كتاب
أقصى الأماني
في
علم البيان والبديع والمعاني
تأليف
زكريا الأنصاري
تحقيق
الدكتور جميل عويضة
2009م
زكريا الأنصاري ، وحياته العلمية
أولا : سيرته الذاتية
أ ـ اسمه ونسبه .
هُوَ زين الدين أبو يَحْيَى زكريا بن مُحَمَّد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي السنيكي ، ثُمَّ القاهري الأزهري الشَّافِعيّ .
والأنصاري : نِسْبَة إلى الأنصار، وهم أهل المدينة من الأوس والخزرج.
والخزرجي: نِسْبَة إلى الخزرج، أحد شطري الأنصار، وهم بطون عدة .
والسنيكي : نِسْبَة إلى " سُنَيْكَة " – بضم السين المُهْمَلَة ، وفتح النون ، وإسكان الياء المثناة من تَحْتُ ، وآخرها تاء التأنيث ، وَهِيَ قَرْيَة بمصر من أعمال الشرقية ، بَيْن بلبيس والعباسية ، والأكثر عَلَى نسبته هكذا – بإثبات الياء –وَهُوَ مخالف لقواعد الصرف إذ الصَّوَاب في النسبة: السُّنَكِي. قَالَ ابن عقيل (1) : ويقال في النسب إلى فُعَيْلَة : فُعَلِيّ – بحذف الياء – إن لَمْ يَكُنْ مضاعفاً ، فتقول في جُهَيْنَةَ: جُهَنِيّ. وذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أنه كَانَ يكره النسبة إلى تِلْكَ البلدة .
القاهري : نِسْبَة إلى مدينة القاهرة.
الأزهري : نِسْبَة إلى الجامع الأزهر .
ب ـ ولادته
__________
(1) شرح ابن عقيل 2/497(1/1)
لَمْ تكن ولادة الْقَاضِي زكريا محل اتفاق بَيْن المؤرخين ، وإنما تطرق إليها الخلاف كَمَا تطرق لغيرها ، فالسيوطي – عصريه وصديقه – يؤرخ ولادته في سنة 824 ه، عَلَى سبيل الظن والتقريب ، فَقَالَ : ولد سنة أربع وعشرين تقريباً ، وأما السخاوي والعيدروسي (1) فيجزمان أن ولادته كَانَتْ في سنة 826ه، وتابعهما في هَذَا : ابن العماد الحنبلي (2) ، والشوكاني (3) ، والزبيدي ، وعمر رضا كحالة ، في حِيْنَ أن الغزي (4) يتردد في تحديد ولادته بَيْن سنة 823هوسنة 824 ه، وإن كَانَ صدَّر كلامه بالأولى ، ونقله من خطِّ والده الذي كَانَ أحد تلامذة الْقَاضِي زكريا.
وتفرد الأستاذ خير الدين الزركلي (5) بالجزم بأنها كَانَتْ سنة 823 ه .
وهكذا نجد أن ولادة الْقَاضِي زكريا الأنصاري – في أقوال المؤرخين – كَانَتْ دُوْلَة بَيْن أعوام ثلاثة – بصرف النظر عَنْ القائلين بِهَا – وَهِيَ 823 هو824 هو 826 ه، ولا مرجح عندنا لأحدها نجزم بِهِ أو نرجحه ، والعلم عِنْدَ الله تَعَالَى
ج ـ أسرته
لَمْ تسعفنا المصادر بالكثير عَنْ أسرته ، وإنما كَانَتْ نتفاً وإشارات استطعنا أن نستشف مِنْها شيئاً قليلاً، يساعدنا في تكوين فكرة واضحة عَنْ أسرة المترجم .
أمَّا والده فكل مَا نعرفه عَنْهُ أنه مات والمترجم لا يزال طفلاً ، وَلَمْ يترك إلاَّ امرأة أرملة وولداً يتيماً ، يقاسيان مشاق الحياة التي لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دور في تحريك دفة أحداثها .
__________
(1) تاريخ النور السافر ، ص 112
(2) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8/134
(3) البدر الطالع 1/252
(4) الكواكب السائرة 1/196
(5) الأعلام 3/46(1/2)
وأما أمُّه فيمكننا القَوْل إنَّ مَا حازه المترجم من المجد والفخار إنما كَانَ – بَعْدَ رعاية الله – بحسن تصرفها ، فَقَدْ حكى الغزي (1) عَنْ الشَّيْخ الصالح ربيع ابن عَبْد الله السلمي الشنباري أنه كَانَ يوماً بسنيكة – مسقط رأس المترجم – وإذا بامرأة تستجير بِهِ وتستغيث أنَّ ولدها مات أبوه ، وعامل البلد النصراني قبض عَلَيْهِ يروم أن يكتبه مَوْضِع أبيه في صيد الصقور ، فخلَّصه الشَّيْخ مِنْهُ ، وَقَالَ لها : إن أردت خلاصه فأفرغي عَنْهُ يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر وعليَّ كلفته، فسلمت إليه المترجم . وهذا غاية مَا استطعنا الوقوف عَلَيْهِ من خبرها .
ومما مضى يُعْلَم أن المترجم كَانَ الوحيد لأبويه ، فَلا إخوة ولا أخوات عِنْدَه ، وكذا زوجته التي غمرت في بحر الجهالة ، فَلا ذكر لها البتة فِيْمَا بَيْن أيادينا من مراجع .
أما ذريته ، فوقفنا عَلَى ذكر لبعض أولاده ، مِنْهُمْ :
جمال الدين يوسف ، قَالَ عَنْهُ الغزي (2) :الشَّيْخ العلامة الصالح .
وذكر حاجي خليفة (3) أن ولده هَذَا شرح مختصراً لبعض الشافعية لكتاب التحرير في أصول الفقه لابن همام . وَلَمْ نقف عَلَى تاريخ وفاته .
والذي يظهر أن لَهُ ولداً آخر يدعى : زكريا ، وإن لزكريا الأخير ابناً يدعى :
زكريا أيضاً، ترجمه الغزي في الكواكب السائرة (4) فَقَالَ: زكريا بن زكريا الشَّيْخ العلاَّمة زين الدين المصري ، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكانت وفاته في شوال سنة 959 ه ، وَكَانَ جده يحبه محبة عظيمة .
د ـ نشأته
__________
(1) الكواكب السائرة 1/196
(2) الكواكب السائرة 3/221
(3) كشف الظنون 1/358
(4) الكواكب السائرة 1/207(1/3)
كَانَ مولد المترجم في بلده الأول سُنَيْكة فنشأ بِهَا ، وابتدأ بحفظ القُرْآن الكريم – عَلَى العادة في بدء التعليم – ودَرَسَ مبادئ الفقه العامة ، فقرأ عمدة الأحكام وبعض مختصر التبريزي في الفقه ، وما كاد يدخل النصف الثَّانِي من عقد عمره الثَّانِي حَتَّى شدَّ رحاله نَحْو عاصمة العِلْم والعلماء التي كَانَتْ تعج بمظاهره : القاهرة ، وسواء كَانَ قَدْ رحل بنفسه إلى القاهرة ، أو أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْدالله هُوَ الذي سافر بِهِ – كَمَا تقدم - ، فَقَدْ ورد المترجم القاهرة ، ونزل الجامع الأزهر مستوطناً ، وهناك أكمل حفظ المختصر الذي بدأ بِهِ في مقتبل عمره ، ومن ثَمَّ بَدَأَ بحفظ الكُتُب التي وفَّرت لَهُ مبادئ العلوم التي كَانَتْ تدرَّس آنذاك ، فحفظ المنهاج الفرعي ، و الألفية النحوية ، و الشاطبية ، والرائية وبعض المنهاج الأصلي ونحو النصف من ألفية الحَدِيْث ، و التسهيل إلى باب كاد .
وكانتْ تِلْكَ قدمته الأولى إلى القاهرة ، وَلَمْ يطل المكث فِيْهَا ، وعاد أدراجه إلى بلده ملازماً هناك الجدَّ والاشتغال .
وبعد مدة من الزمن – نجهل تحديدها – عاود المجيء إلى القاهرة ، يروم استخراج العِلْم من معادنه ، فَدَرَسَ في الفقه : شرح البهجة ، وغيرها ، وقرأ في أصول الفقه : العضد و شرح العبري ، وقرأ في النحو والصرف ، ومما قرأه فِيْهِمَا : شرح تصريف العزي ، وأخذ المعاني والبيان والبديع فقرأ فِيْهَا المطول ، وأخذ المنطق عَنْ عدة مشايخ وقرأ فِيهِ شرح القطب عَلَى الشمسية وأكثر حاشية الشريف الجرجاني عَلَيْهِ ، وكذا حاشية التقي الحصني عَلَيْهِ .(1/4)
كَمَا أخذ اللغة ، والتفسير ، وعلم الهيأة ، والهندسة ، والميقات ، والفرائض ، والحساب ، والجبر ، والمقابلة ، والطب ، والعروض ، وعلم الحروف ، والتصوف ، وتلا بالسبع والثلاثة الزائدة عَلَيْهَا ، وقرأ مصنفات ابن الجزري كالنشر ، و التقريب ، و الطيبة ، وأخذ رسوم الخطِّ ، وآداب البحث ، والحديث .
وهكذا دأب وانهمك في الطلب والتحصيل، فأجازه مشايخه، وكتب لَهُ بِذَلِكَ كَثِيْر مِنْهُمْ مَعَ الإطناب في المدح والثناء ، يزيدون عَلَى مئة وخمسين ، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني إذْ كتب لَهُ في بَعْض إجازاته : وأذنت لَهُ أن يقرأ القُرْآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه ، ويقدر الفقه عَلَى النمط الذي نص عَلَيْهِ الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه ، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه .
وأذن لَهُ في إقراء شرح النخبة وغيرها من مصنفاته في حياته ، وكذا فعل غَيْر ابن حجر حَتَّى قَالَ العيدروسي (1) : وتصدّى للتدريس في حياة غَيْر واحد من شيوخه .
وهكذا أصبح المترجم من المؤهلين للانضمام إلى ركب العُلَمَاء ، وأن يشقَّ طريقه وسطهم .
هـ ـ صفاته وأخلاقه
لقد كَانَ الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حَسَن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها ، لا يدع باباً إليها إلاَّ دخله، قَالَ العلائي : قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره .
__________
(1) تاريخ النور السافر 1/114(1/5)
ولعل أبرز صفاته التي كَانَ يتحلَّى بِهَا أنه كَانَ حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه ، ويدل عَلَى ذَلِكَ – كَمَا مَرَّ – أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله كَانَ صاحب الفضل عَلَيْهِ في توجهه إلى طلب العِلْم وسفره إلى القاهرة ،فكان ردّ المترجم عَلَى ذَلِكَ أنه : إذا ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه ، وَكَانَ يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لَهُمْ ، وربما مازحته زوجة الشَّيْخ ربيع التي ربَّتْهُ .
وَكَانَ في النهاية من الانهماك في طلب العِلْم ، لا يجعل لنفسه متنفساً سواه ، حَتَّى أشغله عَنْ مأكله ومشربه ، فحكى عَنْ نَفْسه ، قَالَ : جئت من البلاد وأنا شابٌّ فلم أعكف عَلى الاشتغال بشيء من أمور الدنيا وَلَمْ أعلّق قلبي بأحد من الخلق ، قَالَ : وكنت أجوع في الجامع كثيراً ، فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها ، فأغسل مَا أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها ، وأقنع بِهَا عَنْ الخبز .
وَكَانَ عَلَى دَرَجَة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قَالَ : فلما أتممت شرحها – يعني: " البهجة " – غار بَعْض الأقران ، فكتب عَلَى بَعْض نسخ الشرح : كِتَاب الأعمى والبصير ؛ تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي ، وإنما ساعدني فِيهِ رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه ، قَالَ : فاحتسبت بالله تَعَالَى ، وَلَمْ ألتفت إلى مِثْل ذَلِكَ .
وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعاً بالحق ، لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي ، حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم ، وزجره عَنْهُ تصريحاً وتعريضا.ً(1/6)
ومتع بالقول عَلَى ملازمة العِلْم والعمل ليلاً ونهاراً،مَعَ مقارنة مئة سنة من عمره من غَيْر كلل ولا ملل ، مَعَ عروض الانكفاف لَهُ ، بحيث شرح البُخَارِيّ جامعاً فِيهِ ملخص عشرة شروح ، وحشَّى تفسير البيضاوي في هذِهِ الحالة.
والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها ؛ لذا كَانَ يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كَثِيْر البرِّ بطلبته وتفقد أحوالهم . مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها ، وَكَانَ لَهُ جَمَاعَة يرتب لَهُمْ من صدقته مَا يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر ، وإذا جاءه سائل – بَعْدَ أن أصيب بالعمى – يَقُول لِمَنْ عنده من جماعته : هَلْ هنا أحد ؟ فإن قَالَ لَهُ : لا ، أعطاه ، وإن قَالَ لَهُ : نعم ، قَالَ لَهُ : قل لَهُ : يأتينا في غَيْر هَذَا الوقت .
وَقَدْ أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه ، فَقَالَ : وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ من مباشرة القضاء ومهمات الأمور ، وكثرة إقبال الدنيا ، لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلاً ونهاراً ، ولا يشتغل بما لا يعنيه ، وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً ، يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر ، ويقول : لا أعوّد نفسي الكسل . حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائماً ، وَهُوَ يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض ، فقيل لَهُ في ذَلِكَ ، فَقَالَ: يا ولدي ، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ .(1/7)
وَكَانَ إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ : عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان ، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه ، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً : الله الله ، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ ، وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف ، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء ، ويقول : إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كَانَ من الملوك الصالحين .
و ـ وفاته
بَعْدَ عُمر بَلَغَ أو جاز بقليل المائة عام ، كَانَتْ مملوءة بالعلم والتعليم ، والتربية والإرشاد ، اختار الباري – عزَّ وجل – الْقَاضِي زكريا الأنصاري إلى جواره الكريم ، بَعْدَ أن ابتلي بفقد نعمة البصر .
وَقَدْ حصل خُلْفٌ بين المؤرخين في تحديد سنة وفاته ، بَعْدَ أن اتفقت كلمة جمهورهم عَلَى تحديد اليوم والشهر ، وَهُوَ الرابع من ذي الحجة .
فالجمهور عَلَى أن وفاته كَانَتْ سنة 926 ه، في حين ذهب العيدروسي (1) . وتابعه ابن
العماد الحنبلي (2) ، إلى أنها كَانَتْ سنة 925 ه.
ولقد أغرب الأدنروي في تحديد وفاته، فزعم أنها كَانَتْ سنة 910 ه، وَهُوَ وهم لا محالة ، ولا متابع لَهُ ، ولا عاضد عَلَى هَذَا ، وإنما هُوَ قَوْل انفرد بِهِ ، وخالف فِيهِ المؤرخين جملة وتفصيلاً .
ثانيا : سيرته العلمية
أ ـ شيوخه
بَلَغَ شيوخ الْقَاضِي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة ، ومَرَّ بنا أنهم زادوا عَلَى المائة والخمسين شيخا ؛ لذا سنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر مَا أخذ الْقَاضِي عَنْهُمْ ، ثُمَّ نعرِّج عَلَى باقي شيوخه سرداً .
فمن أشهر مشايخه :
__________
(1) تاريخ النور السافر ـ ص 111
(2) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 8/134(1/8)
1 ـ زين الدين أبو ذرٍّ عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الزَّرْكَشِيّ القاهري الحنبلي ، المتفرد برواية " صَحِيْح مُسْلِم " بعلو .تُوُفِّي في ذي الحجة سنة ( 846 ه) ، وَقَدْ ناهز التسعين .أخذ عَنْهُ : " صَحِيْح مُسْلِم .
2 ـ شمس الدين مُحَمَّد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن يعقوب القاياتي ، تُوُفِّي ليلة الاثنين الثامن عشر من محرم ، سنة 850 ه . أخذ عَنْهُ: الفقه ، وأصوله ، والمعاني والبديع والبيان ، واللغة ، والتفسير ، وشرح الألفية للعراقي ، وغيرها .
3 ـ شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن رجب بن طَيْبُغَا الشَّافِعيّ ، المعروف بابن المَجْدي ، مات في ذي القعدة سنة 850 ه، عَنْ أربع وثمانين سنة .أخذ عَنْهُ : الفقه ، والنحو ، وعلم الهيأة ، والهندسة ، والميقات والفرائض،والحساب ، والجبر ، والمقابلة .
4 ـ الْقَاضِي عز الدين عَبْد الرحيم بن المؤرخ ناصر الدين مُحَمَّد بن عَبْد الرحيم المصري الحنفي، عُرِفَ بابن الفرات ، تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 851 هوَقَدْ جاز التسعين . سَمِعَ عَلَيْهِ العديد من كُتُب الحَدِيْث كـ: " البعث " لابن أبي دَاوُد ، وغيره .
5 ـ زين الدين أبو النعيم رضوان بن مُحَمَّد بن يوسف العقبي ثُمَّ القاهري الشَّافِعيّ، المُسْنِد الصَّيِّن، تُوُفِّي في رجب سنة852 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ : الفقه ، والقراءات السبع ، وآداب البحث ، وشرح الألفية للعراقي ، وصحيح مُسْلِم ، وسنن النَّسَائِيّ .
6 ـ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن
أحمد الكناني العسقلاني الأصل ، المصري ثُمَّ القاهري . تُوُفِّي ليلة السبت
الثامن عشر من ذي الحجة سنة 852 ه .
أخذ عَنْهُ : الفقه ، والتفسير ، وشرح الألفية للعراقي ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث لابن الصَّلاح ، وشرح النخبة ، والسيرة النبوية لابن سيد الناس ، وغالب سُنَن ابن ماجه ، وغيرها .(1/9)
7 ـ أبو اليمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الهاشمي العقيلي النويري المكي الشَّافِعيّ قاضي مكة، مات في ذي القعدة سنة 853ه، عَنْ ستين سنة .
أخذ عَنْهُ لَمّا ورد مكّة حاجاً .
8 ـ شرف الدين أبو الفتح مُحَمَّد بن زين الدين أبي بَكْر بن الْحُسَيْن بن عُمَر القرشي العثماني المراغي القاهري الأصل المدني الشَّافِعيّ . تُوُفِّي في محرم سنة859 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة .
أخذ عَنْهُ : الحَدِيْث ، والفقه ، وغيرهما لما ورد المدينة في طريق حجه .
9 ـ جلال الدين أبو السعادات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلِيّ القرشي المخزومي المكي ، ويعرف بابن ظهيرة . مات في صفر سنة861 ه ، عَنْ خمس وستين سنة . سَمِعَ عَلَيْهِ الحَدِيْث عندما ورد مكة حاجاً .
10 ـ كمال الدين مُحَمَّد بن عَبْد الواحد بن عَبْد الحميد السيواسي الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الحنفي . مات في رمضان سنة861 ه، عَنْ ستين سنة . أخذ عَنْهُ : النحووالمنطق ، وشرح الألفية للعراقي .
11 ـ جلال الدين مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعيّ . مات في محرم سنة 864 ه .
أخذ عَنْهُ : أصول الفقه ، والعلوم العقلية .
12 ـ بدرالدين الحَسَن بن مُحَمَّد بن أيوب الحسني القاهري الحسيني الشَّافِعيّ . مات في مستهل صفر سنة 866 ه، وَقَدْ قارب المئة .أخذ عَنْهُ : الفقه ، والنسب .
13 ـ علم الدين صالح بن عُمَر بن رسلان البلقيني الأصل القاهري . مات في رجب سنة 868ه، عَنْ سبع وسبعين سنة .أخذ عَنْهُ : الفقه .
14 ـ تقي الدين أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله
الهاشمي الأصفوني ثُمَّ المكي الشَّافِعيّ ، عُرِفَ بابن فهد ، تُوُفِّي في ربيع الأول سنة871ه عَنْ أربع وثمانين سنة .أخذ عَنْهُ : فنون الحَدِيْث .(1/10)
15 ـ شرف الدين أبو زكريا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن مخلوف الحدادي الأصل المناوي القاهري الشَّافِعيّ . تُوُفِّي ليلة الاثنين الثَّانِي عشر من جُمَادَى الثانية سنة871 ه، وَقَدْ جاز السبعين. أخذ عَنْهُ : الفقه .
16 ـ تقي الدين أبو العَبَّاس أحمد بن كمال الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَسَن القسنطيني الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الشمني الحنفي، مات في ذي الحجة سنة872ه،وَقَدْ جاز الستين .أخذ عَنْهُ : النحو .
17 ـ محيي الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سليمان بن سعيد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي نزيل القاهرة ، مات في جُمَادَى الثانية سنة 879 ه، وَقَدْ جاز التسعين .
أخذ عَنْهُ : أصول الفقه ، والمنطق ، والتفسير ، وسائر علوم الآلة .
أما بقية مشايخه ، فهم :
1 ـ الآمدي .
2 ـ إبراهيم بن صدقة أبو إسحاق الحنبلي .
3 ـ أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن حميد الدمياطي .
4 ـ البدشيني .
5 ـ البرهان الصالحي .
6 ـ البرهان الفاقوسي البلبيسي .
7 ـ التقي الحصني .
8 ـ أبو الجود الليثي .
9 ـ الرشيدي .
10 ـ الزين البوشنجي .
11 ـ الزين جَعْفَر نزيل المؤيدية .
12 ـ الزين ظاهر المالكي .
13 ـ الزين ابن عياش المكي .
14 ـ سارة بنت جَمَاعَة .
15 ـ السراج الورودي .
16 ـ الشرف بن الخشاب .
17 ـ الشرف السُّبْكِيّ .
18 ـ الشرواني .
19 ـ الشمس البُخَارِيّ .
20 ـ الشمس الحجازي .
21 ـ الشمس الوفائي .
22 ـ الشهاب أحمد الأنكاوي .
23ـ الشهاب الغزي .
24 ـ الشهاب القلقيلي السكندراني .
25 ـ العز بن عَبْد السلام البغدادي .
26 ـ الكمال نزيل زاوية الشَّيْخ نصر الله .
27 ـ مُحَمَّد بن حمد الكيلاني .
28 ـ مُحَمَّد بن ربيع .
29 ـ مُحَمَّد بن عُمَر الواسطي الغمري .
30 ـ مُحَمَّد الغومي .
31 ـ مُحَمَّد بن قرقماس الحنفي .
32 ـ النور البلبيسي إمام الأزهر .
ب ـ تلامذته(1/11)
كتب الله تَعَالَى للقاضي زكريا القبول بَيْن الناس، وأَمدَّ في عمره حَتَّى تفرد بعلو الإسناد ، فأصبح مطمح الأنفس ، ومؤول الطلبة ، قَالَ الغزي : فأقبلت عَلَيْهِا لطلبة للاشتغال عَلَيْهِ ، وعُمِّر حَتَّى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام ، وقرَّت عينه بهم في محافل العِلْم ومجالس الأحكام ، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام .
وسنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر باقي تلامذته سرداً كَمَا صنعنا في شيوخه ، فمنهم :
1 ـ حمزة بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الناشري اليمني الشَّافِعيّ الأديب . تُوُفِّي سنة 926 ه.
2 ـ جمال الدين أبو عَبْد الله عَبْد القادر –أبو عبيد– بن حَسَن الصاني القاهري الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 931 ه .
3 ـ تاج الدين عَبْد الوهاب الدنجيهي المصري الشَّافِعيّ الكاتب النحوي . تُوُفِّي سنة 932هـ .
4 ـ شمس الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان الكفرسوسي الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 932 ه .
5 ـ أبو الفضل عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أبي اللطف المقدسي الشَّافِعيّ نزيل دمشق . تُوُفِّي سنة 934 ه .
6 ـ الإمام العلاّمة فخر الدين عُثْمَان السنباطي الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 937 ه .
7 ـ شمس الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد المقدسي الشَّافِعيّ . عرف بابن العجيمي ، العلاّمة المحدّث الواعظ . تُوُفِّي سنة 938 هـ .
8 ـ قاضي القضاة ولي الدين مُحَمَّد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عَبْد الله بن محمود بن الفرفور الدِّمَشْقِيّ. تُوُفِّي سنة 937 ه .
9 ـ مفتي بعلبك مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الفصي البعلي الشَّافِعيّ،تُوُفِّي سنة941هـ
10 ـ الإمام العلاّمة المحقق الشَّيْخ تقي الدين أبو بَكْر بن مُحَمَّد بن يوسف القاري ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 945 ه .(1/12)
11 ـ الشيخ الإمام المحدِّث علاء الدين أبو الحَسَن عَلِيّ بن جلال الدين مُحَمَّد البكري الصديقي الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 952 ه .
12 ـ الإمام العلاّمة الورع الشَّيْخ شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمادة ، تُوُفِّي سنة 953 هـ.
13 ـ الشَّيْخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن العلاّمة زين الدين حَسَن بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد الحلبي الشَّافِعيّ ، شُهِر بابن العمادي. ُوُفِّي سنة 954 ه.
14 ـ الإمام العلاّمة محب الدين أبو السعود مُحَمَّد بن رضي الدين مُحَمَّد بن عَبْد العزيز ابن عُمَر الحلبي الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 956 ه .
