أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:1
[مقدمة صلاح الصاوي ]
كلمة فى البداية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طالما سمعنا عن كتاب اعلام النبوة لأبى حاتم الرازى و مخطوطاته و قرأنا الاشارات بل بعض الفقرات منه فى بعض الكتب مما زادنا شوقا اليه، و تمنينا أن تسعدنا الظروف و يصل الى ايدينا. هكذا، حتى ازفت فرصة خاطفة، فيها فرض الكتاب نفسه علينا و تحتّم أن يصل بنفسه الى يد القارى الكريم فى صورة الكتاب المطبوع. و من يقرأ الكتاب يلمس تماما التشابه بين الحال فى طبع الكتاب و بينها فى تأليفه، و أن أبا حاتم كان قد حرره أولا فى فرصة آزفة خاطفة، كفرصتنا هذه، التى نسأل اللّه تعالى أن تكون سببا لاستدرار عفو القارى الكريم عما يراه من قصور أو تقصير؛ بل و كما يبدو أن فكرة هذا الكتاب أصلا لم تكن عن نية مبيتة أو اصرار باختيار، فالظاهر أن المناسبة التى اختطفت الكتاب من صاحبه كانت بدورها ضرورة
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:2(1/1)
فرضتها الظروف على أبى حاتم، و أنه كان الرجل، الرجل اللائق لنفس الموضوع. فالكتاب على حقيقته مناسبة تاريخية تصور لنا معركة فكرية عقائدية بين رازيين أبى حاتم الداعى المتكلم الاسماعيلى و محمد بن زكريا المتفلسف المتطبب. حيث تعددت اللقاءات بينهما و دار النقاش حول مواضيع شتى من جوانب الثقافة الاسلامية من عقائد و فلسفة و كلام و طب و صيدلة و هيئة و ما الى ذلك على أن اختلاف الرأى بين الرجلين فى هذه الجوانب لم يكن الا مظاهر متعددة لاختلاف اساسى واحد بينهما فى الرأى حول العقل الانسانى و تكليفه و حدود امكانه من جانب و النبوة و الضرورة اليها من جانب آخر. و لا شك فى أنها ليست المرة الوحيدة التى يناقش فيها هذا الموضوع بالذات سواء على مستوى الاسلام أو ما قبل الاسلام؛ فهو موضوع الانسان بين العقل و الايمان، الذى لعب و ما زال يلعب ادوارا خطيرة فى حياة البشر الى يومنا هذا. بل لعلى لا اكون مبالغا اذا قلت انه اهم موضوع فى حياة الانسان و محور الصراع الدائم بين الانسان و نفسه. فالنفس الانسانية ميالة الى التحرر من العبودية للّه راغبة فى التأله و انفكاك من كل سلطان يحدمن نزواتها. و كان كلّ من يتناول الموضوع يدلى برأيه تاركا الحكم للزمان، فهو الذى يقرر الاحكام النهائية فيماهم فيه مختلفون.
هذا، الا ان الجديد فى باب هذا الكتاب ان الخلاف ظهر فى صورة محاورات و مناظرات حادة عنيفة فى جوّ مفعم بالسخرية العميقة و بما تجلت عنه نفس أبى حاتم من القدرة الفائقة على الاقناع و الافحام
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:3
بالبديهيات، فأضافت بعدا جديدا الى الموضوع، و أحدثت دويا لا تزال اصداؤه تقرع الاذان منذ القرن الرابع. و لا شك عندى فى أن ابن زكريا لو كان يدرى بأنّه سيكون هدفا لابى حاتم بالذات، لما ورط نفسه و جاهر بانكار النبوه و بما ذهب اليه فى هذا الصدد.(1/2)
و مهما يكن، فالكتاب ليس فى حاجة إلى تقديم و لا صاحبه الى تعريف، مادام الرجل هو كتابه، و مادام الكتاب بين يدى القارى يعيش فى أجوائه و يتنقل بين فصوله و ابوابه. و أرى أنه يحبل بى الا اسبق ذهن القارى بشى ء من الحكم او التقديم، فربما افسد ذلك عليه لذة اصدار الحكم بنفسه. لا أرى بالنسبة لهذا الكتاب بالذات مناسبة لاضع نفسى بين كاتبه و قارئه، آملا أن تتحقق له لذة و متعة فكرية و ارتواء روحيا اكثر مما تحقق لى. فالواقع أن الكتاب على ما به من مباحث شيقة و بداهة خاطفة لماحة و استدلال، مفحم و رشاقة فى الحوار، يقدم لنا صورة جلية عن عظمة الثقافة الاسلامية، و عن مدى الموسوعية التى كان يتمتع بها العالم الذى يستحق أن يوصف بكونه عالما اسلاميا.
و ان كان هناك ما أحرص على الايفوتنى فهو هذه الطريقة التى بها قدم ابو حاتم الحقيقة الواقعة فى وحدة الأديان و جسّم تكاملها، و براعته فى الاستدلال عليها و استشهاده لها من واقع الكتب المقدسة و الشرائع و التواريخ بما لم يحدث قبله أو بعده. لقد أكد الجميع على هذه الحقيقة. و لكنهم لم يخاطبوا بها جميع الافراد المعنية و لم يعالجوا بها القلوب المتنافرة و يؤلفوها حول المحور الواحد الحق.
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:4
أما ابو حاتم- رحمه اللّه- فقد وضع حقيقة الأديان الواحدة امام اهل الأديان جميعا، و بين الخلاف بين فروع الشرائع و أسبابه، و الترابط و الاتحاد بين أصولها و ضروراته، بما لا يدع مجالا لمتخلف أن يتخلف الا أن يكون مرضه القلبى مزمتا و علته العقلية مستعصية او يكون جاهلا بكتابه الذى يعتقد به.(1/3)
و اذا كان قد قيل ان السبب الدافع لمن ذهبوا مذهب ابن زكريا فى انكار النبوة و تمجيد العقل أو من ذهب هو مذهبهم كمانى قبلا و كاخوان الصفا بعدا مثلا كان محاولة القضاء التفاوت و الخلافات بين المجتمع و ازالة التباين بين طوائفه و مجاميعه بالقضاء على اسبابها، تلك الأسباب التى اعتبروا تعدد الأديان أهمها، فان ابا حاتم بما اوجده من الألفة و الوحدة التامة بين الأديان، اقرب الى تحقيق هذه الأمنية منهم و أصح. فتوحيد الناس لا يكون بالغاء الدين و انكار النبوة و ترك الناس لانفسهم، بل باقرار الدين على حقيقته و انصباغ الناس بالصبغة الواحدة. فما أبعد الفرق بين التوحيد فى الاطلاق و التوحيد فى الالتزام.
و انه لشى ء يذكرنى بقصة الرجلين جلسا الى جوار بعض فى حديقة: فتتاءب أحدهما و تمطّى، فوكزت يده انف صاحبه، فصاح:
أنفى!! فجاوبه الآخر: ان يدى لم تخرج عن حدود حريتها، ان لها الحق ان تتحرك فى الفضا ما شاءت!! فأجابه صاحبه: حقا قلت، و أعترف بحرية يدك. و لكن انفى هى الاخرى تطالب بحريتها و حدود حرية يدك تقف عنه حدود حرية انفى!! و هنا يظهر ابو حاتم فى هذا الكتاب
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:5
اعلام النبوة ليقول لنا و يدلنا على من هو الذى يقرر حدود الحرية لكل منهما.
و اذا كان ابن زكريا قد عجز عن اثبات تساوى الناس فى النبوغ و درجة العقل فقد اثبت ابو حاتم تساويهم فى الحاجة الى عقل كامل و مرشد هاد و نبى مؤيد. و هذا مدار الموضوع و خلاصته.(1/4)
بقى أن نعود الى ما تطا البنانه حرفية التحقيق، فقد جرت العادة أن يعرف المحققون القارئ على المصادر و النسخ التى اجروا عليها عملية التحقيق، و نحن فى هذا الخصوص لا ندعى الكمال، كما سبق أن اشرنا اليه من ضيق الفرصة. و عليه فقد اكتفينا- و لا اظن الكتاب فى حاجة الى اكثر من هذا- بثلاث نسخ توفرت لدينا: نسختان منها كانت موجودة فى المكتبة المركزية بجامعة طهران، احداهما مسجلة تحت رقم 1. V/ 1338/ 16337 A/ 8 C و هى مستنسخة فى اليوم الثامن عشر من شهر ربيع الاول من سنة 1379 بمعرفة سلام حسين بن المرحوم ملا محمد على فى بلدة دار السرور عن نسخة چاند خان اله محسن جى را مبورى فى بندر سورت المحررة فى 1291 هجرية. و قد رمزنا لها بالحرف. A امّا النسخة الثانية:
وقع الفراغ من تحريرها يوم الخامس عشر من ذى القعدة 1325 ه.
و قد رمزنا لها بالحرف. B
و النسخة الثالثة نسخة الجامع الكبير بصنعاء المحررة سنة 1144 ه.
و قد رمزنا لها بالحرف C.
و لم يكن هناك اختلاف بين النسخ و انما كان هناك فى النسخة B
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:6
تقديم و تاخير بلغ الثمانين صفحة تاخرت من الثلث الاول للنسخة الى الثلث الاخير. اما ما كان من الاسقاطات و اختلاف الكلمات فقد اعانتنا عليه النسختان الاخريان.
اما قبل فاننى انتهزها فرصة لتحية القارى الكريم مجددا راجياله حسن الانتفاع بما بين يديه و اللّه ولى التوفيق.
صلاح الصاوى
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:7
[مقدمه غلامرضا اعوانى ](1/5)
كتاب اعلام النبوة ابو حاتم رازى، بى شك يكى از آثار بسيار پرارزش دينى، كلامى و فلسفى در جهان اسلام است و برخلاف نظر كسانى كه ارزش ذاتى آن را در نقل گفتار محمد بن زكريا،- كه آثار فلسفى وى از ميان رفته است- مى دانند، خود گنجينه اى بسيار ارجمند و با شكوه از معارف اسلامى است و بى شك از مهمترين كتبى است كه در دفاع از دين و به ويژه اسلام نوشته شده است، به نحوى كه مى توان آن را كتاب فصل مقال در اديان نام نهاد.
اين كتاب بر مبناى مناظراتى كه ميان ابو حاتم احمد بن حمدان بن احمد و رسنانى رازى (متوفى به سال 322 هجرى قمرى) از يكسو، و ابو بكر محمد بن زكرياى رازى از سوى ديگر صورت گرفته است، نوشته شده است. اين مناظرات
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:8
در شهر رى، و چنان كه از برخى از عبارات اين كتاب بر مى آيد در مجالس متعددى در حضور امير و قاضى القضاة رى صورت گرفته است و محتملا برخى از فيلسوفان و دانشمندان نيز در آن شركت مى كرده اند، چنان كه در متن همين كتاب از ابو بكر ختن تمار كه كراوس او را همان ابو بكر حسين تمار نويسنده كتابى در رد طب روحانى رازى فرض كرده است نام برده شده است.
كتاب اعلام النبوة ابو حاتم رازى از نمونه هاى بارز تفكر مسلمانان در اواخر سده چهارم و اوائل سده پنجم هجرى است.(1/6)
در اين دو قرن فيلسوفان، متفكران، متكلمان، شاعران و علماى بزرگى در شهرهاى مختلف به بحث و تحقيق و مناظره و تعليم و تعلم اشتغال داشتند و شهرهاى بزرگ مركز تجمع دانشمندان و فيلسوفان بزرگى بود كه در پيرامون مسائل پيچيده و غامض فلسفى و علمى به بحث و مناظره مى پرداختند و گاهى از اين رهگذر، كتب و رسائل متعددى در اثبات نظريات خود و يا نقض و جرح و ابطال آراء مخالفان خود مى نگاشتند كه برخى از آنها از با ارزش ترين آثار در نوع خود به شمار مى رود. اين روش پسنديده بحث و مناظره ميان علماء و فيلسوفان، در قرون بعدى نيز ادامه يافت به نحوى كه غالب علما و فيلسوفان هم عصر با يك ديگر مكاتبات علمى و فلسفى داشتند كه بارزترين نمونه آن مباحثات فلسفى ابن سينا و ابو ريحان بيرونى است كه از اهميت خاصى برخوردار است. مكاتبات خواجه نصير الدين طوسى و صدر الدين قونيوى و بويژه، مناظرات بين محمد بن
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:9
زكرياى رازى و ابو حاتم رازى كه خلاصه اى از آن در كتاب حاضر درج شده است، نتيجه همين گفت و شنودهاست.
كتاب اعلام النبوة يكى از آن كتب استثنائى، نادر و بى نظيرى است كه در آن دو فيلسوف، از دو نحله فكرى بسيار متفاوت، بلكه متضاد، با دو جهان بينى كاملا مختلف با هم روبرو مى شوند، درباره مسائل و مباحث مختلف ما بعد الطبيعى، دينى، فلسفى و غيره گفتگو مى كنند، ادله يك ديگر را نقض مى كنند، براى اثبات مدعاى خود و ابطال دعاوى طرف ديگر ادله و براهين عقلى مى آورند و آن گاه خواننده منصف را به قضاوت و داورى فرا مى خوانند.
به علاوه، كتاب اعلام النبوة از اهميت خاص ديگرى نيز برخوردار است و آن اين است كه آن، اولين كتابى است در ادب اسماعيلى كه بر ضد فيلسوفى كه منكر ضرورت وحى و نبوت است نوشته شده است و در آن همه اشكالاتى كه معمولا بر دين و انبياء ايراد مى كنند، طرح و به آنها پاسخ داده شده است.(1/7)
كتاب اعلام النبوة در آراء متفكران اسماعيلى قرون بعدى تأثير فراوانى داشته است و غالب متفكران و نويسندگان اسماعيلى مانند حميد الدين كرمانى و ناصر خسرو فقراتى از آن را نقل كرده اند و در اثبات آراء خود و يا نقض آراء مخالفان به مطالب اين كتاب نظر داشته اند. با توجه به اهميت فوق- العاده اى كه اين كتاب در تكوين آراء فلسفى متفكران بعدى و به ويژه اسماعيلى داشته است، خلاصه اى از مطالب آن در
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:10
ذيل آورده مى شود.
*** در آغاز كتاب محمد بن زكريا، اشكالاتى چند در مورد لزوم وحى و نبوت و ارسال رسل ايراد مى كند، من جمله اين كه چرا بايد خداوند امتى را به وحى مخصوص گرداند و امتى ديگر را از وجود آن محروم كند و نيز چرا برخى را به پيامبرى بر مى گزيند و مردم را به آنان نيازمند مى كند؟ به عقيده وى دين سبب بروز دشمنى و عداوت ميان مردم و هلاك آنان مى شود. پس از آنكه ابو حاتم از وى مى پرسد به نظر او حكمت خداوند، چه اقتضا مى كند؟ پسر زكريا در جواب مى گويد كه حكمت حكيم مقتضى آنست كه سود و زيان و مصالح و منافع هر كسى از طريق الهام به وى آموخته شود چنانكه همه جانوران به طبيعت و از روى غريزه به منافع و مضار خود پى مى برند و نيز حكمت خداوند اقتضاى آن دارد كه ميان مردم فرق و اختلافى نباشد.(1/8)
آنگاه ابو حاتم به نقض نظريه وى مى پردازد و بطلان قول وى را آشكار مى كند. ما در ميان مردم اختلاف و تفاضلى مشاهده مى كنيم و مى بينيم كه برخى امام و برخى مأموم و برخى عالم و برخى متعلم اند و اين اصل در ميان ارباب فلسفه و اهل ملل و اديان نيز جارى است. پس مردم براى هدايت و ارشاد خود به امام نيازمندند و چون سود و زيان اين جهان و آن جهان به الهام بدانها آموخته نشده است، به ناچار از امامان و پيشوايان و علماى دين بى نياز نيستند. و آنگهى پسر زكريا ادعا كرده است كه او به تنهائى به علم فلسفه اختصاص يافته است و ديگران از
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:11
دانستن آن محروم مانده اند و براى تعلم آن به وى نيازمندند.
و اين خود ضرورت وجود عالم و متعلم و امام و مأموم را اثبات مى كند. «پس مردم از حيث مراتب و طبقات با يكديگر اختلاف دارند و در ميان هر طبقه اى از مردم فاضل و مفضول و عالم و متعلم وجود دارد و ديده نشده است كه كسى چيزى را به فطنت و هوش و عقل خود در يابد مگر آنكه معلمى او را ارشاد كند و يا قانونى كه مدار كار وى بر آن باشد ... و اين خبرى است كه در آن هيچ گونه شكى نيست و كسى نمى تواند آن را نقض و ابطال كند.» خلاصه آن كه نوع بشر براى هدايت، احتياج به معلمى الهى دارد، تا خاص و عام، عالم و جاهل و زيرك و نادان را به راه راست هدايت كند و سياست الهى بر مبناى شريعت حق ميان مردم جارى شود. پس اين امر از سه حال بيرون نيست: يا اينكه بايد گفت كه خداوند حكيم آنچه را كه مقتضاى حكمت و رحمت بوده است به جاى نياورده است، و در عين حال قدرت بر فعل آن را داشته است، و يا اين كه خداوند آنچه را كه مقتضى حكمت و رحمت بوده است، اراده و ايجاب كرده است ولى قدرت بر فعل آن را نداشته است- و اين دو شق بدلايل عقلى ناممكن است- و يا اينكه آنچه را كه مقتضى حكمت و رحمت است در حق بندگان دريغ نكرده است.(1/9)
در فصل بعدى ابو حاتم قول محمد بن زكريا مبنى بر قدماى خمسه را سخت مورد انتقاد قرار مى دهد. محمد بن زكريا قائل به قدمت پنج اصل يعنى خداوند، نفس، هيولى زمان و مكان است. ابو حاتم نخست در صدد آن است تا اثبات كند كه زمان نمى تواند قديم باشد. زمان عبارت از مقدار حركت افلاك
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:12
است و با طلوع خورشيد و غروب آن سنجيده مى شود پس قابل شمارش و متناهى است و نمى تواند قديم باشد. پسر زكريا در جواب مى گويد اين قول ارسطو درباره زمان است ولى وى پيرو افلاطون است. سپس به شرح و تبيين نظريه خود درباره زمان مى پردازد و مى گويد زمان بر دو قسم است زمان مطلق و زمان مقيد؛ زمان مطلق را مدت و دهر مى نامد و همين زمان مطلق است كه قديم است ولى زمان مقيد و محصور با حركات فلك ملازمت دارد. ابو حاتم از وى مى خواهد كه حقيقت زمان مطلق را آشكار كند.
پسر زكريا در جواب مى گويد كه اگر چه امر عالم با گذشت زمان منقضى مى شود، ولى حركت دهرى و زمان مطلق قابل انقضا و دثور و فنا نيست. آنگاه ابو حاتم در صدد نقض و ابطال قول وى بر مى آيد. ولى آنچه در اينجا شايسته توجه است آن است كه محمد بن زكريا در مسأله زمان و مكان خود را پيرو افلاطون مى داند.
به عقيده ابو حاتم قول پسر زكريا در مورد مكان نيز باطل است زيرا اگر مكان قديم باشد اقطار شش گانه و محيط بر مكان نيز قديم هستند زيرا امكان از اقطار خالى نيست، پس عدد قدما نامتناهى مى شود. به علاوه اگر قول به قدماى خمسه درست باشد كدام يك از آنها علت حدوث اين عالم است. پسر زكريا در جواب مى گويد كه درباره حدوث عالم نظر خاصى دارد و در عين اينكه خمسه را قديم مى داند قائل به حدوث عالم است و علت حدوث آن اين است كه شهوت ايجاد عالم نفس را تحريك مى كند ولى نفس نمى داند كه از اين رهگذر چه وبالى دامن گير آن خواهد شد. در اين هنگام هيولى حركات مضطرب و(1/10)
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:13
مشوشى مى كند، ولى خداوند بارى بر نفس رحمت مى آورد و آن را در نظام بخشيدن به عالم يارى مى كند. ابو حاتم مى پرسد كه حركت نفس براى ايجاد عالم چه نوع حركتى است آيا طبعى است يا قسرى و پسر زكريا در جواب مى گويد كه هيچ يك از اين دو گونه نيست، بلكه حركت خاصى است كه وى آن را به فطنت دريافته است و آن را حركت فلتيه (مانند خروج باد از شكم) مى نامد كه موجب سكون و راحتى انسان مى شود. حركتى كه با آن نفس عالم را ايجاد مى كند به اين حركت شباهت دارد.
آنگاه ابو حاتم مثالهاى ديگرى را كه پسر زكريا در مورد حركت نفس و تجبّل آن در عالم زده است تحليل و آنها را نقض مى كند.
در فصل اول از باب دوم، ابو حاتم برخى از ايرادات محمد بن زكريا را در مورد اديان نقل مى كند: اهل شرايع دين را به تقليد از رؤساى پذيرفته اند و مانع از بحث و نظر در اصول شده اند و اخبارى را روايت كرده اند كه حاكى از ترك نظر و تعمق در دين است چنان كه اخبار زير در منع تعمق و نظر روايت شده است: انّ الجدل فى الدّين و المراء فيه كفر؛ من عرض دينه للقياس لم يزل الدّهر فى التباس؛ لا تتفكّروا فى اللّه و تفكّروا فى خلقه؛ القدر سرّ اللّه فلا تخوضوا فيه؛ إيّاكم و التّعمق فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمق.
به علاوه اگر از اهل اديان، براى اثبات مدعا، طلب حجت و دليل شود، خشمگين مى شوند و ريختن خون او را مباح مى دانند.
ديگر آن كه دين بر اثر گذشت ايام و بر حسب إلف و عادت بوجود آمده است و ارباب دين بداشتن ريش هاى بلند بخود
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:14
مى بالند و در مجالس صدرنشين هستند و با كذب و خرافات گلوى خود را پاره مى كنند و روايات متناقضى را روايت مى كنند كه برخى دال بر حدوث و برخى حاكى از قدم قرآن است، برخى جبر و برخى ديگر اختيار را اثبات مى كند، برخى حاكى از افضليت على (ع) و برخى حاكى از افضليت ديگران است.(1/11)
در اينجا ابو حاتم قول او را سخت مورد انتقاد قرار مى دهد:
و يك يك دعاوى وى را باطل مى كند. اولا فلاسفه تقليد در معانى غامض و دقيق را كه فهم آنها جز براى افراد خاصى آسان نيست، جائز شمرده اند. پس چرا نبايد اهل اديان را از خوض در امورى كه عقل آنان از درك آن قاصر است نهى كرد؟
و آنگهى اهل حق و عدل تقليد در اصول دين مانند توحيد و نبوت و يا اثبات امامت را جائز نمى دانند و پس از آنكه امر توحيد و نبوت محرز و مسلم شد، به تقليد از امام حق و عادل و عالم حكم مى كنند. به علاوه اگر خوض و غور در اصول و مبادى دين، بر همه مردم فرض شود، تكليف ما لا يطاق است.
آنگاه ابو حاتم براى اثبات اين كه تفكر و تعمق در امور جائز، بلكه واجب است، به برخى از آيات قرآنى استشهاد مى كند.
و آنگهى احاديثى را كه محمد بن زكريا نقل كرده است، حاكى از عدم اطلاع وى به اصول و مبانى قرآن و احاديث، و حتى به مبادى لغت عرب است. پس از آن ابو حاتم يك يك احاديث را نقل و معناى حقيقى آنها را آشكار مى كند. بحث ابو حاتم بسيار عميق و دقيق است و خواننده مومن را با بسيارى از اسرار و رموز نهفته قرآن و اخبار و احاديث آشنا مى كند و
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:15
عمق تفكر و احاطه او به موضوع موجب شگفتى و حيرت خواننده مى شود.
در فصل بعدى، احاديث موضوع (يا مصنوع) از يكسو و احاديث صحيح از سوى ديگر مورد بحث و تحليل قرار مى گيرد.
وى از كسانى كه وضع حديث كرده اند مانند ابن ابى العوجاء و ديگران نام مى برد و برخى از احاديث نادرست مانند حديث زغب الصدر، نور الذراعين، عيادة الملائكة، و قفص الذهب را نقل مى كند و به جرح آنها مى پردازد. واضعان حديث از اهل كفر و الحاد و يا متهم به مجوسيت و مانويت و يا قائل به اثنينيت بوده اند؛ ابن مقفع مجوسى بوده و به زندقه شهرت داشته است.(1/12)
الحاد ابن ابى العوجاء مشهور خاص و عام است و واضعان با وضع چنين احاديثى در صدد دلجوئى و استمالت از عوام الناس بوده اند. ولى راويان ثقات، احاديث صحيح را از سقيم باز شناخته در صدد جرح و نقض احاديث مجعول برآمده اند. از سوى ديگر برخى از احاديثى را كه پسر زكريا نقل كرده، صحيح و معتبر است و به هيچ روى نمى توان در صحت انتساب و اصالت آنها شك كرد و طعن پسر زكريا، ناشى از عدم احاطه وى به مبانى دين و حاكى از جهل و نادانى اوست. حديثى را كه پسر زكريا در آن طعن كرده است اين است: رأيت ربّى فى احسن صورة ... و يا حديثى كه ام طفيل زن ابىّ بن كعب از حضرت رسول نقل كرده است: سمعت النبى (ص) يذكرانه رأى ربه فى المنام فى صورة شاب موفّر. در اينجا ابو حاتم معناى رمزى و تمثيلى اين احاديث را باز مى نمايد و براى توجيه و تبيين معانى باطنى آن به آيات قرآنى و نيز به اقوال تورات و انجيل استشهاد
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:16
مى كند. رمز و تمثيل كليد فهم اسرار باطنى قرآن و كتب آسمانى است و با جهل به آن معانى درونى كتب آسمانى بر انسان پوشيده مى ماند. براى نشان دادن اهميت رمز و تمثيل ابو حاتم در حدود بيست روايت تمثيلى را از تورات و انجيل نقل مى كند و كليد فهم هر يك را باز مى نمايد و از اين رهگذر به ايرادات پسر زكريا به تورات و انجيل پاسخ مى گويد.(1/13)
اعتراض پسر زكريا بر تورات و انجيل چنين است: عيسى (ع) گفته است كه پسر خداست و موسى (ع) گفته است كه او را پسرى نيست و مانى و زردشت با موسى و عيسى به مخالفت برخاسته اند و در مسأله قديم و هستى عالم و علت خير و شر خلاف كرده اند و مانى با زرتشت در مسأله دو عالم و علل آن مخالفت ورزيده است. در تورات آمده است كه پيه بر روى آتش گذاشته شود تا بوى آن به مشام پروردگار برسد و نيز آمده است كه چرا هر كور و كرى را براى من قربانى مى كنيد و نيز خداوند به صورت پيرى با موى و ريش سپيد مجسم شده است ... هم چنين مانى ادعا كرده است كه كلمه از پدر جدا شده و شياطين را پاره كرده و كشته است و نيز گفته است كه آسمان از پوست شياطين ساخته شده است و رعد چيزى جز صداى گلوى عفريتها نيست و زلزله جنبش شياطين در زير زمين است و مانى، شاپور را به آسمان برده و در آنجا پنهان كرده است.
ابو حاتم پس از نقل گفتار پسر زكريا به اعتراضات وى پاسخ مى گويد و نخست معناى بدعت در دين را آشكار مى كند و فرق ميان اهل بدعت و ضلال و اهل حق و حقيقت را مى نماياند
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:17
و مى گويد كه نبايد ميان دين حقيقى و بدعت اشتباه كرد. فهم معانى دقيق را معلم و مرشدى راستين بايد، تا انسان را به دقايق و رقايق كلام الهى آشنا سازد. قول به رأى خطائى بزرگ است.(1/14)
و آنگهى اگر انبياء و اولياء، خداى ناخواسته، دروغزن بودند آيا كسى گفتار آنها را باور مى داشت و پيغمبران كه راستگو، عاقل و صاحب فهم و تميز بوده اند آيا مورد تصديق و تأييد عقلا و حكماى همه دوران ها قرار مى گرفتند؟ بر خلاف آنچه پسر زكريا گمان كرده است پيمبران و امامان به فضل و كمال و عقل و تميز و به داشتن اخلاق حميده ممتاز بوده اند و فى المثل همه امت هائى كه پيغمبر اسلام را مشاهده كرده اند او را در عقل، حلم، حميّت، حسن تدبير، سياست، كمال، وقار، رزانت، وفاى به عهد، سخاوت، شجاعت و همه اوصاف حميده، تام و تمام يافته اند. پس نسبت دادن تناقض به چنين كسانى صرف جهل و نادانى است.
در فصلهاى بعدى، ابو حاتم، براى آن كه مقام والاى پيغمبران را نشان دهد. و كمالات پيغمبران را به نحو محسوس تر و ملموس ترى بنماياند، به ذكر مناقب و فضائل حضرت محمد (ص) پيغمبر اسلام مى پردازد و نمونه هاى جالبى را در مورد صدق، امانت، سخاوت، حلم، عفو، شجاعت، وقار و رزانت، وفاى به عهد، تواضع، حسن خلق، اعتدال صورت و سيرت، جمال و كمال، تدبير و سياست، شرف ذاتى و نجابت پيغمبر اسلام (ص) ارائه مى دهد. و براى هر يك از صفات نام برده، نمونه هاى فراوانى را از زندگى و سرگذشت پيغمبر اسلام نقل مى كند و بذكر پاره اى از معجزات و كرامات و
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:18
خوارق عادات وى مى پردازد كه دليل بر مقام والاى معنوى پيغمبر و كمال روحانى اوست و از اين رهگذر سخن را به پيغمبران ديگر چون موسى و عيسى (ع) مى كشاند. پيغمبران مؤيّد از ملكوت اعلا هستند و با فيض روح قدسى اسرار وجود را بازگو مى كنند. پس چگونه ممكن است سخن آنان متناقض باشد.
فصل بعدى «كه كلام انبياء و رسوم ايشان» نام دارد.(1/15)
دوباره به موضوع رمز و تمثيل و اهميت آن در فهم اسرار ملكوتى اشاره مى كند و اين بار برخى از رموز و اسرار كلام نبوى را باز مى نمايد و سخن را به قرآن و ديگر كتب منزله مى كشاند يكى از مثالهائى را كه در اين مورد ذكر مى كند اين است: از پيغمبر روايت شده است كه خداوند راه راستى را مثل زده است كه در دو طرف آن ديوارى ساخته شده است و بر ديوارها، درهاى گشوده شده قرار دارد و از آن درها، پرده هائى آويزان است و در آغاز راه، ندا دهنده اى ندا مى دهد كه به راه راست آئيد. سپس فرمود، آن راه راست اسلام است و آن درهاى باز محارم خداوند است و پرده ها، حدود و احكام خداوند است و آن منادى، قرآن است.» راه مثل و معنا چنين است و آنچه در قرآن در اين خصوص آمده است، بليغ تر و موجزتر است.
حضرت محمد (ص) نيز خود به اين معنى اشاره كرده و فرموده است: «هيچ آيه اى به سوى من فرو فرستاده نشده است مگر آنكه ظاهر و باطنى دارد و هر حرفى از آن حدى و هر حدى مطلعى دارد.» ولى بايد توجه داشت كه اين امثال، گر چه به ظاهر مختلف است ولى اصل آنها در واقع امر يكى است و حقيقت
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:19
واحد به اشكال و صور مختلف بيان شده است اگر پسر زكريا به اختلاف ميان انبياء اشاره كرده است وى اختلاف در لفظ را دليل بر تغاير در معنا و تناقض گرفته است. پس از آن ابو حاتم فصل كاملى را به پاسخ اشكالاتى كه پسر زكريا بر تورات وارد كرده است اختصاص مى دهد و حقا كه احاطه و تسلط وى به مضامين اين كتاب آسمانى، بس شگفت آور است.(1/16)
در باب چهارم، ابو حاتم مى كوشد تا تناقض فلاسفه كه پسر زكريا خود را به آنان منتسب مى داند آشكار كند و به اين منظور، تناقض كلام آنان را در اصول و مبادى بيان مى كند و خلاصه افكار هر فيلسوف را با همه تمحلات و گزافه هائى كه در آن نهفته است، بازگو مى كند و بدين طريق مى كوشد تا پايه و بنيان افكار او را چونان يك فيلسوف، سست و متزلزل كند.
افلاطون به سه مبداء، يعنى خداوند، عنصر و صورت قائل است و به نظر او خداوند عقل است. تالس كه يكى از هفت ستون حكمت است، آب را مبداء هستى مى داند و كسنوفانس و فلوطرخس با وى درباره قدم صورت خلاف كرده اند.
ابيقورس (اپيكور) گفته است كه خداوند به صورت مردم است و به چهار طبع غير قابل فساد ديگر قائل است؛ انكساغورس، خداوند را همان عقل مى داند؛ بيروس وجود مبادى را انكار مى كند و مى گويد كه اشياء خود بخود و به صرافت ذات، هستى يافته اند؛ برقلس قائل به دهر و منكر دثور عالم است، ابيقورس، به دو مبداء يعنى خلاء و صورت قائل است؛ فيثاغورس، اعداد را اصل و مبدا اشياء مى داند و اعداد فرد را مذكر و اعداد زوج را مؤنث فرض مى كند. هراكليتس آتش را اصل
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:20(1/17)
و مبداء اشياء پنداشته است و گفته است كه بر اثر تخلخل و تكاثف آتش همه چيز پديد مى آيد. ارسطو مبادى اشياء را صورت و عنصر و قدم و عناصر چهارگانه و عنصر پنجمى بنام اثير فرض كرده است. آنكسما ندروس ملطى، نامتناهى را اصل و مبداء هستى پنداشته است. انبدقليس مهر و كين را اصل پيدايش عالم گمان كرده است، ديگرى جز آنچه با چشم ديده و يا با گوش شنيده مى شود انكار كرده است. ديمقراط (دمكريتس) عقل را مبدع اول دانسته است و با انبدقليس (امپدكليس) در مورد نشأه ثانى هم عقيده بوده ولى در مورد مبدع اول با وى خلاف كرده است. فلوطرخس قائل به وجود صور نامتناهى در نزد بارى است. كسنوفانس مبدع اول را موجود ازلى دانسته و ازليت صورت و هيولا را نفى كرده است. زينون اكبر خداوند و عنصر را دو مبداء اول قرار داده است. انكساغورس در مورد مبدع اول با فلوطرخس به مخالفت برخاسته است. انكسمانس، بارى تعالى را انيت محض دانسته است و نيز مدبر عالم را سكون محض فرض كرده است ولى انبدقليس باوى در اين مورد خلاف كرده و او را متحرك بنوع سكون انگاشته است. ارسطو وجود هر گونه حركتى را در مورد مبداء اول نفى كرده است. و نيز انكسمانس و سقراط در مورد حق و حكمت خلاف كرده اند، يكى وجود حكمت را قبل از حق و ديگرى آن را قائم به حق فرض كرده است. فيثاغورس انطاكى ادراك بارى را از سوى عقل محال شمرده است و نيز عالم را تأليفى از الحان بسيط و اعداد روحانى پنداشته است.
فلانوس يكى از شاگردان فيثاغورس كه تعاليم وى را در هند
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:21
رواج داده است درباره او گفته است كه وى به آسمان عروج كرده و در آنجا عالم عقل و نفس را مشاهده كرده است.(1/18)
پس مى بينيم كه فلاسفه در هر چه نظر كرده اند، خلاف ورزيده اند و هر يك، گفتار ديگرى را نقض و ابطال كرده است و هر كه در آراء و اقوال آنان مداقه كند در رنج و تعب گرفتار مى آيد و در حيرت و ضلال مى افتد. پس از آن ابو حاتم مى پرسد: كدام يك از اين دو گروه (انبياء و فلاسفه) درو غزن تر هستند؟ كسى كه علم به امور پنهان، حتى در خانه خود ندارد، چگونه مى تواند ادعا كند كه به آسمان عروج كرده و عالم عقل و نفس را به عيان ديده است؟ و كسى كه نمى تواند كيفيت نفس خود را كه مدبر بدن است بشناسد، چگونه مى تواند به خالق خلائق محيط شود و علم گذشته و آينده را دريابد؟ كدام يك از دو گروه دروغزن هستند، كسى كه به زعم پسر زكريا گلوى خود را پاره مى كند و مى گويد كه فلان از فلان از محمد، از جبرئيل، از خداوند عز و جل روايت كرده است كه اننى انا اللّه لا اله انا فاعبدنى و اقم الصلوة لذكرى و از وحدانيت خداوند خبر مى دهد يا كسى كه مى گويد، طبع من از نفس من از عقل من روايت كرده است كه امور عالم را پيش از احداث آن به عيان ديده و نفس و هيولى و زمان و مكان را با بارى سبحانه و تعالى در ازل مشاهده كرده و شهوت نفس براى تجبّل در اين عالم را روئت كرده است و مى گويد كه حشر و بعث و ثواب و عقابى نيست و وجود مردم را مانند چهار پايان مهمل گذاشته، فضل بشر را بر جانوران انكار كرده و منكر امر و نهى الهى شده است.
ابو حاتم فصل كاملى را به حقانيت و اصالت همه اديان
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:22(1/19)
آسمانى اختصاص مى دهد. اصل و منشاء همه اديان آسمانى يكى است و چون مصدر آنها بارى تعالى است، همه بر حق است و از اين گذار، وحدت متعالى اديان را اثبات مى كند. و اما قول پسر زكريا كه اشكال كرده است كه هر دينى در جائى حق و در جاى ديگر باطل است و مثلا اسلام در دار الاسلام، دين نصارى در روم، دين يهود در خزر، دين مانى در چين و دين براهمه در هند حق و در سرزمين هاى ديگر باطل است، قولى نادرست است. زيرا غير ممكن است كه چيزى هم حق و هم باطل بوده باشد. اصل همه اديان يكى است و در آنها هيچ گونه خلافى نيست و پيروى هر يك از آنان موجب هدايت و رستگارى بشر است؛ همه اديان بر حق هستند، ولى حقى كه بر اثر بدعت به ناحق آميخته شده است و همين بدعت ها موجب افتراق و اختلاف ميان ملل شده است. دين همانند گوهر گرانبهائى است كه در آن غش شده است. دليل ديگر بر حقانيت اديان آسمانى آنست كه همه پيغمبران سلف، به پيغمبران خلف بشارت داده اند و امت خويش را به اقرار و تصديق پيغمبران گذشته مكلف ساخته اند، بر خلاف فلاسفه كه در همه امور با يكديگر خلاف كرده اند و موجب پيدايش كينه و كين در ميان مردم شده اند. و آنگهى اگر اديان گذشته مانند دين نصارى و يهود بر حق نبود، پيغمبر اسلام آنان را در ملت خويش، بحال خود رها نمى كرد و آنان را به پرداختن جزيه ملزم نمى ساخت بلكه رسم آنان را از عالم بر مى چيد و مهمتر آن كه سنت ابراهيم (ع) را احيا نمى نمود.
پسر زكريا اعتراض كرده است كه راه دين، راهى دشوار است و حكمت خداوند ايجاب مى كند كه راه آسان ترى را براى بشر انتخاب كند و آنگهى چرا بايد انسان راه دنيا را كه
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:23(1/20)
مشهود و مسلم و يقينى است رها كند و به راه آخرت كه غير محسوس و ظنى است روى آورد؟ ابو حاتم در پاسخ اين اعتراض مى گويد كه در حكمت حكيم بهتر است كه با هدايت و ارشاد خود، بشر را به سوى غايت و كمال وجودى رهنمون شود، نه آن كه ايشان را مانند چهار پايان به حال خويش رها كند و ثواب و عقاب و آخرت و معاد از ايشان ساقط شود. پس نوع بشر به هيچ روى از تعليم و ارشاد انبياء بى نياز نيست و خداوند هرگز مردم را به امرى دشوار، كه همان راه يافتن به حقيقت از روى طبع است و جز براى عده قليلى ميسر نيست مكلف نمى كند.
آنچه پسر زكريا گفته است كه دين موجب وقوع جنگ و جدل و سبب بروز عداوت در ميان ملل مى شود بايد گفت، كه اين امر ناشى از آن نيست كه اصحاب شرايع در دين خود شك ورزيده باشند، بلكه در تمسك به شريعت مقيد بوده اند.
علت اختلاف ميان آنها اين است كه اعراض دنيا را بر آخرت برگزيده اند و با وجود آن كه به آخرت و ثواب و عقاب ايمان دارند، مرتكب قتل نفس، غصب اموال و سائر محرمات مى شوند، زيرا حب دنيا، حب زنان و فرزندان، حرص و طمع در اندوختن مال و غيره بر آنان غالب آمده است. پس گفتار پسر زكريا درست نيست. اين دين است كه موجب تزكيه نفس و اعتلاى روح و ايجاد نظم و ترتيب در درون و بيرون مى شود و كفر و الحاد است كه موجب تباهى و فتنه مى گردد. حتى پادشاهان، قوت و شوكت خود را از شريعت و دين يافته اند.
چون پسر زكريا در باب معجزات انبياء شك و ايراد كرده
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:24(1/21)
و در آن به جرح و تضعيف ادعاى كسانى كه دعوى معجزه مى كنند پرداخته است، ابو حاتم قول وى را نقض و ابطال مى كند و اعجاز قرآن را به شرح باز مى گويد و فصل مشبعى را به اثبات معجزات انبياء و خاصه پيغمبر اسلام اختصاص مى دهد. كتب مقدس مانند تورات و انجيل به ظهور محمد (ص) خبر داده اند. علائم ظهور محمد (مانند پيشگويى كاهنان، ارتعاش ايوان كسرى، خاموش شدن آتشكده فارس و غيره) به تفصيل ذكر شده است. پس از آن ابو حاتم معجزات فراوانى را كه از پيغمبر اسلام روايت شده است نقل مى كند.
باب ششم كتاب اعلام النبوة به اعجاز قرآن اختصاص يافته است پسر زكريا اعجاز قرآن را نفى كرده و تحدى قرآن را جائز دانسته و گفته است كه هزاران سوره نظير سوره هاى قرآن مى توان آورد. ابو حاتم پس از نقض گفتار وى مى گويد قرآن بزرگ- ترين معجزه اى است كه نوع بشر بخود ديده است و تا قيام قيامت معجزه خواهد بود. قرآن سحر و شعر نيست. قرآن ركن و پايه دين و زمام سياست دنياست. گفتار پسر زكريا مبنى بر اينكه مى توان هزاران سوره مانند سوره هاى قرآن آورد درست مانند اين است كه كسى ادعا كند كه مى تواند هزاران زمين و آسمان، مانند زمين و آسمانى كه مى بينيم خلق كند.
گفتار چنين كسى به جنون شباهت دارد و هر عاقلى از اين گفتار وى به خنده مى آيد. سپس پسر زكريا گفته است كه اگر قرآن معجزه باشد، لازم مى آيد كه كتب اصول هندسه و نجوم و طب مانند كتب اقليدس، بطلميوس و جالينوس نيز چنين باشد، زيرا به ادعاى وى وجود آنها براى نوع انسان متضمن
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:25(1/22)
سود بيشترى است. ابو حاتم در اينجا اعجاز قرآن را به تفصيل بازگو مى كند و فصلى را به تأثير قرآن در عالم اختصاص مى دهد. آنچه ملحد درباره بطلميوس و مجسطى گفته است واهى و بى اساس است زيرا بسيار كسانى را مى بينيم كه طب و هندسه و نجوم نمى دانند ولى على رغم آن سعادتمندند و به عبارت ساده تر، چيزى را از دست نداده اند. در اين كتاب نفعى از حيث ديانت و ارشاد نيست و آنگهى اين كتب با الهام خداوند به آنها آموخته شده است و اين بزرگان شاگردان مكتب انبياء بوده اند.
ابو حاتم فصل بزرگى را به اثبات اين امر اختصاص مى دهد كه پيغمبران اصل و منشاء علم بشرى هستند. پسر زكريا گفته است كه فلاسفه و علما در دانش خود از ائمه دين بى نياز هستند چنانكه اردكها و قوها در فرا گرفتن شنا به امامان نيازى ندارند و گفته است كجا امامان شما ميان عقاقير و ادويه فرق نهاده اند و يا مسافت ميان كرات را دريافته اند و كجا ورقى درباره اين مطالب نگاشته اند در حالى كه هزاران نمونه از اين گونه كتب در نزد ما موجود است هم چنين امامان دين نتوانسته اند ستارگان را رصد كنند.
در اينجا ابو حاتم به اعتراضات پسر زكريا پاسخ مى گويد و اصلى را بيان مى كند كه از لحاظ تاريخ علوم، اهميت خاصى دارد. اصل و منشاء علوم از حكماست كه مؤيد به تائيد الهى هستند و برخى از آنان در شمار پيغمبرانند. جالينوس، بقراط و بطليموس نامهائى است مستعار براى اسمهاى حقيقى ديگرى كه به پيغمبران اطلاق مى شده است و هرمس يكى از آنهاست.
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:26(1/23)
بنيانگزاران علم نجوم و طب و هندسه و ديگر علوم از حكماى الهى بوده اند و علم خود را از راه الهام دريافت كرده اند و برخى، خود پيغمبر بوده اند. مثلا هرمس نامى مستعار براى ادريس پيغمبر است و اصولا همه اسمهائى كه در يونانى به (س) ختم مى شود، مثل جالينوس، ارسطاطاليس و غيره كنايه از نام پيغمبران است و برخى از دروغزنان، به غلط نام اين انبياء را بر خود نهاده اند.
اعتراض ديگر پسر زكريا آن است كه كدام يك از پيشوايان دين زبان و لغتى را وضع كرده است. ابو حاتم در پاسخ مى گويد كه اگر ما قائل به قدم عالم باشيم، لغات نيز مانند عالم قديم است و كسى آنها را وضع نكرده است و اگر قائل به حدوث عالم باشيم، لغات وحى و الهام خداوند است، چنانكه خداوند به آدم ابو البشر اسماء را آموخته است و آن گاه اين تعليم الهى نسل به نسل و سينه به سينه انتقال يافته است.
به علاوه تكامل هر زبانى با نزول وحى ارتباط دارد. به عنوان مثال با ظهور اسلام زبان عربى در ميان امم اسلامى رواج تام يافته است به طورى كه در همه جا بدان سخن مى گويند. به علاوه انحطاط هر زبانى با انحطاط امتى كه بدان سخن مى گويند و با روى گرانيدن آنها از تعاليم وحى ملازمت دارد. پس اصل و ريشه هر زبانى با تعليم الهى ارتباط تام دارد. در امت اسلامى نيز امامان دين واضع علوم و فنون بوده اند چنانكه امير المؤمنين على (ع) علم نحو را به ابو الاسود دئلى آموخت و خليل بن احمد، علم عروض را از يكى از اصحاب على بن حسين (ع) فرا گرفت.
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:27(1/24)
آنگاه ابو حاتم فصلى را به نجوم و رصد ستارگان اختصاص مى دهد و گفتار پسر زكريا را مورد نقض و جرح قرار مى دهد انسان به طبع و به مقتضاى غريزه اين علوم را نياموخته است بلكه آموختن آنها به وحى و به تعليم امام است و معلم راستين كسى جز پيغمبر يا امام نيست. در اين فصل ابو حاتم به پاره اى از اطلاعات نجومى و علمى زمان خود اشاره مى كند كه از لحاظ تاريخ علوم شايسته توجه است و بالاخره در آخرين فصل از كتاب خود در صدد اثبات اين امر است كه اصل و مبداء هر گونه دانش و معرفتى، حكيم اول يعنى خداوند است و بازگشت همه چيز به سوى اوست و به اين ترتيب با بازگرداندن همه چيز به مبداء اول كتاب را به پايان مى برد.
*** آنچه در كتاب اعلام النبوة بسيار اهميت دارد، عمق و دقت نظر ابو حاتم و وسعت اطلاعات او و احاطه او بر همه معارف زمان خويش است، به طورى كه در فصل عقاقير، مانند يك طبيب در فصل معجزات پيغمبر مانند يك عالم بزرگ اسلامى، در بحث از تورات و انجيل، مانند يك قديس مسيحى است. معلومات او بسيار مستند و دقيق است چنانكه همه نقل قول هاى او را مى توان در مراجع اسلامى يافت و در نقل قول جز در برخى موارد امانت را رعايت مى كند.
ابو حاتم در اثبات نظريات خود از دو نوع دليل عقلى و نقلى استفاده مى كند، دلايل عقلى او بسيار بديهى و روشن است و موجب تصديق خواننده مى گردد، دلائل نقلى او مأخوذ از كتب آسمانى، احاديث و قول فلاسفه و بزرگان است.
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:28
كتاب اعلام النبوة بهترين كتاب در قرون اوليه اسلامى براى اثبات وحدت متعالى اديان است كه در اين قرن مورد تائيد متفكران بزرگى چون فريتهوف شوآن و رنه گنون قرار گرفته است.(1/25)
در اين مقدمه مختصر، مجال بحث و گفتگو درباره همه جوانب اين كتاب بزرگ نيست و مصححان هم اكنون مشغول تهيه كتابى در بررسى و نقد و تحليل اين كتاب و منابع و مأخذ آن هستند كه انشاء اللّه هر چه زودتر در دسترس خوانندگان عزيز قرار خواهد گرفت.
در پايان لازم مى داند از جناب آقاى دكتر سيد حسين نصر، كه موجبات تصحيح و چاپ اين كتاب را فراهم آورده اند و مصححان را لحظه به لحظه و گام بگام تشويق و راهنمائى فرموده اند، سپاسگزارى نمايد. اگر كوشش هاى ايشان در ميان نبود اين كتاب هرگز از قوه به فعل نمى آمد.
غلامرضا اعوانى يكشنبه يازدهم شوال 1397
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:29
الفهرس
الباب الاول الفصل الاول فيما جرى بينى و بين الملحد 3
الفصل الثانى فى ذكر القدماء الخمسه و القول فى التقليد و النظر 10
الفصل الثالث قوله ان الخمسه قديمة لا قديم غيرها 14
الفصل الرابع فى أن العالم محدث 20
الباب الثانى الفصل الاول و مما ذكر ايضا فى كتابه و احتج به 31
الفصل الثانى عودالى البحث و النظر 35
الفصل الثالث البحث فى التعمق 43
الفصل الرابع البحث فى التناقض 47
الفصل الخامس ان اهل الشرائع اذا طولبوا بالدليل شتموا! 55
الفصل السادس قوله: اغتروا بطول لحى التيوس ... 58
الفصل السابع قوله: اندفن الحق اشد اندفان ...! 60
الفصل الثامن قوله فى الضعفاء من الرجال و النساء ... 62
الباب الثالث الفصل الاول قوله الآن ننظر فى كلام القوم و تناقضه 69
الفصل الثانى فى حلية الرسول (ص) و شمائله 77
الفصل الثالث فى كلام الانبياء و رسومهم 94
الفصل الرابع فى باب المثل و المعنى 104
الفصل الخامس فيما ذكره الملحد مما فى التوراة 117
أعلام النبوة(للرازي) ،مقدمه،ص:30
الباب الرابع الفصل الاول ذكر شى ء من اختلاف و تناقض كلامهم 131
الفصل الثانى فى اختلاف الفلاسفة فى المبادى 133
الفصل الثالث جملة الخلاف فيما قال الفلاسفة 149(1/26)
الفصل الرابع اى الفريقين اكذب؟ 152
الفصل الخامس لا اختلاف بين الانبياء فى الاصول 160
الفصل السادس الشرائع كلها حق و لكن خلط به الباطل 171
الباب الخامس الفصل الاول و مما قال الملحد أيضا 181
الفصل الثانى فى القهر و الغلبة 186
الفصل الثالث الفرق بين المعجزات و الدلائل 191
الفصل الرابع ذكر دلائل محمد (ص) فى الكتب المنزلة 195
الفصل الخامس اعلاء محمد (ص) فى الاسلام 199
الباب السادس فى شأن القرآن 227
الباب السابع الفصل الاول الانبياء اصل التعاليم و مورثوا الحكماء 273
الفصل الثانى مبدأ النجوم و الرصد 293
الفصل الثالث اصل المعرفة العقاقير 302
الفصل الرابع كل معرفة عائدة ألى الحكيم الاول 314
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:1
الباب الأوّل
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:3
الفصل الاول فيما «1» جرى بينى و بين الملحد
(1) أنه ناظرنى «2» فى أمر النبوة و اورد كلاما نحو ما رسمه فى كتابه الذى قد ذكرناه «3» فقال:
من أين أوجبتم «4» أن اللّه اختصّ قوما بالنبوة دون قوم و فضلهم «5» على الناس و جعلهم أدلة لهم و أحوج «6» الناس إليهم، و من أين أجزتم فى حكمة الحكيم أن يختار لهم «7» ذلك و يشلى بعضهم على بعض و يؤكّد بينهم العداوات و يكثر المحاربات «8» و يهلك بذلك الناس؟!
قلت: فكيف يجوز عندك فى حكمته أن يفعل؟!
قال: الأولى بحكمة الحكيم و رحمة الرحيم «9» أن يلهم عباده أجمعين معرفة منافعهم و مضارهم فى عاجلهم و آجلهم «10»؛ فلا يفضّل بعضهم على بعض و لا يكون بينهم تنازع و لا اختلاف فيهلكوا، و ذلك «11» أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمة لبعض؛ فتصدّق كلّ فرقه إمامها و تكذب غيره، و يضرب بعضهم
__________________________________________________
(1)- فيما: و فيما B
(2)- ناظرنى: ناظر A
(3)- ذكرناه: ذكرنا B
(4)- اين اوجبتم: اين ما اوجبتم A
(5) فضلهم: فضله A
(6)- و احوج: من احوج A
(7)- ان يختارلهم: يجب ادلهم C
((1/27)
8)- المحاربات: المجاذبات B
(9)- الاولى ... الرحيم: الاولى بحكمته و الاحق C
(10)- و آجلهم- C
(11)- و ذلك: و ذا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:4
وجوه بعض بالسّيف، و يعمّ البلاء «1» و يهلكون «2» بالتّعادى و المجاذبات؛ و قد هلك بذلك كثير من النّاس «3» كما نرى.
قلت: ألست تزعم أنّ البارى جلّ جلاله «4» حكيم «5» رحيم؟
قال: نعم!
قلت: فهل ترى الحكيم فعل بخلقه «6» هذا الّذى تزعم أنه أولى بحكمته و رحمته، و هل احتاط لهم، فألهم الجميع ذلك، و جعل هذه الهبة عامّة، ليستغنى «7» الناس بعضهم عن بعض، و ترتفع عنهم الحاجة، إذ كان ذلك أولى بحكمته و رحمته؟
قال: نعم!
قلت: أوجدنى حقيقة ما تدعّى. فانّا لا نرى فى العالم إلّا إماما و مأموما و عالما و متعلما فى جميع الملل و الأديان و المقالات من أهل الشرائع و أصحاب الفلسفة التى هى أصل مقالتك؛ و لا نرى النّاس يستغنى بعضهم عن بعض «8»، بل كلهم محتاجون بعضهم الى بعض غير مستغنين بإلهامهم عن الأئمّة و العلماء، و لم يلهموا «9» ما ادعيت من منافعهم و مضارهم فى أمر العاجل و الآجل، بل أحوجوا إلى علماء يتعلمون منهم و أئمّة يقتدون بهم و راضة يروضونهم «10»؛ و هذا عيان لا يقدر على دفعه إلّا مباهت ظاهر البهت و العناد.
و أنت مع ذلك تدّعى أنك قد خصصت بهذه العلوم التى تدّعيها من الفلسفة «11»، و أن غيرك قد حرم ذلك و أحوج إليك، و أوجبت عليهم التّعلم منك و الاقتداء بك.
(2) قال: لم أخصّ بها انا «12» دون غيرى، و لكنّى طلبتها و توانوا فيها، و إنّما حرموا ذلك لاضرابهم عن النّظر لا لنقص «13» فيهم. و الدليل على ذلك أنّ احدهم
__________________________________________________
(1)- البلاء: البلا BC
(2) يهلكون: يهلكوا CBA
(3)- من الناس: و الناس A
(4)- جل جلاله- A
(5) حكيم: هو حكيم A
(6)- بخلقه: بخلق C
(7)- ليستغنى: ليستغن A
(8)- و ترتفع ... عن بعض- C
((1/28)
9)- و لهم يلهموا: لم يلهموا B، بل يلهموا فلم C
(10)- يروضونهم: يرضونهم BA
(11)- من الفلسفة: و الفلسفة
(12)- بها انا بها: CB
(13)- لا لنقص: لنقص A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:5
يفهم من أمر معاشه و تجارته و تصرّفه فى هذه الأمور و يهتدى بحيله «1» الى أشياء تدقّ عن «2» فهم كثير منّا، و ذلك لأنه صرف همّته إلى ذلك؛ و لو صرف همّته إلى ما صرفت همّتى أنا إليه و طلب ما طلبت لأدرك «3» ما أدركت.»
قلت: فهل «4» يستوى النّاس فى العقل و الهمّة و الفطنة، أم لا؟
قال: لو اجتهدوا و اشتغلوا بما يعينهم «5» لاستووا فى الهمم و العقول.
قلت: كيف تجيز هذا و تدفع العيان؟! و إنّا نرى و نعاين أنّ النّاس على طبقات و تفاوت مراتب، و لست «6» تقدر على دفع ما اتّفق النّاس عليه، أن يقولوا: فلان أعقل من فلان، و فلان عاقل و فلان أحمق، و فلان أكيس من فلان «7»، و فلان كيّس و فلان بليد، و فلان لطيف الطّبع و فلان غليظ الطّبع، و فلان فطن و فلان غبىّ؛ و من دفع هذا فقد كابر و عاند. و إذا ثبت هذا فقد وقعت «8» الخصوصيّة.
و قد علمنا «9» أنّ الأحمق البليد الطّبع الغبىّ «10» لا يدرك بفطنته و نظره ما يدركه العاقل الكيّس الفطن اللّطيف الطّبع من العلوم الدّقيقة و الجليلة فى باب المعاش و الصّناعات التى ذكرت أنّ النّاس اشتغلوا بها عن النّظر «11» فى العلوم الدقيقة و أنهم بلغوا فى تلك الصنّاعات ما يدّق عن أفهامنا. و النّاس فى ذلك أيضا «12» يتفاوتون فى المراتب و الطبّقات و يتفاضلون فى كلّ صناعة.
و فى كلّ طبقة من النّاس فاضل و مفضول و عالم و متعلّم و لا نرى أحدا «13» يدرك شيئا من الأمور بفطنته و كيسه و عقله إلّا بمعلّم يرشده و بقانون يرجع إليه ثمّ يحتدّى على مثاله و يبنى عليه أمره؛ و هذا ما لامرية فيه، و لا يقدر أحد على دفعه.(1/29)
و إذا ثبت هذا فقد جاز أن يقع التّفاضل فى النّاس، و التّفاوت فى مراتبهم؛ كما قد اجزت لنفسك ما تدّعيه أنّك أدركت «14» من علوم الفلسفة
__________________________________________________
(1)- بحيله: بحيلته BA
(2)- عن: من B
(3)- لادرك: لادراك B
(4)- فهل: نعم فهل B
(5)- يعينهم: يغنيهم C
(6)- و لست: و ليست B
(7)- و فلان عاقل ... من فلان- B
(8)- وقعت: وجبت C
(9)- و قد علمنا: و علمنا B
(10)، البليد الطبع الغبى: الغبى البليد الطبع B
(11)- عن النظر: من النظر A
(12)- فى ذلك ايضا: ايضا فى ذلك B
(13)- احدا: احد C
(14)- ادركت: قد ادركت A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:6
بالعقل الكامل و الهمّة البعيدة «1» و الطّبع «2» التّام، ما لا يقدر على بلوغه من هو ناقص العقل متخلّف فى الهمّة «3»، و لا يتعلّمه و ان علّم، و لا يتوجّه له و إن هدى إليه «4»، لبلادته و نقصان طباعه؛ و هذا موجود فى جبلّة النّاس، أنّ البليد الجافى لا يبلغ معرفة ما يبلغه الفطن و لا يطيقه و إن تكلّفه و اجتهد فيه.
فاذا وجب هذا و ثبت أن تختلف «5» أحوال النّاس فى العقل و الكيس و الفطنة، فقد وجب أن يحوج بعضهم إلى بعض «6»، و أن يتعلّم بعضهم من بعض، فيكون فيهم عالم و متعلّم، و إمام و مأموم، فى جميع الأسباب فى الدّين و فى الأمور الدنياويّة، كما نشاهده عيانا؛ و قد انتقض قولك انه: لا يجوز فى حكمة الحكيم و رحمة الرّحيم أن يجعل النّاس بعضهم أئمّة لبعض، و انه يجب أن يلهم عباده أجمعين «7» معرفة منافعهم و مضارّهم فى عاجلهم و آجلهم، و أن لا يحوج بعضهم إلى بعض؛ و زعمت أنّ ذلك أحوط لهم، و أولى بحكمته. فانّ «8» هذا غير موجود فى جبلّة النّاس.(1/30)
و نرى الحكيم الرّحيم قد فعل بعباده خلاف ما تدّعيه أنّه أحوط لهم و أولى «9» بحكمته، إلّا ما نجد فى طبائعهم من تساويهم فى أشياء طبعوا عليها، كما طبع عليها سائر أصناف الحيوان من البهائم و السّباع و الطّير و دوابّ الماء «10» و جميع الأجناس، من طلب الغذاء و التّناسل، و ألهمت معرفة مالها من المنافع و المضارّ فى ذلك؛ فكلّ جنس من الحيوان لا تفاضل فيه «11» و لا درجات بينه «12»، بل استوت فى ذلك، و هى مطبوعة عليه، فلا درجات بينها «13» و لا مراتب، لأنّها ليست بمأمورة و لا منهيّة «14» (و لا مستعبدة) و لا مكلّفة و لا مثابة و لا معاقبة؛ و من «15» أجل «16» ذلك لا درجات بينها.
و خصّ البشر بأن يكون فيهم عالم و متعلّم، و إمام و مأموم، و فاضل
__________________________________________________
(1)- الهمة البعيده: الهم البعيد A
(2)، و الطبع: و الطباع CB
(3)- فى الهمة: فى الهم A
(4)- اليه- C
(5)- تختلف: يختلف BA
(6)- بعضهم الى بعض: بعضهم الى بعضهم B
(7)- اجمعين:- B
(8)- فان: و ان B
(9)- و اولى: و انه اولى B
(10)- دواب الماء: ذوات النماء C
(11)- فيه: فيها CBA
(12) بينه: بينها CBA
(13) بل استوت ... بينها:- B
(14)- منهية: مضرية A
(15) و من: فمن CBA
(16) اجل:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:7
و مفضول، ليقوم الأمر و النّهى، و تظهر الطّاعة و المعصية، و يثبت الاستعباد، و يقع الثّواب و العقاب على حسب ما يكون من أعمالهم باختيار لا باجبار؛ و هذا أوجب فى حكمة الحكيم و رحمة الرّحيم من أن يكون سبيل البشر سبيل البهائم و سائر الحيوان.
(3) و ليس يخلو الأمر من إحدى ثلاث خلال «1»:(1/31)
إمّا أن تقول: إنّ الحكيم «2» ترك ما ادّعيت أنّه أولى به فى حكمته و رحمته و أنّه أعمّ نفعا لبرّيته و أحوط لهم، فلم يفعله بهم و هو يقدر عليه، فانّ الذى تدّعيه من هذا الباب هو معدوم فى العالم، و إنّه فعل بهم ما هو أعمّ ضررا و أقرب إلى هلاكهم على زعمك؛ فيكون قد فعل مالا توجبه «3» الحكمة و الرّحمة؛ فانّا نراه قد فعل بهم هكذا من إحواج بعضهم إلى بعض.
أو تقول: أراد ذلك و أوجبه «4»، فلم يقدر عليه؛ فتلزمه «5» العجز.
أو تقول: إنّ الأولى بحكمته و رحمته ما قد فعله بهم، على نحو ما ادّعيناه؛ فترجع عن أصلك و تدع اعتقادك السّقيم «6» و دعواك البشعة «7» التى قد نقضتها على نفسك حين زعمت أنّك أدركت بفطنتك و دقة نظرك ما لم يدركه كثير من الفلاسفة القدماء؛ و هم كانوا لك أئمّة، و فى أصولهم نظرت و كتبهم درست و بها استدركت ما تدّعيه. فمرّة تزعم أنّه لا يجب أن يكون الناس أئمّة بعضهم لبعض، و أنّه يجب أن يتساووا، فلا يحوج «8» بعضهم إلى بعض؛ ثمّ تنتقض «9» على نفسك كما قد أجزت أن تتفاوت «10» مراتب الفلاسفة حتّى يدرك بعضهم ما لا يدركه البعض، و أن يكون بعضهم أئمّة لبعض؛ كما اتّفقت عليه الفلاسفة أنّ أفلاطن الحكيم «11» كان إماما لأرسطاطاليس و أنّ أرسطاطاليس كان تلميذا له، و كما ادّعيت أنّهم قد نقصوا عن مرتبتك حين أدركت ما تدّعى
__________________________________________________
(1)- خلال: خصال B
(2)- ان الحكيم:- B
(3)- توجبه: يوجبه B
(4)- اوجبه: احبه A، اجبه B
(5) فتلزمه: فلزمه B
(6)- السقيم:--- CA
(7) البشعة: الشنيعة-- CB
(8)- يحوج: يخرج B
(9)- تنتقض: تنقض-- CA
(10) تتفاوت: يتفاوت CBA
(11)- الحكيم:- BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:8
أنّهم لم يدركوه من الصواب الذى زعمت أنّهم أخطأوا «1» فيه، و أنّه واجب عليهم الرّجوع إلى قولك و الاقتداء بك.(1/32)
أو ليس قد أثبت بهذه الدّعوى المراتب و الدّرجات و أثبتّ أن يكون فى الناس عالم و متعلّم و إمام و مأموم، و أن بعضهم تعجز فطنته عن فطنة غيره و إن اجتهد؟! أو ليس قد انكسر عليك قولك الأوّل؟!
و لعمرى إنّ هذا هو أشبه بالصواب و أثبت.
و إذا ثبت هذا، و جاز أن يكون فى الناس عالم و متعلّم، و إمام و مأموم، و أن تكون فيهم مراتب و درجات، جاز أن يختصّ اللّه بحكمته و رحمته قوما، و يصطفيهم «2» من خلقه، و يجعلهم رسلا إليهم، و يؤيّدهم و يفضّلهم بالنّبّوة، و يعلّمهم بوحى منه ما ليس فى وسع البشر أن يعلموه «3»؛ ليعلّموا النّاس، و يرشدوهم «4» إلى ما فيه «5» صلاح أمورهم دينا و دنيا، و يسوسوا «6» الخلائق بمثل ما يرى من هذه السّياسة العجيبة التى يرتاض عليها الخاصّ و العامّ و العالم «7» و الجاهل و الكيّس و البليد، و يستقيم أمر العالم بهذه السّياسة التى نشاهدها «8» بالشرائع التى شرعوها، و استغنى بها «9» البليد الغليظ الطّبع عن النّظر فى دقائق علوم «10» الفلسفة التى يتحيّرون فيها و تبهر عقولهم و يعجزون عن ضبطها و إن اجتهدوا.
(4) فأىّ الأمرين أولى بحكمته و رحمته، و أوجب عليك أن تأخذ به:
أن يختصّك بهذه الفضيلة التى ادّعيتها لنفسك و نقضت بها دعواك الأولى، فتثبت «11» دعوى من يقول بأنّ «12» فى العالم إماما و مأموما و عالما و متعلما «13»؟
__________________________________________________
(1)- اخطأوا: اخطو CBA
(2)- يصطفيهم: يصطفهم A
(3)- يعلموه: يعلموا A
(4) يرشدوهم: ليرشدوهم BA
(5) فيه: به
(6)- يسوسوا: يسوسون CA، يوسوسون B
(7)- و العالم:- A
(8)- نشاهدها: تشاهدها BA، نشاهدها، و لكن تحت النون نقطتين و فوقها ضمة
(9) بها: به A
(10)- علوم: العلوم B
(11)- فتثبت: فيثبت CBA
(12) بان: هذه بان A
(13) اماما و مأموما و عالما و متعلما: امام و مأموم و عالم و متعلم CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:9(1/33)
أو دعواك الأولى أنّه لا يجوز فى حكمته أن يكون فى العالم إمام و مأموم و عالم و متعلم «1»؟ فاختر أيّهما شئت! فإن اخترت هذه الدعوى بطلت دعواك و انكسرت عليك «2»، و أنت نقضت على نفسك. و ان اخترت الأخرى، و أجزت فى حكمة الحكيم أن يختّصك بهذه الفضيلة دون غيرك، و أن يحوج النّاس إليك و إلى التّعلم «3» منك، فلم أنكرت أن يختار عزّ و جلّ رسلا و يختصّهم بالنّبّوة و يجعلهم أئمّة للنّاس، و يحوج النّاس إليهم و إلى التعلّم منهم، ليكونوا ساسة «4» للنّاس فى أولاهم و قادة لهم فى أمر دينهم؛ كما تراه أنّه قد فعله؟ و لم جاز أن يفيض عليك نعمته، فيجعلك إماما للنّاس و أنت لا تقدر على سياسة رجلين، و لم يجز أن يفيضها «5» على أنبيائه الذين اصطفاهم و جعلهم أئمّة للنّاس، حتّى ساسوا العالم بأبنية «6» شرائعهم و أحكامهم؟!!
فهذا ما جرى فى هذه المسألة، و إن كان الكلام يزيد و ينقص و الألفاظ تختلف؛ كان «7» جملته «8» و معانيه ما قد ذكرته. و قد كان ادّعى فى غير هذا المجلس ما احتججت به، أنه أدرك من العلوم ما لم يدركه من تقدّمه من الفلاسفة، الى غير ذلك مما قد ذكرته من دعاويه.
__________________________________________________
(1)- او دعواك ... و متعلم:- A
(2)- و انكسرت عليك: A
(3)- التعلم: التعليم A
(4)- ساسة: سامة B
(5)- يفيضها: يفيض BA
(6)- العالم بابنية: العلم بانبوه C
(7)- كان: و كان B
(8) جملته: جمله C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:10
الفصل الثانى فى ذكر القدماء الخمسة و القول فى التقليد و النظر «1»
(1) و طالبته «2» فى مجلس آخر و قلت له: أخبرنى عن الأصل الذى تعتقده «3» من القول «4» بقدم الخمسة: البارى و النّفس و الهيولى و المكان و الزمان؛ أهو شى ء وافقك عليه القدماء من الفلاسفة «5»، أم خالفوك فيه؟(1/34)
قال: بل «6» للقدماء فى هذا أقوال مختلفة، و لكنّى استدركت هذا بكثرة البحث و النظر فى أصولهم، فاستخرجت ما هو الحقّ الذى لا مدفع «7» له و لا محيص عنه.
قلت: فكيف عجزت فطن هؤلاء الحكماء و اختلفت «8» أقاويلهم، و كانوا بزعمك مجتهدين قد صرفوا هممهم إلى النّظر فى الفلسفة حتى أدركوا العلوم اللّطيفة و صاروا فيها علماء و قدوة؛ و أنت تزعم أنك أدركت ما لم يدركوا بكثرة نظرك فى رسومهم و كتبهم؛ و هم لك أئمّة، و أنت لهم تبع، لأنك درست رسومهم و نظرت فى أصولهم و تعلمت من كتبهم؟ فكيف يجوز
__________________________________________________
(1)- رأينا ان نضع عناوين لكل فصل كما انه قد ورد شئى من ذلك فى نسخة A
(2)- و طالبته: فطالبته A
(3) تعتقده: تعتقدوه C
(4) من القول: من القوم B
(5)- من الفلاسفة: و الفلاسفة A
(6)- بل:- A
(7)- لا مدفع:- A
(8)- اختلفت: خالفت A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:11
أن يكون التابع أعلى «1» من المتبوع، و الماموم أتّم فى الحكمة من الامام «2»؟! قال: أنا أورد عليك فى هذا ما تعلم أنّ الأمر كما ذكرته، و تعرف الصّواب من الخطأ فى هذا الباب: إعلم أنّ كلّ متأخّر من الفلاسفة إذا صرف همّته إلى النّظر فى الفلسفة و واظب على ذلك و اجتهد فيه و بحث عن الذى «3» اختلفوا فيه لدّقته و صعوبته، علم علم من تقدّمه منهم و حفظه و استدرك بفطنته و كثرة بحثه و نظره «4» أشياء أخر؛ لأنه مهر بعلم من تقدّمه و فطن لفوائد «5» أخر و استفضلها؛ اذ كان البحث و النّظر و الاجتهاد يوجب الزيادة و الفضل.(1/35)
قلت «6»: فان كان الذى استدركه المتأخّر خلافا على من تقدّمه كما خالفت أنت من تقدّمك، فانّ الخلاف ليس بفائدة؛ بل، الخلاف شرّ و زيادة فى العمى و تقوية للباطل و نقض «7» و فساد. و نحن نجدكم لم تزدادوا بكثرة البحث و النظر بآرائكم الّا اختلافا و تناقضا. فاذا شرطت على نفسك أنّ «8» المتأخّر يدرك ما لم يدركه المتقدّم كما زعمت أنك ادركته و أوردت الخلاف على من تقدمك، لا تأمن أن يجيى ء بعدك من يجتهد فوق ما اجتهدت، فيعلم ما قد علمت و يستفضل، و يدرك بفطنته و اجتهاده و نظره ما لم تدركه أنت؛ فينقض ما حكمت به و يخالفك فى أصلك، كما نقضت على من تقدمك و خالفته فى أصله، حين «9» ادّعيت قدم الخمسة و زعمت أنّ من تقدّمك قد أخطأ حين خالفك؛ و كما قد خالف «10» بعضكم بعضا. و على هذه الشرّيطة فانّ الفساد قائم فى العالم و الحقّ معدوم أبدا و الباطل منتظم، و الذين خالفوك قد مضوا على الباطل و الضّلال؛ لأنّ الخلاف باطل و الخطأ ضلال. و يلزمك أيضا على هذه الشريطة أن تمضى على الباطل و الضّلال، اذ «11» كان الذى يجيى ء بعدك يأتى بفائدة و يصيب
__________________________________________________
(1)- اعلى: اعلم-- CA
(2) من الامام: عن الامام A
(3)- عن الذى: على الذى CBA
(4)- نظره: نظر B
(5)، لفوائد: بفوائد C
(6)- قلت: B
(7)- نقض: غير واضحة C
(8)- ان: من ان A
(9)- حين: حيث B
(10)- و كما قد خالف: A، قد:- B
(11)- اذ: اذا-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:12
ما لم تصبه، على قياس «1» قولك.
(2) قال: ليس هذا باطلا و لا ضلالا «2»، لأنّ كلّ واحد «3» منهما مجتهد.(1/36)
فاذا اجتهد و شغل نفسه بالنظر و البحث فقد أخذ فى طريق الحقّ؛ لأنّ الأنفس «4» لا تصفو «5» من كدورة هذا العالم، و لا تتخلص الى ذلك العالم الّا بالنظر فى الفلسفة. فاذا نظر فيها ناظر و أدرك منها شيئا و لو أقلّ قليل، صفت نفسه من هذه الكدورة و تخلصت. و لو أنّ العامّة الذين قد «6» أهلكوا أنفسهم و غفلوا عن البحث نظروا فيها أدنى «7» نظر، لكان فى ذلك خلاصهم من هذه الكدورة، و إن أدركوا القليل من ذلك «8».
قلت: ألست أوجبت أنّ النّظر فى الفلسفة هو الوصول إلى الحقّ و الخروج عن الباطل؟
قال: نعم!
قلت: قد زعمت أنّ النّاس هلكوا بالتّعادى و الاختلاف؛ فعلى زعمك، لا يزداد من ينظر فى الفلسفة الّا هلاكا؛ لأنك قد أقررت، أنّ للفلاسفة أقاويل مختلفة، و أنّ الذى تعتقده خلاف ما كان عليه من تقدّمك، و ألزمت نفسك هذه الشّريطة «9» «10»: أنّ الذى يجيى ء بعدك يجوز أن يخالفك و يخالف غيرك. فعلى هذه الشرّيطة، يقوى سبب الهلاك «11» فى كل يوم و يزداد الباطل و الضلال.
قال: أنا لا أعدّ هذا باطلا و لا ضلالا؛ لأنّ «12» من نظر و اجتهد هو محقّ، و انّ لم يبلغ الغاية على ما قد و صفته لك «13»، و لأنّ الانفس لا تصفو
__________________________________________________
(1)- قياس: فساد A، قياد C
(2)- باطلا و لا ضلالا: باطل و لا ضلال CBA، و لا:- B
(3)، واحد:- B
(4)- الانفس: النفس B
(5)، لا تصفو: لا تصفوا-- CA
(6)- قد:- B
(7)- ادنى: اذا A
(8)- و ان ... ذلك:- B
(9)- ان الذى ... الشريطة:- A
(10)، هذه الشريطة: هذا الشرط C
(11) يقوى سبب الهلاك: سبب الهلاك يقوى CBA
(12)- لان: كان A
(13)- لك: ذلك
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:13
الّا بالنظر و البحث؛ هذا هو جملة القول فقط.(1/37)
قلت: امّا اذا أصررت على هذه الدّعوى و رددت الحقّ و عاندت، فأخبرنى ما تقول فيمن نظر فى الفلسفة و هو معتقد لشرائع الأنبياء؛ هل تصفو نفسه و هل ترجو «1» له الخلاص من كدورة هذا العالم؟
قال: كيف يكون ناظرا فى الفلسفة و هو معتقد «2» لهذه الخرافات، مقيم على الاختلافات، مصرّ على الجهل و التقليد؟!
قلت: أو ليس ادّعيت أنّ من نظر فى الفلسفة، و ان لم يتبحرّ فيها، و نظر «3» فى أقلّ قليل منها، صفت نفسه؟!
قال: نعم!
قلت: فانّ هذا الذى لم يتبحرّ و نظر «4» فى القليل، قد اقتدى بمن تقدّمه و قلّده، و لم يحصل الّا على الاقتداء بالخلاف و على التّقليد؛ فأىّ خرافات أكثر من هذه، و أىّ تقليد فوق هذا، و اى جهل «5» أعظم منه، و أىّ تصفية لنفس هذا؟! و على ماذا حصل الّا على رفض الشرائع و الكفر «6» باللّه و أنبيائه و رسله، و الدخول فى الالحاد، و القول بالتّعطيل؟! أو ليس هذا أولى بأن «7» يسمّى جاهلا «8» مقلّدا معتقدا للخرافات و الاختلاف من جميع الناس؟.
قال: اذا انتهى الكلام الى هذا يجب أن يسكت!!
__________________________________________________
(1)- ترجو: ترجوا C
(2)- معتقد: معتمد B
(3)- و نظر:- C
(4)- و نظر: نظر A
(5)- جهل: جهلا A
(6)- و الكفر: و هذا الكفر A
(7)- بأن: أن B
(8)- جاهلا: جهلا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:14
الفصل الثالث قوله ان الخمسة قديمة لا قديم غيرها القول فى الزمان و المكان
(1) و طالبته فى مجلس آخر، و قلت له: أخبرنى، الست تزعم أنّ الخمسة قديمة لا قديم غيرها؟
قال: نعم!
قلت: فانّا نعرف الزّمان بحركات الفلك و بمرّ الأيّام و الليالى، و عدد السنين و الأشهر، و انقضاء الأوقات؛ فهذه قديمة مع الزّمان أم محدثة؟(1/38)
قال: لا يجوز أن تكون «1» هذه قديمة، لأنّ هذه كلّها مقدرة على حركات الفلك، و معدودة «2» بطلوع الشمس و غروبها؛ و الفلك و ما فيه محدث؛ و هذا قول أرسطاطاليس فى الزّمان. و قد يخالفه غيره؛ و قالوا فيه أقاويل مختلفة، و أنا أقول: ان الزمان زمان مطلق، و زمان محصور. فالمطلق هو المدة و الدهر، و هو القديم، و هو متحرك غير لابث. و المحصور هو الذى بحركات
__________________________________________________
(1)- تكون: يكون CBA
(2)- و معدودة: معدودة B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:15
الفلك و جرى الشمس و الكواكب. و اذا ميّزت هذا و توهّمت حركة الدهر، فقد توهمت الزّمان المطلق؛ و هذا هو الأبد السّرمد. و ان توهّمت حركة الفلك، فقد توهمت الزمان المحصور.
قلت: فأوجدنى للزمان المطلق حقيقة نتوهمها. فانّا اذا رفعنا حركات الفلك و مرّا لأيام و الليالى و انقضاء «1» الساعات عن الوهم، ارتفع الزمان عن الوهم، فلا نعرف له حقيقة، فأوجدنى حركة الدهر الذى ذكرت أنّه الزمان المطلق.
قال: ألا ترى «2» كيف ينقضى أمر هذا العالم بمر الزّمان: (طفّ طفّ، طفّ)؟ هو شى ء لا ينقضى «3» و لا يفنى «4»، و هكذا حركة الدّهر اذا توهّمت الزّمان المطلق.
قلت: انّما ينقضى أمر العالم «5» بمر الزّمان الذى هو بحركات الفلك و العالم محدث و الفلك محدث، و انت مقرّ بذلك؛ و الزّمان من أسباب العالم و هو محدث معه؛ و مرّ الزّمان و انقضاؤه «6» مع انقضاء أمر العالم، كما أنّ حدوثه مع حدوثه؛ و لا نعرف للزمان حقيقة الّا ما ذكرنا من حركات الفلك و الشّمس و عدد السّنين و الأشهر و الأيّام و السّاعات؛ فاذا رفعت «7» هذه عن الوهم ارتفع الزّمان، فلا زمان كما ذكرنا. فإمّا أن تجعل هذه أيضا قديمة مع الزّمان حتى يكثر عدد الاشياء القديمتة، و يكون الفلك و ما يدبّره داخلا فى هذه الجملة؛ فيكون من ذلك الرجوع الى القول بقدم العالم.(1/39)
أو «8» تقرّ بأنّ الزمان محدث كما هذه محدثة. أو توجدنى «9» للزمان انيّة غير هذه،
__________________________________________________
(1)- انقضاء: انقطاع B
(2)- ترى: ترا C
(3)- لا ينقضى: لا ينقض A
(4)، لا يفنى: لا يفنا C
(5)- امر العالم: امر هذا العالم B
(6)- انقضاؤه: انقضائه A
(7)- رفعت: عرفت C
(8)- او: و B
(9) توجدنى: توجد لى A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:16
يكون واقعا تحت الوهم، كما انّه الآن واقع «1» تحت الوهم، بوقوع هذه تحت الوهم. و هذه الالفاظ التى أوردتها، قولك: طفّ طفّ طفّ «2»، هو ايضا شى ء يقع عليه العدد، و لا يقع تحت الوهم الّا من جهة النطق و العدد؛ و النطق و العدد محدّثان. و اذا «3» كان كذلك فلم تورد بعد «4» شيئا حين أوردت هذه الألفاظ التى يستحى «5» العاقل من «6» مثلها. فهات ما تكون له حقيقة و يقع تحت الوهم!!
قال: هذا «7» لا ينقضى القول فيه. و قد عرّفتك أنّ ارسطاطاليس كان يعتقد ما تقوله أنت، و قد خولف فيه. و قول أفلاطن «8» لا يكاد يخالف ما نعتقده فى الزمان؛ و هذا عندى أصوب الأقوال «9».
قلت: فاذا رجعت «10» إلى التقليد و الى الاختلاف «11» الذى أنكرته، و اقتديت بافلاطن «12» فى هذا الباب و قلّدته، و تركت قول أرسطاطاليس و خالفته، فقد سلمناه لك. و يلزمك أيضا فى المكان مثل ما قد لزمك «13» فى الزمان.
قال: كيف؟
(2) قلت: أخبرنى عن المكان، أهو محيط بالأقطار، أم الأقطار محيطة به «14»؟
قال: بل الأقطار محيطة بالمكان.
قلت: كيف لا تعدّ الأقطار مع «15» الخمسة التى زعمت أنّها قديمة؟
لأنّه ان كان المكان قديما، فقد أوجبت أنّ الأقطار قديمة معه!
__________________________________________________
(1)- واقع: واقعا-- CA
(2)- طف طف طف: طق طق طق C
(3)- و اذا: اذا A، و لا C
(4) بعد:- C
(5)- يستحى: يستحيئى-- CB
(6) من:- C
(7)- هذا:- A
(8)- افلاطن: افلاطون B
(9)- الاقوال: الاقوال عندى B
((1/40)
10)- رجعت: قد رجعت-- CB
(11)، الى الاختلاف: الاختلاف A
(12)- بافلاطن: بافلاطون B
(13)- مثل ما قد لزمك: ما يلزمك A
(14)- به:- B
(15)- مع:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:17
قال: الأقطار هى المكان، و المكان هو الأقطار، و هما شى ء واحد لا فرق بينهما.
قلت: كيف لا يكون الفرق «1» بينهما؟ و كيف يكونان شيئا واحدا و قد أعطيتنى أنّ الأقطار تحيط بالمكان و المكان لا يحيط بالأقطار؟! أو ليس قد فرّقت بهذا القول بين المكان و الأقطار؟ و لعمرى إنّ الصّواب أن تفرّق بينهما، و لكن قد اضطرك الأمر الى أنّ تباهت «2» و تقول: انهماشى واحد، حين انتقض عليك قولك «3» بقدم المكان دون الأقطار. فامّا أن تجعل الاقطار الستّة قديمة مع المكان حتى يصير عدد الاشياء القديمة أحد عشر، أو ترجع عن القول بقدم المكان «4».
قال: قد اختلف قول الفلاسفة فى الاقطار، فأنكر بعضهم أن تكون ستّة، و قالوا فى هذا أقوالا كثيرة.
فلما رأيته قد فزع الى هذا القول يريد أن يخرج الى كلام آخر، قلت:
لا نبالى اختلفوا فى عددها ام اتّفقوا، زادوا ام نقصوا، قالوا انّ اعدادها «5» كثيرة او قالوا هو «6» قطرّ واحد، فانّ تلك الكثيرة او هذا الواحد، هو مع المكان.
فان كان المكان قديما، فان القطر قديم «7»؛ و ان كان [القطر] محدثا «8»، فانّ المكان محدث و لا بدّ للمكان من الاقطار؛ لانه ان لم تكن اقطار، فلا مكان.
قال: فانّى «9» أقول فى المكان ايضا: انّه مكان مطلق
__________________________________________________
(1)- الفرق:- C
(2)- تباهت: تبهت A، تبلهت C
(3)- قولك: القول B
(4)- حتى يصير ... المكان:- A
(5)- اعدادها: عددها C
(6)- هو:- C
(7)- قديم: قديما B
(8)، محدثا: القطر محدثا A
(9)- فانى: فان A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:18(1/41)
و مكان مضاف «1». فالمكان «2» المطلق، مثاله مثال الوعاء الذى يجمع أجساما، و ان رفعت الاجسام عن الوهم، لم يرتفع «3» الوعاء؛ كما لو انا «4» رفعنا الفلك عن الوهم، لم يرتفع الشى ء الذى هو فيه عن الوهم؛ بل، هو باق «5» فى الوهم، كالّدن «6» الذى يفرغ من الشراب، فارتفع «7» الشّراب عن الوهم و لم «8» يرتفع الّدن «9» بتّة «10». و المكان المضاف إنّما هو مضاف الى المتمكّن.
فاذا لم يكن «11» المتمكّن، لم يكن مكان «12». و هذا مثل العرض الذى اذا رفعته عن الوهم ارتفع الجسم؛ كما أنك اذا رفعت الخطّ عن الوهم، ارتفع السّطح «13» عن الوهم.
قلت: فان السطح من الخطّ و ليس مثاله مثال «14» المكان من المتمكّن؛ و إنّما المثال، كقولك الاوّل فى الفلك و لكنّ الامر خلاف ما ذكرت انّك إذا «15» رفعت الفلك عن الوهم، لم يرتفع المكان عن الوهم؛ بل يرتفع المكان عن الوهم بارتفاع «16» «17» الفلك عن الوهم. و الذى قلت فى باب الدّنّ و الشّراب، هو أيضا مثل الخطّ و السّطح؛ لأنّ كليهما «18» جسمان، و ليس مثل المكان و المتمكّن «19».
قال: فأوجدنى للاقطار «20» إثّية يشار اليها «21».
قلت: أجبنى! هل نحن فى المكان؟
قال: نعم!
__________________________________________________
(1)- مضاف: محصور B
(2)، فالمكان: و المكان-- CA
(3)- لم يرتفع: لم ترتفع C
(4)، لوانا: انالو B
(5)- باق: باقى-- CA
(6) كالدن: كمالان A
(7) فأرتفع: فان ارتفع B
(8)- و لم: لم B
(9) الدن: الان A
(10)، بته: CB
(11)- يكن المتمكن: يكن متمكنا C
(12) مكان: مكانا B
(13)- السطح: سطح B
(14)- مثال: مثل C
(15)- اذا: لو C
(16)- عن الوهم بارتفاع: بارتفاع B
(17)- بارتفاع: بالارتفاع A
(18)- كليهما: كلاهما CBA
(19) المتمكن:- A
(20)- للاقطار: لاقطار A، بالاقطار C
(21)، اليها:- B، اليه A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:19
قلت: فأشر إلى المكان الذى نحن فيه.(1/42)
قال: هذا الذى نحن فيه، لا يدفعه أحد.
قلت: قولك ان أشرت إلى «1» الأرض، قلنا هذه أرض و لها أقطار؛ و ان أشرت الى الهواء، قلنا هذا هواء و له أقطار؛ و ان إشرت الى السّماء قلنا هذه سماء، و لها أقطار.
قال: هذه كلّها متمكّنة فى المكان، و المكان ليس له جرم يشار إليه، انّما يعرف بالوهم.
قلت: و كذلك الأقطار التى تحيط بالمكان، ليس لها جرم يشار إليه، إنّما تدرك «2» بالوهم؛ كما يدرك المكان بالوهم «3». فان ارتفعت الأقطار عن الوهم ارتفع المكان. فاذا لا مكان و لا أقطار، و سبيلهما فى الوقوع تحت الوهم سبيل واحد. و هذه المسألة مثل «4» ما جرى فى باب الزّمان.
قال: أجل لعمرى، و الذى أقوله أيضا فى باب المكان هو قول أفلاطن «5»؛ و الذى تشبّثت «6» به أنت، هو قول أرسطاطاليس. و أنا، قد «7» وضعت فى المكان و الزّمان كتابا؛ فان أردت الشفاء فى هذا الباب، فانظر فى ذلك الكتاب.
قلت: لست أدرى ما فى ذلك «8» الكتاب، و لا ما قاله أفلاطن «9» و أرسطا طاليس فهات على «10» ما تدّعيه برهانا، و لا تحلنى «11» على كتاب.
قال: هو ما قد قلت لك.- ثم سكت.
__________________________________________________
(1)- الى:- A
(2)- تدرك: يدرك B
(3)- كما ... بالوهم:- B
(4)- مثل: مثال BA
(5)- افلاطن: افلاطون B
(6) تشبثت: ثثبت A
(7)- قد: فقد-- CA
(8)- ذلك:- A
(9)- افلاطن: افلاطون B
(10)- على:- C
(11)- تحلنى: تحيلنى-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:20
الفصل الرابع [فى ] أن العالم محدث
(1) قلت: قد انقضى «1» هذا «2». ألست تزعم أنّه «3» لا قديم الّا هذه الخمسة، و أنّ العالم محدث؟
قال: نعم!
قلت: و أىّ هذه «4» الخمسة أحدث العالم؟
قال نعم «5»!
قلت «6»: تكلّم فى هذا الباب؛ فانّه أنفع، فقد كثرت المطالبة من الدّهرّية لما بالعلّة فى حدث العالم.(1/43)
قال: للنّاس فيه أقاويل «7» غير مقنعة، و ليست عليهم حجة أوكد ممّا استدركته، و لا تثبت «8» لأحد حجة فى ذلك دون الرّجوع إلى ما أعتقده.
قلت: و ما تلك الحجّة المقنعة؟
قال: أنا أقول: انّ الخمسة قديمة، و إنّ العالم محدث. و العلّة
__________________________________________________
(1)- انقضى: انقض C
(2) المقصود ما دار بينهما فى الفصل السادبق.
(3) انه: ان C
(4)- هذه: هذ A
(5)- قال نعم:- A
(6)- قلت:- C
(7)- اقاويل: اقاويلا C
(8)- تثبت: يثبت CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:21
فى إحداث العالم، أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل «1» فى هذا العالم، و حرّكتها الشّهوة لذلك، و لم تعلم ما يلحقها من الوبال اذا تجبّلت «2» فيه و اضطربت فى إحداث العالم، و حركت الهيولى حركات مضطربة مشوّشة «3» على غير نظام و عجزت عما أرادت. فرحمها البارى جلّ و تعالى «4»، و أعانها على إحداث هذا العالم، و حملها على النّظام و الاعتدال رحمة منه لها، و علما أنّها إذا ذاقت و بال ما اكتسبته، عادت الى عالمها و سكن اضطرابها و زالت «5» شهوتها «6» و استراحت. فأحدثت هذا العالم بمعاونة «7» البارى «8» لها. لولا ذلك لما قدرت على إحداثه «9»، و لو لا هذه العلّة لما احدث العالم.
و ليست لنا حجّة على الدّهرية «10» أو كد من هذه. و ان لم يكن هكذا، فلا حجّة لنا عليهم بتّة «11» بتّة؛ لأنّا لا نجد لاحداث العالم علّة ثبتت «12» بحجّة و لا برهان.
قلت: أمّا الحجج على الدهريّة فى إحداث العالم فكثيرة «13»، و لكنّها خفيت عليك؛ لأنّ هواك فيما تدّعيه قد غلب. و إن لم يكن على الدّهريّة حجّة فى إحداث العالم إلّا ما ذكرت، فقد ضعف من قال بحدث العالم- و نعوذ باللّه من ذلك- لانّ الذى تدّعيه، ينكسر عليك من وجوه كثيرة.
قال: و من أين ينكسر علىّ؟
(2) قلت: أخبرنى! ألست تزعم أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل فى
__________________________________________________
((1/44)
1)- تتجبل: تستجبل A
(2)- تجيلت: تجبلت A
(3)- مشوشة: مشوسته B
(4)- جل و تعالى:- A
(5)- و زالت:-- B
(6) شهوتها: شهواتها C
(7) هذا العالم بمعاونة: C
(8) البارى: البارى جل و تعالى B
(9)- احداثه: احدثه B
(10)- الدهرية: الدهر A
(11)- بتة:- A
(12)- ثبتت: تثبت A
(13)- فكثيرة: كثيرة CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:22
هذا العالم، فاضطربت فى إحداثه على ما حكيت من القول، فأعانها البارى رحمة منه لها؟
قال: نعم!
قلت: فهل علم البارى أن يلحقها فى ذلك «1» الوبال إن تجبّلت فيه؟
قال: نعم «2»!
قلت: أليس لو لم يعاونها على إحداث هذا العالم و منعها من التّجبّل فيه، كان أولى بالرّحمة لها من أن أعانها و أوقعها فى هذا الوبال العظيم على زعمك؟
قال: لم يقدر على منعها من ذلك.
قلت: قد «3» ألزمت البارى العجز!
قال: لم ألزمه العجز.
قلت: ألست تزعم أنّه لم يقدر على منعها؟ فقولك: «لم يقدر» أليس هو عجز؟
قال: لم أعن، أنّه لم يقدر لانّه عجز عن منعها؛ و لكنّى أضرب لك مثلا تعرف منه صواب ما أوردته: إنّما المثل فى هذا كمثل «4» رجل له ولد صغير يحبّه و يرحمه و يشفق عليه و يمنع منه الآفات. فتطلّع ولده هذا فى بستان، فرأى ما فيه من الزّهر و الغضارة. و فى البستان شوك كثير و هو امّ تلسع، و الصّبىّ لا يعرف ما فيه من الآفات، إنّما يرى «5» الزّهر و الغضارة، فتحرّكه الشّهوة و تنازعه نفسه «6» إلى الدّخول إلى هذا البستان، و والده يمنعه لعلمه بما فى البستان من الآفات، و هو يبكى و ينزع إلى ذلك جهلا منه بما يلحقه
__________________________________________________
(1)- ذلك:- C
(2)- قلت ... نعم:- A
(3)- قد:- A
(4)- كمثل:- C
(5)- يرى: ير C
(6)- نفسه: النفس A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:23(1/45)
من الوبال من جهة الشّوك و الهوام. فيرحمه والده و هو يقدر على منعه «1» من الدّخول؛ و لكن يعلم أنّه لا ينتهى حتّى يدخله، فتشوكه شوكة أو تلسعه عقرب؛ فعند ذلك ينتهى، و تزول شهوته، و تستريح نفسه؛ فيخليّه حتّى يدخله.
فاذا دخله «2»، لسعته عقرب، فرجع ثمّ لم تنازعه نفسه بعد ذلك «3» إلى العود إليه، و استراح. فهكذا مثال النّفس مع البارى جلّ «4» و تعالى، و هذا معنى قولى: «لم يقدر على منعها»، و لم ألزمه العجز.
قلت: و هذا أيضا «5» منكسر «6» من جهات.
قال: كيف؟
قلت: أليس تقول إنّ البارى جلّ و عزّ «7» تامّ القدرة؟
قال: نعم!
قلت «8»: فكيف لم يعرّف النّفس «9» ما ينالها من الوبال إذا تجبّلت فى هذا العالم قبل أن تتجبّل فيه، و هو قادر تامّ القدرة؟ فانّ ذلك أتمّ فى الحكمة و أبلغ فى الرحمة من أن ألقاها فى هذا الوبال الطّويل هذا الدّهر المديد. فان زعمت أنّه لم يقدر أن يعرّفها إلّا بعد تجبّلها فى هذا العالم، فقد عجزّته؛ لأنّ المخلوق أيضا لا يقدر أن يعرّف الصّبىّ إلّا بعد دخوله «10» البستان؛ فاذا قد استوى الخالق و المخلوق فى القدرة؛ و هذا هو العجز التامّ، جلّ اللّه و تعالى عن ذلك. و إن زعمت أنّه قدر و لم يفعل، فقد أدخلت النّقص فى رحمته و حكمته، عزّ اللّه عن ذلك. و ينكسر أيضا من جهات أخر: ألست تزعم أنّ النّفس كانت جاهلة «11» بما يلحقها من الوبال
__________________________________________________
(1)- منعه: منصرف A
(2)- دخله:- A
(3) ذلك: ذالك A
(4)- جل و:- B
(5)- ايضا:- A
(6) منكسر: ينكسر B
(7)- جل و عز:- A
(8)- قلت: A
(9) النفس:- C
(10)- دخوله: دخول BA
(11)- جاهلة: جاهلية C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:24
إذا تجبّلت فى هذا العالم، و ضربت المثل بالصّبى و البستان؟
قال: نعم!(1/46)
قلت: فقد وجدنا البستان مع وجود الصّبىّ، و الصّبىّ ينظر إليه و تحرّكه الشّهوة الغريزّية للدّخول إليه، فهل كان العالم موجودا مع النّفس حتى تطلّعت فيه و حرّكتها الشهوة للتّجبّل «1» فيه؟ فان زعمت «2» أنّ العالم كان موجودا مع النّفس «3»، فقد رجعت عن القول بحدث العالم؛ لأنك زعمت أنّه موجود مع النّفس؛ و النّفس عندك أزليّة قديمة. و ان «4» زعمت أنّ العالم كان معدوما «5»، فمن أين عرفت النّفس أنّ عالما يكون بهذه الصّفة حتى اشتهت أن تتجبّل فيه؛ و النّفس جاهلة بما نالها «6» من الوبال فى ذلك؛ فهى بأن تجهل عالما ليس بموجود أولى. و إن زعمت أنّها علمت أنّ عالما «7» يكون على هذا «8» المثال قبل أن كان، فقد قضيت «9» على النّفس بالعلم. فكيف يجوز أن «10» تعلم أنّ عالما يكون بهذه الصّفة، و لم تعلم ما يلحقها من الوبال لمّا تجبّلت «11» فيه؟ و إن زعمت أنّ العالم ليس بقديم مع النّفس، و أنّه أحدث بعد ذلك، ثم تطلّعت النفس فيه، فقد نقضت قولك: انّ «12» علّة إحداث العالم، أنّ النّفس اضطربت و حركتها الشّهوة للتّجّبل فى هذا العالم، فأعانها البارى حتى أحدثته.
(3) و فى وجه آخر: أخبرنى عن هذه الحركة التى بعثت «13» شهوة النّفس على التّجبّل فى هذا العالم: أهى «14» غريزيّة، أم قسرّية؟ فان ادّعيت أنّها غريزّية، فقد لزمك أن تقول: إنّ هذه الحركة و الشّهوة قديمتان «15»
__________________________________________________
(1)- للتجبل: المتجبل C
(2) زعمت: زعم C
(3) حتى تطلعت ... مع النفس: C
(4)- و ان: فان A
(5)- معدوما: معلوما A
(6)- نالها: لها C
(7)- عالما: عحدثا A
(9)- فانى: فان A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:18(1/47)
و مكان مضاف «1». فالمكان «2» المطلق، مثاله مثال الوعاء الذى يجمع أجساما، و ان رفعت الاجسام عن الوهم، لم يرتفع «3» الوعاء؛ كما لو انا «4» رفعنا الفلك عن الوهم، لم يرتفع الشى ء الذى هو فيه عن الوهم؛ بل، هو باق «5» فى الوهم، كالّدن «6» الذى يفرغ من الشراب، فارتفع «7» الشّراب عن الوهم و لم «8» يرتفع الّدن «9» بتّة «10». و المكان المضاف إنّما هو مضاف الى المتمكّن.
فاذا لم يكن «11» المتمكّن، لم يكن مكان «12». و هذا مثل العرض الذى اذا رفعته عن الوهم ارتفع الجسم؛ كما أنك اذا رفعت الخطّ عن الوهم، ارتفع السّطح «13» عن الوهم.
قلت: فان السطح من الخطّ و ليس مثاله مثال «14» المكان من المتمكّن؛ و إنّما المثال، كقولك الاوّل فى الفلك و لكنّ الامر خلاف ما ذكرت انّك إذا «15» رفعت الفلك عن الوهم، لم يرتفع المكان عن الوهم؛ بل يرتفع المكان عن الوهم بارتفاع «16» «17» الفلك عن الوهم. و الذى قلت فى باب الدّنّ و الشّراب، هو أيضا مثل الخطّ و السّطح؛ لأنّ كليهما «18» جسمان، و ليس مثل المكان و المتمكّن «19».
قال: فأوجدنى للاقطار «20» إثّية يشار اليها «21».
قلت: أجبنى! هل نحن فى المكان؟
قال: نعم!
__________________________________________________
(1)- مضاف: محصور B
(2)، فالمكان: و المكان-- CA
(3)- لم يرتفع: لم ترتفع C
(4)، لوانا: انالو B
(5)- باق: باقى-- CA
(6) كالدن: كمالان A
(7) فأرتفع: فان ارتفع B
(8)- و لم: لم B
(9) الدن: الان A
(10)، بته: CB
(11)- يكن المتمكن: يكن متمكنا C
(12) مكان: مكانا B
(13)- السطح: سطح B
(14)- مثال: مثل C
(15)- اذا: لو C
(16)- عن الوهم بارتفاع: بارتفاع B
(17)- بارتفاع: بالارتفاع A
(18)- كليهما: كلاهما CBA
(19) المتمكن:- A
(20)- للاقطار: لاقطار A، بالاقطار C
(21)، اليها:- B، اليه A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:19
قلت: فأشر إلى المكان الذى نحن فيه.(1/48)
قال: هذا الذى نحن فيه، لا يدفعه أحد.
قلت: قولك ان أشرت إلى «1» الأرض، قلنا هذه أرض و لها أقطار؛ و ان أشرت الى الهواء، قلنا هذا هواء و له أقطار؛ و ان إشرت الى السّماء قلنا هذه سماء، و لها أقطار.
قال: هذه كلّها متمكّنة فى المكان، و المكان ليس له جرم يشار إليه، انّما يعرف بالوهم.
قلت: و كذلك الأقطار التى تحيط بالمكان، ليس لها جرم يشار إليه، إنّما تدرك «2» بالوهم؛ كما يدرك المكان بالوهم «3». فان ارتفعت الأقطار عن الوهم ارتفع المكان. فاذا لا مكان و لا أقطار، و سبيلهما فى الوقوع تحت الوهم سبيل واحد. و هذه المسألة مثل «4» ما جرى فى باب الزّمان.
قال: أجل لعمرى، و الذى أقوله أيضا فى باب المكان هو قول أفلاطن «5»؛ و الذى تشبّثت «6» به أنت، هو قول أرسطاطاليس. و أنا، قد «7» وضعت فى المكان و الزّمان كتابا؛ فان أردت الشفاء فى هذا الباب، فانظر فى ذلك الكتاب.
قلت: لست أدرى ما فى ذلك «8» الكتاب، و لا ما قاله أفلاطن «9» و أرسطا طاليس فهات على «10» ما تدّعيه برهانا، و لا تحلنى «11» على كتاب.
قال: هو ما قد قلت لك.- ثم سكت.
__________________________________________________
(1)- الى:- A
(2)- تدرك: يدرك B
(3)- كما ... بالوهم:- B
(4)- مثل: مثال BA
(5)- افلاطن: افلاطون B
(6) تشبثت: ثثبت A
(7)- قد: فقد-- CA
(8)- ذلك:- A
(9)- افلاطن: افلاطون B
(10)- على:- C
(11)- تحلنى: تحيلنى-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:20
الفصل الرابع [فى ] أن العالم محدث
(1) قلت: قد انقضى «1» هذا «2». ألست تزعم أنّه «3» لا قديم الّا هذه الخمسة، و أنّ العالم محدث؟
قال: نعم!
قلت: و أىّ هذه «4» الخمسة أحدث العالم؟
قال نعم «5»!
قلت «6»: تكلّم فى هذا الباب؛ فانّه أنفع، فقد كثرت المطالبة من الدّهرّية لما بالعلّة فى حدث العالم.(1/49)
قال: للنّاس فيه أقاويل «7» غير مقنعة، و ليست عليهم حجة أوكد ممّا استدركته، و لا تثبت «8» لأحد حجة فى ذلك دون الرّجوع إلى ما أعتقده.
قلت: و ما تلك الحجّة المقنعة؟
قال: أنا أقول: انّ الخمسة قديمة، و إنّ العالم محدث. و العلّة
__________________________________________________
(1)- انقضى: انقض C
(2) المقصود ما دار بينهما فى الفصل السادبق.
(3) انه: ان C
(4)- هذه: هذ A
(5)- قال نعم:- A
(6)- قلت:- C
(7)- اقاويل: اقاويلا C
(8)- تثبت: يثبت CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:21
فى إحداث العالم، أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل «1» فى هذا العالم، و حرّكتها الشّهوة لذلك، و لم تعلم ما يلحقها من الوبال اذا تجبّلت «2» فيه و اضطربت فى إحداث العالم، و حركت الهيولى حركات مضطربة مشوّشة «3» على غير نظام و عجزت عما أرادت. فرحمها البارى جلّ و تعالى «4»، و أعانها على إحداث هذا العالم، و حملها على النّظام و الاعتدال رحمة منه لها، و علما أنّها إذا ذاقت و بال ما اكتسبته، عادت الى عالمها و سكن اضطرابها و زالت «5» شهوتها «6» و استراحت. فأحدثت هذا العالم بمعاونة «7» البارى «8» لها. لولا ذلك لما قدرت على إحداثه «9»، و لو لا هذه العلّة لما احدث العالم.
و ليست لنا حجّة على الدّهرية «10» أو كد من هذه. و ان لم يكن هكذا، فلا حجّة لنا عليهم بتّة «11» بتّة؛ لأنّا لا نجد لاحداث العالم علّة ثبتت «12» بحجّة و لا برهان.
قلت: أمّا الحجج على الدهريّة فى إحداث العالم فكثيرة «13»، و لكنّها خفيت عليك؛ لأنّ هواك فيما تدّعيه قد غلب. و إن لم يكن على الدّهريّة حجّة فى إحداث العالم إلّا ما ذكرت، فقد ضعف من قال بحدث العالم- و نعوذ باللّه من ذلك- لانّ الذى تدّعيه، ينكسر عليك من وجوه كثيرة.
قال: و من أين ينكسر علىّ؟
(2) قلت: أخبرنى! ألست تزعم أنّ النّفس اشتهت أن تتجبّل فى
__________________________________________________
((1/50)
1)- تتجبل: تستجبل A
(2)- تجيلت: تجبلت A
(3)- مشوشة: مشوسته B
(4)- جل و تعالى:- A
(5)- و زالت:-- B
(6) شهوتها: شهواتها C
(7) هذا العالم بمعاونة: C
(8) البارى: البارى جل و تعالى B
(9)- احداثه: احدثه B
(10)- الدهرية: الدهر A
(11)- بتة:- A
(12)- ثبتت: تثبت A
(13)- فكثيرة: كثيرة CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:22
هذا العالم، فاضطربت فى إحداثه على ما حكيت من القول، فأعانها البارى رحمة منه لها؟
قال: نعم!
قلت: فهل علم البارى أن يلحقها فى ذلك «1» الوبال إن تجبّلت فيه؟
قال: نعم «2»!
قلت: أليس لو لم يعاونها على إحداث هذا العالم و منعها من التّجبّل فيه، كان أولى بالرّحمة لها من أن أعانها و أوقعها فى هذا الوبال العظيم على زعمك؟
قال: لم يقدر على منعها من ذلك.
قلت: قد «3» ألزمت البارى العجز!
قال: لم ألزمه العجز.
قلت: ألست تزعم أنّه لم يقدر على منعها؟ فقولك: «لم يقدر» أليس هو عجز؟
قال: لم أعن، أنّه لم يقدر لانّه عجز عن منعها؛ و لكنّى أضرب لك مثلا تعرف منه صواب ما أوردته: إنّما المثل فى هذا كمثل «4» رجل له ولد صغير يحبّه و يرحمه و يشفق عليه و يمنع منه الآفات. فتطلّع ولده هذا فى بستان، فرأى ما فيه من الزّهر و الغضارة. و فى البستان شوك كثير و هو امّ تلسع، و الصّبىّ لا يعرف ما فيه من الآفات، إنّما يرى «5» الزّهر و الغضارة، فتحرّكه الشّهوة و تنازعه نفسه «6» إلى الدّخول إلى هذا البستان، و والده يمنعه لعلمه بما فى البستان من الآفات، و هو يبكى و ينزع إلى ذلك جهلا منه بما يلحقه
__________________________________________________
(1)- ذلك:- C
(2)- قلت ... نعم:- A
(3)- قد:- A
(4)- كمثل:- C
(5)- يرى: ير C
(6)- نفسه: النفس A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:23(1/51)
من الوبال من جهة الشّوك و الهوام. فيرحمه والده و هو يقدر على منعه «1» من الدّخول؛ و لكن يعلم أنّه لا ينتهى حتّى يدخله، فتشوكه شوكة أو تلسعه عقرب؛ فعند ذلك ينتهى، و تزول شهوته، و تستريح نفسه؛ فيخليّه حتّى يدخله.
فاذا دخله «2»، لسعته عقرب، فرجع ثمّ لم تنازعه نفسه بعد ذلك «3» إلى العود إليه، و استراح. فهكذا مثال النّفس مع البارى جلّ «4» و تعالى، و هذا معنى قولى: «لم يقدر على منعها»، و لم ألزمه العجز.
قلت: و هذا أيضا «5» منكسر «6» من جهات.
قال: كيف؟
قلت: أليس تقول إنّ البارى جلّ و عزّ «7» تامّ القدرة؟
قال: نعم!
قلت «8»: فكيف لم يعرّف النّفس «9» ما ينالها من الوبال إذا تجبّلت فى هذا العالم قبل أن تتجبّل فيه، و هو قادر تامّ القدرة؟ فانّ ذلك أتمّ فى الحكمة و أبلغ فى الرحمة من أن ألقاها فى هذا الوبال الطّويل هذا الدّهر المديد. فان زعمت أنّه لم يقدر أن يعرّفها إلّا بعد تجبّلها فى هذا العالم، فقد عجزّته؛ لأنّ المخلوق أيضا لا يقدر أن يعرّف الصّبىّ إلّا بعد دخوله «10» البستان؛ فاذا قد استوى الخالق و المخلوق فى القدرة؛ و هذا هو العجز التامّ، جلّ اللّه و تعالى عن ذلك. و إن زعمت أنّه قدر و لم يفعل، فقد أدخلت النّقص فى رحمته و حكمته، عزّ اللّه عن ذلك. و ينكسر أيضا من جهات أخر: ألست تزعم أنّ النّفس كانت جاهلة «11» بما يلحقها من الوبال
__________________________________________________
(1)- منعه: منصرف A
(2)- دخله:- A
(3) ذلك: ذالك A
(4)- جل و:- B
(5)- ايضا:- A
(6) منكسر: ينكسر B
(7)- جل و عز:- A
(8)- قلت: A
(9) النفس:- C
(10)- دخوله: دخول BA
(11)- جاهلة: جاهلية C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:24
إذا تجبّلت فى هذا العالم، و ضربت المثل بالصّبى و البستان؟
قال: نعم!(1/52)
قلت: فقد وجدنا البستان مع وجود الصّبىّ، و الصّبىّ ينظر إليه و تحرّكه الشّهوة الغريزّية للدّخول إليه، فهل كان العالم موجودا مع النّفس حتى تطلّعت فيه و حرّكتها الشهوة للتّجبّل «1» فيه؟ فان زعمت «2» أنّ العالم كان موجودا مع النّفس «3»، فقد رجعت عن القول بحدث العالم؛ لأنك زعمت أنّه موجود مع النّفس؛ و النّفس عندك أزليّة قديمة. و ان «4» زعمت أنّ العالم كان معدوما «5»، فمن أين عرفت النّفس أنّ عالما يكون بهذه الصّفة حتى اشتهت أن تتجبّل فيه؛ و النّفس جاهلة بما نالها «6» من الوبال فى ذلك؛ فهى بأن تجهل عالما ليس بموجود أولى. و إن زعمت أنّها علمت أنّ عالما «7» يكون على هذا «8» المثال قبل أن كان، فقد قضيت «9» على النّفس بالعلم. فكيف يجوز أن «10» تعلم أنّ عالما يكون بهذه الصّفة، و لم تعلم ما يلحقها من الوبال لمّا تجبّلت «11» فيه؟ و إن زعمت أنّ العالم ليس بقديم مع النّفس، و أنّه أحدث بعد ذلك، ثم تطلّعت النفس فيه، فقد نقضت قولك: انّ «12» علّة إحداث العالم، أنّ النّفس اضطربت و حركتها الشّهوة للتّجّبل فى هذا العالم، فأعانها البارى حتى أحدثته.
(3) و فى وجه آخر: أخبرنى عن هذه الحركة التى بعثت «13» شهوة النّفس على التّجبّل فى هذا العالم: أهى «14» غريزيّة، أم قسرّية؟ فان ادّعيت أنّها غريزّية، فقد لزمك أن تقول: إنّ هذه الحركة و الشّهوة قديمتان «15»
__________________________________________________
(1)- للتجبل: المتجبل C
(2) زعمت: زعم C
(3) حتى تطلعت ... مع النفس: C
(4)- و ان: فان A
(5)- معدوما: معلوما A
(6)- نالها: لها C
(7)- عالما: عالمها C
(8) هذا: هذه C
(9) قضيت: نقضت C
(10)- أن:- A
(11)- تجبلت: تجيلت A
(12)- أن: انه A
(13)- بعثت: بعث C
(14)- اهى: هى BA
(15)- قديمتان: قديمان C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:25(1/53)
مع النّفس. و إذا كان كذلك، فيجب أن يكون سبعة أشياء قديمة؛ لأنّ الحركة و الشّهوة قديمتان. و يلزمك أيضا، أن يكون العالم قديما معها؛ لأنّه إذا كانت «1» علّة تجبلّها فى العالم، الحركة و الشهوة، و هما قديمتان «2»، فالعالم إذا قديم مع علّته؛ لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله، و المعلول مضاف إلى علته. و إن زعمت أنّ الحركة التى بعثت الشّهوة، محدثة غير طبيعية، فلابدّ أن تكون قسرّية «3»، و لا بدّ من قاسر قسرها؛ و لا يجوز أن يكون شى ء «4» قسرها إلّا البارى جلّ و تعالى؛ الّا أن تجعل «5» القاسر لها الهيولى أو المكان أو الزمان؛ و هذا خلف غير ممكن.
قال: فانّى أقول إنّ هذه الحركة ليست «6» طبيعيّة و لا هى قسرّية.
قلت: فإنّ الفلاسفة اتّفقوا على أنّ الحركة حركتان: طبيعيّة و قسرّية؛ و لا ثالثة لهما «7».
قال: صدقت، هذا قول القدماء. و لكنّنى قد استدركت فى هذا شيئا لطيفا، و استخرجت منه ما لم يسبقنى «8» إليه أحد غيرى. و أنا أقول: إنّ «9» الحركات ثلاثة: طبيعيّة، و قسريّة، و فلتيّة.
قلت: فهذه «10» الثّالثة لم نسمع بها «11» و لا نعرفها، فعرّفناها «12» كيف تكون؟
قال: أنا أضرب لك مثلا يتصّور لك و تعرف وجه الصّواب فيه.
و جرت هذه المناظرة «13» بينى و بينه فى دار بعض الرؤساء، و كان ذلك الرّئيس قاعدا مع قاضى البلد يتناظران فى أمر بينهما،
__________________________________________________
(1)- كانت: كان CBA
(2)- قديمتان: قديمان A
(3)- قسرية: قيرية C
(4) شى ء: شيئا CBA
(5)- تجعل: يجعل CBA
(6)- ليست: هى C
(7)- لهما: لها C
(8)- يسبقنى: يسبقن A، يسبق B
(9) ان:- B
(10)- فهذه: و هذه A
(11) لم نسمع بها: لم نسمعها BA
(12) فعرفناها:-- CA
(13)- المناظرة: للناظرة A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:26(1/54)
و هما بحيث نراهما؛ و حضر هذا المجلس معنا المعروف بأبى بكر ختن «1» التّمار المتطبّب. فقال الملحد فى باب المثل الذى «2» أراد أن يثبت به الحركة الفلتيّة التى أبدعها:
(4)- هل ترى هذا القاضى قاعدا مع الأمير؟
قلت: نعم!
قال: أرأيت لو أنه «3» تناول طعاما ريا حيّا، فتحرّكت الرّياح فى جوفه و اشتدّت، و هو يمسكها و يضبط نفسه، و هو لا يرسلها حذرا من أن يتأذّى «4» الأمير بنتنها، أو حذرا من أن يكون لها وقع «5»، فيفتضح؛ ثمّ تغلبه الرياح فتفلت منه؛ فليست هذه الحركة طبيعيّة و لا قسرية، بل هى فلتيّة.
قلت: ألست «6» تزعم أنّ علّة هذه الرّياح التى انفلتت «7» من القاضى، هى الطّعام الذى تناوله؟
قال: نعم!
قلت: فيجب إذا «8»، أن تكون لهذه الحركة الفلتيّة التى تزعم أنّها حرّكت شهوة النّفس، علّة قد تقدّمت الحركة حتى أحدثتها «9» فى النّفس، كما أنّ الطعام علّة لهذه «10» الرّياح. و إذا كانت هنالك «11» علّة «12» قد تقدّمت، فلا بدّ أن تكون قديمة مع النّفس، أو أحدثها محدث. فان كانت قديمة معها، فهى «13» طبيعيّة. و يجب أن تكون النفس أبدا متحرّكة بهذه الحركة، لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله؛ و يجب أيضا أن تعدّها مع هذه الخمسة التى تزعم أنّها قديمة. و إن كانت هذه الحركة محدثة، فهى قسريّة.
