كتاب أسماء جبال تهامة وجبال مكة والمدينة
تأليف : عرام بن الأصبغ السلمي (أعرابي من أهل القرن الثاني الهجري)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر بخير آمين
قال أبو سعيد السحن بن عبد الله السيرافي: أخبرنا أبو محمد عبيد الله ابن عبد الرحمن السكري قراءة عليه حدثنا عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الوراق المعروف بابن أبي سعد، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك أبو الأشعث قال: أملي على عرام بن الأصبغ السلمى قال:
أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى، وما ينبت عليها من الأشجار، وما فيها من المياه أولها (رضوى) من ينبع على يوم، ومن المدينة على سبع مراحل ميامنة طريق المدينة، ومياسره طريق البريراء لمن كان مصعداً إلى مكة، وعلى يلتين من البحر وبحذائها (عزور) وبينه وبين رضوى طريق المعرفة تختصره العرب إلى الشام، وإلى مكة وإلى المدينة، بين الجبلين قدر شوط فرس، وهما جبلان شاهقان منيعان لا يرومهما أحد، نباتهما الشوحط والقرظ والرنف، وهو شجر يشبه الضهياء.
والضهياء: شجر يشبه العناب تأكله الإبل والغنم، لأثمر له، وللضهياء ثمر يشبه العفص لا يؤكل، وليس له طعم ولا ريح.
وفي الجبلين جميعاً مياه أوشال، والوشل: ماء يخرج من شاهقه لا يطورها أحد ولا يعرف منفجرها، وليس شيء من تلك الأوشال يجاوز الشقة وأنشد في الرنف يصف جبلا:
مرانعه رنفٌ فملقى سيالهِ ... مدفعُ أوشالٍ بدبُّ معينها
ويسكن ذراهما وأحوازهما نهد وجهينة في الوبر خاصة دون المدر، ولهم هناك يسار ظاهر، ويصب الجبلان في وادي (غيقة)، وغيقة يتصب في البحر ولها مسك وهي مواضع تمسك الماء، واحدها مساك.
ومن عن يمين رضوى لمن كان منحدراً من المدينة إلى البحر، على ليلة من(1/1)
رضوى (ينبع)، وبها منبر وهي قربة غناء، سكانها الأنصار وجهينة وليث أيضاً، وفيها عيون عذاب غزيرة، وواديها (يليل) يصب في غيقة (والصفراء) قربة كثيرة النخل والمزارع، وماؤها عيون كلها، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة، وماؤها يجري إلى ينبع، وهي لجهينة والأنصار ولبني فهر ونهد، ورضوى منها من ناحية مغيب الشمس، وحواليها قنان، واحدها قنة، وضعاضع صغار، واحدها ضعضاع، والقنان والضعاضع جبال صغار لا تسمى، وفي بليل هذه عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أعذب ما يكون من العيون وأكثرها ماء، تجري في رمل تمكن الزراعين عليها إلا في مواضع يسيرة من إخفاء الرمل، فيها نخيل وتتخذ البقول والبطيخ، وتسمى هذه العين (البحير).
و (الجار) على شاطئ البحر، ترفأ إليه السفن من أرض الحبشة ومصر، ومن البحرين والصين، وبها مغبر، وهي قرية آهلة، شرب أهلها من البحير، وبالجار قصور كثيرة، ونصف الجار في جزيرة من البحر، ونصفها على الساحل، وبحذاء الجار جزيرة في البحر تكون ميلاً في ميل، لا يعبر إليها إلا في سفن، وهي مرفأ الحبشة خاصة، يقال لها (غراف)، وسكانها تجار كنحو أهل الجار، يؤتون بالماء من على فرسخين، ووادي يليل يصب في البحر ثم من عدوة غيقة اليسرى مما يلي المدينة عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة، وعن يسار المصعد من الشام إلى مكة جبلان يقال لهما (ثافل الأكبر) و (ثافل الأصغر) وهما لضمرة خاصة وهم أصحاب حلال ورعية ويسار، وبينهما ثنية لا تكون رمية سهم، وبينهما وبين رضوى وعزور ليلتان، نبتهما المرعر، والقرظ، والظيان، والأيدع، والبشام، وللظيان ساق غليظة، وهو شاك، أي غليظ الشوك، ويحتطب، وله سنفة كسنفة المشرق والسنفة: ما تدلى عن الثمر وخرج عن أغصانه، والمشرق: ورق يشبه الحندقوقا منتنة الريح.(1/2)
والإيدع: شجر يشبه الدلب، إلا أن أعصابه أشد تقاربا من أغصان الدلب لها وردة حمراء ليست تجد طيب الريح وليس لها ثمر، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر شيء من أغصانها وعن السدر والتنضب والشبهان لأن هؤلاء جميعاً ذوات ظلال يسكن الناس فيها من البرد والحر وللتنضب ثمر يقال له الهمقع، يشبه المشمش يؤكل طيباً وللسرح ثمر يقال له الآء يشبه الموز وأطيب منه، كثير الحمل جداً.
