أبو عبيد هكذا قال و إنما هم بني أبي الحقيق- و قد عرفتم عداوتكم للّه و رسوله ثم لم يمنعني ذلك من أن أعطيتكم ما أعطيت أصحابكم. و قد أعطيتموني عهدا أنكم إن كتمتم شيئا أحلّت لنا دماؤكم. ما فعلت آنيتكم؟» قالوا: استهلكناها في حربنا.
__________________________________________________
((1/62)
1) رواه أحمد في المسند (3/ 412)، و الترمذي رقم (1611) في السير، و الحميدي رقم (582)، و الطبراني في الكبير رقم (3333) من حديث الحارث بن مالك ابن البرصاء رضي الله عنه و اسناده صحيح.
(2) رواه النسائي في السنن (3/ 121) باب المقام الذي يقصر فيه الصلاة. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. بلفظ (إن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)
(3) رواه البخاري (1080) و (4298)، و الترمذي (549) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) رواه البخاري (1081) و (4297) في المغازي من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (4299) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) رواه أبو داود (1229) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ (غزوت مع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و شهدت معه الفتح. فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين و يقول يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر).
(7) رواه أبو داود (1235) من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. و فيه عنعنة يحيى بن أبي كثير. و هو مدلس- و قال أبو داود: غير معمر لا يسنده. و قال المنذري في مختصر سنن أبي داود. و ذكر البيهقي أنه غير محفوظ.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:42
قال: فأمر أصحابه فأتوا المكان الذي فيه الانية فاستثاروها. قال: ثم ضربت أعناقهم «1».
و في كتاب ابن عقبة: أخذوا الأمان على ألايكون لهم شي ء إلا ما على ظهورهم من الثياب، و إنهم إن كتموا شيئا فقد برئت منهم ذمة اللّه و ذمة رسوله.
قال أبو عبيدة: حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن قال: عاهد حيي بن أخطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ألايظاهر عليه أحدا، و جعل اللّه عليه كفيلا، فلما كان يوم قريظة أتي به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بابنه سلمى. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أوف الكيل» فضرب عنقه، و عنق ابنه «2».(1/63)
و ذكر أيضا أبو عبيد: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وجه نفرا إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه فقتلوه «3».
و ذكر الخطابي عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان من مال أبي الحقيق كنز يقال:
مسك الجمل كان يليه الأكبر فالأكبر، فغيّبوه و كتموه فقتلهم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بنقضهم العهد. قال الواقدي: عدده عشرة آلاف دينار.
و من كتاب الأموال قال أبو عبيد: حدثنا عبد اللّه بن صالح، عن الليث بن سعد، عن عقيل ابن خالد، عن ابن شهاب قال: كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين، و ذاك يوم حفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخندق، و رئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن صخر بن حرب فحاصروا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشر ليال فلحق إلى المسلمين الكرب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما أخبرني سعيد بن المسيب:
«اللهم إني أنشدك عهدك و وعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد». فلم يلبث إلا يسيرا حتى أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رسولا إلى عيينة بن حصن- و هو يومئذ رئيس الكفار من غطفان، و هو مع أبي سفيان- فعرض عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلث ثمر نخل المدينة على أن يخذل الأحزاب، و ينصرف بمن معه من غطفان. فقال عيينة: بل أعطني شطر ثمرها، ثم أفعل ذلك، فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى السعدين: سعد بن معاذ- و هو سيد الأوس-، و سعد بن عبادة- و هو سيد الخزرج- فقال: «إن عيينة قد سألني نصف ثمر نخلكم على أن ينصرف بمن معه من غطفان، و يخذل الأحزاب و أني أعطيته الثلث و أبى إلا النصف فما تريان؟» فقالا: يا رسول اللّه إن كنت أمرت بشي ء فافعله.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لو أمرت بشي ء لم أستأمركما فيه، و لكن هذا رأي أعرضه عليكما». قالا:
فإنا لا نرى أن نعطيهم إلا السيف. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «فنعم» «4»
__________________________________________________
((1/64)
1) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (845) من حديث ميمون بن مهران. و هو حديث مرسل و رجاله ثقات.
(2) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (461) باب أهل الصلح، و العهد ينكثون، متى تستحل دماؤهم. و هو حديث مرسل.
(3) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (460) من حديث ابن كعب بن مالك. و هو مجهول و الحديث مرسل و يشهد له ما قبله.
(4) رواه ابن عساكر في تاريخه (1/ 113)، و ابن سعد في الطبقات (2/ 56)، و في إسناده عبد الله بن-
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:43
و في كتاب ابن عقبة: أن اليهود أخذوا الأمان ألايكون لهم شي ء إلا ما على ظهورهم من الثياب، و إنهم إن كتموا شيئا فقد برئتا منهم: ذمة اللّه و ذمة رسوله. و قتل من أصحاب خالد عند فتح مكة رجلان: كرز بن جابر الفهري، و خالد بن أخفش الخزاعي. قال ابن حبيب: و قتل من المشركين ثلاثة و عشرين رجلا. و قال ابن هشام: اثنا عشر، أو ثلاثة عشر.
قال أبو عبيد: اختلف العلماء في مصالحة المشركين، و مهادنتهم لمدة معلومة على ثلاثة أقوال: فقالت طائفة: مصالحتهم جائزة لقول اللّه عز و جل وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال:
الاية 61]. و قوله تعالى: فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ [محمّد: الاية 35].(1/65)
الايتان محكمتان إذا دعا المشركون إلى الصلح أجيبوا، و لا يدعوهم إليه المسلمون إذا كانوا في قوة. و هذا قول مالك- رحمه اللّه-. و قالت طائفة: لا يصالحوا على حال، و إنما هو قتالهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. و جعلوا الاية التي في الأنفال منسوخة باية القتال. و روي ذلك عن ابن عباس. و قالت طائفة: يجوز أن يصالحوا على مال يعطيه المسلمون أياهم إذا ضعفوا عن قتالهم. و روي أن معاوية بن أبي سفيان و عبد الملك بن مروان فعلوا ذلك. ذكر ذلك الأوزاعي. و حجة مالك في إجازة الصلح أيضا قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لصفوان بن أمية إذ بعث إليه وهب ابن عمير بردائه أمانا لصفوان شهرين، ثم قال له أنزل أبا وهب قال: لا أنزل حتى تبين لي، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «بل لك أن تسيّر أربعة أشهر» «1». و ذكر الأوزاعي أن عبد الملك بن مروان كان يؤدي إلى طاغية الروم كل يوم ألف دينار، ذكره الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، و قال: فعل ذلك معاوية أيام صفين، و عمله عبد الملك زمان ابن الزبير.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السهمان و سهمان الغائب و ما تعطى المرأة من الغنيمة
في البخاري و غيره: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جعل للفرس سهمين، و للراجل سهما «2»، هذا هو الثابت عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و أجمع العلماء على العمل به، إلا أبا حنيفة- رضي اللّه عنه- فإنه قال:
__________________________________________________
صالح كاتب الليث. قال الحافظ في التقريب. صدوق كثير الغلط. و كانت فيه غفلة و باقي رجال السند ثقات. و رواه أبو عبيد (445) في باب الصلح و المهادنة.
((1/66)
1) رواه مالك في الموطأ (1547) في النكاح. باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ثم أسلم. و هو حديث مرسل. و قال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح و هو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. و ابن شهاب إمام أهلها. و شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده و رواه البيهقي في السنن (7/ 186 و 187). و هو مرسل كذلك.
(2) رواه البخاري (2863) و (4228)، و مسلم (1762)، و أبو داود (2733) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:44
للفارس سهمان: سهم له، و سهم لفرسه، و احتج بحديث رواه مجمّع بن حارثة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قسم يوم خيبر لمئتي فرس، فأعطى الفارس سهمين، و أعطى الراجل سهما «1». و احتج أيضا برواية ابن المبارك قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك عن نافع عن ابن عمر أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم جعل للفارس سهمين، و للراجل سهما «2». و لا حجة له في شي ء من ذلك لأن ابن عباس روى في قسمة خيبر خلاف ذلك. و أكثر أصحاب عبد اللّه بن عمر خالفوا روايته، و كانت خيبر لأهل الحديبية خاصة ألف و أربعمائة، و لم يغب من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد اللّه، فقسم له رسول اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهمه «3»، و مضى على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في مغازيه كلها: للفرس سهمين، و للراكب سهم
قال ابن إسحاق. و كانت الخيل يوم بني قريظة: ستة و ثلاثين فرسا. كذلك وقع في المدوّنة، و كانت أول في ء وجبت فيه السهمان، و أخرج منه الخمس و مضت به السنة. و قال أيضا إسماعيل القاضي: قال إسماعيل و أحسب أن بعضهم قال: و نزل أمر الخمس بعد ذلك، و لم يأت في ذلك من الحديث بيان شاف، و إنما جاء ذكر الخمس يقينا في غنائم حنين و هي آخر غنيمة حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حربها.(1/67)
قال الواقدي في كتاب المفضل: أول خمس خمّس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر و ثلاثة أيام، حاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمس عشرة ليلة، فنزلوا على حكمه، فصالحهم على أن له- عليه السلام- أموالهم، و لهم النساء و الذرية، فأخذ عليه السلام من سلاحهم ثلاث قسي و درعين و ثلاثة أسياف و خمّس أموالهم.
قال البزار في مسنده: و كان المسلمون يوم بدر: ثلاثمائة و ثلاثة عشر، من المهاجرين:
سبعة و سبعون، و من الأنصار: مائتان و ستة و ثلاثون، و لواء المهاجرين مع علي، و لواء الأنصار مع سعد بن عبادة «4»، و كان فيهم عشرون من الموالي «5» و كان معهم ثلاثة أفراس: فرس الزبير،
__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (3/ 420) و (15470)، و أبو داود (2736 و 3015)، و الحاكم (2/ 131)، و البيهقي في السنن (6/ 325) و إسناده ضعيف. و قال الحافظ في الفتح. في إسناده ضعف. و انظر نصب الراية (3/ 416 و 417).
(2) رواه الدارقطني في السنن (4/ 106)- و قال: قال أحمد كذا لفظ نعيم. عن ابن المبارك و الناس يخالفونه- قال النيسابوري- و لعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس.
(3) رواه ابن هشام في السيرة (3/ 349) ذكر مقاسم خيبر و أموالها و قال: قال ابن اسحاق. و ذكره.
(4) رواه البزار رقم (1783). و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 92) و قال: رواه البزار و فيه الحجاج بن أرطأة و هو مدلس. و قال البزار: لا نعلم له إسنادا أحسن من هذا الإسناد و إبراهيم الكوفي مشهور. روى عنه يحيى بن اليمان، و ابن الأصبهاني، و أبو غسان و غيرهم.
(5) رواه البزار (1785)، و الطبراني (1785)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 93) و قال: رواه البزار و الطبراني. و فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:45(1/68)
و فرس المقداد، و فرس مرثد بن أبي مرثد، و سبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و علي و مرثد يعتقبون بعيرا، و حمزة و زيد بن حارثة و أبو كبشة، و أنيسة موليا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعتقبون بعيرا، و أبو بكر و عمر و عبد الرحمن يعتقبون بعيرا «1». و قال ابن هشام: ثلاثمائة و أربعة عشر:
ثلاثة و ثمانون من المهاجرين، و من الأوس: واحد و ستون، و من الخزرج: مائة و سبعون «2».
و ذكر البخاري: أن جميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهم أحد و ثمانون رجلا «3».
و ذكر إسماعيل القاضي: أن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى بدر فلما هزم اللّه المشركين تبعتهم طائفة يقتلونهم، و أحدقت طائفة برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و استولت طائفة على العسكر و النهب، فلما رجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل نحن طلبنا العدو. و قال الذين أحدقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: نحن أحق به لأننا أحدقنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألاينال العدو منه غرة، و قال الذين استولوا على العسكر: هو لنا نحن حويناه. فأنزل اللّه عز و جل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ. فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على فواق- يعني على سرعة- و يقال: فواق و فواق بالفتح و الضم قبل أن ينزل:(1/69)
وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ [الأنفال: الاية 41] «4». و قال إسماعيل: إنما قسم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم النضير بين المهاجرين و ثلاثة من الأنصار: سهل بن حنيف، و أبي دجانة، و الحارث بن الصمة لأن المهاجرين حين قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم و بينهم و أقمتم على مواساتكم في ثماركم، و إن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم و قطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم». فقالوا: بل تعطيهم دوننا و نمسك ثمارنا، فأعطاها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المهاجرين فاستغنوا مما أخذوا، و استغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم. و هؤلاء الثلاثة من الأنصار شكوا حاجة «5».
__________________________________________________
(1) رواه الطبراني في الكبير (12105)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 69) و قال: رواه الطبراني في الكبير و الأوسط. و فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ضعيف. و ذكره ابن هشام في السيرة (1/ 614) باب عدد إبل المسلمين في بدر. و قال: قال ابن اسحاق. و ذكره بدون سند و رواه أحمد في المسند رقم (3901) من حديث عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. و كان أبو لبابة، و علي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى اللّه عليه و سلم. و سنده حسن.
(2) ذكره ابن هشام في السيرة (1/ 685) باب عدد من شهد بدرا من المهاجرين و ذكره بدون سند.
(3) رواه البخاري (3956) باب عدة أصحاب بدر. من حديث البراء رضي الله عنه.
(4) رواه أحمد في المسند (5/ 323 و 324)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 92) و قال: رواه أحمد و الطبراني و رجال أحمد ثقات. و رواه الترمذي رقم (1561) مختصرا في السير. و قال الترمذي: حديث عبادة حسن.
((1/70)
5) ذكره في عيون الأثر ابن سيد الناس (2/ 50). و قال: و ذكر أبو عبد اللّه الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي. عن معمر بن راشد، عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء و ذكره- و في الإسناد معمر بن راشد قال الحافظ في التقريب: مقبول. و قال الذهبي في الميزان: قال يحيى بن معين: هو من أثبتهم في الزهري و هذا منه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:46
و ذكر ابن هشام و ابن سحنون و ابن حبيب و البرقي: أن طلحة بن عبيد اللّه، و سعد بن زيد لم يشهدا بدرا- كانا غائبين بالشام- فقسم لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهميهما. قالا: و أجورنا يا رسول اللّه قال: «و أجوركما» «1».
ذكر البخاري: أن عقبة بن عامر الأنصاري شهد بدرا «2». و قال يحيى بن معين: لم يشهدها و إنما شهد العقبة. و ذكر ابن سحنون و ابن حبيب: أن أبا لبابة، و الحارث بن حاطب، و عاصم بن عدي، خرجوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فردّهم و أمّر أبا لبابة على المدينة «3». قال ابن حبيب: و ابن أم مكتوم على الصلاة، و سهم لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسهمه، و الحارث بن الصمة كمن بالروحاء فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسهمه. قال ابن هشام: و خوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسهمه «4»، و لم يختلف أحد أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه تخلف على امرأته رقية بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضرب له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسهمه. قال: و أجري يا رسول اللّه. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«و أجرك» «5». قال ابن حبيب: و هذا خاص النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و أجمع المسلمون بعده: ألايقسم لغائب، و روى ابن وهب و ابن نافع عن مالك: إذا بعث الإمام أحدا في مصالح الجيش فله سهمه، و روي عن مالك أنه لا سهم له. قال سحنون: و بالأول أقول.(1/71)
و في البخاري و غيره: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم رد ابن عمر يوم أحد و هو ابن أربع عشرة سنة، و أجازه يوم الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة «6»، و أجاز زيد بن ثابت، و البراء بن عازب يوم الخندق
__________________________________________________
(1) رواه الطبراني في الكبير (189) و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 148) و قال: رواه الطبراني. و هو مرسل حسن الإسناد بلفظ عن عروة قال: طلحة بن عبيد الله كان بالشام فقدم و كلّم رسول الله صلى اللّه عليه و سلم في سهم فضرب له سهمه- قال: و أجري يا رسول الله- قال: و أجرك. يعني يوم بدر. و رواه الطبراني (338 و 329) و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 155) و قال: رواه الطبراني و إسناده حسن. و روي عن الزهري مثله بلفظ عن عروة قال: سعيد بن زيد قدم من الشام بعدما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من بدر فكلم رسول الله صلى اللّه عليه و سلم فضرب له بسهم قال: و أجري يا رسول اللّه- قال: و أجرك.
(2) رواه البخاري في المغازي. باب تسمية من سمي من أهل البدر. في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم. و ذكر منهم عقبة بن عامر الأنصاري.
(3) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 688) و قال: و زعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى اللّه عليه و سلم فردهما. و أمر أبا لبابة على المدينة. و ذكره بدون سند.
(4) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 690) و قال: قال ابن اسحاق: و الحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلب. و خوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى اللّه عليه و سلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر.
((1/72)
5) ذكره ابن هشام في السيرة (ج/ 1/ 678). و قال: و من بني عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان تخلف على امرأته رقية بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فضرب له رسول الله صلى اللّه عليه و سلم بسهم قال: و أجري يا رسول اللّه قال: و أجرك.
(6) رواه البخاري (2664) و (4097) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:47
و هما ابنا خمس عشرة سنة. و قال ابن حبيب: لم يكن صلى اللّه عليه و سلم يسهم للنساء و الصبيان و العبيد و لكن كان يحذيهم من الغنيمة، و لم ير مالك أن يحذوا. و في البخاري: قسم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إبلا و غنما فعدّل عشرة من الغنم ببعير «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالسلب للقاتل يوم حنين، و هل تخمس الأسلاب
و ذكر الأنفال في الموطأ و البخاري و مسلم عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر اللّه. ثم أن الناس رجعوا، و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه»، فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال الثانية: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله قال: فقمت، فرآني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما لك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصة فقال رجل:(1/73)
صدق يا رسول اللّه و سلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق- رضي اللّه عنه- لاهاء اللّه إذا لا يعمد إلى أسد من أسد اللّه يقاتل عن اللّه و رسوله فيعطيك سلبه. و يروى يعمد بغير لا «2».
و في البخاري في كتاب الأحكام: قال أبو بكر: كلا لا يعطه أصيبغ من قريش، و يدع أسدا من أسد اللّه. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «صدق فأعطه إياه» فبعت الدرع فابتعت به خرافا فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام «3»، قال ابن الأعرابي: سلمة بكسر اللام في الأزد و سلمة بفتحها في قشير.
ذكر البخاري أن السلب الذي للقاتل إنما هو من غير الخمس من رأس الغنيمة و أن الأسلاب لا تخمّس «4». و قال مالك و أصحابه: لا يكون إلا من الخمس، و احتج بعض أصحاب مالك بقول اللّه عز و جل: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ [الأنفال: الاية 41].
و جعل الأربعة الأخماس لمن غنمها، فلا يجوز أن يؤخذ منها شي ء بالاحتمال. و قولنا إنما نفّل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من الخمس.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2488) و (3075) من حديث رافع بن خديج رضي اللّه عنه.
(2) رواه البخاري و (4321)، و مسلم (1571)، و الموطأ (2/ 454) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (210 و 7170) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (18) باب من لم يخمّس الأسلاب. و قال: و من قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:48(1/74)
أولا: لأن اللّه عز و جل فوّض إليه النظر في الخمس بالاجتهاد. و دليل آخر أن الاية نزلت في شأن خيبر و النضير فلم يكن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يؤخر البيان فيه إلى يوم حنين و قاله بعد أن برد القتال، و لو كان أمرا متقدما لعلمه أبو قتادة فارس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و من كبراء أصحابه فلم يطلب ذلك حتى أمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من ينادي من قتل قتيلا فله سلبه و لم يكن هذا ليخفى.
و دليل آخر أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات أو شاهد و يمين.
و شي ء آخر أنه لو وجب للقاتل و لم يجد بينة لكان توقف كاللقطة و لا يقسم و هو إذا لم تكن بينة تقسم، فخرج من معنى التملك، و دل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذي يجعل في غير وجه. قال مالك: لم يبلغنا أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال ذلك و لا فعله في غير يوم حنين، و لا فعله أبو بكر و لا عمر. قال ابن الموّاز: و لم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله و خمسه. و ذكر عبد الرزاق في مصنفه أن البراء قتل مائة قتيل مبارزة سوى من شارك في قتله «1».(1/75)
و ذكر البخاري: أن معاذ بن عمرو بن الجموح، و معاذ بن عفراء الأنصاريين ضربا أبا جهل ابن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه، فانصرفا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخبراه فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» «2». و في غير البخاري أن عبد اللّه بن مسعود و جده و هو صريع يذبّ الناس عنه بسيفه فوطئ على رقبته فقال: هل أخزاك اللّه يا عدوّ اللّه؟ فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. فضربه عبد اللّه بسيفه فلم يغن شيئا، فأخذ السيف من أبي جهل فاحتز به رأسه، و جاء به إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فنفله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السيف. و كان الذي ضربه أولا معاذ بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله و ضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معاذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه و به رمق ثم ذفف عليه ابن مسعود- يعني أجهز عليه. و ذفف بالذال المنقوطة- «3».
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (9469)، و في الإصابة (1/ 143) و هو حديث صحيح.
(2) رواه البخاري (3141)، و مسلم (1752) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري مختصرا (3961) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و (3962) من حديث أنس رضي الله عنه. و رواه أحمد في المسند (3824) و (3856 و 4247)، و البزار (1775)، و الطبراني في الكبير (8469)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 79) و قال: رواه أحمد البزار باختصار و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه- و بقية رجاله رجال الصحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:49
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه و أسلم عليه المشركون(1/76)
في البخاري: أن فرسا لعبد اللّه بن عمر ذهب فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فردّ عليه في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون، فردّه إليه خالد بعد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في زمن أبي بكر «1». و في المدونة و الواضحة و غيرهما: أن رجلا من المسلمين وجد بعيرا له في المغانم، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن وجدته لم يقسم فخذه، و إن وجدته قد قسم فأنت أحق بالثمن إن أردته» «2».
و في البخاري و مسلم و مصنف أبي داود: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قيل له يوم الفتح: أين تنزل يا رسول اللّه؟ فقال: «و هل ترك لنا عقيل منزلا» «3». و وقع في البخاري أيضا: أن أسامة بن زيد قال للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم في حجته: أين تنزل غدا يا رسول اللّه؟ فقال: «و هل ترك لنا عقيل منزلا؟» ثم قال بعد ذلك: «نحن نازلون غدا إن شاء اللّه بخيف بني كنانة بالمحصّب حيثما انتهينا»، و ذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم: ألايبايعوهم، و لا يؤوهم «4».
قال الزهري: و الخيف الوادي. و لم يقل يونس في حجته و لا زمن الفتح. و وقع في غير الكتب أن عقيلا لما هاجر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أخذ دورهم فحازها و حوى عليها، ثم أسلم و هي في يده، و قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أنه من أسلم على شي ء فهو له.
و في كتاب الخطّابي أنه باع دور عبد المطلب لأنه وارث لأبي طالب و لم يرثه علي لتقدم إسلامه لموت أبيه و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيها لأن أباه عبد اللّه مات. و كان أبوه عبد المطلب حيا و هلك أكثر أولاده و لم يعقبوا أحدا فحاز رباعه أبو طالب، و حازها بعد موته عقيل. و قد كان كفار قريش يعتدون على من هاجر من المسلمين فيبيعون داره و عقاره.(1/77)
و في البخاري أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أهديت له أقبية ديباج مزوّدة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه، و عزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل، فجاء و معه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال: أدعه لي. فسمع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم صوته فأخذ قباء فتلقاه به و استقبله بإزاره فقال: «يا أبا المسور
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3067 و 3068)، و الموطأ (2/ 452) في الجهاد، و أبو داود (2698 و 2699) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) لم نجده بهذا اللفظ فيما بين أيدينا من المصادر.
(3) رواه البخاري (1588)، و مسلم (1351) و 144)، و أبو داود (2910)، و ابن حبان (5149) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (3058) من حديث أسامة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:50
خبأت لك هذا» «1». و ذكر النسائي في كتاب الأسماء و الكنى أن مخرمة قال للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم: أين نصيبي من الثياب التي قسمت؟ قال له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «هذا قباء خبأته لك يا أبا صفوان». فأخذه و قال:
وصلتك رحم «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما أهدى إليه معاهد أو حربي
و في كتاب ابن سحنون: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قبل الهدية من أبي سفيان، و من أهل الذمّة و من دحية، و من المقوقس، و الأكيدر، و أهدى إلى بعضهم. و لم يقبل هدية عياض المجاشعي، و كانت هدية المقوقس: مارية أم إبراهيم، و سيرين و بغلة شهباء و حمارا، فاتخذ مارية لنفسه، و أمسك البغلة و الحمار حتى مات عنهما. و جاء بالهدية من عند المقوقس ملك الأسكندرية:
حاطب بن أبي بلتعة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسله إليه سنة ست و يقال: كانت الهدية ثلاث جوار:
وهب واحدة لجهم بن حذيفة و اسمها طرفا، و أعطى سيرين لحسان بن ثابت فولد له منها عبد الرحمن و كانت أخت مارية.(1/78)
و في كتاب مسلم: أن فروة بن نفاثة الجذامي أهدى لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغلة بيضاء و ركبها يوم حنين «3». قال سحنون: و إذا أهدى ملك الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها و تكون له خاصة. و قال الأوزاعي: تكون للمسلمين و يكافئه بثمنها من بيت المال. قال سحنون: و ليس عليه أن يكافئه.
قال سحنون: و الرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهي له دون المسلمين و لا خمس في ذلك، و إذا جاء رسول من الطاغية لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يجازيه بشي ء إلا أن يرى لذلك وجها يرى فيه صلاح للمسلمين فيجتهد. و في البخاري: أهدى ملك أيلة للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم بغلة بيضاء، و كساه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بردة و كتب له ببحيرة، و في حديث آخر و كتب له ببحيرتهم، و ذلك في غزوة تبوك «4». و قال عمرو بن الحارث: ما ترك النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلا بغلته البيضاء و سلاحه و أرضا تركها صدقه «5». قالت عائشة: و ترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير «6». و في البخاري
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3127) من حديث عبد الله بن أبي مليكة رضي الله عنه.
(2) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (ج/ 9) (25637) من حديث المسور بن مخرمة. و قال: رواه ابن عساكر في التاريخ.
(3) رواه مسلم رقم (1775) في الجهاد. باب غزوة حنين. من حديث العباس رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري تعليقا رقم باب (28) باب قبول الهدية من المشركين- و قال: قال أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم. و قال أبو حميد: أهدى ملك إيلة للنبي صلى اللّه عليه و سلم بغلة بيضاء فكساه بردا.
(5) رواه البخاري (2873) و (4461) من حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري (2916)، و مسلم (1603)، و النسائي (7/ 288) من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:51(1/79)
أيضا: ما ترك النبيّ صلى اللّه عليه و سلم دينارا و لا درهما، و لا عبدا و لا أمة و لا شيئا إلا بغلته البيضاء و سلاحه و أرضا جعلها صدقة «1». و في رواية الأصيلي شاة مكان شيئا.
ذكر ابن حبيب و غيره أن المقوقس صاحب مصر.
قال أبو عبيد في كتاب الأموال إن عامر بن مالك ملاعب الأسنة أهدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرسا فرده و قال: «إنا لا نقبل هدية مشرك» «2». و كذلك قال لعياض المجاشعي: «إنا لا نقبل زبد المشركين» «3» يعني رفدهم. و قال أبو عبيد: إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه و بين أهل مكة «4»، و كذلك المقوقس صاحب الأسكندرية إنما قبل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم هديته لأنه أكرم رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة و أقرّ بنبوته، و لم يؤيسه من إسلامه فثبت أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يقبل هدية مشرك محارب «5»، ثم قدم خالد بن الوليد بأكيدر على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان نصرانيا فحقن له دمه و صالحه على الجزية و خلى سبيله فرجع إلى قريته «6».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قسمة ما أفاء اللّه عليه على حسب ما رآه، و إباحة أكل شحوم المشركين(1/80)
ترجم البخاري باب ما كان النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يعطي المؤلفة قلوبهم و غيرهم من الخمس، رواه عبد اللّه بن زيد عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال الزهري: أخبرني أنس أن ناسا من الأنصار قالوا للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم حين أفاء اللّه على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا: يغفر اللّه لرسوله يعطي قريشا و يدعنا و سيوفنا تقطر من دمائهم. فقال أنس: فحدّث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم و لم يدع معهم أحدا، فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «ما كان حديثا بلغني عنكم؟» فقال له فقهاؤهم: أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا، و أما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر اللّه لرسوله يعطي قريشا و يترك
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2912) من حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه.
(2) رواه أبو عبيد (632)، و البزار (1933) موصولا و (1934) مرسلا. و الطبراني (2182). و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 152) و قال: رواه البزار. و رجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار إبراهيم ابن عبد الله بن الجنيد و هو ثقة و رواه من طريق عن عبد الرحمن بن كعب. أن عامر بن مالك و الطريق الأولى عن عبد الرحمن بن كعب عن عامر بن مالك. و قد وصله ابن المبارك. أقول و هو حديث صحيح بشواهده.
(3) رواه أبو داود (3057)، و الترمذي (1577) و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(4) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (633) من كلام عكرمة موقوفا عليه.
(5) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (634). و قال: يروى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ذكره.
(6) ذكره ابن الأثير في أسد الغاية (1/ 135) بدون سند.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:52(1/81)
الأنصار و سيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنما أعطي رجالا حديثي عهد بكفر، أما ترضون أن يرجع الناس بالأموال و ترجعوا إلى رحالكم برسول اللّه ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا: بلى يا رسول اللّه قد رضينا. فقال لهم: «إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» «1».
و في مصنف أبي داود عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهم ذي القربى في بني هاشم و بني عبد المطلب، و ترك بني نوفل و بني عبد شمس فانطلقت أنا و عثمان إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقلنا: يا رسول اللّه لا ننكر فضل بني هاشم لموضعهم منك فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم و تركتنا و قرابتنا واحدة فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «أنا و بني المطلب لا نفترق في جاهلية و لا في إسلام، إنما نحن و هم شي ء واحد و شبك بين أصابعه» «2». و يقال إن هذا خصوص من فعل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لال المطلب كونهم من بني هاشم بني أخوة أشقاء. و يقال إن عبد شمس و هاشما توأمان. و في بعض الروايات: «فاصبروا حتى تلقوا اللّه و رسوله على الحوض».(1/82)
هكذا رواه أبو زيد، و كان الذي آثرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أعطاهم مائة من الإبل: الأقرع بن حابس، و عيينة بن حصن و غيرهم. و ذكر ابن هشام و غيره: أبا سفيان، و ابنه معاوية، و حكيم بن حزام و الحارث بن هشام، و سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى، و العلاء بن حارثة،- و عيينة ابن حصن، و الأقرع بن حابس- و مالك بن عوف، و صفوان بن أمية، هؤلاء أصحاب المئين، و أعطى جماعة أقل من مائة، و أعطى جماعة خمسين خمسين. و قال قائل: يا رسول اللّه أعطيت عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس مائة مائة، و تركت جميل بن سراقة الضمري، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أما و الذي نفس محمد بيده لجميل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة و الأقرع و لكني تألفتهما ليسلما و وكلت جميل بن سراقة إلى إسلامه» «3».
و في البخاري: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «إني لأعطي قوما أتألف ظلعهم و جزعهم، و أكل قوما إلى ما جعل اللّه في قلوبهم من الخير و الغنى منهم عمرو بن تغلب». قال عمرو: فما أحب أن لي بكلمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أظلته الخضراء «4». و في هذه القسمة في غزوة حنين قال رجل:
و اللّه إن هذه القسمة ما عدل فيها و ما أريد بها وجه اللّه. و هو من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل» «5»، و ذكر الحديث بطوله،
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3147) في فرض الخمس من حديث أنس رضي الله عنه.
(2) رواه أبو داود (2980) و النسائي (7/ 130 و 131) و هو حديث صحيح.
(3) ذكره ابن كثير في البداية و النهاية (4/ 360). و قال: و قد ذكر ابن اسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى اللّه عليه و سلم يومئذ مائة من الإبل. و هم أبو سفيان إلى آخر الحديث. و قد ذكره بدون إسناد.
