أُسُسُ بِناءِ شَخْصِيَّةِ الطِّفْلِ المسْلِمِ
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى
1430 هـ 2009 م
ماليزيا
((بهانج - دار المعمور ))
حقوق الطبع لكل مسلم(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اهتم الإسلام بالكبار والصغار، الذكور والإناث، الأصحاء والمرضى، وذلك في كل شؤون حياتهم الخاصة والعامة ؛ ذلك لأنه من عند الله سبحانه وتعالى العليم الخبير، القائل في محكم كتابه :{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (30) سورة الروم.
وبناء شخصية الطفل المسلم يعدُّ هدفاً أساسياً من أهداف رسالة الإسلام، ذلك لأن الأطفال هم جيل المستقبل المنشود، ورأسمال الأمم .
فما نزرعه اليوم سوف نحصد ثماره في الغد، ومن زرع الشرَّ والفسادَ، فلن يحصد إلا الندامة .
وقد أولى العالم اليوم الطفولة اهتمامه، وذلك لأهميتها البالغة، وأنشئت مراكز البحوث والتربية التي تعنى بذلك.
ومع الأسف فقد أخذ المسلمون إبَّان الغزو الفكري والثقافي يستوردون كل شيء من عند الآخرين، ومن ذلك أساليب تربية الأطفال، ناسين أو متناسين أن التربية هي نتاج فكر وأخلاق وقيم أية أمة من الأمم، وأن هذه التربية المستوردة لن تربي جيلاً صالحاً ؛ ذلك لأنها تهتم ببعض الجوانب ولاسيما المادية منها، وتهمل الجوانب الروحية، كما أن اهتمامها بالجوانب المادية يقوم على إطلاق الشهوات، وإعطاء الطفل الحرية المطلقة في ذلك .
وهذا ما يتنافى تنافياً تامًّا مع رسالة الإسلام، التي تختلف في نظرتها للإنسان والكون والحياة عن كل هذه النظرات القاصرة والضحلة .(1/1)
وبما أن الإسلام من عند الله تعالى، فلم يترك المنهجُ الإسلاميُّ ناحيةً من نواحي إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع،ماديةً كانت أو معنويةً.
إن هذه البشرية - وهي من صنع اللّه - لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع اللّه ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده - سبحانه - وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق، وشفاء كل داء: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء ..
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء ..
ولكن هذه البشرية لا تريد أن ترد القفل إلى صانعه، ولا أن تذهب بالمريض إلى مبدعه، ولا تسلك في أمر نفسها، وفي أمر إنسانيتها، وفي أمر سعادتها أو شقوتها .. ما تعودت أن تسلكه في أمر الأجهزة والآلات المادية الزهيدة التي تستخدمها في حاجاتها اليومية الصغيرة .. وهي تعلم أنها تستدعي لإصلاح الجهاز مهندس المصنع الذي صنع الجهاز. ولكنها لا تطبق هذه القاعدة على الإنسان نفسه، فترده إلى المصنع الذي منه خرج، ولا أن تستفتي المبدع الذي أنشأ هذا الجهاز العجيب، الجهاز الإنساني العظيم الكريم الدقيق اللطيف، الذي لا يعلم مساربه ومداخله إلا الذي أبدعه وأنشأه: «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟"..
ومن هنا جاءت الشقوة للبشرية الضالة. البشرية المسكينة الحائرة، البشرية التي لن تجد الرشد، ولن تجد الهدى، ولن تجد الراحة، ولن تجد السعادة، إلا حين ترد الفطرة البشرية إلى صانعها الكبير، كما ترد الجهاز الزهيد إلى صانعه الصغير! (1) .
فالمنهج الإسلامي متكامل من كل الجوانب، صالح لكل زمان ومكان .
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 15)(1/2)
إنه منهج متكامل في الاعتقاد والتصور، والتربية والتوجيه، والفرض والتكليف. منهج اللّه الذي يعلم لأنه هو الذي خلق: قال تعالى :{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك (1) .
هذا وقد تنبه العديد من علماء الأمة، فكتبوا كتبا وأبحاثاً بينوا فيها البديل الإسلامي في التربية، ومنهم العلامة محمد قطب عافاه الله في كتابه الرائع (( منهج التربية الإسلامية)) .
وكذلك الشيخ عبد الله علوان رحمه الله في كتابه القيم (( تربية الأولاد في الإسلام )).
وكذلك الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله في كتابه القيم ((تربية الأولاد في الإسلام ))
وكذلك الشيخ محمد نور سويد حفظه الله في كتابه النفيس ((منهج التربية النبوية للطفل )) وهو أوفاها في هذا الموضوع .
فقد تكلم عنها بالتفصيل مشفوعة بأدلتها، ولكن الأدلة التي استدلَّ بها منها ما نقل تخريجه عن أهل العلم، ومنها ما سكت عنه، ومنها لم يذكر مصدره، وفيها الصحيح والحسن والضعيف، والواهي أحياناً .
وكذلك فيه بعض القصص والحكايات التي لم تثبت .
ولكن يبقى كتابه هذا من أفضل ما ألف في بابه- فيما أعلم- .
وقد استفدت منه كثيرا، وسرت على تقسيمه مع بعض التعديل .
وأما كتابي هذا فقد جمع خلاصة ما كتب في هذا الموضوع، ولم أعتمد فيه على أدلة أي واحد ممن كتب في هذا الموضوع، بل كنت أستخرج الدليل المناسب من مصدره الأساسي، وزدت الكثير من الأدلة، وحذفت الأدلة غير المقبولة .
وقد حكمت على الأحاديث بما يناسبها،دون تشدد أو تساهل، وكذلك فقد شرحت العديد من الآيات القرآنية بشكل مختصر، وذكرت غريب الحديث، وشرحت بعض الأحاديث حسب مقتضى الحال .
وذكرت بعض المسائل الفقهية ذات الصلة بشكل مختصر .
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3636)(1/3)
وكل ذلك معزوًّا لمصادره الأساسية في نهاية كل بحث .
هذا وقد اشتمل هذا الكتاب على الفصول التالية :
الفصل الأول-البناء العقديُّ
الفصل الثاني -البناءُ العباديُّ
الفصل الثالث- البناءُ الاجتماعيُّ
الفصل الرابع-البناءُ الأخلاقيُّ
الفصل الخامس-البناءُ العاطفي والنفسي
الفصل السادس-البناءُ الجسميُّ
الفصل السابع-البناءُ العلمي والفكري
الفصل الثامن-البناءُ الصحيُّ
الفصل التاسع-تهذيبُ الدافع الجنسيِّ للطفل
وتحت كل فصل منها العديد من الأسس التي تفصله .
وإني أهدي هذا الكتاب لكل من كتب في هذا الموضوع، وأقول لهم: جزاكم الله عنا كل خير .
كما أهديه لكل أسرةٍ مسلمةٍ، ولكل مربٍّ ومصلح، يهمُّه إنشاء جيل صالح يعيد للأمة مستقبلها، ودورها في الحياة .
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجزي كاتبه وقارئه وناشره والدال عليه خير الجزاء في الدارين .
قال تعالى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(29) سورة ص.
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 7 شوال 1430 هـ الموافق ل 27/9/2009 م
- - - - - - - - - - - - -(1/4)
أهمُّ أسسِ بناءِ شخصيَّةِ الطفلِ المسلمِ
تمهيد :
الشخصية المتزنة ذات أثر فعال في حياة الأفراد والجماعات، ولا تتكامل إلا عندما تكون قد وجهت من كل جوانبها، وربيت من كافة أقطارها، وهذبت من كل أطرافها .
وإذا تأملنا حركة التاريخ، وجدنا أهمية بناء وتكوين الشخصية القوية، فلا تغيير للواقع الفاسد، المنحرف عن منهج الله تعالى، من غير قوة، ولا قوة من غير بناء، ولا بناء من غير إعداد، وتكوين، وتربية .
وإن أخصب مجالٍ للبناء التربوي مرحلة الطفولة، التي هي أطول فترة من بين الكائنات الحية، وتتميز الطفولة البشرية كذلك بالمرونة والصفاء والفطرية، وهي تمتد زمناً طويلاً: يستطيع المربي خلال هذه الفترة الطويلة، أن يغرس في نفس الطفل ما يريد، وأن يوجهه حسبما يرسم له من خطة، ويتعرف إلى أمكاناته، ويتنبأ بمستقبله بقدر المستطاع، وكلما تدعم بناء الطفولة بالرعاية والإشراف والتوجيه، كلما كانت أثبت، وأرسخ، أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل شبابه .
لذلك فإن عمل الوالد الفعال يبدأ من هذا الفصل، الذي تم التوسع في شرحه، وضرب الأمثلة النموذجية، لكل فكرة، لتكون ذخرا للمربين، وتغذية للأطفال، ولهذا قال ابن سينا في كتابه السياسة: باب سياسة الرجل ولده - فترة بداية التربية على حد تعبيره - :"فإذا فطم يبدأ بتأديبه، ورياضة أخلاقه، قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة ".
وبالتالي فإن فكرة استصغار الطفل، وإهمال توجيهه، تعتبر باطلة، وإنما من بداية الفطام يبدأ التوجيه والإرشاد، والأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والتحبيب والتقبيح، وهكذا.
والآن سنبدأ بالتعرف على أسس بناء شخصية الطفل، وفي مقدمتها البناء العقَديٌّ .(1/5)
الفصلُ الأولُ
البناءُ العقديُّ
تمهيد :
تتميز العقبدة الإسلامية - الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى - بأنها كلها غيب، يحار المرء كيف يقدمها للطفل، كيف سيتعامل معها هذا الطفل ؟ وكيف يمكن تبسيطها ؟ وكيف يعرضها ؟ أمام كل هذه الأسئلة وغيرها، تأخذ الوالدين الحيرة والاستفسار عن هذه الكيفيات، ولكن من خلال تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، نجد خمسة أركان أساسية في تثبيت هذه العقيدة:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: "اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوه ليحفظه حفظا، ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئا فشيئا، فابتداؤه الحفظ ثم الفهم ثم الاعتقاد والإيقان والتصديق به، وذلك مما يحصل في الصبي بغير برهان، فمن فضل الله سبحانه على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشوه للإيمان من غير حاجة إلى حجة وبرهان، وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام مباديها التلقين المجرد والتقليد المحض، نعم يكون الاعتقاد الحاصل بمجرد التقليد غير خال عن نوع من الضعف في الابتداء على معنى أنه يقبل الإزالة بنقيضه لو ألقى إليه، فلا بد من تقويته وإثباته في نفس الصبي والعامي حتى يترسخ ولا يتزلزل، وليس الطريق في تقويته وإثباته أن يعلم صنعة الجدل والكلام ؛بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه، ويشتغل بوظائف العبادات، فلا يزال اعتقادُه يزداد رسوخا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه، وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها، وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها، وبما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وسيماهم وسماعهم وهيآتهم في الخضوع لله عز وجل والخوف منه والاستكانة له، فيكون أول التلقين كإلقاء(1/6)
بذر في الصدر، وتكون هذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرةً طيبةً راسخة، أصلُها ثابت وفرعها في السماء " (1)
وذلك لأن كل مولود يولد على الفطرة الإيمانية، قال تعالى :{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف
واذكر -أيها النبي- إذ استخرج ربك أولاد آدم مِن أصلاب آبائهم، وقررهم بتوحيده بما أودعه في فطرهم من أنه ربهم وخالقهم ومليكهم، فأقروا له بذلك، خشية أن ينكروا يوم القيامة، فلا يقروا بشيء فيه، ويزعموا أن حجة الله ما قامت عليهم، ولا عندهم علم بها، بل كانوا عنها غافلين. (2)
وعن عِيَاضَ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، إِنَّ كُلَّ مَا أَنْحَلْتُهُ عَبْدِي حَلاَلٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، غَيْرَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأُنْزِلَ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ يَقْظَانَ وَنَائِمًا، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ أَمَرَنِي أَنْ أُخْبِرَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَتْرُكُوهُ خُبْزَةً، قَالَ فَاسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ يَسْتَغْزُوكَ، وَأَنْفِقْ يُنْفَقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً أَمْثَالَهُمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ وَقَالَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ مُصَ دِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ عَفِيفٌ فَقِيرٌ مُصَّدِّقٌ وَ، قَالَ: أَصْحَابُ النَّارِ خَمْسَةٌ: رَجُلٌ جَائِرٌ لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ، وَرَجُلٌ لاَ يُمْسِي وَلاَ يُصْبِحُ إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَالضَّعِيفُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لاَ يَبْغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَمِنَ الْمَوَالِي هُوَ، أَوْ مِنَ الْعَرَبِ ؟ قَالَ: هُوَ التَّابِعَةُ
__________
(1) - إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي - (1 / 181)
(2) - التفسير الميسر - (3 / 133)(1/7)
يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَيُصِيبُ مِنْ حُرْمَتِهِ سِفَاحًا غَيْرَ نِكَاحٍ وَالشِّنْظِيرُ: الْفَاحِشُ وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ. (1)
وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ: "أِنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الْإِسْلَامُ ".قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ.وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } الْإِسْلَامُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } وَبِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ." (2)
وقال القاري في شرحه على مسند أبي حنيفة عند حديث كل مولود يولد على الفطرة: "أي فطرة الإسلام من التوحيد والعرفان، والمعنى لو خلِّيَ وطبعه، لما اختار إلا طريق الإيمان، على وجه الإحسان، لما جبل عليه من الطبع المتهيئ لقبول الشرع، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها مائلاً إلى غيرها .
وقيل معناه: كل مولود يولد على معرفة الله تعالى، والإقرار به، فلا تجد أحداً إلا وهو يقرُّ بأن الله صانع، وهذا يوافق قول أبي حنيفة من أنه يجب على كل مكلف أن يعرف الله بمجرد عقله، مع عدم علمه ببعثة الرسل " (3)
والأنبياء والمرسلون قد عنوا عناية كبيرة بسلامة عقيدة أبنائهم، قال تعالى :{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (132) سورة البقرة
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7386 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 422)(653)
اجتالتهم الشياطين: أي استخفتهم، فجالوا معهم، ويقال للقوم إذا تركوا القصد والهدى: اجتالتهم الشياطين، أي: جالوا معهم في الضلالة.
أمرني أن أحرق قريشا: كناية عن القتل، ومثله في ذكر قتال أهل الردة، فلم يزل يحرق أعضاءهم حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ومنه حديث المواقع في رمضان: «احترقت» أي: هلكت.
الثلغ: الشدخ، وقيل: هو نضحك الشيء الرطب بالشيء اليابس.
لا زبر له: أي لا عقل له، ولا تماسك، وهو في الأصل مصدر.
الشنظير، من الأناسي: السيء الخلق، والفحاش»: المبالغ في الفحش.
(2) - تحفة الأحوذي - (5 / 426)
(3) - شرح مسند أبي حنيفة ص (225)(1/8)
وَكَانَتْ كَلِمَةُ الإِسْلامِ للهِ مُحَبَّبَةً إِلَى نَفْسِ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَأَوصَوْا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ حِينَ حَضَرَتْهُمُ الوَفَاةُ وَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَأَحْسِنُوا فِي حَيَاتِكُمْ، وَالْزَمُوا ذلِكَ لِيَرزُقَكُمُ اللهُ الوَفَاةَ عَلَيهِ، لأنَّ المَرْءَ يَمُوتُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ، وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ . (1)
هذه هي ملة إبراهيم .. الإسلام الخالص الصريح .. ولم يكتف إبراهيم بنفسه إنما تركها في عقبه، وجعلها وصيته في ذريته، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه. ويعقوب هو إسرائيل الذي ينتسبون إليه، ثم لا يلبون وصيته، ووصية جده وجدهم إبراهيم! ولقد ذكر كل من إبراهيم ويعقوب بنيه بنعمة اللّه عليهم في اختياره الدين لهم:
«يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ» ..
فهو من اختيار اللّه. فلا اختيار لهم بعده ولا اتجاه. وأقل ما توجبه رعاية اللّه لهم، وفضل اللّه عليهم، هو الشكر على نعمة اختياره واصطفائه، والحرص على ما اختاره لهم، والاجتهاد في ألا يتركوا هذه الأرض إلا وهذه الأمانة محفوظة فيهم: «فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ..وها هي ذي الفرصة سانحة، فقد جاءهم الرسول الذي يدعوهم إلى الإسلام، وهو ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم .. (2)
وهذا لقمان يرعى ابنه، فيقول له: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (16) سورة لقمان
يا بنيَّ اعلم أن السيئة أو الحسنة إن كانت قَدْر حبة خردل- وهي المتناهية في الصغر- في باطن جبل، أو في أي مكان في السموات أو في الأرض، فإن الله يأتي بها يوم القيامة، ويحاسِب عليها. إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم. (3)
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 139)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 116)
(3) - التفسير الميسر - (7 / 260)(1/9)
ونلاحظ أن سورة الإخلاص التي تمثل الاعتقاد العقلي، وسورة الكافرون التي تمثل الاعتقاد العملي، هما من قصار السور القرآنية، التي تبحث في ميدان العقيدة، وما ذلك إلا إشارة إلى سهولة حفظهما على الأطفال، الذين يتميز نفسهُم بالقِصر، وذاكرتهم بالنشأة الأولى، وإن من اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال أن يدعوهم إلى الإسلام دائماً، حتى شق طريقه في بناء جيل ضمَّ علي بن أبي طالب الذي آمن بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتجاوز سن العاشرة، وحتى إنه في زيارته - صلى الله عليه وسلم - وعيادته للأطفال المرضى، كان يدعوهم إلى الإسلام، وبحضور آبائهم :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ غُلاَمًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعِ أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: فَأَسْلَمَ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ غُلاَمًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَهُ وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا فُلاَنُ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ فَسَكَتَ أَبُوهُ.فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ الْغُلاَمُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِي مِنَ النَّارِ. (2)
وعَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ: أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهُ جَارٌ يَهُودِيٌّ لا بَأْسَ بِخُلُقِهِ، فَمَرِضَ، فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَسَكَتَ أَبُوهُ، وسَكَتَ الْفَتَى، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: قُلْ مَا قَالَ لَكَ، فَفَعَلَ، فَمَاتَ، فَأَرَادَتِ الْيَهُودُ أَنْ تَلِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَحْنُ أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ، فَغَسَّلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وكَفَّنَهُ، وحَنَّطَهُ، وصَلَّى عَلَيْهِ " (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1356 ) وصحيح ابن حبان - (11 / 242) (4884)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 451)(12792) 12823- صحيح
(3) - مصنف عبد الرزاق(9920) صحيح مرسل(1/10)
وتابع السلف الصالح الاهتمام بدعوة الأطفال إلى الإسلام، فعن عَمْرَو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: "كَانَ لَا يَدَعُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا يُنَصِّرُ وَلَدَهُ وَلَا يُهُوِّدُهُ فِي مُلْكِ الْعَرَبِ " (1)
وعَنْ كُرْدُوسٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ تَغْلِبَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَكُمْ نَصِيبٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخُذُوا نَصِيبَكُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ "، فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَضْعَفَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَلَا يُنَصِّرُوا الْأَبْنَاءَ " (2)
وقد فعل عمر - رضي الله عنهم - هذا اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ الأَسَدِىِّ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ - رضي الله عنهم - : لَئِنْ بَقِيتُ لِنَصَارَى بَنِى تَغْلِبَ لأَقْتُلَنَّ الْمُقَاتِلَةَ وَلأَسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ فَإِنِّى كَتَبْتُ الْكِتَابَ بَيْنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يُنَصِّرُوا أَبْنَاءَهُمْ. (3)
وعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهدًا، يَقُولُ لِغُلَامٍ لَهُ نَصْرَانِيٍّ: "يَا جَرِيرُ أَسْلِمْ "، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُمْ " (4)
وما هذا الذي تقدم معنا إلا تنبيه للأجيال القادمة، وقادتها وعلمائها، أن يهتم بالأطفال، ولا يتركونهم هملاً، تعصف بهم الرياح، وتحتضنهم رجالات الكفر ودعاته .
الأساس العقَديُّ الأول: تلقين الطفل كلمة التوحيد :
عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يُفْصِحُ أَنْ يُعَلِّمُوهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَتَكَلَّمَ بِهِ " (5)
وعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "يُعَلِّمُ الْغُلَامَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِذَا أَفْصَحَ سَبْعَ مَرَّاتٍ: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (111) سورة الإسراء (6)
__________
(1) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (9685 ) صحيح مرسل
(2) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (9688 ) فيه انقطاع
(3) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (9 / 217)(19273) حسن
(4) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (9909 ) صحيح
(5) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (7724 ) صحيح
(6) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ(7723 ) ضعيف(1/11)
قال ابن القيم: "فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده، وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا، وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا، ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا وعى الطفل وعقل علِم أنه عبدٌ لله وأن الله هو سيده ومولاه" (1)
ولذلك كانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنهم - ، فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ: لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ؛ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ، وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ. (2)
ولم يلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما أنزلت عليه الرسالة أن يبعد الأطفال عن الإيمان بدعوته، بل تجاوز الأفق الضيق، في الدعوات الحزبية، وانطلق إلى علي بن أبي طالب - وعمره لم يتجاوز العاشرة - ودعاه إلى الإيمان ن فآمن به، ولازمه في الحروج إلى الصلاة مستخفياً في شعاب مكة، حتى عن أهله وأبيه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ.وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ فَيُصَلّيَانِ الصّلَوَاتِ فِيهَا، شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَا.ثُمّ إنّ أَبَا طَالِبٍ عَثَرَ عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَهُمَا يُصَلّيَانِ فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا الدّينُ الّذِي أَرَاك تَدِينُ بِهِ ؟ قَالَ أَيْ عَمّ هَذَا دِينُ اللّهِ، وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ وَدِينُ رُسُلِهِ وَدِينُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ - أَوْ كَمَا
__________
(1) - موسوعة كتب ابن القيم - (235 / 3)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 366)(22075) 22425- صحيح لغيره وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (7 / 91) وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح بلا ريب(1/12)
قَالَ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ رَسُولًا إلَى الْعِبَادِ وَأَنْتَ أَيْ عَمّ أَحَقّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النّصِيحَةَ وَدَعَوْته إلَى الْهُدَى، وَأَحَقّ مَنْ أَجَابَنِي إلَيْهِ وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ أَوْ كَمَا قَالَ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ أَيْ ابْنَ أَخِي، إنّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا يَخْلُصُ إلَيْك بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ وَذَكَرُوا أَنّهُ قَالَ لِعَلِيّ أَيْ بُنَيّ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ يَا أَبَتِ آمَنْتُ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِ اللّهِ وَصَدّقْته بِمَا جَاءَ بِهِ وَصَلّيْت مَعَهُ لِلّهِ وَاتّبَعْته.فَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ لَهُ أَمَا إنّهُ لَمْ يَدْعُك إلّا إلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ . (1)
أما أول من أسلم من الموالي فهو زيد بن حارثة الذي كان قد جاء به ضمن الأسرى من الشام، عمُّ السيدة خديجة حكيم بن حزام، فاختارته غلاماً لها، وطلبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه وتبناه، ورباه بينهم " (2)
وهكذا بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوته الجديدة في إقامة المجتمع الإسلامي الجديد، مركزاً اهتمامه على الأطفال بالرعاية والدعوة والدعاء، حتى نال عليٌّ - رضي الله عنهم - شرف الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنومه في بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة الهجرة، إنها تربية النبوة للأطفال الناشئين ليكونوا قادة المستقبل، ومؤسسي المجتمع الإسلامي الوليد الجديد، فهلا نصحو لنقطة البداية في الانطلاقة الجديدة في هذا القرن الجديد؟!
الأساس العقدي الثاني: حب الله تعالى والاستعانة به ومراقبة الله, والإيمان بالقضاء والقدر:
لكل طفل مشكلاته الخاصة به، سواء منها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والمدرسية، وتختلف هذه المشكلات بين طفل وآخر، في حدتها وشدتها وطراوتها .. وقد يعبر الطفل عن مشكلاته بشكل شعوري أو لا شعوري، فبأي وسيلة يمكن معالجته من الداخل ؟ وبأي طريقة يستطيع الطفل أن يخفف من آلامه - إن وجدت- ويخلصه من مشكلاته إن حصلت ؟
__________
(1) - سيرة ابن هشام - (1 / 246) بلا إسناد
(2) - سيرة نبي الهدى والرحمة، عبد السلام هاشم حافظ ص (81) ط رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة(1/13)
إنها بترسيخ حب الله تعالى، والاستعانة به، ومراقبته، وبالإيمان بالقضاء والقدر، وهذا أسلوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس ابتكاراً من أحد غيره .
فبتعميق هذا الحب والاستعانة في نفسه، وتأصيل هذه المراقبة في قلبه، وغرس الإيمان بالقضاء والقدر في لبه وفوائده يستطيع الطفل مواجهة حياته الطفلية الآن، ومستقبل رجولته - أو: أموميته- فيما بعد :
1- ما ورد في حض الأطفال على ذلك :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَا تَرْفَعِ الْعَصَا عَلَى أَهْلِكَ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم - ، يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلأَمُ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، اِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَاذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الامَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ اِلا بِشَئءٍ قَدْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ الا بِشَئءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. (2)
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لِي: يَا غُلامُ، إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، فَقَدْ رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الْكُتُبُ، فَلَوْ جَاءَتِ الأُمَّةُ يَنْفَعُونَكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ، لَمَا اسْتَطَاعَتْ، وَلَو أَرَادَتْ أَنْ تَضُرَّكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ، مَا اسْتَطَاعَتْ. (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ ؟ فَقُلْتُ: بَلَى.فَقَالَ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (1940 ) والمعجم الصغير للطبراني - (1 / 86)(114) والمعجم الكبير للطبراني - (11 / 92)(13) حسن
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2706) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 775)(2763) صحيح(1/14)
تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْدَفَهُ فَقَالَ: "يَا فَتًى أَلَا أَهَبُ لَكَ ؟ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ ؟ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنْ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَائِقَ لَوْ أَرَادُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " (2)
فإذا ما حفظ الطفل هذا الحديث، وفهمه جيداً، لم تقف أمامه عثرة، ولم يعوقه شيء في مسيرة حياته كلها، فأي تربية هذه- قديمة وحديثة- تستطيع أن تبلغ من نفس الطفل كما بلغها هذا الحديث؟!
إن لهذا الحديث قوةً كبيرة على حلِّ مشاكل الطفل، بفضل تأثره وروحانيته، وله القدرة في دفع الطفل نحو الأمام، بفضل استعانته بالله، ومراقبته له، وإيمانه بالقضاء والقدر، وإن أطفال الصحابة تلقوا هذا التوجيه النبوي، فهم يستعينون بالله على ما أصابهم من قدره، ويسألون الله عندما تنزل بهم المصائب، ويعتقدون بأن لا حول ولا قوة إلا بالله، ويؤمنون بأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً .
وإليك بيان ذلك عمليًّا لا بالكلام النظري فقط :
روى آدمُ بن أبي إياس في "تفسيره "بإسناده عن محمد بن إسحاق قال: جاء مالكٌ الأشجعي إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: أُسِرَ ابني عوفٌ، فقال له: أرسل إليه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُكَ أنْ تُكثِرَ من قول: لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله، فأتاه الرسول فأخبره، فأكبَّ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 784)(2803) 2804- صحيح
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1606) (4044 ) حسن لغيره(1/15)
عوفٌ يقول: لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله، وكانوا قد شدُّوه بالقِدِّ فسقط القِدُّ عنه، فخرج فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها، فأقبل فإذا هو بسَرحِ القوم الذين كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبع آخرُها أوَّلها، فلم يفاجأ أبويه إلاّ وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوفٌ وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واسوأتاه، وعوف كئيب يألم ما فيه مِنَ القدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبل، فأتى أبوهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره بخبرِ عوفٍ وخبرِ الإبل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اصنع بها ما أحببتَ، وما كنت صانعاً بإبلك ))، ونزل: {..وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (3) سورة الطلاق (1)
وعَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا قَالَ: يُطَلِّقُ لِلسُّنَّةِ، وَيُرَاجِعُ لِلسُّنَّةِ ؛ زُعِمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ عَوْفٌ الْأَشْجَعِيُّ، كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوهُ، فَكَانَ فِيهِمْ، فَكَانَ أَبُوهُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَشْكُوا إِلَيْهِ مَكَانَ ابْنِهِ، وَحَالَتَهُ الَّتِي هُوَ بِهَا وَحَاجَتَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُهُ بِالصَّبِرِ وَيَقُولُ لَهُ: "إِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا "فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا إِذَا انْفَلَتَ ابْنُهُ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ، فَمَرَّ بِغَنَمٍ مِنْ أَغْنَامِ الْعَدُوِّ فَاسْتَاقَهَا، فَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ، وَجَاءَ مَعَهُ بِغِنًى قَدْ أَصَابَهُ مِنَ الْغَنَمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " (2)
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللهِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَتَهُ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنِ انْقَطَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَكَّلَهُ اللهُ إِلَيْهَا " (3) ...
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ فَتًى، مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةٌ مِنَ النَّارِ فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ وَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ فِي الْبَيْتِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اعْتَنَقَهُ الْفَتَى، وَخَرَّ مَيِّتًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "جَهِّزُوا صَاحِبَكُمْ فَإِنَّ الْفَرَقَ فَلَذَ كَبِدَهُ " (4)
__________
(1) - جامع العلوم والحكم محقق - (21 / 41) وتفسير ابن كثير - دار طيبة - (8 / 147) بلا سند
(2) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (31749 ) حسن مرسل
(3) - شعب الإيمان - (2 / 487)(1289 ) فيه لين
(4) - شعب الإيمان - (2 / 291) (908 ) حسن(1/16)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] تَلَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ - أَوْ قَالَ: يَوْمٍ - فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ فَقَالَ: يَا فَتَى، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ بَيْنِنَا فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [إبراهيم: 14] " (1)
وهذا نموذج آخر في اهتمام السلف الصالح بترسيخ الإيمان وحلاوته، وأن الطريق إلى ذلك الوصول إلى درجة اليقين بالقضاء والقدر، ونلحظ حرص السلف الصالح، وهم في أخرج الأوقات قبل الموت، على توجيه أولادهم وإرشادهم :
عن عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَتَخَايَلُ فِيهِ الْمَوْتَ فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَوْصِنِي وَاجْتَهِدْ لِي.فَقَالَ: أَجْلِسُونِي.فَلَمَّا أَجْلَسُوهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الإِِيمَانِ، وَلَنْ تَبْلُغْ حَقَّ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ مَا خَيْرُ الْقَدَرِ مِنْ شَرِّهِ ؟ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ.يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَا بُنَيَّ إِنْ مِتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ. (2)
وعن عَطَاءَ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ,قال: سَأَلْتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ كَيْفَ كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ؟ قَالَ: دَعَانِي فَقَالَ لِي: "يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِي اللَّهَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْعِلْمَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ؟ قَالَ: كَيْفَ لِي أَنْ أُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ؟ قَالَ: تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، عَلَى هَذَا الْقَدَرِ فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ " (3)
__________
(1) - شعب الإيمان - (2 / 197)(720 ) فيه ضعف
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 547)(22705) 23081- صحيح لغيره
(3) - الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ (417 ) صحيح(1/17)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: يَا أَبَهْ، أَوْصِنِي وَاجْتَهِدْ، فَقَالَ: "أَجْلِسْنِي، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، وَلَنْ تَبْلُغَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ ؟ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمُ، فَقَالَ: اجْرِ، فَجَرَى تِلْكَ السَّاعَةَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ "، فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ " (1)
وعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ "، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ ؟ "فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ: "فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ ؟ "فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: "فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ "فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ" (2)
وعن زَيْدَ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بِرَاعٍ، فَقَالَ: "يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ، هَلْ مِنْ جِوَرَّةٍ ؟ "قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ ههُنَا رَبُّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: "تَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ أَكْلَهَا الذِّئْبُ "، قَالَ فَرَفَعَ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَأَنَا وَاللهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللهُ، فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي، وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ " (3)
__________
(1) - أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ (785 ) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (7 / 223)(4908 ) حسن
(3) - شعب الإيمان - (11 / 103)(8250 ) صحيح لغيره(1/18)
وكان بعض المشايخ له تلامذة.. فكان يخص واحداً منهم بإقباله عليه أكثر مما يقبل على غيره، فقالوا له في ذلك، فقال: أبين لكن ذلك.. فدفع إلى كل واحد من تلامذته طائراً، وقال له: اذبحه بحيث لا يراه أحد، ودفع إلى هذا أيضا، فمضوا.. ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طائره، وجاء هذا بالطائر حياً فقال: هلا ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه بحيث لا يراه أحد، ولم أجد موضعاً لا يراه فيه أحد، فقال: لهذا أخصُّه بإقبالي عليه." (1)
قال سهل بن عبد الله التستري: كنت ابن ثلاث سنين، أقوم بالليل، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، قال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ قلت: كيف أذكره ؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي، فقلت ذلك ليالٍ، ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت، ذلك ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة 11 مرة، فقلته، ففي الليلة الثالثة قال: وقع في قلبي حلاوة الذكر، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك، وأدم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، قال: فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سرِّي، ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل من كان الله معه، ومن كان الله ناظراً إليه، ومن كان الله شاهده، أيعصيه ؟ إياك والمعصية ." (2)
وأصبح سهل رحمه الله من كبار العارفين، ومن رجال الله الصالحين.. بفضل خاله الذي أدَّبه وعلمه ورباه، وغرس في نفسه وهو صغير أكرم معاني الإيمان والمراقبة، وأنبل مكارم الأخلاق (3) .