وفي ثافل الأكبر عدة آبار في بطن واد يقال له (يرئد) يقال للأبار (الدباب)، وهو ماء عذب كثير غير منزوف، أناشيط قدر قامة قامة.
وفي ثافل الأصغر ماء في دوار في جوفة يقال له (القاحة) وهما بئران عذبتان غزيرتان، وهما جبلان كبيران شامخان وكل جبال نهامة تنبت الغضور وبينها وبين رضوى وعزور سبع مراحل، وبين هذه الجبال جبال صغار وقرادد وينسب إلى كل جبل ما يليه.
ولمن صدر من المدينة مصعداً أول جبل يلقاه من عن يساره (ورقان) وهو جبل أسود عظيم كأعظم ما يكون من الجبال، بنقاد من سيالة إلى المتعشى بين العرج والرويثة، ويقال للمتعشى: الحيّ.
وفي ورقان أنواع الشجر المثمر كله وغير المثمري، وفيه القرظ والسماق والرمان والخزم، وأهل الحجاز يسمون السماق الضمخ وأهل نجد يسمونه العرتن واحدته عرتنة والخزم: شجر يشبه ورقه ودق البدى، وله ساق كساق الفخلة يتخذ منه الأرشية الجياد.
وفيه أوشال عيون وقلات، سكانه أوس من مزينة، وأهل عمود ويسار وهم قوم صدق.
وبسفحه من عن يمين (سيالة) ثم (الروحاء) ثم (الرويثة) ثم (الجي) ويعلو بينه(1/3)
وبين قدس الأبيض ثنية بل عقبة يقال لها (ركوية) و (قدس) هذا جبل شامخ ينقاد إلى التمشي بين العرج والسقياء ثم يقطع بينه وبين قدس الأسود عقبة يقال لها (حمت) ونبات القدسين جميعاً العرعر والقرظ، والشوحط، والشقب: شجر له أساريع كأنها الشطب التي في السيف، يتخذ منها القسى، والقدسان جميعاً لمزينة، وأموالهم ماشية من الشاة والبعير، أهل عمود، وفيها أوشال كثيرة.
ويقابلهما من غير الطريق المصعد جبلان يقال لهما (نهبان): نهب الأسفل، ونهب الأعلى، وهما لمزينة، ولبني ليث فيهما شقص، ونباتهما العرعر واٌثرار، وقد يتخذ من الإبرار القطران كما يتخذ من العرعر، وفيهما القرظ، وهما مرتفعان شاهقان كبيران، وفي نهب الأعلى ماء في دوار من الأرض، بئر واحدة كبيرة غزيرة الماء، عليها مباطخ وبقول ونحيلات يقال لها (ذو خيمي) وفيه أوشال.
وفي نهب الأسفل أوشان، ويفرق بينهما وبين قدس وورقان الطريق، وفيه (العرج) ووادي العرج يقال له (مسيحة) نباته المرج والأراك والمام، ومن عن يسار الطريق مقابلا قدسا الأسود جبل من أشمخ ما يكون، يقال له (آرة) وهو جبل أحمر تخر، من جوانبه عيون، على كل عين قربة، فمنها قرية غناء كبيرة يقال لها (الفرع) وهي لقريش والنصار ومزينة ومنها (أم العيال) قرية صدقة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها قرية يقال لها (المضيق) ومنها قرية يقال لها (المحضة) ومنها قرية يقال لها (الوبرة) ومنها قرية يقال لها (خضرة) ومنها قرية يقال لها (الغفوة) تكتنف آرة من جميع جوانبه، وفي كل هذه القرى نحيل وزروع، وهي من السقيا على ثلاث مراحل من عن يسارها مطلع المشس، ووداديها يصب في (الأبواء)، ثم في (ودان) وهي قربة من أمهات القرى لضمرة وكنانة وغفار وفهر قريش، ثم في (الطريفة)، والطريقة قرية ليست بالكبيرة على شاطئ البحر، واسم وادي آرة (حقل) وقرية يقال لها (وبعان)
و(خلص آرة) واد به قرى وأجزاع ونخل، وقد قال فيه الشاعر:(1/4)
فإن بخلص فالبرُ يراء فالحشا ... فوكدٍ إلى النَّقعاءِ من ويعانِ
جواريَ من حيَّ عداء كأنَّها ... مها الرَّمل ذي الأزواج غير عوانِ
جننَّ جنوناً من بعولٍ كأنَّها ... قرودٌ، تباري في رياطِ يمانِ
ثم يتصل بخلص آرة (ذره)، وهي جبال كثيرة متصلة ضعاضع ليست بشوامخ، في ذراها المزارع والقرى، وهي بني الحارث ابن بهثة بن سليم، وزورعها أعذاء، ويسمون الأعذاء العثرى: وهو الذي لا يسقى وفيها مدر وأكثرها عمود، ولهم عيون ماء في صخور لا يمكنهم أن يجروها إلى حيث ينتفعون به.