15 ـ الإمام الشَّيْخ شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 957 ه .
16 ـ الإمام الْقَاضِي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة زين الدين عَبْد الرحمان الحلبي الحنفي.عُرِف بابن الحنبلي.تُوُفِّي سنة 959ه
17 ـ بدر الدين حَسَن بن يَحْيَى بن المزلق الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ ، الإمام المحقق . تُوُفِّي سنة 966 ه .
18 ـ الإمام العلاّمة شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 973 ه، أو974 ه. 19 ـ الإمام باكثير عَبْد المعطي بن الشَّيْخ حَسَن بن الشَّيْخ عَبْد الله المكي الحضرمي الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 989 ه .
20 ـ الشَّيْخ الصالح العلاّمة شهاب الدين أحمد بن الشَّيْخ بدر الدين العباسي المصري الشَّافِعيّ . تُوُفِّي سنة 992 ه .
وأما باقي تلامذته ، فهم :
21 ـ البدر ابن السيوفي .
22 ـ بدر الدين العلائي الحنفي .
23 ـ جمال الدين عَبْد الله الصافي .
24 ـ جمال الدين يوسف .
25 ـ شهاب الدين الحمصي
26 ـ شهاب الدين الرملي .
27 ـ شمس الدين الخطيب الشربيني .(1/13)
28 ـ شمس الدين الرملي .
29 ـ شمس الدين الشبلي .
30 ـ عَبْد الوهاب الشعراني .
31 ـ عميرة البرلسي .
32 ـ كمال الدين بن حمزة الدِّمَشْقِيّ .
33 ـ مُحَمَّد بن أحمد الغزي .
34 ـ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد الغزي .
35 ـ محيي الدين عَبْد القادر بن النقيب .
36 ـ نور الدين المحلي .
37 ـ نور الدين النسفي .
ج ـ علومه ومعارفه
وفَّرت البداية المبكرة للقاضي زكريا في طلب العِلْم فسحة من الوقت ، استطاع خلالها تنويع مصادر معرفته ، وَلَمْ يغفل هذِهِ النقطة، بَلْ استثمرها عَلَى وجهها الصَّحِيح ، فجنى ثمارها جنية مرتعة ، قَالَ الغزي : وَكَانَ – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ – بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً وتفسيراً وفقهاً وأصولاً وعربية وأدباً ومعقولاً ومنقولاً .
ومرَّ بنا في نشأته أنه درس صنوف فنون العِلْم ، ومن بَيْن تِلْكَ العلوم التي أفنى في طلبها ردحاً من عمره المديد :
1 ـ القُرْآن الكريم ، حفظاً .
2 ـ الفقه .
3 ـ أصول الفقه.
4 ـ التفسير .
5 ـ الحَدِيْث رِوَايَة ودراية.
6 ـ اللغة .
7 ـ النحو.
8 ـ الصرف .
9 ـ العروض .
10 ـ البيان .
11 ـ البديع .
12 ـ المعاني .
13 ـ المنطق .
14 ـ علم الهيأة .
15 ـ الهندسة .
16 ـ الميقات .
17 ـ الفرائض .
18 ـ الحساب .
19 ـ الجبر والمقابلة .
20 ـ الفلسفة .
21 ـ علم الكلام .
22 ـ التصوف .
23 ـ القراءات السبع والعشر .
ـ آداب البحث والمناظرة .
25 ـ السيرة .
د ـ وظائفه التي تقلّدها
بَعْدَ أن استكمل الْقَاضِي زكريا الأنصاري الأدوات التِي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي ، وبعد أن تبوأ الصدارة بَيْنَ معاصريه ومنافسيه ، فَقَدْ أُسندت إِلَيْهِ مهمات عدة ، وهي :
1 ـ التدريس بمقام الإِمَام الشَّافِعِيّ . قَالَ العيدروسي : وَلَمْ يَكُنْ بمصر أرفع
منصباً من هَذَا التدريس .
2 ـ مشيخة خانقاه الصوفية .(1/14)
3 ـ منصب قاضي القضاة ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ امتناع طويل ، في سلطنة خشقدم ولما ولي السلطنة قايتباي أصر عَلَى توليه قضاء القضاة فقبل، وَكَانَ ذَلِكَ في سنة 886 ه، واستمر مدة ولاية قايتباي وبعده ، وذكر العيدروسي أن سبب عزله عَنْ هَذَا المنصب إصابته بالعمى ، وجمهور الفقهاء على أن الْقَاضِي يعزل بفقدان البصر، في حِيْنَ أن الغزي والشوكانِي يذكران أن سبب عزله زجر السلطان عَنْ ظلمه ، وأغلب الظن أن هَذَا السلطان هُوَ مُحَمَّد ولد السلطان قايتباي الَّذِي تسلطن بَعْدَ والده .
وتحديد وقت عزله يكتنفه الغموض ، لا سيما عَلَى رِوَايَة الغزي (1) والشوكاني (2) ، ولكنها لا تتعدى سنة 904 ه فهي السنة التِي قتل فِيْهَا السلطان مُحَمَّد بن السلطان قايتباي ، وَلَكِن الشوكاني يجزم أن عزله كَانَ سنة 906 ه، وَلَمْ تذكر المصادر التِي بَيْنَ أيدينا تحديداً لتاريخ فقده لبصره ، وَكَانَ السلطان قَدْ طلب مِنْهُ العودة إِلَى منصبه لكنه رفض ، إِلَى حِيْنَ نكبته فترك السلطان الإلحاح عَليه .
وذكر الشعراني أن الْقَاضِي زكريا كَانَ يعتبر توليه القضاء : غلطة .
4 ـ قَالَ الغزي : وولي الجهات والمناصب .
5 ـ وَقَالَ العيدروسي (3) : ولي تدريس عدة مدارس رفيعة .
6 ـ وَقَالَ الشوكاني (4) : ودرّس في أمكنة متعددة .
هـ ـ ثناء الْعُلَمَاء عَلَيْهِ
تمتع الْقَاضِي زكريا – زيادة عَلَى مكانته العلمية – بأخلاقه العالية التِي حببته إِلَى قلوب العباد ، فانطلقت ألسنتهم بالثناء عَلَيْهِ ، وذكر محاسنه وشيمه ، وإذا رحنا نستقصي ما قَالَ الناس فِيْهِ أطلنا المقام ، لذا سنقتصر عَلَى نبذ مِنْهَا :
__________
(1) الكواكب السائرة 1/199
(2) البدر الطالع 1/252
(3) النور السافر ، ص 115
(4) البدر الطالع 1/252(1/15)
1 ـ قَالَ الغزي (1) : الشَّيْخ الإِمَام ، شيخ مشايخ الإسلام ، علامة المحققين ، وفهامة المدققين ، ولسان المتكلمين ، وسيد الفقهاء والمحدّثين ، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد ، والملحق للأحفاد بالأجداد ، العالم العامل ، والولي الكامل .
2 ـ وَقَالَ العيدروسي: الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة .
3 ـ وَقَالَ السخاوي : لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال ، وترك القيل والقال ، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع ، وعمله في التودد يزيد عَن الحد ، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته ، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته .
4 ـ وَقَالَ أَيْضاً : وَلَمْ ينفك عَنْ الاشتغال عَلَى طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة ، والانجماع عَنْ بني الدنيا مَعَ التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة .
5 ـ وَقَالَ العيدروسي . ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه .
6 ـ وقَالَ السيوطي : لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل ، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفاً ، مَعَ الدين المتين ، وترك ما لا يعنيه ، وشدة التواضع ولين الجانب وضبط اللسان والسكوت .
__________
(1) الكواكب السائرة 1/196(1/16)
7 ـ وَقَالَ ابن حجر الهيتمي (1) : وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين ، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين ، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام ، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله ، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته أصائله ، ملحق الأحفاد بالأجداد ، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد ، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة ، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة ، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى ، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره ، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى ؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع ، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع .
8 ـ وَقَالَ ابن العماد (2) : شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ .
9 ـ وَقَالَ الأدنروي : مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي .
و ـ آثاره العلمية
وظَّف الْقَاضِي زكريا الأنصاري معرفته العلمية في التأليف إِلَى جانب التدريس ، وخلال المئة سنة التِي عاشها استطاع أن يترك لنا جملة كبيرة من المصنفات ، الأمر الَّذِي دفع الشوكاني (3) للقول بأن : لَهُ شرح ومختصرات في كُلّ فن من الفنون .
وَقَدْ عنى الشوكاني بكلمته هَذِهِ، أن الْقَاضِي خاض غمار فنون العلوم عَلَى اختلاف ماهياتها فمن اللغة إِلَى المنطق، ومن الكلام إِلَى الْحَدِيْث ، ومن الفقه إِلَى القراءات ، ومن التصوف إِلَى التفسير ، ومن أصول الفقه إِلَى الفرائض ، وهكذا تنوعت طبيعة مؤلفاته .
__________
(1) النور السافر ، ص 115
(2) شذرات الذهب 8/134
(3) البدر الطالع 1/252(1/17)
وَلَيْسَ عجباً أن تكثر مصنفاته ، فعلى حد تعبير الغزي إذ يَقُوْل : وجملة مؤلفاته ( 41 ) مؤلفاً تقريباً ، إِذْ كَانَ شغله الشاغل التدريس والتصنيف ، وَقَدْ وقفنا عَلَى ذكر لما يربو من ( 50 ) مصنفاً في شتى صنوف الْمَعْرِفَة ، هِيَ :
1 ـ أحكام الدلالة عَلَى تحرير الرسالة. شرح فِيْهِ الرسالة القشيرية في التصوف .
2 ـ أدب الْقَاضِي عَلَى مذهب الإِمَام الشَّافِعِيّ .
3 ـ أضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة (1) . شرح عَلَى القصيدة المنفرجة
4 ـ أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني .
5 ـ بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب . شرح عَلَى مَتْن شذور الذهب في النحو لابن هشام
6 ـ بهجة الحاوي. شرح عَلَى " الحاوي الصغير " للقزويني في الفقه .
7 ـ تحرير تنقيح اللباب. اختصار لـ " تنقيح اللباب " في الفقه.
8 ـ تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب . شرح لمختصره السابق .
9 ـ لب الأصول .
10 ـ التحفة العلية في الخطب المنبرية .
11 ـ تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر .
12 ـ تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي .
13 ـ تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح.
14 حاشية عَلَى شرح ابن المصنف عَلَى ألفية ابن مالك في النحو .
15 ـ حاشية عَلَى شرح البهجة لولي الدين بن العراقي .
16 ـ حاشية عَلَى شرح المحلي عَلَى جمع الجوامع .
17 ـ حاشية عَلَى شرح المقدمة الجزرية .
18 ـ خلاصة الفوائد الحموية في شرح البهجة الوردية.
19 ـ الدرر السنية في شرح الألفية ، في النحو لابن مالك.
20 ـ الدقائق المحكمة في شرح المقدمة ، للجزري .
21 ـ ديوان شعر.
22 ـ الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة .
23 ـ شرح البسملة والحمدلة .
24 ـ شرح الجامع الصَّحِيْح للبخاري .
25 ـ شرح الروض لابن المقريء .
26 ـ شرح الشمسية في المنطق .
__________
(1) له على المنفرجة شرحان كبير وصغير 0 انظر الكواكب السائرة 1/202(1/18)
27 ـ شرح صَحِيْح مُسْلِم .
28 ـ شرح طوالع الأنوار للبيضاوي في علم الكلام .
29 ـ شرح مختصر المزني .
30 ـ شرح المقدمة الجزرية .
31 ـ شرح المنهاج للبيضاوي في أصول الفقه .
32 ـ غاية الوصول إِلَى شرح الفصول. في الفرائض .
33 ـ الغرر البهية بشرح البهجة الوردية .
34 ـ فتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد. حاشية عَلَى شرح العقائد النسفية.
35 ـ فتح الباقي بشرح ألفية العراقي .
36 ـ فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنْزيل .
37 ـ فتح رب البرية في شرح القصيدة الخزرجية. في علم العروض .
38 ـ فتح الرَّحْمَان بشرح رسالة الولي رسلان في التوحيد .
39 ـ الرَّحْمَان بشرح لقطة العجلان . في الفقه ، للزركشي .
40 ـ فتح الرَّحْمَان بكشف ما يلتبس من القرآن .
41 ـ فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام .
42 ـ فتح الوهاب بشرح الآداب . آداب البحث والمناظرة .
43 ـ فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب .
44 ـ الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية . في الفرائض .
45 ـ الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية .
46 ـ اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم .
47 ـ المطلع في شرح ايساغوجي . في المنطق .