__________________________________________________
(1)- ختن: خنن A
(2)- الذى:- C
(3)- انه:- C
(4)- يتاذى: به A
(5)- وقع: وقعا CBA
(6)- الست: لست B
(7) انفلتت: انفلت B
(8)- اذا:- A
(9)- احدثتها: احدثها C
(10)- لهذه: هذه C
(11) هنالك: هذا لك A
(12) علة:- A
(13)- فهى: و هى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:27
فمن ذا «1» الذى أحدثها، و قسر النّفس عليها؟(1/55)
فلما انتهى الكلام إلى هاهنا «2»، ضحك ختن التّمار شامتا به، و كان يحضر هذه المناظرات، فيظهر الشّماتة به إذا انكسر، لما كان بينهما من الخلاف فى قدم العالم و حدثه «3». فلما ضحك متعجّبا لما أورده، خجل الملحد من ضحكه، و أقبل عليه و قال له: و أىّ «4» مقدار للدّهرى «5» حتى يستهزئ و يضحك و يسيى ء أدبه! دع عنك الضحك، و تكلّم على مذهبك من القول «6» بالدّهر و قدم العالم، لأعرّفك مقدارك. قال له ختن التّمار: الآن «7» بعد أن افتضحت و انكسرت و لم يقنعك حتّى ضرّطت القاضى و فضحته عند الأمير و أوردت هذا السّخف «8» و هذه الحجة الباردة، أقبلت تسفّه «9» علىّ و تستريح إلى مخاصمتى؟! دعنى و مذهبى، و أجب الرجل؛ فليس هذا مما «10» يعينك «11» و يخلصك من هذه الفضائح و الدّعاوى الباطلة التى «12» تمخرق بها على النّاس.
و بقيا ساعة فى نحو هذا «13» التّشاتم و انقطع الكلام.
و انّما ذكرت هذه الحكايات لتعرف- رحمك اللّه- ما كان عليه الملحد من الاعتقاد الضّعيف و الرّأى السّخيف؛ ثمّ يصنّف «14» بعقله المدخول و رأيه المأفون «15» كلاما فى إبطال النّبوّة، و يورد ذلك
__________________________________________________
(1)- ذا:- B، فى: C
(2)- هاهنا: ههنا A، هاهنى C
(3)- حدثه: جدثه C
(4)- و اى: و اين A
(5) للدهرى: للدهريين A، للزهرى C
(6)- القول: القبول A
(7)- الآن: الا C
(8)- السخف: الخف A
(9) تسفه: تسعه A
(10)- مما: ما C
(11)- يعينك: يغنيك B
(12) التى:- B
(13)- هذا: هذه C
(14)- يصنف: يضيف C
(15)- المأفون: الحافون A، المأفول B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:28(1/56)
الهذر «1» الذى فى كتابه الذى صنّفه فى هذا الباب. و أنا أذكر نكتا أحتجّ بها و أدلّ على فساد قوله، و أقول فى إثبات النّبوّة، و تقوية أمر الأنبياء و الرّسل عليهم السلام «2» و الدّلائل الواضحة على نبوّتهم، ما يمحق اللّه به دعاوى الملحدين الكفرة الضّالين الفجرة؛ و إن كان اللّه عز و جل «3»، قد أوهن كيدهم، و أعزّ دينه و نصر أولياءه، و أهان أعداءه و أعداء دينه؛ و أذكر من «4» معجزات محمّد صلى اللّه عليه و آله «5»، القائمة فى العالم، ما لا يقدر ملحد على دفعه، و لا كافر على نقضه، بحول اللّه و قوته- عز جاره «6»- و بحسن نظر أوليائه.
و باللّه نستعين، و عليه نتوكل؛ و هو حسبنا و نعم الوكيل.
و ممّا ذكر الملحد فى كتابه المسألة التى ذكرنا فى صدر كتابنا هذا:
أنّا ناظرناه عليها، و ذكرنا «7» فى جوابها ما فيه مقنع لمن أنصف «8» إن شاء «9» اللّه.
__________________________________________________
(1)- الهذر: العذر A، الهذاء B
(2)- عليهم السلام:--- CA
(3)- عز و جل:- A
(4)- من:- C
(5)- صلى ... آله:- A
(6)- عز جاره: عز و جل B
(7)- فى صدر ... ذكرنا:- A
(8)- انصف: انصفت A
(9) ان شاء: انشاء BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:29
الباب الثّانى
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:31
الفصل الاول و مما ذكر أيضا فى كتابه و احتجّ به.
(1) قال: انّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد؛ و دفعوا النّظر و البحث عن الأصول «1»، و شدّدوا فيه، و نهوا عنه؛ و رووا عن رؤسائهم أخبارا توجب «2» عليهم ترك النّظر ديانة، و توجب الكفر على من خالف الأخبار التى رووها «3».(1/57)
من ذلك، ما رووه عن أسلافهم: أنّ الجدل «4» فى الدّين و المراء «5» فيه كفر؛ و من عرض دينه للقياس، لم يزل الدّهر فى التباس؛ و لا تتفكّروا «6» فى اللّه و تفكّروا «7» فى خلقه؛ و القدر سرّ اللّه، فلا تخوضوا فيه؛ و إيّاكم و التّعّمق، فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق. و ذكر نحو هذا، ثمّ قال:
(2) إن سئل أهل هذه الدّعوى عن الدّليل على صحّة دعواهم «8»،
__________________________________________________
(1)- الاصول: الوصول B
(2)- توجب: فوجب A
(3)- رووها: رواها C
(4)- الجدل: الجدال C
(5) المراء: المرا C
(6)- تتفكروا: نتفكروا A، يتفكروا C
(7) تفكروا: يفكروا C
(8)- دعواهم: دعويهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:32
استطاروا «1» و غضبوا و هدروا دم من يطالبهم بذلك، و نهوا عن النّظر، و حرّضوا «2» على قتل مخالفيهم. فمن أجل ذلك، اندفن الحقّ أشدّ اندفان، و انكتم أشدّ انكتام.
(3) و قال «3» الملحد: و إنّما أتوا فى هذا «4» الباب من طول الألف لمذهبهم، و مرّ «5» الأيام و العادة، و اغترارهم بلحى التّيوس المتصدّرين «6» فى المجالس يمزقون حلوقهم بالأكاذيب و الخرافات و حدّثنا فلان عن فلان بالزّور و البهتان و برواياتهم الأخبار المتناقضة؛ من ذلك «7»: آثار توجب خلق القرآن و أخرى تنفى ذلك، و أخبار فى تقديم على و أخرى فى تقديم غيره، و آثار تنفى القدر و أخرى تنفى الاجبار، و آثار فى التّشبيه؛ ذكرها الملحد و كرهنا تطويل الكتاب بها.
(4) و قال الملحد: إنّما غرّهم طول لحىّ التّيوس؛ و بياض ثياب المجتمعين حولهم: الضّعفاء «8» من الرّجال و النّساء و الصّبيان، و طول المدّة؛ حتّى صار طبعا و عادة.
هذا كلام الملحد و احتجاجه فى هذا الباب.
جوابه (5) أمّا «9» قوله: «إنّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد
__________________________________________________
(1)- استطاروا: استطادو A
(2)- حرضوا: حرصوا C
(3)- و قال: قال CB
((1/58)
4) هذا: هذه A
(5)- مر: من C
(6)- المتصدرين:- A
(7)- ذلك: ذلك A، عن ذلك C
(8)- الضعفاء: الضعف C
(9)- اما: و اما BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:33
و دفعوا البحث عن الأصول و النظر و شدّدوا فيه و نهوا عنه» فقد ذكرنا فى صدر كتابنا ما فيه جواب قوله فى باب التّقليد و النّظر؛ و لكنّا نعيد القول به، إذ كان هذا موضعه، و نقول:
إنّه و غيره ممّن يدّعى الفلسفة «1»، قد أوجبوا التّقليد على أتباعهم فيما يدقّ من علومهم، و أجازوا التّسليم «2» لرؤسائهم فيما لا تبلغه عقولهم؛ على ما ادّعاه الملحد من أنّ من نظر فى شى ء من الفلسفة، تخلّصت نفسه من كدورة هذا العالم، و إن لم يبلغ الغاية فيها «3». أو ليست هذه رخصة «4» فى ترك النّظر فيما يدقّ، و التّسليم و الرّضى بمقدار ما يلحق؟ أو ليس قد أوجب التّقليد «5» فيما لا يبلغه عقله؟ فكيف يجيز ذلك لأتباعه، و ينكر على أهل الشّرائع أن ينهوا أتباعهم عن النظر فيما تعجز عنه عقولهم، و أن يسلّموا لعلمائهم اذا عرفوا طريق الحقّ، و أن يقلّدوهم ما ليس فى وسعهم أن يلحقوه؟!
و نقول: إنّ أهل الحقّ و العدل لا يجيزون «6» التقليد فى الأصول، مثل:
معرفة التّوحيد، و أمر النّبوّة، و إثبات الإمامة؛ هذا ما لا يجوز قبوله بالتّقليد. فاذا ثبت «7» التّوحيد و صحّ أمر النّبوّة و ثبت «8» أمر الإمامة، بعد ذلك يجوز التقليد للامام الحقّ «9» العادل العالم. و ليس فى جبلّة البشر أن يبلغوا الغاية من العلم «10»، اذ «11» كان فوق كل ذى علم عليم. و إن سقط التّقليد بعد معرفة هذه الأصول كما ذكرنا و كلّف الناس كلّهم أن يبلغوا الغاية، فقد
__________________________________________________
(1)- الفلسفة: علم الفلسفة C
(2)- التسليم: و الرضى B
(3)- فيها:- C
(4) رخصة: رخصية A
(5)- التقليد:- B
(6)- لا يجيزون: لا يجوزون BA
(7)- ثبت: اثبت C
(8) ثبت: يثبت C
(9)- الحق: المحق CB
(10)- العلم: المعالم A
((1/59)
11) اذ: و ان A، و اذ: C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:34
كلّفوا ما لا يطيقون؛ و اللّه عزّ و جلّ «1» أعدل «2» و أرحم بعباالمها C
(8) هذا: هذه C
(9) قضيت: نقضت C
(10)- أن:- A
(11)- تجبلت: تجيلت A
(12)- أن: انه A
(13)- بعثت: بعث C
(14)- اهى: هى BA
(15)- قديمتان: قديمان C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:25
مع النّفس. و إذا كان كذلك، فيجب أن يكون سبعة أشياء قديمة؛ لأنّ الحركة و الشّهوة قديمتان. و يلزمك أيضا، أن يكون العالم قديما معها؛ لأنّه إذا كانت «1» علّة تجبلّها فى العالم، الحركة و الشهوة، و هما قديمتان «2»، فالعالم إذا قديم مع علّته؛ لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله، و المعلول مضاف إلى علته. و إن زعمت أنّ الحركة التى بعثت الشّهوة، محدثة غير طبيعية، فلابدّ أن تكون قسرّية «3»، و لا بدّ من قاسر قسرها؛ و لا يجوز أن يكون شى ء «4» قسرها إلّا البارى جلّ و تعالى؛ الّا أن تجعل «5» القاسر لها الهيولى أو المكان أو الزمان؛ و هذا خلف غير ممكن.
قال: فانّى أقول إنّ هذه الحركة ليست «6» طبيعيّة و لا هى قسرّية.
قلت: فإنّ الفلاسفة اتّفقوا على أنّ الحركة حركتان: طبيعيّة و قسرّية؛ و لا ثالثة لهما «7».
قال: صدقت، هذا قول القدماء. و لكنّنى قد استدركت فى هذا شيئا لطيفا، و استخرجت منه ما لم يسبقنى «8» إليه أحد غيرى. و أنا أقول: إنّ «9» الحركات ثلاثة: طبيعيّة، و قسريّة، و فلتيّة.
قلت: فهذه «10» الثّالثة لم نسمع بها «11» و لا نعرفها، فعرّفناها «12» كيف تكون؟
قال: أنا أضرب لك مثلا يتصّور لك و تعرف وجه الصّواب فيه.
و جرت هذه المناظرة «13» بينى و بينه فى دار بعض الرؤساء، و كان ذلك الرّئيس قاعدا مع قاضى البلد يتناظران فى أمر بينهما،
__________________________________________________
(1)- كانت: كان CBA
(2)- قديمتان: قديمان A
(3)- قسرية: قيرية C
(4) شى ء: شيئا CBA
(5)- تجعل: يجعل CBA
(6)- ليست: هى C
(7)- لهما: لها C
((1/60)
8)- يسبقنى: يسبقن A، يسبق B
(9) ان:- B
(10)- فهذه: و هذه A
(11) لم نسمع بها: لم نسمعها BA
(12) فعرفناها:-- CA
(13)- المناظرة: للناظرة A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:26
و هما بحيث نراهما؛ و حضر هذا المجلس معنا المعروف بأبى بكر ختن «1» التّمار المتطبّب. فقال الملحد فى باب المثل الذى «2» أراد أن يثبت به الحركة الفلتيّة التى أبدعها:
(4)- هل ترى هذا القاضى قاعدا مع الأمير؟
قلت: نعم!
قال: أرأيت لو أنه «3» تناول طعاما ريا حيّا، فتحرّكت الرّياح فى جوفه و اشتدّت، و هو يمسكها و يضبط نفسه، و هو لا يرسلها حذرا من أن يتأذّى «4» الأمير بنتنها، أو حذرا من أن يكون لها وقع «5»، فيفتضح؛ ثمّ تغلبه الرياح فتفلت منه؛ فليست هذه الحركة طبيعيّة و لا قسرية، بل هى فلتيّة.
قلت: ألست «6» تزعم أنّ علّة هذه الرّياح التى انفلتت «7» من القاضى، هى الطّعام الذى تناوله؟
قال: نعم!
قلت: فيجب إذا «8»، أن تكون لهذه الحركة الفلتيّة التى تزعم أنّها حرّكت شهوة النّفس، علّة قد تقدّمت الحركة حتى أحدثتها «9» فى النّفس، كما أنّ الطعام علّة لهذه «10» الرّياح. و إذا كانت هنالك «11» علّة «12» قد تقدّمت، فلا بدّ أن تكون قديمة مع النّفس، أو أحدثها محدث. فان كانت قديمة معها، فهى «13» طبيعيّة. و يجب أن تكون النفس أبدا متحرّكة بهذه الحركة، لأنّ الطّبع لا يفتر عن عمله؛ و يجب أيضا أن تعدّها مع هذه الخمسة التى تزعم أنّها قديمة. و إن كانت هذه الحركة محدثة، فهى قسريّة.
__________________________________________________
(1)- ختن: خنن A
(2)- الذى:- C
(3)- انه:- C
(4)- يتاذى: به A
(5)- وقع: وقعا CBA
(6)- الست: لست B
(7) انفلتت: انفلت B
(8)- اذا:- A
(9)- احدثتها: احدثها C
(10)- لهذه: هذه C
(11) هنالك: هذا لك A
(12) علة:- A
(13)- فهى: و هى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:27
فمن ذا «1» الذى أحدثها، و قسر النّفس عليها؟(1/61)
فلما انتهى الكلام إلى هاهنا «2»، ضحك ختن التّمار شامتا به، و كان يحضر هذه المناظرات، فيظهر الشّماتة به إذا انكسر، لما كان بينهما من الخلاف فى قدم العالم و حدثه «3». فلما ضحك متعجّبا لما أورده، خجل الملحد من ضحكه، و أقبل عليه و قال له: و أىّ «4» مقدار للدّهرى «5» حتى يستهزئ و يضحك و يسيى ء أدبه! دع عنك الضحك، و تكلّم على مذهبك من القول «6» بالدّهر و قدم العالم، لأعرّفك مقدارك. قال له ختن التّمار: الآن «7» بعد أن افتضحت و انكسرت و لم يقنعك حتّى ضرّطت القاضى و فضحته عند الأمير و أوردت هذا السّخف «8» و هذه الحجة الباردة، أقبلت تسفّه «9» علىّ و تستريح إلى مخاصمتى؟! دعنى و مذهبى، و أجب الرجل؛ فليس هذا مما «10» يعينك «11» و يخلصك من هذه الفضائح و الدّعاوى الباطلة التى «12» تمخرق بها على النّاس.
و بقيا ساعة فى نحو هذا «13» التّشاتم و انقطع الكلام.
و انّما ذكرت هذه الحكايات لتعرف- رحمك اللّه- ما كان عليه الملحد من الاعتقاد الضّعيف و الرّأى السّخيف؛ ثمّ يصنّف «14» بعقله المدخول و رأيه المأفون «15» كلاما فى إبطال النّبوّة، و يورد ذلك
__________________________________________________
(1)- ذا:- B، فى: C
(2)- هاهنا: ههنا A، هاهنى C
(3)- حدثه: جدثه C
(4)- و اى: و اين A
(5) للدهرى: للدهريين A، للزهرى C
(6)- القول: القبول A
(7)- الآن: الا C
(8)- السخف: الخف A
(9) تسفه: تسعه A
(10)- مما: ما C
(11)- يعينك: يغنيك B
(12) التى:- B
(13)- هذا: هذه C
(14)- يصنف: يضيف C
(15)- المأفون: الحافون A، المأفول B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:28(1/62)
الهذر «1» الذى فى كتابه الذى صنّفه فى هذا الباب. و أنا أذكر نكتا أحتجّ بها و أدلّ على فساد قوله، و أقول فى إثبات النّبوّة، و تقوية أمر الأنبياء و الرّسل عليهم السلام «2» و الدّلائل الواضحة على نبوّتهم، ما يمحق اللّه به دعاوى الملحدين الكفرة الضّالين الفجرة؛ و إن كان اللّه عز و جل «3»، قد أوهن كيدهم، و أعزّ دينه و نصر أولياءه، و أهان أعداءه و أعداء دينه؛ و أذكر من «4» معجزات محمّد صلى اللّه عليه و آله «5»، القائمة فى العالم، ما لا يقدر ملحد على دفعه، و لا كافر على نقضه، بحول اللّه و قوته- عز جاره «6»- و بحسن نظر أوليائه.
و باللّه نستعين، و عليه نتوكل؛ و هو حسبنا و نعم الوكيل.
و ممّا ذكر الملحد فى كتابه المسألة التى ذكرنا فى صدر كتابنا هذا:
أنّا ناظرناه عليها، و ذكرنا «7» فى جوابها ما فيه مقنع لمن أنصف «8» إن شاء «9» اللّه.
__________________________________________________
(1)- الهذر: العذر A، الهذاء B
(2)- عليهم السلام:--- CA
(3)- عز و جل:- A
(4)- من:- C
(5)- صلى ... آله:- A
(6)- عز جاره: عز و جل B
(7)- فى صدر ... ذكرنا:- A
(8)- انصف: انصفت A
(9) ان شاء: انشاء BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:29
الباب الثّانى
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:31
الفصل الاول و مما ذكر أيضا فى كتابه و احتجّ به.
(1) قال: انّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد؛ و دفعوا النّظر و البحث عن الأصول «1»، و شدّدوا فيه، و نهوا عنه؛ و رووا عن رؤسائهم أخبارا توجب «2» عليهم ترك النّظر ديانة، و توجب الكفر على من خالف الأخبار التى رووها «3».(1/63)
من ذلك، ما رووه عن أسلافهم: أنّ الجدل «4» فى الدّين و المراء «5» فيه كفر؛ و من عرض دينه للقياس، لم يزل الدّهر فى التباس؛ و لا تتفكّروا «6» فى اللّه و تفكّروا «7» فى خلقه؛ و القدر سرّ اللّه، فلا تخوضوا فيه؛ و إيّاكم و التّعّمق، فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق. و ذكر نحو هذا، ثمّ قال:
(2) إن سئل أهل هذه الدّعوى عن الدّليل على صحّة دعواهم «8»،
__________________________________________________
(1)- الاصول: الوصول B
(2)- توجب: فوجب A
(3)- رووها: رواها C
(4)- الجدل: الجدال C
(5) المراء: المرا C
(6)- تتفكروا: نتفكروا A، يتفكروا C
(7) تفكروا: يفكروا C
(8)- دعواهم: دعويهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:32
استطاروا «1» و غضبوا و هدروا دم من يطالبهم بذلك، و نهوا عن النّظر، و حرّضوا «2» على قتل مخالفيهم. فمن أجل ذلك، اندفن الحقّ أشدّ اندفان، و انكتم أشدّ انكتام.
(3) و قال «3» الملحد: و إنّما أتوا فى هذا «4» الباب من طول الألف لمذهبهم، و مرّ «5» الأيام و العادة، و اغترارهم بلحى التّيوس المتصدّرين «6» فى المجالس يمزقون حلوقهم بالأكاذيب و الخرافات و حدّثنا فلان عن فلان بالزّور و البهتان و برواياتهم الأخبار المتناقضة؛ من ذلك «7»: آثار توجب خلق القرآن و أخرى تنفى ذلك، و أخبار فى تقديم على و أخرى فى تقديم غيره، و آثار تنفى القدر و أخرى تنفى الاجبار، و آثار فى التّشبيه؛ ذكرها الملحد و كرهنا تطويل الكتاب بها.
(4) و قال الملحد: إنّما غرّهم طول لحىّ التّيوس؛ و بياض ثياب المجتمعين حولهم: الضّعفاء «8» من الرّجال و النّساء و الصّبيان، و طول المدّة؛ حتّى صار طبعا و عادة.
هذا كلام الملحد و احتجاجه فى هذا الباب.
جوابه (5) أمّا «9» قوله: «إنّ أهل الشّرائع أخذوا الدّين عن رؤسائهم بالتّقليد
__________________________________________________
(1)- استطاروا: استطادو A
(2)- حرضوا: حرصوا C
(3)- و قال: قال CB
((1/64)
4) هذا: هذه A
(5)- مر: من C
(6)- المتصدرين:- A
(7)- ذلك: ذلك A، عن ذلك C
(8)- الضعفاء: الضعف C
(9)- اما: و اما BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:33
و دفعوا البحث عن الأصول و النظر و شدّدوا فيه و نهوا عنه» فقد ذكرنا فى صدر كتابنا ما فيه جواب قوله فى باب التّقليد و النّظر؛ و لكنّا نعيد القول به، إذ كان هذا موضعه، و نقول:
إنّه و غيره ممّن يدّعى الفلسفة «1»، قد أوجبوا التّقليد على أتباعهم فيما يدقّ من علومهم، و أجازوا التّسليم «2» لرؤسائهم فيما لا تبلغه عقولهم؛ على ما ادّعاه الملحد من أنّ من نظر فى شى ء من الفلسفة، تخلّصت نفسه من كدورة هذا العالم، و إن لم يبلغ الغاية فيها «3». أو ليست هذه رخصة «4» فى ترك النّظر فيما يدقّ، و التّسليم و الرّضى بمقدار ما يلحق؟ أو ليس قد أوجب التّقليد «5» فيما لا يبلغه عقله؟ فكيف يجيز ذلك لأتباعه، و ينكر على أهل الشّرائع أن ينهوا أتباعهم عن النظر فيما تعجز عنه عقولهم، و أن يسلّموا لعلمائهم اذا عرفوا طريق الحقّ، و أن يقلّدوهم ما ليس فى وسعهم أن يلحقوه؟!
و نقول: إنّ أهل الحقّ و العدل لا يجيزون «6» التقليد فى الأصول، مثل:
معرفة التّوحيد، و أمر النّبوّة، و إثبات الإمامة؛ هذا ما لا يجوز قبوله بالتّقليد. فاذا ثبت «7» التّوحيد و صحّ أمر النّبوّة و ثبت «8» أمر الإمامة، بعد ذلك يجوز التقليد للامام الحقّ «9» العادل العالم. و ليس فى جبلّة البشر أن يبلغوا الغاية من العلم «10»، اذ «11» كان فوق كل ذى علم عليم. و إن سقط التّقليد بعد معرفة هذه الأصول كما ذكرنا و كلّف الناس كلّهم أن يبلغوا الغاية، فقد
__________________________________________________
(1)- الفلسفة: علم الفلسفة C
(2)- التسليم: و الرضى B
(3)- فيها:- C
(4) رخصة: رخصية A
(5)- التقليد:- B
(6)- لا يجيزون: لا يجوزون BA
(7)- ثبت: اثبت C
(8) ثبت: يثبت C
(9)- الحق: المحق CB
(10)- العلم: المعالم A
((1/65)
11) اذ: و ان A، و اذ: C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:34
كلّفوا ما لا يطيقون؛ و اللّه عزّ و جلّ «1» أعدل «2» و أرحم بعباده من ذلك، و لا يكلّف نفسا إلّا وسعها.
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A
(2) اعدل: اعذر C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:35
الفصل الثانى عود الى البحث و النظر
(1) و أمّا ما ذكر فى باب البحث و النظر، فإنّ أهل الشّرائع كافة «1»، لا يدفعون ذلك؛ و لا توجب الشرائع ترك البحث و النّظر. و إن «2» كان «3» قوم من ضعفاء أهل الملل يدفعون لضعفهم، و يخفى عليهم وجه «4» الصّواب فيه، فليس ذلك بحّجة للملحد على كافّة أهل الشّرائع. و تحقيق ذلك فى القرآن العظيم، قال اللّه «5» أصدق القائلين:
«فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ «6» أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ «7» اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ». و أمر النّبىّ «8» أن يدعو «9» اليهود الى النّظر، فقال: «تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم الّا نعبد الّا اللّه و لا نشرك به شيئا و لا يتّخذ
__________________________________________________
(1)- كافة: كانوا B
(2)- ان:- B
(3) و ان كان:- C
(4)- وجه: وجها A
(5)- اللّه: عز و جل و هو B
(6)- فيتبعون: فيبعون B
(7)- هديهم: هداهم B
(8)- النبى: صلع و على آله B، صلع C
(9)- يدعو: يدعوا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:36(1/66)
بعضنا بعضا اربابا من دون اللّه» الآية. و دعاهم إلى النّظر فى التّوراة «1» و ما يوجبه حكم التّوراة فيما أنكروه عليه «2» و خالفوه فيه، فى أشياء أحلّت لهم و حرّمت عليهم، فقال: «قل فاتوا بالتّوراة «3» فاتلوها ان كنتم «4» صادقين». فهذه الآيات تدلّ على «5» أنّ اللّه جلّ و تعالى «6»، أمر بالنّظر و أمر بالاستماع من المختلفين، و النّظر فيه و اتّباع ما هو أحسن و أولى و أحقّ و أوجب؛ و على هذا أهل المعرفة و ذوو «7» الألباب من أصحاب الشّرائع.
و ليست «8» للملحد «9» حجة عليهم بما يفعله ضعفاء الأمّة، و من لا معرفة له مستحكمة، و من هو من عوام الناس.
(2) فأمّا الخبر الذى احتجّ به و عاب على رواته، و زعم أنّه يوجب ترك النّظر، قوله: «الجدل فى الدّين و المراء «10» فيه «11» كفر»، فانّه صحيح «12»؛ و لكن ليس «13» الجدل معناه النّظر، و إنّما معنى «14» الجدل، الخصومة و التنازع. و أخذ الجدل من «15» الجدالة، و الجدالة هى الأرض: كأنّ المجادلين، أحدهما يخاصم صاحبه و ينازعه حتّى يلقيه «16» الى الأرض و يستعلى عليه.
فاذا كان الأمر على هذا، فليس ذلك بنظر؛ بل هو جدل و خصومة، و هو كفر فى الدّين؛ لأنّه على طريق المغالبة و المعاداة و ترك الانصاف. و المجادل على هذه الجهة، هو تارك لما أمر به من النّظر على أحسن الوجوه بالانصاف و العدل؛ و هو الجدل «17» الذى نهيناعنه، و روى فيه أنّه كفر، لأنّه كما ذكرنا
__________________________________________________
(1)- التوراة: التورية-- CB
(2)- عليه: صلى اللّه عليه و على آله B، و على:- C
(3)- بالتوراة: بالتواة B
(4) ان كنتم: انكنتم B
(5)- على:--- CA
(6) جل و تعالى:- A- A، ع ج: C
(7)- ذوو: ذو B
(8)- ليست: ليس BA
(9) للملحد: للملحدين C
(10)- المراء: المراه C
(11) فيه:- BA
(12) صحيح: صح B
(13)- ليس: ليست C، معنى B
(14) معنى: معنا C
(15)- الجدل من:- B
(16)- يلقيه: يلقاه C
((1/67)
17)- الجدل: الجدال C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:37
مغالبة و مكابرة و استعلاء. و قد نهى اللّه عن الجدل و أمر بالنّظر على أحسن الوجوه، فقال جلّ ذكره: «و لا تجادلوا اهل الكتاب الّا بالّتى هى احسن». ألا تراه قد نهى عن الجدل «1» على وجه المغالبة و الاستعلاء و المكابرة و دفع الحق، و أطلق فيه على أحسن الوجوه، و استثنى، فقال: «الّا بالّتى هى احسن»؟ و قال فى آية اخرى: «ادع الى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة «2» و جاد لهم بالّتى هى احسن». فقد نهينا عن الجدل «3» و الخصومة و المراء، إذا «4» كان على سبيل التّنازع و المكابرة و ترك الانصاف و دفع الحقّ؛ فهذا «5» هو الكفر. فأمّا إذا ترك المناظر الخصومة و التّنازع «6» و دفع الحقّ، فالنّظر مطلق له «7»؛ بل هو أمر من اللّه، على حسب ما ذكرنا «8». و المراء أيضا، معناه الخصومة و التّنازع. و قال بعض أهل اللّغة: المراء هو الجحود، و احتّج بقول الشاعر:
لئن هجرت أخا صدق و مكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا «9»
.
قال: يمريك «10»، معناه يجحدك «11». فالجحود فى الدين هو كفر؛ لأنه استعلاء و ظلم و ردّ «12» للحقّ على معرفة و يقين؛ كما قال اللّه عزّ و جلّ «13»: «و جحدوا
__________________________________________________
(1)- الجدل: الجدال C
(2)- الحسنة:- B
(3)- الجدل: الجدال C
(4) اذا: اذ C
(5)- فهذا: و هذا A
(6) التنازع ... و التنازع:- B
(7)- له: به C
(8)- ذكرنا: ذكر A
(9)- يمريكا: يمريك C
(10)- يمريك: يمريكا A
(11) يجحدك: يجحد B
(12)- رد: مرد A
(13) عز و جل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:38
بها و استيقنتها انفسهم ظلما و علوّا». فهذا معنى الحديث؛ و لكنّ الملحد خفى عليه معناه، لقلّة معرفته بلغة العرب؛ فقدّر «1» أنّ «2» المراد «3» بالمراء «4» و الجدل هو النّظر و الانصاف، و احتجّ بمالا حجّة له فيه.
((1/68)
3) و أمّا احتجاجه بالحديث: «لا تتفكّروا «5» فى اللّه و تفكّروا فى خلقه» فهو أيضا خبر صحيح؛ و لكن ليس هو ممّا ينهى «6» عن النّظر؛ انّما نهينا عن «7» أن ننظر «8» فى كيفيّة الخالق «9»، و أن نقدّر أنّا نبلغ «10» الغاية فيه. و أمرنا «11» أن نعلم «12»، أنّ أحدا من الخلائق لا يبلغ «13» نعته، و أنّ الحواسّ لا تحيط به «14»، و أنّ الاوهام و الصّفات تقصر عنه «15». فنهينا عن «16» أن ننظر فى كيفيّته، و أمرنا أن ننظر فى خلقه، و نعتبر به، و نعرف الهيتّه و ربوبيّته و توحيده بخلقه، و نستدلّ عليه بصنعه؛ فانّ فى ما خلق من سماواته و أرضه و ما بينهما من عجائب الصّنع، ما يدل على إنّيتّه «17» و وحدانيّته؛ و فى ذلك عبرة للمعتبرين، و دليل للمتفكرّين. و بهذا أمر جلّ ذكره فى القرآن العظيم، فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ
__________________________________________________
(1)- فقدر: فقد C
(2) ان: بان-- CB
(3)- المراد:- A
(4) بالمراء: المراء CR
(5)- لا تتفكروا: لا يتفكرون C
(6)- ينهى: ينفى A
(7)- عن:- CBA
(8) ننظر: ينظر-- CB
(9) الخالق: تع ذكره-- CB
(10) انا نبلغ: ان نبلغ A
(11) امرنا:- CBA-- هكذا اصلحنا الجملة لاضطرابها بين معنى النهى و ادوات النفى
(12)- نعلم: لا نعلم CBA
(13) لا يبلغ: لا يبلغون CBA
(14)- به:- A
(15) عنه:- A
(16) عن:- CBA
(17)- انيته: ابنيته A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:39(1/69)
النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»؛ و قال فى آية اخرى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ»؛ و قال فى آية اخرى: «وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ» إلى قوله: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»؛ و قال فى آية أخرى: «وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً» الى قوله «إِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.».
(4) فهذه الايات و ما أشبهها كثيرة فى القرآن، هى كلّها تدلّ على أنّا قد أمرنا أن «1» نتفكّر فى خلق اللّه، و نعتبر بما فيه من عجائب «2» الصّنع و التّدبير، و نستدلّ «3» بذلك عليه جل و تعالى؛ أذ كنّا لا نلحق كيفيّته و لا نحيط «4» به. و من تفكّر فيه «5» دون خلقه، تحيّر، و ذهل عقله، و لم يدرك كيفيّته و لم يحط به، لأنّه عزّ و تعالى «6»، جلّ عن «7» أن يحيط به مخلوق؛ لأنه إذا أحاط المخلوق بالخالق، فالمخلوق أعلى من الخالق «8»، تعالى «9» اللّه «10» عن ذلك؛
__________________________________________________
(1)- ان:- B، نتفكر: يتفكر C
(2) من عجائب: من عجائب C
(3)- نستدل: يستدل C
(4)- لا نحيط: لم يحط C
(5) فيه:- C
(6)- تعالى:- B
(7)- عن:- C
(8)- به مخلوق ... الخالق يحيط:- A
(9) تعالى: تع C
(10) اللّه:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:40(1/70)
بل، المخلوق يعجز عن الاحاطة بالخالق، و الخالق «1» يحيط بخلقه كلّه؛ لا يعزب عنه مثقال ذرّة فى الأرض و لا فى السّماء. و انّما نهينا عن التّفكّر فى اللّه، و أمرنا بالتّفكّر فى خلقه لهذه العلّة؛ و من خالف ذلك هلك. و هذا هو الحقّ الواضح. و ليس للملحد فى ردّه حجّة، و لا له إلى «2» ذلك سبيل. و ليس هذا الحديث ممّا يردّ النّظر و ينهى عنه؛ بل، فيه: النّهى عن النّظر فى كيفيّة الخالق، و التّفكّر فى ذاته؛ و الأمر بالتّفكّر فى خلقه و الاعتبار به «3» و الاستدلال بذلك «4» على «5» إنّيتّه و كيفيّته. و أىّ حجّة للملحد فى هذا حين أنكره على رواته «6»؟!
(5) و أمّا الخبر، قوله: «القدر سرّ اللّه فلا تخوضوا فيه»، و ما ادّعى من الأخبار التى ذكر «7» أنّها تنفى القدر، و أخرى تنفى الاجبار، فانّها كلّها صحيحة. و من الذى نظر فى القدر فبلغ الغاية فيه حتى قطع حجة خصمه؛ و من الذى أثبت القدر، أو من الذى أثبت «8» الإجبار، مع كثرة نظر النّاس فيه و مجاذباتهم؛ و هل حصلوا إلّا على الوسواس و الهذيان و نقض بعضهم على بعض؟ هذا، ممّا يدل على أنّ «9» الأخبار التى تنفى القدر، هى صحيحة؛ و كذلك، التى تنفى الاجبار «10» هى صحيحة.
(6) و أهل النّظر فى ذلك- أعنى القدر- على ثلاث طبقات: قوم أوجبوا الأجبار، و ادّعوا أنّ أفعال العباد مخلوقة و أنّها بقدر، و أنّ العباد مجبرون «11» على أفعالهم. فهؤلاء أوجبوا «12» أنّهم أطاعوا اللّه و عصوه
__________________________________________________
(1)- و الخالق: بل الخالق C
(2)- الى: الا C
(3)- به:- C
(4) بذلك: به B
(5) على:- A
(6)- رواته: روايته A
(7)- ذكر: ذكرنا C
(8)- القدر ... اثبت:- A
(9)- على ان: ان-- CA
(10)- الاجبار: و A
(11)- مجبرون: مجبورون B
(12) اوجبوا: اجبوا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:41(1/71)
مكرهين؛ فألزموا البارى الجور، و أوجبوا أنّ اللّه أجبر خلقه على المعاصى، ثمّ يعاقبهم عليها، عزّ اللّه عن ذلك.
و الطّائفة الأخرى قالوا: إنّ أفعال العباد ليست بمخلوقة، و إنّه ليس للّه «1» فيها مشيّة و لا إرادة و لا تقدير. فأوجبوا أنّ العباد يقدرون على فعل ما لا يريده اللّه و لا يقدّره، و أنّهم عصوه و أطاعوه غالبين؛ فأشركوا أنفسهم مع اللّه فى سلطانه؛ إذ كانوا يقدرون «2» على ما لا يقدّر اللّه و لا يريده. و سقطوا عن حكم التّنزيل؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ «3»، يقول: «انّا «4» كلّ شى ء خلقناه «5» بقدر «6»» و أفعال العباد هى «7» شى ء داخل «8» فى الكلّ الذى ذكره اللّه أنّه خلقه بقدر- تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا.
و قوم عرفوا الحقّ و العدل، فنفوا القدر و الاجبار و صحّحوا «9» الأخبار التى أنكرها الملحد و زعم أنّها متناقضة، و زعم أنّ منها ما ينفى القدر و منها ما ينفى الاجبار، جهلا منه بهذه المنزلة الثالثة. و أهل الحقّ و العدل اقتدوا فى ذلك بالصّادقين من آل الرسول عليه و عليهم السلام «10» الذين هم ورثة علم رسول اللّه و صحّحوا هذه الأخبار كلّها التى تنفى القدر و الأجبار، و قالوا: لا إجبار «11» و لا تفويض؛ كما قال الصّادق «12» جعفر بن محمد عليه السلام «13»، حين سئل فقيل له: يا ابن «14» رسول اللّه، الناس مجبرون؟ قال «15»: اللّه أعدل «16» من أن يجبر خلقه على المعاصى، ثم يعاقبهم عليها. قيل: فمفوّض إليهم؟ قال: هو أعزّ
__________________________________________________
(1)- للّه: معه A
(2)- و اطاعوه ... يقدرون:- C
(3)- عز و جل:- A
(4) انا: ان B
(5)- خلقناه: خلقاه B
(6) بقدر: يقدر A
(7) هى: هو B
(8) داخل: داخلة-- CB
(9)- صححوا: صححوا A
(10)- عليه و عليهم السلام:- A
(11)- لا اجبار: الاجبار C
(12)- الصادق:- A
(13) عليه السلام:- A
(14)- يا ابن: يابن-- CA
(15) قال: قائل A
(16) اعدل: اعذر C(1/72)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:42
من أن يكون «1» لاحد فى ملكه سلطان. قالوا: فكيف هو؟ قال: هو أمر بين أمرين، لا إجبار و لا تفويض.
(7) فهذا هو سرّ اللّه الذى من ترك القول بالعدل و الحقّ فيه، و سلك فيه برأيه و قياسه، هلك؛ و هو سرّ اللّه الذى أطلع عليه أنبياءه و اولياءه «2»؛ و لا يوصل إلى معرفته إلّا بتوقيف «3» منهم. و كذلك كلّ أمر ملتبس فى الدّين لا يلحق الّا بتوقيف «4» منهم؛ و من لم يرجع فى ذلك الى الاصل «5» يأخذه عنهم «6»، و قال فى ذلك برأيه و قياسه، لم يزل الدهر فى التباس، على نحو ما روى فى الحديث الذى عاب به الملحد، و ذكر أنّ هذا الحديث ينهى عن النّظر. و قد ذكرنا فى باب النّظر ما فيه كفاية لمن أنصف. و إنّما هذا الحديث ينهى عن الخوض فيما ليس فى «7» وسع المخلوقين أن يدركوه برأيهم و قياسهم، و لا يعرفونه إلّا بتوقيف «8» من العلماء البررة كما ذكرنا، الذين هم قادة الأنام.
و من قاس برأيه فى مثل هذه الغوامض، على غير أصل من أصولهم و ابتدع «9» بقياسه «10» ما يعقد به الرياسة، لا يزال الدهر فى التباس؛ و هذا هو القياس المنهىّ عنه.
__________________________________________________
(1)- يكون: تكون A
(2)- اولياءه: عليهم السلام-- CB
(3)- بتوقيف: بتوفيق A
(4)- بتوقيف: بتوفيق A
(5) الاصل: اصل BA
(6) عنهم: منهم B
(7)- فى:- B
(8)- بتوقيف: بتوفيق A
(9)- ابتدع: يبتدع CBA
(10)- بقياسه: به BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:43
الفصل الثالث البحث فى التعمق
((1/73)
1) و أمّا قوله: «إيّاكم و التّعمّق فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمق» فليس فى هذا أيضا نهى عن النظر، إنّما هو نهى «1» عن التّعمق فى الدّين «2». و ليس معناه، إيّاكم و النّظر؛ بل، التّعمق فى الدّين ترك القصد؛ و هو الغلوّ فى الدّين، و ابتداع أشياء لم يؤمروا بها فى باب العبادة، و التشديد «3» فى ذلك، و ترك القصد فى الاجتهاد و الأخذ بالتّعسير فيه. فالمتعمّق «4» يغلو و يزعم أنّه مجتهد فى الدّين، يتكلّف ما لم «5» يكلّفه اللّه؛ كما فعل «6» الخوارج فى هذه الأمّة، حتى ابتدعوا تلك الاراء و خالفوا الأئمّة و غلوا فى الدّين و تعمّقوا فى العبادة، من غير جهة السّنّة التى سنّها اللّه عزّ و جلّ «7»، و أمرهم بها. و قد جاءت فيهم أخبار
__________________________________________________
(1)- عن النظر ... نهى:- C
(2)- فى الدين:- A
(3)- التشديد: تشديد CBA
(4)- فالمتعمق فالتعمق A
(5)- لم:- B
(6) فعل: فعله C
(7)- عز و جل:- A، ع ج C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:44
بصحّة «1» ما قلنا؛ كما روى أنّ رسول اللّه (ص) «2» «11» نظر إلى رجل ساجد فى المسجد، حتى فرغ النبى (ص) من صلاته، فقال (ص): «من رجل يقتله»؟ فقام «3» أبو بكر و مشى إليه ليقتله، ثم انصرف و قال: «يا رسول اللّه كيف أقتل رجلا ساجدا للّه؟!» فقال: «من رجل يقتله؟» فقام عمر و مشى إليه «4» ليقتله، ثم انصرف و قال: «يا رسول اللّه كيف أقتل رجلا ساجدا للّه؟!». فقال: «من رجل يقتله؟»، فقام على (ع) و مشى إليه ليقتله، فوجده قد ذهب. و فى الحديث زيادة، و لرسول اللّه (ص) فيه قول؛ و إنّما أمر رسول اللّه (ص) بقتله، لأنّه ترك القصد و ابتدع ما لم يفترضه اللّه جلّ ذكره «5»، و لا أمر به رسوله (ص) من التّعمّق فى العبادة.(1/74)
ثم قيل «6» إنّه كان أحد الخوارج الذين قال فيهم النّبىّ (ص): «يقرأون «7» القرآن لا يجاوز تراقيهم». و قال: «يمرقون من الدّين «8» كما يمرق السّهم من الرّميّة»؛ و المروق، هو أن يصيب السّهم الرّميّة، ثم ينفذ إلى الجانب الاخر؛ فهذا، هو خروج عن المقدار.
و كذلك التّعمقّ، هو الغلوّ و الخروج عن المقدار «9». و كل خارج عن المقدار و الحدّ، فهو غال «10» و متعّمق و مارق.
(2) و روى عن أمير المؤمنين (ع)، أنّه قال: «الغلوّ على أربع شعب: على التّعمّق، و التّنازع، و الدّفع و الشّقاق. فمن تعمّق،
__________________________________________________
(1)- بصحة: بتصحيح BA، تصحيح C
(2)- (ص):- A- A، صلى اللّه عليه و على آله CB
(3)- فقام: فقال A
(4)- اليه:- A
(5)- جل ذكره:- A
(6) قيل:- B
(7)- يقرأون: يقيرون A، يقرؤن B، يقرون C
(8)- الدين: الذين A
(9)- و الخروج ... عن المقدار:- A
(10)- غال: غالى-- CA
(11) و سنكتفى من الآن فصاعدا باستعمال (ص) رمزا للصلوات على النبى و آله و (ع) رمزا لعليه السلام نظرا لعدم اتفاق النسخ على نسق واحد و تلافيا للتكرار و الاضطراب.
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:45
لم ينب «1» الى الحقّ، و لم تنحسر عنه فتنة إلّا غشيته أخرى، و انخرق دينه فهوى فى أمر مريج». و الغلوّ و التّعمّق فى الدّين على وجوه كثيرة، أحدها ما قد ذكرناه من فعل الخوارج الذين شدّدوا فى أشياء لم يلزموها، و خفّف اللّه «2» عن الامّة فيها؛ فتعمقوا و تركوا القصد و غلوا و مرقوا؛ و إنّما تعرف «3» هذه المعانى من لغة العرب.
(3) و قد قال السيد بن محمد الحميرىّ فى تحقيق ما قلنا يخاطب الشّيعة: «أنتم قليل «4» من كثير، فاقصدوا و ذروا التّعمق و احذروا ان تمرقوا.(1/75)
إنّ الّذين بنهروان، إنّما مرقوا من الاسلام حين تعّمقوا، نزعوا غدا تئذ بحكم «5» واقع عند الحكومة، جاحدين؛ فأغرقوا». فجمع معنى التّعمّق و المروق و الأغراق، و هى كلّها بمعنى الغلوّ و ترك «6» القصد. ألا تراه يقول فاقصدوا و ذروا التّعمّق؟
(4) و قوله فى هذا الحديث: «فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق»، فانّه هذا المعنى بعينه؛ يعنى بذلك النّصارى «7» الذين ذكرهم اللّه تعالى «8» حيث يقول: «و جعلنا فى قلوب الّذين اتّبعوه رأفة و رحمة و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الّا ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ «9» رعايتها»؛ يعنى ما ابتدعته النّصارى من الرّهبانيّة، و التعّمق فى الدّين، و التّعسير على أنفسهم، و الغلّو فيما لم يأمرهم اللّه «10» به و لا كتبه عليهم، أى: لم يفترضه عليهم؛ إنّما أمروا بالعبادة بمقدار «11» ما يبتغون به رضوان اللّه، و أمروا أن يقتصدوا رأفة و رحمة؛ فابتدعوا و تكلّفوا ما
__________________________________________________
(1)- ينب: ينسب B
(2)- الله:- A
(3)- تعرف: يعرف CBA
(4)- قليل: قليلا A
(5)- بحكم: لحكم C
(6)- و ترك: او ترك C
(7)- النصارى: الانصار C
(8) تعالى:- CB
(9)- رعوها حق: C--
(10)- اللّه:- B
(11)- بمقدار: بقدر B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:46
لم يؤمروا به، و لم يرعوا فرائض اللّه حقّ رعايتها؛ فهلكوا بذلك. فهذا هو التّعمّق فى الدّين الذى نهينا عنه، و أمرنا باجتنابه و استعمال القصد و ترك الابتداع «1» فى التّعمّق، لئلّا نهلك كما هلك من كان قبلنا. و لم نعن بالتّعمّق، النّظر؛ و لا نهينا عن النّظر. و أخطأ الملحد فى تأويل هذا الحديث، لقلّة معرفته بلغة العرب؛ فجهل معنى الخبر، و عاب بما لو مدح به، لكان «2» أولى؛ لانّ من أمر بالقصد و نهى عن التّعمّق، فقد احتاط، و خفّف، و يسرّ؛ و هو بالمدح أحقّ منه بالذّمّ.
((1/76)
5) و لعلّ معارضا يقول: إنّا احتججنا على الملحد بالقرآن و بالحديث و بالشّعر، و لم نقل ذلك احتجاجا عليه فى أصله. و لكنّا أردنا أن نبيّن معنى ما جهله من تأويل الاخبار؛ و كذلك السبيل فيما نورد بعد هذا من الاحتجاج بالقرآن و الاخبار و الشّعر إن شاء «3» اللّه تعالى «4».
__________________________________________________
(1)- الابتداع: الابتلاع B
(2)- لكان: كان CBA
(3)- ان شاء: انشاء B
(4) تعالى: تع A، عز و جل-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:47
الفصل الرابع البحث فى التناقض
(1) و أمّا الاخبار التى ادّعى فيها التناقض و ما ذكر فى باب التّشبيه و غير ذلك، فانّ هذه الاخبار، منها ما هى مصنوعة «1»، و منها ما هى صحيحة.
فأمّا المصنوعة، فمنها: ما ابتدعها «2» الكّذابون من أهل الشّريعة، أرادوا أن يعقدوا بها «3» الرياسات، و يوردوا «4» أخبار غريبة يستميلون «5» بها قلوب العامّة؛ فانّ المبتدعين فى كلّ شريعة هكذا كان سبيلهم. و منها: ما وضعها «6» الملحدون ودّ سوها «7»، يريدون أن يشنّعوا «8» بها. فقد روى عن قوم منهم أنّهم فعلوا ذلك، مثل: ابن المقّفع «9» و ابن أبى العوجاء و أشباهما. فامّا ابن المقّفع، فانّه كان مشتهرا بالزندقة، يستتر «10» بالاسلام، و يميل «11» الى المجوسيّة و المنّانية «12»، و يعتقد القول بالاثنين. و روى أنّه مرّ على بيت النّار، فتمثّل بقول القائل:
__________________________________________________
(1)- مصنوعة: موضوعة C
(2) ابتدعها: ابتدعه CBA
(3)- بها:- B
(4) يوردوا: يوردون CBA
(5) يستميلون: يستحيلون A
(6)- وضعها: وضعه B
(7) دسوها: درسوها CBA
(8) يشنعوا: يشنعون-- CB
(9)- ابن المقفع: ابن المقنع A
(10)- يستر: ينستر C
(11) يميل: يحيل A
(12)- المنانية:، المانوية A، المانية B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:48
شعر
يا بيت «1» عاتكة التى أتعزّل حذرا لعدى و به الفؤاد «2» موكّل(1/77)
انّى لأمنحك الصّدود و انّنى قسما اليك مع الصّدود لأميل
و أمّا ابن أبى العوجاء، فانّه كان معروفا بالالحاد. فهذان «3» قد عرفا و اشتهر أمرهما؛ و أنّهما كانا «4» يصنعان هذه «5» الاخبار و يدّسانها «6»، نحو قوله: إنّ اللّه أجرى خيلا «7»، فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق. و نحو حديث: زغب «8» الصّدر، و نور الذّراعين «9»، و عبادة «11» الملائكة «10»، و قفص الذّهب على جمل أورق «12»، و أشباه هذه الاخبار التى هى من هذا الجنس.
(2) و أمّا الاخبار التى وضعها الكذّابون من المحدّثين ألذين ابتدعوها و استمالوا بها قلوب العامّة، فانّ الثّقات «13» من رواة الحديث قد نبّهوا «14» على «15» كثير منها، و ذكروا رواتها الذين صنعوها و جرّحوهم «16»، و نهوا عن الرّواية عنهم، و وقفوا على كذبهم. كما روى عن شعبة أنّه قال:
لان أزنى كذا و كذا «17» زنية، أحبّ إلىّ من أن أروى عن أبان بن عيّاش. و روى عن ابن المبارك أنّه قال: حديث أبىّ بن كعب أنّه قال: من قرأ سورة كذا فله كذا «18»، و من قرأ سورة كذا فله كذا، هو من
__________________________________________________
(1)- بيت: دار A
(2)- الفواد: الفزاد C
(3)- فهذان: فهذا A
(4)- كانا: كان C
(5) هذه:- B
(6) يدسانها: يدرسانها BA
(7)- خيلا:- B، حبلا A
(8)- زغب: رغب CBA
(9) الذراعين: الذياعين C
(10) الملائكة:- A- A، الملئكة
(11) C عيادة: عبادة CBA
(12)- اورق: اوراق B
(13)- الثقاوت: الثفاوت C
(14) نبهوا: نهبوا C
(15) على: عن C
(16)- جرحوهم: خرجوهم B
(17)- و كذا: كذا B
(18)- و من ... فله كذا:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:49(1/78)
وضع الزّنادقة، فلا ترووه. و يروى عن المغيرة صاحب ابراهيم أنّه قال: حديث سالم بن «1» أبى الجعد و حديث فلّاس لا ترووه؛ و كان لا يعبأ بما يروى عنهما. و روى عن غير واحد أنّ «2» حديث ابن عبّاس «3»، أنّه كان يبصق فى الدّواة و يكتب منها، وضعه عاصم الكوزىّ. و كذلك الحديث: شرب الماء على الرّيق يعقد الشّحم «4»، وضعه عاصم الكوزىّ. و قالوا «5»: حديث النّبىّ (ص)، انّه لم يحدّ «6» المريض، وضعه سهل السرّاج. و حديثه (ع) الذى «7» روى عن عمرو بن حريث، أنّه قال: رايت رسول اللّه (ص) يوم العيد يسار «8» بين يديه بالحراب «9»، وضعه المنذر بن زياد. و حديثه (ع)، أنّه نهى عن عشر كنى، وضعه أبو عاصم قاضى مرو. و حديثه (ع) «10»، لا يزال راجل «11» راكبا مادام منتعلا، وضعه أيّوب بن خوط «12».
فهكذا كان سبيل هؤلاء الكذّابين و الزّنادقة و الملحدين، الذين وضعوا هذه الاخبار. و ليس ما يبتدعه «13» الكذّابون و يدّلسه «14» الملحدون، بحجّة للملحدين على الانبياء الطّاهرين و على أهل الصّدق من الامّة؛ إذ كانت الشّريعة قد اشتملت على أصناف النّاس.
(3) و أمّا الاخبار الصّحيحة: فمنها ما يشكل معناها، و منها ما يقع فيها «15» النّسخ. و أما ما يشكل معناها فكثيرة؛ و من لا يعرف معانيها يقدّر فيها التّناقض. و منها ما تقع فيها «16» الزّيادة و النّقصان، و يوهم
__________________________________________________
(1)- بن: ابن A
(2)- ان:- A
(3) ابن عباس: ابن عياش A
(4)- الشحم: الشهم B
(5)- قالوا: قال B
(6) يحد: يحل A
(7)- الذى:- A
(8)- يسار: يساد A
(9)- بالحراب: بالجراب B
(10)- انه نهى ... (ع):- A
(11)- راجل: رجل A، رجلا C
(12)- خوط: خوظ B
(13)- يبتدعه: يدعيه C
(14)- يدلسه:- B
(15)- فيها:- C
(16)- و فيها:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:50(1/79)
فيها المحدّث و يغلط؛ مثل الحديث الذى احتجّ به الملحد و عابه و طعن على النّبىّ (ص)، قوله: «رايت ربىّ «1» فى أحسن صورة و وضع يده بين كتفىّ حتىّ وجدت برد أنامله بين ثندوتىّ «2»».
فانّه (ص) إنّما أراد أنّه «3» رآه فى المنام، لم يرد أنّه رآه فى اليقظة.
و كيف يجوز أن يقول إنّه رأى ربّه، و اللّه عزّ و جل يقول: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «4»»؟ فأراد (ص) أنّه «5» رآه فى المنام. و مثل هذا الحديث رواه عبيد اللّه بن وهب عن عمرو بن الحرث «6» عن سعد بن أبى مالك عن مروان «7» بن عثمان عن عمارة بن عامر عن أمّ الطّفيل امرأة أبى بن كعب، قال: سمعت النّبىّ (ص) يذكر أنّه رأى ربّه فى المنام فى صورة شاب موفّر على فراش من ذهب فى رجليه نعلان من ذهب. و ليس هذا بمنكر أن يقول (ص):
رأيت ربىّ فى المنام؛ فانّ كثيرا «8» من الناس يرون مثل هذه «9» المنامات: يرون ربّهم و يرون الملائكة و يرون الانبياء و يرون القيامة و يرون الامور العظيمة؛ و هذا واسع كثير غير مدفوع، و ليس يقع فيه نكير من أحد من العالمين.
(4) و قرأت فى كتاب إشعياء النّبىّ «10»: أنّ إشعياء راى «11» رؤيا من بعد ارتفاع النّبوّة عنه بثلاث سنين، فى السنة التى (توفى) فيها عزّيّا «12» الملك «13» و قال «14»: رايت الرّبّ جالسا على منبر عظيم، و رأيت نورا خرج من اسفل منبره ملا «15» هيكله، و رايت السّرافين «16» قائما امامه، له ستّة أجنحة،
__________________________________________________
(1)- ربى: ابى A
(2)- ثندوتى: ثنذوتى A، ثندونى B
(3) انه: ان BA
(4)- و هو اللطيف الخبير:- BA
(5) فاراد (ص) انه: فاراد انه (ص)
(6)- الحرث: الحراث A المحرث B
(7) مروان: مرون C
(8)- كثيرا كثير: C
(9) هذه: فى C
(10)- النبى:- A
(11) رأى: رياى C
(12)- عزيا: عوريا CBA
(13) الملك: للملك CBA
(14) و قال: قال B
((1/80)
15)- ملاء: فملاء B
(16) السرافين: السراقيل A،: السرافيل C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:51
يستر وجهه بجناحين و بجناحين يستر رجليه و يطير بجناحين «1»، و يضيف «2» بعضها إلى بعض و يقول: «قدّوس قدّوس، ربّ الملائكة و الروح، قدّوس الرب القوىّ الذى الارض كلّها «3» ممتلئة من تسبيحه و تزلزلت معاقم الابواب من الصّوت الذى هتف، و امتلأ «4» البيت دخانا، و رأت عيناى الملك الرّبّ القوىّ». ثم ذكر أشياء كثيرة رآها «5» ثم فسّرها. و قرأت فى كتاب دانيال: رأى دانيال «6» رؤيا و حلم حلما و رأسه «7» على مضجعه، فكتب حينئذ رؤياه و قصّ مبتدأ «8» كلامه و بدأ بالقول، فقال: رأيت فيما يرى النائم باللّيل كذا، و رأيت كذا، و ذكر أشياء كثيرة ثم «9» عبّرها و فسّرها؛ و تطول الخطب بذكرها.
و قال فى آخرها: و من بعد هذه الأمور، رأيت كراسّى «10» قد وضعت، و عنيق الأيّام «11» قد جلس و لسانه أبيض كبياض الثّلج، و شعر رأسه كالقطن الابيض النّقّى، و كرسيّه كلهب «12» النّار، و دعائم كرسيّه و بكراته «13» من نار تتّقد؛ و رأيت نهرا من نار يجرى «14» بين يديه، و بين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه، و كتّاب لا تحصى «15»؛ و رأيت الدّيّان «16» قد جلس، و نشرت الأسفار؛ و رأيت على سحاب «17» السّماء كهيئة انسان، فانتهى «18» الى عتيق الأيّام و قدّموه «19» بين يديه. فخّوله الملك و السّلطان و الكرامة؛ و أن تتعبّد «20» له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات؛ و سلطانه دائم إلى «21» الأبد، و ملكه الى الابد لا يتغيّر. و ضاقت نفسى أنا دانيآل على
__________________________________________________
(1)- و بجناحين ... بجناحين:- A
(2) يضيف: كلمة لا تقرا فى النسخ الثلاثة، يهين A، يعيف B، يهيف C
(3)- كلها:- A
(4)- امتلا: امتلاء A
(5)- راها:- A
(6)- راى دانيال:- B
(7) و رأسه: فداسه C
(8)- مبتداء: مبتدا-- CB
(9)- ثم:- A
(10)- كراسى: كرسيا B، كرسى C
((1/81)
11) عتيق الايام: عبق الانام A
(12)- كلهب: كلبهب A
(13) بكراته: بكراتها CBA-- بكراتها: بركراتها C
(14)- يجرى: تجرى
(15)- تحصى: يحصر A، يحصى-- CB
(16) الديان: الذياب A
(17)- سحاب: الشهاب-- CA
(18)- فانتهى: و انتهى B
(19) و قدموه: فقدموه B
(20)- تتعبد: يتعبد CBA
(21)- الى:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:52
مضجعى، و غمّتنى الرّؤيا التى رأيت، فدنوت من خادم من الخدّام، و سألته عن تحقيق هذه كلّها، و قال لى يقينا، و أخبرنى «1» بتعبير رؤياى «2». ثم فسّر دانيآل تعبيرها، و قال فى آخرها: أربعة املاك تقوم فى الأرض و يرثون الملك؛ و المملكة الرّابعة، هى التى «3» تتفاضل على المملكات، و يملك «4» الارض كلها، و يدوسها، و يدقّها، و ينال الملك و السلطان العظيم، و العظمة «5» التى تحت السماء و الشّعب الظّاهر «6»؛ ملكه دائم الى الأبد، له يتعبّد كلّ سلطان و يطيع. الى هاهنا «7» انقضى «8» الكلام. فأمّا أنا دانيآل، فغمّتنى فكرتى «9» جدّا و تغير لون بهائى «10»، و لكنّى «11» حفظت الكلام فى قلبى.
فهكذا، هو من الحديث الذى ذكره «12» الملحد، و قال: إنّ فى التّوراة أنّ قديم الأيّام فى صورة «13» شيخ ابيض الرّأس و اللحية. فعاب الملحد هذا و أشباهه ممّا رآه «14» الانبياء فى مناماتهم «15». و هذه الرّؤيا «16»، أراد اللّه عزّ و جلّ «17»، أن يوحى بها الى دانيآل، ليخبر بما يكون «18» فى العالم «19»؛ فأخبر بذلك و صحّ ما ذكره. و ذكر «20» فى هذه الرؤيا أخبار ملوك كانوا بعده، و ما يحدث من أمورهم «21» و ممالكهم؛ (و) يطول شرحها. ثمّ أخبر بعد أخبارهم و قصصهم، بهذه القصّة التى أمرها أوضح من فلق الصّبح؛ لانّه قال: أربعة أملاك تقوم «22» فى الأرض و يرثون «23» الملك. فالا ملاك «24» الاربعة «25» هى أملاك أهل الاديان
__________________________________________________
(1)- و اخبرنى: اخبرنى B
(2) رؤياى: رؤيائى A
((1/82)
3) هى التى: التى هى C
(4)- يملك: نملل A
(5)- العظمة: العظيمة A
(6)- الظاهر: الطاهر A
(7) هاهنا، ههنا A، هيهنا B
(8) انقضى: انقضاء B، انقضا C
(9) فكرتى: فكرى C
(10)- بهائى: بها A، بهاى C
(11) لكنى: لكن B
(12)- ذكره: ذكره B
(13)- صورة: سورة B
(14)- رآه: رواه CA، رواه B،
(15) مناماتهم: مقاماتهم: B
(16) الرؤيا:- A- A، الروياء C
(17) عز و جل:- A
(18)- يكون: كان A
(19) فى العالم:- C
(20)- ذكر: ذكرنا A
(21)- امورهم: ادوارهم A
(22)- تقوم: تقدم C
(23) و يرثون: يرثون B
(24) فالاملاك: فاملاك B، فلاملاك C
(25) الاربعة: الارض B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:53
الاربعة، اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة و الاسلام. و المملكة الرّابعة التى ذكر أنّها تتفاضل على المملكات، هى مملكة الاسلام «1»، و هى التى ورثت الملك فى هذا العالم. فأمّا الممالك كلّها فى العالم، فهى «2» تحت هذه الممالك الاربع، و منها انشعبت كلّها. و مملكة الاسلام التى هى الرّابعة «3»، قد علت عليها؛ كما قال: «إنّ الرّابعة تتفاضل على المملكات «4»، و تملك الارض كلّها، و تدوسها، و تدقّها؛ و ينال الملك، و السلطان العظيم، و العظمة «5» التى تحت السّماء، و الشّعب الظّاهر؛ ملكه دائم إلى الأبد؛ و له يتعبّد كلّ سلطان و يطيع». فهذه المملكة الرابعة، هى مملكة الاسلام؛ و قد داست الأرض، و دقّتها، و قهرت كلّ شريعة. و كسرت الأصنام، و تعبّد لها كلّ سلطان؛ و هى دائمة الى القيامة.
و الذى رآه على سحاب السّماء كهيئة انسان و قدّم إلى «6» عتيق «7» الأيّام، و خوّله الملك و السلطان و الكرامة، و أن يتعبّد «8» له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات، و سلطانه دائم «9» الى «10» الأبد، و ملكه لا يتغيّر، هو محمّد صلّى اللّه عليه و على آله «11»؛ لانّ شريعته قد قهرت جميع الشّرائع، و سلطانه دائم الى الابد.(1/83)
فهذا هو كتاب دانيآل، و هو فى يدى أهل الكتاب، يقرأونه «12» و يدرسونه، و لا ينكرونه؛ و لكن، قد عميت قلوبهم عن هذا «13» الامر الواضح؛ و هذا أقوى الدّلالات على نبوّة محمّد (ص)، و على سائر «14» النّبوّات، و هذا ما عاب
__________________________________________________
(1)- و المملكة الرابعة ... الاسلام:- A
(2)- فهى: هى CBA
(3)- الرابعة: رابعها B
(4)- المملكات: المملكة A
(5)- العظمة: العظيمة A
(6)- الى: يوم B
(7)- عتيق: عتق A
(8)- يتعبد: يستعبد A
(9)- دائم: دائما C
(10) الى:- A
(11)- صلى الله ... آله:- A- A، صلع C
(12)- يقرأونه: يقرؤنه BA، يقرونه C
(13)- هذا: هذه C
(14)- سائر: سائرات B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:54
به الملحد. و انّما كانت رؤيا أراها اللّه دانيآل فى نومه، و صحّت كما ترى؛ و لكنّ الملحد قصد «1» الى موضع التشنيع، و ذكر الفاظا شنّع بها، و لم يعرف القصّة بعينها؛ و إن كان قد سمعها بكمالها، فقد حبل «2» تأويلها، و كتم ذلك عنادا منه و كفرا. و هذا «3» حجّة عليه فى اثبات النّبوة أكيدة، لا يدفعها إلا مباهت و لا ينكرها الا معاند. و حديث النبى (ص) الذى طعن عليه الملحد، هو رؤيا، كما قد «4» ذكرنا؛ و هو «5» «6» مشاكل «7» لرؤيا دانيآل و لرؤيا إشعياء، فى رؤية اللّه عز و جل «8». و ليس ذلك «9» بمنكر، و لا فيه مطعن و لا حجّة للملحد.
__________________________________________________
(1)- قصد:- A
(2)- حبل: حل CA، حيل B
(3)- هذا: هذه-- CB
(4)- قد:- BA
(5) هو: فهو CBA
(6) هو:- B
(7) مشاكل: شاكل A
(8)- عز و جل:- A- A، ع ج C
(9) ذلك: بذلك C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:55
الفصل الخامس انّ «1» أهل الشرائع اذا طولبوا «2» بالدّليل شتموا!
((1/84)
1) و أمّا قوله: إنّ أهل الشرائع إذا طولبوا بالدّليل على دعاويهم، شتموا و غضبوا و هدروا «3» دم «4» من يطالبهم؛ فمن أجل «5» ذلك، اندفن الحقّ أشدّ اندفان و انكتم أشدّ انكتام «6».
فإنّا نقول: لا تخلو «7» كلّ أمّة «8» من أخلاط النّاس، و لا يكملون «9» قاطبة فى العقل و الفهم و المعرفة و الحلم. و ليس يجوز أن تطالب «10» الأمّة كلّها أنّ يكونوا تامّين فى هذه الخصال، مع كثرة عددهم الذى لا يحصيه الا اللّه عزّ و جلّ «11»؛ لانّ العالم قد امتلأ من أهل الشّرائع، و هم مجبولون على طبائع «12» مختلفة و أخلاق شتّى.
ففيهم «13» الكامل و النّاقص، و العالم و الجاهل، و السّفيه و الحليم، و العاقل و الاحمق؛
__________________________________________________
(1)- ان:- C
(2) طولبوا: طلبوا C
(3)- هدروا: هددوا-- CA
(4) دم:--- CA
(5) اجل:- B
(6)- انكتام: انكتمام B
(7)- تخلو: يخلو CBA
(8) كل امة: كلامه BA
(9) يكملون: يتكلمون A، يكلمون C
(10)- تطالب: يطالب C
(11)- عز و جل:- A
(12)- طبائع: طباع A
(13)- ففيهم: فمنهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:56(1/85)
بل، أهل العقل و العلم و الحلم و المعرفة، هم الأقّلون عددا فى كلّ شريعة؛ و اشتملت الشّرائع على هذه الطّبقات من النّاس، على تفاوت آرائها و مذاهبها؛ و ليس فى رسم الشّرائع، أن لا يقبل إلّا الكامل العاقل الدّيّن «1» اللّبيب، و أن يطرد عنها من نقص عن هذه المراتب؛ و لا توجب الدّيانة «2» ذلك، بل يقبلون على مراتبهم و يعلّمون «3» ما يحتاجون اليه من أمر دينهم، و يؤمرون «4» و ينهون و يراضون؛ ثمّ حسابهم على اللّه عزّ و جلّ «5»، يجازى كلا «6» بعمله، و على مقدار قبوله الأمر و النّهى، و سعيه لأمر معاده؛ اذ كان اللّه عزّ و جلّ «7»، يستعبد الأنام على مقدار عقولهم و وسعهم و طاقتهم؛ ثمّ هو أعلم بما يستوجبون من الثّواب و العقاب و إنّه عليم بذات الصّدور؛ كما أمر به رسوله محمّدا (ص)، و سنّه له فى القرآن، فقال تبارك اسمه «8»: «انّما عليك البلاع و علينا الحساب» و قال: «و لا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشىّ يريدون وجهة ما عليك «9» من حسابهم من شى ء و ما من حسابك عليهم من شى ء فتطردهم فتكون من الظّالمين».
(2) هكذا جرت
(16)- و فيها:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:50
فيها المحدّث و يغلط؛ مثل الحديث الذى احتجّ به الملحد و عابه و طعن على النّبىّ (ص)، قوله: «رايت ربىّ «1» فى أحسن صورة و وضع يده بين كتفىّ حتىّ وجدت برد أنامله بين ثندوتىّ «2»».
فانّه (ص) إنّما أراد أنّه «3» رآه فى المنام، لم يرد أنّه رآه فى اليقظة.(1/86)
و كيف يجوز أن يقول إنّه رأى ربّه، و اللّه عزّ و جل يقول: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «4»»؟ فأراد (ص) أنّه «5» رآه فى المنام. و مثل هذا الحديث رواه عبيد اللّه بن وهب عن عمرو بن الحرث «6» عن سعد بن أبى مالك عن مروان «7» بن عثمان عن عمارة بن عامر عن أمّ الطّفيل امرأة أبى بن كعب، قال: سمعت النّبىّ (ص) يذكر أنّه رأى ربّه فى المنام فى صورة شاب موفّر على فراش من ذهب فى رجليه نعلان من ذهب. و ليس هذا بمنكر أن يقول (ص):
رأيت ربىّ فى المنام؛ فانّ كثيرا «8» من الناس يرون مثل هذه «9» المنامات: يرون ربّهم و يرون الملائكة و يرون الانبياء و يرون القيامة و يرون الامور العظيمة؛ و هذا واسع كثير غير مدفوع، و ليس يقع فيه نكير من أحد من العالمين.
(4) و قرأت فى كتاب إشعياء النّبىّ «10»: أنّ إشعياء راى «11» رؤيا من بعد ارتفاع النّبوّة عنه بثلاث سنين، فى السنة التى (توفى) فيها عزّيّا «12» الملك «13» و قال «14»: رايت الرّبّ جالسا على منبر عظيم، و رأيت نورا خرج من اسفل منبره ملا «15» هيكله، و رايت السّرافين «16» قائما امامه، له ستّة أجنحة،
__________________________________________________
(1)- ربى: ابى A
(2)- ثندوتى: ثنذوتى A، ثندونى B
(3) انه: ان BA
(4)- و هو اللطيف الخبير:- BA
(5) فاراد (ص) انه: فاراد انه (ص)
(6)- الحرث: الحراث A المحرث B
(7) مروان: مرون C
(8)- كثيرا كثير: C
(9) هذه: فى C
(10)- النبى:- A
(11) رأى: رياى C
(12)- عزيا: عوريا CBA
(13) الملك: للملك CBA
(14) و قال: قال B
(15)- ملاء: فملاء B
(16) السرافين: السراقيل A،: السرافيل C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:51(1/87)
يستر وجهه بجناحين و بجناحين يستر رجليه و يطير بجناحين «1»، و يضيف «2» بعضها إلى بعض و يقول: «قدّوس قدّوس، ربّ الملائكة و الروح، قدّوس الرب القوىّ الذى الارض كلّها «3» ممتلئة من تسبيحه و تزلزلت معاقم الابواب من الصّوت الذى هتف، و امتلأ «4» البيت دخانا، و رأت عيناى الملك الرّبّ القوىّ». ثم ذكر أشياء كثيرة رآها «5» ثم فسّرها. و قرأت فى كتاب دانيال: رأى دانيال «6» رؤيا و حلم حلما و رأسه «7» على مضجعه، فكتب حينئذ رؤياه و قصّ مبتدأ «8» كلامه و بدأ بالقول، فقال: رأيت فيما يرى النائم باللّيل كذا، و رأيت كذا، و ذكر أشياء كثيرة ثم «9» عبّرها و فسّرها؛ و تطول الخطب بذكرها.
و قال فى آخرها: و من بعد هذه الأمور، رأيت كراسّى «10» قد وضعت، و عنيق الأيّام «11» قد جلس و لسانه أبيض كبياض الثّلج، و شعر رأسه كالقطن الابيض النّقّى، و كرسيّه كلهب «12» النّار، و دعائم كرسيّه و بكراته «13» من نار تتّقد؛ و رأيت نهرا من نار يجرى «14» بين يديه، و بين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه، و كتّاب لا تحصى «15»؛ و رأيت الدّيّان «16» قد جلس، و نشرت الأسفار؛ و رأيت على سحاب «17» السّماء كهيئة انسان، فانتهى «18» الى عتيق الأيّام و قدّموه «19» بين يديه. فخّوله الملك و السّلطان و الكرامة؛ و أن تتعبّد «20» له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات؛ و سلطانه دائم إلى «21» الأبد، و ملكه الى الابد لا يتغيّر. و ضاقت نفسى أنا دانيآل على
__________________________________________________
(1)- و بجناحين ... بجناحين:- A
(2) يضيف: كلمة لا تقرا فى النسخ الثلاثة، يهين A، يعيف B، يهيف C
(3)- كلها:- A
(4)- امتلا: امتلاء A
(5)- راها:- A
(6)- راى دانيال:- B
(7) و رأسه: فداسه C
(8)- مبتداء: مبتدا-- CB
(9)- ثم:- A
(10)- كراسى: كرسيا B، كرسى C
(11) عتيق الايام: عبق الانام A
(12)- كلهب: كلبهب A
(13) بكراته: بكراتها CBA-- بكراتها: بركراتها C
((1/88)
14)- يجرى: تجرى
(15)- تحصى: يحصر A، يحصى-- CB
(16) الديان: الذياب A
(17)- سحاب: الشهاب-- CA
(18)- فانتهى: و انتهى B
(19) و قدموه: فقدموه B
(20)- تتعبد: يتعبد CBA
(21)- الى:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:52
مضجعى، و غمّتنى الرّؤيا التى رأيت، فدنوت من خادم من الخدّام، و سألته عن تحقيق هذه كلّها، و قال لى يقينا، و أخبرنى «1» بتعبير رؤياى «2». ثم فسّر دانيآل تعبيرها، و قال فى آخرها: أربعة املاك تقوم فى الأرض و يرثون الملك؛ و المملكة الرّابعة، هى التى «3» تتفاضل على المملكات، و يملك «4» الارض كلها، و يدوسها، و يدقّها، و ينال الملك و السلطان العظيم، و العظمة «5» التى تحت السماء و الشّعب الظّاهر «6»؛ ملكه دائم الى الأبد، له يتعبّد كلّ سلطان و يطيع. الى هاهنا «7» انقضى «8» الكلام. فأمّا أنا دانيآل، فغمّتنى فكرتى «9» جدّا و تغير لون بهائى «10»، و لكنّى «11» حفظت الكلام فى قلبى.
فهكذا، هو من الحديث الذى ذكره «12» الملحد، و قال: إنّ فى التّوراة أنّ قديم الأيّام فى صورة «13» شيخ ابيض الرّأس و اللحية. فعاب الملحد هذا و أشباهه ممّا رآه «14» الانبياء فى مناماتهم «15». و هذه الرّؤيا «16»، أراد اللّه عزّ و جلّ «17»، أن يوحى بها الى دانيآل، ليخبر بما يكون «18» فى العالم «19»؛ فأخبر بذلك و صحّ ما ذكره. و ذكر «20» فى هذه الرؤيا أخبار ملوك كانوا بعده، و ما يحدث من أمورهم «21» و ممالكهم؛ (و) يطول شرحها. ثمّ أخبر بعد أخبارهم و قصصهم، بهذه القصّة التى أمرها أوضح من فلق الصّبح؛ لانّه قال: أربعة أملاك تقوم «22» فى الأرض و يرثون «23» الملك. فالا ملاك «24» الاربعة «25» هى أملاك أهل الاديان
__________________________________________________
(1)- و اخبرنى: اخبرنى B
(2) رؤياى: رؤيائى A
(3) هى التى: التى هى C
(4)- يملك: نملل A
(5)- العظمة: العظيمة A
(6)- الظاهر: الطاهر A
(7) هاهنا، ههنا A، هيهنا B
((1/89)
8) انقضى: انقضاء B، انقضا C
(9) فكرتى: فكرى C
(10)- بهائى: بها A، بهاى C
(11) لكنى: لكن B
(12)- ذكره: ذكره B
(13)- صورة: سورة B
(14)- رآه: رواه CA، رواه B،
(15) مناماتهم: مقاماتهم: B
(16) الرؤيا:- A- A، الروياء C
(17) عز و جل:- A
(18)- يكون: كان A
(19) فى العالم:- C
(20)- ذكر: ذكرنا A
(21)- امورهم: ادوارهم A
(22)- تقوم: تقدم C
(23) و يرثون: يرثون B
(24) فالاملاك: فاملاك B، فلاملاك C
(25) الاربعة: الارض B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:53
الاربعة، اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة و الاسلام. و المملكة الرّابعة التى ذكر أنّها تتفاضل على المملكات، هى مملكة الاسلام «1»، و هى التى ورثت الملك فى هذا العالم. فأمّا الممالك كلّها فى العالم، فهى «2» تحت هذه الممالك الاربع، و منها انشعبت كلّها. و مملكة الاسلام التى هى الرّابعة «3»، قد علت عليها؛ كما قال: «إنّ الرّابعة تتفاضل على المملكات «4»، و تملك الارض كلّها، و تدوسها، و تدقّها؛ و ينال الملك، و السلطان العظيم، و العظمة «5» التى تحت السّماء، و الشّعب الظّاهر؛ ملكه دائم إلى الأبد؛ و له يتعبّد كلّ سلطان و يطيع». فهذه المملكة الرابعة، هى مملكة الاسلام؛ و قد داست الأرض، و دقّتها، و قهرت كلّ شريعة. و كسرت الأصنام، و تعبّد لها كلّ سلطان؛ و هى دائمة الى القيامة.
و الذى رآه على سحاب السّماء كهيئة انسان و قدّم إلى «6» عتيق «7» الأيّام، و خوّله الملك و السلطان و الكرامة، و أن يتعبّد «8» له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات، و سلطانه دائم «9» الى «10» الأبد، و ملكه لا يتغيّر، هو محمّد صلّى اللّه عليه و على آله «11»؛ لانّ شريعته قد قهرت جميع الشّرائع، و سلطانه دائم الى الابد.(1/90)
فهذا هو كتاب دانيآل، و هو فى يدى أهل الكتاب، يقرأونه «12» و يدرسونه، و لا ينكرونه؛ و لكن، قد عميت قلوبهم عن هذا «13» الامر الواضح؛ و هذا أقوى الدّلالات على نبوّة محمّد (ص)، و على سائر «14» النّبوّات، و هذا ما عاب
__________________________________________________
(1)- و المملكة الرابعة ... الاسلام:- A
(2)- فهى: هى CBA
(3)- الرابعة: رابعها B
(4)- المملكات: المملكة A
(5)- العظمة: العظيمة A
(6)- الى: يوم B
(7)- عتيق: عتق A
(8)- يتعبد: يستعبد A
(9)- دائم: دائما C
(10) الى:- A
(11)- صلى الله ... آله:- A- A، صلع C
(12)- يقرأونه: يقرؤنه BA، يقرونه C
(13)- هذا: هذه C
(14)- سائر: سائرات B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:54
به الملحد. و انّما كانت رؤيا أراها اللّه دانيآل فى نومه، و صحّت كما ترى؛ و لكنّ الملحد قصد «1» الى موضع التشنيع، و ذكر الفاظا شنّع بها، و لم يعرف القصّة بعينها؛ و إن كان قد سمعها بكمالها، فقد حبل «2» تأويلها، و كتم ذلك عنادا منه و كفرا. و هذا «3» حجّة عليه فى اثبات النّبوة أكيدة، لا يدفعها إلا مباهت و لا ينكرها الا معاند. و حديث النبى (ص) الذى طعن عليه الملحد، هو رؤيا، كما قد «4» ذكرنا؛ و هو «5» «6» مشاكل «7» لرؤيا دانيآل و لرؤيا إشعياء، فى رؤية اللّه عز و جل «8». و ليس ذلك «9» بمنكر، و لا فيه مطعن و لا حجّة للملحد.
__________________________________________________
(1)- قصد:- A
(2)- حبل: حل CA، حيل B
(3)- هذا: هذه-- CB
(4)- قد:- BA
(5) هو: فهو CBA
(6) هو:- B
(7) مشاكل: شاكل A
(8)- عز و جل:- A- A، ع ج C
(9) ذلك: بذلك C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:55
الفصل الخامس انّ «1» أهل الشرائع اذا طولبوا «2» بالدّليل شتموا!
((1/91)
1) و أمّا قوله: إنّ أهل الشرائع إذا طولبوا بالدّليل على دعاويهم، شتموا و غضبوا و هدروا «3» دم «4» من يطالبهم؛ فمن أجل «5» ذلك، اندفن الحقّ أشدّ اندفان و انكتم أشدّ انكتام «6».
فإنّا نقول: لا تخلو «7» كلّ أمّة «8» من أخلاط النّاس، و لا يكملون «9» قاطبة فى العقل و الفهم و المعرفة و الحلم. و ليس يجوز أن تطالب «10» الأمّة كلّها أنّ يكونوا تامّين فى هذه الخصال، مع كثرة عددهم الذى لا يحصيه الا اللّه عزّ و جلّ «11»؛ لانّ العالم قد امتلأ من أهل الشّرائع، و هم مجبولون على طبائع «12» مختلفة و أخلاق شتّى.
ففيهم «13» الكامل و النّاقص، و العالم و الجاهل، و السّفيه و الحليم، و العاقل و الاحمق؛
__________________________________________________
(1)- ان:- C
(2) طولبوا: طلبوا C
(3)- هدروا: هددوا-- CA
(4) دم:--- CA
(5) اجل:- B
(6)- انكتام: انكتمام B
(7)- تخلو: يخلو CBA
(8) كل امة: كلامه BA
(9) يكملون: يتكلمون A، يكلمون C
(10)- تطالب: يطالب C
(11)- عز و جل:- A
(12)- طبائع: طباع A
(13)- ففيهم: فمنهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:56(1/92)
بل، أهل العقل و العلم و الحلم و المعرفة، هم الأقّلون عددا فى كلّ شريعة؛ و اشتملت الشّرائع على هذه الطّبقات من النّاس، على تفاوت آرائها و مذاهبها؛ و ليس فى رسم الشّرائع، أن لا يقبل إلّا الكامل العاقل الدّيّن «1» اللّبيب، و أن يطرد عنها من نقص عن هذه المراتب؛ و لا توجب الدّيانة «2» ذلك، بل يقبلون على مراتبهم و يعلّمون «3» ما يحتاجون اليه من أمر دينهم، و يؤمرون «4» و ينهون و يراضون؛ ثمّ حسابهم على اللّه عزّ و جلّ «5»، يجازى كلا «6» بعمله، و على مقدار قبوله الأمر و النّهى، و سعيه لأمر معاده؛ اذ كان اللّه عزّ و جلّ «7»، يستعبد الأنام على مقدار عقولهم و وسعهم و طاقتهم؛ ثمّ هو أعلم بما يستوجبون من الثّواب و العقاب و إنّه عليم بذات الصّدور؛ كما أمر به رسوله محمّدا (ص)، و سنّه له فى القرآن، فقال تبارك اسمه «8»: «انّما عليك البلاع و علينا الحساب» و قال: «و لا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشىّ يريدون وجهة ما عليك «9» من حسابهم من شى ء و ما من حسابك عليهم من شى ء فتطردهم فتكون من الظّالمين».
(2) هكذا جرت السنّة فيمن تقدّم من الأنبياء، كما قال اللّه عزّ و جلّ «10» فى قصّة نوح (ع) لمّا عيّره قومه باتّباعه، و قالوا له. «انؤمن لك و اتّبعك الارذلون» قال لهم «و ما علمى بما كانوا يعملون ان حسابهم الّا على ربىّ لو تشعرون و ما «11» أنا بطارد المؤمنين» فقد دلّ «12» أنّهم لم يطردوا أتباعهم، و ان قلّت معرفتهم، و ضعفت عقولهم؛ بل، علّموهم و بلّغوا رسالات اللّه،
__________________________________________________
(1)- الدين: الذين A
(2)- الديانة:- C
(3)- يعلمون: يعملون C
(4)- يؤمرون: يؤمرن B
(5) عز و جل:- A
(6) كلا: كل C
(7)- عز و جل:- A
(8)- اسمه: له A
(9)- عليك: يمدك- A
(10)- عز و جل:- A
(11)- ما:- B
(12) دل: دلك C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:57(1/93)
و وكلوا أمرهم «1» إلى اللّه. فاشتملت الشّرائع على طبقات النّاس. و ليس «2» فعل السّفهاء الذين يسيئون آدابهم، بحجّة للملحد «3» على العلماء و ذوى الالباب. فانّ أهل العلم و «4» المعرفة لا يدفعون النّظر، و لا يكيعون عن الحجج و البراهين؛ و لكنّ الملحد أراد أن يستظهر بهذه الدّعاوى، و يحتجّ بما لا حجّة له فى إبطال النّبّوة. و لو وجد الملحد على اعتقاده و أصل مقالته أتباعا «5» يكون لهم أدنى «6» عدد «7»، لكانوا لا يخلون من «8» هذه الأخلاق التى قد جبل عليها عوامّ النّاس؛ لأنّ الجميع إذا كثر، لم يخل من هذه الطّبقات؛ و لكنّ الملحد لم يجد من تابعه على مقالته و أصل اعتقاده، إلّا من ينقص عددهم عن عدد أصابعه. و مع ذلك، فقد ماتت مقالته قبل موته؛ إذ «9» كان الباطل لا قوام له «10»، و لا ثبات؛ كما قال اللّه تعالى: «وَ «11» مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ «12» مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ».
__________________________________________________
(1)- امرهم:- B
(2) ليس: هذا A
(3)- للملحد: الملحد A
(4)- العلم و:- A
(5)- اتباعا: اتناعا A
(6)- ادنى: ادنا C
(7) عدد: عددا C
(8) من هنا ساقط من C بمقدار صفحه تبداء من: و لكن الملحد ...
(9)- اذ: اذا B
(10) له:- B
(11)- تعالى و:- A
(12) خبيثة اجتثت خبيثة ن اجتثت B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:58
الفصل السادس «1» قوله: اغترّوا بطول لحى التّيوس ...
((1/94)
1) و أمّا قوله: اغترّوا بطول لحى التّيوس، الذين يمزّقون حلوقهم بالّزور و البهتان و روايات الأخبار المتناقضة التى ذكرها، و أنّهم اغترّوا بكثرة الحمقاء المجتمعين «2» حولهم من ضعفاء الرّجال و النّساء و الصّبيان، و طول المدّة حتّى صار طبعا و عادة، و أنّهم يفعلون ذلك ليبلغوا مبلغ رؤسائهم التّيوس، فليس فى هذا الكلام فائدة و لا حجّة؛ بل، هو جنس من الحمق و السّفاهة. و لو شئنا لقابلناه بمثله، و طوّلنا القول بصفته و صفة أمثاله من الملحدين، الذين هم [على ] مثل أخلاق القردة و الخنازير؛ و لكنّا نكره أن نجرى مجراه فى باب السّفاهة و الحمق، فنكون قد نهينا عن شى ء و آتيناه؛ كما قال اللّه تعالى «3»: «اتأمرون النّاس بالبرّ و تنسون انفسكم «4»».
__________________________________________________
(1)- لا يزال الكلام تحت عنوان الفصل السابق فى نسخة A
(2)- المجتمعين: لمجتمعين B
(3)- تعالى:- A
(4)- انفسكم: ... رسوم:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:59
(2) و لكنّا نقول: لولا هذه القوّة التى هى فى الشّرائع و فى رسوم الأنبياء و كلامهم، التى صدّرت أصحاب هذه اللّحى فى هذه المجالس، لكان عيش الكلاب أهنى من عيش الملحدين. و لكنّ تلك «1» القوّة هى «2» التى أقرّت رؤوسهم «3» على كواهلها، و حقنت دمائهم فى أهبها. فان قال قائل:
إنّ قولنا له «الملحد» هو من باب السّفاهة، قلنا: ليس كذلك؛ لأنّ الإنسان يكون ملحدا و لا يكون تيسا «4». فاذا سمّى أحدهم الاخر تيسا، فقد سبّه.(1/95)
و إذا سمّاه ملحدا، و كان ملحدا، فلم يسبّه؛ و لكن نسبه إلى مقالته؛ كما يقال مسلم و يهودىّ و نصرانىّ و مجوسىّ و ديصانىّ «5» و منّانىّ «6» و غير ذلك. فكلّ إنسان يدعى بما يعتقده؛ و على هذه الجهة «7»، قلنا «ملحد». و إن قال: إنّا ذكرنا القردة و الخنازير، قلنا: ليس هذا المقدار يستوجب من الجواب هذا المقدار ...؟ ... حين أسبّ أعلام الشريعة و مشايخها ابتداء؟! و لا عيب علينا إذا كان الجواب هذا المقدار، إلّا أن نعاتب «8» على التّقصير و المحاباة «9»؛ قصدا «10» منّا للاقتصار «11»، و تركا للتّطويل و اجتنابا للسفّاهة؛ و نستغفر اللّه من ذلك.
__________________________________________________
(1)- تلك:- A
(2) هى:- A
(3)- رؤوسهم: رؤسهم B
(4)- حتى «لا يكون تيسا» تنتهى الصفحة الساقطة من C
(5)- ديصانى: نصابى C
(6) منانى: مانى BA
(7)- الجهة: الحجة A
(8)- نعاتب: يعاتب C
(9)- المحاباة: المحابات B
(10) قصدا: و قصدا: A
(11) للاقتصار: للاقتصاد A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:60
الفصل السابع قوله: اندفن الحقّ أشدّ اندفان ...!
(1) و أمّا «1» قوله: اندفن الحقّ أشدّ اندفان و انكتم أشدّ انكتام، فإن كان «2» هذا الحقّ الذى اندفن و انكتم، هو النّظر فى أصول هؤلاء الضّلّال الذين تشبّهوا بالفلاسفة المحقّين، حتّى قبّحوا أمرهم عند «3» العامّة «4» بوساوسهم و أباطيلهم التى تدعو «5» إلى الألحاد، فانّ تلك «6»، ظاهرة مكشوفة مبذولة لكلّ حاذق و قاذف؛ و هى غير مندفنة و لا مكتومة «7»؛ و اختلافاتهم و قوانينهم «8» المتناقضة غير معدومة؛ و لكن، ليس فيها برهان «9» واضح تقبله «10» العقول، و لا قوّة كامنة فتجتذب القلوب. و الرّاغبون فيها، على مقدار قوّة ذلك الكلام؛ و ليس هو كقوّة كلام الأنبياء (ع) و الكتب المنزّلة التى قد جذبت قلوب الخلائق من الخاصّ و العامّ، و العالم و الجاهل؛ و كثير ممّن قبل كلام الأنبياء(1/96)
__________________________________________________
(1)- و اما: فاما B
(2) كان:- A
(3)- عند: عنك C
(4) العامة: العام B
(5)- تدعو: يدعون C
(6) تلك: اشارة الى الاصول
(7)- مكتومة: مكنونة C
(8) قوانينهم: قوانيهم B
(9)- برهان:- A
(10) تقبله: يقبله B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:61
و الكتب المنزّلة، لا يعرفون «1» ما فيها؛ و لكنّ تلك القوّة «2»، جمعت الأنفس على محبّتها؛ حتّى جعلوها شعارهم و دثارهم، و حلّت فى قلوبهم، و جذبتها إلى قبول «3» ذلك، كما تجذب «4» القوّة التى فى حجر المغناطيس الحديد. فكذلك فى الكتب المنزّلة «5»، قوّة كامنة مستسّرة فيها، تجذب القلوب «6»؛ حتى قد صارت كتب الأنبياء (ع) مثل الطّلسمات فى العالم. و سوف نشرح هذا الباب فى موضعه و نذكر فى جواب قول الملحد «7» فى باب الألف و العادة، ما يجب إن شاء اللّه تعالى «8».
__________________________________________________
(1)- يعرفون: يعرفوا C
(2) القوة:- A
(3)- قبول:- A
(4) تجذب: يجذب C
(5)- المنزلة: المنزلات C
(6) القلوب:- B
(7)- جواب ... الملحد: جوابه A
(8)- تعالى:--- CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:62
الفصل الثامن قوله فى الضّعفاء من الرجّال و النّساء ...!(1/97)
و أمّا قوله فى الضّعفاء «1» من الرّجال و النّساء و الصّبيان، و اجتماعهم على رؤساء «2» أهل الملّة، فانّ هذه الطّبقات من النّاس، إن كانت «3» أنفسهم لا تتخلّص من كدورة هذا العالم، حتّى ينظروا فى الفلسفة، على ما ادّعاه الملحد، فإنّ الحكيم الرّحيم قد ظلمهم- عزّ و تعالى عن ذلك- حين لم يرزقهم عقولا تامّة قويّة تضبط الفلسفة، و تقدر على النّظر فيها؛ حتى تتخلّص من كدورة هذا العالم. و لا يجوز فى حكمته و علمه أن يعين هذه الأنفس على أن تتجبلّ فى «4» هذا العالم، و تتّحد بهذه الأجساد الكدرة، و تقع فى هذا البلاء العظيم؛ فيلزمون النّظر فى أمور يعجزون عنها، و يكلّفون طلب ما لا يطيقونه. فاذا لم يفعلوا، تركهم يكرّون فى هذا العالم و يشقون فيه «5»، على أصل مقالة الملحد. و هذا ظلم، و تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا؛ لأنّا
__________________________________________________
(1)- الضعفاء: الضعفى C
(2)- رؤساء: رؤس A
(3) ان كانت: انكانت B
(4)- فى:- C
(5)- فيه:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:63(1/98)
نجد دهماء النّاس فى هذه الأقاليم التى نشاهدها «1»، و كافّة الأمم فى سائر الأقاليم و الجزائر من أهل الألسنة المختلفة، لا يدرون ما الفلسفة، و لا يعرفون «2» كيفيّتها و حقيقتها، فضلا عن النظر فيها؛ إلا قليلا «3» من النّاس من أهل اللّغة العربيّة أو اليونانيّة «4»، و لو عدوّا لسهل «5» تعدادهم؛ و سائر الخلائق «6»، سبيلهم ما «7» قد ذكرنا، و نعتدّ فى ذلك بما نشاهده. فأين الفلسفة بلسان الفرس، و بلغاتها المختلفة فى بلدانها «8»؛ و هكذا سبيل سائر «9» الأمم. فأمّا النّساء و الصّغار من النّاس الذين لم يبلغوا الاستعباد، و الضّعفاء من البالغين فى جميع الأمصار و المدن فيما قرب و بعد، فأنت يائس منقطع الرّجاء أن يرتاضوا بالفلسفة، أو تبلغها عقولهم؛ لانّا لا نجد فيلسوفات و لا ولدانا و لا ضعفاء من النّاس متفلسفين «10»؛ و الموت يجرى عليهم.
(2) و حكم الامم التى فى أطراف الأرض من أصناف العجم مثل الدّيلم و التّرك و الزّنج و الحبشة و سائر الاقاليم، حكم من نشاهده. فان كان الحكيم الرحيم حرمهم ذلك، و منعهم تلك القوّة و بخل عليهم بتلك الآلة، حتى عجزوا عن النّظر فى الفلسفة، ثم إذا ماتوا، يعينهم على التّجبل فى هذا العالم و العود إليه على مذهب الملحد، انّهم يكرّون «11» فيه أبدا حتى ينظروا فى الفلسفة، فتصفو أنفسهم، فإنّ هذا ظلم غير جائز فى حكمة الحكيم و رحمة
__________________________________________________
(1)- نشاهدوها: يشاهدوها C
(2)- يعرفون: يعرفوا C
(3)- قليلا: قليل-- CB
(4)- اليونانية: اليانونية C
(5) لسهل: فسهل A
(6) الخلائق: الخلق A
(7) ما:- A
(8)- بلدانها: بلد A
(9)- سائر:- B
(10)- متفلسفين: متقلفسين C
(11)- يكرون: يكررون B، يكرهون C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:64(1/99)
الرحيم، حين لم يلهمهم كافّة ما يحتاجون اليه فى أمر دينهم و دنياهم طبعا و فطنة، و قد اختار لهم أعسر الأمور و حرمهم أيسرها؛ و هو خلاف ما ادّعاه الملحد، أنّ الحكيم اختار لهم أيسر الأمور، و لم يكلّفهم الأعسر، و الهمهم هذه الأسباب طبعا، و زعم أنّه لا يجوز فى حكمة الحكيم النّاظر لخلقه، إذا وجد السّبيل إلى أيسر الأمور، أن يكلّفه «1» عباده، فيدع ذلك و يكلّفهم الأعسر «2»؛ يريد بذلك، أنّه لم يكلّفهم طاعة الأنبياء و الرّسل، فانّها «3» أعسر الأمور؛ و لكن ألهمهم ما يحتاجون اليه، ليدركوه بطباعهم. فأين ما ألهم هؤلاء الضّعفاء من الرّجال و النّساء و الولدان، و هذه الأمم التى ذكرناها؟ أو ليس ما يدين به أهل الشّريعة، أولى بحكمة الحكيم و رحمة الرّحيم، و أيسر الأمور التى اختارها لبرّيته؟ لانّ أهل الشّريعة قالوا: إنّ الخلائق كلّهم مستعبدون، مأمورون، منهيّون «4»، مجازون «5» بأعمالهم على قدر نيّاتهم و اجتهادهم، و إنهم لا يكلّفون ما لا يطيقون؛ و إنّ الضّعفاء من الرّجال و النّساء و الولدان الذين ليس «6» فى وسعهم الطّلب و البحث، لم يكلّفوا ذلك؛ بل، كلّفه العقلاء الأقوياء؛ فاذا قصّروا «7»، عوقبوا؛ و اذا اجتهدوا، أثيبوا؛ و اذا عجزوا، فقد وعد اللّه أن «8» يعفو «9» عنهم؛ و بهذا نطق القرآن، قال اللّه عزّ و جل «10»:
إِنَّ «11» الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ «12» كُنْتُمْ
__________________________________________________
(1)- يكلفه: يكلف B
(2) الاعسر: الا A
(3)- فانها: فانه-- CA
(4)- منهيون: و B
(5) مجازون: مجازورن B
(6)- ليس: لهم C
(7)- قصروا: قاصروا A
(8)- ان: انه C
(9) يعفو: يعف C
(10)- عز و جل:- A- A، ع ج C
(11) ان:- B
(12)- فيم: افيم B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:65(1/100)
قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ «1» عَنْهُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً «2»»
(3) فهذا شرطه عزّ و جل على بريّته و لبريّته على لسان رسوله محمّد (ص) الذى جعله سببا بينه و بين خلقه. و هذا أشبه بحكمته و رحمته، و أولى به؛ و هو أيسر الأمور عليهم من الذى ادّعاه الملحد. و إذا كان الأمر هكذا، فانّ الضّعفاء من الرّجال و النّساء و الولدان، هم معذورون فى اجتماعهم على رؤساء أهل الملّة، و الأخذ عنهم مقدار ما يطيقون «3» ممّا يرجون به خلاصهم «4» من وبال هذا العالم، و جائز لهم التّقليد اذا لم يستطيعوا حيلة و لم يهتدوا سبيلا. و تقليدهم لهؤلاء الرّوساء أولى من تقليدهم للمتفلسفين؛ لانّ الرّؤساء «5» من أهل الشرائع، يرغبون فى الثواب العظيم على العمل الصالح، و يرهبون من العذاب الأليم على الظلم و الفساد: و الرؤساء المتفلسفون «6» من أهل الالحاد «7»، فلا رغبة عندهم و لا رهبة. فأىّ الأمرين أولى بالاحتياط: الاقتداء برؤساء أهل الشّريعة و الأخذ بالحزم و تقليدهم ايّاهم، أم الافتداء بالملحدين و تقليدهم فى إهمال الأمر؟! و أىّ الأمرين أشبه بحكمة الحكيم و رحمة الرّحيم: ما ادّعاه الملحد، أم ما ادّعاه أهل الشريعة؟! كلّا لاوزر للملحد من هذا و لا محيص؛ و ليس فى احتجاجه باجتماع الضّعفاء من الرّجال و النّساء و الولدان «8» على «9» رؤساء أهل الملّة، برهان على إبطال النّبوّة. __________________________________________________
(1)- يعفو: يعفوا C
(2) غفورا:- C
(3)- يطيقون: يطيقونه C
(4)- خلاصهم: صلاحهم-- CB
((1/101)
5)- اولى ... الروساء:- B
(6)- المتفلسفون: المتفلسفين-- CB
(7) الالحاد: الحاد B
(8)- الولدان: والدان A
(9) على: عن C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:67
الباب الثّالث
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:69
الفصل الاول قوله الآن ننظر فى كلام القوم و تناقضه
(1) و أمّا قوله: الآن ننظر فى كلام القوم و تناقضه- يعنى بذلك كلام الأنبياء (ع)- و قال: زعم عيسى أنّه ابن اللّه، و زعم موسى أنّه لا ابن «1» له، و زعم محمد أنه مخلوق كسائر الناس، و مانى و زرهشت خالفا موسى و عيسى و محمدا «2» فى: القديم، و كون العالم، و سبب الخير و الشرّ، و مانى خالف «3» زرهشت فى الكونين و عللهما «4»، و محمّد زعم أنّ المسيح لم يقتل، و اليهود و النّصارى تنكر ذلك و تزعم انّه قتل و صلب؛ و ذكر هذه الأبواب و خلطها بحشو كثير من دعاوى المجوس و الثّنويّة و بدعهم؛ ثم قال: إنّ اليهود قالت إنّ موسى قال: إنّ اللّه قدير غير مؤلّف و لا مصنوع، و إنّه لا تنفعه المنافع و لا تضرّه المضارّ؛ و إنّ فى التّوراة: أن يوضع الشّحم على النار ليشمّ الرّيح منه الرّبّ «5»،
__________________________________________________
(1)- ابن: بن C
(2)- محمدا: محمد C
(3)- خالف: خالق A
(4)- عللهما: عالمهما B
(5)- الريح ... الرب: لمذبح سنة C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:70
و أنّ فى التّوراة «1»: أنّ قديم الأيّام فى صورة شيخ أبيض الرّأس و اللّحية؛ و فيها: ما لكم تقرّبون الّى كلّ عرجاء و عوراء «2» أتراكم لو أهديتم «3» ذلك الى أصدقائكم قبلوه «4» منكم الأصحيحا؟ و فيها:(1/102)
اتّخذوا الىّ بساطا من ابريسم «5» دقيق «6» الصّنعة و خوانا من خشب الشّمشار «7». ثم قال الملحد: هذا، بكلام أهل الفاقة أشبه منه بكلام الغنىّ الحميد. و ذكر أشياء كثيرة ممّا «8» هى فى التّوراة و عابها «9». و قال: زعمت النّصارى أنّ عيسى قديم غير مربوب، و أنّه قال: جئت لاتمّم التّوراة، ثم نسخ شرائعها و بدّل قوانينها و أحكامها. و أنّ النّصارى زعمت أنّه آب و ابن و روح القدس. و ذكر ما تدّعيه المجوس عن زرهشت فى باب أهرمن «10» واهر «11»، و ما ادّعاه مانى: أنّ الكلمة انفصلت من الآب و مزّقت الشّياطين و قتلت، و أنّ السماء من جلود الشياطين، و أنّ الرّعد جرجرة «12» العفاريت «13»، و أنّ الزّلزلة تحرّك الشّياطين تحت الارض، و أنّ مانى رفع سابور الذى عمل له «الشّابرقان» «14» فى الجوّ، و أخفاه حينا هناك، و أنّ مانى كان يختطّف من بين «15» أيديهم بروحه «16» يحاذى «17» به عين الشّمس، فربّما «18» مكث ساعة و ربّما مكث أياما.
فأورد مثل هذه المحالات التى ابتدعها المبتدعون فى المجوسيّة «19»
__________________________________________________
(1)- ان يوضع ... التوراة:- A
(2)- عوراء: عورى C
(3)- اهديتم: اهتديتم A
(4) قبلوه: ما قبلوه BA
(5)- ابريسم ابريشيم C
(6)، دقيق: رقيق B
(7)- الشمشار الشمشاد A
(8)- مما: ما C
(9) عابها: عاب بها C
(10)- اهرمن: هرمن C
(11) اهر: اهن BA
(12)- جرجرة: جرحرة C
(13)، العفاريت: العقاريب C
(14)- الشابرقان: الشامرفان A، الشايرقان B
(15)- بين: عين A
(16)، بروحه: لروحه A
(17) يحاذى: يتعاذى A
(18) فربما:- A- A، فهما C
(19)- المجوسية، للمجوسية A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:71
و المنّانيّة «1» و خلطها بما «2» فى الكتب المنزّلة و آثار الأنبياء، و أضافها الى «3» رسل اللّه الطّاهرين الذين هم «4» براء من كلّ ذلك.(1/103)
و زعم «5» أن هذا، من رسومهم، و أنّ هذا اختلاف و تناقض فى كلامهم؛ و احتجّ بذلك فى دفع «6» النّبوّة، و أراد أن يستظهر بهذه المخاريق و الخرافات، و يقوّى كلامه بهذه الاباطيل و السّخافات. و لعمرى قد افتقر من أراد أن يطفئ نور اللّه بالمحالات «7» التى تدّعيها «8» المنّانيّة «9» و الزّنادقة و غيرهم من الضّلّال فى كل أمّة؛ «و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون»
فنقول «10» فى جوابه:
(2) أمّا الذى ذكره عن المجوس و المنّانيّة «11»، فانّ الملحد قصد فى ذلك «12» التّشنيع على أهل الملل؛ و ليست له حجّة فى ايراد تلك المحالات «13» التى ابتدعها المنّانيّة «14» و المجوس «15» على إبطال النّبوّة؛ فإنّ تلك بدع من الضّلّال، مثلها ينسب الى الفلسفة؛ و سنذكره «16» فى موضعه ان شاء «17» اللّه تعالى «18».
(3) فأمّا الذى ذكره «19» أنّه فى التّوراة و فى الانجيل «20» و فى غيرهما من الكتب المنّزلة، و ما ادّعاه من التّناقض فى القرآن، فانّ أكثر ذلك أمثال مضروبة، منها ما «21» معانيها واضحة «22»، و منها مستغلقة؛ و ليس هناك «23» اختلاف و لا تناقض؛ و هو كله
__________________________________________________
(1)- المنانية: المانية BA
(2) بما:- A
(3)- الى: الر C
(4)، الذين هم: الذينهم BA
(5)- زعم: قال B
(6)- دفع: رفع A
(7)- المحالات: المجادلات
(8) تدعيها:- A
(9)- المنانية: المانية BA
(10)- فنقول:- B، نقول-- CA
(11)- المنانية: المانية BA
(12)- ذلك: فى A
(13) المحالات: المحلاب C
(14)- المنانية المانية BA
(15) المجوس: المجوسية B
(16)- سنذكره: سنذكر A
(17) ان شاء: انشاء B
(18) تعالى:--- CA
(19)- ذكره:- B
(20) فى الانجيل B
(21)- منهاما: ما A فيهاما C
(22)- واضحة: واضحات A
(23)- هناك: B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:72(1/104)
حقّ و صدق؛ و أنّ الانبياء لم يختلفوا. و كلامهم «1» الذى يقدّره الجهّال «2» أنّه متناقض، فانّه و إن اختلفت «3» ألفاظه، فانّ المعانى فيه متّفقة؛ لانّ الانبياء و الحكماء، كان أكثر كلامهم مرموزا، و كانوا يخاطبون الامم بالحكمة، و يضربون الامثال؛ فيسمعها الخاصّ و العامّ، فيعقل ذلك عنهم العلماء و الخواصّ الذين كانوا يقفون على أسرار «4» الأنبياء (ع)، ثم يعلّمون المستحقين من النّاس؛ ليكون فى النّاس عالم و متعلّم و خاصّ و عامّ، و ليكون الامتحان قائما فيهم بذلك. و من نظر فى ظاهر ألفاظهم و لم يعرف معانيها، حكم فيه بالتناقض و الاختلاف.
(4) هكذا «5» كانت «6» رسوم الأنبياء (ع)؛ و هو الاصل الصّحيح الذى كان يعتقده العلماء فى كل ملّة، من مضى منهم فى الشّرائع القديمة «7»، و من غبر فى هذه الأمّة «8». و بهذا نطقت «9» الكتب المنّزلة، و دلّت عليه جميع كتب الحكماء و به أخبر العلماء. و هذه شريطة موجودة أيضا فى كتب الفلاسفة الحكماء المحقّين؛ ففيها «10» كلام مغلق، يحتاج المتعلم فيه الى من يحلّه له، حتى يصل الى معرفته و من جهله و قال فيه برأيه، أخطأ فيه؛ حتى اختلفوا «11» و تقولوا «12» على القدماء و طعنوا «13» عليهم فى مذاهبهم؛ كما اختلفوا فى أمر أرسطاطاليس، فمنهم من قضى عليه فى كلامه أنّه موحّد، و قضى آخرون بغير ذلك؛ هذا حين جهلوا رموز كلامه فسبيل الكتب المنّزلة و كلام الانبياء (ع) و الاخبار التى رويت عنهم على ما ذكرنا «14».
__________________________________________________
(1)- كلامهم: كلامه A
(2) الجهال:- B
(3)- اختلفت: اختلف A
(4)- اسرار: اسرارهم C
(5)- هكذا: هذا C
(6) كانت: كان CBA
(7)- القديمة: القائمة A
(8)- الامة و بهذه الكتب المنزلة B
(9) نطقت: نطق B
(10)- ففيها: و فيها CBA
(11)- اختلفوا: يختلفوا: A
(12) تقولوا: يتقولوا A
(13) طعنوا يطعنون B
(14)- ذكرنا: ذكرناه A(1/105)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:73
(5) و يجب أن ينظر «1» فى شأن هذه الكتب المنّزلة و أخبار الأنبياء (ع) التى ادّعى الملحد أنّها مستحيلة، و أنّ فيها تناقضا؛ فان كان من تنسب اليه هذه الاخبار صادقا عاقلا مميزا عند أهل زمانه، فالامر فيه على ما ذكرنا. و إن كان من تنسب اليه هذه «2» الكتب و تسند اليه هذه الاخبار كذوبا مجنونا معتوها عند أهل زمانه لا يعقل ما يقول، جاز أن يحكم فيها بالتّناقض و الكذب، على «3» حسب ما ادّعى الملحد؛ لأنّه لا يجوز أن يورد العاقل المميز الكامل كلاما متناقضا و قولا مستحيلا يخالف بعضه بعضا، و لا يجوز أن يكون عاقل مميز «4» يشهد لغيره بالصّدق و النّبوّة، و يزعم أنّه على منهاجه و أنّه يريد أن يشيّد بنيانه، ثم ينقض كلامه و يهدم بنيانه، مثل ما ادّعاه الملحد من تناقض كلام الأنبياء و الخلاف من بعضهم على بعض و هدم بعضهم «5» بنيان بعض. فان كان «6» الائمّة الذين أخذت عنهم هذه الكتب و رويت عنهم هذه الاخبار، مثل: موسى و عيسى و محمّد (ع) معروفين بالجهل و الغباوة و الحمق و الجنون، فالقول فيه ما قال الملحد- و نعوذ باللّه أن يكون كذلك- بل، الائمّة الذين «7» يقتدى بهم أصحاب الشّرائع، مثل موسى و عيسى و محمّد و غيرهم من الانبياء (ع) كانوا مشهورين بالكمال و العقل و التّمييز و السيّاسة و الجمع لكلّ خلق محمود؛ و كيف لا يكون كذلك مع سياستهم للأنام و جمعهم إيّاهم على شرائعهم؛ و كما اتفقت الامم التى شاهدت محمدا «8» (ص) أنّهم «9» وجدوه تاما فى عقله و حلمه و أناته و تدبيره، و سياسته للخاصّ و العامّ، و كماله فى جميع الخصال التى يحتاج اليها
__________________________________________________
(1)- ينظر: ننظر BA
(2)- هذه هذه C
(3)- على: على ما B
(4)- عاقل مميز: عاقلا مميزا-- CA
(5)- هدم بعضهم: هدم بعض A
(6) فان كان: فانكانت B
(7)- الذين: التى C
(8)- محمدا: محمد C
(9) انهم: ننهم A(1/106)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:74
السّائس للبّرية.
(6) فاقرّت قريش أنّهم وجدوه أكمل أهل دهره «1»، و أجمعهم للخصال الحميدة؛ و كانت قريش تسّميه «الصّادق «2» الامين» قبل أن قام بالنّبّوة؛ حتى: إنّهم لما اجتمعوا لبناء البيت، لانّه كان قد انتقض بناؤه «3»، فحضر من كلّ بطن من بطون قريش رؤساؤهم «4» و تعاونوا على بنائه؛ لكى لا تكون «5» تلك «6» المنقبة لبعضهم دون بعض. فلمّا أرادوا أن يضعوا الحجر الأسود موضعه، اختلفوا و تنافسوا «7» فى ذلك، ثم اتّفقوا على محمّد (ص) و قالوا «8»:
رضينا بحكم «9» الأمين. فحضر (ع) و أمر أن يبسط ثوب و يوضع عليه الحجر، و أن يأخذ رئيس كلّ قبيلة طرفا «10» من الثّوب، ثمّ يرفعوه معا «11»، ففعلوا، ثمّ تناوله هو (ص) فوضعه فى موضعه؛ فرضوا بذلك ثقة منهم به، و اعتمادا على رأيه و أمانته و عقله و صدقه؛ و بذلك كانوا يعرفونه حتى ظهر بالنّبّوة.
(7) فلمّا ظهر بالنّبّوة و عاب دينهم، و ما كانوا يعبدونه «12» من دون اللّه، عادوه و و نابذوه و قالوا: يا محمد إنّا عرفناك صدوقا «13» أمينا، فما هذا الذى قد أتيتنا به؟! فأنزل اللّه تعالى فى ذلك، فقال: «فانّهم لا يكذّبونك و لكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون» أى: لا يجدونك كذّابا، و يعرفونك بالصدق؛ و لكن يظلمون انفسهم و يجحدون الحقّ «14» و يستنكفون منه. فان قال قائل، فلم قالوا له أنّك مجنون حتى أنزل اللّه «15» عزّ و جلّ: «ثمّ توّلوا عنه و قالوا معلّم مجنون»، و أنزل قوله: «ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ام يقولون به جنّة
__________________________________________________
(1)- دهره: جمعهم B
(2)- الصادق:- BA
(3)- بناؤه: بنائد A
(4)- رؤسا- و هم: روسائهم BA
(5) لكى لا تكون: و لكن C
(6)- تلك:- B
(7)- تنافسوا: تناقشوا C
(8)- قالوا:- A
(9)- بحكم: الصادق C
(10)- طرفا: طرف C
(11) معا:- B
(12)- يعبدونه: يعبدون A
(13)- صدوقا:- B
(14)- الحق:- B
((1/107)
15)- الله: عليه C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:75
بل جاءهم بالحقّ و أكثر هم للحقّ كارهون»؟ قلنا «1»: انّهم لم يعنوا بهذا أنّه مجنون معتوه، و لكنّهم ادعوا أنّ «2» له تابعا من الجنّ يعلّمه، و على هذا المعنى قالوا به جنّة؛ لأنّهم لمّا وجدوا للأشياء «3» التى يخبر بها «4» حقيقة «5» من الأمور الغائبة التى كان يذكرها ثم يجدونها كما يقول، قالوا: هذا له «6» رئىّ من الجنّ، و تابع يلقى «7» اليه هذه الأمور.
(8) و هكذا قالوا لمن تقدّم من الأنبياء، كما ذكر اللّه فى قصّة نوح:
«إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ «8» جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ «9»» و فى قصّة موسى (ع) حكاية عن فرعون حين قال: «إنّ رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون»، ثم قال على اثر هذه الآية التى اظهرها من العصا «10» و اليد: «انّ هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» فكيف يجوز أن يعنى بقوله مجنون أنّه معتوه، ثم يقول إنّه لساحر عليم يريد أن يخرجكم من ارضكم بسحره «11»؟ فكيف يكون المجنون ساحرا عليما؟! و كيف يخاف فرعون من مجنون أن يخرجه من أرضه و لكنّه أراد بقوله مجنون، أى له رئى من الجّن؛ لانه كان يخبرهم بأشياء تصحّ، فقالوا هذا من جهة الجنّ. و لمّا رأوا الآيات، قالوا هذا سحر، فلم يكن قولهم لمحمّد: معلّم مجنون و به جنّة، طعنا عليه فى عقله و كماله و تمام فهمه و تمييزه. فكيف يجوز أن يظنّوا به الجنون مع الامور العظيمة الجليلة التى كانت ترى «12» منه؟ ألا تراه «13» يقول عز و جل:
«أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» يعنى، ام لم يعرفوه بالصّدق و الامانة فهم ينكرون عقله و يتهمونه بالكذب؛ و قد عرفوه بالصّدق و الامانة.
و قال عزّ و جلّ أيضا «14»: «ما أنت بنعمة ربّك بمجنون»، قوله بنعمة ربك
__________________________________________________
(1)- قلنا: لم C
(2)- ان: انه C
(3)- للاشياء:- B، الاشياء A
((1/108)
4) يخبر بها: بخيرها A
(5) حقيقة:- B
(6)- له: A
(7)- يلقى: يلغى A
(8)- به:- B
(9) حين: A
(10)- العصا: العصى B
(11)- بسحره: من سحره A
(12)- ترى: ترا C
(13) تراه: بمجنون: مجنون A ترى A
(14)- عز و جل ايضا: ايضا عز و جل، CA، الله عز و جل B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:76
كما يقول «2» ما أنت بحمد اللّه بمجنون «1». ثم قال على أثر ذلك: «و إنّك لعلى خلق عظيم»، قالوا فى تفسيره: الخلق العظيم، هو القرآن؛ يعنى: أنّ الذى تورده «3»، ليس هو من الجنّ بل، هو القرآن العظيم الذى هو وحى من اللّه عزّ و جلّ «4».
(9) فاذا كان الامام «5» فى مثل حال محمّد (ص) من كماله و جمعه للخصال الحميدة كلّها التى تكون «6» فى النّاس من الصّدق و الامانة و العقل و الحلم و الرّزانة و الوقار و حسن الخلق و التّواضع و السّخاء و الوفاء و الشّجاعة و رقّة القلب و التّعطف على من آمن به و تبعه، و العفو عمن كفر به و خالفه «7» عند ظفره به، و غير ذلك من كلّ «8» خصلة محمودة تكون فى النّاس، فلا يجوز أن يتّهم من «9» يكون فى مثل هذه الحال بأن «10» يتكلّم، بما يعرف غيره فيه التّناقض و الاختلاف، و يجهل هو ما يتكلّم به؛ فانّ محمّدا «11» (ص) قد كان جمع هذه الخصال كلّها؛ و نحن نذكر منها «12» ما هى مشهورة عنه، ليعرف صدق ما ذكرناه ان شاء اللّه تعالى «13».