تلطف، الضرب، والإهانة، والدفع نحو الوضوء، هذا السلوك العنيف لا يجذب الابن إليك، انظر التلطف، النعومة، أول أيام ثلاثة قل في سرك، دون أن تحرك شفتيك، ثم قل بلسانك، ثم اجعلها عشر مرات، ثم قل الله ناظري، هل يمكن أن أعصيه ؟
__________
(1) - الرسالة القشيرية - (1 / 87)
(2) - الرسالة القشيرية - (1 / 13)
(3) - تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 126)(1/19)
قال: في شاب له شيخ، قال له شيخه: يا بني إن لكل سيئة عقاباً، يبدو وقع في خطأ، زلت قدمه في معصية، بحسب كلام الشيخ انتظر العقاب، انتظر أياماً، أسبوعاً أسبوعين، ثلاثة أسابيع، أثناء الصلاة ناجى ربه، قال: يا رب لقد عصيتك ولم تعاقبني قال وقع في قلبه أن يا عبدي لقد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ .
بالتلطف، بالنعومة، بالرقة، وبالحنان، والعطف، والطفل ينجذب، بدل أن تقول له إن لم تصلّ الفجر في جماعة سأضربك، لا، إن صليت الفجر في جماعة سأكافئك فرق كبير، دعك من العقوبات، دعك من التعنيف . (1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: عَلِّمُوا، وَلاَ تُعَنِّفُوا ؛ فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَنِّفِ. (2)
أورد ابن ظفر المكي في كتابه أنباء نجباء الأبناء: "إن الحارث المحاسبي - وهو صبي - مرَّ بصبيان وهم يلعبون على باب رجل تمّار، فوقف الحارث ينظر إلى لعبهم، وخرج صاحب الدار ومعه تمرات، فقال للحارث: كل هذه التمرات، قال الحارث: ما خبرك فيها ؟ قال: إني بعت الساعة تمراً من رجل، فسقطت من تمره، فقال أتعرفه ؟ فقال: نعم، فالتفت الحارث إلى الصبيان يلعبون، وقال: أهذا الشيخ مسلم ؟ قالوا: نعم، فمرَّ وتركه، فتبعه التمَّار، حتى قبض عليه، وقال له: والله ما تنفلتُ من يدي حتى تقول لي ما في نفسك مني، فقال: ياشيخ! إن كنت مسلماً، فاطلب صاحب التمرات، حتى تتخلص من تبعته، كما تطلب الماء إذا كنت عطشان شديد العطش، يا شيخ ! تطعم أولاد المسلمين السحت - الحرام - وأنت مسلم ؟ فقال الشيخ: والله لا اتجرت للدنيا أبداً " (3)
وهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كان عمه يرسل إلى بعض الولاة بأحوال بغداد، ليعلم بها الخليفة، وقد أرسلها مرة مع ابن أخيه أحمد بن حنبل فتورع عن ذلك، ورمى بها في الماء، تأثماً من الوشاية، والتسبب، لما عسى أن يكون فيها ضرربالمسلمين، وقد لفتت
__________
(1) - تربية الأولاد في الإسلام النابلسي - (1 / 34)
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 269) (2659) ضعيف
(3) - أنباء نجباء الأبناء (ص 148)(1/20)
هذه النجابة كثيراً من أهل العلم والفراسات، حتى قال الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ: "إِنَّ لِكُلِّ زَمَانٍ رَجُلًا يَكُونُ حَجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَإِنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ حُجَّةُ أَهْلِ زَمَانِهِ.قَالَ الْهَيْثَمُ: "وَأَظُنُّ إِنْ عَاشَ هَذَا الْفَتَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ " (1)
وعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، قَالَ: "أَحْسِبُ هَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - إِنْ عَاشَ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ " (2)
الأساس العقدي الثالث: ترسيخ حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته الأطهار وأصحابه الكرام:
وبهذا يتحقق الشطر الثاني من الشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول، وقد سار السلف الصالح وخلفهم في تركيزها، وتثبيتها في نفس الطفل، إذ بها تتحرك مشاعر الطفل، وأحاسيسه، وتزيد حرارة الشعور الإسلامي، وتدفع به إلى كل خير، وتحلُّ له مشكلاته كلها، وتهوِّن عليه كلَّ مصيبة .
ومن الملاحظ على النفس البشرية عامة، أنها في مرحلة بنائها تحاول أن تتشبه بأقوى شخصية حولها، وذلك لتقتدي بها، وتسير على هداها، وتقلدها في كل حركاتها، والتربية الإسلامية طلبت أن يشدَّ الطفل الصغير والرجل الكبير إلى شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إذ هو القدوة الثابتة الراسخة، والمثل الأعلى للبشرية كلها، وهو أكمل البشر على الإطلاق، وهو أفضل رسل الله أجمعين .
وما العذاب الذي تصاب به النفس البشرية، وما الأمراض النفسية والعصبية المنتشرة هنا وهناك، إلا أثر من آثار البعد عن القدوة الصحيحة، وعدم التشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما نلاحظ من الأجيال المنحرفة أنها تعيش في فراغ في الشخصية، تلهث وراء الموضات المتغيرة بين فصل وآخر من فصول السنة، وتركض وراء الممثلين والممثلات المائعين المنحرفين البعيدين كل البعد المنهج الرباني، والمتبعين للمنهج الشيطاني، وتهرول خلف بعض من يسمُّون أنفسهم مفكري العصر، ورواده المثقفين، الذين ينفخ الشيطان في
__________
(1) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (13934 )
(2) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (13969 )(1/21)
رؤوسهم، فيحسبونه فكرا نيرا، وما هو بنير، وهكذا نجد أهمية شخصية حيَّة يقتدي بها الطفل الناشئ، وهل هناك أفضل من الاقتداء بسيد الخلق وإمام الرسل - صلى الله عليه وسلم - ؟!
1- ما ورد في ترسيخ محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله الأطهار، وصحابته الأخيار :
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أدبوا أولادكم على خصال ثلاث: على حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه". (1)
أي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته وصحابته والعلماء والدعاة والشيوخ إلى يوم القيامة،أي الذين يمثلون هذا الدين، وتلاوة القرآن: إذا أردت أن تدرِّس الصغار فلتدرسهم تلاوة القرآن وتحفيظه وتسميعه والسيَر والصلاة هذه الموضوعات الأساسية للطفل، صلاة وسيرة وتلاوة . (2)
ومعنى ذلك أن الطفل لابدَّ له من مَثَلٍ أعلى، يحتاج إلى مُثُل، فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى وصحابته والعلماء والتّابعون، والأبطال والأشخاص الأفذاذ هؤلاء اقرأ له في سيرتهم، والقرآن الكريم، فيه يَنْمُو وتَقوَى لغته ويستقِيم لسانه (3)
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ « وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا » .
قَالَ لاَ شَىْءَ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - .فَقَالَ « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ».قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَىْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ».قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّى إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ . (4)
2- كيف ترسخ محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأطفال ؟
أ- السرعة في الاستجابة لندائه، وتنفيذ أوامره :
__________
(1) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (8 / 68)[7753] ضعيف
(2) - تربية الأولاد في الإسلام للنابلسي - (2 / 15)
(3) - تربية الأولاد في الإسلام للنابلسي - (2 / 16)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3688 )(1/22)
إن ازدياد سرعة الاستجابة يزيد من المحبة، وهي برهان هذا الحب، فهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ، يسارع في تلبية دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام، دون استشارة أحد من الناس، لأن الأمر أمر عقيدة ومبدأ، ولكل وجهة هو موليها، ولكل امرئٍ عقيدته التي يختارها، وكذلك يعايش - رضي الله عنهم - وهو في العاشرة من عمره - الدعوة الإسلامية الأولى في مرحلتيها: السرية والجهرية، دون خوف أو وجل، ويصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجته خديجة في شعاب مكة سرًّا، فيراه أبوه أبو طالب، فإذا بعلي لا يخاف ولا يتلجلج.
ثم هذا أنس - رضي الله عنهم - ، وهو الطفل الصغير الذي قام على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين عن أحب شيء لدى الأطفال، ويستجيب للنداء، ويسارع لتنفيذ الأمر النبوي، فيترك اللعب، وينصاع للأمر، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ - قَالَ - فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِى إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّى فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ مَا حَبَسَكَ قُلْتُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَةٍ. قَالَتْ مَا حَاجَتُهُ قُلْتُ إِنَّهَا سِرٌّ.قَالَتْ لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ. (1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ، قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ عَلَيْنَا، وَأَخَذَ بِيَدِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ حَائِطٍ، أَوْ جِدَارٍ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَبَلَّغْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ سِرٌّ، قَالَتْ: احْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ، قَالَ: فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ. (2)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَأَنَا ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، فَانْطَلَقَتْ بِي أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا ابْنِي اسْتَخْدِمْهُ.فَخَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلاَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6533 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 277)(12060) 12083- صحيح(1/23)
وَأَتَانِي ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، أَوْ قَالَ: مَعَ الصِّبْيَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ثم دَعَانِي فَأَرْسَلَنِي فِي حَاجَةٍ، فَلَمَّا رَجَعْتُ.قَالَ: لاَ تُخْبِرْ أَحَدًا، فَاحْتَبَسْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ قَالَ: لاَ تُخْبِرْن بِهَا أَحَدًا.قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ، فَاكْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ. (1)
وقول أنس - رضي الله عنهم - : أتى عليَّ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وأنا ألعب مع الغلمان "؛ دليل على: تخلية الصِّغار ودواعيهم من اللعب والانبساط، ولا يُضيق عليهم بالمنع مِمَّا لا مفسدة فيه.
وقوله: "فسلَّم علينا "؛ فيه دليل: على مشروعية السَّلام على الصِّبيان، وفائدته: تعليمهم السلام، وتمرينهم على فعله، وإفشاؤه في الصغار كما يفش في الكبار. وكتمان أنس سرَّ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عن أمه دليل: على كمال عقله، وفضله، وعلمه مع صغر سنه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. (2)
وعَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ خَلْفَ بَابٍ، فَدَعَانِي، فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. (3)
بل إن هذا الأمر ليتعدى انتظار الأوامر، وينتقل أطفال الصحابة إلى مرحلة أعلى في الحب الصادق، وذلك بترقب حاجيات حبيبهم - صلى الله عليه وسلم - ، ليسارعوا إلى وضعها أمامه، دون أن يتكلم، أو يسمع أمراً، وهذا من قيم الحب الخالدة .
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وُضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ. (4)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 449)(12784) 12815- صحيح
(2) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (20 / 138)
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 850)(3131) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (143) وصحيح مسلم- المكنز - (6523 ) وصحيح ابن حبان - (15 / 529)(7053)(1/24)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَوَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَهُورًا، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ قَالَتْ مَيْمُونَةُ: عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ. (1)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي الْخَلاَءَ، فَأَتْبَعَهُ أَنَا وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَيَسْتَنْجِي بِهَا. (2)
وعَنْ أَبِي مُعَاذٍ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنْ حَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَيَسْتَنْجِي بِهِ. (3)
وعَنْ أُسَامَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ: وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمَّا أَتَى - صلى الله عليه وسلم - الشِّعْبَ نَزَلَ فَبَالَ وَلَمْ يَقُلْ: أَهْرَاقَ الْمَاءَ، فَأَتَيْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ - صلى الله عليه وسلم - وُضُوءًا خَفِيفًا، فَقُلْتُ: "الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : الصَّلَاةَ أَمَامَكَ.فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ حَطُّوا رِحَالَهُمْ، ثُمَّ صَلَّوُا الْعِشَاءَ " (4)
ومنها مبايعة الأطفال للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فعن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا قَالاَ خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ حِينَ هَاجَرَتْ وَهِىَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَدِمَتْ قُبَاءً فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بِقُبَاءٍ ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُحَنِّكَهُ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا فَوَضَعَهُ فِى حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَهَا فَمَضَغَهَا ثُمَّ بَصَقَهَا فِى فِيهِ فَإِنَّ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَتْ أَسْمَاءُ ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ ثُمَّ جَاءَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 531)(7055) صحيح
(2) - مسند الطيالسي - (3 / 596)(2248) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (4 / 290) ( 1442) صحيح
(4) - أخبار مكة للفاكهي - (2752 ) صحيح
الرديف: الراكب خلف قائد الدابة -الإداوة: إناء صغير من جلد يحمل فيه الماء وغيره(1/25)
وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ مُقْبِلاً إِلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ (1) .
وهكذا نشأ أطفال الصحابة على محبة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - ، يدفعهم إلى ذلك الآباء والأمهات، ومن شب على شيء شاب عليه .
قال النووي رحمه الله معلقاً على الحديث :"هَذِهِ بَيْعَة تَبْرِيك وَتَشْرِيف لَا بَيْعَة تَكْلِيف ." (2)
ب- قتال الأطفال لمن يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ بَيْنَ الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ غَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ أَيْ عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ، يَا بْنَ أَخِي، فَقَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ، يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ، حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ، مِنَّا، قَالَ: فَأَعْجَبَنِي قَوْلُهُ، قَالَ: فَغَمَزَنِي الآخَرُ، وَقَالَ مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ رَأَيْتُ أَبَا جَهْلٍ يَجُولُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُمَا: هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسَلاَنِي عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفِهِمَا فَقَتَلاَهُ" (3)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ يَوْمَ بَدْرٍ بَيْنَ غُلَامَيْنِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ أَنِّي بَيْنَ أَضْلُعٍ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ فَقُلْتُ: وَمَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5740 )
نفست: ولدت -نفست: ولدت أو حاضت- التحنيك: مضغ تمر أو نحوه ودلكه في فم المولود
(2) - شرح النووي على مسلم - (7 / 272)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3141 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4668 ) وصحيح ابن حبان - (11 / 172)(4840)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : هَذَا خَبَرٌ أَوْهَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، أَنَّ سَلَبَ الْقَتِيلِ، إِذَا اشْتَرَكَ النَّفْسَانِ فِي قَتْلِهِ، يَكُونُ خِيَارُهُ إِلَى الإِمَامِ، بِأَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدَ الْقَاتِلَيْنِ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَكُنَّا نَقُولُ بِهِ مُدَّةً، ثُمَّ تَدَبَّرْنَا، فَإِذَا هَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ سَلَبِ الْقَتِيلِ لِقَاتِلِهِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ كَانَ الْخِيَارُ إِلَى الإِمَامِ، أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ أَيَّمَا شَاءَ مِنَ الْقَاتِلَيْنِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي سَلَبِ أَبِي جَهْلٍ حَيْثُ أَعْطَاهُ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانَ هُوَ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ قَاتِلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَيَوْمُ حُنَيْنٍ بَعْدَ بَدْرٍ، بِسَبْعِ سِنِينَ، فَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَيْنِ، إِذَا اشْتَرَكَا فِي قَتِيلٍ كَانَ السَّلَبُ لَهُمَا مَعًا.(1/26)
حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَقَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ وَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ تَرَجَّلَ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟ "قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: "أَمَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟ "قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ "، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرِّجْلَانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ" (1)
ومن هذا المنطلق انطلق أطفال السلف الصالح في مقاتلة من يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سواء بالإشارة أو العبارة أو النيل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفي المستطرف: " حكي أن غلماناً من أهل البحرين خرجوا يلعبون بالصوالجة وأسقف البحرين قاعد، فوقعت الأكرة على صدره، فأخذها، فجعلوا يطلبونها منه فأبى، فقال غلام منهم: سألتك بحق محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا رددتها علينا، فأبى لعنه الله وسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأقبلوا عليه بصوالجهم، فما زالوا يخبطونه حتى مات لعنة الله عليه، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله تعالى عنه فوالله ما فرح بفتح ولا غنيمة كفرحته بقتل الغلمان لذلك الأسقف، وقال: الآن عز الإسلام إن أطفالا صغاراً شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا وأهدر دم الأسقف، والله سبحانه وتعالى أعلم" (2)
وإن لم يستطع الطفل المسلم أن ينتقم من الرجال الذين يسيئون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه ينقل الخبر الذي سمعه من كلام الفساق والمنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى المؤمنين من بعده.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ،
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (12 / 276)(4789) صحيح
(2) - المستطرف في كل فن مستظرف - (1 / 462) ولم أجد هذه الرواية فالله أعلم . انظر رد المحتار - (16 / 225) مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ سَبِّ الذِّمِّيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - والموسوعة الفقهية الكويتية - (24 / 136)(1/27)
وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، خَرَجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالَ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَفَاءَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالَ لَهُ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ، يَقُودُ لَهُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهٌ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ.وَصَرَخَ جَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا ؟ قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللَّهِ مَا أَعُدُّنَا وَجَلَابِيبَ قُرَيْشٍ هَذِهِ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ.أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ؛ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إِلَى غَيْرِ بِلَادِكُمْ ؛ فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَمَشَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوِهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنَ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ فَلْيَقْتُلْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لَا، وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ "وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْتَحِلُ فِيهَا، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلَغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهِ ؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرَّجُلُ، حَدَبًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ، وَدَفْعًا عَنْهُ ؛ فَلَمَّا اسْتَقَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ(1/28)
حُضَيْرٍ، فَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ؛ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "أَوْ مَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ ؟ "قَالَ: فَأَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ".قَالَ: وَمَا قَالَ ؟ قَالَ: "زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ".قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْرِجُهُ إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ؛ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّ قَوْمَهَ لَيَنْظِمُونُ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ،فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مَلَكًا .." (1)
ج- حب أطفال الصحابة لما يحبُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكراهيتهم للجاهلية :
فعَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، أَوْ دَعِي لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ وَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، لِمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ " (2)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ، وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. (3)
دباء: الدباء: القرع. -قديد: القديد: اللحم المملح اليابس.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَجِىءَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدُّبَّاءِ وَيُعْجِبُهُ - قَالَ - فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أُلْقِيهِ إِلَيْهِ وَلاَ أَطْعَمُهُ. قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ فَمَا زِلْتُ بَعْدُ يُعْجِبُنِى الدُّبَّاءُ. (4)
وعن مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ أَبَا طَالُوتَ، حَدَّثَهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ يَأْكُلُ الْقَرْعَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَكَ دُبَّاءُ مَا أَحَبَّكِ إِلَيَّ لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاكِ " (5)
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ ( 31648 ) صحيح مرسل
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(3006) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5439 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5446) و صحيح ابن حبان - (10 / 403)(4539)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (5447 )
(5) - مسند الشاميين 360 - (3 / 139)(1951) حسن(1/29)
د- حفظ أطفال الصحابة والسلف للأحاديث النبوية :
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىُّ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِى دَارِهِمْ.
فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِىَّ - رضي الله عنهم - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كُنْتُ أُصَلِّى لِقَوْمِى بِبَنِى سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ إِنِّى أَنْكَرْتُ بَصَرِى، وَإِنَّ الْوَادِىَ الَّذِى بَيْنِى وَبَيْنَ قَوْمِى يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِى فَتُصَلِّى مِنْ بَيْتِى مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَأَفْعَلُ ».فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ ».فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِى فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِى الْبَيْتِ.فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَا فَعَلَ مَالِكٌ لاَ أَرَاهُ.فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَاكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُلْ ذَاكَ أَلاَ تَرَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ».فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ».قَالَ مَحْمُودٌ فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَتِهِ الَّتِى تُوُفِّىَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ، فَأَنْكَرَهَا عَلَىَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ.فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَىَّ فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَىَّ إِنْ سَلَّمَنِى حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِى أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِى مَسْجِدِ قَوْمِهِ، فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ(1/30)
الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بَنِى سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّى لِقَوْمِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ (1) "
وعَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ السَّعْدِىِّ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ - رضي الله عنهم - مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حَفِظْتُ مِنْهُ « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ». (2)
وعَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي، فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلُعَابِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ.فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا عَلَيْكَ لَوْ أَكَلَ هَذِهِ التَّمْرَةَ ؟ قَالَ: إِنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ قَالَ: وَكَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَرُبَّمَا قَالَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ. (3)
وعن رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانَ، أَنَّهُ قَالَ لِلحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - : مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: أَدْخَلَنِي غُرْفَةَ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذْتُ مِنْهَا تَمْرَةً، فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَلْقِهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلاَ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. (4)
وعَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَسُئِلَ مَا عَقَلْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَوْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى جَرِينٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذْتُ تَمْرَةً، فَأَلْقَيْتُهَا فِي فِيَّ، فَأَخَذَهَا بِلُعَابِي، فَقَالَ: بَعْضُ الْقَوْمِ وَمَا عَلَيْكَ لَوْ تَرَكْتَهَا ؟ قَالَ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ: وَعَقَلْتُ مِنْهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. (5)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1185 و1186)
المجة: اللفظة -مج: لَفَظ ما فى فمه -الخزير: طعام يتخذ من لحم يقطع صغارا ثم يطبخ ويجعل فيه دقيق
(2) - سنن النسائي- المكنز - (5729 ) صحيح
يريبك: الريب: الشك والتهمة، أي :دع ما يوقعك في التهمة والشك، وتجاوزه إلى ما لا يوقعك فيهما.
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 533) (1723) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 533) (1724) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 534) (1725) صحيح(1/31)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الثَّقَفِىِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَانَ يُلَبِّى الْمُلَبِّى لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ (1) .
وعَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ قَالَ قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ غَدَاةَ عَرَفَةَ مَا تَقُولُ فِى التَّلْبِيَةِ هَذَا الْيَوْمَ قَالَ سِرْتُ هَذَا الْمَسِيرَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ وَلاَ يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غُلاَمًا فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِى مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ أَنَّ هَا هُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ مِنِّى وَقَدْ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِى نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الصَّلاَةِ وَسَطَهَا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلاَةِ وَسَطَهَا. (3)
نفاسها: نفست المرأة بفتح النون وضمها، إذا ولدت، والنفاس: الولادة، وبفتح النون [لا غير]: إذا حاضت.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ، فَبَالَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ نَامَ. (4)
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَقُمْتُ أُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. (5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (970 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3158 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (2281 )
(4) - صحيح ابن حبان - (4 / 293) (1445) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 572) (2196) صحيح(1/32)
فَصَلَّى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ، فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الْوُضُوئَيْنِ، لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَرْقُبُهُ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَإِذَا بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا. (2)
وعن عَوْنِ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ( وكان من صغار الصحابة )، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلاَلٌ بِوَضُوئِهِ، فَبَيْنَ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلاَلٌ، فَجَعَلَ يَتْبَعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالاً: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لاَ يَمْنَعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ. (3)
وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ وَهُوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوئِهِ فَبَيْنَ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، يَقُولُ: يَمِينًا وَشِمَالا، يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَقَامَ فَصَلَّى
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (6 / 355) (2626) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (6 / 363) (2636) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1147) وصحيح ابن حبان - (6 / 154) (2394)
ركز: غرز الشىء منتصبا فى الأرض -العنزة: عصا أسفلها حديدة(1/33)
الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لا يُمْنَعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ (1)
وعَنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جُحَيْفَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ بِالْهَاجِرَةِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ " (2)
وهذه قصة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ففي كتاب العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية: "فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وسرعة إدراكه،واتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب قدم إلى دمشق وقال سمعت في البلاد بصبي يقال له أحمد بن تيمية وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصدا لعلي أراه، فقال له خياط :هذه طريق كتابه وهو إلى الآن ما جاء فاقعد عندنا الساعة يجيء يعبر علينا ذاهبا إلى الكتاب، فجلس الشيخ الحلبيُّ قليلاً فمرَّ صبيان فقال الخياط للحلبي: هذاك الصبيُّ الذي معه اللوح الكبير هو أحمد بن تيمية، فناداه الشيخ فجاء إليه، فتناول الشيخ اللوح فنظر فيه ثم قال: يا ولدي امسح هذا حتى أملي عليك شيئا تكتبه، ففعل فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثا، وقال له اقرأ هذا فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه، ثم دفعه إليه وقال: اسمعه عليَّ، فقرأه عليه عرضاً كأحسن ما أنت سامع، فقال له: يا ولدي امسح هذا ففعل، فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشيخ وهو يقول :إن عاش هذا الصبيُّ ليكونن له شأنٌ عظيمٌ، فإنَّ هذا لم يرَ مثلَه أو كما قال " (3)
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (888) صحيح
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (891) صحيح
(3) - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية [ صفحة 20 ](1/34)
بل كانوا يعطون مكافآت على حفظ الأطفال للأحاديث النبوية، قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، يَقُولُ: قَالَ لِي أَبِي: "يَا بُنَيَّ، اطْلُبِ الْحَدِيثَ، فَكُلَّمَا سَمِعْتَ حَدِيثًا، وَحَفِظْتَهُ، فَلَكَ دِرْهَمٌ فَطَلَبْتُ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا " (1)
وكانوا يخدمون أصحاب الحديث ليتعلموا منهم، قال زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خُزَاعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: كَانَ أَبِي صَيْرَفِيًّا بِالْكُوفَةِ، فَرَكِبَهُ الدَّيْنُ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، إِذَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ أَمْسِكْ عَلَيَّ هَذَا الْحِمَارَ حَتَّى أَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَأَرْكَعَ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ أَوْ تُحَدِّثُنِي، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِالْحَدِيثِ ؟، وَاسْتَصْغَرَنِي، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَقَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيثٍ، فَأَمْسَكْتُ حِمَارَهُ، وَجَعَلْتُ أَتَحْفَظُ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَلَمَّا صَلَّى وَخَرَجَ، قَالَ: مَا نَفَعَكَ مَا حَدَّثْتُكَ، حَبَسْتَنِي فَقُلْتُ: حَدَّثْتَنِي بِكَذَا، وَحَدَّثْتَنِي بِكَذَا، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، تَعَالَ غَدًا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.." (2)
وقال أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ، وَنَحْنُ حَوْلَهُ نَكْتُبُ الْحَدِيثَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ حَوْلَكَ ؟ قَالَ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ دِينَكَ " (3)
ومَرَّ رَجُلٌ بِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَوْلَهُ صِبْيَانُ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَلَمَةَ مَا هَذَا ؟ قَالَ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ أَمْرَ دِينِكَ " (4)
وقال سَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ الْأَصْبَحِيُّ: كُنْتُ أَسْبِقُ إِلَى حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِلَيْلٍ مَعَ أَقْرَانِي، لَا يَسْبِقُنِي أَحَدٌ، وَيَجِيءُ هُوَ مَعَ الْأَشْيَاخِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ غَلَبَنَا عَلَيْكَ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ
__________
(1) - شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (133 )
(2) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ(72 )
(3) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (64 )
(4) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (65 )(1/35)
فَقَالَ: "هَؤُلَاءِ أَرْجَى عِنْدِي مِنْكُمْ، أَنْتُمْ كَمْ تَعِيشُونَ ؟ وَهَؤُلَاءِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِمْ "قَالَ: قَالَ سَعِيدٌ: فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ غَيْرِي " (1)
وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَصْغَرَ مِنْهُ "يَعْنِينِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً " (2)
وقال ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: "مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَصْغَرَ مِنْكَ "قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: "وَكُنْتُ أَحْفَظُ الْحَدِيثَ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ "قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وُلِدَ ابْنُ عُيَيْنَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ عَلَى مَا حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَذَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى الطَّبَّاعَ وَمَاتَ الزُّهْرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ عَلَى مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ شَبَابٍ، وَابْنِ الْبُرِّيِّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَوْهَرِيِّ، أَنَّهُ كَتَبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَصَارَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ كَتْبِهِ عَنْهُ إِلَى يَوْمِ تُوُفِّيَ الزُّهْرِيُّ سُنَّتَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا، وَاسْتَصْغَرَهُ الزُّهْرِيُّ لِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَهِيَ حَدُّ الْبُلُوغِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَحَكَى لِي حَاكٍ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ سُئِلَ عَنِ الْغُلَامِ: يَكْتُبُ الْحَدِيثَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْحَدَّ الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ فِيهِ الْأَحْكَامُ ؟ فَقَالَ: إِذَا ضَبَطَ الْإِمْلَاءِ جَازَ سَمَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْعَشْرِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ "وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَلَا أَعْرِفُ صِحَّتَهَا، إِلَّا أَنَّهَا صَحِيحَةُ الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاضَةِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْوجُوبِ، وَكَذَلِكَ كَتْبُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِلِقَاءِ وَتَحْصِيلِ السَّمَاعِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ فِي كَتْبِ الْحَدِيثِ الْبُلُوغَ وَلَا غَيْرَهُ، بَلْ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَرَكَةُ وَالنَّضَاجَةُ وَالتَّيَقُّظُ وَالضَّبْطُ، وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: "مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَصْغَرَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ "عَلَى أَنَّ طُلَّابَ الْحَدِيثِ عَصْرَ التَّابِعِينَ كَانُوا فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ، وَكَذَلِكَ يُذْكَرُ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأَخْبَرَنِي عِدَّةٌ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّهُ قِيلَ لِمُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ: كَيْفَ لَمْ تُكْتَبْ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ ؟ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يُخْرِجُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي طَلَبِ
__________
(1) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (66 )
(2) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (43 )(1/36)
الْعِلْمِ صِغَارًا حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا عِشْرِينَ سَنَةً وَحَدَّثَنِي مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا وَوُلِدَ الْحَضْرَمِيُّ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَمَاتَ أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ" (1)
وقال مُوسَى بْنُ هَارُونَ: "أَهْلُ الْبَصْرَةِ يَكْتُبُونَ لِعَشْرِ سِنِينَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لِعِشْرِينَ، وَأَهْلُ الشَّامِ لِثَلَاثِينَ " (2)
وقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ الْمَعْنِيَّ قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: "أَيْ بُنَيَّ كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ فَأَصْبَحْنَا كِبَارَهُمْ، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ صَغَائِرُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ، فَمَا خَيْرٌ فِي كَبِيرٍ، وَلَا عِلْمَ لَهُ، فَعَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ " (3)
وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ: "أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ غِلْمَانَ الْمَكَاتِبِ وَيُحَدِّثُهُمْ لِكَيْلَا يَنْسَى حَدِيثَهُ (4) ".