48 ـ المقصد لتلخيص ما في المرشد . في القراءات .
49 ـ المناهج الكافية في شرح الشافية . في الصرف .
50 ـ منهج الوصول إِلَى تخريج الفصول . في الفرائض .
51 ـ نِهاية الهداية في شرح الكفاية . في الفرائض .
52 ـ نَهج الطلاب في منهاج الطالبين للنووي . في الفقه .
بسم الله الرحمن الرحيم
... الحمد لله الذي نوّر بصائر مَن اصطفاهم لفهم المعاني ، وأضاء في سماء عقولهم بدور البيان والبديع والمعاني ، والصلاة والسلام على خير مَنْ نطق بالصواب ، وعلى آله وصحبه البررة الأنجاب ، وبعد...(1/19)
... فهذا مختصرفي علم المعاني والبيان والبديع مزين بزينة حسن المباني والترصيع ، اختصرت فيه مختصر العلامة جلال الدين أبي عبد الله محمد القزويني المُسمى بتلخيص المفتاح ، وضممت إليه ما لا بدّ منه ، مع إبدال غير المعتمد به ، بعون الأكرم الفتاح ، وحذفت منه غالبا الخلاف والأمثلة والشواهد ، وما فيه نظر ، وما لتيسير حفظه على كل ذي همة ومرتاح ، ورتبته على مقدمة وثلاثة فنون ، راجيا بذلك النجاة مما نجا منه الناجون ، وسميته بأقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني ، والله أسأل أنْ ينفع به كما نفع بأصله
المقدمة :
... يوصف بالفصاحة المفرد والكلام والمتكلم ، وبالبلاغة الأخيران فقط ، فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف ، والغرابة ، ومخالفة القياس ، والغرابة نحو :
... ... ... ... غَدائِرُهُ مُستَشزِراتٌ إِلى العُلا (1)
والغرابة نحو :
... ... ... ... وَفاحِماً وَمَرسِناً مُسَرَّجا (2)
والمخالفة نحو :
الحمد لله العلي الأجْلَلِ (3)
وفي الكلام خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها ، فالضعف كضرب غلامُه زيداً ، والتنافر كقوله :
ولَيْس قُرْبَ قَبرِ حَرْبٍ قَبر (4)
/ وقوله : ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2ب
... ... ... ... كَريمٌ مَتى أَمدَحهُ أَمدَحهُ وَالوَرى (5)
__________
(1) صدر بيت من الطويل لامرئ القيس ، والبيت بتمامه :
... ... غَدائِرُها مُستَشزِراتٌ إِلى العُلا تَضِلُّ العِقاصَ في مُثَنّىً وَمُرسَلِ
الديوان . ص 115
(2) بيت من الرجز للعجاج ، ديوانه ،ص 361
(3) بيت من الرجز ، لأبي النجم العجلي ، انظر خزانة الأدب 2/390 ، التلخيص في علوم البلاغة ، ص25
(4) عجز بيت من السريع ، ولا يعرف قائله ، والبيت بتمامه :
وقَبْر حَرْبٍ بِمكَانٍ قَفْرِ ولَيْس قُرْبَ قَبرِ حَرْبٍ قَبر
انظر : التلخيص في علوم البلاغة، ص26 ، البيان والتبيين ، ص 49، الحيوان 6/270 العمدة في محاسن الشعر 1/261
(5) صدر بيت من الطويل لأبي تمام ، ديوانه ، ص 122، والبيت بتمامه :
... ... كَريمٌ مَتى أَمدَحهُ أَمدَحهُ وَالوَرى مَعي وَمَتى ما لُمتُهُ لُمتُهُ وَحدي(1/20)
والتعقيد لخلل في اللفظ ، كقوله في خال هشام :
ومَا مِثْلُهُ في الناسِ إلا مُمَلَّكَاً أبُو أمِّهِ حيٌّ أبوه يُقاربه (1)
أو في الانتقال ، كقوله :
... ... سأطلُبُ بُعد الدَّارِ عنكُم لتقرُبُوا وتسكُبُ عينايَ الدموعَ لِتَجمُدَا (2)
وفي المتكلم ملكة يقتدر بها على التغيير عن المقصود بلفظ فصيح (3) .
... والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ، وهو يختلف لتفاوت مقامات الكلام ، فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر والفصل والإيجاز وخطاب الذكي يباين مقام خلافه ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبارالمناسب ، وانحطاطه بعدمها ، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ، فالبلاغة راجعة للفظ باعتبار إفادة المعنى بالتركيب ، وتسمي ذلك فصاحة أيضا ، ولها طرفان : أعلى وما قرب منه ، وهما حد الإعجاز ، وأسفل ، وهو ما إذا غُيّر عنه إلى ما دونه التحق عند البليغ بصوت الحيوان ، وبينهما مراتب كثيرة ، ويتبعها وجوه أخر ، تورث الكلام حسنا ، وفي المتكلم ملكة يقتدربها على تأليف كلام بليغ ، فعلم أنّ كل بليغ فصيح ، ولا عكس ، وأنّ البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية الغرض ، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره ، وهذا منه ما يبين في متن اللغة ، أوالتصريف ، أو النحو ، أو يدرك بالحس ، وهو ما عدا التعقيد المعنوي ، ويحترز عن الخطأ بعلم المعاني ، وعن التعقيد / بعلم البيان 3 أ
__________
(1) البيت من الطويل للفرزدق . انظر العمدة في محاسن الشعر 2/96 ، خزانة الأدب 5/ 146
(2) البيت من الطويل لمحمد بن علي الوجدي الغماد / الموسوعة الشعرية
(3) كُتب في الهامش الأيسر : لك أن تقول ذكر لفظ الفصيح غير مناسب ، وهو مشتق من المحدود ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه مشتق من فصاحة الكلام . انتهى .(1/21)
ويعرف وجوه التحسين بعلم البديع ، وكثير يسمي الثلاثة علم البيان ، وبعضهم علم البديع ، وبعضهم الأخيرين علم البيان .
الفن الأول :
... علم المعاني : هوعلم يُعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، وينحصر في ثمانية أبواب :
... ـ أحوال الإسناد الخبري .
... ـ أحوال المسند إليه .
... ـ أحوال المسند .
... ـ أحوال متعلقات الفعل .
... ـ القصر .
... ـ الإنشاء .
... ـ الوصل والفصل .
... ـ الإيجاز والإطناب والمساواة .
والأصح أنّ الخبر صادق وكاذب ، وأنّ صدقه مطابقته للواقع ، وكذبه عدمُها .
أحوال الإسناد الخبري
قصدُ المخبر بخبره إفادة مخاطبه الحكم ، أو علمه به ، ويسمى الأول فائدة بخبر ، والثاني لازمَها ، وقد ينزل العالم بها منزلة الجاهل ، فينبغي أنْ يقتصر من التركيب على قدر الحاجة ، فإن خلي ذهنه من الحكم ، والتردد فيه ، استغنى عن توكيده ، وإن تردد فيه طالبا له ، حسُن توكيده ، أو أنكره ، وجب توكيده بحسب الإنكار ، ويسمى الأول ابتدائيا ، والثاني طلبيا ، والثالث إنكاريا ، ويسمى إخراج الكلام عليهما إخراجا على مقتضى الظاهر ، وكثيرا ما يخرج الكلام على خلافه ، فيُجعل غير السائل إذا قُدِّم إليه ما يُلوِّح له بالخبر كالسائل ، وغير المنكر إذا لاح عليه شيء من إمارات الإنكار كالمنكر ، وعكسه إذا كان مع المنكر ما إنْ تأمله ارتدع ، وكذا اعتبارات النفي ، ثم الإسناد منه حقيقة عقلية ، وهي إسناد فعل أو معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر ، ومنه مجاز عقلي ، وهو إسناده إلى ملابس له غير ما هو له بتأوّل ، وملابَسته شتى/ كفاعل ومفعول به ، ومصدر وزمان 3 ب ومكان ، وسبب ، وأقسامه أربعة ؛ لأن طرفيه إمَّا حقيقيان ، أو مجازان ، أو مختلفان ، وهو في القرآن كثير ، وغير مختص بالخبر .
أحوال المسند إليه :(1/22)
المسند إليه ، أمَّا حذفه فللاحترازمن العبَث ظاهرا ، أو لغيره كتعنته ، وادّعاء تعينه ، وتخيّل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ ، وإنما ذكره فلكونه الأصل ، أو لغيره كإظهار تعظيمه، أو إهانته ، وأما تعريفه فبالإضمار؛ لأن المقام للمتكلم ، أو الخطاب ، أو الغيبة ، وأصل الخطاب لمعيَّن ، وقد يُترك إلى غيره ليعمّ كل مخاطب ، وبالعلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به أو لغيره كتعظيم وإهانة ، وبالموصولية لكون المخاطب لا يعلم من أحواله غير الصلة ، أو لغيره كاستهجان التصريح باسمه ، وزيادة التقرير ، وبالإشارة لتمييزه أكمل تمييز ، أو لغيره كالتعريض بغباوة السامع ، وبيان حاله في القرب ، أو البعد ، أو التوسط ، وباللام للعهد وللحقيقة ، وللواحد باعتبار عهديته في الذهن ، وللاستغراق ، وهو حقيقي وعرفي ، واستغراق المفرد أشمل ، وبالإضافة لكونها أخصر طريق ، أو لغيره لتضمنها تعظيم المضاف إليه ، أو المضاف ، أو غيرهما ، وأما تنكيره فللإفراد أو لغيره كنوعيته ، وتعظيم وتحقير، وأما وصفه بنعت فلكونه كاشفا عن معناه ، أو لغيره لكونه مخصصا ، أو مدحا ، أو ذماً ، وأما توكيده فللتقرير أو لغيره كدفع توهم تجوّز ، وأما بيانه فلإيضاحه باسم يختص به غالبا ، وأما الإبدال منه فلزيادة التقرير / وأما العطف فلتفصيل المسند إليه أو المسند مع اختصار4أ أو لغيره ، كرد السامع إلى الصواب ، وصرف الحكم إلى آخر ، وأما فصله فلتخصيصه بالمسند ، وأما تقديمه فلكونه أهم ، إما لأنه الأصل ، ولا مقتضى للعول عنه أو لغيره ، ذلك كتمكن الخبر في ذهن السامع ، وتعجيل المسرة أو المساءة ، وقد تقدّم ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إنْ ولي حرف النفي ، نحو : ما أنا قلت هذا ، وإلاّ فقد تأتي للتخصيص ردا على من زعم انفراد غيره به ، أو مشاركته فيه ، نحو : أنا سعيت في حاجتك ، وقد تأتي لتقوي الحكم ، نحو : هو يعطي الجزيل ، وكذا إنْ نفي الفعل ،(1/23)
نحو : أنت لا تكذب ، وإنْ بُني الفعل على منكر أفاد تخصيص الواحد به ، نحو : رجل جاءني ، أي لا امرأة ، أو لا رجلان ، ومما يُرى تقديمه كاللازم لفظ مثل وغير ، في نحو : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود ، بمعنى أنت لا تبخل ، وأنت تجود ، قيل : ويقدّم لأنه يفيد العموم ، نحو: كل إنسان لم يقم ، بخلاف ما لو أُخِّر ؛ لئلا يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس ، ورُدَّ بمنع اللزوم ، فكل لعموم السلب إنْ تقدَّمت على نفي ، وإلاّ فلسلب العموم غالبا ، وأما تأخيره فلاقتضاء المقام له ، وقد يخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، فيوضع المضمر موضع المظهر ، كقولهم : نعم رجل ، مكان نعم الرجل في قول . وهو أو هي زيد عالم مكان الشأن والقصة ، وقد يُعكس ، فإن كان اسم إشارة فلكمال العناية بتمييزه ، أو لغيره كالتهكم بالسامع ، والنداء على كمال بلادته أو فطانته ، وإنْ كان / غيره فلزيدة المتمكن 4ب نحو : [قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ] (1) ، أو لغيرها كإدخال الروع في ضمير السامع ، وهذا لا يختص بما ذكر ، بل كل من التّكلم والخطاب والغيبة ينتقل إلى آخر ، ويسمى هذا النقل عند السكاكي التفاتاً ، والمشهور أنّ الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة ، بعد التعبير عنه بآخر منها ، وهذا أخص ، ووجهه أن الكلام إذا نقل من أسلوب آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع ، وكان أكثر إيقاظا للإصغاء إليه ، ومن خلاف المقتضى ، يلقى المخاطب بغير ما يترقبه المخاطب ، أو السائل بغير ما يتطلبه ، بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنه الأولى بحاله ، ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ للماضي ؛ تنبيها على تحقيق وقوعه ، ومنه القلب ، وقَبِلَه السكاكي مطلقا بلفظ الماضي ، ورده غيره مطلقا ، والحق أنه يضمن اعتبارا لطيفا (2) قُبِل ، وإلاّ رُدّ .