__________________________________________________
(1)- قوله ... بمجنون:- C
(2) يقول:- B
(3)- تورده: يورده B
(4)- عز و جل:- A
(5)- الامام: الاما A
(6)- تكون:- B
(7)- خالفه: خالف A
(8)- كل:- C
(9) من: و من A
(10)- بان: ان CBA
(11)- محمدا: محمد C
(12)- منها:- A
(13)- تعالى:- BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:77
الفصل الثانى فى حلية الرّسول (ص) و شمائله
((1/109)
1) و أمّا الصّدق و الامانة، فقد ذكرنا طرفا منه: و أنّ قريشا كانت تسّميه بالصّادق «1» الامين، لثقتهم به و معرفتهم إيّاه بالصّدق قبل ظهوره بالنّبوّة.
و قد ذكرنا تراضيهم به فى باب بناء البيت، و أنّهم اختاروه من بينهم أجمعين، و رضوا بحكمه؛ و هم المعروفون بأصالة الرأى و العقول الرّصينة من بين جميع العرب.
(2) و أمّا السّخاء فانّه كان لا يذخر «2» شيئا، و كان يأخذ من أغنياء أصحابه صدقات أموالهم و يفرّقها على فقرائهم، و لا يذخرها «3» و لا يقتنى عقارا؛ و الذى كان يصير إليه فى سهمه من الغنائم، و غير ذلك ما يفضل من قوته، كان يشترى به عقارا و يجعله صدقة؛ فقد كان «4» اشترى بساتين، و تصدّق بها؛ و هى معروفة إلى يومنا هذا. و كان لا يمسك يده عن بذل ما يملكه، حتى روى أنّ: سائلا سأله و لم (يكن) يملك «5» ما يعطيه، فأعطاه ثوبه الذى كان عليه.
__________________________________________________
(1)- بالصادق:- BA
(2)- يذخر: يدخر A
(3)- يذخرها: يدخرها C
(4)- كان:- C
(5)- يملك: يملكه A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:78
فانزل اللّه عزّ و جلّ: «و لا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا»
((1/110)
3) و أمّا الحلم و العفو، فكان أحلم النّاس. و لما فتح مكّة و فيها أعداؤه الذين عادوه و أخرجوه من داره و أجلوه عن أهله و وطنه و لم يدعوا المكر «1» به و الاحتيال فى قتله و طلب الغوائل عليه، فنادى فى أصحابه و أمرهم أن لا يقتلوا أحدا بعد فتح مكة إلا أربعة نفر، أمر أن يقتلوا «2» و لو وجدوا تحت أستار «3» الكعبة؛ لانّهم استوجبوا ذلك بعظائم «4» كانت منهم، و بقتلهم قوما من المسلمين غيلة، و ارتدادهم عن الاسلام. ثم أتاه بعضهم بعد «6» تائبا، فعفا «5» عنه و قبل «7» توبته؛ و أخبارهم مشهورة، تركنا إطالة القول بها. و نادى فى النّاس قبل أن تضع الحرب أوزارها، إنّ: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، و من أغلق بابه على نفسه فهو آمن» و عفا «8» عن أبى سفيان، و كان أكبر أعدائه و من المحرضين «9» على قتله قبل هجرته و على قتاله بعد هجرته، و صاحب العير يوم بدر «10»، و صاحب الجمع يوم أحد، و فى غيرها من الغزوات قبل فتح مكة، و من المنافقين الخاذلين المخذلين «11» عنه يوم حنين، و من المنافقين الباذلين أموالهم لمن حاربه، فعفا (ص) عنه و قبل إسلامه ابتغاء مرضات اللّه و ايثارا لطاعته فيما أمر به فى شأن المنافقين «12». و عفا عن امرأته هند بنت عتبة و قد بقرت بطن حمزة «13» حين استشهد يوم أحد، و أكلت كبده، و قالت فيه «14»:
__________________________________________________
(1)- المكر: لمنكر A
(2)- ان يقتلوا: يقتلهم B
(3)- استار: ابتتار A
(4) بعظائم:- B
(5)- فعفا: فعفى A
(6) بعد:- CB
(7)- و قبل؛ قبل C
(8)- عفا: عفى CBA
(9)- المحرضين: الحرضين B
(10)- بدر: ببدر C
(11)- المخذلين:- BA
(12)- المنافقين ... المنافقين:- A
(13)- فى شان المنافقين .. حمزة:- A
(14)- فيه:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:79
شفيت من «1» حمزة نفسى بأحد حين بقرت بطنه عن الكبد(1/111)
فأتته «2» مظهرة للاسلام بعد فتح مكّة، و بعد أن كانت تحرّض النّاس على القتال يوم فتح مكة، و تشتم أبا سفيان و توّبخه حين استأمن و تقبّح فعله، فعفا «3» عنها بعد أن أظفره اللّه بها، و قبل إسلامها، و حلم عنها؛ و حمزة عمّه، و أعزّ النّاس عليه، و أسد اللّه و أسد رسوله. و قبل إسلام وحشى غلام «4» جبير «5» بن مطعم؛ و هو الذى زرق «6» حمزة بالحربة و قتله؛ فحلم عنه و آثر رضاء اللّه على رضاء نفسه. و لما فتحت مكّة هرب صفوان بن أميّة، و هو سيد قومه، و كان شديد العداوة لرسول اللّه (ص)؛ فمضى يريد جدّة. فقال عمير «7» بن «8» وهب: يا نبىّ اللّه إنّ صفوان بن أميّة «10» قد «9» خرج هاربا ليغرق نفسه فى البحر، فأمّنه. قال (ص): «هو آمن» و أعطاه عمامته التى دخل بها مكّة.
فخرج عمير و لحقه، فرجع و قال: يا محمّد أليس قد أمّنتنى؟ قال: نعم.
قال: فخيّرنى فى نفسى شهرين. قال: «قد خيرتك أربعة أشهر»؛ و عفا عن كثير من أعدائه الذين ارتكبوا «11» العظائم؛ حتى قال أبو سفيان «12»: ما رأينا أحلم منك يا رسول اللّه! و جاءه «13» بعد ذلك قوم من الشّعراء «14»، قد كانت «15» ضاقت عليهم الارض بما رحبت، بعد أن كانوا قد هجوه أقبح «16» هجاء و حرّضوا عليه بشعرهم، مثل: عبد اللّه بن الزّبعرى «17»، مع كثرة أشعاره فى هجائه و شدّة عداوته و تحريضه
__________________________________________________
(1) من: عن A
(2)- فاتته: فاتت A
(3)- فغفا: فغفى B
(4)- غلام: مشطوبة فى C
(5) جبير:- C
(6) زرق: رزق A
(7)- عمير: عميرو B، عمر C
(8) بن: ابن B
(9) قد:- A
(10) امية: و هو سيد A
(11)- ارتكبوا: منها A، منه-- CB
(12) ابو سفيان: ابا سفيان A
(13)- جاءه: جائه A، جاء C
(14) قوم من الشعراء: قوم شعراء CBA
(15) كانت:- B
(16)- اقبح: لقبح B
(17)- الزبعرى: الزبير جوى B، الزبعرا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:80
عليه. فأتاه معتذرا و هو يقول «1»:(1/112)
يا رسول «2» المليك إنّ لسانى راتق «3» ما فتقت إذ أنابور
اذ أجارى «4» الشّيطان فى سنن ال غىّ و من مال ميله مثبور
آمن اللّحم و العظام بما قل ت فنفسى الفدى «5» و أنت النّذير
فقال (ص) له: «قد آمنك اللّه» و قبل إسلامه و عفا عنه. و مثل كعب بن «6» زهير الذى كان يهجوه و يؤذيه بهجائه، فأتاه تائبا مسلما، و قال فى شعر له يمدحه و يسأله العفو:
نبّئت أنّ رسول اللّه أو عدنى و العفو عند رسول اللّه مأمول
فقال (ص): «قد عفوت عنك» و قبل إسلامه، و كذلك عفا عن شعراء كثيرين كانوا يهجونه و يؤذونه بهجائهم «7»، بما كان الملوك و ذوو القدرة يقتلون بأصغر من ذلك.
(4) و أمّا الشّجاعة، فانه (ص) غزا «8» بنفسه ثلاث عشرة غزوة ما ولىّ الدّبر فى شى ء منها. و لما اشتّد القتال يوم أحد و اشتغل كلّ امره «9» بنفسه و استحرّ
__________________________________________________
(1)- يقول: شعر C
(2)- رسول: اللّه A
(3)- راتق: رايق C
(4)- اجارى: أجار A
(5)- الفدى: الفدا B، الفدأ C
(6)- بن: ابن B C
(7)- بهجائهم: بهجائه-- B
(8)- غزا: غزى B
(9)- امرء: امر C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:81(1/113)
القتل فى النّاس، صمد له فرسان قريش و تعاقدوا و تحالفوا «1» على قتله و احتوشوه و حاربوه بكل سلاح حتى رموه بالحجارة. فصبر لهم «2»، حتى شجّ فى وجهه، و سالت الدماء على لحيته، و غاب من حلق «3» المغفر فى جبهته، و أصيبت رباعيّته، و جرح فى شفته؛ و أقبل أبىّ بن خلف، و هو يقول: لا نجوت إن نجا «4» محمد؛ و كان يقول بمكّة: إن «5» لى عودا أعلّقه و أضعه، لا قتل عليه محمّدا. فبلغ ذلك النّبّى (ص) فقال: «أنا أقتله إن شاء اللّه». فلمّا أقبل ذلك اليوم، عارضه «6» علىّ (ع) مع قوم من المسلمين، يريدون منعه من رسول اللّه (ص). فقال (ص) لهم: «خلّوا «7» سبيله»؛ فبرز إليه و تناول حربة فطعنه بها فى فرجة بين البيضة و المغفر «8» فى عنقه، فصرعه. ثم نهض (أبىّ) و انهزم عنه و أتى أصحابه، و هو يخور كما يخور الثّور. فقالوا له: لا بأس عليك، إنّما هو خدش! فقال: أليس قد قال إنّه يقتلنى؟ و اللّه لو كانت هذه الخدشة بأهل ذى المجاز «9»، لماتوا كلّهم «10» منها «11».
و يوم حنين، لمّا انهزم أصحابه (ص) و ذهبوا فى كلّ وجه، وقف فى حومة الحرب و معه علّى (ع) «12» مع نفر يسير من أصحابه، و النّبال «13» و السّهام عليه (ص) مثل قطر المطر؛ و هو ينادى: «هلمّوا إلىّ، أنا «14» محمّد بن عبد اللّه، أنا محمّد رسول اللّه»، و ما ولىّ حتى أتاه النّصر من اللّه عزّ و جلّ «15». و مقاماته
__________________________________________________
(1)- و تحالفوا: تحالفوا A
(2)- لهم:- A
(3)- حلق: حلف C
(4)- نجا: نجى A
(5) ان: ان A
(6)- عارضه: اعرضه B
(7)- خلوا: خلو A
(8)- المغفر: المغفرة B
(9)- ذى المجاز: ذى الحجاز A، ذى المحار C
(10) كلهم: فمات كلهم A، فمات B
(11) منها: عنها B
(12)- (ع): كرم الله وجهه-- CB
(13) النبال: النبل C
(14)- الى، انا:- انا
(15)- عز و جل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:82
فى غزواته و ما ظهر من شجاعته، يطول الشّرح به.
((1/114)
5)- و أمّا الوقار و الرّزانة، فانّه كان أوقر النّاس مجلسا، و أعظمهم هيبة فى صدور النّاس. و كان إذا قعد بين أصحابه، قعدوا حوله كأنّما على رؤوسهم «1» الطّير هيبة له؛ يهابونه هيبة الملوك مع بشاشته بهم و بجميع النّاس، و حسن خلقه؛ فإنّه كان أحسن النّاس خلقا و خلقا؛ و كان يأمر أصحابه بمحاسن الاخلاق و يحثّهم على ذلك، و يقول: «أقربكم إلى اللّه أحسنكم خلقا»، و قال: «إنّ العبد ليبلغ بحسن الخلق درجة الصّائم القائم «2»»، و قال:
«ليس عمل فى الميزان أثقل من حسن الخلق «3»».
(6)- و ما روى عنه نحو هذا «4» كثير ممّا «5» كان يأمر به و يحثّ عليه. و كان لا يطرب و لا يمزح «6»، و لا يطيش «7» و لا يبطش فى فرح و لا غضب. و ترد عليه الأمور العظيمة البشارة، فلا يستخفّ «8» لها «9»، و كان جلّ غضبه أن تحمّر و جنتاه، فيملك نفسه، و يدّر العرق من عرق بين عينيه، فلا «10» يتزعزع، و لا يبطش بيد و لا لسان؛ و ما رؤى قطّ قهقه و استغرب فى ضحك «11»، و كان جلّ ضحكه التّبسّم. و كانت ترد عليه الامور العظيمة التى يمتحن بها، فلا يتزعزع لها «12»، بل كان يظهر الوقار الشّديد و الرّكانة، و يحتسب و يحمل الصّبر؛ حتى أمر اللّه عزّ و جلّ أمّته أن يتأسّوا «13» به فى الذى ينوبهم من محن الدّنيا، و أن يتأدّبوا بأدبه «14»،
__________________________________________________
(1)- رؤوسهم: رؤسهم CBA
(2)- الصائم القائم: الصوم و الصلوة-- CB
(3)- الخلق: بدرجة الصائم A
(4)- نحو هذا:- B
(5) مما: لما B
(6)- يمزح: يمرح A
(7) و لا يبطش:- B
(8)- يستخف: يستخق A، يستخق C
(9) لها:- B
(10)- فلا: و لا BA
(11)- ضحك: ضحكه B
(12)- لها: بها B
(13)- يتاسوا: يتاساسوا A
(14) بادبه: بآدابه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:83
فقال جلّ ذكره: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ.»
((1/115)
7) و أمّا الوفاء، فانّه كان أوفى النّاس بعهد و ذمّة، و أوكدهم حرمة.
قد كان بعث خالد «1» بن وليد إلى بنى جذيمة «2»، و لم يبعثه مقاتلا بل بعثه داعيا؛ فأجابوه «3» إلى الاسلام. و كانت بين خالد و بين القوم «4» ترة فى الجاهلية، فقال لهم: ضعوا سلاحكم. فلمّا وضعوا السلاح، كتّفهم و عرضهم على السّيف.
فلما انتهى خبرهم إلى النبى (ص) رفع يديه إلى السّماء، و قال: «أللّهمّ إنّى أبرأ «5» إليك ممّا صنع خالد «6»». و زعم خالد، أنّه لم يقتلهم حتى امتنعوا من الاسلام. فبعث رسول اللّه (ص) عليا (ع) و بعث معه مالا، و قال: «اجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك» فخرج إليهم و ودى الدّماء و الاموال، حتى وداهم ميلغة الكلب، و بقيت معه بقيّة من المال، فقال: هل بقى لكم دم «7» أو «8» مال؟ قالوا: لا. قال: فهذه البقيّة «9» لكم احتياطا لرسول اللّه (ص) ممّا لا أعلم و ممّا لا تعلمون. فلمّا رجع، قال له النبى (ص): «أحسنت و أصبت.»
و كانت «10» بينه و بين العرب هدنة بعد فتح مكّة، أن لا يمنعوا عن البيت و أن لا يخافوا. فنزلت سورة «براءة» «11» و أمره «12» اللّه، أن يردّ إليهم عهدهم؛ فدفع الآيات من أول سورة براءة إلى أبى بكر، و بعثه إلى الموسم، و أمره أن يقرأها على النّاس. فنزل جبرائيل (ع) و قال له «13»: إنّه لا يبلّغها إلا أنت او رجل
__________________________________________________
(1)- خالد: خالدا A
(2) بنى جذيمه: بنى خزيمة CBA
(3)- فاجابوه: فاجابوا C
(4) و كانت بين خالد و بين القوم: و كانت بين القوم و بين خالد A
(5)- ابراء: براء A
(6) خالد: الخالد A
(7)- دم: دمأ B
(8)- او: و B
(9) البقية: القية A
(10)- كانت: كان B
(11)- براءة: براة C
(12) امره: امر C
(13)- له:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:84(1/116)
منك. فبعث عليا (ع) «1» فأخذ «2» الصحيفة من أبى بكر بعد أن لحقه فى طريقه، و مضى. فلمّا وافى «منى» «3» يوم النّحر، أذّن فى النّاس حتى اجتمعوا، فقرأها، و ردّ إليهم عهدهم: أن لا يحّج بعد هذا العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان «4»؛ و من كان له عند رسول اللّه عهد او «5» ذمّة، فهو إلى مدّة أربعة أشهر، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم، ثم لا عهد بعد ذلك لمشرك، إلا من كان له عهد «6» عند رسول اللّه (ص) إلى أجل معلوم، فعلى رسول اللّه الوفاء بذلك. فلو «7» شاء أن يكابرهم قبل أن يرجعوا إلى ديارهم، و يوقع بهم، لفعل؛ و لكنّه، أراد أن يفى بذمّتهم، و لم يغزهم فى ديارهم و لم يرعبهم «8» حتى أخذوا حذرهم، وفاء بعهدهم و اجتنابا للخديعة و المكربهم «9».
(8) و أمّا «10» التّواضع، فإنّه (ص) مع رفيع منزلته «11» و هيبته فى صدور النّاس، كان يبدر «12» من لقى بالسّلام؛ و كان «13» لا يتقدّم أصحابه إذا مشى؛ و (كان) يقف للصّغير «14» و الكبير، و الغنىّ و الفقير، و النّساء و الرّجال؛ و لا ينصرف عمّن يقف له «15» حتى ينصرف عنه صاحبه؛ و لا يقوم فى مجلسه عن جليسه، حتى يقوم «16» عنه؛ و (كان) يقعد حيث ينتهى «17» به المجلس؛ و كان الفقير و الضّعيف أقرب إليه من الغنىّ «18» و القوىّ حتى انّه: رؤى واقفا على عجوز حتّى أعيا. فقيل له: يا رسول اللّه أطلت الوقوف على هذه المرأة! فقال: «إنّها عجوز «19» كانت تأتينا «20» أيّام خديجة، و إنّ حسن العهد من الايمان» و فى حديث
__________________________________________________
(1)- (ع):- A- A، كرم الله وجهه B، كرم الله وجهه فى الجنة C
(2) فاخذ: و اخذ CBA
(3)- منى: منا C
(4)- عريان:- A
(5) او: و B
(6)- عهد:- A
(7)- فلو: و لو-- CA
(8)- لم يرعبهم: لا يرعبهم A
(9)- و المكر بهم: و انما كربهم A
(10)- و اما: فاما B
(11) منزلته: المنزلة A
(12)- يبدر: يندر A
(13) كان:- CBA
((1/117)
14)- للصغير: على الصغير CBA
(15)- له: عليه CBA
(16)- يقوم: يقدم A
(17)- ينتهى: انتهى BA
(18)- الغنى: فقير B
(19)- عجوز ... عجوز:- A
(20) تاتينا: تاتينها A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:85
آخر: أنّه بسط لها رداءه، و قال: «إنّ هذه من صدائق «1» خديجة و إنّ حسن العهد من الايمان». و فى حديث آخر «2»: أنّ خالته من الرّضاعة أتته فبسط لها رداءه. و كان يأكل على الارض و يقول: «إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد».
و كان لا يذمّ ذواقا و لا يمدحه. فهذه أخلاقه، ذكرنا منها على الاختصار، و لو شرحنا محاسنها لطال الوصف بها «3».
(9) و أمّا خلقه فى اعتداله و حسن صورته و جماله التى يحكم «4» بها أصحاب الفراسة «5» و يستدلّون بها على تمام عقل الانسان، فانّه كان مشتهرا بالجمال و اعتدال الصّورة، و كان معتدل القامة أطول من المربوع و أقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشّعر، واسع الجبين «6»، أزجّ الحواجب سوابغ «7» فى غير قرن، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه «8» من لم يتأمله أشمّ، كثّ اللّحية، سهل الخّدين، ضليع الفم، أشنب «9»، مفلّج الاسنان، كان يفترّ عن مثل حبّ الغمام، واسع الصّدر، بعيد ما بين المنكبين، طويل الزّندين، رحب الرّاحة، سبط القصب، سائل الاطراف، خمصان الأخمصين مسيح «10» القدمين، خافض الطرف، نظره إلى الارض أكثر من نظره إلى السّماء، لا يسارق النّظر و لا يلاحظ «11»، بل كان يلتفت جمعا، و لا ينظر شزرا نظر المسارق «12» و نظر التّعادى؛ لأنّ الذى ينظر شررا، يكون متجسسا أو مضمرا حقدا، فتنزّه
__________________________________________________
(1)- صدائق: حدائق A
(2)- آخر:- C
(3)- بها: و اما الوصف بها A
(4)- يحكم: التى يحكم B
(5)- الفراسة: الفلسفة B
(6)- الجبين: الجنبين C
(7) سوابغ: سوابغ A
(8)- يحسبه: يحببه A
(9)- اشنب: انشب C
(10)- مسيح: فسيح C
(11)- يلاحظ: نال C
(12) المسارق: المارق A، السارق B(1/118)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:86
عن هذه «1» الخليقة «2» المذمومة، و صان نفسه عنها؛ فكان إذا التفت، يلتفت جمعا.
و إن ذكرنا صفة خلقته المستحسنة الجامعة لكلّ جمال، طال شرحها.
و ذكرنا هذا المقدار، مختصرا من الذى روى عن ربيبه «3» هند بن أبى هالة التّميمىّ، و كان أوصف النّاس له؛ لانّه نشأ «4» فى حجره. فرويت «5» عنه صفة حليته «6»؛ و أخذها عنه النّاس، و لم ينكروا شيئا ممّا قاله «7»؛ لأنّهم شاهدوه (ص) و وجدوه (ص) بهذه الصّفة. هذا، دون ما وصفته به أمّ معبد لزوجها، لمّا نزل عندها و حلب شاة حائلا حتّى درّت باللّبن؛ و دون ما وصفه به غيرها من الخلق الجميلة.
(10) و ذكرنا ذلك، لانّ الفلاسة يحكمون بالفراسة، و يستدلّون بمثل «8» هذه «9» الصّفة «10» على عقل الانسان و كماله. فمن الذى وجد فى العالم و ذكر، أجمع منه لهذه الخصال؟ لانّ، من ذكر بالأمانة و الصّدق، كان منفردا بتلك «11» دون غيرها من الخصال؛ و كذلك من ذكر بالسّخاء أو بالحلم أو بالشّجاعة أو بالوفاء أو بغير ذلك، كان ينفرد بتلك الخصلة دون غيرها.
فكان (ص) قد برع النّاس وفاقهم أجمعين، فى جميع هذه الخصال؛ حتى لا يقاومه أحد، و لا يذكر له فى العالم نظير قد جمع هذه الاخلاق و الخلق.
(11) ثم كان أنضر الناس عودا، و أعلاهم شرفا، و أفخرهم منصبا. شعبه
__________________________________________________
(1)- هذه:- B
(2) الخليقة: الخلقة C
(3)- ربيبه: ربيبة A، زبيب بن C
(4)- لانه نشأ: لا نشاء B
(5) فرويت: فروى B، فرويه C
(6)- صفة حليتة: صفته و حليته A
(7) قاله: قال A
(8)- بمثل:- A
(9) هذه: بهذه A
(10)- الصفة:- A
(11)- بتلك: الخصال A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:87(1/119)
أفضل الشّعوب، و قبيلته «1» أفضل القبائل، و عشيرته أفضل العشائر. قد ولده الأنبياء و الرّسل: آدم و شيث و نوح و سام و إبراهيم و إسماعيل (ع). ثم ولده كرام النّاس و كرام العرب، ثم كرام مضر، ثم كرام كنانة «2»، ثم كرام قريش، ثم كرام بنى هاشم. و مناقب أجداده ظاهرة، و كرائم «3» أخلاقهم مذكورة فى الزّمن الأوّل:
(12) كان مضر أفضل عدنان، و كان يفك العانى، و يطعم الطّعام. و كان كنانة أفضل مضر، و كان يأنف أن يأكل وحده؛ فاذا لم يجد من يأكل معه، أكل لقمة و رمى بلقمة إلى صخرة قد نصبها بين يديه، أنفة من أن يأكل وحده.
و كان قريش قد فاق «4» العرب بأصالة رأيه و تدبيره «5». و كان قصّى أفضل قريش، و اسمه «زيد» و سمّى «مجمعا» لأنّه جمع قبائل قريش، و أنزلها مكّة؛ و فيه يقول القائل:
أبوكم قصّى كان يدعى مجمعا به جمّع اللّه القبائل من فهر
و كان هاشم أفضل قريش و اسمه «عمرو» «6» فسمّى هاشما، لأنّه كان يهشم الثريد و يطعم الحاجّ و النّاس، و كان يقعد على كرسّى من ساسم و يختصر «7» بقضيب من خيزران، و جزور «8» تنحر «9»، و أخرى تطبخ، و أخرى تساق لتنحر، و مناديه ينادى «10»: يا وفد اللّه هلمّوا إلى الغذاء، و آخر ينادى: ألا من تغذّى فليرح للعشاء «11». و أمّا عبد المطلب، فكان حكمهم، و مفزعهم «12» فى النّوائب،
__________________________________________________
(1)- قبيلته: قبيله C
(2)- ثم كرام كنانة:- A
(3)- كرائم: كرام A
(4)- فاق: فارق A
(5) تدبيره: تدبيرها A
(6)- عمرو: عمر A
(7)- يختصر: يختصم A، يحتصم-- CB
(8) جزور: جزر B
(9) تنحر: تجز A
(10)- ينادى:- B
(11)- للعشاء: الى العشاء A
(12) مفزعهم: منفرعهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:88(1/120)
و موئلهم فى الامور، و كان «1» يرفع من «2» مائدته فى رؤوس الجبال للطّير، و يطعم الحجيج و يسقيهم، و سوطه للسّفيه قائم «3»، و كان يقال له «4» «شيبة الحمد»: و أجدبت قريش «5» فاستسقت «6» به؛ فوضع عبد المطلب رسول اللّه (ص) على عاتقه و هو يومئذ طفل و ارتقى أبا قبيس «7»، و أقبلت قريش «8» تدفّ حوله، و طافوا به و هو يدعو؛ فما راموا «9» حتى انفجرت السّماء بمائها و سالت الأودية، و قريش تقول «10»: هنيئا لك «11» يا أبا البطحاء بك «12» عاش النّاس. و قال فيه شاعرهم:
بشيبة الحمد أسقى اللّه بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
مبارك «13» الوجه «14» يستسقى الغمام به ما فى الأنام له عدل و لا خطر
(13) و أمّا عبد اللّه، فكانت غرّة رسول اللّه (ص) ظاهرة بين عينيه؛ و رأته امرأة، فعرفت أنّ لتلك الغرّة شأنا، فراودته عن نفسه؛ فعصمه اللّه، و دخل على آمنة «15» بنت وهب امرأته، فواقعها؛ فحملت برسول اللّه (ص)، و تحوّلت تلك الغرة إلى «16» وجهها. ثم لقيته المرأة بعد ذلك، فقال كالمجرّب لها: هل لك فيما قلت لى؟ فقالت: قد «17» كان ذلك «18» مرّة فاليوم لا. فصار ذلك مثلا. و كانت له من اللّه عصمة، و كان رسول اللّه (ص) يقول: «نقلت من طهر إلى طهر ما مسّنى سفاح الجاهليّة».
__________________________________________________
(1)- و كان: فكان B
(2) من:- C
(3)- قائم:- B
(4) له:- A
(5)- قريش: القريش B
(6) فاستسقت: فاستسقوا C
(7)- ابا قبيس: ابى قبيس C
(8) قريش: القريش B
(9)- راموا: راحوا C
(10)- و قريش تقول: و قالت قريش A
(11) هنيئا لك: هنالك A
(12) بك:- Aوقار الشّديد و الرّكانة، و يحتسب و يحمل الصّبر؛ حتى أمر اللّه عزّ و جلّ أمّته أن يتأسّوا «13» به فى الذى ينوبهم من محن الدّنيا، و أن يتأدّبوا بأدبه «14»،
__________________________________________________
(1)- رؤوسهم: رؤسهم CBA
(2)- الصائم القائم: الصوم و الصلوة-- CB
((1/121)
3)- الخلق: بدرجة الصائم A
(4)- نحو هذا:- B
(5) مما: لما B
(6)- يمزح: يمرح A
(7) و لا يبطش:- B
(8)- يستخف: يستخق A، يستخق C
(9) لها:- B
(10)- فلا: و لا BA
(11)- ضحك: ضحكه B
(12)- لها: بها B
(13)- يتاسوا: يتاساسوا A
(14) بادبه: بآدابه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:83
فقال جلّ ذكره: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ.»
(7) و أمّا الوفاء، فانّه كان أوفى النّاس بعهد و ذمّة، و أوكدهم حرمة.
قد كان بعث خالد «1» بن وليد إلى بنى جذيمة «2»، و لم يبعثه مقاتلا بل بعثه داعيا؛ فأجابوه «3» إلى الاسلام. و كانت بين خالد و بين القوم «4» ترة فى الجاهلية، فقال لهم: ضعوا سلاحكم. فلمّا وضعوا السلاح، كتّفهم و عرضهم على السّيف.
فلما انتهى خبرهم إلى النبى (ص) رفع يديه إلى السّماء، و قال: «أللّهمّ إنّى أبرأ «5» إليك ممّا صنع خالد «6»». و زعم خالد، أنّه لم يقتلهم حتى امتنعوا من الاسلام. فبعث رسول اللّه (ص) عليا (ع) و بعث معه مالا، و قال: «اجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك» فخرج إليهم و ودى الدّماء و الاموال، حتى وداهم ميلغة الكلب، و بقيت معه بقيّة من المال، فقال: هل بقى لكم دم «7» أو «8» مال؟ قالوا: لا. قال: فهذه البقيّة «9» لكم احتياطا لرسول اللّه (ص) ممّا لا أعلم و ممّا لا تعلمون. فلمّا رجع، قال له النبى (ص): «أحسنت و أصبت.»
و كانت «10» بينه و بين العرب هدنة بعد فتح مكّة، أن لا يمنعوا عن البيت و أن لا يخافوا. فنزلت سورة «براءة» «11» و أمره «12» اللّه، أن يردّ إليهم عهدهم؛ فدفع الآيات من أول سورة براءة إلى أبى بكر، و بعثه إلى الموسم، و أمره أن يقرأها على النّاس. فنزل جبرائيل (ع) و قال له «13»: إنّه لا يبلّغها إلا أنت او رجل
__________________________________________________
(1)- خالد: خالدا A
(2) بنى جذيمه: بنى خزيمة CBA
((1/122)
3)- فاجابوه: فاجابوا C
(4) و كانت بين خالد و بين القوم: و كانت بين القوم و بين خالد A
(5)- ابراء: براء A
(6) خالد: الخالد A
(7)- دم: دمأ B
(8)- او: و B
(9) البقية: القية A
(10)- كانت: كان B
(11)- براءة: براة C
(12) امره: امر C
(13)- له:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:84
منك. فبعث عليا (ع) «1» فأخذ «2» الصحيفة من أبى بكر بعد أن لحقه فى طريقه، و مضى. فلمّا وافى «منى» «3» يوم النّحر، أذّن فى النّاس حتى اجتمعوا، فقرأها، و ردّ إليهم عهدهم: أن لا يحّج بعد هذا العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان «4»؛ و من كان له عند رسول اللّه عهد او «5» ذمّة، فهو إلى مدّة أربعة أشهر، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم، ثم لا عهد بعد ذلك لمشرك، إلا من كان له عهد «6» عند رسول اللّه (ص) إلى أجل معلوم، فعلى رسول اللّه الوفاء بذلك. فلو «7» شاء أن يكابرهم قبل أن يرجعوا إلى ديارهم، و يوقع بهم، لفعل؛ و لكنّه، أراد أن يفى بذمّتهم، و لم يغزهم فى ديارهم و لم يرعبهم «8» حتى أخذوا حذرهم، وفاء بعهدهم و اجتنابا للخديعة و المكربهم «9».
(8) و أمّا «10» التّواضع، فإنّه (ص) مع رفيع منزلته «11» و هيبته فى صدور النّاس، كان يبدر «12» من لقى بالسّلام؛ و كان «13» لا يتقدّم أصحابه إذا مشى؛ و (كان) يقف للصّغير «14» و الكبير، و الغنىّ و الفقير، و النّساء و الرّجال؛ و لا ينصرف عمّن يقف له «15» حتى ينصرف عنه صاحبه؛ و لا يقوم فى مجلسه عن جليسه، حتى يقوم «16» عنه؛ و (كان) يقعد حيث ينتهى «17» به المجلس؛ و كان الفقير و الضّعيف أقرب إليه من الغنىّ «18» و القوىّ حتى انّه: رؤى واقفا على عجوز حتّى أعيا. فقيل له: يا رسول اللّه أطلت الوقوف على هذه المرأة! فقال: «إنّها عجوز «19» كانت تأتينا «20» أيّام خديجة، و إنّ حسن العهد من الايمان» و فى حديث
__________________________________________________
((1/123)
1)- (ع):- A- A، كرم الله وجهه B، كرم الله وجهه فى الجنة C
(2) فاخذ: و اخذ CBA
(3)- منى: منا C
(4)- عريان:- A
(5) او: و B
(6)- عهد:- A
(7)- فلو: و لو-- CA
(8)- لم يرعبهم: لا يرعبهم A
(9)- و المكر بهم: و انما كربهم A
(10)- و اما: فاما B
(11) منزلته: المنزلة A
(12)- يبدر: يندر A
(13) كان:- CBA
(14)- للصغير: على الصغير CBA
(15)- له: عليه CBA
(16)- يقوم: يقدم A
(17)- ينتهى: انتهى BA
(18)- الغنى: فقير B
(19)- عجوز ... عجوز:- A
(20) تاتينا: تاتينها A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:85
آخر: أنّه بسط لها رداءه، و قال: «إنّ هذه من صدائق «1» خديجة و إنّ حسن العهد من الايمان». و فى حديث آخر «2»: أنّ خالته من الرّضاعة أتته فبسط لها رداءه. و كان يأكل على الارض و يقول: «إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد».
و كان لا يذمّ ذواقا و لا يمدحه. فهذه أخلاقه، ذكرنا منها على الاختصار، و لو شرحنا محاسنها لطال الوصف بها «3».
(9) و أمّا خلقه فى اعتداله و حسن صورته و جماله التى يحكم «4» بها أصحاب الفراسة «5» و يستدلّون بها على تمام عقل الانسان، فانّه كان مشتهرا بالجمال و اعتدال الصّورة، و كان معتدل القامة أطول من المربوع و أقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشّعر، واسع الجبين «6»، أزجّ الحواجب سوابغ «7» فى غير قرن، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه «8» من لم يتأمله أشمّ، كثّ اللّحية، سهل الخّدين، ضليع الفم، أشنب «9»، مفلّج الاسنان، كان يفترّ عن مثل حبّ الغمام، واسع الصّدر، بعيد ما بين المنكبين، طويل الزّندين، رحب الرّاحة، سبط القصب، سائل الاطراف، خمصان الأخمصين مسيح «10» القدمين، خافض الطرف، نظره إلى الارض أكثر من نظره إلى السّماء، لا يسارق النّظر و لا يلاحظ «11»، بل كان يلتفت جمعا، و لا ينظر شزرا نظر المسارق «12» و نظر التّعادى؛ لأنّ الذى ينظر شررا، يكون متجسسا أو مضمرا حقدا، فتنزّه(1/124)
__________________________________________________
(1)- صدائق: حدائق A
(2)- آخر:- C
(3)- بها: و اما الوصف بها A
(4)- يحكم: التى يحكم B
(5)- الفراسة: الفلسفة B
(6)- الجبين: الجنبين C
(7) سوابغ: سوابغ A
(8)- يحسبه: يحببه A
(9)- اشنب: انشب C
(10)- مسيح: فسيح C
(11)- يلاحظ: نال C
(12) المسارق: المارق A، السارق B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:86
عن هذه «1» الخليقة «2» المذمومة، و صان نفسه عنها؛ فكان إذا التفت، يلتفت جمعا.
و إن ذكرنا صفة خلقته المستحسنة الجامعة لكلّ جمال، طال شرحها.
و ذكرنا هذا المقدار، مختصرا من الذى روى عن ربيبه «3» هند بن أبى هالة التّميمىّ، و كان أوصف النّاس له؛ لانّه نشأ «4» فى حجره. فرويت «5» عنه صفة حليته «6»؛ و أخذها عنه النّاس، و لم ينكروا شيئا ممّا قاله «7»؛ لأنّهم شاهدوه (ص) و وجدوه (ص) بهذه الصّفة. هذا، دون ما وصفته به أمّ معبد لزوجها، لمّا نزل عندها و حلب شاة حائلا حتّى درّت باللّبن؛ و دون ما وصفه به غيرها من الخلق الجميلة.
(10) و ذكرنا ذلك، لانّ الفلاسة يحكمون بالفراسة، و يستدلّون بمثل «8» هذه «9» الصّفة «10» على عقل الانسان و كماله. فمن الذى وجد فى العالم و ذكر، أجمع منه لهذه الخصال؟ لانّ، من ذكر بالأمانة و الصّدق، كان منفردا بتلك «11» دون غيرها من الخصال؛ و كذلك من ذكر بالسّخاء أو بالحلم أو بالشّجاعة أو بالوفاء أو بغير ذلك، كان ينفرد بتلك الخصلة دون غيرها.
فكان (ص) قد برع النّاس وفاقهم أجمعين، فى جميع هذه الخصال؛ حتى لا يقاومه أحد، و لا يذكر له فى العالم نظير قد جمع هذه الاخلاق و الخلق.
(11) ثم كان أنضر الناس عودا، و أعلاهم شرفا، و أفخرهم منصبا. شعبه
__________________________________________________
(1)- هذه:- B
(2) الخليقة: الخلقة C
(3)- ربيبه: ربيبة A، زبيب بن C
(4)- لانه نشأ: لا نشاء B
(5) فرويت: فروى B، فرويه C
(6)- صفة حليتة: صفته و حليته A
((1/125)
7) قاله: قال A
(8)- بمثل:- A
(9) هذه: بهذه A
(10)- الصفة:- A
(11)- بتلك: الخصال A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:87
أفضل الشّعوب، و قبيلته «1» أفضل القبائل، و عشيرته أفضل العشائر. قد ولده الأنبياء و الرّسل: آدم و شيث و نوح و سام و إبراهيم و إسماعيل (ع). ثم ولده كرام النّاس و كرام العرب، ثم كرام مضر، ثم كرام كنانة «2»، ثم كرام قريش، ثم كرام بنى هاشم. و مناقب أجداده ظاهرة، و كرائم «3» أخلاقهم مذكورة فى الزّمن الأوّل:
(12) كان مضر أفضل عدنان، و كان يفك العانى، و يطعم الطّعام. و كان كنانة أفضل مضر، و كان يأنف أن يأكل وحده؛ فاذا لم يجد من يأكل معه، أكل لقمة و رمى بلقمة إلى صخرة قد نصبها بين يديه، أنفة من أن يأكل وحده.
و كان قريش قد فاق «4» العرب بأصالة رأيه و تدبيره «5». و كان قصّى أفضل قريش، و اسمه «زيد» و سمّى «مجمعا» لأنّه جمع قبائل قريش، و أنزلها مكّة؛ و فيه يقول القائل:
أبوكم قصّى كان يدعى مجمعا به جمّع اللّه القبائل من فهر
و كان هاشم أفضل قريش و اسمه «عمرو» «6» فسمّى هاشما، لأنّه كان يهشم الثريد و يطعم الحاجّ و النّاس، و كان يقعد على كرسّى من ساسم و يختصر «7» بقضيب من خيزران، و جزور «8» تنحر «9»، و أخرى تطبخ، و أخرى تساق لتنحر، و مناديه ينادى «10»: يا وفد اللّه هلمّوا إلى الغذاء، و آخر ينادى: ألا من تغذّى فليرح للعشاء «11». و أمّا عبد المطلب، فكان حكمهم، و مفزعهم «12» فى النّوائب،
__________________________________________________
(1)- قبيلته: قبيله C
(2)- ثم كرام كنانة:- A
(3)- كرائم: كرام A
(4)- فاق: فارق A
(5) تدبيره: تدبيرها A
(6)- عمرو: عمر A
(7)- يختصر: يختصم A، يحتصم-- CB
(8) جزور: جزر B
(9) تنحر: تجز A
(10)- ينادى:- B
(11)- للعشاء: الى العشاء A
(12) مفزعهم: منفرعهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:88(1/126)
و موئلهم فى الامور، و كان «1» يرفع من «2» مائدته فى رؤوس الجبال للطّير، و يطعم الحجيج و يسقيهم، و سوطه للسّفيه قائم «3»، و كان يقال له «4» «شيبة الحمد»: و أجدبت قريش «5» فاستسقت «6» به؛ فوضع عبد المطلب رسول اللّه (ص) على عاتقه و هو يومئذ طفل و ارتقى أبا قبيس «7»، و أقبلت قريش «8» تدفّ حوله، و طافوا به و هو يدعو؛ فما راموا «9» حتى انفجرت السّماء بمائها و سالت الأودية، و قريش تقول «10»: هنيئا لك «11» يا أبا البطحاء بك «12» عاش النّاس. و قال فيه شاعرهم:
بشيبة الحمد أسقى اللّه بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
مبارك «13» الوجه «14» يستسقى الغمام به ما فى الأنام له عدل و لا خطر
(13) و أمّا عبد اللّه، فكانت غرّة رسول اللّه (ص) ظاهرة بين عينيه؛ و رأته امرأة، فعرفت أنّ لتلك الغرّة شأنا، فراودته عن نفسه؛ فعصمه اللّه، و دخل على آمنة «15» بنت وهب امرأته، فواقعها؛ فحملت برسول اللّه (ص)، و تحوّلت تلك الغرة إلى «16» وجهها. ثم لقيته المرأة بعد ذلك، فقال كالمجرّب لها: هل لك فيما قلت لى؟ فقالت: قد «17» كان ذلك «18» مرّة فاليوم لا. فصار ذلك مثلا. و كانت له من اللّه عصمة، و كان رسول اللّه (ص) يقول: «نقلت من طهر إلى طهر ما مسّنى سفاح الجاهليّة».
__________________________________________________
(1)- و كان: فكان B
(2) من:- C
(3)- قائم:- B
(4) له:- A
(5)- قريش: القريش B
(6) فاستسقت: فاستسقوا C
(7)- ابا قبيس: ابى قبيس C
(8) قريش: القريش B
(9)- راموا: راحوا C
(10)- و قريش تقول: و قالت قريش A
(11) هنيئا لك: هنالك A
(12) بك:- A
(13)- مبارك: تبارك A
(14) الوجه: الامر C
(15)- آمنة: الامنة B
(16)- الى: فى CBA
(17)- قد:- C
(18) دلك:--- CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:89
((1/127)
14) فهذه صفته (ص) و أخلاقه المشهورة، و خلقته الطّاهرة، و فخره الباذخ؛ و لا يدفع ذلك الّا مباهت؛ لأنّ قريش «1» و العرب و سائر الأمم الذين شاهدوه، عرفوه بذلك، و اعترفوا به؛ فهو (ص) جمع هذه الخصال كلّها، وفاق النّاس أجمعين فيها؛ و حقّ له أن يكون كذلك، و قد اختاره اللّه عزّ و جلّ من جميع ولد آدم من أوّل الدهر إلى آخره، و فضّله عليهم أجمعين، و أعطاه من القوّة الشّديدة و النّصرة الظّاهرة و الغلبة القاهرة و الملك العالى على جميع الممالك فى الدّنيا، ما لم يعطه أحدا من عباده؛ و مضى (ص) من الدّنيا، و قوّته باقية فى العالم، تزداد على مرّ الأيّام؛ و ما أعدّ اللّه فى آخرته، فأكبر درجات و أكبر تفضيلا.
(15) فان قال قائل: إنّه قد كان فى الدّنيا، من كان أشدّ قوّة فى ملكه و سلطانه، و أظهر غلبة «2»، مثل الاسكندر و غيره من ملوك الارض، قلنا: هؤلاء ملكوا فى عصرهم و غلبوا فى دهرهم «3»، فلمّا ماتوا، زال ذلك عنهم؛ و رسم محمد (ص) باق «4» إلى الابد، و عزّه و شرفه متّصل بالقيامة. و كذلك كان سبيل موسى و عيسى (ع) و إن لم يبلغا منزلة محمّد (ص) فإنّهما جمعا الخصال الجميلة، و كان كل واحد منهما أكمل أهل زمانه، و أجمعهم لكلّ أمر يحتاج إليه الامام فى سياسة النّاس دينا و دنيا، كما ظهر من موسى (ع) من الافعال العظيمة و الايات العجيبة. و إن كان الملحدون ينكرونها، فانّهم لا يقدرون على «5» أن يطعنوا فى عقله، و استحكام فهمه، و حسن تمييزه، و كمال تدبيره؛ لانّ أفعاله العظيمة التى كانت منه، لا تتم إلا لكامل «6» عقل «7» مؤيّد حازم: فانّه
__________________________________________________
(1)- قريش: قريشا-- CA
(2)- غلبة: عليه C
(3)- فى دهرهم:- A
(4)- باق: باقى C
(5)- على:- CBA
(6)- لكامل: الكامل A
(7) عقل: العقل CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:90(1/128)
خرج من مصر و انقذ بنى إسرائيل من عبوديّة فرعون، و هم ستّمأئة ألف رجل بالغ سوى النّساء و الذّرارى، بما أعطاه اللّه من القوّة و لطف «1» له من التّدبير، و عبربهم البحر. فاتّبعهم فرعون بجنوده «2»، حتّى كان من أمره ما كان. ثم ساسهم أربعين عاما فى المهامه «3» و القفار تلك السيّاسة «4» العجيبة، مع تلّونهم و التيائهم عليه و مع ما «5» امتحن به من أمور عظيمة كانت منهم. فقدموه مع ذلك كله على أنفسهم، و ملك ذلك الجمع العظيم، و أقام فيهم الأمر و النّهى، و أقرّوا له بالنّبوّة لما رأوا منه من الآيات. و كان هارون «6» أخوه أكبر سنّا منه، و كان وجيها فيهم مبجّلا عندهم عظيما فى صدورهم، فقدمّوا موسى (ع) عليه «7»، لتقديم اللّه عزّ و جلّ إيّاه بالنّبّوة.
(16) فان أنكر الملحدون «8» نبّوته، و قالوا «9»: إنّ ذلك بحيلته «10» و دولته، قلنا:
فان أنكرتم نبوّته، هل تنكرون عقله؟ و هل يجوز أنّ ذلك الجمع العظيم من بنى إسرائيل قدّموه و انقادوا له إلا لفضل كان فيه، و قوّة «11» عظيمة، و كمال رأى، و وفور عقل؟ و أن من يجوّز «12» حيله على ذلك الخلق الكثير حتى يملك «13» رقابهم و يجعلهم «14» تحت طاعته و يقرّوا «15» له بالنّبوّة، لا يجوز «16» أن يكون مطعونا «17» عليه فى عقله و كماله و فضله؟ و لا يجوز أن يقدّموا على أنفسهم معتوها ناقصا مجنونا، من غير جدوى ينالونها «18» منه من أعراض الدنيا. و لا يوجب المعقول «19»،
__________________________________________________
(1)- و لطف: فلطف B
(2)- بجنوده: بجنود A
(3)- المهامه: المهامة A
(4) السياسة: السياسات B
(5)- ما:- B
(6)- هارون: هردون-- CA
(7)- عليه:- B
(8)- الملحدون: الملحد-- CB
(9) قالوا: قال B
(10) بحيلته: بحيلة-- CA
(11)- و قوة: قوة A
(12)- يجوز: تجوز C
(13) يملك: تملك C
(14)- يجعلهم: تجعلهم C
(15) يقروا: يقووا A
(16) لا يجوز: و لا يجوز C
(17) مطعونا: مطنوعا B
((1/129)
18)- ينالونها: ينالونه CBA
(19) المعقول: العقول BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:91
انّهم قدّموه إلّا لما ذكرنا من الآيات التى ظهرت «1» منه، و الامور العظيمة التى شاهدوها منه و عاينوها. و إن جحد الملحدون «2» تلك الايات التى دلّت على نبوته، فلكما له و حسن تدبيره و لطفه فى السّياسة.
(17) و هكذا كان أمر المسيح (ع) حين ظهر بالنبوة، و أظهر تلك الجرائح «3»، و جال «4» فى كور فلسطين و الأردن و الشّام، و ظهرت منه تلك الاسباب العظيمة من إحياء الموتى، و إبراء ذوى العاهات و المؤوفين «5»، و الدلائل الكثيرة.
فان أنكر الملحدون «6» و قالوا: إنّ ذلك لم يكن، فلا يقدرون أن يدفعوا ما شرعه لحوارييه «7» الذين عرفوا أيضا بالكمال و الفضل و القوّة التى جمعوا بها النّاس على قبول شرائعه و آثاره. فهل «8» قدروا مع تفرّقهم فى بلدان شتّى و كور متباينة على إقامة دعوته و بسط شرائعه و ترسيم آثاره، إلّا بآيات «9» كاملة؟ و هل تبعوا «10» المسيح مع كمالهم «11»، إلّا لمعرفتهم بفضله؟ فان «12» كانوا ينكرون أنّهم اتّبعوا «13» لما رأوا منه من الايات، فلا يقدرون أن ينكروا عقولهم و أفهامهم و حسن تمييزهم؛ فانّه لا يقدر على إقامة مثل تلك الدّعوة إلّا المجانين و من لا عقول لهم و لا أفهام.
فمن أنكر ما ذكرنا فى شأن محمّد (ص) و موسى و عيسى (ع) من الكمال فى عقولهم و أفهامهم و جمعهم الخصال «14» الحميدة التى تكون فى الأئمّة و
__________________________________________________
(1)- ظهرت: اظهرت A
(2)- الملحدون: الملحد-- CA
(3)- الجرائح: الحوائج B
(4)- وجال: رجال A، و حال C
(5)- المؤوفين: المأوفين BA، المأوفين C
(6)- الملحدون: ذلك B
(7)- لحوارييه: لحواريه CBA
(8)- فهل: يقدرون A
(9)- بآيات: يات A بآلات C
(10)- تبعوا: تبع A
(11) كمالهم: لحالهم A
(12) فان: و ان BA، و لو C
(13)- اتبعوه: تبعوه-- CB
(14)- الخصال: للخصال CA(1/130)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:92
الرّؤساء، و ما كانوا عليه من حسن التّدبير و السّياسة، و إن كان منكرا النّبوتهم، فهو معاند «1» مكابر دافع للعيان «2»؛ فانّ هذه الاسباب لا تعزب عن أفهام النّاس من المخالفين و المؤالفين؛ و هم يشاهدونها «3» بعقولهم و إن كانت أمورا «4» قد انقضت.
(18) و إذا «5» كان الامام بالصّفة التى وصف بها «6» هولاء الرّسل (ع) من البراعة و العقول التّامة، لا يجوز، أن لا يعقل أحدهم ما يتكلّم به، و أن يخفى عليه من تناقض كلامه و استحالته «7»، ما يعرفه غيره مثل الملحد و أشباهه. فهلّا تدبّر الملحد هذا الشأن، و هلّا علم «8» أنّ أمثال «9» هؤلاء (ع) لم يخف عليهم ما ادّعاه الملحد من التّناقض فى كلامهم، و الاختلاف فى رسومهم، و مخالفة بعضهم لبعض فى شرائعهم و فى كتبهم و الأخبار التى رويت عنهم؛ أفتراهم كانوا لا يميّزون ما يقولون، و لا يعرفون منه مقدار ما عرفه الملحد حين قال: الآن ننظر فى كلام القوم و تناقضه؟ فهّلا تدبّر «10» هذه الحال، و تأمّل ما كانوا عليه من الكمال، و جمعهم لكل محمود من الخصال؛ و هلّا حكم فى كلامهم حسب «11» ما ادّعوه من ضرب الامثال؟!
و إنما ذكرنا هذه الصّفات التى كانت فيهم، ليعرف العاقل المميّز المنصف، أنّ أمثالهم فى العقول التّامة و الافهام الكاملة، و مع هذه الاسباب العظيمة التى كانت منهم و الخصال الجميلة التى كانت فيهم، لا يجوز لأحد أن يحكم عليهم، أنّهم تكلّموا بكلام متناقض، و رسموا رسوما متناقضة،
__________________________________________________
(1)- معاند: و A
(2) دافع للعيان: دافع العيان A
(3)- يشاهدونها: ها A
(4) امورا: امر A، امور-- CB
(5)- و اذا: اذ A
(6) وصف بها: وصفنا A، وصفنا بها B
(7)- استحالته: استحالة CBA
(8)- هلا علم: هل العلم A
(9) امثال: مثال C
(10)- تدبر: تدبره C
(11)- حسب: حسن A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:93(1/131)
و هم لا يعقلون ما يقولون و يفعلون؛ بل، يجب أن يتدبّر أمرهم، و يطلب العلّة الموجبة لعذرهم، فيعرف الهدى من الضّلال؛ فليس من الدّين عوض، و لا عن اللّه مهرب، و لا بعد الموت مستعتب «1»، و لا مأوى بعد هذه «2» الدّار إلّا الجنّة أو «3» النّار.
__________________________________________________
(1)- مستعتب: متعتب A
(2) بعد هذه: بعده B
(3)- او: و A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:94
الفصل الثالث فى كلام الانبياء و رسومهم
(1) الآن، نذكر صدرا من كلام الأنبياء (ع) و رسومهم، و ما نطقت به كتبهم و ادّعوه «1» فيها، أنّهم يضربون الأمثال التى تختلف ألفاظها، و تتّفق «2» معانيها؛ و ما دلّوا عليه، و أمروا به من البحث عن معانى كلامهم المرموز، ليتّضح عدلهم «3» و يظهر صدقهم «4»؛ فيزول ما يدّعيه الملحدون عليهم من اختلافهم و تناقض كلامهم إن شاء اللّه تعالى «5»:
روى «6» عن النّبىّ (ص) أنّه قال: ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما، و على جنبتى «7» الصّراط سور «8»، و فى السّور أبواب مفتّحة، و على تلك الأبواب ستور مرخاة «9»، و على رأس الصّراط داع «10» يقول: ادخلوا الصّراط و لا تعرجوا.
قال: فالصّراط هو الاسلام، و الابواب المفتّحة محارم اللّه، و السّتور حدود
__________________________________________________
(1)- ادعوه: اودعوه C
(2) تتفق: يتفق-- CB
(3)- عدلهم: عدولهم C
(4) صدقهم: صد C
(5)- ان شاء الله تعالى:- A
(6)- روى:- C
(7)- جنبتى: جينى A
(8) سور: السور B
(9)- مرخاة: مرخات B
(10) داع: يداعى A، داعى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:95
اللّه، و الدّاعى القرآن. فهكذا سبيل المثل و المعنى «1». و ما جاء فى القرآن العظيم «2» أبلغ و أوجز:
((1/132)
2) قال اللّه عز و جل «3»: «انزل «4» من السّماء ماء «5» فسالت اودية بقدرها فاحتمل السّيل زبدا رابيا و ممّا يوقدون «6» عليه فى النّار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ و الباطل فأمّا الزبد فيذهب جفاء و امّا ما ينفع الناس فيمكث فى الارض كذلك «7» يضرب اللّه الامثال». قال أهل التّفسير: شبّه علوم الأنبياء و ما أنزل اللّه من الوحى، بماء «8» ينزل من السّماء؛ و مما يوقدون عليه فى النّار يعنى: الذّهب و الفضّة و غير ذلك من الجواهر، شبهه بالايمان و أهله؛ و الزّبد الذى يذهب جفاء، شبّهه «9» بالكفر و أهله؛ يعنى:
أنّ أعمال المؤمنين تبقى و تحصل «10» يوم القيامة، و أعمال الكفّار «11» تبطل و لا تنفع.
و ذكرنا من معنى هذا المثل، مقدار ما ذكروه فى تفسيره. و قال اللّه عزّ و جلّ «وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ «12» فِي هذَا الْقُرْآنِ «13» مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً»؛ و قال فى آية اخرى: «وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ «15» مِنْ كُلِّ مَثَلٍ «14» وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا»؛ و قال اللّه عزّ و جلّ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي «16» أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً
__________________________________________________
(1)- المعنى: المعانى
(2)- العظيم:- B
(3)- عز و جل:- A
(4) انزل: نزل B
(5) ماء:- A
(6)- يوقدون: توقدون B
(7)- كذلك: و CBA
(8)- بماء: بما-- CB
(9)- شبهه: شبه B
(10)- تبقى و تحصل: يبقى و تحصل B
(11) الكفار: الكفرة B الكفر C
(12)- للناس:- B
(13) القرآن: للناس
(14)- فابى ... كل مثل:- B
(15) للناس:- A
((1/133)
16)- لا يستحيى: لا يستحى A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:96
وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.»
و إنّما أنزل اللّه عزّ و جلّ هذه «1» الآية لمّا قال المشركون: ما هذه الامثال التى يذكرها محمّد و يضربها «2» بالذّباب و العنكبوت «3» و غير ذلك، فعندها أنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية؛ و أعلمنا أنّ الذين آمنوا، يعلمون ما فى الأمثال من الحق، و الذين كفروا يجهلون ذلك، فيهتدى بها كثير من الناس الذين يعرفون حقائقها و يضلّ بها الفاسقون «4».
(3) و قال عزّ و جلّ «5» فى صفة النّار: «عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ «6» يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ». فعرّفنا عزّ و جلّ أنّه «7» ضرب بهذا مثلا «8»، يضلّ به من يشاء و يهدى به من يشاء. و قال عزّ و جلّ: «وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.»
و روينا عن بعض أئمّتنا الصادقين (ع) أنّه قال لبعض أصحابه: انظر أن «9» لا تمرّ بك آية من كتاب اللّه إلا و أنت تعرف معناها أو تحبّ أن تعلمه، لتكون «10» عالما أو متعلّما؛ فان اللّه يقول: «و تلك الامثال نضربها للنّاس و ما يعقلها الّا العالمون.» و قال عزّ و جلّ: «قل هو للّذين آمنوا هدى و شفاء و الّذين لا يؤمنون فى آذانهم و قر و هو عليهم عمى اولئك
__________________________________________________
(1)- هذه:- B
(2)- يضربها: يضرب بها-- CB
(3) العنكبوت: بالعنكبوت A
(4)- الفاسقون: العاشقون A
((1/134)
5)- عز و جل:- A- A، جل ذكره C
(6)- كذلك:- C
(7)- انه: ان C
(8) بهذا مثلا: بهذه امثالا C
(9)- ان:- B
(10) لتكون: ليكو C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:97
ينادون من مكان بعيد» يعنى: أنّ الذين «1» آمنوا، قد علموا أنّه أمثال، و عرفوا منه ما عرفوا، و سلّموا فيما لم يعرفوا؛ و أنّ الذين لا يعرفون ذلك «3» يعمون فيه، و ينادون من مكان بعيد «2»؛ لانّهم لا يعرفون معانيه.
(4) و أخبرنا عزّ و جلّ: أنّ الانبياء الذين مضوا، ضربوا لقومهم الامثال؛ فهلك من هلك، لانهم جهلوا معانيها فكذّبوا «4» الرّسل؛ و كان سبيلهم فى جهلهم بتلك المعانى، سبيل الملحدحين جهل هذا الباب، و ظنّ بالانبياء الكذب و الاختلاف، فقدّر «5» فى كلامهم الاختلاف و التّناقض. قال اللّه عزّ و جلّ: «و عادا و ثمود «6» و اصحاب الرّس و قرونا بين ذلك كثيرا «7» و كلّا ضربنا له الامثال و كلا تبرّنا تتبيرا «8»» فدلّ «9» ذلك على «10» أنّهم هلكوا حين ضربت لهم الامثال فجهلوا معانيها و ضلّوا. فهذا ما فى القرآن، و فيه أمثال كثيرة يطول الشّرح بها.
(5) و مثل ذلك فى سائر كتب الانبياء (ع): فى الانجيل، فى بشرى «11» متّى:
هذا كلام تكلم به يسوع «12» بالامثال، و لم يكن يكلمهم بغير الامثال، ليتمّ ما قيل على لسان النبى الذى قال: أفتح فمى «13» بالامثال، و أعلم السرائر التى كانت من قبل أن وضع «14» أساس «15» الدّنيا. و فيه أيضا مثل ضربه عيسى (ع) و قال بعد ذلك: فدنا «16» منه تلاميذه و قالوا «17» له: ما بالك «18» تكلّمهم بالأمثال؟ فقال لهم:
أنتم أعطيتم سرّ ملكوت السّماء، فأمّا أولئك، فلم يعطوا. من كان له فانه
__________________________________________________
(1)- الذين: للذين B
(2) يعنى .... بعيد:- A
(3)- ذلك:- A
(4)- فكذبوا: و كذبوا BA
(5)- فقدر: و قدر B
(6)- ثمود: ثمودا C
(7)- كثيرا: كثير C
(8) تتبيرا: تبتيرا B، فقد-- CB
(9) فدل:- C
(10)- على:- A
((1/135)
11)- فى بشرى: من بشرى A
(12)- يسوع: اليشوع CB الشرع، A
(13)- فمى: فمن C
(14)- وضع: اوضع A
(15) اساس: اهناس CBA
(16)- فدنا: فدنى A
(17) قالوا: قال B
(18) ما بالك: مالك B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:98
يعطى «1» و يزاد «2»، و من لم يكن له، فانّه «3» مهما كان له، يؤخذ «4» منه أيضا؛ لذلك أكلّمهم بالامثال، لأنّهم يبصرون الحقّ، فيعمون أبصارهم، و يسمعون ثم لا يعقلون و لا يفقهون؛ فأمّا أنتم فطوبى لاعينكم التى ترى و آذانكم التى تسمع. و مثل هذا فى القرآن، قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها «5» وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» يعنى بهذا: أنّ من سمع القرآن و لم يعقل الامثال التى ضربت فيه «6»، فهو بهذه المنزلة.
(6) و فى بشرى مارقوس: أنّ المسيح ضرب للحواريّين مثلا، ثم قال لهم أنتم أعطيتم أن تعلموا سرّ ملكوت السّماء «7»، فأما الغرباء، فانّهم يكلّمون بالامثال، لكيما إذا رأوا لم يروا، و إذا سمعوا لم يسمعوا و لم يفهموا، لعلهم يرجعون، فتغفرلهم خطاياهم، أما يحسنون هذا «8» المثل فكيف إذا تعلمّوا جميع الامثال. و يقول فيه أيضا بعد مثل «9» ضربه لهم، ثم قال: بمثل «10» هذه الامثال جعل يكلّمهم يسوع «12»، و لم يكن يكلمهم بغير أمثال «11»، و كان يفسر لتلاميذه جميع الأشياء بينه و بينهم. و من «13» الامثال التى «14» ضربها و فسرّها لهم، قال:
إنّ الزّراع خرج ليزرع، فلمّا زرع، منه ما سقط فى جادّة الطّريق، فجاءه الطّير فلقطه؛ و منه ما سقط على الصّخر حيث لم يكن طين كثير، فنبت من ساعته، لانّه لم يكن له قعر «15» فى الأرض، فلما طلعت عليه الشمس،
__________________________________________________
(1)- يعطى: يعطا-- CB
((1/136)
2) يزاد: يرداد-- CB
(3) فانه: فان CBA
(4) له يوخذ: لم يوخذ B
(5)- لهم اعين لا يبصرون بها:- BA
(6)- فيه:- B
(7)- ملكوت السماء: الملكوت-- CB
(8)- هذا: فهذا B
(9)- مثل: مثلا C
(10) بمثل: بمل C
(11)- جعل ... امثال:- B
(12) يسوع: ايشوع CBA
(13)- من: فى A
(14) التى:- A
(15)- قعر: اصل A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:99
ذوى لأنّه لم يكن له أصل فى الأرض، فيبس؛ و منه ما سقط بين الشّوك «1»، فارتفع الشّوك فخنقه؛ و منه ما سقط فى الارض الصّالحة و ربا «2»، فمنه ما خرج مائة ضعف، و منه ستون، و منه ثلاثون. من كان له أذنان سامعتان فليسمع. ثم فسر لهم هذا المثل فقال: الزّرع، مثل من سمع كلام الملكوت فلم يفهمه، يأتيه الشيطان فيختلف الكلمة التى زرعت فى قلبه، و هو الزّرع على جادّة الطرّيق؛ و الزّرع على الصّفاء «3»، هو الذى يسمع الكلمة فيقبلها من ساعته فرحا، و ليس له فيها أصل، بل إنّما هى إلى حين قليل، فاذا كان ضرّ أو «4» مشقّة من أجل «5» تلك الكلمة، كفر و شيكا؛ و الذى زرع بين الشّوك، فهو الّذى يسمع الكلمة، فتأتى هموم الدّنيا و فتنة الغنى «6»، فتخنق «7» الكلمة، فتصير لاثمرة لها؛ و اما الزرع «8» الذى فى الارض الصالحة، فهو الّذى يسمع الكلمة «9» فيعبها «10»، و يثمّرها منه مائة ضعف، و منه ستّون و منه ثلاثون.
(7) و تمثّل مثلا آخر، فقال: يشبه ملكوت السّماء رجلا زرع فى قريته زرعا صالحا، فلمّا رقد النّاس جاء عدو له «11»، فزرع زوانا بين الحنطة و ذهب، فلما نشأ الزّرع و أثمر، طلع «12» الزّوان «13» بين الزّرع؛ ثم إنّ عبيد صاحب القرية قالوا: يا سيدنا، أليس إنّما زرعت «14» زرعا صالحا، فمن أين صارفيه هذا الزّوان؟ هو بحق قال لهم: دخل «16» عدّو و فعل هذا. قالوا له:
أيسرّك أن «15» ننطلق و نلقطه؟ هو بحق قال لهم: لعلكم مع لقطكم الزّوان «17»،
__________________________________________________
(1)- الشوك:- C
((1/137)
2)- ربا: ربى A
(3)- الصفا: الحصفا B
(4)- او: و B
(5) اجل:- B
(6) الغنى: الغنا A
(7)- فتخنق: فتخفف B
(8) الزرع: الزراع C
(9)- الكلمة: كلمتى C
(10) فيعيها: فيقيها C
(11)- عدوله: عدوه C
(12)- طلع: الطلع B
(13) الزوان: الزمان A
(14)- زرعت: زرعة C
(15)- قال لهم ... ان:- B
(16) دخل: فعل A
(17)- الزوان: ان B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:100
تقلعون «1» معه الحنطة، و لكن دعوهما «2» حتى ينبتا «3» جميعا، حتى يبلغ الحصاد «4».
فاذا كان الحصاد، قلت للحصدة: القطوا الزّوان و احزموه حزما ليحرق بالنار، و أمّا الحنطة فاجمعوها إلى أهراى «5». قالوا له: فسرّ لنا هذا المثل فأجابهم:
إن الذى زرع الزّرع الصّالح، هو ابن البشر؛ و القرية هى العالم؛ و الزّرع الصّالح، بنو «6» الملكوت؛ و الزّوان هم بنو طاعة الشّيطان؛ و العدوّ الذى زرع الزّوان، هو الشّيطان؛ و الحصاد، هو فناء «7» العالم؛ و الحصدة، هم الملائكة. و كما أنّ الزّوان يلقط و يحرق بالنّار، كذلك يكون فى منتهى العالم، يرسل اللّه ملائكته، فيلقطون من ملكوته جميع الفّتانين و الأئمة، فيلقونهم «8» فى أتون النّار؛ ثم يكون البكاء «9»
و صرير «10»
الأسنان. فعلى هذه الامثال التى هى فى الأنجيل؛ و هى كثيرة.
(8) و نحو هذا فى سائر كتب الانبياء: فى كتاب هو شع، ما هو مفسّر من الأمثال: اسمعوا قول الرّب يا بنى إسرائيل، إنّ للرّبّ حكومة مع سكّان الارض لعدم البرّ و القسط، و عدم المعرفة باللّه فى الارض، و لما كثر من اللّعن و الكذب و القتل و السّرق «11»
و السّفاح فى الارض، و لانّهم خلطوا الدّم بالدّم؛ لذلك تئنّ «12»
الارض و ترثى، و ينوح «13»
جميع سكانها و حيوان القفار و طير «14»
السّماء، و يهلك سمك البحر. و قال فى تفسير هذا «15»
المثل:
يعنى بالحيوان الملوك، و بالطّير الكهنة و بالسّمك سائر الشّعب.
__________________________________________________
(1)- تقلعون: تقلعوا CBA
((1/138)
2) دعوهما: دعوها A
(3) ينبتا: ينبتان CBA
(4) الحصاد: الحصا C
(5)- اهراى: هراى B، اهرأى C
(6)- بنو: نبوت C
(7)- هو فناء B
(8)- فيلقونهم: فيلقوهم B، فيلقونه C
(9) البكاء: البكائى A
(10) حرير: صريف CBA
(11)- السرق: العزف B
(12)- تئن: تابل CBA، كلمه لا تقرأ و بالرجوع الى التورآه احتملنا كونهاتتن
(13) ينوح: تنوح CBA
(14)- طير: طيران C
(15)- هذا:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:101
و ظاهر هذا المثل، لا يوجب أن يهلك اللّه عزّ و جلّ بذنوب بنى آدم التى ذكرها، الحيوان و الطير و السّمك! و لو أن ناظرا فى هذا الكلام عمد «1»
إلى ظاهر ألفاظه لعابه، و قال: كيف يهلك اللّه عزّ و جلّ الحيوان و الطّير و السّمك بذنوب البشر؟ أو «2»
كيف ذكر السّمك و الطّير مع ذكره الحيوان، و هما من الحيوان؟ و لكان له «3»
فى ذلك مقال، لو كان ظاهرا لا معنى تحتة.
فلمّا فسره و ردّه إلى المعنى، زال عنه عيب الجّهال.
(9) و فى كتاب يوئيل «4»
النّبىّ (ع) يقول: ما أبقى الجندب أكله الجراد الطّائر و ما أبقى «5»
الجراد الطّائر «6»
أكله الدّبى «7»
، و ما فضل عن الدّبى «8»
أكله الصّرصر. و قال فى تفسيره: يعنى بالجندب تغلث فلا سر «9»
ملك الموصل، و بالجراد شلمنأ صرّ «11»
ملك الموصل «10»
و بالدّبى «12»
سنحاريب ابن ملك الموصل و بالصرصر نبوخد نصرّ «13»
.
(10) و فى كتاب أشعياء أنّ الرّبّ يتعزّر «14»
على صنوبر «15»
لبنان «16»
المستعلية الشّامخة و على جميع شجر البلّوط الذى «17»
بأرض باشان «18»
و على جميع الجبال الرّواسى، و على كلّ هضبة منيعة. و على كل سور منيع «19»
، و على جميع سفن تارشيش، و على كل منظرة رائعة. و قال فى تفسيره: يعنى بالصّنوبر و شجر البلّوط، الاكابر و الاصاغر من الملوك؛ و كذلك بالجبال «20»
الرّواسى و الهضبات «21»
المنيعة «22»
، يعنى بها ملوكا ثبت ملكهم و امتنعوا.
__________________________________________________
((1/139)
1)- عمد: عمل-- CA
(2)- او: و-- CB
(3)- له:- A
(4)- يوئيل- بواد-- CB
(5)- ابقى: اكله A
(6) الجراد الطائر: الجراد B
(7) الدبى: الدى A، الدباد-- CB
(8) الدبى: الذى A، الدبا B
(9) ثعلث فلاسر: تفلتسقان B، تفلتفسان C
(10)- بالجراد ... الموصل:- A
(11) شلمنأصر: شلما يعشير C: شلما يعشر B
(12) بالدبى- ... الموصل:- BA
(13)- بنو خد نصر: بحث النصر-- CB
(14)- يتعزر: يتدز A، يتقرر B
(15) صنوبر: CA ضوبر: C
(16) لبنان: لينان- BA
(17)- الذى: التى-- CA
(18) باشان: نيسار: CA نيسابور B
(19)- على كل ... منيع:- A
(20)- بالجبال B
(21)- الهضبات: الهضبان C
(22) المنيعة:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:102
و فيه أيضا قال الرّب: أطلق الرّسل السّراع الى شعب مخوف «1»
و مستأصل الذى أخربت «2»
الانهار أرضه، فيجفّ الماء من البحر و تخرب الانهار و يقطع الزلّ «3»
بالمنجل و يجور «4» القضيب فيها و ينقضى «5»، لانّ الشعب لم يقبل حتى عوقب و أهلك الربّ من بنى اسرائيل الرأس و الذنب فى يوم «6» واحد «7».
و قال فى تفسيره: يعنى بالشعب المنتجبة «8»، و بالبحر فرعون «9»، و بالانهار قواده و بالزّل أغنياء «10» الحبشة، و بالقضيب ملك بابل، و بالرأس الشيخ البهى الوجه و بالذّنب، النبى الذى يعلّم الزور.
(11) و فى كعض أئمّتنا الصادقين (ع) أنّه قال لبعض أصحابه: انظر أن «9» لا تمرّ بك آية من كتاب اللّه إلا و أنت تعرف معناها أو تحبّ أن تعلمه، لتكون «10» عالما أو متعلّما؛ فان اللّه يقول: «و تلك الامثال نضربها للنّاس و ما يعقلها الّا العالمون.» و قال عزّ و جلّ: «قل هو للّذين آمنوا هدى و شفاء و الّذين لا يؤمنون فى آذانهم و قر و هو عليهم عمى اولئك
__________________________________________________
(1)- هذه:- B
(2)- يضربها: يضرب بها-- CB
(3) العنكبوت: بالعنكبوت A
(4)- الفاسقون: العاشقون A
(5)- عز و جل:- A- A، جل ذكره C
(6)- كذلك:- C
((1/140)
7)- انه: ان C
(8) بهذا مثلا: بهذه امثالا C
(9)- ان:- B
(10) لتكون: ليكو C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:97
ينادون من مكان بعيد» يعنى: أنّ الذين «1» آمنوا، قد علموا أنّه أمثال، و عرفوا منه ما عرفوا، و سلّموا فيما لم يعرفوا؛ و أنّ الذين لا يعرفون ذلك «3» يعمون فيه، و ينادون من مكان بعيد «2»؛ لانّهم لا يعرفون معانيه.
(4) و أخبرنا عزّ و جلّ: أنّ الانبياء الذين مضوا، ضربوا لقومهم الامثال؛ فهلك من هلك، لانهم جهلوا معانيها فكذّبوا «4» الرّسل؛ و كان سبيلهم فى جهلهم بتلك المعانى، سبيل الملحدحين جهل هذا الباب، و ظنّ بالانبياء الكذب و الاختلاف، فقدّر «5» فى كلامهم الاختلاف و التّناقض. قال اللّه عزّ و جلّ: «و عادا و ثمود «6» و اصحاب الرّس و قرونا بين ذلك كثيرا «7» و كلّا ضربنا له الامثال و كلا تبرّنا تتبيرا «8»» فدلّ «9» ذلك على «10» أنّهم هلكوا حين ضربت لهم الامثال فجهلوا معانيها و ضلّوا. فهذا ما فى القرآن، و فيه أمثال كثيرة يطول الشّرح بها.
(5) و مثل ذلك فى سائر كتب الانبياء (ع): فى الانجيل، فى بشرى «11» متّى:
هذا كلام تكلم به يسوع «12» بالامثال، و لم يكن يكلمهم بغير الامثال، ليتمّ ما قيل على لسان النبى الذى قال: أفتح فمى «13» بالامثال، و أعلم السرائر التى كانت من قبل أن وضع «14» أساس «15» الدّنيا. و فيه أيضا مثل ضربه عيسى (ع) و قال بعد ذلك: فدنا «16» منه تلاميذه و قالوا «17» له: ما بالك «18» تكلّمهم بالأمثال؟ فقال لهم:
أنتم أعطيتم سرّ ملكوت السّماء، فأمّا أولئك، فلم يعطوا. من كان له فانه
__________________________________________________
(1)- الذين: للذين B
(2) يعنى .... بعيد:- A
(3)- ذلك:- A
(4)- فكذبوا: و كذبوا BA
(5)- فقدر: و قدر B
(6)- ثمود: ثمودا C
(7)- كثيرا: كثير C
(8) تتبيرا: تبتيرا B، فقد-- CB
(9) فدل:- C
(10)- على:- A
(11)- فى بشرى: من بشرى A
(12)- يسوع: اليشوع CB الشرع، A
((1/141)
13)- فمى: فمن C
(14)- وضع: اوضع A
(15) اساس: اهناس CBA
(16)- فدنا: فدنى A
(17) قالوا: قال B
(18) ما بالك: مالك B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:98
يعطى «1» و يزاد «2»، و من لم يكن له، فانّه «3» مهما كان له، يؤخذ «4» منه أيضا؛ لذلك أكلّمهم بالامثال، لأنّهم يبصرون الحقّ، فيعمون أبصارهم، و يسمعون ثم لا يعقلون و لا يفقهون؛ فأمّا أنتم فطوبى لاعينكم التى ترى و آذانكم التى تسمع. و مثل هذا فى القرآن، قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها «5» وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» يعنى بهذا: أنّ من سمع القرآن و لم يعقل الامثال التى ضربت فيه «6»، فهو بهذه المنزلة.
(6) و فى بشرى مارقوس: أنّ المسيح ضرب للحواريّين مثلا، ثم قال لهم أنتم أعطيتم أن تعلموا سرّ ملكوت السّماء «7»، فأما الغرباء، فانّهم يكلّمون بالامثال، لكيما إذا رأوا لم يروا، و إذا سمعوا لم يسمعوا و لم يفهموا، لعلهم يرجعون، فتغفرلهم خطاياهم، أما يحسنون هذا «8» المثل فكيف إذا تعلمّوا جميع الامثال. و يقول فيه أيضا بعد مثل «9» ضربه لهم، ثم قال: بمثل «10» هذه الامثال جعل يكلّمهم يسوع «12»، و لم يكن يكلمهم بغير أمثال «11»، و كان يفسر لتلاميذه جميع الأشياء بينه و بينهم. و من «13» الامثال التى «14» ضربها و فسرّها لهم، قال:
إنّ الزّراع خرج ليزرع، فلمّا زرع، منه ما سقط فى جادّة الطّريق، فجاءه الطّير فلقطه؛ و منه ما سقط على الصّخر حيث لم يكن طين كثير، فنبت من ساعته، لانّه لم يكن له قعر «15» فى الأرض، فلما طلعت عليه الشمس،
__________________________________________________
(1)- يعطى: يعطا-- CB
(2) يزاد: يرداد-- CB
(3) فانه: فان CBA
((1/142)
4) له يوخذ: لم يوخذ B
(5)- لهم اعين لا يبصرون بها:- BA
(6)- فيه:- B
(7)- ملكوت السماء: الملكوت-- CB
(8)- هذا: فهذا B
(9)- مثل: مثلا C
(10) بمثل: بمل C
(11)- جعل ... امثال:- B
(12) يسوع: ايشوع CBA
(13)- من: فى A
(14) التى:- A
(15)- قعر: اصل A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:99
ذوى لأنّه لم يكن له أصل فى الأرض، فيبس؛ و منه ما سقط بين الشّوك «1»، فارتفع الشّوك فخنقه؛ و منه ما سقط فى الارض الصّالحة و ربا «2»، فمنه ما خرج مائة ضعف، و منه ستون، و منه ثلاثون. من كان له أذنان سامعتان فليسمع. ثم فسر لهم هذا المثل فقال: الزّرع، مثل من سمع كلام الملكوت فلم يفهمه، يأتيه الشيطان فيختلف الكلمة التى زرعت فى قلبه، و هو الزّرع على جادّة الطرّيق؛ و الزّرع على الصّفاء «3»، هو الذى يسمع الكلمة فيقبلها من ساعته فرحا، و ليس له فيها أصل، بل إنّما هى إلى حين قليل، فاذا كان ضرّ أو «4» مشقّة من أجل «5» تلك الكلمة، كفر و شيكا؛ و الذى زرع بين الشّوك، فهو الّذى يسمع الكلمة، فتأتى هموم الدّنيا و فتنة الغنى «6»، فتخنق «7» الكلمة، فتصير لاثمرة لها؛ و اما الزرع «8» الذى فى الارض الصالحة، فهو الّذى يسمع الكلمة «9» فيعبها «10»، و يثمّرها منه مائة ضعف، و منه ستّون و منه ثلاثون.
(7) و تمثّل مثلا آخر، فقال: يشبه ملكوت السّماء رجلا زرع فى قريته زرعا صالحا، فلمّا رقد النّاس جاء عدو له «11»، فزرع زوانا بين الحنطة و ذهب، فلما نشأ الزّرع و أثمر، طلع «12» الزّوان «13» بين الزّرع؛ ثم إنّ عبيد صاحب القرية قالوا: يا سيدنا، أليس إنّما زرعت «14» زرعا صالحا، فمن أين صارفيه هذا الزّوان؟ هو بحق قال لهم: دخل «16» عدّو و فعل هذا. قالوا له:
أيسرّك أن «15» ننطلق و نلقطه؟ هو بحق قال لهم: لعلكم مع لقطكم الزّوان «17»،
__________________________________________________
(1)- الشوك:- C
(2)- ربا: ربى A
(3)- الصفا: الحصفا B
(4)- او: و B
((1/143)
5) اجل:- B
(6) الغنى: الغنا A
(7)- فتخنق: فتخفف B
(8) الزرع: الزراع C
(9)- الكلمة: كلمتى C
(10) فيعيها: فيقيها C
(11)- عدوله: عدوه C
(12)- طلع: الطلع B
(13) الزوان: الزمان A
(14)- زرعت: زرعة C
(15)- قال لهم ... ان:- B
(16) دخل: فعل A
(17)- الزوان: ان B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:100
تقلعون «1» معه الحنطة، و لكن دعوهما «2» حتى ينبتا «3» جميعا، حتى يبلغ الحصاد «4».
فاذا كان الحصاد، قلت للحصدة: القطوا الزّوان و احزموه حزما ليحرق بالنار، و أمّا الحنطة فاجمعوها إلى أهراى «5». قالوا له: فسرّ لنا هذا المثل فأجابهم:
إن الذى زرع الزّرع الصّالح، هو ابن البشر؛ و القرية هى العالم؛ و الزّرع الصّالح، بنو «6» الملكوت؛ و الزّوان هم بنو طاعة الشّيطان؛ و العدوّ الذى زرع الزّوان، هو الشّيطان؛ و الحصاد، هو فناء «7» العالم؛ و الحصدة، هم الملائكة. و كما أنّ الزّوان يلقط و يحرق بالنّار، كذلك يكون فى منتهى العالم، يرسل اللّه ملائكته، فيلقطون من ملكوته جميع الفّتانين و الأئمة، فيلقونهم «8» فى أتون النّار؛ ثم يكون البكاء «9»
و صرير «10»
الأسنان. فعلى هذه الامثال التى هى فى الأنجيل؛ و هى كثيرة.
(8) و نحو هذا فى سائر كتب الانبياء: فى كتاب هو شع، ما هو مفسّر من الأمثال: اسمعوا قول الرّب يا بنى إسرائيل، إنّ للرّبّ حكومة مع سكّان الارض لعدم البرّ و القسط، و عدم المعرفة باللّه فى الارض، و لما كثر من اللّعن و الكذب و القتل و السّرق «11»
و السّفاح فى الارض، و لانّهم خلطوا الدّم بالدّم؛ لذلك تئنّ «12»
الارض و ترثى، و ينوح «13»
جميع سكانها و حيوان القفار و طير «14»
السّماء، و يهلك سمك البحر. و قال فى تفسير هذا «15»
المثل:
يعنى بالحيوان الملوك، و بالطّير الكهنة و بالسّمك سائر الشّعب.
__________________________________________________
(1)- تقلعون: تقلعوا CBA
(2) دعوهما: دعوها A
(3) ينبتا: ينبتان CBA
((1/144)
4) الحصاد: الحصا C
(5)- اهراى: هراى B، اهرأى C
(6)- بنو: نبوت C
(7)- هو فناء B
(8)- فيلقونهم: فيلقوهم B، فيلقونه C
(9) البكاء: البكائى A
(10) حرير: صريف CBA
(11)- السرق: العزف B
(12)- تئن: تابل CBA، كلمه لا تقرأ و بالرجوع الى التورآه احتملنا كونهاتتن
(13) ينوح: تنوح CBA
(14)- طير: طيران C
(15)- هذا:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:101
و ظاهر هذا المثل، لا يوجب أن يهلك اللّه عزّ و جلّ بذنوب بنى آدم التى ذكرها، الحيوان و الطير و السّمك! و لو أن ناظرا فى هذا الكلام عمد «1»
إلى ظاهر ألفاظه لعابه، و قال: كيف يهلك اللّه عزّ و جلّ الحيوان و الطّير و السّمك بذنوب البشر؟ أو «2»
كيف ذكر السّمك و الطّير مع ذكره الحيوان، و هما من الحيوان؟ و لكان له «3»
فى ذلك مقال، لو كان ظاهرا لا معنى تحتة.
فلمّا فسره و ردّه إلى المعنى، زال عنه عيب الجّهال.
(9) و فى كتاب يوئيل «4»
النّبىّ (ع) يقول: ما أبقى الجندب أكله الجراد الطّائر و ما أبقى «5»
الجراد الطّائر «6»
أكله الدّبى «7»
، و ما فضل عن الدّبى «8»
أكله الصّرصر. و قال فى تفسيره: يعنى بالجندب تغلث فلا سر «9»
ملك الموصل، و بالجراد شلمنأ صرّ «11»
ملك الموصل «10»
و بالدّبى «12»
سنحاريب ابن ملك الموصل و بالصرصر نبوخد نصرّ «13»
.
(10) و فى كتاب أشعياء أنّ الرّبّ يتعزّر «14»
على صنوبر «15»
لبنان «16»
المستعلية الشّامخة و على جميع شجر البلّوط الذى «17»
بأرض باشان «18»
و على جميع الجبال الرّواسى، و على كلّ هضبة منيعة. و على كل سور منيع «19»
، و على جميع سفن تارشيش، و على كل منظرة رائعة. و قال فى تفسيره: يعنى بالصّنوبر و شجر البلّوط، الاكابر و الاصاغر من الملوك؛ و كذلك بالجبال «20»
الرّواسى و الهضبات «21»
المنيعة «22»
، يعنى بها ملوكا ثبت ملكهم و امتنعوا.
__________________________________________________
(1)- عمد: عمل-- CA
(2)- او: و-- CB
(3)- له:- A
((1/145)
4)- يوئيل- بواد-- CB
(5)- ابقى: اكله A
(6) الجراد الطائر: الجراد B
(7) الدبى: الدى A، الدباد-- CB
(8) الدبى: الذى A، الدبا B
(9) ثعلث فلاسر: تفلتسقان B، تفلتفسان C
(10)- بالجراد ... الموصل:- A
(11) شلمنأصر: شلما يعشير C: شلما يعشر B
(12) بالدبى- ... الموصل:- BA
(13)- بنو خد نصر: بحث النصر-- CB
(14)- يتعزر: يتدز A، يتقرر B
(15) صنوبر: CA ضوبر: C
(16) لبنان: لينان- BA
(17)- الذى: التى-- CA
(18) باشان: نيسار: CA نيسابور B
(19)- على كل ... منيع:- A
(20)- بالجبال B
(21)- الهضبات: الهضبان C
(22) المنيعة:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:102
و فيه أيضا قال الرّب: أطلق الرّسل السّراع الى شعب مخوف «1»
و مستأصل الذى أخربت «2»
الانهار أرضه، فيجفّ الماء من البحر و تخرب الانهار و يقطع الزلّ «3»
بالمنجل و يجور «4» القضيب فيها و ينقضى «5»، لانّ الشعب لم يقبل حتى عوقب و أهلك الربّ من بنى اسرائيل الرأس و الذنب فى يوم «6» واحد «7».
و قال فى تفسيره: يعنى بالشعب المنتجبة «8»، و بالبحر فرعون «9»، و بالانهار قواده و بالزّل أغنياء «10» الحبشة، و بالقضيب ملك بابل، و بالرأس الشيخ البهى الوجه و بالذّنب، النبى الذى يعلّم الزور.
(11) و فى كتاب حبقّوق: إنما أضرب الامثال و أقول الاوابد، و الذى يعقل يعرف هذه المقالات، و يعلم أنّ طرق الرب معتدلة، يسير الابرار فيها سيرا صالحا، و الائمة يعثرون فيها. يعنى: أنّ من علم معانى الامثال من كلام الانبياء، هو من الابرار، فعرف مرادهم و جرى على سننهم بالعدل و الصدق و كان صالحا. و من جهل ذلك عثر، فلم يصدق الانبياء و نسبهم الى الكذب، فكان بمنزلة من يعثر فى طريقه؛ كفعل الملحدين الضالين.
((1/146)
12) و فى «11» كتاب صفينا، قال الرب: إنى ازيل كلا عن وجه الارض، زوالا ازيل «12» البهائم و طير السّماء و سمك البحر. و قال فى تفسيره: يعنى بالبهائم و طير السّماء، الظالمين الذين كانوا يجتمعون على المساكين، و بالسمك سائر الشعب.
(13) و فى كتاب ناحوم النّبىّ: يكون أثر عقاب اللّه كالغبار، و ييبس «13» البحر و تخرب الأنهار كلّها. و قال فى تفسيره: يعنى بالبحر ملك الموصل، و
__________________________________________________
(1)- مخوف: عشوف A، منتوف-- CB
(2)- اخربت: اخرجت A، اخرج C
(3)- الزل: الزر C
(4) يجوز: يجوز A، يجور B
(5) ينقضى: ينقض C
(6)- يوم:- B
(7) واحد B
(8) المنتجبه: المنتخبة CBA
(9)- فرعون: فرعون CBA
(10)- اغنياء: غنيائه B
(11)- و فى: فى BA
(12) الاوابد: اوابد B
(13)- ييبس: يبس B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:103
بالأنهار قوّاده. و فى كتاب بولس «1» المقدّم عند النّصارى الذى يسمونه الرسول الصّالح، فى رسالته إلى تيموثاوس «2» أنّ البيت العظيم ليس تكون «3» فيه أوانى الخشب و الفخّار ايضا، منها للكرامة «4» و منها للهوان. و قال فى تفسيره:
يعنى الدنيا و ما فيها من سعيد و شقى.
__________________________________________________
(1)- بولس: قولس CBA
(2)- تيموثاوس: طيمانوس CBA
(3) تكون: يكون
(4)- للكرامة: لكرامة A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:104
الفصل الرابع فى باب المثل و المعنى
((1/147)
1) قد ذكرنا صدرا من هذه الأمثال التى هى «1» فى القرآن العظيم و فى سائر كتب الأنبياء (ع) الذين سلفوا، و هى كثيرة جدا، و لو تتبّعناها، لطال بها الكتاب، قد ذكرنا منها رسما «2» ليستدلّ به على مذاهب «3» الأنبياء و سننهم فى شرائعهم، و يعلم أنّ الأمر فيه كما قلنا: إنّ أكثر كلامهم و رسومهم، هى أمثال تختلف «4» ظواهرها، و المراد بها المعانى؛ و من جهل مرادهم، و لم يعرف معانى كلامهم، حكم عليه بالاختلاف و التّناقض؛ كما فعله الملحد حين «5» قضى فى ذلك بالكذب، و أنزل الأنبياء الطّاهرين «6» منزلة الكذّابين الفجّار، جهلا منه بمعانى كلامهم، و جرأة «7» على اللّه عزّ و جلّ، و كفرا و طغيانا؛ و لو نظر فى دعاوى الأنبياء (ع) و حكم فى ذلك حسب ما نطقت به كتبهم، ثم أنصف نفسه، لما ضلّ عن طريق الهدى، لأنّهم ادّعوا أنّهم يضربون الأمثال، و أنّ لكلامهم معانى لطيفة، و حثّوا على طلبها و تعليمها «8»،
__________________________________________________
(1)- هى:- C
(2)- رسما:- A
(3) مذاهب: مذهب A
(4)- تختلف: فختلف A
(5)- حين: حتى C
(6) الطاهرين: المرسلين C
(7)- جرأة: جرأة A، جرءة B
(8)- تعليمها: تعلمها B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:105
و أنذروا ترك ذلك، و احتجّوا على النّاس؛ كما روى عن رسول اللّه (ص) أنّه قال: «ما نزلت علىّ آية إلّا و لها ظهر و بطن، و لكل حرف حدّ، و لكل حدّ مطلع». و كما روى عن أمير المؤمنين على كرّم اللّه وجهه «1»، حين وصف القرآن فقال: «ظاهره أنيق و باطنه عميق، لا تنقضى عجائبه و لا تفنى غرائبه»(1/148)
و أذكر لك فى باب المثل و المعنى مثالا «2» تستدلّ به على رسوم الأنبياء (ع) فى ذلك، و تعرف مذاهبهم فيه، و تتصور «3» ذلك، و تعلم كيف كان خطابهم لأممهم بالامثال، و كيف اختلفت «4» ألفاظهم و اتّفقت معانيها، و تعتبر به «5»، و تستدل بالقليل على الكثير، و تعلم أنّ الملحد لمّا لم يعرف هذا الباب، طعن على الانبياء الصّادقين (ع) و قضى عليهم بالكذب، و حكم فى كلامهم بالتناقض، و لم يتأمّل دعاويهم، أنّهم يضربون الأمثال، فضلّ و هلك:
إعلم «6» أنّ مثل من يسمع الأمثال «7» من كلام الأنبياء (ع) و لا يعرف «8» المعانى، مثل من يشاهد قوما يعرفون بالصّدق و الورع و العقل و التّمييز اطّلعوا فى بيت، فسئلوا، فقيل «9» لهم: ما رأيتم فى هذا البيت؟ فقال أحدهم: ما رأيت فيه «10» إلا نعجة. و قال الآخر، ما رأيت فيه إلا قارورة، و قال الآخر، ما رأيت فيه إلّا بيضة. فقيل لهم: لم اختلفتم، و أنتم تعرفون بالصّدق، و لا تنكر عقولكم؟ فقالوا: ضربنا أمثالا. ثم شهد كلّ واحد منهم لصاحبه أنّه قد صدق.
(2) فاذا حكم من يسمع كلامهم بظاهر اللّفظ، و لم يلتفت إلى دعواهم «11»
__________________________________________________
(1)- كرم اله وجهه:- A- A، فى الجته C
(2)- مثالا: مثلا C
(3)- تتصور: متصور A
(4)- اختلفت: اختلف BA
(5) به: بها A
(6)- اعلم: و اعلم B
(7) الامثال: الامتثال A
(8) لا يعرف: لم يعرف B
(9)- فقيل: و قيل-- CB
(10)- فيه: فيها CB
(11)- دعواهم: دعويهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:106(1/149)
حين قالوا ضربنا أمثالا «1»، و لم يسأل عن معنى كلامهم، و حكم عليهم بالاختلاف و التّناقض، و قضى عليهم بالكذب «2»، كان جاهلا متعديّا ظالما، ضالا عن الحق، تاركا «3» للأنصاف. و من تأمّل كلامهم و دعواهم، و سأل عن معنى الامثال التى «4» ادّعوها، و بحث عن ذلك، وجدهم صادقين و كان مصيبا منصفا عادلا هاديا؛ لأنّهم رأوا فى البيت امرأة، فكنوا عن ذكرها: و ضرب أحدهم المثل بالنّعجة و الآخر بالقارورة؛ لانّ المرأة، يكنى عن ذكرها بالنّعجة، كما قال اللّه عزّ و جلّ فى قصة داود (ع) و الملكين حين ضرب المثل، فقال أحدهما «هذا أخى «5» له تسع و تسعون نعجة، ولى نعجة واحدة»؛ و أشار إلى المعنى. فعرف داود (ع) معنى المثل و أنّهما نبّهاه «6» لخطأه فى أمر «7» أوريا «8». و يقال للمرأة قارورة إذا «9» كنى عنها، كما روى عن النبى (ص) أنّه قال فى بعض أسفاره، و رجل من أصحابه يحدو «10» بهم «11» المطّى، فقال له النبى (ص): «اتّق القوارير» يعنى به النّساء، و كنى عن ذكرهن و أراد «12» أن ينهاه أن يتكلّم فى حداه بكلام رقيق تسمعه «13» النّساء، فتصبو قلوبهن، لانّهنّ ضعاف «14» العقول، و إذا لم يصنّ، صبون، و فسدت قلوبهن «15»، مثل القوارير إذا لم تصن، انكسرت. و يقال للمرأة أيضا بيضة، على التّشبيه، كما قال الشاعر:
و بيضة خدر لا يرام خباؤها تمتّعت من لهو بها غير معجل
__________________________________________________
(1) امثالا: الامثال
(2)- بالكذب: باكذب B
(3)- تاركا: ركا C
(4)- التى:- B
(5)- اخى:- C
(6)- نبهاء: ينهاه A، بنها B
(7)- امر: امرأة B
(8) اوريا: رويا A
(9) اذا: اذ A
(10)- يحدو: يحدوا C
(11) بهم:- C
(12)- اراد: ارا A
(13)- تسمعه: يسمعه CBA
(14)- ضعاف: ضعفاء-- CB
(15) قلوبهن: لانهن ضعفاء العقول B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:107
فكنى عن المرأة بالبيضة.(1/150)
فعلى هذا المثال «1» سبيل «2» كلام الانبياء و الرّسل فى ضرب الأمثال و اختلاف ألفاظهم بها و اتّفاق معانيها، و تقدير الجاهلين «3» فيها إذا حكموا بظاهر الالفاظ؛ فنسبوهم «4» إلى الاختلاف و الكذب؛ و هم البررة الصّادقون.
(3) و مثل هذا موجود فى رسوم الفلاسفة الحكماء القدماء «5». فإنّهم ضربوا الأمثال فى كثير من كلامهم، و ذهبوا فى ذلك مذهب الأنبياء (ع) و سلكوا سبيلهم؛ كما هو مكتوب فى كتاب برقلس «6»، أنّه: كان يناطق النّاس منطقين، أحدهما روحانّى و الآخر جسمانىّ؛ يعنى بالجسمانى الامثال، و بالرّوحانىّ المعانى. و فى كتاب ديمقراط الفيلسوف، أنّه: كان يتكلّم بالطّباع و كان لطيف المذاهب، غامض المعانى، و كان يكلّم النّاس بالعويص «7» من الكلام.
و كما ذكرت الفلاسفة أنّ أفلاطن «8» كان أكثر كلامه رمزا. و فى كتاب «بليناس»، أنّه: كان يضرب الامثال، و قال: أنا بليناس «9» صاحب الطّلسمات و العجائب، أنا «10» الذى أوتيت الحكمة من مدبّر العالم. ثم ضرب لهم الأمثال، و قال:
الآن أخبركم، أنّى كنت يتيما من أهل طوانة «11»، لا مال لى. ثم ذكر المثل الذى فى صدر كتابه من حديث السّرب المظلم، و التّمثال من الحجر الذى أقيم على عمود من خشب، و دخوله السّرب بالسّراج تحت الاناء الصافى، و نظره الى هرمس على السرير فى «12» السّرب، و اخذه الكتاب من بين
__________________________________________________
(1)- المثال: المثل B
(2) سبيل:- B
(3)- الجاهلين: للجاهلين A
(4)- فنسبوهم: فينسبوهم A
(5)- القدماء: العدماء A
(6)- برقلس: البرقلس C، القيلوس BA، الفيلسوف C اشير الى هذه الاسم مرة اخرى فى آخر الفصل فاعتمدناه لصحته و صححناه
(7)- بالعويص: بالعريض A، بالعريص C
(8)- افلاطن: افلاطون B
(9)- بليناس: يبلناس C
(10)- انا: و انا B
(11)- من اهل طوانة:- B
(12)- الى هرمس على السرير فى: من هو على السرير من B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:108(1/151)
يديه الذى فيه سر الخليقة. و الامثال الكثيرة التى ضربها، و الرؤيا التى ذكرها، يطول بشرحها الكتاب.
فهلّا تدبّر الملحد الجاهل كلام الأنبياء (ع) حين «1» ادعوا أنهم يضربون الامثال، فكان يحكم فيهم حسب دعاويهم؟ و هلّا «2» طلب معانيها، ثم حكم فيها «3» بالصدق و الكذب و الائتلاف و الاختلاف، فيكون مصيبا منصفا؟ ام «4»، هلّا حكم برسوم الفلاسفة حين «5» جحد النبوة؟ و لكنه حمله «6» على ترك الانصاف، لجهله «7» بمراد الانبياء و اعجابه بوساوسه التى غرق فيها، و ادّعى انّها حكمة و فلسفة، و غرّته الامانى؛ فضلّ و اضلّ، و أهلك و اهلك، حبا منه للرياسة الخسيسة التى كان يدّعيها و يتشبّه بالفلاسفة القدماء كما تشبّه به «8» امثاله من الموسوسين «9» الكذّابين «10»، و كذّبوا الأنبياء الطّاهرين؛ و سيعلمون غدا من الكذّاب الأشر.
(4) فشرائع الأنبياء كلّها «11»، أسّست «12» على العلم و الحكمة، و كتبهم و رسومهم هى «13» على ما ذكرنا، متّفقة المعانى، و إن اختلفت «14» ظواهرها؛ لانّها أمثال مضروبة رمزوا لأممهم بما رسموه «15» من ذلك، و أمروهم باقامة ظاهرها، ليقوم العباد «16» فى العالم، و تتّصل السّياسة، و يثبت الأمر و النّهى، و ينتظم امر العالم، و يكون فيه قوام أمرهم فى دنياهم، و تكون «17» هذه الرّسوم دالّة على ما تحتها من المعانى التى «18» بها نجاتهم فى أخراهم «19». فكلّ «20» من نسخ ظاهر ألفاظ
__________________________________________________
(1) حين: حتى B
(2)- و هلا: فهلا-- CA
(3) فيها:- B
(4)- ام: و B
(5) حين: حتى-- CB
(6) حمله: حمل A
(7)- لجهله: و جهله A، جهله C
(8)- به: بهم B
(9) المسوسوين: المسوسين A
(10) الكذابين: المكذبين B
(11)- كلها:- B
(12) اسست: اسس A
(13)- هى:- A
(14) اختلفت: اختلف A
(15)- رسموه: رسوه B
(16)- العباده العبادة B
(17)- تكون: يكون CBA
(18)- التى:- C
(19) اخراهم: آخرهم A
(20) فكل: و كل A(1/152)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:109
من تقدمه و ظاهر رسومه، أتى برسوم تدلّ على المعانى التى دلّ عليها صاحبه، و إن خالفه فى ظاهر ألفاظه. و كان «1» أصحاب الشّرائع من الانبياء نفرا معدودين «2»؛ فأمّا سائر الأنبياء (ع) فانّهم كانوا يدعون إلى شرائعهم و أحكامهم؛ و كان قصد أصحاب الشّرائع أجمعين، لأقامة الدّين الحقيقىّ الذى لا تفرّق فيه و لا اختلاف؛ كما قال اللّه تعالى «3»: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ «4» إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ».
فهذه الآية «5» تدلّ على أنّ شرائعهم كلّها، كانت تدعو إلى دين لا تفرّق فيه.
و قال فى آية أخرى: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً». فهذه الآية تدلّ أنّ لكلّ واحد منهم شريعة غير شريعة صاحبه، و منهاجا غير منهاجه. فهذا «6» فى ظاهر الامر «7» مختلف كما ترى. فمن قدّر أنّ هذا تناقض، و أنّ محمّدا (ص) مع ما وصفناه به «8» من الكمال و الجمع للاخلاق الجميلة التى ذكرناها، كان لا يعقل ما يقول، حين «9» تلا على النّاس هذه الآية، و عرّفهم أنّ «10» اللّه عزّ و جلّ شرع لهم من الدّين ما وصّى به «11» نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى «12»، و شهد لهم بالنّبوّة، ثم أمرهم باقامة سنن غير سننهم و شرائع غير شرائعهم، و أنّه كانت به من الغفلة ما لم يعرف معنى الآيتين، أنّهما مختلفتان «13» فى ظاهر الّفظ، و «14» (أنّ) من حضره من أصحابه، و أخذ و اعنه الدّين «15»، جهلوا ذلك، فمن ظنّ هذا أو قدّره، فقد جهل و عاند؛
__________________________________________________
(1)- كان:- B
(2)- معدودين: B
(3)- تعالى:- A
(4)- وصينا به: نوحا و B
(5)- الآية:--- CA
(6)- فهذا: فهذه A
(7) الامر: اللفظ-- CA
(8)- به:- B
(9)- حين: حتى B
(10)- ان:- B
(11)- به:- B
(12) و عيسى:- B
((1/153)
13)- مختلفتان: مختلفان B
(14) و: او C
(15)- الدين: الذين C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:110
و نعوذ باللّه أن نظنّ به ذلك؛ بل، كان أعلم بما يقول و يشرّع من الملحدين الظّانّين «1» به ظنّ السّوء- «عليهم دائرة السّوء»- و «2» إنّما عنى أنّ لكلّ واحد منهم شريعة و منهاجا «3» فى الظّاهر غير شريعة صاحبه و منهاجه؛ و لكنّهم كلّهم أشاروا إلى معان «4» متّفقة لا تناقض فيها و لا اختلاف. ألا تراه عزّ و جلّ يقول «5»: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»، ثمّ قال: «اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» أى أنّ اللّه عزّ و جلّ يهدى إلى معانيها التى تدلّ على الدّين الحقيقىّ الذى يدعو إلى وحدانيّته و إلى معرفته و معرفة أوليائه الذين لا تفرّق فيهم و لا اختلاف بينهم، من ينيب إليه، و يرجع إلى اوليائه فى طلب معانيها؛ فيكون فى رجوعه اليهم رجوعه إلى اللّه جلّ و عزّ، و يكون «6» فى معرفته «7» معانى كلام اللّه، هدايته و خروجه من الاختلاف و الضّلال. فالاختلاف الذى كان بينهم، فى ظاهر شرائعهم. هكذا كان سبيله؛ لأنّهم لم يقصدوا ظاهر الشّرائع دون المعانى التى تحتها، بل كان قصدهم لها «8»، جميعا؛ ثم حثّوا «9» الأنام على طلب معانيها المؤتلفة التى بها نجاتهم.
(5) فلذلك جاز «10» لهم نسخ ظاهرا الشّرائع، و مخالفة بعضهم لبعض فيها؛ لأنّها كانت أمثالا «11» مضروبة فى كتبهم و سننهم. فألزموا النّاس إقامتها، و جعلوها أصل العبادة، و افترضوا عليهم القيام بها، و أكرهوهم على قبول ظاهر ما أتوا به، و أجبروهم على إقامة ما شرعوه «12»، لتثبت «13» آثارهم و رسومهم فى العالم، و تظهر الطّاعة و المعصية، و تقوم الطّاعة بالعبادة «14»؛ و يساس بهذه الشّرائع الخاصّ و العامّ، و يستقيم امر العالم؛ لانّ صلاح أمر العالم
__________________________________________________
(1)- الظانين: الضالين B
((1/154)
2) و:- B
(3)- منهاجا: منهاج B
(4) معان: معانى BA
(5)- عز و جل يقول: يقول عز و جل CBA
(6)- و يكون: فيكون C
(7) معرفة:- A
(8)- لها:- A
(9) حثوا: حثو A
(10)- جاز: حاز B
(11)- امثالا:- C
(12)- شرعوه: شرعوا B
(13) لتثبت: ليثبت CBA
(14)- بالعباده:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:111
فى هذه الدّنيا، لا يتمّ إلّا بالإجبار و القهر و الغلبة؛ لاختلاف طبائع النّاس و هممهم «1» فى اديانهم و أمور «2» دنياهم. فلذلك أجبروا النّاس على قبول ظاهر شرائعهم التى تدلّ على المعانى اللّطيفة، و أسّسوا الدّين على قبول الظّاهر و الباطن، ليكون فى قبولهم «3» ظاهر شرائعهم، و قبولهم الحدود «4» التى سنوّا فيها، قوام أمورهم فى دنياهم، و حقن دمائهم، و تحصين أموالهم، و ذراريهم، و منعهم الفتنة من التعدّى و الفساد فى الارض و البغى و الهرج، و يكون فيه صلاح أحوالهم؛ إذ كان فيهم العالم و الجاهل، و الصالح و الطّالح «5»، و الورع و المنتهك «6»، و العاقل و الغبىّ على اختلاف طبائعهم و تفاوت طبقاتهم. فلذلك، أمرهم اللّه عزّ و جلّ، أن يلزموا النّاس قبول ظاهر رسومهم و حدودهم بالقهر و الاجبار؛ كما قال اللّه عزّ و جلّ لنبيّه محمّد (ص):
«و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدّين «7» كلّه للّه». فأمره بقتالهم حتّى قبلوا ما جاء به. فلما أقام فيهم السّنن و الاحكام الظّاهرة، أمره أن يفوّض إليهم «8» أمر دينهم، فقال: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى «9»»، و قال تعالى «10»: «اللَّهُ وَلِيُّ «11» الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ «12» إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ».(1/155)
فأمره فى آية أن يقاتلهم و يكرههم على قبول ما أتى به، و أمره فى آية أن «13»
__________________________________________________
(1)- هممهم: همم A
(2) امور: امر B
(3)- قبولهم: قلوبهم C
(4) الحدود: المحدود A
(5)- الصالح و الطالح: الطالح و الصالح A
(6) المنتهك: المنهك BA
(7)- الدين: الذين A
(8)- اليهم:- B
(9)- الوثقى: لانفضام لها B
(10) تعالى:--- CA
(11)- ولى: اللّه A
(12)- الظلمات: فاولئك اصحاب النارهم فيها خالدون C
(13)- يقاتلهم ... ان:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:112
لا يكرهم و أن يخيّرهم فى أمر دينهم و لا يجبرهم «1» عليه ليختاروا لانفسهم، و أمرهم بطلب ما فيه نجاتهم من المعانى التى تحت شرائعهم الظّاهرة، و حثّهم على ذلك على أحسن الوجوه بالإعذار و الإنذار و الموعظة الحسنة، كقوله:
«أطلبوا العلم و لو بالصّين»، و قوله: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم».
فهذا ما دلّ عليه القرآن، و كذلك هو «2» فى سنّة النّبى. قال «3» (ص)، «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا اله الّا اللّه، فاذا قالوها عصموا منّى «4» دماءهم و أموالهم الّا بحقّها و حسابهم على اللّه.» ألا تراه يقول «5»: أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا «6» لا اله إلّا اللّه؛ فقاتلهم حتى قالوها و قبلوا شرائعها ثم خيّرهم بعد ذلك. كما روى أنّه سئل، فقيل له: يا رسول اللّه، من قال لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة؟ فقال: نعم، من عرف حدودها و أدّى حقوقها». فدلّ أن بعد هذه الشهادة و قبول شرائعها، الأمر هو مفوّض إليهم فى معرفة حدودها و أداء حقوقها «7»، و حسابهم على اللّه؛ لانّهم مخيّرون فى ذلك لا مجبرون. و معرفة حدودها، هى «8» معرفة ما تحتها من المعانى، و تحت الشّرائع المنوطة «9» بها؛ و أداء حقوقها، هو القيام بظاهر شرائعها.
((1/156)
6) فهكذا «10» سبيل شرائع الأنبياء (ع)، و بهذا نطق القرآن العظيم «11» و سائر الكتب، على حسب ما ذكرنا. و يجب أن يحكم فى ذلك بما ادّعوه (ع) لانفسهم و نطقت به كتبهم «12»، و لا يحكم فى ظاهر ألفاظهم دون معانيها. فانّ من خالف
__________________________________________________
(1)- فى امر دينهم و لا يجبرهم:- C
(2)- هو:- A
(3) قال:- C
(4)- منى: حق A
(5)- يقول: يقل C
(6) يقولوا: يقول B
(7)- فدل ... اداء حقوقها:- B
(8)- هى: هو CBA
(9)- المنوطة: النوطة A
(10)- فهكذا: فهذا B
(11) العظيم: الكريم B
(12)- كتبهم: و كتبهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:113
ذلك، جرى مجرى الملحدين الذين «1» قضوا على الانبياء البررة بالكذب و الاختلاف و التناقض. فكلام الانبياء، هو مبنىّ على الحكمة؛ و الحكمة هى العمل بالعلم. فاذا اجتمع العلم و العمل، سمّى «2» ذلك حكمة. و من عمل عملا بمعرفة و علم، سمّى حكيما. و الذى يعمل عملا بلاعلم، فهو جاهل؛ و الجهل يدعو إلى العدوان و البغى. و الأنبياء (ع) خصّوا «3» بعلم ما فى شرائعهم المستحقين الخاضعين، و لم يبخلوا به عليهم؛ و صانوه عن الباغين المعتدين الذين ليسوا له بأهل، كما روى أنّهم قالوا: لا تضع الحكمة فى غير أهلها فتضيعها، فتكون «4» كمن «5» ينثر الدّر بين يدى الخنازير، و لا تمنعها عن أهلها فتكون قد ظلمتها.(1/157)
فتدبّر رحمك اللّه ما قد شرحته لك بعين «6» النّصفة، و اجتنب العناد و البغى، و انظر فى سنن الأنبياء و رسومهم و شرائعهم لتعرف مرادهم و لتعلم لماذا قصدوا، و الى ماذا «7» دعوا، و ليزول الشّكّ و الشّبهة عن قلبك؛ و تعلم أن الملحدين حين عابوهم بالاختلاف فى ظاهر شرائعهم، قد ضلّوا عن سبيل الهدى، لمّا جهلوا هذا «8» الباب و لم يعلموا أنّ تحت شرائعهم الظّاهرة المختلفة ألفاظها معانى تؤلف بينها؛ فعند ذلك ادّعوا عليهم التّناقض؛ كما ادّعى الملحد فى كتابه أنّ محمّدا «9» (ص) خالف موسى و عيسى (ع)، و أنّ بعضهم خالفوا بعضا، و قال: انّ كتاب محمّد (ص) هو مملوء من التّناقض، و ذكر ما فى التّوراة من ظاهر ما رسمه موسى (ع) فى ذكر البساط و الخوان، و وضع الشّحم و الثرّب «10» على النار لسرور الرب و أنّ عتيق الأيّام فى صورة شيخ أبيض
__________________________________________________
(1)- الذين:- C
(2)- سمى: يسمى B
(3)- خصوا:- B
(4)- فتكون: و تكون-- CA
(5) كمن: كن A
(6)- لك بعين: لاربعين A
(7)- ماذا: ما BA
(8)- هذا: لهدا C
(9)- محمدا: محمد C
(10)- الثرب: التراب A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:114(1/158)
الرّأس و اللّحية، و ما ذكر عن رواة الحديث و أعلام الأمّة و نسبهم إلى الجهل و ذكرهم بالقبيح لروايتهم الأخبار التى ادعىّ عليها التّناقض، و التى تدلّ على التّشبيه، مثل ما روى عن النّبىّ (ص) أنّه قال «رأيت ربّى فى أحسن صورة و وضع يده بين «1» كتفى حتّى وجدت برد أنا مله بين ثندوتّى» و ما «2» فى القرآن من الآيات التى ظاهر ألفاظها يدلّ على التشبيه، مثل قوله عزّ و جلّ: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »، و قوله: «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ»، و قوله «3»: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ»، و قول رسول اللّه (ص): «جانب العرش على منكب اسرافيل و انّه ليئط أطيط الرّحل الجديد». هذا الى غير ذلك، ممّا أورده الملحد فى كتابه و شنّع «4» به و ذكر أنّه تناقض و خرافات.
(7) و لعمرى لو كان ما رسمه الأنبياء (ع) فى شرائعهم و ما نطقت به كتبهم، من عند غير اللّه، و كان ظاهرا لا معانى له و لا تأويل، لكان الامر على ما ادّعاه الملحد؛ فقد قال اللّه «5» عزّ و جلّ: «أفلا يتدبّرون القرآن و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا «6»»، يعنى: أنّ من تدبّره، وجد فيه الأمثال المختلفة الألفاظ، و لو كان من عند غير اللّه و لم يكن مبنيّا «7» على الحكمة كما قلنا إنّ من «8» تحتها معانى غامضة تؤلف بينها، لوجدوا فى ظاهره «9» اختلافا كثيرا. فلما كان «10» من عند اللّه و كان سبيله ما قلنا، زال عنه طغن الملحدين و دعاويهم أنّه
__________________________________________________
(1)- بين: يدى A
(2)- ما:- A
(3)- و يحمل ... و قوله:- A
(4)- شنع: تشنع A
(5)- اللّه:- A
(6)- كثيرا:- A
(7)- مبنيا: بينا A
(8) من:- C
(9)- ظاهره:- C
(10) كان: ن A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:115
متناقض، و بطلت ظنون الضّالين و ظهر صدق النّبييّن الطّاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين «1».(1/159)
و من سلك سبيل الملحدين، و قضى فى رسوم الأنبياء (ع) بالظّاهر دون المعانى و التأويل، وقع فى الشّكّ و الشّبهة، و أدّاه ذلك إلى العمى و الحيرة «2»، و خرج إلى التّعطيل و الألحاد كما ظنّ الملحدون؛ إلّا الضّعفاء المقلّدين «3» الذين لا يحسنون النّظر و لا يستطيعون أن يميّزوا، و ليس ذلك فى وسعهم، فأولئك قد وعدهم اللّه العفو و الرّحمة. و قد «4» أمر اللّه عزّ و جلّ «5» بردّ «6» ما اختلف لفظه و التبس معناه من آيات القرآن و الأخبار التى رويت، مما ظاهرها يدلّ على التّشبيه و (أنّ) فيها تناقضا و اختلافا «7»، إلى العلماء. فقال جلّ ذكره «8»: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ «9» الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا «10» فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا»، أى: لو لا تفضّله علينا و رحمته بناحين أقام فينا من نردّ إليه ما نختلف فيه، ليستنبطه «11» بما أوتى من العلم لكى لا نضلّ و لا نشكّ، لشكّ أكثر النّاس، و صاروا أتباعا للشّياطين الّذين يطعنون على الأنبياء البررة، و ينسبونهم إلى ما هم منه براء. و قال فى آية أخرى: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا»، قالوا فى تفسير ذلك، ردّوا «12» الى اللّه أى إلى الكتاب،
__________________________________________________
(1)- صلوات اللّه عليهم اجمعين:- A
(2)- العمى و الحيرة: الحيرة و العمى B
(3)- الملقدين: المقلدون CBA
(4)- وقد: فقد C
(5) عز و جل:- A
(6)- برد: فى رد CBA
(7)- تناقضا و اختلافا: تناقض و اختلاف CBA
(8)- جل ذكره:- A
(9)- لعلمه: يعلمه A
(10) لا:- C
(11)- ليستنبطه: يستنبطه B
(12)- ردوا: ردوه B(1/160)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:116
و إلى الرّسول أى إلى السّنّة «1». (و) فى كلّ زمان و أوان من يقوم بالكتاب و السّنّة و يستنبط تأويل ما يختلف لفظه. فسبيل ما فى الكتب المنزّلة و فى أخبار الأنبياء (ع) كما ذكرنا؛ أنّ منها ما يقع فيه النّسخ فيختلف «2» الحكم فيه، و منها ما يستغلق معناه، و منها ما معناه واضح.
__________________________________________________
(1) اى الى السنة: الى السنة: الى النسة B
(2)- فيختلف: فتختلف C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:117
الفصل الخامس [فيما] ذكره الملحد ممّا فى التّوراة
(1) و الذى ذكره الملحد ممّا فى التّوراة، قوله «1»: ما لكم تقرّبون إلّى كلّ عرجاء و عوراء؟ فانّ اللّه امتحن عباده بالاعمال التى سنّها الأنبياء (ع) فى كتبهم و سننهم، مثل الصّلوات «2» و الصّيام و الزّكاة و القرابين و غير ذلك.