وعن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ يُدْنِينِي فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: نَرَاكَ تُقَدِّمُ هَذَا الْغُلَامَ الشَّامِيَّ، وَتُؤْثِرُهُ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "إِنِّي أُؤَمِّلُهُ فَسَأَلُوهُ يَوْمًا عَنْ حَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ شَهْرٍ: "إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعًا فَقَدْ كَمُلَ "فَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ وَنَسِيَ الرَّابِعَةَ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ حَدَّثْتُكُمْ ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَتْنَا عَنْ شَهْرٍ أَنَّهُ "إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعًا فَقَدْ كَمُلَ، إِذَا كَانَ أَوَّلُهُ حَلَالًا، وَسُمِّيَ عَلَيْهِ اللَّهُ حِينَ يُوضَعُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي، وَحَمِدَ اللَّهَ حِينَ يَرْفَعُ "فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنِي " (5)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الزُّهْرِيِّ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلِي ذُؤَابَتَانِ، فَأَمْلَى يَوْمًا حَدِيثًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ، فَلَمَّا فَرَغْنَا جَلَسْنَا نُقَابِلُ، فَاخْتَلَفَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ عَنْ
__________
(1) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (44 )
(2) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ(45 )
(3) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (67 )
(4) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ(68 )
(5) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (69 )(1/37)
سَعِيدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ يَسْمَعُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا صَبِيُّ ؟ فَقُلْتُ: "عَنْ كِلَاهُمَا فَضَمَمْتُ الْكَافَ، فَجَعَلَ يَعْجَبُ مِنْ ضَبْطِي وَيَضْحَكُ مِنْ لَحْنِي " (1)
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: كَمْ سَمِعْتَ مِنَ الزُّهْرِيِّ ؟ قَالَ: أَمَّا مَعَ النَّاسِ فَمَا لَا أُحْصِي، وَأَمَّا وَحْدِي فَحَدِيثٌ وَاحِدٌ قُلْتُ: مَا هُوَ ؟ قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا بَابَ بَنِي شَيْبَةَ، فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ إِلَى عَمُودٍ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا أَجِدُهُ أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ، فَقَالَ: سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ قُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثَ الْمَخْزُومِيَّةَ، الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهَا، قَالَ: فَضَرَبَ وَجْهِي بِالْحَصَا، ثُمَّ قَالَ: قُمْ، لَا أَقَامَكَ اللَّهُ، فَمَا يَزَالُ عَبْدٌ يَقْدِمُ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ قَالَ: فَقُمْتُ مُنْكَسِرًا نَادِمًا، فَجَلَسْتُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ، لِابْنِ شِهَابٍ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَسَبَّحَ بِهِ فَلَمْ يَسْمَعْ، فَرَمَاهُ بِالْحَصَا، فَلَمْ يَبْلُغْهُ، فَاضْطَرَّ إِلَيَّ، فَقَالَ: قُمْ فَادْعُهُ لِي، فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَأَتَاهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعُدْتُ إِلَى مَجْلِسِي، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَدَعَانِي، فَجِئْتُهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ "هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الَّذِي أَرَدْتَ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا أَنَا يَعْنِي بِرَجُلٍ يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قُلْتُ: مَنِ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ؟ قَالُوا: أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ قُلْتُ: مَنِ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ خَيْرَ مُحَمَّدِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَصُرَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، يُنْقَرُ كَمَا يُنْقَرُ الْغُرَابُ، فَقَالَ: "لَوْ مَاتَ هَذَا لَمَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ مُحَمَّدٍ "قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، بَعْدَ الزُّهْرِيِّ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ
__________
(1) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (70)
(2) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (71 )(1/38)
الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا بَكْرُ الْخَيَّاطُ، ثَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ وَيُمْكِنُ أَنْ رَآهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَآهُ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ " (1)
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: "حَفِظْتُ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنَ الْحَكَمِ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ "فَقَدْ دَلَّتْ حِكَايَةُ الزِّيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ حَفِظَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرٍ أَوْ فِي حُدُودِهِ لِأَنَّ الْحَكَمَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ شَبَابٍ وَعَدَّ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ فِي طَبَقَتِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ لِي وَفَاتَهُ " (2)
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَدِيثٌ حَدَّثَ بِهِ الْوَلِيدِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَالَتْ: "كَانَ تَنُّورُنَا إِلَى جَنْبِ تَنُّورِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَحَفِظْتُ مِنْهُ قَافَ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا وَقَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ بِنْتُ حَارِثَةَ بْنُ النُّعْمَانِ " (3)
وقَالَ الْفَرَوِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: دَخَلْتُ أَنَا وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمَشْيَخَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ، فَسَأَلْنَا لِشَابٍّ مِنْهُمْ، عَنْ حَدِيثٍ قَالَ: "تَرَكْتُمُ الْعِلْمَ حَتَّى إِذَا صِرْتُمْ كَالشَّنِّ قَدْ وَهَى طَلَبْتُمُوهُ لَا جِئْتُمْ وَاللَّهِ بِخَيْرٍ أَبَدًا " (4)
وقَالَ مُطَرِّفٌ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِأُمِّي: أَذْهَبُ فَأَكْتُبُ الْعِلْمَ فَقَالَتْ لِي أُمِّي: تَعَالَ فَالْبَسْ ثِيَابَ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ اذْهَبْ فَاكْتُبْ قَالَ: فَأَخَذَتْنِي فَأَلْبَسَتْنِي ثِيَابًا مُشَمَّرَةً، وَوَضَعَتِ الطَّوِيلَةَ عَلَى رَأْسِي وَعَمَّمَتْنِي فَوْقَهَا، ثُمَّ قَالَتِ: اذْهَبِ الْآنَ فَاكْتُبْ " (5)
بل هاجر أطفال السلف لسماع الحديث النبوي الشريف :
__________
(1) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ ( 73 )
(2) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ(74 )
(3) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (76 ) -التنور: المَوْقِدُ
(4) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (77 )
(5) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ ( 78 )(1/39)
الإمام العلامة شيخ المحدثين مسند العراق أبو الحسن علي بن عاصم بن صهيب القرشي التيمي مولى قريبة أخت القاسم بن محمد بن أبي بكر، الواسطي. ولد سنة سبع ومائة، فهو من أسنان سفيان بن عيينة. روى عن سهيل بن أبي صالح، وعطاء بن السائب وحصين بن عبدالرحمن وحميد الطويل وخالد الحذاء وخلق سواهم. حدث عنه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويزيد بن زريع مع تقدمه وعبد بن حميد ومحمد بن يحيى الذهلي وخلق كثير. قال يعقوب بن شيبة: كان من أهل الدين والصلاح والخير البارع وكان شديد التوقي ومنهم من أنكر عليه كثرة الغلط والخطأ. قال ابن أعين: سمعت علي بن عاصم يقول: دفع إلي أبي مائة ألف درهم، قال: اذهب فلا أرى لك وجها إلا بمائة ألف حديث. قال البيكندي: كان يجتمع عند علي ابن عاصم أكثر من ثلاثين ألفا. مات سنة إحدى ومائتين. قال يعقوب بن شيبة: سمعت عاصم بن علي يقول: أخبرني أبي أنه صام ثمانين شهر رمضان لم يفطر فيها يوما. قال: ومات وهو ابن أربع وتسعين سنة. (1)
قَالَ الْخَضِرُ بْنُ أَبَانَ الْهَاشِمِيُّ، بِالْكُوفَةِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: خَرَجْتُ مِنْ وَاسِطٍ إِلَى الْكُوفَةِ أَنَا وَهُشَيْمٌ لِنَلْقَى مَنْصُورًا، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ وَاسِطٍ، سِرْتُ فَرَاسِخَ لَقِيَنِي إِمَّا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَإِمَّا غَيْرُهُ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ أَسْعَى فِي دَيْنٍ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ ارْجِعْ مَعِي، فَإِنَّ عِنْدِي أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أُعْطِيكَ مِنْهَا أَلْفَيْنِ فَرَجَعْتُ فَأَعْطَيْتُهُ أَلْفَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَدَخَلَ هُشَيْمٌ الْكُوفَةَ بِالْغَدَاةِ، وَدَخَلْتُهَا بِالْعَشِيِّ، فَذَهَبَ هُشَيْمٌ، فَسَمِعَ مِنَ مَنْصُورٍ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا، وَدَخَلْتُ أَنَا الْحَمَّامَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ مَضَيْتُ فَأَتَيْتُ بَابَ مَنْصُورٍ، فَإِذَا جَنَازَةٌ فَقُلْتُ: مَا هَذه ؟ قَالُوا: جَنَازَةَ مَنْصُورٍ، فَقَعَدْتُ أَبْكِي، فَقَالَ لِي شَيْخٌ هُنَاكَ: يَا فَتَى مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ قَدِمْتُ عَلَى أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ، وَقَدْ مَاتَ، قَالَ: فَأَدُلُّكَ عَلَى مَنْ شَهِدَ عُرْسَ أُمِّ ذَا، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اكْتُبْ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَكْتُبُ عَنْهُ شَهْرًا، فَقُلْتُ لَهُ مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ أَنْتَ تُكْتَبُ عَنِّي مُنْذُ شَهْرٍ
__________
(1) - موسوعة مواقف السلف - (3 / 198) وطبقات ابن سعد (7/313) والتاريخ الكبير (6/290) وتاريخ بغداد (11/446-458) وتهذيب الكمال (20/504-520) وتهذيب التهذيب (7/344) وتذكرة الحفاظ (1/316-317) والسير (9/249-262) وشذرات الذهب (2/2).(1/40)
لَمْ تَعْرِفْنِي.أَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، فَكَانَ عِكْرِمَةُ يَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ يَجِيءُ فَيُحَدِّثُنِي" (1)
فانظر يا رعاك الله إلى تضحية هذا الفتى، الذي بذل نصف ماله، وأضاع وقته، وهجر الأوطان، فتأخر عن لقاء الشيخ منصور، فهيأ الله تعالى له شيخاً هو شيخ المشايخ، وأستاذهم آنذاك: حصين بن عبد الرحمن، وما ذاك إلا دليل على شدة الإخلاص في طلب العلم، وصدق المحبة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك كتابة الأحاديث النبوية، والتأكد من صحة الكتابة،عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: كَتَبْت ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: عَارَضْت ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: لَمْ تَكْتُبْ. (2)
وهذا المنهج العلميُّ في عرض الكتابة على الأصل، والتأكد من صحة الكتابة،وسلامتها، يؤكد الحرص الكبير على جلالة قدر تراثنا العظيم، ويقظة الآباء والعلماء إلى المنهج العلمي القويم، وتعويد الصغير عليه ليشبَّ معه بكل ثقة واعتزازٍ .
وكذلك حفظ البنات للأحاديث النبوية، قال أبو عمر بن عبد البر: كان لمالك رحمه الله أربعة بنين: يحيى ومحمد وحماد وأم البهاء فأما يحيى وأم البهاء فلم يوص بهما إلى أحد وأوصى بالآخرين إلى إبراهيم بن حبيب رجل من أهل المدينة.
قال الزبيري: كانت لمالك ابنة تحفظ علمه يعني الموطأ وكانت تقف خلف الباب فإذا غلط القارئ نقرت الباب فيفطن مالك فيرد عليه.
وكان ابنه محمد يجيء وهو يحدث وعلى يده باشق ونعل كيساني وقد أرخى سراويله عليه فيلتفت مالك إلى أصحابه ويقول: إنما الأدب أدب الله هذا ابني وهذه ابنتي؟.
قال القروي: كنا نجلس عنده وابنه يحيى يدخل ويخرج ولا يقعد فيقبل علينا ويقول: إن ما يهون علي أن هذا الشأن لا يورث وأن أحداً لم يخلف أباه ومجلسه إلا عبد الرحمن بن
__________
(1) - الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (73 )
(2) -مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 568) (27192) صحيح(1/41)
القاسم. وكان لمحمد هذا ابن اسمه أحمد سمع من جده مالك ذكره أبو عبد الله بن مفرج القرطبي في رواة مالك" (1) .
والأطفال يهتمون بروايات الحديث وفقهه، فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : قَالَتْ لِي عَائِشَةُ - رضي الله عنهم - ا : يَا بُنَيَّ : "إِنَّهُ يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَكْتُبُ عَنِّي الْحَدِيثَ ثُمَّ تَعُودُ فَتَكْتُبُهُ "فَقُلْتُ لَهَا : أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَالَتْ : هَلْ تَسْمَعُ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا ؟ قُلْتُ : لَا، قَالَتْ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ " (2)
هـ -دراسة الأطفال للسيرة النبوية، ومدى تأثيرها فيهم :
حرص الصحابة والسلف الصالح - رضوان الله عليهم - على دراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتلقينها لأطفالهم، حتى إنهم ليقرئونها مع تعليم القرآن الكريم، لأنها الترجمان لمعاني القرآن، مع ما فيها من إثارة العاطفة، ومشاهدة الواقع الإسلامي، وتأثير عجيب في النفس، ولما تحمل في طياتها من معاني الحب، والجهاد في سبيل إنقاذ البشرية من الضلال إلى الهدى، ومن الباطل إلى الحق، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام .
ويجد العلماء فيها ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى؛ لأنها هي المفسرة للقرآن الكريم في الجانب العملي، ففيها أسباب النزول، وتفسير لكثير من الآيات فتعينهم على فهمها، والاستنباط منها، ومعايشة أحداثها، فيستخرجون أحكامها الشرعية، وأصول السياسة الشرعية، ويحصلون منها على المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة، وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وغيرها من العلوم، وبذلك يتذوقون روح الإسلام ومقاصده السامية، ويجد فيها الزهاد معاني الزهد وحقيقته ومقصده، ويستقي منها التجار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها، ويتعلم منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات، فتقوى عزائمهم على السير في طريق دعوة الإسلام وتعظم ثقتهم بالله عز وجل، ويوقنوا أن العاقبة للمتقين. (3)
__________
(1) - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (1 / 7) وترتيب المدارك وتقريب المسالك - (1 / 28)
(2) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي - (613 ) حسن
(3) - انظر: مدخل لدراسة السيرة، د. يحيى اليحيى، ص14.(1/42)
وتتعلم منها الأمة الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الأخلاق، وطهارة القلب، وحب الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة في سبيله؛عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ : "كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَرَايَاهُ كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ " (1) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: "فِي عِلْمِ الْمَغَازِي عِلْمُ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا " (2) .
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: "كَانَ أَبِي يُعَلِّمُنَا مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَعُدُّهَا عَلَيْنَا، وَسَرَايَاهُ وَيَقُولُ: يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا ". (3)
إن دراسة الهدي النبوي في تربية الأمة وإقامة الدولة، يساعد العلماء والقادة والفقهاء والحكام على معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين، من خلال معرفة عوامل النهوض، وأسباب السقوط، ويتعرفون على فقه النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربية الأفراد وبناء الجماعة المسلمة، وإحياء المجتمع، وإقامة الدولة، فيرى المسلم حركةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة، والمراحل التي مر بها وقدرته على مواجهة أساليب المشركين في محاربة الدعوة، وتخطيطه الدقيق في الهجرة إلى الحبشة، ومحاولته إقناع أهل الطائف بالدعوة، وعرضه لها على القبائل في المواسم، وتدرُّجه في دعوة الأنصار ثم هجرته المباركة إلى المدينة.... (4)
وقال السمعاني: يجب على الآباء تعليم أولادهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بمكة إلى كافة الثقلين ودفن في المدينة وأنه واجب الطاعة والمحبة. (5)
و- حرص الأمهات على آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليكون بركة على أطفالهم :
__________
(1) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1602 ) من طريق الواقدي
(2) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (1600 ) والبداية والنهاية: لابن كثير(3/256، 257) ط/ دار المعرفة، (3/242) ط2/1978م مكتبة المعارف - لبنان، مكتبة النصر- الرياض.
(3) - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (1601) و انظر: البداية والنهاية (2/242). وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - (4 / 10)
(4) - السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (1 / 3)
(5) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (2 / 52)(1/43)
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأُتِيَتْ، فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمٌ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ، قَالَ: فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا قَالَ: فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ. (1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِي بَيْتِهَا، قَالَ: فَأُتِيَتْ يَوْمًا، فَقِيلَ لَهَا: هَذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِكِ، قَالَتْ: فَجِئْتُ وَذَاكَ فِي الصَّيْفِ، فَعَرِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى اسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدَمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَجَعَلْتُ أُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ، وَأَعْصِرُهُ فِي قَارُورَةٍ، فَفَزِعَ وَأَنَا أَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ: أَصَبْتِ. (2)
قال الإنسان يقيل: إذا سكن وأقام عند القائلة، وهي شدة الحر وسط النهار.
السك: شيء يتطيب به.
الحنوط: ما تطيب به أكفان الميت خاصة.
عتيد المرأة: الإناء الذي تترك فيه ما يعز عليها من متاعها.
سلت الدم عن الجرح والعرق عن الجسم: مسحه بيده وجمعه.
بهذه الروح الطيبة، وبهذا الحب السامي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا التعلق الشديد به، وهذا الحرص الصادق تتسارع الأم العاقلة، لتفيد صغيرها من بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا تقرير أيضاً منه بقوله - صلى الله عليه وسلم - "أصبتِ"فيقرها على عملها .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْحِ أَوِ الْفَجْرِ، قَالَ: ثُمَّ انْحَرَفَ جَالِسًا، وَاسْتَقْبَلَ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 569)(13310) 13343- وصحيح مسلم- المكنز - (6202 )
العتيدة: الصندوق الصغير تجعل المرأة فيه المتاع النفيس
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 582)(13366) 13399- صحيح(1/44)
النَّاسَ بِوَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ: فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ ؟ قَالاَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي الرِّحَالِ.قَالَ: فَلاَ تَفْعَلاَ، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ مَعَ الإِِمَامِ، فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ.قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، قَالَ: وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَهَضْتُ مَعَهُمْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ.قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا إِمَّا عَلَى وَجْهِي، أَوْ صَدْرِي، قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَطْيَبَ وَلاَ أَبْرَدَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ. (1)
الأساس العقدي الرابع: تعليم الطفل القرآن الكريم:
ينبغي لأبوي الصغير والصغيرة أن يبدأ بتعليمهما القرآن، منذ الصغر، وذلك ليتوجها إلى اعتقاد أن الله تعالى هو ربهم، وأن هذا كلامه تعالى، وتسري روح القرآن في قلوبهم، ونوره في أفكارهم، ومداركهم، وحواسهم، وليتلقيا عقائد القرآن منذ الصغر، وأن ينشأا ويشبَّا على محبة القرآن والتعلق به، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والتخلق بأخلاقه، والسير على منهاجه .
قال الإمام السيوطي رحمه الله: "تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل أن تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال " (2)
وأكد ابن خلدون في مقدمته هذا المفهوم بقوله: تعليم الوالدين للقرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 6)(17476) 17615- صحيح
(2) - نقلاً عن تلاوة القرآن المجيد للشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله ،موسوعة خطب المنبر - (1 / 4822) -أبي لا تسافر(1/45)
الإيمان وعقائده؛ بسبب آيات القرآن؛ ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم؛ الذي ينبني عليه ما يُحَصَّلُ بعدُ من المَلَكَات. (1)
وكذلك قال ابن سينا (2) :"فإذا تهيأ الصبي للتلقين، ووعي سمعه، أخذ في تعليم القرآن، وصورت له حروف الهجاء، ولقن معالم الدين "
1- ما ورد في تعليم الأطفال القرآن :
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أدبوا أولادكم على خصال ثلاث: على حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه". (3)
وعَنْ أَبِي فَاطِمَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنهم - ، عَادَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ: ذُنُوبِي، قَالَ: فَمَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلَا نَدْعُو لَكَ الطَّبِيبَ ؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَلَا آمُرُ لَكَ بِعَطَائِكَ ؟ قَالَ: ما مَنَعْتَنِيهِ قَبْلَ الْيَوْمِ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَالَ: تَدَعْهُ لَأَهْلِكَ وَعِيَالِكَ، قَالَ: إِنِّي قَدْ عَلَّمْتُهُمْ شَيْئًا إِذَا قَالُوهُ لَمْ يَفْتَقِرُوا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ الْوَاقِعَةَ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ يَفْتَقِرْ "" (4)
وكان من حرص الصحابة رضوان الله عليهم في توجيه أبنائهم دقة الملاحظة في مراقبة أفعال أطفالهم مع القرآن، وحكاية ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، للتعرف على ما ينفع أطفالهم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَلاَ أَجِدُ قَلْبِي يَعْقِلُ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ قَلْبَكَ حُشِيَ الإِِيمَانَ، وَإِنَّ الإِِيمَانَ يُعْطَى الْعَبْدَ قَبْلَ الْقُرْآنِ (5) .
__________
(1) - مقدمته ص 397
(2) - في كتاب ( السياسة ) باب سياسة الرجل ولده .
(3) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (8 / 68)[7753] ضعيف
(4) - شعب الإيمان - (4 / 118)(2267 ) وأسد الغابة - (2 / 174) وتفسير ابن كثير - دار طيبة - (7 / 512) ضعيف
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 617)(6604) حسن(1/46)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنٍ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَقْرَأُ الْمُصْحَفَ بِالنَّهَارِ، وَيَبِيتُ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا تَنْقِمُ أَنَّ ابْنَكَ يَظَلُّ ذَاكِرًا، وَيَبِيتُ سَالِمًا. (1)
وانطلق الصحابة رضوان الله عليهم يعلِّمون ابناءهم القرآن، استجابة لتوجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ وَأَخَذَ بِيَدِي وَأَجْلَسَنِي فِي مَكَانِي هَذَا. (2)
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ، قَالَ: وَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا أُقْرِئُ. (3)
ونرى نصح الصحابة للناس بهذا القرآن، وتنشئة أطفالهم على حبه وتلاوته، فعَنِ ابن عباس - رضي الله عنهم - .قَالَ لِرَجُلٍ: أَلَا أُطْرِفُكَ بِحَدِيثٍ تَفْرَحُ بِهِ ؟ قَالَ: بَلَى يَا أَبَا عَبَّاسٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ - رضي الله عنهم - : اقْرَأْ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، فَاحْفَظْهَا، وَعَلِّمْهَا أَهْلَكَ، وَجَمِيعَ وَلَدِكَ وَصِبْيَانَ بَيْتِكَ، وَجِيرَانَكَ، فَإِنَّهَا الْمُنْجِيَةُ، وَهِيَ الْمُجَادِلَةُ.تُجَادِلُ وَتُخَاصِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِقَارِئِهَا، وَتَطْلُبُ إِلَى رَبِّهَا أَنْ يُنَجِّيَهُ مِنَ النَّارِ إِذَا كَانَتْ فِي جَوْفِهِ، وينجي الله تعالى بِهَا صَاحِبَهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ .
قَالَ ابن عباس - رضي الله عنهم - : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "وَدِدْتُ أَنَّهَا فِي قَلْبِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ أمتي " (4)
ومن شدة حرص الصحابة على ارتباط أطفالهم بالقرآن، وحصول بركة القرآن لأولادهم: تحين أوقات نزول هذه البركات القرآنية، ليحضرها أطفالهم، عَنْ ثَابِتٍ، أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ، كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، فَدَعَا لَهُمْ . (5)
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 619)(6614) حسن
(2) - الفوائد لتمام 414 - (1 / 116) (213) صحيح
(3) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (1 / 145)(213) صحيح
(4) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (15 / 371)(3763 ) ضعيف، وأصل الحديث صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (1 / 291)(673) وفضائل القرآن للفريابي - (74 ) صحيح(1/47)
وفي غذاء الألباب: "وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ الْخَتْمِ نَدْبًا رَجَاءَ عَوْدِ الْبَرَكَةِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ - رضي الله عنهم - ". (1)
وهذا ابن عباس - رضي الله عنهم - يفاخر أنه قرأ المحكم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو طفل صغير، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ. (2)
وفي الفتح :"باب تَعلِيم الصِّبيان القُرآن"كَأَنَّهُ أَشارَ إِلَى الرَّدّ عَلَى مَن كَرِهَ ذَلِكَ، وقَد جاءَت كَراهِيَة ذَلِكَ عَن سَعِيد بن جُبَير وإِبراهِيم النَّخَعِيِّ وأَسنَدَهُ ابن أَبِي داوُدَ عَنهُما، ولَفظ إِبراهِيم "كانُوا يَكرَهُونَ أَن يُعَلِّمُوا الغُلام القُرآن حَتَّى يَعقِل "وكَلام سَعِيد بن جُبَير يَدُلّ عَلَى أَنَّ كَراهَة ذَلِكَ مِن جِهَة حُصُول المَلال لَهُ، ولَفظه عِند ابن أَبِي داوُدَ أَيضًا "كانُوا يُحِبُّونَ أَن يَكُون يَقرَأ الصَّبِيّ بَعد حِين".
وأَخرَجَ بِإِسنادٍ صَحِيح عَن الأَشعَث بن قَيس أَنَّهُ قَدَّمَ غُلامًا صَغِيرًا، فَعابُوا عَلَيهِ فَقالَ: ما قَدَّمته، ولَكِن قَدَّمَهُ القُرآن.وحُجَّة مَن أَجازَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَدعَى إِلَى ثُبُوته ورُسُوخه عِنده، كَما يُقال التَّعَلُّم فِي الصِّغَر كالنَّقشِ فِي الحَجر.وكَلام سَعِيد بن جُبَير يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يُستَحَبّ أَن يُترَك الصَّبِيّ أَوَّلاً مُرَفَّهًا ثُمَّ يُؤخَذ بِالجَدِّ عَلَى التَّدرِيج، والحَقّ أَنَّ ذَلِكَ يَختَلِف بِالأَشخاصِ واللَّهُ أَعلَم. (3)
وأما السلف الصالح رضوان الله عليهم، فقد ساروا المسار نفسه، ومشوا الطريق نفسه، فقد جاء في مقدمة كتاب المعلمين لابن سحنون: أن القاضي الورع عيسى بن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته .. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا انتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقلية - أسد بن الفرات - بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة "
2- أجر الوالدين في تعليم القرآن :
__________
(1) - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (2 / 153)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 667)(2283) وصحيح البخارى- المكنز - (5035)
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (9 / 83)(1/48)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولانِ: بِمَا كُسِينَا ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ" (1)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْته يَقُولُ: إنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك، فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُك الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُك فِي الْهَوَاجِر، وَأَسْهَرْت لَيْلَك، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّك الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، قَالَ: فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ، لاَ يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا ؟ قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلاً. (2)
وعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ.قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلاَّنِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ.فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ.ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلاً. (3)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (2086) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 474)(30668) حسن
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 618)(22950) 23338- حسن(1/49)
وعَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن ِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ بنيَ لَهُ غَرْسٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَحْكَمَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَلْبَسَ اللَّهُ وَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْقَمَرِ" (1)
3- فهم الطفل للقرآن :
لا بد للمربي -أو الوالدين- أن يهتما أثناء تلاوة القرآن، بشرح موجز بسيط للقرآن،حتى تفتح معاني القرآن قلب وعقل الصغير، ولا يظنُّ أحد أن الطفل صغير، فهذا الطفل الذي يعدُّه كثير من الناس لا يستحق الشرح لصغره، ولا يستحق الاهتمام بعقله لطفولته، هذا الطفل العجيب يستطيع أن يخزن من المعلومات ما يخزنه حاسب آلي عصري، وإليك الدليل :
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - ، يَقُولُ: "سَلُونِي عَنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، فَإِنَّى قَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا صَغِيرٌ " (2)
وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الْجَزَرِيُّ: "سَأَلَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ، فَإِنِّي إِذَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ تَمَنَّيْتُ أَنْ لَا أَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، قَالَ: "نَعَمْ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ، وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوا.قَالَ: فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ رَجُلًا يُدْعَى إِلَى عِلْمٍ فَيَتَلَكَّأُ، لَوْ رَحَلْتُ فِي هَذِهِ إِلَى الْيَمَنِ كَانَ قَلِيلًا " (3)
وعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، قَالَ: قَالَ الَّذِي يُعَلِّمُ وَلَدَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لِمُعَاوِيَةَ: قَدْ تَعَلَّمَ مِنْ وَلَدِ يَزِيدَ كَذَا وَكَذَا الْقُرْآنَ.فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: "إِنَّ أَغَرَّ الضَّلَالَةِ الرَّجُلُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَفْقَهُ فِيهِ، فَيُعَلِّمُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ، فَيُجَادِلُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ " (4)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (15 / 127)(16843 ) حسن لغيره
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (3135 ) صحيح
(3) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (18270 ) صحيح
(4) - فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (303 ) فيه جهالة - الفقه: الفهم والفطنة والعلم(1/50)
وعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنهم - فَقَالَ: "إِنَّ أَغْرَى الضَّلَالَةِ لَرَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يَفْقَهُ فِيهِ فَيُعَلِّمُهُ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالْأَمَةَ فَيُجَادِلُونَ بِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ (1) "
وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتُ قَوْلَهُ: ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) أَيُّنَا لَا يَسْهُو ؟ أَيُّنَا لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، إِنَّمَا هُوَ إِضَاعَةُ الْوَقْتِ، يَلْهُو حَتَّى يَضِيعَ الْوَقْتُ . (2)
وعَنْ مُصْعَبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي سَعْدًا فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ أَسَهْوُ أَحَدِنَا فِي صَلَاتِهِ حَدِيثُ نَفْسِهِ ؟ قَالَ سَعْدٌ: "أَوَلَيْسَ كُلُّنَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ وَلَكِنَّ السَّاهِي عَنْ صَلَاتِهِ الَّذِي يُصَلِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا، فَذَلِكَ السَّاهِي عَنْهَا "، قَالَ مُصْعَبٌ مُرَّةً أُخْرَى: "تَرْكُهُ الصَّلَاةَ فِي مَوَاقِيتِهَا " (3)
وإليك نموذجا عن دقة فهم الأطفال للقرآن، وحرصهم على فهمه، روي أن المأمون كان يقرأ القرآن وهو صغير على أستاذه الكسائي، وكان من عادة الكسائي أن يطرق إذا قرأ المأمون، فإذا أخطأ رفع رأسه ناظراً إليه، فيرجع إلى الصواب، فقرأ يوما المأمون سورة الصف، ولما وصل إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2) سورة الصف، فرفع الكسائي رأسه، فنظر المأمون إليه وكرر الآية، وهو يفتش عن خطئه، فوجدها صحيحة، فمضى في قراءته، ولما انصرف الكسائي، دخل المأمون على أبيه قائلاً: هل وعدت الكسائي بشيء؟ قال: كيف علمت بذلك يا بني ؟ فأخبره بالأمر، فسرَّ الرشيد لفطنة ابنه، وشدة ذكائه . (4)
4- كيف يؤثر القرآن في نفس الطفل :
__________
(1) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (1432) فيه جهالة
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (704) صحيح
(3) - مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ (678 ) صحيح
(4) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 8) ومنهج التربية النبوية للطفل ص236 -237، ولم أجد هذه القصة، فالله أعلم بها .(1/51)
للقرآن تأثر كبير على النفس البشرية عامة، يهزها ويجذبها، ويضرب أوتارها، وكلما اشتدت النفس صفاء، كلما ازدات تأثراً، والطفل أقوى الناس وأكثر الناس صفاء، وفطرته ما زالت نقية، والشيطان ما زال في كبوته تجاهها، وإذا تأملنا الآيات المكية وجدنانا قصرة، تتناسب مع نفََسٍه القصير، بالإضافة إلى قصار السور، التي تقدم للطفل موضوعاً متكاملاً بكلمات قليلة، سهلة الحفظ، قوية التأثير، والكاتب الأديب مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، فصَّل هذا البيان بشكل أوسع فقال (1) :"إن لهذه السور القصار لأمراً، وإن لها في القرآن لحكمة،هي من أعجب ما ينتهي إليه التأمل، حتى لا يقع من النفس إلا موقع الأدلة الإلهية المعجزة، فهي لم تنزل متتابعة، في نسق واحد، على هذا الترتيب، الذي تراه في المصحف،إذ لم يكن أول ما نزل من القرآن ولا آخره - {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) سورة الناس، ثم هي بجملتها، وعلى إحصائها لا تبلغ من القرآن أكثر من جزء واحد، والقرآن كله ثلاثون جزءاً، وهو يتسع من بعدها قليلاً وكثيراً، حتى ينتهي إلى الطول، فقد علم الله أن كتابه سيثبت الدهر، على هذا الترتيب المتداول للحفظ، بأسباب أظهرها في المنفعة وأولها في المنزلة هذه السور القصار التي تخرج من الكلمات المعدودة إلى الآيات القليلة، والتي هي مع ذلك أكثر ما تجيء آياتها على فاصلة قليلة، مع قصر ما بين الفاصلة والفاصلة، فكل آية في وصفها، كأنها سورة من كلمات قليلة :
- لا يضيق بها نَفَسُ الطفل الصغير .
- وهي تتماثل في ذاكرته بهذه الفواصل، التي تأتي على حرف واحد، أو حرفين أو حروف قليلة متقاربة. ... ...
- فلا يستظهر الطفل بعض هذه السور، حى يلتئم نظم القرآن على لسانه، ويثبت أثره في نفسه، فلا يكون بعد إلا أن يمرَّ فيه مرًّا.
__________
(1) -تاريخ آداب العرب 2/206(1/52)
- وهو كلما تقدم وجده أسهل عليه، ووجد له خصائص تعينه على الحفظ، وعلى إثبات ما يحفظ، فهذا المعنى من قوله تعالى :{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء.
وهي لعمر الله رحمة وأي رحمة، وإذا أردت أن تبلغ عجباً من هذا المعنى، فتأمل سورة في القرآن، وأول ما يحفظه الأطفال وهي سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) سورة الناس، وانظر كيف جاءت في نظمها :
كيف تكررت الفاصلة وهي لفظة الناس؟!
وكيف لا ترى في فواصلها إلا هذا الحرف: السين؟! الذي هو أشد الحروف صفيراً، وأطربها موقعاً من سمع الطفل الصغير، وأبعثها لنشاطه واجتماعه .
وكيف تناسب مقاطع السورة عند النطق بها، مع تردد النفَس في أصغر طفل يقوى على الكلام، حتى كأنها تجري معه، وكأنها فصِّلت على مقداره؟!
وكيف يطابق الأمر كله، من جميع جهاته في أحرفها ونظمها ومعانيها؟!
ثم انظر كيف يجيء ما فوقها على الوجه الذي أشرنا إليه ؟!
وكيف تمت الحكمة في هذا الترتيب العجيب ؟!
كل ذلك يحصل للطفل وأكثر من ذلك، ومن تعامل مع الأطفال عند حفظهم لقصار السور يرى ذلك، ويلمس ذلك بيديه .
وهذا نموذج عملي من تأثر الأطفال بالقرآن :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] تَلَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ - أَوْ قَالَ: يَوْمٍ - فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ فَقَالَ: يَا فَتَى، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ بَيْنِنَا فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [إبراهيم: 14] " (1)
__________
(1) - شعب الإيمان - (2 / 197)(720 ) حسن(1/53)
ومن تأثير القرآن في نقس الطفل حينما يعايشه ترتيلاً وفهماً، يستطيع هذا الطفل أن يحلَّ كثيراً من مشاكله الاعتقادية والنفسية، وأن يقوِّمَ سلوكه، وأن يهدئ من انفعالاته العصبية، وأن يوسِّع من ذاكرته، وعلى سبيل المثال نذكرهذه القصة اللطيفة في بابها للعلامة الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله حيث قال :"كان صورة ما وقع لي وأنا صغير أني تفكرت يوماً في الله عزّ وجلَّ، فقسته على ما أتعقله، ثم صرفته ب { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى." (1)
5- بماذج من حفظة القرآن من الأطفال :
هذه نماذج نضعها بين يدي الوالدين، لتكون أداة فعالة في تنشيط العقول وتحريكها للتغذي بها المنهل العذب .
أ يقول الإمام الشافعي رحمه الله: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر (2) .
ب ويقول سهل بن عبد الله التستري: مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين . (3)
ت أما ابن سينا فلما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن القرآن العزيز (4) .
ث وأما الإمام النووي رحمه الله، فيقول الشيخ ياسين المراكشي عنه:
ج رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت معلّمه فوصيته به، وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي:
__________
(1) - في كتابة المنن الكبرى
(2) - طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 154)
(3) - إحياء علوم الدين 3/72
(4) - وفيات الأعيان لابن خلكان نقلاً عن صفحات من صبر العلماء ص1/152(1/54)
أمنجِّم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلّم ذلك لوالده، وحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم. (1)
6- طفولة عجيبة في حفظ القرآن :
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: "رَأَيْتُ صَبِيًّا ابْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ قَدْ حُمِلَ إِلَى الْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا جَاعَ يَبْكِي " (2)
وقال الخطيب: "سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيَّ، يَقُولُ: حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ، وَحُمِلْتُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِئِ لِأَسْمَعَ مِنْهُ وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ، فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: لَا تُسَمِّعُوا لَهُ فِيمَا قُرِئَ، فَإِنَّهُ صَغِيرٌ، فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِئِ: اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ، فَقَرَأْتُهَا، فَقَالَ: اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ، فَقَرَأْتُهَا، فَقَالَ لِي غَيْرُهُ: اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَقَرَأْتُهَا، وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِئِ: سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ صَاحِبَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ أَحْمَدَ بْنَ الْفُرَاتِ يَقُولُ: أَتَعَجَّبُ مِنْ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَغْلَطُ فِيهَا، وَحَكَى أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ وَرَدَ أَصْبَهَانَ وَلَمْ تَكُنْ كُتُبُهُ مَعَهُ، فَأَمْلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ فَلَمَّا وَصَلَتِ الْكُتُبُ إِلَيْهِ قُوبِلَتْ بِمَا أَمْلَى فَلَمْ يَخْتَلِفْ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ " (3)
7- متى يبدأ الطفل بتعلم القرآن ؟
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: "ذَهَبْتُ بِابْنِي إِلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَهُوَ ابْنُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، يُحَدِّثُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ "وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّمَ الصَّبِيُّ الْحَدِيثَ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ فِي هَذَا السِّنِّ وَنَحْوِهِ (4) .