أحوال المسند :
__________
(1) الإخلاص ، 1 ، 2
(2) في التلخيص ، ص 100 : والحق أنه إنْ تضمن اعتبارا لطيفا .(1/24)
... أما تركه فلما مرّ ، ولا بدّ من قرينة ، وأما ذكره فلما مرّ ، ولتعيين كونه فعلا ، أو اسما ، وأما إفراده فلكونه ليس سببا ، ولا فعلا ، ولا مفيدا ليقوي الحكم ، وأما كونه فعلا فللتقييد بزمن مع إفادته بنفسه التجدد ، وأما كونه اسما فلإفادته عدم ذلك ، وأما تقييده الفعل ونحوه بمفعول ، أو نحوه فلتربية الفائدة ، وأما تركيبه فلمانع منها ، وأما تقييده بالشرط فلاعتبارات لا تعرف إلاّ بمعرفة ما بين أدواته من التفصيل ، وقد بين ذلك في النحو / لكن لا بدّ من النظر هنا في إنْ ، وإذا ، ولو ، فإنْ وإذا للشرط في الاستقبال 5 أ وإن كان لفظه ماضيا ، وأصل إنْ عدم الجزم بوقوعه ، وإذا الجزم بوقوعه ، وقد تستعمل إنْ في الجزم على المتصف به ، والتغليب يجري في فنون كثيرة ، كقوله تعالى : [وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ] (1) ، ومنه أبوان ونحوه ، ولكونها للاستقبال كان كل من جملتي كل فعلية استقبالية ، فلا يخالف ذلك لفظا إلاّ لنكتة ، كإيراد غير الحاصل في معرض الحاصل ؛ لقوة الأسباب ، أو غيرها كالتفاؤل ، وإظهار الرغبة في وقوع الشرط ، ولو للشرط في الماضي ، فيلزم المضي وعدم الثبوت ، وقد تدخل على المضارع لنكتة كقصد استمرار الفعل فيما مضى ، نحو : [لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ] (2) ، وكتنزيله منزلة الماضي ، نحو : [وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ] (3) وأما تنكيره فلإرادة عدم الحصر وللعهد ، وللتفخيم ، وللتحقير ، وأما تخصيصه بإضافة أو وصف فلكون الفائدة أتم ، وأما تركه فظاهر مما مرّ ، وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما ، أو لازم حكم على أمر معلوم بإحدى طرق التعريف بآخر مثله ، واعتبار التعريف بلام الجنس قد يفيد حصر الجنس على شيء تحقيقا أو مبالغة ، وأما كونه جملة فللتقوّي ، أو لكونه سببيا ، واسميتها وفعليتها وشرطيتها لما مرّ ، وظرفيتها لاختصار الفعلية ،
__________
(1) التحريم 12
(2) الحجرات 7
(3) الأنعام 27(1/25)
إذ الظرف مقدر بالفعل ، وأما تأخيره فلأن ذكر المسند إليه أهم كما مرّ ، وأما تقديمه فلتخصيصه بالمسند إليه ، أو لغيره /كالتنبيه5 ب أولا على أنه خبر، والتفاؤل تنبيه كثير مما مرّ في هذا الباب ، وما قبله كالذكر ، والحذف لا يختص بهما .
أحوال متعلقات الفعل
الفعل يقع مفعوله كالفعل مع فاعله في أنّ الغرض من ذكره معه أفاد تلبسه به ، لا إفادة وقوعه مطلقا ، فإذا لم يذكر معه فالغرض إنْ كان إثباته لفاعله ، أو نفيه عنه مطلقا ينزل منزلة اللازم ، فلا يقدر له مفعول ، وإلاّ قُدِّر بحسب القرائن ، والأول ضربان ؛ لأنه إما أن يجعل الفعل كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص دلّت عليه قرينة ، أو لا ، وحينئذ إنْ كان المقام خطابيا لا استدلاليا أفاد مع الغرض السابق تعميما ، ثم الحذف إما لبيانٍ بعد الإبهام كما في فعل المشيئة ، ما لم يكن تعلُّقُه به غريبا ، كقوله : [فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ] (1) بخلاف نحو : ولو شئت أنْ أبكي دما لبكيته ، وإما لغيره كتعميم مع اختصار ، ومجرد اختصار ، ودفع توهم إرادة غير المراد ابتداء ، وأمَّا تقديم مفعوله ونحوه عليه فلرد الخطأ ، ونحو : زيداً عرفتُ ، تأكيد إنْ قصد ناصب المفعول مقدما عليه ، وإلاّ فتخصيص ، والتخصيص لازم للتقديم غالبا ، وأمَّا تقديم بعض معمولاته على بعض ؛ فلأن أصله التقديم ، ولا يقتضى للعدول عنه ، أو لأن ذكره أهم ، أو لأن في تأخيره اختلالا ببيان المعنى ، أو بالتناسب كرعاية الفاصلة .
القصر
__________
(1) الأنعام 149(1/26)
حقيقي وغيره وكلٌّ نوعان : قصر موصوف على صفة ، نحو : ما زيدٌ إلاّ كاذبٌ ، وعكسه ، نحو : ما في الدار إلاّ زيد ، وقد يقصد به المبالغة ؛ لعدم /الإعتداد بغير 6 أ المذكور ، والأول من غير الحقيقي تخصيص أمر بصفة دون أخرى ، أو مكانها ، والثاني منه تخصيص صفة بأمر دون آخر أو مكانه ، فكل منهما ضربان ، والمخاطب بالأول من ضربي كلّ مَنْ يعتقد الشركة ، ويسمى قصر إفراد ، والثاني مَنْ يعتقد العكس ، ويسمى قصر قلب ، أو مَنْ يستويان عنده ، ويسمى قصر تعيين ، وشرط قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الوصف ، وقلبا ينافيهما ، وقصر التعيين أعم ، وللقصر طرق منها : العطف والنفي ، والاستثناء ، وإنما ، والتقديم ، وهذه الطرق تختلف بوجوه ، منها أنّ دلالة الرابع بالفحوى ، والبقية بالوضع ، أنّ النفي لا يجيء مع الثاني ، ويجيء مع الأخيرين ، وإن اختص ، الوصف بالموصوف في أولهما ، ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر ، يقع بين الفعل والفاعل وغيرها ، ففي الاستثناء تؤخر أداته مع المقصور عليه ، وقد تتقدمهما ، وفي إنما يؤخر المقصور عليه .
الإنشاء(1/27)
... إن كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، وأنواعه كثيرة ، منها : التمني ، واللفظ الموضوع له ليت ، وقد يُتمنى بهل ، وبلو ، وبلعل ، ولا يشترط إمكان التمني ، ومنها تضمينا حروف التقديم والتحضيض هلاّ وألا ، ولولا ، ولوما فإنها متضمنة لمعنى النهي ؛ ليتولد منه في الماضي التقديم ، نحو : هلاّ أكرمت زيداً ، وفي المضارع التحضيض ، نحو : هلاّ تقوم ، ومنها الاستفهام ، واللفظ الموضوع له الهمزة وهل وما ومَن ، وأي ، وكم ، وكيف وأين ، وأنّى ، ومتى ، وأيّان ، فالهمزة / لطلب التصديق 6 ب أو التصوّر ، والمسئول عنه ما يليهما كالفعل في أضربت زيدا ، والفاعل في أنت ضربت زيدا ، والمفعول في أزيدا ضربت ، وهل لطلب التصديق فقط ، لهذا امتنع هل زيد قام أم عمرو ، وقبح هل زيدا ضربت ، دون ضربته ، وهي تخصص المضارع بالاستقبال ، فلا يصح هل يضرب زيدا وهو أخوك ، كما يصح أيضرب زيدا وهو أخوك ، وهي قسمان : بسيطة يطلب لها وجود الشيء ، نحو : هل الحركة موجودة ، ومركبة يطلب لها وجود شيء لشيء ، نحو : هل الحركة دائمة ، والبقية لطلب التصور فقط ، فيسأل بما عن شرح الاسم ، أو ماهية المسمى ، وتقع هل البسيطة في الترتيب بينهما ، وعن الجنس ، نحو : ما عندك ، أي كتاب أو نحوه ، وعن الوصف : ما زيد ، أي شهم أو نحوه ، ويُسأل بمن عن الجنس من ذوي العِلم ، نحو : مَنْ جبريل ، وعن العارض المشخص لهم ، وبأي عن ما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما ، نحو : [أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا] (1) ، وبكم عن العدد ، وبكيف عن الحال ، وبأين عن المكان ، وبمتى عن الزمان ، وبأيّان عن المستقبل ، وأنّى تارة تستعمل بمعنى كيف ، وتارة بمعنى مَنْ وأين ، وهذه الكلمات تستعمل كثيرا في غير الاستفهام ، كالاستبطاء ، نحو : كم دعوتك ، والتعجب ، نحو : [مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ] (2) ، والتنبيه على الضلال ، نحو : [فَأَيْنَ
__________
(1) مريم 73
(2) النمل 20(1/28)
تَذْهَبُونَ] (1) ، والتقرير إنْ ولي المقررَ به الهمزة ، والإنكار كذلك ، وهو للتوبيخ ، أي ما كان ينبغي أن يكون ، أو لا ينبغي /7 أ أن يكون وللتكذيب ، والتهكم والتحقير والتهويل ، والاستبعاد .
... ومنها الأمر ، وصيغته موضوعة لطلب فعل ولو كفّا بلفظ كفّ (2) ، وقد تستعمل لغيره كالإباحة والتهديد والتعجيز والتسخير والإهانة ، ولا يقتضي فورا ، ولا تراخيا ، ولا استعلاء ، ومنها النفي ، وهو طلب الكف بلا الجازمة ، نحو : لا تفعل ، وقد تستعمل صيغته لغيره كالتهديد ، ومنها النداء ، وقد تستعمل صيغته لغيره كالإغراء بقولك لمن يتظلم : يا مظلوما ، ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء لنكتة .
تنبيه : الإنشاء كالخبر في كثير مما مر في الأبواب السابقة .
الوصل والفصل :
__________
(1) التكوير 26
(2) في التلخيص ، ص 169 : موضوعة لطلب الفعل استعلاء لتبادُر الفهم عند سماعها إلى ذلك المعنى .(1/29)
... الوصل عطف جملة على أخرى ، والفصل تركه ، فإذا أتت جملة بعد أخرى ، وكان لها محل من الإعراب ، فإن قصد تشريكها بها في حكمه عطفت عليها ، وإلاّ فصلت ، وإن لم يكن لها محل فإن قصد ربط الثانية بها على معنى عاطف غير الواو عطفت به ، نحو : دخل زيد فخرج ، أو ثم خرج بكر ، إذا قُصد تعقيب أو مهلة ، وإلاّ فإن كان لها حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية فالفصل ، وإلاّ فإن كان بينهما كمال انقطاع بلا إيهام أو اتّصال ، أو شبه أحدهما فكذلك ، وإلاّ فالوصل ، أما كمال الانقطاع فلاختلافهما خبرا وإنشاء ، لفظا ومعنى ، أو معنى ، أو لأنه لا جامع بينهما ، وأما كمال الانقطاع فلكون الثانية مؤكدة للأولى لدفع توهم تجوز أو غلط ، أو لكونهما بدلا منها لنكتة ، أو بيانا لها ، وأما كونها كالمنقطعة عنها / فلكون عطفها عليها يوهم عطفها على غيرها ، وتسمي الفصل 7 ب لذلك قطعا ، وأما كونها كالمتصلة بها فلكونها جوابا لسؤال اقتضته الأولى ، فيفصل عنها ، كالجواب عن السؤال ، ويسمى الفصل لذلك استئنافا ، وهو (1) ثلاثة أضرب ؛ لأن السؤال إما عن سبب الحكم مطلقا ، نحو:
قال لي كيف أنت؟ قلت عليل سهر دائمٌ وحزن طويلُ (2)
__________
(1) وهو زيادة من التلخيص ، ص 186 .
(2) البيت من الخفيف ، ولا يعرف قائله ، وهو في التلخيص ، ص 186 ،وفي دلائل الإعجاز ، ص 338/ الموسوعة الشعرية ، وفي معاهد التنصيص ، ص 186 / الموسوعة الشعرية . وقد سقطت كلمة أنت من الأصل المخطوط ،(1/30)
أو عن سبب خاص ، نحو : [ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي] (1) إلى آخره (2) ، أو عن غيرهما ، نحو : [قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ] (3) ، وأما الوصل لرفع الإبهام فكقولهم : لا وأيّدك الله ، وإما للتوسط ، فإذا اتفقا خبرا أو إنشاء ، لفظا ومعنى ، أو معنى ، ولا بد لقبول عطف أحداهما على الآخر من جامع بينهما ، نحو : زيد يشعر ويكتب ، ويعطي ويمنع ، وهو إمَّا عقلي ، بأن يكون بينهما اتّحاد في تصوّر ما ، أو تماثل ، أو تضايف ، أو وهمي بأن يكون بينهما شبه تماثل، أو تضاد ، أو شبه تضاد ، أو خيالي بأن يكون بينهما تقارن في الخيال .