و لما امتحنوا بالقرابين، كان فيهم من كان صادق النّيّة؛ و من كان فاسد النّيّة؛ و الأمم «3» كلّها لا تخلو من ذلك. فمن «4» صدقت نيّته، قرّب خير ما يملكه؛ و من ضعفت نيّته «5»، قرّب أردأ «6» ما يملكه؛ فكان أصحاب النّيّة الفاسدة يقرّبون إلى اللّه كلّ عرجاء و عوراء «7»، لو أهدوها إلى أمثالهم من النّاس، لاستحقروها «8» و لم يقبلوها. فوبّخهم اللّه على ذلك ليرتدعوا و يخلصوا «9» نيّاتهم. و مثل هذا فى القرآن فانّه لمّا افترض اللّه الزّكاة فى هذه الأمّة
__________________________________________________
(1)- قوله: و قوله C
(2)- الصلوات: الصلوة B
(3)- الامم: الامة A
(4)- فمن: كان B
(5)- نيته: - B
(6) اردأ: ردى A، اردى-- CB
(7)- عوراء: التى CBA
(8)- لاستحقروها: و لاستحقروها B
(9) يخلصوا: يصلحوا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:118(1/161)
فى أموالهم، من ضعفت نيّتهم «1»، كانوا يخرجون من زكوة تمورهم التّعضوض و المعافار و هما جنسان من ردئ التّمر، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ «2» ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا «3» أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»، أى: لا تقصدوا الى أخبث التمّور و أردئها «4»، فتخرجوه فى زكاة أموالكم، و إن احتجتم أن يأخذه بعضكم من بعض لا تأخذوه حتى تغمضوا فيه، أى ترخصوا فيه «وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» غنىّ عن أموالكم يحمدكم على حسن «5» أعمالكم. ثم قال: «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ» أى: يعدكم أنّكم إذا أخرجتم زكاة «6» اموالكم افتقرتم، «وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ» قالوا «7»: الفحشاء هى «8» البخل، «وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ «9» وَ فَضْلًا» أى: يخلف عليكم أفضل ممّا «10» تنفقون و أكثر منه، و عرفهم أنّه يمتحنهم و يمتحن نياتهم.
فهذا مثل ما فى التّوراة سواء؛ حين قال: ما لكم تقرّبون الىّ كلّ عرجاء و عوراء؛ أى: إنّ اللّه امتحنكم بالقرابين، ليظهر من هو صادق النّيّة ممّن هو فاسد النّيّة، و وبّخ من فسدت نيّته و أساء اختياره لنفسه فى إيثار الدّنيا على الدّين لشحّه، و قرّب أردأ «11» ما يملكه مثل العوراء و العرجاء، و بكّتهم على ما ظهر من سوء نيّاتهم؛ ليرجعوا عن ذلك و يصلحوا سرائرهم. فسبيل «12» ما «13» فى التّوراة من ذكر العوراء و العرجاء، و ما فى القرآن من قوله عزّ و جلّ:
__________________________________________________
(1)- نيتهم: نيته CBA
(2)- طيبات: من A
(3) مما: ما B
(4)- اردأها: ارديها A، ارداها، CB
(5)- على حسن: الى احسن A
(6)- زكاة: زكوات A
(7)- قالوا: و قالوا A
(8) هى: هو CBA
((1/162)
9) مغفرة منه: منه مغفرة B
(10)- مما: ما B
(11)- اردأ: اردى CBA
(12)- فسبيل: فسئل A
(13)- ما: هما A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:119
«وَ لا «1» تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»، واحد.
و هكذا السّنّة فى الاسلام، فى الهدى و البدن التى تنحر بمنىّ للقربان و فى سائر الامصار من الضّحايا، لا يجوز فيها العوراء و العرجاء، و لا ذات عيب، و لا يصلح، إلّا صحيحة «2» غير معيوبة. و اللّه عزّ و جلّ لا يصل اليه نفع ما يهديه النّاس و يقربونه اليه- تعالى اللّه عن ذلك- بل تصل «3» إليه أعمال العباد و ما يظهر من نيّاتهم؛ كما قال جلّ ذكره «4»: «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ». فقد بيّن عزّ و جلّ أنّه يمتحنهم بذلك ليظهر تقواهم و شكرهم للّه على ما هداهم «5»، و يظهر «6» صدق نيّاتهم. و كذلك سبيل الشّحم و الثّرب الذى أمروا أن يضعوه على النّار لسرور «7» الرّب. أتراه عزّ و جلّ أراد أن يصل إليه قتار ذلك الشّحم و الثّرب؟! عزّ اللّه عن ذلك و تعالى عما يظنّ به الملحدون علوا كبيرا
(2) و أمّا ما ذكر من أمر البساط الرّقيق من أبريسم «8» و الخوان من الشّمشار «9» و غير ذلك ممّا استفظعه الملحد و عابه، فان ذلك كلّه صحيح و سبيله ما قلنا، إنّها أمثال و تحتها معان «10» غامضة؛ و ما لم يذكره الملحد ممّا «11» هو فى التّوراة من هذا الباب، هو كثير جدا؛ ممّا أمر به موسى (ع) بنى إسرائيل فى اتّخاذ قبّة الزّمان و آلاتها، يقول فى التّوراة: كلّم الرّبّ موسى و
__________________________________________________
(1)- لا:- A
(2)- صحيحة: صحيح A
(3)- تصل: يصل CBA
(4)- جل ذكره:- A- A، عز و جل B
(5)- هداهم: به B
(6) يظهر: ظهر C
(7)- لسرور: لستة CBA
(8)- ابريسم: ابريشم CBA
((1/163)
9)- الشمشار: الشمشاد A
(10)- معان: معانى CBA
(11)- مما: فما A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:120
قال له، قل لبنى إسرائيل ليجمعوا الذّهب و الفضّة و النّحاس و الرّقم و الأرجوان «1» و القرمز و مسوك الكباش «2» و مسوك الأدم «3» و خشب السنّط و حجارة البّلور و الأحجار الجيّدة لقواعد البيت، ليصنعوا «4» لى مقدسا «5»، لأحلّ «6» بينهم. ثم وصف لهم كيف يتّخذون قبّة الزّمان، و كم ذراعا «7» يكون طولها «9» و عرضها و سمكها و أساطينها، و كم أسطوانة تكون من فضّة و كم «8» أسطوانة تكون «10» من نحاس، و أمرهم باتّخاذ المذبح، و اتّخاذ تابوت الشّهادة من خشب الشّمشار «11»، طوله ذراعان و نصف، و عرضة ذراع «12» و نصف، و ارتفاعه ذراع و نصف، و يجعل له أربع حلقات ذهب فى أربع زواياه فوق أربع قوائمه و عمدا «13» من خشب الشّمشار ليحمل بها التّابوت، و تغشّى «14» بالذّهب، و اتخاذ حشا «15» من ذهب خالص طوله ذراعان و نصف و عرضه ذراع و نصف و ارتفاعه ذراع و نصف و يجعل «16» له كروبين «17» من ذهب يجعلهما «18» من كلا «19» جانبى «20» الحشا، كروب من جانبه «21» من «22» هاهنا و كروب من جانبه من هاهنا. و يجعل على أعلى الحشا «23» كروبين على جانبيه «24»، قد بسطا أجنحتهما من فوق يظلّان بأجنحتهما على الحشا و وجهاهما «25» متقابلان على
__________________________________________________
(1)- الارجوان: الاجوان CBA
(2) الكباش: الكبائش B
(3) الادم: الازم A
(4)- ليصنعوا: لصعوا B، ليضعوا C
(5) مقدسا: مقدرا A
(6)- لاحل: لاجل A
(7) ذراعا: زراع A
(8)- طولها ... من فضة و كم:- B
(9) طولها: لهولها A
(10)- تكون: يكون CBA
(11)- الشمشار: الشمساد A، الشمسار B
(12) عرضه ذراع: عرضه B
(13)- عمدا: عملا A
(14)- تغشى: تغش A
(15) حشا: خشا A
(16)- يجعل: تجعل A
(17) كروبين: كربين B
(18)- يجعلهما: يجعلها A
(19) كلا: كلى BA
(20) جانبى: جانب: B
((1/164)
21)- جانبه: جانب A
(22) من:- A
(23)- الحشا: الحشر A
(24) جانبيه: جانبه A
(25) وجهاهما: وجوهها A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:121
الحشا «1». و اتّخاذ مائدة من خشب الشّمشار، و تغشّى «2» بالذّهب الخالص «3» و يجعل لها إكليل من ذهب و صحاف و مشارب و براطيل و محاس «4» يغرف «5» بها من ذهب خالص و سلاسل و خمسون «6» كلبة من نحاس، و رفوف البيت من ذهب، و ستوره «7» رقم، و شقاق من قياطين «8» و بساط من أبريسم «9» رقيق «10» و بخور و دخنة و لبان و طيب و دهن البنفسج المقدّس، و قميص كتّان «11» لهارون وهميان مضفور «12» يشدّ به ظهره؛ و أن يذبح الثّوربين يدى الرّبّ و يرشّ الدّم على المذبح، و يجعل الثّرب و زيادة الكبد و الكليتين و شحمها على المذبح قدّام الرّب «13»؛ و يذبح كبش و ينضح دمه على طرف أذن هارون و ولده، و على أباهيم أرجلهم، و يغسل الكبش و بطنه و أكارعه و أعضاؤه، و يقطّع على أعضائه و رأسه، و يصعد به على المذبح لقربان الرّب. فقد ذكر فى التّوراة نحو هذه الصّفات فى باب اتّخاذ «14» قبّة الزّمان و آلاتها و التّابوت و المنارة و آلاتها و غير ذلك «15».
و ذكرنا هذه على الاختصار، فان لكلّ شى ء ممّا ذكرنا صفات طويلة؛ و لعل هذه الصّفات فى التّوراة تكون فى طول سورة البقرة. فذكرنا هذا المقدار، لانّ الملحد ذكر «16» البساط من أبريسم «17» و الشّحم و الثّرب و استفظعه، و عاب فعل موسى جهلا منه، و لم يعلم أن موسى حين اتّخذ
__________________________________________________
(1)- و وجها هما ... الحشا:- B
(2)- تغشى: يغشى B
(3) الخالص: المخالص A
(4)- محاس: محاسى BA، محاشى C
(5) يغرف: يغزو A
(6)- خمسون: خمسين CBA
(7)- ستوره: ستور B
(8) قياطين: قباطين A
(9) ابريسم ابريشم BA، ابريسم C
(10) رقيق: الرقيق B
(11)- كتان: كناس A
(12)- مضفور: مظفور BA، مضفور C
(13)- ويرش ... قدام الرب- B
(14)- اتخاذ: اتخاذه B
((1/165)
15)- و التابوت ... و غير ذلك: و التابوت و غير ذلك و المنارة و آلاتها CBA
(16)- ذكر: ذكرنا A
(17) من ابريسم: من ابريشم B و ابريشم A، من ابريسم C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:122
هذه الأسباب، ضرب بها الأمثال كما قلنا؛ فزعم «1» أنّها خرافات و اتّخذها «2» هزوا و لعبا؛ و استظهر بدعوى المّنانيّة: أنّ موسى كان «3» من رسل الشّياطين، و قال: «من عنى بذلك فيقرأ (سفر الأسفار) الذى للمنّانيّة؛ فانه يطّلع على عجائب من قولهم فى اليهوديّة، من لدن إبراهيم إلى زمن عيسى» ...
و هل قالت المنّانيّة بجهلهم فى ذلك إلّا مثل «4» ما قال الملحد بقلّة معرفته، حين عاب هذه الأسباب التى فى التوراة، و زعم أنّها خرافات، جهلا منه بمراد موسى فى ذلك و بما «5» ضرب «6» فيها من الأمثال؛ فعدّ الملحد ذلك سخفا و خرافات؛ و إنّما هى أمثال تحتها معان «7» غامضة، يعلمها حكماء الدّيانة الذين يعرفون معانى كلام الأنبياء (ع). و لم يكن موسى و سائر الأنبياء، مع براعتهم و كمالهم على حسب ما تقدّم (من) وصفهم، يجهلون من هذا، ما عرفه الملحد. و موسى (ع) مع كماله، و ما ظهر للأنام من «8» استحكام رأيه، و وفور «9» عقله، و أفعاله «10» العظيمة التى كانت منه و لا يكون مثلها «11» إلّا من أكمل النّاس و ممّن «12» يكون مؤيدا، كان يعلم، أنّ اللّه عزّ و جلّ لا يحتاج إلى بساط من أبريسم «13» يقعد عليه، أو خوان من خشب الشّمشار «14» يأكل عليه، أو قبّة يجلس فيها مثل القبّة التى أمر موسى باتّخاذها على تلك الصّفات المكتوبة فى التّوراة (و) التى سمّاها قبّة الزّمان و إلى هذه الأسباب و الآلات التى ذكرناها، و أنّ اللّه عزّ و جلّ «15» هو «16» مقدّس عن «17» هذه الأمور. و هذه إن لم تكن أمثالا «18» كما قلنا، فهى «19» من فعل المجانين و من لا يعقل قوله «20»؛ و
__________________________________________________
(1)- فزعم: فزعوا A
(2) اتخذها: اخذها B
((1/166)
3)- و استظهر ... كان:-- A
(4)- الامثل: الامثال-- CA
(5)- بما: فيما CBA
(6) ضرب: ضربت A
(7)- معان: معانى-- CB
(8)- من: منه C
(9)- وفور: نور B
(10) افعاله: فعله A
(11) مثلها: امثالها A
(12)- ممن: من A
(13)- ابريسم: ابريشم B، ابريسيم C
(14) الشمشار: الشمساد A، اشمسار B
(15)- عز و جل:- A
(16) هو:- B
(17) عن: من B
(18)- امثالا: امثال B
(19) فهى: فهو B
(20) قوله: و فعله B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:123
نعوذ باللّه من قول من يظنّ بموسى (ع) هذا الظّن؛ بل، كان أطهر و أزكى و أكمل من ذلك، و لكنّه لما اصطفاه اللّه عز و جلّ، و بعثه بالرّسالة، ضرب للنّاس هذه الأمثال العجيبة، و أشار إلى معانيها الجليلة، ليعتبر بها النّاس.
(3) و مثال تلك القبّة فى التّيه الذى كانوا فيه، مثال الكعبة التى وضعها اللّه للناس، و حجّها النّبيّون (ع) فى الأمم السّالفة ثم جدّد «1» رسومها إبراهيم (ع) و حجّها، و جعلها محمّد (ص) قبلة لأمّته و أمر بحّجها؛ و سمّوها بيت اللّه، و قد علموا أنّ اللّه عزّ و جلّ لا يحتاج إلى بيت يسكن فيه «2»، و أنّ البيوت كلّها للّه. و مثل تعظيمهم لبيت «3» المقدس، و اتّخاذهم ايّاه قبلة. و هكذا كان سبيل قبّة الزّمان التى اتّخذها موسى (ع) و كذلك سبيل البساط و الخوان، و الشّحم و الثّرب الذى أمر أن يجعل على النّار لسرور «4» الرّبّ، و سبيل سائر الفرائض و السّنن التى استعبد اللّه بها عباده على ألسنة «5» الأنبياء (ع) الذين شرعوا الشّرائع، و أمروا النّاس باقامتها؛ و لو لا أنّ الامر هكذا، لكانت هذه الافعال التى عاب بها الملحد الأنبياء (ع) عبثا و جنونا، و لكانت من أمحل المحال «6»؛ كما يقدّره الجهّال و الملحدون و الضّلّال الذين اتّخذوها هزوا، و دعاهم الجهل إلى الخروج عن الشّرائع، و إيثار التعطيل و الالحاد.
((1/167)
4) أفترى الأنبياء الطّاهرين حين شرعوا هذه الشّرائع التى قد خلدت على الدّهر و رسموا هذه الرّسوم الباقية إلى الابد «7»، لم يعرفوا معنى ما يعرفه الملحدون؛ و هم أكمل البشر، و كل واحد منهم كان قطبا للانام فى دهره؟! أو ترى المسيح (ع) حين قال فى الإنجيل: «لا تظنّوا أنىّ جئت لا بطل التّوراة و الأنبياء، لم آت لا بطلها، بل جئت لاكملها. و الحقّ أقول
__________________________________________________
(1)- جدد: حدد A
(2)- يسكن فيه: يسكنها C
(3)- لبيت: بيت B
(4)- سرور: لسنه CBA
(5)- ألسنة: سنة B
(6)- المحال: الامحال A
(7)- الى الابد: الا الايك C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:124
لكم: إنّ زوال السّموات و الارض ايسر من زوال حرف واحد من التّوراة.
فمن نقص«1»
وصيّة واحدة من هذه الوصايا الصّغار و علّمها النّاس منقوصة «2» يدعى فى ملكوت السماء ناقصا «3» و من علم و عمل يدعى فى ملكوت السّماء عظيما «4».» و قد قيل فى التّوراة: «إنّ من طلّق امرأته فليعطها تاب الطّلاق، فأمّا أنا فأقول لكم: كلّ من «5» طلّق امرأته من غير زنى و تزوّج أخرى فقد زنى و ألجأها الى الزّنى «6» و من تزوّج مطلّقة فى الزنى فقد زنى». فتلى عليهم هذا الحكم الذى هم فى التّوراة ثم عطّله، و عطّل أكثر أحكام التّوراة، و غيّر ظواهر رسومها، و عطّل السّبت و أقام بدله الاحد؛ و قد علم أنّ موسى (ع) أمر أمّته بأقامته و كتب ذلك لهم فى التّوراة و شدّد الامر فيه و أخبرهم أنّ ذلك عن أمر اللّه عزّ و جلّ، فقال فى التّوراة: قال اللّه «7» لموسى:
«(1/168)
قل لبنى إسرائيل احفظوا السّبوت لأنّها آية بينى و بينكم و لتعلموا «8» أنّى أنا الرّبّ إلهكم فاحفظوا السّبت «9» فانّه قدس لكم و من عمل فيه عملا «10» فلينبذوا «11» ذلك الانسان من شعبه. إعملوا الاعمال ستّة أيّام و فى اليوم السّابع سبت الرّاحة قدسا هو للرّب «12» كلّ من عمل يوم السّبت فلا يقبل «13» «14» و ليحفظ بنو إسرائيل «15» فى اتّخاذ السّبت لأعقابهم عهدا إلى الدّهر ما بينى و بين إسرائيل أبدا إلى الدّهر «16» لانّ فى ستّة أيّام خلق اللّه السّماء و الارض و ما فيهما و فرغ فى يوم «17» السّابع» و فى موضع آخر فى التّوراة: «إعملوا الاعمال فى ستّة أيّام و اصنعوا ما أردتم «18» أن
__________________________________________________
(1)- نقص: نقض B، ينقض C
(2) منقوصة: منقوضة: CB
(3)- ناقصا: ناقضا B
(4) و من ... عظيما:-- A
(5)- ان ... كل من- A
(6)- الزنى: الذى A
(7)- فقال ... اللّه:- A
(8)- لتعلموا: قال-- CB
(9) السبت: السبوت A
(10)- عملا:- A
(11) فلينبذوا: فليبدوا BA، فلينبذ C
(12)- للرب: اللرب A
(13) كل ... يقبل:- C
(14)- فلا يقبل: فلا يقل CBA
(15)- اسرائيل: السرائيل A، بنى اسرائيل
(16) ابدا الى الدهر: انه الى الدهر CBA
(17)- يوم: اليوم A
(18)- اردتم: رديتم C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:125
تصنعوا فيها فأمّا «1» يوم السّبت فسبوت «2» للّه ربّكم لا تعملوا فيه عملا أنتم و بنوكم «3» و عبيدكم و إمائكم «4» و نسوانكم و حرمكم «5» و كل بهائمكم و السّكّان الذين فى قراكم «6» ليستريح عبيدكم و إمائكم معكم.» و هو «7» أشدّ ما ألزموا من الفرائض فى دينهم فنسخه «8» عيسى (ع) بالأحد مع شهادته بصحّة التّوراة و نبوّة موسى، و تصديق جميع ما أتى «9» به. أفتراه كان معتوها لا يعقل ما يقول و ما يفعل؟(1/169)
و ما الذى منعه أن يقول إنىّ جئت لأبطل التّوراة؛ فقد كان نابذ اليهود «10» و نابذوه، و لا يرجو أن يتّبعوه؟ فما الذى دعاه إلى أن يشهد بصّحة التّوراة ثم ينسخها و «11» ينسخ أحكامها؟ و لو لم يكن هذا بحكمة «12» و لم يكن الأمر كما ذكرنا: أنّ قولهم و فعلهم و ما أمروا به كله كان أمثالا يختلف ظاهرها و تتّفق معانيها، لكان الأمر أفظع ممّا ادّعاه الملحد، و لكان يجب أن يحكم على من يفعل هذه الأفعال بالجهل و عدم العقل- و نعوذ باللّه من ذلك- بل، كان أطهر و أزكى و أكمل من ذلك.
(5) و هكذا كانت «13» سبيل محمّد (ص) فى شهادته لموسى و عيسى (ع) بالصّدق و النّبوّة، و فى نسخه «14» السّبت و الأحد و إقامته «15» الجمعة بدل ذلك، و فى نسخه شرائعهم على ما تقدّم القول به. و لكنّ الملحد لم يعرف رسوم الأنبياء و سننهم و مرادهم فيما فعلوا، و أسكرته وساوسه، فحكم عليهم بالتّناقض و الاختلاف؛ و ترك أيضا رسم الفلاسفة الحكماء المحقّين؛ فإنّهم رسموا «16» أيضا «17» فى كلامهم مثل ما رسمه «18» أهل الشّرائع من الأنبياء «19»؛ كما
__________________________________________________
(1)- فاما:- B
(2) فسبوت: فسبوتا CBA
(3)- و بنوكم: و لا بنوكم B
(4) امائكم: ايامكم C
(5) حرمكم: حرثكم A
(6)- قراكم: قريكم A
(7) و هو: هو A
(8)- فنسخه: فمسخه A
(9)- اتى: اوتى B
(10)- اليهود: به A
(11)- ينسخها و:- B
(12) بحكمة: حكمه A
(13)- كانت:- B
(14)- نسخه: نسخ C
(15) اقامة، اقامة A
(16)- رسموا: وسعوا A
(17) ايضا:- BA
(18) رسمه: رسموا A
(19) الانبياء: غيره CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:126(1/170)
ذكرنا أنّ كثيرا من كلامهم كان «1» عويصا «2» غامضا، إلّا ما «3» هو من كلام المبتدعين الذين نظروا فى رسوم الفلاسفة الحكماء و ابتدعوا الوساوس المتناقضة، مثل الملحد و أشباهه. فلو تدبّر الملحد هذه الحال و استيقظ من سكره، و عرف مذاهب الأنبياء، لعلم أنّ كلامهم و شرائعهم ليس فيها تناقض و لا اختلاف؛ أو «4» لو تدبّر تناقض كلام أئمّته «5» المبتدعين، إذ لم يعرف رسوم الأنبياء، و غفل «6» أيضا عن رسوم الفلاسفة المحقّين، ثم كان يشتغل بما جاء عن أئمّته من الاختلاف الكثير و التّناقض القبيح و تكذيب بعضهم لبعض، لكان ذلك أولى به و أوجب عليه و أقرب من الانصاف؛ فإنّ ذلك واضح فى كتبهم. و كلام «7» هؤلاء الذين تشبّهوا بالفلاسفة الحكماء، كان مجرّدا بلا قشور، و ليس هو على رسم «8» كلام الأنبياء الذين ضربوا الأمثال، و لا على رسم كلام الفلاسفة الحكماء «9» الذين تكلّموا بالعويص؛ على نحو ما حكينا أنّه فى كتاب برقلس «10» الفيلسوف و فى كتاب ديمقراط و غيرهما.
(6) فأمّا المبتدعون الذين تشبّهوا بالفلاسفة فانّهم أوردوا فى وساوسهم و فيما ابتدعوه بآرائهم المدخولة من القول فى «11» البارى و فى كون العالم و فى أوائل الأشياء، من الاختلاف و التّناقض ما فيه للملحدين «12» خزى عظيم و شناعة قبيحة و شغل شاغل لهم عن الطّعن على الانبياء الطّاهرين؛ فانهم لم يدعوا شيئا تكلّموا فيه من هذه الاسباب، إلّا اختلفوا فيه و نقض بعضهم على بعض، و نسبوا كثيرا من دعاويهم «13» إلى الفلاسفة القدماء الحكماء، و قبّحوا أمرهم عند النّاس، حتّى أجروهم مجرى الضّلال؛ و نفرت قلوب النّاس من
__________________________________________________
(1)- كان:- B
(2) عويصا: عريصا C
(3) ما: من-- CA
(4)- او: و B
(5) ائمته: ائمة A
(6) غفل: عقل-- CB
(7)- كلام: كلامهم A
(8)- رسم: رسوم A
(9)- الحكما: و الحكماء C
(10)- برقلس: برقليس CBA
(11)- فى:- B
((1/171)
12)- للملحدين: للملحد من C
(13)- دعاويهم: دعائهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:127
النّظر فى أصولهم. فكيف لم يعجب الملحد من اختلاف أئمّته و كلامهم المتناقض و بدعهم التى ابتدعوها؛ كما ابتدع هو مقالته السّخيفة التى تدلّ على ضعف عقله، من «1» القول بقدم الخمسة، و خالف من تقدّمه، و ادّعى أنّه نظير سقراط و أرسطاطاليس، و تشبّه بالفلاسفة الحكماء؛ كما تشبّه بهم «2» من كان على مثل مذهبه من الضّلّال، و ابتدعوا الوساوس «3»؟! و كيف لم يكشف مستور «4» أكاذيب هؤلاء و دفينها و لم يهتك ستور عيوبهم؟ فكان يسقط رياسته «5» و تكبّره!! و لكن طعن على أهل الشّرائع و زعم أنّهم «6» ينهون عن النّظر مخافة أن «7» ينكشف دفين أكاذيبهم، و يهتك النّظر ستورهم؛ فتسقط رياستهم و تكبّرهم.
فانّه لو تأمّل حال نفسه من «8» مخالفته «9» لهم، و أحوالهم فى اختلافهم، لوجد فى أصولهم من تكذيب بعضهم بعضا و نقض بعضهم على بعض، ما كان يشغله عن «10» عيب الأنبياء و الطّعن عليهم؛ و لكن، نظر بعين العمى، و حكم بالهوى، و ضلّ عن طريق الهدى فى الأولى «11» حتى «12» لحق بأمّه الهاوية فى الأخرى، يعضّ «13» على يديه، و يقول: «يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا».
__________________________________________________
(1)- من: فى A
(2)- بهم:- B
(3)- الوساوس: الوسوايس C
(4) مستور مستورا C
(5)- رياسته: رياسة-- CA
(6)- انهم: انها A
(7) ان:- A
(8)- من: فى C
(9) مخالفته: بخلافه B
(10)- عن: على C
(11)- فى الاولى: فى اولى A، و الاولى C
(12) حتى: لحتى A
(13)- يعض: بغض B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:129
الباب الرّابع
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:131
الفصل الاول ذكر شى ء من اختلاف المتفلسفة و تناقض كلامهم «1»
((1/172)
1) و نحن نذكر شيئا من اختلافهم و تناقض كلامهم و أقاويلهم الشّنيعة القبيحة، و أكشف عن المحالات و الخرافات التى ابتدعوها فى أصولهم دون الفروع، و أختصر القول فيه؛ فان استقصينا فى ذلك، طال القول به جدا. و مع ذلك فانّ هؤلاء المبتدعين قد خلطوا «2» بدعهم بكلام الفلاسفة المحقّين و نسبوا كثيرا من ذلك إلى الحكماء القدماء: كما نسبت المجوس قولهم بالاثنين و كما نسبت النّصارى قولهم فى المسيح انّه ابن اللّه، إلى الأنبياء. و يصعب علينا أن نميّز المحقّ منهم من المبطل و أن نميّز كلام «3» المبتدعين منهم من كلام «4» الحكماء القدماء المحقّين؛ و لكنا، نذكر مقالة كل امرء منهم و ننسبها «5» إلى من نسبوها إليه و نذكر رسما من اختلافاتهم و تناقض كلامهم لتستدل به على ما وراءه «6» من ضلالهم و عمى قلوبهم، و لتعلم
__________________________________________________
(1)- اخذنا هذا العنوان من هامش نسخة B، و فى النسخة A، ورد العنوان هكذا: «و نحن نذكر شيئا من اختلافهم»
(2)- خلطوا: خاطوا B
(3)- نميز كلام: يميز الكلام B
(4) كلام: الكلام: B
(5)- ننسبها: ننسيها B
(6)- وراءه: رواه A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:132(1/173)
أنّ الملحد، لم يبصر السّارية فى عينه «1» و رأى «2» فى عين غيره «3» قذاة، و ما بها من قذىّ «4»، حين غفل عن اختلاف «5» أئمّته «6» الّذين هم قدوته و قدوة أشباهه من الملحدين الذين زعموا أنّهم استدركوا بفطنهم و عقولهم معرفة كيفيّة الخالق «7» البارى، جلّ و تعالى «8»، و أنّهم عرفوا المبادى، و أحاطوا بالفلك و ما وراءه «9»، و أدركوا معرفة طبائع الاشياء كلّها، و نشو «10» جميع الخلائق من الابتداء إلى الانتهاء، من غير توقيف من رسول مبعوث «11» من اللّه عزّ و جلّ «12» خالق الخلق الذى لا يعزب عنه مثقال ذرّة فى الارض و لا فى السّماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر. فزعموا أنّهم بلغوا بآرائهم المدخولة و عقولهم التّائهة و قلوبهم الموسوسة، اللّطائف من لدن تحت الأرض السّابعة إلى أعلى «13» عليّيّن، افتراء على اللّه و كفرا به؛ فضلّوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا، و قالوا على اللّه غير الحقّ، و ما كانوا مهتدين؛ و سيعلم الّذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون.
__________________________________________________
(1)- عينه:- B، عينيه C
(2) رأى: رى B
(3) عين غيره: غير عينه A
(4) ح- قذى: قذا B
(5)- اختلاف:- C
(6) ائمته: ائمة B
(7)- الخالق:- BA
(8)- جل و تعالى:- A
(9) و ماوراءه: فماوراءه A، فماورءه B
(10)- نشو: نستو B
(11)- مبعوث: مبعوثون B
(12) عز و جل:- A
(13)- اعلى: اعلا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:133
الفصل الثانى فى اختلاف الفلاسفة فى المبادى
(1) قال سقراط و أفلاطن: إنّ المبادى ثلاثة، و هى اللّه «1» و العنصر و الصّورة.(1/174)
و اللّه هو العقل- تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا- و هو واحد بسيط، و هو غير مختلط بالعنصر و لا مشارك شيئا مما يقبل «2» التّأثير «3». و العنصر، هو الموضع الأوّل للكون و الفساد، و الصّورة جوهر لا جسم فى التخييلات و الافكار المنسوبة «4» الى اللّه «5». و قالا «6»: اللّه عقل هذا العالم- عزّ «7» اللّه عن ذلك. و قال أفلاطن: إنّ اللّه خلق هذا العالم على مثال صورته؛ و لو لم يكن «8» كذلك، لما تهيّأ أن «9» يكون كون «10» على هذه الصورة الّتى هو عليها.
(2) و قال ثالس «11»، و «12» هو «13» أحد السّبعة الّذين يدعون أساطين الحكمة: إنّ اللّه هو العقل للعالم- عزّ «14» اللّه و تعالى. و قال: إنّ «15» المبدع إنّما هو فقط.
__________________________________________________
(1)- اللّه: عز و جل-- CB
(2)- يقبل: يقبلان A
(3) التاثير: تير A، الناشر B
(4)- المنسوبة: المنصوبة B
(5) اللّه: عز و جل-- CB
(6)- قالا: قال-- CA
(7)- عز: عن B
(8)- لو لم يكن: لم لا يكن B
(9) ان:- A
(10) كون: كونا C
(11)- ثالس: ثالث A
(12) و:- C، و ظ A
(13) هو: من B
(14)- عز: عن B
(15) ان: ان C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:134
و مؤيّس «1» الأشياء «2» لا يحتاج إلى أن تكون عنده صورة الشّى ء بأيسيّته «3»، و إلّا فقد لزمه إن كانت الصّورة عنده أن لا يكون مقدار الصّورة الّتى عنده، و إذا كان كذلك فليس هو مبدعا «4»- و خالفه كسنوفانس و فلوطرخس فى «5» قدّم الصوّرة- و قال فى مبادى الأشياء ما نذكره فى موضعه إن شاء اللّه تعالى «6».
(3) و قال إبيقورس «7»: إنّ الا له فى صورة النّاس و إنّه متصوّر «8» بالعقل للطافة طبيعة «9» جوهره. و قال بأربع طبائع أخر غير قابلة للفساد فى جنسها «10»، و هى: الاجزاء التى لا تتجزّأ «11» و الخلاء و ما «12» لا نهاية له- و يسميها «13» المتشابهات- و الاسطقسات.
((1/175)
4) و قال انكساغورس: إنّ العقل هو الاله- عزّ «14» اللّه و جلّ عن ذلك.
و إنّ الاجسام كانت أوّلا «15» فى المبدأ واقفة «16»، و إنّ العقل الّذى هو الاله رتّبها «17» و جعل لها تولّدا على مناسبات.
(5) و قال بيروس «18»: ليست أوائل بتّة، إنّما الاشياء تخرج من ذاتها؛ و لا فعل. فلا تزال تخرج «19» إلى الفعل؛ فاذا خرج ما كان بالقوّة إلى الفعل، فحينئذ تكون الاشياء من ذاتها لا «20» من شى ء آخر. فلا تزال تخرج حتى تتّم «21»؛ فاذا تمّت، صارت كالّتى «22» تراها و تحس بها «23» و تدركها بالحواسّ الخمس؛ و ليس «24» معقول بتّة إلّا ما كان من الحواس و ما أدركته الحواس. و قال: إنّ العالم دائم لا يزول و لا يفتر و لا يضمحلّ، و لا يجوز أن يكون أوّل مبدع يفعل
__________________________________________________
(1)- مؤيس: و C
(2) الاشياء: لاشياء A
(3)- بايسيته: باسية C
(4)- مبدعا: مبدع C
(5) فى:- B
(6)- تعالى:- A
(7)- ابيقورس انيقوس CB: اتيقوس A،
(8) متصور: منصوب B
(9)- طبيعة: الطبيعه B
(10) جنسها: جسمها C
(11) لا تتجزأ: لاتخذا B
(12)- و ما:- A- A، ما و B
(13) يسميها: يسمها B
(14)- عز: عن B
(15)- اولا: اولى B
(16) واقفة: واقعة A
(17)- رتبها: ربتها B
(18)- بيروس: بينوس B، مينوس A، بنيوس C
(19)- فلا تزال تخرج: فلا يزال يخرج C
(20)- لا: الا B
(21) تتم: تعم A
(22)- كالتى: كالذى CBA
(23) تحس بها: تحسبها C
(24)- ليس: ليست A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:135
فعلا يدثر إلّا و هو «1» يدثر مع فعله. و هذا «2» العالم، هو الكلّ الممسك لهذه الاجزاء التى فيه.- و هذا «3» هو القول بالدّهر الدّاهر.
((1/176)
6) و قال برقلس «4» أيضا بدهر هذا العالم و أنّه باق لا يدثر، و وضع فى ذلك كتابا «5» و قال: إنّما اتّصلت العوالم و صارت «6» عالما واحدا؛ فهو باق «7» لا يدثر، و هو متّصلّ بالعالم الا على، و العالم الاعلى صاف «8»، و هذا مصفّى؛ فآخر هذا العالم هو بدء «9» ذلك العالم، و ليس هذا العالم بدائر لأنّه متصلّ بما ليس بداثر، بل تدثر «10» قشوره «11» لأنّ ما كان من البارى بلا «12» متوسط لا يضمحل و لا يدثر؛ و الدّثور يدخل على الشّى ء من نحو المتوسّطات.
(7) و قال إبيقورس «13» مقالة خالف فيها جميع الفلاسفة و تفرّد بها، و كان يقول: إنّ الأوائل اثنان، الخلاء و الصّورة؛ يعنى بالخلاء، نفى المكان؛ و أمّا الصّورة، فكالهيولى «14» الّتى منها ابدع «15» الخلق و كوّن كلّ ما فى العالم.
و زعم أنّها ليست مكوّنة، بل كان منها كون؛ لأنّ المكان و الخلاء المحض منها كونا «16» «17». و هى فوق المكان «18» و فوق الخلاء، فكل ما خلق منها أو كوّن او ابدع بأنواع الإبداع و التّكوين و الخلق كلّه «19» ينحلّ و يفسد «20» و يدثر و يفنى «21» حتى يرجع إلى الخلق الاوّل الّذى منه بدى «22». و ليس بعد الدّثور و الفناء قصاص و لا حساب «23» و لا ثواب و لا عقاب، بل كلّ «24» يضمحل و يفنى «25».- فهذا «26» جملة
__________________________________________________
(1)- و هو: هو B
(2) هذا: هذ B
(3)- هذا: هذ B
(4)- برقلس: برقلسا A
(5)- كتابا: كتبا BA
(6)- و صارت: فصارت B
(7) باق: باقى A
(8)- صاف: صافى B
(9)- بدء: بداء B
(10)- تدثر: يدثر CBA
(11) قشورة: قشورة B
(12) بلا: بدى A
(13)- ابيقوروس: انيقوقوس A
(14)- فكالهيولى: فكان الهيولى B، فكالمتولى C
(15) ابدع: ابداع A
(16)- منها كون ... منها كونا:- B
(17)- كونا: كون CA
(18)- المكان: المكاره BA
(19)- كله: كل B
(20) يفسد: ينفسد CBA
(21) يفنى: يعنى B
(22)- بدى: بداء B
(23)- حساب: حسنات B
((1/177)
24) كل: كان A
(25) يفنى: تفد: A
(26) فهذا: فهذ B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:136
قوله.
(8) و قال ابيقورس «1»: إنّ المبادى الموجودات، هى أجسام مدركة عقلا، لا خلاء فيها «2» و لا كون لها؛ و هى سرمديّة غير فاسدة، لا تحتمل «3» أن تكسر أو تهشم، و لا يعرض لها فى الشّى ء من أجزائها اختلاف و لا استحالة، و هى مدركة «4» عقلا، فهى تتحرك فى الخلاء بالخلاء، و الخلاء «5» لا نهاية له، و هذه الأجسام لا نهاية لها «6».
(9) و قال بوثاغورس، و يقال هو أوّل من سمّى الفلسفة بهذا الاسم:
إنّ أوّل المبادئ هو «7» العلّة الفاعلة، و هى اللّه «8» و العقل؛ و الآخر هو «9» العنصر القابل للانفعال، و عنه كان العالم «10» المدرك بحس البصر. ثم قال: أوّل الأعداد الواحد، و هو ذكر؛ و العدد «11» الثّانى أنثى و هو اثنان و هو ثانى الأوّل؛ و الثّلاثة «12» ذكر، و الأربعة الأنثى و هو غاية العدد. و الواحد الأوّل هو النّار و هو ذكر، و الثّانى «13» الهواء و هو أنثى، و الثّالث الماء و هو ذكر، و الرّابع الأرض و هو أنثى. و قال فى هذا قولا كثيرا على هذا التخليط.
(10) و قال ايراقليطس و اناسس: إنّ مبدأ الأشياء كلّها هو النّار و ذلك «14» أنّ كون الأشياء كلّها «15» من النّار و انتهاءها إلى النّار؛ و أوّل الغلظ منها «16» إذا اجتمعت «17» و تكاثفت «18» بعضها «19» إلى بعض صارت «20» أرضا و إذا تحلّلت «21» الأرض و تفرقت أجزاؤها صار منها الماء طبعا؛ و لأنّ كلّ الأجسام فى العالم تتخلّلها «22»
__________________________________________________
(1)- ابيقورس: انيقرس A
(2)- فيها: فيه A
(3) لا تحتمل: فلا تحتمل C
(4)- مدركة: ملائكه CBA
(5) و الخلاء:- B
(6) لها:- A
(7)- هو: هى CBA
(8) اللّه: عز و جل-- CB
(9) هو: فهو BA
(10)- العالم: العلم C
(11)- و العدد: العدد A
(12)- الثلاثة: الثالثة B
(13)- الانثى ... و الثانى:- C
(14)- و ذلك: فذلك C
((1/178)
15) كلها:- B
(16)- منها: منه CBA
(17)- اجتمعت: اجتمع CBA
(18) تكاثفت: تكاثف CBA
(19) بعضها: بعضه CBA
(20) صارت: صار CBA
(21) تحللت: انتحلت B، تخللت C
(22)- تتخللها: تخللها BA، تحللها C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:137
النّار و تثيرها «1» فالنّار هى المبدأ؛ لأنّ منها يكون الكلّ و إليها ينحلّ و يفسد «2» (11) و قال انقسمانس الملطى «3»: أول المبادى هو الهواء، و منه كان الكلّ و إليه ينحلّ، مثل النّفس التى فينا؛ فانّ الهواء يمسكها و يحفظها فينا. و الهواء يمسك العالم و هو روحه و ماسكه. و نقض عليه هذا القول كثير «4» منهم بحجج.
(12) و قال كسنوفانس «5»: إنّ أوّل الاشياء هو الارض، و إنّه لا نهاية لها «6»، و إنّها هى الاصل «7»، و هى تجمع الأشياء كلّها.
(13) و قال ثالس الملطى، و هو أحد السّبعة الذين يدعون أساطين الحكمة:
أوّل المبادى «8» هو الماء، و هو العنصر الاوّل القابل كلّ صورة «9»، و منه أبدع سائر الجواهر من السّماء و ما دونها، و هو «10» غاية كلّ مبدع. و قال: من جمد الماء كوّنت الارض و من انحلاله كوّن الهواء و من جمع «11» الهواء تكوّنت النّار. و قال: هذا العنصر هو أوّل و آخر، إنّما هو عنصر الجسمانيّة و الجرميّة لأنّه عنصر الرّوحانيّة البسيطة «12»، و هذا العنصر «13» له صفو «14» و كدورة، فما كان من صفوه يكون جسما و ما كان من ثقله يكون جرما؛ فالجرم يدثر و الجسم لا يدثر و كل جرم من هذه الاجرام الظّاهرة فانّه جسم غير ملموس «15» و يظهر فى النّشأة «16» الثّانية و يكون كالجرم «17» الظّاهر يدرك بحسّ البصر و بالحواس الخمس الباطنة. و قال أيضا: إنّ فوق السّماء عوالم مبدعة «18» لا يقدر المنطق أن يصفها و هى من عنصر لا يدرك العقل غوره و المنطق،
__________________________________________________
(1)- تثيرها: يثيرها BA
(2) يفسد: ينفسد CBA
(3)- الملطى: الماطى C
(4)- كثير: كثيرا B
((1/179)
5)- كسنوفانس: اكسرفانس CBA
(6) لها:- B
(7) هى الاصل: فى الاصل B
(8)- المبادى: المعادى: C
(9) صورة:- A
(10)- هو: هى CBA
(11)- جمع: جميع CB
(12)- البسيطة: البسيط B
(13) العنصر: الغصر B
(14) صفو: صغو B
(15)- ملموس: مملوس B
(16) النشأة: المنشأة B
(17) كالجرم: للجرم-- CA
(18)- مبدعة: مبتدعة BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:138
و النّفس و الطبيعة تحته، و هو المدهر المحق «1» و إليه تشتاق «2» العقول و الأنفس و هو الذى يقال له الدّيمومة «3» و البقاء فى النّشأة الثّانية.
و قال الذين يقال لهم الفلاسفة من أهل أقاديما «6»: لا تخلو «4» هذه «5» الاشياء و هذا الخلق، أن يكون لها أوّل، و الاوّل هو النّار؛ لانّه ضياء، و لانّ النّار فى كلّ عالم من «7» ذلك العالم، و فى كلّ عالم أوّل «8» مشاكل لهذه، و لهذه كلّها أواخر هى أوّل لهذه تجمعها «9» كلّها، و ليس «10» تجمع الأواخر الأوائل «11».
(14) و قال ارسطاطاليس: إنّ المبادئ هى الصّورة و العنصر و القدم و الأسطقسّات «12» الأربعة، و جسم خامس و هو الاثير، و هو العنصر الاعظم، و إنّ الاله الاعلى «13» مفارق للصّورة و هو كره «14» للكلّ- تعالى اللّه و جلّ «15»- و إنّ الصّور «16» متّصلة «17» متّحدة، و هى مقسومة بالأكر، و كل واحد منها مركّب من «18» نفس و جسم، فالجسم منها هو الاثير، و النّفس نطق «19» عقلىّ غير متحرّك، و الجسم متحرّك حركة «20» دورية، و هو علّة الحركة بالفعل، و هو الاثير و هو غير مستحيل.
(15) و قال آنكسماندروس «21» الملطى: إنّ مبدأ «22» الموجودات هو الّذى لا نهاية له، و إنّ منه الكلّ و إليه ينتهى الكلّ و لا نهاية له. و قال: إنّ العوالم بلا نهاية، و لم يفسر المبدأ «23» الّذى لا نهاية له.
__________________________________________________
(1)- المدهر المحق: الدهر: A، الدهر الزمن C
(2) تشتاق: تساق A، تستاق B
(3) الديمومة: الديمومية-- CB
((1/180)
4)- تخلو: يخلو BA
(5) هذه:- B
(6) اقاديما: قاديما CBA
(7)- من: فى-- CA
(8) اول: و اول BA
(9)- تجمعها: يجمعها BA
(10) و ليس: اوليس B
(11) الاوائل: اوائل BA
(12)- و الاسطقسات B
(13)- الاعلى:- A
(14) كره: كرة C
(15) و جل:- A
(16)- الصور: الصورة C
(17) متصلة: متعلة A
(18)- من: عن A
(19) نطق: منطق C
(20)- حركة: و حركة B
(21)- آنكسماندروس: كسيمدوس-- CB كيمدوس A
(22) مبدأ: مبدى B
(23)- المبدأ: المبدى B
ليس هو مبدعا «4»- و خالفه كسنوفانس و فلوطرخس فى «5» قدّم الصوّرة- و قال فى مبادى الأشياء ما نذكره فى موضعه إن شاء اللّه تعالى «6».
(3) و قال إبيقورس «7»: إنّ الا له فى صورة النّاس و إنّه متصوّر «8» بالعقل للطافة طبيعة «9» جوهره. و قال بأربع طبائع أخر غير قابلة للفساد فى جنسها «10»، و هى: الاجزاء التى لا تتجزّأ «11» و الخلاء و ما «12» لا نهاية له- و يسميها «13» المتشابهات- و الاسطقسات.
(4) و قال انكساغورس: إنّ العقل هو الاله- عزّ «14» اللّه و جلّ عن ذلك.
و إنّ الاجسام كانت أوّلا «15» فى المبدأ واقفة «16»، و إنّ العقل الّذى هو الاله رتّبها «17» و جعل لها تولّدا على مناسبات.
(5) و قال بيروس «18»: ليست أوائل بتّة، إنّما الاشياء تخرج من ذاتها؛ و لا فعل. فلا تزال تخرج «19» إلى الفعل؛ فاذا خرج ما كان بالقوّة إلى الفعل، فحينئذ تكون الاشياء من ذاتها لا «20» من شى ء آخر. فلا تزال تخرج حتى تتّم «21»؛ فاذا تمّت، صارت كالّتى «22» تراها و تحس بها «23» و تدركها بالحواسّ الخمس؛ و ليس «24» معقول بتّة إلّا ما كان من الحواس و ما أدركته الحواس. و قال: إنّ العالم دائم لا يزول و لا يفتر و لا يضمحلّ، و لا يجوز أن يكون أوّل مبدع يفعل
__________________________________________________
(1)- مؤيس: و C
(2) الاشياء: لاشياء A
(3)- بايسيته: باسية C
(4)- مبدعا: مبدع C
(5) فى:- B
(6)- تعالى:- A
((1/181)
7)- ابيقورس انيقوس CB: اتيقوس A،
(8) متصور: منصوب B
(9)- طبيعة: الطبيعه B
(10) جنسها: جسمها C
(11) لا تتجزأ: لاتخذا B
(12)- و ما:- A- A، ما و B
(13) يسميها: يسمها B
(14)- عز: عن B
(15)- اولا: اولى B
(16) واقفة: واقعة A
(17)- رتبها: ربتها B
(18)- بيروس: بينوس B، مينوس A، بنيوس C
(19)- فلا تزال تخرج: فلا يزال يخرج C
(20)- لا: الا B
(21) تتم: تعم A
(22)- كالتى: كالذى CBA
(23) تحس بها: تحسبها C
(24)- ليس: ليست A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:135
فعلا يدثر إلّا و هو «1» يدثر مع فعله. و هذا «2» العالم، هو الكلّ الممسك لهذه الاجزاء التى فيه.- و هذا «3» هو القول بالدّهر الدّاهر.
(6) و قال برقلس «4» أيضا بدهر هذا العالم و أنّه باق لا يدثر، و وضع فى ذلك كتابا «5» و قال: إنّما اتّصلت العوالم و صارت «6» عالما واحدا؛ فهو باق «7» لا يدثر، و هو متّصلّ بالعالم الا على، و العالم الاعلى صاف «8»، و هذا مصفّى؛ فآخر هذا العالم هو بدء «9» ذلك العالم، و ليس هذا العالم بدائر لأنّه متصلّ بما ليس بداثر، بل تدثر «10» قشوره «11» لأنّ ما كان من البارى بلا «12» متوسط لا يضمحل و لا يدثر؛ و الدّثور يدخل على الشّى ء من نحو المتوسّطات.
(7) و قال إبيقورس «13» مقالة خالف فيها جميع الفلاسفة و تفرّد بها، و كان يقول: إنّ الأوائل اثنان، الخلاء و الصّورة؛ يعنى بالخلاء، نفى المكان؛ و أمّا الصّورة، فكالهيولى «14» الّتى منها ابدع «15» الخلق و كوّن كلّ ما فى العالم.(1/182)
و زعم أنّها ليست مكوّنة، بل كان منها كون؛ لأنّ المكان و الخلاء المحض منها كونا «16» «17». و هى فوق المكان «18» و فوق الخلاء، فكل ما خلق منها أو كوّن او ابدع بأنواع الإبداع و التّكوين و الخلق كلّه «19» ينحلّ و يفسد «20» و يدثر و يفنى «21» حتى يرجع إلى الخلق الاوّل الّذى منه بدى «22». و ليس بعد الدّثور و الفناء قصاص و لا حساب «23» و لا ثواب و لا عقاب، بل كلّ «24» يضمحل و يفنى «25».- فهذا «26» جملة
__________________________________________________
(1)- و هو: هو B
(2) هذا: هذ B
(3)- هذا: هذ B
(4)- برقلس: برقلسا A
(5)- كتابا: كتبا BA
(6)- و صارت: فصارت B
(7) باق: باقى A
(8)- صاف: صافى B
(9)- بدء: بداء B
(10)- تدثر: يدثر CBA
(11) قشورة: قشورة B
(12) بلا: بدى A
(13)- ابيقوروس: انيقوقوس A
(14)- فكالهيولى: فكان الهيولى B، فكالمتولى C
(15) ابدع: ابداع A
(16)- منها كون ... منها كونا:- B
(17)- كونا: كون CA
(18)- المكان: المكاره BA
(19)- كله: كل B
(20) يفسد: ينفسد CBA
(21) يفنى: يعنى B
(22)- بدى: بداء B
(23)- حساب: حسنات B
(24) كل: كان A
(25) يفنى: تفد: A
(26) فهذا: فهذ B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:136
قوله.
(8) و قال ابيقورس «1»: إنّ المبادى الموجودات، هى أجسام مدركة عقلا، لا خلاء فيها «2» و لا كون لها؛ و هى سرمديّة غير فاسدة، لا تحتمل «3» أن تكسر أو تهشم، و لا يعرض لها فى الشّى ء من أجزائها اختلاف و لا استحالة، و هى مدركة «4» عقلا، فهى تتحرك فى الخلاء بالخلاء، و الخلاء «5» لا نهاية له، و هذه الأجسام لا نهاية لها «6».
(9) و قال بوثاغورس، و يقال هو أوّل من سمّى الفلسفة بهذا الاسم:(1/183)
إنّ أوّل المبادئ هو «7» العلّة الفاعلة، و هى اللّه «8» و العقل؛ و الآخر هو «9» العنصر القابل للانفعال، و عنه كان العالم «10» المدرك بحس البصر. ثم قال: أوّل الأعداد الواحد، و هو ذكر؛ و العدد «11» الثّانى أنثى و هو اثنان و هو ثانى الأوّل؛ و الثّلاثة «12» ذكر، و الأربعة الأنثى و هو غاية العدد. و الواحد الأوّل هو النّار و هو ذكر، و الثّانى «13» الهواء و هو أنثى، و الثّالث الماء و هو ذكر، و الرّابع الأرض و هو أنثى. و قال فى هذا قولا كثيرا على هذا التخليط.
(10) و قال ايراقليطس و اناسس: إنّ مبدأ الأشياء كلّها هو النّار و ذلك «14» أنّ كون الأشياء كلّها «15» من النّار و انتهاءها إلى النّار؛ و أوّل الغلظ منها «16» إذا اجتمعت «17» و تكاثفت «18» بعضها «19» إلى بعض صارت «20» أرضا و إذا تحلّلت «21» الأرض و تفرقت أجزاؤها صار منها الماء طبعا؛ و لأنّ كلّ الأجسام فى العالم تتخلّلها «22»
__________________________________________________
(1)- ابيقورس: انيقرس A
(2)- فيها: فيه A
(3) لا تحتمل: فلا تحتمل C
(4)- مدركة: ملائكه CBA
(5) و الخلاء:- B
(6) لها:- A
(7)- هو: هى CBA
(8) اللّه: عز و جل-- CB
(9) هو: فهو BA
(10)- العالم: العلم C
(11)- و العدد: العدد A
(12)- الثلاثة: الثالثة B
(13)- الانثى ... و الثانى:- C
(14)- و ذلك: فذلك C
(15) كلها:- B
(16)- منها: منه CBA
(17)- اجتمعت: اجتمع CBA
(18) تكاثفت: تكاثف CBA
(19) بعضها: بعضه CBA
(20) صارت: صار CBA
(21) تحللت: انتحلت B، تخللت C
(22)- تتخللها: تخللها BA، تحللها C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:137(1/184)
النّار و تثيرها «1» فالنّار هى المبدأ؛ لأنّ منها يكون الكلّ و إليها ينحلّ و يفسد «2» (11) و قال انقسمانس الملطى «3»: أول المبادى هو الهواء، و منه كان الكلّ و إليه ينحلّ، مثل النّفس التى فينا؛ فانّ الهواء يمسكها و يحفظها فينا. و الهواء يمسك العالم و هو روحه و ماسكه. و نقض عليه هذا القول كثير «4» منهم بحجج.
(12) و قال كسنوفانس «5»: إنّ أوّل الاشياء هو الارض، و إنّه لا نهاية لها «6»، و إنّها هى الاصل «7»، و هى تجمع الأشياء كلّها.
(13) و قال ثالس الملطى، و هو أحد السّبعة الذين يدعون أساطين الحكمة:
أوّل المبادى «8» هو الماء، و هو العنصر الاوّل القابل كلّ صورة «9»، و منه أبدع سائر الجواهر من السّماء و ما دونها، و هو «10» غاية كلّ مبدع. و قال: من جمد الماء كوّنت الارض و من انحلاله كوّن الهواء و من جمع «11» الهواء تكوّنت النّار. و قال: هذا العنصر هو أوّل و آخر، إنّما هو عنصر الجسمانيّة و الجرميّة لأنّه عنصر الرّوحانيّة البسيطة «12»، و هذا العنصر «13» له صفو «14» و كدورة، فما كان من صفوه يكون جسما و ما كان من ثقله يكون جرما؛ فالجرم يدثر و الجسم لا يدثر و كل جرم من هذه الاجرام الظّاهرة فانّه جسم غير ملموس «15» و يظهر فى النّشأة «16» الثّانية و يكون كالجرم «17» الظّاهر يدرك بحسّ البصر و بالحواس الخمس الباطنة. و قال أيضا: إنّ فوق السّماء عوالم مبدعة «18» لا يقدر المنطق أن يصفها و هى من عنصر لا يدرك العقل غوره و المنطق،
__________________________________________________
(1)- تثيرها: يثيرها BA
(2) يفسد: ينفسد CBA
(3)- الملطى: الماطى C
(4)- كثير: كثيرا B
(5)- كسنوفانس: اكسرفانس CBA
(6) لها:- B
(7) هى الاصل: فى الاصل B
(8)- المبادى: المعادى: C
(9) صورة:- A
(10)- هو: هى CBA
(11)- جمع: جميع CB
(12)- البسيطة: البسيط B
(13) العنصر: الغصر B
(14) صفو: صغو B
(15)- ملموس: مملوس B
((1/185)
16) النشأة: المنشأة B
(17) كالجرم: للجرم-- CA
(18)- مبدعة: مبتدعة BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:138
و النّفس و الطبيعة تحته، و هو المدهر المحق «1» و إليه تشتاق «2» العقول و الأنفس و هو الذى يقال له الدّيمومة «3» و البقاء فى النّشأة الثّانية.
و قال الذين يقال لهم الفلاسفة من أهل أقاديما «6»: لا تخلو «4» هذه «5» الاشياء و هذا الخلق، أن يكون لها أوّل، و الاوّل هو النّار؛ لانّه ضياء، و لانّ النّار فى كلّ عالم من «7» ذلك العالم، و فى كلّ عالم أوّل «8» مشاكل لهذه، و لهذه كلّها أواخر هى أوّل لهذه تجمعها «9» كلّها، و ليس «10» تجمع الأواخر الأوائل «11».
(14) و قال ارسطاطاليس: إنّ المبادئ هى الصّورة و العنصر و القدم و الأسطقسّات «12» الأربعة، و جسم خامس و هو الاثير، و هو العنصر الاعظم، و إنّ الاله الاعلى «13» مفارق للصّورة و هو كره «14» للكلّ- تعالى اللّه و جلّ «15»- و إنّ الصّور «16» متّصلة «17» متّحدة، و هى مقسومة بالأكر، و كل واحد منها مركّب من «18» نفس و جسم، فالجسم منها هو الاثير، و النّفس نطق «19» عقلىّ غير متحرّك، و الجسم متحرّك حركة «20» دورية، و هو علّة الحركة بالفعل، و هو الاثير و هو غير مستحيل.
(15) و قال آنكسماندروس «21» الملطى: إنّ مبدأ «22» الموجودات هو الّذى لا نهاية له، و إنّ منه الكلّ و إليه ينتهى الكلّ و لا نهاية له. و قال: إنّ العوالم بلا نهاية، و لم يفسر المبدأ «23» الّذى لا نهاية له.
__________________________________________________
(1)- المدهر المحق: الدهر: A، الدهر الزمن C
(2) تشتاق: تساق A، تستاق B
(3) الديمومة: الديمومية-- CB
(4)- تخلو: يخلو BA
(5) هذه:- B
(6) اقاديما: قاديما CBA
(7)- من: فى-- CA
(8) اول: و اول BA
(9)- تجمعها: يجمعها BA
(10) و ليس: اوليس B
(11) الاوائل: اوائل BA
(12)- و الاسطقسات B
(13)- الاعلى:- A
(14) كره: كرة C
(15) و جل:- A
((1/186)
16)- الصور: الصورة C
(17) متصلة: متعلة A
(18)- من: عن A
(19) نطق: منطق C
(20)- حركة: و حركة B
(21)- آنكسماندروس: كسيمدوس-- CB كيمدوس A
(22) مبدأ: مبدى B
(23)- المبدأ: المبدى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:139
(16) و قال انبذ قليس «1»: إنّ البارى لم يزل هويّته فقط، و هو العلم المحض «2» و الارادة المحض، و هو الجود و العزّ «3» و القدرة و العدل و الخير «4» و الحقّ؛ و هناك قوى «5» مسماة لهذه الاسامى و هى الهويّة؛ و هذه كلّها مبدع فقط، و قال: إنّ الصّورة «6» إنّما أبدعها المبدع لا بنوع علم و إرادة، بل بنوع علّة فقط. و قال: إنّ العالم واحد، إلا إنّ الكل ليس هو العالم وحده فقط، لكن العالم جزء يسير من الكلّ، و باقى الكلّ عنصر معطّل. و قال: أول مبدع هو العنصر الذى منه أبدع العقل بتوسّط؛ و ليس العنصر أول بسيط عقلى بل أوّل بسيط «7» على ما ذكرنا نحو ذات العقل.
فاما نحو ذات العنصر فهو مركّب «8» من المحبّة و الغلبة. و المحبّة و الغلبة هما المبدآن، و عن المحبّة و الغلبة أبدعت الجواهر البسيطة «9» الرّوحانيّة و البسيطة «10» الجسمانيّة و المركبة الجرمانية. و قال: إن الانفس الدّنسة تبقى فى الظّلمة بعد دثور العالم متشبّثة به «11»، حتى تستغيث بالنّفس الكليّة و تتضرع «12» النّفس الكليّة إلى العقل، و العقل إلى البارى «13»، فيمسح البارى «14» نوره على العقل، و العقل على النفس، و النفس على هذا «15» العالم مرّة «16» أخرى حتى تعاين «17» الانفس الجزئيّة النّفس الكليّة و تلحق بعالمها؛ و ذلك بعد دهور كثيرة «18». فأورد نحو هذا من قول «19». و من قوله و قول بثاغورس «20» و
__________________________________________________
(1)- انبدقليس: انيدفليس B
(2)- المحض: المحضة CBA
(3) العز: العذ B
(4) الخير: الخبرة B
(5)- قوى: قوة C
(6)- الصورة: الصور C
(7)- بسيط ... بسيط:- B
(8)- مركب: موكب B
(9)- البسيطة: البسيط B
((1/187)
10)- البسيطة: البسيط B
(11)- به: له A
(12)- تتضرع: يتضرع A، بتضرع B
(13) البارى: جل ذكره-- CB
(14) البارى: جل و عز-- CB
(15)- على هذا: هذ B
(16) مرة: من B
(17) تعاين: تغاين B
(18)- كثيرة: كثير B
(19) قول:- B
(20) بثاغورس: بساغورس B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:140
ديمقراط تشعّبت «1» الاقاويل الكثيرة و الآراء المختلفة فى المبدع و المبدع.
(17) و قال طولوس «2» الفيومى و تمستيوس «3»: لا شى ء مبدع إلّا ما يرى بالأعين، و يسمع بالآذان من صوت يصدم «4» أو جرم يحّطم: و دفعا أنّ شيئا «5» وراء ذلك.
و قال أفلاطن القبطى بهذا القول و قال أفلاطن أيضا: لا فعل و لا حركة و لا تغيير و لا فناء «6» و لا زوال، و لكنا نرى «7» فاعلا و متحركا، و لا نرى «8» تغييرا و لا متغيرا «9» و لا فناء و لا فانيا و لا زوالا و لا زائلا.
(18) و قال هرقل فيلسوف أهل إفسوس «10»: إنّ الأوائل نور عقلىّ و هو اللّه حقّا- عزّ اللّه و تعالى عن ذلك علوا كبيرا- و هو اسم اللّه باليونانيّة، و يدلّ على أنّه مبدع الكلّ و هو اسم شريف جدا. فأول شى ء أبدع، و أوّل «11» هذه «12» العوالم، المحبّة و الغلبة و المنازعة. و من المحبّة كانت العوالم العلويّة «13» إلى «14» أن ينتهى إلى السّماء، و من السّماء إلى هذه الأرض.
(19) و وافق «15» أنبدقليس «16» فى أمر المحبّة و الغلبة و خالفه فى غير «17» ذلك. و قال: إنّ السّماء تصير فى النّشأة الثّانية بغير «18» كواكب؛ لأنّ الكواكب تهبط سفلا حتى تهبط «19» إلى الأرض، و تلتهب «21» فتصير متّصلة بعضها ببعض «22» حتى تكون كالدّائرة «23» حول الأرض «20». و كل الأنفس الدّنسة «24» تبقى فى الأرض و تلك النّار
__________________________________________________
(1) تشعبت: تشعب A، تستعب B
(2)- طولوس: طولوس A
(3) تمستيوس: طسيوس C، طست بوس A، طست يوس B
(4)- يصدم: يقدم B
(5) شيئا: و B
(6)- فناء: فنى C
(7) نرى: نوى B
((1/188)
8) لا نرى: و لا A،- B
(9) متغيرا: متغير B
(10)- افسوس: فسوف B
(11)- و اول: اول C
(12) هذه: هذا B
(13)- العلوية: التى-- CB
(14) الى:- C
(15)- و وافق: فوافق C
(16) انبدقليس: انبدفاليس B
(17)- غير:- C
(18) بغير:--- CA
(19)- حتى تهبط: حتى يهبط B
(20) تلتهب ... الارض:- C
(21) تلتهب: تتهب B
(22) ببعض: بعض B
(23)- كالدائرة: كالنائرة A
(24)- الدنسة: الدنيه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:141(1/189)
محيطة «1» بها، و الأنفس الزّكيّة ترتفع إلى عالمها و تكون سماؤهم سماء نورانيّة أشرف من هذه؛ ففيها «2» آثار البارى بلا متوسّطات «3»، و هناك الحسن «4» المحض، لأنّه مبدعه «5» بلا توسّط و لا تعب، و إنّ البارى يمسح الأنفس فى كلّ دهر مسحة و يتجلّى حتى «6» تنظر إلى نوره المحض الخارج من جوهره الحقّ، فيشتد «7» عشقها و شوقها؛ و لا يزال كذلك «8» أبد الآباد دائما. و قال «9»: إنّ أوّل الأوائل من المبدعات هو الهيولى، و منها كان جميع ما فى هذا العالم، و منها كان الهواء و النّار و الماء و الأرض؛ و إنّ كلّ ما كوّن، من الهواء «10» المحض؛ و إنّه لطيف روحانى لا يدثر و لا يدخل عليه الفساد و لا يقبل الدّنس؛ و كل ما بقى فى هذا «11» العالم الدّنس الكثير الأوساخ، يتشبّث به هذا العالم؛ لأنّ هذا العالم دنس، و يمنعه أن يرتفع علوا. و كلّ ما لم يقبل «12» هذا الدّنس و هذه الأوساخ، و ألقاها عن نفسه و اتّصل بكليّته الطّاهرة «13» النّقيّة، تخلّص و لحق بكليّته. و هذا «14» العالم يدثر و يدخله الفساد، من أجل أنّه ثقل تلك العوالم الرّوحانيّة الشّريفة، و هو قشر؛ و لو لا ما فيه من نوريّة تلك الأوائل، لما ثبت «15» طرفة عين، و إنّما ثباته بقدر ما يصفّى العقل جزءه و النّفس جزءها؛ فاذا صفت هذه الأجزاء «16» النّيّرة الشّريفة، دثر و فسد و بقى مظلما؛ و هو الدّثور الذى ذكروه أجمعون. و الأنفس الدّنسة «17»، تبقى فى هذه الظّلمة، لا تعاين النّورانيّة.
(20) و قال ديمقراط و برقونس «18» و برقلس «19»: إنّ العقل أوّل مبدع و قالوا
__________________________________________________
(1) محيطة: محيط-- CB
(2)- ففيها: فيها BA
(3) متوسطات: متوسطان B
(4) الحسن: الحس C
(5)- مبدعه: مبتدعة B
(6)- حتى: حين C
(7)- فيشتد: فيستد C
(8) كذلك: لذلك A
(9)- و قال: قال C
(10)- الهواء ... الهواء:- B
(11)- هذا: بهذا B، به هذا C
(12)- لم يقبل: يقبل B
((1/190)
13)- الطاهرة: الظاهرة C
(14) و هذا: هذا A
(15)- ثبت: كل C
(16)- الاجزاء: الآخر B
(17) الدنسة: الدنية B
(18)- برقونس: يرقونس BA
(19) برقلس: برقليس CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:142
برأى أنبدقليس فى النّشأة الثّانية، و خالفوه فى المبدع الأوّل «1»؛ لأنّ أنبد- قليس «2» قال: إنّ العنصر أوّل مبدع. و خالفوه فى المحبّة و الغلبة و قالوا:
إنّ المبدع الأوّل، ليس هو العنصر فقط، بل الأخلاط «3» الأربعة، و هى الأسطقسّات؛ منها أبدعت الأشياء البسيطة كلّها دفعة واحدة؛ فأمّا المركّبة، فانّها كوّنت دائمة داثرة، إلّا أنّ ديمومتها بنوع، و دثورها «4» بنوع؛ لأنّ منها ما «5» أبدع باقيا دائما لا يجوز عليه الدّثور، و منها «6» داثر غير باق لا يجوز عليه البقاء.
(21) و قال فلوطرخس «7»: إنّ البارى «8» لم يزل بالأزليّة، و هو مبدع فقط، و كل مبدع ظهرت صورته فى حدّ «9» الابداع؛ و كانت صورته فى علمه «10» الأوّل.
و الصّورة عنده بلا نهاية، و لو لم تكن الصّورة معه فى أزليّته، لم يكن ليبقى.
و أورد كلاما خلط فيه تخليطا كثيرا، و خالف ثالس فى قدم الصّورة؛ و قد «11» ذكرنا قول ثالس فى نفى الصّورة مع ذكر مقالته.
(22) و قال كسنوفانس: إنّ المبدع الأوّل، هو أنّيّة الأزليّته التّى هى بنوع الدّيمومة «12» و القدمة، لا يدرك بنوع صفة منطقيّة و لا عقليّة. و نفى «13» أزليّة الصّورة و الهيولى، و قارب قول أهل التّوحيد؛ و لكنّه أورد بعد ذلك كلاما خلط فيه.
(23) و قال زينون الّذى «14» يقال له الأكبر: إنّ المبادئ هى اللّه «15» و العنصر.
و اللّه هو العلّة الفاعلة- تعالى اللّه عن ذلك- و إنّه المبدع الأوّل، كان فى علمه صورة «16» إبداع كلّ جوهر، و إنّ علمه غير متناه، و الصّورة الّتى فيه
__________________________________________________
(1)- الاول:- B
(2) انبدقليس: بندقليس B
(3)- الاخلاط: الاختلاط B
(4)- و دثورها بنوع:- B
(5) ما:- A
((1/191)
6)- منها: نها A
(7)- فلوطرخس: فلوطوخس B
(8) البارى: جل و تعالى A، جل الله B
(9)- حد:- B، جسد C
(10) علمه: محله B
(11)- و قد: فقد CBA
(12)- الديمومة: الديمومية-- CB
(13)- نفى: قى C
(14)- الذى: الدنى B
(15) الله: عز و جل-- CB
(16)- صورة: لصورة C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:143
من حدّ الابتداع غير متناهية؛ و كذلك صورة الدّثور غير متناهية. و قال:
إنّ هذا العالم يبقى بقاء دائما، و لا «1» يفنى فناء دائرا «2». و قال: إنّ صورة هذه «3» العوالم و ما فيها من العلم الأزلّى باقية «4» دائرة «5»، و هى «6» باقية «7» بنوع تجديد و داثرة «8» بنوع دثور الصّورة الأولى عند تجديد الأخرى؛ و الدّثور يلزم الصّورة و الهيولى معا. و قال أيضا مثل قول خرسبوس «9»: إنّ البارى «10» محض هو «انّ» فقط، أبدع العقل و النّفس دفعة واحدة، ثم أبدع جميع ما تحتهما «11» بتوسّطهما. و قال: إنّ للنّفس «12» جرمان، جرم من النّار و الهواء «13»، و جرم من الماء و الأرض؛ و النّفس متّحدة بالجرم الذى من النار و الهواء، و الجرم الّذى هو من النّار و الهواء، هو متّحد «14» بالجرم الّذى من الماء و الأرض. و النّفس مستطيعة ما خلاها البارى «15»، فاذا ربطها فليست بمستطيعة؛ كالحيوان الّذى إذا خلّاه مدبّره «16» الّذى هو الانسان المالك له، كان مستطيعا؛ و إذا ربطه، كان غير مستطيع.
(24) و قال انكساغورس و كسناغورس بقول فلوطرخس فى المبدع و خالفاه فى المبدع الأوّل و فى أشياء غير ذلك. و قال فيلوخوس: إنّ المبدع الأوّل كان مبدع الصّورة فقط، فأمّا الهيولى فلم تزل معه.
(25) و قال انكسمانس الّذى يعدّ أيضا من السّبعة الذين كانوا يدعون أساطين الحكمة: إن البارى أزلّى لا أوّل له و لا آخر، و هو بدء الاشياء كلّها، و هو «انّه» فقط و لا هويّة تشبهه، و كلّ هويّة مبدعة، و هو أحد لا يتكثّر،
__________________________________________________
(1)- و لا: لا B
((1/192)
2) داثرا: داثرة C
(3) هذه: هذا A
(4)- باقية: باقى CBA
(5) داثرة: داثر CBA
(6) هى: هو CBA، بنوع
(7) باقية: باقى CBA
(8) داثرة: داثر CBA
(9)- خرسبوس: جرسيوس CBA
(10) البارى: عز و جل CB
(11)- تحتهما: تحتها-- CB
(12) للنفس: النفس-- CB
(13) الهواء:- BA
(14)- متحد: متحدة B
(15) البارى جل و عز-- CB
(16)- مدبره: مدبر A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:144
أبدع صورة العنصر و صورة العقل. و صورة العنصر واحدة أيضا إلّا أنّها تتكثّر «1»، و منها انبعثت صورة العقل؛ فترتبت ألوان الصّور على قدر ما فيها «2» من طبقات الانوار، فصارت تلك الطّبقات، العوالم؛ حتّى قل نور «3» الصورة فى الهيولى، و قلّت الهيولى حتى لم يبق إلّا ثقلها، فصارت منها هذه «4» الصّورة «5» الرّديئة «6» و ترتّبت «7» هذه «8» القوى بقدر «9» سكون النّفس فى هذه الاجرام، فمدبّر هذا كلّه ساكن، لا تجوز «10» عليه الحركة، لانّ الحركة محدثة؛ إلّا أن نقول إنّ تلك الحركة فوق هذه الحركة كما أنّ ذلك السّكون فوق هذا السّكون. فأورد كلاما يقرب من قول أهل التّوحيد، ثم خلط بعد ذلك.
(26) و قال أنبدقليس أيضا: هو يتحرك «11» بنوع السّكون. و بهذا القول قال انكساغورس «12» و كثير منهم. و اختلفوا «13» و خلطوا و نقض بعضهم على بعض. و قال أرسطاطاليس فى هذا الباب: الا له لا يتحرّك لأنّ الحركة لا تخلو من أن تكون «14»، إمّا مكانيّة و إمّا «15» زمانيّة و إمّا فكريّة «16»: ثم قال: إنّ الاله حركته «17» بنوع سكون، و سكونه بنوع حركة، إلا أنّ تلك الحركة و ذلك السكون ليساهما و هميّين و لا عقليّين.
(27) و قال انكسمانس «18» فى الحق و الحكمة: إنّ الحقّ حقّان، حق نورىّ و حق مظلم، و الحكمة «19» واحدة. و قال فى ذلك سقراطيس: الحق متعلق بالحكمة
__________________________________________________
(1)- تتكثر: تنكثر B
(2) فيها: فيهن A
(3)- نور: نودB
(4)- هذه: هذا B
(5) الصورة:- B
((1/193)
6)- الردئية: المردية B
(7)- ترتبت: ترتيب B تزينت C
(8) هذه: هذا B
(9) بقدر: فقدر B
(10)- تجوز: يجوز CBA
(11)- يتحرك: بتحرك A
(12)- انكساغورس: ايساغورس CBA
(13) و اختلفوا: اختلفوا A
(14)- تكون يكون C
(15)- و اما: او A
(16) فكرية: فكربه BA
(17) حركته: حركة B
(18)- انكسمانس: انكمانس BA، انكماس C
(19)- الحكمة: حكمة CA، حكمة B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:145
من «1» نحو العقل. و قال فلسنيون «2»: إنّ الحقّ متعلّق بالحكمة «3» لا من نحو العقل.
و اختلفوا فى هذا الباب أيضا اختلافا كثيرا؛ فمنهم من قال: إنّ الحكمة قبل الحقّ و إنّ الحقّ لا يقوم «4» إلّا بالحكمة، و منهم من قال إنّ الحقّ قبل الحكمة «5»، و إنّما صارت الحكمة حكمة بالحق الذى أقامها.
(28) و قال بثاغورس الانطاكى: البارى جلّ ذكره «6» واحد «7» لا يدرك من جهة العقل و النّفس؛ و إنّ هذا العالم ألّف و صنع من اللّحون البسيطة الروحانيّة و اعداد الرّوحانيّة «8»، و هى غير منقطعة، و هى متحدة تتّجزأ من نحو العقل و لا تتجزّأ من «9» الحواسّ؛ و إنّ هذا العالم هو سرور فقط فى أصل «10» الإبداع مثل العوالم الأوّل، إلّا أنّ تلك أبسط من هذا؛ و منطق العوالم هو باللّحون الرّوحانيّة «11» البسيطة، فمن أجل ذلك صار سرورا دائما غير منقطع. و قال، إنّ أوّل ما أبدعت «12» السّماء، أظهرت النّفس «13» النّجوم «14» السّبعة التى هى دلالات اللّهو و السّرور و الحسن و العدل و العزّ و العشق و ما أشبه ذلك. و لو عرف أصحاب القضا «15» كيف حركاتها و انتقالها و مزاجها و مقابلاتها «16»، لقدروا على معرفة تأليف العالم و لكن لمّا «17» لم يقدروا عليها، لم ينالوا علم تاليف هذا العالم.
--
__________________________________________________
(1)- من: و A، لا C
(2) فلسنيون: فلسينون BA
(3)- بالحكمة: بالحكمة B
(4)- فمنهم ... لا يقوم: C--
(5)- الحق قبل الحكمة: الحكمة قبل الحق C
((1/194)
6) صارت ... جل ذكره:- A
(7)- واحد: انما واحد A
(8)- و الاعداد الروحانية:- B
(9)- العقل ... من:- A
(10)- اصل: الاصل A
(11)- الروحانية: الروحانيات A
(12)- ابدعت: بدعت A
(13) النفس: من C
(14) النجوم: من C
(15)- القضا: القصار A
(16) مقابلاتها: مقابلالها B
(17)- لما: كما A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:146
و قال موزنوش «2» و كان تلميذا لبثاغورس: إنّ ثبات «1» العالم و قوامه «3» من اثنين مبدعين، من ذكر و أنثى، من ضوء و ظلمة، و الضوء ذكر و الظلمة «4» أنثى و منهما «5» تكّونت الاشياء كلّها. و أخذت عنه المجوس هذا القول، لأنّه «6» كان دخل مملكة الفرس، فأخذ ذلك عنه و ارطوس الّذى قام فى المجوس بعد زرهشت «7» و خلطه «8» بالرّسم الّذى كان عليه المجوس من رسوم الأنبياء (ع)، و أفسد عليهم دينهم «9»، و أزالهم عن التّوحيد، و دعاهم إلى القول بالاثنين، و خلط الباطل بالحقّ؛ فضّل و أضلّ، و بنى مقالته «10» على أنّ الضّوء و الظّلمة مبدعين، و أن الضّوء سماوى و الظلمة أرضية فلا يتمّ للسماوىّ امر «11» الا بالأرضىّ الا انّ الأرض فى سلطان الظّلمة، و لمّا اتّفق النّور «12» و الظّلمة، ولد النّور النّار و ولدت الظّلمة الارض، و هى أرضيّة، ثم تولّدت «13» من النّار الحرارة و اليبوسة «14»، و من الماء البرودة و الرّطوبة؛ ثمّ ازدوجت، فتولّد منها هذا العالم كلّه. فأصل مقالة المجوس فى اعتقادهم القول بالاثنين من هذه الجهة.
((1/195)
30) و قال «15» ملّيسس «16» و أصحابه: إنّ المبدع واحد، و لا يجوز أن يخلق اثنين، لأنّ الاثنين يدلان «17» على التّنازع و التّضاد. فلمّا رأينا «18» هذا العالم لا ضدّ له و لا موافق، استدللنا أنّه واحد لا يدخله الفساد و الفناء «19» من غيره أو من «20» خاصّته فى الجزء «21» و الكلّ؛ و إنّما الحقّ واحد، لا تغيير فيه و لا تبديل و لا زوال، و إنّما هو منتقل كالمكان و الزّمان، و كالرّجل يكون فى الظّل حسن اللون و فى
__________________________________________________
(1)- و قال ... ثبات:- A
(2) موزنوش: مرزنوش C
(3) قوامه: قومه A
(4)- و الضوء ... الظلمة:- B
(5) منهما: منها CBA
(6)- لانه: انه B
(7)- بعد زرهشت: بعذرهشت B
(8) خلطه: خلط B
(9) دينهم: و منهم A
(10)- بنى مقالته: بين مقالتى B
(11)- امر: و امر B، امرا C
(12)- النور: و B
(13)- تولدت: تولد CBA
(14) اليبوسة: اليبس-- CA
(15)- و قال: قال C
(16) مليسس: ميلس CA، مبلس B
(17)- يدلان: يدلا B
(18) رأينا:- B
(19)- و الفناء: و لا الفنا-- CB
(20)- او من: و لا من CBA
(21)- الجزء: الجزاء B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:147
الشمس قبيح اللّون و الرّجل واحد لم يتغيّر و لم يتبّدل «1» و لم يفن و لم يزل؛ و كذلك «2» سائر «3» ما يرى و ما لا يرى من الألوان و الطّعوم «4» و الاصوات و الحسّ «5» و الشمّ، لا «6» تغيير و لا تبديل و لا انفعال و لا حركة؛ فهذا أصل قولهم.
((1/196)
30) و قال فلانوس و كان أيضا من تلاميذ بثاغورس و صار إلى الهند و ادعى أنّ بثاغورس ارتقى إلى الهواء «7» و عاين عالم الطّبيعة و عالم النّفس و عالم العقل، و قال: إنّ كلّ ما فى «8» العالم من الحسّ هو معلول الطّبيعة، و ما عند النّفس أكرم ممّا عند الطّبيعة «9» و أخسّ «10» ممّا عند العقل، إلى أن ينتهى إلى العلة الّتى لا علّة فوقها. و أخذ عنه هذا الرأى برخمس الهندى؛ فدعا إليه النّاس، و خلط بدعه برسوم الانبياء «11» الّتى كانت فى أيديهم كما فعل و ارطوس بأصحاب زرهشت، و أبدع بدعا كثيرة، منها «12» تفرّقت أديان الهند. و عنه أخذ برهما «13» فسّن لهم الاحراق و أمر بالتّعرّى و السّياحة فى البرارى و الجبال حيارى و رغّب الناس فى تلطيف الأبدان و تهذيب الانفس و الاسراع فى الخروج عن هذا «14» العالم و الاتّصال بذلك العالم، لتكون «15» (الأنفس) مسرورة «16» متلّذة «17»، لا تملّ «18» و لا تكلّ «19» بزعمه. فأخذ عنه أهل «20» الهند، و تفرّقوا بعده فرقا كثيرة «21»؛ إلا أنّ «22» أصل البدع فى مقالاتهم من «23» فلانوس الّذى كان من تلاميذ بثاغورس. و قال قوم منهم إنّ
__________________________________________________
(1)- لم يتبدل: لا يتبدل C
(2)- و كذلك: فكذلك
(3) سائر:- B
(4) الطعوم: الطعام A
(5)- الحس: الحسن A، الحسر B، الحشر C
(6) لا: و لا CBA
(7)- الهواء: الهوى B
(8)- فى: هذا C
(9)- مما عند الطبيعة:- A
(10) اخس: احسن A
(11)- الانبياء: عليهم السلام-- CB
(12)- منها:- B
(13) برهما: برهمى B، برهمتى C
(14)- هذا:- B
(15) لتكون: ليكون CBA
(16)- مسرورة: مسرور CBA
(17) ملتذة: ملتذا CBA
(18) تمل: يمل CBA
(19) تكل: يكل CBA
(20)- اهل:- A
(21) كثيرة: كثيرا B
(22) الا ان: لان B
(23)- من:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:148(1/197)
التناسل فى هذا العالم خطأ، و أفضل الأعمال عندهم أن يلقوا أنفسهم فى النّار، يزعمون أنّهم يطهّرون أبدانهم؛ و لهم أديان كثيرة مختلفة عجيبة جدا ابتدعوها و يطول التّفسير بذكرها.
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:149
الفصل «1» الثالث جملة الخلاف فيما قال الفلاسفة
(1) فتأمّل «2» رحمك اللّه ما قد ذكرته من أصول هؤلاء «3» الضّلّال و شدّة اختلافهم و ضلالهم، و كيف خالف بعضهم بعضا فى القول فى البارى جل و تعالى و فى «4» مبادئ الاشياء و فى انتهائها، و كيف ضلّوا حتى قال بعضهم: إنّ اللّه هو «5» العقل و هو عقل «6» هذا العالم «7»، و العنصر و الصّورة قديمان معه- تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و قال بعضهم: اللّه هو عقل العالم- عزّ اللّه عن ذلك- و هو أبدع الصّورة و العنصر. و قال غيره «8»: العقل هو الاله- سبحانه عن ذلك- و انّ الأجسام كانت واقفة فزينها و جعل لها مناسبات و توّلّدا، و قال آخر: اللّه «9» علّة هذا العالم- عزّ اللّه و جلّ. و قال «10» آخر: البارى «11» هو العلم و الارادة و الجود و العزّ و العدل «12» و الخير و قوى غيرها. و قال غيره: اللّه هو نور عقلىّ
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- فتامل: تامل-- CB
(3) هؤلاء: هذا A
(4)- و فى: فى A
(5)- اللّه هو: انه C
(6) عقل: اعقل B
(7) العالم: للعالم B
(8)- غيره: هو B
(9)- اللّه: هو C
(10)- قال:- B
(11) البارى: جل و عز-- CB
(12)- العدل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:150(1/198)
و عقولنا أبدعت من ذلك النور- عزّ اللّه و تعالى. و قال آخر: البارى هو متحرّك. و قال غيره: هو ساكن و قال غيره: هو متحرّك بنوع الحركة؛ ساكن بنوع السكون «1». و قال آخر اللّه «2» خلق هذا العالم على مثال صورته. و قال «3» آخر: اللّه هو فى صورة إنسان- تعالى اللّه عن ذلك «4». و قال آخر. هو اللّه و العنصر قديم معه، و اللّه هو العلّة الفاعلة «5»- عزّ اللّه و جلّ «6»
و قال آخر: إن الصّورة «7» كانت قديمة عند اللّه «8»؛ و نفى غيره ذلك. و قال آخر: إنّ اللّه أبدع الصّورة، و الهيولى لم تزل معه. و قال آخر: إنّ اللّه أبدع العقل و النّفس، و بتوسّطهما «9» أبدع العالم. و قال آخر: إن اللّه أبدع العالم من المحبّة و الغلبة. و قال آخر: أبدعه من اللّحون البسيطة «10»، و قال آخر:
العالم دائم لا يزول و لا يفتر «11» و لا يضمحلّ. و قال كثير منهم بدهر العالم. و قال آخر:
الاشياء تخرج من ذاتها بلا حدث. و قال آخر: المبادئ هى أجسام لا خلاء فيها و لا كون، و هى سرمديّة غير فاسدة. و قال آخر: مبدأ «12» الاشياء كلّها النّار.
و قال آخر: هو الهواء. و قال آخر: هو الماء. و قال آخر: هو الأرض.
و قال آخر: لا «13» شئى ء مبدع الّا ما يرى و يسمع، و أنكر ما غاب. و قال آخر:
لا فعل و لا حركة و لا تغيير و لا فناء «14». و قال آخر: الا وائل اثنان، الخلاء و الصّورة.
و قال آخر: إنّ جميع ما يرى و يحس «15» لا حقيقة له، إنّما هو على طريق الخيلولة و الحسبان، و إنما نرى «16» هذه الاشياء و نشاهدها كما نراها فى المنام و لا حقيقة لها، و لا حقيقة لأنفسنا، و لا لشى ء مما يرى و يحس، و لا لشى ء من هذا العالم كمذهب
__________________________________________________
(1)- و قال غيره ... السكون:- C
(2)- اللّه: عز اللّه B و جل C
(3)- و قال: قال A
(4)- تعالى اللّه عن ذلك:- A
(5)- الفاعلة: لفاعله B
(6) عز اللّه و جل:- A
(7)- الصورة: الصور-- CA
((1/199)
8) عند اللّه:- B
(9)- بتوسطهما: بتوسطهم A
(10)- البسيطة: البسيط B
(11)- يفتر: يفنى A
(12)- مبدأ: مبدى B
(13)- لا: هولا B
(14)- فناء:- C
(15)- يحس: يحسن A
(16)- نرى: ترى B، يرى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:151
السوفسطائيّة «1».
و قال غيره: إنّ العالم يدثر و يفنى، و لا ثواب و لا عقاب. و قال آخر:
العالم غير د B
(4)- هذه: هذا B
(5) الصورة:- B
(6)- الردئية: المردية B
(7)- ترتبت: ترتيب B تزينت C
(8) هذه: هذا B
(9) بقدر: فقدر B
(10)- تجوز: يجوز CBA
(11)- يتحرك: بتحرك A
(12)- انكساغورس: ايساغورس CBA
(13) و اختلفوا: اختلفوا A
(14)- تكون يكون C
(15)- و اما: او A
(16) فكرية: فكربه BA
(17) حركته: حركة B
(18)- انكسمانس: انكمانس BA، انكماس C
(19)- الحكمة: حكمة CA، حكمة B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:145
من «1» نحو العقل. و قال فلسنيون «2»: إنّ الحقّ متعلّق بالحكمة «3» لا من نحو العقل.
و اختلفوا فى هذا الباب أيضا اختلافا كثيرا؛ فمنهم من قال: إنّ الحكمة قبل الحقّ و إنّ الحقّ لا يقوم «4» إلّا بالحكمة، و منهم من قال إنّ الحقّ قبل الحكمة «5»، و إنّما صارت الحكمة حكمة بالحق الذى أقامها.
((1/200)
28) و قال بثاغورس الانطاكى: البارى جلّ ذكره «6» واحد «7» لا يدرك من جهة العقل و النّفس؛ و إنّ هذا العالم ألّف و صنع من اللّحون البسيطة الروحانيّة و اعداد الرّوحانيّة «8»، و هى غير منقطعة، و هى متحدة تتّجزأ من نحو العقل و لا تتجزّأ من «9» الحواسّ؛ و إنّ هذا العالم هو سرور فقط فى أصل «10» الإبداع مثل العوالم الأوّل، إلّا أنّ تلك أبسط من هذا؛ و منطق العوالم هو باللّحون الرّوحانيّة «11» البسيطة، فمن أجل ذلك صار سرورا دائما غير منقطع. و قال، إنّ أوّل ما أبدعت «12» السّماء، أظهرت النّفس «13» النّجوم «14» السّبعة التى هى دلالات اللّهو و السّرور و الحسن و العدل و العزّ و العشق و ما أشبه ذلك. و لو عرف أصحاب القضا «15» كيف حركاتها و انتقالها و مزاجها و مقابلاتها «16»، لقدروا على معرفة تأليف العالم و لكن لمّا «17» لم يقدروا عليها، لم ينالوا علم تاليف هذا العالم.
--
__________________________________________________
(1)- من: و A، لا C
(2) فلسنيون: فلسينون BA
(3)- بالحكمة: بالحكمة B
(4)- فمنهم ... لا يقوم: C--
(5)- الحق قبل الحكمة: الحكمة قبل الحق C
(6) صارت ... جل ذكره:- A
(7)- واحد: انما واحد A
(8)- و الاعداد الروحانية:- B
(9)- العقل ... من:- A
(10)- اصل: الاصل A
(11)- الروحانية: الروحانيات A
(12)- ابدعت: بدعت A
(13) النفس: من C
(14) النجوم: من C
(15)- القضا: القصار A
(16) مقابلاتها: مقابلالها B
(17)- لما: كما A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:146(1/201)
و قال موزنوش «2» و كان تلميذا لبثاغورس: إنّ ثبات «1» العالم و قوامه «3» من اثنين مبدعين، من ذكر و أنثى، من ضوء و ظلمة، و الضوء ذكر و الظلمة «4» أنثى و منهما «5» تكّونت الاشياء كلّها. و أخذت عنه المجوس هذا القول، لأنّه «6» كان دخل مملكة الفرس، فأخذ ذلك عنه و ارطوس الّذى قام فى المجوس بعد زرهشت «7» و خلطه «8» بالرّسم الّذى كان عليه المجوس من رسوم الأنبياء (ع)، و أفسد عليهم دينهم «9»، و أزالهم عن التّوحيد، و دعاهم إلى القول بالاثنين، و خلط الباطل بالحقّ؛ فضّل و أضلّ، و بنى مقالته «10» على أنّ الضّوء و الظّلمة مبدعين، و أن الضّوء سماوى و الظلمة أرضية فلا يتمّ للسماوىّ امر «11» الا بالأرضىّ الا انّ الأرض فى سلطان الظّلمة، و لمّا اتّفق النّور «12» و الظّلمة، ولد النّور النّار و ولدت الظّلمة الارض، و هى أرضيّة، ثم تولّدت «13» من النّار الحرارة و اليبوسة «14»، و من الماء البرودة و الرّطوبة؛ ثمّ ازدوجت، فتولّد منها هذا العالم كلّه. فأصل مقالة المجوس فى اعتقادهم القول بالاثنين من هذه الجهة.
(30) و قال «15» ملّيسس «16» و أصحابه: إنّ المبدع واحد، و لا يجوز أن يخلق اثنين، لأنّ الاثنين يدلان «17» على التّنازع و التّضاد. فلمّا رأينا «18» هذا العالم لا ضدّ له و لا موافق، استدللنا أنّه واحد لا يدخله الفساد و الفناء «19» من غيره أو من «20» خاصّته فى الجزء «21» و الكلّ؛ و إنّما الحقّ واحد، لا تغيير فيه و لا تبديل و لا زوال، و إنّما هو منتقل كالمكان و الزّمان، و كالرّجل يكون فى الظّل حسن اللون و فى
__________________________________________________
(1)- و قال ... ثبات:- A
(2) موزنوش: مرزنوش C
(3) قوامه: قومه A
(4)- و الضوء ... الظلمة:- B
(5) منهما: منها CBA
(6)- لانه: انه B
(7)- بعد زرهشت: بعذرهشت B
(8) خلطه: خلط B
(9) دينهم: و منهم A
(10)- بنى مقالته: بين مقالتى B
(11)- امر: و امر B، امرا C
((1/202)
12)- النور: و B
(13)- تولدت: تولد CBA
(14) اليبوسة: اليبس-- CA
(15)- و قال: قال C
(16) مليسس: ميلس CA، مبلس B
(17)- يدلان: يدلا B
(18) رأينا:- B
(19)- و الفناء: و لا الفنا-- CB
(20)- او من: و لا من CBA
(21)- الجزء: الجزاء B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:147
الشمس قبيح اللّون و الرّجل واحد لم يتغيّر و لم يتبّدل «1» و لم يفن و لم يزل؛ و كذلك «2» سائر «3» ما يرى و ما لا يرى من الألوان و الطّعوم «4» و الاصوات و الحسّ «5» و الشمّ، لا «6» تغيير و لا تبديل و لا انفعال و لا حركة؛ فهذا أصل قولهم.
(30) و قال فلانوس و كان أيضا من تلاميذ بثاغورس و صار إلى الهند و ادعى أنّ بثاغورس ارتقى إلى الهواء «7» و عاين عالم الطّبيعة و عالم النّفس و عالم العقل، و قال: إنّ كلّ ما فى «8» العالم من الحسّ هو معلول الطّبيعة، و ما عند النّفس أكرم ممّا عند الطّبيعة «9» و أخسّ «10» ممّا عند العقل، إلى أن ينتهى إلى العلة الّتى لا علّة فوقها. و أخذ عنه هذا الرأى برخمس الهندى؛ فدعا إليه النّاس، و خلط بدعه برسوم الانبياء «11» الّتى كانت فى أيديهم كما فعل و ارطوس بأصحاب زرهشت، و أبدع بدعا كثيرة، منها «12» تفرّقت أديان الهند. و عنه أخذ برهما «13» فسّن لهم الاحراق و أمر بالتّعرّى و السّياحة فى البرارى و الجبال حيارى و رغّب الناس فى تلطيف الأبدان و تهذيب الانفس و الاسراع فى الخروج عن هذا «14» العالم و الاتّصال بذلك العالم، لتكون «15» (الأنفس) مسرورة «16» متلّذة «17»، لا تملّ «18» و لا تكلّ «19» بزعمه. فأخذ عنه أهل «20» الهند، و تفرّقوا بعده فرقا كثيرة «21»؛ إلا أنّ «22» أصل البدع فى مقالاتهم من «23» فلانوس الّذى كان من تلاميذ بثاغورس. و قال قوم منهم إنّ
__________________________________________________
(1)- لم يتبدل: لا يتبدل C
(2)- و كذلك: فكذلك
(3) سائر:- B
(4) الطعوم: الطعام A
((1/203)
5)- الحس: الحسن A، الحسر B، الحشر C
(6) لا: و لا CBA
(7)- الهواء: الهوى B
(8)- فى: هذا C
(9)- مما عند الطبيعة:- A
(10) اخس: احسن A
(11)- الانبياء: عليهم السلام-- CB
(12)- منها:- B
(13) برهما: برهمى B، برهمتى C
(14)- هذا:- B
(15) لتكون: ليكون CBA
(16)- مسرورة: مسرور CBA
(17) ملتذة: ملتذا CBA
(18) تمل: يمل CBA
(19) تكل: يكل CBA
(20)- اهل:- A
(21) كثيرة: كثيرا B
(22) الا ان: لان B
(23)- من:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:148
التناسل فى هذا العالم خطأ، و أفضل الأعمال عندهم أن يلقوا أنفسهم فى النّار، يزعمون أنّهم يطهّرون أبدانهم؛ و لهم أديان كثيرة مختلفة عجيبة جدا ابتدعوها و يطول التّفسير بذكرها.
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:149
الفصل «1» الثالث جملة الخلاف فيما قال الفلاسفة
(1) فتأمّل «2» رحمك اللّه ما قد ذكرته من أصول هؤلاء «3» الضّلّال و شدّة اختلافهم و ضلالهم، و كيف خالف بعضهم بعضا فى القول فى البارى جل و تعالى و فى «4» مبادئ الاشياء و فى انتهائها، و كيف ضلّوا حتى قال بعضهم: إنّ اللّه هو «5» العقل و هو عقل «6» هذا العالم «7»، و العنصر و الصّورة قديمان معه- تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و قال بعضهم: اللّه هو عقل العالم- عزّ اللّه عن ذلك- و هو أبدع الصّورة و العنصر. و قال غيره «8»: العقل هو الاله- سبحانه عن ذلك- و انّ الأجسام كانت واقفة فزينها و جعل لها مناسبات و توّلّدا، و قال آخر: اللّه «9» علّة هذا العالم- عزّ اللّه و جلّ. و قال «10» آخر: البارى «11» هو العلم و الارادة و الجود و العزّ و العدل «12» و الخير و قوى غيرها. و قال غيره: اللّه هو نور عقلىّ
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- فتامل: تامل-- CB
(3) هؤلاء: هذا A
(4)- و فى: فى A
(5)- اللّه هو: انه C
(6) عقل: اعقل B
(7) العالم: للعالم B
(8)- غيره: هو B
(9)- اللّه: هو C
(10)- قال:- B
((1/204)
11) البارى: جل و عز-- CB
(12)- العدل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:150
و عقولنا أبدعت من ذلك النور- عزّ اللّه و تعالى. و قال آخر: البارى هو متحرّك. و قال غيره: هو ساكن و قال غيره: هو متحرّك بنوع الحركة؛ ساكن بنوع السكون «1». و قال آخر اللّه «2» خلق هذا العالم على مثال صورته. و قال «3» آخر: اللّه هو فى صورة إنسان- تعالى اللّه عن ذلك «4». و قال آخر. هو اللّه و العنصر قديم معه، و اللّه هو العلّة الفاعلة «5»- عزّ اللّه و جلّ «6»
و قال آخر: إن الصّورة «7» كانت قديمة عند اللّه «8»؛ و نفى غيره ذلك. و قال آخر: إنّ اللّه أبدع الصّورة، و الهيولى لم تزل معه. و قال آخر: إنّ اللّه أبدع العقل و النّفس، و بتوسّطهما «9» أبدع العالم. و قال آخر: إن اللّه أبدع العالم من المحبّة و الغلبة. و قال آخر: أبدعه من اللّحون البسيطة «10»، و قال آخر:
العالم دائم لا يزول و لا يفتر «11» و لا يضمحلّ. و قال كثير منهم بدهر العالم. و قال آخر:
الاشياء تخرج من ذاتها بلا حدث. و قال آخر: المبادئ هى أجسام لا خلاء فيها و لا كون، و هى سرمديّة غير فاسدة. و قال آخر: مبدأ «12» الاشياء كلّها النّار.
و قال آخر: هو الهواء. و قال آخر: هو الماء. و قال آخر: هو الأرض.
و قال آخر: لا «13» شئى ء مبدع الّا ما يرى و يسمع، و أنكر ما غاب. و قال آخر:
لا فعل و لا حركة و لا تغيير و لا فناء «14». و قال آخر: الا وائل اثنان، الخلاء و الصّورة.
و قال آخر: إنّ جميع ما يرى و يحس «15» لا حقيقة له، إنّما هو على طريق الخيلولة و الحسبان، و إنما نرى «16» هذه الاشياء و نشاهدها كما نراها فى المنام و لا حقيقة لها، و لا حقيقة لأنفسنا، و لا لشى ء مما يرى و يحس، و لا لشى ء من هذا العالم كمذهب
__________________________________________________
(1)- و قال غيره ... السكون:- C
(2)- اللّه: عز اللّه B و جل C
(3)- و قال: قال A
(4)- تعالى اللّه عن ذلك:- A
((1/205)
5)- الفاعلة: لفاعله B
(6) عز اللّه و جل:- A
(7)- الصورة: الصور-- CA
(8) عند اللّه:- B
(9)- بتوسطهما: بتوسطهم A
(10)- البسيطة: البسيط B
(11)- يفتر: يفنى A
(12)- مبدأ: مبدى B
(13)- لا: هولا B
(14)- فناء:- C
(15)- يحس: يحسن A
(16)- نرى: ترى B، يرى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:151
السوفسطائيّة «1».
و قال غيره: إنّ العالم يدثر و يفنى، و لا ثواب و لا عقاب. و قال آخر:
العالم غير دائر و لا مستحيل. و قال آخر «2»: إنّ الأنفس تلحق «3» بالعالم العلوى و تبقى هناك و تلتذّ. و قال آخر: بل تدثر و ترجع إلى هيولاها الأولى. و قال آخر: البارى- جلّ و عزّ- يمسحها حتى ترى نوره. و قال آخر: بل يمسح العقل، و العقل يمسح النفس، و النفس تمسح العالم؛ فتستضى ء، و تعاين الانفس الجزئيّة النّفس الكليّة. و قال آخر: بل البارى يمسحها فى كل دهر، و يتجلّى حتّى ينظر إلى نوره. و قال آخر: إن بثاغورس ارتقى إلى الهواء و عاين عالم الطّبيعة و عالم النّفس و عالم العقل.
__________________________________________________
(1)- السوفسطائية: السوقسطانية A، السووطاتية B
(2)- ان ... آخر:- C
(3) تلحق: تليق A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:152
الفصل الرابع أى الفريقين أكذب؟!
((1/206)
1) أعدت القول بذكر جمل هذه النّكت، ليكون أقرب إلى الفهم بعد ذكر أصولهم و أقاويلهم الّتى حكيتها على الاختصار دون الشّرح و دون ذكر اختلافاتهم فى الفروع و تناقض كلامهم «1» فيها و تكذيب بعضهم لبعض؛ فانّهم لم يتركوا شيئا نظروا فيه إلا اختلفوا فيه، ورد بعضهم على بعض؛ و من تتبّع ذلك وقع فى شغل شاغل «2» و عناء طويل، لا «3» يحصل منه الاعلى العمى و الضلال و الخروج إلى الحيرة «4» و الغرق فى الوساوس «5» المهلكة الّتى زعموا أنّهم أدركوا بها و بعقولهم و فطونهم و آرائهم معرفة كيفيّة البارى جلّ و تعالى «6»، و كيفيّة بدء «7» كون العالم و انتهائه «8» و ما كان قبل حدث العالم و بعد فنائه. و سمّوا «9» بعضهم الشّعراء، يزعمون أنّهم شعروا «10» بهذه «11» الامور الغائبة «12» بنظرهم، و سمّوا كلامهم شعرا و استرقوا هذا الاسم من
__________________________________________________
(1)- كلامهم: كلمهم B
(2)- شاغل: شاغلا B
(3) لا: و لا A
(4)- الحيرة: الخبرة B
(5) الوساوس: الوسواس C
(6)- جل و تعالى:- A
(7) بدء: بدو CBA
(8) انتهائه: انتهاء C
(9)- سموا: سموهم-- CB
(10) شعروا: شعر B
(11) بهذه: بهذا B
(12) الغائبة: الغاية A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:153
العرب «1» حين سمّوا به شعراءهم، يعنون أنّهم شعراء «2» بالاشياء التى ذكروها فى شعرهم من التشبيهات فى التّشبيب و ذكر الدّيار و فى المدح و الهجاء «3» و الافتخار و غير ذلك من صفات «4»؛ فصار لهم هذا رسما «5»، و حسن به ذكرهم، و خلّدهم «6» على الدّهر- فتشبّه «7» هؤلاء الجّهال بهم، و سمّوا أئمّتهم بهذا الاسم، و زعموا أنّهم شعراء بهذه «8» الامور العظيمة العسر تناولها، البعيد مأخذها، و أنّ عقولهم أحاطت «9» بالعالم كلّه، و (أنّهم) ارتقوا «10» إلى الاحاطة بمحدث العالم «11»؛ فأوردوا هذا الكفر «12» العظيم و اختلفوا فيه هذا الاختلاف الشّديد.(1/207)
و حق لهم أن يتيهوا و يكفروا. فانّ من لا يحيط علمه «13» بما فوق سطح بيته، و بما غاب عن عينه فى بيته، حتى يعاينه، ثم يزعم أنّه يرقى الى السّماء، و يدرك ماوراء الفلك؛ و من لا يقدر أن يعرف كيفيّة نفسه اللّطيفة الّتى تدبّر أمر «14» جسده، حتّى يقع فى هذه «15» الاختلافات و الوساوس؛ ثم يزعم أنّه يحيط علمه بخالق الخلائق أجمعين و مدبّرهم «16»، و يزعم أنّه يدرك «17» علم ما كان قبل أن كان «18» و ما يريد أن «19» يكون قبل أن يكون «20»، من غير توقيف «21» من نبىّ مؤيّد بوحى «22» من اللّه «23»؛ حقّ له أن يتيه و يوسوس، و أن يدعى مجنونا معتوها، و أن يكفر باللّه عزّ و جلّ «24»، و يطعن على أنبيائه (ع)، و
__________________________________________________
(1)- العرب: الغرب B
(2) شعراء: شعروا-- CA
(3)- الهجاء: اهجاء B
(4) صفات: الصفات A
(5)- رسما: و سما A
(6) خلدهم: خلد لهم A
(7) فتشبه: فتشبهه B
(8)- بهذه: بهذا B
(9)- احاطت: و احاطت B
(10) ارتقوا: نفو B
(11)- العالم: تعالى اللّه عن ذلك CE
(12) هذا الكفر: بهذا الكفر A
(13)- علمه:- A
(14)- امر: امن B
(15) هذه: هذا B، هوة C
(16)- مدبرهم: تعالى اللّه عن ذلك-- CB
(17) يدرك: ينبئك B
(18) ان كان: ان يكون C
(19)- ان:- BA
(20)، قبل ان يكون:- C
(21) توقيف: توفيق A
(22) بوحى: بوحى B
(23) اللّه: عز و جل-- CB
(24)- عز و جل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:154(1/208)
ينسبهم إلى الخلاف؛ و لا يرى خلاف هؤلاء التّائهين، و لا يذكر تناقض كلامهم؛ و أن يدّعى أنّ اللّه «1» أغناهم عن إمام مرشد مؤيّد من اللّه «2» الّذى خلقهم بحكمته و تعطّف عليهم برحمته، و يزعم أنّه و كلهم إلى آرائهم حتّى يستغنوا عن «3» اختلافات الأنبياء «4» المؤسسّة على الحكمة باختلافات «5» هؤلاء الموسوسين «6» المحيّرة المهلكة، ثم يقول: قد و اللّه تعجّبنا من قولكم: إنّ القرآن هو معجز و هو مملوء من التّناقض و هو أساطير الأوّلين و هو خرافات!
(3) فكم بين هذه الاختلافات الّتى بين هولاء الذين ابتدعوها بآرائهم، و التى إنّ نظر فيها ناظر غير مستبصر بهذه «7» الأمور مستحكم فى أمر الدّيانة، قادته «8» إلى العمى، و أوقعته «9» فى الحيرة؛ و بين الاختلافات الّتى ذكرها الملحد و عاب بها الانبياء (ع) الّذين «10» وضعوها على الحكمة، و هى «11» أمثال مضروبة إذا كشف عن معانيها اعتدل منها النّظام، و قامت بها الحدود و الأحكام، و ظهر صدق الأنبياء عليهم السّلام؟ و أىّ الفريقين أكذب، الّذين يمزّقون حلوقهم بما زعم الملحد أنّه الزّور و البهتان، بحدّثنا «12» فلان عن فلان «13» عن محمد (ص) عن جبرئيل (ع) عن اللّه عزّ و جلّ «14»، أنّه قال: «إنّنى انا اللّه لا إله الّا انا فاعبدنى و اقم الصّلوة لذكرى انّ السّاعة آتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى» فأخبر
__________________________________________________
(1)- اللّه: جل ذكره-- CB
(2) اللّه: عز و جل-- CB
(3)- عن: من B
(4) الانبياء: الانباء A
(5) باختلافات: باختلاف C
(6)- الموسوسين: المسوسين B
(7)- بهذه: بهذا-- CB
(8)- قادته: فادة B
(9) اوقعته: اوقعة B
(10)- الذين: التى CBA
(11) هى: هو B
(12)- بحدثنا: حدثنا BA
(13) عن فلان: من فلان-- CB
(14)- عز و جل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:155(1/209)
بأنّ اللّه عزّ و جلّ «1» واحد لا إله «2» غيره و أمر بعبادته، و حثّ على طاعته، و حذّر مجئى «3» و ما يكون من القيامة المجازاة بالأعمال، و وعد و أوعد بالثّواب و العقاب؛ أم الذى «4» يقول: حدّثنى طبعى عن نفسى عن عقلى، أنّه عاين «5» ما كان قبل حدث العالم، فرأى النّفس و الهيولى و المكان و الزّمان قديمة مع البارى- جلّ اللّه و عزّ «6»- و أنّ النّفس «7» اشتهت أن تتجبّل فى هذا العالم، فأعانها البارى حتّى خلقت العالم و أنّه لولا ذلك لما كان هذا العالم، و أنّه لا بعث و لا ثواب و لا عقاب، و أنّ النّاس مهملون «8» كبهائم الأنعام، و أنّه لا فضل للبشر على سائر الحيوان، و لا أمر و لا نهى؛ و أنّ عقلى حدّثنى: أنّه يبلغ علم ما كان قبل حدث العالم و ما يكون بعد فنائه، و يبلغ علم «9» سرائر الخليقة كلّه من أوّل الدّهر إلى آخره؛ و أنّه لا حاجة به إلى معلّم يعلّمه فانّه «10» قد استوى مع اللّه «11» فى العلم بجميع الخلائق و كيف خلقت «12» و كيف طبعت، و ما فيها من الصّلّاح و الفساد و الضّر «13» و النّفّع؛ و أنّ عقله يدرك «14» علم ذلك إذا «15» شاء و نظر فيه و بحث عنه؟ فأىّ الفريقين أولى بأن يسمّى «16» كذّابا، و أنّه يدّعى الزّور و البهتان؟
(4) من أنصف و لم يغرّ «17» نفسه، و نظر فى اختلافات هولاء الّذين نظروا فى هذه «18» الأمور العظيمة، و أوردوا هذه الآراء المتناقضة من ذات أنفسهم و بعقولهم؛ و فى اختلافات الأنبياء (ع) و ما رسموه «19» فى شرائعهم بالحكمة،
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A- A، جل ذكره C
(2) اله:- A
(3)- مجئى: محبى B
(4)- الذى: الذين B
(5)- عاين: عالى C
(6)- جل اللّه و عز:- A
(7) النفس: الانفس C
(8)- مهملون: مهملين-- CB
(9)- علم: العلم B
(10)- فانه:- C
(11) اللّه: جل اللّه و تعالى B، جل و تعالى C
(12) خلقت: خلقن B
(13)- الضر: الضرع B
(14) يدرك: بنبئه B، ادرك C
((1/210)
15) اذا: ان C
(16)- يسمى: سما B
(17)- يغر: يغير-- CB
(18)- هذه: هذ B
(19)- رسموه: و سموه A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:156
و ضربوا الأمثال بوحى من اللّه عزّ و جلّ «1» و ميّز بينهما؛ عرف الصواب من الخطأ، و الحقّ من الباطل و الصّدق من الكذب فانّ الأنبياء (ع) و إن اختلفت ألفاظهم بضرب الأمثال، فانّ معانيها متّفقة، و لم يختلفوا فى أصل الدّين و فى توحيد اللّه عزّ و جلّ «2»، و اتّفقوا أنّ اللّه جلّ ذكره «3» إله واحد لا إله غيره، و أنّه قديم لا قديم «4» معه، و أنّه لم يزل و لا يزال، و هو خالق جميع الخلائق لا من شى ء، و لا خالق غيره؛ و وصفوه جلّ ذكره بأحسن الصّفات كما هو أهله؛ و اتّفقوا أنّه بعث النّبيّين مبشّرين و منذرين، و اختارهم من خلقه و اصطفاهم لتبليغ رسالاته، و أنّه خلق دارين، دارا للسّعى و العمل و دارا «5» للثّواب «6» و العقاب، و أنّ العباد مأمورون منهيّون مبعوثون بعد الموت محاسبون «7» مدانون «8» بأعمالهم، و أنّ اللّه «9» «يجزى الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يجزى الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»، و أنّ الجنّة و النّار هما العقبى. و سلكوا فى هذا سبيلا «10» واحدة، لم يختلفوا فى شى ء منه، و دعوا كلهم إلى عبارة اللّه بالأعمال الّتى أتّفقوا على أصولها مثل الصّلاة و الزّكاة و الصّيام و المناسك و القرابين و سائر الفرائض و السّنن التى فى أصول الدّين «11»، لم يختلفوا فى شى ء منها «12»، و دعوا كلّهم إلى ذلك و شهد بعضهم لبعض بالصّدق و النّبوة و دعوا إلى منهاج واحد فى باب «13» الاستعباد؛ و إنّما اختلفوا فى وضع الشّرائع، مثل أوقات الصّلاة «14» و
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A
(2)- عز و جل:- A
(3) جل ذكره:- A
(4) لا قديم: الا قديم B
(5)- دارا: دار B
(6) للثواب: الثواب B
(7)- محاسبون: يحاسبون BA
(8) مدانون: ملانون A، ملادنون B
((1/211)
9) اللّه: عز و جل-- CB
(10)- سبيلا: التسبيل B
(11)- الدين: الذين B
(12) منها: منه CBA
(13)- باب:- B
(14)- الصلوة: الصلوات C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:157
عدد ركعاتها، و حدود الزّكوات «1»، و مواقيت الصّيام «2» و غير ذلك من الفروع امتحانا من اللّه عزّ و جلّ «3» لخلقه و اختبارا لهم، كما أمر موسى (ع) بالصّلاة التى هى أصل الدّين فى جميع الشّرائع، و لكنّه أمره «4» أن يتّخذ بيت المقدس قبلة «5». و كذلك أمر عيسى (ع) بالصّلاة، و أمره أن يتّخذ «6» المشرق قبلة؛ و شهد (عيسى) لموسى «7» بالصّدق و النّبّوة.
و إنّما فعلوا ذلك، ليظهر «8» المطيع من العاصى و الضّال من المهتدى «10» و الخاضع المنقاد «9» من المتكبّر الباغى، و ليكون الثّواب و العقاب على حسب الطّاعة و المعصية، كما قال اللّه عزّ و جلّ «11»: «وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ «12» عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» فقد «13» دلّ «15» ذلك (على) أنّه امتحنهم، ليعرف من يتّبع «16» الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه «14». ثم قال: «و ان كانت لكبيرة الّا على الّذين هدى اللّه» أى انّ مخالفته (ص) لمن تقدّمه فى تغيير القبلة هى كبيرة منكرة عند من لا يعرف مراده، «الا على الّذين هدى اللّه» فعرفوا مغزاه فى ذلك، و علموا أنّه بحكمه. و قال جلّ ذكره «17»: «وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ «18» فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» ألا تراه يقول «19»: «لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ» أى يمتحنكم؛ و حثهّم على عمل الخيرات، فقال: «فاستبقوا «20» الخيرات» فانّ مرجعكم إلى
__________________________________________________
(1) الزكوات: الزكوة B
(2) الصيام: فى القبل C
((1/212)
3)- عز و جل:- A
(4)- امره: امر C
(5) قبلة:- A
(6)- يتخذ:- A
(7) لموسى: الموسى B
(8)- ليظهر: ليطهر B
(9) من ... المنقاد:- B
(10) المهتدى: المهتدين A
(11)- عز و جل:- A
(12)- كنت:- A
(13) فقد: و ان كانت فقد B
(14) فقد ... عقبيه:- A
(15)- فقد دل: فقدر C
(16) يتبع: تبع C
(17)- جل ذكره: عز و جل A
(18) آتيكم: آتكم B
(19)- يقول:- B
(20)- فاستبقوا: استبقوا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:158
الّذى يجازيكم باختلافكم و ائتلافكم؟ و قال «1»: «و لو شاء ربّك لجعل النّاس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين الأمن رحم ربّك و لذلك خلقهم» يعنى خلقهم و امتحنهم بالاختلاف و الائتلاف ليظهر المطيع من العاصى «2» كما ذكرنا «3»، و ليكون مرجعهم إلى الأنبياء، و ليرضوا بحكمهم، و يقيموا طاعتهم، كما قال عزّ و جلّ «4»: «كانَ «5» النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» ثمّ عرّفنا أنّ الباغين فى كلّ أمّة امتحنهم اللّه بطاعة الانبياء، فخالفوهم بعد أن رأوا البيّنات، فقال: «و ما اختلف فيه الّا «6» الّذين اوتوه من بعد ما جائتهم البيّنات بغيا بينهم».
(5) فهكذا كان سبيل الأنبياء، و سبب اختلافهم فى وضع الشّرائع.(1/213)
فأمّا فى الأصول فلم يختلفوا: و لو اتّفقوا كلهم فى وجوه الإستعباد، لما ظهرت «7» منزلة الأنبياء، و لا كانت درجة لمن جاء بعد من تقدّمه؛ فكان لا يقدر على تغيير البدع الّتى أبدعها الضّالون فى كل «8» شريعة، و لسقط «9» الامتحان «10» من اللّه عزّ و جلّ «11» لخلقه، و لبطل الأمر و النّهى، فلم تكن طاعة و لا معصية و لا ثواب و لا عقاب. فهذه علّة اختلافهم فى وضع الرّسوم: و أسّسوا شرائعهم على العلم و الحكمة بوحى من اللّه عزّ و جلّ «12»، و لم يختلفوا فى أصول الدّين و التّوحيد، كما اختلف هؤلاء الضّلال الذين وضعوا هذه «13» الوساوس بآرائهم و اختلفوا فى البارى عزّ و جلّ «14»، و فى «15» جميع الأصول
__________________________________________________
(1)- قال: قالوا A
(2)- العاصى: المعاصى B
(3) ذكرنا: ذكريا A
(4)- عز و جل:- A- A، جل و عز C
(5) كان: و عن كان B
(6)- فيه الا:- A
(7)- ظهرت: اظهرت B
(8)- كل:- B
(9) لسقط: اسقط C
(10) الامتحان:- A
(11) عز و جل:- A
(12)- عز و جل:- A
(13)- هذه: هذ B
(14) عز و جل:- A- A، جل و عز C
(15) و فى: فى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:159
و الفروع، و أبطلوا كلّهم العبادة و الثّواب و العقاب، و جعلوا النّاس مهملين كالبهائم، و أوجبوا أن لا يكون لهم سائس و مؤدّب فى الدنيا و مرشد فى الدّين.