__________
(1) - المنهل العذب الروي - (1 / 2) وطبقات الشافعية الكبرى - (8 / 226)
(2) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (154 )
(3) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ ( 155 )
(4) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ >(153 )(1/55)
وعن أَبي الْقَاسِمِ بْنِ بُكَيْرٍ ,قال: سَأَلْتُ مُوسَى بْنَ هَارُونَ قُلْتُ: مَتَى يَسْمَعُ الصَّبِيُّ ؟ - قَالَ: "إِذَا فَرَّقَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْبَقَرَةِ " (1)
وقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ: سَأَلْتُ مُوسَى بْنَ هَارُونَ الْحَمَّالَ: مَتَى يَسْمَعُ الصَّبِيُّ الْحَدِيثَ ؟ قَالَ: "إِذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ " (2)
8- مكافأة للمقرئ والطفل :
حين حذق حماد بن أبي حنيفة رحمه الله سورة الفاتحة، وهب أبو حنيفة خمسمئة درهم - وكان الكبش يُشترى بدرهم - واستكثر المعلم هذا السخاء، إذ لم يعلِّمه إلا الفاتحة، فقال أبو حنيفة: لا تستحقر ما علمت ولدي، ولو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك، تعظيماً للقرآن (3) .
أما مكافأة الطفل، فهذا القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، وهو في خضم المعركة، يتجوَّلُ في المعسكر، فيجتاز على صغير بين يدي أبيه، وهو يقرأ القرآن، فاستحسن قراءته فقرَّبه، وجعل له حظًّا من خاص طعامه، ووقف عليه وعلى أبيه جزءا من مزرعته . (4)
9- المدارس الإسلامية في البلاد الإسلامية :
أ- إقبال الأطفال على المدارس القرآنية:
ضاقت المساجد بالصبيان حتى اضطر الضحاك بن مزاحم- معلم الصبيان ومؤدبهم- إلى أن يطوف على حمار، ليشرف على طلال مكتبه، الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجراً على عمله (5) .
__________
(1) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (156 )
(2) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (157)
(3) - فتح باب العناية ص 19
(4) - النوادر السطانية ص 9
(5) - الفرج بعد الشدة - التنوخي - (1 / 419) والأعلام للزركلي - (3 / 215) والعبر في خبر من غبر - (1 / 22) والوافي بالوفيات - (5 / 258) وسير أعلام النبلاء - (4 / 599) وشذرات الذهب - ابن العماد - (1 / 119)(1/56)
ب-هل يتعلم الطفل مع القرآن علماً آخر؟
قال العلامة ابن خلدون رحمه الله: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث. وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعده من الملكات. وسبب ذلك أن تعليم الصغر أشد رسوخاً وهو أصل لما بعده، لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات. وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حال ما ينبني عليه. واختلفت طرقهم في تعليم القرآن للولدان، باختلافهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات. فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه، فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعاً عن العلم بالجملة.
وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر، أمم المغرب، في ولدانهم إلى أن يجاوزوا حد البلوغ إلى الشبيبة. وكذا في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره. فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم. وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو، وهذا هو الذي يراعونه في التعليم. إلا أنه لما كان القرآن أصل ذلك وأسه ومنبع الدين والعلوم جعلوه أصلاً في التعليم. فلا يقتصرون لذلك عليه فقط، بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل، وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط والكتاب.
ولا تختص عنايتهم في التعليم بالقرآن دون هذه، بل عنايتهم فيه بالخط أكثر من جميعها، إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشبيبة، وقد شدا بعض الشيء في العربية والشعر والبصر بهما، وبرز في الخط والكتاب وتعلق بأذيال العلم على الجملة، لو كان فيها سند لتعليم العلوم. لكنهم ينقطعون عند ذلك لانقطاع سند التعليم في آفاقهم، ولا يحصل(1/57)
بأيديهم إلا ما حصل من ذلك التعليم الأول. وفيه كفاية لمن أرشده الله تعالى واستعداد إذا وجد المعلم.
وأما أهل إفريقية فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب، ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها، إلا أن عنايتهم بالقرآن، واستظهار الولدان إياه، ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه، وعنايتهم بالخط تبع لذلك. وبالجملة فطريقتهم في تعليم القرآن أقرب إلى طريقة أهل الأندلس، لأن سند طريقتهم في ذلك متصل بمشيخة الأندلس الذين أجازوا عند تغلب النصارى على شرق الأندلس، واستقروا بتونس، وعنهم أخذ ولدانهم بعد ذلك.
وأما أهل المشرق فيخلطون في التعليم كذلك على ما يبلغنا، ولا أدري بم عنايتهم منها. والذي ينقل لنا أن عنايتهم بدراسة القرآن وصحف العلم وقوانينه في زمن الشبيبة، ولا يخلطونه بتعليم الخط، بل لتعليم الخط عندهم قانون ومعلمون له على انفراده، كما تعلم سائر الصنائع، ولا يتداولونها في مكاتب الصبيان. وإذا كتبوا لهم الألواح فبخط قاصر عن الإجادة، ومن أراد تعلم الخط فعلى قدر ما يسنح له بعد ذلك من الهمة في طلبه، ويبتغيه من أهل صنعته.
فأما أهل إفريقية والمغرب، فأفادهم الاقتصار على القرآن القصور عن ملكة اللسان جملة، وذلك أن القرآن لا ينشأ عنه في الغالب ملكة لما أن البشر مصروفون عن الإتيان بمثله، فهم مصروفون لذلك عن الاستعمال على أساليبه والاحتذاء بها. وليس لهم ملكة في غير أساليبه، فلا يحصل لصاحبه ملكة فى اللسان العربي، وحظه الجمود في العبارات وقلة التصرف في الكلام وربما كان أهل إفريقية في ذلك أخف من أهل المغرب، لما يخلطون في تعليمهم القرآن بعبارات العلوم في قوانينها كما قلناه، فيقتدرون على شيء من التصرف ومحاذاة المثل بالمثل، إلا أن ملكتهم في ذلك قاصرة عن البلاغة، لما أن أكثر محفوظهم عبارات العلوم النازلة عن البلاغة كما سيأتي في فصله" (1) .
__________
(1) - مقدمة ابن خلدون - (1 / 346)(1/58)
وإذا تأملنا واقعنا الحالي الذي نعيشه اليوم، نرى - والله أعلم - أنه لا بأس بجمع تعليم القرآن والعلوم الأخرى، إذ الذاكرة العقلية تتلقح من جميع العلوم، فتساندها على التفتح والتركيز والفهم، وهذا لطالب العلوم غير الشرعية، أما طالب العلم الشرعي فأول ما يبدأ بحفظه كتاب الله تعالى، ليكون مغذياً لروحه وعقله وبصيرته، ثم السنَّة النبوية، والله أعلم
الأساس العقدي الخامس: تربية الثبات على العقيدة والتضحية من أجلها:
"إنّ العقيدة الإسلامية تؤثر في الفرد والمجتمع،فهي تشعر الإنسان بقيمته الذاتية وخصائصه الإنسانية،ليسير في سلوكه الحيوي بوحي من هذه العقيدة،وهذا أرقى مستوى يصل إليه الفرد، ...،وحين تنغرس العقيدة المؤمنة في نفوس معتنقيها،فإنها تعطي ضمانات لأصحابها بإصلاح النفوس والعقول والأرواح،فبدون عقيدة لا ينفع علم ولا تنفع تربية ولا يردع قانون...كذلك العقيدة تنمي بالفرد حب الخير لذاته لا طمعاً بنفعٍ ولا انسياقاً وراء غرض دنيوي أو هوى،كما تشيع فيه روح التفاؤل وتبعد عنه روح القنوط واليأس،وبذلك يحيا المسلم للأمل والعمل والجد، ...،والعقيدة لها أثر كبير في المجتمع،فهي توحد الهدف بين الفرد ومجتمعه،مما يضمن لها التماسك والتحاب.
فعقيدة كهذه يجب التضحية من أجلها بالمال والنفس،فلنربّ أطفالنا ولنسعَ جهدنا إلى أن نربطهم دائماً بالعقيدة الإلهية،ولننمي فيهم روح الفداء والتضحية من أجلها،وكلنا يعلم أنَّ الطفل المسلم اليوم يواجه الكثير من التحديات،وتُخَطط له المؤامرات والدسائس،لتحرفه عن دينه السويّ،ولتخرجه من دائرة الشريعة السمحاء.
فالصبر والثبات والتضحية هي الأصل للنجاح،والحصول عليهم ليس سهلاً،فالثبات والصبر يكونان من باب الرياضة النفسية التي لا بدَّ منها لضمان ثبوته على عقيدته،لقد نُدب إلى التضحية والثبات كما ندب إلى الصبر ووعد عليهما بالأجر العظيم" (1) .
__________
(1) -انظر : تربية الطفل في الإسلام تأليف سيما راتب عدنان أبو رموز(1/59)
قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111) سورة التوبة
يُرَغِّبُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ فِي الجِهَادِ،وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّهُ سَيُعَوِّضُ المُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ عَنْ بَذْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ،لِتَكُونَ كَلِمَةَ اللهِ هِيَ العُلْيَا،وِلإِحْقَاقِ الحَقِّ،وَإِقَامَةِ العَدْلِ فِي الأَرْضِ،فَهُمْ حِينَ يُجَاهِدُونَ يَقْتُلُونَ أَعْدَاءَهُمْ،وَيُقْتَلُونَ هُمْ،وَهُمْ فِي كِلاَ الحَالَيْنِ مُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ .وَقَدْ وَعَدَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِهَذَا الجَزَاءِ الحَقِّ،وَجَعَلَهُ حَقّاً عَلَيهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ .
ثُمَّ يَدْعُو اللهُ تَعَالَى مَنِ التَزَمَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِعَهْدِهِ للهِ إِلَى الاسْتِبْشَارِ بِذَلِكَ الفَوْزِ العَظِيمِ،وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ،لأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَفَاءً بِالْعَهْدِ،وَلاَ أَكْثََرَ مِنْهُ التِزَاماً بِالوَعْدِ الذِي يَقْطَعُهُ عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ،وَلَيْسَ هُنَاكَ رِبْحٌ أَكْبَرُ مِنَ الرّبِحِ الذِي يُحَقّقُهُ المُؤْمِنُونَ فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ . (1)
ولنحدِّث أطفالنا عن مواقف من الصبر والثبات والتضحية من السلف الصالح،وفي مجتمعنا الحاضر.
"إن مسؤولية التربية العقائدية لدى المربين والآباء والأمهات لهيَ مسؤولية هامة وخطيرة لأنها تهدف إلى خلق الشخصية الإسلامية السوية التي تحمل رسالة الإسلام إلى العالم بكل ما يهدف إليه الإسلام من فضائل وأخلاق"لتحقيق الاستخلاف في الأرض،قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة.
__________
(1) - - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1347)(1/60)
"فلنعمل على استقرار العقيدة وثباتها في أعماق أنفس أطفالنا لأنها تجعلهم أعزة فلا يذلون،بل أنوفهم شامخة أمام كل قوى الأرض لا ترهب سلطاناً ولا تخضع لهوى ولا تنطلق وراء الشهوات والملذات." (1)
1- غلام الأخدود قدوة للأطفال:
عنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَحَضَرَ أَجَلِي فَادْفَعْ إِلَيَّ غُلاَمًا فَلأُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلاَمًا، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ، فَأَتَى الْغُلاَمُ عَلَى الرَّاهِبِ، فَسَمِعَ مِنْ كَلاَمِهِ فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلاَمُهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ ؟ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ ؟ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى دَابَّةٍ فَظِيعَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَمْ أَمْرُ السَّاحِرِ ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ وَأَرْضَى لَكَ مِنَ أَمِرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَجُوزَ النَّاسُ، وَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَخْبَرَ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنْ ابْتُلِيتَ، فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ، فَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَسَائِرَ الأَدْوَاءِ وَيَشْفِيهِمْ، وَكَانَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ فَعَمِيَ، فَسَمِعَ بِهِ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: اشْفِنِي وَلَكَ مَا هَاهُنَا أَجْمَعُ، فَقَالَ: مَا أَشْفِي أَنَا أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِهِ، دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ، فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْوَ مَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: يَا فُلاَنُ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ فَقَالَ: رَبِّي، قَالَ: أَنَا ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، قَالَ: أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟ قَالَ: نَعَمْ.فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّهُ عَلَى الْغُلاَمِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ أَنْ تُبْرِئَ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَهَذِهِ الأَدْوَاءَ ؟ قَالَ: مَا أَشْفِي أَنَا أَحَدًا، مَا يَشْفِي
__________
(1) - - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 259(1/61)
غَيْرُ اللهِ، قَالَ: أَنَا ؟ قَالَ: لاَ.قَالَ: أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ أَيْضًا بِالْعَذَابِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأُتِيَ بِالرَّاهِبِ، فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكِ، فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، وَقَالَ لِلأَعْمَى: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ فِي الأَرْضِ، وَقَالَ لِلْغُلاَمِ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاَّ فَدَهْدِهُوهُ مِنْ فَوْقِهِ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا عَلَوْا بِهِ الْجَبَلَ قَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَتَدَهْدَهُوا أَجْمَعُونَ، وَجَاءَ الْغُلاَمُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ فِي قُرْقُورٍ، فَقَالَ: إِذَا لَجَجْتُمْ بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاَّ فَغَرِّقُوهُ فَلَجَّجُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَقَالَ الْغُلاَمُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَغَرِقُوا أَجْمَعُونَ، وَجَاءَ الْغُلاَمُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي، وَإِلاَّ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ قَتْلِي، قَالَ: وَمَا هُوَ ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ، ثُمَّ تَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ فَتَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَفَعَلَ وَوَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ثُمَّ رَمَى فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، فَوَضَعَ السَّهْمَ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ الْغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ ؟ فَقَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدِّدَتْ فِيهَا الأُخْدُودُ وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ، وَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ، وَإِلاَّ فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا، قَالَ: فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا تُرْضِعُهُ، فَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النَّارِ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي، فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ. (1)
2- نماذج من تضحيات الصحابة والسلف الصالح :
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 926)(23931) 24428-وصحيح مسلم- المكنز - (7703 )
المئشار: المنشار -الأخدود: الشق العظيم فى الأرض -القرقور: السفينة قيل الصغيرة وقيل الكبيرة -تقاعست: توقفت ولزمت موضعها وامتنعت عن التقدم -الكنانة: وعاء السهام(1/62)
أ- النساء تشجع أطفالهن على الجهاد في سبيل الله :
عَنِ الشَّعْبِيِّ ؛ أَنَّ امْرَأَةً دَفَعَتْ إِلَى ابْنِهَا يَوْمَ أُحُدٍ السَّيْفَ، فَلَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ، فَشَدَّتْهُ عَلَى سَاعِدِهِ بِنِسْعَةٍ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا ابْنِي يُقَاتِلُ عَنْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَيْ بُنَيَّ احْمِلْ هَاهُنَا، أَيْ بُنَيَّ احْمِلْ هَاهُنَا، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَصُرِعَ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَعَلَّك جَزِعْتَ ؟ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ. (1)
ب- النساء يفرحن باستشهاد أطفالهن :
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ حَارِثَةَ ابْنَ الرُّبَيِّعِ جَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَّارًا، وَكَانَ غُلاَمًا، فَجَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَوَقَعَ فِي ثُغْرَةِ نَحْرِهِ، فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ الرُّبَيِّعُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَسَأَصْبِرُ، وَإِلاَّ فَسَيَرَى اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، قَالَ: فَقَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى. (2)
ج- الأطفال يقتلون الطغاة أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - :
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الصَّفِّ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ سَبَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُفَارِقْ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُمَا: أَلاَ تَرَيَانِ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ فَاسْتَقْبَلَهُمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟ قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلاكُمَا
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (20 / 359)(37937) صحيح مرسل
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 693)(13871) 13907- صحيح(1/63)
قَتَلَهُ وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَهُمَا مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ. (1)
د- الأطفال يبكون ويتوارون حتى يجاهدوا في سبيل الله :
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مَخْرَجَهُ إِلَى بَدْرٍ وَاسْتَصْغَرَهُ فَبَكى عُمَيْرٌ فأَجَازَهُ، قَالَ سَعْدٌ: فَعَقَدْتُ عَلَيْهِ حَمَالَةَ سَيْفِهِ وَلَقَدْ شَهِدْتُ بَدْرًا وَمَا فِي وَجْهِي إِلَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْسَحُهَا بِيَدِي ثُمَّ أَكْثَرَ اللَّهُ لِي بَعْدُ مِنَ اللِّحَى يَعْنِي: الْبَنِينَ " (2)
وعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ أَخِيَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ يَتَوَارَى، فَقُلْتُ مَا لَكَ يَا أَخِي ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَسْتَصْغِرَنِي فَيَرُدَّنِي، وَأَنَا أُحِبُّ الْخُرُوجَ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ، قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَصْغَرَهُ فَقَالَ: "ارْجِعْ "، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .قَالَ سَعْدٌ: فَكُنْتُ أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ، فَقُتِلَ بِبَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً.قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وَدٍّ " (3)
وعن زَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَصْغَرَ نَاسًا يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْهُمْ: زَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ، يَعْنِي نَفْسَهُ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ " (4)
هـ- الأطفال يطلبون تجهيزهم للجهاد :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِى مَا أَتَجَهَّزُ قَالَ « ائْتِ فُلاَنًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ ». فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 515)(1673) وصحيح مسلم- المكنز - (4668)
(2) - السُّنَّةُ لِلْمَرْوَزِيِّ (126 ) حسن
(3) -الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (3005) من طريق الواقدي
(4) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1180)(2993 ) والإصابة في تمييز الصحابة [ ج 2 - ص595 ](2885 ) فيه جهالة، وفي المستدرك للحاكم (2349) قال: صحيح الإسناد !!!(1/64)
يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ أَعْطِنِى الَّذِى تَجَهَّزْتَ بِهِ قَالَ يَا فُلاَنَةُ أَعْطِيهِ الَّذِى تَجَهَّزْتُ بِهِ وَلاَ تَحْبِسِى عَنْهُ شَيْئًا فَوَاللَّهِ لاَ تَحْبِسِى مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ (1) .
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: أَيَّمَتْ أُمِّي، وَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ، فَخَطَبَهَا النَّاسُ، فَقَالَتْ: لاَ أَتَزَوَّجُ إِلاَّ بِرَجُلٍ يَكْفُلُ لِي هَذَا الْيَتِيمَ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُ غِلْمَانَ الأَنْصَارِ، فِي كُلِّ عَامٍ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ، قَالَ: فَعُرِضْتُ عَامًا، فَأَلْحَقَ غُلامًا، وَرَدَّنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِي وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ، قَالَ: فَصَارِعْهُ، فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ، فَأَلْحَقَنِي " (2)
و- الآباء يصطحبون أبناءهم في المعارك:
عَنْ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ فِى الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِى عَاتِقِهِ، قَالَ إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِى فِيهَا.قَالَ ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ.قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا عُرْوَةُ، هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ فَمَا فِيهِ قُلْتُ فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ.قَالَ صَدَقْتَ.بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ.قَالَ هِشَامٌ فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ أَخَذْتُهُ . (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنِّي لَفِي الأُطُمِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي فَأَنْظُرُ إِلَى الْقِتَالِ، وَأُطَأْطِئُ لَهُ فَيَنْظُرُ إِلَى الْقِتَالِ، فَرَأَيْتُ أَبِي يَوْمَئِذٍ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ يَكُرُّ عَلَى هَؤُلاءِ وَيَكُرُّ عَلَى هَؤُلاءِ، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْتُ: يَا أَبَةَ، لَقَدْ رَأَيْتُكَ هَذَا الْيَوْمَ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ، تَكِرُّ عَلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً وَعَلَى هَؤُلاءِ مَرَّةً، قَالَ: قَدْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَوَيْهِ. (4)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5010 )
(2) - المستدرك للحاكم(2353) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3973)
اليرموك: اسم موضع بالشام، ويومه يوم حرب كان بين المسلمين وبين الروم في خلافة عمر -رضي الله عنه -، وكانت الدولة فيه للمسلمين، وأبلى فيه الزبير بلاء حسنا. الشد: في الحرب: الحملة والجولة.
(4) - مسند البزار كاملا - (1 / 176) (966) صحيح -الأطم: البناء المرتفع - طأطأ: خفض(1/65)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَهْ، لَقَدْ رَأَيْتُكَ، وَإِنَّكَ لَتَحْمِلُ عَلَى فَرَسِكَ الْأَشْقَرِ، فَقَالَ: هِيهِ، وَهَلْ رَأَيْتَنِي أَيْ بُنَيَّ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ حِينَئِذٍ جَمَعَ لِأَبِيكَ أَبَوَيْهِ يَقُولُ: "احْمِلْ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " (1)
بمثل هذا الجهاد ربى الصحابة أطفالهم، لا يعرفون تكاسلاً ولا تثاقلاً إلى الأرض، وإنما يستخدمون شتى الأساليب لكيلا يستصغرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فردهم، فتارة يبكون، وأخرى يتوارون، وثالثة يقفون على رؤوس أصابعهم كل ذلك ليخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله، وينالوا شهادة أخروية، لا يعدلها أي شهادة في الدنيا على الإطلاق، وبنوا مستقبلاً زاهراً خالداً أبديًّا في جنات قال الله تعالى عنها :{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران .
الأساس العقدي السادس- تعليم الأطفال أحكام الحلال والحرام:
وذلك لأن المربي سيبين له الحرام حتى يجتنبه، والحلال المباح كي يفعله، والآداب الإسلامية كي يمثلها. وخلاصة القول أن مسئولية التربية الإيمانية لدى المربين والآباء، والأمهات لهي مسئولية هامة، وخطيرة لكونها منبع الفضائل ومبعث الكمالات، بل هي الركيزة الأساسية لدخول الولد في حظيرة الإيمان. وبدون هذه التربية لا ينهض الولد بمسؤولية، ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف غاية، ولا يتحقق بمعنى الإنسانية الفاضلة، ولا يعمل لمثل أعلى ولا هدف نبيل، بل يعيش عيشة البهائم ليس له هم سوى أن يسد جوعته، ويشبع غريزته، وينطلق وراء الشهوات والملذات، ويصاحب الأشقياء والمجرمين.
فعلى الأب أو المربي أن لا يترك فرصة سانحة تمر إلا وقد زود الولد بالبراهين التي تدل على الله، وبالإرشادات التي تثبت الإيمان وبالصفات التي تقوي جانب العقيدة.
وهذا أسلوب فعال في ترسيخ العقيدة في نفوس الصغار، ولقد استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم - ، يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلأَمُ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، اِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَاذَا اسْتَعَنْتَ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (14 / 281) (5619) صحيح(1/66)
فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الامَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ اِلا بِشَئءٍ قَدْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ الا بِشَئءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ." (1) .
وعن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ (2) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ، إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، الصَّلاَةُ قُرْبَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيَّةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالنَّاسُ غَادِيَانِ، فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقٌ رَقَبَتَهُ، وَمُوبِقُهَا. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ (3) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2706) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 9)(1723) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ يُرِيدُ: لَيْسَ مِثْلِي وَلَسْتُ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْعَمَلِ، وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ لأَهْلِ الْحِجَازِ وَقَوْلُهُ: لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ يُرِيدُ بِهِ جَنَّةً دُونَ جَنَّةٍ، لأَنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ الزِّنَى، وَلاَ يَدْخُلُ الْعَاقُّ الْجَنَّةَ، وَلاَ مَنَّانٌ يُرِيدُ جَنَّةً دُونَ جَنَّةٍ، وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ وَشَاءَ.(1/67)
الفصل الثاني
البناءُ العباديُّ
تمهيد :
الأساس الأول - الصلاة :
1- مرحلة الأمر بالصلاة :
2- مرحلة تعليم الطفل الصلاة :
3- مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها :
4- تدريب الأطفال على حضور صلاة الجامعة :
5- نموذج للأطفال في قيام الليل :
6- تعويد الطفل على صلاة الاستخارة :
7- اصطحاب الأطفال لصلاة العيد :
الأساس الثاني - الطفل والمسجد :
1- أخذ الطفل غلى المسجد :
2- ربط الطفل بالمسجد :
الأساس الثالث - الصوم :
الأساس الرابع- الحج :
الأساس الخامس - الزكاة :(1/68)
تمهيد :
بناء العبادة يعدُّ مكملاً لبناء العقيدة، إذ العبادة تغذي العقيدة بروحها، كما أنها المنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويجسِّمها، والطفل عندما يتوجه لنداء ربه، ويستجيب لأوامره فإنما هو يلبي غريزة فطرية في نفسه، فيشبعها ويرويها .
فلا بدَّ لكي يظل غرس العقيدة قويًّا في النفس، من أن يسقَى بماء العبادة، بمختلف صورها، وأشكالها، فبذلك تنمو العقيدة في الفؤاد وتترعرع، وتثبت أمام عواصف الحياة وزعازعها (1) .
والطفولة ليست مرحلة تكليف ؛ وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، للوصول إلى درجة التكليف عند البلوغ، ليسهل عليه أداء الواجبات والفرائض، وليكون على أتم الاستعداد لخوض غمار الحياة، بكل ثقة وانطلاق، والعبادةُ لله تعالى تفعل في نفس الطفل فعلاً عجيباً ن فهي تشعره بالاتصال بالله عز وجل، وهي تهدئ من ثوراته النفسية، وهي تلجم انفعالاته الغضبية، فتجعله سويا مستقيماً، إذ كثافة الشهوات ضعيفة في تلك الفترة، مما يجعل روحه تتجاوب أكثر فأكثر بمناجاة الله، ويأخذ الخشوع المساحة الكبرى من جسده، وهو يرتل آية أو يسمعها، أو هو واقف في الصلاة أو ساجد فيها، وهو يسمع أذان الإفطار ليبدأ بالطعام والشراب، بعد أن صام يومه، وهناك أسرار كثيرة للعبادة لا تعدُّ ولا تحصى، تؤثر في الطفل مما يزيد قوته ونشاطه، وبذلك تفضَّل التربية النبوية عن أي تربية كانت.
وإن الله تعالى ليعجب من الولد الذي لا صبوة له، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ. (2)
وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبشر الأطفال الذين نشؤوا على عبادة الله عز وجل ببشارة عظيمة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - ، رَفَعَ الْحَدِيثَ، قَالَ: الْمَوْلُودُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحِنْثَ مَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ كُتِبَ لِوَالِدِهِ أَوْ لِوَالِدَيْهِ، وَمَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَلا عَلَى وَالِدَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ
__________
(1) - تجربة التربية الإسلامية ص 40 لأستاذنا د - محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 905)(17371) 17506- حسن(1/69)
الْحِنْثَ جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، أَمَرَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ مَعَهُ أَنْ يَحْفَظَا وَأَنْ يُشَدِّدَا، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الإِسْلامِ أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنَ الْبَلايَا الثَّلاثَةِ: الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ خَفَّفَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِهِ، فَإِذَا بَلَغَ السِّتِّينَ رَزَقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ، فَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَاتِهِ وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، فَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَشَفَّعَهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ أَسِيرَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمُ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ مِنَ الْخَيْرِ، فَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ" (1)
ونلاحظ من خلال توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد ركز على ستة أسس :
الأساس العبادي الأول
الصلاة
وتمر بمراحل هي :
1- مرحلة الأمر بالصلاة :
يبدأ الوالدان بتوجيه الأوامر للطفل، بأن يقف معهما في الصلاة، وذلك في بداية وعيه وإدراكه يمينه من شماله، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ، حَبِيبٍ، الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِذَا عَرَفَ الْغُلامُ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، فَمُرُوهُ بِالصَّلاةِ " (2)
وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، قال: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِاللهِّ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيُّ، قال: دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لامْرَأتِهِ: مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ ؛ فَقَالَتْ: كَانَ رَجُلٌ مِنَا يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛أنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ.فَقَالَ: إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، فَمُرُوهُ بِالصَلاَةِ . (3)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: "يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ " (4)
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (3678) حسن لغيره
(2) - المعجم الصغير للطبراني - (1 / 174) (274) والإصابة 2/396(5114) والعلل(542) ورجح وقفه ،و هو صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (497 ) فيه ضعف
(4) - شعب الإيمان - (11 / 156) (8332 ) صحيح(1/70)
وعَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حدَّثَتْنِي أُمُّ يُونُسَ خَادِمُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَتْ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَيْقِظُوا الصَّبِيَّ يُصَلِّي وَلَوْ سَجْدَةً. (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يُعَلَّمُ الصَّبِيَّ الصَّلاَةَ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ. (2)
وعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُعَلَّمُ الصَّبِيُّ الصَّلاَةَ إذَا اثَّغَرَ. (3)
وعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ الصَّلاَةَ إذَا اثَّغَرُوا. (4)
وعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ الصَّلاَةَ إذَا عَقَلُوا، وَالصَّوْمَ إذَا أَطَاقُوا. (5)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَحْصُبِيِّ، قَالَ: يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ إذَا عَدَّ عِشْرِينَ. (6)
2- مرحلة تعليم الطفل الصلاة :
حيث يبدأ الوالدان بتعليم أركان الصلاة وواجباتها ومفسداتها، وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - سن السابعة بداية مرحلة التعليم، فعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا الصَّبِىَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا » (7) .
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عَلِّمُوا الصَّبِىَّ الصَّلاَةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ ». (8)
وعن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا بَلَغَ الْغُلاَمُ سَبْعَ سِنِينَ أُمِرَ بِالصَّلاَةِ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرًا ضُرِبَ عَلَيْهَا (9) .
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3502) فيه جهالة
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3504) حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3505) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3506) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3507) صحيح
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 347) (3508) صحيح
(7) - سنن أبي داود - المكنز - (494 ) صحيح
(8) - سنن الترمذى- المكنز - (409 ) صحيح
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِىِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالاَ مَا تَرَكَ الْغُلاَمُ بَعْدَ الْعَشْرِ مِنَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ.
(9) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 289)(15339) 15414- صحيح(1/71)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاَةِ، إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " (1)
بل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يباشر بنفسه تعليم الأطفال ما يحتاجونه في الصلاة، فعَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ عَلَّمَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِى الْوَتْرِ فِى الْقُنُوتِ « اللَّهُمَّ اهْدِنِى فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِى فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِى فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِى فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ». (2)
وكان يصحح لهم أخطاءهم، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُلَامًا لَنَا يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ، يَنْفُخُ إِذَا سَجَدَ، فَقَالَ: "يَا أَفْلَحُ، تَرِبَ وَجْهُكَ " (3)
ويعلمهم الأذان، قَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ: خَرَجْتُ فِي عَشَرَةِ فِتْيَانٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَأَذَّنُوا فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ائْتُونِي بِهَؤُلاَءِ الْفِتْيَانِ فَقَالَ: أَذِّنُوا فَأَذَّنُوا فَكُنْتُ أَحَدَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ، هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ، اذْهَبْ فَأَذِّنْ لأَهْلِ مَكَّةَ، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ، وَقَالَ: قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ارْجِعْ، فَاشْهَدْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِذَا أَذَّنْتَ بِالأَوَّلِ مِنَ الصُّبْحِ فَقُلْ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، أَسَمِعْتَ ؟ قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لاَ يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ، وَلاَ يُفَرِّقُهَا لأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَيْهَا (4) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 634)(6689)
(2) - سنن النسائي- المكنز - (1756 ) صحيح
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (382 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 335)(1052 ) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 298) (15376) 15450- صحيح لغيره(1/72)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يوجه خطاباً قبل كل صلاة يصفُّ الأطفال في الصف الأخير، فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِى الصَّلاَةِ وَيَقُولُ « اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » (1) .
ويوجه - صلى الله عليه وسلم - نداء للأطفال بعدم الالتفات بمنة ويسرة أثناء الصلاة، وما هذا إلا دليل الاهتمام بتعليم الطفل كيفية الصلاة، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِيَّاكَ وَالاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ فَإِنَّ الاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَفِى التَّطَوُّعِ لاَ فِى الْفَرِيضَةِ » (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رِجَالَ الأَنْصَارِ وَنِسَاءَهُمْ قَدْ أَتْحَفُوكَ غَيْرِي، وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُكَ إِلَّاابْنِي هَذَا، فَاقْبَلْ مِنِّي يَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ قَالَ: فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ، وَلَمْ يَسُبَّنِي، وَلَمْ يَعْبِسْ فِي وَجْهِي، وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَوْصَانِي بِهِ، أَنْ قَالَ: يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُنْ مُؤْمِنًا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِسِرِّهِ أَحَدًا، وَإِنْ كَانَتْ أُمِّي، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلْنَنِي أَنْ أُخْبِرَهُنَّ بِسِرِّهِ فَلا أُخْبِرُهُنَّ وَلاَ أُخْبِرُ بِسِرِّهِ أَحَدًا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ يُزَدْ فِي عُمْرِكَ وَيُحِبَّكَ حَافِظَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تَبِيتَ إِلَّاعَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ مَنْ أَتَاهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ أُعْطِيَ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تَزَالَ تُصَلِّي فَافْعَلْ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَزَالُ تُصَلِّي عَلَيْكَ مَا دُمْتَ تُصَلِّي، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ الالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لا فِي الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَافْرُجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ، وَارْفَعْ يَدَيْكَ عَلَى جَنْبَيْكَ، فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَكُنْ لِكُلِّ عُضْو مَوْضِعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِذَا سَجَدْتَ فَلا تَنْقُرْ كَمَا يَنْقُرُ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1000 ) - الأحلام والنهى: العقول والألباب.