((1/83)
4) رواه البخاري (3145) في فرض الخمس. من حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (3150) في فرض الخمس. من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:53
و اسمه الحرقوص بن زهير قاله ابن سعد صاحب الواقدي. و ذكر المبرد في الكامل عن إبراهيم بن محمد التيمي في إسناد ذكره أن عليّا وجّه إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بذهيبة من اليمن فقسمها أرباعا فأعطى الربع الأقرع بن حابس، و أعطى الربع زيد الخيل، و الربع علقمة بن علاثة، و عيينة بن حصن الفزاري، فقام إليه رجل مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ الجبهة، و ذكر غيره محلوق الرأس، فقال له: لقد رأيت قسمة ما أريد بها وجه اللّه، فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ذكر الحديث «1». و في حديث آخر في الكامل: بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقسم غنائم خيبر إذ قام رجل أسود فقال: ما عدلت منذ اليوم. و ذكر الحديث. و الحديث في البخاري «2»: و شك في الرابع أن يكون علقمة أو عامر بن الطفيل. و روى ابن وهب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما حاصر خيبر جاءه بعض الناس فسألوه أن يعطيهم فلم يجدوا عنده شيئا، فافتتحوا بعض حصونها فأخذ رجل من المسلمين جرابا مملوآ من شحم فبصر به صاحب المغانم و هو: كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري فأخذه فقال الرجل: لا و اللّه لا أعطيكه حتى أذهب به إلى أصحابي. فقال: أعطنيه أقسمه بين الناس. فأبى فتنازعا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «خل بين الرجل و جرابه يذهب به إلى أصحابه». قال مالك في مختصر عبد الحكم الكبير: و لا أحبّ أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراما. قال ابن أبي زيد: و احتج بعض أصحابنا لذلك بالحديث في الذي غنم جرابا فيه شحم من خيبر و ذكر الحديث.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أموال بني النضير و قسمة خيبر. و قد تقدم بعض خبرهم(1/84)
ذكر البخاري و أبو عبيد: أن أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف به من خيل و لا ركاب، و كانت لرسول اللّه خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع و السلاح عدة في سبيل اللّه كلها من أموال بني النضير و لم تخمس لأنها كانت صافية «3»، و خمّس قريظة لأنها كانت بقتال، و كانت وقعة النضير فيما ذكر أبو عبيد على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. و كذلك ذكر البخاري «4». و ذكر ابن أبي زيد في مختصر المدونة عن ابن شهاب: أنها كانت في المحرم سنة ثلاث، و ذكر غير ابن شهاب: سنة أربع، و فيهم نزلت سورة الحشر «5». و قد تقدم ذكرها.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3344) و (4351) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري مختصرا (4214)، و مسلم (1772 و 73). من حديث عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه. و ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 329) باب ابن مغافل و جراب شحم أصابه و قال: قال ابن اسحاق، حدثني من لا أتهم.
(3) رواه البخاري (2904) و (4885) من حديث عمر رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (14) باب حديث بني النضير. و قال: قال الزهري. عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد.
(5) رواه البخاري (4029) بلفظ عن سعيد بن جبير. قال: قلت لابن عباس سورة الحشر قال: قل سورة النضير.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:54
قال مالك في الكتابين: افتتحت خيبر بقتال يسير و خمّست إلا ما كان منها عنوة أو صلحا و هو يسير فإنه لم يخمّس «1». قلت: العنوة و القتال واحد. قال: إنما أردت الصلح، و سمعت ابن شهاب يقول: افتتحت خيبر عنوة، و منها بقتال و ما أدري ما أراد بذلك.
قال مالك: قسمت خيبر ثمانية عشر سهما على ألف و ثمانمائة رجل لكل مائة رجل سهم.(1/85)
قال أبو عبيد: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قسم خيبر على ستة و ثلاثين سهما جمع كل سهم منها مائة سهم و عزل نصفها لنوائبه و ما ينزل به، و قسم النصف بين المسلمين و سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما قسم الشق «2» و النطاة «3» و ما حيز معها و كان مما وقف: الكتيبة و الوطحة و السلام. فلما صارت الأموال في يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن له من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها إلى اليهود يعملونها على النصف «4». و في الواضحة: الحوائط السبعة التي وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت من أموال بني النضير، و سيأتي ذكرها بعد هذا في الأخماس. و قال عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-: لو لا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خيبر «5».
و ذكر مالك و أبو عبيد أن بلالا و أصحابه سألوا عمر أن يقسم بينهم ما افتتح بالشام و كان بلال أشدهم، فدعا عمر عليهم فقال: اللهم أكفنيهم- و قال أبو عبيد و في رواية: (اللهم أكفني بلالا و ذويه)- فما حال الحول و الواحد حي «6». قال ابن هشام: و كانت خيبر في صفر سنة ست من الهجرة. قال مالك: و كانت في برد شديد فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إنا لا نستطيع القتال فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لم؟» فقالوا: البرد و الجوع و العري. فقال رسول اللّه: «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما و ودكا» ففتح عليهم خيبر.
قال ابن هشام: و قسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر و من غاب عنها، و لم يغب عنها إلا جابر بن عبد اللّه فقسم له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كسهم من حضرها «7». قال المفضل: و أطعم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ناسا مشوا بينه و بين أهل فدك في الصلح منهم محيصة بن مسعود، و أعطاه ثلاثين وسقا من الشعير.
__________________________________________________
((1/86)
1) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 328 و 329) بدون سند.
(2) الشق: بفتح الشين: حصن من حصون خيبر.
(3) النطاة:- قيل حصن بخيبر- و قيل عين بها تسقي بعض نخيلها.
(4) رواه أبو داود (3010 و 3012) في الخراج. باب ما جاء في حكم أرض خيبر و إسناده حسن. و رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (142) من حديث بشير بن يسار و هو تابعي ثقة و حديثه مرسل.
(5) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (148) من كلام عمر رضي الله عنه. و إسناده صحيح.
(6) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (147) من حديث عمر رضي الله عنه.
(7) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 349) باب ذكر مقاسم خيبر و أموالها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:55
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرسول ألايقتل و الوفاء بالعهد للكفار و ما نزل في ذلك من القرآن
في مصنف أبي داود عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: كتب مسيلمة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسمعته يقول لرسوليه حين قرأ الكتاب: ما تقولان أنتما؟ فقالا: نقول كما قال. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أما و اللّه لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» «1».
و عن أبي رافع قال: بعثتني قريش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألقي في قلبي الإسلام فقلت: يا رسول اللّه إني لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إني لا أخيس بالعهد و لا أحبس البرد و لكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الان فارجع». قال:
فذهبت، ثم أتيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأسلمت «2».(1/87)
و في مصنف البخاري: أن أبا جندل أقبل يرسف في الحديد، و في حديث آخر يحجل في قيوده فردّه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى مكة للعهد الذي كان عاهدهم أن يرد إليهم من جاء منهم. قال أبو سفيان الخطابي في شرح غريب الحديث: لم يخف النبي صلى اللّه عليه و سلم على أبي جندل شيئا لأنه ردّه إلى أبيه و أهله و لم يرد من جاء من النساء لأن اللّه عز و جل قال «فلا ترجعوهن إلى الكفار» «3». و فيه حجة لمن رأى نسخ السنة بالقرآن و كذلك قال في البخاري: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إنما رد أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو و هو الذي كان عاهد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أنّ من أتى من المشركين رده إليهم، و ما أتاهم من المسلمين لم يردوه، و على أن يدخلها من قابل و يقيم بها ثلاثة أيام و لا يدخلها إلا بجلبّان السلاح السيف و القوس و نحوه «4». و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «و العهد بيننا كشرج العتبة» يعني: إن انحل بعضه انحل كله. و كان إقبال أبي جندل قبل أن يبرح سهيل بن عمرو و قبل أن يكتب العهد.
و وقع أيضا في كتاب البخاري في كتاب الشروط و كان سهيل هذا من جملة من أسر يوم بدر. و ذكر المفضل أن يوم الحديبية جاءت سبيعة الأسلمية مسلمة من مكة فأقبل زوجها في طلبها فقال: يا محمد ردّ عليّ امرأتي فهذه طينة كتابك لم تجف بعد. فأنزل اللّه عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ [الممتحنة: الاية 10] فاستحلفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم باللّه الذي
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (2761)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 315) و قال: رواه الطبراني. من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني شيخ من أشجع و لم يسمه. و سماه أبو داود سعد بن طارق. و بقية رجاله ثقات.
((1/88)
2) رواه أبو داود (2758) من حديث أبي رافع رضي الله عنه. و إسناده صحيح.
(3) رواه البخاري رقم (2700 و 4181) من حديث عائشة رضي اللّه عنها.
(4) رواه البخاري (2700) في الصلح. باب الصلح مع المشركين. من حديث البراء رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:56
لا إله إلا هو ما أخرجها إليه إلا رغبة في الإسلام و حب له و حرص عليه، و ما أخرجها حرب أحدثته في قومها و لا بغض لزوجها فحلفت على ذلك، فأعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زوجها مهرها و الذي أنفق عليها، و لم يردها عليه. قال النحاس و غيره: و هذا منسوخ.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان و في أمان المرأة
في تفسير ابن سلام قال الكلبي: إن ناسا من المشركين ممن لم يكن لهم عهد و لم يوافوا الموسم بلغهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمر بقتال المشركين ممن لا عهد له إذا انسلخ الأشهر الحرم، فقدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليجددوا حلفا و ذلك بعدما انسلخ المحرّم فلم يصالحهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا على: الإسلام، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة. فأبوا فخلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سبيلهم حتى بلغوا مأمنهم، و كانوا نصارى من بني قيس بن ثعلبة فلحقوا باليمامة؟ حتى أسلم الناس فمنهم من أسلم و منهم من أقام على نصرانيته.(1/89)
و في مسند ابن أبي شيبة و في السير: أن سرية أصابت مالا كان عند أبي العاصي زوج زينب ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هرب أبو العاصي، ثم جاء في الليل إلى بيت زينب في طلب المال و استجار به، فلما كبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في صلاة الصبح صرخت زينب- من صفة النساء-: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي. فلما سلّم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أقبل على الناس فقال: «هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما و الذي نفسي بيده ما علمت بشي ء حتى سمعت ما سمعتم. إنه يجير على المسلمين أدناهم». ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «أكرمي مثواه و لا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له». ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «إن تحسنوا و تردوا عليه المال فهو الذي يحب، و إن أبيتم فهو في ء اللّه أنتم أحق به»، قال: فردوه إليه أجمع، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل رجل من قريش ماله فقالوا: جزاك اللّه خيرا فقد وجدناك وفيا كريما. فقال: أشهد ألاإله ألا اللّه و أن محمدا رسول اللّه، و اللّه ما منعني من الإسلام عنده ألا مخافة أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها اللّه إليكم أسلمت، ثم خرج حتى قدم على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «1».
و في غير السير قال قائل: لما أشار النبيّ صلى اللّه عليه و سلم على الأنصار الذين أسروا العباس يوم بدر، قالوا: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ائذن فلنترك لابن أختنا العباس فداءه. فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا تدعوا منه درهما» «2».
و قال للأنصار إذ بعثت زينب ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في فداء أبي العاصي بمال، و بعثت بقلادة
__________________________________________________
(1) رواه ابن سعد في طبقاته (8/ 26) و (4098) باب مناقب زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و إسناده ضعيف.
((1/90)
2) رواه البخاري (2537 و 3048) من حديث أنس رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:57
لها كانت أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها مالها فافعلوا»، قالوا: نعم يا رسول اللّه. فأطلقوه و ردوا عليها المال و القلادة «1».
قيل: إنما فعل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم هذا في زينب لأنه رقّ لها إذ لم يكن تمام الفداء إلا بقلادة كانت لأمها خديجة جهزتها بها، و لم يكن لأبي العاصي مال و إنما كانت عنده أموال لقريش و بضائع يتجهز بها ردها إليهم كلها على ما تقدم ذكره. و قال للأنصار: «لا تدعوا من فداء العباس درهما» لأنه كان غنيا، و ذلك أنه ذكر ابن قتيبة و غيره أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال للعباس: «إفد نفسك و ابني أخويك عقيلا و نوفلا، و حليفك فإنك ذو مال». فقال: إني مسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«اللّه أعلم بإسلامك إن كان ما تقول حقا فاللّه يجزيك، و أما ظاهر أمرك فقد كان علينا». فقال:
إنه ليس لي مال. قال: «فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة حين خرجت و ليس معكما أحد ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا و لعبد اللّه كذا». قال: و الذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرها، و إني أعلم أنك رسول اللّه، ففدى نفسه بمائة أوقية و كل واحد بأربعين أوقية. هكذا قال ابن القاسم و ابن إسحاق و قال: تركتني أسأل الناس في كفي، و أسلم العباس و أمر عقيلا فأسلم، و لم يسلم من الأسارى غيرهما «2».
و في معاني النحاس قال العباس: أسرت و معي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني اللّه منها عشرين عبدا، و وعدني المغفرة. و في الهداية: لما أسرت و معي أربعون أوقية كل أوقية من أربعين مثقالا فعوضني اللّه أربعين عبدا، و وعدني المغفرة.(1/91)
و في موطأ مالك عن أبي النضر: أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، و اسمها فاختة قاله ابن وضّاح. و قيل: هند. قاله ابن هشام. و قيل: رحلة. قال البرقي أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الفتح فوجدته يغتسل، و فاطمة ابنته تستره بثوب. قالت: فسلمت فقال: «من هذه؟» فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال: «مرحبا بأم هانئ»، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات متلحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت: يا رسول اللّه زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان ابن هبيرة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قد
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (2693)، و الحاكم (3/ 236 و 324)، و البيهقي في السنن (6/ 322) من حديث عائشة رضي الله عنها و هو حديث حسن.
(2) رواه أحمد في المسند (3310)، و الطبراني في الكبير (11398)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 28) و قال: رواه الطبراني في الأوسط و الكبير باختصار و رجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق و قد صرح بالسماع. و رواه الحاكم في المستدرك (3/ 324)، و البيهقي في السنن (6/ 322) و صححه الحاكم و قال الذهبي في التلخيص: صحيح على شرط مسلم. من حديث عائشة رضي الله عنها و يشهد له ما عليه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:58
أجرنا من أجرت يا أم هانئ». قالت أم هانئ: و ذلك ضحى «1». و أما هبيرة بن أبي وهب و هو زوج أم هانئ و هو مخزومي فقال حين بلغه إسلام أم هانئ:
أشاقتك هند أم أتاك سؤالها كذاك التوى أسبابها و انفتالها
و في هذا الشعر يقول:
و إنّ كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
فإن كنت قد تابعت دين محمد و عطفت الأرحام منك حبالها
فكوني على النخل السحيق بهضبة ململمة غبرا يبّس تلالها(1/92)
و في كتاب ابن سحنون و الواضحة قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «يجير على المسلمين أدناهم و يرد عليهم أقصاهم». و في غير الكتابين: «و هم يد على من سواهم» «2».
قال ابن حبيب: معنى يجير عليهم أدناهم: أي الدني من حرّ أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانهم، و معنى و يرد عليهم أقصاهم: أي ما غنموا في أطراف بلادهم يجعل خمسه في بيت مالهم.
قال ابن الماجشون: لا يجوز الأمان إلا لولي الجيش أو لولي السرية دون غيره. قال ابن شعبان القرطبي: قول ابن الماجشون خلاف قول الناس.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجزية بأمر اللّه عز و جل و مقدارها و ممن تقبل و ممن لا يقبل منه إلا الإسلام
قال ابن حبيب: أول ما بعث اللّه نبيه صلى اللّه عليه و سلم بالدعوة، بعثه بغير قتال و لا جزية، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم، ثم أنزل اللّه عليه أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحجّ: الاية 39]، و أمره بقتال من قاتله و الكف عمن لم يقاتله، فقال اللّه عز و جل فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النّساء: الاية 90]. ثم نزلت براءة لثمان سنين من الهجرة فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب: من قاتله أو كف عنه، إلا من عاهده و لم ينقض من عهده شيئا، فقال: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [النّساء: الاية 89] إلى أن قال: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ [التّوبة: الاية 5] فلم يستثن على العرب الذين لم يتعلقوا إلى
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (403)، و البخاري (208 و 357)، و مسلم (336) و (70)، و الترمذي (2735) و ابن حبان (1118) من حديث أم هانى ء رضي الله عنها.
((1/93)
2) رواه أحمد في المسند (2/ 215) رقم (2017)، و أبو داود (2751)، و ابن الجارود (1073) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و هو حديث حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:59
الإسلام. و أمره تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يؤدوا الجزية. فقال تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: الاية 29]. قد دخل في ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الجزية من أهل نجران و أيلة و هم نصارى من العرب، و من أهل دومة الجندل و هم نصارى و أكثرهم عرب، و لم يستثن اللّه تعالى أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، و أمر نبيه صلى اللّه عليه و سلم بقتال غيرهم، ثم نسخ من ذلك المجوس على لسان نبيه عليه السلام فيما بين لهم من سنته بغير تنزيل قرآن فأحل لهم أخذ جزية من مجوس العجم إذ رضوا بها، و أقر مشركي العرب و هم عبدة الأوثان على أن يقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام بلا جزية استثناها فيهم إكراما للعرب.
و الذي ذكر ابن حبيب من نسخ القرآن بالسنة اختلف العلماء فيه فأجازه أصحاب مالك و احتجوا بقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا وصية لوارث» «1». ناسخ لقول اللّه عز و جل: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ [البقرة: الاية 180]. و احتج الذين منعوا منه بأن القرآن معجزة و السنة غير معجزة فلا تنسخ السنة القرآن إنما تبينه، و لقوله عز و جل: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النّحل: الاية 101]. و لقوله لنبيه صلى اللّه عليه و سلم قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي [يونس:
الاية 15].(1/94)
و ذكر عبد الرزاق في مصنفه و أبو عبيد في كتاب الأموال: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من أهل اليمن الجزية من كل حالم و حالمة. زاد أبو عبيد: عبدا أو أمة: دينارا أو قيمته معافر «2»، و بهذا أخذ الشافعي، و أخذ مالك بما فرض عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أربعة دنانير على أهل الذهب و أربعون درهما على أهل الورق و لا جزية على النساء و العبيد، و معنى الحديث عند بعض أهل العلم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم علم ضعف أهل اليمن، و عمر علم غنى أهل الشام و قوتهم، و قال أشهب «3». في الأمم كلها إذا بذلت الجزية قبلت منهم فأهل الكتابين بكتاب اللّه و المجوس بالسنة، و قال ابن وهب: إنما قاتل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قريشا على الإسلام أو السيف فمن كان من العرب من تغلب و تنوخ و غيرهم لم يدخل في ملة لم يقبل منه الجزية و يقاتلون على الإسلام، و من دخل منهم في دين أحد من أهل الكتب قبلت منه الجزية.
__________________________________________________
(1) رواه الترمذي (2121)، و أبو داود (3565) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. و قال الترمذي: حديث حسن.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (6841)، و الطيالسي (567)، و أبو داود (3038) و قال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 275): و قد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت. ذكره عبد الرزاق.
(3) أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود الإمام الثقة. مفتي مصر. أبو عمرو القيسي العامري يقال اسمه مسكين. و أشهب لقب له. سمع مالك بن أنس، و الليث بن سعد، و يحيى بن أيوب. قال فيه الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لو لا طيش فيه. كان على خراج مصر و كان صاحب أموال و حشم توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع و مئتين.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:60(1/95)
قال سحنون: ما أعرف هذا و قد قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» «1». و كتب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلى أهل هجر و إلى المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام و قال في الكتاب: «و من أبى فعليه الجزية» «2». و لم يفرق بين عربي و غيره و كان فيهم مجوس و غيرهم.
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (1/ 278) في الزكاة من حديث عبد الرحمن بن عوف. و رجاله ثقات لكنه منقطع. محمد بن علي لم يلق عمر. و له شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي من رواية الطبراني. بلفظ (سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط) ذكره الشوكاني في نيل الأوطار. و هو حديث حسن
(2) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (3/ 692) و قال: و كتب إلى المنذر بن ساوى. فذكر الواقدي بإسناده عن عكرمة. قال: وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته. فإذا فيه فذكره.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:61
كتاب النكاح
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها
في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي و مصنف عبد الرزاق عن خنساء ابنة جذام الأنصارية: أن أباها زوجها و هي ثيب، فكرهت ذلك فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرد نكاحه «1».
و وقع في مصنف عبد الرزاق أنها تزوجت بعده أبا لبابة الأنصاري. و كنية جذام: أبو وريعة «2».
و وقع أيضا فيه عن مهاجر بن عكرمة: أن بكرا أنكحها أبوها- و هي كارهة- فجاءت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فرد إليها أمرها «3». و حدثنا ابن جريج عن أيوب عن عكرمة، و عن يحيى بن أبي كثير:
أن ثيبا و بكرا أنكحهما أبوهما- و هما كارهتان- فجاءتا إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فرد نكاحهما «4».(1/96)
و عن عبد اللّه بن بريدة أنه قال: جاءت امرأة بكر إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه إن أبي زوجني ابن أخ له يرفع خسيسته بي، و لم يستأمرني فهل لي في نفسي أمر؟ فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «نعم». فقالت له: ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه، و لكن أحببت أن تعلم النساء أن لهن في أنفسهن أمرا أم لا «5».
و فيه أيضا و في الواضحة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أراد أن يزوج امرأة من بناته جاء إلى الخدر فقال: «إن فلانا يخطب فلانة». فإن حركت الخدر لم يزوجها. و قال في الواضحة: فإن
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5138) و (6945)، و مالك في الموطأ (2/ 535) في النكاح. باب جامع ما لا يجوز من النكاح. و النسائي (6/ 86) من حديث خنساء بنت خذام الأنصارية رضي الله عنها.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (10307) من حديث نافع بن حبير. و هو تابعي و الحديث مرسل. كما قال البيهقي في السنن (7/ 119).
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10301) و هو حديث مرسل. من حديث مهاجر بن عكرمة. و قال الحافظ في التقريب مقبول.
(4) رواه عبد الرزاق في المصنف (10306) من حديث يحيى بن أبي كثير الطائي و هو تابعي ثقة ثبت كما قال الحافظ في التقريب. و الحديث مرسل.
(5) رواه أحمد في المسند (6/ 136)، و ابن ماجه (1874) في النكاح من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن أبيه. و قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:62
طعنت في الستر بأصبعيها لم يزوجها، و إن سكتت زوجها «1».(1/97)
و في المدونة عن الحسن البصري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم زوج عثمان بن عفان ابنتيه و لم يستشرهما هكذا في رواية ابن وضّاح. و قال الحسن البصري: له أن يزوج ابنته الثيب بغير رضاها. و قال إسماعيل: و له وجه حسن من الفقه إلا أن الإجماع على خلاف ذلك. قال غيره، و قال إبراهيم النخعي: إذا كانت في عياله. قال إسماعيل القاضي: زوج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعض بناته قبل الهجرة و زوج بعضهن بعد الهجرة، و إنما ثبتت الأحكام بعد الهجرة و أبرمت و لا يعلم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم زوج بنتا له بعد الهجرة لم يكن لها زوج قبل ذلك- إلا فاطمة- من علي لأن رقية كانت عند عتبة ابن أبي لهب فطلقها بمكة، فزوجها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من عثمان بمكة، و يشبه أن يكون ما روى الحسن أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنكح عثمان ابنتيه و لم يستشرهما أن تكون أم كلثوم لأن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يزوج بعد الهجرة غيرها، و غير فاطمة رضي اللّه عنهما، فتدل رواية إسماعيل على خلاف رواية ابن وضاح التي روى ابنتيه.
و ذكر ابن قتيبة في المعارف: أن عثمان تزوج رقية بالمدينة، ثم تزوج بعدها أم كلثوم بالمدينة أيضا، و أن عتبة تزوج رقية، و عتيبة تزوج أم كلثوم، و طلقاهما قبل أن يدخلا بهما.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول(1/98)
و ما روي عن علي و زيد في ذلك في كتاب النسائي، و مصنف عبد الرزاق، عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد اللّه بن مسعود: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة فلم يفرض لها و لم يدخل بها حتى مات فرددهم شهرا لا يفتيهم، ثم قال: اللهم إني أقول جوابي فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمني. و قال في النسائي: فمن الشيطان أرى أن يكون لها صداق امرأة من نسائها، لا وكس و لا شطط، و لها الميراث و عليها العدة أربعة أشهر و عشر. فقام ناس من أشجع فقالوا: نحن نشهد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى بمثل الذي قضيت به في بروع ابنة واشق «2».
قال في مصنف عبد الرزاق: بنت واشق من بني رؤاس و بني رؤاس حي من بني عامر بن صعصعة، و الذي شهد قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معقل بن سنان الأشجعي، و نفر من قومه. و قال علي ابن أبي طالب: لا صداق لها، و كذلك قال زيد، و بهذا أخذ مالك. و أخذ سفيان و الحسن و قتادة بقول ابن مسعود فقال: لا تصدق الأعراب على قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و وقع في الكتابين:
فما فرح ابن مسعود بشي ء كما فرح بذلك حين وافق قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «3».
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (10277) عن المهاجر بن عكرمة الطائي. و هو حديث مرسل.
(2) رواه النسائي في الكبرى (8/ 457)، و أبو داود رقم (2114) في النكاح، و ابن ماجه (1891)، و النسائي في السنن (6/ 122) في النكاح و إسناده صحيح.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10899)، و البيهقي في السنن (7/ 245) و إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:63
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى و في نفقة المطلقة وعدتها و سكناها
في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة قال:(1/99)
تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لها الصداق بما استحلّ من فرجها و الولد عبد لك و إذا ولدت فاجلدوها». و فرّق بينهما «1».
و في الموطأ و البخاري و مسلم عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة.
و في كتاب مسلم و النسائي آخر تطليقة بقيت له فيها و هو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال: و اللّه ما لك علينا من شي ء. و قال في كتاب النسائي: فأرسل إليها الحارث بن هشام بن أبي ربيعة بنفقتها فسخطتها فقال: و اللّه ما لك علينا نفقة إلا أن تكوني حاملا و لا أن تسكني في مسكننا إلا بإذننا. و في كتاب مسلم فأرسل خمسة أصوع شعيرا أو خمسة أصوع تمرا فجاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكرت له ذلك، فقال: «ليس لك نفقة» «2».
و وقع في كتاب مسلم قالت فاطمة: خاصمته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السكنى و النفقة فلم يجعل لي سكنى و لا نفقة. و ذكر النسائي: و أمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فأذنيني». فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان و أبا جهم خطباني. و وقع في موطأ يحيى أبا جهم بن هشام و هو غلط ليس في الصحابة أبو جهم بن هشام، و إنما هو أبو جهم بن صخر ابن عدي قرشي. و يقال: أبو جهم بن حذيفة بن غانم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، و أما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد». فكرهته، ثم قال «انكحي أسامة» فنكحته فجعل اللّه في ذلك خيرا و اغتبطت به «3».(1/100)
قال الخطابي: قول فاطمة: خاصمته إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فلم يجعل لي سكنى و لا نفقة. كان إخبارها على أحد الأمرين علما و هو ألانفقة لها، و عن الاخر و هو السكنى و هما و ذلك أنه ذهب عليها معرفة السبب في نقله إياها عن بيت أهلها فتوهمته إبطالا لسكناها فقالت: فلم يجعل لي سكنى و لا نفقة.
و قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «اعتدي عند ابن أم مكتوم» يوجب لها السكنى، فيه من الفقه: إباحة
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق (10704) و البيهقي السنن (7/ 157)، و الدارقطني (3/ 251)، و أبو داود (2131) و (2132) و إسناده ضعيف.
(2) رواه مالك في الموطأ (2/ 580 و 581) في الطلاق، و مسلم (1480) و (37) في الطلاق، و النسائي (6/ 75) في النكاح، و أبو داود (2288)، و ابن حبان (4049) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
(3) رواه مسلم (1480) و (136)، و النسائي (6/ 74). من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:64
خطبة رجلين إمرأة، و نكاح المولى قرشية لأن فاطمة بنت قيس هى أخت الضحاك بن قيس:
قرشية فهرية، و أنه لا غيبة فيمن سئل عن النكاح أن يذكر بما فيه، و إن كان النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يذكر إلا ضرب أبا جهم للنساء، و فقر معاوية، إلا أن أهل العلم أجازوا ذلك في النكاح و فيمن سئل عنه بعد أن شهد على أحد و فيمن يتخذ إماما.
و فيه: أن يوصف الرجل بأكثر ما فيه، و قد كان أبو جهم ينام و يأكل و يجلس، فوصفه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه.(1/101)
و فيه: إباحة خروج المطلقة من بيتها إذا آذت أهل الزوج بلسانها، و بذت عليهم كما فعلت فاطمة بأهل زوجها، و هي الفاحشة التى قال اللّه عز و جل: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطّلاق: الاية 1]. ذكر ذلك ابن رزين، و غيره و قيل: إنما شكت رداءة المنزل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأذن لها.
و فيه: ألانفقة للمبتوتة، و قال بعض أهل العلم: إنها ليس لها أيضا سكنى بهذا الحديث.
و فيه: زيارة الرجال المرأة الصالحة.
و فيه: القضاء على الغائب لأن أبا عمرو طلقها و هو غائب بالشام و حولت و هو غائب و أمرها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بالنكاح. قاله الأصيلي، و في مصنف أبي داود قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب ربنا و سنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لم تحفظ «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» للزوجة بالنفقة على زوجها و هو غائب و كيف تكون الخدمة عليهما جميعا
في البخاري و مسلم عن عائشة أنها قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: إن أبا سفيان رجل ممسك. و في حديث آخر: شحيح، و ليس يعطيني ما يكفيني و ولدي إلا ما أخذت منه و هو لا يعلم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «خذي ما يكفيك بالمعروف» «2».
فيه من الفقه: القضاء على الغائب، و كذلك ترجم عليه البخاري القضاء على الغائب، و ترجم عليه أيضا من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون و التهمة، و كان أمرا مشهورا و أنه من منع أحدا حقه و ظفر له بمال فله أن يأخذ منه بقدر حقه بغير علمه،
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (2291) في الطلاق. باب في نفقة المبتوتة. و هو حديث صحيح موقوف على عمر رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد في المسند (6/ 39)، و البخاري رقم (2211 و 5370 و 7180)، و مسلم (1714) و (7)، و أبو داود (3532) من حديث عائشة رضي الله عنها.(1/102)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:65
و في هذا الوجه اختلاف بين أصحاب مالك. و في الواضحة: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم حكم بين علي بن أبي طالب و زوجته فاطمة رضي اللّه عنهما حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت و حكم على علي بالخدمة الظاهرة.
قال ابن حبيب: و الخدمة الباطنة: العجن، و الطبخ، و الفرش، و كنس البيت، و استقاء الماء، إذا كان الماء معها و عمل البيت كله.
و ذكر البخاري و مسلم و النسائي: أن فاطمة أتت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحا و بلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال علي:
فجاءنا و قد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: «مكانكما»، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد رجليه على بطني فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما و آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا و ثلاثين، و حمدا ثلاثا و ثلاثين، و كبرا أربعا و ثلاثين، فهو خير لكما من خادم». فما تركتها بعد. قيل: و لا ليلة صفين! قال: و لا ليلة صفين «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصداق و أقل ما يكون و ذكر صداق بناته و زوجاته عليه السلام
في كتاب النسائي و مصنف عبد الرزاق و أبي داود: أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم درعه الحطمية «2»، قال عكرمة في الواضحة: فبيعت بخمسمائة درهم. و في غير الواضحة: فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعضها في طيب.(1/103)
و في مصنف عبد الرزاق أيضا: أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اثنتي عشرة أوقية «3»، و ذكر النسائي عن علي بن أبي طالب أنه قال: جهز رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاطمة في خميل و تربة و وسادة أدم حشوها إذخر «4». و ذكر ابن أبي زيد أن ذلك النكاح كان في السنة الأولى من الهجرة، و يقال في السنة الثانية على رأس اثنين و عشرين شهرا، و لم يختلف أن بناء__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (1/ 96)، و البخاري (3113 و 5361)، و مسلم (2727)، و أبو داود (5062) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد في المسند (1/ 80) و (360)، و الحميدي (38)، و النسائي (6/ 129 و 130) من حديث علي رضي الله عنه. و إسناده ضعيف. و رواه أبو داود (2126) من طريق كثير بن عبيد الحمصي حدثنا أبو حيوة عن شعيب بن أبي حمزة، حدثني غيلان بن أنس حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل أن عليا رضي الله عنه. و هذا إسناد ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (10402) من حديث صفوان بن سليم: أن عليا أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى اللّه عليه و سلم و ذكره. و هو حديث مرسل.
(4) رواه النسائي في السنن (6/ 135) و (3384) من حديث علي رضي الله عنه. و إسناده ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:66(1/104)
النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعائشة كان في السنة الأولى على رأس ثمانية أشهر من الهجرة في شوال. و في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول اللّه زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هل عندك من شي ء تصدقها إياه؟» فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «إن أعطيتها اياه جلست بلا إزار لك فالتمس شيئا». فقال: ما أجد شيئا فقال: «التمس و لو خاتما من حديد»، فلم يجد شيئا، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هل معك من القرآن شي ء؟» قال: نعم سورة كذا و كذا لسور سماها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قد أنكحتها بما معك من القرآن» «1». يقال هذه المرأة كانت خولة بنت حكيم و يقال أم شريك.