ولهم من الشجر العفار، والقرظ، والطلح، والسدر بها كثير، والنشم، والتألب.
وقد يعمل من النشم القسئ والسهام،، وهو خيطان لا ورق له والإثرار له ورق يشبه ورق الصعتر وشوك نحو شوك الرمان، ويقدح ناره إذا كان يابساً فيقتدح سريعاً، والعفار ورده بيض طيبة الريح كأنها السوسن.
ويطيف بذرة قربة من القرى يقال لها (جبلة) في غربيه، و (السقارة) قرية تتصل بجبلة، وواديهما واحد يقال له (لحف) وبه عيون ويزعمون أن جبلة أول قرية اتخذت بتهامة، وبجبلة حصون منكرة مبنية بالصخر لا يرومها أحد، ومن شرقي ذرة قرية يقال لها (القعر) وقرية يقال لها (الشرع) وهما شرقيتان، في كل واحدة من هذه القرى مزارع وبخيل على عيون، وهما على واد يقال له (رخيم)، وبأسله قرية يقال لها (ضرعاء) بها قصور ومنبر وحصون، يشرك بني الحارث فيها هذيل وغاضرة بن صعصعة.
ثم يتصل بها (شمنصير)، وهو جبل ململم لم يله أحد قط ولأدري ما على ذروته، بأعلاه القرود، ويقال: إن أكثر نباته النبع والشوحط والمياه حواليه ينابيع عليها النخيل والحماط وفي كل جبال تهامة الشقاح نبت في حردها وأسافلها، والحرود:
الجنوب، والحماط: التين والشقاح: الريباس، ويطيف بشمنصير من القرى قرية كبيرة يقال لها (رهاط) وهي بواد سمي (غران) وانشد:
فإن غراناً بطنُ وادٍ أحبُّه ... لساكنهِ عهدٌ عليّ وثيق(1/5)
وبغربيه قرية يقال لها (الحديبية) ليست بالكبيرة، وببحذائها جبيل يقال له (ضعلضع) وعنده حبس كبير يجتمع عنده الماء، والحبس: حجارة مجتمعة يوضع بعضها على بعض، قال الشاعر:
إنَّ التفاني نحو حبس (ضعاضع) ... وإقبالَ عيني في الظُّبا لطويلُ
فهؤلاء القريات لسعد وبني مسروح، وهم الذين نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، ولهذيل فيها شيء، ولفهم أيضاً، ومياههم بثور، وهي أحساء وعيون ليست بآبار.
ومن الحديبية إلى المدينة تسع مراحل، وإلى مكة مرحلة وميل أو ميلان، ومن عن يمين آرة الطريق لمصعد (الحشا) وهو جبل (الأبواء) وهو بواد يقال له (البعق) واد بكنفته اليسرى واد يقال له (شسّ) وهو بلد مهيمة موبأة، لا تكون بها ابل، يأخذها الهيام عن نقوع بها ساكرة لا تجرى، والهيام: حمى الإبل، وهو جبل مرتفع شامخ ليس به شيء من نبات الأرض غير الحزم والبشام، وهو الخزاعة وضمرة، وقال الشاعر في البعق:
كأنَّكّ مردوعٌ بشسًّ مطرَّدٌ ... يقارفهُ من عقدة البعقِ هيمها
و (الأبواء) منه على نصف ميل.