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:160
الفصل «1» الخامس لا اختلاف بين الانبياء فى الاصول
و أمّا ما ذكره «2» الملحد عن المجوس و غيرهم من القول بالاثنين، و عن النّصارى و قولهم فى المسيح (ع)، فانّ ذلك ليس من الأنبياء؛ بل هو من المبتدعين فى كلّ أمّة على حسب ما ذكرنا. فأمّا المجوس فقلنا إنّ سبب «3» قولهم بالاثنين و تركهم رسوم الأنبياء، أصل بدعهم هو من موزنوش تلميذ بثاغورس الذى دخل مملكة الفرس، و أخذ عنه و ارطوس هذا القول و دعا إليه المجوس، فأجابوه. ثم تكثّرت «4» فيهم البدع بعد ذلك.(1/214)
و أمّا النّصارى و قولهم فى المسيح «5» انّه ابن اللّه «6»، فانّهم ضلّوا بالتّأويل؛ لأنّ المسيح (ع) قال فى الانجيل إنّه ابن اللّه؛ و لم يعن به «7» أنّه ابنه من جهة الولادة- عزّ اللّه أن يتّخذ صاحبة و ولدا- و لكنّه أراد أنّ اللّه عزّ و جلّ «8» رفعه و أعلى منزلته و قرّبه و اختاره و اصطفاه و احبّه، و ضرب فى هذا مثلا، كما يحب الانسان ولده و يصطفيه و
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- و اما ما ذكره:- B
(3)- سبب: السبب B
(4)- تكثرت: تكثرن B، تكثرة C
(5)- فى المسيح:- A
(6) الله: تعالى عن ذلك CB
(7)- يعن به: يعذبه B
(8)- عز و جل:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:161
يقرّبه و يوّده و يشفق عليه و يختصّه من بين جميع النّاس؛ فأعلمهم أنّ قربه من اللّه عزّ و جلّ و اختصاصه به، كاختصاص الولد بوالده، و أنّ اللّه يحبّه و يودّه و يشفق عليه «1»، كمحبّة الوالد لولده و إشفاقه عليه و ودّه «2» له؛ و أنّه ولىّ اللّه كما قال فى مواضع كثيرة «3» من الانجيل ما يدلّ على ما قلنا.
و قال لحوارييّه «4» أنتم أبناء اللّه «5»، على هذا المعنى، أى أنّ اللّه اختصّهم و اختارهم و أنّه يودّهم «6» و يشفق عليهم.
((1/215)
3) و قال لليهود «7» انّهم «8» أبناء الشّيطان «9»، كما هو مكتوب فى الانجيل، أنّ اليهود قالت له: أنت تشهد لنفسك و ما شهادتك عندنا بصادقة. فأجابهم و قال: كالّذى «10» علّمنى أبى، كذلك أنطق و أقول، و إنما أسعى بمرضاته فى كلّ «11» حين؛ فأما أنتم فانّما تعملون أعمال أبيكم. قالوا له «12»: لسنا لغير اللّه و إنّما أبونا اللّه الواحد القّهار. قال «13» لهم: لو كان اللّه أباكم، لأجبتمونى و أطعتمونى لأنّى جئت من عند اللّه؛ و إنّما أنتم من أب باغ «14» أشر «15»، و إنّما تريدون العمل بشهوة أبيكم الّذى لم يزل من بدء «16» أمره للنّاس قاتلا، و لا يقوى «17» على الحق لأنّه ليس فيه شى ء من الحقّ لأنّه كذوب و أبو الكذب و منشئه و مبتدعه «18»؛ و من كان من اللّه فانّه يسمع كلام اللّه و يطيع أمره؛ و أنتم «19» لا تسمعون و لا تصدّقون لأنكّم لستم من أولياء اللّه.
__________________________________________________
(1)- يختصه ... يشفق عليه:- A
(2)- و وده: وده B
(3) مواضع كثيرة: موضع كثير B، موضع كثيرة C
(4)- لحوارييه: لحواريه A، الحواريه B
(5) اللّه: عز و جل-- CB
(6)- يودهم: يودوهم B
(7)- لليهود: اليهود A
(8) انهم: نحن A
(9) الشيطان: الشياطين A
(10)- كالذى: الذى B
(11) كل:- A
(12)- له:- BA
(13)- قال: و قال A
(14)- باغ: باغى A
(15) اشر: اشرف B،- C
(16)- بدء: بدو-- CA
(17)- يقوى: يقوا A، يقوم-- CB
(18)- مبتدعه: مستبدعه B
(19)- و انتم: فانتم B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:162(1/216)
فانظر «1» فى هذا الكلام و استدلّ «2» به على ما قلنا: إنّه إنّما أراد «3» أنّه ابن اللّه على ما وصفنا. ألا تراه يقول لليهود: كالذى علّمنى أبى «4» كذلك أنطق، و أنتم فانّما تعملون أعمال أبيكم؛ و هم يقولون له: لسنا لغير اللّه، و إنّما أبونا اللّه الواحد القهّار؛ و لم «5» يعنوا أنّه أبوهم من جهة الولادة، و لكن أرادوا أنّهم أولياءه كما وصفنا؟ ألا تراه يقول: و أنتم «6» من أب باغ «7» أشر، و إنّما تريدون العمل بشهوة أبيكم، يعنى به أنّهم أبناء الشّيطان، لا أنّهم «8» ولدوا منه، و لكنهم «9» أولياؤه؟ ألا تراه يقول: لستم من أولياء اللّه، و يقول لأنّه كذوب و أبو الكذب «10»؛ فجعل الشّيطان أبا الكذب؛ و قال «11»: لو كان اللّه أباكم لأجبتمونى؛ و قال «12»: لستم من أولياء اللّه «13». فهذا كلّه يدلّ (على) أنّه لمّا قال لهم أبناء اللّه، عنى به أولياء اللّه «14». و كذلك «15» حين قال إنّه ابن اللّه، أى أنّه ولىّ اللّه.
قال لحواريّيه «16» فى الانجيل: آمنوا بالنّور لتكونوا للّه أبناء. و أيضا فى الانجيل أنّه ظهر لمريم المجدلانيّة بعد أن خرج من القبر، و قال لها:
لا تقربينى «17» فانّى «18» لم أصعد إلى عند أبى «19»، و لكن انطلقى و قولى لاخوتى إنّى صاعد «20» إلى أبى و أبيكم و إلهى و إلهكم. و يقول أيضا: استعلن «21» ابن اللّه لأن يبطل أعمال الشّيطان كلّ من ولد من اللّه لا يكون خاطئا لانّ زرعه فيه ثابت و بهذا يستبين
__________________________________________________
(1)- فانظر: فانظروا C
(2) استدل: استدلوا C
(3) اراد: اردنا A
(4)- ابى: انى B
(5)- و لم: لم-- CB
(6)- و انتم: انتم A
(7) باغ: باغى A
(8)- لا انهم: لا بانهم CA، لا بائهم B
(9) لكنهم: لكنه C
(10)- الكذب: للكذب C
(11) قال: قالوا C
(12)- قال: يقول CBA
(13) لستم ... الله:- B
(14) فهذا ... اولياء الله:- BA
(15)- كذلك: كذ B
(16)- لحوارييه: لحواريه BA
((1/217)
17)- لا تقر بينى: تقربينى C
(18) فانى: لانى C
(19) ابى: و ابيكم-- CA
(20)- صاعد: صاعدا C
(21) استعلن: استعلى BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:163
أبناء اللّه «1» من أبناء الشّيطان. و فى موضع آخر: اعلموا أنّ كلّ من يعمل البرّ فانّه مولود من اللّه و انظروا فما أكثر الودّ «2» الذى أعطاناه الآب «3» أن ندعى «4» أبناء اللّه بأعمالنا، أيّها الأحبّاء نحن الآن أبناء اللّه. و فى موضع آخر:
إذا تصدّقت فلا تعرّفنّ شمالك ما صنعت يمينك لتكون «5» صدقتك «6» سرّا و أبوك الّذى يعلم سرّك يجزيك علانية، و إذا صلّيت فادخل مخدعك و اغلق بابك و صلّ لأبيك الخفّى و أبوك المطّلع على سريرتك يجزيك علانية. و فى موضع آخر: أيّها البنون «7» لا يكون ودّنا بالكلام و لا باللّسان بل بأعمال البرّ، و الحقّ «8» أقول إنما نحن أبناء اللّه إذا نحن وددنا اللّه و عملنا «9» بوصاياه، و هذا هو الحقّ من ودّ «10» اللّه كنتم قبل لستم بشعب اللّه فامّا الآن فشعب «11» اللّه. و فى موضع آخر: ستأتى ساعة لا أكلّمكم «12» بالامثال فأشرح «13» لكم مجد الآب «14» جهارا. و فى «15» موضع آخر: طوبى لعاملى السّلم بأنّهم يدعون أبناء «16» اللّه. و فى موضع آخر: قدمّوا الخير إلى من يبغضكم و صلّوا على الّذين يطردونكم غضبا لتكونوا أبناء أبيكم الذى فى السّماء.
و فيه أيضا: إن أنتم غفرتم للنّاس خطاياهم، فانّ أباكم الّذى فى السّماء يغفر لكم و إن أنتم لم تغفروا للنّاس فانّ أباكم لا يغفر جهلكم. و فيه أيضا: يشرق الصّديقون كالشّمس فى ملكوت أبيهم، من «17» كانت له أذنان سامعتان فليسمع. و فيه «18» أيضا: لا تقطعوا رجاء من سألكم و لا تخيّبوه ليكثر
__________________________________________________
(1)- لا يكون ... ابناء الله:- C
(2)- اكثر الود: اكثرهم الولد B
(3) الآب: الان C
(4) ندعى: تدعى B
(5)- لتكون: و لتكون B
(6) صدقتك: صدتك B
(7)- البنون: النبيون B
((1/218)
8)- البر و الحق: البررة الحق A
(9)- عملنا: علمنا B
(10) ود: دون A
(11) فشعب: تشعب B
(12)- اكلمكم: اكلهم B
(13) فاشرح: و اشرح-- CB
(14)- الاب: الا B
(15) فى:- B
(16)- ابناء: انما C
(17)- من: و من C
(18)- و فيه ... و فيه:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:164
ثوابكم و أجركم و تكونوا للعلىّ أبناء. و فيه أيضا: لا تدعوا آبائكم «1» فى الارض لأنّ أباكم واحد فى السّماء. و فيه أيضا: إن كنتم أيّها الاشرار تعلمون أن تعطوا أبناءكم مواهب صالحة فبكم أحرى «2» أبوكم الّذى فى السّماء يعطى القدس الّذى تسألونه.
هذا كله مكتوب «3» فى الانجيل. و من تدبّره و ميّز قوله عرف مراده حين «4» يقول «5» مرّة: جئت من عند أبى و أنطلق إلى عند أبى. و مرّة يقول لحوارييه: و صلّوا على الّذين يطردونكم غضبا لتكونوا أبناء أبيكم فى السّماء «6». و مرّة يقول: لا تدعوا أبا لكم «7» فى الارض لانّ أباكم واحد فى السّماء. و يقول: تكونوا للعلىّ أبناء. و يقول: فيكم أحرى «8» أبوكم الّذى فى السّماء يعطى القدس الّذى تسألونه «9»؛ فسمّاه أيضا أبا للاشرار «10» إذا صلحوا و سألوه القدس. و يقول للحواريّين: أنتم شعب اللّه. و يقول: يستبين أبناء اللّه من أبناء الشّيطان. و (أنه) «11» إنّما يعنى بهذا كلّه أولياء اللّه و أهل خالصته «12» و المطيعين له؛ كما سمى المطيعين للشّيطان أبناء «13» الشّيطان. و على هذا المعنى، قال: جئت من عند أبى و أبيكم «14» و أنطلق إلى عند أبى و أبيكم الّذى فى السّماء. و يدعوهم أيضا لنفسه حيث يقول: يا بنى أنا معكم زمين «15» يسير، و ستطلبوننى «16» من بعد. إنّما يعنى بقوله يا بنى، يا أوليائى و خلصائى «17»، و يعنى أنّه «18» يودّهم «19» و يشفق عليهم كما يشفق الوالد على ولده و يودّه.
__________________________________________________
(1) آبائكم: ابالكم C
(2)- احرى: اخرى A
(3)- مكتوب: مكتون B
(4)- حين: حتى A
((1/219)
5) يقول: فيقول B
(6) و مرة ... السماء:- A
(7)- ابالكم: بالكم B، اباكم C
(8)- احرى: اخرى B
(9)- تسالونه: يسالونه C
(10) للاشرار: للاشراق B
(11)- و (انه): (اند) A
(12)- خالصته: خاصته A
(13) ابناء: من ابناء A
(14) و ابيكم:- BA
(15)- زمين: زفتين A
(16) ستطلبوننى: ستطلبونى C
(17)- خلصائى: خلصاء B
(18) انه: ان B
(19) يودهم: بودهم A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:165
فمن تدبّر هذا الكلام، علم أنّ هذه المعانى «1» كما ذكرنا. و هذا فى الأنجيل كثير، أنّه سمى نفسه ابن اللّه، و سمّى الحواريّين أبناء اللّه، و كان مراده من ذلك ما ذكرناه، و جعل هذا اللّفظ مثلا «2»؛ ألا «3» تراه يقول: ستأتى ساعة لا أكلّمكم «4» بالأمثال و أشرح لكم مجد الآب جهارا؟
(4) و قد قال فى مواضع كثيرة «5» فى الانجيل انّه ابن البشر و ابن الانسان. قال فى موضع: بحقّ أقول لكم ما جاء ابن «6» البشر إلّا ليحيى ما كان هالكا «7». و فى موضع آخر: إنّا نصعد إلى وادى «8» شلم و ابن البشر يسلّم إلى عظماء الكهنة فيسحبونه «9» للموت. و فى موضع آخر: إنّكم «10» لا تكلمون بنى اسرائيل حتى يأتيكم أبن الانسان. و فى موضع آخر: الآن «12» ظهر مجد ابن الانسان «11» و مدحه و حمد اللّه به «13» و على يديه. فهذه «14» الالفاظ كلّها تدلّ على ما قلنا حين سمى «15» نفسه ابن اللّه و الحواريّين أبناء اللّه و أراد «17» بهذا كلّه أنّهم أولياء اللّه «16» و خلصاؤه؛ و لو «18» لم يكن الأمر «19» كما قلنا، لوجب على النّصارى أن يدعوا «20» الحواريّين كلّهم أبناء اللّه، كما قالت فى المسيح انّه ابن اللّه. و قد بيّن المسيح (ع) فى الأنجيل أنّ الأمر كما ذكرنا؛ لأنّه قال فى مواضع «21» كثيرة إنّه ابن «22» البشر و أبن الانسان، و عرّفهم أنّه لا يريد بقوله ابن اللّه، أنّه من جهة الولادة ابن اللّه- تعالى اللّه عن ذلك «23»؛ و لكنّ النصارى غلطت فى التّأويل و غلطت «24» فى القول،(1/220)
__________________________________________________
(1)- المعانى: المتعالى B
(2)- مثلا: مثل B
(3) الا: لا B
(4) اكلمكم: اكملكم B
(5)- كثيرة: كثير B
(6)- جاء ابن: جائز B
(7) الا ... هالكا:- C
(8) وادى: اودى A
(9) فسيحبونه: فيسجنوه A، فيسجوه B فيسحبوه C
(10)- انكم:- A
(11)- و فى ... ابن الانسان:- C
(12) الآن: الا ان B
(13)- به:- B
(14) فهذه: فهذ B
(15) سمى: الله A
(16)- و الحواريين ... اولياء الله:- A
(17) اراد: انما اراد C
(18)- لو: له B
(19) الامر: الا B
(20) يدعوا: يدعون B
(21)- مواضع: موضع B
(22) ابن: الله B
(23)- تعالى ... ذلك:- A
(24) و غلطت:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:166
فضلّت و قالت، هو آب «1» و ابن «2».
((1/221)
5) و قد قالت غلاة «3» هذه الأمّة فى النّبىّ (ص) و عن «4» علىّ كرّم اللّه وجهه «5» و الأئمّة من بعد هما أعظم من هذا. فانّهم قالوا إنّهم آلهة «6»- لا إله إلّا اللّه سبحانه- بل كثير منهم ادّعوا لسلمان «7» و غيره مثل ذلك. و هذا باب يطول القول به، و مقالات الغلاة مشهورة فى هذه الأمّة و فى جميع الأمم فى قولهم بالهيّة البشر.- و ليس للملحد حجّة فى طعنه على الأنبياء (ع) و فى عيبه المسلمين بضلالة النّصارى، و ما ابتدعه من جهل معانى كلام الأنبياء فى كلامه- فضلّوا فى القول و افتروا على اللّه و لو أنّ الأمم كلّها اهتدت قاطبة و لم يقم فى كلّ شريعة هولاء «8» المبتدعون الّذين اختلفوا فى الأهواء و اعتقدوا الرّياسات و ضلّوا عن طريق الهدى و سواء «9» السّبيل و تأوّلوا كلام «10» الأنبياء بآرائهم و لم يرجعوا إلى العلماء استنكافا و استكبارا و أضلّوا أتباعهم، لسقط الاختلاف و صفا الأمر و ارتفعت «11» المحنة؛ و لكنّ اللّه «12» امتحن الخلق بالاختلافات، ليطلبوا الائتلاف، و يدعوا التنازع و التفرّق، و يعرفوا معانى كلام «13» الرّسل «14»؛ فيقتدوا «15» بأوليائه الهادين، و يجتنبوا سبيل «16» أعدائه الضالين «17»؛ لأنّ «18» الدّنيا «19» دار المحنة و محلّ فتنة، ميّز اللّه فيها بين العباد و ابتلاهم بما أراد، «ليجزى الّذين اساؤا بما عملوا و يجزى الّذين احسنوا بالحسنى».
(6) فسبيل النّصارى فى القول بأنّ المسيح ابن اللّه، و سبيل المجوس فى
__________________________________________________
(1) و لكن ... هواب:- A
(2) و ابن: ابن: BA
(3)- غلاة: الغلاة B
(4) عن: فى-- CB
(5) كرم الله وجهه:- A
(6)- آلهة: الهية A
(7)- لسلمان: لسمان A، لسليمان B
(8)- و افتروا ... هؤلاء:- A
(9)- سواء: سوء C
(10) كلام: الكلام B
(11)- ارتفعت: انفعت B
(12) الله: عز و جل-- CB
(13)- كلام: الكلام B
(14) الرسل: الرسول B
(15) فيقتدوا: فيتقدوا A
((1/222)
16)- سبيل: سبل C
(17) الضالين: الظالمين A
(18) لان: لا ان B
(19) الدنيا- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:167
القول «1» بالاثنين، و سبيل سائر «2» الضّلّال فى كلّ أمّة «3»، هو على ما شرحناه؛ و ليس ضلالهم و بدعهم بحجّة للملحد «4». فانّ الأنبياء لم يختلفوا فى أصل الدّين، و اتّفقوا كلّهم على أنّ اللّه عزّ و جلّ «5» واحد «6» لا إله غيره، و لا ضدّ له «7» و لانّد، و لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا، و لم يشرك فى ملكه و سلطانه و حكمه «8» من بريّته أحدا «9»؛ و دعوا «10» إلى عبادته على حسب ما قدمنا القول به. و قد نزّههم اللّه «11» أن يقولوا فى اللّه سبحانه «12» ما لا يليق بعظمته «13» و كبريائه- تعالى اللّه عما يقول الظّالمون علوا كبيرا- و نزّه أنبياءه (ع) و الهادين من أممهم عن الافتراء على اللّه؛ فلم «14» يختلفوا فى أصول العبادة. كما شرحنا أنّهم أمروا بها و دعوا إليها و وعدوا «15» و أوعدوا و حثّوا الأنام على الاجتهاد و على طلب ما عليه المعول و له القصد و عنه يجب «16» البحث و النّظر رجاء للثّواب و خشية من العقاب فى يوم المداينة و الجزاء.
(7) و إن لم يكن الامر على ما دعوا إليه، و لم يكن نشور «17» و لا بعث و لا جنّة و لا نار على ما ادعاه الملحدون و المعطلون، فانّ النظر فى هذه الأمور و البحث عنها، لا معنى «18» و لا محصول له، و الجاهل و العالم و البرّ و الفاجر و الظّالم و العادل فيها سواء؛ و اذا، ليس لا تعاب النفس و المشقّة فى البحث عن ذلك و طلبه، معنى؛ إذ «19» لم يكن فى ذلك نفع و لا جدوى. و نعوذ باللّه أن يكون كذلك؛ بل، الأمر كما قال الصّادق جعفر بن محمد (ع) لبعض
__________________________________________________
(1) فى القول:- B
(2) سائر: الامم CBA
(3) كل امة: كلامه A
(4)- للملحد: الملحد B
(5) عز و جل:- A
(6)- واحد: واحدا B
(7) له:- A
(8)- حكمه: حكم A
(9)- احدا: احلا A
(10)- دعوا: ادعوا B
((1/223)
11) الله:- B
(12) سبحانه:--- CA
(13) بعظمة: بعظمة B
(14)- فلم: و لم CBA
(15)- و وعدوا: وعدوا-- CB
(16)- يجب:- B
(17)- لم يكن نشور: لم نشر B
(18)- معنى: فيه BA
(19)- اذ: اذا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:168
الملحدين: إن كان الأمر كما تقولون- و ليس كما تقولون- فقد نجونا و نجوتم؛ و إن كان الأمر كما نقول «1»- و هو كما نقول- فقد نجونا و هلكتم.
و نقول «2» إنّ اللّه عزّ و جلّ لم ينشئى «3» هذا الخلق لعبا، و لا خلق السّموات و الأرض و ما بينهما باطلا، و لا بعث النّبيّين عبثا و لا ترك النّاس سدى؛ «ذلك ظنّ الّذين كفروا فويل للّذين كفروا من النّار»
(8) و أمّا قول الملحد انّ القرآن يخالف ما عليه اليهود و النّصارى من قتل المسيح (ع)، لانّ اليهود و النّصارى «4» يقولون انّ المسيح قتل و صلب، و القرآن ينطق بأنّه لم يقتل و لم يصلب، و أنّ اللّه رفعه إليه، فانّا نقول: إنّ الذى فى القرآن هو حقّ و صدق، و هو مثل ضربه اللّه، يعرف تأويله أهل العلم من الأمّة. و مع ذلك فقد قال بعض العلماء قولا، ذكروا: «أنّ معنى «5» قوله «6» عزّ و جلّ: «وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» إنّما عنى أنّهم و إن كانوا ادّعوا أنّهم قتلوه «7»، فانّه حىّ «8»، رفعه اللّه إليه، و هو عند اللّه محبور مكرّم مسرور، لأنّه شهيد «9»؛ و الشّهداء هم «10» أحياء عند اللّه، كما وصفهم اللّه به، فقال جلّ ذكره:
«وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «11» أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ» و قال فى آية اخرى: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ»، قال:(1/224)
__________________________________________________
(1)- نقول: يقولون
(2)- نقول: يقولون C
(3)- ينشئى: ينش A، ينشق B
(4)- من قتل ... النصارى:- A
(5)- معنى: مع C
(6) قوله: قول الله B
(7)- قتلوه: يقينا A
(8) فانه حى: بل A
(9)- شهيد:- B
(10)- و الشهداءهم: شهداءهم B
(11)- الله:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:169
«فكذلك سبيل «1» المسيح (ع) لم يقتلوه «2» يقينا أى لم يقتلوه على الحقيقة، لأنّه شهيد رفعه اللّه إليه، و هو حىّ «3» عنده، محبور مسرور.»
(9) و مثل «4» ذلك فى الانجيل «5» فى بشرى يوحنّا: أنّ المسيح مات بالجسد و هو حىّ بالروح «6»، فتفكّروا بأنّ الّذى مات بالجسد استراح من الخطايا.
و فى بشرى لوقا: أقول لكم يا أوليائى لا تخافوا الّذين يقتلون الجسد و لا يقدرون على غير ذلك. أخبركم ممّن «7» تخافون «8» من الذى يقتل الجسد و هو مسلّط أن يقذفه فى نار جهنّم، أقول لكم يقينا انّى أصير إلى ملكوت السّماء، و هذا جسدى يبذل للموت «9» فى سبيلكم، فلذلك فاصنعوا كل ما اجتمعتم لذكرى. و فى بشرى منى: ما سمعتم بآذانكم فنادوا به فوق الطّوايا و لا تخشوا الّذين يقتلون الجسد و لا يقدرون على قتل النّفس و اخشوا من يقدر أن يهلك «10» النّفس و يطرح الجسد فى النّار.
((1/225)
10) فهذا ما فى الانجيل؛ و هو موافق لما فى القرآن فى هذا المعنى. و قد قال المسيح (ع) إنّه يبذل جسده للموت و يصير إلى ملكوت اللّه. و قال: يقتلون الجسد و لا يقدرون «11» على قتل النّفس. و قد وافق «12» هذا القول ما قال اللّه عزّ و جلّ «13» فى القرآن: «وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ.» و قال جلّ ذكره «14» فى آية أخرى مخاطبة للمسيح (ع): «انّى متوفيّك «15» و رافعك الىّ». و قال فى آية أخرى حكاية «16» عن المسيح (ع): «و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتى كنت أنت الرّقيب عليهم و أنت على كلّ شى ء شهيد». فقال: و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم. ثم قال: فلّما توفّيتنى كنت أنت الرّقيب عليهم و أنت على
__________________________________________________
(1)- سبيل ... اى:- A
(2) لم يقتلوه: يقتلوه: C
(3)- هو حى: موحى B
(4)- و مثل: مثل B
(5) فى الانجيل:- A
(6) بالروح: بروح B
(7)- ممن: مما B
(8) تخافون: يخافون C
(9)- للموت: لموت A، لموت C
(10)- يهلك: يملك C
(11) لا يقدرون: يقدرو B
(12)- وافق: واقف B
(13) عز و جل:- A
(14)- جل ذكره:- A
(15)- متوفيك: توفيك A
(16)- حكاية: حكايته B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:170
كلّ شى ء شهيد، فدلّ أنّ اللّه عزّ و جلّ «1» توفّاه لمّا غاب عنهم. فالقرآن قد وافق الانجيل أنّ اللّه توفّاه و رفعه إليه و أنّه حىّ عند اللّه و صحّ هذا المعنى من القرآن و الانجيل و بطلت دعوى الملحد أنّ القرآن يخالف «2» الانجيل فى هذا الباب.
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A
(2)- يخالف: مخالف C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:171
الفصل السادس الشرائع كلّها حقّ و لكن خلط به الباطل
((1/226)
1) قال الملحد: رأينا اعتماد المقلّدين فى اعتقادهم صحّة مذاهبهم على تصديق «1» أسلافهم و تعظيم أئمّتهم و كثرة مساعدتهم؛ يعنى بذلك أهل الاسلام. ثمّ قال «2»: إن كان ذلك حقا لهذه العلّة، فكذلك سبيل اليهود و النّصارى «3» و المجوس و غيرهم من أهل الملل؛ لأنّ «4» سبيلهم فى ذلك، سبيل أهل الاسلام. و إن كان من جهة الفهر و الغلبة، فكذلك لهذه «5» الملل مثل ذلك؛ كغلبة النّصارى «6» بروميّة، و اليهود بخزر «7»، و المجوس فى بعض الجبال و المّنانيّة «8» بالصّين و التّرك و البراهمة «9» بالهند، كغلبة المسلمين بالعراق و الحجاز و الشّام و خراسان «10» و سائر البلدان، فاذا النّصرانيّة حقّ بروميّة و باطل فى سائر البلدان، و كذلك اليهوديّة حقّ بالخزر و باطل فى سائر
__________________________________________________
(1)- تصديق: تقليد C
(2)- قال: قالوا A
(3)- النصارى: النصابيين C
(4) لان: ان C
(5)- لهذه: لهذا B
(6)- النصارى: النصابيين C
(7) بخزر: بخزز A، بحرر B، بحرز C
(8)- المنانية: المانية A
(9) و البراهمة: و البراهمة A
(10)- خراسان: الخراسان B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:172
البلدان «1»، و المجوسيّة حقّ أيّام «2» الأكاسرة و باطل فى دولة الاسلام. و إن وجب ذلك، وجب أن يكون الشى ء حقّا باطلا و هذا خلف؛ هذا قول الملحد.
نقول فى جوابه:
((1/227)
2) لا يجوز أن يكون الشّى ء حقّا باطلا «3». و لكنّا نقول: إنّ أصل هذه «4» الملل كلّها حقّ لامرية فيه لأنّها من رسوم الأنبياء (ع)، رسموها لأممهم و أمروهم بالاقتداء بما فيها و كلّ نبىّ دلّ على النّبى الّذى يجيى ء بعده، و شهد بصدق من تقدّمه، و أمروا أممهم بالأيمان بمن مضى و التّصديق لمن يجيى ء بعدهم؛ فاختلفت أهواؤهم «5»، و ابتدعوا البدع، و بغى بعضهم على بعض، و خلطوا بدعهم «6» بسنن «7» الأنبياء (ع)؛ و بعث اللّه عزّ و جلّ «8» النّبيّين فى دهورشتّى و أزمنة مختلفة ليعظوهم «9» و يعرفوهم وجه الحقّ من الباطل و سبيل الهدى من الضّلال و يخلّصوا السّنن من البدع؛ و امتحن عزّ و جلّ «10» عباده بطاعتهم. فكلّ نبىّ جاء، وافق من تقدّمه فى أصل التّوحيد، و دعوا كلّهم إلى عبادة الواحد البارى سبحانه «11»، و وضعوا للنّاس كتبا بوحى من اللّه عزّ و جلّ «12» و من كلامه؛ فبقيت قوّة ذلك الوحى و صار طلسما للأمم «13» الدّين تمسّكوا بتلك الشّرائع و رسخ ذلك فى قلوبهم لأنّه زرع الأنبياء، و لكن قد «14» خلطت فيه البدع كما يختلط العشب بالزّرع؛ مثل ما قال المسيح فى المثل الّذى ضربه فقال: يشبه «15» ملكوت «16» السّماء رجلا «17»
__________________________________________________
(1)- و كذلك ... البلدان:- A
(2)- ايام:- B
(3)- حقا باطلا: حقا و باطلا B
(4) هذه: هذا BA
(5)- اهواؤهم امرائهم B
(6)- بدعهم: ابدعهم B
(7) بسنن: سنن B
(8) عز و جل:- A
(9)- ليعظوهم: ليعظوا لهم BA
(10)- عز و جل:- A
(11)- سبحانه:- A
(12)- عز و جل:- A
(13)- للامم: للامر C
(14)- لكن قد: لقد C
(15)- يشبه: شبه BA
(16) ملكوت: الملكوت-- CB
(17) رجلا: رجل CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:173(1/228)
زرع فى قريته زرعا صالحا فلما رقد الناس جاء عدوّ له فزرع زوانا بين الحنطة. و قد ذكرنا «1» هذا المثل و تفسيره. فهكذا كانوا يخلطون «2» البدع بالسّنن «3» و كان ذلك بمنزلة الزّوان الذى زرعه الشّيطان بين الحنطة «4».
(3) فكذلك كان سبيل المبتدعين فى كلّ شريعة حبّا منهم «5» للرّياسة «6»، و تنافسا على أعراض الدّنيا. فدعاهم ذلك الى تكذيب من جاءهم من الأنبياء بعد الأنبياء الّذين «7» تقدّموهم و تعلّقوا بالرّسوم الّتى كانت فى أيديهم، و استغووا ضعفاءهم الّذين لم يعرفوا حقائق ما فى الكتب، لأنّ أكثر كلام الأنبياء كان مرموزا كما «8» ذكرنا، و عرف حقائقها العلماء الأتقياء من بعد «9» الأنبياء فى كلّ أمّة «10». فخالفهم الرّؤساء المبتدعون، و بغوا «11» عليهم، و تعلّقوا بتلك الرّسوم التى خلطوها ببدعهم و زادوا فيها و نقصوا؛ كما ذكر اللّه عزّ و جلّ «12» ذلك فى القرآن، فقال: «وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً «13» يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ «14» وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «15» وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.» و ظواهر رسوم الأنبياء الّتى هى فى أيدى «16» الأمم، هى حقّ، و البدع التى خلطها بها المبتدعون هى باطل «17». و المتمّسكون بتلك الرّسوم، معهم حقّ قد خلط بباطل. فعلى هذا، النّصرانيّة بروميّة و اليهوديّة بالخزر و المجوسيّة فى بعض الجبال- و سبيلها كما قلنا فى
__________________________________________________
(1)- ذكرنا: ضربنا B
(2) يخلطون: يخلصون A
(3)- بالسنن: بالسن B
(4) زرعه ... الحنطة:- A
(5)- منهم: منهما A
(6) للرياسة: الرياسة C
(7)- الذين: هم B
(8)- كما: قد C
(9) بعد: الا بعد A
(10)- كل امة: كلامه BA
(11) بغوا: نهوا C
(12)- عز و جل:- A
((1/229)
13)- منهم: لفريقا: فريقا منهم-- CA
(14)- من الكتاب: بالكتاب B
(15)- الله:- B
(16)- ايدى: ايد B
(17)- باطل: الباطل B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:174
كل بلد «1» و فى كل دهر و زمان- معهم حقّ قد خلط بباطل. و مثال ذلك، مثال إنسان معه صرّة مسك قد خلط به أضعافه مما يشاكل جرمه جرم المسك مثل الزّعفران «2» و لبّ الفستق المحرّق و غير ذلك ممّا يغّش به المسك، و ينفق كلّه بريح المسك؛ و مثل الذّهب و الفضّة و ما يختلط بهما من الأجسام «3» المذابة، فينفق مع الذهب و الفضّة النّقيّة.
(4) و البدع التى خلطت «4» بتلك الرّسوم، مثال ما ذكرنا من الغشوش. و قد ذكر «5» حزقيال «6» النّبى فى كتابه مثل «7» ذلك و قال: أوحى «8» الرّبّ إلىّ و قال:
يا أيّها «9» الانسان قد صار بنو إسرائيل كلّهم عندى مرذّلين كالنّحاس و الرّصاص و مثال الحديد و الأسرب المختلطة بالفضّة فى الكوز، ها أناذا جامعكم إلى اورشليم كما تجمع الفضّة و الحديد «10» و النحّاس و الرّصاص و الأسربّ فى الكوز، كذلك تذوبون و تعلمون أنّى أنا الرّبّ الّذى أنزلت بكم غضبى.
(5) فهكذا سبيل الشّرائع كلّها، هى حقّ قد خلط «11» بباطل «12». و بقى أهل تلك الشّرائع المستولية على تلك الرّسوم: و ضلّوا عن سبيل الهدى «13»، و لا يحسنون أن يميّزوا الحقّ من الباطل. و لو لا ما فى تلك الرّسوم من قوّة الوحى الّذى هو كلام اللّه «14» كالتّوراة و الانجيل و سائر الكتب المنزّلة، لنفقت «15» البدع و لما بقى رسم الشّرائع فى «16» العالم؛ و لكنّ تلك القوّة قد
__________________________________________________
(1)- كل بلد: بلد B
(2)- الزعفران: السافران A، السافرات-- CB
(3)- الاجسام: الاجساد CBA
(4)- خلطت: خلط-- CB
(5) ذكر: ذكرنا B
(6)- حزقيال: حيث قال C
(7) مثل: فى مثل C
(8) اوحى: اوصى A
(9)- يا ايها: ايها-- CA
(10)- الحديد ... الحديد- B
(11)- خلط: خلطت CBA
(12) بباطل:- ضلوا عن:-- A
((1/230)
13)- الهدى: الهداية C
(14)- الله:- B
(15)- لنفقت: لما نفقت A، لما نقعت B، لما انفقت C
(16) فى: من B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:175
امسكت عليهم الرّسوم، و جذبت قلوب البشر إلى تلك الشّرائع؛ و بتلك القوّة، صارت لهم الغلبة و القهر فى هذه الممالك؛ و لكنّه حقّ ممتزج بباطل. و بهذا «1» شهدت الأمم المتأخّرة للامم المتقدّمة، كشهادة النّصارى «2»: أنّ التّوراة حقّ، و ما أبدعه «3» اليهود باطل؛ و كشهادة أهل الاسلام: أنّ التّوراة و الانجيل حقّ، و ما أبدعه اليهود و النّصارى «4» باطل؛ و المتمسّكون بذلك جاهلون ضالّون؛ لتركهم أمر الأنبياء الّذين جاءوا بعد من تقدّمهم، و دعوا «5» الأمم إلى «6» أن يميّزوا لهم الحقّ من الباطل، و يعرفوهم «7» سبيل «8» الهدى؛ كما هو مكتوب فى الأنجيل: أنّ يوحنّا الصابغ «9»، قال: أنا أصبغكم بالماء، فأمّا الذى يجى ء بعدى يصيغكم «10» بروح القدس و بالنّار، الذى «11» بيده المدرى «12»، ينقّى «13» بيادره و يحرز الحنطة فى أهرائه «14».
(6) و لو لا أنّ أصل «15» هذه الكتب حقّ، و هى منّزلة من اللّه عزّ و جلّ «16» إلى أنبيائه (ع) لما أقّر محمد (ص) أحدا من أهل الذّمة «17» عليها، بل كان يستّن فيهم بسنّة العرب الّذين كانوا عبدة الأصنام. فانّه حملهم على خطبين؛ إمّا قبول ما اتى به، و إمّا «18» القتل «19»؛ و لم يقبل منهم الجزية كما قبلها من أهل الذّمة «20»؛ لأنّه «21» وجدهم عاكفين على الأصنام الّتى ابتدعوها و ادّعوا أنّهم «22» على ملّة إبراهيم (ع) و بعث «23» اللّه محمدا «24» باحياء ملّة إبراهيم، فقطع «25» رسوم
__________________________________________________
(1)- بهذا: اذا B، بماذا C
(2)- النصارى: النصابين C
(3) ابدعه: الحق C
(4)- النصارى: النصابين C
(5)- دعوا: دعووا B، دعيوا C
(6) الى: الا C
(7)- يعرفوهم: يعرفونهم-- CB
(8) سبيل:- A
(9) الصابغ: الصانع C
(10)- يصبغكم: يصبغ A
((1/231)
11) الذى: كالذى CBA
(12)- بيده المدرى: بيادره C
(13) ينقى: حد B
(14) اهرائه: احرائه B
(15)- اصل: اهل A
(16) عز و جل:- A
(17)- الذمة: الزمه B
(18)- و اما: او C
(19)- القتل: فالقتل C
(20)- الذمة: الزمه B
(21) لانه: و لانه CBA
(22) انهم: انها A
(23)- و بعث الله ... ابراهيم:- B
(24) محمدا: محمد C
(25) فقطع: قطع B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:176
المبتدعين فى تلك الملة، إذ كان اللّه عزّ و جلّ «1» أرسله بتجديدها، فقال:
«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا».
و نقّى الملّة من البدع، و جدّد ما كان من رسوم إبراهيم (ع) مثل حجّ البيت و الختان «2» و سائر ذلك ممّا كانت عليه العرب من بقايا سنن إبراهيم، و اقرّ اليهود و النّصارى على مللهم «3»، لتبقى رسوم الأنبياء، و تكون عبرة للحكماء و العلماء فى هذه الملّة، و حجّة للّه «4» على النّاس أجمعين و ألزمهم الجزية و الّذلة لمّا امتنعوا من قبول ما جاء به، و من إجابتهم فى إقامة طاعته فيما دعاهم إليه من أن يخلّص لهم الحقّ الّذى معهم من الباطل الّذى خلطوه به. و لو لا أنّه (ص) أراد أن يعرّف النّاس أنّ الّذى معهم من الكتب المّنزلة هو حق لما أقرّهم على ذلك؛ فانّ شوكتهم كانت أهون من شوكة العرب، و لو شاء لأبادهم و قطع رسومهم كما فعل بالعرب؛ فكان لا يبقى فى دار الاسلام شى ء من رسوم أهل الذّمّة، إذ كان الاسلام قد غلب جميع الأمم.
(7) و لما فتحت بلاد العجم، أراد عمر بن الخطاب أن يقتل المجوس و أن لا يقبل منهم الجزية. فقال علىّ (ع) انّه كان لهم نبىّ و كتاب، فيجب أن تستّن «5» فيهم بسنّة «6» أهل الكتاب؛ فأقّرهم حينئذ على ملّتهم. و لو لا أنّ معهم رسم من رسوم الأنبياء (ع) و إن «7» كانوا قد خلطوه بالبدع، لما كان يوجد «8» فى مملكة الاسلام مجوسى.
((1/232)
8) فالملل «9» كلّها سبيلها على ما ذكرنا، هى حقّ، و هى رسوم الأنبياء، لكن قد «10» خلط بها الباطل؛ و مثالها ما «11» قد ذكرناه فى باب المسك و الذّهب
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A
(2)- الختان: الجهاد-- CA
(3)- مللهم: ملكهم A
(4)- لله: الله B
(5)- تستن: يستن BA
(6) بسنة: سنة C
(7)- و ان: و لو C
(8) يوجد: يوخذ C
(9)- فالملل: فالممالك C
(10)- قد:- BA
(11) ما:- BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:177
و الفضّة؛ فهى فى جميع المواضع و فى كل دهر و زمان، حقّ قد خلط به «1» الباطل؛ و ليس الأمر كما ذكر الملحد: أنّه كان الأمر بالغلبة و القهر، فاليهوديّة «2» حقّ بالخزر، و النّصرانيّة حقّ بروميّة، و هما باطل فى غيرهما من المواضع، و كذلك المجوسية حقّ أيّام الأكاسرة و باطل فى دولة الاسلام، و أنّه إن وجب ذلك، وجب أن يكون الشّى ء حقا باطلا، و هذا خلف. هكذا قال الملحد. و ليست له فى هذا حجّة، لانّ سبيل الملل كما ذكرنا أنّها حقّ «3» قد خلط به «4» الباطل فى كلّ بلد و فى كلّ وقت و زمان، و ليست بحقّ فى بلد و فى وقت و باطل فى بلد و فى وقت، فيكون الحقّ باطلا و يكون خلفا. و نذكر ما يجب فى باب الغلبة و القهر بعد هذا فى موضعه، و لنشبع القول فيه إن شاء اللّه تعالى.
__________________________________________________
(1)- به: بها CBA
(2)- فاليهودية: فاليهود BA، و اليهودية C
(3)- حق: احق B، بحق C
(4) به: بها CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:179
الباب الخامس
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:181
الفصل الاول و مما قال الملحد أيضا
((1/233)
1) قال الملحد: أخبرونا «1»، من وجد إلى أمر «2» طريقين، فسلك الأطول منهما و الأوعر؛ و هل يكون مريدا للأفضل و الأصلح من يجد إلى تعريف شى ء من وجهين سبيلا، فيعرفه «3» من أعسر هما و أبعدهما و أكثر هما ريبا و شكوكا و جلبا لسوء «4» العواقب «5»، و يدع ما خالف «6» هذه الوجوه؟ فان قلتم: لا، قلنا: فهلّا «7» ألهم اللّه عباده «8» معرفة منافعهم و مضارّهم فى عاجلهم و آجلهم و ترك الاحتجاج ببعضهم على بعض، فانّا نرى ذلك قد أهلك كثيرا «9» من النّاس و أدخل عليهم أعظم البلاء فى عاجلهم بالعيان «10» و فى آجلهم؛ أمّا فى عاجلهم فلتصديق كلّ أمّة إمامها، و ضرب بعضهم وجوه بعض بالسّيف و اجتهادهم فى ذلك. و قال: لولا ما انعقد بين النّاس
__________________________________________________
(1)- اخبرونا: خبرونا BA
(2) امر: اقوى C
(3)- فيعرفه: فتعرفه C
(4)- لسوء: ليسوا C
(5) العواقب: العوافت B
(6) خالف: خلف BA
(7)- فهلا: فهل BA
(8) عباده: عباد BA
(9)- كثيرا: كثير C
(10) بالعيان: بالعنان A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:182
بأسباب الدّيانات، لسقطت «1» المجاذبات و المحاربات «2» و البلايا «3»؛ لأنّ «4» المنازعات تقع إمّا لعاجل و إمّا لآجل، و أورد كلاما طويلا فى هذا الباب، و لكن «5» هذه جملته.
(2) و قال أيضا: إن قلتم إنّ المجاذبات و المحاربات، من أجل «6» إيثارهم أعراض الدّنيا، قلنا لكم: هل رأيتم أحدا «7» آثر القليل على الكثير «8» إلّا لشكّ منه «9» فى نيل «10» الكثير؟ فان قلتم:(1/234)
نعم، كابرتم «11»؛ و إن قلتم: لا، فكذلك المؤثر لاعراض الدّنيا و شهواتها على الأمور الجليلة و الثّواب العظيم الذّى عجز الواصفون عنه، ليس ذلك إلّا لشكّ منه «12» فى نيل ذلك الكثير العظيم الدّائم «13» الذى يعجز الواصفون «14» عنه؛ كما نرى «15» الرّجل يؤثر المائة دينار «16» على الألف إذا خاف «18» فوت المائة و الألف؛ فاذا كان مستيقنا أنّه يصل إلى الألف «17»، مع ترك المائة، فانّه لا يرى أخذ المائة. قال: و كذلك لو أنّ النّاس أخلصوا اليقين بقول أئمّتهم «19» فيما و عدوهم من الثّواب الجزيل، لما آثروا القليل من عاجلهم على الكثير من آجلهم. قال: و فيما «20» جعل بعض الخلق أئمّة لبعض؟ هو إشلاء «21» بعضهم على بعض و كثرة «22» الهرج
__________________________________________________
(1)- لسقطت: لسقطة B
(2) المحاربات: المجاريات B
(3) البلايا: البلايات B
(4)- لان:- B
(5)- لكن: لكنه C
(6)- من اجل: و احل A
(7)- احدا: اخذ A
(8) الكثيرة: الكثير:- B
(9) منه: فيه A
(10) نيل: قبل A
(11) كابرتم: كافيتم C
(12)- منه: فيه CBA
(13) الدائم: اللائم B
(14) الواصفون: الواصف A، الوصف B
(15)- نرى: نر C
(16) المائة دينار: المائة الدينار A، مائة الدينار-- CB
(17) اذا ... الى الالف:- A
(18) خاف: كان B
(19)- ائمتهم: ائمتكم BA
(20)- فيم: فيما CBA
(21)- اشلاء: ابتلاء B، اشداء B
(22) كثرة: كثرت B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:183
و الفساد و التّهالك؛ و ليس يجوز هذا فى حكمة الحكيم، بل الأفضل و الأعمّ للنّفع أن يلهم النّاس معرفة منافعهم و مضارّهم، و يركّب «1» ذلك فى طباعهم «2» كما ركّبه «3» فى طباع البهائم؛ فانّا نرى البهائم بطباعهم «4» و بضروب من الرّوائح تعرف كثيرا من الأشياء التى لا توافقها. فهلّا جعل النّاس كذلك، إذ كان ذلك فى طباعهم ممكنا؟ فانّ ذلك أعم نفعا و أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمّة لبعض.(1/235)
هذا قول الملحد، و حذفت الكثير «5» منه تركا للتّطويل، و ذكرت النّكت منه. و إنّما أراد بقوله: جعل بعضهم أئمّة لبعض، أنّه اختار منهم أنبياء و رسلا، فجعلهم أئمّة لهم. و قد تقدّم القول منّا فيما ذكرنا أنّه جرى بيننا و بينه؛ و فيما أجبناه مقنع لمن أنصف إن شاء اللّه «6» و لكنّا نعيده، و نشبع القول به، اذ كان رسمه فى كتابه
فنقول «7» فى جوابه:
(3) إنّ الأفضل و الأصلح و الأشبه بحكمة الحكيم، أن يقصد لأيسر «8» الأمرين و يأتى من أقرب الطّريقين و يترك الأوعر «9» و الأبعد. و قد وجدنا ما اختاره اللّه عزّ و جلّ لخلقه بأن «10» بعث فيهم أنبياء و رسلا و جعل بعضهم أئمّة لبعض، هو أشبه بحكمته و رحمته و أحوط لعباده و أعمّ نفعا، و هو أيسر الأمرين و
__________________________________________________
(1) يركب: تركب)
(2)- طباعهم: طبائعهم B، طاعتهم C
(3) ركبه: ركب CBA
(4)- بطباعها: بطبائعها B
(5)- الكثير: الكثيرة B
(6)- الله:- B
(7)- فنقول: نقول A،- B
(8)- لا يسر: الاسير C
(9) الاوعر: الاوعد B
(10)- بان: ان CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:184
أقرب الطّريقين من أن يكلفهم النّظر فى أمور «1» دنياهم، و أن يهملهم «2» فى أمور أخراهم، فيكونوا كالسّوائم «3» المهملة التى قد طبعت على «4» منافعها و مضارها، فعرفت ذلك بضروب من الرّوائح و بطباعها، و ميّزت ذلك، و أهملت فى أمر معادها، فلا ثواب عليها و لا عقاب، على حسب ما «5» اختاره «6» الملحد لنفسه و أشباهه؛ و أنه «7» لو جعل مثل «8» البهيمة على هذه الشّريطة، لكان خير أله. و لعمرى، إنّهم «9» لو كانوا كالبهائم فى صورها و طباعها، لسقط عنهم الثواب و العقاب، و لكان ذلك خيرا لهم من أن كانوا فى دنياهم فى صور البشر و فى معرفة البهائم؛ فألحدوا «10» فى دين اللّه، و هم يردون فى أخراهم إلى العذاب الأليم.
((1/236)
4) فأمّا أهل الدّيانة، فما اختاره «11» اللّه لهم من طاعة الأنبياء و الرّسل التى قامت بها سياستهم فى أولاهم، ثم جازاهم على ذلك بالثّواب الجزيل فى أخراهم، هو خير لهم و أعمّ نفعا من أن يكون سبيلهم سبيل البهائم. و بعد، فلو اختار اللّه لهم ما ذكره الملحد لقلنا: إنّ الّذى اختاره اللّه لهم، هو خير لهم. و لكنّا نجدهم محتاجين إلى الأئمّة و المعلمين فى جميع أسباب الدّين و الدّنيا، و لا نجدهم قد ألهموا ذلك طبعا، و لا يستغنون عن معلّمين فى كلّ صناعة. و لو أنّ أحدهم تكلّف شيئا من الصّناعات من غير تعليم من معلّم قد راضه و علّمه حتى مهر به، ثم خاض «12» فيه بتكلّفه، لأفسد عمله، و لا يلتام له شى ء ممّا يحاوله. هذا «13» فى الأمور الدّنياويّة، فكيف من ينظر فى أمور الدّين و ما يحتاج إليه من دقيق العلم و جليله؟ و كذلك فى سائر العلوم الدّنياويّة الدّقيقة مثل النّجوم و الهندسة و معرفة الطّبائع و غير
__________________________________________________
(1)- فى امور:- BA
(2) يهملهم: يلهمهم C
(3) كالسوائم: كالسوام CBA
(4)- على: فى C
(5)- ما:- BA
(6) اختاره: اختار BA
(7)- و انه: انه BA
(8) مثل: هذه C
(9)- انهم: انه C
(10)- فالحدوا: فالحدود BA
(11)- اختاره: اختار C
(12)- خاض: خاص B
(13)- هذا: فهذ B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:185
ذلك، لا يستغنى النّاظر فيها عن معلّم يوقفه «1» على تلك الأصول.
((1/237)
5) فترى الصّانع الحكيم الرّحيم بخلقه «2» «3»، قد اختار لهم أن يبعث «4» فيهم أنبياء، فعلّموهم هذه الأسباب بوحى من اللّه عزّ و جلّ؛ ثمّ أخذها الآخر عن الأوّل بتعليم. و لم يكلّفوا أن ينظروا فى «5» ذلك بطباعهم؛ و هذا ما نشاهده و نعاينه «6». و لو كلّفوا ذلك كذلك، لكلّفوا عسيرا «7»، لتفاوت طبقات النّاس فى العقول و الأفهام و التّمييز و المعرفة؛ لأنّ النّاس لم يخلقوا متساوين فى الطّبائع، كما خلقت البهائم الّتى لا تتفاضل فى معرفة ما تحتاج «8» إليه، و لأنّ كلّ طبقة من الحيوان، قد استوت فى طباعها، من معرفة ما كلّفت من طلب الغذاء و التّناسل، فلا تفاوت فيها؛ كما ذكرنا من تفاوت طبقات النّاس فى العقول و الأفهام. و هكذا نرى (التّفاوت) فى جبلّة البشر و فى جبلّة الحيوان. و لو «9» خلقهم الحكيم جلّ ذكره «10» متساوين على خلقة البهائم، لقلنا، ما اختاره اللّه لهم، و هو «11» خير لهم. و لكنّه عزّ و جلّ «12» أعدل و أحكم و أرحم من «13» أن يسوى «14» بين البشر و البهائم و هو سبحانه أحسن الخالقين.
__________________________________________________
(1)- يوقفه: يقفة B، الله C
(2)- بخلقه: الخلقة B
(3) بخلقه: عز و جل B، عز و تعالى C
(4) يبعث. بعث B
(5)- فى:- A
(6) نشاهده و نعاينه: تشاهده و تعاينه C
(7) عسيرا: عيرا C
(8) تحتاج! يحتاج BA
(9)- و لو:- C
(10) جل ذكره:- A
(11)- و هو: فهو C
(12)- عز و جل:- A- A، عز و تعالى C
(13)- من:- CBA
(14) يسوى: يسوين A، يستوى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:186
الفصل «1» الثانى [فى القهر و الغلبة]
((1/238)
1) و أمّا قوله «2»: لو لا «3» ما انعقد بين النّاس باسباب الدّيانات، لسقطت «4» المجاذبات و المحاربات، من أجل إيثارهم أعراض الدّنيا؛ و أنّهم إنّما آثروا القليل من عرض الدّنيا على الثّواب الجزيل فى الأخرى، لأنّهم شكّوا فى نيل الكثير و الجزاء العظيم؛ و ضرب المثل بالألف دينار و المائة كما «5» حكينا.
نقول «6» فى جوابه:
(2) إنّا قد نجد أكثر المجاذبات و المحاربات فى أمور الدّنيا، لا فى أمور الدّين؛ لأنّا نرى «7» الحروب بين أهل الملل «8» بعضهم فى إثر بعض، أكثر من محاربتهم لمخالفيهم «9»، تنازعا فى الدّنيا و تنافسا عليها؛ كما نشاهده فى دار الاسلام من المنازعات على الممالك و الأمصار. و هكذا سبيل سائر أهل الملل «10» فى بلادهم «11»؛ و ليس ذلك من جهة «12» أنّ أهل الاسلام شكّوا فى الاسلام،
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- و اما قوله:- CB
(3) لولا:- C
(4) لسقطت: لسقطه B
(5)- كما: قد C
(6)- نقول:- B
(7)- نرى: فى A
(8) الملل: المال C
(9)- لمخالفيهم: لمخالفتهم A
(10)- الملل: المال C
(11) بلادهم: البلادهم B
(12) من جهة: لمن جملة C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:187(1/239)
و أنكروا ما جاء به محمّد (ص) بل، اتّفقوا على الاقرار به و التّمسك بشرائعه و إقامتها. و كذلك سائر أهل الملل المتنازعين بينهم لم يشكّوا فى مللهم و لم يتنازعوا فيها، و لكنهم آثروا الدّنيا على الدّين، و هم موقنون بالثواب و العقاب اللّذين «1» وعدوا و أوعدوا بهما «2»؛ فاختار و اعرض الدّنيا على الآخرة، إلّا القليل من النّاس. و نرى كثيرا منهم يقتلون الأنفس و يأخذون الأموال و يرتكبون المحارم و يأتون الحدود، و قد عرفوا ما يحرم «3» عليهم من ذلك، و آمنوا بالعقاب على «4» ما يرتكبونه فى أخراهم، و لا يرتابون فيما «5» أوعدوا من العذاب الأليم، و لا يشكّون فيما وعدوا «6» من الثواب العظيم على اجتناب هذه الحدود و القصد لأعمال «7» الخير، و قد أيقنوا بذلك و يعتقدونه فى دينهم؛ و لكن الشّهوة الغريزيّة تحملهم «8» على ذلك و تغلب «9» عقولهم، حتى يختاروا الأخسّ «10» على الأفضل، و ذلك على يقين و بصيرة. و هذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى شاهد و دليل. و من دفع هذا فقد ردّ العيان و كابر.
(3) فان شغب مشغب و عاند «11» و دفع «12» العيان، قلنا: فهل تشكّ «13» فيما يلحق أهل العبث «14» و الفساد فى هذه الدّنيا من القتل و الصّلب و قطع الأيدى و الأرجل و الحبس و الضّرب و غير ذلك «15» ممّا يلحقهم على ما يرتكبونه، و هم يشاهدون «16» ذلك و يعاينونه «17» و لا يرتدعون؟ فهل يقدر «18» على دفع هذا أحد، و هل يرّده إلّا مجنون؟! و لو «19» لا ما سنّه الأنبياء (ع) فى كلّ أمّة، بأن «20» أقاموا فيهم أئمّة
__________________________________________________
(1)- اللذين: الذين A، الذى-- CB
(2) بهما: بها BA
(3)- يحرم: بحرم C
(4)- على:- B
(5) فيما: بما CBA
(6) اوعدوا ... وعدوا:- B
(7)- لاعمال: الاعمال B
(8)- تحملهم: لحملهم C
(9) تغلب: تقلب: A،- B
(10) الاخس: الاخسر B
(11)- عاند: عانك C
(12) و دفع: دفع B
(13)- تشك: شك C
(14) ألعبث: العيث A
((1/240)
15)- و قطع ... غير ذلك:- B
(16)- يشاهدون: شاهدون C
(17) يعاينونه: بعاينوه C
(18)- يقدر: و B
(19) و لو: لو B
(20)- بان: ان CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:188
يأخذون على أيدى سفهائهم، يعلّمون جاهلهم و يحامون «1» على ضعفائهم و يقمعون أهل العبث «2» و الفساد و يقيمون فيهم الحدود من القصاص و القود و غير ذلك، كما سن انعقد بين النّاس
__________________________________________________
(1)- اخبرونا: خبرونا BA
(2) امر: اقوى C
(3)- فيعرفه: فتعرفه C
(4)- لسوء: ليسوا C
(5) العواقب: العوافت B
(6) خالف: خلف BA
(7)- فهلا: فهل BA
(8) عباده: عباد BA
(9)- كثيرا: كثير C
(10) بالعيان: بالعنان A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:182
بأسباب الدّيانات، لسقطت «1» المجاذبات و المحاربات «2» و البلايا «3»؛ لأنّ «4» المنازعات تقع إمّا لعاجل و إمّا لآجل، و أورد كلاما طويلا فى هذا الباب، و لكن «5» هذه جملته.
(2) و قال أيضا: إن قلتم إنّ المجاذبات و المحاربات، من أجل «6» إيثارهم أعراض الدّنيا، قلنا لكم: هل رأيتم أحدا «7» آثر القليل على الكثير «8» إلّا لشكّ منه «9» فى نيل «10» الكثير؟ فان قلتم:
نعم، كابرتم «11»؛ و إن قلتم: لا، فكذلك المؤثر لاعراض الدّنيا و شهواتها على الأمور الجليلة و الثّواب العظيم الذّى عجز الواصفون عنه، ليس ذلك إلّا لشكّ منه «12» فى نيل ذلك الكثير العظيم الدّائم «13» الذى يعجز الواصفون «14» عنه؛ كما نرى «15» الرّجل يؤثر المائة دينار «16» على الألف إذا خاف «18» فوت المائة و الألف؛ فاذا كان مستيقنا أنّه يصل إلى الألف «17»، مع ترك المائة، فانّه لا يرى أخذ المائة. قال: و كذلك لو أنّ النّاس أخلصوا اليقين بقول أئمّتهم «19» فيما و عدوهم من الثّواب الجزيل، لما آثروا القليل من عاجلهم على الكثير من آجلهم. قال: و فيما «20» جعل بعض الخلق أئمّة لبعض؟ هو إشلاء «21» بعضهم على بعض و كثرة «22» الهرج(1/241)
__________________________________________________
(1)- لسقطت: لسقطة B
(2) المحاربات: المجاريات B
(3) البلايا: البلايات B
(4)- لان:- B
(5)- لكن: لكنه C
(6)- من اجل: و احل A
(7)- احدا: اخذ A
(8) الكثيرة: الكثير:- B
(9) منه: فيه A
(10) نيل: قبل A
(11) كابرتم: كافيتم C
(12)- منه: فيه CBA
(13) الدائم: اللائم B
(14) الواصفون: الواصف A، الوصف B
(15)- نرى: نر C
(16) المائة دينار: المائة الدينار A، مائة الدينار-- CB
(17) اذا ... الى الالف:- A
(18) خاف: كان B
(19)- ائمتهم: ائمتكم BA
(20)- فيم: فيما CBA
(21)- اشلاء: ابتلاء B، اشداء B
(22) كثرة: كثرت B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:183
و الفساد و التّهالك؛ و ليس يجوز هذا فى حكمة الحكيم، بل الأفضل و الأعمّ للنّفع أن يلهم النّاس معرفة منافعهم و مضارّهم، و يركّب «1» ذلك فى طباعهم «2» كما ركّبه «3» فى طباع البهائم؛ فانّا نرى البهائم بطباعهم «4» و بضروب من الرّوائح تعرف كثيرا من الأشياء التى لا توافقها. فهلّا جعل النّاس كذلك، إذ كان ذلك فى طباعهم ممكنا؟ فانّ ذلك أعم نفعا و أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمّة لبعض.
هذا قول الملحد، و حذفت الكثير «5» منه تركا للتّطويل، و ذكرت النّكت منه. و إنّما أراد بقوله: جعل بعضهم أئمّة لبعض، أنّه اختار منهم أنبياء و رسلا، فجعلهم أئمّة لهم. و قد تقدّم القول منّا فيما ذكرنا أنّه جرى بيننا و بينه؛ و فيما أجبناه مقنع لمن أنصف إن شاء اللّه «6» و لكنّا نعيده، و نشبع القول به، اذ كان رسمه فى كتابه
فنقول «7» فى جوابه:
(3) إنّ الأفضل و الأصلح و الأشبه بحكمة الحكيم، أن يقصد لأيسر «8» الأمرين و يأتى من أقرب الطّريقين و يترك الأوعر «9» و الأبعد. و قد وجدنا ما اختاره اللّه عزّ و جلّ لخلقه بأن «10» بعث فيهم أنبياء و رسلا و جعل بعضهم أئمّة لبعض، هو أشبه بحكمته و رحمته و أحوط لعباده و أعمّ نفعا، و هو أيسر الأمرين و(1/242)
__________________________________________________
(1) يركب: تركب)
(2)- طباعهم: طبائعهم B، طاعتهم C
(3) ركبه: ركب CBA
(4)- بطباعها: بطبائعها B
(5)- الكثير: الكثيرة B
(6)- الله:- B
(7)- فنقول: نقول A،- B
(8)- لا يسر: الاسير C
(9) الاوعر: الاوعد B
(10)- بان: ان CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:184
أقرب الطّريقين من أن يكلفهم النّظر فى أمور «1» دنياهم، و أن يهملهم «2» فى أمور أخراهم، فيكونوا كالسّوائم «3» المهملة التى قد طبعت على «4» منافعها و مضارها، فعرفت ذلك بضروب من الرّوائح و بطباعها، و ميّزت ذلك، و أهملت فى أمر معادها، فلا ثواب عليها و لا عقاب، على حسب ما «5» اختاره «6» الملحد لنفسه و أشباهه؛ و أنه «7» لو جعل مثل «8» البهيمة على هذه الشّريطة، لكان خير أله. و لعمرى، إنّهم «9» لو كانوا كالبهائم فى صورها و طباعها، لسقط عنهم الثواب و العقاب، و لكان ذلك خيرا لهم من أن كانوا فى دنياهم فى صور البشر و فى معرفة البهائم؛ فألحدوا «10» فى دين اللّه، و هم يردون فى أخراهم إلى العذاب الأليم.
((1/243)
4) فأمّا أهل الدّيانة، فما اختاره «11» اللّه لهم من طاعة الأنبياء و الرّسل التى قامت بها سياستهم فى أولاهم، ثم جازاهم على ذلك بالثّواب الجزيل فى أخراهم، هو خير لهم و أعمّ نفعا من أن يكون سبيلهم سبيل البهائم. و بعد، فلو اختار اللّه لهم ما ذكره الملحد لقلنا: إنّ الّذى اختاره اللّه لهم، هو خير لهم. و لكنّا نجدهم محتاجين إلى الأئمّة و المعلمين فى جميع أسباب الدّين و الدّنيا، و لا نجدهم قد ألهموا ذلك طبعا، و لا يستغنون عن معلّمين فى كلّ صناعة. و لو أنّ أحدهم تكلّف شيئا من الصّناعات من غير تعليم من معلّم قد راضه و علّمه حتى مهر به، ثم خاض «12» فيه بتكلّفه، لأفسد عمله، و لا يلتام له شى ء ممّا يحاوله. هذا «13» فى الأمور الدّنياويّة، فكيف من ينظر فى أمور الدّين و ما يحتاج إليه من دقيق العلم و جليله؟ و كذلك فى سائر العلوم الدّنياويّة الدّقيقة مثل النّجوم و الهندسة و معرفة الطّبائع و غير
__________________________________________________
(1)- فى امور:- BA
(2) يهملهم: يلهمهم C
(3) كالسوائم: كالسوام CBA
(4)- على: فى C
(5)- ما:- BA
(6) اختاره: اختار BA
(7)- و انه: انه BA
(8) مثل: هذه C
(9)- انهم: انه C
(10)- فالحدوا: فالحدود BA
(11)- اختاره: اختار C
(12)- خاض: خاص B
(13)- هذا: فهذ B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:185
ذلك، لا يستغنى النّاظر فيها عن معلّم يوقفه «1» على تلك الأصول.
((1/244)
5) فترى الصّانع الحكيم الرّحيم بخلقه «2» «3»، قد اختار لهم أن يبعث «4» فيهم أنبياء، فعلّموهم هذه الأسباب بوحى من اللّه عزّ و جلّ؛ ثمّ أخذها الآخر عن الأوّل بتعليم. و لم يكلّفوا أن ينظروا فى «5» ذلك بطباعهم؛ و هذا ما نشاهده و نعاينه «6». و لو كلّفوا ذلك كذلك، لكلّفوا عسيرا «7»، لتفاوت طبقات النّاس فى العقول و الأفهام و التّمييز و المعرفة؛ لأنّ النّاس لم يخلقوا متساوين فى الطّبائع، كما خلقت البهائم الّتى لا تتفاضل فى معرفة ما تحتاج «8» إليه، و لأنّ كلّ طبقة من الحيوان، قد استوت فى طباعها، من معرفة ما كلّفت من طلب الغذاء و التّناسل، فلا تفاوت فيها؛ كما ذكرنا من تفاوت طبقات النّاس فى العقول و الأفهام. و هكذا نرى (التّفاوت) فى جبلّة البشر و فى جبلّة الحيوان. و لو «9» خلقهم الحكيم جلّ ذكره «10» متساوين على خلقة البهائم، لقلنا، ما اختاره اللّه لهم، و هو «11» خير لهم. و لكنّه عزّ و جلّ «12» أعدل و أحكم و أرحم من «13» أن يسوى «14» بين البشر و البهائم و هو سبحانه أحسن الخالقين.
__________________________________________________
(1)- يوقفه: يقفة B، الله C
(2)- بخلقه: الخلقة B
(3) بخلقه: عز و جل B، عز و تعالى C
(4) يبعث. بعث B
(5)- فى:- A
(6) نشاهده و نعاينه: تشاهده و تعاينه C
(7) عسيرا: عيرا C
(8) تحتاج! يحتاج BA
(9)- و لو:- C
(10) جل ذكره:- A
(11)- و هو: فهو C
(12)- عز و جل:- A- A، عز و تعالى C
(13)- من:- CBA
(14) يسوى: يسوين A، يستوى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:186
الفصل «1» الثانى [فى القهر و الغلبة]
((1/245)
1) و أمّا قوله «2»: لو لا «3» ما انعقد بين النّاس باسباب الدّيانات، لسقطت «4» المجاذبات و المحاربات، من أجل إيثارهم أعراض الدّنيا؛ و أنّهم إنّما آثروا القليل من عرض الدّنيا على الثّواب الجزيل فى الأخرى، لأنّهم شكّوا فى نيل الكثير و الجزاء العظيم؛ و ضرب المثل بالألف دينار و المائة كما «5» حكينا.
نقول «6» فى جوابه:
(2) إنّا قد نجد أكثر المجاذبات و المحاربات فى أمور الدّنيا، لا فى أمور الدّين؛ لأنّا نرى «7» الحروب بين أهل الملل «8» بعضهم فى إثر بعض، أكثر من محاربتهم لمخالفيهم «9»، تنازعا فى الدّنيا و تنافسا عليها؛ كما نشاهده فى دار الاسلام من المنازعات على الممالك و الأمصار. و هكذا سبيل سائر أهل الملل «10» فى بلادهم «11»؛ و ليس ذلك من جهة «12» أنّ أهل الاسلام شكّوا فى الاسلام،
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- و اما قوله:- CB
(3) لولا:- C
(4) لسقطت: لسقطه B
(5)- كما: قد C
(6)- نقول:- B
(7)- نرى: فى A
(8) الملل: المال C
(9)- لمخالفيهم: لمخالفتهم A
(10)- الملل: المال C
(11) بلادهم: البلادهم B
(12) من جهة: لمن جملة C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:187(1/246)
و أنكروا ما جاء به محمّد (ص) بل، اتّفقوا على الاقرار به و التّمسك بشرائعه و إقامتها. و كذلك سائر أهل الملل المتنازعين بينهم لم يشكّوا فى مللهم و لم يتنازعوا فيها، و لكنهم آثروا الدّنيا على الدّين، و هم موقنون بالثواب و العقاب اللّذين «1» وعدوا و أوعدوا بهما «2»؛ فاختار و اعرض الدّنيا على الآخرة، إلّا القليل من النّاس. و نرى كثيرا منهم يقتلون الأنفس و يأخذون الأموال و يرتكبون المحارم و يأتون الحدود، و قد عرفوا ما يحرم «3» عليهم من ذلك، و آمنوا بالعقاب على «4» ما يرتكبونه فى أخراهم، و لا يرتابون فيما «5» أوعدوا من العذاب الأليم، و لا يشكّون فيما وعدوا «6» من الثواب العظيم على اجتناب هذه الحدود و القصد لأعمال «7» الخير، و قد أيقنوا بذلك و يعتقدونه فى دينهم؛ و لكن الشّهوة الغريزيّة تحملهم «8» على ذلك و تغلب «9» عقولهم، حتى يختاروا الأخسّ «10» على الأفضل، و ذلك على يقين و بصيرة. و هذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى شاهد و دليل. و من دفع هذا فقد ردّ العيان و كابر.
(3) فان شغب مشغب و عاند «11» و دفع «12» العيان، قلنا: فهل تشكّ «13» فيما يلحق أهل العبث «14» و الفساد فى هذه الدّنيا من القتل و الصّلب و قطع الأيدى و الأرجل و الحبس و الضّرب و غير ذلك «15» ممّا يلحقهم على ما يرتكبونه، و هم يشاهدون «16» ذلك و يعاينونه «17» و لا يرتدعون؟ فهل يقدر «18» على دفع هذا أحد، و هل يرّده إلّا مجنون؟! و لو «19» لا ما سنّه الأنبياء (ع) فى كلّ أمّة، بأن «20» أقاموا فيهم أئمّة
__________________________________________________
(1)- اللذين: الذين A، الذى-- CB
(2) بهما: بها BA
(3)- يحرم: بحرم C
(4)- على:- B
(5) فيما: بما CBA
(6) اوعدوا ... وعدوا:- B
(7)- لاعمال: الاعمال B
(8)- تحملهم: لحملهم C
(9) تغلب: تقلب: A،- B
(10) الاخس: الاخسر B
(11)- عاند: عانك C
(12) و دفع: دفع B
(13)- تشك: شك C
(14) ألعبث: العيث A
((1/247)
15)- و قطع ... غير ذلك:- B
(16)- يشاهدون: شاهدون C
(17) يعاينونه: بعاينوه C
(18)- يقدر: و B
(19) و لو: لو B
(20)- بان: ان CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:188
يأخذون على أيدى سفهائهم، يعلّمون جاهلهم و يحامون «1» على ضعفائهم و يقمعون أهل العبث «2» و الفساد و يقيمون فيهم الحدود من القصاص و القود و غير ذلك، كما سنّه محمّد (ص)، لتهارج النّاس، و فسد أمر «3» العالم و لما كان يسالم «4» بعضهم بعضا كما يجرى عليه أمر أصناف الحيوان من المسالمة؛ فانّها لا يعدو بعضها على بعض فى أجناسها؛ إلا ما يعدو بعض الأجناس على بعض و يصيدها «5» للغذاء «6» و طلب الرّزق. و لكنّ النّاس قد طبعوا على الحرص و التّنافس على أعراض الدّنيا و الجمع و الادّخار و ما ركّب فيهم من حبّ الشّهوات من النّساء «7» و البنين و القناطير المقنطرة من الذّهب و الفضّة و الخيل المسّومة و الأنعام و الحرث و سائر ذلك من متاع الدّنيا؛ و ليس سبيل أصناف الحيوان هكذا. كما نرى أنّ إنسانا لو جمع ما يعلم أنّه يكفيه ألف سنة و زيادة، لما انتهى عن الجمع و الزّيادة فيه و الحرص عليه؛ و كل أصناف الحيوان تطلب «8» غداءها «9» مقدار ما يشبعها «10»، و ليس سبيلها سبيل البشر.
(4) فلذلك اختار اللّه عزّ و جلّ «11» للنّاس أئمّة يسوسونهم و يقوّمونهم، ليستقيم «12» أمر العالم، و يكون فيه صلاح النّاس دينا و دنيا فيحيى الأنام و لا يهلكوا «13»، كما قال اللّه تعالى: «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ «14» ...»* بما شرعه الأنبياء للنّاس و سنّوه و حملوهم عليه و أقاموا فيهم الحدود و الأحكام.
و النّاس و إن كانوا يتنافسون فى أمور الدّنيا فانّ كلّ متغلّب لا يقدر
__________________________________________________
(1)- يحامون: يحابون A
(2)- العبث: العيث A
(3)- امر: الامر B
(4)- يسالم: سالم C
(5)- يصيدها: يطلبها C
(6) للغذاء: الغدا A
((1/248)
7)- من النساء:- B
(8)- تطلب: يطلب BA
(9) غذاءها: غذائه A، غذاه B
(10) يشبعها: يشبعه CBA
(11)- عز و جل:- A
(12)- ليستقيم: لتستقيم A
(13)- لا يهلكوا: لا يهلكوا B، لا يهلكون C
(14)- ببعض: لفسدت الارض-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:189
على التّغلّب حتّى يكون مرجعه إلى الدّين و يقهر النّاس على ذلك الأصل و بتلك الرّيح؛ كما نرى، لو أنّ يهوديا أو نصرانيّا أو من كان من أىّ «1» ملّة غير ملّة الاسلام، إن أراد أن يتغلّب فى دار الاسلام، لما أطاق ذلك و لا قدر عليه. و هم مع إيثارهم أعراض الدّنيا على الآخرة، غير شاكّين فى أمر الملّة حسب ما قد شرحناه. و كذلك «2» السّبيل فى سائر الملل، لا يقدر «3» أحد أن يرأسهم «4» حتّى يكون من أهل ملّتهم فى البلدان التى «5» تغلّبوا عليها.
(5) و ما قال الملحد: إنّهم آثروا الدّنيا على الدّين، لانهم شكّوا فى أمر الدّين، فهو من أمحل المحال، و هو ردّ للعيان «6»؛ لأنّ المتجاذبين فى أمر الدّنيا و المتنافسين فيها، مرجعهم إلى الدّنيا؛ و يجتمعون على كل متغلّب بريح الدّيانة فى كلّ ملّة على ما ذكرنا «7»؛ كما نرى من اقتداء هذه الأمّة بمن هو أولى بالخلافة، و تفويضهم أمر الخلافة إليه. و كذلك من يرى الخلافة فى قريش، يجعلونها فيمن هو مقدّم عندهم فى الدّين. و هكذا سبيل اليهود فى اقتدائهم بآل داود؛ و كذلك سبيل كلّ أمّة، و إن كان الأمر مختلطا عليهم من غلبة الأهواء «9»، فأصلهم على ما قلنا. و كذلك الملوك فى كلّ أمّة «8»، ملكوا «10» النّاس بريح الدّيانة، ثم قويت أسبابهم بالتّغلّب، و مع ذلك فانّهم حملوا النّاس على أحكام الدّين فى كلّ أمّة حتى انتظم أمرهم «11»، و استتبّ «12» أمر العالم بريح الدّين إلى الوقت المعلوم.
(6) و كذلك قول الملحد: إنّه لو لا ما انعقد بين النّاس بأسباب الدّيانات،
__________________________________________________
(1)- اى: ابى B
(2)- و كذلك: فكذلك B
((1/249)
3)- لا يقدر: لا يقلد B
(4) يرأسهم: يرأس عليهم CBA
(5)- التى: قد-- CB
(6)- للعيان: العيان B
(7)- ذكرنا: قدمنا ذكرنا C
(8)- كل امة: كلامه C
(9)- الاهواء: الهواء B
(10)- ملكوا: ملوك BA-- وقع فى الفقرة بين نمرة 15- 17 و 18 تقديم و تاخير فى نسخة B
(11)- امرهم: امر A
(12) استتب: استت A، استب C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:190
لسقطت المجاذبات و المحاربات، هو أمحل من الأوّل؛ لأنّ المجاذبات و المحاربات كما قلنا، هى فى أمور الدّنيا أكثر و أعمّ، و لو لا الدّين و شرائع الأنبياء الّتى قام بها أمر العالم و انتظم، لتفانى «1» النّاس، و لما قامت فى الأرض سياسة. فبأحكام الأنبياء (ع) قد استقام أمر العالم؛ و هذا واضح «2» لاخفاء به، و الحمد للّه «3».
__________________________________________________
(1)- لتفانى: ل A، لتغان B، لتفانا C
(2)- واضح: به C، اوضح B
(3) و الحمد لله:- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:191
الفصل «1» الثالث [الفرق بين المعجزات و الدلائل ]
(1) قال «2» الملحد فى باب المعجزات قولا كثيرا، و جعله سؤالا و جوابا، و ضعّف فيه حجج من ادّعى المعجزات للانبياء «3» (ع) و احتجّ بكلام واه «4»؛ نتركه «5»، و نختصر «6» النّكت التى ادّعاها، و نذكر بعض دلائل محمّد (ص) و معجزاته التى ليس فى وسع البشر أن يأتوا بمثلها إلّا بتأييد من اللّه عزّ و جلّ؛ و هى على وجوه كثيرة، فنذكر من كلّ وجه شيئا بالاختصار «7» دون ذكر الجميع؛ لأننّا «8» إن «9» ذكرناها «10» بأسرها، ذهب الكتاب بقنّها «11»، و طال القول بها؛ لأنّها كثيرة جدا. و قد اتّفقت عليها الأمّة، و شاهدها المؤمن و الكافر، و أخذها الخلف عن السّلف. و ليس قول الملحد بحجّة حين زعم أن أعلام محمّد (ص) نقلها واحد و اثنان و ثلاثة، و يجوز عليهم التّواطؤ «12»؛ لأنّ أكثرها ما قد شاهدها عدد كثير من المسلمين و الكافرين و لا يجوز عليهم «13» التّواطؤ؛ و(1/250)
__________________________________________________
(1)- فصل:- CB
(2)- قال:- B
(3)- للانبياء: الانبياء C
(4) واه: واهى CBA
(5) نتركه: نترك القول به BA، ترك القول به C-- C
(6) نختصر: تختصر B، يختص C
(7)- بالاختصار: من الاختصار CBA
(8) لاننا: لان CBA
(9) لان:- C
(10) ذكرناها: تذكر ناها A
(11)- بقنها: بفنها A
(12)- التواطؤ: التواطى CBA
(13)- عليهم: عليها C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:192
اكثرها برهانها واضح، و شاهدها عدل قائم، لا مدفع له. و لكنا لا نحتج عليه بما يقدر «1» الملحدون على دفعه و إنكاره، و إنما نذكرها ليكون لها فى الكتاب رسم، فانّ النّاظر فى كتابنا هذا، لا يخلو من أن يكون موافقا أو مخالفا؛ فأمّا الموافق، فانّ اللّه عزّ و جلّ يزيده «2» بذلك إيمانا و تصديقا؛ و لعلّ بعض المخالفين يوفّقه اللّه «3» للرّشد و الهداية. ثم نكشف بعد ذكرها عمّا «4» فى القرآن العظيم من المعجزة «5» الكبيرة الّتى هى حجّة أكيدة على الملحدين و برهان واضح منير «6» لا يقدر على دفعه إلّا مباهت مكابر؛ لأنّه علم قائم فى العالم، و ليست سبيله، سبيل الدّلائل و المعجزات الّتى قد سلفت، و يقدر «7» الملحدون أن ينكروها؛ و يدّعون أنه يجوز عليها التّواطؤ، و أنهم لم يشاهدوها و لا يقبلون دعاوينا فيها إلّا ببراهين حاضرة؛ كما قال الملحد فى كتابه، و كما ادّعى أنّ مثل هذه الأسباب قد كانت ممّن لم يدّع «8» النّبوّة؛ ثم ذكر عمل «9» أصحاب الخفّة و الشّعبدة «10» كالرّقص على الأرسان، و الدّوران على الأسنّة «12» فوق الرّماح و كلام القافية و الكّهان «11» و سحر السّحرة و غير ذلك ممّا ادّعاه و عارض به من يدّعى المعجزات للانبياء (ع).
((1/251)
2) ثم «13» قال: إنّكم تدّعون أنّ المعجزة «14» قائمة «15» موجودة و هى القرآن، و تقولون «16» من أنكر ذلك فليأت بمثله. و قال: نحن نأتيكم بألف مثله. و سوف نشرح ما فى القرآن من المعجز العظيم حتّى يعلم الملحدون أنّه لا يقدر
__________________________________________________
(1)- يقدر:- B، يقله C
(2)- يزيده: يره-- CB
(3) الله:- C
(4)- عما: اما B
(5)- المعجزة: المعجزات-- CB
(6)- منير: ميز B
(7)- يقدر: يقدره C
(8)- لم يدع: لم يدعوا B، لم يدعى C
(9)- عمل: عملا B
(10) الشعبدة: الشعبد B، السعيدة C
(11)- على الارسان ... الكهان:- A
(12) الاسنة: ان الالسنة B
(13)- ثم:- B
(14) المعجزه: المعجزات A
(15) قائمة: آية C
(16)- تقولون: نقول ان C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:193
أهل الأرض أن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا، و باللّه الحول و القوّة.
نقول:
((1/252)
3) إن دلائل محمّد (ص) و معجزاته كثيرة، و هى على وجوه: فمنها ما يقال لها دلائل و منها ما يقال لها معجزات. فأمّا المعجزات فانّها تسمّى معجزات، و تسمّى «1» دلائل؛ لأنّها أسباب يأتى بها الأنبياء (ع) و يعجز غيرهم أن يأتوا بمثلها؛ فلذلك يقال «2» إنّها معجزات. و تكون دالّة على صدق. دعواهم فى نبّواتهم؛ فلذلك يقال لها دلائل. و منها أسباب يقال لها دلالات «3»، و لا يقال لها معجزات؛ لأنّها أسباب لا يأتى بها النّبىّ بنفسه، بل تكون «4» من غيره، و تدل على نبوّته؛ كقول نبىّ يشهد لمن يجيى ء بعده و يدل عليه، مثل الّذى هو فى التّوراة و الانجيل و سائر الكتب من «5» الدّلائل على نبوّة محمّد (ص)، و مثل أشياء حدثت «6» فى العالم كما حدث أيّام كسرى من ارتجاس «7» الايوان و غير ذلك؛ فسأل عنه الكهنة «8»، فتكلّموا فيه بما يكون من بعد، و دلّوا على ظهور محمّد (ص) بالنّبوّة. و كذلك ما جاء عن سائر الكّهان من سجعهم بنبّوته «9»، مثل كلام البهائم و السّباع و غير ذلك و نطقهم بنبوّته «10»، و آيات كانت فى العالم «11» نحو ذلك. فهذه يقال لها دلائل و لا يقال لها معجزات، لأنّها كانت من غيره فيه، لم يأت هو بها بنفسه. فكلّ هذه يقال لها أعلام و يقال لها آيات؛ لأنّها علامات و شواهد تدلّ عليه؛ و هذه الوجوه كلّها من الآيات
__________________________________________________
(1)- و تسمى: و يسمى B
(2)- يقال: تقال C
(3)- دلالات: دلائلات B
(4)- تكون: يكون BA
(5)- من: و A
(6)- حدثت: حديث B
(7) ارتجاس: ارتجار C
(8) الكهنة: الكنة B
(9)- بنبوته: بنبوة BA
(10) و مثل ... بنبوته:- C
(11)- العالم: العالمين B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:194
و الأعلام الّتى قد كانت «1» لمحمّد (ص) و نحن نذكر من كلّ نوع شيئا على الاختصار كما شرطنا «2»، و نترك الطّويل بذكر الجميع، و باللّه التّوفيق.
__________________________________________________
((1/253)
1)- قد كانت:- A
(2)- شرطنا: شرحنا: A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:195
الفصل الرابع ذكر دلائل محمد (ص) فى الكتب المنزّلة
(1) فى «1» التّوراة أنّ اللّه عزّ و جلّ «2» قال لبنى إسرائيل: إنّى أقيم نبيّا من إخوتكم «3» أجعل كلامى على فمه. فاخوة بنى إسرائيل، هم «4» بنو إسماعيل. و النّبّى الذى قام فى بنى إسماعيل «5»، هو محمّد (ص). و فى التّوراة أيضا: جاء اللّه من سيناء و أشرق «6» من ساعير «7» و أضاء من جبال فاران «8». فمجيى ء اللّه من سيناء هو مجيى ء موسى (ع)، لأن اللّه أعطاه الألواح بطور سيناء؛ و إشراقه من ساعير، هو «9» خروج المسيح (ع)، لأنّه كان من ساعير، من أرض الجليل من قرية يقال لها ناصرة؛ و إضاءته «10» من جبال فاران، هى ظهور محمّد (ص) من مكّة، لأنّ «11» فاران هو مكّة؛ و فى التّوراة: أنّ إسماعيل كان يتعلّم الرّمى «12» فى برّية فاران، و هذا ما لا مرية «13» فيه أن إسماعيل نشأ بمكّة و فيها تعلّم الرّمى.
__________________________________________________
(1)- فى: من BA
(2)- عز و جل:- A
(3) اخوتكم: اخوانكم C
(4) هم: هو A
(5)- و النبى ... اسماعيل:- B
(6)- اشرق: اشراقه A
(7) ساعير: ساعين B
(8) فاران: فاوان B
(9)- هو:- C
(10)- اضاءته: اضاء CBA
(11)- لان: لا A
(12) الرمى: الوحى C
(13) مرية: فرية A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:196
((1/254)
2) و فى الانجيل، قال المسيح: إنّى ذاهب و سيأتيكم «البار قليط» «1» روح الحق الذى لا يتكلّم من قبل نفسه، و يعلّمكم «2» كلّ شى ء و هو يشهدلى كما شهدت له و هو يرسل باسمى. قوله يرسل باسمى «3» أى يكون صاحب شريعة مثله. و لم يخرج بعده «5» صاحب شريعة «4» مثله إلى محمّد، و هو شهد له «6» كما شهد محمّد له. و فى الزّبور فى صفة محمّد (ص): أنّه ينقذ الضّعيف الّذى لا ناصر له، و يرأف بالمساكين و يصلّى عليه فى كلّ وقت «7» و يبارك عليه فى كلّ يوم و يدوم ذكره إلى الأبد و يحوز «8» ملكه من البحر إلى البحر. فهذا ما لا مرية فيه أنّه صفة محمّد (ص)، لأن شريعته «9» متّصلة «10» بالقيامة لا تنسخ «11»، و لا نبىّ بعده، فهو الذى ذكره «12» يدوم «13» إلى الأبد و هو الّذى يصلّى عليه و يبارك فى كلّ يوم «14» و فى كلّ وقت. و فى كتاب أشعياء: قال لى الرّب أقم نظارا ليخبر بما يرى، فكان الّذى رأى صاحب المنظرة، قال: قد أقبل راكبان أحدهما على حمار و الآخر على جمل، فبينا أنا كذلك إذا قبل أحد الرّاكبين «15» و هو يقول: هوت هوت بابل و نكست «16» جميع آلهتها «17» النّخرة على الأرض.
فهذا الّذى سمعت من الرّبّ إله إسرائيل «18» العزيز، قد نبأتكم به. يعنى براكب الحمار المسيح (ع) لأنّه دخل اورشليم و هو راكب حمارا؛ و يعنى براكب «19» الجمل محمّدا (ص)، لأنّه دخل «20» المدينة و هو راكب الجمل، و على يديه فتحت
__________________________________________________
(1)- البارقليط: البارقليقط B
(2) و يعلمكم كل شى:- C
(3)- قوله يرسل باسمى:- B
(4)- بعده صاحب شريعة: و يعلمكم كل شئى قوله يرسل باسمى A
(5) بعده:- C
(6)- له:- B
(7)- فى كل وقت:- A
(8)- يحوز: يجوز B
(9)- شريعته: شريعة B
(10) متصلة: متصل CBA
(11) تنسخ: محمد B
(12)- فهو الذى ذكره: فهو ذكره الذى BA، فهو شهود ذكره الذى C
(13) يدوم:- A
(14)- فى كل يوم و:- B
(15)- الراكبين: الراكبان C
((1/255)
16)- نكست: تكسر A، تكسرت C، منحوته B
(17) آلهتها: القها A
(18)- اسرائيل: بنى اسرائيل A
(19)- براكب: راكب C
(20)- دخل ... دخل:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:197
بابل و كسّرت أصنامها. و فى كتاب إشعياء إيضا: عبدى الذى سرّت به نفسى أحمد المحمود بحمد اللّه حمدا حديثا تفرح «1» به البّريّة و سكّانها؛ فهذا إفصاح باسمه، و البّريّة يعنى البادية، لأنّها مسكن العرب و بها أرض الحجاز و منها «2» خرج محمّد (ص). و فى كتاب إشعياء أيضا: لتفرح الأرض البادية، و لتبتهج البرارى و الفلوات و ليخرج نور «3» كنور الشّنبليد «4» و تستنير و تزهو مثل الوعا «5»، لأنها ستعطى بأحمد محاسن الشأن «6». و فى كتاب إشعياء أيضا: ولدلنا مولود و وهب لنا ابن على كتفيه علامة النّبّوة. و لم «7» يكن أحد من الأنبياء على كتفيه علامة النّبّوة «8» غير محمّد (ص). و فى كتاب حبقّوق:
لقد انكشفت السّماء من بهاء محمّد و امتلات الأرض من حمده «9». هذا، مع كلام كثير مثله يذكره فى كتابه «10».
(3) و فى كتاب دانيال رؤياه التّى رآها و عبّرها «11»، و ذكر تفسيرها، و قال فيها: رأيت عتيق الأيّام «12» قد جلس و بين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه و كتّاب لا تحصى و ذكر أشياء كثيرة قد جرى ذكرها فى صدر كتابنا هذا و قال فيها «13»: رأيت على سحاب السّماء كهيئة إنسان فانتهى إلى عتيق الأيّام و قدّموه بين يديه فخّولوه الملك و السّلطان و الكرامة و أن تتعبّد له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات، سلطانه «14» دائم إلى «15» الأبد و ملكه لا يتغيّر إلى الأبد «16». و قد ذكرنا رؤياه هذه و تفسيرها، و يغنى ذلك «17» عن إعادة ذكره. و فى كتابه أيضا
__________________________________________________
(1)- تفرح: تفوح B
(2) و منها: منها B
(3)- نور: نورا BA
(4) الشنبليد: الشنبليل: A
(5)- الوعا: الوعد B، الوعل C
(6) الشان: لشان C
(7)- و لم: فلم C
(8) و لم يكن ... النبوة:- A
((1/256)
9)- حمده: جحده A
(10)- فى كتابه: فى الكتابة B
(11)- عبرها: غيرها: B
(12)- الايام: الانام B
(13) فيها: فيما B
(14)- سلطانه: النعمان بن منذر B
(15) الى:- A
(16) لا يتغير الى الابد: الى الابد لا يتغير A
(17)- ذلك:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:198
فى تعبير الرّؤيا التى رآها الملك، فى آخر كلامه: فيفتح إلى السّماء فى تلك الأيّام ملكا دائما لا يتغيّر و لا يزول، و لا يذر «1» لغيره من الأمم مملكة و لا سلطانا، بل يدّق و يبيد الممالك كلّها، و يقوم هو «2» إلى دهر الدّاهرين.
هذا فى تعبير الحجر الذى دق «3» ذلك الصّنم من الحديد و النّحاس و الخزف الذى «4» رآه الملك فى رؤياه؛ و هو مشهور فى كتاب دانيال و فى حديثه الّذى فى أيدى العامّة. و فى كتاب إرميا: جعلتك «5» نبيّا للامم لتنسف «6» و تهدم و تبير «7» و تسحق و تبنى و تغرس. و فى كتاب هوشع: أنا الرّبّ الاله الّذى ارعاك فى البدو فى أرض «8» خراب قفر. فليس نبّى خرج فى أرض قفر الّا محمّد (ص)؛ لأنّه خرج فى البادية.
فهذه دلائله صلّى اللّه عليه و آله، فى كتب الأنبياء (ع) و أهل الكتاب يقرأونها «9»، و لا ينكرون ما «10» قد ذكرنا «11» منها؛ لأنّها مكتوبة فى هذه الكتب؛ و لكن قد غلب عليهم «12» الهوى «13» و رموا «14» بالخذلان و العمى، ليقضى اللّه أمرا كان مفعولا.
و فيها من هذا النّحو دلائل كثيرة، تركنا الأكثر منها «15» لشرط الاختصار «16» الذى قدّمنا، أنا نذكر من كلّ فنّ شيئا دون الجميع. و هذا ما لا يجوز عليه التّواطؤ، و ليس هو ممّا نقلة رجل «17» أو رجلان أو ثلاثة، كما ادّعاه الملحد؛ لأنّها نبوّات من الأنبياء، و كانوا فى دهور متباينة قبل محمّد (ص) بزمن طويل.
__________________________________________________
(1)- يذر: يدور C
(2)- هو:- B
(3) دق:- C
(4) دق ... الذى:- A
(5)- جعلتك: بعثتك B
(6) لتنسف: لتعر B
(7)- تبير: تدير B
((1/257)
8)- فى البدو فى ارض: فى البلاد او فى الارض B
(9)- يقرأونها: يعرف بها B
(10) ما: منها-- CA
(11) ما قد ذكرنا:- B
(12)- عليهم: عليها-- CB
(13) الهوى: الامور-- CB
(14) رموا: دسوا A
(15)- منها:- A
(16) لشرط الاختصار: للاختصار الشرط C
(17)- رجل: رجلا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:199
الفصل الخامس (أعلام محمد (ص) فى الاسلام)
(1) و وجه آخر من دلالاته و أعلامه، أمور حدثت فى العالم، دلّت على نبوّته، مثل: حديث كسرى و إيوانه و سطيح الكاهن. فانّه لمّا كان فى اللّيلة التى ولد فيها رسول اللّه (ص) ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة، فاهتمّ لذلك كسرى، و جمع وزراءه و موابذته، و سألهم عن الحال فيه. فقال له الموبذان الأكبر: أنا رأيت فى هذه اللّيلة فى منامى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، دخلت من بلاد العرب، فرعت فى بلاد العجم. و ما لبث إلا قليلا حتّى أناه كتاب من عامله بفارس: أن نار فارس طفئت فى تلك اللّيلة و لم تطفأ قبل ذلك بألف عام. فهّمه ذلك، و استقصى فى البحث عنه. فقالوا: حادثة تكون فى بلاد العرب! فكتب إلى النّعمان بن المنذر ليبعث إليه رجلا عالما يسأله عن أشياء. فبعث إليه عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة العبادى. فلما قدم عليه سأله عن ذلك، فقال:
علم هذا عند خال لى بالشّام، اسمه سطيح. فجهّزه و أخرجه إليه ليسأله.
فخرج حتّى قدم عليه و هو بآخر رمق، فوقف عليه، و قال: «أصمّ أم يسمع غطريف اليمن»، فى سجع له. فلما سمعها سطيح، رفع رأسه و قال: عبد المسيح جاء إلى سطيح و قد أوفى على الضّريح. بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان و رؤيا الموبذان و خمود النّيران. قال: نعم، فما تقول فى ذلك؟
قال: إذا كثرت التّلاوة و فاض وادى السّماوة و غارت بحيرة ساوة، بعث
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:200
صاحب الهراوة؛ فليست الشّام لسطيح شاما. قال: متى يكون هذا؟ قال:(1/258)
يملك منهم ملوك «1» و ملكات على عدد الشّرفات «2»، و كل ما هو آت «3» آت. فانصرف عبد المسيح إلى كسرى، و أخبره بقول سطيح. فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا، قد كانت أمور. فملك منهم أربعة عشر ملكا فى مدة يسيرة؛ و هذا حديث طويل اختصرناه.
و مثل هذا حديث كاهن كان بعسفان. فسافر اليه هاشم بن عبد مناف و أميّة بن عبد شمس؛ و قيل له احكم بينهما أيّهما أشرف. فقال: و القمر الباهر و الكوكب «4» الزّاهر و الغمام الماطر و ما بالجوّ «5» من طائر و ما اهتدى بعلم مسافر، لقد سبق هاشم إلى مآثر، اوّلا منه و آخر «6»، و سيكون له ولد فاخر على كل «7» باد و حاضر نبىّ مؤيّد طاهر و اللّه لدينه ناصر و هو على الأديان كلّها ظاهر إلى انقضاء الدّهور «8» الغوابر.
و مثل هذا حديث عبد المطلّب، حين ولد رسول اللّه (ص) أخذه عبد المطّلب فأدخله على هبل كما كانت قريش تفعل بمن يولد لهم «9». فولّى رسول اللّه (ص) وجهه «10» عن هبل «11». فارتاع عبد المطّلب لذلك، و سمع صوتا من جوف الصّنم- و يقال من جدار الكعبة- يقول «12»: ما لهذا و للصّنم، إنّ ذا سيّد الأمم، من فصيح و من عجم، و رسول لذى «13» النّعم، يبطل الشّرك و الصّنم، ثمّ يجلو دجى الظّلم. فارتعدت فرائض عبد المطّلب و فزع فزعا شديدا؛ و هو حديث طويل اختصرناه «14».
__________________________________________________
(1)- ملوك: ملكون CBA
(2) الشرفات: الشرط فات C
(3) آت:- B
(4)- الكوكب: الكواكب B
(5) بالجو: بالجرم C
(6) اولا منه و آخر: و لا منه اهر B
(7)- كل:- B
(8)- انقضاء الدهور: انقضى الدهو C
(9)- لهم: هم B
(10) وجهه:- A
(11) هبل: الهبل B
(12)- يقول:- A
(13)- لذى: الذى B
(14)- اختصرناه: و اختصرناه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:201(1/259)
و مثله أيضا، حديث العبّاس بن مرداس «1» السّلمّى: أنّه كان عند صنم لبنى سليم يقال «2» له «3» «ضمار» «4». فسمع «5» صوتا من جوف الصّنم فى بعض اللّيالى يقول:
قل للقبائل من سليم كلّها هلك الضّمار و عاش أهل المسجد
أودى ضمار و كان يعبد مرّة قبل الكتاب إلى النّبّى محمّد
فى ابيات كثيرة؛ فخرج فزعا و تلقاه رجل على نعامة و هو يقول: بشرّ الجنّ و أبلاسها، ألا «6» قد كفيت «7» السّماء أحراسها «8» و وضعت الحرب أحلاسها و تجرّعت أنفاسها للنور الذى نزل يوم الاثنين و ليلة الثلثاء على صاحب الناقة العضباء «9» فى وادى «10» العنقاء. فرجع العباس بن مرداس الى ضمار فاحرقه «11»، ثم توجه الى النبى (ص) و آمن به و قال فى ذلك شعرا:
لعمرك انّى يوم أجعل، جاهلا «12» ضمار الربّ العالمين مشاركا «13»
فآمنت باللّه الذى انا عبده و خالفت من أمسى «14» يريد المهالكا
و هذه قصيدة طويلة. فهذه من جهة الكهّان و سدنة الأصنام؛ و مثلها اخبار «15» كثيرة تركنا ذكرها و هذا وجه من الدّلالات.
(2) و وجه آخر من أعلامه، كلام أصناف الحيوان من البهائم و السبّاع و غير ذلك و نطقهم بنبّوته (ص). من ذلك: حديث أهبان بن أوس الاسلمى «16» مكلّم الذئب، كان فى غنم له فرأى ذئبا قد شدّ على طلى ظبى «17» فصاده «18»، فحمل «19»
__________________________________________________
(1)- مرداس: مراد C
(2)- يقال:- A
(3) له: لها CBA
(4) ضمار: صنما CBA
(5) فسمع: سمع C
(6)- الا:- B، ان C
(7) كفيت: كنت C
(8) احراسها: اخراسها B
(9)- العضباء: العضاء A، الغصبان B، الصهباء C
(10) وادى: اوادى A دورى C
(11) فاحرقه: فاحرقها CBA
(12)- جاهل جاهلا CBA
(13) مشاركا: مشركا B
(14)- امسى: امتى B
(15)- اخبار: اخياره B
(16)- الاسلمى: السلمى A
(17)- ظبى: طبن C
(18) فصاده: فصاره B فصاعده C
(19) فحمل: محمد B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:202(1/260)
عليه أهبان فانتزعه «1» منه فأقعى الذّئب بعيدا منه على ذنبه، ثم قال: ما لى و لك تسلب منّى رزقا رزقنيه اللّه ليس من مالك؟ فتحيّر أهبان لذلك و قال «2»: يا عجبى ذئب يتكلّم! فقال الذئب «3»: أعجب من كلامى رسول اللّه «4» بين هذه النّخلات يحدّث النّاس بأخبار ما سبق و أنباء ما يكون، يدعو إلى «5» عبادة الرّحمن و تأبون إلّا عبادة الأوثان. فأتى أهبان رسول اللّه (ص) و آمن به؛ و له حديث. و ولده يسمّون «6» الى يومنا هذا بنو مكلّم الذئب. و له فى ذلك شعر «7» يقول فيه:
رعيت الضأن أحميها بكلبى من اللّص الخفىّ و كلّ ذيب
فلمّا أن سمعت الذّئب نادى «8» يبشّرنى بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمّرت ثوبى عن السّاقين فى الوفد «9» الرّكيب
فالفيت «10» النبىّ يقول قولا صدوقا ليس بالهزل الكذوب
و هى قصيدة. و منه أنّ بعيرا للوليد بن مغيرة المخزومىّ «11» تكلّم فى اليوم الذى «12» ولد فيه رسول اللّه (ص) و قال: هذا أحمد قد «13» ولد، أفلح منكم من تبعه و خسر من ولىّ عنه. فأقبل الوليد و هو يقول: يا آل قريش أدركوا، فانّ بعيرى «14» قد سحر «15». فاجتمعت «16» قريش و البعير يقول ذلك، و الوليد يقول: سحر بعيرى و ربّ الكعبة. فقال فى ذلك بعض قريش:
ألا يا لقوم «17» هل رأيتم بهيمة تكلّم فى النادى «18» بأنباء ما مضى
__________________________________________________
(1)- فانتزعه: قال تنزعه B
(2)- و قال: فقال B
(3) الذئب: الذى A
(4)- الله: من الله-- CA
(5)- الى: الله B
(6)- يسمون: يسمعون B
(7)- شعر:- B
(8)- من اللص ... نادى:- B
(9)- الوفد: الوافل B
(10)- فالفيت: فاليت B
(11)- المخزومى: الخزومى A
(12)- الذى:- B
(13) قد:- A
(14)- بعيرى: و رب الكعبة فقال A
(15) سحر: سخر Bيجوز B
(9)- شريعته: شريعة B
(10) متصلة: متصل CBA
(11) تنسخ: محمد B
(12)- فهو الذى ذكره: فهو ذكره الذى BA، فهو شهود ذكره الذى C
(13) يدوم:- A
(14)- فى كل يوم و:- B
((1/261)
15)- الراكبين: الراكبان C
(16)- نكست: تكسر A، تكسرت C، منحوته B
(17) آلهتها: القها A
(18)- اسرائيل: بنى اسرائيل A
(19)- براكب: راكب C
(20)- دخل ... دخل:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:197
بابل و كسّرت أصنامها. و فى كتاب إشعياء إيضا: عبدى الذى سرّت به نفسى أحمد المحمود بحمد اللّه حمدا حديثا تفرح «1» به البّريّة و سكّانها؛ فهذا إفصاح باسمه، و البّريّة يعنى البادية، لأنّها مسكن العرب و بها أرض الحجاز و منها «2» خرج محمّد (ص). و فى كتاب إشعياء أيضا: لتفرح الأرض البادية، و لتبتهج البرارى و الفلوات و ليخرج نور «3» كنور الشّنبليد «4» و تستنير و تزهو مثل الوعا «5»، لأنها ستعطى بأحمد محاسن الشأن «6». و فى كتاب إشعياء أيضا: ولدلنا مولود و وهب لنا ابن على كتفيه علامة النّبّوة. و لم «7» يكن أحد من الأنبياء على كتفيه علامة النّبّوة «8» غير محمّد (ص). و فى كتاب حبقّوق:
لقد انكشفت السّماء من بهاء محمّد و امتلات الأرض من حمده «9». هذا، مع كلام كثير مثله يذكره فى كتابه «10».
(3) و فى كتاب دانيال رؤياه التّى رآها و عبّرها «11»، و ذكر تفسيرها، و قال فيها: رأيت عتيق الأيّام «12» قد جلس و بين يديه ألف ألف خدّام يخدمونه و كتّاب لا تحصى و ذكر أشياء كثيرة قد جرى ذكرها فى صدر كتابنا هذا و قال فيها «13»: رأيت على سحاب السّماء كهيئة إنسان فانتهى إلى عتيق الأيّام و قدّموه بين يديه فخّولوه الملك و السّلطان و الكرامة و أن تتعبّد له جميع الشّعوب و الأمم و اللّغات، سلطانه «14» دائم إلى «15» الأبد و ملكه لا يتغيّر إلى الأبد «16». و قد ذكرنا رؤياه هذه و تفسيرها، و يغنى ذلك «17» عن إعادة ذكره. و فى كتابه أيضا
__________________________________________________
(1)- تفرح: تفوح B
(2) و منها: منها B
(3)- نور: نورا BA
(4) الشنبليد: الشنبليل: A
(5)- الوعا: الوعد B، الوعل C
(6) الشان: لشان C
(7)- و لم: فلم C
((1/262)
8) و لم يكن ... النبوة:- A
(9)- حمده: جحده A
(10)- فى كتابه: فى الكتابة B
(11)- عبرها: غيرها: B
(12)- الايام: الانام B
(13) فيها: فيما B
(14)- سلطانه: النعمان بن منذر B
(15) الى:- A
(16) لا يتغير الى الابد: الى الابد لا يتغير A
(17)- ذلك:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:198
فى تعبير الرّؤيا التى رآها الملك، فى آخر كلامه: فيفتح إلى السّماء فى تلك الأيّام ملكا دائما لا يتغيّر و لا يزول، و لا يذر «1» لغيره من الأمم مملكة و لا سلطانا، بل يدّق و يبيد الممالك كلّها، و يقوم هو «2» إلى دهر الدّاهرين.
هذا فى تعبير الحجر الذى دق «3» ذلك الصّنم من الحديد و النّحاس و الخزف الذى «4» رآه الملك فى رؤياه؛ و هو مشهور فى كتاب دانيال و فى حديثه الّذى فى أيدى العامّة. و فى كتاب إرميا: جعلتك «5» نبيّا للامم لتنسف «6» و تهدم و تبير «7» و تسحق و تبنى و تغرس. و فى كتاب هوشع: أنا الرّبّ الاله الّذى ارعاك فى البدو فى أرض «8» خراب قفر. فليس نبّى خرج فى أرض قفر الّا محمّد (ص)؛ لأنّه خرج فى البادية.
فهذه دلائله صلّى اللّه عليه و آله، فى كتب الأنبياء (ع) و أهل الكتاب يقرأونها «9»، و لا ينكرون ما «10» قد ذكرنا «11» منها؛ لأنّها مكتوبة فى هذه الكتب؛ و لكن قد غلب عليهم «12» الهوى «13» و رموا «14» بالخذلان و العمى، ليقضى اللّه أمرا كان مفعولا.
و فيها من هذا النّحو دلائل كثيرة، تركنا الأكثر منها «15» لشرط الاختصار «16» الذى قدّمنا، أنا نذكر من كلّ فنّ شيئا دون الجميع. و هذا ما لا يجوز عليه التّواطؤ، و ليس هو ممّا نقلة رجل «17» أو رجلان أو ثلاثة، كما ادّعاه الملحد؛ لأنّها نبوّات من الأنبياء، و كانوا فى دهور متباينة قبل محمّد (ص) بزمن طويل.
__________________________________________________
(1)- يذر: يدور C
(2)- هو:- B
(3) دق:- C
(4) دق ... الذى:- A
(5)- جعلتك: بعثتك B
(6) لتنسف: لتعر B
(7)- تبير: تدير B
((1/263)
8)- فى البدو فى ارض: فى البلاد او فى الارض B
(9)- يقرأونها: يعرف بها B
(10) ما: منها-- CA
(11) ما قد ذكرنا:- B
(12)- عليهم: عليها-- CB
(13) الهوى: الامور-- CB
(14) رموا: دسوا A
(15)- منها:- A
(16) لشرط الاختصار: للاختصار الشرط C
(17)- رجل: رجلا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:199
الفصل الخامس (أعلام محمد (ص) فى الاسلام)
(1) و وجه آخر من دلالاته و أعلامه، أمور حدثت فى العالم، دلّت على نبوّته، مثل: حديث كسرى و إيوانه و سطيح الكاهن. فانّه لمّا كان فى اللّيلة التى ولد فيها رسول اللّه (ص) ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة، فاهتمّ لذلك كسرى، و جمع وزراءه و موابذته، و سألهم عن الحال فيه. فقال له الموبذان الأكبر: أنا رأيت فى هذه اللّيلة فى منامى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، دخلت من بلاد العرب، فرعت فى بلاد العجم. و ما لبث إلا قليلا حتّى أناه كتاب من عامله بفارس: أن نار فارس طفئت فى تلك اللّيلة و لم تطفأ قبل ذلك بألف عام. فهّمه ذلك، و استقصى فى البحث عنه. فقالوا: حادثة تكون فى بلاد العرب! فكتب إلى النّعمان بن المنذر ليبعث إليه رجلا عالما يسأله عن أشياء. فبعث إليه عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة العبادى. فلما قدم عليه سأله عن ذلك، فقال:
علم هذا عند خال لى بالشّام، اسمه سطيح. فجهّزه و أخرجه إليه ليسأله.
فخرج حتّى قدم عليه و هو بآخر رمق، فوقف عليه، و قال: «أصمّ أم يسمع غطريف اليمن»، فى سجع له. فلما سمعها سطيح، رفع رأسه و قال: عبد المسيح جاء إلى سطيح و قد أوفى على الضّريح. بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان و رؤيا الموبذان و خمود النّيران. قال: نعم، فما تقول فى ذلك؟
قال: إذا كثرت التّلاوة و فاض وادى السّماوة و غارت بحيرة ساوة، بعث
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:200
صاحب الهراوة؛ فليست الشّام لسطيح شاما. قال: متى يكون هذا؟ قال:(1/264)
يملك منهم ملوك «1» و ملكات على عدد الشّرفات «2»، و كل ما هو آت «3» آت. فانصرف عبد المسيح إلى كسرى، و أخبره بقول سطيح. فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا، قد كانت أمور. فملك منهم أربعة عشر ملكا فى مدة يسيرة؛ و هذا حديث طويل اختصرناه.
و مثل هذا حديث كاهن كان بعسفان. فسافر اليه هاشم بن عبد مناف و أميّة بن عبد شمس؛ و قيل له احكم بينهما أيّهما أشرف. فقال: و القمر الباهر و الكوكب «4» الزّاهر و الغمام الماطر و ما بالجوّ «5» من طائر و ما اهتدى بعلم مسافر، لقد سبق هاشم إلى مآثر، اوّلا منه و آخر «6»، و سيكون له ولد فاخر على كل «7» باد و حاضر نبىّ مؤيّد طاهر و اللّه لدينه ناصر و هو على الأديان كلّها ظاهر إلى انقضاء الدّهور «8» الغوابر.
و مثل هذا حديث عبد المطلّب، حين ولد رسول اللّه (ص) أخذه عبد المطّلب فأدخله على هبل كما كانت قريش تفعل بمن يولد لهم «9». فولّى رسول اللّه (ص) وجهه «10» عن هبل «11». فارتاع عبد المطّلب لذلك، و سمع صوتا من جوف الصّنم- و يقال من جدار الكعبة- يقول «12»: ما لهذا و للصّنم، إنّ ذا سيّد الأمم، من فصيح و من عجم، و رسول لذى «13» النّعم، يبطل الشّرك و الصّنم، ثمّ يجلو دجى الظّلم. فارتعدت فرائض عبد المطّلب و فزع فزعا شديدا؛ و هو حديث طويل اختصرناه «14».
__________________________________________________
(1)- ملوك: ملكون CBA
(2) الشرفات: الشرط فات C
(3) آت:- B
(4)- الكوكب: الكواكب B
(5) بالجو: بالجرم C
(6) اولا منه و آخر: و لا منه اهر B
(7)- كل:- B
(8)- انقضاء الدهور: انقضى الدهو C
(9)- لهم: هم B
(10) وجهه:- A
(11) هبل: الهبل B
(12)- يقول:- A
(13)- لذى: الذى B
(14)- اختصرناه: و اختصرناه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:201(1/265)
و مثله أيضا، حديث العبّاس بن مرداس «1» السّلمّى: أنّه كان عند صنم لبنى سليم يقال «2» له «3» «ضمار» «4». فسمع «5» صوتا من جوف الصّنم فى بعض اللّيالى يقول:
قل للقبائل من سليم كلّها هلك الضّمار و عاش أهل المسجد
أودى ضمار و كان يعبد مرّة قبل الكتاب إلى النّبّى محمّد
فى ابيات كثيرة؛ فخرج فزعا و تلقاه رجل على نعامة و هو يقول: بشرّ الجنّ و أبلاسها، ألا «6» قد كفيت «7» السّماء أحراسها «8» و وضعت الحرب أحلاسها و تجرّعت أنفاسها للنور الذى نزل يوم الاثنين و ليلة الثلثاء على صاحب الناقة العضباء «9» فى وادى «10» العنقاء. فرجع العباس بن مرداس الى ضمار فاحرقه «11»، ثم توجه الى النبى (ص) و آمن به و قال فى ذلك شعرا:
لعمرك انّى يوم أجعل، جاهلا «12» ضمار الربّ العالمين مشاركا «13»
فآمنت باللّه الذى انا عبده و خالفت من أمسى «14» يريد المهالكا
و هذه قصيدة طويلة. فهذه من جهة الكهّان و سدنة الأصنام؛ و مثلها اخبار «15» كثيرة تركنا ذكرها و هذا وجه من الدّلالات.
(2) و وجه آخر من أعلامه، كلام أصناف الحيوان من البهائم و السبّاع و غير ذلك و نطقهم بنبّوته (ص). من ذلك: حديث أهبان بن أوس الاسلمى «16» مكلّم الذئب، كان فى غنم له فرأى ذئبا قد شدّ على طلى ظبى «17» فصاده «18»، فحمل «19»
__________________________________________________
(1)- مرداس: مراد C
(2)- يقال:- A
(3) له: لها CBA
(4) ضمار: صنما CBA
(5) فسمع: سمع C
(6)- الا:- B، ان C
(7) كفيت: كنت C
(8) احراسها: اخراسها B
(9)- العضباء: العضاء A، الغصبان B، الصهباء C
(10) وادى: اوادى A دورى C
(11) فاحرقه: فاحرقها CBA
(12)- جاهل جاهلا CBA
(13) مشاركا: مشركا B
(14)- امسى: امتى B
(15)- اخبار: اخياره B
(16)- الاسلمى: السلمى A
(17)- ظبى: طبن C
(18) فصاده: فصاره B فصاعده C
(19) فحمل: محمد B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:202(1/266)
عليه أهبان فانتزعه «1» منه فأقعى الذّئب بعيدا منه على ذنبه، ثم قال: ما لى و لك تسلب منّى رزقا رزقنيه اللّه ليس من مالك؟ فتحيّر أهبان لذلك و قال «2»: يا عجبى ذئب يتكلّم! فقال الذئب «3»: أعجب من كلامى رسول اللّه «4» بين هذه النّخلات يحدّث النّاس بأخبار ما سبق و أنباء ما يكون، يدعو إلى «5» عبادة الرّحمن و تأبون إلّا عبادة الأوثان. فأتى أهبان رسول اللّه (ص) و آمن به؛ و له حديث. و ولده يسمّون «6» الى يومنا هذا بنو مكلّم الذئب. و له فى ذلك شعر «7» يقول فيه:
رعيت الضأن أحميها بكلبى من اللّص الخفىّ و كلّ ذيب
فلمّا أن سمعت الذّئب نادى «8» يبشّرنى بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمّرت ثوبى عن السّاقين فى الوفد «9» الرّكيب
فالفيت «10» النبىّ يقول قولا صدوقا ليس بالهزل الكذوب
و هى قصيدة. و منه أنّ بعيرا للوليد بن مغيرة المخزومىّ «11» تكلّم فى اليوم الذى «12» ولد فيه رسول اللّه (ص) و قال: هذا أحمد قد «13» ولد، أفلح منكم من تبعه و خسر من ولىّ عنه. فأقبل الوليد و هو يقول: يا آل قريش أدركوا، فانّ بعيرى «14» قد سحر «15». فاجتمعت «16» قريش و البعير يقول ذلك، و الوليد يقول: سحر بعيرى و ربّ الكعبة. فقال فى ذلك بعض قريش:
ألا يا لقوم «17» هل رأيتم بهيمة تكلّم فى النادى «18» بأنباء ما مضى
__________________________________________________
(1)- فانتزعه: قال تنزعه B
(2)- و قال: فقال B
(3) الذئب: الذى A
(4)- الله: من الله-- CA
(5)- الى: الله B
(6)- يسمون: يسمعون B
(7)- شعر:- B
(8)- من اللص ... نادى:- B
(9)- الوفد: الوافل B
(10)- فالفيت: فاليت B
(11)- المخزومى: الخزومى A
(12)- الذى:- B
(13) قد:- A
(14)- بعيرى: و رب الكعبة فقال A
(15) سحر: سخر B
(16) فاجتمعت: فاجمعت B
(17)- يالقوم: بالقوم BA
(18) النادى: النارى B، البارى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:203(1/267)
و تخبر عن علم بما هو كائن فهذا بعير للوليد قد انبرى «1»
ينادى بأعلى الصّوت و النّاس حوله ألا ضلّت «2» الأصنام و اللّات و العزى
و هذا أوان الهاشمىّ محمّد يدين بدين اللّه و الحقّ قد بدى «3»
و منها حديث هشام بن سعيد: كان خرج إلى الشام، فاقتنص «4» فى طريقه «5» ظيبة فى اليوم الذى ولد «6» فيه رسول اللّه (ص) فلما صارت فى يديه «7» و قبض عليها «8»، تكلّمت و قالت: ولد أحمد بن عبد الله سيد المرسلين ففزع هشام و ارتعشت يداه «9» و ذهبت الظّبية. فلما قدم الشام دخل على قيصر و أخبره «10» بذلك «11»؛ فبعث إلى الرّهبان و جمعهم و أخبرهم بذلك، فقالوا: رأينا الصّوامع فى هذه اللّيلة «12» قد أضاءت نورا «13» و مالت حتى ظننّا أنّها سقطت، و رأينا قناديل الكنائس كلّها منكوسة «14». فحفظوا ذلك اليوم، فاذا هو اليوم الذى ولد فيه رسول اللّه (ص).