تذنيب : إذا وقعت جملة حالا منتقلة فلا بدّ من ربطها بصاحبها بضمير ، وهو الأصل ، أو بواو ، فالجملة إنْ خلت عن ضمير صاحبها وجبت الواو ، وكل جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال ، يصح أن يقع حالا عنه بالواو إلاّ المصدرة بمضارع مثبت ، نحو : جاء زيد ويتكلم عمرو ، فإن ربط مثلها إنما يكون بالضمير فقط ، وإلاّ فإن كانت فعلية ، والفعل مضارع مثبت ، امتنع دخولها ، وما جاء من نحو : قمت وأصكّ وجهه ، شاذ ، أو مؤول بحذف المبتدأ ، وقيل / الواو فيه عاطفة ، وإن كان منفيا أو ماضيا 8 أ لفظا أو معنى فالأمران ، وإن كانت اسمية فكذلك ؛ لكن دخولها أولى ، ولعبد القاهر فيها تفصيل .
الإيجاز والإطناب والمساواة
... وهي أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد (4) ، والإيجاز أن يكون ناقصا عنه وافيا ، والإطناب أن يكون زائدا عليه لفائدة .
__________
(1) يوسف 53
(2) تمام الآية : [إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ] يوسف 53
(3) هود 69
(4) يعني المساواة .(1/31)
والإيجاز ضربان : إيجاز قصر ، وهو ما لا حذف فيه ، نحو [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ] (1) ، وإيجاز حذف ، إمَّا جزء جملة ، كمضاف ، وموصوف ، وجواب شرط لمجرد اختصار ، أو للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف ، ولتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن ، وإمَّا جملة أو أكثر ، وأدلة الحذف ، وتعيين أدلة الحذف كثيرة ، ومنها العقل والمقصود ، ومنها العقل والعادة .
__________
(1) البقرة 179(1/32)
والإطناب إمَّا بالإيضاح بعد الإبهام ؛ ليرى المعنى في صورتين مختلفتين ، أو ليتمكن في النفس فضل تمكن ، أو لتكمل اللذة به ، ومنه التوسيع ، وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مُفسَّر باسمين متعاطفين ، نحو : ( يشيب ابن آدم ويشيب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل ) (1) ، وإمَّا بذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضله ، حتى كأنه ليس من جنسه ، وإمَّا بالتكرير لنكتة كالتأكيد ، وإمَّا بالإيغال ، وهو ختم البيت ، أو الكلام مطلقا على خلاف فيه مما يفيد نكتة ، يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة ، مثاله قوله تعالى : [اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ] (2) ، وإمَّا بالتذييل وهو تعقيب جملة بجملة تشتمل على معناها / للتوكيد ، وإمَّا بالتكميل ، ويسمى الاحتراس أيضا ، وهو8ب أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود وتفصله لنكتة كالمبالغة ، وإما بالاعتراض ، وهو أن يؤتى في أثناء كلام ، أو بين كلامين متصلين معنى بجملة فأكثر ، لا محل لها من الإعراب ؛ لنكتة سوى دفع الإبهام لتنزيه ودعاء ، وجوز بعضهم وقوعه آخر جملة لا يليها جملة متصلة بها ، وبعضهم كونه غير جملة ، وإما بغير ذلك ، واعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها ؛ بالنسبة إلى كلام آخر مساوٍ له في أصل المعنى .
الفن الثاني
__________
(1) وفي لفظ معه بدل فيه - اثنتان الحرص وطول الأمل. ، رواه الشيخان عن أنس مرفوعا. وفي لفظ يشيب ابن آدم ويشب منه خصلتان. وفي لفظ لمسلم والترمذي وابن ماجه عن أنس يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر . كشف الخفاء 2/396 / المكتبة الشاملة .
(2) يس 21(1/33)
علم البيان : هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه ، ودلالة اللفظ على معناه دلالة مطابقة ، وعلى جزئه تضمين ، وعلى لازمه الذهني التزام ، والأولَيَان لفظيتان ، والثالثة عقلية، والإيراد المذكور،إنما يتأتى بالآخرتَين ، ولفظ كل منهما إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وُضع له فمجاز ، وإلاّ فكناية ، ثم من المجاز ما يُبنى على التشبيه ، فتعين ذكره مع المجاز والكناية ؛ فانحصر في الثلاثة .
التشبيه :
... التشبيه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في المعنى ، والمراد هنا ما لم يكن على وجه الاستعارة التحقيقية ، والاستعارة بالكناية والتجريد ، فدخل نحو زيد أسد ، والنظر هنا في أركانه طرفاه ، ووجهه ، وأداته ، وفي عرضه ، وأقسامه .
... طرفاه إمَّا حسيان / كالخد والورد ، أو عقليان كالعلم والحياة ، أو مختلفان9 أ كالمنية والسّبع ، والعلم والخلق الحسن (1) ، والمراد بالحُسن المدرك هو أو ما دونه بإحدى الحواس الخمس الظاهرة ، فدخل الخيالي ، وبالعقلي ما عدا ذلك ، فدخل الوهمي وما يُدرك بالوجدان كاللذة والألم .
__________
(1) يريد تشبيه الخد بالورد ، والعلم بالحياة ، والمنية بالسبع(1/34)
... ووجهه ما يشتركان فيه تحقيقا ، أو تخييلاً ، وهو إمَّا خارج عن حقيقتهما ، أو خارج صفة ، والحقيقية إما حسية نحو الكيفيات الجسمية (1) كالألوان والأشكال ، أو عقلية نحو الكيفيات النفسية كالذكاء والعلم ، وإمَّا إضافية كإزالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس ، وأيضا إمَّا واحد ، أو بمنزلته ، أو متعدد ، وكل من الأولين إمَّا حسي ، أو عقلي ، والثالث كذلك ، أو مختلف ، والحسي طرفاه حسيان فقط ، والعقلي أعم ، فإن قيل هو مشترك فيه فهو كلي ، والحسّ ليس بكلي ، قلنا المراد أنّ أفراده مدركة بالحس ، واعلم أنه قد يُنتزع من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر ، وأنه قد يُنتزع من التضاد لاشتراك الضدين فيه ، ثم ينزل منزلة التناسب بواسطة مدح أو تهكم ، فيقال للجبان ما أشبهه بالأسد ، وللبخيل : هو حاتم .
... وأداته الكاف ، وكأن ، ومثل ، ونحوه ، والغرض منه غالبا العود إلى المشبه كبيان إمكانه ، أو حاله ، أو مقدارها ، وقد يعود إلى المشبه به ، إمَّا لبيان إيهام أنه أتم من المشبه ، أو لبيان الاهتمام به ، وتسمي إظهار المطلوب هذا إذا أُريد / إلحاق ناقص 9 ب حقيقة أو ادّعاء بزائد ، فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر فالأحسن ترك التشبيه إلى التشابه .
__________
(1) الذي جاء في الأصل المخطوط : وإما حقيقية حسية نحو الكليات ، وما أثبتناه من التلخيص في علوم البلاغة ص 250.(1/35)
... وهو باعتبار طرفيه إمَّا تشبيه مفرد بمفرد ، أو مركب بمركب ، أو مفرد بمركب ، أو عكسه ، وأيضا إنْ تعدد طرفاه فإما ملفوف أو مفروق ، وإن تعدد طرفه الأول فتشبيه التسوية ، أو الثاني فتشبيه الجمع ، وباعتبار وجهه إمَّا بتمثيل ، وهو ما وجهه منتزع من متعدد ، أو غيره ، وهو بخلافه ، وأيضا إمَّا مجمل ، وهو ما لم يذكر وجهه ، أو مفصل ، وهو بخلافه ، وأيضا إمَّا قريب مبتذل ، بأن يكون ظاهرا في بادي الرأي ، أو بعيد غريب ، وهو بخلافه ، وباعتبار أداته إمَّا مؤكد ، وهو ما حُذفت أداته ، أو مرسل ، وهو بخلافه ، وباعتبار الغرض إمَّا مقبول ، وهو الوافي بإفادته ، أو مردود ، وهو بخلافه .
خاتمة :
... أعلى مراتب التشبيه في قوة المبالغة باعتبار ذكر أركانه ، أو بعضها حذف وجهه وأداته فقط ، أو مع حذف المشبه ، ثم حذف أحدها كذلك .
الحقيقة والمجاز
... الحقيقة : لفظ مستعمل فيما وضع له أولا ، والوضع : تغيير اللفظ للدلالة بنفسه على المعنى .(1/36)
... والمجاز : مفرد ومركب ، فالمفرد لفظ يستعمل بوضع ثان لعلاقة مع قرينة ، وكل منهما لغوي ، وشرعي ، وعرفي ، خاص أو عام ، والمجاز مرسل إن كانت العلاقة غير المشابهة كاليد في القدرة ، وإلاّ فاستعارة ، وقد يطلق المجاز على كلمة تغير إعرابها بحذف لفظ ، أو زيادته ، وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به / في المشبه 10أ فهما مستعار منه ، ومستعار له ، واللفظ مستعار ، والاستعارة قد تقيد بالتحقيقية ؛ لتحقق معناها حسا أو عقلا ، وهي تفارق الكذب ببنائها على التأويل ، ونصب القرينة ، ولا تكون عَلما إلاّ أن تضمن نوعا وصفته (1) ، وهي باعتبار طرفيها قسمان ؛ لأن اجتماعهما في شيء إمَّا ممكن، وتسمى وفاقية ، وإمَّا ممتنع ، وتسمى عنادية ، ومنها التهكمية والتلميحية ، وهما ما استعمل في ضده أو نقيضه ، وباعتبار الجامع قسمان ، لأنه إمَّا داخل في مغهوم الطرفين أو لا ، وأيضا إما عامية ، وهي المبتذلة ، أو خاصية ، وهي الغريبة ، والغرابة قد تكون في الشبه ، وقد تحصل بتصرف في العامية ، وباعتبار الثلاثة ستة أقسام ، فإنّ الطرفين إن كانا حسيين فالجامع إمَّا حسي ، نحو : [فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا] (2) أو عقلي ، نحو : [وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ] (3) ، أو مختلف ، كقولك : رأيت شمسا ، وأنت تريد إنسانا كالشمس في حُسن الطلعة ، وإلاّ فهما إما عقليان ، أو مختلفان ، بأن يكون المستعار منه حسيّا والمستعار له عقليا ، أو عكسه ، وباعتبار اللفظ قسمان ، لأنه إنْ كان اسم جنس فأصلية ، كأسد ، وقتل ، وإلاّ فتبعية كالمشتق والحرف ، فالتشبيه في الأول لمعنى المصدر ، وفي الثاني لمتعلق معناه ، كالظرفية في : زيد في نعمة ، وباعتبار آخر ثلاثة أقسام : مطلقة وهي ما لم تقترن بصفة ولا تقريع ، ومجردة ، وهي ما قرن بما يلائم
__________
(1) في التلخيص في علوم البلاغة ، ص 307: إلاّ إذا تضمن نوعَ وصفيَّهٍ
(2) طه 88
(3) يس 37(1/37)
المستعار له ، ومرشحة وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه ، وقد يجتمعان ، والترشيح / أبلغ . ... ... ... ... 10 ب
والمركب : لفظ مستعمل فيما شبِّه بمعناه الأصلي .
تشبيه التمثيل للمبالغة ، كما يقال للمتردد في أمر : إني أراك تقدم رجلا وتؤخِّر أخرى ، وسمي التمثيل على سبيل الاستعارة ، وقد يسمى التمثيل مطلقا ، ومتى فشا استعماله كذلك سمي مثلا (1) .
فصل : قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه ، وما يدل
عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، فيسمى التشبيه استعارة بالكناية مكنياً عنها ، وإثبات ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية ، كما في قول الهذلي :
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها (2)
وقول الآخر :
ولئن نطقتُ بشكرِ بِرِّكَ مفْصِحا فلسانُ حالي بالشِّكايةِ أنطَقُ (3)
فصل : الكناية لفظ أريد به لازم معناه ، مع جواز إرادته ، وهي ثلاثة أقسام : مطلوب بها صفة ، فإن كان الانتقال بواسطة فبعيدة ، أو بلا واسطة فقريبة ، واضحه ، أو خفية ، ومطلوب بها نسبة ، ومطلوب بها غيرهما ، والموصوف فيها قد يكون محذوفا ، كما يقال في عرض مَن يؤذي المسلمين : ( المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده ) (4) .