ثم (هرشى) وهو في أرض مستوية، وهي هضبة ململمة لا تنبت شيئاً، أسفل منها (ودان) على ميلين مما يلي مغيب الشمس، يقطعها المصعدون من حجاج المدينة وينصبون منها بينها وبين البحر خبت، والخبت: الرمل الذي لا ينبت غير الأرطي، وهو حطب، وقد يدبغ به أسقية اللبن خاصة، وفيها متوسطاً للخبت جبيل
أسود شديد السواد يقال له (طفيل) ثم ينقطع عنك الجبال من عن يمنة ويسرة.(1/6)
وعلى الطريق من ثنية هرشي بينها وبين الحجفة ثلاثة أودية مسميات: منها (غزال) وهو واد يأتيك من ناحية شمنصير وذرة، وفيها آبار، وهو لخزانة خاصة، وهم سكانه أهل عمود، و (دوران) وهو واد يأتيك أيضاً من شمنصير وذرة، وبه بئران معلومتان يقال لإحداهما (رحبة) والأخرى (سكوبة) وهو لخزاعة أيضاً، والثالث (كلية) وهو واد يأتيك أيضاً من شمنصير وذرة وكل هذه الأودية تنبت الأرك والمرخ والدوم، وهو المقل، والنخل، وليس هناك جبال، وبكليلة على ظهر الطريق ماء آبار، يقال للآبار كلية، وبهن يسمى الوادي، وبأعلى كلية هذا أجبال ثلاثة صغار منفردات من الجبال يقال لهن (شنائك)، وهي لخزاعة.
ودون الجحفة على ميل (غدير ختم)، وواديه يصب في البحر، لا ينبت غير المرخ والثمام والأراك والعشر، وغدير ختم هذا من نحو مطلع الشمس لا يفارقه ماء أبداً من ماء المطر، وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير.
ثم (الشراة) وهو جبل مرتفع شامخ في السماء تأويه القرود، وينبت النبع والشوحط والقرظ، وهو لبني ليث الخاصة، ولبني ظفر من بني سليم وهو من دون عشفان من عن يسارها، وفيه عقبة تذهب إلى ناحية الحجاز لمن سلك عسفان، يقال لها (الخريطة) مصعدة مرتفعة جداً، والخريطة التي تلي الشراة جبل جلد صلد لا ينبت شيئاً، ثم يطلع من الشراة على (سآبة) وهو واد بين حاميتين وهما حرتان سوداوان، وبه قرى كثيرة مستماة، وطرق كثيرة من نواح كثيرة.
فأعلاها قرية يقال لها (الفارع) بها نحل كثير، وسكانها من كل أفناء الناس، ومياهها عيون تجري تحت الأرض، فقر كلها، والفقر والقنا واحد، وواحد الفقر فقير.
ثم أسفل منها (مهايع)، وهي قرية كبيرة غناء، بها ناس كثير، وبها منبر، ووالي ساية من قبل صاحب المدينة، وفيها نخل ومزارع وموز ورمان وعنب، وأصلها لولد على بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيها من أفناء الناس، وتجار من كل بلد.(1/7)
ثم خيف يقال له (خيف سلام) والخيف: ما كان مجنباً عن طريق الماء يميناً وشمالاً متسعاً، وفيه منبر وناس كثير من خزاعة، ومياها فقر أيضاً، وباديتها قليلة، وهي جشم وخزاعة وهذيل، وسلام هذا رجل من أغنياء هذا البلد من الأنصار.
وأسفل من ذلك (خيف ذي القبر)، وليس به منبر وإن كان آهلا، وبه نخل كثير وموز ورمان، وسكانه بنو مسروح وسعد وكنانة، وتجار ألفاق، وماؤه فقر وعيون تهرج من صفتي الوادي كلتيهما، وبقبر احمد بن الرضا سمي (خفيف ذي القبر) وهو مشهور به وأسفل منه (خفيف النعم) به منبر، وأهله غاضرة وخزاعة وتجار بعد ذلك وناس، وبه بخيل ومزارع، وهو إلى والي عسفان، ومياهه عيون خرارة كثيرة.
ثم (عسفان)، وهو على ظهر الطريق لخزاعة خاصة، بها منبر ونخيل ومزارع كثيرة.
ثم إن فصلت من عسفان لقيت البحر، وتذهب عنك الجبال والقرى، إلا أودية مسماة بينك وبين مر الظهران، يقال لواد منها مسيحة وواد يقال له (مدركة) وهما واديان كبيران بهما مياه كثيرة ونخيل، منها ماء يقال له (الحديبية) بأسفله، يصبان من رؤوس الحرة مستطيلين إلى البحر، ثم (مر الظهران) ومر هي القرية، والظهران الوادي، وفيه عيون كثيرة ونخيل وجميز، وهي لأسلم وهذيل وغاضرة.