و فيه من الفقه: أن السلطان وليّ من لا وليّ له.
و فيه إباحة النكاح بالعروض، و كذلك في نكاح علي فاطمة رضي اللّه عنها.
و فيه إجازة الأجرة على تعليم القرآن، و هذا الحديث منسوخ عند ابن حبيب. و قال غيره:
هذا من خواص النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و لم يأخذ به أحد من الصحابة و لا التابعين و لا الفقهاء غير الشافعي، و لعل المرأة قد كانت تحفظ تلك السورة بعينها و هي إنما كانت رضيت بالنبيّ صلى اللّه عليه و سلم و له وهبت نفسها، و لم يتزوج أحد من الصحابة بأقل من خمسة دراهم، و هو عبد الرحمن بن عوف تزوج بزنة نواة من ذهب، و هي خمسة دراهم «2». و ذكر ابن المنذر في الأشراف أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم تزوج أم سلمة على متاع يساوي عشرة دراهم. و في وثائق ابن العطار: أربعمائة درهم. و في النوادر و غيرها أن النبيّ عليه الصلاة و السلام تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان و أمهرها أربعة آلاف درهم.(1/105)
و فيه أيضا أنه أمهرها أربعمائة دينار ذهبا.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي اللّه عنها
في البخاري و مصنف أبي داود و الواضحة: أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل بن هشام فاستأذن بنو هشام ابن المغيرة في ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يأذن لهم، و خرج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم مغضبا حتى رقى المنبر، و اجتمع الناس إليه، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإن بني هشام ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي و ينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريا بني ما أرابها،
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2310 و 5135)، و مسلم (1425)، و الموطأ (2/ 526)، و الترمذي (1114)، و النسائي (6/ 113) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد في المسند (3/ 227 و 271)، و البخاري رقم (5155)، و مسلم (1427)، و أبو داود (2109)، و ابن حبان (4096) من حديث أنس رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:67
و يؤذيني ما آذاها، و لن تجتمع بنت نبي اللّه مع بنت عدو اللّه. إني أخاف أن تفتن فاطمة في دينها، و إني لست أحرّم حلالا، و لا أحلّ حراما، و لكن و اللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه و ابنة عدو اللّه في مكان واحد أبدا» «1».
قال ابن حبيب: فإن احتج محتج في إجازة اتخاذ الشروط بهذا الحديث فلا حجة له فيه لأن هذا من خواص النبيّ صلى اللّه عليه و سلم.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المجوسي يسلم و المرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم(1/106)
في المدونة و غيرها: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي- حين أسلم و تحته عشر نسوة-: «اختر أربعا، و فارق سائرهن» «2». و قال فيروز الديلمي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني أسلمت و تحتي أختان، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «طلق أيتهما شئت» «3». و في مصنف أبي داود: أن امرأة أسلمت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تزوجت فجاء زوجها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه إني قد أسلمت و علمت بإسلامي. فانتزعها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من زوجها الاخر وردها إلى زوجها الأول «4». معنى ذلك أنه ثبت ذلك عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المعترض و نكاح المتعة
في الموطأ و البخاري و النسائي: أن رفاعة بن سموأل طلّق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسّها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها و هو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنهاه عن تزويجها و قال: «لا تحل لك حتى تذوق العسيلة» «5». و في غير الموطأ: «حتى يذوق عسيلتها و تذوق عسيلته».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5230)، و مسلم (2449 و 93)، و أبو داود (2071)، و ابن حبان (6955 و 6956) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد في المسند (2/ 14)، و الترمذي (1128)، و ابن ماجه (5335)، و الحاكم (2/ 192 و 193) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما و هو حديث صحيح.
(3) رواه أبو داود (2243)، و الترمذي (1130)، و ابن ماجه (1951)، و ابن حبان (4155) من حديث الضحاك بن فيروز عن أبيه و هو حديث حسن.
(4) رواه أبو داود (2239) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما و إسناده ضعيف.
((1/107)
5) رواه مالك في الموطأ (2/ 531) (1492)، و البخاري (2639) في الشهادات و (5792) في اللباس، و مسلم (1433 و 111)، و النسائي (6/ 93)، و الترمذي (1118) في النكاح من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:68
و فيه من الفقه: أن الزوجة إذا أتاها و هي نائمة لا تشعر، أو سعى إليها لا تحس باللذة لم تحل للزوج الأول.
و في الحديث الثابت من طرق عن الربيع بن ميسرة الجهني عن أبيه قال: قدمنا مع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم مكة عام الفتح فأذن لنا أن نستمتع من النساء، فانطلقت أنا و صاحب لي من بني عامر إلى امرأة كأنها بكرة عيطاء «1»، فعرضنا عليها أنفسنا ببردينا، قال: و على صاحبي برد خير من بردي، و أنا أشب منه فجعلت تنظر إليّ و إلى صاحبي. فقال لها صاحبي: بردي خير من برده، فقالت: قد رضيناه على ما كان من برده. فمكثت معها ثلاثا ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نهى عن المتعة بعد ثلاث و قال: «إن اللّه حرمها» «2».
قال في مسند ابن أبي شيبة: «إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شي ء فليدعها، و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» «3». و في حديث شعبة الذي أغرب به على سفيان قال: فكان الأجل بيني و بينها: عشرة أيام. قال: فبت عندها، ثم أصبحت غاديا فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قائم بين الركن و الباب، فكان من كلامه أن قال: «إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النسوة و إن اللّه حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شي ء فليخل سبيلهن، و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» «4». و اختلف الرواة في تحريم المتعة فقيل: كان عام خيبر، و قيل: عام القضية سنة سبع من الهجرة. قال أبو عبيد: و قال عام الفتح، و قال أبو عبيد في حديثه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «فما أحسب رجلا منكم يخلو بالمرأة ثلاثا إلا ولّاها الدبر».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاحه ميمونة(1/108)
في البخاري و مسلم عن جابر بن زيد قال: أخبرنا ابن عباس قال: تزوج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و هو محرم «5». و ذكر أيضا مسلم عن يزيد بن الأصم: لما تزوجها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بمكة عام عمرة القضية أبت حلال قال: و كانت خالتي و خالة ابن عباس «6»، و كذلك في الواضحة و غيرها: أنه كان
__________________________________________________
(1) عيطاء- الشابة القوية- الطويلة العنق في اعتدال و حسن قوام.
(2) رواه أحمد في المسند (2/ 404 و 405)، و مسلم (1406 و 24)، و أبو داود (2072 و 2073)، و ابن حبان (4146) من حديث مسيرة الجهني رضي الله عنه.
(3) رواه ابن أبي شيبة (4/ 292)، و عبد الرزاق في المصنف (14041) و إسناده صحيح.
(4) رواه ابن حبان (4147)، و مسلم (1406 و 21)، و الحميدي (847)، و ابن ماجه (1962) باب النهي عن نكاح المتعة.
(5) رواه البخاري (5114)، و مسلم (1410 و 47) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) رواه مسلم (1411 و 48)، و ابن ماجه (1964)، و ابن حبان (4136) من حديث ميمونة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:69
حلالا و بنى بها بسرف. قال مالك رحمه اللّه في كتاب ابن المواز: لما تزوجها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بمكة عام عمرة القضية أبت قريش أراد أن يبتني بها بمكة فخرج فبنى بها بسرف «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في القسم بين الزوجات(1/109)
في الحديث الثابت: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما تزوج أم سلمة و أقام معها ثلاثا، أراد الخروج، فأخذت بثوبه فقال: «ليس بك على أهلك هوان فإن شئت سبّعت عندك و سبعت عندهن، و إن شئت ثلثت عندك». ثم درت فقالت بل ثلّث «2». قال: و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتحرى العدل بين نسائه تكرما منه من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، لأن اللّه عز و جل قال في كتابه: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [الأحزاب: الاية 51].
و روي عن علي بن أبي طالب و ابن عباس و الضحاك أن هذه الاية نسخت الاية التي بعدها و هي قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب: الاية 52].
و هذا قليل أن ينسخ الأول الثاني، و إنما الكثير أن ينسخ الثاني الأول، و يشبه هذا النسخ نسخ الحول بالأربعة أشهر و عشر في سورة البقرة و هو قبله في التلاوة في سورة واحدة.
و في الموطأ و المدونة عن ابن شهاب أن رافع بن خديج تزوج جارية شابة و عنده بنت محمد بن مسلمة و كانت قد تخلت فاثر الشابة فاستأذنت عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «يا رافع اعدل بينهما و إلا ففارقها». فقال لها رافع في آخر ذلك: إن أحببت أن تقري على ما أنت عليه من الأثرة قررت و إن أحببت فارقتك قال: فنزل القرآن: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ [النّساء: الاية 128]. قال فرضيت بذلك الصلح، و قرت معه «3». و هذا لفظ المدونة، و لم يقع في الموطأ أن في ذلك نزل القرآن و ذكره النحاس.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرضاع بشهادة امرأة واحدة
في البخاري عن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول اللّه هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال:
«(1/110)
فأفعل ماذا؟» قلت: تنكح. قال: «أتحبين؟» قلت: «لست لك بمخلية و أحبّ من شركتني فيك
__________________________________________________
(1) رواه ابن حبان (4134)، و الترمذي (845)، و البيهقي (7/ 211) و إسناده صحيح.
(2) رواه أحمد في المسند (6/ 292)، و مسلم (1460 و 41)، و أبو داود (2122)، و ابن ماجه (1917) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3) رواه مالك في الموطأ (1557) من حديث رافع بن خديج الأنصاري. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:70
أختي». قال: «إنها لا تحل لي»، قلت: بلغني أنك تخطب درة، قال: «أبنت أم سلمة؟» قلت:
نعم، فقال: «لو لم تكن ربيبتي ما حلّت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة: أرضعتني و أباها أبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن و لا أخواتكن» «1».
قال عروة: و ثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، و أرضعت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم. فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة. قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدهم غير أني سقيت في هذه. يعني في ثويبه.
حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال: و قد سمعته من عقبة، لكني بحديث عبيد أحفظ. قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني قد أرضعتكما و هي كاذبة، فأعرض عني، فأتيت من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة. قال: «كيف بها و قد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك» «2».
و وقع في المدونة أن عمر بن الخطاب لم يجز شهادة امرأة واحدة في الرضاع. و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبر عن رضاع امرأة فتبسم و قال: «و كيف و قد قيل». و وقع أيضا في البخاري: «كيف و قد قيل» ففارقها و نكحت زوجا غيره «3».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5101) و (5106) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
((1/111)
2) رواه أحمد في المسند (16148)، و البخاري (5104)، و أبو داود (3604)، و الترمذي (1151) من حديث عبيد بن أبي مريم رضي الله عنه.
(3) رواه أحمد في المسند (16149)، و البخاري (88) في العلم، و البغوء في شرح السنة (2286)، و النسائي في الكبرى (6027) من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:71
كتاب الطلاق
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في طلاق الحائض
في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي عن ابن عمر أنه طلق امرأته و هي حائض على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم إن شاء أمسك و إن شاء طلق قبل أن يمس.
فتلك العدّة التي أمر اللّه عز و جل أن يطلق لها النساء». انتهى حديث الموطأ «1».
في الكتب المذكورة عن ابن عمر أنه قال: حسبت طلقة. هكذا روى أصحاب نافع عنه عن ابن عمر «2».
و روى الزهري عن محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن أبيه و يونس بن جبير عن ابن عمر.
و روى زيد بن أسلم و ابن سيرين عن ابن عمر و ابن الزبير عن عمر و سعيد بن جبير عن ابن عمر و أبو وائل عن ابن عمر قالوا في روايتهم: «مره فليراجعها و يمسكها حتى تطهر، ثم إن شاء أمسك و إن شاء طلق» «3». و لم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر و الزيادة مقبولة من الثقة، وقع هذا الحرف من الحديث في كتاب مسلم و رواية من زاد أصح.(1/112)
و فيه من الفقه أن الرجعة لا تصح بالوطء فإذا وطئها لم يجز أن يطلق في طهر قد مسّ فيه، و أيضا فلو أمر بطلاقها إذا طهرت من تلك الحيضة التي طلقها فيها كان كأنه قد أمر بارتجاعها ليطلقها فأشبهه النكاح إلى أجل. و روى قاسم بن أصبغ، عن إبراهيم بن عبد الرحيم، عن يعلى ابن عبد الرحمن الواسطي، عن عبد الحميد، عن محمد بن قيس، عن ابن عمر: أنه طلّق امرأته و هي حائض فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يراجعها فإذا طهرت مسّها حتى إذا طهرت مرة أخرى إن شاء طلق، و إن شاء أمسك «4». فزاد في هذا الحديث أن يمسها و لم يذكره أحد من أصحاب المصنفات إلا قاسم. و وقع في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر أنه قال: ردّها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يرها شيئا «5». و تعلق بهذا بعض أصحاب الظاهر و رأوا أن الطلاق
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (1655)، و البخاري (5251)، و مسلم (1471 و 1).
(2) رواه البخاري (5252)، و مسلم (1471 و 4) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) رواه مسلم (1471 و 14) في الطلاق من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) ذكره عن قاسم بن أصبغ. و الإسناد ضعيف. و فيه من لم نقف له على ترجمة.
(5) رواه عبد الرزاق (10960) و إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:72
في الحيض لا يلزم إلا من طلّق ثلاثا أو آخر تطليقة فإنه يلزم بإجماع من العلماء كلهم.
و الصحيح ما ذكره البخاري و مسلم في الحديث أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ألزم ابن عمر الطلقة الواحدة التي طلق فى الحيض، لأن الرجعة لا تكون إلا من طلاق. و قد قال صلى اللّه عليه و سلم: «مره فليراجعها». و قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «من طلّق في بدعة ألزمناه بدعته» «1»، فبطل بذلك قول من يقول: لا يلزم الطلاق في الحيض.(1/113)
و قال الشافعي في قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء» دليل على أن العدة هي القرء و الطهر، و كذلك يقول مالك: إن الأقراء الأطهار. و وقع في حديث ابن عمر في غير المصنفات المذكورة في أول الباب مثل رواية شعيب بن زريق: أن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر أنه طلق امرأته و هي حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «يا ابن عمر ما هكذا أمرك اللّه، إنك قد أخطأت السنة، و السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء». فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فراجعتها و قال:
«إذا هي طهرت فطلّق عند ذلك أو أمسك». فقلت: يا رسول اللّه لو كنت طلقتها ثلاثا كان لي أن أراجعها؟ فقال: «لا، كانت تبين، و يكون معصية» «2». و تكلم أهل العلم في شعيب بن زريق فضعفه بعضهم.
و وقع أيضا في كتاب النسائي عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة في حديث ابن عمر: فليراجعها ثم ليطلقها و هي طاهر أو حامل «3». قال النسائي: لا نعلم أحدا تابع محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة على قوله: أو حامل، و محمد بن عبد الرحمن لا بأس به. و في مصنف أبي داود أن ركانة طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بذلك فقال للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «و اللّه ما أردت إلا واحدة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «و اللّه ما أردت إلا واحدة؟» فقال ركانة: و اللّه ما أردت إلا واحدة، فردها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «4». و عن عبد اللّه بن الوليد عن إبراهيم عن داود عن عبادة بن الصامت قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلقت به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فذكرت له ذلك فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «ما اتقى اللّه جدك أما ثلاث فله و أما تسعمائة و سبع و تسعون فعدوان و ظلم إن شاء عذبه و إن شاء غفر له» «5».(1/114)
__________________________________________________
(1) رواه البيهقي في السنن (7/ 327) من حديث معاذ رضي الله عنه و إسناده ضعيف.
(2) رواه البيهقي في السنن (7/ 334)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 336) و قال: رواه الطبراني و فيه علي بن سعيد الرازي قال الدارقطني: ليس بذاك. و عظمه غيره و بقية رجاله ثقات من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) رواه مسلم (1471 و 5)، و الترمذي (1176)، و النسائي في السنن (3397) و (6/ 141) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) رواه أبو داود (2206)، و الترمذي (1177) في الطلاق و إسناده ضعيف.
(5) ذكره السيوطي في الدر المنثور (1/ 286) من حديث عبادة بن الصامت. و إسناده ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:73
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الخلع
في الموطأ و البخاري و النسائي: أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاس، و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من هذه؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهل. قال: «ما شأنك؟» قالت: لا أنا و لا ثابت ابن قيس لزوجها، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء اللّه أن تذكر»، فقالت حبيبة: يا رسول اللّه كل ما أعطاني عندي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لثابت: «خذ منها»، فأخذ منها، و جلست في أهلها «1».
هذا اللفظ في الموطأ و النسائي، و الذي وقع في البخاري و مسلم: أن امرأة ثابت بن قيس ابن شماس قالت: ما أعتب عليه في خلق و لا دين و لكني أكره الكفر في الإسلام. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اقبل الحديقة و طلقها تطليقة» «2».(1/115)
و الذي وقع في الحديث الأول: و جلست في أهلها يقال: إنه من لفظ المحدّث، و يحتمل أنه كان سكناها معه قبل الخلع في أهلها، و يحتمل أن تكون جلست في أهلها، و لم تعتد في البيت الذي كان يسكن زوجها لخيفة شر يقع بينها و بين أهلها، أو لغير ذلك من العذر.
و وقع في كتاب ابن المنذر: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أمرها أن تعتد بحيضة واحدة. و قال به عثمان بن عفان، و عبد اللّه بن عمر، و به أخذ ابن المنذر، و الذي عليه الأكثر: أن عدتها كعدة المطلقة ثلاثة قروء، و في مصنف ابن السكن: أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، و هي حبيبة بنت عبد اللّه بن أبي، فأتى بها أخوها يشتكيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فبعث إلى ثابت فقال: «خذ الذي لها عليك و خل سبيلها». قال: نعم. فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن تتربص حيضة واحدة و تلحق بأهلها «3».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمة تعتق تحت زوج
في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن أنها عتقت فخيّرت في زوجها، و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الولاء
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (1610) باب ما جاء في الخلع، و أبو داود (2227)، و النسائي (6/ 169) في الخلع. و إسناده صحيح.
(2) رواه البخاري (5273)، و ابن ماجه (2056)، و النسائي (6/ 169) و رواه البخاري مرسلا و موصولا. و وصله الإسماعيلي أيضا.
(3) رواه أبو داود رقم (2228) باب في الخلع. من حديث عائشة رضي الله عنها. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:74(1/116)
لمن أعتق»، و دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و البرمة تفور بلحم فقرّب إليه خبز و أدم من أدم البيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ألم أر برمة فيها لحم؟» فقالوا: بلى يا رسول اللّه و لكنه لحم تصدق به على بريرة و أنت لا تأكل الصدقة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هو عليها صدقة و هو لنا هدية» «1».
و في الواضحة و غيرها كان في بريرة: أربع سنن. فذكر هذه الثلاث، و الرابعة أمرها أن تعتد بثلاث حيض. و قال أحمد بن خالد: الرابعة أن بيعها لم يكن طلاقا.
و وقع في الكتب الثلاثة البخاري و مسلم و النسائي: أن زوج بريرة كان عبدا أسود يقال له «2»: مغيث. و في رواية أخرى في الكتب بعينها: أن زوجها كان حرا. و قال عروة: لو كان حرا ما خيّرت فيه، و الأول أكثر في الرواية، و الأصح أنه كان عبدا.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها و الزوج منكر
روى أحمد بن خالد عن ابن أبي وضّاح عن ابن أبي مريم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:
«إذا ادعت المرأة طلاق زوجها، فجاءت على ذلك بشاهد واحد عدل استحلف زوجها، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد، و إن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر و جاز طلاقه» «3». قال ابن أبي مريم: كنت أقول بقول ابن القاسم حتى وجدت الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخذت به، و هو قول أشعب و روايته عن مالك.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التخيير(1/117)
في المدونة و غيرها عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألاتستعجلي حتى تستأذني أبويك»، قالت: و قد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، ثم قرأ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) [الأحزاب: الاية 28، 29]. فقلت
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5279)، و مسلم (1504)، و الموطأ (1605)، و النسائي (6/ 162 و 163). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه البخاري (5282) من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما.
(3) رواه ابن ماجه (2038)، و الدارقطني (4/ 64 و 166) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. و إسناده ضعيف.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:75
له: في هذا أستأمر أبواي؟ فإني أريد اللّه، و رسوله، و الدار الآخرة. قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبيّ- عليه الصلاة و السلام- مثل ما فعلت فلم يكن ذلك طلاقا «1».
و قال ربيعة و ابن شهاب: و كانت فاطمة بدنة. قال عمرو بن شعيب: و هي ابنة الضحاك العامري رجعت إلى أهلها، و قيل: إنه لم يكن دخل بها. قال ابن حبيب: قد كان دخل بها- و اسمها فاطمة- فكانت تلقط بعد ذلك البعر و تقول: أنا الشقية. هذا قول أكثر العلماء إذا خيرات المرأة فاختارت زوجها أنه لا يكون طلاقا حتى تختار الطلاق، و روي ذلك عن عمر بن الخطاب، و زيد بن ثابت، و ابن مسعود، و غيرهم.(1/118)
و اختلف في ذلك عن علي بن أبي طالب فروى عنه مثل ذلك، و روى عنه: إذا اختارت زوجها فهي واحدة، و إن اختارت نفسها فهي البتة، و ذكر عنه عبد الرزاق: إذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة، و إن اختارت زوجها فهي واحدة و تملك الرجعة «2».
و ذكر ابن سلام في تفسيره عن قتادة، و مصنف عبد الرزاق عن الحسن: أن اللّه عز و جل إنما خيرهن بين الدنيا و الآخرة و لم يخيرهن في الطلاق «3».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في يمينه فيمن حرم ملك اليمين
في معاني الزجاج و النحاس: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش، و يشرب عندها عسلا فقالت عائشة: فتواصيت أنا و حفصة أينا جاءها فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير.
قال الزجاج: و هو صمغ متغير الرائحة، و قيل: إنه بقلة. و في غير الكتابين و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكره أن يوجد منه ريح، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى دارها فقالت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إني أشم منك ريح المغافير، ثم جاء إلى الآخرى فقالت له مثل ذلك. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «قد كان ذلك و لا أعود» «4». قال النحاس و الزجاج: إنه حرّمه. و قيل: إنه حلف على ذلك، و جاء في التفسير و هو الأكثر.
و ذكر النحاس أيضا أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم خلا بجاريته مارية أم إبراهيم في يوم عائشة. قال النحاس: في بيت حفصة، فوقفت على الباب و هو مغلق فجلست حتى فتح الباب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (4785 و 4786)، و مسلم (1475)، و الترمذي (3202)، و النسائي (6/ 159 و 160) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (11974) من حديث علي رضي الله عنه موقوفا عليه و إسناده صحيح.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (11983) من حديث الحسن رضي الله عنه موقوفا عليه.
((1/119)
4) رواه البخاري (4912)، و أبو داود (3714)، و البيهقي في السنن (7/ 353) من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:76
قال النحاس: فقالت حفصة: حقّرتني يا رسول اللّه، و قال غيره قالت: يا رسول اللّه أما كان في نسائك أهون عليك مني! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا تخبري عائشة بذلك»، فقالت له: لست أفعل، و حرم مارية على نفسه «1». و قيل: إنه حلف على ذلك أيضا فأعلمت حفصة عائشة الخبر و استكتمتها إياه فأطلع اللّه عز و جل نبيه على ذلك قال اللّه عز و جل: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التّحريم: الاية 3]. و قرئت «عرف ببعضه، و أعرض عن بعض». فأعلم اللّه عز و جل أن التحريم على هذا التفسير لا يحرّم فقال لنبيه صلى اللّه عليه و سلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التّحريم: الاية 1]. فلم يجعل اللّه لنبيه أن يحرم ما أحل اللّه له، فعلى التفسيرين ليس لأحد أن يحرم ما أحل اللّه له، فقال اللّه عز و جل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التّحريم: الاية 2] «2»، يعني الكفارة لأنه قد روي أنه مع ذلك التحريم حلف. و قال قوم: إن الكفارة كفارة التحريم، قال المفضل: و قاله قتادة.
و روي عن ابن عباس أنه قال: الحرام يمين «3». و قاله الحسن و إبراهيم و قال مسروق:
حلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألا يقربها و هي عليّ حرام فنزلت الكفارة ليمينه ألا يقربها، و أمر أن لا يحرم ما أحل اللّه. و قال الشافعي أيضا و كذلك روى مالك عن زيد بن أسلم في تفسيرها، و في تفسير ابن سلام: قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم يعني ما في سورة المائدة قوله تعالى:(1/120)
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ «4».
و قال الحسن: التحريم في الإماء يمين و في الحرائر طلاق. قال الفراء: عتق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رقبة في مارية، و هذا في الأمة فأما في الحرة فإذا قال لها: أنت حرام، فهي عند مالك و أصحابه ثلاث إذا دخل بها و لا ينوي. و قال أهل الكوفة: إن نوى الطلاق فهي تطليقة بائنة.
و قال الشافعي: هي طالق تطليقة يملك الرجعة، و إن أراد اليمين فهي يمين. و قال الفراء في قراءة من قرأ عرف بعضه: يقولون غضب منه و جازى عليه كما يقول للرجل هي إليك و اللّه لأعرفن لك ذلك و قد لعمري جازى حفصة بطلاقها. و قال الحسن: عرف بعضه أقر ببعضه يعني
__________________________________________________
(1) رواه الدارقطني (4/ 42) و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 178) و قال: رواه الطبراني و فيه إسماعيل ابن عمرو البجلي ضعيف. و الضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس. و بقية رجاله ثقات نقول إسناده ضعيف. و منقطع و له شواهد.
(2) رواه الدارقطني (4/ 42) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. و له شواهد و هو حديث صحيح بشواهده.
(3) رواه الدارقطني (4/ 42) في السنن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه.
(4) ذكره القرطبي في تفسير سورة التحريم (ج/ 18/ 118) و قال: رواه ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم موقوفا عليه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:77
ما كان منه إلى مارية و أعرض عن بعض ما كان إلى حفصة أن تكتم عليه: أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم بعده عمر.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق(1/121)
في مصنف عبد الرزاق، و مالك، و سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب و حميد بن عبد الرحمن، و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، و سليمان بن يسار كلهم يقولون: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت عمر يقول: أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين، ثم تركها حتى تنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها، ثم ينكحها زوجها الأول فإنها عنده على ما بقي من طلاقها «1».
و عن علي بن أبي طالب، و أبي بن كعب: مثل قول عمر. و عن عمران بن الحصين، و أبي هريرة مثله. و ابن المبارك عن عثمان بن مقسم: أنه أخبره أنه سمع أبيّ بن كعب يحدث عن رجل من قومه عن رجل من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قضى فيها: أنها على ما بقي من الطلاق. و بهذا أخذ مالك.
و ذكر أيضا عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي مخلد عن ابن عباس و شريح قالا:
نكاح جديد، و طلاق جديد. و عن ابن عمر و ابن عباس مثله، و عن ابن مسعود و عطاء مثله، «و قال» الثوري و معمر: قول الفريقين كليهما إن لم يصبها الاخر فهي على ما بقي من الطلاق.
قال معمر: قاله النخعي و لم أسمع فيه اختلافا و هو فقه حسن.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحضانة و أن الأم أحق بالولد و أن الخالة بمنزلة الأم
في مصنف عبد الرزاق عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي: أن امرأة طلقها زوجها، و أراد أن ينتزع ولدها منها، فجاءت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه إن ابني هذا كان بطني له وعاء، و ثديي له سقاء، و فخذي له حواء، و إن أباه طلقني و أراد أن ينتزعه مني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:
«أنت أحق به ما لم تتزوجي» «2». و في المدونة مثله، و في مصنف عبد الرزاق عن أبي هريرة:
كانت أم و أب يختصمان في ابن لهما فقالت للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، و قد
__________________________________________________
((1/122)
1) رواه مالك في الموطأ (1694) موقوفا على عمر رضي اللّه عنه. قال مالك: تلك السنة التي لا خلاف فيها.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (12596 و 12597)، و البيهقي في السنن (8/ 5)، و الدارقطني (2/ 155) بلفظ المؤلف و رواه أبو داود (2276)، و الحاكم (2/ 207) بنحوه. و صححه و وافقه الذهبي.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:78
أسقاني من بئر أبي عتبة. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «يا غلام هذا أبوك و هذه أمك فخذ بيد أيهما شئت»، فأخذ بيد أمه فانطلقت به «1».
و في البخاري و مسلم: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما اعتمر عمرة القضاء، و انقضى الأجل الذي كان قاضى عليه أهل مكة، أتوا عليا فقالوا: قل لصاحبك أخرج عنا، فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، فتناولها علي و قال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها علي و زيد و جعفر فقال علي: أنا آخذها و هي ابنة عمي، و قال جعفر: ابنة عمي و خالتها تحتي، و قال زيد:
بنت أخي، فقضى بها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لخالتها و قال: «الخالة بمنزلة الأم»، و قال لعلي: «أنت مني و أنا منك»، و قال للاخر: «أشبهت خلقي و خلقي»، و قال لزيد: «أنت أخونا و مولانا» «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الظهار و بيان ما أنزل اللّه عز و جل فيه
من معاني الزجاج و غيرها: أن خولة بنت ثعلبة الأنصارية جاءت إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه إن أوس بن الصامت تزوجني و أنا شابة مرغوب فيّ، فلما خلا سني و نثرت بطني- أي كثر ولدي- جعلني عليه كأمّه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما عندي في أمرك شي ء»، فشكت إلى اللّه عز و جل و قالت: اللهم إني أشكو إليك. و روي أنها قالت للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم فيما قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا، فأنزل اللّه عز و جل كفارة الظهار «3».(1/123)
و ذكر المفضل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال له: «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» قال: لا و اللّه، قال:
«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا و اللّه، قال: «فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟» قال: لا و اللّه ما عندي، فأعانه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا، و أعانه آخر بخمسة عشر صاعا، فأعطاها ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع «4». و في حديث آخر أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لعلي:
«ائتني بمكتل فيه ستون مدا من تمر»، فأتاه فقال: «أطعمه ستين مسكينا عن نفسك و أهلك».
قال أوس: بأبي و أمي أنت يا رسول اللّه ما يمسي و لا يصبح أحد أحق بهذا المكتل مني و من أهلي، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال: «كله أنت و أهلك» «5».
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (12611)، و الترمذي (1357)، و سعيد بن منصور (2261) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه و هو حديث صحيح.
(2) رواه البخاري (2699) و (4251)، و مسلم (1783) من حديث البراء رضي الله عنه.
(3) رواه ابن ماجه (2063)، و الحاكم في المستدرك (2/ 481) و صححه و وافقه الذهبي. من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه الدارقطني في السنن (3/ 316) و أبو داود بنحوه (2214) من حديث خولة بنت مالك رضي الله عنها. و إسناده حسن.
(5) رواه البيهقي في السنن (7/ 392)، و أبو داود مختصرا (2217) و هو حديث حسن بشواهده.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:79(1/124)
و في المدونة و غيرها: كان الطعام الذي أعطاه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم شعيرا «1». قال مالك: إطعام الظهار مد بمد هشام و هو مدان إلا ثلث بمد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم. و قال الشافعي: مد لكل مسكين حنطة أو غيرها. و قال أبو حنيفة: نصف صاع من حنطة أو دقيق أو صاع من تمر أو شعير، و حجة الشافعي: الحديث الاخر، و حجة أبي حنيفة: الحديث الأول، و كذلك اختلفوا في عتق رقبة غير مؤمنة، فقال مالك و الشافعي: لا يجزئ إلا مؤمنة، و قال أبو حنيفة: يجزئ اليهودي و النصراني.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللعان و إلحاق الولد بأمه
في الموطأ و البخاري و النسائي عن الزهري: أن سهل بن سعد الساعدي أخبرهم: أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فسأل عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فكره عليه السلام مسألة السائل حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المسألة التي سألته عنها؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المسألة التي سألته عنها.(1/125)
فقال عويمر: و اللّه لا أنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم وسط الناس فقال: يا رسول اللّه أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قد أنزل اللّه فيك و في صاحبتك». و في البخاري: «قد قضى اللّه فيك و في امرأتك فاذهب فأت بها». قال سهل: فتلاعنا، زاد في البخاري: في المسجد و أنا مع الناس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبيّ صلى اللّه عليه و سلم. قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين «2». قال ابن شهاب: و في البخاري و كان ابنها يدعى بها، ثم جرت السنة في ميراثه أنه يرثها و ترث منه ما فرض اللّه لها «3». و قال سهل عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه و حرة «4» فلا أراها إلا قد صدقت و كذب عليها، و إن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراها إلا قد صدق عليها».