و مثل هذا من كلام «15» البهائم و الطير و غير ذلك أخبار كثيرة تركنا التّطويل بها مثل البعير الذى جاء إلى رسول اللّه (ص) فاستناخ «16» ورغا، فدعا رسول اللّه (ص) أصحابه «17» و عرّفهم ما شكاه «18» منهم.
و مثله حديث العجل الذى لبنى غفار، أرادوا أن يذبحوه فنطق و قال:
__________________________________________________
(1)- انبرى: انتهى C
(2)- ضلت: ضللت B
(3)- قدبدى: قدرى B
(4)- فاقتص فاقتض B
(5) طريقه: الطريق به B
(6) ولد:- A
(7)- فى يديه: بيديه C
(8) عليها:- B
(9)- يداه: يديه B
(10) اخبره: اخبرهم B
(11) بذلك ... اخبرهم:- B
(12)- فى هذه الليلة:- C
(13) نورا: فى هذه الليلة C
(14)- منكوسة: منكوس B
(15)- كلام- الكلام BA
(16)- فاستناخ: فاناخ B
(17) اصحابه: و اصحابه B
(18) شكاه: شكا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:204
يا بنى غفار امن نجيح ينجح «1»، صائح بمكة يصيح أن لا اله الا اللّه. فوفد بنو غفار «2» على رسول اللّه (ص) و آمنوا به.(1/268)
و مثله حديث الجمل الذى نحر بمكّة فتكلّم بعد ما نحر؛ فأقبل الجزار الى نادى قريش فقال: هلّموا «3» فاسمعوا العجب! نحرت جزورا لى و هو يتكلّم! فأقبلوا إليه فاذا هو يقول: ولد احمد، نحرت قريش كما نحرت.
فانصرفوا فاذا عبد المطّلب يحمل محمدا الى هبل و قد ذكرنا حديثه.
و مثله حديث أتان حليمة ظئر «4» رسول اللّه (ص) كانت تسبق الرّكب و كانت قبل ذلك لا تنبعث هزلا و ضرا. و قالوا «5» لها إن لأتانك شأنا. فنطقت و قالت: أعظم شأن «6»، حملت سيد الاولين و الآخرين.
و مثله حديث الطّير الذى أخذت فراخه فجاء يرفرف على رسول اللّه (ص) فقال: إن هذا الطّير يزعم أنّ فراخه أخذت فاطلبوها! فوجدت عند رجل فسيّبوها. و مثلها أخبار كثيرة، و لكل «7» خبر من هذه و غيرها حديث طويل، تركنا تطويل الخطاب «8» بها؛ و هذا وجه من اعلامه.
(3) و وجه آخر من اعلامه و هى امور كانت منه (ص): من ذلك أنّه لمّا خرج مهاجرا «9» إلى المدينة مستخفيا من قريش و مضى إلى الغار جعلت قريش لمن يدلّ عليه مائة ناقة فخرج سراقة بن جعشم «10» المدلجى على فرس
__________________________________________________
(1)- امن نجيح ينجح: امر بخيتخ يحح CBA
(2)- بنو غفار: بنى غفار B
(3)- هلموا: هملوا B
(4)- ظئر: طير B
(5)- و قالوا: فقالوا C
(6)- شان: شانا B
(7)- لكل: كل C
(8)- الخطاب: الخطب-- CB
(9)- مهاجرا: منها اجر B
(10)- جعشم: جشعم C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:205
له فى طلبه، رغبة فيما بذلته «1» قريش. فلحق رسول اللّه (ص) فى طريقه فلما رآه (ص) قال: اللهم امنعه عنّا «2»، فعثربه «3» فرسه و ساخت قوائمه فى الارض فناداه سراقة و قال «4»: يا محمّد دعنى و خلّ عنّى «5» فو اللّه لا يأتيك عنّى «6» ما تكرهه! فقال «7» (ص) «اللّهم إن كان صادقا فأنجه» فخرجت قوائم فرسه و انصرف إلى مكّة و أخبرهم بشأنه فخاف أبو جهل أن يكون قد أسلم سراقة، فقال(1/269)
بنى مدلج إنّى إخال «8» سفيهكم سراقة مستغو لامر محمد
و هى قصيدة مشهورة لابى جهل، فاجابه سراقة «9»:
أبا حكم و اللّات لو كنت شاهدا لامر جوادى إذ تسوخ «10» قوائمه
شهدت و لم تشكك بأنّ محمدا نبى ببرهان فمن ذا يكاتمه «11»
و هى قصيدة له. و قيل فى ذلك شعر «12» كثير من ذلك قول ابى بكر:
إن تخسف الارض بالأحوى و فارسه فانظر الى أربع فى الارض غوار
فهيل لمّا رأى ارساغ «13» معرفة «14» قد سخن فى الارض لم تحفر بمحفار
و من ذلك حديث الشجرة التى دعاها «15» فاقبلت اليه تخّد الارض؛ و
__________________________________________________
(1)- بذلته: بذله B
(2)- عنا: عنى C
(3) فعثربه: فضربه A
(4)- و قال:- CB
(5) عنى: عينى B
(6) عنى:- A
(7)- فقال: ابو جهل A، شعر B
(8)- اخال: اخاف-- CA
(9)- سراقة: شعر-- CB
(10)- تسوخ: تسوح B
(11)- يكاتمه: بكالمة B
(12)- شعر:- A
(13)- ارساغ: ارساع B، ازج C
(14) معرفة: مقرفه A
(15)- دعاها: دعا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:206
حديثها: أنّ ركانة «1» بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب «2» بن عبد مناف، و كان من أشدّ الناس بطشا و أقواهم قوة، قد اعترفت له بذلك قريش كلّها، تلقّاه رسول اللّه (ص) فى بعض شعاب مكّة، فقال له: «ألست تزعم أنّك أشدّ العرب بطشا و أقواهم قوّة، قد اعترف «3» «4» لك بذلك؟»
قال: نعم!
قال: «أرأيتك إن صارعتك فصرعتك «5»، تؤمن «6» بى، و أنّ ما أتيت به حقّ؟»
قال: نعم!
فصارعه فصرعه رسول اللّه (ص) «7» و أضجعه حتى لا يملك من نفسه شيئا، فعاد أيضا فصرعه و فعل «8» به مثل ذلك، حتى فعل به ذلك ثلاث مرّات، فقال:
إنّ هذا و اللّه لعجب يا محمّد أن تصرعنى و أنا أشدّ قريش بطشا!
فقال له رسول اللّه (ص): «إن شئت أريتك «9» ما هو أعجب من هذا إن اتّبعت أمرى!»
قال: و ما هو؟
قال: «أدعو هذه الشّجرة فتأتينى»(1/270)
قال: فافعل! فدعاها، فأقبلت تخّد «10» الأرض حتى وقعت بين يديه، ثم قال لها: «ارجعى إلى مكانك!» فرجعت إلى مكانها «11». فجاء ركانة «12» إلى نادى قريش و قال: يا آل «13» قريش! ساحروا «14» بصاحبكم أهل الأرض! فما فى الأرض «15»
__________________________________________________
(1)- ركانة: دكانة A، لكانه B
(2) ابن عبد المطلب:- A
(3)- اعترفت: اعترف CBA
(4) اعترف: اعترفت C
(5)- فصرعتك:-- B
(6) تومن: فتومن CB
(7)- رسول اللّه (ص):- A
(8)- و فعل: و فعل A
(9)- أريتك: ان رايتك B، أرايتك C
(10)- تخذ: تخلد B
(11)- مكانها: مكان-- CB
(12) ركانة: ركانها B
(13) يا آل: يال B
(14) ساحروا: ساخروا B
(15) فما فى الارض B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:207
أسحر منه! ثم أخبرهم بالذى رأى منه و انتشر ذلك «1» فى قريش و لم يزالوا يتحدّثون به، و أخذه الخلف عن كفّار قريش.
فهذا وجه من أعلامه، و من هذا النوع أحباره كثيرة، مثل خروجه على قريش لمّا اجتمعوا فى دار النّدوة و تشاوروا «2» فى أمره فاتّفقوا على أن يجتمع عليه من كل «3» قبيلة قوم فيقتلوه و يطّل «4» دمه، فلا يقدر بنو هاشم على قريش كلّها «5» فى الطّلب بدمه؛ فاجتمعوا على باب داره ليدخلوا عليه، فخرج عليهم و وضع التّراب «6» على رؤوسهم و مضى و هم «7» لا يرونه.
و من ذلك حين رماهم يوم بدر بكفّ من حصىّ «8» و قال: شاهت الوجوه، فهزمهم اللّه، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فى ذلك: «وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى »، و ممّا يشاكل هذه، أعلام كثيرة
((1/271)
4) و وجه آخر منها: أمور غائبة عنه كان يخبر بها «9» فيظهر «10» صدقه فيها، من ذلك حديث النّجاشى حين مات بأرض الحبشة، و قد كان أجاب الى الاسلام، فقال (ص) لأصحابه «11»: «إنّ أخاكم النّجاشىّ قد مات بأرض الحبشة فاخرجوا نصلّى عليه». فخرج بأصحابه إلى البقيع، فصفّهم خلفه و صلّى عليه. فحفظوا ذلك اليوم، ثم ورد الخبر أنّه مات فى ذلك اليوم.
و مثله خبر كسرى لمّا كتب إلى «12» باذان و هو عامله على اليمن أن ابعث «13» إلى هذا الرّجل الذى خرج بالحجاز رجلين من عندك «14» يأتيانى به، فبعث باذان قهرمانة و رجلا آخر معه فى ذلك؛ فلمّا قدما عليه (ص) قال لهما: «إنّ
__________________________________________________
(1)- ذلك: و ذلك B
(2)- تشاوروا: شاوروا C
(3)- كل: كله B
(4) يطل: بطل B
(5) كلها: كانها A،- B
(6)- التراب:- A
(7) هم: هو A
(8)- حصى: حصاة C
(9)- يخبر بها: يخبرها-- CB
(10) فيظهر: يتطهر B
(11)- لاصحابه:- C
(12)- الى: الا C
(13) ان ابعث: انا بعث B
(14)- عندك: عنده C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:208
اللّه قد أوحى إلىّ أنّ شيرويه «1» وثب «2» على أبيه كسرى فقتله فى شهر كذا «3» من ليلة كذا». فانصرفا إلى باذان فأخبراه بذلك. فقال باذان ننتظر به، فان صح ما قال فهو نبىّ، و إن يك «4» غير ذلك رأينا رأينا فيه. فلم يلبث باذان أن ورد عليه كتاب شيرويه بقتله أباه «5». فأسلم باذان و أسلم من كان معه من أصحابه.
و مثله حديث خالد بن الوليد لمّا وجهه النّبىّ (ص) إلى أكيدر دومة الجندل، و كان ملكا عليها و كان نصرانيّا؛ فقال لخالد: «انك تجده يصيد «6» البقر، و يظفرك اللّه به.» فمضى خالد، فلما قرب من قصره و هو مع حرمه فى قصره، و جاءت بقر و حكّت بقرونها باب قصره، فخرج مع نفر من أصحابه يتبع البقر ليصيدها؛ فاوقع به خالد و أخذه و قتل أخاه «7» حسّان. فقال فى ذلك بجير «8» بن بجرة «9» الطّائى:(1/272)
تبارك سائق البقرات إنى رأيت اللّه يهدى كل هاد
و هى قصيدة.
و مثله حديث صرد بن عبد اللّه الأزدى بعثه رسول الله (ص) و أمره أن يجاهد بمن معه من قبائل اليمن. فمضى و نزل بجرش «10» و هى «11» يومئذ مدينة «12» مغلقة. فخرجوا إليه «13» و التقوا بجبل يقال له «14» كشر «15». و كان قد أحضر عند رسول اللّه (ص) رجلان من جرش «16» و فدا «17» لهم فبينا هما عنده «18» عشيّة بعد العصر، قال «19» (ص): أىّ «20» بلادكم شكر؟» فقالا يا رسول اللّه! ببلادنا «21» جبل يقال له كشر.
__________________________________________________
(1)- شيروية: شيرية B
(2) وثب و تب B
(3) كذا: من كذا A، هذا B
(4)- يك: يكن A
(5)- اباء: اياه BA
(6)- يصيد: بصيد B
(7)- اخاه: اخا A
(8)- بجير: بحير CBA
(9) بجرة: جرة A
(10)- بجرش: بجبرش B
(11) هى: هو C
(12) مدينة:- C
(13) اليه: به C
(14)- له: له
(16) فاجتمعت: فاجمعت B
(17)- يالقوم: بالقوم BA
(18) النادى: النارى B، البارى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:203
و تخبر عن علم بما هو كائن فهذا بعير للوليد قد انبرى «1»
ينادى بأعلى الصّوت و النّاس حوله ألا ضلّت «2» الأصنام و اللّات و العزى
و هذا أوان الهاشمىّ محمّد يدين بدين اللّه و الحقّ قد بدى «3»
و منها حديث هشام بن سعيد: كان خرج إلى الشام، فاقتنص «4» فى طريقه «5» ظيبة فى اليوم الذى ولد «6» فيه رسول اللّه (ص) فلما صارت فى يديه «7» و قبض عليها «8»، تكلّمت و قالت: ولد أحمد بن عبد الله سيد المرسلين ففزع هشام و ارتعشت يداه «9» و ذهبت الظّبية. فلما قدم الشام دخل على قيصر و أخبره «10» بذلك «11»؛ فبعث إلى الرّهبان و جمعهم و أخبرهم بذلك، فقالوا: رأينا الصّوامع فى هذه اللّيلة «12» قد أضاءت نورا «13» و مالت حتى ظننّا أنّها سقطت، و رأينا قناديل الكنائس كلّها منكوسة «14». فحفظوا ذلك اليوم، فاذا هو اليوم الذى ولد فيه رسول اللّه (ص).(1/273)
و مثل هذا من كلام «15» البهائم و الطير و غير ذلك أخبار كثيرة تركنا التّطويل بها مثل البعير الذى جاء إلى رسول اللّه (ص) فاستناخ «16» ورغا، فدعا رسول اللّه (ص) أصحابه «17» و عرّفهم ما شكاه «18» منهم.
و مثله حديث العجل الذى لبنى غفار، أرادوا أن يذبحوه فنطق و قال:
__________________________________________________
(1)- انبرى: انتهى C
(2)- ضلت: ضللت B
(3)- قدبدى: قدرى B
(4)- فاقتص فاقتض B
(5) طريقه: الطريق به B
(6) ولد:- A
(7)- فى يديه: بيديه C
(8) عليها:- B
(9)- يداه: يديه B
(10) اخبره: اخبرهم B
(11) بذلك ... اخبرهم:- B
(12)- فى هذه الليلة:- C
(13) نورا: فى هذه الليلة C
(14)- منكوسة: منكوس B
(15)- كلام- الكلام BA
(16)- فاستناخ: فاناخ B
(17) اصحابه: و اصحابه B
(18) شكاه: شكا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:204
يا بنى غفار امن نجيح ينجح «1»، صائح بمكة يصيح أن لا اله الا اللّه. فوفد بنو غفار «2» على رسول اللّه (ص) و آمنوا به.
و مثله حديث الجمل الذى نحر بمكّة فتكلّم بعد ما نحر؛ فأقبل الجزار الى نادى قريش فقال: هلّموا «3» فاسمعوا العجب! نحرت جزورا لى و هو يتكلّم! فأقبلوا إليه فاذا هو يقول: ولد احمد، نحرت قريش كما نحرت.
فانصرفوا فاذا عبد المطّلب يحمل محمدا الى هبل و قد ذكرنا حديثه.
و مثله حديث أتان حليمة ظئر «4» رسول اللّه (ص) كانت تسبق الرّكب و كانت قبل ذلك لا تنبعث هزلا و ضرا. و قالوا «5» لها إن لأتانك شأنا. فنطقت و قالت: أعظم شأن «6»، حملت سيد الاولين و الآخرين.
و مثله حديث الطّير الذى أخذت فراخه فجاء يرفرف على رسول اللّه (ص) فقال: إن هذا الطّير يزعم أنّ فراخه أخذت فاطلبوها! فوجدت عند رجل فسيّبوها. و مثلها أخبار كثيرة، و لكل «7» خبر من هذه و غيرها حديث طويل، تركنا تطويل الخطاب «8» بها؛ و هذا وجه من اعلامه.
((1/274)
3) و وجه آخر من اعلامه و هى امور كانت منه (ص): من ذلك أنّه لمّا خرج مهاجرا «9» إلى المدينة مستخفيا من قريش و مضى إلى الغار جعلت قريش لمن يدلّ عليه مائة ناقة فخرج سراقة بن جعشم «10» المدلجى على فرس
__________________________________________________
(1)- امن نجيح ينجح: امر بخيتخ يحح CBA
(2)- بنو غفار: بنى غفار B
(3)- هلموا: هملوا B
(4)- ظئر: طير B
(5)- و قالوا: فقالوا C
(6)- شان: شانا B
(7)- لكل: كل C
(8)- الخطاب: الخطب-- CB
(9)- مهاجرا: منها اجر B
(10)- جعشم: جشعم C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:205
له فى طلبه، رغبة فيما بذلته «1» قريش. فلحق رسول اللّه (ص) فى طريقه فلما رآه (ص) قال: اللهم امنعه عنّا «2»، فعثربه «3» فرسه و ساخت قوائمه فى الارض فناداه سراقة و قال «4»: يا محمّد دعنى و خلّ عنّى «5» فو اللّه لا يأتيك عنّى «6» ما تكرهه! فقال «7» (ص) «اللّهم إن كان صادقا فأنجه» فخرجت قوائم فرسه و انصرف إلى مكّة و أخبرهم بشأنه فخاف أبو جهل أن يكون قد أسلم سراقة، فقال
بنى مدلج إنّى إخال «8» سفيهكم سراقة مستغو لامر محمد
و هى قصيدة مشهورة لابى جهل، فاجابه سراقة «9»:
أبا حكم و اللّات لو كنت شاهدا لامر جوادى إذ تسوخ «10» قوائمه
شهدت و لم تشكك بأنّ محمدا نبى ببرهان فمن ذا يكاتمه «11»
و هى قصيدة له. و قيل فى ذلك شعر «12» كثير من ذلك قول ابى بكر:
إن تخسف الارض بالأحوى و فارسه فانظر الى أربع فى الارض غوار
فهيل لمّا رأى ارساغ «13» معرفة «14» قد سخن فى الارض لم تحفر بمحفار
و من ذلك حديث الشجرة التى دعاها «15» فاقبلت اليه تخّد الارض؛ و
__________________________________________________
(1)- بذلته: بذله B
(2)- عنا: عنى C
(3) فعثربه: فضربه A
(4)- و قال:- CB
(5) عنى: عينى B
(6) عنى:- A
(7)- فقال: ابو جهل A، شعر B
(8)- اخال: اخاف-- CA
(9)- سراقة: شعر-- CB
(10)- تسوخ: تسوح B
(11)- يكاتمه: بكالمة B
((1/275)
12)- شعر:- A
(13)- ارساغ: ارساع B، ازج C
(14) معرفة: مقرفه A
(15)- دعاها: دعا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:206
حديثها: أنّ ركانة «1» بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب «2» بن عبد مناف، و كان من أشدّ الناس بطشا و أقواهم قوة، قد اعترفت له بذلك قريش كلّها، تلقّاه رسول اللّه (ص) فى بعض شعاب مكّة، فقال له: «ألست تزعم أنّك أشدّ العرب بطشا و أقواهم قوّة، قد اعترف «3» «4» لك بذلك؟»
قال: نعم!
قال: «أرأيتك إن صارعتك فصرعتك «5»، تؤمن «6» بى، و أنّ ما أتيت به حقّ؟»
قال: نعم!
فصارعه فصرعه رسول اللّه (ص) «7» و أضجعه حتى لا يملك من نفسه شيئا، فعاد أيضا فصرعه و فعل «8» به مثل ذلك، حتى فعل به ذلك ثلاث مرّات، فقال:
إنّ هذا و اللّه لعجب يا محمّد أن تصرعنى و أنا أشدّ قريش بطشا!
فقال له رسول اللّه (ص): «إن شئت أريتك «9» ما هو أعجب من هذا إن اتّبعت أمرى!»
قال: و ما هو؟
قال: «أدعو هذه الشّجرة فتأتينى»
قال: فافعل! فدعاها، فأقبلت تخّد «10» الأرض حتى وقعت بين يديه، ثم قال لها: «ارجعى إلى مكانك!» فرجعت إلى مكانها «11». فجاء ركانة «12» إلى نادى قريش و قال: يا آل «13» قريش! ساحروا «14» بصاحبكم أهل الأرض! فما فى الأرض «15»
__________________________________________________
(1)- ركانة: دكانة A، لكانه B
(2) ابن عبد المطلب:- A
(3)- اعترفت: اعترف CBA
(4) اعترف: اعترفت C
(5)- فصرعتك:-- B
(6) تومن: فتومن CB
(7)- رسول اللّه (ص):- A
(8)- و فعل: و فعل A
(9)- أريتك: ان رايتك B، أرايتك C
(10)- تخذ: تخلد B
(11)- مكانها: مكان-- CB
(12) ركانة: ركانها B
(13) يا آل: يال B
(14) ساحروا: ساخروا B
(15) فما فى الارض B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:207
أسحر منه! ثم أخبرهم بالذى رأى منه و انتشر ذلك «1» فى قريش و لم يزالوا يتحدّثون به، و أخذه الخلف عن كفّار قريش.(1/276)
فهذا وجه من أعلامه، و من هذا النوع أحباره كثيرة، مثل خروجه على قريش لمّا اجتمعوا فى دار النّدوة و تشاوروا «2» فى أمره فاتّفقوا على أن يجتمع عليه من كل «3» قبيلة قوم فيقتلوه و يطّل «4» دمه، فلا يقدر بنو هاشم على قريش كلّها «5» فى الطّلب بدمه؛ فاجتمعوا على باب داره ليدخلوا عليه، فخرج عليهم و وضع التّراب «6» على رؤوسهم و مضى و هم «7» لا يرونه.
و من ذلك حين رماهم يوم بدر بكفّ من حصىّ «8» و قال: شاهت الوجوه، فهزمهم اللّه، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فى ذلك: «وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى »، و ممّا يشاكل هذه، أعلام كثيرة
(4) و وجه آخر منها: أمور غائبة عنه كان يخبر بها «9» فيظهر «10» صدقه فيها، من ذلك حديث النّجاشى حين مات بأرض الحبشة، و قد كان أجاب الى الاسلام، فقال (ص) لأصحابه «11»: «إنّ أخاكم النّجاشىّ قد مات بأرض الحبشة فاخرجوا نصلّى عليه». فخرج بأصحابه إلى البقيع، فصفّهم خلفه و صلّى عليه. فحفظوا ذلك اليوم، ثم ورد الخبر أنّه مات فى ذلك اليوم.
و مثله خبر كسرى لمّا كتب إلى «12» باذان و هو عامله على اليمن أن ابعث «13» إلى هذا الرّجل الذى خرج بالحجاز رجلين من عندك «14» يأتيانى به، فبعث باذان قهرمانة و رجلا آخر معه فى ذلك؛ فلمّا قدما عليه (ص) قال لهما: «إنّ
__________________________________________________
(1)- ذلك: و ذلك B
(2)- تشاوروا: شاوروا C
(3)- كل: كله B
(4) يطل: بطل B
(5) كلها: كانها A،- B
(6)- التراب:- A
(7) هم: هو A
(8)- حصى: حصاة C
(9)- يخبر بها: يخبرها-- CB
(10) فيظهر: يتطهر B
(11)- لاصحابه:- C
(12)- الى: الا C
(13) ان ابعث: انا بعث B
(14)- عندك: عنده C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:208(1/277)
اللّه قد أوحى إلىّ أنّ شيرويه «1» وثب «2» على أبيه كسرى فقتله فى شهر كذا «3» من ليلة كذا». فانصرفا إلى باذان فأخبراه بذلك. فقال باذان ننتظر به، فان صح ما قال فهو نبىّ، و إن يك «4» غير ذلك رأينا رأينا فيه. فلم يلبث باذان أن ورد عليه كتاب شيرويه بقتله أباه «5». فأسلم باذان و أسلم من كان معه من أصحابه.
و مثله حديث خالد بن الوليد لمّا وجهه النّبىّ (ص) إلى أكيدر دومة الجندل، و كان ملكا عليها و كان نصرانيّا؛ فقال لخالد: «انك تجده يصيد «6» البقر، و يظفرك اللّه به.» فمضى خالد، فلما قرب من قصره و هو مع حرمه فى قصره، و جاءت بقر و حكّت بقرونها باب قصره، فخرج مع نفر من أصحابه يتبع البقر ليصيدها؛ فاوقع به خالد و أخذه و قتل أخاه «7» حسّان. فقال فى ذلك بجير «8» بن بجرة «9» الطّائى:
تبارك سائق البقرات إنى رأيت اللّه يهدى كل هاد
و هى قصيدة.
و مثله حديث صرد بن عبد اللّه الأزدى بعثه رسول الله (ص) و أمره أن يجاهد بمن معه من قبائل اليمن. فمضى و نزل بجرش «10» و هى «11» يومئذ مدينة «12» مغلقة. فخرجوا إليه «13» و التقوا بجبل يقال له «14» كشر «15». و كان قد أحضر عند رسول اللّه (ص) رجلان من جرش «16» و فدا «17» لهم فبينا هما عنده «18» عشيّة بعد العصر، قال «19» (ص): أىّ «20» بلادكم شكر؟» فقالا يا رسول اللّه! ببلادنا «21» جبل يقال له كشر.
__________________________________________________
(1)- شيروية: شيرية B
(2) وثب و تب B
(3) كذا: من كذا A، هذا B
(4)- يك: يكن A
(5)- اباء: اياه BA
(6)- يصيد: بصيد B
(7)- اخاه: اخا A
(8)- بجير: بحير CBA
(9) بجرة: جرة A
(10)- بجرش: بجبرش B
(11) هى: هو C
(12) مدينة:- C
(13) اليه: به C
(14)- له: لها B
(15) كشر: كثر A
(16)- جرش: جوش B
(17) وفدا: و قال B
(18) عنده: عنه B
(19) قال: فقال B
(20)- اى: الى B
(21) ببلادنا: بلادنا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:209(1/278)
فقال: «ليس بكشر «1» و لكنه شكر، و إن البدن تنحر فيه الآن «2»». فقال أبو بكر للرجلين «3»: و يحكما! إنّ رسول اللّه (ص) ينعى «4» إليكما قومكما، فاسألاه أن يدعو اللّه ليرفع «5» عن قومكما. فسألاه، فقال: «اللّهم ارفع «6» عنهم». فرجعا إلى قومهما «7» و قد أصيبوا فى ذلك اليوم و فى تلك السّاعة.
(5) و وجه آخر و هو قريب من هذا الباب، حديث العباس بن عبد المطلب حين أسر، فقال النبى (ص) له «8»: افد نفسك و ابنى أخيك «9» عقيلا و نوفل بن الحارث «10» بن عبد المطّلب و حليفك «11» عتبة بن عمرو بن جحدم «12» فانك ذومال «13»».
فقال: يا رسول اللّه «14»، ليس لى مال. قال: «فأين المال الذى دفعته «15» الى أمّ الفضل و قلت لها إن أصبت «16» فى سفرى هذا فللفضل كذا و لعبد «17» اللّه كذا و لقثم «18» كذا و لعبيد اللّه «19» كذا؟» و ذكر له «20» مقدار ما سماه لكلّ واحد منهم. فقال له العباس: و ربّ الكعبة ما علم هذا أحد غيرى و غيرها، و إنّى «21» لأعلم أنك رسول اللّه. ففدى نفسه و ابنى أخويه و حليفه.
و مثل ذلك حديث ناقته التى ضلّت فخرج قوم فى طلبها «22»، و كان زيد بن اللّصيت «23» منافقا «24»، و كان فى رحل «25» عمارة بن حزم و كان عمارة عقبيّا «26» بدريّا، و كان عمارة جالسا عند رسول اللّه (ص)، فقال (ص): إنّ رجلا
__________________________________________________
(1)- بكشر: بكثر B
(2) الآن: الا ان B
(3)- للرجلين:- A
(4) ينعى: ينغى A، يبغى B
(5)- ليرفع: يرفع B، لترفع C
(6) ارفع:- A
(7)- قومهما. قوقمها A
(8)- له:- B
(9) اخويك: اخيك B
(10) الحارث: الحرث CBA
(11)- حليفك: خليفك A
(12) جحده: محدم B
(13) مال: مالك A
(14)- الله:- B
(15) دفعته: رفعنه B
(16)- اصبت: احبت A
(17) لعبد، للعبد C
(18) لقثم لهاشم B، لقسعم A، لسقم C
(19) لعبيد الله:- C
(20)- له:--- CA
(21)- انى: اى A
(22)- طلبها: طبقها A
((1/279)
23) اللصيت: اللصت CA، اللتصتعينا B
(24) منافقا: فقال B
(25) رحل: رجل B
(26) عقبيا: عقيبا
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:210
من المنافقين قد قال «1» إنّ محمّدا يزعم أنّه نبّى و أنّه يخبر بأخبار السّماء، و هو لا يدرى ناقته أنّى ... (فقال (ص)): «و اللّه ما اعلم إلّا «2» ما علمنى اللّه، و قد دلّنى عليها، هى فى وادى كذا من شعب كذا، قد حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا فوجد و ها هناك. فرجع «3» عمارة إلى أهله فحدّثهم بذلك، فقال «4» أهله: زيد بن اللصيت هو و اللّه قال «5» هذا القول. فأقبل عمارة يجا فى عنقه و قال: و اللّه إنّ فى رحلى «6» منافقا «7» داهية، و اللّه لا يصحبنى أبدا. فأخرجه من رحله.
(6) و من هذا الوجه أخبار كثيرة، منها أمور كان «8» يخبر أن تكون بعده فكانت كما قال. من ذلك: قوله (ص) فى كسرى و قيصر لما بعث حذّافة بن قيس السّهمى بكتابه الى كسرى فلمّا وصل إليه و قرأ كتابه، شقّه و قال:
يكتب «9» إلىّ بمثل هذا و هو لى عبد؟ و أمر أن يعطى حذّافة بن قيس «10» كفّا من تراب. فقال رسول اللّه (ص): «مزّق «11» ملكه و ملّكنى من أرضه!» فكان كما قال. و كتب إلى قيصر مع دحية «12» بن خليفة الكلبى، فأخذ كتابه و وضعه بين فخذه و خاصرته، فقال رسول اللّه (ص)، «ثبّت ملكه!» فكان كما قال.
و منها قوله لعلىّ- كرّم اللّه وجهه-: «إنّك تقاتل «13» النّاكثين و المارقين و القاسطين» فقاتل بعده هذه الفرق «14» الثّلاثة. و قوله فى غزوة العشيرة، حين نظر إليه و هو نائم مع عمّار، و قد أصابه من دقعاء «15» التراب، فوقف
__________________________________________________
(1)- قال:- A
(2)- الا: لا B، لولا C
(3)- فرجع: فرح B
(4)- اهله ... فقال:- B
(5)- و الله قال: و الله قال B
(6)- رحلى: رجلى A
(7) منافقا: منافق CBA
(8)- كان: كانت-- CA
(9)- يكتب: تكتب C
(10) حذافة بن قيس: حذافه قيس B
(11)- مزق: مرق A
((1/280)
12)- دحية: ذبيبة A، ديبه B، دنية C
(13)- تقاتل: تقال B
(14)- الفرق: الفرقة B
(15)- دقعاء: دفع B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:211
عليهما و ايقظهما برجله و جعل «2» ينفض التّراب «1» عن رأس علىّ كرّم اللّه وجهه؛ و يقول له: «يا أبا تراب! ألا أخبرك «3» بأشقى النّاس؟».
قال: بلى يا رسول اللّه!
قال: «رجلان، أحيمر ثمود «4» عاقر النّاقة، و الآخر الذى يضربك على هذه- و وضع يده على هامته- حتى «5» تبتلّ منها هذه، و اخذ بلحيته.»
فكان على كرّم اللّه وجهه «6» يقول فى أوقات ملاله «7» أشياء كان يراها من أصحابه، فيضيق «8» صدره، منها: ما يمنع أشقاها أن يخضب «9» هذه من هذه. و مرض مرضا شديدا، فقال له أهله: إنّا نخاف عليك. فقال: أنا و اللّه ما أخاف على نفسى من مرضى هذا؛ فقد أعلمنى رسول اللّه (ص) أنّه يقتلنى أشقى هذه الأمّة.
و مثل هذا حديث عمّار عند حفر الخندق و نظره إليه و قد أثقلوه بحمل «10» التّراب. فقال: يا رسول اللّه «11» يقتلوننى «12» يحملون «13» علىّ ما لا أطيق. فنفض التّراب عن رأسه و وفرته بيده و قال «14» «15»: «ويح أبن سميّة! ليسوا بالذين «16» يقتلونك، إنّما تقتلك الفئة الباغية» فاستشهد بصفين و هو مع على كرّم اللّه وجهه «17». و قالوا لعمرو ألست «18» حدّثتنا أن رسول اللّه (ص) قال لعمار «19»: تقتلك الفئة الباغية «20»؟ فلام معاوية عمروا على ذلك. فقال عمرو: حدّثت «21» النّاس بهذا
__________________________________________________
(1) فوقف ... التراب:- B
(2)- جعل: جعله A
(3)- اخبرك: اخبركم B
(4)- احيمر ثمود: ثمود A، ثمود احيم B
(5)- حتى:- C
(6)- كرم اللّه وجهه:- A
(7) ملاله: بلاله من B
(8)- فيضيق: فيضيف A
(9) ان يخضب: يجضب B
(10)- بحمل: يحمل B
(11) اللّه:- B
(12) يقتلوننى: يقتلونى CBA
(13) يحملون: يحلون A
(14)- بيده و قال:- A
(15) قال: قا B
(16) بالذين: بالذى B
(17)- كرم اللّه وجهه:- A
((1/281)
18)- اليست: اليست C
(19) لعمار: لعمان B
(20)- الباغية: و الباغية C
(21) حدثت: حديث C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:212
قبل أن يكون صفين، و أنا لا أعلم بأنّ صفين يكون.
و من ذلك حديث أبى ذر فانّه لمّا خرج إلى تبوك تخلّف عنه قوم.
فقيل له تخلّف فلان و فلان. فقال: دعوهم فان يكن فيهم خير يلحقهم «1» الله بكم. و أبطأ «2» بأبى ذر «3» بعيره، فتخلّف؛ ثم أخذ متاعه على ظهره و لحقه. فقيل:
يا رسول اللّه «4» قد أقبل رجل. فقال: «اللّهم اجعله اباذر» فلمادنا، قال: «يرحم اللّه أباذر يمشى وحده و يموت وحده و يدفن وحده». فتوفّى بالرّبذة و لم يكن معه غير امرأته و غلامه، فوضعوه «5» على الطّريق؛ فأقبل رهط من العراق مارا «6» و فيهم ابن مسعود. فقال الغلام: هذا أبو ذر أعينونا «7» على دفنه. فجعل ابن «8» مسعود يبكى و يقول: صدق رسول اللّه (ص) حيث قال: تمشى «9» وحدك و تموت وحدك و تدفن وحدك. و من قوله (ص) لفاطمة (ع): «انت أول أهلى لحوقا بى «10»» فكان كما قال.
(7) فهذا وجه آخر من أعلامه. و مثلها أخبار كثيرة تشاكلها منها:
أخبار جاءت فى وقت الطّعام و الشّراب الذى كثّره اللّه و بارك فيه، حتى أكل منه و شرب قوم كثير، فشبعوا و رووا. من ذلك: حديث علىّ كرّم اللّه وجهه، قال: لما أنزلت «و أنذر «11» عشيرتك الأقربين» قال لى رسول اللّه (ص):
«اصنع لى صاعا «12» من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسّا «13» من لبن.»
ففعلت. فاجتمع بنو عبد المطلب و هم يومئذ أربعون يزيدون «14» رجلا أو ينقصون «15». ثم دعا بالطّعام فتناول جذبة «16» من اللّحم فشقّها ثم ألقاها فى
__________________________________________________
(1)- يلحقهم: يحقهم B
(2) ابطأ: ابطى C
(3) بابى اذر: ابى ذر C
(4) بابى ذر ... يا رسول اللّه:- A
(5)- فوضعوه:- B
(6)- مارا:- A- A، امارا C
(7) اعينونا: اعينونى A
(8) ابن: بن B
(9)- تمشى: يمشى B
(10)- لحوقابى: الحق B
((1/282)
11)- و انذر: فانذر C
(12)- صاعا: صناعا B
(13) عسا: لنا B
(14)- يزيدون: يزيد A
(15)- او ينقصون: و ينقصون-- CB
(16) جذبة: حذبة A، خذية B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:213
نواحى الصّحفة، قال: «خذوا بسم اللّه!» فأكلوا حتى ما «1» لهم بشى ء من حاجة، ثم قال: «اسق القوم» فجئتهم بالعسّ «2» فشربوا حتى رووا منه. و أيم اللّه إنّ الرّجل منهم ليأكل ما قدمت و يشرب مثل ذلك العسّ. فلمّا أراد (ص) أن يتكلّم بدره «3» أبو لهب فقال «4»: سحرنا محمد! فتفرّق القوم و لم يكلّمهم.
ثم قال: «من الغديا علىّ، إنّ هذا سبقنى إلى القول «5» فتفرّق القوم، فاتّخذ لنا من الطّعام مثل ما صنعته.» ففعلت ثم اجتمعوا، ففعل مثل ما فعل بالأمس؛ فأكلوا «6» و شربوا حتى شبعوا و رووا ثم تكلّم (ص)، فقال: «انّ اللّه أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين» الحديث المشهور.
و مثل ذلك «7» حديث جابر بن عبد الله الجعفى أيّام الخندق، قال: ذبحت شاة غير جدّ «8» سمينة «9» و أمرت «10» بها فطبخت و صنع خبز من شعير، و قلت لرسول الله (ص): أحبّ أن تنصرف معى إلى منزلى. قال: نعم، و أمر صارخا فنادى فى الخندق: انصرفوا مع رسول اللّه (ص) إلى منزل جابر. فقلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فأقبل (ص) و أقبل النّاس، و قعد (ص) يأكل و يوردها النّاس كلما «11» فرغ قوم جاء قوم، حتى صدر عنها أهل الخندق و قد «12» شبعوا و هم ثلاثة الف «13» رجل.
و مثل ذلك حديث ابنة «14» أخت عبد اللّه بن رواحة، كانت قد حملت تمرا الى خالها و هو «15» يعمل فى الخندق، فقال لها رسول اللّه (ص): «هاتيه يا بنيّة» فاخذه و هو مل ء «16» كفيه، فدعا بثوب و بسطه «17» ثم دحى بالتّمر عليه، فسدد
__________________________________________________
(1)- ما:- B
(2)- العس: العسر B
(3)- بدره: بدأه A
(4) فقال: لهذا ما-- CB
(5)- القول: القوم B
(6)- فاكلوا: فكلوا B
(7)- ذلك:- A
(8)- جد: حد A، عذ B
(9) سمينة: سمية B
((1/283)
10) و امرت: فامرت A
(11)- كلما: كلها B
(12) و قد: قد BA
(13)- آلاف: الف CBA
(14)- ابنه: ابتت A،- B
(15)- هو: هى C
(16)- مل ء: ملى ء A، ملاء-- CB
(17) بسطه: بسط B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:214
فوق الثوب، ثم أمر أن يصرخ فى أهل الخندق و هم ثلاثة ألف، يجئى «1» نفر و ينصرف آخرون، حتى صدروا عنه و بقيت على الثوب بقية. فهذا فى باب الطعام، و مثله أخبار غيرها.
و شبه هذا فعل «2» المسيح (ع) كما هو مكتوب فى الانجيل، ان المسيح لما سمع بقتل يوحنا الصابغ «3»، انتقل الى القفر «4» و معه جمع من المدائن، فرحمهم و أبرأ مرضاهم. فلمّا كان العشاء قال له «5» تلاميذه: المكان قفر و قد حان أن يسرح النّاس فيذهبوا و يشتروا طعامهم. فقال: أطعموهم أنتم ما تاكلون.
قالوا: ليس ما B
(15) كشر: كثر A
(16)- جرش: جوش B
(17) وفدا: و قال B
(18) عنده: عنه B
(19) قال: فقال B
(20)- اى: الى B
(21) ببلادنا: بلادنا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:209
فقال: «ليس بكشر «1» و لكنه شكر، و إن البدن تنحر فيه الآن «2»». فقال أبو بكر للرجلين «3»: و يحكما! إنّ رسول اللّه (ص) ينعى «4» إليكما قومكما، فاسألاه أن يدعو اللّه ليرفع «5» عن قومكما. فسألاه، فقال: «اللّهم ارفع «6» عنهم». فرجعا إلى قومهما «7» و قد أصيبوا فى ذلك اليوم و فى تلك السّاعة.
(5) و وجه آخر و هو قريب من هذا الباب، حديث العباس بن عبد المطلب حين أسر، فقال النبى (ص) له «8»: افد نفسك و ابنى أخيك «9» عقيلا و نوفل بن الحارث «10» بن عبد المطّلب و حليفك «11» عتبة بن عمرو بن جحدم «12» فانك ذومال «13»».(1/284)
فقال: يا رسول اللّه «14»، ليس لى مال. قال: «فأين المال الذى دفعته «15» الى أمّ الفضل و قلت لها إن أصبت «16» فى سفرى هذا فللفضل كذا و لعبد «17» اللّه كذا و لقثم «18» كذا و لعبيد اللّه «19» كذا؟» و ذكر له «20» مقدار ما سماه لكلّ واحد منهم. فقال له العباس: و ربّ الكعبة ما علم هذا أحد غيرى و غيرها، و إنّى «21» لأعلم أنك رسول اللّه. ففدى نفسه و ابنى أخويه و حليفه.
و مثل ذلك حديث ناقته التى ضلّت فخرج قوم فى طلبها «22»، و كان زيد بن اللّصيت «23» منافقا «24»، و كان فى رحل «25» عمارة بن حزم و كان عمارة عقبيّا «26» بدريّا، و كان عمارة جالسا عند رسول اللّه (ص)، فقال (ص): إنّ رجلا
__________________________________________________
(1)- بكشر: بكثر B
(2) الآن: الا ان B
(3)- للرجلين:- A
(4) ينعى: ينغى A، يبغى B
(5)- ليرفع: يرفع B، لترفع C
(6) ارفع:- A
(7)- قومهما. قوقمها A
(8)- له:- B
(9) اخويك: اخيك B
(10) الحارث: الحرث CBA
(11)- حليفك: خليفك A
(12) جحده: محدم B
(13) مال: مالك A
(14)- الله:- B
(15) دفعته: رفعنه B
(16)- اصبت: احبت A
(17) لعبد، للعبد C
(18) لقثم لهاشم B، لقسعم A، لسقم C
(19) لعبيد الله:- C
(20)- له:--- CA
(21)- انى: اى A
(22)- طلبها: طبقها A
(23) اللصيت: اللصت CA، اللتصتعينا B
(24) منافقا: فقال B
(25) رحل: رجل B
(26) عقبيا: عقيبا
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:210(1/285)
من المنافقين قد قال «1» إنّ محمّدا يزعم أنّه نبّى و أنّه يخبر بأخبار السّماء، و هو لا يدرى ناقته أنّى ... (فقال (ص)): «و اللّه ما اعلم إلّا «2» ما علمنى اللّه، و قد دلّنى عليها، هى فى وادى كذا من شعب كذا، قد حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا فوجد و ها هناك. فرجع «3» عمارة إلى أهله فحدّثهم بذلك، فقال «4» أهله: زيد بن اللصيت هو و اللّه قال «5» هذا القول. فأقبل عمارة يجا فى عنقه و قال: و اللّه إنّ فى رحلى «6» منافقا «7» داهية، و اللّه لا يصحبنى أبدا. فأخرجه من رحله.
(6) و من هذا الوجه أخبار كثيرة، منها أمور كان «8» يخبر أن تكون بعده فكانت كما قال. من ذلك: قوله (ص) فى كسرى و قيصر لما بعث حذّافة بن قيس السّهمى بكتابه الى كسرى فلمّا وصل إليه و قرأ كتابه، شقّه و قال:
يكتب «9» إلىّ بمثل هذا و هو لى عبد؟ و أمر أن يعطى حذّافة بن قيس «10» كفّا من تراب. فقال رسول اللّه (ص): «مزّق «11» ملكه و ملّكنى من أرضه!» فكان كما قال. و كتب إلى قيصر مع دحية «12» بن خليفة الكلبى، فأخذ كتابه و وضعه بين فخذه و خاصرته، فقال رسول اللّه (ص)، «ثبّت ملكه!» فكان كما قال.
و منها قوله لعلىّ- كرّم اللّه وجهه-: «إنّك تقاتل «13» النّاكثين و المارقين و القاسطين» فقاتل بعده هذه الفرق «14» الثّلاثة. و قوله فى غزوة العشيرة، حين نظر إليه و هو نائم مع عمّار، و قد أصابه من دقعاء «15» التراب، فوقف
__________________________________________________
(1)- قال:- A
(2)- الا: لا B، لولا C
(3)- فرجع: فرح B
(4)- اهله ... فقال:- B
(5)- و الله قال: و الله قال B
(6)- رحلى: رجلى A
(7) منافقا: منافق CBA
(8)- كان: كانت-- CA
(9)- يكتب: تكتب C
(10) حذافة بن قيس: حذافه قيس B
(11)- مزق: مرق A
(12)- دحية: ذبيبة A، ديبه B، دنية C
(13)- تقاتل: تقال B
(14)- الفرق: الفرقة B
(15)- دقعاء: دفع B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:211(1/286)
عليهما و ايقظهما برجله و جعل «2» ينفض التّراب «1» عن رأس علىّ كرّم اللّه وجهه؛ و يقول له: «يا أبا تراب! ألا أخبرك «3» بأشقى النّاس؟».
قال: بلى يا رسول اللّه!
قال: «رجلان، أحيمر ثمود «4» عاقر النّاقة، و الآخر الذى يضربك على هذه- و وضع يده على هامته- حتى «5» تبتلّ منها هذه، و اخذ بلحيته.»
فكان على كرّم اللّه وجهه «6» يقول فى أوقات ملاله «7» أشياء كان يراها من أصحابه، فيضيق «8» صدره، منها: ما يمنع أشقاها أن يخضب «9» هذه من هذه. و مرض مرضا شديدا، فقال له أهله: إنّا نخاف عليك. فقال: أنا و اللّه ما أخاف على نفسى من مرضى هذا؛ فقد أعلمنى رسول اللّه (ص) أنّه يقتلنى أشقى هذه الأمّة.
و مثل هذا حديث عمّار عند حفر الخندق و نظره إليه و قد أثقلوه بحمل «10» التّراب. فقال: يا رسول اللّه «11» يقتلوننى «12» يحملون «13» علىّ ما لا أطيق. فنفض التّراب عن رأسه و وفرته بيده و قال «14» «15»: «ويح أبن سميّة! ليسوا بالذين «16» يقتلونك، إنّما تقتلك الفئة الباغية» فاستشهد بصفين و هو مع على كرّم اللّه وجهه «17». و قالوا لعمرو ألست «18» حدّثتنا أن رسول اللّه (ص) قال لعمار «19»: تقتلك الفئة الباغية «20»؟ فلام معاوية عمروا على ذلك. فقال عمرو: حدّثت «21» النّاس بهذا
__________________________________________________
(1) فوقف ... التراب:- B
(2)- جعل: جعله A
(3)- اخبرك: اخبركم B
(4)- احيمر ثمود: ثمود A، ثمود احيم B
(5)- حتى:- C
(6)- كرم اللّه وجهه:- A
(7) ملاله: بلاله من B
(8)- فيضيق: فيضيف A
(9) ان يخضب: يجضب B
(10)- بحمل: يحمل B
(11) اللّه:- B
(12) يقتلوننى: يقتلونى CBA
(13) يحملون: يحلون A
(14)- بيده و قال:- A
(15) قال: قا B
(16) بالذين: بالذى B
(17)- كرم اللّه وجهه:- A
(18)- اليست: اليست C
(19) لعمار: لعمان B
(20)- الباغية: و الباغية C
(21) حدثت: حديث C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:212(1/287)
قبل أن يكون صفين، و أنا لا أعلم بأنّ صفين يكون.
و من ذلك حديث أبى ذر فانّه لمّا خرج إلى تبوك تخلّف عنه قوم.
فقيل له تخلّف فلان و فلان. فقال: دعوهم فان يكن فيهم خير يلحقهم «1» الله بكم. و أبطأ «2» بأبى ذر «3» بعيره، فتخلّف؛ ثم أخذ متاعه على ظهره و لحقه. فقيل:
يا رسول اللّه «4» قد أقبل رجل. فقال: «اللّهم اجعله اباذر» فلمادنا، قال: «يرحم اللّه أباذر يمشى وحده و يموت وحده و يدفن وحده». فتوفّى بالرّبذة و لم يكن معه غير امرأته و غلامه، فوضعوه «5» على الطّريق؛ فأقبل رهط من العراق مارا «6» و فيهم ابن مسعود. فقال الغلام: هذا أبو ذر أعينونا «7» على دفنه. فجعل ابن «8» مسعود يبكى و يقول: صدق رسول اللّه (ص) حيث قال: تمشى «9» وحدك و تموت وحدك و تدفن وحدك. و من قوله (ص) لفاطمة (ع): «انت أول أهلى لحوقا بى «10»» فكان كما قال.
(7) فهذا وجه آخر من أعلامه. و مثلها أخبار كثيرة تشاكلها منها:
أخبار جاءت فى وقت الطّعام و الشّراب الذى كثّره اللّه و بارك فيه، حتى أكل منه و شرب قوم كثير، فشبعوا و رووا. من ذلك: حديث علىّ كرّم اللّه وجهه، قال: لما أنزلت «و أنذر «11» عشيرتك الأقربين» قال لى رسول اللّه (ص):
«اصنع لى صاعا «12» من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسّا «13» من لبن.»
ففعلت. فاجتمع بنو عبد المطلب و هم يومئذ أربعون يزيدون «14» رجلا أو ينقصون «15». ثم دعا بالطّعام فتناول جذبة «16» من اللّحم فشقّها ثم ألقاها فى
__________________________________________________
(1)- يلحقهم: يحقهم B
(2) ابطأ: ابطى C
(3) بابى اذر: ابى ذر C
(4) بابى ذر ... يا رسول اللّه:- A
(5)- فوضعوه:- B
(6)- مارا:- A- A، امارا C
(7) اعينونا: اعينونى A
(8) ابن: بن B
(9)- تمشى: يمشى B
(10)- لحوقابى: الحق B
(11)- و انذر: فانذر C
(12)- صاعا: صناعا B
(13) عسا: لنا B
(14)- يزيدون: يزيد A
(15)- او ينقصون: و ينقصون-- CB
((1/288)
16) جذبة: حذبة A، خذية B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:213
نواحى الصّحفة، قال: «خذوا بسم اللّه!» فأكلوا حتى ما «1» لهم بشى ء من حاجة، ثم قال: «اسق القوم» فجئتهم بالعسّ «2» فشربوا حتى رووا منه. و أيم اللّه إنّ الرّجل منهم ليأكل ما قدمت و يشرب مثل ذلك العسّ. فلمّا أراد (ص) أن يتكلّم بدره «3» أبو لهب فقال «4»: سحرنا محمد! فتفرّق القوم و لم يكلّمهم.
ثم قال: «من الغديا علىّ، إنّ هذا سبقنى إلى القول «5» فتفرّق القوم، فاتّخذ لنا من الطّعام مثل ما صنعته.» ففعلت ثم اجتمعوا، ففعل مثل ما فعل بالأمس؛ فأكلوا «6» و شربوا حتى شبعوا و رووا ثم تكلّم (ص)، فقال: «انّ اللّه أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين» الحديث المشهور.
و مثل ذلك «7» حديث جابر بن عبد الله الجعفى أيّام الخندق، قال: ذبحت شاة غير جدّ «8» سمينة «9» و أمرت «10» بها فطبخت و صنع خبز من شعير، و قلت لرسول الله (ص): أحبّ أن تنصرف معى إلى منزلى. قال: نعم، و أمر صارخا فنادى فى الخندق: انصرفوا مع رسول اللّه (ص) إلى منزل جابر. فقلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فأقبل (ص) و أقبل النّاس، و قعد (ص) يأكل و يوردها النّاس كلما «11» فرغ قوم جاء قوم، حتى صدر عنها أهل الخندق و قد «12» شبعوا و هم ثلاثة الف «13» رجل.
و مثل ذلك حديث ابنة «14» أخت عبد اللّه بن رواحة، كانت قد حملت تمرا الى خالها و هو «15» يعمل فى الخندق، فقال لها رسول اللّه (ص): «هاتيه يا بنيّة» فاخذه و هو مل ء «16» كفيه، فدعا بثوب و بسطه «17» ثم دحى بالتّمر عليه، فسدد
__________________________________________________
(1)- ما:- B
(2)- العس: العسر B
(3)- بدره: بدأه A
(4) فقال: لهذا ما-- CB
(5)- القول: القوم B
(6)- فاكلوا: فكلوا B
(7)- ذلك:- A
(8)- جد: حد A، عذ B
(9) سمينة: سمية B
(10) و امرت: فامرت A
(11)- كلما: كلها B
(12) و قد: قد BA
(13)- آلاف: الف CBA
(14)- ابنه: ابتت A،- B
((1/289)
15)- هو: هى C
(16)- مل ء: ملى ء A، ملاء-- CB
(17) بسطه: بسط B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:214
فوق الثوب، ثم أمر أن يصرخ فى أهل الخندق و هم ثلاثة ألف، يجئى «1» نفر و ينصرف آخرون، حتى صدروا عنه و بقيت على الثوب بقية. فهذا فى باب الطعام، و مثله أخبار غيرها.
و شبه هذا فعل «2» المسيح (ع) كما هو مكتوب فى الانجيل، ان المسيح لما سمع بقتل يوحنا الصابغ «3»، انتقل الى القفر «4» و معه جمع من المدائن، فرحمهم و أبرأ مرضاهم. فلمّا كان العشاء قال له «5» تلاميذه: المكان قفر و قد حان أن يسرح النّاس فيذهبوا و يشتروا طعامهم. فقال: أطعموهم أنتم ما تاكلون.
قالوا: ليس معنا الا خمسة ارغفة و سمكتين! قال: ائتونى بها و أمر الناس ان يتّكئوا «6» رفاقا و أخذ الخبز و السمكتين «7»، فبارك «8» عليه و كسره و فرقه، فاكل جميعهم و شبعوا و اخذوا فضلة الكسر «9» اثنتى عشرة «10» قفّة «11» و كان الذين اكلوا خمسة ألف «12» رجل سوى النّساء «13» و الصبّيان. فهذا شبيه بما فعل النبّى (ص) فى هذا الباب.
و أما «14» فى باب الماء، فانّه لما خرج فى غزوة الحديبية نزل «15» ثنيّة المرار «16»، فقيل يا رسول اللّه: ما بالوادى ماء. فنزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه البراء بن عازب، فنزل فى قليب من تلك القلب، فغرزه فى جوف القليب، فجاش القليب بالرّواء «17» حتى ضرب النّاس عليه العطن و نزل فى القليب ناجية بن جندب يميح «18» على الناس و هو يقول:
__________________________________________________
(1)- يجيئى: مجئى B
(2)- فعل: الفعل B
(3)- الصابغ: الضانع B
(4) القفر: الفقر B
(5)- له:- B
(6)- يتكئوا: رلوا A، يبكوا-- CB
(7) السمكتين: السمكين C
(8) فبارك: فبرك C
(9)- الكسر: الكسرة B
(10) اثنى عشرة: اثنى عشر CBA
(11) قفة: محضا CBA
(12)- آلاف: الف CBA
(13) النساء: النسوان C
(14)- و اما: فاما B
(15) نزل:- A
(16) المرار: المران CBA
((1/290)
17) بالرواء: بالرواض A
(18)- يميح: يمتح BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:215
قد علمت جارية يمانية «1» أنّى أنا المائح «2» و اسمى ناجية
ببلغة ذات رشاش واهية
و مثل ذلك لمّا كان بتبوك، أصاب المسلمين العطش حتى كادوا أن يهلكوا، فأمر (ص) أن يطلبوا الماء فى الرّحال فاتى بأدواة «3» و أمر فصبّبت فى إناء و وضع يده فيها. قال أنس بن مالك «4»: فرأينا الماء تخلّل من بين أصابعه كأنّها عيون؛ ففاضت، فروى، حتى روى «5» منها العسكر مع إبلهم و خيلهم.
و لمّا انصرف من تبوك و بلغ وادى المشّقق «6» قال (ص) «من سبقنا الى الماء فلا يستقينّ «7»» فلما أتاه وقف عليه فلم ير شيئا فقال: «من سبق إلى الماء؟» فقالوا فلان و فلان. فقال: «أولم أنههم أن يستقوا «8»؟» فلعنهم و دعا عليهم، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل، ثم مسحه بيده، فانخرق الماء حتى سمعوا له حسّا شديدا، فشرب النّاس و استقوا حاجتهم، فقال (ص) «لتسمعن بهذا «9» الوادى و هو أخصب ما بين يديه و ما خلفه.» فخصب ذلك الوادى بعد ذلك «10» كما قال.
و مثل هذا فعل موسى (ع) كما هو مكتوب فى التّوراة أنّ بنى إسرائيل لمّا نزلوا بريّة سيناء و لم يقدروا «11» على ماء يشربون وضج الشعب إلى موسى و هارون؛ فكلّم الربّ موسى، فقال له، خذ قضيبا و اجمع الجماعة أنت و هارون و تكلّم على الصخرة باسمى يجرى «12» ماؤها؛ فأخرج لهم الماء من
__________________________________________________
(1)- يمانية: ثمانية B
(2) المائح: الماتح B
(3)- بأداوة: باداة A
(4) انس بن مالك: انس مالك B
(5)- حتى روى:- C
(6)- المشفق: المشفق-- CA
(7)- يستقين: يستقنى A، يستقى B
(8)- يستقوا: يسبقوا A
(9)- بهذا: هذا C
(10)- بعد ذلك:- C
(11)- لم يقدروا: لم يقدرون C
(12)- يجرى: مجرى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:216(1/291)
الصّخرة فشرب منه الجماعة كلها و مواشيها «1». فهذا فى التوارة و تصديقه فى القرآن؛ قال الله عزّ و جلّ: «وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ». فهذا شبيه بما فعله محمد (ص) فى هذا الباب.
(8) و وجه آخر من أعلامه و هو دعاؤه على قوم «2» فاستجاب اللّه له فيهم. من ذلك دعاؤه عليه السّلام على مضرحين آذوه و كذّبوه، فقال: اللّهم اشدد و طأتك على مضر، ابعث عليهم سنين كسنين يوسف؛ فاحتبس عنهم القطر و قحطوا حتى جفّ الشّجر و النّبات و هلك الخفّ «3» و الظلف «4» و أكلوا العهن «5» و اشتووا القدّ.
و من ذلك دعاؤه على عامر بن الطّفيل «6» و أربد بن قيس، كانا و فدا إليه عن بنى عامر فطلبا منه شرائط و لم «7» يجبهما الى ذلك. فقال عامر بن الطفيل:
و اللّه لأملانّها عليك خيلا و رجلا، فدعا عليهما حين وليّا عنه و قال: «اللّهم اكفنى عامرا و أهد «8» بنى عامر «9».» فلمّا كان ببعض الطّريق أرسل اللّه على عامر بن الطّفيل الطّاعون فمات فى بيت امرأة من بنى سلول «10» و هو يقول: أغدّة كغدّة البعير و موت فى بيت سلولية؟! و أرسل اللّه على أربد «11» بن قيس صاعقة فأحرقته و فيه يقول لبيد بن ربيعة و كان أخاه لأمّه.
أخشى على أربد الحتوف و لا أرهب «12» نوء «13» السّماك و الأسد
فجّعنى «14» الرّعد و الصّواعق بال فارس يوم الكريهة النّجد
__________________________________________________
(1)- مواشيها: مواشيهم-- CB
(2)- قوم: قومه C
(3)- الخف: الخلف B
(4) الظلف: انطلق A
(5) العهن: العلبز A، العلهن B، العلهز C
(6)- الطفيل: طفيل A
(7)- لم: لما A
(8)- اهد: اهلا B
(9) بنى عامر: بنى عامرا A
(10)- سلول: شلول C
(11)- اربد: زيد C
(12)- ارهب: ارهبه C
(13) نوء: بنوء B، بنور C
(14)- فجعنى: ففجعنى C(1/292)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:217
فهلكا فى طريقهما و جاءت بنو عامر فأسلمت.
و من ذلك أنّه بعث نفرا من أصحابه إلى إضم و فيهم محلّم بن جثّامة، فمرّ عليهم فى طريقهم عامر بن الأضبط «4» الأشجعى فسلم «1» عليهم، فأمسكوا عن أذاه «2»، فقام إليه محلّم بن جثّامة «3»، فقتله لأمر كان بينهما و أخذ بعيره و متاعه فلما انصرفوا أخبروا به رسول اللّه (ص) فرفع يديه و قال: «اللّهم لا تغفر لمحلّم بن جثّامة!» فما لبث إلّا قليلا حتى مات فدفنوه، فلفظته الأرض، ثم أعادوه، فلفظته الأرض، حتى فعلوا ذلك ثلاث مرّات ثم واروه «5» بالحجارة. فقال (ص): «إنّ الأرض لتنطوى على من «6» هو شرّ «7» منه و لكن اللّه عزّ و جلّ أراد أن يعظكم به.»
و من ذلك دعاؤه على المستهزئين، و هم نفر من قريش كانوا يؤذونه و يستهزءون به و بالقرآن، و هم لهب بن أبى لهب و الأسود بن عبد يغوث و الوليد بن المغيرة و الأسود بن المطلب و العاص بن وائل «8» السّهمى و الحارث «9» بن الطّلاطلة، كانوا يجتمعون «10» فيستهزؤن «11». فأوحى اللّه إليه أن سلنى «12» فيهم؛ فوقف حتى مرّ عليه لهب بن أبى لهب، فقال: «اللّهم سلّط عليه كلبا من كلابك»؛ فأكله الأسد. و مرّ عليه الوليد بن المغيرة «13»، و فى رجله جرح، فأومى (ص) إلى رجله، فانتقض جرحه حتى قتله. و مرّ عليه الأسود بن عبد يغوث فأومى إلى بطنه و دعا عليه، فسقى و مات. و مرّ عليه الأسود بن المطّلب فرماه بورقة فى وجهه و قال: «اللّهم اعم بصره و أثكله ولده» ففعل اللّه ذلك به. و مر عليه العاص بن وائل السّهمى فأشار إلى رجله «14» و دعا عليه، فدخلت الشّوكة
__________________________________________________
(1)- فسلم: فمر A
(2) أذاه: اذاها B
(3)- جثامه: حتامه CBA
(4) الاضبط: الاضبع C
(5)- واروه بالحجارة:- C
(6) بالحجارة ... على من:- B
(7) شر: اشر C
(8)- وائل: الوائل A
(9) الحارث: الحرث-- CB
(10) يجتمعون: مجتمعون B
((1/293)
11) فيستهزؤن:- B
(12)- سلنى: تسألنى: A، سلمنى B
(13)- المغيرة: مغيرة. BA
(14)- رجله: رجليه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:218
فى أخمصها فقتلته. و مرّ عليه الحارث «1» بن الطّلاطلة، فأومى إليه و دعا عليه، فجعل يتقيّأقيحا حتّى هلك؛ فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ».
(9) و وجه آخر «2» من أعلامه أمور «3» نطق بها القرآن قبل أن حدثت، ثم حدثت «4» و صحّت و ظهر صدق ما أنزل اللّه على لسانه (ص). فمنها ما صحّت فى حياته و منها ما صحّت بعد وفاته، من ذلك فتح مكّة، و صلح حديبيّة؛ و قد كان اللّه عزّ و جلّ بشّر بأن يفتح عليه مكّة حتى «5» يدخل هو و أصحابه و المسلمون مكّة آمنين محلّقين رؤوسهم و مقصّرين حاجيّن «6» و معتمرين لا يخافون، فقال جلّ ذكره: «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً». فسهّل اللّه له «7» صلح الحديبية، و فتح له بعد ذلك مكة و أنجز وعده فلمّا فتحها دخل الكعبة و أخذ بعضادتى الباب و أمر بالصّور الّتى كانت فى الكعبة فطلست و بالأصنام فكسرت. و قال: «الحمد للّه وحده «8»، أنجز «9» وعده و نصر عبده و هزم الأخراب وحده».
فان قال قائل «10»: فلم استثنى فى هذه الآية حين قال: «لتدخلّن المسجد الحرام ان شاء اللّه آمنين» فان الاستثناء فى أشياء يقع فيها الشّك؛ فقد احتجّ الملحدون بذلك، قلنا: لم يشك «11» فى أنّ اللّه ينجز له ما وعده و لم يكن استثناؤه لذلك و لكنّه عزّ و جلّ كان أدّبه أن لا يقول لشى ء إنّه يفعله «12» حتّى يستثنى فيه.
__________________________________________________
(1)- الحارث: الحرث-- CB
((1/294)
2)- آخر:- B
(3) امور: امر B
(4) ثم حدثت:- B
(5)- حتى: حين C
(6)- حاجين: حاجبين A
(7)- له: لم B
(8)- وحده:- C
(9) انجز: و انجز B
(10)- قائل: قال A
(11)- لم يشك: لمن يشك C
(12)- يفعله: يقوله B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:219
و ذلك إن المشركين كانوا سألوه عن قصّة أصحاب الكهف فقال: أخبركم به غدا، و لم يستثن، فانقطع «1» عنه الوحى أربعين يوما حتى قال المشركون:
قد قلاه صاحبه و ودّعه «2»، يعنون به «3» جبرئيل عليه السلام. فأنزل اللّه عزّ و جلّ بعد ذلك: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ «4» وَ ما قَلى »، و أنزل عليه سورة الكهف و قصّ عليه نبأ الفتية، ثم قال له بعد تمام القصة: «وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» فأدّبه بذلك فكان لا يقول بعد ذلك لشى ء أن يكون الّا و يستثنى فيه. و نزلت سورة الكهف قبل الهجرة بمكة و نزلت سورة الفتح بعد الهجرة بالمدينة؛ فلذلك «5» استثنى. و كان نزل أيضا فى فتح مكة: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» فوعده عزّ و جلّ أن يردّه إلى مكّة عودا بعد بدء «6» و يفتحها عليه؛ و نزل به القرآن، فأنجز الله وعده. فهذا ما كان فى حياته.
و من ذلك أنّ فارس غلبت الرّوم على مملكة الجزيرة فسرّت قريش بذلك مخالفة «7» لرسول الله (ص) و حزن عليه السلام و أصحابه لميلهم الى الرّوم، لأنّ هرقل قبل «8» كتاب رسول اللّه و كسرى مزّقه، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ» الى قوله: «وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ «9»» فجاءت الروم و غلبت فارس بعد سبع سنين، و حقق اللّه قوله، و سر المؤمنون «10» بذلك. فهذا ما نزل فى القرآن قبل أن كان ثم صح بعد ذلك و هذا فى حياته (ص).(1/295)
و من ذلك قوله «11» عزّ و جلّ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا
__________________________________________________
(1)- فانقطع: فانقع: B
(2)- ودعه: درعه B
(3) به:- B
(4)- ربك:- A
(5)- فلذلك: فان لك B
(6)- بدء: بداء BA
(7)- مخالفة: فخالفه B
(8)- قبل:- B
(9)- بنصر الله:- C
(10) المؤمنون: المؤمنين C
(11)- قوله: قول الله C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:220
الصّالحات ليستخلفنّهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبّدلنّهم من بعد خوفهم امنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا» فحقّق اللّه قوله فاستخلفهم فى حياته و أهلك أعداءهم و مكّن لهم فى دارهم فى حياته (ص) حتى عبدوا اللّه «1» و أقاموا شرائع الاسلام و أباد أهل الشّرك؛ هذا قبل أن مكّن أهل الاسلام فى الأرض و فتح عليهم هذه «2» الفتوح.(1/296)
و من ذلك ما وعده اللّه أن ينصره على قريش ببدر، و أنزل عليه فى قوله عزّ و جلّ: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ» و ذلك أنّ أبا جهل قال: نحن أكثر منه جمعا و عدّة و عتادا و أقوى قوّة؛ لأنّهم كانوا يزيدون على ألف فى خيل و سلاح و شوكة شديدة، و كان أصحاب رسول اللّه (ص) ثلاثمائة و ثلاثة «3» عشر رجلا «4» ليس معهم إلّا فرس المقداد «5» بن الأسود و فرس الزّبير بن العوّام، كانوا يركبون المطايا، و كانوا خرجوا يطلبون عير «6» قريش «7» و فيها الأموال؛ فاجتمعت قريش تنصر بعضها بعضا و كان أصحاب رسول اللّه (ص) يودّون أن يظفروا بالعير و يأخذوا «8» الأموال فلمّا فاتتهم العير و جاءت قريش بشوكتها هالهم ذلك فنزل جبرئيل (ع) بهذه الآية و أنزل أيضا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» فقال رسول اللّه (ص) لأصحابه إنّ اللّه قد بشّرنى أن ينصرنى عليهم و وعدنى «9» إحدى الطّائفتين، إمّا العير و إمّا الظّفر بقريش، و قد فاتت العير، و جاءكم جبرئيل (ع) بالنّصر و قد عرّفنى مصارع القوم. و وقف
__________________________________________________
(1)- و مكن ... اللّه:- B
(2)- هذه: هذا-- CB
(3)- ثلاثة: ثلاث B
(4) رجلا: رجل BA
(5) المقداد: مقداد BA
(6)- عير: غير B
(7) قريش:- B
(8)- ياخذوا: يأخذون B
(9)- و وعدنى: وعدنى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:221
((1/297)
ص) على مصارعهم و قال لأصحابه: هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان فعرفهم «1» مصارعهم رجلا رجلا. فأظفره اللّه عزّ و جلّ بهم و لم يخالف «2» أحد مصرعه، و حقّق قوله و صدق وعده؛ ثم نزلت: «وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ» فحقّق اللّه قوله و قطع دابرهم و قتل فرسانهم و صناديد هم و أسر رؤساءهم و عظماءهم «3»، و انتقم اللّه منهم «4» ببطشة و أنزل أيضا: «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ» و نزلت: «وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ» الى قوله: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» و ذلك أنّ كثيرا منهم كانوا يودّون أن يأخذوا الأموال التى فى العير بغير حرب، و كثير منهم رضوا بما اختار اللّه لهم، فنزلت «5» أيضا:
«إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ». فهذا نزل به القرآن قبل أن كان قوله «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ» و الآية تدلّ على «6» أنّها نزلت قبل هذه القصّة؛ لأنّ قوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ «7»» هذه السّين تكون للمستقبل لا للماضى، و كذلك السّين التى فى الآية فى قصّة الرّوم: «سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ» تدلّ على المستقبل «8»، و نزلت هذه الآيات بهذه الأنباء «9» قبل أن كانت، ثمّ كانت من بعد ذلك و صحّت. و هذا القرآن ينطق به، و هذه القصص لا شكّ فيها أنّها كانت، و هى شبه العيان و المشاهدة لا يدفعها الّا
__________________________________________________
(1)- فعرفهم: فهم B
((1/298)
2) يخالف: يخالفو B
(3)- و عظماءهم:- B
(4) منهم: و منهم B
(5)- فنزلت: و نزلت-- CA
(6)- على:- C
(7)- الجمع:- C
(8)- لا للماضى ... المستقبل:- B
(9)- بهذه الانباء:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:222
جاهل عديم العقل. و مثل من ينكر هذه القصص مثل شيخ كان يقول بالأرجاء و النّصب و كان جاهلا، قال لى يوما: ما رأيت أكذب «1» من الرّافضة، يزعمون أنّ طلحة و الزّبير أخرجا عائشة إلى البصرة، و أنّها ركبت الجمل و حاربت علىّ بن أبى طالب. قلت له: فما تقول فى هذا «2»؟ قال: هذا حديث وضعه الرافضة و هو كذب ليس له أصل. و كذلك من ينكر هذه القصص و يدفعها و يزعم أنّها لم تكن فقد ردّ العيان، و إن «4» أنكر الآيات التى هى فى القرآن فهو أيضا «5» ردّ «3» للعيان. و مثال «6» الملحد فى ردّ هذه الأعلام مثال هذا الشّيخ الذى قد ذكرناه فى رد ما هو مثل العيان و لامرية فيه؛ لأنّها أعلام نطق بها القرآن قبل أن كانت، ثم كانت بعد ذلك.
((1/299)
9) و وجه آخر من أعلامه ممّا جاءت فى القرآن، منها حديث الإسراء و البراق و المعراج و ما أراه اللّه عزّ و جلّ من ملكوت السّماوات و الأرض فى ليلة الاسرى. فلمّا أصبح حدّث به الناس. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» فقالت العرب ما سمعنا مثل هذا و كانوا يسألونه «7» عن صفة بيت المقدس فجعل يصفه لهم، ثم قال لهم: «إنّى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا و أنا متوّجه إلى المسجد الأقصى، فانفرها حسّ «8» الدّابة، فندّ لهم «9» بعير، فدللّتهم عليه». فلمّا «10» أقبلت مررت بعير بنى فلان فوجدت القوم نياما و لهم إناء فيه ماء قد غطّوه فكشفت غطاءه و شربت ما فيه و غطّيت عليه كما كان، و آية ذلك أن عيرهم الآن «11» يصوب «12» من البيضاء «13» ثنيّة «14» التنعيم «15»، يقدمها جمل
__________________________________________________
(1)- اكذب: الكذب B
(2)- هذا: قال فى هذا B
(3)- العيان ... فهو رد:- B
(4) و ان: ان C
(5)- ايضا:- A
(6) مثال: مثل C
(7)- يسألونه: يسألون C
(8)- حس: حسن-- CB
(9) فندلهم: فدلهم C
(10) فلما: فما-- CB
(11)- الآن: لان-- CB
(12) يصوب: يضرب-- CB
(13) البيضاء: البيض C
(14) ثنية: شبه C
(15) التنعيم: الشعيم-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:223
أورق «1» عليه غرارتان أحداهما سوداء و الأخرى برقاء. فابتدر القوم الثنيّة «2» فأول ما لقيهم الجمل كما وصفه و سألوهم عن الاناء فأخبروهم أنّهم «3» وضعوه مملوء و غطّوا عليه و أنّهم لما هبّوا وجدوه فارغا مغطا. و سألوا القوم الآخرين و هم بمكّة عن خبر البعير الذى ندلّهم «4» فقالوا: ندّلنا بعير، فسمعنا صوت «5» رجل يدعونا إليه فأخذناه. فهذه من دلالاته «6» التى نطق بها القرآن.(1/300)
و لما نزل «7» ذلك سمعه المشركون، و سمعوا هذه القصّة منه، و طالبوه بذلك؛ فكان حديثها ما ذكرناه «8» و القرآن ينطق بأنّ ذلك كان بمحضر منهم.
و من «9» ذلك حديث انشقاق القمر و ذلك أنّ أبا جهل قال لرسول اللّه (ص) أن كنت نبيّا فأت بآية كما آتت بها الرّسل لنؤمن لك، فأت بآية من السّماء لا من الأرض! فدعا (ص) ربّه فانشقّ القمر و النقى طرفاه على جبل «10» أبى قبيس. فقال أبو جهل: يا معشر قريش إنّ محمّدا قد سحر القمر فانظروا من «11» يقدم عليكم من النّواحى هل رأوا ما رأيتم؟ فكان من يقدم عليهم يحدثهم بانشقاق القمر. فقال أبو جهل. هذا سحر «12» ذاهب فى الدّنيا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» فهذا ما نطق به القرآن؛ و لو لم يكن ذلك لطالبوه و لقالوا أين هذا الذى تدّعى من انشقاق القمر و لكنهم شاهدوه و رأوه، و يصحّح «13» ذلك قوله: «وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»، فهذا يدل أنه قد كان و أنّهم قالوا إنّه سحر مستمر «14» لما رأوه
__________________________________________________
(1)- اورق: ورق B
(2) الثنية: اليه C
(3)- انهم: الهم B
(4)- ندلهم: يدلهم C
(5)- صوت: صورت B
(6) دلالاته: دلالة B، دلالته C
(7)- نزل: نزلت C
(8) ذكرناه: ذكرنا B
(9)- من: مثل B
(10)- جبل:- C
(11)- من: ما من B
(12)- سحر: و B
(13)- يصحح: يصح B
(14)- فهذا ... مستمر:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:224
منشقّا؛ و قالوا عند ذلك هو من السّحر، هذا سحر من سحره و حيلة من حيله. و هذه القصّة كانت بمكّة قبل الهجرة و أعداؤه متوافرون يتطلّبون «1» عليه العثرات.(1/301)
و هذه السّورة مكيّة و القرآن لا يقع فيه تغيير و تبديل و زيادة و نقصان و ليست سبيله سبيل الخبر الذى ادّعا الملحد أنّه نقله واحد و اثنان و ثلاثة، و أنّه يجوز عليه التّواطؤ؛ لأنّ الذى نزل به القرآن سمعه الكافرون كما سمعه المسلمون، و نطق بهذه القصص بمشهد من كفّار قريش و غيرهم من العرب و من أهل الكتاب، ثم ظهرت حقيقتها بعد نزول القرآن، و ظهر صدق محمّد (ص) فيها؛ ثم القرآن نقلته الأمّة بأسرها، و لم يقع فيه زيادة و نقصان.
فهذا أوكد من أن يقدر أحد على إنكاره إلّا أن يجحده على معرفة و يقين أو مكابرة أو يقول إنّه سحر و كهانة، كما قاله «2» من شاهد هذه الآيات، أو «3» يكون جاهلا أحمق مثل الشّيخ الذى ذكرنا قوله فى شأن عائشة و حديث الجمل؛ و إلّا فمن «4» يقدر أن ينكر حديث غلبة فارس على الجزيرة، ثم غلبة الرّوم بعد ذلك «5»، فيقول: إنّ هذا لم يكن أو ينكر حديث غزوة بدر أو يقدر أن يقول إنّ هذا الذى نطق به القرآن فى هذه القصص هو شى ء قد زيد فيه. و من ردّ هذا فقد ردّ العيان و نعوذ باللّه من الكفر و الطغيان.
__________________________________________________
(1)- يتطلبون: يطلبون B
(2)- قاله: قال C
(3) أو: و B
(4)- فمن: اين C
(5)- ذلك:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:225
الباب السّادس
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:227
فى شأن القرآن(1/302)
قد ذكرنا بعض دلائل محمّد (ص) كما اشترطنا دون ذكر الجميع لأنها كثيرة جدّا، و لم نشرح قصة كلّ دلائله و لا ذكرنا حديثها بكماله، بل اختصرنا و اقتصرنا على تلك «1» النّكت. و لسنا نحتج بها على الملحدين إذ كانت أمورا «2» قد مضت، و ان كان منها ما هو «3» شبه العيان على حسب ما قلنا من حديث «4» غلبة الرّوم و انشقاق القمر و غير ذلك، و منها ما تنطق به كتب الانبياء و هى فى يدى أهل الذّمة، و لكنّا نقول فى جواب قول الملحد فى شأن القرآن و ما طالب به محمد (ص) العرب أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عنه.
(1) فقال الملحد: إنكم تدّعونّ أن المعجزة قائمة موجودة و هى القرآن و تقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله. ثم قال: إن أردتم بمثله فى الوجوه «5» التى يتفاضل بها الكلام، فعلينا أن ناتيكم
__________________________________________________
(1)- تلك: ذلك-- CB
(2)- امورا: امور-- CB
(3) هو: هى-- CB
(4)- من حديث:- B
(5)- الوجوه: وجوه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:228
بألف مثله من كلام البلغاء و الفصحاء و السّجعاء و الشّعراء و ما «1» هو أطلق منه ألفاظا و أشدّ اختصارا فى المعانى و أبلغ أداء و عبارة و أشكل سجعا. فان لم ترضوا «2» بذلك، فانّا «3» نطالبكم بالمثل الذى تطالبون به. ثم قال على أثر هذا الكلام: قد و اللّه تعجّبنا من قولهم فى كلام هو «4» فى حكاية أساطير الاولين، مملّو «5» مع ذلك تناقضا من غير أن تكون فيه فائدة أو بيّنة على شى ء، ثم يقولون: فأتوا بمثل هذا؛ هذا قول الملحد،
و نحن نقول:(1/303)
انّ الملحد لم يخط «6» سنّة من تقدّمه من أهل الكفر و الضّلالة «7» حين قالوا: قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا، ان هذا الّا اساطير الاوّلين. فهكذا قال الملحد مثل قولهم حذو النّعل بالنّعل و القذّة بالقذّة؛ و لكنّه قال و لم يفعل و لا يقدر أمثاله من الملحدين أن يفعلوا. و ما مثله فى هذا القول الا كمن يقول: إنّى «8» أخلق مثل السّماوات و الارض ثم لا يقدر أن يخلق؛ و قوله جنون «9» يضحك منه، لأنّ السّماوات و الارض اللّه خلقها، و لا يقدر على مثل خلقها «10» غيره. و كذلك القرآن اللّه أنزله، و لا يقدر أن يأتى بمثله غيره «11».
و فيه من المعجز نحو ما فى خلق السّماوات و الارض و سوف نكشف «12» عن ذلك ان شاء اللّه تعالى.
__________________________________________________
(1)- و ما: ما C
(2)- ترضوا: يرضوا A
(3) فانا: فاما A
(4)- هو: و هو A
(5) مملو: مملوا CB، علوا A
(6)- يخط: يخطى C
(7) الضلالة: الضلال C
(8)- انى: اى A
(9)- جنون:- BA، ان يجب A، يجب ان B
(10)- خلقها: خلقهما B
(11) و لا يقدر ... غيره:- B
(12)- نكشف:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:229
((1/304)
2) ثم قال: و أيم اللّه لو وجب أن يكون كتاب حجّة، لكانت كتب أصول الهندسة و المجسطّى الذى «1» يؤدّى الى معرفة حركات الفلك و الكواكب و نحو كتب المنطق و كتب «2» الطّب التى فيها علوم مصلحة الأبدان، أولى بالحجّة ممّا لا يفيد نفعا و لا ضرّا و لا يكشف مستورا- يعنى به القرآن العظيم- و قال أيضا: من «3» ذا يعجز عن تأليف الخرافات بلا بيان و لا برهان الا دعاوى أنّ ذلك حجة، و هذا باب إذا دعا اليه الخصم سلّمناه و تركناه و ما قد حل به من سكرة «4» الغفلة «5» و الهوى، مع ما أنّا نأتيه بأفضل منه من الشّعر الجيّد و الخطب البليغة و الرّسائل البديعة، مما هو أفصح و أطلق و أسجع منه؛ و هذه «6» معانى تفاضل الكلام فى ذاته. فأما تفاضل الكلام على الكتاب فلامور كثيرة فيها «7» منافع كثيرة، و ليس فى القرآن شى ء من ذلك «8» الفضل، إنّما هو فى باب الكلام و القرآن خلو من هذه التى ذكرناها.
هذا قول «9» الملحد لعنه اللّه و احتجاجه و طعنه على القرآن الذى هو كتاب محمّد (ص) و معجزته و كلام اللّه عزّ و جلّ، و جهله بما فيه من «10» الأمور العظيمة التى «11»: «لو اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بمثله لعجزوا عنه وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً، كما قال اللّه عزّ و جلّ. و نحن
__________________________________________________
(1)- الذى: اللّه B
(2)- المنطق و الكتب:- A
(3)- من: و ما C
(4)- سكرة: سكر-- CB
(5) الغفلة: العقل C
(6)- هذه: هذا B
(7)- فيها: و ليس فى A
(8)- ذلك:- B
(9)- قول: فعل C
(10)- من: و من B
(11)- التى: الذى B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:230(1/305)
نكشف عن حقيقة ما فى القرآن من الأمور الجليلة «1» و المعجز العظيم ببرهان واضح، ليعلم من هو على مذهب الملحد، أنّه ليس فى العالم معجز أكثر منه و لا دلالة أكبر منه، و ليعرف الملحدون أنّ القرآن هو عظيم الشأن رفيع البنيان واضح البرهان، و أنّه نور ساطع لمن استضاء به، و دليل هاد لمن عرفه، و حجّة قاهرة لمن خاصم به، و علم زاهر «2» لمن و عاه «3»، و حكمة بالغة لمن نطق به، و حبل وثيق لمن تعلق به، و فوز و نجاة لمن آمن «4» به، و أنّ نفعه للانام أعظم، و مقداره أجلّ من أن يقاس بالمجسطىّ و كتب الهندسة و الطب و المنطق و النّجوم التى «5» ذكرها الملحد و جعلها نظائر للقرآن، بل فضّلها عليه لضعف عقله و عمى قلبه و قلة معرفته و لضلالته «6» و لغلبة هواه؛ و ندع «7» الاحتجاج على الملحد بالآيات «8» و المعجزات التى جاءت عن الأنبياء (ع) و عن محمّد (ص) على حسب ما اشترطناه «9»، الا بالقرآن العظيم، و لما فيه من الدّلائل الواضحة القائمة فى العالم، و إن جحدها الملحدون. فليس هم بألوم فى جحودهم الآيات التى مضت أيّامها من الذين شاهدوا تلك العجائب فردّوها. إنّما يلامون على ما بلوا به «10» من العمى و الضّلال و الانكار للمعجز العظيم الذى هو فى القرآن. لأنّه شاهد قائم فى العالم، و قبوله لمن عبر «11» ألزم منه لمن مضى، و الحجة عليهم أوكد لأنّ برهانه يزداد على مرّ الأيّام إيضاحا.
(3) فأمّا المعجزات التى قد مضت، فانّهم لا يلامون على دفعها، لأنّ الذين شاهدوها و رأوها بأبصارهم و سمعوها «12» بآذانهم و باشروها بأنفسهم،__________________________________________________
(1)- الجليلة: الجلية C
(2)- زاهر:- A
(3) وعاه: دعاه B
(4)- آمن: آمر A
(5)- التى: و التى A
(6)- لضلالته: ضلالته A، ضلالة C
(7)- ندع: نبتدع B
(8) بالآيات: و الآيات-- CA
(9)- اشترطناه: شرحناه B
(10)- به:- C
(11)- عبر: غير A، غبر-- CB
(12)- سمعوها: سمعوا A(1/306)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:231
دفعوها و كفروا بها و نسبوا الأنبياء (ع) إلى السّحر فيما ظهر لهم من بعد أن طالبوا بها الرّسل (ع)، فلمّا أتوا بها جحدوها و قالوا هذا سحر مبين، و هذا ساحر كذّاب. فمنهم من عاجلته نقمة ربّه، و منهم من أملى لهم ليزدادوا إثما و قد باء و اكلّهم خاسرين لدنياهم و أخراهم «1»؛ كما سأل أصحاب صالح (ع) أن يخرج لهم من الصّخرة ناقة تمخض؛ فخرجت، و نتجت سقيا «2»، كما حكى اللّه عزّ و جلّ عنهم فى قولهم لصالح:
«إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ.» ثم عقروها «وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ» و حديثها مشهور «3» عند أهل الملل و عند غيرهم، لأنّ العرب من أهل الجاهلية كانوا يعرفون شأن النّاقة و العذاب «4» الذى نزل على القوم الذين «5» عقروها حتى رغا «6» السّغب «7» و حديث الوفد الذين خرجوا الى مكّة يدعون اللّه أن يصرف عنهم العذاب؛ و ذلك مشهور فى أشعار الجاهليّين «8» الذين لم يكن لهم كتاب و لا إيمان كما قال زهير و هو جاهلى:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلّهم «9» كأحمر «10» عاد، ثمّ ترضع فتفطم
يعنى بأحمر عاد عاقر النّاقة؛ لأنّهم ضربوا المثل به فى الشّوم «11» و قال ابن احمر و هو مخضر مّى يذكر القيل «12» الذى و (و) فد الى مكة مع قوم
__________________________________________________
(1)- اخراهم: آخرهم A
(2)- سقيا: سقبا CBA
(3)- مشهورة: مشهور CBA
(4)- و العذاب:- B
(5) الذين: الذى-- CB
(6)- رغا: دغا-- CB
(7) السغب: السقب CA، لسبقته B
(8)- الجاهليين: الجاهلين A
(9)- كلهم: كلها C
(10): كاحمر: كماحمر B
(11)- الشوم: الثوم A
(12)- القيل: الفيل CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:232(1/307)
عاد ليدعوا اللّه أن يصرف عنهم العذاب فشربوا «1» و لهوا حتى نزل العذاب على قومهم
كشراب قيل «2» عن مطيّته و لكلّ أمر واقع قدر
و مثل حديث موسى (ع) لما سأله فرعون أن يكشف عنه و عن قومه ما نزل بهم من أنواع العذاب، فلما كشف اللّه عنهم العذاب نكثوا و كفروا، كما حكى اللّه عز و جل عنهم فقال: «قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ «3» لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ «4» لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ «5» هُمْ «6» بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ» فكان هذا دأبه و دأب موسى، فلما نزلت آية من الجراد و القمل و غير ذلك، سأل أن يكشف «7» عنهم، ثم نكثوا و كفروا، ثم فزع إلى السّحرة و جمعهم، و كان ذلك زمان السّحر. فلما حضروا و رأوا فعل موسى (ع) علم السّحرة أنّه ليس من جنس السّحر الذى يستعمله السّحرة، لأنّهم «8» كانوا من «9» العلماء بالسّحر و عرفوا صدق قوله و أثّر فى أنفسهم فعل موسى و قوة الوحى فآمنوا و اعترفوا بنبّوته: فهدّدهم فرعون «10» و أوعدهم بالقتل و الصّلب و قطع الأيدى و الأرجل فلم يرجعوا من ذلك «11» يقينا منهم بأنّ فعل موسى ليس بسحر، و «قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات و الذى فطرنا فاقض ما أنت قاض» و لم يؤمن بما أظهر «12» موسى من أمر العصا «13» و غيره من المعجزات الّا السّحرة «14»؛ لما قد ذكرنا أنّهم كانوا معدن السّحر و عرفوا
__________________________________________________
(1)- فشربوا: و شربوا B
(2)- قيل: القيل B
(3)- عهد عندك: عهدك B
(4) لئن ... الرجز:- C
(5)- الرجز الى اجل: الراجل B
(6) اجل هم: اجلهم A
(7)- يكشف: يكشفها-- CB
(8)- لانهم: كانهم A
(9) من:- C
(10)- فعل موسى ... فرعون:- A
(11)- من ذلك: و ذلك A
(12)- اظهر: ظهر-- CB
(13) العصا: العصر B
(14)- السحر: السحرة C(1/308)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:233
أن فعله ليس بسحر. فاما «1» فرعون و قومه الذين جهلوا ذلك، فلم «2» يزدادوا «3» إلّا طغيانا و كفرا و عتوّا و استكبارا و دفعوا تلك «4» الآيات التى عاينوها و قالوا «5» هو سحر، و قالوا إنّ موسى كبيرهم الذى علمهم السّحر. و هكذا فعل سائر الأمم بأنبيائهم، كما فعلوا بعيسى حتى أحيالهم الموتى و عمل «6» تلك الجرائح العظيمة و عاينوها، فقالوا: هذا سحر.
و هكذا فعلوا بمحمد (ص) كانوا يطالبونه «7» الآيات؛ و كلّما رأوا آية، قالوا هذا سحر، كما «8» قالوا لما انشقّ القمر: «هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ». ثم عاندوه و طالبوه بأمور «9» عظيمة فقالوا: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ «10» حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ» فكانوا يسألونه هذه الآيات «11» العظام. فقال اللّه عزّ و جلّ: «قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا» أى أنّ هذه القوّة هى للّه «12» عزّ و جلّ، و لا يقدر أن يأتى بشى ء منها إلّا ما يؤيّده اللّه به، و أنّه يفعل ما يؤمر به. فان أعطاه اللّه آية أظهرها، و إلّا لم «13» يسألها؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد كان أعلمه أنّهم لا يومنون بالآيات و ينسبونه إلى السّحر، فقال عزّ و جلّ:
«(1/309)
وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» و قال: «وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» و أعلمه عزّ و جلّ أنّ سبيله سبيل من تقدّمه من الأنبياء (ع)، فقال: «قالوا
__________________________________________________
(1) فاما: فلما A
(2) فلم: لم CBA
(3) يزدادوا: يزداد C
(4)- تلك:- C
(5) و قالوا: قالوا B
(6)- عمل: علم C
(7)- يطالبونه: يطالبون-- CB
(8)- قالوا ... كما:- B
(9)- بامور: يا نور A
(10) لك:- C
(11)- الآيات: الاوابد C
(12)- للّه: الله B
(13)- لم: لمن: C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:234
لو لا اوتى مثل ما اوتى موسى؟ او لم يكفروا بما اوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا و قالوا انّا بكل كافرون». و مثل هذا فى القرآن كثير ممّا يدلّ أن الذين شاهدوا الآيات و المعجزات من الأنبياء (ع) لم يؤمنوا بها و نسبوها إلى «1» السّحر و سمّوا الأنبياء سحرة، فكيف يؤمن الملحدون بآيات محمّد (ص) التى مضت «2»، و لم يعاينوها، و لا يقرون بأنّ لها حقيقة، و يزعمون أنّها لا تصحّ شهادة لأهل الشّريعة.
(4) و لكنا نحتج عليهم بما هو قائم فى «3» العالم من معجز «4» محمد (ص) مشهور واضح و برهانه معه، يشهد أنّه ليس من فعل السحرة، و أنّه ليس فى وسع المخلوقين أن يأتوا بمثله و لا يقدر على دفعه الّا معاند؛ لأنّ فعل السّحرة يبطل و لا يثبت فى العالم، و معجز محمّد (ص) الذى هو القرآن، قد خلد على الدّهر، و يزداد قوّة على مرور الأيام. و سوف نكشف عن البرهان، فيه ليعلم «5» الملحدون أنّ الأمر «6» كما دعا إليه (ص) العرب حين قالوا:
«(1/310)
لو نشاء لقلنا مثل هذا» فقال اللّه عزّ و جلّ ردّا عليهم: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ «7» فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ثم خفف المطالبة فقال: «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ثم عرّفهم عجزهم، فقال: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ»: فقوله «فان لم تفعلوا» يعنى أنّهم لم يفعلوا ما ادّعوا ان يأتوا بمثله، و قوله «و لن تفعلوا» أى لا تفعلون فيما «8» بعد
__________________________________________________
(1)- الى:- A
(2)- مضت: قضت C
(3)- فى: بما B
(4) معجز: المعجر B
(5)- ليعلم: ليعلموا C
(6) الامر: الا B
(7)- قل: لولا B
(8)- فيما: فما C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:235
أبدا. ثم عرّفهم أنّ ذلك ليس «1» فى وسع الخلائق، فقال: «لئن اجتمعت الانس و الجنّ على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا». و قد «2» قدّمنا القول إن الملحد لم يخطى سنّة من تقدّمه حين زعم أنّه يأتى «3» بألف مثله، فانّه «4» لم يحصل من هذه الدّعوى «5» على أكثر «6» من أن صارفى جملة من ذكره اللّه حيث يقول: «وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَوْ تَرى إِذِ «7» الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ».(1/311)
على أنّا نقول فى جوابه حين زعم أنّ الشّعر و الخطب و السّجع و غير ذلك هو مثل القرآن، أنّه قد أحال فى هذه الدّعوى لأنّ الذى يجمعه القرآن، لا يجمعه شى ء مما ذكره فى ظاهر اللّفظ دون القوة العظيمة التى هى فيه. فانّ كلّ صنف مما ذكره هو «8» نوع واحد. فالشّعر هو كلام فصيح موزون بالأعاريض، و هذه فضيلة لا غير؛ و الخطب البليغة «9» هى «10» فصاحة و إيجاز لفظ لا غير؛ و السّجع هو كلام فصيح مسجّع لا غير، الّا ما كان من سجع الكهّان، فانّه يجمع ذلك «11» إلى تلك الأسباب التى كانوا يخبرون بها لا غير؛ و القرآن يجمع هذه المعانى كلّها التى «12» هى فى الشعر و الخطب البليغة و السجع فى ظاهر الأمر، دون سائر الأسباب التى يجمعها. و نحن نذكرها و نشرح الحال بها إن شاء اللّه، فنقول:
انّ العرب اشتبه عليهم الأمر فيه، لأنّه جمع هذه المعانى كلّها. فقالوا
__________________________________________________
(1)- ليس:- B
(2)- قد: لقد B
(3)- ياتوا: ياتى C
(4) فانه: فان B
(5) الدعوى: الدعوة A
(6) اكثر:- B
(7)- اذ: اذا A
(8)- هو: و هو B
(9)- البليغة: و البلاغات CB، البلاغة A
(10) هى:- C
(11)- ذلك:- C
(12) يخبرون ... التى:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:236
مرّة هو شعر. فشبّهوا السّور بالقصائد، و الآيات بأبيات «1» الشّعراء؛ كما قالت أمّ جميل بنت حرب بن «2» أميّة امرأة أبى لهب حمّالة الحطب لما «3» نزلت سورة «تبّت» «4» أخذت «5» فهرا «6» تريد أن تضرب به رسول اللّه (ص) و كان جالسا عند الكعبة و معه أصحابه، فقالت لهم: قد بلغنى أنّ محمدا «7» هجانى، و واللّه لو وجدته لضربت بهذا الفهر رأسه و انّى و اللّه لشاعرة «8»، ثم قالت «9»
مذمّما «10» عصينا «11» و دينه أبينا «12»
فقال النبىّ (ص) لو رأتنى لما قالت ما قالت «13» و لكن قد أخذ اللّه ببصرها.(1/312)
فهكذا مرّة شبّهوه بالشعر، و مرّة شبّهوه بالخطب البليغة «14» لما فيه من ايجاز القول و سهولة الألفاظ و أحكام المعانى؛ و مرّة شبهوه بسجع الكهّان لما فيه من مشاكلة للسّجع، و لأنّ الذى كان يخبر به محمّد (ص) من الأمور الغائبة كان يصّح، كما كان الكاهن يسجع بأشياء ثم يقع ذلك الأمر الذى يخبر به، كما سجع سطيح الشّامى الكاهن فى أمر الحادثة التى كانت ببلاد العجم ليلة ولد «15» رسول اللّه (ص) من ارتجاس الايوان و رؤيا الموبدان و غير ذلك. فسجع حين سئل عن ذلك، و أخبر بما يكون من أمر محمّد (ص) فخرج الأمر كما قال، و حديثه مشهور.
فمن أجل ذلك شبهّوا القرآن بسجع الكهّان و قالوا لرسول اللّه (ص) هو كاهن كما ذكرنا أنّه كان «16» يخبر بأمور غائبة ثم تصّح «17». فاشتبه على العرب أمر القرآن فمرّة قالوا هو شعر، و مرّة
__________________________________________________
(1)- بابيات: بآيات B
(2)- بن: بنت B
(3) لما: كما B
(4)- تبت: بقرة A
(5) اخذت: اخذ B
(6) فهرا: فهوا A، فهر B
(7)- محمدا: محمد BA
(8)- لشاعرة: اشاعرة C
(9) ثم قالت: C
(10)- مذمما: مما C
(11) عصينا: عصيناه C
(12) ابينا: ابيناه C
(13)- ما قالت:- C
(14)- البليغة: البلاغات CBA
(15)- ولد: فيها CBA
(16)- كان:- B
(17)- تصح: يصح B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:237(1/313)
قالواهو سجع الكهّان «2» و مرّة «1» قالوا هو بلاغة و فصاحة و لو شئنا لقلنا مثل هذا «3». و لما اعيتهم الحيل و لم يدروا من أىّ صنف هو، اجتمعوا و تشاوروا «4» فى ذلك و تدبّروا فيه؛ فانتدب الوليد بن مغيرة المخزومى و كان مبجلا «5» فيهم، فقال «6»: قد تدبّرت كلام محمد و ما هو الّا سحر يؤثر، ألا ترونه كيف يأخذ بقلوب الناس؟! فقالت قريش: صدقت و القول ما قلت؛ و اتّفقوا بعد ذلك على أنّه سحر. و كان هذا التّشبيه عندهم أوكد و أبلغ من سائر ما قالوا فيه «7» إنّه شعر و خطب و سجع. فأنزل اللّه عز و جل فى ذلك و فى الوليد بن المغيرة: «ذرنى و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدودا» إلى قوله:
«إنّه فكّر و قدّر فقتل كيف قدّر ثم قتل كيف قدّر ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و استكبر فقال ان هذا الّا سحر يؤثر ان هذا الّا قول البشر» فاستنكفوا و استكبروا و أدبروا عنه و قالوا كيف اختار اللّه محمّدا من بيننا، فهلّا اختار عروة بن مسعود الثّقفى، فانّه اكثر أهل مكّة و الطائف مالا و أو فرهم عقلا و أعظمهم جاها؟! ما هدا إلّا سحر!! فانزل اللّه عزّ و جلّ:
«وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»، يعنون به «8» عروة بن مسعود، ثم قال: «اهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيوة الدّنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات» أى إنّ اللّه عزّ و جلّ يقسم فى خلقه نعمه دينا و دنيا، فمن شاء رزقه من «9» أعراض الدّنيا، و من شاء اختاره للنبوّة و اختصّه برحمته و جعله سببا لرحمته بعباده، و هو يعلم بحيث يجعل رسالته «10»؛ لأنّه جلّ ذكره أعرف «11» بنيّات الخلائق، و ليست القسمة إليهم فيختاروا من
__________________________________________________
(1)- قالوا ... مرة:- B
(2) الكهان:- C
(3)- هذا:- A
(4) تشاوروا: شاوروا A
((1/314)
5)- مبجلا: سجلا A
(6) فقال:- C
(7)- فيه:- C
(8)- به:- BA
(9)- من:- B
(10) رسالته: رسالاته-- CA
(11)- اعرف: يعرف CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:238
يشاؤن «1»؛ بل الله يخلق ما يشاء و يختار ما كان لم الخيرة؛ سبحان اللّه و تعالى عما يشركون. فالقرآن فيه هذه المعانى التى ذكرناها و يجمعها. و سائر كلام العرب كلّ نوع هو «2» فى فن واحد.
(5) ثم فى القرآن من الأمور الجليلة التى لا يقوم الدّين و الدّنيا و سياسة العالم الّا بها مثل: الدّعاء إلى توحيد اللّه عزّ و جلّ و الحثّ على عبادته و تحميده و تسبيحه و تهليله و تمجيده و الثّناء عليه بما هو أهله «3»، و الرّغبة إليه بالدّعاء و التّضرّع و المسألة فى «4» العفو و المغفرة و الرّهبة منه و التّصديق برسله و إثبات طاعتهم و الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر و التّرغيب «5» فى الجنّة و التّرهيب «6» من النّار و الوعد و الوعيد و الترغيب فى الآخرة، و الزّهد فى الدّنيا، و البسط من رجاء «7» أهل التّوحيد «8» و أهل الايمان به فيما وعدهم اللّه عزّ و جلّ من الرّأفة «9» بهم، و اجتناب القنوط من غفران اللّه، و تخويف أهل الكفر بشدّة «10» العقاب و أليم العذاب، و الأمر بمكارم الأخلاق و معاليها مثل «11»: صلة الرّحم و بذل المعروف و رعاية الحقوق و الوفاء بالّذمّة «12» و العهد و برّ الوالدين و الأمر بالأحسان و النّهى عن الفحشاء و المنكر و البغى، و اجتناب الشرّ و الأعمال النّجسة و الفواحش القذرة، و الأمر بالاقتصاد و ترك البخل و التّقتير «13» و الاسراف، و إقامة الحدود فى القتل و فى أخذ أموال النّاس بغير حقّها و الفساد فى الارض و الزّنى و السّرق و غير ذلك، مما حدّدت فيه الحدود و بيّنت فيه الأحكام، و قام بها الدّين «14» و سياسة الدّنيا، و أقرّ بنفعها
__________________________________________________
(1)- يشاؤن: يشاؤا-- CB
(2)- هو:- B
(3)- اهله: عليه C
(4)- فى: و C
((1/315)
5)- الترغيب: الرغبة C
(6)- الترهيب: الرهبة C
(7)- رجاء:--- CA
(8) اهل التوحيد: الموحدين C
(9)- الرأفة: الرحمة C
(10)- بشدة: شدة A
(11)- مثل: مثله C
(12) بالذمة: بالذم C
(13)- التقتير: التقير A
(14)- الدين: الدنيا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:239
و فضلها العدوّ و اعترف به كما اعترف به الولىّ؛ كما ذكر «1» عن بطريق البطارقة بأرمينية أنّه قال: ما خفى علىّ وجه السيّاسة بعد أن سمعت الآية من القرآن «خذ العفو و امر بالعرف «2» و اعرض عن الجاهلين» و لعمرى قد وقف مع كفره بالقرآن حين عرف لطائف المعانى التى فى هذه الآية فى باب السيّاسة و مكارم الأخلاق. و لها «3» فى القرآن نظائر كثيرة فمنها ما خرج على الاختصار و الايجاز، و منها ما خرج على الشّرح و التّفسير.
و فيه أخبار القرون «4» الخالية و أنباء القرون الآتية و ضرب «5» الأمثال.
فجمع النبى (ص) فى هذا الكتاب من هذه الشرائع و الآداب التى قد ذكرناها إلى غير ذلك ممّا يطول به «6» الشّرح، بتائيد من اللّه عزّ و جلّ و وحى منه إليه؛ و هو أمّىّ، كان لا يقرأ كتابا قبل ذلك و لا يكتبه، و لم يكن يخالط الملوك و الرّؤساء، و لا كان يختلف إلى العلماء، و الادباء «7» كما وصفه اللّه عزّ و جلّ فقال: «وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.»
و هذا من معجزاته أن «8» يأتى (صلوات الله عليه) بمثل هذه الأسباب الجليلة الخطيرة، و يجمعها «9» فى كتابه، و هو أمّىّ لم يقرأ و لم يكتب قبل أن أوحى إليه، فجرى على تلك السّنّة، و لو أراد أن يكتب لفعل «10»؛ فانّ الذى أورده فى كتابه من «11» ذكر حروف المعجم التى لا يعرفها الأميّون يدل على ذلك. فأين الملحد المعتوه حين زعم أنّه ليس فى القرآن
__________________________________________________
(1)- ذكر:- B
(2)- بالعرف: بالمعروف A
(3)- لها: اما A
((1/316)
4)- القرون: امور A، الامور C
(5) ضرب: ضروب B
(6)- به:- CBA
(7)- العلماء و الادباء: الادباء و العلماء-- CA
(8)- أن: و أن C
(9)- يجمعها: تجمعها C
(10)- لفعل: مجرى B
(11) من: و A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:240
فائدة و لا نفع و لا ضر «1»، ثم قرنه بالمجسطى و كتب الهندسة و الطبّ و المنطق و غير ذلك و جعل هذه الكتب نظائر للقرآن، بل فضّلها عليه، و أبطل فضائل القرآن. فمن «2» لم يؤمن بشرائعه و بما فى إقامتها من النّفع الذى وعد «3» اللّه القائمين بها من الثّواب العظيم، و الضّرّ الذى أوعد التّاركين لها من العذاب الأليم، كيف عمى عن الذى فيه من مكارم الأخلاق و الأمور الجليلة التى ساس بها الأنام «4»؟! و كيف لم يتدبّر أمر الكتب التى ذكرها، التى ليس فيها من التّدبير ما يسوس به الانسان أمر بيته «5» و أهله و ولده، كما قد قامت سياسة العالم بأحكام القرآن و حدوده؟! فانه ليس فى هذه الكتب إلا آداب «6» إن تعلّمها «7» الانسان سمّى متأدّبا بنوع من الأدب «8»، و إن لم يتعلّمها «9» لم يضرّه ذلك شيئا. و لو أنّ إنسانا عاش ألف سنة «10» لا يعرف المجسطىّ و اقليدس و كتب الهندسة «11» و الطبّ و المنطق، و لم يكن منجّما و لا مهندسا «12» و لا طبيبا، لكان مثاله مثال من لا يكون بنّاء و لا خيّاطا و لا حائكا و لا صائغا «13»، و لكان يكفى ذلك و لا يضرّه ترك تعلّمه ذلك و النّظر فيه فى دينه و لا مرؤته «14».
و جميع النّاس لا يستغنون عن أحكام القرآن و الشّرائع، و لا بدّ لكلّ واحد أن ينظر فى شى ء منها مقدار ما يكون داخلا فى جملتها، كما أنّ كلّ مسلم لا بدّ له أن يحفظ سورتين من القرآن، و كذلك كلّ ملحد «15» متستّر «16» بالاسلام، لا بدّ له من ذلك، و إن ترك ذلك طرفة عين هلك فى أولاه و أخراه «17».
__________________________________________________
(1)- لا نفع و لا ضر: لا ضر و لا نفع B
(2)- فمن: فمنه C
(3)- وعد: وعدها B
((1/317)
4)- الانام: للانام C
(5)- بيته: دينه C
(6)- الا آداب: الاداب B
(7) تعلمها: يتعلمها B
(8) الادب: الاداب-- CB
(9) لم يتعلمها: الانسان B
(10)- سنة:- C
(11)- الهندسة:--- CA
(12) و لا مهندسا: و مهندسا: B
(13)- صائغا: صانعا C
(14)- مرؤته: به C
(15)- ملحد:- A
(16) متستر: مستتر B
(17)- أخراه: آخرته-- CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:241
فان قال قائل، إنّ العالم كان يساس قبل نزول القرآن، قلنا: قامت سياسة العالم قبل نزوله فى جميع الممالك برسوم الأنبياء (ع) التى أسّسوها على الدّيانة، و بآثارهم فى جميع الممالك. فاهل كلّ مملكة كان يسوسهم «1» من يملكهم بتلك الرّسوم. فلما جاء القرآن طبّق الأرض و كبس «2» العالم تحت أحكامه و ظهر «3» على جميع الأديان و على جميع الأمم و قهر الأنام كافة. فاين يقع النّفع و الضّرّ الذى فى تلك «4» الكتب من النّفع و الضّرّ الذى فى القرآن؟ فانّ أحكام القرآن قد نفعت المؤمن و الكافر فى أمور دنياهم، لا يستغنون عنها «5» يوما واحدا، و خصّت المؤمنين دون الكافرين بالنّفع «6» فى أخراهم. فهلّا التجأ الملحد إلى المجسطّى و كتب الهندسة و الطبّ و المنطق، فحقن بهادمه و حصّن ماله و ذريّته حتى يكون خارجا من «7» أحكام القرآن الذى زعم انه لا نفع فيه و لا ضرّ «8» كما فى تلك الكتب، و جهل ما قد نفع الملحدين حين دخلوا تحت أحكام القرآن و حقنوا دماءهم و حصّنوا «9» أموالهم و ذراريهم و هل ينكر هذا الشّأن العظيم من نفع القرآن و ضرّه إلّا معتوه و نعوذ باللّه من الكفر لنعم اللّه و العمى فى دينه.
(6) و قد ذكرنا طرفا من الأمور الجليلة التى يجمعها القرآن دون القوّة الالهية التى هى فيه كامنة مستسّرة «10»، التى هى المؤثرّة فى العالم بهذه الأسباب الظّاهرة، التى جمعت الخاصّ و العامّ و المؤمن و الكافر. و تلك القوة هى للخاصّة دون العامّة، و للمؤمن دون الكافر؛ و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ(1/318)
__________________________________________________
(1)- يسوسهم: يسوس A
(2) كبس: لبس A
(3) ظهر: طبع C
(4) تلك:- C
(5)- عنها:- A
(6)- بالنفع:- A
(7)- من: حكم C
(8) لا نفع فيه و لا ضر: ليس فيه نفع و لا ضر B
(9)- حصنوا: احصنوا A
(10)- مستسره: مسترة A، مستترة B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:242
اصطفى محمّدا (ص) لنبوّته و بعثه «1» إلى خلقه ليدعوهم إلى عبادته و اختاره من «2» الأنام؛ فكان أطهر النّاس نفسا و أطيبهم روحا، و كانت روحه النّاطقة و نفسه الحّسّية أبلغ تهيّؤا لقبول آثار الوحى، و أشدّ مشاكلة للرّوح المقدسة التى أيّد اللّه بها أنبياءه و رسله، من جميع أرواح البشر و أنفسهم، فأثّر ذلك الوحى فى نفسه لصفائها من كدورة العوارض النّفسانيّة التى تكّدر الأنفس، مثل الهوى و الحسد و الكبر و الحرص و البخل و الطّغيان و الاستنكاف و غير ذلك ممّا «3» يشاكلها، الضّارّة بأنفس البشر، المفسدة لها.
فكان هو (ص) أصفى الخلائق أجمعين نفسا من «4» الأوساخ المدنّسة للانفس؛ و أثّرت تلك الرّوح المقدّسة فى نفسه الحّسيّة و امتزجت بروحه النّاطقة الطيّبة النقيّة من هذه الآفات و النّجاسات، و قبل هذه الموهبة من ربّه عزّ و جلّ، و عرف بها عظمة اللّه سبحانه «5» و ربوبيّته و الهيّته و وحدانيّته و جلال سلطانه، و قام بخالص «6» العبوديّة، و قويت نفسه بذلك التّأييد، و أيقن «7» بكلّ ما وعد اللّه، و قام بأمره عزّ و جلّ، باذلا نفسه له، موقنا بكل ما أوحى إليه «8»، مؤمنا بكل ما أعلمه أنه «9» يبلغه إذا قام بأمر ربّه من الشّرف الرّفيع فى أولاه و الدّرجات العلى فى أخراه، لم يشكّ فى ربّه و لا ارتاب بوعده.
فلمّا أثر ذلك الوحى فى نفسه و قبله بقلبه و صوّره فى فكره، أظهره بنطقه.(1/319)
فذلك «11» الوحى «10» أوكد أسبابه فى نبوّته و أعلى حجج اللّه على برّيته و أوضح ما أتى به من براهينه و بيّناته «12» و معجزاته، و كان ما «13» أظهره بمنزلة ضياء يطلع
__________________________________________________
(1)- بعثه: بعث A
(2) اختاره من: اختارهم عن A
(3)- مما: ما B
(4)- من: هذه-- CB
(5)- سبحانه:- A
(6)- بخالص: لخالص C
(7)- أيقن: انفق C
(8) اليه:- A
(9) انه: ان C
(10)- فى نفسه ... الوحى:- A
(11) فذلك: من ذلك-- CB
(12)- بيناته: بنيانه A
(13) ما:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:243
فى العالم؛ فكذلك أضاء فى قلوب البشر، فقبله من كان «1» أقرب النّاس إليه فى الصّفوة و الطّهارة، لا فى قرب البشريّة، بل فى القرب «2» الروحانىّ من طهارة الأنفس و سلامتها من الآفات و قرب بعضها من بعض، و المشاكلة و الائتلاف؛ فأثّر كلامه فى أنفس الذين «3» قبلوه و اختلط بها كاختلاط الرّوح المقدسة بنفس محمد (ص)، فكان فضله على من قبل منه كلامه كفضل ما قبله عن ربه بواسطة «4» من الملائكة الروحانيين فى حد «5» اللطافة على من «6» قبله من الناس بواسطة من الملائكة (و) منه (ص) على سبيل النطق.(1/320)
فمن كان منهم أصفى نفسا، كان أحسن تهيّؤا لقبول ذلك الكلام و لتأثير تلك القوة فى نفسه و قبله «7» الواحد «8» بعد الواحد يوما يوما، و هو يلقيه اليهم على حسب ما يوحى اليه و يوثر ذلك فى الأنفس على حسب تصفيتها، و تنبوعنه الأنفس الكدرة الظّلمانيّة التى قد أفسدتها العوارض النّفسانيّة التى قد ذكرناها، و منعتها عن الطّهارات. فعلى قدر سلامة الأنفس من تلك العوارض و صفائها، و على مقدار امتزاجه بها، كان قبولهم «9» ما أتى به محمّد (ص). و وقعت «10» عليهم الأسماء على طبقاتهم، فطائفة سمّاهم مسلمين، و طائفة سمّاهم «11» مؤمنين، و طائفة سماهم كافرين، على حسب الاستحقاق، و كذلك سائر الأسماء و النّعوت التى سمّا بها أمّته و نعتهم بها. و أكثر هذه الأسماء لم تعرفها الأمّة التى بعث فيها، بل هو رسمها بتأييد اللّه إيّاه على حسب قبولهم ما أتى به.
فشرق ذلك النور على العالم و فشا فى قلوب البشر و أثرّ فيها و صار
__________________________________________________
(1)- من كان:- C
(2)- القرب: القراب C
(3)- الذين: الذى A
(4)- محمد ... بواسطة:- A
(5)- حد:- A
(6) من:- A- A، ما-- CB
(7)- قبله: قبل BA
(8) الواحد: الوحد A
(9)- قبولهم: قبولها B
(10) وقعت: وقفتA
(11)- مسلمين ... سماهم:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:244(1/321)
بمنزلة بذر يبذره «1» الزّراع فى أرضه، فمنه ما يقع على صخرة و منه «2» ما يقع على سبخة، و منه ما يقع على صعيد طيب؛ فعلى حسب ذلك يزكو و ينبت، كما قد ذكرنا أنّه مكتوب فى الانجيل. و بهذا وصف عزّ و جلّ محمّدا «3» (ص) و أصحابه و من تبعه و أخذ عنه و قبل كلامه، فقال عزّ و جلّ: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ». الى قوله: «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» فشبه تبارك اسمه «4» محمّدا و نبوته بالزّرع و شبّه أتباعه و أصحابه بشطأ «5» الزّرع و الشّطأ هو فراخ الزّرع و صغاره التى تنبت «6» حوله بمنزلة الحبّة التى تنبت ساقا واحدة «7»، ثم ينبت حول تلك السّاق فراخ كثيرة «8»، فمن أجاب محمّدا (ص) إلى يومنا هذا، هم زرعه، و غذاؤهم القرآن و به قوامهم. و لولا القرآن الذى ورّثه محمد (ص) أمّتة و ما فيه من القوّة الشّديدة التى قد جمعت «9» قلوب البشر على قبوله و قبول أحكامه، لما استقام أمر الأنام و لا اعتدل «10» أمر العالم. و لولا «11» ما أثّرت تلك القوى الرّوحانيّة فى أنفس البشر لما قبلوه و لما بقى أثره فى العالم إلى هذا اليوم. و لكنّه يزداد و يقوى على مرور الأيّام لأنّها قوة إلهيّة مقدّسة من كلام «12» اللّه عزّ و جلّ.
و لولا ذلك لكان سبيل القرآن سبيل مسيلمة و طلحة و الأسود العنسّى و غيرهم من المتنبيّن «13» الكذّابين و لكان رسمه لا يبقى فى العالم، كما أنّ كلام أولئك و رسومهم لم تبق فى العالم «14». و من أجل «15» هذه القوّة التى فى القرآن سمّوه
__________________________________________________
(1)- يبذره: يبذه A،- B
(2) منه: منها A
(3)- محمدا: محمد C
(4)- تبارك اسمه: ع ج A
(5)- بشطأ: شطاء B
(6) تنبت: نبتت C
(7)- واحدة: واحدا CBA
((1/322)
8) كثيرة: كثير B، كثيرا C
(9)- قد جمعت:- A
(10)- اعتدل: اعتدال CA
(11) و لولا:- C
(12)- كلام:- C
(13)- المتنبين: المفتنين C
(14) كما ... العالم:- BA
(15)- اجل:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:245
سحرا، لأنّ محمّدا (ص) كان يتلوه على النّاس، فيقع فى أسماعهم و تؤدّيه الأسماع إلى القلوب، فيجذب القلوب «1» إلى طاعته بتلك القوة الرّوحانيّة الألهيّة التى هى مستترة كامنة فيه، التى من أجلها قالت قريش و العرب إنّه سحر و إنّ محمّدا هو ساحر على حسب ما يدعيه النّاس أنّ السّحر يؤثّر فى أنفس البشر و أنّ كلام السّحرة و ما يكون منهم من الرّقى و النّفث فى العقل و أصناف السّحر «2» تؤثّر فى القلوب و تقلبها من الألف إلى التّعادى و من التّعادى إلى الألف، و من المحبّة إلى العداوة و من العداوة الى المحبّة «3» إلى غير ذلك من التأثيرات التى تقع من فعل السّحرة فى أنفس البشر. و هذا شى ء قد اتّفقت عليه أمم من النّاس و إن أنكره قوم و دفعوه؛ فانّ أكثر الأمم التى قد خلت فيما مضى من الدهور و الأعصار، إلى يومنا هذا، قد قالت به و صححّته و زعمت أنّ عينه قائم، كما يذكر عن الهند خاصة من الأمور العظيمة فى الرّقى التى «4» تذكر عنهم، أنّهم يحلّون بها و يعقدون، و يذكر أنّهم يرقون المسلوع و من سقى السّم فيخرجون السمّ، و ما يذكر أنّهم يظهرونه من التّخائيل التى يتحيّر فيها الأريب اللّبيب «5»، و ما يذكر عنهم من أمر النّكر، و ما يفعلونه فى باب المطر و البرد و حبسه و غير ذلك من أصناف السّحر.