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (592 ) حسن(1/73)
الدِّيكُ، وَلاَ تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، وَلاَ تَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْكَ افْتِرَاشَ السَّبْعِ، وَافْرِشْ ظَهْرَ قَدَمَيْكَ الأَرْضَ، وَضَعْ إِلْيَتَيْكَ عَلَى عَقِبَيْكَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حِسَابِكَ،
ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ بَالِغْ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ تَخْرُجْ مِنْ مُغْتَسَلِكَ لَيْسَ عَلَيْكَ ذَنْبٌ وَلاَ خَطِيئَةٌ، قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا الْمُبَالَغَةُ ؟ قَالَ: تَبُلُّ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَتُنَقِّي الْبَشَرَةَ،
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنْ إِذَا قَدَرْتَ أَنْ تَجْعَلَ مِنْ صَلَوَاتِكَ فِي بَيْتِكَ شَيْئًا فَافْعَلْ فَإِنَّهُ يُكْثِرُ خَيْرَ بَيْتِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ فَلا يَقَعَنَّ بَصَرُكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، إِلَّاسَلَّمْتَ عَلَيْهِ تَرْجِعُ وَقَدْ زِيدَ فِي حَسَنَاتِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُمسِيَ وَتُصْبِحَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ أَهْلِكَ فَلا يَقَعَنَّ بَصَرُكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، إِلَّاظَنَنْتَ أَنَّ لَهُ الْفَضْلَ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنْ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي فَلا يَكُونَنَّ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ". (1)
وسار الصحابة على منهج النبوة، فبدؤوا بتعليم أطفالهم بأنفسهم، فهذا علي - رضي الله عنهم - يدعو الحسين، فليعمله كيفية الوضوء، ويجيبه على استفساراته، فعن الْحُسَيْنَ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ دَعَانِى أَبِى عَلِىٌّ بِوَضُوءٍ فَقَرَّبْتُهُ لَهُ فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِى وَضُوئِهِ ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلاَثًا وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاَثًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ نَاوِلْنِى فَنَاوَلْتُهُ الإِنَاءَ الَّذِى فِيهِ فَضْلُ وَضُوئِهِ
__________
(1) - المعجم الصغير للطبراني - (2 / 100) (856) حسن
بدا: وضح وظهر -قط: بمعنى أبدا، وفيما مضى من الزمان - إسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه بالغسل - بد: مفر ومحالة - الصلب: ظهر الإنسان -الإقْعاء: أن يُلْصِقَ الرجُل ألْيَتَيه بالأرض، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يديه على الأرض كما يُقْعِي الكلْب. وقيل: هو أن يضع ألْيَتَيه على عَقِبَيْه بين السجدتين. والقول الأوّل.-العقب: عظم مؤخر القدم -الجُنُب: الذي يجب عليه الغُسْل بالجِماع وخُروجِ المّنيّ، والجنَابة الاسْم، وهي في الأصل: البُعْد. وسُمّي الإنسان جُنُبا لأنه نُهِيَ أن يَقْرَب مواضع الصلاة ما لم يَتَطَهَّر. وقيل لمُجَانَبَتِه الناسَ حتى يَغْتَسل(1/74)
فَشَرِبَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ قَائِمًا فَعَجِبْتُ فَلَمَّا رَآنِى قَالَ لاَ تَعْجَبْ فَإِنِّى رَأَيْتُ أَبَاكَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ مِثْلَ مَا رَأَيْتَنِى صَنَعْتُ يَقُولُ لِوُضُوئِهِ هَذَا وَشُرْبِ فَضْلِ وَضُوئِهِ قَائِمًا. (1)
إن رؤية الطفل لوضوء الكبير له أكبير الأثر في تعليمه، وتطبيقه له بشكل عملي صحيح، فعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَوَضَّأَتْ، فَأَدْخَلَتْ يَدَيْهَا تَحْتَ خِمَارِهَا، فَمَسَحَتْ بِنَاصِيَتِهَا. (2)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَوَضَّأَتْ وَأَنَا غُلَامٌ "فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَهَا سَلَخَتِ الْخِمَارَ " (3)
وهذا سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم - يعلِّم أولاده الأدعية المأثورة،فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ، يُعَلِّمُنَا خَمْسًا يَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ شُعْبَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَيْرٍ، عَنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: الدَّجَّالُ " (4)
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَرْوِيهِنَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَرُدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ " (5)
وهذه نصيحة ثمينة لابن مسعود - رضي الله عنهم - ، فعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ عَلَى الصَّلاَةِ. (6)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"حَافِظُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ فِي الصَّلاةِ، وَعَوِّدُوهُمُ الْخَيْرَ فَإِنَّ الْخَيْرَ عَادَةٌ". (7)
__________
(1) - سنن النسائي- المكنز - (95 ) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 24)(243) صحيح
(3) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (48 ) صحيح
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي (716) صحيح
(5) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(6690 ) صحيح
(6) - مصنف ابن أبي شيبة - (1 / 348) (3516) صحيح
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 165) (9054 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 84) (5297) حسن(1/75)
3- مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها :
وتبدأ في سنِّ العاشرة من عمر الطفل، فإذا قصَّر أو تهاون أو تكاسل في أدائها، فعند ذلك يجوز للوالدين استخدام الضرب، تأديباً له على ما فرط في حق نفسه، وعلى ظلمه لها باتباع سبل الشيطان، لأن الأصل في هذه المرحلة، أن ينصاع لأمر الله، حيث هو ما زال في مرحلة الفطرية، والشيطان ما زال تأثيره عليه ضعيفاً، فعدم صلاته دليل على تمكن الشيطان منه شيئاً فشيئاً، لذلك فهو بحاجة إلى العلاج النبوي وهو الضرب، ولا بأس بإفهام الطفل سبب الضرب، وتلاوة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه،فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (1) .
قال حجة الله الدهلوي: "أقول: بلوغ الصبي على وجهين: بلوغ في صلاحية السقم والصحة النفسانيتين، ويتحقق بالعقل فقط، وأمارة ظهور العقل سبع، فابن السبع ينتقل فيها لا محالة من حالة إلى حالة انتقالا ظاهرا، وأمارة تمامه العشر فابن العشر عند سلامة المزاج يكون عاقلا يعرف نفعه من ضرره ويحذق في التجارة وما يشبهها.وبلوغ في صلاحية الجهاد والحدود والمؤاخذة عليه، وأن يصير به من الرجال الذين يعانون المكايد، ويعتبر حالهم في السياسات المدنية والملية، ويجبرون قسرا على الصراط المستقيم، ويعتمد على تمام العقل وتمام الجثة وذلك بخمس عشر سنة في الأكثر، ومن علامات هذا البلوغ الاحتلام وإنبات العانة.والصلاة لها اعتباران: فباعتبار كونها وسيلة فيما بينه وبين مولاه منقذه عن التردي في أسفل السافلين أمر بها عند البلوغ الأول.وباعتبار كونها من شعائر الإسلام يؤاخذون بها، ويجبرون عليها شاءوا أم أبوا حكمها حكم سائر الأمور.ولما كان سن العشر برزخا بين الحدين جامعا بين الجهتين جعل له نصيبا منهما.وإنما أمر بتفريق المضاجع لأن الأيام أيام مراهقة فلا يبعد أن تفضي المضاجعة إلى شهوة المجامعة، فلا بد من سد سبيل الفساد قبل وقوعه ." (2)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح
(2) - حجة الله البالغة - (1 / 395)(1/76)
4- تدريب الأطفال على حضور صلاة الجامعة :
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ عَلَى مَرِيضٍ، أَوْ مُسَافِرٍ، أَوْ صَبِىٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غِنَىٌّ حُمَيْدٌ ». (1)
وعن مَوْلًى لآلِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، إِلاَّ أَرْبَعَةً: الصَّبِيُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْمَرِيضُ. (2)
وفي الموسوعة الفقهية: "إِنَّ مَنْ حَضَرَ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ يُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ: فَإِنْ كَانَ فَاقِدًا أَهْلِيَّةَ التَّكْلِيفِ نَفْسَهَا، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، صَحَّتْ صَلاَةُ الصَّبِيِّ وَاعْتُبِرَتْ لَهُ تَطَوُّعًا، وَبَطَلَتْ صَلاَةُ الْمَجْنُونِ ؛ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ الإِْدْرَاكِ الْمُصَحِّحِ لأَِصْل الْعِبَادَةِ ." (3)
وبتدريب الصبي على صلاة الجمعة تحصل له عدة فوائد جمة، منها :
- عندما يبلغ يكون معتاداً على إقامتها.
- تأثره بسماع الخطبة، إذ فطرته تكون حسَّاسة لالتقاط أحاديث الإيمان، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كما هي تدريب له لسماع العلم .
- يألف يجمعات المسلمين، ويشعر بدخوله للمجتمع، إذ لا بد أن يتعرف على من يعرفهم والده .
- على رأي من قال :بأن الساعة مستجابة في يوم الجمعة، هي لحظة الخطبة، فيكون من الحاضرين لهذه الساعة المستجابة، التي حدث عنها
الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
- تكون تغذية إيمانية، وشحناً روحيًّا، على إقامة الصلوات الخمس، وطاعة الله بين الجمعة والجمعة.
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 184)(5842) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 109) (5190) صحيح
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (27 / 200)(1/77)
- يتعرف بها على علماء الأمة ودعاتها، مما له كبير الأثر في كبره، فضلاً عن صغره .
- بصلاة الجمعة يحصل له بناء شخصية بكامل عناصرها: العقدية والعبادية والاجتماعية والعاطفية والعلمية والجسمية والصحية، والتهذيب الجنسي، والله أعلم .
5- نموذج للأطفال في قيام الليل :
لم يكتف أطفال الصحابة بالمحافظة على الصلوات الخمس، إنما تعدوها إلى النوافل، في قيام الليل، كما فعل ابن عباس - رضي الله عنهم - ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ « نَامَ الْغُلَيِّمُ ».أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ (1) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ فَبَقَيْتُ كَيْفَ يُصَلِّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ - فَقَامَ فَبَالَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ صَبَّ فِى الْجَفْنَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ - قَالَ - فَأَخَذَنِى فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ فَتَكَامَلَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى فَجَعَلَ يَقُولُ فِى صَلاَتِهِ أَوْ فِى سُجُودِهِ « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا وَفِى سَمْعِى نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِى نُورًا وَعَنْ شِمَالِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَخَلْفِى نُورًا وَفَوْقِى نُورًا وَتَحْتِى نُورًا وَاجْعَلْ لِى نُورًا أَوْ قَالَ وَاجْعَلْنِى نُورًا ». (2)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (117 )
الخطيط: الصوت الذى يخرج من نفس النائم -الغطيط: الصوت الذى يخرج من نفس النائم
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1830 )(1/78)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَتَبَّعْتُ كَيْفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ " (1)
أرأيت إلى هذه الطفولة التي تهتم بحركات حبيبها - صلى الله عليه وسلم - ، وأن تصلي معه بعد النوم من الليل ؟! ثم إلى هذا الاهتمام من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الطفل الصغير معه، فيصحح له، ويجعله عن يمينه ن بل هكذا كان شأنه - صلى الله عليه وسلم - ، أن يصلي مع الكبار والصغار، والرجال والنساء، ويدخل الفرح إلى البيوت المسلمة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمُّهُ وَخَالَتُهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ أَنَسًا عَنْ يَمِينِهِ وَأُمَّهُ وَخَالَتَهُ خَلْفَهُمَا. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَعَدْنَا إِلَيْهِ أَنَا وَهُوَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ فِتْيَانِنَا أَحْدَثُ مِنِّي سِنًّا، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّ أَنَسًا وَامْرَأَةً، فَجَعَلَ أَنَسًا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا. (3)
6- تعويد الطفل على صلاة الاستخارة :
عَنْ أَنَسٍ.قَال: قَال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَنَسُ إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ (4) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ الْمُسْتَخِيرُ الاِسْتِخَارَةَ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ للحديث السابق ..
وَيُؤْخَذُ مِنْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ أَنَّ تَكْرَارَ الاِسْتِخَارَةِ يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ لِلْمُسْتَخِيرِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَدْعُو إِلَى التَّكْرَارِ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّابِعَةِ اسْتَخَارَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (5) .
__________
(1) - صحيح ابن خزيمة - (2 / 387) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (5 / 583) (2206) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 665)(13744) 13780- صحيح
(4) - عمل اليوم والليلة لابن السني - (597 ) ضعيف جدا
(5) - المغني 1 / 763، وكشاف القناع 1 / 408، وابن عابدين 1 / 643، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص 218، والخرشي 1 / 38، والفتوحات الربانية 3 / 356(1/79)
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ رَأْيًا فِي تَكْرَارِ الاِسْتِخَارَةِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي تَحْتَ أَيْدِينَا رَغْمَ كَثْرَتِهَا (1) .
7- اصطحاب الأطفال لصلاة العيد :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ فِى الْعِيدَيْنِ مَعَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَالْعَبَّاسِ، وَعَلِىٍّ، وَجَعْفَرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَزِيدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ - رضي الله عنهم - مْ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ فَيَأْخُذُ طَرِيقَ الْجَدَّادِينَ حَتَّى يَأْتِىَ الْمُصَلَّى. وَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ عَلَى الْحَذَّائِينَ حَتَّى يَأْتِىَ مَنْزِلَهُ. (2)
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ التَّكْبِيرِ جَهْرًا فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الأَْضْحَى، أَمَّا التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُكَبَّرُ فِيهِ جَهْرًا (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المغني 1 / 763، وكشاف القناع 1 / 408 وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (3 / 246)
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (3 / 279) (6349) وأخرجه ابن خُزَيْمَة (1431) ضعيف
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 213)(1/80)
الأساس العبادي الثاني
الطفل والمسجد
1- أخذ الطفل إلى المسجد :
المسجد هو الصرح الذي يبني الأجيال تلو الأجيال، ولقد كان وما زال هو المصدِّر لأجيال باعوا أنفسهم لله، وساروا على منهجه، واقتدوا برسولهم، لهذا عني أطفال الصحابة بالصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فهذا جابر بن سمرة يحدثنا عن طفولته وصحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا، أَوْ رِيحًا، كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ (1) .
ويكون أخذ الطفل للمسجد عندما يستطيع الطفل قضاء حاجته بنفسه، ويصبح نظيفاً، فلا يتبول، ولا يتغوط تحته، وإنما يذهب إلى بيت الخلاء بنفسه، ويكون قد تعلم آداب المسجد: من دخول بهدوء، ووضع الحذاء في مكانه المخصص، وطيه على بعض على بعض في أثناء السير، وعدم الركض في المسجد، والابتعاد عن مزاحمة الكبار، والانتباه واليقظة للخطبة، والدرس، والصلاة، وعدم العبث ..
قَال النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ إِدْخَال الصَّبِيِّ الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ الأَْوْلَى تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَمَّنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْهُ تَنْجِيسُهُ .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِعَدَمِ جَوَازِ إِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ إِنْ كَانَ لاَ يَكُفُّ عَنِ الْعَبَثِ إِذَا نُهِيَ عَنْهُ، وَإِلاَّ فَيُكْرَهُ.وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ (2) ،، لِمَا وَرَدَ مَرْفُوعًا: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6197) -جؤنة العطار: هي التي يعد فيها الطيب ويدخره.
(2) ابن عابدين 1 / 441، وجواهر الإكليل 1 / 80، والمجموع 2 / 176، وروضة الطالبين 1 / 297، وتحفة الراكع والساجد للجراعي 204 و الموسوعة الفقهية الكويتية - (20 / 244)(1/81)
وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَل سُيُوفِكُمْ، وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ . (1)
وقد طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أئمة المساجد أن يخففوا من الصلاة رأفة بالأطفال، الأمر الذي دل على جواز صلاة الأطفال، وأخذهم إلى المسجد .
فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ فِى مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ » (2) .
وبحضور الطفل في الصلاة في المسجد، فإنه يشارك المسلمين في حفظ عدد الركعات، فعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلْقَمَةُ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ: وَأَنْتَ يَا أَعْوَرُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ حَدَّثَ عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ. (3)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا عَلْقَمَةُ الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ الْقَوْمُ يَا أَبَا شِبْلٍ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا. قَالَ كَلاَّ مَا فَعَلْتُ. قَالُوا بَلَى - قَالَ - وَكُنْتُ فِى نَاحِيَةِ الْقَوْمِ وَأَنَا غُلاَمٌ فَقُلْتُ بَلَى قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا. قَالَ لِى وَأَنْتَ أَيْضًا يَا أَعْوَرُ تَقُولُ ذَاكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ « مَا شَأْنُكُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ زِيدَ فِى الصَّلاَةِ قَالَ « لاَ ». قَالُوا فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
__________
(1) - مسند الشاميين 360 - (4 / 321)(3436) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 103)(20765) ضعيف
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1072)
(3) - صحيح ابن حبان - (6 / 384) (2661) صحيح(1/82)
ثُمَّ قَالَ « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ». « فَإِذَا نَسِىَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ». (1)
كيف يصلي الأطفال مع الرجال في صلاة الجماعة ؟
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ، وَيَجْعَلُ الرَّكْعَةَ الأُولَى هِيَ أَطْوَلُهُنَّ لِكَيْ يَثُوبَ النَّاسُ، وَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ، وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا سَجَدَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ وَيُكَبِّرُ كُلَّمَا نَهَضَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا كَانَ جَالِسًا (2) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ قَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِىُّ أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِصَلاَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَفَّ الرِّجَالَ وَصَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ فَذَكَرَ صَلاَتَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا صَلاَةُ أُمَّتِى ». (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِى بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمِّى أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا . (4)
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَائِشَةُ خَلْفَنَا تُصَلِّي مَعَنَا، وَأَنَا إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُصَلِّي مَعَهُ. (5)
وفي الموسوعة الفقهية: "وَمِنْ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ إِكْمَال الصَّفِّ الأَْوَّل فَالأَْوَّل، وَأَنْ لاَ يُشْرَعَ فِي إِنْشَاءِ الصَّفِّ الثَّانِي إِلاَّ بَعْدَ كَمَال الأَْوَّل، وَهَكَذَا.وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَعَلَيْهِ فَلاَ يَقِفُ فِي صَفٍّ وَأَمَامَهُ صَفٌّ آخَرُ نَاقِصٌ أَوْ فِيهِ فُرْجَةٌ، بَل يَشُقُّ الصُّفُوفَ لِسَدِّ الْخَلَل أَوِ الْفُرْجَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي أَمَامَهُ ؛ لِلأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1311 )
انفتل: انصرف -توشوش: القوم: إذا تكلموا مختلطين في القول.
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 608)(22911) 23299- حسن
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (677 ) حسن
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (727 )
(5) - صحيح ابن حبان - (5 / 581) (2204) صحيح(1/83)
فَإِذَا حَضَرَ مَعَ الإِْمَامِ رَجُلاَنِ أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ اصْطَفَّا خَلْفَهُ .وَلَوْ حَضَرَ مَعَهُ رَجُلاَنِ وَامْرَأَةٌ اصْطَفَّ الرَّجُلاَنِ خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا، وَلَوِ اجْتَمَعَ الرِّجَال وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالصَّبِيَّاتُ الْمُرَاهِقَاتُ وَأَرَادُوا أَنْ يَصْطَفُّوا لِلْجَمَاعَةِ وَقَفَ الرِّجَال فِي صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ أَوْ صُفُوفٍ مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقِفُ بَيْنَ كُل رَجُلَيْنِ صَبِيٌّ لِيَتَعَلَّمَ أَفْعَال الصَّلاَةِ .
ثُمَّ يَقِفُ النِّسَاءُ وَلاَ فَرْقَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّبِيَّةِ الْمُرَاهِقَةِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ الصَّبِيَّاتِ الْمُرَاهِقَاتِ يَقِفْنَ وَرَاءَ النِّسَاءِ الْكَبِيرَاتِ.وَيَتَقَدَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِهَؤُلاَءِ جَمِيعًا فِي الصُّفُوفِ الأُْوَل الأَْفْضَل فَالأَْفْضَل ." (1)
2- ربط الطفل بالمسجد :
قال ابن الحاج رحمه الله: "يَنْبَغِي لِلْآبَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا لِأَوْلَادِهِمْ مِنَ الْمُؤَدِّبِينَ مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَزْهَدُ وَأَتْقَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ رَضَاعٌ ثَانٍ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ رَضَاعِ الْأُمِّ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ الْمَكْتَبِ الَّذِي يَقْرَءُونَ فِيهِ كِتَابَ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهِ شَرِيعَةَ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَذْهَبُونَ بِهِمْ إلَى كُتَّابِ النَّصَارَى لِتَعْلِيمِ الْحِسَابِ وَهَذَا رَضَاعٌ ثَالِثٌ بَعْدَ رَضَاعِ الْمُؤَدِّبِ .
وَقَدْ قِيلَ الرَّضَاعُ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ، فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ قَبِيحٌ مِنَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ الْإِيمَانِ بَعْدُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَعْرِفْ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ .
وَقَدْ تَسْبِقُ إلَيْهِ الدَّسَائِسُ مِنَ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ أَوْ مِنَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا، ثُمَّ إنَّ النَّصْرَانِيَّ مَعَ ذَلِكَ يُؤَدِّبُهُ عَلَى مَا يَخْطُرُ لَهُ وَيَمُرُّ بِبَالِهِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ تَعْلِيمِهِ الْحِسَابَ، وَهَذَا لَا يَرْضَى بِهِ عَاقِلٌ وَلَا مَنْ فِيهِ مُرُوءَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا السِّنِّ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُلْقَى إلَيْهِ مِثْلُ الشَّمْعِ أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت عَلَيْهِ طُبِعَ فِيهِ فَيُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ -وَهُوَ الْغَالِبُ -أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَيَرْجِعُ مَكَانُ
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (27 / 36)(1/84)
الصِّدْقِ كَذِبًا وَبُهْتَانًا، وَمَوْضِعُ النَّصِيحَةِ غِشًّا وَخَدِيعَةً، وَمَوْضِعُ الْأُلْفَةِ بِالْمُسْلِمِينَ انْقِطَاعًا وَوَحْشَةً، وَمَكَانُ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ خُبْثًا وَمُدَاهَنَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكْرِهِمْ وَخِصَالِهِم الرَّدِيئَةِ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَنَ إلَى قَوْلِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ إلَى شَيْءٍ مَا مِن اعْتِقَادِهِ أَوْ اسْتِحْسَانِ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ .
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُمَكِّنْ زَائِغَ الْقَلْبِ مِنْ أُذُنَيْك لَا تَدْرِي مَا يَعْلَقُكَ مِنْ ذَلِكَ ...
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ - رضي الله عنهم - مْ يَتَحَفَّظُونَ عَلَى الرَّضَاعِ الثَّالِثِ أَكْثَرَ مِنَ الرَّضَّاعَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَهُمَا رَضَاعُ الْأُمِّ وَرَضَاعُ الْمُؤَدِّبِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ رَجَعَ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالْأُمُورِ وَقَابِلِيَّةٌ لِقَبُولِ مَا سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رَضَاعِ الْمُؤَدِّبِ رَضَاعُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ الْمُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - الْمُبَيِّنِينَ لَهَا، الْكَاشِفِينَ عَنْ غَامِضِهَا وَالْمُخْرِجِينَ لِخَبَايَاهَا، فَإِذَا ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ هَذَا الرَّضَاعَ الثَّالِثَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ لَهُ غَيْرُ مَا سَبَقَ إلَيْهِ سَارَعَ بِسَبَبِ عِلْمِهِ وَمَا انْطَبَعَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا تَحَصَّلَ عَنْهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَحَبَّتِهِمَا وَإِيثَارِهِمَا إلَى إنْكَارِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ لِذَلِكَ .
وَقَدْ جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ بِوَلَدِهِ إلَى بَعْضِ السَّلَفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُقْرِئَهُ فَقَالَ لَهُ أَقَرَأَ قَبْلَ هَذَا عِلْمًا غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ يَعْنِي مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ الْعَرَبِيَّةُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ بِوَلَدِك فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ تَغَزُّلَاتُ الْعَرَبِ وَأَشْعَارُهَا وَجُبِلَ عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ صَلَاحُهُ فَلَمْ يُقْرِئْهُ، وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ لِأَجْلِ فَهْمِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَفَهْمِ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَكِنْ مَا وَقَعَ لَوْمُ هَذَا السَّيِّدِ لَهُ إلَّا لِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ تَغَزُّلَاتِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا فَلَوْ سَبَقَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا يُسَنُّ وَمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ لَمَا عَذَلَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا تَحَفُّظَهُمْ عَلَى سَبْقِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ وُجُودِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهَا .(1/85)
ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي فِي دُخُولِ الصَّبِيِّ لِكِتَابِ النَّصَارَى .
فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي ظَاهِرِهِ مِن الذِّلَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَ هَذَا بِوَلَدِهِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ النَّصَارَى .
فَإِنَّهُمْ إذَا رَأَوْا أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِمْ لِيَتَعَلَّمُوا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مِنْهُمْ رَأَوْا أَنَّ لَهُمْ رِفْعَةً وَسُوْدُدًا وَفَضِيلَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا كُلُّهُ مَمْنُوعٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، فَيَا لَلَّهُ وَيَا لَلْعَجَبُ كَيْفَ يُتْرَكُ التَّعْلِيمُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُؤْتَى إلَى نَصْرَانِيٍّ عَدُوٍّ لِلدِّينِ وَعَدُوٍّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُظْهِرٍ لِذَلِكَ مُعَانِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مِن الْخَسْفِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي لَا يُرْتَابُ فِيهِ وَلَا يُشَكُّ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ النَّصَارَى فِي عِلْمِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ أَحْذَقُ وَأَعْرَفُ بِالتَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلِمَ كُلَّ مَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِن الْعِلْمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ مِنَ النَّصْرَانِيِّ حَتَّى فَاقَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى النَّصْرَانِيِّ لِزِيَادَةٍ عِنْدَهُ فِيهِ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِيهِ شَيْءٌ مَا مِن الْمَيْلِ إلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَالصَّبِيُّ بَعْدُ لَمْ يَلُمَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْحِسَابِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَكَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْرِفُ أَكْثَرَ مِن النَّصْرَانِيِّ وَأَمْثَالِهِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى التَّعْلِيمِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ .
وَقَدْ أَقَامَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - ، وَقَالَ: قَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْكُمْ بِالْمُسْلِمِينَ .
وَقَدْ نَهَى - رضي الله عنهم - أَنْ يَتَّخِذَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَاتِبًا، وَقَالَ جَوَابًا لِمَنْ أَثْنَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ فِي الْحِسَابِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ (1) .
وَقَالَ أَيْضًا: لَا تُكْرِمُوهُمْ وَقَدْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَأْمَنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَسْتَعْمِلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ إلَّا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ كَمَا قَالَ .
فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى اشْتِرَاطِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنهم - الْخَشْيَةَ فِيمَنْ تَوَلَّى مِن الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَا بَالُك فِي حَقِّ أَعْدَاءِ الدِّينِ؟ وَإِنَّمَا هِيَ حُجَجٌ شَيْطَانِيَّةٌ
__________
(1) - مجموع الفتاوى لابن تيمية - (28 / 643)(1/86)
وَنَفْسَانِيَّةٌ وَرُكُوبٌ لِلْهَوَى وَرُكُونٌ لِلْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَتَرْكٌ لِلنَّظَرِ إلَى أَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ مِن الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ .
وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَأْبَاهَا الْإِسْلَامُ وَمَنْ فِيهِ عُذُوبَةُ طَبْعٍ وَانْقِيَادٌ لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ .
وَهِيَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ النَّصْرَانِيَّ يَجْلِسُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ وَأَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ دُونَهُ وَيُقَبِّلُونَ يَدَهُ أَوْ رُكْبَتَهُ حِينَ إتْيَانِهِمْ إلَيْهِ وَانْصِرَافِهِمْ وَيُقِيمُ السَّطْوَةَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ .
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْوَلَدَ يَتَرَبَّى عَلَى تَرْكِ التَّحَفُّظِ مِن النَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ نَجَاسَةٌ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ إلَّا دَمُ الْحَيْضِ لَيْسَ إلَّا، وَأَبْوَالُهُمْ وَفَضَلَاتُهُمْ كُلُّهَا طَاهِرَةٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ يُسْقَوْنَ الْأَدْوِيَةَ بِالنَّجَاسَاتِ وَيَكْتُبُونَ مِنْهَا فَتُنَجَّسُ أَجْسَادُهُمْ وَأَثْوَابُهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُعَلِّمَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِحَضْرَتِهِمْ وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَامِلَهَا وَحَاضِرَهَا فِي جُمْلَةِ مَنْ لَعَنَ بِسَبَبِهَا، وَالْوَلَدُ الْمُسْلِمُ هُوَ حَاضِرُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَكُونُ حَامِلَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بَالِغًا أَوْ مُرَاهِقًا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ اللَّعْنَةِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا صَغِيرًا فَاللَّعْنَةُ عَائِدَةٌ عَلَى وَالِدَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ الْوَلَدُ مِنْ شُؤْمِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُكَلَّفٍ وَرُبَّمَا أَمَرَهُمْ الْمُعَلِّمُ بِحَمْلِ الْخَمْرِ إلَيْهِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُمْ فِي حَوَائِجِهِ وَضَرُورَاتِهِ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ بِحَضْرَتِهِ وَيَمْنَعُهُمْ مِن الِانْصِرَافِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ هُمَا مَعًا وَقَدْ يُمَوِّهُ عَلَيْهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا أَوْ يَفُوتَهُ بَعْضُهَا .
وَمِنْهَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ .
وَمِنْهَا أَنَّهُمْ إذَا كَانَ صَوْمُهُمْ يَمْنَعُونَ الْمَاءَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَبْقَى أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَطَشِ غَالِبًا .
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ يَقَعَ فِي اعْتِقَادِهِمْ الْبَاطِلِ أَوْ فِي بَحْثِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي أَلْوَاحِهِمْ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مَكْتُوبٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ بِحَضْرَتِهِ فَقَدْ يَسْبِقُ إلَى الْوَلَدِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِهْنِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَتَأَتَّى خَلَاصُهُ مِنْهُ غَالِبًا .(1/87)
وَسَبَبُ وُقُوعِ هَذِهِ النَّازِلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ { حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ } (1) فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَخُوفِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا كَانَ سَبَبُ إتْيَانِ الْوَلَدِ إلَى النَّصْرَانِيِّ لِتَعْلِيمِ الْحِسَابِ إلَّا حُبُّ الدُّنْيَا غَالِبًا لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ بِنَقِيضِهِ فَوَقَعُوا فِي الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ الظَّلَمَةِ مِن الْكَتَبَةِ وَغَيْرِهِمْ .
وَإِذَا تَرَبَّى الْوَلَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَوَّلُهُمَا وَهُوَ أَشَدُّهُمَا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي اعْتِقَادِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَالثَّانِي: أَنْ يَقِلَّ اهْتِبَالُهُ بِأَمْرِ دِينِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَكْتَرِثُ بِهِ وَلَا يَنْدَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَغِيرُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ خَصْلَةٌ تُنَافِي أَخْلَاقَ الْمُسْلِمِينَ وَهَدْيَهُمْ وَآدَابَهُمْ .
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ لَهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ وَأَرْجَى الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ مَا لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ، وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ وَرَغَّبَ فِي أَجْرِهِ الرَّاغِبُونَ إيصَالُ الْخَيْرِ إلَى قُلُوبِ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَرْسُخَ فِيهَا وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ وَحُدُودِ الشَّرِيعَةِ لِيُرَاضُوا عَلَيْهَا، وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ مِن الدِّينِ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللَّهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ وَأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ انْتَهَى .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ الَّذِي يَدْخُلُ كُتَّابَ النَّصَارَى أَنْ يَنْتَقِشَ فِي قَلْبِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ وَلَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ .
وَمِنْ أَقْبَحِ مَا فِيهِ وَأَهْجَنِهِ وَأَوْحَشِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَرَبَّى عَلَى تَعْظِيمِ النَّصَارَى وَالْقِيَامِ لَهُمْ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُهُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِن الْمُسْلِمِينَ وَعَدَمِ الِاسْتِيحَاشِ مِنْ عَوَائِدِهِمْ وَسَمَاعِ اعْتِقَادِ أَدْيَانِهِمْ الْبَاطِلَةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الصَّبِيُّ مِنْ مَكْتَبِهِمْ لَبَقِيَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَعَدَمِ الِاسْتِيحَاشِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَدْيَانِهِمْ الْبَاطِلَةِ وَأَنَّهُ إذَا رَأَى مُعَلِّمَهُ الَّذِي عَلَّمَهُ الْحِسَابَ أَوْ الطِّبَّ قَامَ إلَيْهِ وَعَظَّمَهُ كَتَعْظِيمِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ بَعْضٍ أَوْ
__________
(1) - الإتحاف 3/131 و 7/354 و 8/81 و 295 و 494 وترغيب 3/257حذيفة وتخ 3/472 ثوبان والشعب ( 10458 و 10501 ) عن سفيان الثوري والحسن- حسن مرسل(1/88)
أَكْثَرَ غَالِبًا وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَعَ كُلِّ مَنْ صَحِبَهُ فِي مَكْتَبِ مُعَلِّمِهِ النَّصْرَانِيِّ مِنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ دِينِهِ فَيَأْلَفُ هَذِهِ الْعَادَةَ الذَّمِيمَةَ الْمَسْخُوطَةَ شَرْعًا، وَلَا يَرْضَى بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَوْ غَيْرَةٌ إسْلَامِيَّةٌ أَو الْتِفَاتٌ إلَى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة، وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (57) سورة المائدة، وقَوْله تَعَالَى :{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا - رضي الله عنهم - مْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) سورة المجادلة.
وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} (1) سورة الممتحنة، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَفِيمَا ذُكِرَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا عَدَاهُ (1)
وفيما قال رحمه الله عبرة لمن اعتبر، فشتان بين التربية في المسجد الذي هو بيت الله، الذي جاء فيه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ "فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [التوبة: 18] (2) ، وبين التربية خارجه ؛ ففي المسجد يتعلم كيف يعبد الله تعالى العبادة الحقة، وكيف يخشع، وكيف يعامل الآخرين، وتنغرس في نفسه جميع القيم والمثل العليا الإسلامية ..