فجاءت به على المكروه «5». و في كتاب الخطابي: «و إن جاءت به أسحم أحتم فهو للمكروه».
__________________________________________________
(1) رواه البيهقي في السنن (7/ 392 و 393). و قال: و روينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أعانه النبي صلى اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا. من شعير- و قال أبو زيد المدني: أن امرأة جاءت بشطر أوسق من شعير فأعطاه النبي صلى اللّه عليه و سلم- و قال البيهقي فهذه روايات مختلفة و أكثرها مرسلة.
(2) رواه البخاري مختصرا (423 و 4745 و 5259)، و مسلم (1492) في أول اللعان- و أبو داود (2245) في الطلاق من حديث سهل بن سعد الساعدي.
(3) رواه البخاري (4746) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(4) الوحرة- بفتحات دويبة صغيرة تلزق بالأرض.
(5) رواه البخاري (4745 و 4746) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.(1/126)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:80
الأحتم الأسود، و منه سمي الغراب حاتما لسواده، و قيل: سمي حاتما لأنه يحتم بالفراق.
و في البخاري عن ابن عمر: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لهما: «حسابكما على اللّه أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟» قال ذلك ثلاث مرات ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «1» بينهما.
و في المستخرجة في سماع أصبغ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال للرجل قبل اللعان: «اتق اللّه أنزع عما قلت تجلد و تتوب إلى اللّه يتوب اللّه عليك». فقال: لا و الذي بعثك بالحق أربع مرات يرددها عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، ثم أقبل على المرأة فقال: «يا فلانة اتقي اللّه و بوئي بذنبك يرحمك اللّه أو تتوبي إلى اللّه يتوب اللّه عليك»، فقالت: لا و الذي بعثك بالحق لقد كذب فقال لها ذلك أربع مرات، فنزل القرآن: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ [النّور: الاية 6]. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يا فلان قم فتشهد». قال: أقول ماذا يا رسول اللّه؟
قال: «قل: أشهد باللّه أني لمن الصادقين» أربع مرات، ثم قال له: «خمس» قال له: يا رسول اللّه فماذا أقول؟ قال: «قل لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين»، ثم دعا المرأة فقال أتشهدين أو نرجمك؟ قالت: بل أشهد قال: قولي أشهد باللّه إنه لمن الكاذبين أربع مرات، ثم: «خمّسي» قالت: يا رسول اللّه ما أقول؟ قال: «قولي: غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين»، ففعلت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قوما فقد فرقت بينكما، و وجبت النار لأحدكما، و الولد للمرأة».(1/127)
و في مصنف أبي داود: فلما التعنت المرأة أربعا. و بقيت الخامسة قيل لها: اتقي اللّه هذه الموجبة توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت: و اللّه لا أفضح قومي. فشهدت الخامسة، ففرق رسول اللّه بينهما و قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألايدعى ولدها لأب و لا ترمى و لا يرمى ولدهما، و من رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، و قضى ألابيت لها و لا قوت من أجل أنهما مفترقان من غير طلاق و لا متوفى عنها، و قال: «إن جاءت به أصيهب أوشح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال بن أمية، و إن جاءت به أورق أجعد جماليا خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو للذي رميت به». فجاءت به على المكروه «2».
قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر و لا يدعى لأب.
و في البخاري: أن عاصم بن عدي لاعن أيضا زوجته و قال: ما ابتليت بهذا الأمر إلا بكلام تكلمات «3». و في غير البخاري: و كان سهل بن سعد إذ حضر ذلك ابن خمس عشرة سنة، و عاش بعد ذلك خمسا و ثمانين سنة، و مات ابن مائة سنة، و هو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و لم يكن بالمدينة بعد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لعان إلا في أيام عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5311 و 5350) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) رواه أبو داود (2256) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما و إسناده ضعيف.
(3) رواه البخاري (5310) من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:81
كتاب البيوع
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السلم و الربا و بيع النخل إذا أبرت و اختلاف المتبايعين و الخيار
في البخاري و مسلم عن ابن عباس قال: قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة و هم يسلفون في البسر «1» السنتين و الثلاث «2». زاد في الدلائل الأصيلي: فنهاهم.(1/128)
و في مصنف أبي داود: سلف رجل إلى رجل في نخل فلم تخرج النخلة تلك السنة شيئا، فاختصما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال: «بم تستحل ماله؟» أردد عليه ماله، ثم قال: «لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه» «3».
قال في الكتابين و الدلائل: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم» «4».
و في الكتابين عن ابن عمر قال: رأيت الناس يضربون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا اشتروا الطعام خوفا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم، و في كتاب النسائي مثله «5».
و في الموطأ و البخاري: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث عاملا له إلى خيبر هكذا فقال: لا و اللّه يا رسول اللّه إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين و الصاعين بالثلاثة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا». و في البخاري و قال في الميزان مثل ذلك. و في مسلم مثله و زاد في كتاب مسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هذا عين الربا» «6».
و في حديث آخر: «هذا الربا فردوه، ثم بيعوا لنا تمرا و اشتروا لنا من هذا» «7».
و في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السعدين أن يبيعا آنية من
__________________________________________________
(1) البسر: هو البلح قبل أن يرطب.
(2) رواه البخاري (2239)، و مسلم (1604)، و أبو داود (3463) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) رواه أبو داود (3467) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. و إسناده ضعيف.
(4) رواه البخاري (2240)، و مسلم (1604) و (127) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) رواه البخاري (2131)، و مسلم (1526) و (38) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(6) رواه البخاري (2301 و 2202)، و مسلم (1593)، و الموطأ (2/ 623).
(7) رواه مسلم (1593) و (97) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(1/129)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:82
المغانم من ذهب أو فضة، فباعا كل ثلاثة عينا بأربعة عينا أو كل أربعة وزنا بثلاثة وزنا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أربيتما فردّا «1».
و في كتاب مسلم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتي يوم خيبر بقلادة فيها خرز و ذهب- و هي من المغانم تباع- فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الذهب بالذهب وزنا بوزن».
و في كتاب أبي داود قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا يباع حتى يفصل» «2».
و في الموطأ و البخاري و مسلم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «من باع نخلا قد أبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، و من باع عبدا و له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» «3».
و في الدلائل للأصيلي عن ابن عمر: أن رجلا اشترى نخلا قد أبّرها «4» صاحبها فخاصمه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «إن الثمرة لصاحبها الذي أبرّها إلا أن يشترطها المشتري» «5».
و في مصنف عبد الرزاق عن أنس: أن رجلا اشترى من رجل بعيرا و اشترط الخيار أربعة أيام، فأبطل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البيع و قال: «الخيار ثلاثة أيام» «6». و هذا رأى هشام بن يوسف و أبي حنيفة، هكذا في المصنف.
و في الدلائل للأصيلي قال الشافعي و أبو حنيفة: لا خيار فوق ثلاثة أيام.
و قال أبو يوسف و محمد بن الحسن مثل قول مالك: أن الخيار إنما هو على ما جرت به العادة بين الناس، و الدليل على ذلك أنه ليس من اشترى قرية بعيدة الأقطار، أو ألف بعير في مراعيها بمنزلة من اشترى شاة أو بعيرا أو ثوبا. و قال أبو برزة: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا». و وقع في الموطأ و البخاري و مسلم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:
«(1/130)
المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار» «7». و قال ابن حبيب في الواضحة: الحديث
__________________________________________________
(1) رواه مالك في الموطأ (2563) في البيوع باب بيع الذهب بالفضة تبرا و عينا مرسلا.
(2) رواه مسلم (1591)، و أبو داود (3352) من حديث فضالة بن عبيد اللّه رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (2379)، و مسلم (1543)، و الموطأ (2/ 617) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) أبّرها: أي قد لقّحها.
(5) رواه أحمد في المسند (2/ 30) و (4852)، و النسائي في الكبرى (4993)، و البيهقي في السنن (5/ 325) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. و هو حديث صحيح. و إسناده منقطع. عكرمة بن خالد. لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنه.
(6) رواه عبد الرزاق في المصنف و في إسناده أبان بن أبي عياش قال عبد الحق: لا يحتج بحديثه.
(7) رواه البخاري (2107 و 2109)، و مسلم (1531 و 13)، و ابن حبان (4913) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:83
منسوخ بقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع أو يترادان» «1».
و في المدونة: «إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم المبتاع بالخيار إن شاء أخذ و إن شاء حلف و ترك» «2». و قال أشهب: و ليس العمل على الحديث الذي جاء: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا». و يروى- و اللّه أعلم- أنه منسوخ لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «المسلمون عند شروطهم» «3».
و لقوله عليه السلام: «إذا اختلف البيعان استحلف البائع» «4». رواه مالك مرسلا، و هو في الدلائل مسند عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عون بن عبد اللّه، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم.(1/131)
و عن سفيان الثوري، عن معن بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بكر الصديق، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في الموطأ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سئل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا: نعم. فنهى عن ذلك «5».
و قال أبو عمرو الأشبيلي و غيره: في هذا الحديث من الفقه: أن ترد الصناعات إلى أهلها لأن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قد علم أن الرطب ينقص إذا يبس فرد ذلك إلى أهل المعرفة.
__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (1/ 466) و (4444 و 4445)، و ابن أبي شيبة (6/ 227)، و البيهقي في السنن (5/ 332)، و الترمذي (1270)، و الشافعي في السنن (5/ 332) و قال: هذا حديث منقطع لا أعلم أحدا وصله عن ابن مسعود. و قد جاء من غير وجه- و قال الترمذي: هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.
(2) رواه النسائي في المجتبى (7/ 303). و ذكره الزيلعي في نصب الراية (4/ 106) و إسناده حسن.
(3) رواه الحاكم في المستدرك (2/ 49) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و صححه الحاكم. و قال الذهبي في التلخيص: كثير بن زيد ضعفه النسائي، و مشاه غيره و له شاهد. و أبو داود و (3594) و رواه الحاكم في المستدرك (2/ 49) من حديث عائشة رضي الله عنها و صححه. و قال في التلخيص: إسناده واه. و رواه ابن ماجه (2353) من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه. و في إسناده ضعف. و في الباب عن رافع بن خديج رواه الطبراني، و ابن عدي. و من حديث ابن عمر رواه العقيلي في الضعفاء ص (375). و جملة القول إن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.
(4) رواه الدارقطني في السنن (3/ 18) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. و في إسناده عبد الملك ابن عبيدة- قال الحافظ في التقريب: مجهول الحال. أقول: و في الإسناد ابن لعبد الله لم يسم فهو مجهول.
((1/132)
5) رواه مالك في الموطأ (2/ 624)، و الترمذي (1235)، و النسائي (7/ 269)، و ابن ماجه (2364) و قال الترمذي: حديث حسن. و صححه ابن حبان. و ابن خزيمة و الحاكم (2/ 38 و 39) و له شاهد مرسل جيد عند البيهقي في السنن (5/ 295) من حديث عبد الله بن أبي سلمة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:84
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التلقي و المصراة و الرد بالعيب و إن الغلّة بالضمان
في مصنف ابن السكن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا يبيع بعضكم على بيع بعض إلا الغنائم و المواريث» «1».
و ترجم البخاري بالنهي عن تلقي الركبان و بيعه مردود لأن صاحبه آثم عاص إذا كان به عالما و هو خداع في البيع و الخداع لا يجوز.
و في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تلقّوا الركبان للبيع، و لا يبيع بعضكم على بيع بعض، و لا تناجشوا «2»، و لا يبيع حاضر لباد، و لا تصروا «3» الإبل و الغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها و إن سخطها ردها و صاعا من تمر» «4».
و في مصنف أبي داود: «ردها و معها مثل أو مثلي لبنها قمحا» «5». و في البخاري و مسلم في حديث آخر: «فمن ابتاعها فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها و إن شاء ردّها و صاعا من تمر لا سمراء» «6».(1/133)
و في كتاب النسائي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا تلقّوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى صاحبه السوق فهو بالخيار» «7». و فيه: أن عائشة قالت: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «أن الخراج بالضمان» «8». و أجمع المسلمون على الحكم بالغلة بالضمان، و احتج بذلك أبو حنيفة في إبطال رد المصرّاة و لا يجوز له عند أبي حنيفة ردها دون لبنها و لا بيع لبنها، و يرجع بقيمة العيب، و خالف في ذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و حكمه في المصراة بقياسه على الحديث الذي فيه الخراج بالضمان.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2139) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما دون الجملة الأخيرة فلم نجدها فيما لدينا من المصادر.
(2) النجش- الزيادة في الثمن. و هو لا يريد شراءها.
(3) تصروا: التصرية- ترك الحلب يوم أو يومين حتى يجتمع لها لبن.
(4) رواه البخاري (2150)، و الموطأ (2/ 683) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) رواه أبو داود (3446) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. و في إسناده ضعف.
(6) رواه البخاري (2148)، و مسلم (1524 و 25) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) رواه النسائي في المجتبى (4501) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(8) رواه النسائي (7/ 254 و 255) و (4490)، و الترمذي (1285) و صححه الترمذي، و ابن حبان، و ابن الجارود، و الحاكم.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:85(1/134)
و في مصنف أبي داود أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء اللّه ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول اللّه قد استغل غلامي، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «الخراج بالضمان» «1». و الصحيح ما اتفق عليه مالك و الشافعي و غيرهم من الأئمة أن حكم المصرّاة حكم على حدة لا يعارض فيه و لا يقاس على غيره و الدليل على ذلك: إجماع العلماء على الرد بالعيب ما لم يفت المعيب، و ليس حلاب الشاة المصرّاة تفويتا لها حتى يجب إمساكها و الرجوع بقيمة العيب، هذا غلط.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التفليس و موت المبتاع قبل دفع الثمن و من اشترى سرقة و هو لا يعلم
في الموطأ و البخاري و مسلم و النسائي أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» «2».(1/135)
و في الموطأ لمالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه و لم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به، و إن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» «3». و بهذا أخذ مالك، و أخذ الشافعي برواية ابن أبي ذئب عن المعتمر عن عمر بن خالدة عن أبي هريرة أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قضى: «أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه». قال أحمد بن خالد في مسنده: ليس يعارض حديث الزهري بابن أبي ذئب. و قال النسائي: ابن أبي ذئب ضعيف. و في دلائل الأصيلي عن عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير حدثه، قال: كتب معاوية إلى مروان: إذا سرق الرجل، فوجد سرقته فهو أحق بها حيث وجدها، فكتب إلى مروان بذلك و أنا على اليمامة فكتبت إلى مروان أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قضى «إذا وجدت السرقة عند رجل و هو غير متهم، فإن شاء سيدها أخذها بالثمن، و اتبع سارقه»، ثم قضى بعده بذلك أبو بكر، و عمر، و عثمان. فبعث مروان بكتاب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان: إنك لست أنت و لا ابن حضير تقضيان علي فيما وليت، و لكني أقضي عليك فأنفذ ما أمرتك به. و تكرر الحديث و طال فبعث إلى مروان بكتاب معاوية، فقلت: لا أقضي به ما وليت «4». قال النيسابوري: و ما أعلم
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3510) من حديث عائشة رضي الله عنها و إسناده ضعيف.
(2) رواه البخاري (2402)، و مسلم (1559)، و مالك (2687) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
((1/136)
3) رواه مالك في الموطأ (2686) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم و من طريقه عبد الرزاق في المصنف (15158)، و أبو داود (3520) هكذا مرسلا و وصله أبو داود (3522)، و البيهقي (6/ 46). و صححه ابن خزيمة. و ابن التركماني في الجوهر النقي (6/ 47) فهو كما قالا.
(4) ذكره الهندي في كنز العمال (ج/ 10) و (30371) و قال: رواه أبو نعيم عن أسيد بن ظهير و رقم (30372). و قال: رواه الطبراني عن أسيد بن حضير رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:86
أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث إلا إسحاق بن راهواه. قيل لأحمد بن حنبل: حديث ابن أسيد تذهب إليه، قال: لا قد اختلفوا فيه أذهب إلى حديث رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «و من وجد ماله عند رجل فهو أحق به» «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجوائح و ما روي عنه فيها
في البخاري و كتاب مسلم و النسائي: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «أرأيت إن منع اللّه الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» و في حديث آخر: «بم يستحل أحدكم مال أخيه؟» «2» و رفعه مالك في الموطأ، و ذكره في الدلائل. و في كتاب مسلم عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمر بوضع الجوائح «3» بهذا الحديث. احتج مالك في وضع الجائحة إذا بلغت الثلث، و قال الشافعي في أحد قوليه و أبو حنيفة و الليث و سفيان الثوري: لا جائحة فيما اشترى من الثمار بعد بدوّ صلاحها بأي وجه كانت الجائحة، و احتجوا بالحديث الثابت أن معاذ بن جبل أصيب على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «تصدقوا عليه» فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «خذوا ما وجدتم و ليس لكم إلا ذلك».(1/137)
في قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «و ليس لكم إلا ذلك»، دليل على ألاشي ء على معدوم، و كان تفليس معاذ سنة تسع من الهجرة، و خلصه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من ماله لغرمائه، و حصّل لهم خمسة أسباع حقوقهم. فقالوا: يا رسول اللّه بعه لنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «خلوا عنه ليس لكم إليه سبيل». و بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى اليمن و قال له: «لعلّ اللّه أن يجبرك»، و ذلك في ربيع الاخر سنة تسع بعد أن غزا مع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم غزوة تبوك، و قدم بعد موت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في خلافة أبي بكر و معه غنم، فرآهم عمر، فقال: ما هم؟ فقال: أصبتهم في وجهتي، فقال عمر: من أي وجه؟ فقال:
أهدوا إلي و أكرمت بهم. فقال عمر: اذكرهم لأبي بكر، فقال معاذ: ما أذكر هذا لأبي بكر.
و نام معاذ فرأى كأنه على شفير جهنم و عمر آخذ بحجزته من ورائه لئلا يقع في النار، ففزع معاذ فذكرهم لأبي بكر كما أمر عمر فسوغه إياهم أبو بكر فقال: سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول: «لعل اللّه أن يجبرك»، فقضى غرماءه بقية حقوقهم «4»، ذكره الطبري، ليس في هذا الحديث حجة للشافعي
__________________________________________________
(1) رواه أحمد في المسند (5/ 10) و أبو داود (3531)، و النسائي (7/ 313 و 314) من حديث سمرة رضي الله عنه. و الحسن لم يسمع من سمرة. إلا حديث العقيقة. و فيه أيضا قتادة بن دعامة السدوسي مدلس و قد عنعن.
(2) رواه البخاري (2198)، و مسلم (1555)، و مالك (2/ 618) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (1554) و (17)، و أبو داود (3374) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4) رواه ابن ماجه (2357) مختصرا، و ابن سعد في طبقاته (ج/ 3/ 441) و قال: أخبرنا محمد بن عمر. قال: حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة. عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما. و ذكره-(1/138)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:87
و أبي حنيفة في إسقاط الجائحة لأنها قد توضع عن المشتري، و لا تسد له مسدا و يبقى عليه سائر الثمن بعد وضع الجائحة و لا يقدر عليه، قاله الأصيلي. و قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «خمس من الحوائج:
الريح، و البرد و الحريق، و الجراد، و السيل» «1».
و في البخاري عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون الثمار في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فإذا حضر تقاضيهم قال المبتاع: أصاب الثمر الدّمان «2»، أصابه أمراض، أصابه قشام «3» و عاهات، يحتجون بها فلما كثرت الخصومات عند النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «أمّا الان فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر» كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم عنده «4».
و القول: قول الشافعي. و هو أول قوليه أن الجائحة في القليل و الكثير، و بذلك قال أحمد و أبو عبيد.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن يخدع في البيوع و العهدة و الرهن في الطعام إلى أجل و كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شراه من العدّاء
في الموطأ و البخاري و مسلم: أن رجلا ذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه يخدع في البيوع، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إذا بعت فقل: لا خلابة». فكان الرجل إذا باع يقول: لا خلابة «5». و في غير الكتب المذكورة: «إذا بايعت فقل: لا خلابة و أنت بالخيار ثلاثا بعد بيعك» «6»، و هذا الرجل هو حبّان بن منقذ.
و في المدونة عن عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أنه قال: نظرت في بيوعكم فلم أجد لكم شيئا مثل العهدة التي جعلها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحبان بن منقذ، العهدة فيما اشترى ثلاثة أيام، ثم قضى بذلك عبد اللّه بن الزبير.
__________________________________________________
بطوله. و في إسناده عيسى بن النعمان لم نقف له على ترجمة. أقول: و له شواهد منها ما رواه مسلم (1556) من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه.
((1/139)
1) لم نجده بهذا اللفظ.
(2) الدّمان: بفتح الميم و الدال- فساد الطلع و تعفنه و سواده.
(3) قشام- بفتح القاف- أن ينتقص قبل أن يصير بلحا.
(4) رواه البخاري (2193) معلقا: و قال الحافظ: لم أره موصولا من طريق الليث. و قد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه نحو حديث الليث.
(5) رواه البخاري (2117 و 2407 و 2414)، و مسلم (1533)، و مالك (2/ 685) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) رواه الحاكم (2/ 22)، و البيهقي (5/ 273)، و ابن حبان (2355) و صححه الحاكم. و قال في التلخيص: صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:88
و في مصنف أبي داود: عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «عهدة الرقيق ثلاثة أيام» «1».
و في البخاري و يذكر عن العداء بن خالد قال: كتب لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هذا ما اشترى محمد رسول اللّه من العدّاء بن خالد بيع المسلم للمسلم لا داء و لا خبثة و لا غائلة» «2». قال قتادة: الغائلة الزنا و السرقة و الإباق. و من غير البخاري ذكره الأصيلي في كتاب الفوائد مما روى عن شيوخه: أن العداء بن خالد هذا اشترى من النبيّ صلى اللّه عليه و سلم غلاما، و كتب عليه العهدة.
و ذكر ابن الفخار في رده على ابن العطار: أن العداء بن خالد «3» اشترى من النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و كتب له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هذا ما اشترى العدّاء بن خالد من محمد رسول اللّه: اشترى منه عبدا، أو أمة- شك المحدث» «4» و بدأ باسم العداء قبل اسمه، و هذا كله خلاف ما ذكره البخاري.
و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم سبي أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، و لا حائل حتى تحيض» «5».
و في البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «اشترى من يهودي طعاما إلى أجل و رهنه درعا له من حديد» «6».(1/140)
ترجم البخاري على هذا الحديث ثلاثة أبواب بشراء النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بالنسيئة، و أدخل الحديث.
ثم ترجم الكفيل في السلم، و أدخل الحديث. ثم ترجم الرهن في السلم، و أدخل الحديث.
و في البخاري أيضا عن عائشة أنها قالت: توفي النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير أخذها لأهله «7».
و في مصنف ابن السكن: بوسق شعير أخذه لأهله.
و في المدونة عن زيد بن أسلم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يتقاضاه فأغلظه، فقال رجل
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3506 و 3507) و إسناده منقطع. الحسن روايته عن عقبة لم يصح له سماع من عقبة بن عامر. و قد وقع فيه اضطراب.
(2) رواه البخاري معلقا في البيوع باب رقم (19) إذا بين البائعان و لم يكتما و يبيحا- و الترمذي (1216)، و ابن ماجه (2251). و قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(3) العداء بن خالد: بفتح العين و تشديد الدال آخره همزة صحابي قليل الحديث. أسلم بعد حنين و هو من أعراب البصرة. من بني ربيعة. وفد على النبي صلى اللّه عليه و سلم. روى عنه أبو رجاء العطاردي و عبد المجيد بن وهب و هو القائل قاتلنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم حنين.
(4) رواه البيهقي في السنن (5/ 328)، و الدارقطني (3/ 77). و هو حديث صحيح.
(5) رواه أبو داود (2157) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
(6) رواه البخاري (2068) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7) رواه البخاري (2916) من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:89(1/141)
من القوم: لا أراك تقول لرسول اللّه ما تقول إلا انتقمت منك. قال: «دعه فإنه طالب حق»، ثم قال للرجل: «انطلق إلى فلان فليبعنا طعاما إلى أن يأتينا شي ء»، فأبى اليهودي، فقال: لا أبيعه إلا بالرهن، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «اذهب إليه بدرعي أما و اللّه إني لأمين في السماء و أمين في الأرض» «1». و في غير البخاري: إنما أخذ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الشعير لضيف طرقه ثم فداها أبو بكر رضي اللّه عنه.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالجمع بين الأم و ولدها و حكمه في بيع و شرط و استيجار دليل مشترك
في الحديث الثابت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا توله «2» والدة عن ولدها» «3». و يروى عنه عليه السلام أنه قال: «من فرق بين والدة و ولدها فرق اللّه بينه و بين أحبته يوم القيامة» «4». و في المدونة عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا قدم عليه السبي صفّهم و قام ينظر إليهم، فإذا رأى امرأة تبكي قال لها: «ما يبكيك؟» فتقول: بيع ابني، بيعت ابنتي. فيأمرهم فيرد إليها «5».
و عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي من البحرين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقام ينظر إليهم و قد صفّهم فإذا امرأة تبكي فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: بيع ابني في بني عبس. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لأبي أسيد: «لتركبن فتلحق به»، فركب أبو أسيد فجاء به «6».
و عن يونس بن عبد الرحمن: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب على سرية فأصابوا شيئا فأصابتهم حاجة و مخمصة فأبتاع أباعير بوصيفة و لها أم، فلما قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخبره فقال له: «أفرّقت بينها و بين أمها يا علي؟» فاعتذر فلم يزل يردد عليه حتى قال: أنا أرجع فأستردها بما عزّ و هان قبل أن يمس رأسي ماء «7».
__________________________________________________
((1/142)
1) رواه البيهقي في السنن (8/ 5) من حديث أبي بكر رضي الله عنه. و إسناده ضعيف و رواه ابن عدي في الكامل (6/ 418) من حديث أنس رضي الله عنه. و في إسناده ميسر بن عبيد قال الدارقطني متروك و ضعفه ابن معين و غيره.
(2) الوله: الحزن.
(3) رواه البيهقي في السنن (8/ 4) و في نصب الراية للزيلعي (3/ 266 و 269) و ابن عدي في الكامل (6/ 418) و في إسناده ميسر بن عبيد القرشي متروك.
(4) رواه الترمذي (1283) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. و إسناده حسن. و قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(5) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 194). و هو حديث مرسل.
(6) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 516) و سكت عليه و قال الذهبي في التلخيص: مرسل.
(7) يونس بن عبد الرحمن لم نجد له ترجمة فهو مجهول. و ليس هو ممن روى عن علي رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:90
و عن حسين بن عبد اللّه بن ضميرة عن جدّه ضميرة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مر بأم ضميرة و هي تبكي فقال: «ما يبكيك؟ أجائعة أنت، أعارية أنت؟» فقالت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرّق بيني و بين ابني. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يفرّق بين الوالدة و ولدها»، ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر. قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتابا عنده: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لأبي ضميرة و أهل بيته: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعتقهم و أنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و إن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق، و من لقيهم من المسلمين فليوص بهم خيرا. و كتبه أبي بن كعب «1».(1/143)
و عن عروة بن الزبير: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين خرج هو و أبو بكر مهاجرا إلى المدينة مر براعي غنم، فاشتريا منه شاة و شرطا له سلبها. و في غير البخاري: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هاديا إذ خرجا- و هو على دين كفار قريش- فدفعا إليه راحلتيهما و واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث «2». و أدخل البخاري هذا الحديث في باب: إذا استأجر أجيرا ليعمل بعد ثلاثة أيام، أو بعد شهر، أو بعد سنة جاوزهما على شرطيهما إذا حل الأجل «3». و ليس العمل على ما قاله البخاري: أو بعد سنة إذا كان إلى سنة لم يجز لأنه غرر، و اسم الدليل أرقط و قيل أريقط.
و روى مالك: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشترى من جابر بن عبد اللّه بعيرا له في سفر من أسفاره قريبا من المدينة، و شرط له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ظهره إلى المدينة، و في حديث آخر فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «و لك ظهره إلى المدينة» «4».
و قال أبو الزبير عن جابر: «أفقرناك ظهره إلى المدينة». و قال الأعمش: عن سالم عن جابر: «تبلغ عليه إلى أهلك». و في البخاري: ثم قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الثمن و الجمل لك»، و كان اشتراه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بأوقية. قاله وهب و زيد بن أسلم. و قال عطاء: أربعة دنانير. و هو سواء على حساب الدينار عشرة دراهم. و قال سالم: أوقية ذهب، رواه عنه الأعمش، و رواه سالم عن جابر بمائتي درهم، و قال ابن مقسم عنه: أربع أواق. و قال أبو نضرة عن جابر: بعشرين دينارا.
و قال البخاري: و قول الشعبي أوقية أكثر و اشتراط الركوب أكثر و أصح «5».
__________________________________________________
(1) رواه البزار (1269)، و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 107) و قال: رواه البزار و فيه حسين بن عبد الله بن ضميرة. متروك كذاب.
((1/144)
2) رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 475) و ذكره من دون سند.
(3) رواه البخاري (2264 و 3905) في الإجارة. من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه الترمذي (1253) من حديث جابر رضي الله عنه و قال الترمذي هذا حديث صحيح.
(5) رواه البخاري معلقا بأثر الحديث (2718). باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمّى جاز و وصله البيهقي (5/ 337) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جابر و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:91
كتاب الأقضية
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحقوق بالظاهر و باليمين على المدعى عليه عند عدم البينة و في المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة و يتكافيان و كيف يحلف المسلم و الكافر
في الموطأ و البخاري و مسلم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «إنما أنا بشر مثلكم و أنكم نختصمون إلي، و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» «1». و في حديث آخر في البخاري: «إنما أنا بشر و أنه يأتي الخصمان فلعل بعضا أن يكون أبلغ من بعض أقضي له بذلك و أحسب أنه صادق، فمن قضيت له بشي ء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» «2».
و قال في الحديث في البخاري: «فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها «3».
و في مصنف أبي داود عن علي قال: بعثني النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلى اليمن فقلت: يا رسول اللّه ترسلني و أنا حديث السن لا علم لي بالقضاء! فقال: «إن اللّه عز و جل سيهدي قلبك، و يثبت لسانك. فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الاخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء». قال: فما زلت قاضيا و ما شككت في قضاء بعد «4».(1/145)
و في البخاري عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا يحلف امرؤ على يمين صبرا يقتطع بها مالا و هو فيها فاجر إلا لقي اللّه و هو عليه غضبان»، فأنزل اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران: الاية 77]. فجاء الأشعث و عبد اللّه يحدثهم قال:
فيّ نزلت و في رجل، و في حديث آخر: في ابن عم لي خاصمته في بئر كانت لي في أرضه.
و روي أن الرجل كان يهوديا- الذي خاصم الأشعث- فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «ألك بينة؟» قلت: لا.
قال: «فيحلف»، فقلت: إذن يحلف، زاد في كتاب مسلم: «ليس لك إلا ذلك»، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران: الاية 77] «5».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2680)، و مسلم (1713 و 4).
(2) رواه البخاري (7169) في الأحكام من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3) رواه البخاري (2458) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(4) رواه أبو داود (3582) من حديث علي رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (7183 و 7184)، و مسلم (138) من حديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه و إسناده حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:92
و روى الأشعث أن رجلا من حضرموت و رجلا من كندة اختصما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في أرض باليمن فقال الحضرمي: أرضي اغتصبها أبو هذا، فقال الكندي: يا رسول اللّه، أرضي ورثتها من أبي. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم للحضرمي: «هل لك بينة؟» فقال: لا و لكن يحلف باللّه ما يعلم أنها أرضي غصبها لي أبوه، فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا يقتطع رجل مالا بيمين إلا لقي اللّه عز و جل و هو عليه غضبان». فتركها الكندي «1».(1/146)
و في مصنف عبد الرزاق، و المدونة: أن رجلين تخاصما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في أرض فأقاما بينتين فتكافيا فقسمها نبيّ اللّه بينهما «2».
و في حديث آخر: و لم يثبت بعد إيمانهم.
و في الدلائل: أن رجلين اختصما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في أمر فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينهما و قال: «اللهم أنت تقضي بينهما» «3». و في حديث آخر: أن رجلين تنازعا في بيع و ليست بينهما بينة فأمرهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها.
و في البخاري قال أبو هريرة: عرض النبيّ صلى اللّه عليه و سلم على قوم اليمين فأسرعوا فأمرهم أن يسهم بينهم أيهم يحلف «4».