ثم تخرج منه في (بحرين)، ثم تؤم مكة منحدراً من ثنية يقال لها (الجفيف) وينجد
في حد مكة وادٍ يقال له (وادي تربة) ينصب إلى (بستان ابن عامر) واسفل تربة لبني هلال، وحواليه من الجبال (الشراة) و (بسوم) و (قرقد) و (معدن البرام) وجبلان يقال لهما (شوانان) واحدهما شوان، وههذ الجبال كلها لغامد، ولجثعم ولسلول، ولسواءة بن عامر، ولعنزة، وكل هذه الجبال تنبت القرظ، وهي جبال متقاودة بينها فتوق، وقال الشاعر يصف غيثاً:
أنجدَ غوريٌّ ... وحنَّ متهمهُ
واستنَّ بينَ ... ريقَّيهِ حنتمه
وقلت أطراف ... السَّراة مطعمهُ(1/8)
وفي جبال السراة الأعناب، وقصب السكر، والقرظ، والإسحل وف يكل هذه الجبال نبات وشجر من الغرب والبشام، إلا يسوم وقرقد، فإنهما لا ينبتان غير النبع والشحط، ولا يكاد أحد يرتقيهما إلا بعد جهد، وإليهما تأوى القرود، وإفسادها على أصحاب قصب السكر، كثير وفي هذه الجبال أوشال عذاب وعيون، غير قرقد ويسوم فليس فيها إلا ما يجتمع في القلات من مياه الأمطار، بحيث لا ينال ولا يعرف مكانه.
وقال الشاعر في يسوم وقرقد:
سمعتُ وأصحابي تحثُّ ركابهم ... بنا بين ركنٍ من يسومَ وقرقد
فقلت لأصحابي قفوا لا أبالكم ... صدورَ المطايا إنَّ ذا صوتُ معبدِ
والطريق من بستان ابن عامر إلى مكة على (قفل) وقفل: الثنية التي تطلعك على (قرن المنازل) حيال الطائف، تلزك من عن يسارك وأنت يؤم مكة، متقاودة، وهي جبال حمر شوامخ، أكثر نباتها القرظ.
ومن جبال مكة (أبو قبيس) ومنها (الصفا) و (الجبل الأحمر) وجبل أسود مرتفع يقال له (الهيلاء) يقطع منه الحجارة للبناء والأرحاء، و (المروة) جبل إلى الحمرة
ما هو و (ثبير) جبل شامخ يقابله (حراء) وهو جبل شامخ أرفع من ثبير، في أعلاه قلة شاهقة زلوج، وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى ذروته ومعه نفر من الصحابة فتحرك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسكن حراء فما عليك إلا نبيٌ أو صديق أو شهيد، وليس بهما نبات ولا في جميع جبال مكة إلا شيء يسير من الضهياء يكون في الجيل الشامخ، وليس في شيء منها ماء، ثم جبال (عرفات) تتصل بها جبال الطائف، وفيها مياه كثيرة أوشال، وكظائم فقر، منها (المشاش) وهو الذي يخرج بعرفات ويتصل إلى مكة، ومن قعيقعان إلى مكة اثنا عشر ميلا على طريق الحرف إلى اليمن، و (قعيقعان): قرية فيها مياه وزروع ونخيل وفواكه، وهي اليمانية، وبين مكة والطائف، قرية يقال لها (راسب) لجثعم، و (الجونة): قربة للنصار والمعدن (معدن البرم)، وهي كثيرة النخيل والزرع، والمياه مياه آبار، يسقون زروعهم بالزرانيق.(1/9)
و (الطائف) ذات مزارع ونخيل وموز وأعناب وسائر الفواكه، وبها مياه جارية وأودية تنصب منها إلى تبالة، وجل أهل الطائف ثقيف وحمير، وقومٌ من قريش، وغوث من اليمن، وهي من أمهات القرى، و (مطار): قرية من قراها كثيرة والموز، و (تبالة) اكبر منها، بينهما ليلتان، وبالطائف منبر، وبتبالة منبر، وأهلها سلول، وعقيل، وغامد، وعامر بن ربيعة، وقيس كبة.
وفي حد تبالة قرية يقال لها (رنية)، وقرية يقال لها (بيشة)، و (تثليث) و (بيمبم) و (العقيق، عقيق تمرة) وكلها لعقيل، مياهها بثور، والبثر يشبه الأحساء يجري تحت الحصى على مقدار ذراع وذراعين ودون الذراع، وربما أثارته الدواب بحوافرها.
حد الحجاز
قال عرام: حد الحجاز من (معدن النقرة) إلى المدينة، فنصف المدينة حجازي
ونصفها تهامي، ومن القرى الحجازية (بطن نخل)، وبحذاء بطن نخل جبل يقال له (الأسود) نصفه نجدي ونصفه حجازي، وهو جبل شامخ، ولا ينبت غير الكلا، نحو الصليان، والغضور، والغرز.