__________
(1) - المدخل لابن الحاج- (3 / 20)
(2) - شعب الإيمان - (4 / 376)(2680 ) حسن(1/89)
وإذا علمنا أنه يجوز تعليم الأطفال - في المسجد- إذا لم يأخذ عليه أجراً كما قال الشيخ أنور الكشميري (1) ، قلنا: إن المسجد الذي خرَّج أطفال الصحابة، والسلف الصالح، قادرٌ على أن يخرِّج أمثالهم، إذا وجه الآباء والأمهات أطفالهم نحو المسجد، ترغيباً لا تنفيراً، وتحبيباً لا تقبيحاً، وتشجيعاً لا تخذيلاً .
كذلك إذا وعى الكبار دورهم في المسجد، نحو الأطفال الذين يردون المسجد، فواجبهم النصح اللطيف، والموعظة الحسنة، والرفق واللين، وبسط الجناح، والتواضع، وإشعارهم بالعطف والحنان، وذلك ليعيد الطفل زيارته للمسجد والصلاة، وحضور الدرس فيه، وكم رأينا كباراً في السِّنِّ منفِّرين، فكانوا سبباً لانحراف كثير من الأطفال، بالصراخ عليهم، وطردهم من المساجد، وهذا من مصائب الأمة، تحتاج من إمام المسجد نصح هؤلاء وتنبيههم .
وحتى لا يتلقفهم أعداء الإسلام في مدارسهم - العلمانية-التي تنفث باسمِّ الزعاف على هذا الدين .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فيض الباري على شرح صحيح البخاري (1/230)(1/90)
الأساس العبادي الثالث
الصوم
الصيام:"هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس،بنية الصوم تقرباً إلى الله - عز وجل- " (1)
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة.
أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِالصَّومِ تَهْذِيباً لِنُفُوسِهِمْ،وَقَالَ تَعَالَى:إِنَّهُ أَوْجَبَ الصَّومَ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ،لِذلِكَ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ عَلَى المُسلِمِينَ،وَقَدْ فَرَضَ اللهُ الصَّوْمَ عَلَى المُؤْمِنينَ لِيُعِدَّهُمْ لِتَقْوَى اللهِ،بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ المَيْسُورَةِ امتِثالاً لأَمْرِهِ،وَاحتِسَاباً لِلأَجْرِ عِنْدَهُ،فَتُرَبَّى بِذلِكَ العَزِيمَةُ وَالإِرَادَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ . (2)
"والصيام وسيله لتقوى الله -عز وجل- بفعل الواجبات وترك المحرمات" (3)
وهو"عباده بين العبد وربه لا رقابة اجتماعية أو قانونية عليها " (4)
"والصيام مدرسة تربوية عالية الأحداث ووسيلة روحيه فعّاله وناجحة لمصلحة الإنسان [وقد] أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان." (5)
وتبرز الغاية الكبيرة من الصوم بأنها "التقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة،طاعة للّه،وإيثارا لرضاه.والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية،ولو تلك التي تهجس في البال،والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند اللّه،ووزنها في ميزانه.فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم.وهذا الصوم أداة من أدواتها،وطريق
__________
(1) - التويجري،محمد بن إبراهيم بن عبد الله،مختصر الفقه الإسلامي، ص 623، بيت الأفكار الدولية،ط4، 1423هـ -2002م
(2) - - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 190)
(3) - - مختصر الفقه الإسلامي ص 624
(4) - - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص156
(5) - - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص280(1/91)
موصل إليها.ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام ..«لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» .. (1)
فهو عبادة روحية جسدية، يتعلم منها الطفل الإخلاص الحقيقي لله تعالى، ومراقبته له في السر، وتتربى إرادة الطفل عن الطعام رغم الجوع، والبعد عن الماء رغم العطش .
كما يقوى على كبح جماح رغباته، ويتعود فيه الطفل الصبر والجلد، وقد ربَّى الصحابة أطفالهم على عبادة الصوم، وقد عنون الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه -باب صَوْمِ الصِّبْيَانِ.( 47 ) وَقَالَ عُمَرَ - رضي الله عنهم - لِنَشْوَانٍ فِى رَمَضَانَ وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ.فَضَرَبَهُ"
قال الحافظ ابن حجر:" والجُمهُور عَلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ عَلَى مَن دُون البُلُوغ، واستَحَبَّ جَماعَةٌ مِنَ السَّلَف مِنهُم ابن سِيرِينَ والزُّهرِيُّ وقالَ بِهِ الشّافِعِيّ أَنَّهُم يُؤمَرُونَ بِهِ لِلتَّمرِينِ عَلَيهِ إِذا أَطاقُوهُ، وحَدَّهُ أَصحابُهُ بِالسَّبعِ والعَشرِ كالصَّلاةِ، وحَدَّهُ إِسحاقُ بِاثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً، وأَحمَد فِي رِوايَة بِعَشرِ سِنِينَ، وقالَ الأَوزاعِيُّ: إِذا أَطاقَ صَومَ ثَلاثَةٍ أَيّامٍ تِباعًا لا يَضعُف فِيهِنَّ حُمِلَ عَلَى الصَّوم، والأَوَّل قَول الجُمهُور،، والمَشهُور عَن المالِكِيَّة أَنَّهُ لا يُشرَعُ فِي حَقّ الصِّبيانِ.
ولَقَد تَلَطَّفَ المُصَنِّفُ فِي التَّعَقُّب عَلَيهِم بِإِيرادِ أَثَر عُمَر فِي صَدرِ التَّرجَمَة لأَنَّ أَقصَى ما يَعتَمِدُونَهُ فِي مُعارَضَةِ الأَحادِيثِ دَعوى عَمَلِ أَهل المَدِينَة عَلَى خِلافها ولا عَمَلَ يُستَنَدُ إِلَيهِ أَقوى مِنَ العَمَل فِي عَهد عُمَر مَعَ شِدَّة تَحَرِّيهِ ووُفُور الصَّحابَةِ فِي زَمانه، وقَد قالَ لِلَّذِي أَفطَرَ فِي رَمَضان مُوبِّخًا لَهُ "كَيفَ تُفطِرُ وصِبيانُنا صِيامٌ"
وأَغرَبَ ابن الماجِشُونِ مِنَ المالِكِيَّةِ فَقالَ: إِذا أَطاقَ الصِّبيانُ الصِّيام أُلزِمُوهُ. فَإِن أَفطَرُوا لِغَيرِ عُذرٍ فَعَلَيهِم القَضاءُ." (2)
ومن هتمام الصحابة بصيام أطفالهم أنهم يهيئون لهم اللعب أثناء الصوم ليتسلَّوا بها، فلا يشعرون بطول النهار، فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ،
__________
(1) - - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 168)
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (4 / 200)(1/92)
وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ (1) .
وعَنْ أَمَةِ اللهِ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَزِينَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ، وَيَأْمُرُ بِصِيَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيَدْعُو رُضَّعَ فَاطِمَةَ فَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُ: لا تُرْضِعُوهُمْ إِلَى اللَّيْلِ " (2)
وعَنْ أُمَيْنَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لأَمَةِ اللَّهِ بنتِ رُزَيْنَةَ سَمِعْتِ أُمَّكِ، تَذْكُرُ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، سَمِعْتُ أُمِّي رُزَيْنَةَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُعَظِّمُهُ حَتَّى إِنْ كَانَ لِيَدْعُو بِصِبْيانِهِ، وَصِبْيَانِ فَاطِمَةَ الْمَرَاضِيعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيَقُولُ: لأُمَّهَاتِهِمْ:لا تُرْضِعُوهُمْ إِلَى اللَّيْلِ فَكَانَ رِيقُهُ يُجْزِئُهُمْ." (3)
وفِي الحَدِيث حُجَّة عَلَى مَشرُوعِيَّة تَمرِين الصِّبيان عَلَى الصِّيام كَما تَقَدَّمَ لأَنَّ مَن كانَ فِي مِثل السِّنّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذا الحَدِيثِ فَهُو غَير مُكَلَّف، وإِنَّما صَنَعَ لَهُم ذَلِكَ لِلتَّمرِينِ.
وأَغرَبَ القُرطُبِيُّ فَقالَ: لَعَلَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يَعلَم بِذَلِكَ، ويَبعُد أَن يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ تَعذِيب صَغِيرٍ بِعِبادَةٍ غَيرِ مُتَكَرِّرَةٍ فِي السَّنَةِ، وما قَدَّمناهُ مِن حَدِيث رَزِينَةَ يَرُدُّ عَلَيهِ.
مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِند أَهل الحَدِيث وأَهل الأُصُول أَنَّ الصَّحابِيّ إِذا قالَ فَعَلنا كَذا فِي عَهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ حُكمُهُ الرَّفعَ لأَنَّ الظّاهِر اطِّلاعُهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، وتَقرِيرهم عَلَيهِ مَعَ تَوفُّرِ دَواعِيهم عَلَى سُؤالهم إِيّاهُ عَن الأَحكام، مَعَ أَنَّ هَذا مِمّا لا مَجالَ لِلاجتِهادِ فِيهِ فَما فَعَلُوهُ إِلاَّ بِتَوقِيفٍ، والله أَعلَمُ. (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1960) وصحيح مسلم- المكنز - (2725) وصحيح ابن حبان - (8 / 385)(3620) -العهن: الصوف المصبوغ
(2) - الآحاد والمثاني - (5 / 581)(3437) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (18 / 15)(20166 ) حسن
(4) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (4 / 201)(1/93)
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يجمعون أطفالهم، ويدعون الله تعالى لحظة الإفطار،رجاء استجابة الدعاء، في تلك اللحظة المباركة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا. (1)
أثر الصيام في نفس الطفل :
- "ترشد فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة العملية التربية ببرامجها ومناهجها وأهدافها إلى تأكيد فريضة الصوم وتأصيلها وترسيخها في نفس الفرد المسلم منذ أن يصبح مكلفاً بها شرعياً وقادراً عليها صحياً،لأن لها أبلغ الآثار الإيجابية الفعّالة في تقوية إيمانه وتوحيده في عقيدته وعبادته،وإيقاظ ضميره وصحوة وجدانه،وإحساسه برقابة مولاه،وشعوره بحضوره المستمر معه أينما كان،وترقية خلقه،وتزكية روحه،وكسر حدة شهوته،والدربة على التحكم في انفعالاته وضبط غرائزه ونزواته،وتربية روح الاحتمال والصبر لديه،وتفجير معاني العطف والشفقة والرفق والخير في نفسه،وتحريك مشاركته الوجدانية الصادقة للآخرين وإعانة المحتاجين منهم والمعوزين،وتقوية ميله الاجتماعي فيعمل مع غيره على حفظ كيان جماعته بالتكافل والتراحم والتعاون،فضلاً عما للصوم من ميزة كبيرة في حفظه لصحة الصائم البدنية ووقايته من الأمراض والعلل المختلفة." (2)
- "يعتاد ألا يتكلم كذباً ولا زوراً ولا غشاً ولا يمارس غدراً ولا خيانة ولا إيذاءً أو عدواناً على الناس في أموالهم أو أعراضهم" (3)
فعَنْ أَبِى صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - م - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ،فَإِنَّهُ لِى،وَأَنَا أَجْزِى بِهِ .وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ،وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ،فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ،فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ،أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ
__________
(1) - مسند الطيالسي - (4 / 20) (2376) حسن
(2) - الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،ص 137-138
(3) - - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص158(1/94)
.وَالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ،لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ،وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ » .. (1)
- يتعلم النظام لأن المسلم في رمضان يأكل بنظام،وينام بنظام ويستيقظ بنظام، ولذا فإنك ترى أن النظام يتجلى في المجتمع الإسلامي بأروع صوره في رمضان " (2)
واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الاِعْتِكَافُ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ .. (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1904) وصحيح مسلم- المكنز - (2762) وصحيح ابن حبان - (8 / 259) (3482)
ولخلوف:خلف فم والصائم يخل خلوفا:إذا تغيرت ريحه من ترك الأكل والشرب،والخلفة منه.
يرفث:الرفث:كلمة جامعة لكل مايريده الرجل من المرأة،وقيل:والتصريح بذكر الجماع،وهو الحرام في الحج على المحرم،فأما الرفث في الكلام إذا لم يخاطب به امرأة،فلا يحرم عليه،ولكن يستحب له تركه.
يصخب:الصخب:الضجة والجلبة.
(2) - - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً، ص 158
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (5 / 209)(1/95)
الأساس العبادي الرابع
الزكاة
الزكاة:"هي النماء والزيادة،وهي حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت خاص " (1)
قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ الذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ،صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ البُخْلِ،وَالطَّمَعِ،وَالقَسْوَةِ عَلَى الفُقَرَاءِ،وَتُزَكِّي بِهَا أَنْفُسَهُمْ،وَتَرْفَعُهُمْ إِلَى مَنَازِلِ الأَبْرَارِ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ حَتَّى يَكُونُوا أَهْلاً لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .ثُمَّ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ،وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ )،لأنًّ صَلاَةَ الرَّسُولِ رَحْمَةٌ بِهِمْ،وَرَاحَةٌ لأَنْفُسِهِمْ،وَاللهُ سَمِيعٌ لاعْتِرَافِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ،وَسَمِيعٌ لِدُعَاءِ الرَّسُولِ لَهُمْ،عَلِيمٌ بِإِخْلاَصِهِمْ فِي تَوْبَتِهِمْ،وَنَدَمِهِمْ مِن هَذِهِ الذُّنُوبِ . (2)
"ليس الهدف من أخذ الزكاة جمع المال وإنفاقه على الفقراء والمحتاجين فحسب،بل الهدف أن يعلو بالإنسان عن المال،ليكون سيداً له،لا عبداُ له،ومن هنا جاءت الزكاة ليزكوا المعطي والآخذ وتطهرهما." (3)
وقد ذكر الله الزكاة في القرآن مقرونة بعبادة عظيمة وهي الصلاة في أكثر من ثلاثين موضعاً .قال تعالى:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11) سورة التوبة
__________
(1) - التويجري،محمد بن إبراهيم بن عبد الله،مختصر الفقه الإسلامي ص593، وانظر إلى الصابوني،محمد علي،فقه العبادات،ص 9، بيروت ،المكتبة العصريه،ط1، 1422هـ -2002م
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1339)
(3) - التويجري ص 593-594،انظر إلى إبراهيم الخطيب،زهدي محمد عيد، تربية الطفل في الإسلام،ص64-65 . سميح أبو مغلي وآخرون،تربية الطفل في الإسلام،ص57(1/96)
الآثار التربوية لفريضة الزكاة على الفرد والمجتمع :
الزكاة هي "منهاج تربوي وعلاج عملي أصيل لضعف النفس،وتطهيرها من داء الشح والأثرة وعبادة المال " (1)
"وترشد فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،العملية التربوية،من خلال برامجها ومناهجها وتوجيهاتها إلى الحرص على تكوين الفرد كعضو صالح في جماعة صالحة،تربطه بها مصالح ومنافع وغايات مشتركة،فيعمل على خيرها والرفع من مستواها والمشاركة بفائض ماله في إعانة الفقراء والمساكين والمحتاجين.
والمساهمة بثروته في تنمية ثروة الجماعة ومالها،واستثماره وترشيده فيها يعود بالخير على الجماعة كلها،ويحول دون تكدس الأموال وتخزينها،لأنَّ في ذلك تعطيلاً لوظيفتها التي خصها الله تعالى بها،للرفع من مستوى الحياة البشرية وتطويرها وإشاعة السعادة بين الجميع،والتخفيف من آلام الفقراء والمعوزين وإزالة شقائهم وسد حاجاتهم،
ومن شأن الزكاة كتشريع رباني حكيم إذا رُسِّخت في نفس الناشئ منذ طفولته من خلال عملية التربية والتنشئة الاجتماعية،أن تؤدي إلى خلق مجتمع عادل رحيم تسوده المحبة بدل الحقد،والتعاطف بدل التقاطع والتعاون بدل الاستغلال والتكافل بدل الصراع والسعادة بدل الشقاء، وتقوى فيه روح الانتماء الاجتماعي بين أفراده جميعاً،فيتعاونون على البر والتقوى والإحسان،فينقص البخل والشح والأنانية في نفوس الأثرياء،وتختفي الكراهية والحقد والحسد من نفوس الفقراء،ويعيش الجميع في وئام ومحبة وسلام ". (2)
والزكاة لا يشترط لها العقل والبلوغ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِى يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا « أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ». قَالَتْ لاَ. قَالَ « أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
__________
(1) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص291
(2) - الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،ص134(1/97)
سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ». قَالَ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ. (1)
وأما زكاة الفطر فإنها تدفع عن الجميع الكبير والصغير والذكر والأنثى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ . (2)
ونلاحظ أن هذه العبادة فرض، وليست نفلاً، ومن هنا نلاحظ حرص الإسلام على بقاء الأموال طاهرة مزكاة، قال تعالى :{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (1565 ) حسن
مسكتان: المسكة بتحريك السين - واحدة المسك، وهي أسورة من ذبل أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك، أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب أو فضة، أو غيرهما.
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1503 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2326 )(1/98)
الأساس العبادي الخامس
الحج
الحج:"هو التعبد لله-عز وجل - بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - في مكان مخصوص وفي زمان مخصوص " (1)
قال تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } سورة آل عمران.
إن أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض لهو بيت الله الحرام الذي في "مكة"،وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات،وتتنزل فيه الرحمات،وفي استقباله في الصلاة،وقصده لأداء الحج والعمرة،صلاح وهداية للناس أجمعين.
في هذا البيت دلالات ظاهرات أنه من بناء إبراهيم،وأن الله عظَّمه وشرَّفه،منها:مقام إبراهيم عليه السلام،وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه حين كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل،ومن دخل هذا البيت أَمِنَ على نفسه فلا يناله أحد بسوء.وقد أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان قَصْدَ هذا البيت لأداء مناسك الحج.ومن جحد فريضة الحج فقد كفر،والله غني عنه وعن حجِّه وعمله،وعن سائر خَلْقه. (2)
وعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ » . (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ،وَالْعُمْرَتَانِ أَوِ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ يُكَفَّرُ مَا بَيْنَهُمَا. (4)
__________
(1) - التويجري،محمد بن إبراهيم بن عبد الله،مختصر الفقه الإسلامي ص 678
(2) - التفسير الميسر - (1 / 395)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1521 )
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 53)(7354) 7348- صحيح(1/99)
إذا أحرم الصبي بالحج صح نفلاً،فإن كان مميزاً فعل كما يفعل البالغ من الرجال والنساء،وإن كان صغيراً عَقد عنه الإحرام وليه،ويطوف ويسعى به،ويرمي عنه الجمرات،والأفضل أن يؤدي ما قدر عليه من مناسك الحج أو العمرة،وإذا بلغ فيما بعد لزمه أن يحج حجة الإسلام.
إذا حج الصغير أو المملوك،ثم بلغ الصغير وعتق المملوك فعلى كل واحد منهما حجة أخرى.
يصح حج الصبي،ومن حج به فهو مأجور. (1) عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال:رفعت امرأةٌ صبياً لها فقالت:يا رسول الله ألهذا حج؟ قال:«نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ».أخرجه مسلم (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِى الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَىَّ (3) .
وإذا بلغ الأطفال الحلم، فعليهم حجة الإسلام، لأنه لا حج على الصبيِّ، لكونه غير مخاطب، ومت فعله قبل البلوغ، يكون تطوعا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَيُّمَا صَبِىٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِىٍّ حَجَّ، ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ». (4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ احْفَظُوا عَنِّي، وَلاَ تَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ صَبِيًّا، ثُمَّ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الرَّجُلِ، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ أَعْرَابِيًّا، ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْمُهَاجِر. (5)
__________
(1) - التويجري،محمد بن إبراهيم بن عبد الله،مختصر الفقه الإسلامي ص651. وانظر إلى سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 297 والموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 27) والموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 201)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3317 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (76 ) -الأتان: أنثى الحمار -ناهزت: قاربت البلوغ
(4) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (4 / 325)(8875) حسن
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 568)(15105) صحيح(1/100)
وعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :
إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ حَتَّى يَعْقِلَ، فَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَإِذَا حَجَّ الأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى" (1)
وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لينبه الأطفال ويعلمهم ويرشدهم أثناء الحج إلى أهمية يوم عرفة، وهم يقومون بأداء مناسك الحج، كل ذلك بخطاب عاطفي مؤثر، فعن ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ فُلانٌ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ النِّسَاءَ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ مِرَارًا، قَالَ: وَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ إِلَيْهِنَّ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ابْنَ أَخِي، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ، وَلِسَانَهُ، غُفِرَ لَهُ." (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَكَانَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ.قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ بَصَرَهُ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ سَمْعَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَبَصَرَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَلِسَانَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ ؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " (3)
وقال الكاساني: "وَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنْ مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ، يَكُونُ حَجُّهُ تَطَوُّعًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يَكُونُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ بَالِغٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إذَا نَوَى النَّفَلَ يَقَعُ عَنِ النَّفْلِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنِ الْفَرْضِ "وَلَوْ جَدَّدَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَبَّى أَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ وَطَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَكُونُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ".. (4)
وقال البيهقي في الاعتقاد :
__________
(1) - أخرجه ابن خزيمة (3050) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 831)(3041) 3042- حسن
(3) - أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ (2695 ) حسن
(4) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (4 / 352) وانظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (1 / 405)(1/101)
"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ ) يَعْنِي: بِإِيمَانٍ فَأَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبْنَاءَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ "
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا فِي وَلَدِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَجَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِسَعَادَةِ كُلِّ نَسَمَةٍ أَوْ شَقَاوَتِهَا فَمَنَعَ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِإِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلَهُ، فَجَاءَتْ أَخْبَارٌ بِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَعَلِمْنَا بِهَا جَرَيَانَ الْقَلَمِ بِسَعَادَتِهِمْ، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - "صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ "أو قال: "دَعَامِيصُ أَهْلِ الْجَنَّةِ "، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعُوا إِلَى آبَائِهِمْ "وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي هَلَكَ ابْنٌ لَهُ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا فُلَانُ أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ فَذَاكَ لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ أَهَذَا لِهَذَا خَاصَّةً أَوْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ لَهُ ؟ قَالَ: مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهَا ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الصَّبْرِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ وَافَى أَبَوَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَلْحَقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتُهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسْتَفْتَحُ لَهُ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَيُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ جَرَى لَهُ الْقَلَمُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا، وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فَقَالَ: ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) فَلَمَّا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِي بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي(1/102)
جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُوَافُونَ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنِينَ وَإِلحَاقِ ذُرِّيَّتِهِمْ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ حَالِهِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَرُجُوعِهِ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ فَكَذَلِكَ قَطْعُ الْقَوْلِ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْلُودِينَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ مَتْبُوعِهِ وَبِمَا جَرَى لَهُ بِهِ الْقَلَمُ فِي الْأَزَلِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَكَانَ إِنْكَارُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْقَطْعَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا، وَعَنْ أَبِيهَا لِهَذَا الْمَعْنَى، فَنَقُولُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَلَا نَقْطَعُ الْقَوْلَ بِهِ فِي آحَادِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وَمَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فِي التَّوَقُّفِ فِي أَمْرِهِمْ جَعَلَ امْتِحَانَهُمْ وَامْتِحَانَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ " (1)
ماورد في حج أطفال الصحابة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ. (2)
وعَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِىَ فِى مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَتْ بِضَبْعَىْ صَبِىٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ ». (3)
وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. (4)
__________
(1) - الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ >> بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْأَطْفَالِ أَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ >>( 119 ) والْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ (577 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 569)(15108) وصحيح مسلم- المكنز - (3317 )
(3) - موطأ مالك- المكنز - (949 ) صحيح مرسل
المحفة: الهودج الذى لا قبة له -الضبْع: وسط العضد وقيل هو ما تحت الإبط
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 399)(15718) 15809- وصحيح البخارى- المكنز - (1858)(1/103)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ». (1)
وعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ ,قَالَ: جَاءَ غُلامٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ هَذِهِ النَّاحِيَةَ الْحَجَّ، قَالَ: فَمَشَى مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ:يَا غُلامُ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ فِي الْخَيْرِ، وَكَفَاكَ الْهَمَّ, فَلَمَّا رَجَعَ الْغُلامُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ:يَا غُلامُ، قَبِلَ حَجَّكَ، وَكَفَّرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ. (2)
محاسن وأسرار الحج :
(1) الحج مظهر عملي للأخوة الإسلامية،ووحدة الأمة الإسلامية حيث تذوب في الحج فوارق الأجناس والألوان واللغات والأوطان والطبقات،وتبرز حقيقة العبودية والأُخوّة،فالجميع بلباس واحد يتجهون لقبلة واحدة ويعبدون إلهاً واحداً .
(2) والحج مدرسة يتعوَّد فيها المسلم على الصبر ويتذكر فيها اليوم الآخر وأهواله ويستشعر فيه لذة العبودية،ويعرف عظمة ربه،وافتقار الخلائق كلها إليه.
(3) والحج موسم كبير لكسب الأجور،تضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات، ...،فيرجع من الحج نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه.
(4) تذكير بأحوال الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- ودعوتهم وجهادهم،وأخلاقهم وتوظيف النفس على فراق الأهل والولد .
(5) الحج ميزان يعرف به المسلمون أحوال بعضهم وما هم عليه من علم أو جهل أو غنى أو فقر أو استقامة أو انحراف." (3)
"ومما تقدم يتضح لنا أن فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة ترتكز على العبادات كمصدر حيوي وهام للعملية التربوية المستمرة والمتصلة بالنسبة للفرد والجماعة
__________
(1) - سنن النسائي- المكنز - (2638 ) صحيح
قلت: وهذا إذا كان الجهاد فرض كفاية .
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (10 / 432) (12973 ) وعمل اليوم والليلة لابن السني - (505) فيه ضعف
(3) - التويجري، ص 647-648(1/104)
معاً،فالصلوات الخمس تربية يومية،وصلاة الجمعة تربية أسبوعية،وصلاة العيدين وصوم رمضان وإيتاء الزكاة والحج،تربية سنوية فكأنَّ التربية الإسلامية هي بحق تربية حياة متواصلة من مهد الإنسان إلى لحده،تحمل في طياتها أسباب السعادة في الدارين لمن اتقى ربه وتمسك بالفرائض وحرص على أدائها في أوقاتها المعلومة ووفق شروطها وأحكامها الشرعية المسنونة ويزيد الله تعالى الذين آمنوا هدىً وأجراً وخيراً ولا خوف عليهم في الدنيا والآخرة ولا هم يحزنون. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،ص 140(1/105)
الفصل الثالث
البناءُ الاجتماعيُّ
تمهيد :
الأساس الأول - اصطحاب الطفل لمجالس الكبار :
الأساس الثاني - إرسال الطفل لقضاء الحاجات :
الأساس الثالث- تعويد الطفل سنَّة السلام :
الأساس الرابع - عياة الطفل إذا مرض :
الأساس الخامس - اتخاذ الطفل أصدقاء من الأطفال :
الأساس السادس - تعويد الطفل البيع والشراء:
الأساس السابع - حضور الأطفال للحفلات المشروعة :
الأساس الثامن - مبيت الطفل عند أقربائه الصالحين :
خاتمة - نموذج عملي من اجتماعية الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال :(1/106)
تمهيد :
ونقصد ببناء الطفل اجتماعيًّا: أن يكون متكفياً مع وسطه الاجتماعي، سواء مع الكبار، أو مع الأصدقاء، ومن هم في سنِّه، وليكون فعَّالاً إيجابيًّا، بعيداً كل البعد عن الانطواء، والخجل المقيت، يأخذ ويعطي بأدب واحترام، ويبيع ويشتري، ويخالط ويعاشر الناس، ومن خلال التأمل في الأحاديث النبوية نجد هناك أموراً خصها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تكوين الطفل اجتماعيًّا، وهي :
الأساس الأول - اصطحاب الطفل لمجالس الكبار :
كان الأطفال يحضرون مجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان آباؤهم يأخذونهم إلى تلك المجالس الطيبة الطاهرة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلاَ وَلاَ وَلاَ، تُؤْتِى أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ ».قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هِىَ النَّخْلَةُ ».فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ قَالَ لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا.قَالَ عُمَرُ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (1) .
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِىَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ ».فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « هِىَ النَّخْلَةُ » (2) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4698 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7280 )
(2) صحيح البخارى- المكنز - (72 )(1/107)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يخالط ويعاشر الأطفال، فعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ وَنُضِحَ بِسَاطٌ لَنَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ. (1)
وعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ طَيْرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ قَالَ: وَنُضِحَ بِسَاطٌ لَنَا قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفَّنَا خَلْفَهُ. (2)
وفي أخذ الطفل إلى مجالس الكبار تظهر نواقصه واحتياجياته التربوية، فيستطيع المربي عند ذلك توجيهه نحو الكمال، ويشجعه على الجواب، عندما يطرح سؤال، فيتكلم بعد استئذان، بكل أدب ووقار، فينمو عقله، وتتهذب نفسه، وينطلق لسانه، ويتعرف إلى أحاديث الكبار شيئاً فشيئاً، فيتهيأ لدخول المجتمع، وهكذا يتدرج رويداً رويداً، بتدريب والده له، وما قلناه عن الصبي مع والده، يقال عن البنت مع أمها.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا، وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ فَقُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْتُ: "هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ "، قَالَ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ "وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ "، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، فَقَالَ عُمَرُ: "مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ " (3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: تَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ "إِذَا جَاءَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (6 / 83) (2308) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 308)(12199) 12223- صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (4294 )(1/108)
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ"[النصر آية 1]، فَقُلْتُ:إِنَّمَا هُوَ أَجَلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :، وَقَرَأَ السُّورَةَ إِلَى آخِرِهَا إِلَى "كَانَ تَوَّابًا"[النصر آية 3]، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ .
وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءُ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي، وَمَا رَأَيْتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا"[النصر آية 1,2]، حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا نَحْمَدَ اللَّهَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَدْرِي، وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، كَذَلِكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ:لا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ:هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَلَّمَهُ اللَّهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَعْلَمُ.
وفي وراية عَنْ قَتَادَةَ، وَعَاصِمٍ، أنهما سمعا عكرمة، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ،فَأَجْمَعُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ:إِنِّي لأَعْلَمُ وَإِنِّي لأَظُنُّ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟ فَقُلْتُ:سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:قُلْتُ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّ الشَّهْرَ يَدُورُ فِي سَبْعٍ، وَخَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ سَبْعٍ، وَيَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ، وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعٍ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعٌ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ سَبْعٌ، لأَشْيَاءَ ذَكَرَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ فَطِنْتَ لأَمْرٍ مَا فطِنَّا لَهُ، وَكَانَ قَتَادَةُ يَزِيدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ، قَالَ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا"[عبس آية 27,28].
وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِيَ الْعَبَّاسُ: أَيْ بنيْ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكَ وَيُقَرِّبُكَ وَيَسْتَشِيرُكَ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلاثَ خِصَالٍ:اتَّقِ لا(1/109)
يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبَةً، وَلا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، قَالَ عَامِرٌ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ . (1)
وعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ادْعُ أَبْنَاءَنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ، إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَؤُولًا وَقَلْبًا عَقُولًا" (2)
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ - وهو من صغار الصحابة -يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا » (3) .
وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: لا آكُلُ مُتَّكِئًا " (4)
لا آكل متكئا: قال الخطابي: يحسب أكثر العامة أن المتكئ هو المائل على أحد شقيه، لا يعرفون غيره، وكان بعضهم يتأول هذا الكلام على مذهب الطب، ودفع الضرر عن البدن: أنه إذا كان الآكل مائلا على أحد شقيه لا يكاد يسلم من ألم يناله في مجاري طعامه، فلا يسيغه ولا يسهل نزوله إلى معدته، قال الخطابي: وليس معنى [الحديث] ما ذهبوا إليه، إنما المتكئ ها هنا: هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، فكل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ، والاتكاء مأخوذ من الوكاء، وهو افتعال منه، فالمتكئ هو الذي أوكأ مقعدته، وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته، أراد: أنه إذا أكل لم يقعد على الأوطئة والوسائد، فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة، ويتوسع في الألوان، ولكني آكل علقة، وآخذ من الطعام بلغة، فيكون قعودي مستوفزا، لا مستوطنا، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - «كان يأكل مقعيا»، ويقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد». (5)
وهو - صلى الله عليه وسلم - يصحبهم في الطريق ويركبهم معه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 128) (10469 -10472 ) صحيح والآخير حسن
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1700)(4261 ) صحيح مرسل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5398 )
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي (885) صحيح
(5) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (7 / 394)(1/110)
تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». (1)
ويحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حضوره مجالس الكبار، واجتماعاتهم، وهو غلام، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : شَهِدْتُ وَأَنَا غُلامٌ حِلْفًا مَعَ عُمُومَتِي الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" (2)
وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لينبه الرجال إلى أدب المجلس، عندما يحضره الأطفال، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَابْنِهِ فِي الْمَجْلِسِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (3)
ومن صور اختلاط الطفل بالكبار، ودخوله معهم مجالسهم، ويستوي في ذلك الصبي والبنت، أن عمر - رضي الله عنهم - ينبه إلى فائدته في الكبر، فيعرف الناس أن فلاناً لديه بنت للزواج، وهو يعرفها في صغرها، فيرغب في تزويجها لولده، فيتقدم للخطبة، أو أن الصبي وقعت في نفسه تلك الفتاة، فيجهز نفسه في الكبر لزواجه منها،فعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: "أَبْرِزُوا الْجَارِيَةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ لَعَلَّ بَنِي عَمِّهَا أَنْ يَرْغَبُوا فِيهَا " (4)
ومن صور اجتماعية الأطفال مع الكبار أن يجلس الكبار معهم، فيحدثونهم، وينصحونهم ويوجهونهم، وينقلون إليهم توجيهات ولي أمر المسلمين، فعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: جَلَسَ إِلَيْنَا رَجُلٌ، وَنَحْنُ غِلْمَانٌ، فَقَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَمَنَ كَذَا وَكَذَا: "أَنِ اتَّزِرُوا،
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2706) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي (844) حسن
الحِلْف: في الأصل المُعاقَدةُ والمعاهدة على التَّعاضُد والتَّساعُد والاتّفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفِتَن والقتال بين القبائل والغاراتِ فذلك الذي ورد النَّهْي عنه في الإسلام-النعم: الإبل والشاء، وقيل الإبل خاصة - النكث: نقض العهد
(3) - المعجم الأوسط للطبراني - (4582) حسن لغيره
(4) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10034 ) فيه انقطاع(1/111)
وَارْتَدُوا، وَانْتَعِلُوا، وَقَابِلُوا النِّعَالَ، وَعَلَيْكُمْ بِعَيْشِ مَعَدٍّ، وَذَرُوا التَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ، وَقَابِلُوا النِّعَالَ "يَعْنِي زِمَامَيْنِ (1)
وهكذا جلس السلف الصالح مع الأطفال، ينقلون إليهم التوجيهات العمرية المفيدة، ليكونوا شخصية فذة، في مستقبل حباتهم .