و في الحديث الثابت أسنده مسلم و غيره: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قضى بشاهد و يمين «5».
و ذكر القاضي ابن زرب «6»: أن أعرابيا أقر عند النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ثم حاد عن الإقرار، و قال للرسول عليه السلام: أمام من أقررت عندك؟ فلم يعنّفه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا سطا عليه حتى أتى خزيمة بن ثابت فقال: أنا سمعت منه يا رسول اللّه. فقبل منه شهادته عليه و قال: «إن شهادته كشهادتين عند اللّه» «7». و ذكر غيره أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قبل شهادته، و سماه خزيمة ذا الشهادتين. و ذكر
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3244) من حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(2) رواه عبد الرزاق (8/ 279)، و أبو داود (398) و رجاله ثقات. و هو مرسل.
(3) رواه الطبراني (3985)، و البيهقي (10/ 259) و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 203) و قال: رواه الطبراني في الأوسط و فيه أسامة بن زيد القرشي ضعيف. و يشهد له ما قبله.
(4) رواه البخاري (2674) من حديث أبي هريرة إضي اللّه عنه.
((1/147)
5) رواه مسلم (1712)، و أبو داود (3607) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) ابن زرب- هو أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي صاحب التصانيف. و أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك سمع قاسم بن أصبغ و جماعة. و ولي القضاء سنة سبع و ستين و ثلثمائة و إلى أن مات و كان المنصور بن أبي عامر يعظه و يجلسه معه توفي رحمه الله سنة إحدى و ثمانين و ثلاثمائة.
(7) لم نجده بهذا اللفظ. و هو حديث منقطع.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:93
أبو داود في المصنف خبر الفرس «1». قال الزهري: و قتل خزيمة يوم صفين مع علي بن أبي طالب، و القضاء مع الشاهد عند مالك و الشافعي في الأموال خاصة. زاد الشافعي: و في العتق، و كذلك قاله عمرو بن دينار في حديثه عن ابن عباس أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «قضى بشاهد و يمين». و قال أبو عمرو: و ذلك في الأموال، و أبو حنيفة رضي اللّه عنه لا يرى القضاء بشاهد و يمين في شي ء.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في كيفية يمين الحالف
في مصنف أبي داود عن مسدد: حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى، عن ابن عباس قال: بعثني النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لرجل أحلّفه: أحلف باللّه الذي لا إله إلا هو ما له عندك شي ء. يعني للمدعي «2». و بهذا أخذ مالك بن أنس، و قال أبو حنيفة و أصحابه مثله، إلا أن يتهمه القاضي فله أن يغلّظ عليه فيحلف باللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية. و قال الشافعي و أصحابه:
يحلف باللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، و قالت طائفة: لا يلزمه إلا اليمين باللّه فقط، و حجتهم قول اللّه عز و جل في يمين المتلاعنين:(1/148)
فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النّور: الاية 6]. و ثبت عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال:
«من كان حالفا فليحلف باللّه أو ليصمت» «3». و كذلك قضى عثمان على ابن عمر في العبد الذي باعه ابن عمر من رجل بالبراءة فقال المبتاع: بالعبد داء لم يسمه لي. فقضى أن يحلف ابن عمر باللّه لقد باعه العبد و ما به داء يعلمه فأبى من اليمين و ارتجع العبد فباعه بأكثر مما كان باعه أولا «4».
و في كتاب مسلم عن البراء بن عازب قال: مر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: «أنشدك اللّه الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال: لا و لو لا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك: حده الرجم، ثم ذكر باقي الحديث «5».
و في مصنف أبي داود حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3607)، و النسائي (7/ 302) من حديث خزيمة بن الثابت رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
(2) رواه أبو داود (3620) و إسناده ضعيف من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) رواه البخاري (6646)، و الحميدي (686)، و مسلم (1646)، و الترمذي (1534) من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) رواه البيهقي في السنن (5/ 328)، و عبد الرزاق في المصنف (14721) و (14722) و إسناده صحيح.
(5) رواه مسلم (1700) من حديث البراء رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:94(1/149)
عكرمة أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لابن صوريا: «أذكركم اللّه عز و جل الذي أنجاكم، و أقطعكم البحر و ظلل عليكم الغمام، و أنزل عليكم المن و السلوى، و أنزل التوراة على موسى هل تجدون في كتابكم الرجم؟» فقال: ذكرتني بعظيم و لا ينبغي أن أكذب و ساق الحديث «1». قال مالك و أصحابه: يحلف باللّه الذي لا إله إلا هو حيث يعظم. و قال الشافعي و أبو حنيفة: يحلف اليهودي بالذي أنزل التوراة على موسى، و النصراني باللّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى، و المجوسي باللّه الذي خلق النار.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في إحياء الموات و قسمة الماء و ضمان الطبيب و من كسر صحفة و الحكم في عقد الخص
في الحديث الثابت و هو أيضا في مصنف أبي داود، و البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:
«من أحيا أرضا ميتة- زاد في البخاري في غير حق مسلم. و في حديث آخر: من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهي له، و ليس لعرق ظالم حق» «2».
و في كتاب أبي عبيد: قال صاحب الحديث: فلقد رأيت رجلين في بني بياضه يختصمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في أرض لأحدهما غرس فيها الاخر نخلا، و قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لصاحب الأرض بأرضه و أمر صاحب النخل أن يخرج نخله، فلقد رأيته يضرب في أصولها بالفؤوس و أنها لنخل عام «3». قال أبو عبيد: العام: التامة في طولها و التفافها و أحدها عميقة. قال مالك: العروق أربعة: عرقان ظاهران، و عرقان باطنان. فالظاهران: البناء و الغرس، و الباطنان: المياه و المعادن.
في الموطأ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال في سيل مهزور و مذينب قال ابن حبيب: و هما واديان من أودية المدينة يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل «4».(1/150)
و في البخاري عن عروة بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج من الحرة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «يا زبير اسق ثم أرسل الماء إلى جارك». فقال الأنصاري: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن كان الزبير ابن عمتك. فتلوّن وجه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ثم قال: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3626) و هو حديث صحيح من حديث عكرمة رضي اللّه عنه.
(2) رواه البخاري معلقا باب رقم (15) باب من أحيا أرضا مواتا. و قال: و يروى عن عمرو بن عوف عن النبي صلى اللّه عليه و سلم. قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له. و في غير حق مسلم. و ليس لعرق ظالم فيه حق. و رواه رقم (2335) من حديث عائشة رضي الله عنها موصولا بلفظ من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق.
(3) رواه أبو داود (3074)، و أبو عبيد في الأموال (702) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه و إسناده صحيح.
(4) رواه مالك في الموطأ (2/ 744) و (2899) في الأقضية. باب القضاء في المياه بلاغا عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:95
جارك». فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك، فتلون وجه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ثم قال: «أسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك». فاستوفى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، كأنه أشار إليه بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: ما أحسب هذه الايات نزلت إلا فيّ ذلك: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النّساء: الاية 65] «1». قال ابن شهاب: فقدر الأنصار و الناس قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «أسق يا زبير ثم أحبس حتى يرجع إلى الجدر»، و كان ذلك إلى الكعبين.(1/151)
في الموطأ يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعيد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، و أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها «2»
و في الدلائل: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربتها بيدها عائشة. و في غير الكتابين: ضربتها بفهر، و روي أنها جرّت مرطها فحولتها فانكسرت القصعة، فضمها و جعل فيها الطعام و قال: «غارت أمكم» «3».
و في كتاب أبي داود و روى حباب بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي المتوكل: أن أم سلمة جاءت في يوم عائشة بصحفة فيها طعام فوضعتها بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه- و هو في بيت عائشة- فالتحفت عائشة في كسائها، ثم أقبلت فضربت القصعة فكسرتها فلقتين، فجمع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الفلقتين و جعل فيها الطعام و قال: «غارت أمكم»، فأكلوا ثم جاءت عائشة بصحفتها فأكلوا، ثم بعث بالصحفة المكسورة إلى عائشة و بالصحفة السليمة إلى أم سلمة. و في البخاري فقال: «كلوا» و حبس الرسول صلى اللّه عليه و سلم القصعة حتى أكلوا «4».
و في مصنف أبي داود قالت عائشة: ما رأيت أصنع لطعام من صفية صنعت لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طعاما، فبعثت به فأخذني أفكل «5» فكسرت الإناء ثم قالت: يا رسول اللّه ما كفارة ما صنعت؟
قال: «إناء مثل إناء و طعام مثل طعام» «6».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2359 و 2360)، و مسلم (2357)، و أبو داود (3637) من حديث عروة بن الزبير رضي اللّه عنه.
(2) رواه مالك في الموطأ (2904)، و البيهقي (8/ 341)، و أحمد (5/ 435) و هو حديث مرسل صحيح.
((1/152)
3) رواه النسائي (7/ 70 و 71) و (3956)، و الطحاوي في مشكل الاثار (3354) من حديث أم سلمة رضي الله عنها. و إسناده صحيح.
(4) رواه أبو داود (3567) من حديث أنس رضي الله عنه. و ليس من حديث أم سلمة رضي الله عنها كما أشار المؤلف. و البخاري (2481 و 5225)، و الترمذي (1359). من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) أفكل: الرعدة من البرد و الخوف.
(6) رواه أبو داود (3568)، و النسائي (8/ 71) و إسناده حسن حسنه الحافظ في الفتح (5/ 90) من حديث عائشة رضي اللّه عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:96
و في كتاب ابن شعبان: أن قوما اختصموا إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في خص، و ذكر النسائي في كتاب الأسماء و الكنى: اختصم رجلان باليمامة في حائط فبعث حذيفة بن اليماني يقضي بينهم فقضى للذي يليه القمط فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخبره الخبر فقال: «أحسنت». زاد النسائي:
«و أصبت» «1». و القمط: العقد.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الشفعة
في الموطأ و غيره: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الحدود بينهم، و صرفت الطرق» «2» في البخاري: «فلا شفعة فيما فيه الحدود من أرض، أو نخل، أو عقار» «3».(1/153)
و ذكر أبو عبيد: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «قضى ألاشفعة في فناء و لا طريق و لا متعبة و لا ركح و لا رهو» «4». قال أبو عبيد: المتعبة: الطريق الضيق يكون بين الدارين لا يمكن أن يسلكه أحد، و الركح: ناحية البيت من ورائه و ربما كان فضاء لا بناء فيه، و الرهو: الحومة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر و غيره. و منه الحديث الأخير أنه قال: «لا يباع نقع البئر و لا رهو الماء» «5». فمعنى الحديث في الشفعة أن من كان شريكا في هذه المواضع الخمسة و ليس شريكا في الدار نفسها فإنه لا يستحق بشي ء منها شفعة. و هذا قول أهل المدينة أنهم لا يقضون إلا للشريك المخالط، و أما أهل العراق فإنهم يرونها لكل جار ملاصق و إن لم يكن شريكا. و في كتاب أبي عبيد: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «قضى بالشفعة للجار» «6». و تكرر الحديث عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «الجار أحق بسقبه».
__________________________________________________
(1) ذكره النسائي في كتاب الأسماء و الكنى.
(2) رواه مالك في الموطأ (2/ 718) في الشفعة باب ما تقع فيه الشفعة. عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة ابن عبد الرحمن رحمهما الله. و النسائي (7/ 326) في البيوع عن أبي سلمى وحده مرسلا. و رجاله ثقات و قال الحافظ في الفتح (4/ 360). اختلف على الزهري في هذا الإسناد. فقال مالك عنه عن أبي سلمة و ابن المسيب كما رواه الشافعي و غيره. و رواه أبو عاصم و الماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي.
(3) رواه البخاري (2257)، و مسلم (1608) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.
(5) ذكره الهروي في فوائده (3/ 122) بدون سند.
((1/154)
6) رواه النسائي في السنن (7/ 321) من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ (قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) بالشفعة و الجوار. و هو حديث صحيح و رواه الترمذي (1370) بلفظ (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها و إن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) و في أخرى للترمذي بلفظ (جار الدار أحق بالدار) و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:97
و في كتاب النسائي أن رجلا قال: يا رسول اللّه أرضي ليس فيها شريك و لا قسم إلا الجوار فقال: «الجار أحق بسقبه» «1»
و في كتاب مسلم «قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، و لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ و إن شاء ترك فإذا باع و لم يؤذنه فهو أحق به» «2».
(2) القسمة و المزارعة
في الأحكام لإسماعيل القاضي قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لرجلين تنازعا في مواريث: «عدّلا و أسهما». قال إسماعيل: هذه القسمة التي تجب بين الشركاء إذا كانت لهم دار أو أرض فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقسمة ثم يستهموا و يصير لكل واحد منهم ما وقع بالقرعة، و يجمع لكل واحد منهم ما كان له من الملك مشاعا في الأرض كلها.
و في غير الأحكام قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا تعضية في القسمة» «3»، و التعضية: التفرقة. و منه قوله عز و جل: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر: الاية 91]. يعني: فرقوه و قسموه. قال بعضهم: كاهن.
و في البخاري أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع». و في حديث آخر: «إذا تشاجروا في الطريق» «4».
و في البخاري و مسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فكان يعطي أزواجه مائة وسق: ثمانين وسقا تمرا، و عشرين وسقا شعيرا «5».(1/155)
و في الواضحة أن نفرا أربعة اشتركوا في أرض احترثوها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أحدهم: من قبلي الأرض، و قال الاخر: من قبلي البذر، و قال الاخر: من قبلي الفدّان يعني:
زوج البقر، و قال الاخر: من قبلي العمل. فلما بلغ الزرع و استحصد أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتفاتون، فألغى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الأرض فلم يجعل لها شيئا، لصاحب الفدان أجرا مسمى، و جعل لصاحب العمل درهما في كل يوم، و سلّم الزرع لصاحب البذر. قال ابن حبيب: و إنما ألغى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الأرض لأنها لم يكن لها كراء. و في المدونة قلت لابن القاسم: فإن كان البذر
__________________________________________________
(1) رواه النسائي (7/ 320) و إسناده صحيح من حديث الشديد رضي اللّه عنه.
(2) رواه مسلم (1608) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3) رواه الدارقطني (4/ 219)، و البيهقي (10/ 133) من حديث أبي بكر رضي الله عنه. و في إسناده صديق ابن موسى بن عبد الله بن الزبير. ليس بحجة.
(4) رواه البخاري (2473)، و مسلم (1613)، و الترمذي (1356) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (2328 و 2329)، و مسلم (1551) من حديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:98
من عند رجلين؟ و من عند الاخر الأرض و جميع العمل قال: لا خير في هذا، قلت: فلمن الزرع؟ قال: لصاحب الأرض و العمل و يعطى هذان بذرهما قلت: و هذا قول مالك. قال: هذا رأيي. و قال ابن حبيب و ابن غانم عن مالك: إن الزرع لصاحبي الزريعة و يكون عليهما كراء الأرض و العمل، و ذكر نحو هذا عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «الزرع لصاحب الزريعة و للاخرين أجر مثلهم» «1».(1/156)
و في مصنف أبي داود عن رافع بن خديج: أنه زرع أرضا فمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو يسقيها فسأله: «لمن الزرع و لمن الأرض؟» فقال: زرعي ببذري و عملي لي الشطر، و لبني فلان أصحاب الأرض الشطر. قال: «أذنبت فرد الأرض على أهلها و خذ نفقتك» «2».
و في كتاب ابن شعبان: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «الرهن من مرتهنه له غنمه، و عليه غرمه» «3»، و قد تقدم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم توفي و درعه مرهونة عند يهودي «4».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المساقاة و الصلح و المرفق و حريم النخل
في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ليهود خيبر حين افتتحها: «أقركم ما أقركم اللّه على أن الثمر بيننا و بينكم»، فكان يبعث عبد اللّه بن رواحة فيخرص بينه و بينهم ثم يقول: «إن شئتم فلكم و إن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه» «5».
و في مصنف أبي داود: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق «6»، و اختاروا الثمر على أن يكون عليهم عشرون ألف وسق «7»، و هذه الزيادة من مصنف عبد الرزاق و غيره. و في كتاب مسلم: «أقركم فيها ما شئنا» «8»، في حديث ابن عمر، في حديث آخر عن ابن عمر: على أن يعتملوها من أموالهم و لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم النصف «9».
__________________________________________________
(1) ذكره الصنعائي في سبل السلام (3/ 60) و قال: باطل لا أصل له. و قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/ 272): لم أقف عليه. فلينظر فيه.
(2) رواه أبو داود (3402) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه. و إسناده ضعيف.
(3) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (6/ 430) بدون سند.
(4) تقدم تخريجه.
(5) رواه مالك في الموطأ (2/ 73) و إسناده صحيح. لكنه مرسل.
(6) الوسق: ستون صاعا.
(7) رواه أبو داود رقم (3006) في الخراج. من حديث ابن عمر رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
((1/157)
8) رواه مسلم (1551 و 6) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(9) رواه مسلم (1551 و 5) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:99
و في قوله: «على أن يعتملوها من أموالهم» دليل على ألايعين رب الأرض العامل و لا يجعل زريعة للبياض.
و قال مالك: المساقاة جائزة في كل أصل له ثمرة مثل: النخيل، و الأعناب، و التين، و الزيتون، و الرمان، و الفرسك، و الجوز، و اللوز، و الورد، و شبه ذلك. و على ما اتفقا من الجزء. قال الشافعي: لا تجوز المساقاة إلا في النخيل، و الكرم خاصة على النصف لأن في ذلك الخرص. و للشافعي قول آخر: أنها تجوز المساقاة في كل أصل ثابت.
و قال أبو حنيفة: لا تجوز المساقاة أصلا لأنها أجرة مجهولة. و خالف في ذلك فعل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و أبي بكر، و عمر في خيبر، و احتج بأن أهل خيبر حين افتتحت كانوا كالعبيد، و يجوز بين السيد و عبده ما لا يجوز بينه و بين الأجنبي، و الحجة أيضا على أبي حنيفة أنهم لم يكونوا عبيدا لأنهم أقروا على المساقاة حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أبي بكر، و صدرا من أيام عمر، حتى أجلاهم. و لم يباعوا، و لا عتقوا، و لم يرو أحد من أهل الحديث أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أخذ من أهل خيبر جزية أم لا، إلا أن نزول براءة كان بعد خيبر، فيدل ذلك أنه أخذ منهم الجزية و اللّه و أعلم.
و الحجة على الشافعي في منعه المساقاة إلا في النخل و الكرم مساقاة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أهل خيبر على نصف ما يخرج منها: من زرع أو ثمر. فمنع الشافعي المساقاة في الزرع لأن الأرض تكرى بما يخرج منها، و فيه النص، و أجازها في الكرم و لا نص فيه قياسا على النخل و جمهور العلماء على خلافه. في كتاب مسلم: و من خيبر كان النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق: ثمانين من تمر و عشرين من شعير «1».(1/158)
قال مالك: و كان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف السواد. قال مالك في الواضحة: و هو يسير إلى اليوم. قال مالك في المدونة و غيرها: أحب إليّ أن يلغي البياض للعامل، و هو أحله.
فإن قال قائل: لم قال مالك إلغاء البياض للعامل أحل. و قد ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ من أهل خيبر النصف من الثمر و من الزرع؟ قيل له: إنما ذلك لنهي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن المخابرة و هي:
اكتراء الأرض بالحنطة، فخشي مالك أن يكون هذا النهي بعد قصة خيبر: و إنما يؤخذ من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالأحدث فالأحدث، فإذا ألغي البياض للعامل ارتفع الإشكال و إن كان البياض بينهما فهو جائز على ما فعله بخيبر. قاله محمد بن دحون عن الأصيلي: حدثني بذلك أبو عمرو و ابن القطان- رحمهم اللّه- جميعهم.
و في البخاري و مسلم: أن كعب بن مالك تقاضى من عبد اللّه بن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- و هو في بيته- فخرج إليهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى كشف سجف حجرته و نادى كعب بن مالك فقال:
__________________________________________________
(1) رواه مسلم (1551 و 2) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:100
لبيك يا رسول اللّه، فأشار إليه بيده: أن ضع الشطر من دينك فقال: قد فعلت يا رسول اللّه، قال: «قم فأقضه» «1».
و في حديث آخر: أشار بيده كأنه يقول النصف «2».
و في كتاب ابن شعبان: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «من اقتضى حقا فليقتضه في كفاف و عفاف واف أو غير واف».(1/159)
و ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث سرية إلى قوم من قوم خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلوا، فأمر فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنصف الدية «3». قال بعض أهل العلم بالقرآن: إنما أمر بذلك لأنه قد يمكن أن يكون سجودهم إسلاما فتكون فيهم الدية، و قد لا يكون إسلاما فلا يكون لهم دية.
و في مصنف أبي داود عن سمرة بن جندب: أنه كان له نخل في حائط رجل من الأنصار، و مع الرجل أهله فكان سمرة بن جندب يدخل إلى النخل فيتأذى به الرجل، و يشق عليه، فطلب إليه أن يبيعها منه فأبى، فطلب أن يناقله فأبى، فأتى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فذكر له ذلك، فطلب إليه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أن يبيعه منه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: فهبها لي و لك كذا و كذا مزرعة فأبى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أنت مضار»، ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم للأنصاري: «اذهب فاقلع نخله» «4».
و عن أبي سعيد الخدري قال: اختصم إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم رجلان في حريم نخلة فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع. و في حديث آخر خمسة أذرع فقضى بذلك «5». قال عبد العزيز: أمر بجريدة من جرايدها فذرعت.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2710)، و مسلم (1558)، و أبو داود (3595) من حديث كعب بن مالك رضي اللّه عنه.
(2) رواه البخاري (2424) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(3) رواه أبو داود (2645) من حديث جرير بن عبد اللّه رضي الله عنه.
(4) رواه أبو داود (3636) من حديث أبي جعفر الباقر محمد بن علي عن سمرة. و فيه انقطاع فإن أبا جعفر لم يسمع من سمرة رضي الله عنه.
(5) رواه أبو داود (3640) من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه و إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:101
كتاب الوصايا
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوصية و أنها مقصورة على الثلث(1/160)
في الموطأ و البخاري و مسلم عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
جاءني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: يا رسول اللّه قد بلغ بي من الوجع ما ترى و أنا ذو مال و لا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ و رواه مالك، و سفيان بن عيينة، و إبراهيم بن سعد عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه بلفظ: أتصدق.
و رواه عبد العزيز ابن أبي سلمة، و معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، بلفظ:
أوصي. و كذلك رواه عروة، و عائشة، عن سعد. و اللفظان في البخاري و مسلم. و وقع أيضا فيهما: أفأوصي بمالي كله؟ قال: «لا». قال: فالثلثين؟ قال: «لا». قال: فالنصف؟ قال: «لا».
قال: فالثلث؟ قال: «الثلث، و الثلث كثير».
رجعنا إلى لفظ الموطأ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا»، قلت: فالشطر؟ قال: «لا»، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الثلث، و الثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، و أنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه اللّه إلا أجرت» «1».
و في الموطأ يحيى بن يحيى: «إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك»، فقلت: يا رسول اللّه أخلف بعد أصحابي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا».
زاد في مسلم: «تبتغي به وجه اللّه إلا ازددت بها درجة و رفعة، و لعلك أن تخلف حتى تنتفع بك أقوام، و يضر بك آخرون. اللهم امضي لأصحابي هجرتهم، و لا تردهم على أعقابهم».
لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن مات بمكة «2».(1/161)
ذكر ابن مزين في تفسيره للموطأ: أنه أقام بمكة حتى مات، و لم يهاجر، فكره له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ذلك، ورثى له، و هو و هم من ابن مزين لأن سعد بن خولة قد هاجر و شهد بدرا، و إنما رثى له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لرجوعه بعد الهجرة إلى مكة، و موته بها. ذكره البخاري و غيره، و ذكره أيضا مسلم و هو قرشي «3».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (1296 و 2742 و 3936)، و الموطأ (2/ 763)، و مسلم (1628)، و الترمذي (975)، و أبو داود (2864).
(2) رواه مسلم (1628 و 5).
(3) انظر شرح الحديث لفؤاد عبد الباقي (1628) في فاتحته. فإنه شرحه شرحا وافيا.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:102
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأحباس
في الواضحة عن الواقدي عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال:
سألنا عن أول حبس حبس في الإسلام فقال قائل: أحباس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو قول الأنصار «1».
و قال المهاجرون: حبس عمر بن الخطاب أول حبس كان في الإسلام، و ذلك أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما قدم المدينة وجد أرضا واسعة: لزهرة، و أهل رايج، و حسيكة «2»، و قد كانوا جلوا عن المدينة قبل مقدم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بيسير، و منهم من انجلى عن أرضه بعد مقدم النبي صلى اللّه عليه و سلم و تركوا أرضا واسعة فيها براح، و منها ردي ء لا تسقى يقال له: الخشاشير. و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أعطى عمر بعضها: ثمغ «3»، ثم اشترى عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- إلى ما أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قوم يهود، فكان مالا معجبا فقال عمر: يا رسول اللّه إن مالي مال معجب، و أنا أحبه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «حبّس أصله، و سبّل ثمرته». ففعل عمر «4».(1/162)
مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ثمغ أول صدقة تصدق بها في الإسلام و أن عمر يوم أراد أن يتصدق بها قال: أشر عليّ يا رسول اللّه في صدقتي كيف أصنع فيها؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «حبّس أصلها، و سبل ثمرتها» «5».
و عن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي قال: أول صدقة كانت في الإسلام صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأمواله الموقوفة. قال: فقلت: فإن الناس يقولون صدقة عمر. قال: قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين و عشرين شهرا من مهاجرة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و أوصى إن أصبت فأموالي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يضعها حيث أراه اللّه، فتصدق بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صدقة حبس، و هي: سبعة حوائط. و إنما تصدق عمر بثمغ بعد ما رجع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من خيبر سنة سبع من الهجرة، و كانت خيبر سنة ست «6».
و قال الزهري: صدقة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم الحوائط السبعة من أموال بني النضير بعد أن رجع رسول
__________________________________________________
(1) الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي- متروك مع سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. و حصين ابن عبد الرحمن ضعفه أحمد و ذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة مرسلة.
(2) حسيكة: موضع في المدينة كان بها يهود من يهودها.
(3) ثمغ: مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه رضي اللّه عنه.
(4) رواه النسائي (6/ 230)، و ابن ماجه (2397)، و البيهقي (6/ 162) من حديث عمر رضي الله عنه. و إسناده صحيح.
(5) رواه أحمد (2/ 156 و 157) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. و هو حديث صحيح.
(6) رواه ابن سعد (1/ 388) ذكر صدقات رسول الله صلى اللّه عليه و سلم و ابن كثير (3/ 237) من كلام محمد بن كعب القرظي موقوفا عليه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:103(1/163)
اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحد ففرق أموال مخيريق «1». و عن محمد بن سهل بن أبي جثامة قال: كانت صدقات النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من أموال بني النضير و هي الحوائط السبعة: الأعراف، و الصافية، و الدلال، و المثبت، و برقة، و حسني، و مشربة أم إبراهيم، و إنما سميت: مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها. و كان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري «2».
و قال الواقدي: لم يختلف أنها سبعة حوائط و أن هذه أسماؤها.
و في النسائي عن قتيبة بن سعيد، عن أبي الأخوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها، و سلاحه، و أرضا جعلها في سبيل اللّه عز و جل «3».
و قال قتيبة بن سعيد في المسند الكبير للنسائي مرة أخرى: صدقة «4». و كذلك ذكر النسائي أن صدقة عمر كانت من الأرض التي أصاب بخيبر. و قال في صدقة لا يباع أصلها و لا توهب و لا تورث، و هي للفقراء و القربى و الرقاب و في سبيل اللّه و الضيف و ابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، و يطعم ضيفا نزل به أو صديقا غير متمول فيه «5».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصدقة و الهبة و الثواب عليها و العمرى
في موطأ مالك: أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على أبويه بصدقة، فهلكا، فورث ابنهما المال، و هو: نخل. فسأل عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال:
«قد أجرت في صدقتك، و خذها بميراثك» «6».
و في كتاب أقضية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من مصنف ابن أبي شيبة، عن جابر قال: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت، فقال ابنها: إنما أعطيتها حياتها و له أخوة، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «هي لها حياتها و موتها» قال: فإني كنت تصدقت بها عليها.(1/164)
قال: «فذلك أبعد لك» «7».
__________________________________________________
(1) رواه ابن سعد (1/ 388) و قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني الضحاك بن عثمان من الزهري قال: هذه الحوائط السبعة من أموال بني النضير.
(2) رواه ابن سعد (1/ 388) و قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن عمر الحارثي، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: كانت صدقة رسول الله صلى اللّه عليه و سلم من أموال بني النضير. و هي سبعة. و ذكرها.
(3) رواه النسائي (6/ 229) من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي رضي الله عنه و إسناده صحيح.
(4) رواه النسائي (6/ 229) و (3594). من كلام قتيبة بن سعيد رحمه الله.
(5) رواه النسائي (6/ 230) و (3599) عن عمر رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(6) رواه مالك (3001) باب صدقة الحي عن الميت. بلاغا.
(7) رواه ابن أبي شيبة (10/ 183)، و أبو داود (3557)، و البيهقي (6/ 174) من حديث جابر رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:104
و في الموطأ و البخاري و مسلم عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشهده على عبد وهبه له، فقال: يا رسول اللّه إني نحلت ابني غلاما كان لي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أكلّ ولدك» و في حديث يونس و معمر «أكل بنيك»- ذكره مسلم- «نحلته مثل هذا؟».
قال: لا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «فارتجعه» «1».
و في كتاب مسلم: «اتقوا اللّه، و اعدلوا في أولادكم» «2». و كانت أم النعمان: عمرة ابنة رواحة قالت لبشير: أشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على هبتك، و كان قد لواها سنة، ثم وهبه لها فقالت:(1/165)
لا أرضى حتى تشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لا أشهد على جور» «3». و هذا أصل في حيازة الأب لابنه الصغير، و أما إذا وهب أو تصدق على ابنه الكبير، أو على أجنبي فلا بد من قبض الموهوب له أو التصدق عليه. و الأصل في ذلك قول أبي بكر الصديق لعائشة: لو كنت حزتيه كان لك، و إنما هو اليوم مال وارث «4». و قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يقول ابن آدم: مالي مالي، و هل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» «5»، فقد شرط رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الصدقة الإمضاء. و الإمضاء هو:
الإقباض كالعارية و السلف لا يتم ذلك إلا بالقبض و كالوصية لا تتم إلا بموت الموصي.
و في مصنف عبد الرزاق عن طاوس قال: وهب رجل هبة للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأثابه، فلم يرض فزاده قال: لا أحسبه قال ذلك إلا ثلاث مرات، فلم يرض فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لقد هممت ألاأقبل هبة» و ربما قال معمر: «ألاأقبل إلا من قرشي، و أنصاري، أو ثقفي» «6». و في حديث أبي هريرة «أو دوسي» «7».
و في الدلائل للأصيلي أهدي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لقحة، فأثابه بست بكرات فلم يرض، و ذكر الحديث في البخاري حدثنا عبد اللّه بن يوسف، عن عبد اللّه بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: لما قدم المهاجرون المدينة من مكة و ليس بأيديهم شي ء،
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2586)، و مالك (2/ 751 و 752)، و مسلم (1623 و 9)، و النسائي (6/ 258) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (1623 و 13) من حديث النعمان رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (2650)، و مسلم (1623 و 14) من حديث النعمان رضي الله عنه.
((1/166)
4) رواه عبد الرزاق (16507)، و البيهقي (6/ 170) و إسناده صحيح.
(5) رواه مسلم (2958)، و الترمذي (2342)، و ابن حبان (701) من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه.
(6) رواه عبد الرزاق (16521) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه فذكره مرسلا.
(7) رواه أحمد (2/ 292)، و الترمذي (3945)، و البخاري (596)، و أبو داود (3537) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و إسناده حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:105
و كانت الأنصار أهل الأرض و العقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام و يكفوهم العمل و المؤنة، و كانت أمه أمّ أنس بن مالك أم سليم و كانت أم عبد اللّه بن أبي طلحة، فكانت أعطت أم أنس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عذاقا فأعطاهنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد.
قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما فرغ من قتال أهل خيبر، و انصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، فردّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلى أمه يعني أم أنس بن مالك عذاقها و أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أم أيمن مكانهن من حائطه رواه مسلم أيضا، و زاد أنه أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله «1».