ثم (الطرف) لمن أم المدينة، يكنفه ثلاثة جبال: أحدها (ظلم) وهو جبل أسود شامخ لا ينبت شيئاً، و (حزم بني عوال) وهما جميعاً لغطفان، وفي عوال آبار منها (بئر آلية)، اسم آلية الشاة، و (بئر هرمة) و (بئر عمير)، و (بئر السدرة) وليس بهؤلاء ماء ينتفع به، و (السد) ماء سماء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسده، ومنها (القرقرة) ماء سماء، لا تنقطع هذه المياه لكثرة ما يجتمع فيها، ومن السد قناة إلى (قبا).
ويحيط بالمدينة من الجيال (عير): جبلان أحمران من عن يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة: ومن عن يسارك (شوران)، وهو جبل يطل على السد، كبير مرتفع.
وفي قبلى المدينة جبل يقال له (الصاري) واحد ليس على هذه نبت ولا ماء غير شوران، فإن فيه مياه سماء كثيرة يقال لها البحيرات، وكرم وعين وأمعاوهم ما يكون السن وفي كلها سمك أسود مقدار الذراع وما دون ذلك، أطيب سمك يكون.(1/10)
وجبل حذاء شوران هذا يقال له (ميطان) به ماء بئر يقال لها (ضفة) وليس به شيء من النبات، وهو لسليم ومزينة وبحذائه جبل يقال له (سن) وجبال شواهق كبار يقال لها (الحلاء)، واحدها حلاءة لا تنبت شيئاً ولا ينتفع بها، إلا ما يقطع للأرحاء والبناء، ينقل إلى المدينة وما حواليها.
ثم إلى (الرحضية) قرية للنصار وبني سليم، من نجد، وبها آبار عليها زروع كثيرة ونخيل، وحذاءها قرية أو أرض يقال لها (الحجر)، وبها مياه عيون وآبار لبني سليم، وحذاءها جبيل ليس بالشامخ، يقال له (قنة الحجر).
وهناك واد عال يقال له (ذو رولان) لبني سليم، به قرى كثيرة تنبت النخيل، منها (قلهي) وهي قرية كبيرة، و (تقتد) قرية أيضاً، وبينهما جبل يقال له (أديمة) وبأعلى هذا الوادي رياض تسمى (الفلاج) جامعة للناس أيام الربيع، وفيها مسك كثيرة يكتفون به صيفهم وربيعهم إذا أمطروا، وليس بها آبار ولا عيون، ومنها غدير يقال له (المختبي) لأنه بين عضاه وسدر وسلم وخلاف، وإنما يؤتى من طرفيه دون جنبيه، لأن له حرفاً لا يقدر عليه أحد، ومنها قلت يقال له (ذات القرنين) لنه بين جبلين صغيرين، وغنما ينزع الماء منه نزعاً بالدلاء إذا انخفضت قليلاً، ومنها غدير يقال له (غدير السدرة) من أنقاها ماء، وليس حواليه شجر، ثم تمضي مصعداً نحو مكة فتميل إلى واد يقال له (عريفطان معن) ليس به ماء ولا رعى، وحذاءه جبال يقال لها (أبلى)، وحذاءه قنة يقال لها (السودة) لبني خفاف من بني سليم، وماؤهم (العصبية) وهي آبار ينزع عليها، وهو ماء عذب وأرض واسعة، وكانت بها عين يقال لها (النازية) بين بني خفاف وبين الأنصار، فتضاربوا فسدوها، وهي عين ماؤها عذب كثير، وقد قتل ناس بذلك السبب كثير، وطلبها سلطان البلد مراراً بالثمن الكثير فأبوا ذلك.
وفي أبلى مياه منها (بئر معونة) و (ذو ساعدة) و (جماجم) أو (حماحم) شك - و (الوسباء) وهذه لبني سليم، وهي قنان متصلة بعضها إلى بعض، قال فيها الشاعر:(1/11)
أليت شعري هل تغيّرَ بعدنا ... أروم فآرامٌ فشابةُ والحضرُ
وهل تركتن أبليَ سوادَ جبالها ... وهل زالَ بعدي عن قنينتهِ الحجر
وحذاء أبلى جبل يقال له (ذو الموقعة) من شرقيها، وهو جبل معدن بني سليم، يسكون فيه الأورى كثيراً، وفي أسفل من شرقيه بئر يقال لها (الشقيقة) وحذاءه من عن يمينه من قبل القبلة جبل يقال له (برئم) وجبل يقال له (تعار)، وهما
جبلان عاليان لا ينبتان، فيها النمران كثيرة، وزفي أصل برئم ماء يقال له (ذنبان العيص)، وليس قرب تعار ماء، والخرب: جبل بينه وبين القبلة، لا ينبت شيئاً ثابتاً، قال الشاعر:
بليتُ ولا تبلي تعارُ ولا أرى ... يرمرمَ إلاّ ثابتاً يتجدد
ولا الخرب الداني كأنَّ قلاله ... بخاتٍ عليهنَّ الأجلّة هجَّدُ
ويجاوز عين (النازية) فيرد مياها يقال لها (الهدبية) وهي ثلاثة آبار ليس عليهم مزارع ولا نخل ولا شجر، وهي بقاع كبير يكون ثلاثة فراسخ في طول ما شاء الله، وهي لبني خفاف بين حرتين سوداوين وليس ماؤهن بالعذب، وأكثر ما عندها من النبات الحمض.