الأساس الثاني - إرسال الطفل لقضاء الحاجات :
وهذا عامل هام في نشوء الطفل اجتماعيا، إذ أن قضاء الحاجات المنزلية، أو لأحد الوالدين، ذو أثر فعال وإيجابي في حياة الطفل، فعال في حياة الطفل إذ هو يتعرف على مجاهيل الحياة، فيشعر بفرح ونشوة المعرفة، وثقة في مواجهة الأمور، وفعال في مستقبله، إذ يكون قد اكتسب مهارة، وخبرة في طفولته التي تمكنه من متابعة حياته، بخطى ثابتة مركزة بدون خلل أو اضطراب .
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ، قُلْتُ: يَقِيلُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجْتُ إِلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ قَالَ: فَجِئْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ لَهُ، فَذَهَبْتُ فِيهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي فَيْءٍ حَتَّى أَتَيْتُهُ، وَاحْتَبَسْتُ عَلى أُمِّي عَنِ الإِِبَانِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا، قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ: هُوَ سِرٌّ لِرَسُولِ اللهِ قَالَتْ: فَاحْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ سِرَّهُ.
قَالَ ثَابِتٌ: قَالَ لِي أَنَسٌ: لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، أَوْ كُنْتُ مُحَدِّثًا بِهِ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ. (2)
ومن الخدمة التي يتدرب الطفل على فعلها وضع مائدة الطعام، وذلك ليشارك الأسرة في العمل، ويساهم في الإعداد، ويتعرف إلى أماكن الأشياء ومسمياتها،فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَذَلِكَ فِي السَّحَرِ: يَا أَنَسُ، إِنِّي أُرِيدُ الصِّيَامَ، فَأَطْعِمْنِي شَيْئًا.قَالَ:
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (598 ) فيه جهالة
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 504)(13022) 13053- صحيح(1/112)
فَجِئْتُهُ بِتَمْرٍ وَإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ بَعْدَ مَا أَذَّنَ بِلاَلٌ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، انْظُرْ إِنْسَانًا يَأْكُلُ مَعِي.قَالَ: فَدَعَوْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي شَرِبْتُ شَرْبَةَ سَوِيقٍ وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَتَسَحَّرَ مَعَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ. (1)
قلت: المقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل بعد الأذان الأول، وقبل الأذان الثاني الذي هو أذان الفجر، بدليل حديث أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنهم - قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ.قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً (2) .
فعلى هذا فالمراد بقوله: "كم كان بين الأذان والسحور "أي أذان ابن أم مكتوم، لأن بلالا كان يؤذن قبل الفجر. والآخر يؤذن إذا طلع.
واستدل ( البخاري) به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب، والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة - وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها - قدر ثلث خمس ساعة، ولعلها مقدار ما يتوضأ. فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر " (3)
وقد يقول قائل: فما المائدة التي أعدها أنس؟ إنها تمر وماء! أقول: ليست العبرة بكثرة الطعام، وإنما العبرة في المبدأ نفسه؛ أن يقوم الصبي في هذا الوقت من الليل - وقت السحور - الذي ينام فيه الصبيان، بل ينام فيه شداد الرجال، ثم يُعد ما تيسر مما رزق اللَّه سبحانه ليطعم بعد ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - .نعم إنها التربية الحسنة، والرعاية الواعية للأبناء والشباب. (4)
تلك التربية العملية التي تجعل الطفل لا ينسى، ويحدِّث بها في كبره، وتزاد إلى رصيد خبرته، وتتكون شخصيته الاجتماعية بالتفاعل مع الحياة والناس، ولا ينتابه الخجل المقيت،
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 508)(13033) 13064- صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1921)
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (2 / 54)
(4) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 3)(1/113)
والتقوقع على نفسه، بل ترفده خبرته مع والديه، مما يجعله واثقاً من نفسه، لا تهزه المواقف الاجتماعية مهما اختلفت حدَّتها وقسوتها.
الأساس الثالث- تعويد الطفل سنَّة السلام :
السلام هو التحية الإسلامية بين المسلمين، والطفل يتعرض للقاء الناس على اختلاف مستوياتهم، فهو يحتاج ليتعرف على مفتاج الكلام معهم .
ونلاحظ أسلوباً لطيفاً من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته في غرس سنَّة السلام في نفس الطفل، وهو بدء الكبير بالسلام على الأطفال، حتى إذا عرفوا ذلك، فإنك تراهم يبؤون بالسلام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ (1) .
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ، قُلْتُ: يَقِيلُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجْتُ إِلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ قَالَ: فَجِئْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ لَهُ، فَذَهَبْتُ فِيهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي فَيْءٍ حَتَّى أَتَيْتُهُ، وَاحْتَبَسْتُ عَلى أُمِّي عَنِ الإِِبَانِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا، قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ: هُوَ سِرٌّ لِرَسُولِ اللهِ قَالَتْ: فَاحْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ سِرَّهُ. (2)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُ الأَنْصَارَ، فَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهمْ، وَيَمْسَحُ بِرُؤُوسِهِمْ، وَيَدْعُو لَهُمْ. (3)
وقَالَ أَنَسٌ انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا غُلاَمٌ فِى الْغِلْمَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَأَرْسَلَنِى بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِى ظِلِّ جِدَارٍ - أَوْ قَالَ إِلَى جِدَارٍ - حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ. (4)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ صِبْيَانٌ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. (5)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6247 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 504)(13022) 13053- صحيح
(3) - أخرجه"النَّسائي"، في "الكبرى" (8291) صحيح
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (5205 ) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 445)(26288) صحيح(1/114)
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَنَحْنُ صِبْيَانٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَرْسَلَنِي فِي حَاجَةٍ، وَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ يَنْتَظِرُنِي، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: مَا حَبَسَكَ ؟ فَقُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ، قَالَتْ: مَا هِيَ ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . (1)
قالَ ابن بَطّال: فِي السَّلام عَلَى الصِّبيان تَدرِيبهم عَلَى آداب الشَّرِيعَة.
وفِيهِ طَرح الأَكابِر رِداء الكِبر وسُلُوك التَّواضُع ولِين الجانِب.قالَ أَبُو سَعِيد المُتَولِّي فِي "التَّتِمَّة "مَن سَلَّمَ عَلَى صَبِيّ لَم يَجِب عَلَيهِ الرَّدّ لأَنَّ الصَّبِيّ لَيسَ مِن أَهل الفَرض، ويَنبَغِي لِولِيِّهِ أَن يَأمُرهُ بِالرَّدِّ لِيَتَمَرَّن عَلَى ذَلِكَ، ولَو سَلَّمَ عَلَى جَمع فِيهِم صَبِيّ فَرَدَّ الصَّبِيّ دُونهم لَم يَسقُط عَنهُم الفَرض.وكَذا قالَ شَيخه القاضِي حُسَين، ورَدَّهُ المُستَظهِرِيّ.
وقالَ النَّووِيّ: الأَصَحّ لا يُجزِئ، ولَو ابتَدَأَ الصَّبِيّ بِالسَّلامِ وجَبَ عَلَى البالِغ الرَّدّ عَلَى الصَّحِيح.
قُلت: ويُستَثنَى مِنَ السَّلام عَلَى الصَّبِيّ ما لَو كانَ وضِيئًا وخُشِيَ مِنَ السَّلام عَلَيهِ الافتِتان فَلا يُشرَع ولا سِيَّما إِن كانَ مُراهِقًا مُنفَرِدًا. (2)
وأما سلام الطفل على والديه أو الكبار فإنه يعوَّد أن يبدأ هو بالسلام، خاصة عندما يدخل البيت، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " (3)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَإِذَا مَرَّ الْقَوْمُ فَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَإِذَا رَدَّ عَنِ الْآخَرِينَ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ " (4)
__________
(1) - الأدب المفرد للبخاري - ( 1139) صحيح
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (11 / 33)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6232 )
(4) - شعب الإيمان - (11 / 268) (8526 ) صحيح مرسل(1/115)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ " (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ ». (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ ». (3)
وعن جَابِرَ قال: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (86) سورة النساء (4)
الأساس الرابع - عياة الطفل إذا مرض :
إن عيادة المريض من حق المسلم على أحيه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ. (5)
وثوابها كبير عند الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي ؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ:
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 741)(10625) 10633- صحيح لغيره
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (5200 ) صحيح
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2915 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(4) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1136 ) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 275) (8397) 8378- صحيح(1/116)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي. وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجِدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمَنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا لَوْ أَنَّكَ أَطْعَمْتَهُ لَوَجِدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. (2) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحْمَةَ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ، غُمِرَ فِيهَا. (3)
وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ « جَنَاهَا ». (4)
لذلك فإنَّ مما يساعد على بناء الروابط الاجتماعية للأطفال: عيادتهم إذا مرضوا، فعندما يرى الطفل، وهو ما زال في مرحلة الفطرة والصفاء، أن الناس الكبار يأتون إليه، فإنه يتعوَّد هذه العادة الحسنة - والتي هي من حق المسلم على أخيه-، كما أنها تخفف من آلامه وأسقامه، وإذا دعمت هذه الزيارة بدعوة الطفل للإسلام، وتثبيته على الإيمان، والتوبة والمغفرة إلى الله، فإن العيادة تؤتي أكلها كاملة مثمرة، مضاعفة الأجر، وهذا ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6721) وصحيح ابن حبان - (1 / 503)(269)
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 224) (944) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (7 / 222) (2956) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6719 ) -الخرفة: أى اجتناء ثمر الجنة(1/117)
فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ ».فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - .فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ » (1) .
وهكذا نجد منه - صلى الله عليه وسلم - استغلال كل فرصة، ليغرس شيئاً في نفس الطفل، وفي كل لقاء يعلمه علماً نافعاً، وفي كل مشاهدة يعوِّده على الخير.
الأساس الخامس - اتخاذ الطفل أصدقاء من الأطفال :
من السنن الاجتماعية الثابتة بين الناس: الصحبة والصداقة، فمن طبيعة النفس البشرية أن تخالط الناس، وتتعرف عليهم، وتتخذ من بينهم ثلة تقترب منهم، وتعيش معهم، حياة الأحوة والمحبة .
فإذا أحسن الوالدان اختيار الصديق الصالح لطفلهم، فقد فتحا باباً تربويًّا، في إصلاح هذا الطفل، وتنميته، وإذا علمنا أن الطفل سيختار طفلاً ما صديقاً لأننا لا نستطيع أن نعاكس الفطرة، فإذاً كان من الأولى بذل المساعدة لهذا الطفل في عملية اختيار الطفل والصديق الصالح، الذي سيساعده على طاعة الله، وزيادة السلوك الإسلامي الصحيح، لهذا وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعب في طفولته مع الأطفال، ويمرُّ عليهم وهو الرسول القائد وهم يلعبون، فيسلم عليهم، ولا يعنف عليهم، وهو يراهم يلعبون بشكل جماعي، ولا يطردهم، بل يدعو لهم، بأن ينزل عليهم سلام من الله ورحمة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ، فَرَأَيْتُ صِبْيَانًا يَلْعَبُونَ، فَقَعَدْتُ مَعَهُمْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ. (2)
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ن وحرصه أن ينشأ الطفل في جوٍّ جماعيٍّ بين الأطفال، بعيداً على الانزواء والعزلة .
ومن العوامل الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف الولد، رفاق السوء والخلطة الفاسدة، ولا سيما إن كان الولد بليد الذكاء، ضعيف العقيدة، متميع الخلق فسرعان ما يتأثر بمصاحبة
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1356 )
(2) - أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (1375) صحيح(1/118)
الأشرار، ومرافقة الفجار، وسرعان ما يكتسب منهم أحط العادات، وأقبح الأخلاق. بل يسير معهم في طريق الشقاوة بخُطى سريعة، حتى يصبح الإجرام طبعاً من طباعهم، والانحراف عادة متأصلة من عاداتهم، ويصعب بعد ذلك ردّه إلى الجادة المستقيمة، وإنقاذه من وهدة الضلال، وهوّة الشقاء.
والإسلام بتعاليمه التربوية وجّه الآباء والمربين إلى أن يراقبوا أولادهم مراقبة تامة، وخاصة في سن التمييز والمراهقة، ليعرفوا من يخالطون ويصاحبون، وإلى أين يغدون ويروحون؟ وإلى أي الأماكن يذهبون ويرتادون؟
كما وجههم أن يختاروا لهم الرفقة الصالحة، ليكتسبوا منهم كل خُلق كريم، وأدب رفيع، وعادة فاضلة.
كما وجههم أن يحذروهم من خُلطاء الشر، ورفاق السوء، حتى لا يقعدوا في حبائل غيهم، وشباك ضلالهم وانحرافهم.
وإليكم توجيهات الإسلام وتحذيراته من قرناء الشر، ورفاق السوء والفساد:
- قال تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) } [الفرقان: 27 - 30].
- وقال أيضاً: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (27) سورة ق
- وقال كذلك: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (67) سورة الزخرف
الأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة. (1)
وقال عن أثر الصاحب الفاسق: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ
__________
(1) - التفسير الميسر - (9 / 31)(1/119)
(55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) } [الصافات: 50 - 57]
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها، وما أنعم الله به عليهم في الجنة، وهذا من تمام الأنس.
قال قائل من أهل الجنة: لقد كان لي في الدنيا صاحب ملازم لي.
يقول: كيف تصدِّق بالبعث الذي هو في غاية الاستغراب؟ أإذا متنا وتمزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا، نُبعث ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا؟
قال هذا المؤمن الذي أُدخل الجنة لأصحابه: هل أنتم مُطَّلعون لنرى مصير ذلك القرين؟ فاطلع فرأى قرينه في وسط النار.
قال المؤمن لقرينه المنكر للبعث: لقد قاربت أن تهلكني بصدك إياي عن الإيمان لو أطعتك. ولولا فضل ربي بهدايتي إلى الإيمان وتثبيتي عليه، لكنت من المحضرين في العذاب معك. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ. (2)
وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ». (3)
فما أجدر الآباء والمربين أن يأخذوا بهذه التوجيهات الكريمة، حتى تنصلح أحوال أولادهم، وتسْموا أخلاقهم، ويظهر في المجتمع أدبهم، وحتى يكونوا في الأمة أداة خير، ورسل إصلاح، ودعاة هداية، فينصلح المجتمع بصلاحهم، وتفتخر الأمة بكريم فعالهم، وجميل صفاتهم (4) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (8 / 81)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 280)(8417) 8398- صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2101 )
(4) - تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 98)(1/120)
الأساس السادس - تعويد الطفل البيع والشراء:
إن اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتكوين الطفل اجتماعيا واقتصاديًّا، يتجلَّى في توجيهه لكل ميادين الحياة، ليتفاعل الطفل مع الواقع الجديد، والمجتمع الجديد، الذي ينشأ فيه، فعملية البيع والشراء تكسبه حركة اجتماعية قوية، إذ يتعامل مع أطفال مثله، ويعوَّد كيفية النشوء في هذه الحياة، ويستفيد من وقته في شيء مفيد، كما أنها تكسبه الثقة النفسية الاجتماعية، ويتحول إلى إنسانٍ سويٍّ، يتعلم الجدَّ في الحياة شيئاً فشيئاً، بعيداً عن الهزل، ويتعوَّد الأخذ والعطاء، ويفهم الحياة فهماً جيداً، صحيحاً، بعيداً عن الدلال المفرط، المقيت، الذي يقتل الأطفال أينما وجدوا.
بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدعو لهذا الطفل بأن يبارك الله له تجربته، وفي صفقته، فعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَبِيعُ مَعَ الْغِلْمَانِ أَوِ الصِّبْيَانِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي بَيْعِهِ، أَوْ قَالَ: فِي سَفْقَتِهِ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي(1467) صحيح(1/121)
فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (1) .
وهذا واللَّه من أعظم المواقف للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، فعبد الله بن جعفر ابنُ ابنِ عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبوه قائد المسلمين وشهيدهم في غزوة مؤتة، وهو الطيار الذي يطير بجناحين في الجنة، ثم مع هذا يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه في السوق يبيع الجلود المدبوغة والقِرَب وغيرها؛ فلم يخجل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وهم أشرف الناس عند الله وعند الناس، ولم يمنعه - صلى الله عليه وسلم - من البيع بل دعا له بالبركة والمزيد، ولم يجعل كذلك خزانة بيت المال تحت تصرفه، بل تركه يعتمد على نفسه، كيف لا وهو القائل - صلى الله عليه وسلم - : "اللَّهُمَّ، اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا." (2)
الأساس السابع - حضور الأطفال للحفلات المشروعة :
وهذا مكان تجمع آخر، يذهب إليه الأطفال، فيتعارفون فيه، على هذا الحفل الكريم، الذي سيكون يوماً ما أحد أعضائه الأساسيين، فيشاهدون الكبار والصغار، ويسمعون الأحاديث الودية، والأفراح الجميلة، فتبتهج نفوسهم، وتتحرك مشاعرهم .
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشاهد الصبيان في حفل الزفاف، فيقرُّهم على مجيئهم وإقبالهم على الحضور، ولا ينكر عليهم، ويدعو للحاضرين جميعاً، فتشمل دعوته هؤلاء الأطفال .
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ رَأَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ - قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرُسٍ - فَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مُمْثِلاً، فَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ ».قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ (3) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545)(1750) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2474) وصحيح ابن حبان - (14 / 255) (6344) قوتا القوت: ما يقوم بالإنسان من الطعام.، وانظر أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 3)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3785 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6573 )(1/122)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى صِبْيَانًا ونِّسَاءً مُقْبِلِينَ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ نَّبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُمْثِلاً فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، يَعْنِي الأَنْصَارَ (1) .
وبهذا يتم تكوين الطفل اجتماعيّا بأخذه إلى الأماكن العامة والأفراح، بشرط عدم مخالطة أهل التبرج والسفور، ولا الجلوس مع مرتكبي المخالفات الشرعية كالمدخنين والمغنين أهل الفسق.
الأساس الثامن - مبيت الطفل عند أقربائه الصالحين :
إن خروج الطفل من بيته، إلى بيت أحد أقربائه الصالحين، ونومه عندهم فيه تدريب له، على رؤية أسرة ثانية، فيتدرب على التعامل مع أقربائه، ويستفيد منهم علماً، وفهماً، وعبادة، وصلاحاً، كما أن فيه تدريباً على صلة الأرحام، وزيادة أواصر المحبة مع أقربائه، بالإضافة إلى ترك أثر طيب في كبره، عندما يتذكر مبيته، وزيارته الطفولية، فيرويها ويعتزُّ بها، كما أن فيها تدعيماً لحسن العلاقة الاجتماعية، وإذا نبَّه الوالدان الطفل، على الاستفادة من مبيته، عند أقربائه، من علمهم وتقواهم، كان خيراً على خير.
فهذا ابن عباس - رضي الله عنهم - ، يعلِّم الأطفال جميعاً الحرص على زيارة الأقرباء الصالحين، والاستفادة منهم .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ « نَامَ الْغُلَيِّمُ ».أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ (2) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 452)(12797) 12828- صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (117)
الخطيط: الصوت الذى يخرج من نفس النائم -الغطيط: الصوت الذى يخرج من نفس النائم(1/123)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِى بَيْتِ خَالَتِى مَيْمُونَةَ فَبَقَيْتُ كَيْفَ يُصَلِّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ - فَقَامَ فَبَالَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ صَبَّ فِى الْجَفْنَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ - قَالَ - فَأَخَذَنِى فَأَقَامَنِى عَنْ يَمِينِهِ فَتَكَامَلَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى فَجَعَلَ يَقُولُ فِى صَلاَتِهِ أَوْ فِى سُجُودِهِ « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا وَفِى سَمْعِى نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِى نُورًا وَعَنْ شِمَالِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَخَلْفِى نُورًا وَفَوْقِى نُورًا وَتَحْتِى نُورًا وَاجْعَلْ لِى نُورًا أَوْ قَالَ وَاجْعَلْنِى نُورًا ». (1)
وعَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِىَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِى عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِى طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِى، وَأَخَذَ بِأُذُنِى الْيُمْنَى، يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ . (2)
خاتمة - نموذج عملي من اجتماعية الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال :
والآن نضع بين يديك النموذج العملي، والقدوة الحسنة، من اجتماعية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، ليكون الختام في هذا المقام، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ - وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ « يَا أَبَا
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1830 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (183 ) -الشن: القربة البالية -يفتل: يدلك(1/124)
عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ».نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِى بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا. (1)
وانظر هذا الشرح النفيس لهذا الحديث الشريف لخاتمة الحفاظ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وهو يقف على هذا الحديث وقفة رائعةً تفصيلية، لترى أن التربية النبوية للأطفال نستطيع أن نستخلص منها الشيء العجاب، وأن الأمة الإسلامية كيف انتكست في أصولها التربوية، عندما بدأت تصدق فلان وعلان، وابتعدت على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق وإمام المرسلين ؟!!
ونبدأ بابن القاص رحمه الله: "قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَفِيمَا رُوِّينَا مِنْ قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ سِتُّونَ وَجْهًا مِنَ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَفُنُونِ الْفَائِدَةِ وَالْحِكْمَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ سُنَّةَ الْمَاشِي أَنْ لَا يَتَبَخْتَرَ فِي مِشْيَتِهِ وَلَا يَتَبَطَّأَ فِيهِ، فَإِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا مَشَى تَوَكَّأَ كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الزِّيَارَةَ سُنَّةٌ، وَمِنْهَا الرُّخْصَةُ لِلرِّجَالِ فِي زِيَارَةِ النِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَمِنْهَا زِيَارَةُ الْحَاكِمِ الرَّعِيَّةَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إِذَا خَصَّ الْحَاكِمُ بِالزِّيَارَةِ وَالْمُخَالَطَةِ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَيْلٍ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ لِلْحُكَّامِ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا كَانَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ تَوَاضُعِ الْحَاكِمِ لِلرَّعِيَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْحِجَابِ لِلْحُكَّامِ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسِيرَ وَحْدَهُ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْمَقَارِعِ بَيْنَ يَدَيِ الْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ مُحْدَثَةٌ مَكْرُوهَةٌ ؛ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى عَلَى نَاقَةٍ لَهُ لَا ضَرَبَ وَلَا طَرَدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ، وَفِي قَوْلِهِ: "يَغْشَانَا "مَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ زِيَارَتِهِ لَهُمْ، وَأَنَّ كَثْرَةَ الزِّيَارَةِ لَا تَخْلُقُ الْحُبَّ وَالْمَوَدَّةَ وَلَا تُنْقِصُهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا طَمَعٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: "زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا "كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِمَا رَأَى فِي زِيَارَتِهِ مِنَ الطَّمَعِ ؛ لِمَا كَانَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ حَتَّى دَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مِزْوَدَةٍ، وَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهَا إِلَّا أَخَذَ حَاجَتَهُ فَحَصَلَتْ لَهُ الزِّيَارَةُ دُونَ الطَّمَعِ، وَفِي قَوْلِهِ: "يُخَالِطُنَا "، مَا يَدُلُّ عَلَى الْأُلْفَةِ بِخِلَافِ النُّفُورِ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ "الْمُؤْمِنُ أَلُوفٌ،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6203 ) -النغير: تصغير نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار(1/125)
وَالْمُنَافِقُ نَفُورٌ "، وَمِنْهَا أَنَّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: "فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ "إِذَا كَانَتْ فِي لُقْيِهِمْ مَضَرَّةٌ لَا عَلَى الْعُمُومِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ أُلْفَةٌ وَمَوَدَّةٌ، فَالْمُخَالَطَةُ أَوْلَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَبَابِ النِّسَاءِ وَعَجَائِزِهِنَّ فِي الْمُعَاشَرَةِ، إِذِ اعْتَذَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَنْ رَآهُ وَاقِفًا مَعَ صَفِيَّةَ وَلَمْ يَعْتَذِرْ مِنْ زِيَارَتِهِ أُمَّ سُلَيْمٍ، بَلْ كَانَ يَغْشَاهُمُ الْكَثِيرَ، وَفِي قَوْلِهِ: "مَا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا يَدُلُّ عَلَى مُصَافَحَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْمُصَافَحَةُ دَلَّ عَلَى تَسْلِيمِ الزَّائِرِ، إِذَا دَخَلَ وَدَلَّ عَلَى مُصَافَحَتِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنْ يُصَافَحَ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: فَمَا مَسَسْنَا، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا مَسَسْتُ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّتُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّسْلِيمِ عَلَى النِّسَاءِ وَمُبَايَعَتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يُصَافِحُ الرِّجَالَ دُونَهُنَّ، وَفِي لِينِ كَفِّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ الْمُصَلِّي إِلَى شِدَّةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ كَمَا اخْتَارَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ؛ لِمَا وَجَدَهُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَمَّدَ إِلَى شِدَّةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ لِيُؤَثِّرَ عَلَى يَدَيْهِ دُونَ جَبْهَتِهِ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِلزَّائِرِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْجَرِيدِ وَالْحَصِيرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: إِنَّهُ كَانَ حَصِيرًا بَالِيًا، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَصِيرِ، وَيَنْزِعُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا، وَفِي نَضْحِهِمْ ذَلِكَ لَهُ وَصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فِي الْبَيْتِ صَبِيًّا صَغِيرًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ تَرْكُ التَّقَزُّزِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينُ النَّجَاسَةِ.وَفِي نَضْحِهِمُ الْبِسَاطَ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى أَرْوَحِ الْحَالِ وَأَمْكَنِهَا، لَا عَلَى أَجْهَدِهَا وَأَشَدِّهَا ؛ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ الْجَهْدُ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِ الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا كَمَا أُمِرَ الْجَائِعُ أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّعَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ خِلَافَ مَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ إِذْ زَعَمَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى أَجْهَدِ الْحَالِ، كَمَا سُمِعَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ لَبِسُوا الْمُسُحَ إِذَا قَامُوا مِنَ اللَّيْلِ وَقَيَّدُوا أَقْدَامَهُمْ، وَفِي صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِمْ ؛ لِيَأْخُذُوا عِلْمَهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ حَمْلِ الْعَالِمِ عِلْمَهُ إِلَى أَهْلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ مَذَلَّةٌ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الْعِلْمَ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْعِلْمِ مَذَلَّةٌ أَوْ(1/126)
كَانَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِ عَلَى الْعَالِمِ تَطَاوُلٌ، وَفِيهِ دَلَالَةُ اخْتِصَاصٍ لِآلِ أَبِي طَلْحَةَ إِذْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِمْ، وَأَخْذُهُمْ قِبْلَةَ بَيْتِهِمْ بِالنَّصِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دُونَ الدَّلَائِلِ وَالْعَلَامَاتِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَ مَازَحَهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُمَازِحُهُ كَثِيرًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُمَازَحَةَ الصِّبْيَانِ مُبَاحٌ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إِبَاحَةُ سُنَّةٍ، لَا إِبَاحَةَ رُخْصَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إِبَاحَةَ رُخْصَةٍ لَأَشْبَهَ أَنْ لَا يُكْثِرَهَا، كَمَا قَالَ فِي مَسْحِ الْحَصَى لِلْمُصَلِّي: "فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمَرَّةً "؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لَا سُنَّةً.وَفِيهِ إِذْ مَازَحَهُ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ التَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حَالُ الْمُؤْمِنِ فِي الْمَنْزِلِ مِنْ حَالِهِ إِذَا بَرَزَ، فَيَكُونُ فِي الْمَنْزِلِ أَكْثَرَ مِزَاحًا، وَإِذَا خَرَجَ أَكْثَرَ سَكِينَةً وَوَقَارًا إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الرِّيَاءِ، كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ إِذَا خَلَا بِأَهْلِهِ، وَأَزْمَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ أَنَّهُ يُخَالِفُ سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: فَرَآهُ حَزِينًا، مَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ التَّفَرُّسِ فِي الْوُجُوهِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَهْلِ الْفِرَاسَةِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَأَكْرَهُ الْإِكْثَارَ إِذِ الْغَرَضُ غَيْرُهُمَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْعِبْرَةِ لِأَهْلِهَا، إِذِ اسْتَدَلَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحُزْنِ الظَّاهِرِ فِي وَجْهِهِ عَلَى الْحُزْنِ الْكَامِنِ فِي قَلْبِهِ، حَتَّى حَدَاهُ عَلَى سُؤَالِ حَالِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: "مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ ؟ "دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا رَأَيْتَ أَخَاكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ - كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ - عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ بِالسُّنَّةِ فِي تَفْرِيقِ اللَّفْظِ بَيْنَ سُؤَالَيْنِ، فَإِذَا سَأَلْتَ أَخَاكَ عَنْ حَالِهِ قُلْتَ: مَا لَكَ ؟ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ؟ "، وَإِذَا سَأَلْتَ غَيْرَهُ عَنْ حَالِهِ قُلْتَ: "مَا بَالُ أَبِي فُلَانٍ ؟ "كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ ؟ "، وَفِي سُؤَالِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ سَأَلَ عَنْ حَالِ أَبِي عُمَيْرٍ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكَنَّى مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَكْرَهُ ذَلِكَ حَتَّى أُخْبِرَ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَفِي قَوْلِهِ: مَاتَ نُغَيْرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، تَرْكُهُ النَّكِيرَ بَعْدَ مَا(1/127)
سَمِعَ ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - دَلِيلٌ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ لِلصِّبْيَانِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرُّخْصَةِ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَخْلِيَةِ الصَّبِيِّ وَمَا يَرُومَ مِنَ اللَّعِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَوَاعِي الْفُجُورِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ يَكْرَهُ لِوَالِدَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَاهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِنْفَاقَ الْمَالِ فِي مَلَاعِبِ الصِّبْيَانِ لَيْسَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَاهِي الْمَنْهِيَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِمْسَاكِ الطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ، وَقَصِّ جَنَاحِ الطَّيْرِ ؛ لِمَنْعِهِ مِنَ الطَّيَرَانِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ النُّغَيْرَةُ الَّتِي كَانَ يَلْعَبُ بِهَا فِي قَفَصٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ شَدِّ رِجْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ تَكُونَ مَقْصُوصَةَ الْجَنَاحِ، فَأَيُّهُمَا كَانَ الْمَنْصُوصُ فَالْبَاقِي قِيَاسٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَكْرَهُ قَصَّ جَنَاحِ الطَّائِرِ وَحَبْسَهُ فِي الْقَفَصِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَجُلًا لَوِ اصْطَادَ صَيْدًا خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِرْسَالُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ الِاصْطِيَادَ بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، وَأَجَازَ لِأَبِي عُمَيْرٍ إِمْسَاكَهُ، فِيهَا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُفْتِي بِإِمْسَاكِ ذَلِكَ وَمِنْ حَجَّتِهِ فِيهِ أَنَّ مَنِ اصْطَادَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ إِرْسَالُهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا اصْطَادَ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَا، فَقَالَ: مَنِ اصْطَادَ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ فِي مِلْكِهِ فَعَلَيْهِ إِرْسَالُهُ، وَمَنِ اصْطَادَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، فَلَا إِرْسَالَ عَلَيْهِ.وَفِي قَوْلِهِ: "مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ "دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصْغِيرِ الْأَسْمَاءِ كَمَا صَغَّرَ النُّغَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَازَحَهُ بِذَلِكَ يَبْكِي أَبُو عُمَيْرٍ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إِذَا بَكَى الْيَتِيمُ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ بُكَائِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ بُكَاءَ الصَّبِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا بُكَاءُ الدَّلَالِ عِنْدَ الْمِزَاحِ وَالْمُلَاطَفَةِ، وَالْآخَرُ بُكَاءُ الْحُزْنِ أَوِ الْخَوْفِ عِنْدَ الظُّلْمِ أَوِ الْمَنْعِ عَمَّا بِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، فَإِذَا مَازَحْتَ يَتِيمًا أَوْ لَاطَفْتَهُ فَبَكَى فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهْتِزَازُ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْحَكِيمَ لَا يُوَاجِهُ بِالْخِطَابِ غَيْرَ الْعَاقِلِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ صِفَةُ الْحَكِيمِ فِي خِطَابِهِ أَنْ لَا يَضَعَ الْخِطَابَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَذَلِكَ دَلِيلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - وَاجَهَ الصَّغِيرَ بِالْخِطَابِ عِنْدَ الْمِزَاحِ فَقَالَ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ "وَلَمْ يُوَاجِهْهُ بِالسُّؤَالِ عِنْدَ الْعِلْمِ وَالْإِثْبَاتِ، بَلْ خَاطَبَ غَيْرَهُ، فَقَالَ: "مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ ؟ "، وَفِيهِ دَلِيلٌ(1/128)
عَلَى أَنَّ لِلْعَاقِلِ أَنْ يُعَاشِرَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ، وَلَا يَحْمِلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى عَقْلِهِ، وَفِي نَوْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِمَادَ الْقَسَمِ بِاللَّيْلِ وَأَنْ لَا حَرَجَ عَلَى الرَّجُلِ فِي أَنْ يَقِيلُ بِالنَّهَارِ عِنْدَ امْرَأَةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُنَّةِ الْقَيْلُولَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ فِي أَدَبِ الْحُكَّامِ أَنَّ نَوْمَ الْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ فِي مَنْزِلِ الرَّعِيَّةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ دَنَاءَةٌ تُسْقِطُ مُرُوءَةَ الْحَاكِمِ، وَفِي نَوْمِهِ عَلَى فِرَاشِهَا دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسِ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ، أَوْ يَلْبَسَ ثَوْبَهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى تَقْطِيعِ الرِّجَالِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَرْءُ عَلَى امْرَأَةٍ فِي مَنْزِلِهَا وَزَوْجُهَا غَائِبٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ مَحْرَمٍ لَهُ، وَفِي نَضْحِ الْبِسَاطِ لَهُ وَنَوْمِهِ عَلَى فِرَاشِهَا دَلِيلٌ عَلَى إِكْرَامِ الزَّائِرِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّنَعُّمَ الْخَفِيفَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ "لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا فِيمَا عَدَا التَّنَعُّمَ الْقَلِيلَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُشَيِّعَ الزَّائِرَ إِلَى بَابِ الدَّارِ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَشْيِيعِ الضَّيْفِ إِلَى بَابِ الدَّارِ، إِذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَشْيِيعُهُمْ لَهُ إِلَى الْبَابِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ مَا ذُكِرَ مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ: كَانُوا إِذَا دَخَلُوا عَلَيْهِ لَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذُوَاقٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ ذُوَاقَ الْعِلْمِ، فَفِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلِيلُ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى ذُوَاقِ الْعِلْمِ إِذْ قَدْ أَذَاقَهُمُ الْعِلْمَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ذُوَاقُ الطَّعَامِ، وَكَانَ مِنْ صِفَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يُوَاسِي بَيْنَ جُلَسَائِهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ كُلٌّ بِحَظٍّ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - اللَّهِ فِي دُخُولِهِ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ صَافَحَ أَنَسًا، وَمَازَحَ أَبَا عُمَيْرٍ الصَّغِيرَ، وَنَامَ عَلَى فِرَاشِ أُمِّ سُلَيْمٍ حَتَّى نَالَ الْجَمِيعُ مِنْ بَرَكَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَإِذْ كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَأَقَلُّ مَا فِي تَحَفُّظِ طُرُقِهِ أَنْ يَكُونَ نَافِلَةً، وَفِيهِ أَنَّ قَوْمًا أَنْكَرُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ، ثُمَّ افْتَرَقُوا فِيهِ وَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ خَبَرِ الِاثْنَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الشَّاهِدَيْنَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ خَبَرِ الثَّلَاثَةِ، وَنَزَعَ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ الْآيَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ خَبَرِ الْأَرْبَعَةِ قِيَاسًا عَلَى أَعْلَى الشَّهَادَاتِ وَأَكْبَرِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالشَّائِعِ وَالْمُسْتَفِيضِ، فَكَانَ فِي تَحَفُّظِ طُرُقِ الْأَخْبَارِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ حَدِّ الْوَاحِدِ إِلَى حَدِّ الِاثْنَيْنِ، وَخَبَرُ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَلَعَلَّهُ(1/129)
يَدْخُلُ فِي خَبَرِ الشَّائِعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَفِيهِ أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا كَانَتْ لَهُ طُرُقٌ وَطَعَنَ الطَّاعِنُ عَلَى بَعْضِهَا احْتَجَّ الرَّاوِي بِطَرِيقٍ آخَرَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ انْقِطَاعُ مَا وَجَدَ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ سَبِيلًا وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ مَعْرِفَةِ النَّقَلَةِ وَالرُّوَاةِ وَمِقْدَارِهِمْ، فِي كَثْرَةِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ فَفِي تَحَفُّظِ طُرُقِ الْأَخْبَارِ وَمَعْرِفَةِ مَنْ رَوَاهَا وَكَمْ رَوَى كُلُّ رَاوٍ مِنْهُمْ مَا يُعْلَمُ بِهِ مَقَادِيرُ الرُّوَاةِ وَمَرَاتِبُهُمْ فِي كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَقْصَوْا فِي مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْخَبَرِ عَرَفُوا بِهِ غَلَطَ الْغَالِطِ إِذَا غَلَطَ، وَمَيَّزُوا بِهِ كَذِبَ الْمُدَلِّسِ، وَتَدْلِيسَ الْمُدَلِّسِ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَقْصِ الْمَرْءُ فِي طُرُقِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ كَانَ أَقَلَّ مَا يَلْزَمُهُ إِذَا دَلَّسَ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ قَدْ رُوِيَ وَلَمْ أَسْتَقْصِ فِيهِ، فَرَجَعَ بِاللَّائِمَةِ وَالتَّقْصِيرِ عَلَى نَفْسِهِ وَالِانْقِطَاعِ، وَقَدْ حَلَّ لِخَصْمِهِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ سِتُّونَ وَجْهًا مِنْ فُنُونِ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَالْفَوَائِدِ، وَالْحِكْمَةِ، ثُمَّ نَزِيدُ عَلَى السِّتِّينَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ تَثْبِيتُ الِامْتِحَانِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَمْثَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى شَيْءٍ مِنْ تَخْرِيجِ فِقْهِهِ، وَيَسْتَخْرِجُ أَحَدُنَا مِنْهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ - كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا اجْتِهَادُ الْمُسْتَخْرِجِ فِي اسْتِنْبَاطِهِ، وَالثَّانِي تَبْيِينُ فَضِيلَتِهِ فِي الْفِقْهِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى أَغْيَارِهِ، وَالْعَيْنُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنْ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَةِ اللَّطِيفِ فِي تَدْبِيرِ صُنْعِهِ أَنْ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَيُفَضَّلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ " (1)
وفي الفتح :
"فيه استحباب التأني في المشي، وزيارة الإخوان، وجواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة، وتخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة، ومخالطة بعض الرعية دون بعض، ومشي الحاكم وحده، وأن كثرة الزيارة لا تنقص المودة.