قال ابن شهاب: و كان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد اللّه بن عبد المطلب و كانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بخمسة أشهر.(1/167)
قال الواقدي: و اسمها بركة و لم يرو هذا الحديث عن الزهري أحد إلا يونس. وقع هذا في طرة كتاب الأصيلي في الموطأ: عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى «2» له و لعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» «3».
و في كتاب مسلم عن جابر من رواية يحيى، عن مالك، و لم يذكر أبدا.
و فيه عن يحيى و محمد و صح عن الليث، عن ابن سهل، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد اللّه أنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «من أعمر رجلا عمرى له و لعقبه فقد قطع قوله حقه فيها، و هي لمن أعمر و عقبه» «4».
و في حديث آخر عن إسحاق بن إبراهيم، و عبد بن حميد، و اللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: إنما العمرى التي أجازها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن تقول هي لك و لعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها «5».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2630)، و مسلم (1771) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2) عمرى: يقال أعمرته دارا أو أرضا، إذا أعطيته إياها و قلت له: هي لك عمري أو عمرك: فإذا مات رجعت إليه.
(3) رواه مالك (2/ 756) و (2953) من حديث جابر رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(4) رواه مسلم (1625 و 21) من حديث جابر رضي الله عنه.
(5) رواه مسلم (1625 و 23) من حديث جابر رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:106
قال معمر: و كان الزهري يفتي به، و روى أبو سلمة عن جابر قال: «قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن أعمر عمرى له و لعقبه فهى له بتلة «1» لا يجوز للمعطى فيها شرط و لا ثنيا». قال أبو سلمة:
لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، فقطعت المواريث شرطه «2».(1/168)
و في حديث آخر عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «العمرى لمن وهبت له» «3». قال ابن أبي زيد: و معنى قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا ترجع إلى الذي أعطاها» إنما ذلك ما بقي أحد من عقب المعمر، فإذا انقرضوا رجعت العمرى إلى صاحبها.
و قوله عليه السلام: «فإنها للذي يعطاها» يعني: النفع، لا الأصل، و دل ذلك أنه ليس كوارث الأصل أن الزوجة لا تدخل فيه، و لا من ليس من العقب المعروف، و عمرتك إنما هو مأخوذ من العمر، و لا فرق بين أجل مضروب و عمر مشترط. و بهذا جرى العمل بالمدينة، و به أخذ مالك انتهى قول ابن أبي زيد.
و تأوّل الشافعي و غيره الحديث المذكور أن العمرى إذا كانت للمعمر و لعقبه أنها لا ترجع إلى المعمر و إن انقرض المعمر و عقبه و ليس ذلك في الحديث مكتوبا.
و قد روي عن أبي حنيفة و الشافعي و سفيان الثوري، و أحمد بن حنبل: أن العمرى كالهبة، و هي ملك لمن أعمرها كانت معقبة أو لم تكن شرط المعمّر أن ترجع إليه أو لم يشترط، و شرطه باطل لا ترجع إليه أبدا و يبيعها المعمّر إن شاء كسائر ماله.(1/169)
فصح في العمرى ثلاثة أقوال: قول أبي حنيفة، و الشافعي، و مالك، و من ذكر معهم. كما قضى طارق بشهادة جابر و الثالث من فرق بين المعقبة و حياة المعمر خاصة فقال في المعقبة: لا ترجع أبدا إلى المعمر، و إذا لم تكن معقبة ترجع إليه إذا مات المعمر، و اللّه عز و جل أعلم بما أراد نبيه صلى اللّه عليه و سلم، إلا أن في كتاب مسلم عن جابر أيضا قال: أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفّي و توفيت بعده، و تركت ولدا، و له أخوة بنون للمعمرة، فقال ولد المعمرة: رجع الحائط إلينا، و قال بنو المعمر: بل كان لأبينا حياته و بعد موته، فاختصموا إلى طارق- مولى عثمان- فدعا جابرا فشهد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه حكم بالعمرى لصاحبها، فقضى بذلك طارق، ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره ذلك، و أخبره بشهادة جابر، فقال عبد الملك: صدق جابر فأمضى ذلك طارق. و إن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم. و ليس في هذا الحديث أنها أعمرت ابنها و عقبه كما وقع في الأحاديث المتقدمة «4».
__________________________________________________
(1) بتلة: أي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب.
(2) رواه مسلم (1625 و 24)، و النسائي (6/ 276) و (2747) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (1625 و 25) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم (1625 و 28) من حديث جابر رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:107
و قد تقدم عن جابر أنه قال: إذا قال هي لك ما عشت فإنما ترجع إلى صاحبها الذي أعمرها.
و في رواية مسدد عن يحيى عن سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جابر: أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة له حياتها فماتت، و ذكر الحديث كما ذكره مسلم و هذا يقوي مذهب مالك «1».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المشبهات(1/170)
في الموطأ و البخاري و مسلم عن عائشة زوج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد و قال: ابن أخي- قد كان عهد إليّ فيه- فقام عبد بن زمعة و قال: أخي و ابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال سعد: يا رسول اللّه ابن أخي، و قد كان عهد إليّ فيه. و قال عبد بن زمعة: أخي و ابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «هو لك يا عبد بن زمعة»، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسودة بنت زمعة: «أحتجبي منه» لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص، قالت: فما رآها حتى لقي اللّه عز و جل «2». و كانت سودة زوج النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يذكر مالك هذا في الموطأ.
في هذا الحديث من الفقه: إنفاذ وصية الكافر لأن عتبة مات كافرا، و ذلك أنه هو الذي.
كسر رباعيته صلى اللّه عليه و سلم في يوم أحد، فدعا النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ألايحول عليه الحول حتى يموت كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا. ذكره عبد الرزاق في مصنفه، و كذلك ذكر ابن أبي حثمة: أنه مات كافرا.
و فيه: استلحاق الأخ، و في ذلك اختلاف و لا خلاف في استلحاق الابن و فيه حجة المالك في الحكم بقطع الذرايع لأن قطع الذرايع أن يمنع من المباح لئلا يوقع في الحرام، و مثل قول اللّه عز و جل: وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النّور: الاية 31]. و مثل نهيه تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى اللّه عليه و سلم: «راعنا»، و هم لا يريدون الإذاية للنبي صلى اللّه عليه و سلم، فنهاهم اللّه عن ذلك بسبب قول اليهود للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم: راعنا يريدون بذلك: يا أرعن.(1/171)
و مثل هذا نهى اللّه أهل السبت عن الصيد فيه، فأخذ بعضهم حيتانا في غير السبت فجعل كصيدهم في السبت و عذبوا على ذلك.
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3557) من حديث جابر رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(2) رواه البخاري (2053)، و مسلم (1457)، و الموطأ (2/ 739) من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:108
فكذلك حكم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لسودة: أن ابن زمعة أخوها إذ ولد على فراش أبيها، و جعله أجنبيا في ألايراها فحكم بحكمين: حكم في الظاهر، و حكم في الباطن، و اتبع الشافعي في ذلك إبطال الحكم بقطع الذرايع، و أن يكون حكما واحدا حتى قال: إن للرجل أن يمنع زوجته من رؤية أخيها. و أن قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «احتجبي عنه» إنما هو على وجه التنزه و الاختيار، و هذا خلاف لما أمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عائشة في أفلج أخي ابن القعيس، إذ قال لها: «إنه عمّك فليلج عليك» «1»، و كان عمها من الرضاعة، فكيف أن يمنع المرأة من رؤية أخيها.
و أدخل البخاري هذا الحديث في باب تفسير المشبهات مع الحديث: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك» «2». و هو أيضا يقوي مذهب مالك، و يخالف قول الشافعي.
و قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «و للعاهر الحجر» يعني: نفي الولد عن الزاني، و أنه لا شي ء له فيه، و لا ينسب إليه. كقول العرب: بفمك الحجر. أي: لا شي ء لك.
و قال الداودي: للعاهر الحجر: يعني الرجم للزاني المحصن، و مذهب الشافعي أن الحرام لا يحرّم الحلال، و كذلك قال: إن أمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لسودة بالاحتجاب تنزه و اختيار، و مذهب أبي حنيفة أن الزنا يحرم- و اختلف في ذلك قول مالك- فمرة قال: إن الحرام لا يحرّم الحلال، و مرة قال: إنه يحرّم، و الأغلب من مذهبه و مذهب أصحابه أنه لا يحرّم.
«(1/172)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في العتق و الوصية بالقرعة و حكم ذات الزوج و التدبير و أمهات الأولاد و الكتابة
في مصنف عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال: شهدت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقضي بالدين قبل الوصية، و أنتم تقولون: من بعد وصية يوصي بها أو دين «3».
و لا خلاف بين العلماء أن الدين قبل الوصية.
في الموطأ و غيره عن الحسن، و عن محمد بن سيرين: أن رجلا في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعتق عبيدا له ستة عند موته، فأسهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد «4».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5239) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه أحمد (1/ 200)، و الترمذي (2518)، و النسائي (8/ 327)، و ابن حبان (722) من حديث الحسن ابن علي رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(3) رواه عبد الرزاق (1903)، و أحمد (1/ 79)، و الترمذي (2095)، و أبو يعلى (300) و إسناده حسن من حديث علي رضي اللّه عنه.
(4) رواه مالك (2/ 774) و (2720) و هو حديث مرسل. و رجاله ثقات و وصله مسلم (1668)، و الترمذي (1364) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:109
قال مالك: و قد بلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. و هذا الحديث مسند في غير الموطأ عن الحسن و ابن سيرين عن عمران بن حصين، و قال فيه: فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من ذلك و قال: «لقد هممت ألاأصلي عليه».
و في مصنف عبد الرزاق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لو أدركته ما دفن مع المسلمين»، فأقرع بينهم فأعتق اثنين، و استرقّ أربعة «1».
و في حديث آخر: أنّ امرأة من الأنصار أعتقت ستة أعبد، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بستة أقداح، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين «2».(1/173)
و في غير المصنف أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم جزأهم ثلاثة أجزاء اعتق اثنين، و أرقّ أربعة «3».
قال إسماعيل: و هذا يدل أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قوّمهم. و قال سليمان بن موسى: لم يبلغني أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قوّمهم فإن صح قول سليمان فمعناه أن قيمتهم كانت سواء و إلا فلا بد من التقويم لئلا يزاد على الثلث. و يسند أيضا الحديث الأول عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب مسلم عن عمران بن حصين.
في هذا الحديث من الفقه: إنفاذ الوصية بالثلث، و فيه العتق بالقرعة، و فيه أن من عال على الثلث صرف إلى الثلث. و فيه أن بتل العتق في المرض كالوصية، و فيه أن الحاكم يقوّم بنفسه ما كان بحضرته و لا يوليه غيره.
و فيه: أن يحكم بين الرجل و عبده فيما يدعو إليه العبد من حقوقه على سيده.
و فيه إجازة الوصية بالثلث لغير القرابة، بخلاف ما روي عن طاوس و غيره: أن من أوصى لغير قرابته و لم يوص لهم لم تبطل وصيته. و قالت طائفة: من أوصى لغير قرابته أعطي ثلث الوصية لقرابته.
في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة: «قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألاوصية لوارث، و لا يجوز لامرأة في مالها شي ء إلا بأذن زوجها» «4».
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق (16749)، و البيهقي (10/ 286) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
(2) رواه عبد الرزاق (16751)، و البيهقي (10/ 286) عن ابن جريج. قال: أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول: سمعت ابن المسيب يقول: اعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فأتي في ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم. فأقرع بينهم فأعتق اثنين.
(3) رواه النسائي (4/ 64) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
((1/174)
4) رواه عبد الرزاق (16608) من حديث عكرمة رضي الله عنه. و فيه جهالة الرجل الراوي عن عكرمة رضي الله عنه. بلفظ: (قضى رسول الله صلى اللّه عليه و سلم أنه ليس لذات زوج وصية في مالها شيئا إلا بإذن زوجها).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:110
و في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه باع مدبرا لرجل. و في حديث آخر لمسلم: لم يكن له مال غيره.
و في كتاب ابن شعبان عن جابر قال: أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر و كان محتاجا و كان عليه دين، فباعه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بثمانمائة درهم، فأعطاه و قال: «اقض دينك و أنفق على عيالك» «1».
و تأول مالك و غيره أن الحديث الأول هو أصح. إن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه باع المدبر بعد موت الذي دبّره أو في حياته لدين عليه قبل التدبير.
قال ابن أبي زيد: حديث جابر يدل على أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إنما باع المدبر في دين لأن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم دعا به، فقال: «من يشتره؟» فلما بطل أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لم يبعه لغير معنى لم يبق إلا أنه حكم و أنه لينفذ مالزم.
و قد روي عن جابر أنه قال: لم يكن له مال غيره، فمات. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «من يشتره؟» و اختلف فيه. عن جابر فروي أنه أعتق رجل، و روي أنه دبر.
و في مختصر ابن أبي زيد: روى الخدري أنهم لما أصابوا سبيا يوم أوطاس قالوا: يا رسول اللّه ما ترى في العزل فإنا نحب الثمن. دليل أنها إذا ولدت بطل الثمن. و هذا دليل بيّن مع ما روي أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال في أم إبراهيم: «أعتقها ولدها» «2».(1/175)
و في الواضحة عن ابن المسيب: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمر بعتق أمهات الأولاد و قال: «لا يجعلن في وصية، و لا دين». قال مسلم: قلت لسعيد بن المسيب: كيف كان رأي عمر في عتق أمهات الأولاد؟ قال: ليس عمر أعتقهن، و إنما أمر بعتقهن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، «و ألايخرجن في ثلث، و لا يبعن في دين» «3».
و في كتاب رجال الموطأ للبرقي عن سعيد بن عبد العزيز: أن مارية أم إبراهيم اعتدت ثلاثة أشهر. قال البرقي: و توفيت سنة ست عشرة. و في الحديث الثابت: أن بريرة دخلت على عائشة تستعينها شيئا. و في حديث آخر في البخاري: جاءت تستعينها و عليها خمس أواق نجّمت في خمس سنين «4». و جميع الأحاديث عن عروة عن عائشة إلا حديثا واحدا عن عمرة عن عائشة.
__________________________________________________
(1) رواه أحمد (3/ 305)، و أبو داود (3957)، و النسائي (7/ 304)، و الطحاوي في مشكل الاثار (4932) و انظر طرقه هناك.
(2) رواه ابن ماجه (2516)، و البيهقي (10/ 346) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما و إسناده ضعيف.
(3) رواه البيهقي (10/ 344) و في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الحافظ في التقريب: ضعيف في حفظه. و هو رجل صالح.
(4) رواه البخاري (2560) في العتق من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:111
و في الموطأ و البخاري فقالت عائشة: إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم و يكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عند أهلها و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قاعد فقالت لعائشة: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم.(1/176)
فسمع ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «خذيها و اشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق»، ففعلت عائشة، ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه! كلّ شرط ليس في كتاب اللّه- و في حديث آخر في الموطأ: ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه- فهو باطل، و إن كان مائة شرط. قضاء اللّه أحق و شرط اللّه أوثق، و إنما الولاء لمن أعتق» «1».
معنى قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «كل شرط ليس في كتاب اللّه» أي: خالف كتاب اللّه، و معنى قوله لعائشة: «اشترطي لهم الولاء» أي: اشترطي عليهم الولاء. قال اللّه عز و جل: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرّعد: الاية 25]. أي عليهم.
و قد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق و إنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف و غيره.
و في كتاب ابن شعبان: أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة و دية «2» نجّمها لهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إذا غرستها فاذنّي»، فلما غرسها آذنه، فدعا له فيها فلم تمت منها و دية واحدة «3». و قد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى: أبا مؤمّل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته، و فضلت عنده فضلة فاستفتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «أنفقها في سبيل اللّه».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في عتق من مثّل به أو لطم وجهه(1/177)
في المدوّنة عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه قال: كان لزنباغ عبد يسمى: سندرا، أو ابن سندر، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه و أنفه، فأتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأرسل إلى زنباغ فقال: «لا تحملوهم ما لا يطيقون، و أطعموهم مما تأكلون، و اكسوهم مما تلبسون، و ما
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2168) عن ابن المسيب، و مسلم (1504)، و الموطأ (2/ 780) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه الحاكم (2/ 16) و صححه و وافقه الذهبي من حديث بريدة رضي الله عنه. و رواه أحمد في المسند (5/ 354) و البزار رقم (26 27). و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 337) و قال: رواه أحمد و البزار و رجاله رجال الصحيح.
(3) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:112
كرهتم فبيعوا، و ما رضيتم فأمسكوا، و لا تعذبوا خلق اللّه». ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من مثّل به، أو أحرق بالنار فهو حر، و هو مولى للّه و رسوله». فأعتقه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقال: يا رسول اللّه أوص بي فقال: «أوصي بك كل مسلم» «1».
و في كتاب مسلم عن سويد بن مقرن: أن جارية له لطمها إنسان، فقال له سويد: أما علمت أن الصورة محرّمة، لقد رأيتني و إني لسابع أخوة لي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما لنا غير خادم واحد، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن نعتقه. و ذكر الحديث «2».
و زاد في حديث آخر: أنهم قالوا: يا رسول اللّه ليس لنا غيره، قال: «استخدموه فإذا استمتعتم به فخلوا سبيله» «3»، و قال عبد اللّه ابن عمر: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه» «4».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللقطة(1/178)
في الموطأ و البخاري و مسلم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فسأله عن اللقطة فقال: «إعرف عفاصها و وكاءها ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها، و إلا فشأنك بها». قال فضالّة: و الغنم؟
قال: «لك أو لأخيك أو للذئب»، و في غير الكتب «فردّ على أخيك ضالته». قال فضالة: الإبل، قال في البخاري و مسلم: فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه. و في حديث: فتغير وجهه و قال: «ما لك و لها معها سقاؤها و حذاؤها، ترد الماء، و تأكل الشجر حتى يلقاها ربها» «5». ذكر ابن عبد البر هذه الزيادة من غير رواية مالك: «فردّ على أخيك ضالته». قال الطحاوي: و لم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة الضالة إن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في موضع مخوف. قال: و احتجاجه بقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» لا معنى له، لأن قوله لك لم يرد به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها.
و في البخاري و مسلم عن سويد بن غفلة قال: لقيت أبيّ بن كعب فقال: وجدت صرّة فيها مائة دينار فأتيت بها النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال «عرّفها حولا»، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته بها فقال: «احفظ وعاءها و عددها و وكاءها، فإن جاء صاحبها و إلا فاستمتع بها»، فاستمتعت بها
__________________________________________________
(1) رواه ابن سعد (7/ 350) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. و هو حديث حسن.
(2) رواه مسلم (1658 و 33) من حديث سويد بن مقرّن رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (1658 و 31) من حديث سويد بن مقرّن رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم (1657) في الإيمان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5) رواه البخاري (91 و 2427 و 2428)، و مسلم (1732)، و الموطأ (2/ 757) من حديث زيد بن خالد الجهني.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:113(1/179)
فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري بعد ثلاثة أحوال أو حولا واحدا «1». و في البخاري و مسلم عن أبي هريرة قال: لما فتح اللّه على رسوله مكة قام في الناس خطيبا: فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «إن اللّه حبس عن مكة الفيل- هكذا في البخاري في رواية الأصيلي- و في رواية القابسي:
القتل، و سلط عليها رسوله و المؤمنين، و إنها لم تحل لأحد قبلي، و إنما أحلت لي ساعة من نهار، و إنها لن تحل لأحد بعدي، و لا ينفّر صيدها، و لا يعضد شجرها». و في حديث آخر:
«و لا يعضد عضاهها». و في آخر: «لا يختلى شوكها، و لا تحلّ لقطتها». و في آخر: «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد». و في آخر: «إلا لمعرّف، و من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي و إما أن يقيد»، فقال العباس: إلا الإذخر فإنه لقبورنا و صاغتنا «2».
و في حديث أبي هريرة لقبورنا و بيوتنا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إلا الإذخر»، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال: أكتب لي يا رسول اللّه. قال: فكتب له هذه الخطبة التي سمعها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «3».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن قال حائطي صدقة في سبيل اللّه إنه على الأقارب و توقيف مال الغائب و التوكيل على القسمة(1/180)
في الموطأ و البخاري و مسلم عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، و كان أحب أمواله إليه: بيرحاء، و كانت مستقبلة المسجد، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدخلها و يشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلما نزلت هذه الاية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: الاية 92]. قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه إن اللّه يقول في كتابه لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: الاية 92]. و إن أحب أموالي إلى بيرحاء، و إنها صدقة للّه أرجو برّها و ذخرها عند اللّه فضعها يا رسول اللّه حيث شئت. قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «بخ ذلك مال رابح- و يروى رابح- ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها و إني أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول اللّه فقسمها أبو طلحة في أقاربه و بني عمه «4». و في حديث آخر للبخاري: «إجعلها لفقراء قرابتك». قال أنس: فجعلها لحسّان بن
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2426 و 2437)، و مسلم (1723)، و أبو داود (1710) من حديث سويد بن غفلة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (112 و 2434)، و مسلم (1355)، و أبو داود (2017) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (2434)، و مسلم (1355 (447)، و الترمذي رقم (1405).
(4) رواه البخاري (1461 و 2318)، و مسلم (998)، و الموطأ (2/ 995 و 996)، و أبو داود (1689) من حديث أنس رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:114
ثابت، و أبيّ بن كعب، و كانا أقرب إليه مني «1».
و فيه من الفقه أن من قال داري صدقة و لم يبين: للفقراء أو غيرهم فهو جائز و يضعها في الأقربين أو حيث أراد. و قال بعضهم: لا يجوز حتى يبيّن لمن، و الأول أصح.(1/181)
و فيه إذا تصدق بأرض و لم يبيّن الحد فهي جائزة إذا كانت مشهورة و هذا كله في البخاري.
في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن طلحة عن عبيد اللّه بن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي و اسمه زيد بن كعب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج يريد مكة و هو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه»، فجاء البهزي- و هو صاحبه- إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة بين الرويبة و العرج إذا ظبي واقف في ظل و فيه سهم فزعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه «2». فيه من الفقه:
إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصدّ من أجله وهبة المشاع، بخلاف قول أبي حنيفة، و ابن أبي ليلى، و فضل أبي بكر- رضي اللّه عنه- على جميع الصحابة، و حرز مال الغائب و التوكيل على القسمة، و قبول الإمام الهدية.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الودائع و الأمانات
في أحكام ابن زياد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «ليس على أمين غرم» «3». و قال أهل العلم:
إلا أن يعدي. و في غير الأحكام: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «على كل يد رد ما قبضت» «4»، و تأول ذلك بعض العلماء: أن الأمانة تضمن لقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم على كل يد قيم، و لقول اللّه عز و جل:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الاية 58].
و ذكر ابن سلام و غيره: أن هذه الاية نزلت في ولاية الكعبة إذ طلب العباس من النبيّ صلى اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
((1/182)
1) رواه البخاري معلقا باب رقم (10) باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، و من الأقارب بعد رقم (2751) في الوصايا. و قد قال الحافظ في الفتح: و قد أخرجه ابن خزيمة، و الطحاوي جميعا عن أبي مرزوق. و أبو نعيم في (المستخرج) من طريقه و البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه.
(2) رواه مالك في الموطأ (1139)، و النسائي (5/ 182 و 183) و (7/ 205) و إسناده صحيح. قال الحافظ في الفتح (4/ 28): أخرجه مالك و أصحاب السنن. و صححه ابن خزيمة و غيره.
(3) لم نجده بهذا اللفظ.
(4) رواه أبو داود (3561)، و الترمذي (1266). من حديث الحسن عن سمرة. و الحسن مختلف في سماعه من سمرة. و قال الترمذي: هذا حديث حسن بلفظ (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:115
مفتاح الكعبة، فأنزل اللّه عز و جل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الاية 58]، فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة. و في حديث آخر: إلى شيبة بن عثمان، و القول الأول قول مالك و هو أشهر.
و روي أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم نادى: «أين عثمان؟» فتطاول له عثمان بن عفان فقال: «أين عثمان بن طلحة؟» و كان عثمان بن طلحة قصيرا فحمله رجل من بني الحضرمي فدفع إليه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم المفتاح، و كان مغطى فغطاه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم و قال: «دونكموها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالم» «1».
و في رواية أخرى: «إلا كافر». و كان ذلك عام حجة الوداع، و كان طلحة والد عثمان هذا قتله علي بن أبي طالب يوم أحد مبارزة، فصار المفتاح عند أم ولده سلافة أم عثمان بن طلحة.
و اختلف أبو حنيفة و الشافعي و مالك في تحليف الأمين إذا ادعى التلف، فقال أبو حنيفة و الشافعي: يحلف و إن كان أمينا، و قال مالك: لا يحلف إلا أن يكون متهما.(1/183)
قال ابن المنذر في الأشراف: اليمين أصح و أحسن. و روى ابن نافع عن مالك في (المبسوط): إذا ادعى المقارض أن المال تلف أو بعضه حلف كان متهما أو غير متهم، و به قال ابن المواز.
و في الواضحة: لا يحلف إلا أن يكون متهما أو غير أمين.
و في المبسوط في تلف الوديعة كذلك يحلف على كل حال، و كذلك في المدونة لابن القاسم عن مالك يحلف متهما كان أو غير متهم.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ضمان العارية التي يغلب عليها
في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرسلن في أرضهن، و هن غير مهاجرات، و أزواجهن حين أسلمن كفار، منهن: بنت الوليد بن المغيرة و كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، و هرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابن عمه و هو: وهب بن عمير برداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمانا لصفوان بن أمية، و دعاه رسول اللّه إلى الإسلام و أن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله و إلا سيّره شهرين، فلما
__________________________________________________
(1) رواه ابن ابي شيبة (14/ 478). و ابن كثير في التفسير باب قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (ج/ 1/ 515) و قال ابن كثير. و قال محمد بن اسحاق في غزوة الفتح: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم لما نزل بمكة و اطمأن. و ذكره. وصفية بنت شيبة- قال الحافظ في التقريب: لها رؤية. حدثت عن عائشة و غيرها. و في البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى اللّه عليه و سلم. و محمد بن جعفر بن الزبير قال الحافظ: ثقة.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:116(1/184)
قدم صفوان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك و زعم أنك دعوتني للقدوم عليك، فإن رضيت أمرا قبلته و إلا سيرتني شهرين. قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «بل لك أن تسير أربعة أشهر»، ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خرج قبل هوازن بحنين، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة و سلاحا عنده، فقال صفوان: أطوعا أم كرها؟ قال: «بل طوعا»، فأعاره الأداة و السلاح الذي عنده.
و في رواية يحيى: ثم رجع و هو غلط. و الصواب ثم خرج- و كذلك سائر الرواة- مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو كافر فشهد حنينا و الطائف و هو كافر و امرأته مسلمة، و لم يفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينه و بين امرأته حتى أسلم صفوان و استقرت امرأته عنده بذلك النكاح، و كان بين إسلامهما نحوا من شهر «1».
و في مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال: استعار النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من صفوان عاريتين: إحداهما بضمان و الآخرى بغير ضمان «2».
و في السير و غيرها، و ذكره ابن شعبان: أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح، و زعموا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. و في كتاب النسائي: حملها على ثلاثين جملا «3»، و في غير الموطأ: أن صفوان بن أمية قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما سأله السلاح: أغصبا يا محمد؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «بل عارية مؤداة» «4»، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها و إن تلفت و عرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث.
و مالك- رحمه اللّه- و غيره أيضا يقولون: إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان، فإن كانت مما لا يغاب عليه: كالحيوان، فلا ضمان عليه، و هو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه.(1/185)
و في مصنف أبي داود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال:
أعارية أم غصب؟ قال: «بل عارية»، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا، و غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لصفوان:
«إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك»، فقال: لا يا رسول اللّه لأن في قلبي اليوم ما لم
__________________________________________________
(1) رواه مالك (2/ 543 و 444) بلاغا و إسناده منقطع- قال ابن عبد البرّ: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح. و هو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. و ابن شهاب إمام أهلها. و شهده هذا الحديث أقوى من إسناده. و قد روى بعضه مسلم.
(2) رواه عبد الرزاق (14789) و فيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه الله.
(3) رواه النسائي (5776) و (5777)، و الدارقطني (3/ 39) من حديث يعلى بن أمية رضي اللّه عنه. و هو حديث صحيح.
(4) رواه الدارقطني (3/ 39 و 40) من حديث يعلى بن أمية و هو حديث حسن.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:117
يكن يومئذ. و قال أبو داود: و كان أعاره إياها قبل أن يسلم «1». و في الدلائل للأصيلي قال مالك: لا ضمان في عارية إلا ما يغاب و يخفى هلاكه فإن علم هلاكه بغير سبب المستعير فلا ضمان عليه. و قال أبو حنيفة: لا ضمان في عارية خفي هلاكها أو لم يخف. و قال الشافعي:(1/186)
تضمن العارية على كل حال، و إن قيل أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «على اليد رد ما أخذت». قيل: هذا الحديث يروى عن الحسن، عن سمرة، و الحسن عن سمرة غير حجة أيضا فإن الحسن لا يرى تضمين العارية، فإن قيل: إن في حديث صفوان بل عارية مضمونة فيقال لهم: لو ثبت هذا اللفظ ما لزم أن تكون العارية بذلك مضمونة كما كان. زعم الشافعي أن استعارة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من صفوان قبل إسلام صفوان فالتزم له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ضمان العارية لمكان الوفاء منه لصفوان، و لما أعطاه من ألزمه في نفسه و ما لزم به لأهل الكفر لا يستدل به في أحكام الدين.
و روى قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون عن ابن قيس عن حمزة بن أبي حمزة الضبي يرفع الحديث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «من بنى في ربع قوم بإذنهم فأرادوا إخراجه فله قيمته و من بنى في ربع قوم بغير إذنهم فليس له إلا النقض» «2». و تكلّم في عمرو بن قيس و حمزة الضبي.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المواريث
في معاني القرآن للنحاس: روى جابر بن عبد اللّه الأنصاري: أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه إن زوجي قتل معك، و إنما يتزوج النساء للمال. و خلّفني و خلف ابنتين و أبا و هو الربيع، فأخذ الأب المال فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «ادفع إليها الثمن و إلى البنتين: الثلثين و لك ما بقي» «3».(1/187)
و ذكر محمد بن سحنون في كتاب الفرائض من تأليفه أنها لما قالت للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم: قد علمت أن النساء إنما ينكحن لأموالهن. قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قد يرى اللّه مكانهما و إن يشأ أنزل فيهما»، فمكث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أياما، ثم أرسل إلى امرأة سعد أن تعالي فقد أنزل اللّه فيك و في ابنتيك، فتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ [النّساء: الاية 11]. فأعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزوجة: الثمن،
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (3563) عن أناس من آل عبد الله بن صفوان و إسناده صحيح.
(2) رواه الدارقطني (4/ 243)، و البيهقي (6/ 91)، و ابن عدي (5/ 8) ترجمة عمر بن قيس المكي. و في إسناده عمر بن قيس قال الدارقطني: تركه أحمد و النسائي. و قال يحيى: ليس بثقة. و قال البخاري: منكر الحديث.
(3) ذكره النحاس في معاني القرآن. من حديث جابر رضي الله عنه بدون سند و يشهد له ما بعده.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:118
و الابنتين: الثلثين، و الأب ما بقي. قال: فهذا أول ميراث قسم في الإسلام، ميراث: سعد بن الربيع الأنصاري. أخبرنيه سحنون عن ابن وهب، عن داود بن قيس، و غيره عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد اللّه: أن امرأة سعد «1».(1/188)
و في البخاري: قال هذيل بن شرحبيل: سئل أبو موسى عن رجل توفّي، و ترك ابنة، و ابنة ابن، و أختا، فقال: للابنة النصف، و للأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود و أخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين، أقضي بينهم بما قضى به النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: للإبنة النصف، و لإبنة الابن السدس تكملة الثلثين، و ما بقي فللأخت، فأتيا أبا موسى فأخبراه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم «2».
و في البخاري و مسلم عن ابن عباس: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر» «3». و تأول هذا عند أهل العلم في العصبة الذين لا يرثون إلا أن يكونوا رجالا مثل: العمّات و الأعمام، و بني الأخوة، و بني الأعمام، و إنما يؤخذ ما بقي من هؤلاء الرجال دون النساء، و أما لو ترك الميت ابنة و أختا شقيقة كان للإبنة النصف، و النصف بين الأخوين للذكر مثل حظ الأنثيين، و كذلك ابنة و أخا و أختا للأب. الجواب فيها سواء، و لا يقال في هذا: الذكر أولى من أخته. و في غير البخاري و مسلم عن ابن عباس و ابن الزبير في ابنة و أخت قالا: للإبنة النصف، و للعصبة النصف، و لا شي ء للأخت. قيل لابن عباس: إن ابن عمر كان يرى للإبنة النصف، و للأخت النصف. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم اللّه؟ قال معمر: فلم أدر ما وجه ذلك حتى أتيت ابن طاوس فأخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عباس يقول: قال اللّه عز و جل: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [النّساء: الاية 176]. قال ابن عباس: فقلتم أنتم أن لها النصف و إن كان له ولد.