ثم ينتهي إلى (السوراقية) على ثلاثة أميال منها، قرية غناء كثيرة الأهل، فيها منبر ومسجد جماعة وسوق كبيرة تأتيها التجار من الأقطار، لبني سليم خاصة، ولكل من بني سليم منها شيء، وفي مائها بعض ملوحة، ويستعذبون من آبار في واد يقال له (سوراق)، وواد يقال له (الأبطن) ماء خفيفاً عذباً، ولهم مزارع ونخيل كثيرة وفولكه، من موز وتين، ورمان، وعنب، وسفرجل، وخوخ، ويقال له الفرسك، ولهم خيل وإبل وشاء كثير، وهم بادية إلا من ولد بها فإنهم تانون فيها والآخرون بادون حواليها، ويميرون طريق الحجاز ونجد في طريقي الحاج.
والحد (ضرية) وإليها ينتهي حدهم على سبع مراحل، ولهم قرى من حواليهم، منها قرية يقال لها (القيا) مؤها مأج ملح نحو ماء السوراقية، وبينهما ثلاثة فراسخ، وبها سكن كثير ونخيل ومزارع وشجر وقال الشاعر:
ما أطيبَ المذق بماء القيَّا ... وقد أكلتُ بعده برنيَّا(1/12)
وقرية يقال لها (الملحاء) وهي ببطن واد ويقال له (قوران) يصب من الحرة، فيه مياه وآبار كثير عذاب طيبة، ونخل وشجر، وحواليها هضبات (ذي مجر)، قال
فيهن الشاعر:
بذي مجرٍ أسقيت صوبَ الغوادي
وذو مجر: غدير كبير في بطن وادي قوران هذا، وبأعلاه ماء يقال له (لقف) ماء آبار كثير، عذب، ليس عليها مزارع ولا نخل، لغلط موضعها وخشونته، وفوق ذلك ماء يقال له (شس) ماء آبار عذاب، وفوق ذلك بئر يقال لها (ذات الغار) عذبة كثيرة الماء تسقي بواديهم، قال الشاعر وهو عذيرة بن قطاب السلمى:
لقد رعتموني يوم ذي الغار روعة ... بأخبار سوءِ ذونهنَّ مشيبي
نعيتم فتى قيس بن عيلان غدوةَ ... وفارسها تنعونه لحبيب
وحذاءها جبل يقال له (أقراح) شامخ مرتفع أجرد لا ينبت شيئاً كثير النمور والأراوى.
ثم تمضي من الملحاء فتنتهي إلى جبل يقال له (مغار) في جوفة أحساء، منها حشى يقال له (الهدار) يفور بماء كثير وهو في سبخ بحذائه حاميتان سوداوان في جوف إحداهما ماءة ملحة يقال لها (الرفدة)، وواديها يسمى (عريفطان)، وعليها نخيلات وآجام يستظل فيهن المار، وواحدها أجم، وهي شبيهة بالقصور، وحواليها حموض وهي لبني سليم، وهي على طريق (زبيدة) يدعوه بنو سليم (منفا زبيدة)، وحذاءها جبل يقال له (شواحط) كثير النمور كثير الأراوى، وفيه الأوشال تنبت الغضور والثغام.
وبحذائه واد يقال له (برك) كثير النبات من السلم والعرفط وأصناف الشجر، وبه ماء يقال له (البريرة) وهي عذبة طيبة من (بئر شك) وهي الغيقة الشجوة لكنها لا تنزف، وهنالك (يرثم) وهو جبل شامخ كثير النمور والأوروى، قليل النبات إلا ما كان من ثغام وغضور وما أشبهه.
وحذاءه واد يقال له (بيضان) به مياه آبار كثيرة، وأشجار كثيرة، يزرع على هذه
الآبار الحنطة والشعير والقت.