هذا «6»، و إن لم يصّح كلّه فانّا نقول إنّ أصل السحر صحيح، و قد خلط به كثير من المخاريق؛ لأنّ القرآن و سائر كتب اللّه عزّ و جلّ قد نطقت به و جماهير النّاس يقرّون به و لا يدفعون أنّ أصل السّحر صحيح. و من أجل ذلك قالت الأمم لأنبيائهم سحرة، كما قالت العرب إنّ محمّدا (ص) هو ساحر و قوله سحر. و كانوا يقعدون بكل «7» سبيل و يصدّون عنه النّاس،(1/323)
__________________________________________________
(1)- فيجذب القلوب:- A
(2)- السحر: السحرة C
(3)- الالف ... الى المحبة:- B
(4)- التى: الذى C
(5)- الأريب اللبيب: الاديب الاريب B
(6)- هذا:- B
(7)- بكل: كل C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:246
مخافة أن يسمعوا كلامه فيؤمنوا به. و كانوا يسّمون «1» من سمع كلامه و آمن به صابيا و قالوا: «صبا فلان و فلان». و معنى التّصابى فى كلام العرب هو العشق و المحبّة. فلمّا رأوا من يسمع كلامه يحبّه «2» و يؤثّر فى قلبه و يختلط بنفسه، قالوا له «قد صبأ» و كانوا يصّدون كلّ من ورد مكة من أهل الوبر و المدر عنه و ينهونه عن الاستماع منه. و ذلك أن العرب كانت تأتى مكة حجّاجا و فى التّجارات و كانت مواسمهم «3» بمكة قائمة، و كان رسول اللّه (ص) يعرض عليهم الاسلام و يتلو عليهم القرآن فيؤمنون و تخبت له قلوبهم و ينقادون له و يرجعون إلى قبائلهم فيدعونهم «4» الى الاسلام «5»؛ كما روى أنّ الطفيل «6» بن عمر و الدّوسى «7» ورد بمكّة «8» و كان لبيبا شاعرا و رئيسا فى قومه، فاجتمعت إليه «9» قريش و نهوه أن يقرب رسول اللّه (ص) و قالوا له: كلامه سحر يفرّق بين المرء و زوجته و أحبّته و عشيرته و إنّا «10» نخشاه عليك و على قومك؛ فلا تكلّمه و لا تسمع من قوله، فانّه يسحرك بكلامه. فعمد إلى كرسف و حشا به أذنيه فرقا من أن يسمع «11» قوله، و غدا الى المسجد و طاف بالبيت، و اذا رسول اللّه (ص) يصلى عند الكعبة و هو يتلو هذه الآية: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فوقر ذلك فى أذنيه «12».(1/324)
فلمّا سمعها، أخرج الكرسف من أذنيه و رمى به و قال: و اثكل أمّى، إنّى لبيب شاعر أعرف الحسن من القبيح، ما لى أتّهم عقلى و لا أتّهم عقول قريش؟! ثم أقبل إلى النّبى (ص) فقال: أعد علىّ كلامك يا محمّد! فأعاده عليه و زاده.
__________________________________________________
(1)- يسمون: يسمعون A
(2)- يحبه: يحبسه B
(3)- مواسمهم: يواسمهم A
(4)- فيدعونهم: فيدعوهم CBA
(5) الاسلام: و يتلو عليهم القرآن B
(6)- الطفيل: طفيل CBA
(7) الدوسى: الدوحى A
(8) بمكة: مكة A
(9) اليه: له C
(10)- انا: و انا A
(11)- يسمع: يستمع A
(12)- اذنيه: اذنه CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:247
فقال: و اللّه إنّ هذا لو لم يكن أيضا «1» دينا لكان حسنا، و إنّى لأشهد «2» انّك صادق «3». فأسلم «4» و حسن «5» إسلامه و رجع إلى قومه و دعاهم الى الاسلام. و قد كان سأل النبىّ (ص) أن يعطيه آية، فقال: «اللّهم اعطه آية» و مسح سوطا كان فى يده. فلمّا طلع على قومه من الثّنيّة، رأى قومه نورا يسطع «6» من رأس سوطه؛ فسألوه عن شأنه، فأخبرهم، فأسلموا و قدموا على رسول اللّه (ص) و شهدوا معه فتح مكة. و له فى ذلك شعر يقول فيه:
رأيت علامة و اللّيل داج على ظهر الطّريق كضوء «7» برق
علامة احمد اذ سال ربّى فكانت آية مصداق صدقى
و هى قصيدة. فكان أصل إسلامه ما وقع فى قلبه من قوة كلام رسول اللّه (ص).(1/325)
و هكذا سبيل هذه القوّة المستسرّة فى القرآن التى وقعت فى أنفس النّاس و ألفّت بين قلوبهم بتأييد من اللّه عزّ و جلّ. و هكذا قال الله تعالى ذكره «8» «9»: «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ «10» وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ». و لولا أنّ «11» القرآن و ما فيه من القوّة التى ألّفت بين قلوب النّاس و جمعتهم على قبوله «12» و قبول أحكامه ثم اجتمع أهل الأرض على أن يفعلوا ذلك، لما قدروا عليه «13».
و الذى ذكره الملحد أنّ الذى جمع هذه الأمّة على قبول أحكام «14» الاسلام و الأقامة عليها، سببه «15» الألف و العادة و مرّ الايّام، فليست له فى ذلك
__________________________________________________
(1)- ايضا:- A
(2) و انى لا شهد: و اشهد B
(3)- صادق: لصادق A
(4) فاسلم: و اسلم B
(5) و حسن: فحسن B
(6)- يسطع: سطع B
(7)- كضوء: لضوء B
(8)- تعالى ذكره:- A
(9) ذكره:- B
(10)- لو انفقت ... قلوبهم:- A
(11)- أن:- B
(12)- قبوله: قوله C
(13)- عليه:- C
(14)- احكام: اهل B
(15) سببه: سبب B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:248
حجّة؛ لأنّه لم يتقدّم إلف و لا عادة لأصحاب رسول اللّه (ص) الذين آمنوا به بمكّة «1» عند ظهوره قبل أن قوى الاسلام، و لم يعتادوا ذلك، و لامرّت به الأيّام بالالف. و إنّما سمعوا كلامه، فقبلوه و آمنوا به، كما ذكرنا من شأن «2» الطفيل بن عمرو «3»، و أثّر القرآن فى قلوبهم و جمع بينها و ألّفها على طاعته، و صبروا معه على الأذى الشديد؛ فانهم كانوا يفتنون و يعذبون بأنواع البلاء «4» ليرجعوا عنه، فصبروا و لم يرجعوا عنه كما روى من «5» حديث بلال: أنّ ورقة بن نوفل مر على بلال و قد «6» أخذه أميّة بن خلف «7» الحجمى و ألقاه على ظهره فى الرّمضاء و وضع الحجر على بطنه و هو يقول:(1/326)
هذا دأبى و دأبك أو «8» أن تكفر بمحمد. و بلال يقول: أحد أحد. و ورقة بن نوفل يقول: نعم يا بلال! أحد أحد. فصبر على ذلك و لم يرجع عن الاسلام.
و مثل «9» حديث بلال، فيما كانوا يلقون من قريش عدد كثير تطول الخطب بذكرهم فعلى هذا كانوا يؤذون و يصبرون و يزدادون ايمانا و يقينا، حتى صار الأمر بهم إلى الجلاء «10»، فخرج كثير منهم مهاجرا إلى أرض الحبشة، ثم اشتّد الأمر بهم فهاجروا الى المدينة «11» و هجروا الآباء و الأمّهات و الأبناء و البنات و الإخوة و الأخوات و العشائروا القرابات و قطعوا الأزواج و الأحبّة و لحقوا برسول اللّه (ص) فى دار الهجرة المدينة؛ و خرجوا إليه أرسالا كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضا، ينقطع الرجال عن حلائلهم و النّساء عن أزواجهن طيّبة بذلك أنفسهم «12»، مستميتين «13»
__________________________________________________
(1)- بمكة:- C
(2)- شان: شاب A
(3) عمرو: عمر B
(4)- البلاء: البلايا B
(5) من: عن B
(6)- ان ... و قد:- C
(7) خلف: خلق A
(8)- أو:- CB
(9)- و مثل: مثل B، و ممن له C
(10)- الجلاء: المجلاء A، الجلى B
(11)- المدينة: و هجروا الى المدينة B
(12)- انفسهم:- A
(13) مستميتين: مستميتون CA، متتميون B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:249(1/327)
فى حب رسول الله (ص) تابعين «1» له على «2» دينه، قابلين لسنته و أحكامه باذلين «3» له «4» أنفسهم «5» و مهجهم «6» و أموالهم. و على هذا تابعه من آمن به فى دار هجرته لمّا سمعوا القرآن و أثّرت «7» قوته فى قلوبهم، فآووه و نصروه، و أحبوا من هاجر إليهم، و اتّخذ بعضهم بعضا إخوانا، و واسوهم بأموالهم و آووهم «8» فى ديارهم، و نابذوا آباءهم و أبناءهم و عشائرهم، فقطعوا كل عهد و ذمّة كانت بينهم و بين من يحاددهم، و ردوا كلّ جوار و حرمة كانت بينهم بعضهم فى بعض، و آثروا محمدا (ص) و من هاجر معه إليهم، على جميع من ذكرنا من القريب و البعيد، و نزلوا على حكمه، و لم يقبل إيمانهم حتى حكّموه فى أنفسهم و أموالهم و ذراريهم، و رضوا بذلك و سلّموا «9» له، و هم مختارون «10» غير مجبرين و طائعون غير مكرهين؛ و تلا عليهم «11» قول اللّه عزّ و جلّ: «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»، و قوله: «ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً»، فقبلوا ذلك منه و ألزمهم هذه الشّرائط، و هو رجل وحيد فريد «12» لا سلطان له عليهم و لا مال له و لا عشيرة تعينه و لا قبيلة. فقبلوا منه هذه الشرائط طيّبة بذلك أنفسهم مع ما قد جبل اللّه عليه البشر من حبّ من أحسن إليها، و النّفور ممّن أساء إليها؛ و لم ينالوا «13» منه من أمر الدّنيا شيئا «14»، من أعراضها «15» التى «16» يعدّها من يؤثر الدّنيا إحسانا، بل نالوا منه هذه الأسباب التى يعدونها إساءة اذا آثروا الدّنيا على الآخرة؛ كما قالت له قريش: قطعت أرحامنا و سفّهت أحلامنا و عبت أدياننا(1/328)
__________________________________________________
(1) تابعين: تابعون CBA
(2) على: عن B
(3)- باذلين: باذلون CBA
(4) له:- C
(5) له انفسهم: لانفسهم B
(6) مهجهم: مهجتهم C
(7)- اثرت: اثرات A
(8)- آووهم: آووه B
(9)- سلموا: تسلموا C
(10) مختارون: مختارين C
(11)- عليهم: C
(12)- وحيد فريد: فريد وحيد B
(13)- ينالوا: تنالوا A
(14) شيئا:- C
(15) اعراضها: اعراضه C
(16) التى:- B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:250
و فرّقت بيننا. و من «1» آثر الدّين على الدّنيا قبل ذلك من محمّد (ص) وعّده إحسانا.
و أثّرت قوّة كلام اللّه فى قلوبهم و لولا ذلك لما أجابوه إلى ما دعاهم إليه من ترك الشّهوات الدّنياويّة و من قطيعة من ذكرنا من الأحبّة، و لا تابعوه على بذل الأموال و المهج له فى حياته، و التّمسك «2» بما شرعه لهم بعد وفاته و التّشديد فيه، و ما ظهر منهم من استماتتهم فى ذلك و اعتكافهم «3» عليه و محبّتهم له و التزامهم «4» إيّاه طائعين غير مكرهين. فأىّ «5» إلف و عادة تقدّمت لهم، و أىّ أيّام مرّت عليهم فى بدء أمرهم، و سبيلهم ما قد وصفناه؟! و أىّ حجّة تثبت للملحدين بما يدّعونه فى باب الالف و العادة؟!!(1/329)
فان قال «6» قائل، إنّه «7» حارب «8» من خالفوه و أجبرهم على قبول ما أتى به، قلنا: قبلوه فى بدء «9» أمره و هم مختارون، حتى قوى أمره؛ ثم عانده النّاس من كل وجه و أظهروا منازعته؛ فلم يحب «10» اللّه عزّ و جلّ له قبول الصّغار على نفسه بعد أن أظهره اللّه. فحينئذ أكره المستكبرين و العتاة «11» الذين كانوا يفتنون أصحابه، على قبوله، و ألزمهم الذّلّ، و أعلى المؤمنين به عليهم. و بذلك أمره اللّه عزّ و جلّ، فقال: «وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» و إلّا، فانّ أوّل أمره لا يخفى، أنّه قام فيهم و هو رجل واحد، ثار بين ظهرانى «12» قومه، ما أظهر و أوحى إليه ربّه؛ فجفوه، و استخفّوا به، و بلغوا من أذاه كلّ غاية، و خرج فى بعض أيّامه حين رهقه
__________________________________________________
(1)- من: عن A
(2)- و التمسك: فى التمسك C
(3)- اعتكافهم: اعتكافه A
(4)- التزامهم: الزامهم C
(5) فاى: و اى-- CB
(6)- قال:- A
(7) فانه: انه CBA
(8) حارب: قد حارب B
(9)- بدء: بدو C
(10)- يحب: يجب C
(11) العتاة: العناة BA
(12)- ظهرانى: ظهران-- CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:251
الأمر إلى الطّائف، و عرض «1» نفسه على أهلها؛ فنظر إليه عبديا ليل بن عمرو، و هو قاعد فى ظل حائط له، يتّقى حمارة القيظ عن نفسه و كان عبد ياليل «2» بن عمرو سيّدا فيهم متكبّرا طاغية. فقال له: قم يا محمّد عن ظلّ حائطى، فرفع رأسه إلى السّماء و قال: «يا رب، إليك أشكو «3» ضعفى و قلة حيلتى و هوانى على الناس. ان لم يكن بك سخط، فلا أبالى، و لكن عافيتك أوسع لى».(1/330)
و اجتمعت «4» قريش و تعاقدوا فيما بينهم و تحالفوا و كتبوا بينهم كتابا، و علقوه فى الكعبة. و اتفقوا أن يقطعوه «5» و يقطعوا من تابعه، فلا يخالطوهم و لا يبيعوا منهم طعاما و أن يمنعوا من مخالطتهم كلّ حاضر و باد «6». و أخرجوهم إلى شعب مكّة. و بقوا فيه على هذه الحال. و كتبوا بذلك كتابا و علقوه «7» فى الكعبة حتى استقبح ذلك قوم من قريش و اجتمع نفر منهم و مزّقوا «8» ذلك الكتاب و قالوا: مزّقوا هذه الصّحيفة القاطعة.
فلم يزل صلى الله عليه و آله و من آمن به يلقون هذا الأذى ألشّديد من عشيرته و قومه إلى أن هاجر إلى المدينة على السبيل التى فى شهرتها غنية عن تطويل الخطب بها «9»، و هاجر على أثره أصحابه على نحو ما قد ذكرناه «10». فأىّ إلف جمع المسلمين مع هذه الشّدائد؟ و أىّ عادة تقدّمت منهم؟! و أىّ أيّام مرّت عليهم؟! و أىّ دهر أتى عليهم فى ابتداء أمرهم؟! فهذا كان أصل بنيانه و تأسيس أمر دينه، و ما بعد ذلك فهو فرع لذلك الأصل، فان «11» كان ذلك الأصل مبنيّا على الإلف و العادة، فكذلك يجب أن يحكم فى الفرع، فانّ الفروع «12» تقاس
__________________________________________________
(1)- و عرض: فعرض C
(2)- يا ليل: بالليل A
(3)- اليك اشكو: اشكو اليك B
(4)- و اجتمعت: فاجتمعت B
(5)- يقطعوه: يقطعوا BA
(6)- باد: بادى CA
(7)- علقوه: اعلقوه B
(8)- مزقوا: مرفقوا A
(9)- بها: به CBA
(10) ذكرناه: ذكرنا C
(11) فان:- C
(12) الفروع:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:252
على الأصول، و إلّا فحجّة الملحد داحضة فى باب الالف و العادة.(1/331)
و كانت سبيل «1» الأنبياء (ع) كلّهم مثل سبيل محمّد (ص) و عزّاه (سبحانه) عمّا كان يتلقّى من قومه و أمره بأن يتأسّى بمن تقدّمه من الأنبياء (ع) فقال تبارك اسمه «2»: «و لقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا و اوذوا حتى اتاهم نصرنا و لا مبدّل لكلمات اللّه و لقد جاءك من نبأ المرسلين» و عزّى من آمن به «3» فأمرهم أن يتأسّوا بمن تقدّمهم من أتباع الأنبياء (ع)، فقال جلّ ذكره: «وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ» و انّما امتحن اللّه عزّ و جلّ «4» الأنبياء (ع) فى ابتداء أمرهم بهذه المحن، لكى لا تثبت حجج المبطلين فى دعواهم «5»، أنّ الذين قبلوا الشرائع، قبلوها بالإلف و العادة، ثم نصرهم الله «6» بعد ذلك و قوّاهم «7» بعد الضعف و أعلى «8» أمرهم و شدّ بنيانهم بتأييد منه و بقوة الكلام الذى أنزله عليهم و عمل ذلك فى قلوب البشر هذا العمل العظيم كما قد ذكرناه. و انّما أطلنا الكلام بذلك لأنّ الملحدين يحتجّون بهذه الحجّة الواهية و يزعمون أنّ الذى جمع أهل الشّرائع على إقامتها، سببه الالف و العادة و مرور الأيّام و الدّهور. و هذه عندهم أوكد الحجج جهلا منهم و قلّة إنصاف «9» و سوء تمييز؛ إذ «10» لا يميّزون حال الأنبياء فى ابتداء أمرهم كيف، كان؟ و كيف امتحن اللّه الخلائق؟
لكى لا يقولوا «11» إنّه إلف و عادة، و لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة، و ليعرفوا عظم «12» شأن كتب اللّه «13» المنزلة و كلام الأنبياء (ع) و ما فى ذلك من القوّة
__________________________________________________
(1)- سبيل:- B
(2)- تبارك اسمه: تع A
(3)- به: بهم B
(4)- عز و جل:- A
(5)- دعواهم: دعويهم A
(6)- اللّه:- B
(7) قواهم: قويهم A
(8) اعلى: على A، اعلا-- CB
(9)- انصاف: اضاف A
(10) اذ: او A
((1/332)
11)- يقولوا: تقولوا A
(12)- عظم: عظيم B
(13) كتب اللّه: الكتب B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:253
الجامعة لهم المؤلفة بين قلوبهم على إقامة الشّرائع؛ كما نرى كيف اختلطت تلك القوّة بأنفسهم و دبّت فى عروقهم و أثّرت فى قلوبهم كما تدبّ العقاقير فى أبدان البشر و تجرى فى عروقهم و تؤثّر فى طبائعهم.
(7) و إن «1» قال قائل: فما بال هذه القوّة أثّرت فى بعض الانفس دون بعض؟
و لم أثّرت فى أنفس من تبع محمّدا (ص) و لم تؤثّر «2» فى أنفس من خالفه و عاداه و أخرجه عن أهله و داره؟
قلنا: قد تقدّم القول منّا أن هذه الانفس تلحقها عوارض نفسانيّة لطيفة تفسدها و تنجّسها حتّى لا تقبل تلك التّأثيرات، كما ذكرنا فى باب الهوى و الحسد و الكبر و الجفاء و البغى و الطّغيان و الطّعن و العداوة «3» و الخيلاء و النّخوة و الافتخار و الحرص و الأمل و الشّك و الشّبهة و العتو و الشقاق «4» و العزة و غير ذلك ممّا يشاكل هذه الاسباب المفسدة للانفس. فهذا كان «5» سبب امتناع تلك القوّة من التّأثير «6» فى قلوب من خالفه و عاداه. و مثل ذلك موجود بيّن «7» فى العقاقير التى تؤثّر فى طبائع النّاس؛ فان الطّباع إذا عارضتها «8» علّة قويّة امتنعت من «9» قبول أثر العاقير فيها، و مثل حجر المغناطيس اذا حكّ عليه الثّوم لم يجذب «10» الحديد، و لم يظهر أثر قوّته للعارض الذى منعه؛ فهكذا كان «11» سبيل تلك القلوب التى لم تقبل «12» أثر القرآن.
و كانت قريش قد بليت بهذه «13» العوارض ما لم يبل به سائر العرب لانّهم كانوا من «14» معدن الشّرف و العزّ و مصاص الفخر و كانوا سكان حرم اللّه و يقولون:
__________________________________________________
(1)- و ان: فان BA
(2)- تؤثر: تأثر B
(3)- العداوة: و العدوان B
(4)- الشقاق: النفاق B
(5)- كان:- C
(6) التاثير: التاثيرات A
(7)- بين:- BA
(8)- عارضتها: عارضها C
(9) من: عن B
(10)- لم يجذب: يمنع C
(11)- كان: C
((1/333)
12) تقبل: قبل C
(13)- بهذه: فى B
(14)- من: فى BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:254
نحن آل اللّه و نحن أهل اللّه. و كانت العرب قاطبة تعرف ذلك لهم، فكانوا لا يغزونهم و لا يؤذونهم، كما كان يغزو «1» بعضهم بعضا، إكراما لهم و اعترافا بشرفهم. فكانت تلك النّخوة و ذلك الكبر و الافتخار قد ران على قلوبهم، و أفسدتها تلك العوارض المذمومة و كدّرتها «2» و نجّستها، فامتنعت من «3» قبول تلك القوّة «4» الطّاهرة «5» الطّيبة. و قبلتها القلوب التى سلمت من تلك العوارض وصفت منها. فمن أجل ذلك آمنوا بمحمّد (ص) و صبروا معه على الأذى الشّديد و المحن العظيمة، و لم يهنوا لذلك، و لا ملّوا و لا ضعفت نياتهم، بل كانوا يزدادون إيمانا إذا اشتّد بهم «6» الأمر و خوّفهم النّاس، و يقوى يقينهم كما وصفهم اللّه به، فقال «7»: «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا «8» رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ «9» عَظِيمٍ» فأولئك أسلافنا «10» الذين هم أسّ «11» دعوة الاسلام و قواعد الشريعة. هكذا جرى أمرهم فى قبول الملّة اختيارا من غير إجبار و لا قهر، و ابتداء «12» من غير إلف و لا عادة و لا مرور أيّام «13» عليهم و لا دهور؛ بل عملت تلك القوّة الالهية فى قلوبهم و ألفّت بينها و جمعتها على قبوله. و نحن فروع لتلك «14» الاصول و خلف لذلك السّلف، و سبيلنا فى حبّ الاسلام و اجتماع القلوب «15» عليه «16» سبيلهم.
__________________________________________________
(1)- يغزو: يعرف B
(2)- كدرتها: العوارض المذمومة C
(3) من: عن B
(4) القوة: النبوة A
(5) الطاهرة: الظاهرة B
(6)- بهم: لهم C
(7)- فقال: اللّه عز و جل B، عز و جل C
((1/334)
8)- و اتبعوا: فاتبعوا B
(9) فضل: الفضل A
(10) اسلافنا: اسلافهم B
(11)- أس: اسواد B
(12)- ابتداء: ابتلاء C
(13)- ايام: اياما C
(14)- لتلك: تلك B
(15)- القلوب: قلوب-- CA
(16) عليه:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:255
فهذا فعل القرآن العظيم بقلوب البشر، أعدنا القول به مرة بعد مرة لتعرف- رحمك اللّه- عظم «1» شأنه و ما فيه من المعجز الكبير الدّالّ على نبوّة محمد (ص) و هو ظاهر قائم فى العالم، يزداد قوة على مرور الأيّام تشتد «2» و تنمو فى مشارق الأرض و مغاربها، و تثمر هذه «3» القوة هذه الثّمرة الزّكيّة كما ترى فى هذه الأمصار الكثيرة «4» التى لا تحصى «5» عددا فى كل مصر، فى قصبته و سواده، من المساجد ما يعجز الناس عن إحصائها، و كل مسجد يقوم فيه مناد ينادى فى كلّ يوم فى خمسة أوقات، يشهد بتوحيد اللّه عزّ و جلّ و بتصديق محمّد (ص) و بنبوّته «6»، و يدعو إلى إقامة شريعته بأعلى صوته مجّدا مجتهدا. فأى قوّة فى العالم عملت فى أنفس البشر ما عملت قوّة كلام اللّه الذى جاء به محمّد (ص)؟ و أىّ دلالة أوكد من هذه؛ و أى معجزة أبلغ من القرآن؟ و أى كتاب فى العالم أعظم نفعا للبشر منه فى الدّين و الدّنيا، به حقنت الدّماء و حصّنت الأموال و منعت «7» أيدى الخلائق- بعضهم عن بعض- من الفساد فى الأرض؟ و لولا ذلك لهلك الحرث و النّسل و فسدت الأرض و ما فيها.
و هذا «8» هو المثل الذى طالب به محمّد (ص) النّاس أن يأتوا به حيث بلّغ عن اللّه عزّ و جلّ، فقال: «لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» و هذا هو المثل الذى «9» طالبنا به الملحد فى كتابه، فقال: إنّا نطالبكم بالمثل الذى
__________________________________________________
(1)- عظم: عظيم BA
(2) تشتد: و تشتد CBA
(3)- هذه: بهذه B
(4) الكثيرة: الكبيرة C
((1/335)
5)- تحصى: يحصى C
(6)- بنبوته: نبوته-- CA
(7)- منعت: منع CBA
(8)- و هذا: فهذا CBA
(9)- الذى: الذين B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:256
تزعمون «1» أنّا لا نقدر أن نأتى به، لا ما قاله الملحد، أنّ شعر الشعراء و خطب البلغاء و سجع الكّهان هى أفضل منه، و أنّ القرآن خلو من هذه على زعم الملحد المعتوه و زعم أنّه يأتى بألف مثله. و أى مثل يوجد للقرآن فى العالم مع ما قد وصفناه «2» به «3» من هذه القوة الشّديدة و هذا الفضل العظيم؟
هيهات هيهات!! لا يوجد ذلك أبدا.
(8) هذا، سوى ما فيه من المنفعة الدّينيّة التى بها نجاة المؤمنين به المقيمين لما فيه من الفرائض و السّنن، و ما وعدهم اللّه عليه من الثّواب العظيم و أعدّ لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون. و تلك هى النّعمة الكبرى «4» و المنفعة العظمى و الشّرف الأعلى و الجزاء الأوفى. و إنّ الملحد قد سخر بنفسه «5» و غرب فهمه «6» و تاه عقله حين زعم أنّ المجسطىّ و كتب الهندسة و الطبّ و المنطق و النّجوم، أكبر نفعا من القرآن، و أنّه ليس فى القرآن فائدة و لا نفع و لا ضرّ، و أورد كلام المجانين الذين لا يعقلون ما يقولون. و قد كشفنا عمّا فى القرآن من النّفع العظيم فى الدّين و الدّنيا؛ فليكشف لنا الملحدون عن الذى فى المجسطىّ و كتب الهندسة و المنطق و النّجوم من النّفع، سوى ما فيها من الآداب التى لا يحوز نفعها من يتعلّمها و ذلك شى ء نزر قليل، يشاكل سائر الآداب التى «7» يتأدّب بها النّاس، و يستغنى عنها من لا يشتغل «8» بها فى دينه و دنياه. و أنت لا تجد فى دهماء النّاس فى كلّ مصر من يشتغلون «9» بها إلّا رجلا أو «10» رجلين، بل «11» أمصار كثيرة ليس فيها أحد يعرفها. و قد اتّفق المسلم و الملحد على «12» أنّ
__________________________________________________
(1) تزعمون: يزعمون C
(2)- وصفناه: وصفنا C
(3) به:- A
(4)- الكبرى: الكبيرة C
(5)- بنفسه:- C
((1/336)
6) غرب فهمه: غر بفهمه B
(7)- التى:- C
(8) يشتغل: يشغل B
(9)- يشتغلون: يشتغل CBA
(10) او: و A
(11) بل: و C
(12)- على:- CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:257
المجسطى و كتب الهندسة و الطبّ و المنطق و النّجوم ليس فيها نفع من جهّة الدّيانة. و أمّا فى أمور الدّنيا، فكل الصّناعات أكبر نفعا منها، و أهلها أو فرحظّا و أغنى بما فى أيديهم ممّن يكسب بتلك الكتب. و من ازداد فيها نظرا «1»، إذا «2» لم يكن متمسّكا بحبل الشّريعة و التّوحيد و النبوّة، مستبصرا فيه، مستحكم المعرفة بأمر الدّين، أدّاه ذلك الى التّعطيل و الخروج إلى «3» الالحاد، و يدعوه ذلك إلى الاشتغال بكتب هؤلاء الذين تشبّهوا بالفلاسفة و القدماء الحكماء، و تسّموا «4» بأسمائهم، و وضعوا كتبا مزخرفة ليس فيها إلّا الوساوس المتناقضة على حسب ما فسّرنا و شرحنا اختلالها و تناقضها، التى تذهل عقل من يشتغل بها و تسلبه لبّه «5» و توقعه فى حيرة مهلكة و لا تزيده «6» إلّا عمى و ضلالا «7». و «8» لسنا نطعن على المجسطّى و اقليدس و بطلميوس و غير ذلك من الكتب المنطق و الطبّ و ما كان من هذا «9» الجنس؛ فانّ هذه من الحكماء، و أظهروا ما فيها من الحكمة بتأييد من اللّه عزّ و جلّ.
و لكنّها ليست نظائر «10» القرآن. كما أنّ أولئك الحكماء لم يكونوا نظائر لمحمّد (ص) لأنّ حكمة محمّد (ص) عمّت أهل الأرض، المؤمن و الكافر، على ما قد وصفنا. و الحكماء الذين «11» وضعوا هذه «12» الكتب أظهروا للنّاس حكمتهم ليعرّفوا النّاس مراتبهم، و كان نفع ذلك راجعا إليهم فى انفسهم و إلى من عرف «13» فضلهم فى اعصارهم، فاخذوا عنهم أمر دينهم. و كل واحد منهم كان حكيم دهره، و كان نفع كلامه و ضرّه فى أمر الدّيانة يصل فى عصره الى الذين شاهدوه، فمن عرف منزلته و فضله، نفعه ذلك فى دينه
__________________________________________________
(1)- نظرا: نظر BA
(2) اذا: ان B
(3)- الى: و A
((1/337)
4)- تسموا: قسموا A
(5)- لبه:- C
(6)- تزيده: يزيده-- CB
(7) ضلالا: ضلال-- CB
(8) و: او B
(9)- هذا: هذه C
(10)- نظائر: بنظائر BA
(11)- الذين: و الذين A
(12) هذه:- CB
(13)- عرف: عرفهم B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:258
و دنياه، و من جهل فضله و منزلته، لم ينتفع بحكمته إلّا مقدار هذا النّفع الذى يصل إلى أهل هذا الدهر. فلما خرجوا عن العالم، لم يبق نفع هذا الكلام و هذه الكتب إلّا ما فيها «1» يومنا هذا. و ليست قوة تلك الكتب، مثل قوّة «2» كتب أصحاب الشّرائع الذين كانوا أئمّة أهل الأرض دهرا طويلا، مثل موسى و عيسى و غيرهما، و مثل محمّد (ص) الذى هو إمام العالم إلى يوم القيامة، و فى كلامه من النّفع و الضّرّ ما قد فسّرناه. و قد عم ذلك أهل الأرض و اشترك فى نفعه المؤمنون به المخلصون فيه، و أصناف الملحدين و المعطّلين و المنافقين الذين يستترون بالاسلام. و لولا أحكام الشّريعة و ما فى القرآن من الرّسوم و السّنن و الفرائض فى المناكحات و المواريث و قسمة الأموال و غير ذلك، لكان سبيل «3» الملحدين فى الأزواج و الأولاد، سبيل البهائم، و كان لا يعرف لهم «4» رحم و لا نسب، و لكانت أموالهم نهبا. فقبحا للملحدين الذين رضوا لأنفسهم أن يخرجوا عن أحكام القرآن، فتكون أمّهاتهم و بناتهم و «5» أخواتهم بغايا، ينكحن بلا مهور و لا تزويج، و ينزو عليهنّ «6» كل مسلم و كافر «7»، و أن يكون أولادهم لغير رشدة، فلا يعرف لهم أب، و تكون اموالهم منتهبة فى حياتهم، و مستباحة بعد مماتهم، و يكون سبيلهم سبيل بهائم الأنعام. فلولا الاسلام و أحكام القرآن، لماج النّاس بعضهم فى بعض و تهارجوا؛ فلم يكن نكاح بتزويج و لا قسمة بالسّوية و لا مبايعة على العدل و الصلاح. و من خلع ربقة «8» الاسلام من «9» عنقه، فاتته نفسه قبل أن يرتد إليه طرفه. و لكن «10» قد أحاطت سلاسل الدّين
__________________________________________________
(1)- فيها: الى BA
((1/338)
2)- قوة:- C
(3)- سبيل: و سبيل A
(4)- يعرف لهم:- C
(5)- رضوا ... بناتهم و:- A
(6)- عليهن: عليهم C
(7) و كافر:- C
(8)- ربقة: رقبة A
(9) من: عن B
(10)- لكن: لكنه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:259
برقابهم و جعلت ربقة الاسلام فى اعناقهم و ربطوا بها أوثق رباط كما قال بعض الشّعراء المخضرمين «1»، حين أسلم و قبل أحكام الاسلام و ترك أمر الجاهليّة من الزّنى «2» و شرب الخمور و الميسر و غير ذلك من الفحشاء و المنكر، فقال فى شعره:
و ليس كعهد الدّار يا أمّ مالك و لكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
و عاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
فهذا نفع القرآن و ضرّه فى الدّنيا و الآخرة.
فان قال قائل: إنّ أمر الآخرة غائب و لا يدرى «3» ما يكون من نفعه و ضرّه هناك، قلنا: فان كان ذلك أمرا غائبا «4» يقدر الملحد على إنكاره، فكيف يجوز دفع ما يعاينه و يشاهده فى الدّنيا؟ أو ليس من قد دخل تحت أحكام القرآن، قد آوى إلى ركن وثيق و حصن منيع، لا حصن فى العالم أمنع منه؟
و من خرج عن أحكامه فلا مأوى له و لا وزر، و لا ملجأ و لا عنصر؟ فاىّ كتاب يعدل «5» القرآن و أىّ شاهد أعدل «6» من هذه القوة التى قد ظهرت منه؟
و أىّ دليل أوكد من هذا: أنّه كلام اللّه و معجز «7» محمّد (ص) و لا يقدر على مثل هذه القوة الّا اللّه؟ و من يقدر على دفع هذا «8» إلّا مباهت مكابر أو مجنون مختبل؟
فان قال قائل: إنّ أهل الملل لم يدخلوا تحت أحكام القرآن و قد
__________________________________________________
(1)- المخضرمين: للمخضرمين C
(2)- الزنى: الزنا-- CB
(3)- يدرى: يدرك A
(4)- امرا غائبا: امر غائب C
(5)- يعدل: فى C
(6) اعدل: اعظم C
(7)- معجز: معجزة C
(8)- هذا: هذه BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:260
نجوا من هذه الأسباب التى قد ذكرناها، قلنا:(1/339)
إنّ من هم «1» منهم فى دار الاسلام قد دخلوا تحت أحكامه لقبولهم الجزية و التزامهم «2» الذّلّة و الصّغار. و بذلك حقنوا دماءهم و حصنوا اموالهم و ذراريهم. و من هم «3» فى الممالك التى هى خارجة عن دار الاسلام فأنّهم متعلقون برسوم الأنبياء (ع)؛ و بتلك الآثار ساسوا ممالكهم، و بتلك الشّرائع انتظمت أمورهم، لا بالمجسطى و بطليموس و كتب المنطق و اقليدس و كتب الطّب، بل بقوّة كتب الأنبياء (ع) التى قد بقيت آثارها فى أيديهم؛ و ان كانت قوة كتاب محمد (ص) هى أعظم و أجّل منها، كما أن مقدار مرتبته و رفيع درجته و علو منزلته عند اللّه فوق درجات النّبيّين، و هذه معجزته القائمة فى العالم.
و مما يزيد فى تاكيدها و إيضاحها أنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا أنزل عليه هذا «4» الكتاب، وعده «5» فيه أن يؤثّر فى هذا العالم هذا الأثر العظيم، و بشرّه بذلك فى أوّل أمره «6» و مبتدأ شأنه قبل أن كان؛ فأنجز له ما وعده. و قد كان بشّر محمّد (ص) بذلك أمّته و صدق اللّه عزّ و جلّ «7» بشراه و أنّه وعده أن تعلو ملّته على جميع الملل و الأديان علّوا ظاهرا على «8» حسب ما قد انكشف و ظهر للعالمين «9».
فقال «10»: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» فأنزل هذه الآية عليه و وعده فيها أن يظهر دينه على جميع الأديان فى مشارق الأرض و مغاربها، فقد ظهر عليها و قهرها و هو يزيد
__________________________________________________
(1)- هم: هو CBA
(2)- التزامهم: الزامهم C
(3)- هم: هو-- CB
(4)- هذا:- B
(5) وعده: وعدة A
(6)- امره: مرة A
(7)- عز و جل:- A
(8)- على:- A
(9) للعالمين: للعالم C
(10) فقال: اللّه C، عز و جل B(1/340)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:261
قوة و علوّا على مرور الأيّام. و أعلم (ص) أمّته أنّ الله عزّ و جلّ «1» قد كشف له عن الذى يكون بعده و أنّه قد «3» عاين ذلك و أنّ اللّه «2» سينجز له ما بشره به «4»، فقال: «زويت لى مشارق الارض و مغاربها و سيبلغ ملك امتى مازوى لى منها.» فكيف ترى صنع اللّه له فى تصديق قوله بعد خروجه عن العالم؟ و كيف ترى صحّة هذه «5» الآيات التى فى القرآن و الخبر الذى روى عنه (ص)؟ و لو كان كذّابا، كما يدعيه الملحدون أعداء الله «6»- لعنهم اللّه- لبطلت «7» دعاويه، و لما أنجز اللّه له عداته، و لسقط بنيانه بعد وفاته، و لكان سبيله سبيل من كان بنيانه «8» على غير أصل صحيح و كان أساس أمره من عند غير الله. فانّا نرى كلّ من يدّعى رياسة فى الدّين و الدّنيا و يكون له أتباع، يبطل «9» أمره عند موته من الملوك و الرّوساء و من جميع الأصناف؛ فاذا خرجوا عن العالم يتفرّق جمعهم و تنقطع رسومهم و آثارهم و ينهدم بنيانهم، الّا ما كان من رسوم الأنبياء البررة الطّاهرين (ع).
فان ادّعى مشغب أنّ كثيرا من المبتدعين قد بقيت رسومهم فى العالم و بقى جمعهم و أتباعهم، و احتجّ بالمنّانيّة «10» و الدّيصانية «11» و أشباههم من المبتدعين فى الشرائع و بأهل الأديان فى البلدان التى هى فى أطراف الأرض، مثل التّرك و الهند و غير ذلك، قلنا:
قد «12» تقدم القول منّا أنّ هؤلاء بنوا بدعهم على رسوم الأنبياء (ع) و خلطوا بدعهم بآثارهم و نسبوا ما رسموه إلى الأنبياء «13» (ع) و إن كانوا مبتدعين.
__________________________________________________
(1)- عز و جل:- A
(2) كشف ... اللّه:- A
(3)- قد:- BA
(4)- به:- C
(5)- هذه:- C
(6)- اللّه:- B
(7)- لبطلت: بطلت B
(8)- بعد وفاته ... بنيانه:- C
(9)- يبطل: لبطل C
(10)- المنانية: المانية BA
(11) الديصانية: الديصانة BA
(12)- قد:- A
(13)- (ع) ... الانبياء:- A(1/341)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:262
فانهم متعلقون بحبلهم، يحتذون حذوهم و يتشبهون «1» بهم و يدعون إلى زخارف قد مثلوها برسوم الأنبياء (ع) و أقاموها بتلك الرّيح. و هكذا سنّ لهم «2» أوائلهم الذين وضعوا لهم هذه البدع؛ و لولا ذلك لما قام لهم رسم و لا أثر. و لكن مقدار ما يثبت من رسومهم هو ريح الرّسوم التى كانت من الأنبياء (ع) و من خمير كلامهم «3». و مع ذلك فانّ بنيانهم قد ضعف و يضعف على مرور الأيّام؛ لا كبنيان محمّد (ص) الذى لا يزداد فى «4» كلّ يوم الا علّوا و ظهورا؛ لأنّه خرج (ص) عن العالم و الأمصار التى دخلها الاسلام قليلة العدد، مضى (ص) و الاسلام بأرض الحجاز و تهامة فى الحرمين، مكة و المدينة «5» و ما والاهما من المخاليف مثل قرى «6» خيبر و فدك و وادى القرى و الطائف و اليمن و البحرين و ما والاهما، مثل نجران و عمان. فكانت عمّاله (ص) فى هذه الأمصار و فى البوادى على صدقات القبائل. فأمّا سائر الممالك و الأمصار (فقد) فتحت بعده بسيفه و قوة كتابه و شريعته و أقيمت فيها أحكامه و سننه و ثبت فيها زرعه. و كان (ص) يبشّر أمّته و يخبرهم أن هذه الممالك تفتح «7» عليهم بعده كما ذكرنا من «8» آيات القرآن و الأخبار التى جاءت عنه.
و روى عنه (ص) أنه قال: «إذا فتح اللّه عليكم مصر «9» فاستوصوا بالقبط خيرا، فانّ لهم رحما»، يعنى بذلك «10» إبراهيم (ع) ولده و كان «11» من مارية القبطيّة.
و ما روى عنه فى يوم الخندق، أنّ سلمان «13» قال: كنت أضرب فى ناحية من الخندق «12» صخرة فغلظت على، فرآنى «14» (ص) و رأى شدّه المكان، فنزل و
__________________________________________________
(1)- يتشبهون: متشبهون A
(2)- لهم:- B، عليهم C
(3)- كلامهم:- A
(4)- فى:- C
(5)- المدينة: مدينة BA
(6)- مثل قرى: قرى مثل A، مثل B
(7)- تفتح: يفتح B
(8) من: عن A
(9)- مصر:- A
(10)- بذلك: ان-- CA
(11) و كان: كان A
(12)- ان ... الخندق:- A
((1/342)
13) سلمان: ان C
(14)- فرآنى: فراى A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:263
أخذ المعول من يدى، فضرب به ضربة «1»، فلمعت برقة تحت المعول، ثم ضرب أخرى «2»، فلمعت برقة «3»، ثمّ ضرب «4» الثالثة، فلمعت برقة. فقلت: يا رسول الله ما هذا الذى رأيت يلمع تحت المعول؟ قال (ص): رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت:
نعم. قال: أمّا الأولى فانّى رأيت فيها فتح اليمن، و الثانية فتح الشام، و الثّالثة فتح المشرق. و قد رويت عنه «5» فى هذا أخبار كثيرة قد «6» صحت بعده.
(9) فان قال قائل من الملحدين: إنّ الحديد إذا ضرب به الحجر فعل هذا الفعل، قلنا: لا ننكر «7» ذلك و لكنّا أردنا أن نذكر ما قاله (ص) من أمر الفتوح التى كانت بعده «8»، فبشّر بذلك كما أراه اللّه عزّ و جلّ، ثم ظهر صدقه بعد ذلك «9». و مثل هذا كثير تركنا ذكره، من الأخبار التى ظهر صدقه فيها بعد وفاته «10» (ص) و صحّت، و لم يبطل شى ء منها كما بطلت دعاوى الكذّابين المتنّبئين الذين ظهروا فى العرب مثل مسيلمة الكذّاب بن حبيب المتنّبى باليمامة، و طليحة بن خويلد المتنبّى «11» فى أرض بنى أسد، و الأسود العنسى «12»، المتنبّى بصنعاء و سجاح بنت الحارث اليربوعيّة التى تنبّت فى بنى تميم فتبعتها عامتهم و أطاعوها، حتى قال فيها بعض شعرائهم:
أمست «13» نبّيتنا أنثى نطيف بها و أصبحت أنبياء النّاس ذكرانا
ثم صارت إلى اليمامة و تزوّجها مسيلمة الكذّاب، و هؤلاء كلهم كان لهم أتباع و نهض معهم قوم آمنوا بهم و أطاعوهم «14» و نصروهم و كانوا يسجعون و يعدون النّاس. و ربما سجعوا و تكّهنوا و أصابوا بكهانتهم فيفتتن «15» بهم الناس
__________________________________________________
(1)- ضربة:- A
(2) اخرى: آخر C
(3)- برقة:- A
(4) ضرب: ضربت A
(5)- عنه:- B
(6) قد:--- CA
(7)- ننكر: تنكر B
(8)- بعده:- A
(9) بعد ذلك:- C
(10)- و مثل ... وفاته:--- CA
(11)- باليمامة ... المتنبى:- A
(12)- العنسى: العنس A
((1/343)
13)- امست: اصبحت CBA
(14)- اطاعوهم: اطاعوها A
(15)- فيفتتن: فيفتن A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:264
كما فعل طلحة حين نهضت معه بنو فزارة «1» و بنو أسد: و أمرهم أن يصلّوا قياما لا يركعون و لا يسجدون و قال: اذكروا «2» الله قياما فانّى اشهد أن الصريخ يحب الدعوة، ما يفعل اللّه بتعفير خدودكم و فتح أدباركم؟ فأطاعوه و قبلوا منه و أصابه هو و أصحابه «3» عطش فسجع و تكهن فقال: اركبوا غلالا و اضربوا اميالا «4» تجدوا بلالا. و غلال «5» فرسه، فركبوه و فعلوا «6» ما قال فوجدوا ماء، ففتن به النّاس. و كانت قاتلت عنه أسد و فزارة و هو متلفّف بكساء له فى فناء بيته يتنبّى عليهم و النّاس يقتتلون «7» حتى قتل منهم خلق عظيم و هو يقول: يأتينى ذو النون الذى لا يكذب و لا يخون، و لا يكون الا ما يكون. و كان عيينة بن حصن سيد بنى فزارة يقاتل بين يديه و يرجع إليه و يقول: جاءك ذو النّون؟
فيقول لا حتى رجع اليه مرارا و الحرب قد طحنتهم و عيينة يقول: حنقا «8» حتى متى، ثم جاءه «9» فقال له، هل أتاك ذو النون؟ قال «10» نعم. قال: فما «11» قال لك «12»؟ قال:
قال لى لك رحاء «13» كرحاه «14» و حديثا لا تنساه. فقال عيينة: اظن و اللّه يكون لك حديث لا تنساه «15» يا بنى فزارة! انصرفوا، فانه كذاب. فانصرفوا عنه و خذلوه.
و كذلك كان حديث «16» مسيلمة، نهضت «17» معه بنو حنيفة و غيرهم و قالوا:
منّا نبى و منكم نبى؛ و كان يسجع لهم و يقاتلون معه، حتى قتل منهم ستة الف رجل ثم قتل. و سأل ابو بكر قوما من بنى حنيفة، فقال: ما كان يقول صاحبكم «18»؟
قالوا: كان يقول، يا ضفدع نقى نقى، لا الماء «19» تكدرين و لا الشراب تمنعين.
__________________________________________________
(1)- بنو فزارة: بنو فرارة B
(2)- اذكروا: اذكر B، ذكروا C
(3)- اصابه هو و اصحابه:- C
(4)- اميالا: نبالا C
(5) غلال: غلالا B
(6) فعلوا: وطوا C
(7)- يقتتلون: يقتلون و يقتلون B
((1/344)
8)- حنقا: حلقا CBA
(9) جاءه: جاء C
(10)- قال: فقال BA
(11) فما: فيما B
(12) لك: ان لك-- CA
(13) رحاء: رجى A، رجا B
(14) كرحاه: كرجاه B
(15)- اظن ... تنساه:- C
(16) حديث: حديثا CBA
(17)- نهضت: نهض C
(18)- صاحبكم: يقول-- A
(19) الماء: السماء A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:265
فقال: و يحكم إنّ هذا كلام لم يخرج من آل، فأين يتاه بكم؟!
و كذلك كان الأسود العنسى الذى كان يقال له «ذو الخمار»، تنبّى على أهل صنعاء و تبعه عالم من الناس كثير و نهضت معه كندة «1» و بقايا ملوكها، منهم الاشعث بن قيس و حارثة بن سراقة بن معدى كرب و غيرهما، و جمع كثير من «2» الأبناء الذين كانوا باليمن فحاربوا معه و نصروه «3» حتى قتل، و قتل معه خلق كثير. و كانت قبيلة من كندة يقال لها «4» بنو قتيرة، قد انضموا الى المهاجرين و خالفوه و حاربوه، فسجع لهم و قال:
صباح سوء لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة
فلما قتل الكذّاب قال رجل من بنى قتيرة فى ذلك:
صباح صدق لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة «5»
اذ «6» آثروا اللّه على العشيرة فهولاء الكذّابون الذين تنبّوا و تبعهم عالم من النّاس و كانوا يسجعون و يتكهّنون و يعدون أتباعهم، فلمّا قتلوا بطل أمرهم و تهدّم بنيانهم. و إنما ذكرنا شأنهم ليعلم الملحدون أنّ أمر محمّد (ص) لم يكن مثل أمر هؤلاء الكذّابين الذين تشبّهوا بالأنبياء فلما هلكوا بطلت دعواهم «7» و درس كلامهم و سقط بنيانهم لانه كان على شفا جرف هار فانهار به «8» فى نار جهنّم؛ لا كبنيان محمّد (ص) الذى أسّسه «9» على تقوى من اللّه و رضوان؛ فهو يعلو و يزداد قوّة على مرور الأيام و الشهور و انقضاء السّنين و الدّهور و لو كره المشركون و معجزته قائمة فى العالم و هى التى يجب أن تدعى معجزة على الحقيقة، لا ما
__________________________________________________
(1)- كندة: كندره A
(2)- كثير من:- C
((1/345)
3)- فحاربوا معه و نصروه: فنصروه و حاربوا معه-- CA
(4)- لها: لهم BA
(5)- قتيرة ... بنى مغيرة:- A
(6)- اذ: ان C
(7)- دعواههم: دعويهم-- CA
(8)- فانهاربه: فانها A
(9)- اسسه: اسه BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:266
ادّعاه الملحد من فعل أصحاب الخفّة و الشّعبدة كالرّقص على الأرسان و الدّوران على رؤوس الأسنّة فوق الرّماح و غير ذلك مما يجوز أن يأتى بمثله كثير من النّاس، و سمّاها «1» معجزات و شبّهها بمعجزات محمّد (ص).
و أنّما سمّيت المعجزة معجزة لأنّ الناس يعجزون أن يأتوا بمثلها. فأمّا الاسباب التى يشترك فيها «2» الصّادق و الكاذب، و يشتبه الأمر فيها على النّاس حتى ينساغ لهم «3» القول و يشبّهوها «4» بفعل السّحرة، و تبطل «5» كما يبطل فعل السّحرة فلا «6» يقال لها معجزات؛ بل المعجزة على الحقيقة ما قد ذكرنا من شأن «7» القرآن و شريعة محمّد (ص) و ما قد ظهر من قوّته التى «8» قد كبس بها «9» الأرض تحت أحكامه «10» و سننه و هو «11» يزداد حتى لا يبقى فى الأرض إقليم و لا جزيرة و لا مصر و لا بلد إلّا و يدخله الاسلام فى مشارق الأرض و مغاربها، فيتمّ آخره كماتمّ أوّله و ينجز اللّه «12» وعده؛ إنّ اللّه لا يخلف الميعاد. فهذه هى المعجزة التى «13» لا يقدر أحد أن يأتى بمثلها.
(10) فان قال قائل: فلعلّ ما تدّعون «14» لا يصحّ و لا يكون، قلنا: هذه الدّعوى هى لمحمد (ص) و هى فرع لدعواه التى ذكر أنّ اللّه عزّ و جلّ يظهر دينه على كلّ دين و لو كره المشركون. و قد صحّ ذلك الأصل، و الفرع تابع الأصل؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد أظهر دينه على جميع الأديان. و أمارات هده الدعوى التى هى الفرع، قد ظهرت؛ لأنّ الاسلام يرداد و ظهوره يقوى على مرور الزّمان كما قلنا.
__________________________________________________
(1)- سماها: سمى هذه CBA
(2)- فيها: بها B
(3)- لهم:- C
(4) يشبهوها: يشبهونه CBA
(5) تبطل: يبطل BA
(6)- فلا: لا CBA
((1/346)
7)- شان: مثال B
(8) التى:- B
(9) بها: به A
(10) احكامه:- A
(11) و هو: فهو A
(12)- ينجز اللّه: اللّه ينجز B
(13) التى:- B
(14)- تدعون: يدعون-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:267
فان شغب معاند و احتّج بمثل ما قاله الملحد بأنّ النّصرانيّة قد غلبت بروميّة و اليهوديّة بالخزر، و المجوسيّة فى بعض الجبال قلنا: إنّ الظهور هو الغلبة و الاستعلاء. و قد غلب الاسلام هذه «1» الملل، و استعلى عليها؛ لأنّ الأمصار التى قد ملكها أهل الاسلام كانت كلّها ممالك لأهل هذه الملل، مثل بلاد العجم من أرض بابل العراق و كور الأهواز و فارس و كرمان و سجستان و إصبهان و سائر الجبال الى خراسان و طخارستان «2» و بغرغر و الى حد السند و الهند و الى حدود الصّين و فيافى التّرك و نواحى الخزر «3» و غيرها من الممالك العظيمة التى كان يملكها الأكاسرة و ملوك الهياطلة و كانوا على المجوسية، و كذلك «4» أرض الحجاز و تهامة الى البحرين و نجران، إلى أقصى الحجر باليمن؛ و كانت ممالك لأهل «5» أديان مختلفة من اليهود و النّصارى و المجوس، سوى ما كان فى مملكة عبدة الأصنام من العرب. ثم بلاد الشّام و الأردنّ إلى طنجة و فرنجة و تاهرت الأقصى التى ملكها إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن على (ع) و الى جزيرة وراء البحرين ببلاد الاندلس و تاهرت الادنى التى ملكها الدّيسمى الا باضى فلان «6» بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب «7» بن رستم الفارسى الذى كان يسلّم «8» عليه بالخلافة. ثم وراء «9» بحر الاندلس فى بلاد ولد عبد الرحمن بن معاوية الأموى من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان و الى حدود «10» وادى الرّمل الذى قد نصب على طرفه تمثال من نحاس، قد كتب عليه: ليس ورائى
__________________________________________________
(1)- هذه: لهذه B، فهذه A
(2)- طخارستان: طخرستان A
(3)- الخزر: الحرر A، الجزائر B، الجزر C
(4)- كذلك: من A، فى C
(5)- لاهل: اهل B
((1/347)
6)- فلان: فلات C
(7) عبد الوهاب: الوهاب B
(8)- يسلم: سلم A
(9) وراء: الحجر B
(10)- حدود: حد BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:268
مذهب «1» و لا يطأ تلك الأرض أحد إلّا ابتلعه «2» النّمل «3». ثم إلى «4» باب النّوبة ثم الى الجزائر، ثم الى صقليّة و مدائنها، ثم الثغور الحرريّة «5» و الشّامية من شمشاط و ملطية و طرطوس و غيرها الى قليقلا «6» و ماوراء ذلك من بلاد أرمينية و أذربيجان إلى باب و الحرن و الداب «7» و تفليس و الباب الى رومية. هذه كلها كانت ممالك الرّوم و قد غلب أهل الاسلام أهل الأديان على هذه الممالك و قهروا ملوكها و استعلوا عليها. و أما «8» المجوس، فقد صار أمرهم «9» إلى ما ترى. و أما النّصارى فقد التجأوا إلى رومية و تحصّنوا فيها، بمنزلة من يأوى إلى قلعة أو حصن يمتنع فيه من عدوه و كذلك سبيل اليهود بخزر و المجوس الذين فى رؤوس الجبال- كما ذكر الملحد- و سائر الأديان فى أطراف الأرض كلّهم مقهورون مغلوبون. فمن كان منهم فى دار الاسلام قد التزم الجزية و الصغار. و من كان ملتجى ء إلى ممالكهم فالسّيف على رقابهم و أهل الاسلام لم يؤدّوا «10» إلى أحد جزية و لا دخلوا تحت أحكام متسلّط فى الدّين و الدّنيا، بل الاسلام على عليتهم «11» قاهر لهم. و قد بنيت المساجد بروميّة على صغر «12» منهم و قمأة «13»، لا يجسرون أن يمنعوا من بنيانها إذعانا لأهل الاسلام و انقيادا لهم.
فان قال قائل «14»: فانّ البيع و الكنائس و بيوت النّيران فى دار الاسلام، قلنا: ليس سبيل الكنائس و البيع و بيوت النّيران «15» فى دار الاسلام تلك السّبيل، لأنّ محمّدا (ص) ترك هذه الأبنية اختيارا لا اضطرارا؛ و لو شاء، لأمر «16» بقلعها.
__________________________________________________
(1)- مذهب: بذهب A
(2) ابتلعه: تبلعه BA
(3) النمل:- CB
(4)- الى: التى C
(5) الحررية: الجزرية B
(6)- قليقلا: قيقلا B
(7)- الداب: اللاب C
(8)- و اما: فاما A
((1/348)
9) امرهم: امره A
(10)- يؤدوا: يود-- CA
(11) على عليتهم: عالى عليتهم A على عليهم B، عالى عليهم C
(12)- صغر: صغير A
(13) قماة: فاة B
(14)- قائلون: قائل
(15)- النيران ... النيران:- B
(16)- لامر: لا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:269
بل لو شاء لما ترك فى دار الاسلام ذميّا واحدا. و لكن أراد أن «1» تبقى رسوم الأنبياء فى العالم، و شهد لهم بالتّصديق و سالم اهل الملل بأخذ الجزية منهم، لتبقى رسوم الأنبياء (ع)؛ فيكون حجّة للّه عزّ و جلّ على خلقه. و لو لا «2» ذلك لاستنّ فيهم بسنّة «3» العرب؛ فانّه لم يرض منهم إلّا بالاسلام أو القتل، و لم يقبل منهم الجزية. و لو فعل ذلك بأهل الملل لكان قادرا على ذلك. فلهذه العلة أقرّ هذه الأبنية. و ليس سبيل المساجد بروميّة هكذا، لأن النّصارى لا تشهد لمحمّد (ص) بالتصديق كما شهد محمد لعيسى (ع). و لو قدرت الروم على إخرابها لما تركتها و لكنهم أقّروها اضطرارا. ثم نقول «4»: إنّ هذه الممالك التى هى تحت أحكام القرآن، هى أعدل الجزائر طبائع و أفضل أقاليم الأرض، و هى أرض الأنبياء و الرّسل، و فيها مبعثهم، و هى منشأ الحكماء و أهل الفضل، و قد صارت ممالك لأهل الاسلام، و الاسلام قد طبّق العالم تطبيقا.
و لم يغلب أحد من أهل سائر الملل أهل الاسلام فى شى ء من ممالكهم. فهذا هو القهر «5» و الغلبة و الظّهور الذى وعد الله محمدا (ص) أن يظهر دينه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ*. و قد أنجز له وعده، و ظهرت حجّته، و صحّت هذه الدّلالة الواضحة و المعجزة البيّنة، و بان صدقه؛ و هو عز و جل يتمّم ذلك كله «6» له حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا «و اللّه بالغ أمره و لو كره الكافرون».(1/349)
و تأوّل قوم فى هذه الآية: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»* فقالوا: إنّ اللّه قد وعد محمّدا أن يظهره على الدين كلّه. فخرج عن الدّنيا «7»، و لم يظهره «8» على الدّين كلّه، و احتجّوا بذلك. و ليست لهم حجّة فى هذه
__________________________________________________
(1)- ان:- A
(2)- و لولا: لولا C
(3)- بسنة: سنة C
(4)- نقول: يقول A
(5)- القهر:- B
(6)- كله ... كله:- B
(7)- الدنيا: الدين A
(8)- يظهر:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:270
الآية. قال جل ذكره: «أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ «1» لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»* يعنى يظهر الدّين الذى أتى به محمد (ص)، و هو دين الحقّ، على الدّين كلّه، فالهاء فى قوله «ليظهره» راجعة على دين الحقّ؛ و قد ظهر دين الحقّ على الدّين كلّه. و هذا صحيح من جهة اللّغة «2» العربيّة: و ليس لمعاند فيه مقال. و لو كانت الهاء راجعة على رسوله، لكان المعنى صحيحا؛ لأنّ ظهور دينه على الدّين كلّه هو ظهوره و لكن إذا اردت الهاء على دين الحق سقطت حجّة المعاند و لم يكن له مقال.
__________________________________________________
(1)- على الدين ... دين الحق:- A
(2)- اللغة: و C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:271
الباب السّابع
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:273
الفصل «1» الاول الانبياء أصل التعاليم و مورثوا الحكماء
الآن بعد فراغنا من القول فى معجز «2» محمد (ص) الذى هو القرآن العظيم، و كشفنا عن الدّلالة الكبيرة له «3» القائمة فى العالم، و تكرير القول بذلك لايضاح المعانى التى فيه، و تنوير الحجة، نقول «4» فى جواب ما ادّعاه الملحد:
((1/350)
1) أن الفلاسفة استدركوا هذه العلوم بآرائهم و استنبطوها بدقّة نظرهم و ألهموا ذلك بلطافة طبعهم، يعنى ما فى كتب الطبّ من معرفة طبائع العقاقير و الخصوصيّات التى فيها، و ما فى المجسطّى و بطلميوس من معرفة حركات الفلك و الكواكب و حساب النّجوم و ما فيه «5» من اللطائف و الأحكام و ما فى إقليدس من «6» علم الهندسة و المساحات و معرفة مقدار عرض الأرض و طولها و مسافة ما بين السّماوات و غير ذلك
__________________________________________________
(1)- فصل:- B
(2)- معجز: معجزة C
(3)- له: و C
(4)- نقول: و نقول-- CB
(5)- فيه: فيها A
(6)- من: فى A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:274
ممّا فى هذه الكتب. فزعم الملحد أنّ ذلك «1» كلّه باستنباط و إلهام، و أنّهم استغنوا عن أئمّتنا فى ذلك يعنى الأنبياء (ع).(1/351)
ثم افتخر و قال: إنّ نفعها و ضرّها أكبر «2» من نفع كتب أهل الشّرائع و ضرّها، و تبّحج بذلك ثم قال: أخبرونا أين ما دلّت عليه أئمّتكم من التّفرقة بين السموم و الأغذية و أفعال العقاقير؟ أرونا منه ورقة واحدة كما نقل عن بقراط و جالينوس الألف لا الآحاد «3»؛ و قد نفعت «4» الناس. و أرونا شيئا من علوم حركات الفلك «5» و علله، نقل عن رجل من أئمّتكم، أو شيئا من الطّبائع الّلطيفة الطّريفة نحو الهندسة و غير ذلك من أمر اللّغات، لم تكن معروفة اخترعها أئمّتكم. ثم قال: إن قلتم إنّ هذا كلّه أخذ أصله من أئمّتنا، قلنا هذه دعوى غير صحيحة و لا مسلّمة لكم، و إنّا لنعرف ما تدّعون «6» أنّه من «7» أئمّتكم؛ و هو الضّعف الوقح «8» الذى شاع ذكره فى عوام النّاس وخواصهم. ثم قال: فان قلتم فمن اين عرف النّاس أفعال العقاقير فى الأبدان و حركة الفلك و بأىّ لغة تدعى الناس إلى اختراع اللّغات؟ فانّ لنا فى «9» ذلك أقاويل تستغنى «10» عن أئمّتكم. فمنها ما تكون مستخرجة على رسومها المعروفة المشهورة عند أهلها كالأرصاد للنجوم و معرفة أفعال العقاقير فى الأبدان و معرفة قوامها بالطّعوم و الأرائح، و منها ما أخذت
__________________________________________________
(1)- ان ذلك: اذلك B
(2)- اكبر: اكثر-- CB
(3) لا الآحاد: الاحاد C
(4)- نفعت: نفع CBA
(5) الفلك:- A
(6)- تدعون: يدعون C
(7) من: عن B
(8) الوقح: الرع BA
(9)- فى:- BA
(10) تستغنى: تستغن A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:275
أولا «1» عن أوّل إلى نهاية الزّمان، و منها أن تكون معرفتها بالطّبع كما يحسن الأوزّ السّباحة من غير تعليم «2» من أئمّتكم؛ و يدحض الاحتجاج الذى احتججتم به. هذا قول الملحد حكيته على وجهه، و نقول فى جوابه «3»:
((1/352)
2) أمّا «4» القول فى باب نفع الكتب التى ذكرها و ضرّها (و) فى تفضيله إيّاها على القرآن العظيم و على سائر الكتب المنّزلة فقد شرحنا ما فيه كفاية لمن أنصف و لم يعاند و لم يغشّ نفسه. «فامّا من طغى و آثر الحيوة الدّنيا فان الجحيم هى الماوى و اما من خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى فان الجنّة هى الماوى»
و أمّا هذه الكتب التى ذكرها و ذكر أنّها عن أئمّتهم فانّا نقول:
إنّها من رسوم الحكماء الصّادقين المؤيّدين من اللّه عزّ و جلّ «5»، و ليس اسم أئمّتهم فيها إلا عارية و هذه الاسماء التى تنسب «6» هذه الكتب «7» إليها، مثل جالينوس و بقراط و إقليدس و بطلميوس و غير ذلك ممّا يشاكلها فهى أسماء كنى بها عن «8» أسماء الحكماء الذين وضعوا هذه الكتب. و هذه الكتب هى مبنيّة «9» على الحكمة الصّحيحة و الاصول المنتظمة. و قد كنت ناظرت الملحد على أشياء «10» فى كتاب بليناس و قد كان «11» ذكر لنا «12» أن صاحب هذا الكتاب «حدوثى» «13» و أنّه كان فى هذه الشريعة، و تسمى «14» بهذا الاسم، و وضع هذا الكتاب؛ و قد
__________________________________________________
(1)- اولا:- B
(2)- تعليم: معلم C
(3)- فى جوابه:- A
(4)- و اما: اما-- CB
(5)- عز و جل:- A
(6)- تنسب: نسبت C
(7) الكتب: الاسماء C
(8)- بها عن: بها عن A
(9)- مبنية: بينة A
(10)- اشياء: هى BA
(11)- كان:- B
(12) ذكر لنا: ذكرنا-- CB
(13) حدوثى: محدث CBA
(14)- تسمى: تسمعوا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:276(1/353)
ذكرنا شيئا من كلامه و الأمثال التى ضربها «1» فى كتابه. فذاكرت الملحد بذلك، فقال: هذا هو صحيح، و قد عرفناه، و اسم هذا الرجل فلان، و كان أيّام المأمون، و كان حكيما متفلسفا. و هكذا كنا سمعناه من غيره. فهذا الرّجل سلك «2» سبيل أولئك الحكماء القدماء، و تسّمى بهذا الاسم الذى يشاكل تلك الأسماء، و كلامه من ذلك النوع؛ و لكنه قد جرّد القول فى التوحيد، ورد على أصحاب الاثنين و سائر الملحدين، و أثبت حدث العالم، و أورد فى ذلك حججا كثيرة قويّة، ثم تكلّم فى كون العالم، و على علل «3» الأشياء، و ضرب أمثالا كثيرة، منها سهلة تلحق معانيها، و منها مستغلقة. و هكذا كان سبيل سائر الحكماء الذين تسموا بهذه «4» الاسماء.
و قرأت فى كتاب دانيال أن بخت نصر لما فتح بيت المقدس و سبى أهله، انتخب غلمانا من ذلك السّبى لخدمته، و كان فيهم دانيال فكانوا يخدمونه «5» حتى رأى تلك الرّؤيا فسأل السّحرة و أصحاب الرّقى و المجوس و الكلدانيين و المنجّمين و الكهنة عنها و عن تعبيرها، فلم يخبروه بها و لم يقدروا على ذلك فأخبره «6» بها دانيال و عبّرها «7» له «8»، فقال له بخت نصر: ليس فى جميع مملكتى «9» من يقدر أن يخبرنى بها و تعبيرها، و أنت يا دانيال تقدر على ذلك لأنّ فيك روح اللّه الطّاهرة، و أنت اسمك بلطشاسر «10». ثم رأى بعد ذلك رؤيا أخرى، فقال: ادخلوا الى دانيال عظيم الحكماء الذى سميته باسم إلهى بلطشاسر. فادخلوه «12» إليه فعبّرها له بعد أن أخبره بها و قال بلطشاسر «11»
__________________________________________________
(1)- ضربها: نضربها B
(2)- سلك: يسلك B
(3)- علل:- B
(4)- بهذه: بهذا B
(5)- و كان ... يخدمونه:- C
(6)- فاخبره: فاخبروه A
(7) عبرها: غيرها B
(8) له:- CB
(9)- مملكتى مملكتينى A
(10)- بلطشاسر: بلسطاس A، بلطاس B
(11)- فادخلوه ... بلطشاسر:- C
(12) فادخلوه: فادخلوا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:277(1/354)
معناه صورة بال و هو الوثن الذى كانوا يعبدونه.
و إنّما «1» ذكرنا هذا لما قلنا أنّ هذه الأسماء التى نسبت إليها هذه الكتب، هى كنايات عن الحكماء الذين «2» وضعوها و لها معان «3»، يعرفها من «4» يعرف تلك اللغّة، و تسمّى بها أولئك الحكماء و كنوا بها عن أسمائهم.
لم تشبّه بهم هؤلاء الكذّابون الضّلّال الذين نظروا فى تلك الرّسوم و عوّلوا عليها دون التّمسك برسوم أصحاب الشّرائع، و تأسّوا «5» بآرائهم و تعمقوا، و ابتدعوا تلك الوساوس الكبيرة التى زعموا أنّها حكمة و فلسفة و أنّهم سلكوا مسالك الحكماء، و تكلّموا فى البارى جلّ و عزّ «6» و فى مبادى الأشياء و تحيّروا فيها «7» و تاهوا، و زعموا أنّهم يستخرجون بفطنهم و طبعهم ما أغفله من تقدمهم من الحكماء. فأوردوا هذه الوساوس التى ذكرناها، و ذكرنا اختلافهم فيها و تنازعهم و تحيّرهم و تناقضهم و انهما كهم فى تلك الضّلالات، كما زعم الملحد انّه استدرك بفطنته ما لم يفطن له من تقدّمه، و ابتدع «8» مقالته السخيفة و زعم أنّه نظير بقراط فى الطبّ و سقراط فى استخراج اللّطائف. و هكذا كان سبيل أولئك الكذابين الذين تقدّموه ممّن «9» تشبّه بالفلاسفة و تسمّوا باسمائهم و اتّخذوا الالحاد شريعة و رسما و دانوا بالتعطيل. و قد رأيت من كانت سبيله هكذا و كان قد «10» تسمى بنسطولس «11» و آخر بنسطوس. فهكذا كان سبيل هولاء الكذّابين. فأمّا الحكماء الأوائل المحقّين الذين وضعوا هذه الرّسوم الصّحيحة فى النجوم
__________________________________________________
(1)- و انما: فما A
(2)- الذين: الذى C
(3) معان: معانى CBA
(4) يعرفها من:- B
(5)- تأسوا: قاسوا B
(6)- جل و عز:- A
(7)- فيها:- B
(8)- ابتدع: ابدع BA
(9)- ممن: فى C
(10)- و كان قد: و قد كان C
(11)- بنسطوس: بطوس B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:278(1/355)
و الطبّ و الهندسة و غير ذلك من علم الطّبيعة، فانّهم «1» كانوا حكماء أهل «2» دهرهم و أئمّة فى أعصارهم و حجج اللّه «3» على خلقه فى أزمنتهم أيّدهم اللّه بوحى منه و علمهم هذه الحكمة «4». فكلّ واحد منهم أعطى نوعا من الحكمة.
فمنهم من أعطى علم الطّبّ و غير ذلك من علوم الهندسة و الطبائع. فأخرجوها إلى النّاس، و أخذها عنهم النّاس لمّا أراد اللّه عزّ و جلّ أن يعرّف خلقه ما فى هذه الاصول من الحكمة، و ليظهر مراتب هؤلاء الانبياء فى أزمنتهم، و تظهر حجج اللّه على خلقه «5» على ألسنتهم. كما قد روى أن أصل النّجوم من إدريس النبىّ. (ع). و تأوّل «6» قوم فى قول اللّه عزّ و جلّ «7» فى قصة قوله:
«وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» أن اللّه عزّ و جلّ رفعه «8» الى الجبل الذى هو فى سرّة الأرض، و بعث إليه ملكا حتى علّمه أسباب الفلك و ما فيه من الحدود و البروج و الكواكب و مقدار «9» سيرها و سائر ذلك من علوم النجوم. و قالوا إنّ هرمس المذكور فى الفلاسفة هو إدريس، فاسمه فى الفلاسفة هرمس، و فى القرآن إدريس. و هذان الاسمان مشاكلان لتلك الاسماء مثل جالينوس و ارسطاطاليس و غير ذلك مما فى آخرها «سين»، و اسمه فى سائر الكتب المنزلة «10» أخنوخ «11»؛ فهذا «12» دليل بأنّهم «13» كانوا يكنون بهذه الاسماء و على هذه التقطيع من أسماء الانبياء ممن «14» ذكر منهم فى القرآن إلياس و إدريس و من هو مذكور عند أهل الكتاب «15» من الانبياء و الحكماء، شمعون «16» تلميذ المسيح (ع)، كان يقال له فطروس «17»، و اخوه ايضا احد الاثنى عشر اسمه اندريوس «18»، و من الحواريين
__________________________________________________
(1)- فانهم: و انهم C
(2) اهل:- C
(3)- اللّه:- CB
(4) الحكمة: الحقيقة C
(5)- يعرف خلقه ... على خلقه:- C
(6)- تاول: تامل: C
(7) عز و جل:- A
(8)- رفعه: فى قصة رفعه A
(9)- مقدار: مقداره A
(10)- المنزلة:- C
(11) اخنوخ: حنوخ A
((1/356)
12)- فهذا: فهذه A
(13) بانهم: انهم-- CA
(14)- ممن: فمن-- CA
(15)- الكتاب: من اهل الكتاب B
(16) شمعون: يسمون C
(17)- فطروس: وطروس C
(18) اندريوس: اندلس C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:279
الاثنى عشر فيلوس «1» و مارقوس أحد الاربعة و ملغوس «2» الرّسول المطاع فيهم و من الانبياء المذكورين عندهم سراقسيس «3» و آغايونس و لوقس و بولس «4» و فيلدفيوس «5». فهذه أسماء الانبياء و الحكماء و مثلها أسماء كثيرة، و هى «6» تشاكل اسماء الفلاسفة القدماء الذين وضعوا كتب الطّب و النجوم و الهندسة، و كنواعن أنفسهم بهذه الاسماء كما ذكرنا من «7» شأن إدريس أنّه أوّل من علم الناس علم النّجوم و أنه هرمس المعروف عند الفلاسفة بهذا الاسم.
(2) فان قال قائل: فلم نهى محمّد (ص) عن النّظر فى النّجوم و هى من علوم الانبياء؟ قلنا: لانه أمر منسوخ و سبيله سبيل سائر رسوم الأنبياء المنسوخة المنهى عنها. فأمرهم أن لا يشتغلوا به عن النظر فى شرائع الاسلام و لم يحرمه تحريما جزما «8». إنّما نهى عنه ترغيبا عنه، و لانّ الانسان اذا تعّمق فيه و لم يكن مستبصرا بالشّرائع و بامر التوحيد و لطائف العلوم الحقيقية «9»، تحيّر و أداه ذلك «10» إلى الالحاد و يكون سبيله سبيل هؤلاء الضّالين الذين تسمّوا بالفلسفة «11»؛ فنهى عن التّعمق فيه. و لانّ الناظر فيه يتكلف ما لا يحسنه و يكذب و يتشبّه «12» بالكّهان و يغلو فى القول و يكثر الدّعاوى الباطلة فى الاحكام، كما روى عنه انه قال: «إيّاكم و النّظر فى النّجوم فانه يدعو الى الكهانة» فرغّب «13» (ص) بالمسلمين عن الكذب و الدّعاوى الباطلة و ما يخاف عليهم من ذهول العقل «14» إذا لم يكونوا مستبصرين فى الدّين. فهذه هى «15» العلّة فى النّهى عن النّجوم و النّظر فيه و لم يحرمه تحريما. و لو حرمه لما جاز لمسلم
__________________________________________________
(1) فيلوس: ملوس C
(2)- ملغوس: فلفوس C
((1/357)
3)- سراقسيس: نراقيس C
(4) بولس بوس B
(5) فيلدفيوس. ملدفبوس C
(6)- هى: اسماء B
(7)- من: من C
(8)- جزما: جرما BA، حراما C
(9)- الحقيقية: الحقيقة B
(10) ذلك: تلك C
(11)- بالفلسفة: بالفلاسفة A
(12)- يتشبه: يشتبه A
(13)- فرغب: فرتحب A
(14)- العقل: العقول A
(15) هى: فى A،- B، عن C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:280
أن ينظر فيه أصلا و لكان سبيله سبيل سائر الاشياء المحرّمة مثل الخمر و الميتة و الدّم و لحم الخنزير. فعلم النّجوم أصله «1» من إدريس (ع)، و هرمس هو إدريس و هو نبى و هو من أئمّتنا لامن أئمّة الملحدين و كان بينه «2» و بين آدم (ع) خمسة آباء.
(3) و اما معرفة طبائع الأشياء، فانّ اللّه عزّ و جلّ لمّا خلق آدم (ع) و كان جسده مركبّا من طبائع الأرض و غذاؤه «3» مما أخرجت الأرض، و كانت الطّبائع متضّادة متشاكلة ضارّة و نافعة، علّم عزّ و جلّ آدم الأسماء كلّها اذ كان بدنه «4» و أبدان ولده لا تصحّ «5» إلّا بالغذاء، و الغذاء منه ما يضرّ و منه ما ينفع، و إذا كانت الأدواء تلحق أبدانهم و لا بد لكلّ داء من دواء، فعرّفه عزّ و جلّ من أى شى ء يتولّد الدّاء، و ما دواء كلّ داء اذ «6» لم يستغن عن ذلك.
و اذ «7» كان اللّه عزّ و جلّ أرحم به و بولده أن يدووا «8»، و لا يعرفوا «9» لأدوائهم أدوية، فعلّمه هذه الطّبائع كلّها و علّم هو ولده، فوعى ذلك منهم من وعى و نسى من نسى. ثم أخذه الخلف عن السّلف كما قال اللّه عزّ و جلّ «10» فى القرآن العظيم:
«وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» فعلمه كل شى ء يحتاج إليه من أمر دينه و دنياه.(1/358)
و لم يجز فى حكمة «11» اللّه الّا هكذا، لانهم لم يستغنوا عن عبادة اللّه عزّ و جلّ و معرفته طرفة عين، و لا جازت لهم الحياة فى هذا العالم يوما واحدا إلّا و «12» يعرفوا ما يصلح أبدانهم و ما يفسدها و ما يضرّها و ما ينفعها. فهذه هى النهاية فى معرفة طبائع الأشياء التى ذكرها الملحد و قال: أخذه الأول عن الأول إلى نهاية الزّمان
__________________________________________________
(1)- اصله:- B
(2)- بينه:- A
(3)- غذاؤه: غذاه A
(4)- بدنه: بدن B
(5) تصح: تصلح A
(6)- اذ: اذا CBA
(7)- اذ: اذا C
(8) يدووا: يدوون CBA
(9) يعرفوا: يعرفون CBA
(10)- عز و جل:- A
(11)- حكمة: حكم C
(12)- الا و: و لا B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:281
و قد صدق فى هذا القول، و لكن النّهاية ليست ما ذهب هو إليها أنّ نهايتها الى بقراط و جالينوس. و ذكر أنّه «1» روى عنهم الألف و الآحاد من الطّب و معرفة العقاقير. فما خبر «2» الامم الذين كانوا قبل بقراط و جالينوس؟ هل استغنوا عن معرفة «3» العقاقير أم لا؟ فانّ الذين مضوا قبلهما «4» كانوا فى مثل طبائع من كان بعدهما إلى يومنا هذا! و ان كان قبل بقراط و جالينوس من عرف طبائع العقاقير، فانهما أخذا عمّن تقدّمهما إلى أن ينتهى الأمر فيه إلى بدء الخلق الذى هو آدم (ع) و هو النّهاية. و إن كان بقراط و جالينوس زادا «5» شيئا فانّ سبيلهما ما «6» قد ذكرنا أنهما قدرا على ذلك بتأييد من اللّه جلّ ذكره و وحى منه.(1/359)
و من كانت سبيله هكذا فهو نبىّ مؤيّد من اللّه «7»، و الأنبياء هم أئمّتنا، لا أئمّة الملحدين. و لا ينكر أنّ اللّه عزّ و جلّ «8» يوحى إلى الأنبياء فيما ينساه «9» النّاس مما «10» يحتاجون إليه و يجدّد التّعليم لهم بذلك. كما قالوا إنّ المسيح (ع) كان لا يمرّ بحجر و لا شجر الّا و كلّمه. فليس معنى الكلام «11» هاهنا معنى المجاوبة «12»، إنّما معناه الاعتبار و الاستدلال. و من اعتبر بالشّى ء و علم ما فيه من النّفع و الضرّ فقد كلّمه ذلك الشى ء. و هذا باب مشهور عند أهل المعرفة و التمييز.
فهكذا كان أمر المسيح (ع)، كان لا يمر بشى ء إلّا و يعرف طبع ذلك الشى ء بوحى من اللّه عزّ و جلّ. و هكذا كان سبيل الحكماء الذين وضعوا هذه الرسوم و لم يقدروا على ذلك إلّا بوحى من اللّه و بتأييد «13» منه و كانوا أنبياء؛ و لا يقدر أحد أن يعرف طبيعة شى ء بعقله و فطنته و لا يصح ذلك «14» من جهة العقول.
__________________________________________________
(1)- انه: انها A
(2)- خبر: حال B
(3)- معرفة:- C
(4) قبلهما: قبلها B
(5)- زادا: زاد A
(6) ما: كما B
(7)- اللّه ... اللّه:- C
(8)- عز و جل:- A
(9) ينساه: يتاه A
(10)- مما: فيما C
(11)- الكلام: الكلا A
(12) المجاوبة: المحاورة B، المجاوزة C
(13)- بتائيد: له B
(14)- ذلك: الا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:282(1/360)
و قد أحال الملحد حين زعم أنّ ذلك باستخراج و إلهام و نظر و تجارب بالذّوق و الأرائح و غير ذلك ممّا ذكره و زعم أنّهم ألهموا هذه فى طبعهم من غير تعليم، و أنّ اللّه «1» أغناهم عن ائمّتنا كما ألهم الاوزّ السّباحة بالطّبع و أغناها «2» عن ائمتنا. و أقول، سبحان اللّه تعجّبا من الملحد! كيف اهتدى لهذه الحجّة التى تشبه «3» عمى قلبه و قلة عقله حين ادّعى أنّ الحكماء ألهموا استخراج هذه الطّائف من غير تأييد من اللّه عزّ و جلّ «4» و من غير تعليم من الأئمّة، بل بطبعهم كما يسبح الاوزّ بطبعه و أنّهم لم يحوجوا إلى ائمّتنا كما لم يحوج الاوز إلى ائمّتنا. أو لم «5» يعلم الجاهل أنّ الأمر لو كان أيضا كما ادّعاه، أنّهم استخرجوا هذه الأشياء بالطّبع، لما وجب أن يشبّه هذا الالهام و الطّبع بالهام الاوزّ و طبعه؛ لانّ الأوزّ مطبوع على السّباحة لا يحتاج فى ذلك إلى فكر «6» و لا استنباط، كما قد «7» طبع جميع الحيوان على شى ء ما. فطبع الطّير على الطّيران فى الهواء، و دواب الماء على السباحة فى الماء، و كلّ جنس لا «8» يقدر أن يخالف ما قد طبع عليه: لأنّه مجبر على ذلك لا مختار. فمنه ما يطير و يسبح كالاوزّ، و منه ما يسبح و لا يطير، كالسّمك و منه ما يطير و لا يسبح، كالحمام.
و الاوزّ مطبوع على السّباحة و الطّيران «9»، صغارها و كبارها مطبوعة على ذلك، كما ترى فراخها إذا انفلق عنها البيض سبحت؛ و ليس فى كلّ الاوزّ واحدة تخالف هذا الطبع. و كذلك سائر الحيوان ليس جنس إلّا و كله لا يخالف ما طبع عليه لأنّها مطبوعة على ذلك. و ليس حكم البشر فى استخراج العلوم و استنباطها هكذا؛ لأنّه ليس فى ألف إنسان و ما فوق ذلك من العدد
__________________________________________________
(1)- اللّه: تعالى B
(2)- اغناها: اغنا A
(3)- تشبه: مشبه A
(4)- عز و جل:- A
(5)- أولم: و لم B
(6)- فكر: فكروه A
(7) قد:- CB
(8)- لا:- A
(9)- الطيران: و-- CB(1/361)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:283
إلّا واحد يقدر على استخراج هذه اللّطائف، اذا صحّت أيضا دعوى الملحد من جهة الطّبع و الالهام. و أصحاب المعرفة بالحساب و الهندسة و النّجوم و الطب عددهم قليل جدا ما بين هذا الخلق الكثير. و لو كان مثالهم فى استخراج هذه اللطائف بالطبع، كما يسبح الاوزّ بالطّبع، لوجب أن يكون النّاس كلّهم حسّابا مهندسين و منجّمين و أطباء؛ و وجب أن لا يكون أصحاب الهندسة و الأطباء «1» و المنّجمون مخصوصين بذلك دون سائر النّاس، لأنّ الاوز كلّه يسبح صغاره و كباره؛ و لوجب أن يرتفع عنهم باب التّعليم، كما قد ارتفع عن الاوزّ باب التّعليم فى السبّاحة، فكانوا لا يحتاجون إلى ائمّتنا، كما لا يحوج الاوزّ «2» إلى ائمّتنا.
(5) فان زعم زاعم أنّ كلّ النّاس لو صرفوا هممهم الى ذلك، لكانوا مهندسين حسّابا «3» و منجمين و أطباء، كما احتجّ به الملحدحين زعم أنّ الناس لو صرفوا هممهم إلى تعلّم الفلسفة و النظر فيها، لبلغوا ما بلغ الفلاسفة، قلنا له «4»: فهل رأيت فيلسوفا «5» نظر فى الفلسفة بطبعه قبل أن عرف أصول الفلسفة و نظر فى قوانين الفلاسفة و قبل «6» أن ابتدأ بالتّعلّم «7» من «8» تلك الأصول، ثم نظر و قاس «9» بعد التعلم؟ فان قال: نعم، فقد باهت و كابر. و إن قال: لا، فهذا اوّله التعلّم، ثم بعد ذلك نظر و قياس. و إنّ الاوزّ لا يحتاج إلى تعلّم فى ابتداء أمره، لا إلى «10» مسبح «11» و لا الى معلم على وجه السّباحة، بل كلّها تسبح طبعا صغارها و كبارها، كما ذكرنا. و الانسان لا بدّ له من التعلم فى أول أمره، و إن
__________________________________________________
(1)- و اطباء: اطباء A
(2)- باب التعليم ... الأوز:- C
(3)- مهندسين حسابا: حسابا مهندسين-- CA
(4)- قلنا له: له قلنا A،- C
(5) فيلسوفا: فيلسوف C
(6)- و قبل: قبل A
(7) بالتعلم: بالتعليم BA
(8) من: عن B
(9)- قياس: قاس C
(10)- لا الى: الى CBA
((1/362)
11) مسبح: سبح B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:284
ترك التعلم فى أول أمره، لم يدرك بطبعه شيئا؛ و ليس ذلك فى وسعه، و لا هو مطبوع عليه؛ و لا مجبر فيه، و لا بدّ له من الرّجوع إلى إمام يعلّمه، و إلّا لم ينفعه طبعه و لم يغنه «1» شيئا كما استغنى الاوزّ «2» عن التعلّم من أئمّتنا و الرجوع إليهم. و إنّما يفعل الانسان بطبعه الأشياء التى لا يقدر على مخالفة طبعه فيها، مثل فعله بالحواس كالنّظر و السّمع و الشم و الذوق و اللّمس، فانّه مجبر على ذلك، إذا نظر إلى الشى ء رأى، و اذا وقع الصّوت فى أذنه سمع، و اذا وقعت فى خياشيمه ريح، شمّها؛ هذا إذا سلمت حواسّه. ثم هو مطبوع على المشى برجليه و التّناول بيديه. فالنّاس كلّهم قد طبعوا على هذا كما طبع الاوزّ على السّباحة، و استووا فيه كما أنّ «3» الاوزّ قد استوى «4» فى السّباحة. فهذا الطّبع من النّاس هو الذى يشاكل طبع الاوز فى السباحة. و كلّ جنس الحيوان هو مطبوع على فعله، لا يخالف ما طبع عليه؛ و الانسان هو مطبوع و مخيّر، قد شارك الحيوان فيما طبع عليه، و خصّ بما هو مخيّر فيه، مثل تعلّم العلوم التى النّاس فيها خاصّ و عامّ، و منهم من ليس فى وسعه أن يتعلم حرفا واحدا. و لا بدّ أن يكون فيهم إمام و مأموم و عالم و جاهل. و هذا باب لا يخفى على عوامّ النّاس، فكيف على أهل المعرفة و التّمييز؟! فهل رأيت أعمى قلبا و أقلّ عقلا ممن يشبّه «5» سباحة «6» الاوز بطبعه باستخراج علم الفلسفة و معرفة حركات الفلك و طبائع العقاقير و سائر العلوم اللّطيفة من الهندسة و غير ذلك؟ و هل رأيت أجهل ممّن «7» زعم أنّ النّاس استخرجوا هذه اللّطائف و استغنوا من أئمّتنا، كما استغنى
__________________________________________________
(1)- لم يغنه: لا يغنه C
(2) استغنى الاوز: استغن الاول A
(3)- أن: كل A
(4) استوى: استووا CBA
(5)- يشبه: تشبه C
(6) سباحة: بسباحة C
(7)- ممن: من B(1/363)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:285
الاوزّ حين سبح بطبعه عن أئمّتنا، ثم يدّعى أنّه فيلسوف العالم «1» فى زمانه و حكيم أهل دهره؟! و لعمرى لا تنكر «2» له هذه الدّعوى مع هذا القياس و هذا التّشبيه، ثم يعيّر «3» المسلمين و يقول: مسلّم «4» لهم بما قد حل بهم من آفة «5» سكر العقل و غلبة الهوى. فأىّ سكر عقل «6» و غلبة هوى «7» أشدّ «8» من سكر عقل صاحب هذا «9» القياس و غلبة هواه؟! و نقول مسلّم له بقياسه و فلسفته هذه التى أعمى اللّه قلبه فيها و أسكر عقله.
(6) و أمّا قوله: أخبرونا بأىّ لغة وقف أوّل إمام من أئمتكم على اللغّات؟ و هل فى ذلك بدّ من الالهام؟ على أنّ إماما لو عرف لغة ثم أراد أن «10» يعرّفها «11» النّاس لما قدر على ذلك، إذا «12» لم تكن عندهم سابقة، فليس بدّ من الرّجوع إلى الالهام بتّة بتّة. هذا قول الملحد.
نقول فى جوابه: إنّ للملحد «13» أن يقول بقدم العالم أو بحدثه. فان ادّعى قدم العالم فقد ارتفع القول معه فى باب اللّغات، لانّها قديمة مع العالم، على دعوى من ادّعى قدم العالم؛ و انقطع القول فى باب الالهام و التعلم.
و إن أقرّ «14» بحدث العالم، قلنا إنّ محدث العالم، لمّا خلق هذا البشر علّمه اللّغات، كما قلنا إنّه عزّ و جلّ علّم آدم الأسماء كلّها. و جائز «15» أن يكون علّمه جميع اللغات، فعلّم هو ولده و جائز أن يكون «16» علّمه «17» بعضها دون بعض، ثم علّم عز و جل ولده الذين كانوا فى مثل منزلته من النبّوة، سائر اللّغات «18»، كما قيل إنّ آدم (ع) كانت له اللّغة «19» السّريانيّة «20».
فلمّا كان انتشاء «21» النّسل من آدم، تعلّم ولده لغته كما نرى أنّ الأولاد يتبعون
__________________________________________________
(1)- العالم: عالم A
(2)- تنكر: تذكر A
(3)- يعير: يعسر B
(4) مسلم: مسلما CBA
(5) آفة: امة A
(6) عقل:- A
(7)- هوى: الهوى A
(8) اشد: اشك A
(9) هذا: هذه C
(10)- ان:- CB
((1/364)
11) يعرفها: تعريفها C
(12) اذا: ان C
(13)- الملحد ... للملحد:- A
(14)- اقر: اقرا B
(15)- جائز: كائن C
(16)- علمه ... يكون:- B
(17) علمه: علمها B
(18) الذين ... سائر اللغات:- B
(19)- اللغة: لغة CBA
(20) السريانية: السورية C
(21)- انتشاء: انتشا BA انتشى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:286(1/365)
آباءهم فى لغاتهم فى جميع الأقاليم و الجزائر. و كذلك كلّ نبىّ لمّا علّمه اللّه لغة «1»، اقتدت «2» به أمّته «3» و تعلمت «4» لغته «5»، كما نرى و نشاهد أنّ العجم لم تعرف لغة العرب إلّا النّبذ منهم اليسير. فلما قبلوا شريعة الاسلام أقبلوا على تعلم «6» العربية حتى قد مهر بها أكثرهم تعلّما لا إلهاما. فهل رأيت عجميا ألهم لغة العرب من غير تعلّم كما قال الملحد: إنّه لو أراد أن يعلّم النّاس لغة لما قدر عليه، إذا لم تكن سابقة، و إنّه لا بّد من الرّجوع إلى الالهام بتّة بتّة؟! فهذه العجم قد تعلّمت العربيّة، و لم يكن لهم سابقة، و لم يتكلّموا بها إلهاما بل تعلّما. و كذلك سبيل من يتعلّم لغة لم يعتدها «7»، أن يأخذها «8» بالتعلّم «9»، لا بالهام. و لا بدّ أن يكون لكلّ لغة إمام قد علّمها اللّه إيّاه، ثم يعلّمها النّاس، كما قد ذكر أنّ اوّل من تكلّم بالعربيّة، إسمعيل بن إبراهيم (ع) فتق اللّه بها لسانه و علّمه إيّاها، لأنّه كان نبيّا؛ ثم علّمها هو ولده، فأخذوها عنه تعلّما لا إلهاما؛ على سبيل ما يعاين: أنّ العجم أخذتها عن «10» العرب تعلّما لا إلهاما؛ و هذا واضح لامرية فيه. و إذا وضحت الحجّة بالمشاهدة فى هذه اللّغة، فهو دليل على أنّ سائر اللّغات هكذا كان سبيلها، و أنّ البدء فيها كان من رجل واحد. و ذلك الرّجل علّمه اللّه لغة ما، فعلّمها «11» هو من اقتدى به. و إذا وضح أنّ الفرع «12» هو تعلّم «13» و ليس هو إلهام، صح أنّ الأصل هو تعلّم لا إلهام. و اذا صحّ أنّ ذلك الأصل الذى هو من رجل واحد تعلّم، و لم نجد له أوّلا، صحّ «14» أنّ «15» ذلك الأوّل كان تعلّمه من خالق اللّغات،
__________________________________________________
(1)- لغة:- A
(2) اقتدت: اقتدى CBA
(3) امته: امة: B
(4) تعلمت: تعلمو CBA
(5) لغته: لغة B
(6)- تعلم: لغة-- CB
(7)- يعتدها: يتعديها A، يتعداها B، يعتدد لها C
(8) ان ياخذها: ياخذ A
((1/366)
9) بالتعلم: بالتعليم C
(10) عن: من-- CB
(11)- فعلمها: تعلمها A، فعلها B، تعلمه C
(12)- الفرع: الفراغ C
(13) تعلم: التعلم C
(14)- صح ... صح:- B
(15) أن:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:287
كما أنّ الاوّل «1» خلقه «2» خالق اللّغات و خالق الخلق كلّه، و أنّ اللّه علّمه على سبيل الوحى. فان كان إلهاما، فهو من الله عزّ و جلّ و هو جنس من الوحى.
و ليس له «3» بد من الرجوع إلى قول أصحاب الشّرائع: إنّ بدء تعلّم الأشياء كلّها من اللّه جلّ ذكره «4»، بوحى منه إلى أنبيائه (ع) ثم علموها النّاس.
كما قد ذكر أنّ بابل سمّيت بابل لأنّ الألسن تبلبلت فيها بعد خروج نوح من السّفينة، لأنّ ولد نوح و من كان معه فى السّفينة تفرقوا فى البلدان، و تكلم كل واحد منهم «5» بلغة ما، فأخذ «6» أولادهم عنهم اللّغات، و أنّ ذلك الواحد فى كلّ بلد «7» علّمه اللّه إيّاها. فان كان الهاما، فهو وحى من اللّه عزّ و جلّ و هو تعلّم منه. و إن كان تعلّم من ملك، فهو أيضا وحى من اللّه عزّ و جلّ، و هو تعلّم منه؛ لانّ الأنبياء (ع) تفاوتت «8» مراتبهم و فضّل اللّه بعضهم على بعض درجات: فمنهم من أتاه «9» الملك بالوحى و تراءى له حتى عاينه، و منهم من رأى الملك بروحه، كما أنّ محمّدا (ص) كان يأتيه جبرئيل (ع) فى أوقات فى صورة إنسان و فى أوقات كان يغفو إذا أتاه الوحى ثم يفيق فيتلو ما أوحى اللّه «10»، و منهم من يقذف فى قلبه فيكون ذلك الهاما و تأييدا من اللّه عزّ و جلّ و وحيا منه «11»؛ و منهم «12» من يوحى إليه فى منامه، و منهم من ينظر فى الشى ء «13» فيعتبر به و يلقى اللّه فى روعه «14» و يعلمه ما فى ذلك الشى ء من النفع و الضر كما ذكرنا فى قصة المسيح (ع) انه كان لا يمر بحجر و لا شجر «15» الّا و كان يكلمه. و الوحى من اللّه عزّ و جلّ إلى أنبيائه (ع) على هذه الجهات كلها؛
__________________________________________________
(1) كان ... الاول:- C
((1/367)
2)- خلقه:- A
(3)- له:- A
(4)- جل ذكره:- A
(5)- منهم:- A
(6) فاخذ: تاخذ B
(7)- كل بلد: بلدا B
(8)- تفاوتت: تتفاوت C
(9)- اتاه: من اللّه B
(10)- اللّه: اليه C
(11) و منهم ... وحيا منه:-- A
(12)- منهم: منه C
(13)- الشى: شى C
(14) روعه: اوعه A
(15)- شجر: بشجر A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:288
يوحى إليهم كيف يشاء على حسب درجاتهم.
(7) فان قال قائل: إنّ النّاس «1» يلهمون أشياء و إنّهم يرون «2» فى منامهم أشياء، قلنا: الالهام يكون على ثلاثة أوجه: فما كان يوحى من اللّه عزّ و جلّ صحّ ما يتكلّم به من يلهمه اللّه و يظهر صدق قوله و حكمته فيما ينطق به من ذلك الالهام، و اذا صحّ علمنا أنّه من اللّه، كما ذكر اللّه عز و جل: «وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » إلى قوله: «فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ»، ثم قال: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «3»»؛ فهذا كان إلهاما من اللّه عزّ و جلّ، و صحّ «4» لأنّ اللّه ردّ موسى إليها و جعله من المرسلين. و منه ما يكون توفيقا من اللّه عزّ و جلّ للصّالحين من عباده، فيما يأتون و يذرون من أمور دينهم و دنياهم. و منه إلهام يكون من وساوس النّفس، مثل كلام هؤلاء الموسوسين الذين ليس لكلامهم نظام «5» و لا حقيقة، و هو من جهة الطّبيعة و خفّة الدّماغ «6» و تغوية الشّيطان على ذلك. فهذا سبيل الالهام.
و كذلك الرؤيا تكون على وجوه: فالذى يراه الأنبياء (ع) فى منامهم، لا يبطل بتّة بتّة، و لا يحتاج إلى عبارة «7»، و اذا رأوا شيئا كان ذلك الشّى ء بعينه؛ فهذا ما خصّوا به. ثمّ يشتركون مع النّاس، فرّبما رأوا فى منامهم شيئا يحتاج إلى التّأويل؛ و سبيله سبيل سائر المنامات التى يراها الناس ممّا إذا عبّر كانت له حقيقة؛ و هذا جنس من الرّؤيا يشترك الأنبياء (ع) مع سائر الناس فى ذلك، و يخصّون بالنّوع الآخر الذى قد ذكرناه.(1/368)
و من الرّؤيا ما يكون من جهة الطبيعة، و منها «8» ما يكون من بقايا الفكر؛ فهذان النّوعان لا حقيقة لهما، و الأنبياء (ع) منزّهون «9» عن هذه الرؤيا؛ و هى «10» التى
__________________________________________________
(1)- الناس: اللباس A
(2) يرون: يروون A
(3)- المرسلين:- A
(4) عز ... صح:- A
(5)- نظام: نظامهم A
(6) الدماغ:- B
(7)- عبارة: عبادة B
(8)- منها: منه CBA
(9)- منزهون متنزهون A
(10) هى:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:289
يقال لها «أضعاث أحلام»، و لا تاويل لها، و لا تصح عبارتها، كما تصح عبارة الرّؤيا الصحيحة التى تكون من أسرار العالم العلوىّ فيراها الانسان الصالح، التى هى من «1» جنس الرّؤيا التى يراها الأنبياء، فتصحّ بالتّأويل، و ان لم تكن على ذلك الصّفاء، كما قال النّبى (ص): «الرّؤيا الصّالحة من الرجل الصّالح جزء من أربعين جزء من النبوّة.» فهكذا كان «2» سبيل الرّؤيا التى هى وحى «3» الأنبياء و هى على ما ذكرنا لا يحتاج فيها إلى عبارة و لا تأويل و هم مخصوصون بها دون سائر الناس. فهكذا مراتب الانبياء (ع) و درجاتهم. و كان لمحمّد «4» فى هذه المراتب كلّها «5» حظّ وافر، و فضّله «6» اللّه على من لم يكن فى درجته بذلك. و الالهام الذى هو وحى من اللّه، سبيله على ما ذكرنا. و من ألهم اللّغات، كان ذلك الالهام وحيا «7» من اللّه عز و جل و توقيفا «8» و تعليما «9»؛ و هى نبوة. و ليس سبيله سبيل الالهام الذى هو وساوس الملحدين الذين زعموا أنّه عام فى النّاس على حسب ما يوردونه من كلامهم؛ بل، هو للأنبياء خاصّة دون سائر الناس.
و من اللغات «10» ما هى أفضل، كما أنّ فى الأنبياء من هو أعلى درجة.(1/369)
و أفضل اللّغات أربعة: العربيّة و السريانيّة «11» و العبرانيّة و الفارسيّة؛ لأنّ «12» اللّه عزّ و جلّ أنزل كتبه على أنبيائه بهذه اللّغات، ثم ترجمت الكتب «14» بسائر «13» اللّغات للامم إلّا القرآن العظيم، فانّه باللّغة العربيّة، و هى أفضل الأربعة، و هى متمنّعة «15» عن التّرجمة لأسباب تركنا ذكرها للاطالة و قد فسرنا
__________________________________________________
(1)- التى هى من:- C فيكون هناك تقديم و تاخير فى نسخة B بين فقرة 6- 3 (فتصح ... وحى الانبياء) و فقرة 8- 6 (و هى على ... و درجاتهم)
(2)- فهكذا كان:- C
(3) وحى: الى B
(4)- لمحمد: محمد C
(5) كلها:- C
(6) و فضله: فضله A
(7) وحيّا: وحى CBA
(8) توقيفا: توقيف CBA
(9) تعليما: تعليم CBA
(10)- و من الغات:- C
(11)- السريانية: السورية C
(12) لان: كان A
(13)- اللغات ... بسائر- B
(14) الكتب:- A
(15)- متمنعة: ممتنعة-- CB
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:290
ذلك فى غير هذا الكتاب.(1/370)
فاصل اللغات كلها «1» على ما ذكرنا، هى بتوقيف «2» من «3» اللّه عزّ و جلّ لأنبيائه، و هم علّموها النّاس. و ليس سبيلها على ما ذكره الملحد أنّها «4» باستخراج من النّاس بلا وحى من اللّه، و أنه جائز أن يلهم النّاس كلّهم ذلك. و لو كان «5» الأمر على هذا، لما انتظمت لغة؛ بل، كانت تتفاوت «6» حتى لا يكون لها نظام؛ لأنّ الشّى ء إذا كان من قوم شتى و اختلفت «7» فيه الآراء، اختلف و لم ينتظم، كالاختلاف «8» الذى قد ذكرناه «9» من كلام هؤلاء المتّسمين بالفلسفة الذى ينقض بعضه «10» بعضا. فلمّا وجدنا كلّ لغة منتظمة قد اتفقت «11» عليها أمّة من النّاس، علمنا أنّ اصل كلّ لغة من رجل واحد مؤيّد بوحى من اللّه عزّ و جلّ، و صحّ أنّ اللّغات كلّها من الأنبياء (ع). و أيضا لو كان الأمر على ما ادعاه الملحد، لوجب أن يلهم أهل كلّ دهر «12» لغة ما، كانوا يبتدؤنها و يستكملون بها. فكيف قد انقطع هذا الالهام و غارت هذه القريحة و لم يطل «14» هذا الطّبع، حتى لا يقدر أحد أن يذكر قوما أبدعوا لغة أخذتها النّاس عنهم منذ دهر «13» طويل بلا توقف على غاية «15»؛ إلّا ما يذكر من أمر هذه اللّغات. فان كان هذا عاما وجب أن يذكروا لنا لغة محدثة. و لن يأتوا بذلك أبدا لأنّ اللّغات أصلها من الأنبياء كما ذكرنا.
(8) فلمّا ختمت النبوّة، ختمت اللّغات، كما ختم سائر هذه الأسباب التى هى من أصول الأنبياء و الحكماء بوحى من اللّه عزّ و جلّ، و لم يبق فى العالم
__________________________________________________
(1)- كلها:- C
(2) بتوقيف: بتوفيق-- CB
(3) من:- A
(4) انها: الامها A، انه B
(5)- و لو كان:- C
(6) تتفاوت: متفاوت A
(7)- اختلفت: اختلف B
(8) كالاختلاف: كاختلاف-- CB
(9)- ذكرناه: ذكرنا B
(10) بعضه: بعضهم C
(11)- اتفقت: اتفق CA، اشفق B
(12)- اهل كل دهر:- C
(13)- لغة ... كل دهر:--- CA
(14)- يطل: يبطل BA
((1/371)
15)- دهر طويل ... غاية: دهر على غاية بلا توقف B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:291
إلا رسومهم. فلا نجد فى العالم غير رسومهم أو «1» ما استخرج من «2» رسومهم و بنى على أصولهم. و وجدنا من الرّسوم المحدثة التى تشاكل حكمة الحكيم، ما أحدث فى هذه الأمّة، و استخرج من اللّغة العربيّة، و هو النحو و العروض؛ و هما معياران لكلام العرب. و أخذ اصلهما «3» عن حكماء الأمّة و أئمّة الهدى؛ لأنّ النّحو رسمه أمير المؤمنين علىّ (ع) لأبى الأسود الدّئلى «4»، و كان «5» أمير المؤمنين (ع) حكيم دهره، بل رأس الحكماء بعد رسول اللّه (ص) فى هذه الأمّة. فألهمه اللّه عزّ و جلّ استخراج ذلك.
و لم يكن نبيا، بل كان مرّوعا محدّثا و سبيل المرّوعين المحدّثين فى هذه الأمّة سبيل الأنبياء فى «6» الامم؛ و حكمتهم مستفادة من محمّد (ص) و كان على (ع) مختصا بذلك من بين الأمّة، أودعه النبىّ أسرارا «7» فضّله بها على غيره، فعلّمها هو «8» المستحقّين من الأمّة. فمنها ما «9» اختصّ بها قوما من الخاصّة و سترها «10» عن العامّة، و منها ما بذلها للخاصّة و العامّة. و النّحو يشاكل «11» حكمة الحكماء، و إن لم يكن من أسباب الدّيانة. و هو (ع) استخرجه من لغة العرب و رسمه «12» لأبى الأسود الدّئلى «13»، فأخذه «14» عنه و قاس عليه، ثم أخذ عنه النّاس، فاتسعوا فى القياس فيه.
(9) و كذلك «15» العروض، أخذ أصله الخليل بن أحمد من رجل من أصحاب على بن الحسين بن على بن أبى طالب (ع)، و كان أيضا حكيم دهره و إمام زمانه. ثم قاس عليه الخليل بن أحمد و أخرجه إلى النّاس. فهذان الأصلان
__________________________________________________
(1) او: و A
(2) من:- C
(3)- اصلهما: اصلها A
(4) الدئلى: الديلمى A
(5) و كان:- C
(6)- الانبياء فى:- A
(7)- اسرارا: اسرار-- CB
(8)- هو:- C
(9) ما: من C
(10)- سترها: ستر A
(11)- يشاكل: مشكل C
(12)- رسمه: وسمه B
(13) الدئلى: الديلمى A
((1/372)
14) فاخذه: و اخذه A
(15)- و كذلك:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:292
أحدثا فى هذه الأمّة، و هما من حكماء الدّيانة و أئمة الهدى.
و هكذا كلّ حكمة فى العالم صغرت أو كبرت، أصلها من الأنبياء (ع)، و هم ورّثوها الحكماء و العلماء من بعدهم، ثم صار ذلك تعليما فى النّاس؛ و كذلك سبيل اللّغات. و لو كان «1» الأمر على ما ادّعاه الملحد أنّ النّاس شرع واحد فى الحكمة، و أنّ كلّ «2» الناس يلهمونها و يدركونها بالطّبع لا بوحى من اللّه عزّ و جلّ و لا بتعليم، و أنّ سبيل اللّغات كذلك، لما انتظم أصل و لا اعتدل الأمر فيه، كما نرى من انتظام أمر اللّغات و اعتدالها.
و كذلك السبيل فى كل كتاب الّف على حكمة مثل المجسطى و إقليدس و غير ذلك ممّا يشبههما «3»، هى على نظام و اعتدال يدل على أنّ كلّ أصل هو من رجل واحد «4»، لم يشركه فى تأليفه غيره. و إذا ثبت هذا، صحّ أنّه بتوقيف «5» من اللّه عزّ و جلّ و وحى منه، و أنّ ذلك ليس هو استخراجا بطبع، لأنّه لا يجوز أن يخصّ رجل واحد من بين «6» جميع الأنام الذين نشأوا «7» فى أعصار كثيرة، و ذلك الرجل الواحد يكون مختصا بذلك، و هو فى مثل طبعهم، دون أن تكون فيه قوّة الهية موهوية من البارى خالق الخلق جل و تعالى، و تلك القوّة هى الوحى الذى يوجب لصاحبه اسم النبوّة على ما شرحناه من مراتب الأنبياء (ع). و من تدبّر ما قلنا و نظر بعين النّصفة لم تخف عليه هذه الحال؛ و لا يبعد اللّه إلّا من عاند و ظلم نفسه.
__________________________________________________
(1)- و لو كان:- C
(2)- كل: كان C
(3)- يشبههما: يشابها C
(4)- واحد: و اخذ A
(5)- بتوقيف: بتوفيق B
(6)- من بين:- A
(7) نشأوا: لشئو BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:293
الفصل «1» الثانى مبدأ النجوم و الرصد
((1/373)
1) و أمّا قول الملحد: أين «2» ما دلت إليه أئمّتكم من التّفرقة بين السّموم و الأغذية و أفعال العقاقير «3»؟ أرونا منه «4» ورقة واحدة كما نقل عن بقراط و جالينوس الألف لا الآحاد و قد نفع الناس، و أرونا شيئا من علوم حركات الفلك و علله نقل عن «5» رجل من أئمّتكم أو شى ء من الطّبائع الطّريفة نحو الهندسة و غير ذلك.
ثم قال «6»: فان قلتم من أين عرف النّاس أفعال العقاقير فى «7» الأبدان، و ما ذكره فى هذا الباب.
و قد حكينا دعواه فى ذلك و قلنا فى باب إلهام الاوزّ «8» السّباحة، و فى باب اللّغات ما فيه مقنع إن شاء الله. و قد «9» قدّمنا القول فى باب الحكماء
__________________________________________________
(1)- فصل: A
(2)- الملحد أين: الملحدين-- CB
(3)- الاغذية و افعال العقاقير: افعال العاقير و الاغذية B
(4) ارونامنه:- B
(5)- نقل عن: فعل C
(6)- ثم قال:- C
(7) فى: و B
(8)- الهام الاوز: الالهام و الاوز A
(9)- و قد:--- CA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:294
الذين كنوا «1» عن أسمائهم و وضعوا هذه الأصول، و انّهم كانوا أنبياء، و هم أئمّتنا. و ليس أولئك الحكماء معدودين فى جملة أئمّة الملحدين الذين درسوا تلك الكتب و الأصول بعدهم، ثم تسمّوا «2» بأسمائهم و رفضوا الشّرائع و تكلموا فى البارى جل و تعالى و فى مبادى الاشياء و ابتدعوا ذلك الغثاء «3» المتناقض الذى يدلّ على حيرتهم و يشهد بضلالتهم «4». و ليس للملحد أن يتبجّح «5» بأولئك الحكماء المحقّين «6» الذين لهم تلك الاصول، فانّهم أئمّتنا لا ائمّة الملحدين. و ما «7» مثل الملحد فى التّبجّح بهم و الافتخار بتلك «8» الأصول إلا مثل شيخ كان واقفا فى رأس حلبة و قد أرسلت خيل فى السّباق فجاء فرس سابقا، فلما رأى الشيخ ذلك الفرس استشاط فرحا و جعل يصفق بيديه و يضطرب و يطرب. فقال له «9» قائل: أيّها الشيخ! أهذا «10» الفرس لك؟(1/374)
قال: لا، و لكن الّلجام الذى عليه، هو «11» لى؛ و كذلك «12» سبيل الملحد بافتخاره بأولئك الحكماء و باصولهم. و ما قرابته منهم إلا كقرابة جار النّجار الذى ضرب به المثل المشهور. لان الملحد منكر للنبوة، و هؤلاء كانوا أنبياء كما ذكرنا من «13» شأن إدريس و غيرهم. و إنّما نظر الملحد فى أصولهم و تعلّم منها و جهل فضلهم و مراتبهم و حطّهم «14» عن تلك المراتب التى فضلّهم اللّه بها الى المنزلة الخسيسة التى اختارها لنفسه، جهلا منه و ضلالا. و لو تأمّل حالهم و أنصف، لعلم أنّه ليس فى وسع البشر أن يدركوا مسافة ما بين مصرين
__________________________________________________
(1)- كنوا:- A
(2)- تسموا: قسموا B
(3)- الغثاء: الغناء A، الغشاء B
(4)- بضلالتهم: بضلالهم C
(5)- يتبحج: يحتج C
(6) المحقين: المحققين-- CB
(7)- و ما: و A،- C
(8) بتلك: و بتلك A
(9)- فقال له: قال C
(10)- اهذا: اهذه-- CB
(11)- عليه هو: هو عليه B
(12) و كذلك:- C
(13)- من: فى C
(14)- حطهم: حظهم C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:295
متدانيين لا تبلغ «1» مساحتهما مائة ميل، إلّا بعد أن يمسحها بالحبال «2» و القصب المذروعة المقوّمة المقاسة، و إلّا بعد أن يشاهد تلك المساحة و يباشرها بنفسه و إن مسحها رجلان أو ثلاثة لم يسلموا من الاختلاف. فكيف يجوز أن يقال إنّ أحدا «3» يقدر على مساحة ما بين الأفلاك الغائبة عن تناول أوهام البشر؟
كيف ... عن مشاهدتها؟ و كيف يجوز أن يحكموا فى مقاديرها، ثم يدوّنوا ذلك فى كتبهم، مكما قدر سموا فيها و قالوا إنّ عرض الفلك مائة ألف فرسخ و إنّ ما بين الفلك الأدنى إلى قبالة الأرض مائة ألف فرسخ و تسعمائة فرسخ «4». هذا إلى «5» سائر ما ذكروا من مسافة ما بين كلّ فلكين. نحو هذا الحساب، تركنا ذكره للاختصار.
((1/375)
2) ثم قالوا «6» إنّ جميع ذلك من الفلك الأعلى إلى الوجه الذى بين السّماء و الأرض ألف ألف فرسخ و تسعمائة «8» و ثمانون فرسخا «7». و قالوا إنّ «9» استدارة «10» الأرض أربعمائة و عشرون ألف «11» ميل و قطرها سبعة ألف و ثلاثون ميلا، و أن عرض الأرض من القطب الجنوبى الذى يدور حوله سهيل إلى القطب الشّمالى الذى يدور حوله بنات نعش فى موضع خط الاستواء «12»، ثلاثمائة «13» و ستون درجة، و الدّرجة خمسة و عشرون «14» فرسخا، و الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، و الذّراع أربع و عشرون إصبعا و الاصبع ست «15» حبّات، و إنّ بين خط الاستواء و كل واحد من القطبين تسعين درجة. و استدارتها عرضا مثل ذلك (و) فى الأرض بعد خط الاستواء أربع «16» و عشرون درجة، ثم باقى
__________________________________________________
(1)- لا تبلغ: لا يبلغ BA
(2) بالحبال: بالجبال BA
(3)- احدا: احد C
(4)- فرسخ ... فرسخ:- A
(5)- هذا الى:- C
(6)- ثم قالوا:- C
(7)- تسعمائة و ثمانون فرسخا: تسعمائة فرسخ و ثمانون فرسخ A، ستمائة و ثمانون فرسخا B
(8) تسعمائة:- C
(9)- قالوا ان:- C
(10) استدارة: استدلال A
(11) اربعمائة و عشرون الف: اربعمائة الف و عشرون B
(12)- خط الاستواء: و ان خط الاستواء B
(13) ثلاثمائة:- B
(14)- عشرون: عشرين A
(15) ست: ستة: CB
(16)- استدارتها ... اربع:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:296
ذلك قد غمره «1» البحر الكبير. و كل ربع من الشمالىّ و الجنوبىّ سبعة أقاليم.