قال ابن طاوس: كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فيها شيئا، و كان طاوس لا يرضى ذلك الرجل، و كان يشك فيها فلا يقول فيها شيئا «4».
__________________________________________________
((1/189)
1) رواه أحمد (14798)، و الترمذي (2092)، و أبو داود (2891 و 2892)، و البيهقي (6/ 216) و (229)، و الدارقطني (4/ 78 و 79)، و الحاكم (4/ 333) من حديث جابر رضي الله عنه. و في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الحافظ: صدوق في حديثه لين يقال تغير باخره. أقول: و للحديث شواهد يتقوى بها.
(2) رواه البخاري (6736 و 6742). من حديث أبي مولى رضي اللّه عنه.
(3) رواه البخاري (6735)، و مسلم (1615)، و أبو داود (2898) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ و قال: و قد نقل ابن جرير و غيره عن عبد الله بن الزبير و ابن عباس أنهما كانا يقولان و ذكره. هكذا بدون سند (ج/ 1/ 593).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:119
و في الموطأ عن ابن شهاب عن عثمان بن أبي إسحاق بن حرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال أبو بكر: ما لك في كتاب اللّه من شي ء، و ما علمت لك في سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذ لها أبو بكر الصديق، ثم جاءت الجدة الآخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها: ما لك في كتاب اللّه شي ء و ما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، و ما أنا بزائد في الفرائض شيئا، و لكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما و أيتكما خلت به فهو لها «1».(1/190)
و في مصنف عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال: حدّثت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أطعم ثلاث جدات السدس، قلت لإبراهيم: و ما هنّ؟ قال: جدتا أبيه أم أمه و أم أبيه وجدته أم أمه «2».
و في كتاب الفرائض من ديوان محمد بن سحنون قال: حدثني أبو محمد بن عمر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أنه قال: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أن الأخ للأب و الأم أولى من الأخ للأب، ثم الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب و الأم، فإذا كان بنو الأب و الأم و بنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب و الأم أولى من بني الأب، و إذا كان بنو الأب أرفع من بني الأب و الأم بأب فبنو الأب أولى، و إذا استووا في النسب فبنو الأب و الأم أولى من الأب.
قال: و قد قضى أن العم للأب و الأم أولى من العم للأب، و أن العم للأب أولى من بني العم للأب و الأم، فإذا كان بنو الأب و الأم و بنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب و الأم أولى من بني الأب، و لا يرث عم و لا ابن عم مع أخ و لا ابن أخ و قضى أنه ما كان له عصبة من المجردين فلهم ميراثه على فرائضهم في كتاب اللّه تعالى «3».
قال محمد بن سحنون: و هذا الحديث مجمع عليه عند العلماء. روى حماد بن سلمة: أن ثابت بن الدحداح مات، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لعاصم بن عدي: «هل تعلم له نسبا في العرب؟» فقال:
لا إن عبد المنذر تزوج أخته فولدت له أبا لبابة، و هو ابن أخته «4». من كتاب محمد بن النصر
__________________________________________________
(1) رواه مالك (2/ 513)، و الترمذي (2101)، و أبو داود (2894) و إسناده منقطع رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر مرسلة. و حديث الباب يدل على أن فرض الجدة السدس. و كذلك فرض الجدتين و الثلاث. و قد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة و التابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. و انظر (الفتح) (1/ 12/ 15 و 16).
((1/191)
2) رواه عبد الرزاق (19079)، و البيهقي (6/ 236)، و الدارمي (2/ 358) (2977) من طريق منصور عن إبراهيم بن زيد النخعي. و إسناده معضل.
(3) هذا حديث منقطع. و في إسناده ابن جريج قال الحافظ. كان يرسل و يدلس.
(4) رواه البيهقي (6/ 215). و إسناده منقطع.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:120
المروزي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله و لا وارث له إلا خاله كتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «اللّه و رسوله مولى من لا مولى له، و الخال وارث من لا وارث له» «1».
حدثنا وكيع عن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة توفي و ترك ابنته و ابنة حمزة، فأعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابنته النصف و ابنة حمزة النصف «2».
قال الشعبي. لا أدري أكان هذا قبل الفرائض أم بعدها، و ابنة حمزة إنما أخرجها علي من مكة سنة سبع عام عمرة القضاء، و الفرائض إنما نزلت بعد أحد بقليل.
قال ابن أبي نصر و قال بعضهم: إنما خرجت من مكة و هي غير مدرك فإن كان ذلك فقد أمكن أدراكها و عتقها و موت مولاها في هذه المدة بعد نزول الفرائض. و في هذا رد على من يورثه بالرد. و قد روي أن المولى كان لحمزة و الصحيح كان لابنته. روى وائلة بن الأسقع أبو صافة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «ترث المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها و لقيطها و الولد الذي لاعنت له» «3».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالولد للفراش و من استلحق بعد موت أبيه(1/192)
من كتاب ابن نصر «4» المروزي: اتفق أهل العراق و الحجاز و الشام و مصر: على أن الزاني لا يلحق به نسب، و كان إسحق بن راهواه يذهب إلى أن المولود من الزنا إن لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه فلا يرثه، إذا إدعاه الزاني ألحق به، و تأول قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» «5» على ذلك، و احتج بما روي عن الحسن في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها قال: يجلد، و يلزمه الولد.
__________________________________________________
(1) رواه البيهقي (6/ 214) مطولا، و الترمذي (2104) في الفرائض و هو حديث حسن.
(2) رواه البيهقي (6/ 241). و إسناده منقطع.
(3) رواه البيهقي (6/ 240). و في إسناده عمر بن روبة و قال: هذا غير ثابت. قال: البخاري عمر بن روبة التغلبي عن عبد الواحد النصري فيه نظر. بلفظ (تحوز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها. و عتيقها. و ولدها الذي لا عنت له). و رواه الحاكم في المستدرك (4/ 341) و قال الذهبي في التلخيص: هو من السنن الأربع من طريق عمر بن روبة عن عبد الواحد بن عبد الله عن واثلة رضي الله عنه.
(4) ابن نصر: هو أبو عبد اللّه محمد بن نصر المروزي الفقيه العابد العالم. كان عالما بالحديث و الفقه- قال أبو محمد الثقفي: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد اللّه المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. توفي رحمه اللّه سنة (294 ه).
(5) رواه البخاري (6818)، و مسلم (1458)، و الترمذي رقم (1157) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:121
و عن عروة بن الزبير و سليمان بن يسار أنهما قالا: أيما رجل مر إلى غلام يزعم أنه ابن له، و إنه زنى بأمه، و لم يدع ذلك الغلام أحد فهو يرثه.
و احتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام «1».(1/193)
و في مصنف عبد الرزاق قال عمرو بن شعيب: زاد في مصنف أبي داود عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قضى: أن من كان مستلحقا ادعي بعد أبيه، ادعاه ورثته فقضى أنه إن كان من أمة أصابها و هو يملكها فقد لحق بمن استلحقه، و ليس له من ميراث أبيه الذي يدّعى له شي ء، إلا أن يورثه من استلحقه في نصيبه، و أنه إن كان من ميراث ورثوه بعد أن ادعى فله نصيبه منه، و قضى أنه إن كان من أمة لا يملكها أبوه الذي يدّعى له هو ادعاه فإنه ولد زنا لأهل أمة كانت حرة أو أمة و الولد للفراش و للعاهر الأثلب يعني: الحجر «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بإثبات علم الفاقة و تجويز حكم علي رضي اللّه عنه في ذلك
في البخاري و مسلم عن عائشة قالت: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل عليّ ذات يوم تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة، و أسامة بن زيد، و عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، و بدت أقدامهما؟ فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض». «3» من اختلاف العلماء للمروزي الذين يقولون بالقافة و الحكم بهم مالك و الليث و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق، و استدل الشافعي بما معناه: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أثبته و لم ينكر، و لو كان خطأ لأنكره لأن في ذلك قذف المحصنات و نفي الأنساب.
و في الدلائل للأصيلي عن زيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب حين كان باليمن أتي بثلاثة رهط اشتركوا في ولد، فأقرع بينهم و ضمن الذي أصابته القرعة بثلثي القيامة لصاحبيه، و جعل الولد له. قال علي: فقدمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأخبرته بقضائي فضحك حتى بدت نواجذه «4».
و في مصنف أبي داود و نحوه من كتاب محمد بن نصر المروزي: روى يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: «قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في دية مكاتب يقتل بدية الحر بقدر ما أعتق منه» «5».(1/194)
__________________________________________________
(1) رواه مالك (2/ 464) و إسناده منقطع.
(2) رواه عبد الرزاق (19138) مرسلا، و أبو داود (2265) موصولا في الطلاق. باب في ادعاء ولد الزنا. من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. و هو حديث حسن.
(3) رواه البخاري (3555)، و مسلم (1459)، و الترمذي (213) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه أبو داود (2269) و (2270). من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
(5) رواه النسائي (8/ 45 و 46) (4808 و 4809). و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:122
و قال ابن عباس: و يقام على المكاتب حد المملوك، و عن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة أن مكاتبا قتل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أن يؤدي ما أدى دية الحر، و ما رق منه دية المملوك «1».
و كذلك وقع في مصنف أبي داود من كتاب ابن نصر سفيان بن عيينة عن عمر بن عوسجة عن ابن عباس: أن رجلا مات على عهد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فلم يجد له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلا عبدا أعتقه، فدفع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ميراثه إليه «2».
حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن رجلا مات و لم يدع أحدا يرثه، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «ابتغوا»، فلم يجدوا أحدا يرثه، فدفع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ميراثه إلى رجل أعتقه الميت، و قضى بذلك عمر بن الخطاب «3».
و عن سليمان بن يسار قال: أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بميراث رجل من الحبشة لم يترك ورثا، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «انظروا من كان ههنا من مسلمة الحبشة فادفعوا ميراثه إليه» «4».(1/195)
و في مصنف عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن من كان حليفا في الجاهلية فهو على حلفه و له نصيبه من العقل و النصر يعقل عنه من حالفه و ميراثه لعصبته من كانوا و قال: «لا حلف في الإسلام، و تمسكوا بحلف الجاهلية، فإن اللّه لم يزده في الإسلام إلا شدة» «5».
و في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي حسين يقول: خاصم رجل أباه إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال: إن أبي يأكل من مالي، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «أنت و مالك لأبيك»، ثم أمر له به، و قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «انطلق به فإن أبى عليك فأطلعني على ذلك أعنك عليه» «6».
حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم أن رجلا قال: يا رسول اللّه إن أبي يسألني مالي. قال: «فأعطه إياه». قال: إنه يريد أن أخرج له منه، قال: «فاخرج له منه».
قال- و قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لرجل و هو يوصيه: «لا تعصى والديك و إن سألاك أن تخرج لهما من دنياك فانخلع لهما منها» «7».
__________________________________________________
(1) رواه النسائي (8/ 46) (4812). و هو حديث صحيح.
(2) رواه أبو داود (4581) من حديث ابن عباس رضي الله عنه و إسناده صحيح.
(3) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (29708) و قال: رواه عبد الرزاق في مصنفه.
(4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 414). و هو حديث مرسل.
(5) رواه عبد الرزاق في المصنف (19200). و هو حديث منقطع.
(6) رواه عبد الرزاق (16635) مرسلا. و قد رواه ابن حبان رقم (410) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى رسول الله صلى اللّه عليه و سلم يخاصم أباه في دين عليه: فقال نبي الله صلى اللّه عليه و سلم: «أنت و مالك لأبيك» و هو حديث صحيح.
(7) رواه عبد الرزاق (16636). و هو حديث منقطع. و ابن جريج مدلس.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:123
«(1/196)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ميراث ذوي الأرحام
في مصنف عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال له:
رجل توفي و ترك عمته، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «الخالة و العمة»، يرددها كذلك، ينتظر الوحي فيهما، فلم يأته فيهما شي ء، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لم يأتني فيهما شي ء» «1».
و في حديث آخر عن صفوان بن سليم: أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه رجل ترك خالته و عمته ماذا لهما؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اللهم رجل ترك خالته و عمته»، فلم يقل في ذلك شيئا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ليس لهما شي ء» «2».
و في حديث آخر معمر عن ابن طاوس قال: سمعت بالمدينة أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «اللّه و رسوله مولى من لا مولى له، و الخال وارث من لا وارث له» «3». رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و في الدلائل للأصيلي: سئل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم عن ميراث العمة و الخالة- و هو على جمل يسير إلى بني عمرو بن عوف- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «احبسوا الجمل» ثم رفع رأسه فقال: «اللهم رجل مات و ترك عمته و خالته»، ثم قال في الثانية: «أين السائل؟» ليس لهما شي ء «4». و في حديث آخر: سئل فسار هنيهة ثم قال: «حدثني جبريل عليه السلام: أنه لا ميراث لهما».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بمنع القاتل الميراث و من تأول أنه في قتل العمد
قال أبو محمد بن أبي زيد: لما منع الرسول صلى اللّه عليه و سلم القاتل الميراث بما أحدث من القتل، امتنع أن يكون المريض ما بقي لزوجته من عدّتها شي ء أن يمنعها من الميراث بما أحدث من الطلاق.
قال غيره: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «ليس لقاتل من(1/197)
__________________________________________________
(1) رواه عبد الرزاق رقم (19109) و البيهقي في السنن (6/ 212) مرسلا. و قال ابن التركماني: روى النسائي في سنته عن زيد بن أسلم لا أجد لهما شيئا. و على تقدير صحته معناه أنه لم ينزل عليه فيهما شي ء ثم نزل.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (19111) من حديث صفوان بن سليم. و هو حديث مرسل.
(3) رواه عبد الرزاق في المصنف (19122) عن ابن طاوس. و هو حديث منقطع. و رواه رقم (19124) عن عائشة رضي الله عنها موقوفا و هو أصح.
(4) رواه بنحوه الحاكم في المستدرك (4/ 344) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. و في إسناده عبد الله بن جعفر المدني: ضعيف. أقول: و له شواهد.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:124
الميراث شي ء» «1». قال مالك: إذا قتله خطأ ورث من المال، و لم يرث من الدية، و إذا قتله عمدا لم يرث من المال و لا من الدية.
و أجمع العلماء على أن قاتل العمد لا يرث شيئا من مال المقتول، و لا من ديته، و إنما اختلفوا في قتل الخطأ كما تقدم الذكر.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في وصية مسلم شهد عليه نصراني و في غلام قطعت أذنه و في إقطاع الصلح و فيمن وجد مع امرأته رجلا(1/198)
في تفسير ابن سلام قال الكلبي: كان رجل مولى لبني سهم انطلق في تجارة و معه تميم الداري و رجل آخر، قال- في الدلائل للأصيلي- و هو ابن براء، قال في التفسير: و هما نصرانيان فلما حضر السهمي الموت كتب وصية و جعلها في متاعه، ثم دفعها إليهما فقال: بلّغا هذا أهلي. فانطلقا لوجههما الذي توجها إليه، و فتشا متاع الرجل بعد موته، فأخذا ما أعجبهما منه، ثم رجعا بالمال إلى أهل الميت، فلما فتش القوم المال فقدوا بعض ما خرج به صاحبهم معه، و نظروا في الوصية فوجدوا المال تاما، فكلّموا تميما و صاحبه فقالوا: هل باع صاحبنا شيئا؟ فقالا: لا، فقالوا: هل مرض فطال مرضه فأنفق على نفسه؟ فقالا: لا- علم لنا بما كان في وصيته، و لكنه دفع إلينا المال فبلّغناكموه. فرفعوا الأمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الاية:(1/199)
إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ [المائدة: الاية 106] إلى آخرها. فحلفا عند منبر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم دبر صلاة العصر، ثم خلّى سبيلهما، فاطلع على إناء من فضة منقوش مموّه بذهب عند تميم- قال في الدلائل: وجد بمكة، و قال غيره: بيع بألف درهم، فأخذ تميم خمسمائة، و عدي بن براء خمسمائة- فقالوا: هذا من آنية صاحبنا الذي بدا بها معه، و قد زعمتما أنه لم يبع شيئا و لم يشتره، فقالا: إنا كنا قد اشتريناه و نسينا أن نخبركم به، فرفع أمرهما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه عز و جل: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ [المائدة: الاية 107]. فقام رجلان من أولياء الميت و هما: عبد اللّه بن عمرو، و المطلب بن أبي وداعة فحلفا: أن ما في وصيته حق، و لقد خانه تميم و صاحبه، فأخذ تميم و صاحبه بما وجد في وصيته لما اطلع اللّه عليه من خيانتهما «2».
__________________________________________________
(1) رواه الدارقطني (4/ 96 و 237)، و البيهقي (6/ 22) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. و هو حديث حسن.
(2) رواه بنحوه الترمذي (3059) و قال: هذا حديث غريب. و ليس إسناده بصحيح. من حديث ابن عباس. و انظر ابن كثير (ج/ 1/ 111) باب قوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة: الاية 106].
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:125(1/200)
و في معاني القرآن للزجاج يروي أن رجلا من الأنصار كان يقال له: أبو طعمة سرق درعا و جعله في غرارة من دقيق، و كان فيها خرق فانتثر الدقيق من مكان سرقته إلى منزله، فظن أنه سارق الدرع، و خيض في أمره، فمضى بالدرع إلى رجل من اليهود فأودعها إياه، ثم سار إلى قومه فأعلمهم أنه اتهم بالدرع و اتبع أثرها فعلم أنها عند اليهودي، و أن اليهودي سارقها، فجاء قوم الأنصاري إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسألوه أن يعذره عند الناس، و أعلموه أن اليهودي سرق الدرع، فهم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم أن يعذره فأوحى اللّه إليه و عرّفه قصة الأنصاري أنه خائن و نهاه أن يجادل عنه، و أمره بالاستغفار مما هم به، و أن يحكم بما أنزل اللّه في كتابه. فقال: وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
[النّساء: الاية 107]. يعني أبا طعمة و من عاونه من قومه و هم يعلمون أنه سارق. و يروى أن أبا طعمة هرب إلى مكة و ارتد عن الإسلام، و نقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله «1».
و في مصنف أبي داود: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نصرة عن عمران بن حصين: أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقالوا: يا رسول اللّه انا أناس فقراء. فلم يجعل عليه شيئا «2».
و في كتاب أبي عبيد، قال أبو عبيد: في حديث النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إن أبيض بن جمال المأربي استقطعه ماء الثلج بمأرب فأقطعه إياه، فلما ولّى قال رجل: يا رسول اللّه أتدري ما اقتطعه إنما اقتطعه للماء العدّ. قال: فرجعه منه «3».
و في الموطأ: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم اقتطع لبلال بن الحارث «4» في كتاب ابن سحنون، و ذكره ابن أبي زيد في النوادر: أنها لم تكن خطة لأحد و كانت بفلاة، و قال الأصيلي: هي بقرب المدينة و كانت متملكة.
__________________________________________________
((1/201)
1) ذكره الزجاج في معاني القرآن قوله تعالى وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ و صدّره بقوله يروى و هو علامة ضعف. و ذكره الترمذي بنحوه مطولا رقم (3036) و قال: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن مسلمة الحراني. و روى يونس بن بكير. و غير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة مرسلا.
(2) رواه أبو داود (4590) من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه و إسناده صحيح.
(3) رواه أبو عبيد (684)، و أبو داود (3064)، و الترمذي (1380) في الأحكام و هو حديث حسن بطرقه و شواهده.
(4) رواه مالك في الموطأ (1/ 248)، و أبو داود (3061) في الخراج و الإمارة. و هو حديث مرسل- قال الزرقاني في شرح الموطأ: وصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال ابن الحارث المزني عن أبيه. أقول: قال الذهبي في (الميزان) عن هذا السند في ترجمة الحارث قال أحمد بن حنبل ليس إسناده بالمعروف. و قال المنذري في مختصر سنن أبي داود رقم (2938) و قال أبو عمر. هكذا في الموطأ عن جميع الرواة مرسلا.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:126
و في مصنف أبي داود و الواضحة عن ابن عباس: أن رجلا أتى إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه إن امرأتي لا تمنع يد لامس. فقال: «طلقها»، و في المصنف: «غربها»، فقال: أخاف أن تتبعها نفسي. و في الواضحة: لا أستطيع أن أصبر عنها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «فاستمتع منها» «1». و في حديث سعد بن عبادة أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أقتله أم أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «كفى بالسيف شا»، أراد أن يقول:
شاهدا فأمسك، ثم قال: «لو لا أن يتتابع الغيران و السكران». قال أبو عبيد: التتابع:
التهافت «2».
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الكلاب(1/202)
في أحكام ابن زياد القاضي، و كتب إليه بعض القضاة يسأله عن الكلاب فهّمنا- وفق اللّه القاضي- ما كشف عنه من أمر الكلاب المتخذة في الحضر، فإنها ربما آذت و عقرت و أحدثت من جرح الصبيان ما كان ضررا، و ربما شكى إليك من ذلك، و كثرة الشكوى ممن ابتلى، فكتب إليه: فالذي يجب في ذلك- وفق اللّه القاضي- أن يأمر بقتل الكلاب إلا ما كان لصيد أو زرع أو ماشية، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع أحبط اللّه من أجره قيراطا» «3». و جاء عنه صلى اللّه عليه و سلم أنه أمر بقتل الكلاب «4».
و قد أمر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بقتل الكلاب، فبلغ المأمور بيت امرأة عمياء لها كلب، فأراد قتله فاعترضت المرأة و قالت: إني كما تراني عمياء فهو يطرد عني السباع و يؤذنني بالأذان، فعاد إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأعلمه أمرها، فأمر بقتله، و لم ير لها عذرا فيما اعتذرت به، ثم قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة و من حضر من أهل العلم «5».
__________________________________________________
(1) رواه أبو داود (2049)، و النسائي (6/ 67) و قال النسائي: هذا الحديث ليس بثابت. و ذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب: أقول: ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره في أول تفسير سورة النور. و جوّد إسناده ثم قال: و قد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعّف له كما تقدم عن النسائي و منكر كما قال أحمد. و انظر ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 253) حول هذا الحديث.
(2) رواه أبو داود (4417)، و ابن ماجه (2606) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. و في إسناده ضعف.
(3) رواه البخاري (2322)، و مسلم (1575) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (3323)، و مسلم (1570) و (43)، و ابن ماجه (3202) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
((1/203)
5) رواه البيهقي بنحوه في السنن (6/ 8) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. و إسناده صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:127
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حريم الماء
في النوادر لابن أبي زيد قال ابن نافع: بلغني في حريم البئر العادية خمسون ذراعا، و في البئر البادية خمس و عشرون ذراعا. أخبرنيه ابن أبي ذئب «1» عن ابن شهاب، عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال أشهب: و قد ذكر هذا الحديث عن سفيان، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:
«في حريم بئر الزرع خمسمائة ذراع».
قال ابن شهاب: لا أدري حريم بئر الزرع هو في الحديث، أو من قول سعيد، و ذكر ابن وهب الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، و ذكره في البئر العادية و البئر البادية مثل ما تقدم من نواحيها. و قال: «في بئر الزرع ثلثمائة ذراع من نواحيها» «2».
قال ابن شهاب: و سمعت أنهم يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع، و كان يقال: الأنهار ألف ذراع. و كان بئر الزرع بالناضج ثلاثمائة ذراع، و قال ابن شهاب عمن أدرك من العلماء:
كانوا يقضون في غياض العيون في رفاق من الأرض تسعمائة ذراع، فإن كانت صلبة من الأرض فأربعمائة ذراع و خمسون ذراعا.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال
في الواضحة: و حدثني ابن المغيرة عن سفيان الثوري، عن أبي حصين عن حكيم بن حزام: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث معه بدينار يشتري به له أضحية، فاشتراها بدينار و باعها بدينارين، و اشترى له أضحية أخرى بدينار، فجاء بها و الدينار الفاضل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فتصدق به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و دعا بالبركة في تجارته «3».
قال في غير الواضحة: فلو اشترى ترابا لربح فيه.
و في البخاري في باب سؤال المشركين أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر في كتاب بينات النبوة «4».(1/204)
و في كتاب ابن شعبان: أن عروة البارقي أعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دينارا يشتري له بها أضحية،
__________________________________________________
(1) رواه البيهقي (6/ 155) من حديث سعيد بن المسيب موقوفا عليه.
(2) رواه البيهقي (6/ 156) مرفوعا. و هو حديث مرسل.
(3) رواه البيهقي (6/ 112 و 113) و في إسناده رجل مجهول. و يشهد له حديث عروة الاتي بعده.
(4) رواه البخاري (3636) من حديث عبد الله بن مسعود و (3637) من حديث أنس رضي الله عنه و (3638) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. و هو حديث متواتر.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:128
فاشترى به أضحيتين فباع إحداهما بدينار و جاءه بالدينار و بالأضحية. قال: فدعا له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه «1».
و ذكر ابن شعبان عن حكيم نحوه بخلاف ما وقع في الواضحة عن حكيم، و الأصح عن حكيم ما وقع في الواضحة، و أجمع المسلمون على إجازة الوكالة على تقاضي مال وجب للموكل، أو على دفع مال وجب على دافعه و الأصل في ذلك إرسال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم السعاة لقبض الصدقات، و إرساله الولاة لقبض أموال المسلمين الواجبة لهم، و أن بلالا كان على نفقات رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في معان مختلفة
في البخاري و مسلم أن رجلا اطلع في حجر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم- و في حديث آخر- في حجرة في دار النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، و مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مذرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، قال: «لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينيك، إنما جعل الإذن من قبل البصر» «2». و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «لو أن امرآ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة فقلعت عينه، لم يكن عليك جناح» «3».(1/205)
و ثبت أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم نفى الحكم بن أبي العاصي والد مروان عن المدينة، و صار إلى الطائف حتى قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بقي كذلك مدة خلافة أبي بكر، فلما ولي عمر نفاه أيضا إلى أبعد من المكان الذي كان نفاه إليه أبو بكر، و بقي مدة خلافة عمر، فلما ولي عثمان رده إلى المدينة، فلما دخل عليه قال عثمان: مرحبا بالغريب القريب.
و ذكر المبرد في كتابه الكامل: أن عثمان استأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الحكم في ردّه متى أفضى إليه الأمر. و روى ذلك الفقهاء و ذكر أحمد بن خالد: أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لما تزوج أم سلمة قال لها: «إني أهديت إلى النجاشي حلّة و أواقي مسك، و لا أرى النجاشي إلا قد مات، فإن ردت علي فهي لك»، فكان كما قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، و أعطى أم سلمة باقي المسك و الحلة «4».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (3642)، و أحمد (4/ 376)، و البيهقي (6/ 112). من حديث عروة البارقي رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (5924)، و مسلم (2165)، و الترمذي (2710)، و النسائي (7/ 60 و 61) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (6888 و 2158)، و أبو داود (5172) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه الحاكم (2/ 188) و صححه و قال الحافظ في التلخيص: منكر. و مسلم الزنجي ضعيف. و رواه أحمد (6/ 440)، و ذكره الهيثمي (4/ 147 و 148) و قال: رواه أحمد و الطبراني. و فيه مسلم بن خالد-
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:129
قال أحمد: و في هذا دليل على الرجوع في الهبة إذا لم تقبض، و الرجوع في الصدقة لا يحل لنهي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك.
و وقع في البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه» «1».(1/206)
و وقع أيضا في المدونة و الواضحة و في البخاري و غيره عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في بعث و قال لنا: «إن لقيتم فلانا و فلانا» لرجلين من قريش سماهما «تحرقوهما بالنار»، ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا و فلانا بالنار، و إن النار لا يعذب بها إلا اللّه فإن أخذتموهما فاقتلوهما». و أحد الرجلين: هبار بن الأسود، و الاخر: نافع ابن عبد عمر»
.
و فيما ذكره البزار في مسنده، و ذكره ابن إسحاق في السير: إن اسمه نافع بن عبد شمس الفهري، و كانا قد اتبعا زينب ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد وقعة بدر في خروجها إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلى المدينة من مكة في جملة من قريش تبعوها، فأول من لحقها: هبّار و صاحبه بذي طوى، و هي حامل في هودج على بعير، فنخس هبار البعير فسقطت زينب و ألقت ما في بطنها، و كان حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها أبي العاصي بن الربيع خرج معها يقود بها و معه قوسه و كنانته، فلما أدركوه ترك كنته، و نثر كنانته، ثم قال: و اللّه لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه. و أتى أبو سفيان في جملة من قريش فقال: أيها الرجل كف عني نبلك حتى أكلمك.(1/207)
فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية و قد عرفت مصيبتنا و نكبتنا، و ما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته علانية على رؤوس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا عن معصيتنا التي كانت، و إن ذلك منا عن ضعف و وهن. فو اللّه ما لنا في تخلّيها عن أبيها من حاجة، و ما لنا في ذلك من ثورة، و لكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات و تحدّث الناس: أن قد رددناها، فسلّها سرا، و ألحقها بأبيها، ففعل، فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات، خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة و صاحبه، و كانا قد خرجا معه و كمنا ببعض تلك الشعب، فقدما بها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «3».
و في السير: أول من رمى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الإسلام بالمنجنيق أهل الطائف. دخل نفر من
__________________________________________________
الزنجي وثقه ابن معين و غيره. و ضعفه جماعة. و أم موسى بن عقبة لم أعرفها. و باقي رجاله ثقات من حديث أم كلثوم بنت أم سلمة رضي الله عنها.
(1) رواه البخاري (2589)، و مسلم (1622)، و الترمذي (1289) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) رواه البخاري (2954) معلقا، و (3016) موصولا، و أبو داود (2674)، و الترمذي (1571) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه ابن أبي شيبة (12/ 389)، و ابن عساكر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:130(1/208)
أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون، و تقدم أبو سفيان و المغيرة بن شعبة إلى الطائف فنادى: يا ثقيف أن آمنوا حتى نكلّمكم، فامنوهما فدعا من قريش و بني كنانة ليخرجن إليهما و هما يخافان عليهما السبي فأتين منهن: آمنة بنت أبي سفيان كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة، فلما أتين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: يا أبا سفيان و يا أبا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني الأسود حيث قد علمنا- و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينه و بين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق، إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء، و لا أشد مؤنة، و لا أبعد عمارة من مال بني الأسود، و أن محمدا كان أقطعه لم يعمره أبدا- فكلماه فليأخذه لنفسه، أو ليدعه للّه و الرحم. و أن بيننا و بينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تركه و نزل على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في إقامته- و كان محاصرا بالطائف- عبيد فأسلموا فأعتقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تكلم نفر من أهل الطائف بعد ما أسلموا في أولئك العبيد فقال: «هم عتقاء اللّه» «1».(1/209)
و في البخاري أن مروان و المسور بن مخرمة أخبرا عروة أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قام حين جاء وفد هوازن فسألوه أن يردّ عليهم أموالهم و سبيهم، فقال: «إن معي من ترون و أحب الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال و إما السبي، و قد كنت استأنيت بهم»- و كان النبيّ صلى اللّه عليه و سلم استأنى بهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف- فلما تبين لهم أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: فإنّما نختار سبينا، فقام النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله. ثم قال: «أما بعد: فإن إخوانكم جاؤونا تائبين و إني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، و من أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيئ اللّه علينا فليفعل»، فقال الناس: طبنا، فقال: «إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فأخبروه أنهم طيبوا و أذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن «2».
من الفقه هبة الشي ء للغائب ذكره البخاري، اختلاف العلماء في أوامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نواهيه قال أصحاب الظاهر و بعض أهل الحديث: أوامر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فرض، و نواهيه حرام. جعلوا قوله كالقرآن، و قال آخرون: أوامره على ما تلقاها العلماء فما حملوه على الفرض فهو فرض، و ما حملوه على السنة أو على الندب فهو كذلك، و نواهيه حرام و هذا مذهب أصحاب مالك.
و يؤيد ذلك أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثا قبل أن
__________________________________________________
(1) رواه الطبري (3/ 82)، و ابن هشام (2/ 302 و 303)، و مغازي الواقدي (922)، و ابن سعد (2/ 120).
(2) رواه البخاري (2539 و 2540)، و أبو داود (2693).(1/210)
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:131
يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» «1».
و قال عليه السلام: «من توضأ فليستنثر و من استجمر فليوتر» «2».