وحذاءه واد يقال له (الصحن)، قال فيه الشاعر:
جلبنا من جنوب الصَّحنِ جرداً ... عتاقاً شزَّباً نسلٌ لنسلِ
فوافينا بها يومي حنينٍ ... نبيَّ الله حدَّا غير هزلِ(1/13)
به ماء يقال له (الهباءة) وهي أفواه كثيرة مخرقة الأسافل، يفرغ بعضها في بعض من موضع الماء عذبة طيبة، يزرع عليها الحنطة والشعير وما أشبهه، وماء آخر، بئر واحدة، يقال لها (الرساس) كثيرة الماء لا يزرع عليها لضيق موضعها.
وبأسفل بيضان هذا موضع يقال له (العيص) به ماء، يقال له (ذبيان العيص) والعيص: ما كثرت أشجاره من السلم والضال، يقال له عيص وخيس.
وحذاءه جبل يقال له (الحراس) أسود ليس به نبات حسن، وفي أصله أضاة، يقال لها الحواق تمسك من السماء كثيراً، وهو كله لبني سليم، وحذاءه ذلك قرية يقال لها (صفينة) بها مزارع ونخل كثير، كل ذلك على الآبار، ولها جبل يقال له (الستار) وهي على طريق (زبيدة) يعدل إليها الحاج إذا عطشوا.
وحذاءها مياه أخرى يقال لها (النجير)، وبحذائها ماء يقال لها (النجارة) بئر واحدة، وكلاهما فيه ملوحة وليس بالشديد.
وأسفل منها بصحراء مستوية عمودان طويلان لا يرقاهما أحد إلا أن يكون طائراً، يقال لحدهما (عمود البان)، و (البان): موضع، والآخر (عمود السفح)، وهو من عن يمين الطريق المصعد من الكوفة على ميل من (أفيعية) و (أفاعية) هضبة كبيرة شامخة، وظغنما اسم القرية (ذو النخل)، وهي مرحلة من مراحل الطريق، وبها ملح، ويستعذب لها من النجارة والنجير هاتين، ومن ماء يقال له (ذو محبلة) وعن يسارها ماءة يقال لها (الصبحية) وهي بئر واحدة ليس عليها
مزارع، ويستعذب منها لأهل أفاعية، وحذاءها هضبة كبيرة يقال لها (خطمة) ولابة وهي حرشفة حرة سوداء لا تنبت شيئاً يقال لها (منيحة)، وهي لجسر وبني سليم.
وقرية يقال لها (مران) قرية غناء كبيرة، كثيرة العيون والآبار والنخيل والمزارع، وهي على طريق البصرة لبني هلال وجسر، ولبني ماعز وبها حصن ومنبر، وبها ناس كثير، وفيها يقول الشاعر:
أبعدَ الطَّوالِ الشمَّ من آل ماعزٍ ... يرجَّى بمرَّانَ ابنُ سبيلِ
مررنا على مرَّان ليلاً فلم نعج ... على أهل آجامٍ به ونخيلِ(1/14)
ومن خلفه قرية يقال لها (قباء) كبيرة عامرة لجسر ومحارب وعامر ابن ربيعة من هوزان، بها مزارع كثيرة على آبار، ونخيل ليس بكثير، وبحذائها جبل يقال له (هكران) وجبل يقال له (عن)، قال الشاعر:
أعيان هكرانَ الخداريَّات
وهو قليل النبات، في أصله ماء يقال له (الصنو) وعن هذا في جوفه مياه وأوشال، قال فيه الشاعر:
فقالوا هلاليُّونَ جئنا منَ أرضنا ... إلى حاجةٍ جبَّنا لها اللَّيلَ مدرعا
وقالوا خرجنا ملْ قفا وجنوبهِ ... وعنَّ فهمَّ القلبُ أن يتصدَّعا
و (القفا): جبل لبني هلال حذاء عن هذا، وحذاءه جبل آخر يقال لها (بس)، وفي أصله ماء يقال له (بقعاء) لبني هلال بئر كثيرة الماء، ليس عليها زرع، وحذاءها أخرى يقال لها (الخدود) وعكاظ منها على دعوة.
و (عكاظ) صحراء مستوية ليس لها جبل ولا علم إلا ما كان من الأنصاب التي كانت في الجاهلية، وبها الدماء من دماء البدن كالأرحاء العظام.
وحذاءها عيت يقال لها (خليص) للعمريين، وخليص هذا رجل وهو ببلاد تسمى
(ركبة) قال الشاعر:
أقول لركبٍ ذاتَ يومٍ لقيتهم ... يزجَّون أنضاءً حوافيَ ظلَّعا
من أتمُ فإنّا قد هوينا مجيئكم ... وأن تّخبرونا حالَ ركبة أجمعا
تم كتاب أسماء جبال مكة والمدينة وما يتصل بها، بحمد الله
وعونه وحسن توفيقه، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وسها عن ذكره الغافلون.(1/15)