و إنّ مدن الأرض أربع «2» ألف و مائتا مدينة و ان طول البحر من القلزم الى مشارق الصين، بلاد الواق واق، أربعة الف و خمسائة فرسخ.(1/376)
ثم قالوا «3» فى مقادير الكواكب السيّارة إنّ مقدار الشّمس، مثل الأرض و الماء أربعمائة و ستون مرّة «4» و ربع و ثمن. هذا «5»، مع سائر ما تكلّموا فيه من مقادير سائر الكواكب. فهذه أسباب «6» تتحيّر العقول من استماعها و تكلّ الألسن عن وصفها فكيف عن الحكم فيها. و من الذى يقدر أن يدرك هذا بطبعه، و يستخرجه بفطنته، و يبلغ هذه الغايات «7» باستنباطه، و يقدر على وضع المجسطى الذى عمل على الأرصاد و تركيبات الأفلاك و عللها و آلات الرّصد «8» و ذات الصّفائح و ذات الحلق «9» و غير ذلك من الآلات و المقادير التى هى فى أيدى النّاس و نقلت عن الحكماء و تعلّمها الخاص و العام؟ و من قدر على وضع إقليدس و أشكاله و معرفة الأكر و الأوتار «10» و الأضلاع و المراكز بالمقادير الضّروريّة و الهندسيّة «11»؟ و هل يجوز لعاقل أن يحكم فى هذه الأسباب بأنّها «12» استدركت بالفطنة، و استنبطها هؤلاء الحكماء بطبائعهم، و لحقتها «13» عقولهم، و ارتقوا إلى السّماء و اطّلعوا فى الأفلاك فعلموا عددها و عدد الكواكب السيّارة و فرّقوا بينها و بين الكواكب الثّابتة التى تعرف بها الطّوالع و الغوارب، و عرفوا منازل القمر، و قسّموا الفلك إلى اثنى عشر برجا «14»، و البروج الى الدّرجات و الدّرجات الى الدّقائق و الدّقائق
__________________________________________________
(1)- غمره: عهزه A
(2)- اربع: اربعة BA، اربعة اربعة C
(3)- قالوا: قال B
(4)- اربعمائة و ستون مرة: مائة مرة و اربع و ستون مرة B
(5) هذا: كذلك C
(6)- فهذه اسباب:- C
(7)- الغايات:- B
(8)- الرصد: الرحيد A
(9) ذات الحلق: ذات الخلق A
(10)- الاوتار: الاوتاد BA
(11)- الهندسية: الهندسة C
(12)- بانها: انها CBA
(13)- لحقتها: لحقها C
(14)- برجا: بروجا A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:297(1/377)
إلى الثّوانى و الثّوانى الى «1» الثوالث حتى يدّق الحساب. ثم عرفوا محل كلّ كوكب فى فلكه، ثم مقدار سير «2» الكواكب الخمسة فى استقامتها و رجوعها و مقدار سير النّيّرين مع اختلاف سيرها. فانّ منها ما يقطع الفلك فى زيادة على ثلاثين سنة، و منها ما يقطعه فى أقلّ من شهر.
ثم مواضع «3» سعودها و نحوسها و هبوطها و صعودها على حسب ما قد رسمه الحكماء فى كتبهم، مع استقامة «4» هذا الحساب و اعتداله الذى لا اختلاف فيه إلّا الشى ء اليسير الذى بين الزّيجات؛ و هو حساب منتظم متسّق يركّب على انقضاء السّنين، و تقوم به الكواكب، و يعرف به محلّ كلّ كوكب فى برجه و درجته و دقيقته فى كل سنة و كل يوم و كل ساعة. ثم ما تكلّموا فيه، من الأحكام بعلوم السّماء، و ما يحدث من الأشخاص العالية فى الهواء و ما يكون و يحدث فى التّركيبات المحيطات بالأقاليم، و ما تحت الثّرى «5» إلى أعلى عليّيّن من أسرار رب العالمين، و فى الدّعة و السّعة و الرّخص و الغلاء «6» و الصحّة و الوباء، و متى «7» تكون الأمطار و الأنداء، و متى تهيج الرياح و تكون الظلمة و الضياء. و ارتاض عليه و أفنى عمره فى تعلّمه من العلماء، بهذا الشأن و توقيف منهم «8» و مدارسة كتبهم و مداومة النّظر فى قوانينهم.
و كيف من «9» يدّعى أنّ هذا عرف كلّه باستنباط و فطنة من غير تعليم «10» و لا تقديم أصل فيه و لا نظر فى أصول الحكماء الذين وضعوا هذه الكتب. و هل يجوز «11» أن يحكم أنّ أحدا «12» من البريّة فى وسعه أن يبلغ معرفة هذه الأسباب بفطنته و طبعه بلا معلّم و لا تعلّم أو يقدر على وضع هذه الكتب ابتداء منه و
__________________________________________________
(1) الثوانى الى:- B
(2)- سير: مسير C
(3)- ثم مواضع: و عرفوا C
(4)- استقامة: استيعاء A
(5)- الثرى: الثريا C
(6)- الغلاء: الغداء A، الغلى C
(7) متى: من A
(8)- منهم:- A
(9)- و كيف من:- C
(10) تعليم: تعلم BA
((1/378)
11)- و هل بجوز:- C
(12) احدا: احد C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:298
اختراعا؟ و هل يجوز أن يكون نهاية العلم و التّعلّم فى ذلك إلّا إلى «1» معلم سماوىّ من عند اللّه عزّ و جلّ خالق هذه الأشياء التى قد أحاط بها علمه و لا يخفى عليه منها «2» خافية، و أنّه هو الذى علّم أهل الأرض بوحى منه إلى أنبيائه (ع) و هو الذى وقّفهم «3» على هذا الحساب؟ و أن «4» هذه الأصول التى قد انتظم أمرها و اتّسق، لو لم يكن من واحد لاختلفت و تناقضت؟ فانّ كلّ أمر يجتمع عليه نفر، من الأمور التى هى أرضيّة و يشاهدونها و يباشرونها، يختلفون «5» فيها؛ فكيف بأسباب سماويّة على ما قد فسّرنا و على انتظام الأمر فيها؟ هيهات هيهات!! إنّ من أنكر أنّ هذا «6» أصله من الأنبياء بوحى من اللّه إله السّماء، و ادّعى أنّه استخراج «7» بالفطن و الطّبائع، قد اشتدّ عماه و عظم جهله و عزب عقله: و الذى قاله «8» الملحد و ادّعاه بعمى قلبه: إن ذلك «9» استخراج بالأرصاد و من الأصول الموسومة مثل المجسطّى و إقليدس و بطلميوس و الكتب المعروفة عند أهلها، و إنّ منه ما يكون معرفته «10» بالطّبع، فقد تقدّم «11» فى هذا الباب صدر من هذا الكلام.
(3) و نقول أيضا «12» لو اجتمعت أمم من النّاس من أهل العقول الكاملة و الفهم و التّمييز و العدالة، و من لا يرتاب بأصالة رأيه و لطافة طبعه و صحّة قريحته ممن لم يتقدّم له معرفة بشأن النّجوم و لم ينظر فى هذه الرّسوم التى وضعت على هذا الحساب، ثم نظروا بآرائهم و دبّروا بعقولهم «13» و قاسوا بأفهامهم و أفنوا أعمارهم و اجتهدوا أن يلحقوا من حساب النّجوم حرفا
__________________________________________________
(1)- الى:- C
(2)- منها:- A
(3)- وقفهم: وفقهم B
(4) و ان:- C
(5)- يختلفون: و يختلفون A
(6)- ان هذا: هذا ان BA، هذا C
(7)- استخراج: استخرج C
(8)- و الذى قاله: و اما قول C
(9)- ذلك:- A
(10)- معرفته: معرفة A
((1/379)
11) تقدم: مضى C
(12)- و نقول ايضا: انه C
(13)- بعقولهم: فى عقولهم B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:299
واحدا و يميّزوا بين الكواكب السيّارة و الكواكب الثّابتة، لما قدروا أن يفرّقوا بين الزّهرة و المشترى «1» فضلا عن غيره. فكيف بأن يقسّموا حساب الأفلاك هذه القسمة، و يرتبوا «2» الكواكب «3» السّيّارة هذا التّرتيب؟
بل لو اجتمعوا على آلة من هذه الآلات المتّخذة مثل صفائح الأسطرلاب أو ذات الحلق و غير ذلك ثم سئلوا «4» عن كيفيّتها و كيف العمل بها و هم يقلبونها بأيديهم ظهرا لبطن «5» و يرون العمل الذى قد نقش عليها من الحدود و البروج و الدّرج و السّاعات و الأوتاد و محلّ «6» الكواكب الثابتة و غير ذلك، ثم طولبوا «7» بأن يقوّموا قوس النّهار فى اليوم الذى هم فيه «8»، و يقدّروا السّاعة التى هم فيها، و مقدار مامضى من نهارهم أو ينظروا إلى الطّالع و ارتفاع الشّمس أو ينظروا فى أىّ برج الشّمس أو سائر الكواكب، من غير معلّم يعلّمهم «9» و يعرّفهم، ثم أفنوا أعمارهم بالنّظر فى ذلك، و اجتهدوا أن يستخرجوه «10» بعقولهم و طباعهم، لما ازدادوا على مرور الايّام الأعمى فيه و قلة هداية إليه. هذا فى آلة من هذه الآلات و هم يقلّبونها بأيديهم و يباشرونها بحواسّهم و ينظرون إلى كيفيّتها بأعينهم و يحيط بها نظرهم، فكيف يستخرجون بالطّبع حركات الفلك الذى لا يقدرون أن يعرفوا كيفيّته؟ و كيف يقدرون «11» أن يلحقوا حساب الكواكب و مقدار سيرها «12» فى استقامتها و رجوعها و غير ذلك من الأمور الدّقيقة التى قد تقدّم القول فيها؟ و كيف تلحق «13» أوهامهم تلك الأسباب التى لا يشاهدونها و لا يقدرون أن يتوهّموها؟ و هذا عيان
__________________________________________________
(1)- المشترى: الشعرى C
(2)- يرتبوا: يرقبوا A
(3) الكواكب: بالكواكب C
(4)- سئلوا: اسئلوا A
(5)- لبطن: لطبن A
(6)- محل: على A
(7) ثم طولبوا:- C
(8)- فيه: فيها B
((1/380)
9)- يعلمهم: يعلمها A
(10)- يستخرجوه: يستخرجوا A
(11)- ان ... يقدرون:- B
(12)- سيرها: سير A
(13)- تلحق: يلحق A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:300
لا يقدر أحد على دفعه الا بالبهت و المعاندة.
(4) و هكذا «1» السّبيل فى باب الرّصد. لو ندبت «2» للرّصد أمم من النّاس على ما «3» وصفنا من العقل و الرأى و التّدبير و العدالة، ثم جمعوا فى مفازة «4» سبخاء «5» و كلّفوا أن يرصدوا النّيرين اللذين لا يخفى طلوعهما و غروبهما على الصّبيان و الضّعفاء من النّاس، دون الكواكب الخمسة التى لا يعرفونها بأعيانها، ثم كلّفوا أن يرصدوا حركات الفلك و يعرفوا الطّوالع و الغوارب من غير أن سبقت لهم معرفة بذلك، و من غير أن «6» تكون معهم آلات الرّصد من الزّيجات و الأسطرلابات، ثم بقوا فى ذلك دهرهم، لما خلصوا إلّا على النّظر إلى الكواكب و رؤية طلوع النّيّرين و غروبهما، و لما كانت معرفتهم تزيد فى ذلك على معرفة البهائم فى النّظر إليها؛ إلّا أن يكون لهم قدمة فى العلم بذلك و معرفة مستحكمة «7»؛ و حتى يحضروا الآت الرّصد من «8» الزّيجات و الأسطرلابات و غير ذلك؛ و يكون ذلك بعلم بارع قد تقدّم و رياضة من العلماء. و إذا كان «9» هكذا، فقد دحضت حجّة الملحد حين زعم أنهم يدركون بالأرصاد شيئا من هذه العلوم. و إذا كان الاستدراك بالرّصد لا يمكن إلّا بهذه الآلات التى قد تقدّمت، فما الذى اخترعوا بفطنهم من غير تعلّم «10» و لا رياضة و غير أصل قد تقدّم؟
فان احتجّ محتج أنّ المأمون ندب للرّصد قوما فاستدركوا تفاوتا بين «11» الزّيجات التى قد تقدّمت، و أحدث باستدراكهم الممتحن، و انه مخترع
__________________________________________________
(1)- و هكذا:- C
(2) ندبت: ندب CA، نصب B
(3)- ما:- A
(4) مفازة: مفارة A
(5)- سبخاء: سنجار A
(6)- سبقت ... غير أن:- C
(7)- مستحكمة: مستحكم A
(8)- من: العلماء A
(9)- و اذا كان:- C
(10)- تعلم: تعليم C
((1/381)
11)- تفاوتا بين: تفاوت ما بين BA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:301
مستدرك بالرّصد، قلنا. فان «1» هؤلاء الذين استدركوا هذا لم يقدروا على هذا إلّا بعد إحضار هذه الآلات و نظروا فى الزّيجات المقدّمة «2» و كانت معرفتهم قد تقدّمت بهذا الشّأن بالتّعليم و الرياضة و علم بارع، و لم يكن ذلك اختراعا «3» و لا استخراجا «4» بطبع، بل برجوع إلى أصول، و معوّل على تقدير علم و معرفة؛ و باب الرّصد هو داخل فى هذه الجملة على هذا القياس. و لا حجّة للملحد فى باب الرّصد و الطّبع، و لم يبق إلّا الرّجوع إلى أنّ ذلك كلّه مستخرج من الرّسوم المعروفة المشهورة عند أهلها دون الأرصاد و الطّبع و ليس يصحّ «5» بها اختراع شى ء من هذه الأسباب إلّا من جهة التّعلّم و الرّجوع إلى قوانين الحكماء التى رسموها بتأييد من اللّه عزّ و جلّ و وحى منه. و ليس فى وسع الناس اختراع شى ء دون ذلك. و إذا صحّ هذا، صحّ أنّ «6» اولئك الحكماء لم يقدروا على اختراع شى ء بالفطنة و الطّبع، و أنّ ذلك أصله بالوحى كما قلنا، و أنهم لم يقدروا أن يرقوا الى السّماء و يقفوا على هذه الغيوب «7»، بل اللّه أطلعهم عليه بوحى منه، لأنّه عزّ و جلّ «8» عالم الغيب و لا يطلع على غيبه «9» أحدا إلا من ارتضى من رسول. سبحانه عن أن يشركه أحد فى علم هذه الغيوب من غير أن يمّن هو بها عليه، و تعالى عن ذلك علّوا كبيرا.
__________________________________________________
(1)- قلنا فان:- C
(2)- المقدمة: المتقدمة A
(3)- اختراعا: اختراع CBA
(4)- استخراج: استخراجا CBA
(5)- يصح: بصحيح C
(6)- صح ان:- A
(7)- الغيوب: العيوب B
(8)- عز و جل: جل ذكره-- CB
(9) على غيبه: عليه B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:302
الفصل الثالث أصل معرفة العقاقير
((1/382)
1) قد قلنا فى باب النّجوم ما فيه كفاية إن شاء اللّه «1». و قد ذكرنا طرفا فى باب الطّب و نعيد ذكره و نشبع القول فيه. زعم الملحد أنّ النّاس عرفوا أفعال العقاقير فى الابدان و معرفة «2» قوامها بالطّعوم و الأرائح و استدركوا ذلك بالطّبع، و أدخل هذه الدّعوى «3» أيضا فى جملة ما ذكر فى باب سباحة الأوزّ بالطّبع.
نقول فى جوابه: إنّ سبيل معرفة العقاقير بالطّبع سبيل النّجوم. فان قال قائل إنّ هذا الباب أقرب مأخذا من ذلك، لأنّ العقاقير هى فى الأرض و يمكن مباشرتها بالحواس كما ادّعى الملحد أنّهم يعرفونها بالطّعوم و الأرائح، فانّ النّجوم هى فى السّماء و إنّ الفلك لا يحسّ و لا يمسّ، و
__________________________________________________
(1)- ان شاء اللّه: تعالى-- CB
(2)- و معرفة: معرفة A
(3)- الدعوى:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:303
ليس سبيل العقاقير سبيل «1» ما قد فات أيدى «2» المتناولين، قلنا:
صدقت فى باب مباشرة العقاقير بالحواس و تناولها بالذّوق و الشّم.
و لكنا نقول إنّ هذه العقاقير تكون فى بلدان مختلفة بعيدة بعضها من بعض.(1/383)
فمنها ما يجلب من بلدان بالمشرق، و منها ما يجلب من بلدان بالمغرب، و من بلدان فى ناحية الجنوب و ناحية الشمال كالاهليلج الذى يجلب من الهند و المصطكى من الرّوم و المسك من التّبت و الدّار صينى من الصّين و حصى الخزّ «3» من الترك و الأفيون من مصر و الصّبر من اليمن و البورق من أرمينية. و هكذا سبيل جميع العقاقير التى تكون فى مشارق الأرض و مغاربها. و منها ما تكون منتنة و منها ما تكون طيّبة الرّيح، و منها مرّة و منها حلوة و منها عفصة و منها حرّيفة على اختلاف طعومها، و منها ما هى لحاء الشّجر و منها عروقه و منها ورقه و منها ثمره و منها زهره و منها صمغه، و منها حجارة «4»، و منها أصناف جواهر الأرض كالشبوب و البورقات المختلفات الأجناس و الألوان التى تنقل من بلدان شتّى من أرمينية و الرّوم و كرمان و سائر البلدان، و غير ذلك من جواهر الأرض من الأملاح و الأحجار، و منها ماهى مرارة الطّير و السّباع و سائر الحيوان من دواب البرّ و البحر و أدمغتها و رئاتها و غير ذلك من أعضائها، و منها «5» ما هى لحوم الحيّات ذوات السّموم النّاقعة «6» التى تدخل فى التّرياق و غيره، و منها أصناف الكحل من الطيارة و الدبابة «7» من السّامة و الهامة كالعقارب التى تجّفف «8» و تستعمل فى معجون يصلح النّقرس و تحرق و يسقى رمادها صاحب الحصاة
__________________________________________________
(1)- العقاقير سبيل:- A
(2) ايدى: بايدى B
(3)- الخز: الحر C
(4)- حجارة: حجاره B
(5)- و منها: بينها A
(6)- الناقعة: النافعة B
(7)- الدبابة: الديابة A
(8) تجفف: تجف B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:304(1/384)
و تنفع فى الدهن فتنفع للاورام الغليظة، و كالذباب الذى يستعمل فى الكحل و يضمّد على لدغة العقرب و كالضّفادع التى «1» يقلع بها «2» الأضراس الضّاربة و كالزّنابير و الذّراريح «3» التى يعالج بها فى إنبات الشّعر، و منها أبوال «4» أصناف الحيوان من البهائم و السّباع و أحشائها و ذرق الطّيور حتى غائط الانسان و بوله، كأبعرة الابل التى تستعمل «5» فى معجون لحمّى الرّبع، و كبول الابل العراب التى تسبعمل فى دواء للرّياح المقعدة، و كبول الانسان ينقع فيه بعض العقاقير للبهق، و كغائط الانسان يسحق جافة و ينفخ فى حلق من يأخذه الخناق و يضمّد بالرّطب منه، و كذرق الحمام يدخل فى معجون يتخذ للباءة و كذرق الخطاطيف يستعمل فى بعض الأدوية.
هذا الى سائر ما لم نذكره من «6» العقاقير التى تجلب من بلدان شتى و تسمى بأسماء مختلفة و بلغات أهل تلك البلاد الذين هم أمم مختلفون، متعادون متغالبون.
فأين هولاء «7» الحكماء الذين اتّفقت آراؤهم و كملت عقولهم و تمّت طبائعهم و قويت أبدانهم و طالت أعمارهم و اتّفقت كلمتهم و تظاهروا و تعاونوا و طافوا فى اقاليم الأرضين «8» و جالوا فى جزائرها و بلدانها، و عاشروا كلّ أمّة و أقاموا فى كلّ بلدة و عرفوا «9» لغات أهل كلّ بلد و كلّ جزيرة حتى عرفوا أسماء العقاقير فى كل مكان و جرّبوها و عرفوا أشجارها و بقولها و أدركوا صفاتها و عرفوا بالطعوم و الارائح الخصوصيات التى فى جميع
__________________________________________________
(1)- التى: الذى B
(2) يقلع بها: بها يقلع B
(3) الذراريح: الزاريح A
(4)- ابوال: ابواب A
(5)- تستعمل: يستعمل B
(6)- من: فى B
(7)- فاين هؤلاء: و نقول أن C
(8)- الارضين: الارضيين A
(9)- عرفوا اصحاب C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:305(1/385)
العقاقير المختلفة الاعمال و الطبائع؟ و منها ما يعمل فى الدّماغ و منها ما يعمل فى الكبد و منها ما يعمل فى الطحال و منها ما يعمل فى المثانة و منها ما يحلّ و منها ما يعقد؛ لكل واحد منها خصوصية تعمل فى عضو «1» من الأعضاء، فى أعالى «2» البدن و أسافله «3». و منها ما هى سموم قاتلة، لا يلبث ساعة من ذاقها حتى تذيقه «4» حتفه، بل تدوى بالشّم دون الذوق. فأين من «5» عرف هذه الخصوصيّات فى هذه العقاقير بالذوق و الشم «6» و عرف مقاديرها و أوزانها «7» بالطّبع و الالهام و قراريطها «8» و مثاقيلها؟ لأن منها ما يستعمل فى خلط مقدار قيراط فمادونه، و منها ما يستعمل فى خلط عشرين مثقالا فما فوقها، و إن زدت او نقصت كان ضرّه أكثر من نفعه «9»؛ لأن الذى يكون منها سموما إن زدته على المقدار قتل، و إن نقصته بطل. و منها ما يدخل فى خلط واحد خمسون صنفا من العقاقير فما فوق ذلك بأوزان مختلفة و أجزاء محدودة لا يجوز الزيادة و النقصان فيها. فأين هؤلاء «10» الحكماء الذين تتّبعوا هذه العقاقير، فذاقوا شجرة شجرة و ثمرة ثمرة و عرفوا نباتها و وقفوا على صفاتها و وضعوا نسبها «11» و أمثالها و مقاديرها و تتبّعوا جميع طير الدّنيا و سباعها و دوابّها، دابة دابة، فذاقوا مرارتها، و طائرا طائرا، و غاصوا فى البحار و استخرجوا دوابّها «12»، فذاقوا لحومها و أدمغتها و أبوالها و أحشائها حتى
__________________________________________________
(1)- عضو: عضد A
(2)- عالى: اعلى-- CB
(3) اسافله: اسفله C
(4)- تذيقه: يذيقه CBA
(5)- فاين من: فكيف C
(6)- بالذوق و الشم: بالشم و الذوق B
(7)- مقاديرها و اوزانها: اوزانها و مقاديرها C
(8)- قراريطها: قواريطها B
(9)- نفعه: نفعها A
(10)- فاين هؤلاء: و ان C
(11)- نسبها: شبهها-- CB
(12)- فذاقوا ... دوابها:- C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:306(1/386)
ذاقوا بول الانسان و غائطه، فعرفوه بالذّوق و الشّم و علموا بالطّبع و الاستدراك عمل كل شى ء من هذه الأجناس و كيف يدبّ فى العروق، حتى يؤدّى كل دواء فعله إلى الدّاء الذى عمل له فى أعلى البدن و أسفله و داخله و خارجه، بعد «1» ان يصير الى المعدة و يختلط «2» بالدّم فيصير شيئا واحدا، ثم يتفرق من المعدة فى الأعضاء و العروق التى هى مجرى الدم؟ فهل يجوز أن يحكم أن قوما تعاونوا و جالوا فى الدّنيا بأبدان صحيحة و أعمار طويلة حتى عرفوا هذه الأشياء بعد أن جمعوها و جرّبوها بالذّوق و الأرائح، فأدركوا طبائعها بالطّبع و الالهام كما ادّعاه الملحد، ثم اتّفقوا فلم يختلفوا فى شى ء من ذلك؛ لأن هذا إن كان من جماعة تعاونوا على ذلك، لابدّ أن يقع فى شى ء منها خلاف، فكان لا ينتظم أمر هذا النظام الذى نراه فى باب العقاقير من اتفاق الأطباء عليه و اهل المعرفة بالطبائع و لو اجتمعوا ايضا فى بلد واحد و جمعوا هذه العقاقير عندهم، فكيف مع تباين ما بين هذه البلدان و صعوبة الأمر فى جميع هذه العقاقير و تجربتها من غير معرفة تقدمت من المجربين لها و لا أصل يرجعون اليه؟
(3) فان زعم «3» أن أهل كلّ بلد جرّبوا ما ببلدهم و عرفوها، ثم نقلت من بلد الى بلد و جمعت، قلنا «4»: هذا غير جائز لأنّه لا يظهر علمها الا بعدان تجمع و تخلط. فكيف «5» يعرف أهل كل بلد ما فى بلدهم على الانفراد، قبل أن تجمع و تخلط، و كيف عرفوا مقدار كل شى ء فى بلدهم على الانفراد «6» من غير أن يعرف مقدار شكله و خلطه الذى هو فى بلد آخر و هو لم
__________________________________________________
(1)- بعد: و بعد C
(2) و يختلط: فيخلط
(3)- فان زعم: فقال C
(4)- قلنا:- C
(5)- فكيف: و كيف-- CA
(6)- قبل ... الانفراد:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:307(1/387)
يعرفه و لم يجربه؟ و نقول: انه لا بد ان تكون المعرفة بطبائع هذه العقاقير، أصلها من رجل واحد، أو من جماعة. فان كانت من جماعة فسبيلها ما قد ذكرنا.
(4) فان قال قائل: إن قوما اجتمعوا فى دهر واحد و اتفقوا هذا الاتفاق و لحقوا هذه المعرفة، فقد أورد ما لا تقبله العقول؛ لأنّه غير ممكن أن يكون قوم يتفرّقون فى هذه البلدان فى مشارق الأرض و مغاربها، فيلحق «1» كل واحد معرفة شى ء منها ممّا فى ذلك البلد، و سبيلهم ما قد ذكرنا، ثم يجتمعوا و يجمعوها و يتّفقوا، ثم لا يلحقهم «2» موت و لا شى ء من آفات الدنيا حتى يحكموا ذلك. هذا خلف جدا.
(5) و إن ادّعى «3» أن قوما بعد قوم عرفوا ذلك بطباعهم فى دهور شتّى و أزمنة مختلفة، ثم جمعوها بعد ذلك، فهذا أمحل «4»، لأنّ الدّواء الواحد الذى يخلط من خمسين لونا من العقاقير، لا يجوز أن يكون اجتمعت «5» على معرفتها الآراء من قوم شتّى فى دهور مختلفة و أزمنة متفاوتة، قد لحق كل رجل معرفة شى ء فى دهر ما «6»، جاء، ثم جاء آخر فى دهر آخر، فيدرك معرفة شى ء آخر، ثم تجتمع الآراء على ذلك الخلط الواحد الذى هو من الخمسين لونا و لا يقع فيه شى ء «7» من الخلاف. هذا أنكر من الباب الاوّل.
فان زعم «8» أنّ رجلا واحدا عرف هذه الطبائع و عاش و عمّر حتى جال الدّنيا و وقف عليها، مع اختلاف أجناسها على ما وصفنا، فهذا أبعد من العقول. و هل يقدر أحد أن يجرّب هذه العقاقير كلّها دون أن يمتحن جميع «9»
__________________________________________________
(1)- فيلحق: فلحق B
(2)- لا يلحقهم: يلحقهم A
(3)- و ان ادعى: و قال C
(4)- امحل: محل B
(5)- اجتمعت: اجتمع CBA
(6)- فى دهر ما:- C
(7) فى دهر ... لا شئى:- A
(8)- فان زعم:- C
(9)- جميع:- A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:308(1/388)
الشّجر و النّبات، ثمرها و ورقها و عروقها و غير ذلك و يمتحن «1» جميع الحيوان من الوحش و السّباع و البهائم و الطّير و دوابّ الماء و الهوامّ و غير ذلك، حتى يعرف الضّارّ من النّافع و المستعمل من المهمل من لحومها و من مرارتها و سائر أعضائها، و أبوالها «2» و أحشائها، و حتى يعرف الخصوصيّات التى فيها؟ فأى عقل لا ينكر هذا، و أى عقل يصغى إليه و يقبله؟ و هولاء «3» الذين أدركوا معرفة طبائع هذه «4» العقاقير بالطّعوم و الأرائح، جماعة كانوا أم واحدا «5»؟ فى دهر واحد كانوا، ام فى دهور مختلفة؟ وهبهم «6» صبروا على ذوق هذه القذارات «7» التى ذكرناها من الأبوال و الأحشاء و غير ذلك على نتنها و كراهة شمّها و ذوقها كيف يسلمون «8» من سمومها القاتلة لأنّ منها ما هو سم ساعة. و قد «9» رأينا «10» حشيشة تنبت فى صحارينا، إذا أكلها من لا يعرفها، قتلته على المكان؛ و مثل ذلك كثير؟ فأين فى العالم من يقدر على إدراك طبائع هذه الأشياء بالطعوم و الأرائح «12» و بالطّبع و الألهام؟
و أين «11» فى زماننا «13» من أدرك «14» من ذلك فيحكم بالشّاهد على الغائب؟ أو ليس من يدّعى هذا، هو مسلوب العقل عازب الفهم؟ أو ليس من يصغى إليه و لا ينكره، هو أعمى قلبا منه و أضلّ سبيلا؟
و لعمرى إن قوما من المتّسمين بالفلسفة قد ادّعوا مثل هذه التّرّهات و كذبوا على الحكماء القدماء و علّفوا عليهم الخرافات التى لا تليق بهم؛ فقالوا: إنّ أفلاطن «15» دخل فى جبال تكون فى الشّمال حيث لا ترى الشّمس
__________________________________________________
(1)- الشجر ... و يمتحن:- A
(2)- ابوالها: ابوابها A
(3)- هولاء: و ان C
(4) هذه: الطبائع هذه: A
(5) ام واحدا: امر واحد C
(6)- وهبهم: هبهم B
(7)- القذارات: القذرات-- CB
(8)- يسلمون: يسلموا CBA
(9)- و قد:- C
(10) رأينا: لان C
(11)- و اين: فاين BA
(12) و الارائح: و الروائح A، فالارائح C
(13) زماننا: ازماننا A
((1/389)
14) من أدرك:- A
(15)- افلاطن: افلاطون B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:309
و حيث لا يكون نبات، و مكث فيها حينا يطلب حيلة للموت بالتّجارب و الأدوية، و يطلب الأخلاط التى تزيد فى العمر. و إنّه كان عنده ألف رجل فأرسلهم إلى مشارق الأرض و مغاربها و إلى ناحية الشّمال و الجنوب ليذوقوا الأرض و يطلبوا العقاقير. و إنّ أرسطاطاليس بعث قوما مع ذى القرنين ليعلموا تخوم الأرض و كيف قوامها، و أىّ مكان أخف و أىّ مكان أثقل و أىّ مكان أصفى و أىّ مكان أكدر و كم أقاليم الدّنيا و كم فرسخا هو «1» كلّ إقليم و يجلبوا العقاقير و يجرّبوها. فبلغ الذين مضوا نحو المشرق «2» إلى حيث أصابهم حرّ الشّمس و خافوا أن يحترقوا، فحفروا أسرابا فى الأرض و دخلوا فيها. و الذين مضوا الى المغرب ذهبوا إلى موضع لم يقدروا أن يجوزوه من كثرة البخار و شدّته. و قالوا:
رأينا الشّمس دخلت فى البحر، و منهم من قال دخلت فى السّماء، و منهم من قال «3» خلف البخار. و الذين «4» ذهبوا نحو الشّمال لم يقدروا أن يجوزوا من البرد و الثّلج، حتّى مرضوا ثم رجعوا. و الذين ذهبوا نحو الجنوب و صلوا إلى أرض «5» يكون فيها العقاقير و الأدوية و الجواهر التى لا تكون ببلادنا. هذا ما ادّعوه لأفلاطن و أرسطاطاليس و ادّعوا أنّ بثاغورس ارتقى فى الهواء حتى صار إلى عالم الطبيعة و عالم النفس و عالم العقل، فنظر إلى جميع ما فيها من الصّور و الحسن و البهاء و الأنوار. و بثاغورس، هو «6» الذى تلمذ له فلانوس «7» الذى صار إلى الهند و أخذ عنه برخمس «8» الفلسفة و قد تقدّم ذكره فى باب قبل هذا. فادّعوا هذه التّرهات مع دعاويهم أنّ أصول الأشياء كلّها منهم و أنّ كلّ شى ء ينتفع به بنو آدم و صار علمه إلى
__________________________________________________
(1)- هو:- B
(2)- المشرق؛ الشرق A
(3)- دخلت فى السماء و منهم من قال:- BA
(4)- و الذين:- B
(5)- ارض: الارض A
(6)- هو: هذا B
((1/390)
7)- فلانوس؛ بلانوس CBA
(8) برجس: برحبس CBA
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:310
النّاس، من علم النّجوم و الطبّ و غير ذلك هم استخرجوها، و هم قسّموا ذلك فى الآفاق، و أنّهم وضعوا لأهل فارس ثمانين كتابا من كتب الطب، و ثلاثة عشر كتابا للهند من الطب و الحكمة و الأمثال، و أنهم وضعوا هذه الكتب كلّها بآرائهم و دبّروها بعقولهم إلهاما و طبعا من غير تأييد من اللّه عزّ و جلّ. و ادّعوا أنّهم أبدعوا إجانة «1» النّار التى لا تطفأ بفارس، التى يعبدها المجوس، مع دعاوى مزخرفة من هذا النّوع لا تقبلها العقول. فأين الملحد لم يذكر هذه الخرافات التى يدّعيها هؤلاء الضّلال الكذابون حين «2» ذكر دعاوى المجوس و المّنانيّة «3» و الخرافات التى حكاها عن المبتدعين عنهم؛ كقولهم: إنّ مانى كان يختطف من «4» بين أيديهم فيصير فى الهواء يحاذى الشمس؛ فربما مكث ساعات و ربما مكث أيّاما، ثم نزل. و إنّه الذى رفع سابور الذى عمل له «5» الشابرقان إلى الجوّ و أخفاه «6» حينا هناك. فانّ هذه الدّعاوى مثل ما ادّعاه أولئك الكذّابون أنّ بثاغورس ارتقى إلى الهواء و إلى عالم الطّبيعة و عالم النّفس و عالم العقل حتى عاين هذه العلوم و أدركها. أو ليس هذا مثل ما ادّعاه المنّانيّة «7» لمانى حذو النّعل بالنعل و القذّة بالقذّة؛ فكيف لم يعب من هو على مذهبه من المتفلسفين بهذه الدّعوى؟ و لكن عيّر «8» المسلمين و عابهم بدعوى المنّانيّة لمانى! و كيف لم يعلّق هذا الجلجل فى عنق نفسه و أهل مذهبه!؟ فانّه أولى به و أحق، اذ كان على مذهب هؤلاء الذين ادّعوا «9» لبثاغورس هذه الدّعوى، و لأفلاطن و أرسطاطاليس هذه الأكاذيب.
__________________________________________________
(1) اجانة: احانة A، حانة C
(2)- حين: حتى B
(3) المنانية: المانية B
(4)- من: ما A
(5)- له:- A
(6) و اخفاه: فاخفاه B
(7)- المنانية: المانية BA
(8)- عير: غير BA
(9)- ادعوا:- A(1/391)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:311
(7) فأمّا القرابة بين المسلمين «1» و بين المجوس و المنّانيّة فكالفيل «2» من ولد «3» الأتان. فان زعم أنّ هذا، لأنّ المنّانيّة و المجوس أقرّوا بالنبوّة كما أقرّبها المسلمون، قلنا: ليس كلّ من أقرّ بالأنبياء هو مصدّق فى جميع دعاويه، و لا هو صادق مصيب فى بدعهم التى يبتدعونها. إنما نصدقه فى إقراره بالنبوة، و نكذّبه فى هذه الترهات التى يبتدعونها. فان ادّعى الملحد أنّ من ادّعى لبثاغورس هذه الدّعوى و لأفلاطن و أرسطاطاليس هو متكذّب «4» عليهم، و أنّهم قد اختلفوا فى ذلك، و اختلفوا فى الأصول التى قد ذكرناها «5»، و ذكرنا تناقض كلامهم و تكذيب بعضهم لبعض، فلم احتجّ على أهل الملل بالخلاف، و الخلاف الذى بين أئمّته هو فى القبح و الشّناعة بحيث لا غاية وراءه. و لكنه لعله يحتج بحجّة قد كان ذكرها لى لأنّى ناظرته فى هذا الباب و طالبته و قلت له: الخلاف الذى بينكم هو أقبح و أشنع مما تدعيه «6» على أهل الشّرائع. فقال مجيبا: مثلنا و مثلكم فى «7» هذا مثل رجلين اختصما فقال أحدهما لصاحبه: أليست «8» أختك معروفة بالزّنى «9»؟ فقال الآخر: يجوز، فانّ ابنتك أيضا «11» مشهورة «12» بالفجور. فكان هذا جوابه و التجأ إلى هذه السّخافة يريد بذلك أنّه يجوز «10» و إن اختلفنا «13» فقد اختلف أصحاب الشّرائع. قلت له: إذا كان الأمر هكذا، فالتّمسك بشريعة محمّد (ص) أولى و أنفع فى العاجل و الآجل. أما فى العاجل فحقن الدّم و تحصين المال و الأهل و صيانة الفروج و تصحيح النّسب بالولادة الطّيبة بتزويج حلال، فانّ ذلك أجمل فى المرؤة لمن لا يعتقد
__________________________________________________
(1) لافلاطن ... المسلمين:- A
(2)- فكالفيل: كالفيل CBA
(3) من ولد: لولد B
(4)- متكذب: تكذب B
(5)- ذكرناها: و ذكرناها A
(6)- تدعيه: يدعيه B
(7)- فى: مثل A
(8)- اليست: اليس CBA
(9) بالزنى: بالزنا-- CB
((1/392)
10)- يجوز: يحوب B
(11) ايضا:- C
(12) مشهورة: مشهورة A
(13) اختلفا: اختلفا C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:312
الاسلام أيضا، من «1» إباحة فروج الأمّهات و البنات و الأخوات. هذا إلى سائر المنافع التى قد جرى ذكرها. و أما فى الآجل فللوعد بالثّواب الجزيل العظيم الذى لا يقادر قدره، و الوعيد بالعذاب الأليم «2» الذى لا ألم «3» فوقه. فالأخذ بالوثيقة فى هذا أحزم من الدّخول فى التّعطيل و القول بالالحاد الذى لا يحقن فيه دم و لا يحصّن مال و لا أهل و لا يصان فرج و لا يصّح نسب و فى إلآخرة عذاب أليم.
(8) نقول لمن يصحّح هذا الدعوى لأفلاطن «4» و جالينوس، أفلا «5» علم أفلاطن مع حكمته و استحكام معرفته أنّه إذا لم يوجد للموت حيلة فى هذه الأرض العامرة التى تطلع عليها الشّمس و ينبت فيها من كل نبات، و أنّ هذه الأخلاط التى يعالج بها «6» جميع الأدواء، تكون «7» فى العمران، فاذا لم يوجد ها هنا دواء يدفع به الموت، كيف يجده «8» فى الخراب و فى جبال لا تطلع عليها الشمس و لا يكون فيها نبات؟! أو كيف غرّته نفسه و اغتّر بالأمانى، و قد عاين و عرف أنّ أحدا من العالمين لم يسلم من الموت؟! فهلا اعتبر بذلك؟! أولم يكن له من «9» العقل مع حكمته أن يعرف هذه الحال؟ و هل هذا إلّا كذب من هؤلاء الضّلال الذين أرادوا أن يعظموا شأن أفلاطن فشانوه بما قدر و أنهم يزيّنونه «10» به؟
(9) و أمّا القول فى الذين ادّعوا أن أفلاطن بعث ألف رجل فى مشارق الأرض و مغاربها، و أنّ أرسطاطاليس بعث قوما مع ذى القرنين ليعرفوا التّخوم و الأقاليم و الجزائر و يجلبوا العقاقير و يجرّبوها، فانّ فيما ذكرنا
__________________________________________________
(1)- من: فى C
(2)- الاليم: الم A،- B
(3) الم: اله B
(4)- لافلاطن: لافلاطون B
(5) أفلا: الافلا-- CA
(6)- بها: فى B
(7) تكون: و تكون CBA
(8)- يجده: يجده CBA
(9)- من:- B
(10)- يزينونه: يزينوه B(1/393)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:313
فى شأن العقاقير «1»، و من يدّعى أنّهم عرفوها بالطّبع و الفطنة، كفاية. و هو جواب يجمع هؤلاء و أولئك؛ لأنّ سبيل هؤلاء، سبيل أولئك، و فى ذلك مقنع لمن أنصف إن شاء اللّه تعالى. و بعد فانّا نقول: إن كان هؤلاء عرفوا من العقاقير «2» فى هذه البلدان التى صاروا إليها ما لم يعرفه أفلاطن و جالينوس، فهولاء قدوة لأفلاطن و جالينوس «3». فاين أسماء هؤلاء الذين كانوا أشدّ عناية بهذا «4» الشّأن من هذين الرّجلين، و تحملوا من المشّقة ما لم يتحمّله هذان الرجلان؟ و أين تلك العقاقير التى جلبوها من هذه البلدان؟ و لم «5» لم تنسب إليهم كما نسبت «6» كتب أفلاطن و جالينوس اليهما؟ و محصول هذه الدّعاوى أنها زخارف و أكاذيب، و هو من سخف الملحدين و دعاويهم الكاذبة.
و ذكرنا ذلك لأنّ «7» الملحد «8» ترك هذه الدّعاوى و عاب المسلمين بما تدّعيه المجوس و المنّانيّة «9» لزرهشت و مانى من الأباطيل المبتدعة إلحادا منه و شدّة عداوة للاسلام. و ما مثله فى ذلك إلّا كما قال الأوّل:
كناطح صخرة يوما ليفلقها فلم يضرها «10» و أوهى قرنه الوعل
__________________________________________________
(1)- العقاقير ... العقاقير:- B
(2)- من العقاقير: للعقاقير A
(3)- فهولاء ... جالينوس:- A
(4)- بهذا: بهذه C
(5)- و لم: و لو B
(6) كما نسبت:- B
(7)- لان: ان C
(8) الملحد: الملحدين B
(9)- المنانية: المانية B
(10)- يضرها: يضربها B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:314
الفصل الرابع كل معرفة عائدة ألى الحكيم الاول
((1/394)
1) و قد ذكرنا فى باب العقاقير التى هى فى الأرض و يمكن مباشرتها بالحواس، بالذوق و الأرائح، وجها «1» من صعوبة الأمر فيها: ما يقارب صعوبة الأمر فى باب النّجوم و إن كانت فى السماء. و السبيل فى معرفة العقاقير بالطّبع و الفطنة مثل السبيل «2» فى معرفة النّجوم، و بيّنا «3» أنّ تناول ذلك عسر جدّا، و ليس إلّا الرجوع فى ذلك الى أصول الحكماء و أنّ ذلك لا يلحق «4» إلّا بالتعلّم و الرّياضة و الاقتداء بقوانينهم؛ و ما سوى «5» ذلك من الدّعاوى فى باب إدراك شى ء منه بالطّبع و الفطنة، هو باطل، و من «6» يدّعى ذلك هو كاذب أثيم ذو إفك عظيم. و إنّما يعرف هذه العقاقير بالطّعوم و الأرائح من تقدّمت معرفته بها، فيذوق و يشمّ ما يعلم أنّها تضرّه إذا ذاقها و شمّها و لا يخشى غائلتها، فيميّز الأجود من الأدون و الخالص من المغشوش «7» و الصّافى
__________________________________________________
(1)- وجها: و شرحها-- CB
(2) السبيل ... السبيل:- A
(3)- و بينا:- A
(4)- لا يلحق:- C
(5) سوى: سوت A
(6)- و من: من A
(7)- المغشوش: المشوب A
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:315
من المختلط. فمن هذه الجهة «1» تعرف بالشّم و الذّوق. فأما أن يعرف إنسان طبعها بالشّم و الذّوق، و يعرف «2» الخصوصيّة التى فيها من غير معرفة تقدّمت منه بها، فهو أمحل المحال. و سبيل الطّبيب الحاذق المتفلسف الذى يعرف العقاقير و سبيل من لم يمارس هذا الشأن و لا يعرف شيئا منه فى معرفة طبيعة شى ء لم تتقدّم معرفته به واحد. و من ادّعى سوى ذلك فهو مبطل.
(2) و قد كنت ذاكرت الملحد فى ذلك فباهت و أصرّ على هذه الدّعوى.(1/395)
فقلت له: هل «3» أدركت أنت بطبعك و فطنتك ما لم يسبق إليه من تقدّمك فيصدّقك فى هده الدّعوى.؟ قال: نعم «4»، أخبرك فى هذا بأمر عجيب. كانت لى قصة مع أحمد بن إسماعيل وقت مقامى ببخارى عجيبة. و ذلك أنه قد كان خرج يوما من الأيّام متنزها و كنت معه فى موكبه. فدفعنا إلى موضع نزه كثير «5» العشب و النّور. فنزل و نزلنا معه و نظر إلى حشيشة قريبة منه. فقال لى: يا فلان! لماذا تصلح هذه الحشيشة؟
فاجبته على البديهة و قلت: تدرّ البول. فأمر ان تختلى «6» تلك. و حضر الطّعام و قدمّت المائدة، فوضعت تلك الحشيشة على طرف المائدة و قعدنا معه.
و دعا بغلام له كان يأكل معه. فأقعده فى ناحية المائدة التى عليها تلك الحشيشة و أقبلنا نأكل. فتناول الغلام تلك الحشيشة على سبيل من تناول البقل، و هو لم يعرف خبرها و ما جرى «7» فى أمرها. فما استتّم طعامه حتى قام عن المائدة و غاب عنا و بال. فلما انصرف قال له صاحبه: ما شأنك و لم قمت عن الطعام؟ قال: غلبنى البول و لم أقدر على ضبطه. فتعجّب هو من ذلك
__________________________________________________
(1) الجهة: الحجة B
(2)- يعرف ... يعرف:- B
(3)- هل:- B
(4)- نعم: انا C
(5)- كثير: كثر A
(6)- تختلى: يختلى C
(7)- جرى: حمى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:316
و تعجّب النّاس.
(3) قلت له: فهل كنت عرفت هذه الحشيشة قبل ذلك؟ قال: لا و اللّه، ما كنت رأيتها و لا عرفتها. قلت: فهل «1» توجد فى بلدنا و هل تعرفها الآن؟
قال: لا و اللّه، ما أعرفها و لا أدرى توجد ها هنا أم لا. قلت له: ألست تعرف شأن هؤلاء «2» الزّراقين الذين يقعدون على السّبيل و يخدعون عوامّ النّاس بالزّرق؟ قال «3»: هل أحد أعرف بهم منى؟ قلت: فانّ حديثك هذا هو «4» من نوع الزّرق، و ليس هو من نوع المعرفة بطباع «5» العقاقير طبعا و فطنة و تجربة.(1/396)
قال: و أى فطنة ألطف من هذه؟ قلت: كيف تعدّ «6» هذا من الفطنة؟ و كيف «7» تشبّه هذا بفطنة الحكماء الذين تزعم أنّهم أدركوا معرفة طبائع الأشياء بفطنتهم و استخرجوا ذلك بالذّوق و الشمّ «8»، و كانوا بزعمك لا يعرفون ذلك إلّا «9» بتدبير و تأمّل و قياس و تجربة و شمّ و ذوق؛ ثم كانوا يدونون «10» فى كتبهم ما يلحقون معرفته حتى يصير أصلا يعتمد عليه، و تزعم أنّ هذه الأصول كان سبيلها هكذا و أنت تزعم أنك تكلّمت فى هذه الحشيشة على البديهه من غير فكرة و لا رويّة و لا تجربة، و أنك لم تعرف هذه الحشيشة قبل ذلك و لا ذقتها «11» و لا شممتها و لا تعرفها الآن و لا تدرى هل توجد فى هذه البلدان أم لا؟ او «12» ليس قولك هذا «14» هو الزّرق و دعواك هى بالزّرق أشبه منها بفطنة الحكماء و تجاربهم؟
أو ليس هذا هو الزّرق بعينه؟ أو لست تزعم أنك أعرف الناس بالزّراقين؟
فهل هذا إلّا الزرق بعينه؟ أو ليس «13» الزّرق هو خديعة و سخرية؟ فان كان أولئك الحكماء سبيلهم فى معرفة طبائع العقاقير هكذا، فكانوا زرّاقين «15» يخدعون
__________________________________________________
(1)- فهل ... فهل:- C
(2)- هولاء:- C
(3)- قال: قدل 4
(4) هو: هوى A
(5)- بطباع: بطبائع C
(6)- تعد: بعد A، تعدن C
(7) و كيف:--- CA
(8)- بالذوق و الشم: بالشم و الذوق B
(9) الا: الاشياء بفطنتهم A
(10) يدونون: يدونوا B
(11)- و لاذقتها:- A
(12)- او: و A
(13) اولست ... او ليس:- B
(14)- هذا:- A
(15)- زارقين: زارقين B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:317
الناس و يسخرون. و لو كان كذلك لما صحّ شى ء من رسومهم و لا انتفع النّاس بشى ء «1» من كتبهم؛ لان الزّرق باطل و خديعة لا قوام له و لا نظام. و أنت، و إن «2» تم لك ذلك الزّرق على ذلك الأنسان، فانا لا ننخدع لك؛ و هذه اوهى حجة أوردتها فانقطع.
((1/397)
4) و أستغفر الله من الزّيادة و النقصان فى هذه الحكاية، فان الكلام يزيد و ينقص؛ و لكن هذا جملته. و إنّما ذكرت هذا لان الملحد حين طالبته بما لحقه بطبعه و فطنته من معرفة طبائع العقاقير طول عمره، لم يحصل من دعواه الا على ما ذكرناه عنه، مع دعواه أنّه «3» نظير بقراط و جالينوس فى الطبّ و سقراط و أرسطاطاليس فى «4» سائر علوم الفلسفة و العلم بالطّبائع.
و هكذا تحصل جميع دعاوى الملحدين فى باب معرفة الأشياء بالفطنة و الطبع، و هى سخيفة متناقضة. فان كان قد صدق فى هذه الحكاية، فهو سخيف «5» كما ترى. و إن كان كذب، فالكذب «6» أولى به.
(5) و أمّا ما ذكره الملحد فى كتابه فى هذا الباب أنّ منها ما أخذه الأوّل عن الأوّل «7» إلى نهاية الزّمان، فان كان أراد بقوله «8» نهاية الزّمان، ما كان يعتقده من القول بقدم الزّمان المطلق الذى جعله أصل مقالته و زعم انهما «9» زمانان «10»: زمان مطلق «11» و زمان مضاف، فقدأ حال فى الدّعوى و نقض قوله؛ لأنّ الزّمان المطلق عنده قديم بلا نهاية و لم يدع «12» هو أنّ الطب قديم مع الزّمان.
و إن كان أراد الزّمان المضاف الذى هو بحركات الفلك، فقد أحال أيضا،
__________________________________________________
(1)- بشى ء: شى ء B
(2)- و ان: فان BA،- C
(3)- انه: ليس C
(4)- فى: ليس فى B
(5)- فهو سخيف: فى سخف C
(6)- فالكذب: فى الكذاب B، و الكذب C
(7)- عن الاول:- C
(8) بقوله: بقوله C
(9)- انهما: انها C
(10)- زمانان: زمان C
(11) مطلق: مطلق A
(12)- لم يدع: لم يدعى C
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:318(1/398)
لأنّ الطب و حساب النّجوم أخذت بعد حدوث البشر و البشر آخر متولّدات العالم عند أهل الشرائع و عند الفلاسفة، و الفلك و حركاته و ما فيه، اقدم من جميع المتولّدات. و ليست النهاية فى معرفة هذه الأسباب إلى نهاية الزّمان فى هذا الوجه أيضا «1». و لكنا نقول: إنّ علم الطبّ و معرفة طبائع العقاقير و غير ذلك من علم «2» النّجوم و الفلسفة، أخذه الخلف عن السّلف إلى أن ينتهى إلى الحكيم الذى كان الأوّل فيها، و إنّ ذلك الحكيم عرف هذه اللّطائف تأييدا من اللّه عزّ و جلّ «3» و وحيا منه و هو داخل فى جملة الأنبياء (ع)، لان أحدا ليس فى وسعه أن يبلغ معرفتها إلّا كذلك.
و كفى بما تقدّم من الاحتجاج برهانا و دليلا على ذلك و نقول: إنّ هؤلاء الحكماء الذين تنسب إليهم هذه الأصول إن كانت ابتداء منهم، فكما «4» ذكرنا. و إلّا فأخذوها عمّن تقدّمهم «5» شيئا بعد شى «6» فيها؛ فكان سبيله سبيل من تقدّمه فى التأييد من الله عز و جل، حتى ينتهى «7» الامر إلى الاوّل الذى ابتدأه الله بتعليم «8» ذلك، لأنّ اللّه عزّ و جلّ بعث أنبياءه فعلّمهم من كل شى ء يحتاج اليه النّاس «9» فى أمورهم دينا و دنيا و لذلك استقام أمر العالم. و لو لا أنّ اللّه عزّ و جلّ «10» علّمهم لما علموا؛ لأنّه خلق جميع الخلائق، و علم ما ظهر و ما بطن، و لم يشرك أحدا «11» من خلقه فى العلم بها إلّا النبىّ، و هو عالم الغيب، لا يظهر على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول «12» و هو أعلم حيث يجعل رسالته «13» و لا يشرك فى حكمه أحدا.
__________________________________________________
(1)- ايضا:- A
(2)- علم: علوم B
(3)- عز و جل:- A
(4)- فكما: كما BA، مثل ما C
(5)- عمق تقدمهم: عن حكماء يقدموهم CA، قابلين C
(6) شيئا بعد شى ء: بلبن شاشا A، شيئا تشئيا C
(7)- حتى ينتهى ... الفه:- A
(8)- بتعليم: بتعلم A
(9)- اليه الناس: الناس اليه C
(10)- عز و جل:- A
(11)- احدا: احد A
((1/399)
12) رسول: رسوله A
(13) رسالته: رسالاته B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:319
[الفهارس ]
فهرس الاعلام
الف آدم (ع): 87، 280، 285
آغا يونس: 279
آمنة: 88
ابان بن عياش: 48
ابراهيم (ع): 49، 87، 121، 123، 176
ابن ابى العوجاء: 47، 48
ابن احمر المخضرمى: 231
ابن المبارك: 48
ابن المقفع: 47
ابن المسعود: 212
ابن عباس: 49
ابو الاسود الدئلى: 291
ابو بكر: 26، 44، 84، 264
ابو بكر ختن التمار (المتطبب): 27- 26
ابو سفيان: 78
ابو عاصم قاضى مرو: 49، 54
ابيقورس: 135، 136
ابى بن خلف: 81
ابى بن كعب: 48
احمد بن اسماعيل: 278
اخنوخ: 278
ادريس النبى: 279
ادريس بن ادريس بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن على (ع): 267
اربد بن قيس: 216 278
ارسطاطاليس: 7، 14، 16، 19، 72، 127، 138، 144،
اسكندر: 89
اسماعيل (ع) 87، 195، 286
اسمعيل: بن ابراهيم 87، 286
اشعياء: 50، 54، 196، 197
افلاطن: 7، 16، 19، 133، 140
افلاطن القبطى 140
اقليدس 257، 275، 292، 296، 289
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:320
الاسود العنسى المتنبى: 263
الاسود بن عبد يغوث: 217
الاشعث بن قيس 265
البراء بن عازب 214
الحارث بن الطلاطلة 218
الحكماء السبعة: 132
الديسمى الاباضى 267
الصين 267
المامون 276
المغيره، صاحب ابراهيم 49
المنذر بن زياد 49
ام الطفيل 50، 59
ام الفضل 209
ام معبد 86
امية بن خلف الحجمى 248
امية بن عبد شمس 200
انبدقليس 139، 140، 142، 144
اندريوس 278
انكساغورس 134، 143
آنكسماندروس: 138
انكسمانس 137، 143
انيقوس 134
اوريا 106
اهبان بن اوس الاسلمى (مكلم الذئب) 202
ايرا قليطس و اناسيس 136
ايوب بن خوط 49
ايساغورس 144
ب باذان: 207
بال 277
بخت نصر 101، 276، 277
برخمس الهندى 135، 141
برقلس 107، 135
برقونس 141،
بطلميوس 274
بقراط 274
بلطشاسر 276
بليناس 107
بوثاغورس 136، 139، 145، 46
بولس 103
بيرس 134
ت تغلث فلاسر (ملك الموصل) 101
تيرس 134
تيموثاوس 103(1/400)
ث ثالس 133، 137
ج جابر بن عبد اللّه الجعفى 213، 317
جالينوس 274
جعفر بن محمد الصادق 41
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:321
ح حارثة بن سراقة بن معدى كرب 265
حذاقة بن قيس السهمى 312
حليمة (ظئر رسول اللّه) 204
حمزة 78
خ خالد بن وليد 83
خرسبوس 143
خليل بن احمد 291
د دانيال (النبى) 51، 52، 54، 197
داود (ع) 106
دحية بن خليفة الكلبى 210
ديمقراط الفيلسوف 107، 140، 141
ذ ذو النون 264
ر رستم الفارسى 267
ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف 206، 296
ز زرهشت 69، 70
زبير بن العوام 220
زيد (قصى) 87
زيد بن اللصيت 209
زينون الاكبر 142
س سابور 70
سام 87
سجاح بنت الحارث اليربوعية 263
سراقسيس 279
سراقة بن جعشم المدلجى 204
سطيح الكاهن 199
سعد بن ابى مالك 50
سقراط 127، 233، 277
سنحاريب 101
سهل السراج 49
ش شلمنأصر 101
شمعون 278
شيبة الحمد 88
شيث 87
شيروية 207
ص صرد بن عبد اللّه الازدى: 208
صفوان بن امية 79
ط طليحة بن خويلد المتنبى 263
طولوس الفيومى 140
طسيوس 140
ع عاصم الكوزى 49
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:322
عامر بن الاضبط الاشجعى 217
عايشة 224
عبد المطلب 87، 288
عبد اللّه 88
عبد اللّه بن رواحة 214، 213
عبد اللّه بن الزبعرى 79
عبد الرحمن بن معاوية الاموى 267
عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة العبادى 199
عباس بن عبد المطلب 209
عباس بن مرداس 201
عبديا ليل بن عمرو 251
عبيد الله بن وهب 50، 99
عتبة بن عمرو بن جحدم 209
عروة بن مسعود الثقفى 237
عزيا الملك 50
عقيل 209
على (ع): 44، 81، 222، 291
عمار: 210
عمارة بن عامر 50
عمرو 44، 87(1/401)
عمر بن الخ النّجوم أخذت بعد حدوث البشر و البشر آخر متولّدات العالم عند أهل الشرائع و عند الفلاسفة، و الفلك و حركاته و ما فيه، اقدم من جميع المتولّدات. و ليست النهاية فى معرفة هذه الأسباب إلى نهاية الزّمان فى هذا الوجه أيضا «1». و لكنا نقول: إنّ علم الطبّ و معرفة طبائع العقاقير و غير ذلك من علم «2» النّجوم و الفلسفة، أخذه الخلف عن السّلف إلى أن ينتهى إلى الحكيم الذى كان الأوّل فيها، و إنّ ذلك الحكيم عرف هذه اللّطائف تأييدا من اللّه عزّ و جلّ «3» و وحيا منه و هو داخل فى جملة الأنبياء (ع)، لان أحدا ليس فى وسعه أن يبلغ معرفتها إلّا كذلك.
و كفى بما تقدّم من الاحتجاج برهانا و دليلا على ذلك و نقول: إنّ هؤلاء الحكماء الذين تنسب إليهم هذه الأصول إن كانت ابتداء منهم، فكما «4» ذكرنا. و إلّا فأخذوها عمّن تقدّمهم «5» شيئا بعد شى «6» فيها؛ فكان سبيله سبيل من تقدّمه فى التأييد من الله عز و جل، حتى ينتهى «7» الامر إلى الاوّل الذى ابتدأه الله بتعليم «8» ذلك، لأنّ اللّه عزّ و جلّ بعث أنبياءه فعلّمهم من كل شى ء يحتاج اليه النّاس «9» فى أمورهم دينا و دنيا و لذلك استقام أمر العالم. و لو لا أنّ اللّه عزّ و جلّ «10» علّمهم لما علموا؛ لأنّه خلق جميع الخلائق، و علم ما ظهر و ما بطن، و لم يشرك أحدا «11» من خلقه فى العلم بها إلّا النبىّ، و هو عالم الغيب، لا يظهر على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول «12» و هو أعلم حيث يجعل رسالته «13» و لا يشرك فى حكمه أحدا.
__________________________________________________
(1)- ايضا:- A
(2)- علم: علوم B
(3)- عز و جل:- A
(4)- فكما: كما BA، مثل ما C
(5)- عمق تقدمهم: عن حكماء يقدموهم CA، قابلين C
(6) شيئا بعد شى ء: بلبن شاشا A، شيئا تشئيا C
(7)- حتى ينتهى ... الفه:- A
(8)- بتعليم: بتعلم A
(9)- اليه الناس: الناس اليه C
(10)- عز و جل:- A
(11)- احدا: احد A
((1/402)
12) رسول: رسوله A
(13) رسالته: رسالاته B
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:319
[الفهارس ]
فهرس الاعلام
الف آدم (ع): 87، 280، 285
آغا يونس: 279
آمنة: 88
ابان بن عياش: 48
ابراهيم (ع): 49، 87، 121، 123، 176
ابن ابى العوجاء: 47، 48
ابن احمر المخضرمى: 231
ابن المبارك: 48
ابن المقفع: 47
ابن المسعود: 212
ابن عباس: 49
ابو الاسود الدئلى: 291
ابو بكر: 26، 44، 84، 264
ابو بكر ختن التمار (المتطبب): 27- 26
ابو سفيان: 78
ابو عاصم قاضى مرو: 49، 54
ابيقورس: 135، 136
ابى بن خلف: 81
ابى بن كعب: 48
احمد بن اسماعيل: 278
اخنوخ: 278
ادريس النبى: 279
ادريس بن ادريس بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن على (ع): 267
اربد بن قيس: 216 278
ارسطاطاليس: 7، 14، 16، 19، 72، 127، 138، 144،
اسكندر: 89
اسماعيل (ع) 87، 195، 286
اسمعيل: بن ابراهيم 87، 286
اشعياء: 50، 54، 196، 197
افلاطن: 7، 16، 19، 133، 140
افلاطن القبطى 140
اقليدس 257، 275، 292، 296، 289
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:320
الاسود العنسى المتنبى: 263
الاسود بن عبد يغوث: 217
الاشعث بن قيس 265
البراء بن عازب 214
الحارث بن الطلاطلة 218
الحكماء السبعة: 132
الديسمى الاباضى 267
الصين 267
المامون 276
المغيره، صاحب ابراهيم 49
المنذر بن زياد 49
ام الطفيل 50، 59
ام الفضل 209
ام معبد 86
امية بن خلف الحجمى 248
امية بن عبد شمس 200
انبدقليس 139، 140، 142، 144
اندريوس 278
انكساغورس 134، 143
آنكسماندروس: 138
انكسمانس 137، 143
انيقوس 134
اوريا 106
اهبان بن اوس الاسلمى (مكلم الذئب) 202
ايرا قليطس و اناسيس 136
ايوب بن خوط 49
ايساغورس 144
ب باذان: 207
بال 277
بخت نصر 101، 276، 277
برخمس الهندى 135، 141
برقلس 107، 135
برقونس 141،
بطلميوس 274
بقراط 274
بلطشاسر 276
بليناس 107
بوثاغورس 136، 139، 145، 46
بولس 103
بيرس 134
ت تغلث فلاسر (ملك الموصل) 101
تيرس 134
تيموثاوس 103(1/403)
ث ثالس 133، 137
ج جابر بن عبد اللّه الجعفى 213، 317
جالينوس 274
جعفر بن محمد الصادق 41
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:321
ح حارثة بن سراقة بن معدى كرب 265
حذاقة بن قيس السهمى 312
حليمة (ظئر رسول اللّه) 204
حمزة 78
خ خالد بن وليد 83
خرسبوس 143
خليل بن احمد 291
د دانيال (النبى) 51، 52، 54، 197
داود (ع) 106
دحية بن خليفة الكلبى 210
ديمقراط الفيلسوف 107، 140، 141
ذ ذو النون 264
ر رستم الفارسى 267
ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف 206، 296
ز زرهشت 69، 70
زبير بن العوام 220
زيد (قصى) 87
زيد بن اللصيت 209
زينون الاكبر 142
س سابور 70
سام 87
سجاح بنت الحارث اليربوعية 263
سراقسيس 279
سراقة بن جعشم المدلجى 204
سطيح الكاهن 199
سعد بن ابى مالك 50
سقراط 127، 233، 277
سنحاريب 101
سهل السراج 49
ش شلمنأصر 101
شمعون 278
شيبة الحمد 88
شيث 87
شيروية 207
ص صرد بن عبد اللّه الازدى: 208
صفوان بن امية 79
ط طليحة بن خويلد المتنبى 263
طولوس الفيومى 140
طسيوس 140
ع عاصم الكوزى 49
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:322
عامر بن الاضبط الاشجعى 217
عايشة 224
عبد المطلب 87، 288
عبد اللّه 88
عبد اللّه بن رواحة 214، 213
عبد اللّه بن الزبعرى 79
عبد الرحمن بن معاوية الاموى 267
عبد المسيح بن عمرو بن نفيلة العبادى 199
عباس بن عبد المطلب 209
عباس بن مرداس 201
عبديا ليل بن عمرو 251
عبيد الله بن وهب 50، 99
عتبة بن عمرو بن جحدم 209
عروة بن مسعود الثقفى 237
عزيا الملك 50
عقيل 209
على (ع): 44، 81، 222، 291
عمار: 210
عمارة بن عامر 50
عمرو 44، 87
عمر بن الخطاب 44، 176
عمر بن الحرث 50
عمر بن حريث 49
عمير بن وهب 79
عيسى (ع) 69، 70، 73، 89، 91، 97، 113، 122، 125، 157، 269
عيينة بن حصن 264
ف فاطمه (ع) 212
فرعون 75، 90، 102
فطروس 278
فلانوس: 147
فلسنيون 145
فلوطرخس 134، 142، 143
فيلدفيوس: 279
فيلوس 278، 279(1/404)
ق قصى 87
قيصر: 210
ك كسرى 193
كسناغورس 143
كسنوفانس 133، 137
كعب بن زهير 80
ل لوقس، 279
م مارقوس 278 279
مارية القبطية 262
مانى 69، 70
محلم بن جثامة 217
مجسطى 296
محمد (ص) 28، 53، 65، 69، 73، 74، 75، 76، 79، 81، 89، 91، 96، 111، 113، 123، 125، 154، 167، 175، 188، 193، 194، 195، 196، 197، 198، 219، 223، 234، 227، 239، 249، 250، 252، 253، 254، 255
مرزنوش 146
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:323
مروان بن عثمان 50
مسيح: 69، 75، 91، 98، 123، 131، 160، 165، 168، 169، 196،
مسيلمة الكذاب المتنبى 263
معاوية 314
مليسس 146
موسى (ع) 69، 73، 75 89، 90، 91، 113، 121، 122، 123، 124، 125، 157، 288
ن ناحوم النبى 102
ناجية بن جندب 214
نبوخذ نصر 101
نسطولس 277
نعمان بن منذر 199
نوح 56، 87، 287
نوفل بن الحارث 209
و وارطوس 147
وحشى غلام جبير بن مطعم 79
ورقة بن نوفل 248
وليد بن مغيرة المخزومى 202
ه هاشم بن عبد مناف 200
هارون (ع) 90
هرقل (قيصر الروم) 140
هرمس 107
هشام بن عبد الملك بن مروان: 276
هشام بن سعيد 203
هند بن ابى هالة 129
هوشع النبى 100
ى يوحنا الصابغ 175
يوئيل النبى 101
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:324
فهرس الاماكن
الف ابو قبيس (جبل) 88
اذربيجان 268
الاردن 91، 267
ارض الجليل 195
ارمينية 268
اصبهان 267
اضم 217
افسوس 140
اكيدردومة الجندل 208
الاندلس 267
الاهواز 267
البحر الكبير 297
البحرين 267
الجبال 171
الحبشه 63
الداب 268
الربذة 212
السند 267
الصين 171
الطائف 237
القطب الجنوبى 295
القطب الشمالى 295
القلزم 295
الكعبة 78
اورشليم 174، 196
الهند 267
اليمامة 263
اليمن 263
ب بابل 102، 197، 267؛ 287
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:325
بحر الاندلس 267
بحيرة ساوه 199
بصره: 222
بلاد العجم 267
بلاد العراق 296
بيت المقدس 276
ت تاهرت الادنى 267
تاهرت الاقصى 267
تبت: 303
تبوك 212
تفليس 268
تهامة 267
ج جرش 209(1/405)
ح حجاز 171
حبشه 102
خ خراسان 171
خزر 171، 267
د دار الندوة 207
ر رومية 195، 219، 221، 224، 303
س ساعير 195
سجستان 267
سيناء 195
ش شكر 208
شمشاط 268
شام: 91، 171، 199، 266، 267
ص صقلية 268
صنعاء 263
ط طخارستان 267
طرطوس 268
طنجة 267
طوانه 107
ع عراق 171
عسفان 200
غ غرغر 267
ف فاران 195، 199، 219، 224، 267
فرنجة 267
فلسطين 91
ق قليقلا 268
قاهره: 89
ك كرمان 267
كش 209
كعبه 78، 123،
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:326
لبنان: 101
م مدينة: 219؛ 295
مكة: 78، 79، 87، 195، 218، 223، 224، 237، 246، 248، 251
ملطية: 268
منى: 84
مصر: 255
موصل: 102
ن نجران: 267
بخارى: 512
ناصرة: 195
و وادى الرمل 267
وادى المشقق 215
ى يمن: 267
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:327
فهرس القبائل
الف آل داود 189
الاكاسره: 127، 267
اهل ذى المجاز 81
ب براهمه 171
بنو اسرائيل 90، 100، 102، 120،
بنو اسماعيل 195
بنو تميم: 263
بنو جذيمة 83
بنو حنيفة: 264
بنو سليم 201
بنو غفار 204
بنو قتيرة: 265
بنو مكلم الذئب 202
بنو هاشم 87
ت ترك 63، 303
حواريين: 144، 145
د ديلم 63
ز زنج 63
ع عجم 63، 276
عدنان 87
عرب: 286
ق قريش 74طاب 44، 176
عمر بن الحرث 50
عمر بن حريث 49
عمير بن وهب 79
عيسى (ع) 69، 70، 73، 89، 91، 97، 113، 122، 125، 157، 269
عيينة بن حصن 264
ف فاطمه (ع) 212
فرعون 75، 90، 102
فطروس 278
فلانوس: 147
فلسنيون 145
فلوطرخس 134، 142، 143
فيلدفيوس: 279
فيلوس 278، 279
ق قصى 87
قيصر: 210
ك كسرى 193
كسناغورس 143
كسنوفانس 133، 137
كعب بن زهير 80
ل لوقس، 279
م مارقوس 278 279
مارية القبطية 262
مانى 69، 70
محلم بن جثامة 217
مجسطى 296
محمد (ص) 28، 53، 65، 69، 73، 74، 75، 76، 79، 81، 89، 91، 96، 111، 113، 123، 125، 154، 167، 175، 188، 193، 194، 195، 196، 197، 198، 219، 223، 234، 227، 239، 249، 250، 252، 253، 254، 255
مرزنوش 146(1/406)
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:323
مروان بن عثمان 50
مسيح: 69، 75، 91، 98، 123، 131، 160، 165، 168، 169، 196،
مسيلمة الكذاب المتنبى 263
معاوية 314
مليسس 146
موسى (ع) 69، 73، 75 89، 90، 91، 113، 121، 122، 123، 124، 125، 157، 288
ن ناحوم النبى 102
ناجية بن جندب 214
نبوخذ نصر 101
نسطولس 277
نعمان بن منذر 199
نوح 56، 87، 287
نوفل بن الحارث 209
و وارطوس 147
وحشى غلام جبير بن مطعم 79
ورقة بن نوفل 248
وليد بن مغيرة المخزومى 202
ه هاشم بن عبد مناف 200
هارون (ع) 90
هرقل (قيصر الروم) 140
هرمس 107
هشام بن عبد الملك بن مروان: 276
هشام بن سعيد 203
هند بن ابى هالة 129
هوشع النبى 100
ى يوحنا الصابغ 175
يوئيل النبى 101
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:324
فهرس الاماكن
الف ابو قبيس (جبل) 88
اذربيجان 268
الاردن 91، 267
ارض الجليل 195
ارمينية 268
اصبهان 267
اضم 217
افسوس 140
اكيدردومة الجندل 208
الاندلس 267
الاهواز 267
البحر الكبير 297
البحرين 267
الجبال 171
الحبشه 63
الداب 268
الربذة 212
السند 267
الصين 171
الطائف 237
القطب الجنوبى 295
القطب الشمالى 295
القلزم 295
الكعبة 78
اورشليم 174، 196
الهند 267
اليمامة 263
اليمن 263
ب بابل 102، 197، 267؛ 287
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:325
بحر الاندلس 267
بحيرة ساوه 199
بصره: 222
بلاد العجم 267
بلاد العراق 296
بيت المقدس 276
ت تاهرت الادنى 267
تاهرت الاقصى 267
تبت: 303
تبوك 212
تفليس 268
تهامة 267
ج جرش 209
ح حجاز 171
حبشه 102
خ خراسان 171
خزر 171، 267
د دار الندوة 207
ر رومية 195، 219، 221، 224، 303
س ساعير 195
سجستان 267
سيناء 195
ش شكر 208
شمشاط 268
شام: 91، 171، 199، 266، 267
ص صقلية 268
صنعاء 263
ط طخارستان 267
طرطوس 268
طنجة 267
طوانه 107
ع عراق 171
عسفان 200
غ غرغر 267
ف فاران 195، 199، 219، 224، 267
فرنجة 267
فلسطين 91
ق قليقلا 268
قاهره: 89(1/407)
ك كرمان 267
كش 209
كعبه 78، 123،
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:326
لبنان: 101
م مدينة: 219؛ 295
مكة: 78، 79، 87، 195، 218، 223، 224، 237، 246، 248، 251
ملطية: 268
منى: 84
مصر: 255
موصل: 102
ن نجران: 267
بخارى: 512
ناصرة: 195
و وادى الرمل 267
وادى المشقق 215
ى يمن: 267
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:327
فهرس القبائل
الف آل داود 189
الاكاسره: 127، 267
اهل ذى المجاز 81
ب براهمه 171
بنو اسرائيل 90، 100، 102، 120،
بنو اسماعيل 195
بنو تميم: 263
بنو جذيمة 83
بنو حنيفة: 264
بنو سليم 201
بنو غفار 204
بنو قتيرة: 265
بنو مكلم الذئب 202
بنو هاشم 87
ت ترك 63، 303
حواريين: 144، 145
د ديلم 63
ز زنج 63
ع عجم 63، 276
عدنان 87
عرب: 286
ق قريش 74، 77، 81، 87، 88، 89، 202،
قوم عاد: 231
ك كلدانيون
كنانة 87
كندة 265
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:328
م المجوس 53، 59، 69، 70، 71، 160، 267
المجوسية 70، 267
المنانية 71
ن النصارى 53، 59، 69، 70، 103، 168، 176، 267
يهود: 35، 53، 59، 69، 168، 170، 176، 267، 289
ه الهياطله 240
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:329
فهرس الآيات القرآنية
1- فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ. ص 35 زمر 39/ 18- 19
2- تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. ص 36- 35 آل عمران 3/ 57
3- قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
ص 36 آل عمران 3/ 88
4- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
ص 37 عنكبوت 29/ 46(1/408)
5- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
ص 37 النحل 125
6- وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا
ص 38- 37 النمل 27/ 14
7- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. ص 39- 38 البقرة 2/ 160
8- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:330
الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ
ص 39 آل عمران 3/ 189
9- وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ص 39 الرعد 13/ 3
10- وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً. إِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ص 39 النحل 16/ 8
11- إِنَّا كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ص 41 القمر 54/ 49
12- وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها.
ص 45 الحديد 57/ 27(1/409)
13- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
ص 50 الانعام 6/ 103
14- انما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ ص 56 الرعد 13/ 40
15- لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
ص 56 الانعام 6/ 50- 52
17- أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ص 56 الشعراء 26/ 111
18- وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ص 57 ابراهيم 14/ 26
18- أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ص 59 البقرة 2/ 44
19- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً
ص 65 النساء 4/ 97
20- وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ص 71 الصف
21- فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
ص 74 الانعام 6/ 33
22- ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ص 74 الدخان 44/ 14
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:331(1/410)
23- أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ؟ ص 75 المومنان 23/ 70
24- إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ
ص 75 المؤمنون 23/ 25
25- إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
ص 75 الشعراء 26/ 27
26- إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ.
ص 75 الشعراء 26/ 34
27- ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ص 75 القلم 68/ 2
28- وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ص 76 القلم 68/ 4
29- لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً
ص 78 الاسرى 17/ 29
30- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ
ص 83 الاحزاب 33/ 21
31- أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ. ص 95 الرعد 13/ 17
32- وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً
ص 95 الاسرى 17/ 89
33- وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا
ص 95 الكهف 18/ 54(1/411)
34- إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ
ص 96- 95 البقرة 2/ 26
35- عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:332
اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ
ص 96 المدثر 74/ 30
36- وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ
ص 96 العنكبوت 29/ 43
37- قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
ص 97- 96 فصلت 41/ 97
38- وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً وَ كُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً ص 97 الفرقان 38/ 27
40- وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ص 98 الاعراف 7/ 179(1/412)
41- هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ
ص 106 ص 38/ 23
42- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
ص 109 الشورى 42/ 13
43- لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً ص 109 المائده 5/ 48
44- عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ص 110 الفتح 48/ 6
45- أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ص 110 الشورى 24/ 31
46- اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
ص 167 الشورى 13/ 42
47- وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
ص 111 الانفال 8/ 39
48- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ص 111 البقره 2/ 256
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:333
49- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ
ص 111 البقرة 2/ 257
50- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ
ص 114 المومن 40/ 7
51- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ص 114 طه 20/ 5
52- وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ص 144 الحاقه 69/ 17
53- أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً
ص 114 النساء 4/ 82(1/413)
54- وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا
ص 115 النساء 4/ 83
55- فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
ص 115 النساء 4/ 59
56- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ
ص 118 البقره 4/ 267
57- وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ص 118 البقره 2/ 267
58- وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ
59- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا
ص 118 البقره 6/ 268
60- لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ص 119 الحج 22/ 37
61- يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ص 127 الفرقان 25/ 27
62- وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
ص 132 الشعراء 26/ 227
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:334
63- وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ
ص 157 البقرة 2/ 143(1/414)
64- وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ص 157 المائدة 5/ 48
65- وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ ص 158 هود 11/ 118
66- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
ص 158 البقرة 2/ 213
67- وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
ص 158
68- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى النجم 53/ 31
ص 166
69- ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ 168 ص 38/ 27
70- وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ص 168 النساء 4/ 157
71- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ
ص 168 البقرة 2/ 154
72- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ ص 168 آل عمران 3/ 169
73- إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ ص 169 آل عمران 3/ 55(1/415)
74- وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ ص 169 المائده 5/ 117
75- وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ
ص 173 آل عمران 3/ 78
76- مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا
ص 176 الحج 22/ 78
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:335
77- وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ... ص 188 البقرة 261/ 2
78- وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى ص 213 الانفال 8/ 17
79- وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ص 213 الشعراء 26/ 214
80- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ص 216 الاعراف 160/ 7
81- إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
ص 218 الحجر 15/ 96- 95
82- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ص 218 الفتح 48/ 27
83- ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى ص 219 الضحى 93/ 3
84- وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
ص 219 الكهف 18/ 23(1/416)
85- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ
ص 219 القصص 28/ 86
86- الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ص 219 الروم 3 و 2/ 30
87- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً. ص 220 النور 24/ 55
88- سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ ص 220 القمر 54/ 46
89- كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
ص 220 بقره 249/ 2
90- وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ
ص 221 الانفال 8/ 8
91- يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ص 221 الدخان 44/ 16
92- وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ ...
ص 221 آل عمران 3/ 146
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:336
93- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ص 221 المجادلة 58/ 23
94- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ... ص 222 الاسرى 17/ 2(1/417)
95- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ
ص 223 القمر 54/ 3- 2
96- لو اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بمثله لعجزوا عنه وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ص 230
97- و قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ ... ص 231 الشعراء 26/ 156- 154
98- وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
ص 231 الاعراف 7/ 77- 76
99- قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ ...
ص 232 الاعراف 134/ 7
100- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ
ص 232 طه 20/ 72
101- وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ...
ص 233 بنى اسرائيل 17/ 94- 93
102- وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ص 233 الانعام 6/ 8
103- وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ص 233 الانعام 6/ 112
104- قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَ ... ص 234 البقرة 2/ 28(1/418)
105- لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ص 234 الانفال 8/ 32
106- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. ص 234 هود 11/ 16
107- وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:337
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ص 234 البقرة 2/ 22
108- لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ص 235 بنى اسرائيل 17/ 88
109- وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ...
ص 235 الانعام 6/ 93
110- أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ص 235 43/ 32
111- ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ... إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ص 237 المدثر 74/ 25- 11
112- وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ص 237 الزخرف 43/ 30
113- خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ(1/419)
ص 239 الاعراف 7/ 199
114- وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ
ص 239 العنكبوت 29/ 48
115- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ... كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
ص 244 الفتح 48/ 29
116- هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
ص 247 الانفال 8/ 62
117- فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ص 249 النساء 4/ 68
118- وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً
ص 249 الاحزاب 33/ 36
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:338
119- وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ
ص 250 الانفال 8/ 39
120- لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ص 255 بنى اسرائيل 17/ 88(1/420)
121- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ص 260 التوبة 9/ 32
122- لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ص 269 التوبة 9/ 33
123- (و الله بالغ امره و لو كره المشركون) ص 270
124- أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
ص 271 التوبة 9/ 33
125- فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى
ص 275 النازعات 79/ 41- 37
126- وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ص 278 مريم 19/ 57
127- وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ص 280 بقره 3/ 31
128- وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ... فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ... إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ص 288 القصص 28/ 7
129- وَ ما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ص 300 الشعراء 26/ 114- 112
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:339
فهرس الاحاديث النبوية
الجدل فى الدين و المراء فيه كفر ص 36
لا تتفكروا فى اللّه و تفكروا فى خلقه ص 38
القدر سر اللّه فلا تخوصوا فيه ص 40
اياكم و التعمق، فان من كان قبلكم هلك بالتعمق ص 43
روى ان رسول اللّه (ص) نظر الى رجل ساجد فى المسجد، حتى فرغ النبى (ص) من صلاته. فقال (ص): «من رجل يقتله؟» فقام أبو بكر و مشى اليه ليقتله، ثم انصرف و قال: «يا رسول اللّه كيف أقتل رجلا ساجدا للّه؟»(1/421)
فقال: «من رجل يقتله؟» فقام عمر و مشى اليه ليقتله، ثم انصرف و قال:
«يا رسول اللّه كيف اقتل رجلا ساجدا للّه» فقال: «من رجل يقتله؟» ... فقام على (ع) و مشى اليه ليقتله، فوجده قد ذهب ص 44
يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ص 45
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، ص 45
رأيت ربى فى أحسن صورة و وضع يده بين كتفى حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتى ص 50
روى عبيد اللّه بن وهب عن عمرو بن الحرث عن سعد بن أبى مالك عن مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر عن ام الطفيل امرأة ابى بن كعب، قال: سمعت النبى (ص) يذكر أنه رأى ربه فى المنام فى صورة شاب موفر على فراش من ذهب فى رجليه نعلان من ذهب. ص 50
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:340
من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، و من أغلق بابه على نفسه فهو آمن ص 78
هلموا الى، انا محمد بن عبد اللّه، أنا محمد رسول اللّه ص 81
أقربكم الى اللّه أحسنكم خلقا ص 82
ان العبد ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم ص 82
ليس عمل فى الميزان أثقل من حسن الخلق ص 82
أللهم انى أبرأ اليك مما صنع خالد ص 83
اجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ص 83
انه لا يبلغها الا أنت أو رجل منك ص 84- 83
انها عجوز كانت تاتينا أيام خديجة، و ان حسن العهد من الايمان ص 84
ان هذه من صدائق خديجة و ان حسن العهد من الايمان ص 85
انما انا عبد آكل كما يأكل العبد ص 85
نقلت من طهر الى طهر ما مسنى سفاح الجاهلية ص 88
روى عن النبى (ص) انه قال: ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما و على جنبتى الصراط سور، و فى السور أبواب مفتحة، و على تلك الابواب ستور مرخاة و على رأس الصراط داع يقول: ادخلوا الصراط و لا تعرجوا: قال فالصراط هو الاسلام، و الابواب المفتحة محارم اللّه، و الستور حدود اللّه و الداعى القرآن
ص 94
اتق القوارير ص 106
اطلبوا العلم و لو بالصين ص 112
طلب العلم فريضة على كل مسلم ص 112(1/422)
امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه، فاذا قالوها عصموا منى دماءهم و أموالهم الا بحقها و حسابهم الى اللّه ص 112
كما روى انه سئل، فقيل له: يا رسول اللّه، من قال لا اله الا اللّه دخل الجنة؟
فقال: نعم، من عرف حدودها وادى حقوقها ص 112
قول رسول الله: «جانب العرش على منكب اسرافيل و انه ليئط اطيط الرحل الجديد ص 114
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:341
روى عن رسول اللّه (ص) أنه قال «ما نزلت على آية الا و لها ظهر و بطن و لكل حرف حد و لكل حد مطلع ص 159
حديث العجل الذى لبنى غفار، أرادوا أن يذبحوه فنطق و قال: يا بنى غفار أمن نجيح ينجح ص 203
حديث الجمل الذى نحر بمكة فتكلم بعد ما نحر ص 204
ان اللّه قد أوحى الى أن شيروية وثب على أبيه كسرى فقتله فى شهر كذا من ليلة كذا ص 208
فأين المال الذى دفعته الى ام الفضل و قلت لها ان أصبت فى سفرى هذا فللفضل كذا و لعبد اللّه كذا و لقثم كذا و لعبيد اللّه كذا؟ ص 219
مزق ملكه و ملكنى من أرضه! ص 310
قوله لعلى (ع): انك تقاتل الناكثين و المارقين و القاسطين ص 310
يا ابا تراب ألا اخبرك بأشقى الناس؟ ص 211
ويح ابن سمية! ليسوا بالذين يقتلونك، انما تقتلك الفئة الباغية ص 211
اللهم اجعله اباذر يرحم الله أباذر يمشى وحده و يموت وحده و يدفن وحده ص 212
انت أول أهلى لحوقا بى ص 212
اصنع لى صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املا لناعسا من لبن ص 213
ان اللّه أمرنى ان انذر عشيرتى الاقربين ص 213
لما كان بتبوك، أصاب المسلمين العطش حتى كادوا أن يهلكوا، فأمر (ص) أن يطلبوا الماء فى الرحال ... فرأينا الماء تخلل من بين أصابعه ... ص 215
دعاؤه (ع) على مضر حين آذوه و كذبوه، فقال اللهم اشدد و طأتك على مضر، ابعث عليهم سنين كسنين يوسف ... ص 216
اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ص 217
الحمد للّه وحده، انجز وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده ص 218(1/423)
حديث الاسراء و البراق و المعراج و ما أراه اللّه عز و جل من ملكوت السماوات و الارض ص 230
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:342
يا رب اليك اشكو ضعفى و قلة حيلتى و هوانى على الناس. ان لم يكن بك سخط فلا ابالى و لكن عافيتك أوسع لى. ص 251
زويت لى مشارق الارض و مغاربها و سيبلغ ملك امتى مازوى لى منها ص 261
قال (ص) اذا فتح اللّه عليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فان لهم رحما ...
ص 262
سلمان قال: كنت أضرب فى ناحية من الخندق صخرة فغلظت على، فرآنى (ص) و رأى شدة المكان ... و اخذ المعول من يدى، فضرب به ضربة، فلمعت برقة، .. ثم ضرب اخرى ص 262
اياكم و النظر فى النجوم فانه يدعى الى الكهانة ص 279
الرويا الصالحة من الرجل الصالح جزء من النبوة ص 289
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:343
فهرس الاحاديث الموضوعة
ان اللّه أجرى خيلا، فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق ص 48
روى عن شعبة أنه قال: لان أزنى كذا و كذا زنية، أحب الى من أن أروى عن أبان بن عياش ص 48
روى عن ابن المبارك أنه قال: حديث ابى بن كعب انه قال: من قرأ سورة كذا، فله كذا، و من قرأ سورة كذا فله كذا، هو من وضع الزنادقة فلا ترووه ص 49- 48
حديث زغب الصدر ص 48
حديث عيادة الملائكة ص 48
حديث قفص الذهب على جمل أورق ص 48
حديث نور الذراعين ص 48
حديث ابن عباس، انه كان يبصق فى الدواة و يكتب منها، وضعه عاصم الكوزى ص 49
حديث النبى (ص) انه لم يحد المريض، وضعه سهل السراج ص 49
شرب الماء على الريق يعقد الشحم، وضعه عاصم الكوزى ص 49
و حديثه (ع): الذى روى عن عمرو بن حريث أنه قال: رأيت رسول الله يوم العيد يسار بين يديه بالحراب، وضعه المنذر بن زياد ص 49
و حديثه (ع)، أنه نهى عن عشر كنى، وضعه أبو عاصم قاضى مرو. ص 49
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:344
و حديثه (ع): لا يزال راجل راكبا مادام منتعلا وضعه أيوب بن خوط ص 49(1/424)
يروى عن المغيرة صاحب ابراهيم أنه قال: حديث سالم بن أبى الجعد و حديث خلاص لا ترووه ص 49
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:345
فهرس ماورد من التوراة و الانجيل
1- قرأت فى كتاب اشعياء النبى؛ أن اشعياء رأى رؤيا من بعد ارتفاع النبوة عنه بثلاث سنين، فى السنة التى (توفى فيها عزيا الملك)
ص 50 اشعيا 1/ 6
2- رأى دانيال رويا و حلم حلما و رأسه على مضجعه؛ فكتب حينئذ روياه و قص مبتدأ كلامه و بدأ بالقول، فقال: رأيت فيما يرى النائم بالليل كذا ...
ص 51 دانيال 7
3- ان فى التوراة ان قديم الايام فى صورة شيخ ابيض الراس و اللحية ...
ص 70- 52
4- فى التوراة: ان يوضع الشحم على النار ليشم الريح منه الرب ...
ص 69
6- ما لكم تقربون الى كل عرجاء و عوراء أتراكم لو اهديتم ذلك الى اصدقائكم قبله منكم الا صحيحا؟ ص 70
6- فى التوراة: اتخذوا لى بساطا من ابريسم دقيق الصنعة و خوانا من خشب الشمشار ... ص 70
7- فى الانجيل، فى بشرى متى: هذا كلام تكلم به يسوع بالامثال و لم يكن يكلمهم بغير الامثال ص 97 متى 35/ 3
ص 5 لم يبصر السارية فى عينه و راى فى عين غيره قذاة
ص 132 لوقا 1/ 6 متى 3/ 7
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:346
و قال لحوارييه افتم ابناء الله ص 161
قال لليهود: أنتم أبناء الشيطان كما هو مكتوب فى الانجيل
ص 161
فأجابهم و قال: كالذى علمنى أبى، كذلك أنطق و أقول و انما أسعى بمرضاته فى كل حين. فأما انتم فانما تعلمون أعمال أبيكم
ص 161 يوحنا 47- 38/ 8
قال لحوارييه فى الانجيل: آمنوا بالنور لتكونوا لله ابناء ص 162 يوحنا 36/ 12
ايضا فى الانجيل أنه ظهر لمريم المجد لانية بعد أن خرج من القبر، و قال لها:
لا تقر بينى فانى لم اصعد الى عند أبى. و لكن انطلقى و قولى لا خوتى انى صاعد الى أبى و أبيكم و ... ص 162 17/ 20
لا تضع الحكمة فى غير أهلها فتضيعها، فتكون كمن ينثر الدر بين يدى الخنازير ...
ص 113(1/425)
يقول فى التوراة: كلم الرب موسى و قال له، قل لبنى اسرائيل ليجمعوا الذهب و الفضة و النحاس و الرقم ... ص 120- 119
المسيح (ع) قال فى الانجيل: لا تظنوا انى جئت لا بطل التوراة و الانبياء، لم آت لا بطلها؛ بل جئت لاكملها ص 124 متى 5/ 17
ان من طلق امرأته فليعطها كتاب الطلاق، ... ص 124
قال الله لموسى: «قل لبنى اسرائيل ليحفظوا السبوت لانها آية بينى و بينكم و لتعلموا انى انا الرب ... ص 124
و فى كتاب اشعياء ان الرب يتعزر على صنوبر لبنان
ص 101 اشعياء 13/ 2
و فى كتاب اشعيا قال الرب أطلق الرسل السراع الى شعب مخوف و مستأصل
ص 102 اشعبا 1/ 1 و 6/ 3/ 13/ 9
و فى كتاب حبقوق: انما اضرب الامثال و اقوال الاوابد (كتب الرويا مضمون الاصحاح لا بنصها) ص 102 حبقوق 2/ 2
و فى كتاب صفينا، قال الرب: انى ازيل كلا عن وجه الارض، زوالا ازيل البهائم و طير السماء و سمك البحر. ص 102 صفينا 2/ 1
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:347
و فى كتاب ناحوم النبى: يكون أثر عقاب الله كالغبار، و ييبس البحر و تخرب الانهار كلها ... ص 102 ناحوم 1- 4- 5
و فى كتاب بولس المقدم ... ان البيت العظيم ليس تكون فيه اوانى الخشب ...
ص 103 بولس- الرسالة الثانية فى الانجيل: مثل ضربه عيسى (ع) و قال بعد ذلك: فدنا منه تلاميذه و قالوا له: ما بالك تكلمهم بالامثال؟ ص 98- 97 متى 10/ 13
و فى بشرى مارقوس: ان المسيح ضرب للحواريين مثلا؛ ثم قال لهم انتم اعطيتم ان تعلموا سر ملكوت السماء ... ص 98 مرقس 10/ 4
فى الانجيل: ان الزراع خرج ليزرع، فلما زرع، منه ما سقط فى جادة الطريق ...
ص 98 مرقس 13/ 4
فى الانجيل: و تمثل مثلا آخر: فقال: يشبه ملكوت السماء رجلا زرع فى قريته زرعا صالحا ... ص 99 متى 24/ 13
فى كتاب هوشع، ما هو مفسر من الامثال: اسمعوا قول الرب يا بنى اسرائيل ان للرب حكومة مع سكان الارض لعدم البر و القسط.
ص 100 هوشع 1/ 4(1/426)
و فى كتاب يوئيل النبى (ع) يقول: ما ابقى الجندب اكله الجراد الطائر و ما ابقى الجراد الطائر أكله الدبى. ص 101 يوئيل 4/ 1
و يقول ايضا: استعلن ابن الله لان يبطل اعمال الشيطان كل من ولد من الله لا يكون خاطئا لان زرعه فيه ثابت ص 163- 162 يوحنا الرسالة الاولى 9/ 3
اعملوا ان كل من يعمل البر فانه مولود من الله. و انظروا فما اكثر الود الذى اعطاناه الاب ص 163 يوحنا الرسالة الاولى 1/ 3
و فى موضع آخر: ادا تصدقت فلا تعرفن شمالك ما ما صنعت يمينك
ص 163 متى 3/ 6
ايها البنون ليكون ودنا بالكلام و لا باللسان
ص 163 يوحنا الاولى 18/ 3
ستاتى ساعة لا اكلمكم بالامثال ص 163 يوحنا 25/ 16
طوبى لعاملى السلم بانهم يدعون ابناء الله ص 163 متى 9/ 5
قدموا الخير الى من يبغضكم وصلوا على الذين يطردونكم غضبا لتكونوا ابناء ابيكم الذى فى السماء ص 163 متى 44/ 5
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:348
ان انتم غفرتم للناس خطاياهم، فان اباكم الذى فى السماء يغفر لكم ...
ص 163 متى 15- 14/ 6
يشرق الصديقون كالشمس فى ملكوت ابيهم، من كانت له اذنان سامعتان فليسمع ...
ص 163 متى 43/ 13
لا تقطعوا رجاء من سالكم و لا تخيبوه ليكثر ثوابكم و اجركم و تكونوا للغنى ابناء ص 164- 163 ربما بطرس ألاولى 15/ 3
لا تدعوا آبائكم فى الارض لان اباكم واحد فى السماء،
ص 164 متى 9/ 23
ان كنتم ايها الاشرار تعلمون ان تعطوا ابناءكم مواهب صالحة فبكم احرى ...
ص 164 متى 11/ 7
يا بنى انا معكم زمين يسير، و ستطلبوننى من بعد ...
ص 164 و متى 18/ 26 يوحنا 3/ 13
بحق اقول لكم ما جاء ابن البشر الا ليجيى ما كان هالكا ...
ص 165 و متى 11/ 18 يوحنا 16/ 3
انا اصعد الى وادى شلم و ابن البشر يسلم الى عظماء الكهنة فيسحبونه للموت
ص 165 متى 18/ 20
انكم لا تكلمون بنى اسرائيل حتى ياتيكم ابن الانسان.
ص 165 متى 23/ 10
الان ظهر مجد ابن الانسان و مدحه و حمد الله به و على يديه.(1/427)
ص 165 يوحنا 32/ 13
فى الانجيل فى بشرى يوحنا: ان المسيح مات بالجسد و هو حى بالروح، فتفكروا بان الذى مات بالجسد استراح من الخطايا ...
ص 169 يوحنا 63- 50/ 6
فى بشرى لوقا: اقول لكم يا اوليائى لا تخافوا الذين يقتلون الجسد و لا يقدرون على غير ذلك ... ص 169 لوقا 4/ 12
فى بشرى متى: ما سمعتم بآذانكم فنادوا به فوق الطوايا و لا تخشوا الذين يقتلون الجسد ... ص 169 و متى 28/ 10 لوقا 3/ 12
و قد قال المسيح: انه يبذل جسده للموت و يصير الى ملكوت اللّه ...
ص 169
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:349
و قال «المسيح (ع)» يقتلون الجسد و لا يقدرون على قتل النفس.
ص 169
و قد ذكر حزقيال النبى فى كتابه مثل ذلك و قال: اوحى الرب الى و قال: يا ايها الانسان قد صار بنو اسرائيل كلهم عندى مزدلين ...
ص 174 حزقيال 17/ 22
هو مكتوب فى الانجيل: ان يوحنا الصابغ، قال: انا اصبغكم بالماء فاما الذى يجيى ء بعدى يصبغكم بروح القدس و بالنار ص 175 متى 11/ 3
فى التوراة ان اللّه عز و جل قال لبنى اسرائيل: انى اقيم نبيا من اخوتكم اجعل كلامى على فمه. ص 195 تثنيه 15/ 18
جاء الله من سيناء و اشرق من ساعير و اضاء من جبال فاران.
ص 195 تثنيه 2/ 23
و فى التوراة: ان اسماعيل كان يتعلم الرمى فى برية فاران، ...
ص 195 تكوين 20/ 21
و فى الانجيل، قال المسيح: انى ذاهب و سياتيكم البار قليط، روح الحق الذى لا يتكلم من قبل نفسه، ... ص 196 يوحنا 26- 25/ 15
و فى الزبور فى صفة محمد (ص): انه ينقذ الضعيف الذى لا ناصر له، و يراف بالمساكين ص 196 المزمور 72- 8 و ما يليه
فى كتاب اشعياء: قال لى الرب اقم نظارا ليخبر بما يرى، فكان الذى راى صاحب المنظرة، قال: قد اقبل راكبان ... ص 196 اشعياء 6/ 21
فى كتاب اشعياء: عبدى الذى سرت به نفسى احمد المحمود بحمد الله حمدا حديثا تفرح به البرية و سكانها فهذا ... ص 197 اشعياء 11- 1/ 42(1/428)
فى كتاب اشعياء: لتفرح الارض البادية، و لتبتهج البرارى و الفلوات و ليخرج نور كنور ... ص 197 اشعياء 1/ 25
فى كتاب اشعيا: ولد لنا مولود و وهب لنا ابن على كتفيه علامة النبوة.
ص 197 اشعياء 6/ 9
فى كتاب حبقوق: لقد انكشفت السماء من بهاء محمد و امتلات الارض من حمده.
ص 197 حبقوق 3/ 3
فى كتاب دانيال: رويا التى رآها و عبرها و ذكر تفسيرها و قال فيها رايت عتيق الايام
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:350
قد حبس و بين يديه الف الف خدام يخدمونه و كتاب لا تحصى
ص 198 دانيال 2/ 21
فى كتاب ارميا: جعلتك نبيا للامم لتنسف و تهدم و تبير و تسحق و تبنى و تغرس.
ص 198 ارميا 10- 5/ 11
فى كتاب هوشع: انا الرب الاله الذى ارعاك فى البدو فى ارض خراب قفر.
ص 198 هوشع 5- 4/ 3
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:351
فهرس الاشعار (بحسب القوافى)
لعمرك انى يوم أجعل، جاهلا ضمارا لرب العالمين مشاركا
فآمنت بالله الذى انا عبده و خالفت من أمسى يريد المهالكا
ص 201
لئن هجرت أخا صدق و مكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا
ص 37
أمست نبيتنا انثى نطيف بها و أصبحت أنبياء الناس ذكرانا
ص 246
مذ مما عصينا و دينه أبينا
ص 236
رعيت الضأن أحميها بكلبى من اللص الخفى و كل ذيب
فلما أن سمعت الذئب نادى يبشرنى بأحمد من قريب
سعيت اليه قد شمرت ثوبى عن الساقين فى الوفد الركيب
فالفيت النبى يقول قولا صدوقا ليس بالهزل الكذوب
ص 202
صباح سوء لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة
ص 265
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:352
صباح صدق لبنى قتيرة و للأمير من بنى مغيرة
صباح سوء لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة
اذ آثروا الله على العشيرة ص 215
قد علمت جارية يمانية أنى أنا المائح و اسمى ناجية
ببلغة ذات رشاس واهية ص 215
تبارك سائق البقرات انى رأيت الله يهدى كل هاد
ص 208
شفيت من حمزة نفسى باحد حين بقرت بطنه عن الكبد
ص 215
أخشى على أربد الحتوف و لا أرهب نوء السماك و الاسد(1/429)
فجعنى الرعد و الصواعق بال فارس يوم الكريهة النجد
ص 216
بنى مدلج انى اخال سفيهكم سراقة مستغو لامر محمد
ص 205
قل للقبائل من سليم كلها هلك الضمار و عاش أهل المسجد
أودى ضمار و كان يعبد مرة قبل الكتاب الى النبى محمد
ص 201
ان تخسف الارض بالاحوى و فارسه فانظر الى اربع فى الارض غوار
فهيل لما راى ارساغ معرفة قد سخن فى الارض لم تحفر بمحفار
ص 205
يا رسول المليك ان لسانى راتق ما فتقت اذ أنا بور
اذ اجارى الشيطان فى سنن ال غى و من مال ميله مثبور
آمن اللحم و العظام بما قل ت فنفسى الفدى و انت النذير
ص 80
كشراب قيل عن مطيته و لكل أمر واقع قدر
ص 232
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:353
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
مبارك الوجه يستسقى الغمام به ما فى الانام له عدل و لا خطر
ص 88مغيرة صاحب ابراهيم أنه قال: حديث سالم بن أبى الجعد و حديث خلاص لا ترووه ص 49
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:345
فهرس ماورد من التوراة و الانجيل
1- قرأت فى كتاب اشعياء النبى؛ أن اشعياء رأى رؤيا من بعد ارتفاع النبوة عنه بثلاث سنين، فى السنة التى (توفى فيها عزيا الملك)
ص 50 اشعيا 1/ 6
2- رأى دانيال رويا و حلم حلما و رأسه على مضجعه؛ فكتب حينئذ روياه و قص مبتدأ كلامه و بدأ بالقول، فقال: رأيت فيما يرى النائم بالليل كذا ...
ص 51 دانيال 7
3- ان فى التوراة ان قديم الايام فى صورة شيخ ابيض الراس و اللحية ...
ص 70- 52
4- فى التوراة: ان يوضع الشحم على النار ليشم الريح منه الرب ...
ص 69
6- ما لكم تقربون الى كل عرجاء و عوراء أتراكم لو اهديتم ذلك الى اصدقائكم قبله منكم الا صحيحا؟ ص 70
6- فى التوراة: اتخذوا لى بساطا من ابريسم دقيق الصنعة و خوانا من خشب الشمشار ... ص 70
7- فى الانجيل، فى بشرى متى: هذا كلام تكلم به يسوع بالامثال و لم يكن يكلمهم بغير الامثال ص 97 متى 35/ 3(1/430)
ص 5 لم يبصر السارية فى عينه و راى فى عين غيره قذاة
ص 132 لوقا 1/ 6 متى 3/ 7
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:346
و قال لحوارييه افتم ابناء الله ص 161
قال لليهود: أنتم أبناء الشيطان كما هو مكتوب فى الانجيل
ص 161
فأجابهم و قال: كالذى علمنى أبى، كذلك أنطق و أقول و انما أسعى بمرضاته فى كل حين. فأما انتم فانما تعلمون أعمال أبيكم
ص 161 يوحنا 47- 38/ 8
قال لحوارييه فى الانجيل: آمنوا بالنور لتكونوا لله ابناء ص 162 يوحنا 36/ 12
ايضا فى الانجيل أنه ظهر لمريم المجد لانية بعد أن خرج من القبر، و قال لها:
لا تقر بينى فانى لم اصعد الى عند أبى. و لكن انطلقى و قولى لا خوتى انى صاعد الى أبى و أبيكم و ... ص 162 17/ 20
لا تضع الحكمة فى غير أهلها فتضيعها، فتكون كمن ينثر الدر بين يدى الخنازير ...
ص 113
يقول فى التوراة: كلم الرب موسى و قال له، قل لبنى اسرائيل ليجمعوا الذهب و الفضة و النحاس و الرقم ... ص 120- 119
المسيح (ع) قال فى الانجيل: لا تظنوا انى جئت لا بطل التوراة و الانبياء، لم آت لا بطلها؛ بل جئت لاكملها ص 124 متى 5/ 17
ان من طلق امرأته فليعطها كتاب الطلاق، ... ص 124
قال الله لموسى: «قل لبنى اسرائيل ليحفظوا السبوت لانها آية بينى و بينكم و لتعلموا انى انا الرب ... ص 124
و فى كتاب اشعياء ان الرب يتعزر على صنوبر لبنان
ص 101 اشعياء 13/ 2
و فى كتاب اشعيا قال الرب أطلق الرسل السراع الى شعب مخوف و مستأصل
ص 102 اشعبا 1/ 1 و 6/ 3/ 13/ 9
و فى كتاب حبقوق: انما اضرب الامثال و اقوال الاوابد (كتب الرويا مضمون الاصحاح لا بنصها) ص 102 حبقوق 2/ 2
و فى كتاب صفينا، قال الرب: انى ازيل كلا عن وجه الارض، زوالا ازيل البهائم و طير السماء و سمك البحر. ص 102 صفينا 2/ 1
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:347
و فى كتاب ناحوم النبى: يكون أثر عقاب الله كالغبار، و ييبس البحر و تخرب الانهار كلها ... ص 102 ناحوم 1- 4- 5(1/431)
و فى كتاب بولس المقدم ... ان البيت العظيم ليس تكون فيه اوانى الخشب ...
ص 103 بولس- الرسالة الثانية فى الانجيل: مثل ضربه عيسى (ع) و قال بعد ذلك: فدنا منه تلاميذه و قالوا له: ما بالك تكلمهم بالامثال؟ ص 98- 97 متى 10/ 13
و فى بشرى مارقوس: ان المسيح ضرب للحواريين مثلا؛ ثم قال لهم انتم اعطيتم ان تعلموا سر ملكوت السماء ... ص 98 مرقس 10/ 4
فى الانجيل: ان الزراع خرج ليزرع، فلما زرع، منه ما سقط فى جادة الطريق ...
ص 98 مرقس 13/ 4
فى الانجيل: و تمثل مثلا آخر: فقال: يشبه ملكوت السماء رجلا زرع فى قريته زرعا صالحا ... ص 99 متى 24/ 13
فى كتاب هوشع، ما هو مفسر من الامثال: اسمعوا قول الرب يا بنى اسرائيل ان للرب حكومة مع سكان الارض لعدم البر و القسط.
ص 100 هوشع 1/ 4
و فى كتاب يوئيل النبى (ع) يقول: ما ابقى الجندب اكله الجراد الطائر و ما ابقى الجراد الطائر أكله الدبى. ص 101 يوئيل 4/ 1
و يقول ايضا: استعلن ابن الله لان يبطل اعمال الشيطان كل من ولد من الله لا يكون خاطئا لان زرعه فيه ثابت ص 163- 162 يوحنا الرسالة الاولى 9/ 3
اعملوا ان كل من يعمل البر فانه مولود من الله. و انظروا فما اكثر الود الذى اعطاناه الاب ص 163 يوحنا الرسالة الاولى 1/ 3
و فى موضع آخر: ادا تصدقت فلا تعرفن شمالك ما ما صنعت يمينك
ص 163 متى 3/ 6
ايها البنون ليكون ودنا بالكلام و لا باللسان
ص 163 يوحنا الاولى 18/ 3
ستاتى ساعة لا اكلمكم بالامثال ص 163 يوحنا 25/ 16
طوبى لعاملى السلم بانهم يدعون ابناء الله ص 163 متى 9/ 5
قدموا الخير الى من يبغضكم وصلوا على الذين يطردونكم غضبا لتكونوا ابناء ابيكم الذى فى السماء ص 163 متى 44/ 5
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:348
ان انتم غفرتم للناس خطاياهم، فان اباكم الذى فى السماء يغفر لكم ...
ص 163 متى 15- 14/ 6
يشرق الصديقون كالشمس فى ملكوت ابيهم، من كانت له اذنان سامعتان فليسمع ...
ص 163 متى 43/ 13(1/432)
لا تقطعوا رجاء من سالكم و لا تخيبوه ليكثر ثوابكم و اجركم و تكونوا للغنى ابناء ص 164- 163 ربما بطرس ألاولى 15/ 3
لا تدعوا آبائكم فى الارض لان اباكم واحد فى السماء،
ص 164 متى 9/ 23
ان كنتم ايها الاشرار تعلمون ان تعطوا ابناءكم مواهب صالحة فبكم احرى ...
ص 164 متى 11/ 7
يا بنى انا معكم زمين يسير، و ستطلبوننى من بعد ...
ص 164 و متى 18/ 26 يوحنا 3/ 13
بحق اقول لكم ما جاء ابن البشر الا ليجيى ما كان هالكا ...
ص 165 و متى 11/ 18 يوحنا 16/ 3
انا اصعد الى وادى شلم و ابن البشر يسلم الى عظماء الكهنة فيسحبونه للموت
ص 165 متى 18/ 20
انكم لا تكلمون بنى اسرائيل حتى ياتيكم ابن الانسان.
ص 165 متى 23/ 10
الان ظهر مجد ابن الانسان و مدحه و حمد الله به و على يديه.
ص 165 يوحنا 32/ 13
فى الانجيل فى بشرى يوحنا: ان المسيح مات بالجسد و هو حى بالروح، فتفكروا بان الذى مات بالجسد استراح من الخطايا ...
ص 169 يوحنا 63- 50/ 6
فى بشرى لوقا: اقول لكم يا اوليائى لا تخافوا الذين يقتلون الجسد و لا يقدرون على غير ذلك ... ص 169 لوقا 4/ 12
فى بشرى متى: ما سمعتم بآذانكم فنادوا به فوق الطوايا و لا تخشوا الذين يقتلون الجسد ... ص 169 و متى 28/ 10 لوقا 3/ 12
و قد قال المسيح: انه يبذل جسده للموت و يصير الى ملكوت اللّه ...
ص 169
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:349
و قال «المسيح (ع)» يقتلون الجسد و لا يقدرون على قتل النفس.
ص 169
و قد ذكر حزقيال النبى فى كتابه مثل ذلك و قال: اوحى الرب الى و قال: يا ايها الانسان قد صار بنو اسرائيل كلهم عندى مزدلين ...
ص 174 حزقيال 17/ 22
هو مكتوب فى الانجيل: ان يوحنا الصابغ، قال: انا اصبغكم بالماء فاما الذى يجيى ء بعدى يصبغكم بروح القدس و بالنار ص 175 متى 11/ 3
فى التوراة ان اللّه عز و جل قال لبنى اسرائيل: انى اقيم نبيا من اخوتكم اجعل كلامى على فمه. ص 195 تثنيه 15/ 18(1/433)
جاء الله من سيناء و اشرق من ساعير و اضاء من جبال فاران.
ص 195 تثنيه 2/ 23
و فى التوراة: ان اسماعيل كان يتعلم الرمى فى برية فاران، ...
ص 195 تكوين 20/ 21
و فى الانجيل، قال المسيح: انى ذاهب و سياتيكم البار قليط، روح الحق الذى لا يتكلم من قبل نفسه، ... ص 196 يوحنا 26- 25/ 15
و فى الزبور فى صفة محمد (ص): انه ينقذ الضعيف الذى لا ناصر له، و يراف بالمساكين ص 196 المزمور 72- 8 و ما يليه
فى كتاب اشعياء: قال لى الرب اقم نظارا ليخبر بما يرى، فكان الذى راى صاحب المنظرة، قال: قد اقبل راكبان ... ص 196 اشعياء 6/ 21
فى كتاب اشعياء: عبدى الذى سرت به نفسى احمد المحمود بحمد الله حمدا حديثا تفرح به البرية و سكانها فهذا ... ص 197 اشعياء 11- 1/ 42
فى كتاب اشعياء: لتفرح الارض البادية، و لتبتهج البرارى و الفلوات و ليخرج نور كنور ... ص 197 اشعياء 1/ 25
فى كتاب اشعيا: ولد لنا مولود و وهب لنا ابن على كتفيه علامة النبوة.
ص 197 اشعياء 6/ 9
فى كتاب حبقوق: لقد انكشفت السماء من بهاء محمد و امتلات الارض من حمده.
ص 197 حبقوق 3/ 3
فى كتاب دانيال: رويا التى رآها و عبرها و ذكر تفسيرها و قال فيها رايت عتيق الايام
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:350
قد حبس و بين يديه الف الف خدام يخدمونه و كتاب لا تحصى
ص 198 دانيال 2/ 21
فى كتاب ارميا: جعلتك نبيا للامم لتنسف و تهدم و تبير و تسحق و تبنى و تغرس.
ص 198 ارميا 10- 5/ 11
فى كتاب هوشع: انا الرب الاله الذى ارعاك فى البدو فى ارض خراب قفر.
ص 198 هوشع 5- 4/ 3
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:351
فهرس الاشعار (بحسب القوافى)
لعمرك انى يوم أجعل، جاهلا ضمارا لرب العالمين مشاركا
فآمنت بالله الذى انا عبده و خالفت من أمسى يريد المهالكا
ص 201
لئن هجرت أخا صدق و مكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا
ص 37
أمست نبيتنا انثى نطيف بها و أصبحت أنبياء الناس ذكرانا
ص 246
مذ مما عصينا و دينه أبينا
ص 236(1/434)
رعيت الضأن أحميها بكلبى من اللص الخفى و كل ذيب
فلما أن سمعت الذئب نادى يبشرنى بأحمد من قريب
سعيت اليه قد شمرت ثوبى عن الساقين فى الوفد الركيب
فالفيت النبى يقول قولا صدوقا ليس بالهزل الكذوب
ص 202
صباح سوء لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة
ص 265
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:352
صباح صدق لبنى قتيرة و للأمير من بنى مغيرة
صباح سوء لبنى قتيرة و للامير من بنى مغيرة
اذ آثروا الله على العشيرة ص 215
قد علمت جارية يمانية أنى أنا المائح و اسمى ناجية
ببلغة ذات رشاس واهية ص 215
تبارك سائق البقرات انى رأيت الله يهدى كل هاد
ص 208
شفيت من حمزة نفسى باحد حين بقرت بطنه عن الكبد
ص 215
أخشى على أربد الحتوف و لا أرهب نوء السماك و الاسد
فجعنى الرعد و الصواعق بال فارس يوم الكريهة النجد
ص 216
بنى مدلج انى اخال سفيهكم سراقة مستغو لامر محمد
ص 205
قل للقبائل من سليم كلها هلك الضمار و عاش أهل المسجد
أودى ضمار و كان يعبد مرة قبل الكتاب الى النبى محمد
ص 201
ان تخسف الارض بالاحوى و فارسه فانظر الى اربع فى الارض غوار
فهيل لما راى ارساغ معرفة قد سخن فى الارض لم تحفر بمحفار
ص 205
يا رسول المليك ان لسانى راتق ما فتقت اذ أنا بور
اذ اجارى الشيطان فى سنن ال غى و من مال ميله مثبور
آمن اللحم و العظام بما قل ت فنفسى الفدى و انت النذير
ص 80
كشراب قيل عن مطيته و لكل أمر واقع قدر
ص 232
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:353
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر
مبارك الوجه يستسقى الغمام به ما فى الانام له عدل و لا خطر
ص 88
يا رسول المليك ان لسانى راتق ما فتقت اذ أنابور
ص 80
أبوكم قصى كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
ص 87
و بيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل
ص 106
و ليس كعهد الدار يا ام مالك و لكن أحاطت بالرقاب السلاسل
و عاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل(1/435)
ص 259
كناطح صخرة يوما ليفلقها فلم يضرها و اوهى قرنه الوعل
نبئت و أن رسول الله أوعدنى و العفو عند رسول اللّه مأمول
ص 80
يا بيت عاتكة التى اتعزل حذر العدى و به الفؤاد موكل
انى لا منحك الصدود و اننى قسما اليك مع الصدود لا ميل
ص 48
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كاحمر عاد، ثم ترضع فتفطم
ص 231
أبا حكم و اللات لو كنت شاهدا لامر جوادى اذ تسوخ قوائمه
شهدت و لم تشكك بأن محمدا نبى ببرهان فمن ذايكاتمه
ص 205
ألا يا لقوم هل رأيتم بهيمة تكلم فى النادى بأبناء ما مضى
و تخبر عن علم بما هو كائن فهذا بعير للوليد قد انبرى
ينادى بأعلى الصوت و الناس حوله ألا ضلت الاصنام و اللات و الغرى
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:354
و هذا أوان الهاشمى محمد يدين بدين اللّه و الحق قدبدى
ص 203
رايت علامة و الليل داج على ظهر الطريق كضوء برق
علامة احمد اذ سال ربى فكانت آية مصداق صدقى
ص 247
يا رسول المليك ان لسانى راتق ما فتقت اذ أنابور
ص 80
أبوكم قصى كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
ص 87
و بيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل
ص 106
و ليس كعهد الدار يا ام مالك و لكن أحاطت بالرقاب السلاسل
و عاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
ص 259
كناطح صخرة يوما ليفلقها فلم يضرها و اوهى قرنه الوعل
نبئت و أن رسول الله أوعدنى و العفو عند رسول اللّه مأمول
ص 80
يا بيت عاتكة التى اتعزل حذر العدى و به الفؤاد موكل
انى لا منحك الصدود و اننى قسما اليك مع الصدود لا ميل
ص 48
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كاحمر عاد، ثم ترضع فتفطم
ص 231
أبا حكم و اللات لو كنت شاهدا لامر جوادى اذ تسوخ قوائمه
شهدت و لم تشكك بأن محمدا نبى ببرهان فمن ذايكاتمه
ص 205
ألا يا لقوم هل رأيتم بهيمة تكلم فى النادى بأبناء ما مضى
و تخبر عن علم بما هو كائن فهذا بعير للوليد قد انبرى(1/436)
ينادى بأعلى الصوت و الناس حوله ألا ضلت الاصنام و اللات و الغرى
أعلام النبوة(للرازي) ،متن،ص:354
و هذا أوان الهاشمى محمد يدين بدين اللّه و الحق قدبدى
ص 203
رايت علامة و الليل داج على ظهر الطريق كضوء برق
علامة احمد اذ سال ربى فكانت آية مصداق صدقى
ص 247(1/437)