__________
(1) الذي جاء في الأصل المخطوط : ( ومتى فشا استعماله سمي كذلك سمي مثلا) بتكرار سمي ، وما أثبتناه من التلخيص في علوم البلاغة ، 324 .
(2) صدر بيت من الكامل ، لأبي ذؤيب الهذلي ، ديوانه ، الموسوعة الشعرية . والبيت بتمامه :
... ... وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
(3) البيت من الكامل ، وهو لأبي نصر محمد بن عبد الجبار العتبي ، وقبله :
لا تحسبن بشاشتي لك عن رضاً فوحق فضلك إنني أتملق
انظر : ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، ص 332 ، خاص الخاص ، ص 200 ، التلخيص في علوم البلاغة ، ص 327 .
(4) رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. المقاصد الحسنة 1/252 / المكتبة الشاملة .(1/38)
فصل : أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح ، وأن الاستعارة أبلغ من التشبيه .
الفن الثالث
... علم البديع : هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية المطابقة ، ووضوح الدلالة ، وهي ضربان : معنوي ولفظي ، أما المعنوي فمنه : المطابقة ، وتسمى الطباق ، والتضاد ، وهي الجمع بين متضادين بلفظين / من نوع (1) ،
__________
(1) في الهامش العلوي ، وبخط مغاير كلمة ( واحد ) ..(1/39)
اسمين أو فعلين 11أ أو حرفين ، أو من نوعين ، ومنه مراعاة النظير ، ويسمى التناسب والتوفيق وهي جمع متناسبين ، لا بالتضاد ، نحو [الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ] (1) ومنها ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف ، وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى ، نحو : [لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ] الآية (2) ، ويلحق بها نحو : [الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ] (3) ، وسمي إيهام التناسب ، ومنه الإرصاد ، ويسمى التسهيم ، وهو أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو البيت ما يدل عليه إذا عرف الروي ، ومنه المشاكلة ، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره ؛ لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا (4) نحو (5) [صِبْغَةَ اللَّهِ] (6) ، ومنه المراوحة ، وهي أن يُراوَح بين معنى في الشرط ومعنى في الجزاء في أن يترتب على كلٍّ ما ترتب على الآخر ، ومنه العكس ، وهو أن يتقدّم في الكلام جزء ، ثم يؤخّر ، ومنه الرجوع ، وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض لنكتة ، ومنه التورية ، وتسمى الإيهام ، وهي أن يطلق لفظ له معنيان ، قريب وبعيد ، ويراد البعيد ، وهي ضربان مجردة بأن لا تجامع شيئا مما يلائم القريب ، نحو:[الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (7) ، ومرشحة ، نحو : [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ] (8) ومنه الاستخدام ، وهو أن يراد بلفظ له معنيان احدهما ،
__________
(1) الرحمن 5
(2) تمام الآية : [وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ]الأنعام 103
(3) الرحمن 5 ، 6
(4) لم يستشهد على قوله تحقيقا ، ومثاله كما جاء في التلخيص في علوم البلاغة قوله تعالى : [ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ] المائدة 116
(5) ( نحو ) زيادة من ب ، وجاء في التلخيص في علوم البلاغة ، ص 356: و الثاني نحو : [صِبْغَةَ اللَّهِ]
(6) البقرة 138
(7) طه 5
(8) الذاريات 47(1/40)
وبضميره الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما وبالآخر الآخر ، ومنه اللف والنشر ، وهو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال ، ثم ما لكلٍّ من غير تعيين ، ثقة بأن السامع يرده / إليه ، فالأول مرتب وغيره ، والثاني نحو : 11 ب
[وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى] (1) ، ومنه الجمع ، وهو أن يجمع بين متعدد في حكم ، نحو: [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] (2) ومنه التفريق ، وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع في مدح أو غيره ، ومنه التقسيم ، وهو ذكر متعدد ، ثم ما لكلٍّ على التعيين ، ومنه الجمع مع التفريق ، وهو أن يُدخَل شيئان في معنى ويتفرق بين جهتي الإدخال ، ومنه الجمع مع التقسيم ، وهو جمع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه أو العكس ، ومنه الجمع على التفريق والتقسيم ، نحو : [يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ] (3) إلى غير محدود ، وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين : أحدهما أن يذكر أحوال الشيء مضافا إلى كل ما يتعلق به ، والثاني استيفاء أقسام الشيء ، ومنه التجريد ، وهو أن يُنتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه ، وهو أقسام ، منها نحو قولهم : مِنْ فلان صديق حميم ، ومنها نحو قولهم : لئن سألت فلانا لتسألنّ به البحر، ومنها نحو : [لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ] (4) ، ومنها مخاطبة الإنسان نفسه ، ومنه المبالغة المقبولة ، والمبالغة أن يُدَّعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدّاً مستحيلاً، أو مستبعدا؛ لئلا يُظن أنه غير متناه فيه ، وينحصر في التبليغ والإغراق والغلو ، لأن المدّعي إنْ كان متمكنا عقلا وعادة ، فتبليغ به ، أو ممكنا عقلا ، لا عادة / 12أ فإغراق ، وهما مقبولان ، وإلاّ فغلو ، والمقبول منه أصناف منها : ما أدخل عليه ما يقرِّبه إلى الصحة ، ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل ، ومنها
__________
(1) البقرة 111
(2) الكهف 46
(3) هود 105
(4) فصلت 28(1/41)
ما أخرج مخرج الهزل ، ومنها المذهب الكلامي ، نحو : [ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا] (1) ، ومنه حسن التعليل ، وهو أن يدّعي لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقي ، وهو أربعة أضرب ؛ لأن الصفة إمَّا ثابتة قصد بيان علتها ، أو غير ثابتة أريد إتيانها ، والأولى إما أن لا يظهر لها في العادة علة ، أو يظهر لها علة غير المذكورة ، والثانية إما ممكنة أو غير ممكنة (2) ، وألحق به ما بني على الشك ، ومنه التفريع ، وهو أن يثبت لمتعلق أمر حكم بعد إتيانه لغيره لمتعلق لآخر ، ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو ضربان ، أفضلهما أن يستثني من صفة ذم منفية عن شيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ، كقوله :
... ... وَلا عَيبَ فيهِم غَيرَ أَنَّ سُيوفَهُم بِهِنَّ فُلولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ (3)
__________
(1) الأنبياء 22
(2) أو غير ممكنة زيادة من الحاشية اليمنى .
(3) البيت من الطويل ، للنابغة الذبياني . ديوانه ، ص 11.(1/42)
أي إن كان فلول السيف عيبا . والثاني أن يثبت لشيء صفة مدح ، ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له ، نحو : ( أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) (1) ، ومنه ضرب آخر (2) ، وهو نحو : [وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا] (3) ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح ، وهو ضربان ، أحدهما أن يستثني من صفة مدح منفية عن شيء صفة ذم بتقدير دخولها فيها ، كقولك : فلان لا خير فيه إلاّ أنه يسيء إلى مَنْ يحسن إليه ، وثانيهما /أن يثبت لشيء صفة ذم ، ويعقب بأداة استثناء تليها صفة ذم أخرى له ، كقولك : 12ب فلان فاسق إلاّ أنه جاهل ، ومنه الاستتباع ، وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر ، ومنه الإدماج ، وهو أن يُضمِّن كلاما سبق لمعنى ، معنى آخر (4) ، فهو أعم من الاستتباع ، ومنه التوجيه ، وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين متضادين ، كقول من قال لأعور :
ليتَ عَينيهِ سَوَاء (5)
__________
(1) أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده . كشف الخفاء 1/201/ المكتبة الشاملة .
(2) وهو أن يأتي الاستثناء فيه مفرغا . انظر التلخيص في علوم البلاغة ، ص 382 .
(3) الأعراف 126
(4) الذي جاء في الأصل المخطوط : وهو أن يضمن الكلام سبق لمعنى آخر ، وما أثبتناه من التلخيص في علوم البلاغة ، ص 383
(5) عجز بيت من مجزوء الرمل ، قيل إنه لبشار بن برد كما في زهر الأكم في الأمثال والحكم ، ص 1477 / الموسوعة الشعرية . فقد روي عن بشار بن برد من أنه خاط له رجل أعور يعرف بعمرو بردا فلم يعجبه فقال
له: ما هذه الخياطة؟ قال له: خطته لك كذلك لتلبسه إنَّ شئت على وجهه، وإنَّ شئت من باطنه. فقال له بشار: وأنا قد قلت فيك شعرا، إنَّ شئت جعلته مدحا وإنَّ شئت جعلته هجوا، ثم انشد:
خاط لي عمرو قباء ليت عينيه سواء
فأحاجي الناس طرا أمديح أم هجاء!(1/43)
ومنه الهزل الذي يراد به الجد ، ومنه تجاهل العارف ، وهو سَوْق المعلوم مساق غيره لنكتة ، ومنه القول بالموجب ، وهو ضربان ، أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير ؛ كناية عن شيء أثبت له حكم ، فتثبتها لغيره بلا تعرض ؛لثبوته أو انتفائه عنه ، نحو : [يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ] (1) الآية ، والثاني حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله اللفظ بذكر متعلقه ، ومنه الاطراد وهو أن يأتي بأسماء الممدوح أو غيره وأسماء آبائه على ترتيب الولادة بلا تكلف .
... وأمَّا اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين وهو تشابههما في اللفظ، والتام منه أن يتفقا في أنواع الحروف وإعدادها وهيئاتها وترتيبها ، فإن كانا من نوع كاسمين سمي مماثلاً ، وإلاّ فمستوفى ، وأيضا إن كان أحد لفظيه مركبا ، سمي جناس التركيب ، فإن اتّفقا في الخط سمي متشابها وإلاّ فمرفوقا ، فإن اختلفا في هيئات الحروف فقط ، سمي محرّفا ، نحو : جُبّة البُرد ، وجبة البَرد ، والحرف المشدد كالمحقق / أو في أعدادها13أ سمي ناقصا ، وذلك إما بحرف في الأول ، أو في الوسط ، أو في الأخير ، وقد يسمى هذا مطرفا ، وإما بأكثر ، وقد يسمى مذيلا، أو في أنواعها ، اشترط أن لا يقع بأكثر من حرف ، ثم الحرفان إنْ كانا متقاربين سمي مضارعا ، وإلاّ فلاحقا ، وكلّ منهما إما في الأول ، أو في الوسط ، أو الأخير ، أو في ترتيبها فتجنيس القلب ، ثم إنْ وقع ذلك في كل الحروف سمي قلب كل ، وإلاّ فقلب بعض ، وإن وقع أحدهما في أول البيت ، والآخر غي آخره ، سمي مقلوبا مجنحا ، وإن ولِيَ أحد المتجانسين الآخر ، سمي مزدوجا ومكررا ومرددا ، ويلحق بالجناس شيئان : أن يجمع اللفين الاشتقاق ، نحو: [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ] (2) ، أو ما أشبه الاشتقاق ، نحو : [قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ] (3) .
__________
(1) المنافقون 8
(2) الروم 43
(3) الشعراء 168(1/44)
... ومنه رد العجز إلى الصدر بأن يجعل في النثر أحد اللفظين المكررين ، أو المتجانسين ، أو الملحقين بهما في أول الفقرة ، والآخر في آخرها ، وفي النظم أحدهما في آخر البيت ، والآخر في صدر المصراع الأول ، أو حشوه ، أو آخره ، أو صدر الثاني .
... ومنه السجع ، قيل هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد ، وهو مُطرَّف إنْ اختلفا في الوزن ، نحو : [مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا] (1) ، وإلاّ فإن كان ما في إحدى القرينتين ، أو أكثره ، مثل ما يقابله في الوزن والتقفية فترصيع ، وإلاّ فمتواز ، قيل : وأحسن السجع ما تساوت قرائنه ، نحو : [فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ] (2) ثم ما طالت / قرينته الثانية (3) . بل فواصل (4) ،13ب وقيل السجع غير مختص بالنثر ومن السجع على هذا القول ما يسمى التشطير ، وهو جعل كلٍّ من شطري البيت سجعة مخالفة لأختها ، كقوله :
... ... تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ (5)
... ومنه الموازنة : وهي تساوي الفاصلتين في الوزن دون التقفية ، نحو : [وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ] (6) فإن كان في إحدى القرينتين أو أكثره مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن سمي مماثلة ، نحو :[ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] (7) .
__________
(1) نوح 13، 14
(2) الواقعة 28 ، 29
(3) الذي جاء في التلخيص ، ص 399: ثم ما طالت قرينته الثانية ، نحو [ والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ] أو الثالثة ، نحو : [ خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ] .