و ليس غسل اليدين عند القيام من النوم و الاستنثار بفرض عند أكثر العلماء، و مثل هذا من أوامره عليه السلام كثير ليست فرضا كقوله: «و إذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا و لك الحمد» «3».
و في حديث آخر: «إذا أمن الإمام فأمنوا «4» و إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» «5» و كأمره بإغلاق الباب، و إيكاء السقاء، و إكفاء الإناء و إطفاء المصباح «6».
و كقوله: «أعطوا السائل و لو جاء على فرس» «7».
و كقوله: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين» «8» إنما هي آداب و رغائب: و أن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قد قال: «إذا أمرتكم بأمر أو قال بشي ء فأتوا منه ما استطعتم و إذا نهيتكم عن شي ء فانتهوا عنه كله» «9».
و مما يؤيد مذهب مالك- رحمه اللّه- أن أوامر النبيّ صلى اللّه عليه و سلم على ما تلقاها الصحابة- رضي اللّه عنهم- ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره»، ثم
__________________________________________________
(1) رواه أحمد (2/ 241)، و مسلم (278)، و الترمذي (24)، و ابن ماجه (393) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد (2/ 401)، و البخاري (161)، و مسلم (237 و 22)، و ابن ماجه (409)، و أبو داود (140)، و ابن حبان (1438) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه أحمد (2/ 459)، و البخاري (796 و 3228)، و مسلم (409)، و أبو داود (884)، و الترمذي (267)، و ابن حبان (1907) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (780)، و مسلم (409 و 410)، و أبو داود (934 و 935)، و الترمذي (250) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
((1/211)
5) رواه مسلم (384)، و أبو داود (523)، و ابن خزيمة (418)، و ابن حبان (1691) من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(6) رواه البخاري (3280)، و مسلم (2012)، و أبو داود (3731) و (3732)، و الترمذي (1863) من حديث جابر رضي الله عنه.
(7) رواه مالك (996) من حديث زيد بن أسلم. و هو مرسل و رواه ابن عدي في الكامل (4/ 187) في ترجمة عبد الله بن زيد بن أسلم. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و في إسناده عبد الله بن زيد بن أسلم ضعيف. و ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال رقم (6250) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و في إسناده عمر بن يزيد الأزدي منكر الحديث كما قال ابن عدي. و للحديث شواهد فهو بها حسن.
(8) رواه مسلم (2097)، و الموطأ (2/ 916)، و أبو داود (4139) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9) رواه أحمد (2/ 482)، و النسائي (5/ 110) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:132
يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، و اللّه لأرمين بها بين أظهركم «1»، و أمره عليه السلام: بغسل الجمعة و لم يتلق ذلك الصحابة على الفرض.
و نهيه عن الخليطين «2»، و نهيه عن القران في التمر «3»، و عن الأكل من رأس الثريد، و عن التعريس على الطريق «4»، و شبه ذلك من نواهيه عليه السلام.
و مما تلقاه العلماء على التحريم من نواهيه عليه السلام: نهيه عن الذهب بالفضة إلى أجل «5».
و نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها «6»، و نهيه عن بيع الطعام حتى يستوي، و عن بيع ما في البطون «7»، و عن بيع العربون «8»، و عن بيع المزابنة، و عن المحاقلة و المخابرة «9»، و نهيه عن أن تصبر البهائم «10»، و عن المثلة «11»، و عن التحريش بين البهائم «12»، و عن تعبير النجوم، و عن التصاوير إلا ما كان رقما في ثوب. و عن صيام يوم الفطر و الأضحى «13» و الشك «14»، و غير ذلك كثير.(1/212)
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (2463)، و مسلم (1609)، و أبو داود (3634) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (5601)، و مسلم (1986)، و أبو داود (3703) من حديث جابر رضي الله عنهما بلفظ (نهى رسول الله صلى اللّه عليه و سلم عن الزبيب و التمر و البسر و الرطب أن يجمع).
(3) رواه البخاري (2489)، و مسلم (2045)، و أبو داود (3834) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) رواه مالك في الموطأ (2/ 979) و هو حديث مرسل. قال الزرقاني في شرح الموطأ- قال ابن عبد البر. هذا الحديث مسند من وجوه كثيرة. و هي أحاديث شتى محفوظة. أقول: و للحديث شواهد منها ما رواه مسلم رقم (1926) في الإمارة.
(5) رواه البخاري (2180)، و مسلم (1589) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه بلفظ (نهى رسول الله صلى اللّه عليه و سلم عن بيع الذهب بالورق دينا).
(6) رواه البخاري (2183)، و مسلم (1534) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(7) رواه البيهقي (5/ 338). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. و إسناده ضعيف.
(8) رواه مالك في الموطأ (2/ 609)، و أبو داود (3502)، و ابن ماجه (2192) قال الحافظ في التلخيص (3/ 17): و فيه راو لم يسم و سمي في رواية ضعيفة لابن ماجه (2193) عبد الله بن عامر الأسلمي. و قيل ابن لهيعة. و هما ضعيفان.
(9) رواه البخاري (2186)، و مسلم (1546) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(10) رواه البخاري (5513)، و مسلم (1956) من حديث أنس رضي الله عنه.
(11) رواه البخاري (2474) من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه.
(12) رواه أبو داود (2562)، و الترمذي (1708) من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما و إسناده ضعيف.
(13) رواه ابن ماجه (1731) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
((1/213)
14) رواه الترمذي (686)، و النسائي (4/ 153)، و ابن خزيمة (1914) من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه. و هو حديث صحيح.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:133
و مما اختلفوا فيه: نهيه عن الشغار «1»، و نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع «2»، و عن الوصال «3»، و عن اشتمال الصماء «4»، و عن المتعة «5»، و عن تلقي الركبان للبيع»
، و عن الحكرة «7»، و عن ثمن الكلب «8»، و عن الانتباذ في الدباء و المزفت «9». فتلقاه أكثرهم على التحريم إلا اشتمال الصماء إذا كان عليه ثوب فهو أخف، و أختلف فيه قول مالك: فإن لم يكن عليه ثوب آخر فهو حرام لأن فيه انكشاف العورة، و يبينه نهيه عليه السلام عن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شي ء.
و في البخاري في كتاب البيوع عن أبي هريرة قال: نهى عن لبستين: عن اشتمال الصماء، و عن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ثم يرفعه على منكبيه «10».
و نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية «11»، قال عبد اللّه بن أبي أوفى فقلنا: إنما نهى عليه السلام عنها لأنها لم تخمّس، و قال آخرون حرّمها البتة، و سألت سعيد بن جبير فقال: حرّمها البتة. ذكره البخاري في كتاب الجهاد.
(نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم)
محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري (5112)، و مسلم (1415 و 57)، و أبو داود (2074)، و ابن ماجه (1883) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) رواه مسلم (1934)، و البغوي (2795)، و ابن حبان (5280) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) رواه البخاري (1963)، و أبو داود (2361) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
((1/214)
4) رواه البخاري (367)، و مسلم (1512)، و النسائي (8/ 210) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (4216)، و مسلم (1407 و 29)، و النسائي (6/ 126) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري (2165)، و مسلم (1517)، و أبو داود (3436) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(7) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 135) في ترجمة الربيع بن حبيب من حديث علي رضي الله عنه و في إسناده الربيع بن حبيب- قال النسائي: منكر الحديث.
(8) رواه البخاري (5346)، و مسلم (1567)، و أبو داود (3421) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
(9) رواه البخاري (5594)، و مسلم (1994) من حديث علي رضي الله عنه.
(10) رواه البخاري (2145)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11) رواه البخاري (5521)، و مسلم (561)، و النسائي (7/ 203) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:134
قال الفاكهي «1»: البيت الذي ولد فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمكة كان في دار محمد بن يوسف أخي الحجاج، فلم يزل على حاله حتى قدمت أم الخليفتين موسى و هارون و هي الخيزران فجعلته مسجدا يصلّى فيه، و أخرجته من الدار.
و ذكر بعض المكيين: أن ناسا سكنوا هذا البيت ثم انتقلوا منه فقالوا: و اللّه ما أصابتنا فيه جائحة و لا حاجة، فلما خرجنا منه اشتد علينا الزمان.
قال عبد اللّه بن العباس: بعثني أبي العباس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فبت عنده، فسمعته يدعو:(1/215)
اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، و تجمع بها شملي، و تلم بها شعثي، و ترد بها الفتن عني، و تصلح بها حالي، و تحفظ بها غائبي، و ترفع بها شاهدي، و تبيض بها وجهي، و تزكي بها عملي، و تلهمني بها رشدي، و تعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيمانا صادقا، و يقينا ليس بعده كفر، و رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا و الآخرة، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء، و نزل الشهداء و عيش السعداء، و مرافقة الأنبياء، و النصر على الأعداء «2».
ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الإثنين بمكة، لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول عام الفيل يوم عشرين من نيسان، و نبئ يوم الإثنين و هو ابن أربعين سنة. قاله مالك و غيره من أهل العلم.
قال البرقي محمد بن عبد اللّه بن عبد الرحيم و يقال: أنزل عليه القرآن و هو ابن ثلاث و أربعين سنة.
قال مالك توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، و هو ابن ستين سنة. رواه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس «3».
و ذكر البخاري عن عروة عن عائشة: أنه توفي صلى اللّه عليه و سلم ابن ثلاث و ستين سنة. أقام بمكة خمس عشرة سنة، و بالمدينة عشرا «4». و زاد ابن عبد البر في كتاب التمهيد: أن الوليد بن مسلم روى عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يوم سابعه، و جعل له مأدبة و سماه محمدا. و فيما روي عن ابن وضاح فقالت قريش: لم سميته محمدا و تركت اسمك و أسماء آبائك؟ فقال: ليحمده أهل السموات و الأرض.
__________________________________________________
(1) الفاكهي- هو أبو محمد الفاكهي- عبد الله بن محمد بن العباس المكي. صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة- كان أسند من بقي بمكة توفي رحمه الله سنة ثلاث و خمسين و ثلاثمائة ه.
((1/216)
2) رواه الترمذي (3419) في الدعوات مطولا بنحوه. و قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلى من هذا الوجه. و ابن خزيمة (1119) و في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيّى ء الحفظ جدا. كما قال الحافظ.
(3) رواه مالك في الموطأ (1925) من حديث أنس رضي الله عنه و هو حديث صحيح.
(4) رواه البخاري (4466)، و الترمذي (3654) من حديث عائشة رضي الله عنها.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:135
(ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم) و من غسله ولحده
في الموطأ و غيره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كفّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص و لا عمامة، و يقال أحدهما حبرة «1» ذكره ابن أبي زيد في النوادر، و سحول قرية من قرى اليمن.
و قالت عائشة: أحدها الثوب الذي مرّض فيه- رواه ابن مفرّح عن أبي منصور محمد بن سعد عن سفيان بن موسى عن أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة- و إنهم لما أرادوا غسله أرادوا أن ينزعوا القميص الذي كان عليه، فسمعوا صوتا: لا تنزعوا القميص.
فغسل و هو عليه «2».
و في الواضحة و غيرها: أن الزهري روى عن سعيد بن المسيب: أن الذين غسلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أدخلوه في قبره: و علي بن أبي طالب، و الفضل بن العباس، و شقران مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و اسم شقران صالح، و قال الشعبي: الرابع عبد الرحمن بن عوف، و قال موسى ابن عقبة: الرابع أسامة بن زيد «3».(1/217)
و في السير لابن هشام أن علي بن أبي طالب، و العباس، و الفضل بن العباس، و قثم بن العباس، و أسامة بن زيد، و شقران، مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هم تولوا غسله. و أن علي بن أبي طالب أسنده إلى صدره، و العباس و الفضل وقثم يقلبونه معه، و أسامة و شقران يصبان الماء عليه، و علي يغسله و عليه قميص يدلكه به من ورائه لا يفضي يده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و علي يقول: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه ما أطيبك حيا و ميتا. و غسل من بئر لسعيد بن جثامة بقباء يقال لها: بئر القدس «4».
و قال ابن إسحاق: و كفّن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في ثوبين صحاريين و برد حبرة أدرج فيها إدراجا «5».
و في الموطأ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم توفي يوم الإثنين، و دفن يوم الثلاثاء، و صلى الناس عليه أفرادا لا يؤمهم أحد فقال ناس: يدفن عند المنبر، و قال آخرون: بالبقيع، فجاء أبو بكر فقال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: «ما دفن نبيّ قط إلا في مكانه الذي توفي فيه». فحفر له و كان
__________________________________________________
(1) رواه مالك (1/ 399) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه مالك (971) و إسناده صحيح.
(3) رواه ابن سعد (2/ 212) و هو حديث مرسل.
(4) ذكره ابن هشام (ج/ 2/ 662)- و قال: و قال ابن اسحق. و ذكره بدون سند.
(5) ذكره ابن هشام (2/ 663) و ذكره بدون سند.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:136
بالمدينة رجلان أحدهما يلحد و الاخر لا يلحد فقالوا: أيهما جاء أولا عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «1».
و في غير الموطأ: الذي يلحد أبو طلحة الأنصاري، و الذي لا يلحد أبو عبيدة بن الجراح.(1/218)
و في السير: فرفع فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحفر له تحته ثم دخل الناس على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلون عليه أرسالا: الرجال حتى فرغوا، ثم دخل النساء حتى إذا فرغ النساء دخل الصبيان، ثم دفن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «2».
و في مختصر ابن أبي زيد في آخر كتاب الجامع قال ابن عقبة: توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و شرف و كرم في بيت عائشة و في يومها و على صدرها حين اشتد الضحى.
قال مالك يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول و دفن يوم الثلاثاء، و قيل: دفن حين زاغت الشمس، و غسله العباس و علي و الفضل بن العباس و شقران مولاه، و يقال صالح مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نزلوا في حفرته و يقال: و معهم أسامة و أوس بن خولة، و بدأ وجعه في بيت ميمونة ابنة الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر صفر، ثم انتقل إلى عائشة فمرّض عندها حتى مات صلى اللّه عليه و سلم. و صلى أبو بكر بالناس في مرضه بأمره عليه الصلاة و السلام سبع عشرة صلاة، و في كتاب الاجري تسعة أيام.
__________________________________________________
(1) رواه مالك (972) و هو حديث مرسل.
(2) ذكره ابن سعد (2/ 220)، و ابن هشام (2/ 663).
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:137
[مصادر الكتاب و أسانيده ]
قال الفقيه أبو عبد اللّه محمد بن فرج- أكرمه اللّه-: الذي حملني على جمع هذا الكتاب أنني وجدت لأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند- رحمه اللّه- كتابا من تصنيفه ترجمه بكتاب:(1/219)
أقضية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لم يذكر فيه إلا أقضية قليلة و هو كتاب صغير، و رأيت فيما روى أبو محمد الباجي عن أحمد بن خالد عن ابن وضاح قال: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: نظرنا فيما قضى فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أمر بالقضاء فيه فلم نجده إلا نحو مائة حديث. فرأيت أن أتتبع أقضيته صلى اللّه عليه و سلم تبركا بها و محبة فيها، حرصا على الاقتداء بها، و وقوفا عند أوامره و نواهيه لقول اللّه تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: الاية 7]، و قال اللّه تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النّور: الاية 63].
فاستخرجتها من موطأ ابن أنس رحمه اللّه، و تفسير ابن سلام، و معاني الزجاج، و النحاس، و المفضل، و الأحكام لإسماعيل القاضي، و الهداية لمكي، و من مصنف البخاري، و كتاب مسلم، و مصنف عبد الرزاق، و مصنف أبي داود، و مصنف النسائي، و مسند أبي شيبة، و مسند البزار، و السير لابن هشام، و شرح الحديث لأبي عبيد، و للخطابي، و الكامل، و المدونة، و مختصر المدونة، و المستخرجة، و الواضحة، و النوادر، و كتاب ابن شعبان، و الدلائل للأصيلي، و أحكام ابن زياد، و تاريخ ابن أبي خيثمة، و شرف المصطفى، و كتاب الأموال لأبي عبيد، و كتاب الأموال لإسماعيل القاضي، و كتاب محمد بن نصر المروزي، و تفسير الموطأ لابن مزين، و للداودي، و للقنازعي. فذلك أربعة و ثلاثون ديوانا و الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على سيدنا محمد خاتم النبيين و سلم تسليما.
فما وقع فيه من الموطأ فحدثني به القاضي بقرطبة يونس بن عبد اللّه بن مغيث، عن أبي عيسى يحيى بن عبد اللّه بن أبي عيسى، عن عمه، عن أبيه عبيد اللّه بن يحيى، عن أبيه يحيى بن يحيى، عن مالك.(1/220)
و حدثني بمصنف النسائي القاضي يونس المذكور عن القرشي أبي بكر محمد بن معاوية المعروف بابن الأحمر، عن النسائي أحمد بن شعيب.
و حدثني بمصنف البخاري أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن عابد، عن أبي محمد عبد اللّه ابن إبراهيم الأصيلي، عن أبي زيد محمد بن أحمد المروزي، عن أبي عبد اللّه محمد بن يوسف العزبري، عن أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري.
و حدثني بكتاب مسلم الفقيه المقرى ء أبو محمد مكي بن أبي طالب، عن أبي العباس
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:138
أحمد بن محمد بن زكريا النسوي، عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن أبي الحسين مسلم بن الحجاج.
و حدثني بمصنف أبي داود أبو محمد الفقيه عبد اللّه بن الوليد الأندلسي القرطبي بمصر إجازة سيقت لي من عنده. قال: حدثني أبو موسى عيسى بن حنيف القروي بالقيروان، عن أبي بكر محمد بن راسة، عن أبي داود.
و حدثني بمصنف عبد الرزاق أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن عابد، عن القاضي أبي عبد اللّه محمد بن مفرج قاضي مانقه، عن القاضي بصنعا عبد الأعلى بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم بن عباد الديري قال: قرأنا على عبد الرزاق بن همام.
و حدثني بمسند ابن أبي شيبة الفقيه أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي، عن أحمد بن محمد المقرى ء الطلمنكي، عن ابن عون اللّه عن قاسم بن أصبغ، عن ابن وضاح، عن عبد اللّه ابن محمد بن أبي شيبة بن أبي بكر.
و حدثني بمسند البزار الفقيه المذكور حاتم بن محمد الطلمنكي بن مفرج القاضي المعافري، عن الصموت، عن البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق.(1/221)
و حدثني بالسير لابن هشام: أبو محمد بن الوليد المذكور، عن أبي محمد عبد اللّه بن محمد القروي اللمامي، عن عبد اللّه بن جعفر بن الوليد، عن عبد الرحيم البري، عن ابن هشام، و حدثني ابن الوليد المذكور بغريب الحديث لأبي عبيد، عن الحسن بن إبراهيم عن أبي بكر أحمد بن أبي الموت المكي، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد القاسم بن سلام.
و حدثني بمعاني الزجاج عن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بالكسائي قال: قرأت على أبي الحسن أحمد بن محمد الحسين المقرى ء البغدادي قال: قال أبو إسحاق: قال أبو العباس:
و حدثني بها أيضا أبو علي السنوي عن الزجاج.
و حدثني ابن الوليد بمعاني النحاس، عن أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي، عن أبي بكر محمد بن علي الأدفوي عن النحاس.
و حدثني بكتاب الأموال لإسماعيل القاضي، عن ابن عمر أحمد بن محمد بن سعد عن الأبهري محمد بن عبد اللّه عن أبي عمر القاضي، عن إسماعيل القاضي.
و حدثني بكتاب ابن شعبان أبو عمر و أحمد بن محمد بن جمهور المرشاي، عن محمد بن أحمد الوشا، عن ابن شعبان.
و حدثني بكتاب الشرف: أبو عمرو المذكور، عن مؤلفه أبي سعيد عبد الملك ابن أبي عثمان النيسابوري. و حدثني بالمدونة: الشيخ أبو علي الحداد الحسن بن أيوب عن محمد بن عبدون، عن ابن وضاح، عن سحنون.
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:139
و حدثني بالمستخرجة الفقيه أبو المطرف عبد الرحمن بن سعد بن جريج عن ابن أبي مزين عن أبي إبراهيم عن أبي لبابة محمد بن عمر عن محمد بن أحمد العتبي.
و حدثني أيضا ببعض المستخرجة القاضي يونس بن عبد اللّه عن أبي عيسى يحيى بن عبد اللّه بن أبي عيسى عن محمد بن عمر بن لبابة العتبي، و هي عندي إجازة عن مكي المقرى ء عن ابن أبي زيد، عن أبي بكر بن محمد بن اللباد، عن يحيى بن عبد العزيز عن العتبى محمد بن أحمد.
و حدثني بمختصر ابن أبي زيد مكي المقرى ء عن ابن أبي زيد عبد اللّه بن محمد.(1/222)
و حدثني بتاريخ ابن أبي خيثمة معاوية بن محمد عن ابن بابل عن قاسم بن أصبغ، عن ابن أبي خيثمة.
و حدثني أيضا بكتاب الخطابي عن الأسفاقسي عن الخطابي.
و حدثني بالواضحة مكي بن أبي طالب عن ابن أبي زيد عبد اللّه بن محمد بن مسرور، عن يوسف بن يحيى المعامي عن عبد الملك بن حبيب.
فهذا ما انتهى إليّ من أسانيدهم و روايتهم على حسب الاجتهاد و اللّه الموفق لا رب غيره و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله و عترته الطاهرين و سلم تسليما.
و قد وقع الفراغ من كتابته في ليلة الجمعة الحادي و العشرين من شهر رجب الفرد الحرام من شهور سنة ست و ستين و مائتين و ألف من هجرة سيدنا خير البرية عليه أفضل صلاة و أكمل تحية. كتبه بيده الفانية أضعف العباد و أحوجهم إلى غفران ربه في المعاد العبد الفقير: عبد اللّه ابن عمر بن مصطفى بن إسماعيل بن العارف القدسي الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي غفر اللّه له ذنوبه، و ستر عيوبه و لوالديه و للمسلمين حامدا و مصليا و الحمد للّه رب العالمين. و قد وقع تكملة هذا الكتاب على يد الفقير عبد الغني عبد الفتاح، و ذلك في غرة محرم الحرام سنة 1328 غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المسلمين آمين.
تم بحمد اللّه تحقيق هذا الكتاب و تخريج أحاديثه على يد العبد الفقير للّه طالب العواد غفر اللّه له و لوالديه و للمؤمنين يوم يقوم الحساب و الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:141
المحتويات
ترجمة المؤلف 5 «باب حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المحاربين من أهل الكفر» 10
«باب كيف يساق القاتل إلى السلطان و كيف يقرره على القتل» 11
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن قتل أحدا بحجر» 13
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن ضرب امرأة حاملا فطرحت جنينها» 13
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في القسامة فيمن لم يعرف قاتله» 14
«(1/223)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن تزوج امرأة أبيه» و إرساله عليّ بن أبي طالب إلى ابن عم مارية ليقتله إن وجده عندها، فوجده مجبوبا لا ذكر له فتركه 16
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في القتيل يوجد بين قريتين» 17
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالقصاص بالجرح» 17
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السن و ما لم ير فيه قصاصا» 17
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيمن أقر بالزنا و هو محصن» 18
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على اليهود بالرجم في الزنا» 19
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نقض الصلح الحرام و إقامة الحد على الزاني البكر و على المريض و صفة السوط 21
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حد القذف و الخمر و ما روي عنه في اللواط 22
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السارق يسرق مرارا» 24
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، و في الساحر كيف يقتل 26
كتاب الجهاد 28 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أول قتيل قتل من المشركين و أول غنيمة 28
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الجاسوس» 29
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأسرى و ذكر من قتله النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بيده و في الأسير يقتل على غلط 30
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قريظة و النضير ورد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ 34
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان عام الفتح 38
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:142
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السهمان و سهمان الغائب و ما تعطى المرأة من الغنيمة 43
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالسلب للقاتل يوم حنين، و هل تخمس الأسلاب 47
«(1/224)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه و أسلم عليه المشركون 49
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما أهدى إليه معاهد أو حربي 50
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قسمة ما أفاء اللّه عليه على حسب ما رآه، و إباحة أكل شحوم المشركين 51
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أموال بني النضير و قسمة خيبر. و قد تقدم بعض خبرهم 53
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرسول ألايقتل و الوفاء بالعهد للكفار و ما نزل في ذلك من القرآن 55
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان و في أمان المرأة 56
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجزية بأمر اللّه عز و جل و مقدارها و ممن تقبل و ممن لا يقبل منه إلا الإسلام 58
كتاب النكاح 61 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها 61
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول 62
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى و في نفقة المطلقة وعدتها و سكناها 63
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» للزوجة بالنفقة على زوجها و هو غائب و كيف تكون الخدمة عليهما جميعا 64
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصداق و أقل ما يكون و ذكر صداق بناته و زوجاته عليه السلام. 65
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي اللّه عنها 66
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المجوسي يسلم و المرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم 67
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المعترض و نكاح المتعة 67
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاحه ميمونة 68
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في القسم بين الزّوجات 69
«(1/225)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرضاع بشهادة امرأة واحدة 69
كتاب الطلاق 71 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في طلاق الحائض 71
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:143
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الخلع 73
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمة تعتق تحت زوج 73
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها و الزوج منكر 74
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التخيير 74
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في يمينه فيمن حرم ملك اليمين 75
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق. 77
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحضانة و أن الأم أحق بالولد و أن الخالة بمنزلة الأم 77
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الظهار و بيان ما أنزل اللّه عز و جل فيه 78
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللعان و إلحاق الولد بأمه 79
كتاب البيوع 81 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السلم و الربا و بيع النخل إذا أبرت و اختلاف المتبايعين و الخيار. 81
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التلقي و المصراة و الرد بالعيب و إن الغلّة بالضمان 84
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التفليس و موت المبتاع قبل دفع الثمن و من اشترى سرقة و هو لا يعلم 85
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجوائح و ما روي عنه فيها 86
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن يخدع في البيوع و العهدة و الرهن في الطعام إلى أجل و كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شراه من العدّاء 87
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالجمع بين الأم و ولدها و حكمه في بيع و شرط و استيجار دليل مشترك 89(1/226)
كتاب الأقضية 91 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحقوق بالظاهر و باليمين على المدعى عليه عند عدم البينة و في المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة و يتكافيان و كيف يحلف المسلم و الكافر 91
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في كيفية يمين الحالف 93
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في إحياء الموات و قسمة الماء و ضمان الطبيب و من كسر صحفة و الحكم في عقد الخص 94
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الشفعة 96
(2) القسمة و المزارعة 97
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المساقاة و الصلح و المرفق و حريم النخل 98
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:144
كتاب الوصايا 101 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوصية و أنها مقصورة على الثلث 101
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأحباس 102
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصدقة و الهبة و الثواب عليها و العمرى 103
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المشبهات 107
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في العتق و الوصية بالقرعة و حكم ذات الزوج و التدبير و أمهات الأولاد و الكتابة 108
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في عتق من مثّل به أو لطم وجهه 111
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللقطة 112
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن قال حائطي صدقة في سبيل اللّه إنه على الأقارب و توقيف مال الغائب و التوكيل على القسمة 113
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الودائع و الأمانات 114
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ضمان العارية التي يغلب عليها 115
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المواريث 117
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالولد للفراش و من استلحق بعد موت أبيه 120
«(1/227)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بإثبات علم الفاقة و تجويز حكم علي رضي اللّه عنه في ذلك 121
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ميراث ذوي الأرحام 123
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بمنع القاتل الميراث و من تأول أنه في قتل العمد 123
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في وصية مسلم شهد عليه نصراني و في غلام قطعت أذنه و في إقطاع الصلح و فيمن وجد مع امرأته رجلا 124
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الكلاب 126
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حريم الماء 127
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال 127
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في معان مختلفة 128
(نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) 133
(ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم) 135
و من غسله و لحده 135
[مصادر الكتاب و أسانيده ] 137 رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حد القذف و الخمر و ما روي عنه في اللواط 22
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في السارق يسرق مرارا» 24
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن سبه من مسلم أو ذمي أو حربي، و في الساحر كيف يقتل 26
كتاب الجهاد 28 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أول قتيل قتل من المشركين و أول غنيمة 28
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في الجاسوس» 29
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأسرى و ذكر من قتله النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بيده و في الأسير يقتل على غلط 30
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قريظة و النضير ورد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حكم قريظة إلى سعد بن معاذ 34
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان عام الفتح 38
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:142
«(1/228)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السهمان و سهمان الغائب و ما تعطى المرأة من الغنيمة 43
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالسلب للقاتل يوم حنين، و هل تخمس الأسلاب 47
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ثم ظهروا عليه و أسلم عليه المشركون 49
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيما أهدى إليه معاهد أو حربي 50
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في قسمة ما أفاء اللّه عليه على حسب ما رآه، و إباحة أكل شحوم المشركين 51
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في أموال بني النضير و قسمة خيبر. و قد تقدم بعض خبرهم 53
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرسول ألايقتل و الوفاء بالعهد للكفار و ما نزل في ذلك من القرآن 55
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمان و في أمان المرأة 56
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجزية بأمر اللّه عز و جل و مقدارها و ممن تقبل و ممن لا يقبل منه إلا الإسلام 58
كتاب النكاح 61 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها 61
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول 62
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى و في نفقة المطلقة وعدتها و سكناها 63
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» للزوجة بالنفقة على زوجها و هو غائب و كيف تكون الخدمة عليهما جميعا 64
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصداق و أقل ما يكون و ذكر صداق بناته و زوجاته عليه السلام. 65
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي اللّه عنها 66
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المجوسي يسلم و المرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم 67
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المعترض و نكاح المتعة 67
«(1/229)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في نكاحه ميمونة 68
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في القسم بين الزّوجات 69
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الرضاع بشهادة امرأة واحدة 69
كتاب الطلاق 71 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في طلاق الحائض 71
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:143
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الخلع 73
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأمة تعتق تحت زوج 73
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها و الزوج منكر 74
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التخيير 74
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في يمينه فيمن حرم ملك اليمين 75
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها بعد زوج أنها على بقية الطلاق. 77
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحضانة و أن الأم أحق بالولد و أن الخالة بمنزلة الأم 77
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الظهار و بيان ما أنزل اللّه عز و جل فيه 78
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللعان و إلحاق الولد بأمه 79
كتاب البيوع 81 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في السلم و الربا و بيع النخل إذا أبرت و اختلاف المتبايعين و الخيار. 81
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التلقي و المصراة و الرد بالعيب و إن الغلّة بالضمان 84
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في التفليس و موت المبتاع قبل دفع الثمن و من اشترى سرقة و هو لا يعلم 85
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الجوائح و ما روي عنه فيها 86
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن يخدع في البيوع و العهدة و الرهن في الطعام إلى أجل و كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شراه من العدّاء 87
«(1/230)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالجمع بين الأم و ولدها و حكمه في بيع و شرط و استيجار دليل مشترك 89
كتاب الأقضية 91 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الحقوق بالظاهر و باليمين على المدعى عليه عند عدم البينة و في المتداعيين يقيم كل واحد منهما بينة و يتكافيان و كيف يحلف المسلم و الكافر 91
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في كيفية يمين الحالف 93
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في إحياء الموات و قسمة الماء و ضمان الطبيب و من كسر صحفة و الحكم في عقد الخص 94
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الشفعة 96
(2) القسمة و المزارعة 97
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المساقاة و الصلح و المرفق و حريم النخل 98
أقضية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ،ص:144
كتاب الوصايا 101 «حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوصية و أنها مقصورة على الثلث 101
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الأحباس 102
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الصدقة و الهبة و الثواب عليها و العمرى 103
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المشبهات 107
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في العتق و الوصية بالقرعة و حكم ذات الزوج و التدبير و أمهات الأولاد و الكتابة 108
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في عتق من مثّل به أو لطم وجهه 111
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في اللقطة 112
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» فيمن قال حائطي صدقة في سبيل اللّه إنه على الأقارب و توقيف مال الغائب و التوكيل على القسمة 113
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الودائع و الأمانات 114
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ضمان العارية التي يغلب عليها 115
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في المواريث 117
«(1/231)
حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بالولد للفراش و من استلحق بعد موت أبيه 120
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بإثبات علم الفاقة و تجويز حكم علي رضي اللّه عنه في ذلك 121
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في ميراث ذوي الأرحام 123
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» بمنع القاتل الميراث و من تأول أنه في قتل العمد 123
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في وصية مسلم شهد عليه نصراني و في غلام قطعت أذنه و في إقطاع الصلح و فيمن وجد مع امرأته رجلا 124
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الكلاب 126
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في حريم الماء 127
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال 127
«حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم» في معان مختلفة 128
(نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم) 133
(ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى اللّه عليه و سلم) 135
و من غسله و لحده 135
[مصادر الكتاب و أسانيده ] 137(1/232)