(4) هكذا وردت هذه العبارة ، أما ما جاء في التلخيص في علوم البلاغة : ولا يقال في القرآن أسجاع بل يقال فواصل ، التلخيص ، ص 400
(5) من البسيط ، لأبي تمام ، ديوانه ، ص 20 .
(6) الغاشية 15 ، 16
(7) الصافات 117 ، 118(1/45)
ومنه القلب : نحو [وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ] (1) .
ومنه التشريع : وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند (2) الوقوف على كل منهما ، كقوله :
يا خاطِبَ الدّنيا الدّنِيّةِ إنّها شرَكُ الرّدى وقَرارَةُ الأكدارِ (3)
ومنه لزوم ما لا يلزم ، وهو أن يجيء قبل حرف الروي أو ما في معناه من الفاصلة ما ليس بلازم في السجع ، نحو : [فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ] (4) ، وأصل الحسن في ذلك كله أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس .
خاتمة : في السرقات الشعرية وما يتصل بها وغير ذلك :
__________
(1) المدثر 3
(2) كتبت : على ، وما أثبتناه من التلخيص ، ص 405
(3) البيت من الكامل ، وقد نسب للحريري ، وهو في المقامة الشعرية ، ص 192
فهذا البيت إِذا أُنشد على هيئته كان من الكامل، وإذا أسقطت الجزءين الأخيرين منه كان من مجزوئه ه فتبقى صورته : يا خاطب الدُّنيا الدَّنيَّة إنَّها شرك الرَّدَى
(4) الضحى 9 ، 10(1/46)
إتفاق القائلَيْن: إن كان في غرض عام كالوصف بالشجاعة والسخاء فلا يعدّ سرقة ، أو في وجه (1) الدلالة كالتشبيه ، فإن اشترك الناس في معرفته ؛ لاستقراره في العقول والعادات ، كتسمية الشجاع بالأسد ، فكذلك / وإلاّ جاز أنْ يُدَّعى فيه السبق والزيادة 14 أ ، وهو خاصيّ في نفسه غريب ، وعاميّ تُصُرِّف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما مرّ، فالسرقة نوعان : ظاهر وغيره ، أما الظاهر فهو أنْ يؤخذ المعنى كله مع اللفظ كله ، أو بعضه ، أو وحده ، فإن أخذ اللفظ كله بلا تغيير لنظمه فهو مذموم ؛ لأنه سرقة محضة ، ويسمى نسخا وانتحالا في معناه ، أن يبدل الكلمات أو بعضها بما يرادفها ، وإن كان مع تغيير لنظمه ، أو أخذ بعض اللفظ سمي إغارة ومسخاً ، فإن كان الثاني أبلغ ؛ لاختصاصه بفضيلة فممدوح ، أو دونه فمذموم ، أو مثله فأبعد من الذم ، والفضل للأول ، وإن أخذ المعنى وحده سمي إلماما وسلخا ، وهو ثلاثة أقسام كذلك .
وأمَّا غير الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان ، ومنه أن ينتقل المعنى إلى معنى آخر ومنه أن يكون المعنى أشمل ، ومنه القلب بأن يكون معنى الثاني نقيض معنى الأول ، ومنه أن يؤخذ بعض المعنى ، ويضاف إليه ما يُحسِّنه ، وأكثر هذه الأنواع ونحوها مقبولة ، بل منها ما يُخرجه حُسن التصرف من قبيل الإتباع إلى حيز الابتداع ، هذا إذا عُلِم أنّ الثاني أخذ من الأول ، وإلاّ فلا يحكم بشيء من ذلك ، لجواز أن يكون الاتفاق من توارد الخواطر ، فإذا لم يُعلَم قيل : قال فلان كذا ، وسبقه إليه فلان ، فقال كذا ، ومما يتصل بذلك القول في الاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحل ، والتلميح .
__________
(1) كتبت أوجه ، وما أثبتناه من التلخيص ، ص 408(1/47)
فالاقتباس : أن يُضمِّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ، لا على أنه منه ، كقول الحريري : فلم يكن إلاّ كلمح البصر أو أقرب حتى أنشد فأغرب ، وهو ضربان : / 14 ب أحدهما ما لم ينقل فيه المقتبس من (1) معناه الأصلي ، كما مرّ ، وخلافه كقوله :
لئن أخطأت في مدحيـ ك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع (2)
ولا بأس بتغيير يسير للوزن أو غيره ، كقوله :
كان الذي خِفْتُ أن يَكونَا إنَّا إلى الله راجِعُونا (3)
والتضمين : أن يُضمِّن الشِّعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء ، وأحسنه ما زاد على الأصل بنكتة كتورية وتشبيه ، ولا يضرّ التغيير اليسير ، وقد سمي تضمين البيت فأكثر استعانة ، وتضمين المصراع فأكثر (4) إيداعا ورفوا .
... والتعقيد : نظم نثر لا على طريق الاقتباس ، والحل : نثر نظم ، والتلميح : أنْ يشار إلى قصة أو مثل أو شعر من غير ذكره .
تتمة : ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه ، حتى يكون أعذب لفظا ،وأحسن سبكا ، وأصح معنى ، أحدها : الابتداء ، كقوله :
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ (5)
__________
(1) في النسخة ب ، والتلخيص ، ص 423 : عن
(2) من الهزج ، وقد نسب هذان البيتان لعدد من الشعراء منهم : ابن الرومي ، كما في كتاب التلخيص في علوم البلاغة ، ص 423 ، ولدعبل الخزاعي ، كما في الورقة ، ص 156 / الموسوعة الشعرية ، ولإسماعيل القراطيسي ، كما في عيون الأخبار ، ص 3/143.
(3) البيت من مخلع البسيط ، وقد نسب في نهاية الأرب ، ص3388 / الموسوعة الشعرية ، لأبي تمام ، ونسب في معاهد التنصيص ، ص 2183 / الموسوعة الشعرية لبعض المغاربة عند وفاة بعض أصحابه .
(4) في التلخيص ، ص 426 : فما دونه .
(5) صدر بيت من الطويل لامرئ القيس ، ديوانه ، ص 110 ، والبيت بتمامه :
... ... قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ(1/48)
وأحسنه ما ناسب المقصود ، ويسمى براعة الاستهلال ، كقوله في التهنئة :
بُشرى فَقَد أَنجَز الإِقبال ما وَعدا (1)
وثانيها : التخلص مما افتتح الكلام به إلى المقصود مع رعاية (2) الملائمة بينهما ، وقد يُنتقل منه ، ويسمى الاقتضاب (3) ، ومنه ما يَقْرُب من التخلُّص ، كقوله بعد حمد الله : أمَّا بعد ، فصل الخطاب ، وكقوله تعالى : [هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ] (4) .
وثالثها : الانتهاء ، وأحسنه (5) ما أذِن بانتهاء الكلام ، كقوله :
بَقيتَ بقاءَ الدَّهرِ يا كَهْفَ أَهلِه وهذا دُعاءٌ للبريّةِ شامل (6)
نجز الكتاب بحمد الله وعونه
وحسن توفيقه والله
الموفق للصواب
وإليه المرجع
والمآب .
المراجع
ـ الأعلام ، الزركلي : خير الدين ، دار العلم للملايين ـ بيروت 1984م.
ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، الشوكاني : محمد بن علي ، دار المعرفة ـ بيروت ، لا . ت .
ـ البيان والتبيين ، الجاحظ : أبو عثمان عمرو بن بحر ، تح . فوزي عطوي ، دار صعب ـ بيروت ،1968م
ـ تاريخ النور السافرعن أخبار القرن العاشر ، العيدروسي : محيى الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1985م.
__________
(1) صدر بيت من البسيط ، لأحمد القوصي ، ديوانه / الموسوعة الشعرية ، والبيت بتمامه :
... ... بُشرى فَقَد أَنجَز الإِقبال ما وَعدا وَكَوكَب المَجد في أُفق العُلا صَعَدا
(2) في أ ، ب . زيادة الملاءمة ، وما أثبتناه من التلخيص ، ص 432
(3) في التلخيص ، ص 433 : وقد ينتقل منه إلى ما لا يلائمه ويسمى الاقتضاب .
(4) ص 55
(5) وأحسنه زيادة من ب . ومن : التلخيص ، ص 435 .
(6) البيت من الطويل ، وقد نسب في نهاية الأرب ، ص 4533 / الموسوعة الشعرية ، للغزي ، وقال عبد الرحيم العباسي في معاهد التنصيص ، ص 2466/ الموسوعة الشعرية أنه قد نسب لأبي العلاء المعري ، كما نسب للمتنبي ، ولم أره في ديوان واحد منهما .(1/49)
ـ التلخيص في علوم البلاغة ، القزويني : جلال الدين محمد بن عبد الرحمن ، تح . عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، 1932م .
ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، الثعالبي : أبو منصور عبد الملك بن محمدبن إسماعيل ، تح . محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ـ القاهرة ، 1965م.
ـ الحيوان ، الجاحظ : أبو عثمان عمرو بن بحر ، تح . عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل ، دار الفكر ـ بيروت ، 1980م
ـ خاص الخاص ، الثعالبي : أبو منصور عبد الملك بن محمدبن إسماعيل ، تح .حسن الأمين ، دار مكتبة الحياة ـ بيروت ، 1966م.
ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ، البغدادي : عبد القادر بن عمر ، تح . عبد السلام محمدهارون ، مكتبة الخانجي ـ القاهرة ، 1986م
ـ ديوان أبي تمام ، تح . شاهين عطية ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1987م.
ـ ديوان امرئ القيس، تح. مصطفى عبدالشافي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1983م .
ـ ديوان العجاج ، رواية عبدالملك بن قريب الأصمعي وشرحه ، تح . عزة حسن ، مكتبة دار الشرق ، بيروت ، لا . ت .
ـ ديوان النابغة الذبياني ، تح . كرم البستاني ، دار صادر ـ بيروت ، لا .ت .
ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، ابن العماد الحنبلي : أبو الفلاح عبد الحي، دار الفكر ـ بيروت 1988
ـ شرح ابن عقيل ، ابن عقيل : عبد الله بن عقيل العقيلي ، تح . محمد محيى الدين عبدالحميد ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، 1964 م .
ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ابن رشيق : الحسن بن رشيق القيرواني ، تح . محمدمحيى الدين عبد الحميد ، دار الجيل ـ بيروت 1972
ـ عيون الأخبار، ابن قتيبة الدينوري : أبو محمد عبد الله بن مسلم ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية ، سنة 1925م .
ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، حاجي خليفة : مصطفى بن عبدالله ، أوفست عن طبعة استانبول ، منشوران مكتبة المثنى ـ بغداد ، لا . ت .(1/50)
ـ الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ، الغزّي : نجم الدين محمد ، تح . جبرائيل سليمان جبور ، دار الآفلق الجديدة ـ بيروت ، 1979
ـ مقامات الحريري ، الحريري : القاسم بن علي، دار صادر ـ بيروت ، لا . ت .
ـ المكتبة الشاملة .الإصدار الثالث
ـ الموسوعة الشعرية .الإصدار الثاني .
الفهرس
زكريا الأنصاري وحياته العلمية ... ... ... ... ... 2 ـ 17
أولا : سيرته الذاتية ... ... ... ... ... ... 2 ـ 6
... أ ـ اسمه ونسبه ... ... ... ... ... 2
... ب ـ ولادته ... ... ... ... ... ... 2
... ج ـ أسرته ... ... ... ... ... ... 3
... د ـ نشأته ... ... ... ... ... ... 3
... هـ ـ صفاته وأخلاقه ... ... ... ... ... 5
... وـ وفاته ... ... ... ... ... ... 6
ثانيا : سيرته العلمية ... ... ... ... ... ... 7 ـ 17
... أ ـ شيوخه ... ... ... ... ... ... 7
... ب ـ تلامذته ... ... ... ... ... ... 10
... ج ـ علومه ومعارفه ... ... ... ... ... 12
... د ـ وظائفه التي تقلّدها ... ... ... ... ... 13
... هـ ـ ثناء العلماء عليه ... ... ... ... 14
... و ـ آثاره العلمية ... ... ... ... ... 15
المقدمة ... ... 18ـ 19
الفن الأول : علم المعاني ... 19ـ27
... أحوال الإسناد الخبري ... 20
... أحوال المسندإليه ... 20
... أحوال المسند ... 21
... أحوال متعلقات الفعل ... 23
... القصر ... 23
... الإنشاء ... 24
... الوصل والفصل ... 25
... الإيجازوالإطناب والمساواة ... 26
الفن الثاني : علم البيان ... 27ـ 30
... التشبيه ... 27
... الحقيقة والمجاز ... 28
الفن الثالث : علم البديع ... 30ـ35
الخاتمة :السرقات الشعرية ... 35ـ37
المراجع ... 28 ـ 39
فهرس الموضوعات ... 40 ـ41(1/51)