وفيه مشروعية المصافحة لقول أنس فيه: "ما مسست كفا ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة، وأن الذي مضى في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنه "كان شثن الكفين"خاص بعبالة الجسم لا بخشونة اللمس.
__________
(1) - حَدِيثُ ابْنِ الْقَاصِّ (1-5 )(1/130)
وفيه استحباب صلاة الزائر في بيت المزور ولا سيما إن كان الزائر ممن يتبرك به، وجواز الصلاة على الحصير، وترك التقزز لأنه علم أن في البيت صغيرا وصلَّى مع ذلك في البيت وجلس فيه.
وفيه أن الأشياء على يقين الطهارة لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف.
وفيه أن الاختيار للمصلي أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها، خلافا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدها.
وفيه جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيده منه، وفضيلة لآل أبي طلحة ولبيته إذ صار في بيتهم قبلة يقطع بصحتها.
وفيه جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة، وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، وتكرير زيارة الممزوح معه. وفيه ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح، وأن الذي ورد في صفة المنافق أن سرَّه يخالف علانيته ليس على عمومه.
وفيه الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزن أو غيره. وفيه جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها، إذ استدل - صلى الله عليه وسلم - بالحزن الظاهر على الحزن الكامن حتى حكم بأنه حزين فسأل أمه عن حزنه. وفيه التلطف بالصديق صغيرا كان أو كبيرا، والسؤال عن حاله، وأن الخبر الوارد في الزجر عن بكاء الصبي محمول على ما إذا بكى عن سبب عامدا ومن أذى بغير حق.
وفيه قبول خبر الواحد لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك.
وفيه جواز تكنية من لم يولد له، وجواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم.
وفيه جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله، خلافا لمن منع من إمساكه وقاسه على من صاد ثم أحرم فإنه يجب عليه الإرسال.(1/131)
وفيه جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان، وجواز مواجهة الصغير بالخطاب خلافا لمن قال: الحكيم لا يواجه بالخطاب إلا من يعقل ويفهم، قال: والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب، ومن ثم لم يخاطبه في السؤال عن حاله بل سأل غيره.
وفيه معاشرة الناس على قدر عقولهم. وفيه جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته ولو لم تكن فيه زوجته، ومشروعية القيلولة، وجواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته ولو كانت امرأة، وجواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب ولو لم يكن محرما إذا انتفت الفتنة.
وفيه إكرام الزائر وأن التنعم الخفيف لا ينافي السنَّة، وأن تشييع المزور الزائر ليس على الوجوب. وفيه أن الكبير إذا زار قوما واسى بينهم، فإنه صافح أنسا، ومازح أبا عمير، ونام على فراش أم سليم، وصلى بهم في بيتهم حتى نالوا كلهم من بركته"
وما أجاب به ابن القاص من مخاطبة من لا يميز التحقيق فيه جواز مواجهته بالخطاب إذا فهم الخطاب وكان في ذلك فائدة ولو بالتأنيس له، وكذا في تعليمه الحكم الشرعي عند قصد تمرينه عليه من الصغر كما في قصة الحسن بن علي لما وضع التمرة في فيه قال له "كخ كخ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"..، ويجوز أيضا مطلقا إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر أو استفهامه ممن يعقل، وكثيرا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلا إذا كان ظاهر الوعك: كيف أنت؟ والمراد سؤال كافله أو حامله.
وذكر ابن بطال من فوائد هذا الحديث أيضا استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته. وفيه أن أسماء الأعلام لا يقصد معانيها، وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب، لأن الصبي لم يكن أبا وقد دعي أبا عمير. وفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا، وأن ذلك لا يمتنع من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما امتنع منه إنشاء الشعر. وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره. وفيه جواز الرواية بالمعنى، لأن القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة. وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث، وجواز الإتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا، وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس ويحتمل أن يكون ممن بعده،(1/132)
والذي يظهر أن بعض ذلك منه والكثير منه ممن بعده، وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها.
وفيه مسح رأس الصغير للملاطفة، وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الإيذاء، وفيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقوله: "ما فعل النغير؟"بعد علمه بأنه مات. وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم، لأن جميع ما ذكر من صنيع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أم سليم وذويها كان غالبا بواسطة خدمة أنس له. وقد نوزع ابن القاص في الاستدلال به على إطلاق جواز لعب الصغير بالطير، فقال أبو عبد الملك: يجوز أن يكون ذلك منسوخا بالنهي عن تعذيب الحيوان. وقال القرطبي: الحق أن لا نسخ، بل الذي رخص فيه للصبي إمساك الطير ليلتهى به، وأما تمكينه من تعذيبه ولاسيما حتى يموت فلم يبح قط. " (1)
وهكذا وجدنا أن عملية البناء الاجتماعي للطفل، ركن هام في بناء شخصيته، وتقويمها وتهذيبها واستقامتها، وأنا تحقق الثقة النفسية الاجتماعية للطفل.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (10 / 584)(1/133)
الفصل الرابع
البناءُ الأخلاقيُّ
تمهيد :
الأساس الأول- خلق الأدب :
ما ورد في غرس الأدب في الأطفال :
نماذج من حياة السلف الصالح :
أنواع الآداب النبوية للأطفال :
1- الأدب مع الوالدين :
2- الأدب مع العلماء :
3- أدب الاحترام والتوقير :
4- أدب الأخوَّة :
5- أدب الجار :
6-أدب الاستئذان :
7-أدب الطعام :
8- أدب مظهر الطفل :
9-أدب استماع القرآن :
الأساس الثاني - خلُق الصدق:
الأساس الثالث- خلُق كتم الأسرار :
الأساس الرابع- خلُق الأمانة :
الأساس الخامس -خلُق سلامة الصدر من الأحقاد :
خاتمة: مثال عمليٌّ من خلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال :(1/134)
تمهيد :
الخلُقُ بضم اللم وسكونها: السجية والطبع، كذا في الصحيح، وذكر القرطبي في تفسيره: الخُلُق في اللغة: هو ما أخذ الإنسان به نفسه من الأدب، لأنه يصير كالخلقة فيه، فأما ما طبُع عليه من الأدب فهو الخِيم وهو بالكسر: السجية والطبيعة، لا واحد له من لفظه، فيكون الخلُق: الطبع المتكلف، والخيم: الطبع الغريزي. (1)
وبناء على تعريف القرطبي للخلق، فإن الطفل يحتاج لهذا البناء الأخلاقي، وذلك لتكون حركة الطفل الاجتماعية- السابق ذكرها في البحث الذي قبله -سليمة ن وهذا الجهد لا بدَّ منه ؛ لأن عملية الانتقال من الطبع المتكلَّف إلى الطبع الغريزي صعبة، وزمنها يمتد حتى عمر الإنسان، وهو يقوِّم أخلاقه، وبالتالي فإن جهد الوالدين والمربين يكون لازماً في هذه المرحلة الطفلية، التي ذكرنا أنها تتميز بالفطرية والصفاء وسرعة التلَّقي والاستجابة .
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله ""ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلُقه، فإنه ينشأ على ما عوَّده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفَّة مع هواه وطيش وحدَّة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاقُ صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها " (2)
يقول شيخ الأزهر محمد خضر الحسين رحمه الله: "إن الصبيَّ يولد على الفطرة الخالصة، والطبع البسيط فإذا قوبلت نفسه الساذجة بخلق من الأخلاق نُقشت صورته في لوحها، ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شيئاً فشيئا حتى تأخذ بجميع أطراف النفس وتصير كيفية راسخة فيها مائلة لها من الانفعال بضدها، يؤيد هذا أنا إذا رأينا في الغرباء من هو لطيف الخطاب، جميل اللقاء، مهذب الألمعية، لا نرتاب في دعوى أنه ممن أنبته الله في البيوت الفاضلة نباتاً حسناً " (3) .
__________
(1) - عن فتح الغفار بشرح المنار (1/7) لابن نجيم الحنفي .
(2) - موسوعة كتب ابن القيم - (235 / 8)
(3) - السعادة العظمى ص (60)(1/135)
وإليك تفصيل هذه الأسس :
الأساسُ الخلُقيُّ الأول- خلق الأدب :
قال الحافظ ابن حجر: "والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل: الوقوف مع المستحسنات، وقيل: هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك. وقيل: إنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام، سمي بذلك لأنه يدعى إليه " (1)
لذا تبرز أهمية الأدب في المعاملة والعشرة حتى إنه المظهر الخارجيُّ الذي يعبر عن الصغير والكبير، لذلك حمل الطفل عليه، وقصْره على ارتداء ثوب الأدب، كان من أولويات التربية الخلقية .
عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بِنْ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ قَالَ لِابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ ابْتَغِ الْعِلْمَ صَغِيرًا فَإِنَّ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ يَشُقُّ عَلَى الْكَبِيرِ "
قَالَ أَبُو عُمَرَ (2) : "أَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ لِصَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِي شِعْرٍ لَهُ :
وَإِنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ فِي الصِّبَا كَالْعُودِ يُسْقَى الْمَاءَ فِي غَرْسِهِ
حَتَّى تَرَاهُ مُوَنَّقًا نَاضِرًا بَعْدَ الَّذِي أَبْصَرْتَ مِنْ يَبَسِهِ
وَالشَّيْخُ لَا يَتْرُكُ أَخْلَاقَهُ حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ
إِذَا ارْعَوَى عَادَ إِلَى جَهْلِهِ كَذَا الصِّبَا عَادَ إِلَى نِكْسِهِ
وديننا الحنيف، وشريعتنا الإسلامية حوت خصال الخير والأدب لتقويم الأحداث، وتعهدهم منذ الصغر، قال ابن مسكويه :"والشريعة هي التي تقوم الأحداث وتعودهم الأفعال المرضية، وتعد نفوسهم لقبول الحكمة وطلب الفضائل المرضية، والبلوغ إلى السعادة الإنسية بالفكر الصحيح والقياس المستقيم" (3)
ما ورد في غرس الأدب في الأطفال :
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (10 / 400)
(2) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (396 )
(3) - انظر: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 29 .(1/136)
تتجلى أهمية الأدب وغرسه ونحله للطفل، أكثر فأكثر، عندما نرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطاء أهمية عظمى، في البناء الأخلاقي، حتى يجعل غرسه في الطفل، وتعويده عليه، ليصبح طبيعة من طبائعه الخلقية، وسجية من سجاياه الطبيعية، أفضل من عملية الصدقة التي تطفئ الخطيئة، مع ما في الصدقة من أهمية في الإسلام، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ. (1)
وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين للوالدين أن أعظم هدية للطفل هي الأدب، وافضل توريث له هو الأدب الحسن، عن أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ. (2)
قَالَ الشَّاعِرُ (3) :
خَيْرُ مَا وَرَّثَ الرِّجَالُ بَنِيهِمْ أَدَبٌ صَالِحٌ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ
هُوَ خَيْرٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالْأَوْرَاقِ فِي يَوْمِ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءِ
تِلْكَ تَفْنَى وَالدِّينُ وَالْأَدَبُ الصَّا لِحُ لَا يَفْنَيَانِ حَتَّى اللِّقَاءِ
إنْ تَأَدَّبْت يَا بُنَيَّ صَغِيرًا كُنْت يَوْمًا تُعَدُّ فِي الْكُبَرَاءِ
وقال علي بن المديني رحمه الله: "توريث الأولاد الأدب، خير لهم من توريث المال، الأدب يكسبهم المال والجاه والمحبة للإخوان، ويجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة " (4)
ولعل البعض يغفل عن أهمية الأدب، ويعدُّه من الأمور البسيطة، يمكن التساهل فيها، أو يجوز تناسيها، وما يدري هذا أنه يهيئ ولده للعقوق، وما علم هذا المسكين أن غرس الأدب حق الولد على أبيه، كواجب حق الطعام والشراب، فعن الْحَارِثَ بْنِ النُّعْمَانِ قال
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 48)(20970) 21279- ضعيف
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 718)(16717) 16837- ضعيف
(3) - الآداب الشرعية - (4 / 265)
(4) - تنبيه المغترين للشعراني ص (41)(1/137)
:سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ». (1)
قال المناوي: "(أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) بأن تعلموهم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق وتخرجوهم في الفضائل وتمرنوهم على المطلوبات الشرعية ولم يرد إكرامهم بزينة الدنيا وشهواتها والأدب استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً واجتماع خصال الخير أو وضع الأشياء موضعها أو الأخذ بمكارم الأخلاق أو الوقوف مع كل مستحسن أو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك أو الظرف وحسن التنازل أو مجالسة الخلق على بساط الصدق ومطالعة الحقائق بقطع العلائق قال بعض العارفين: الأدب طبقات فأكثر طبقات أدب أهل الدنيا في الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأشعار العرب وأدب أهل الدين رياضة النفس وترك الشهوات وأدب الخواص طهارة القلوب." (2)
ووعى السلف الصالح أهمية الأدب ومقداره، وسموِّ رفعته، فأيقظوا أطفالهم عليه، وشبوا على ذلك، ونصحوا الأمة به، فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - يوجه نداءه للوالدين بخطاب رقيق، يضع معادية رياضية، ومساواة حسابية، فعن عُثْمَانَ الْحَاطِبِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: "أَدِّبِ ابْنِكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ " (3)
أما لماذا كان هذا الاهتمام الكبير بالأدب، وأن يصبح سجية طبيعية في نفس الطفل فلأنه :"يكتسب من الأدب الصالح: العقل النافذ، ومن العقل النافذ حسن العادة، ومن حسن العادة الطباع المحمودة، ومن الطباع المحمودة العمل الصالح، ومن العمل الصالح رضا الرب، من رضا الرب مالك الدائم .
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز - (11 / 209)(3802 ) ضعيف
(2) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (4 / 6)(1419 )
(3) - شعب الإيمان - (11 / 135)(8295 ) حسن(1/138)
ويكتسب من الأدب السوء: فساد العقل، ومن فساد العقل سوء العادة، ومن العادة السيئة رداءة الطبع، ومن الطباع الرديئة سوء العمل، من العمل السيئ سوء القالة وغضب الله، ومن غضب الله وسخطه الذل الدائم ". (1)
وهكذا سار السلف الصالح يوجهون أطفالهم إلى أهمية الأدب، ويورثونه لهم، فإلى حياة هؤلاء هلمَّ سوًّا، نصغي ونستمع ونتعلم .
نماذج من حياة السلف الصالح :
"قَالَ رُوَيْمٌ: لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا، أَيْ اسْتَكْثِرْ مِنَ الْأَدَبِ حَتَّى تَكُونَ نِسْبَتُهُ فِي الْكَثْرَةِ نِسْبَةَ الدَّقِيقِ إلَى الْمِلْحِ فَإِنَّ كَثِيرَ الْأَدَبِ مَعَ قَلِيلٍ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ قِلَّةِ الْأَدَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ كَانَ الْمُمْكِنُ فِي عِبَادَتِهِ تَعَالَى هُوَ الْأَدَبُ " (2)
وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: "يَا بُنَيَّ، إِيتِ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَهَدْيِهِمْ، فَإِنَّ ذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ " (3)
وذلك حتى يتعلم الابن الأدب مع الحديث، قبل أن يتعلم الحديث بلا أدب، فيؤدي به إلى عدم التأدب مع حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يورث في قلبه الضلال .
وقَالَ أبو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ: "عِلْمٌ بِلَا أَدَبٍ كَنَارٍ بِلَا حَطَبٍ، وَأَدَبٌ بِلَا عِلْمٍ كَرُوحٍ بِلَا جِسْمٍ، وَإِنَّمَا شَبَّهْتُ الْعِلْمَ بِالنَّارِ لِمَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَجَدْتُ لِلْعِلْمِ شَبَهًا إِلَّا النَّارَ، نَقْتَبِسُ مِنْهَا وَلَا نَنْتَقِصُ عَنْهَا " (4)
وعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ لِي مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: "نَحْنُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ " (5)
__________
(1) - نصيحة الملوك للماوردي ص (173)
(2) - أنوار البروق في أنواع الفروق - (5 / 209)
(3) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (10 )
(4) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ(12 )
(5) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (11 )(1/139)
ولكن ما هي أهم الصفات الأدبية التي خصَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في توجيه الأطفال نحوها، وغرسها فيهم ونحلهم إياها؟ من خلال الاستقراء في الأحاديث الشريفة، تم الحصول على تسعة آداب وهي :
أنواع الآداب النبوية للأطفال :
1- الأدب مع الوالدين :
على المربين أن يلقنوا الأولاد هذه الآداب السلوكية مع آبائهم وأمهاتهم وهي مرتبة كما يلي: ألا يمشوا أمامهم، وألا ينادوهم بأسمائهم، وألا يجلسوا قبلهم، وألا يتضجروا من نصائحهم، وألا يأكلوا من طعام ينظرون إليه، وألا يَرقُوا مكاناً عالياً فوقهم، وألا يخالفوا أمرهم..والأصل في مراعاة هذه الآداب قوله تبارك وتعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) } [الإسراء: 23 - 24]
وأَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة، وأمر بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة حالةُ الشيخوخة، فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما، ولا تسمعهما قولا سيئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ولكن ارفق بهما، وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة. (1)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ وَمَعَهُ شَيْخٌ فَقَالَ لَهُ: "يَا فُلَانُ مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ ".قَالَ: أَبِي.قَالَ: فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (2)
__________
(1) - التفسير الميسر - (5 / 17)
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - (4309 ) حسن لغيره(1/140)
وعَنْ رَجُلٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا مِنْكَ ؟ "، قَالَ: أَبِي، قَالَ: "فَلَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا تَجْلِسْ حَتَّى يَجْلِسَ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: "مَنْ هَذَا ؟ "قَالَ: أَبِي.قَالَ: "فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ " (2)
قلت: معنى لا تستسب له: أي لا تفعل فعلا يتعرض فيه لان يسبك أبوك زجرا لك تأديبا على فعلك القبيح.
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: "لَمِنَ الْعُقُوقِ أَنْ تُسَمِّيَ أَبَاكَ، وَأَنْ تَمْشِيَ أَمَامَهُ فِي طَرِيقٍ " (3)
وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الضَّبِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَمْشِي مَعَ أَبَى بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَلَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ: أَبِي.قَالَ: لَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنِ امْشِ خَلْفَهُ أَوْ إِلَى جَانِبِهِ، وَلَا تَدَعْ أَحَدًا يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَا تَمْشِ فَوْقَ إِجَارٍ أَبُوكَ تَحْتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ مَا قَدْ نَظَرَ أَبُوكَ إِلَيْهِ لَعَلَّهُ قَدِ اشْتَهَاهُ.ثُمَّ قَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خِدَاشٍ ؟ قُلْتُ: لَا.قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فَخَدُّهُ فِي جَهَنَّمَ مِثْلُ أُحُدٍ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ ".قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: "كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (4)
أدب خطاب الوالدين :
__________
(1) جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ(741 ) حسن لغيره
(2) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ (394 ) حسن لغيره
(3) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ (395 )
(4) - المعجم الأوسط للطبراني - (7049 ) فيه جهالة
بظهر البلدة أو المكان: على أطرافه -الإجار: السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه - العقوق: الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما(1/141)
عَنْ أَبِي الْهَدَّاجِ التُّجِيبِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، فَقَدْ عَرَفْتُهُ، إِلَّا قَوْلَهُ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا مَا هَذَا الْقَوْلُ الْكَرِيمُ ؟ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: قَوْلُ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ لِلسَّيِّدِ الْفَظِّ الْغَلِيظِ" (1)
بهذه العبارات الندية، والصور الموحية، يستجيش القرآن الكريم وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء.
ذلك أن الحياة وهي مندفعة في طريقها بالأحياء، توجه اهتمامهم القوي إلى الأمام. إلى الذرية. إلى الناشئة الجديدة. إلى الجيل المقبل. وقلما توجه اهتمامهم إلى الوراء. إلى الأبوة. إلى الحياة المولية. إلى الجيل الذاهب! ومن ثم تحتاج البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف، وتتلفت إلى الآباء والأمهات.
إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد. إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات. وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات، ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر كذلك يمتص الأولاد كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من الوالدين فإذا هما شيخوخة فانية - إن أمهلهما الأجل - وهما مع ذلك سعيدان! فأما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله، ويندفعون بدورهم إلى الأمام. إلى الزوجات والذرية .. وهكذا تندفع الحياة.
ومن ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء. إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة وجدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف! وهنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من اللّه يحمل معنى الأمر المؤكد، بعد الأمر المؤكد بعبادة اللّه.
ثم يأخذ السياق في تظليل الجو كله بأرق الظلال وفي استجاشة الوجدان بذكريات الطفولة ومشاعر الحب والعطف والحنان :«إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما» .. والكبر له جلاله، وضعف الكبر له إيحاؤه وكلمة «عِنْدَكَ» تصور معنى الالتجاء والاحتماء
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ(20231 ) صحيح(1/142)
في حالة الكبر والضعف .. «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب ألا يند من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يشي بالإهانة وسوء الأدب ..« وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً» وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام. «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ» وهنا يشف التعبير ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان. فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا، ولا يرفض أمرا. وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام والاستسلام. «وَقُلْ: رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» فهي الذكرى الحانية. ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان، وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان. وهو التوجه إلى اللّه أن يرحمهما فرحمة اللّه أوسع، ورعاية اللّه أشمل، وجناب اللّه أرحب. وهو أقدر على جزائهما بما بذلا من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء.
ولأن الانفعالات والحركات موصولة بالعقيدة في السياق، فإنه يعقب على ذلك يرجع الأمر كله للّه الذي يعلم النوايا، ويعلم ما وراء الأقوال والأفعال: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ، إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً».وجاء هذا النص قبل أن يمضي في بقية التكاليف والواجبات والآداب ليرجع إليه كل قول وكل فعل وليفتح باب التوبة والرحمة لمن يخطىء أو يقصر، ثم يرجع فيتوب من الخطأ والتقصير.
وما دام القلب صالحا، فإن باب المغفرة مفتوح. والأوابون هم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين. (1)
قال القنوجي :"{ وقل لهما قولا كريما } لطيفا لينا جميلا سهلا أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع حسن الأدب والحياء والاحتشام قال محمد بن زبير يعني إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما وقيل هو أن يقول يا أماه يا أبتاه ولا يدعوهما بأسمائهما ولا يكنيهما " (2)
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2221)
(2) - حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة - (1 / 129)(1/143)
قال السبكيُّ: "كُنْت جَالِسًا بِدِهْلِيزِ دَارِنَا، فَأَقْبَلَ كَلْبٌ فَقُلْت: اخْسَأْ كَلْبَ ابْنَ كَلْبٍ، فَزَجَرَنِي الْوَالِدُ، فَقُلْت أَلَيْسَ هُوَ كَلْبَ ابْنَ كَلْبٍ؟ قَالَ: شَرْطُ الْجَوَازِ عَدَمُ قَصْدِ التَّحْقِيرِ، فَقُلْت :هَذِهِ فَائِدَةٌ" (1)
فليكن شعار الأبناء عندما يتعلمون شيئاً من الوالدين أو يستفيدون منهم، أن يقولوا - هذه فائدة- لإدخال المسرة إلى قلوبهم، وتعويد النفس على التواضع، وفقني الله وإياك لذلك .
ومن واقع الحياة ننظر إلى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر إلى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَمَلَ أُمَّهُ عَلَى عُنُقِهِ،فَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيُهَا الْمُذَلَّلْ ... إِذَا ذُعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ
وَمَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ ثُمَّ قَالَ: أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:"لَا،وَلَا بِزَفْرَةٍ" (2)
أدب النظر إلى الوالدين :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إِذَا نَظَرَ الْوَالِدُ إِلَى وَلَدِهِ - يَعْنِي فَسُرَّ بِهِ - كَانَ لِلْوَلَدِ عِتْقُ نَسَمَةٍ "، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ نَظَرَ سِتِّينَ وَثَلثَمِائَةِ نَظْرَةً ؟ قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ " (3)
وعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: كَانُوا يَقُولُونَ: الصَّلَاحُ مِنَ اللَّهِ، وَالْأَدَبُ مِنَ الْآبَاءِ " (4)
وهذه باقة من الآداب الإسلامية مع الوالدين.
__________
(1) - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (4 / 418)
(2) - شعب الإيمان - (10 / 313) (7550 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (10 / 266) (7473 ) حسن لغيره
(4) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (92 ) حسن(1/144)
العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما،وحسن صحبتهما،والإحسان إليهما،وقرن ذلك بعبادته،وتعظيما لشأنهما،وتكريما لقدرهما،وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما،وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما،وقرن السلام بتقبيل يديهما تعظيم قدرهما،وإكرام شأنهما وإجلال مقامها،والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
التأدب عند مخاطبتهما،ولين القول لهما،وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
تلبية ندائهما،والمسارعة لقضاء حوائجهما،وطاعة أمرهما،وتنفيذ وصاياهما،وعدم الاعتراض على قولهما،إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما،وتقديم الهدايا لهما،والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به،المحافظة على أموالهما وأمتعتهما،وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.
المحافظة على سمعتهما،والحذر من التسبب في شتمهما،تفقد مواضع راحتهما،وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما،أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.
تجنب مقاطعتهما في كلامهما،أو مجادلتهما،أو معاندتهما،أو لومهما،أو السخرية منهما،أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.
تجنب مد اليد إلى الطعام قبلهما،أو الاستئثار بالطيبات دونهما.
تجنب التقدم في المشي عليهما،أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.
تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما،أو الجلوس في مكان أعلى منهما.
استشارتهما في جميع الأمور،والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.
الإكثارمن الدعاء لهما،والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.
الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا،والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.
العمل بوصيتهما،وصلة أرحامهما،وخدمة أحبابهما من بعدهما. (1)
__________
(1) - انظر التفاصيل في كتابي (( المهذب في الآداب الإسلامية )) ص (108-114)(1/145)
2- الأدب مع العلماء :
من وحي هذه التعاليم الاسلامية لم تمض فترة وجيزة إلا وصار كل بيت قبلة،وكل سوق مدرسة،وانقلبت الصحاري والمراعي إلى منابع للنور والحكمة وفنون العلم والمعارف،ثم انطلق المسلمون إلى أصقاع الأرض ينشرون هذا العلم بين الناس،ويبصرونهم سبل سعادتهم،ويدلونهم على حقيقة إنسانيتهم،وأسرار خلقهم.. ويبثون حضارة ما عرفت الإنسانية أعظم منها هدفا ولا أنبل منها غاية ولا أرحم منها على بني الإنسان.إنها رسالة الإسلام،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ وَقَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْمٌ يَتَذَاكَرُونَ الْفِقْهَ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كِلاَ الْمَجْلِسَيْنِ إِلَى خَيْرٍ،أَمَّا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ،وَهَؤُلاَءِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ وَيَتَعَلَّمُونَ،وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا،وَهَذَا أَفْضَلُ فَقَعَدَ مَعَهُمْ." (1)
فلا بد من التأدب مع العلماء، وأن نعرف لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب، وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب.
واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: (إنما نحترمك ما احترمت الأئمة)، ولا شك أن أهل العلم أولى الناس، بالاحترام والأدب معهم وحسن الخلق في معاملتهم، ولين الجانب لهم وتقديرهم؛ لأن كل ذلك من الدين ولأجل الدين، وإذا كان العبد مطالب شرعاً بحسن الخلق مع عامة الناس فإن خاصتهم من أهل العلم والديانة أولى بذلك وأحرى. (2)
وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة. (3)
__________
(1) - مسند الطيالسي - (4 / 11) (2365) حسن
(2) - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (20 / 197)
(3) - إحياء علوم الدين - (1 / 10)(1/146)
وهكذا تجد أهمية الأدب في حضرة العلماء وتوقيرهم، وألفت كتب كثيرة بهذا الشأن، منها أدب الإملاء والاستملاء للإمام السمعاني، ومنها أدب العلم والمتعلم لابن قتيبة، وغيرهما كثير .
ا-ماورد في الأدب مع العلماء :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ لُقْمَانَ، قَالَ لابْنِهِ: يَا بنيَّ عَلَيْكَ بِمَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْتَمِعْ كَلامَ الْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقَلْبَ الْمَيِّتَ بنورِ الْحِكْمَةِ، كَمَا يُحْيِي الأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ الْمَطَرِ". (1)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا. (2)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ. (3)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ثَلَاثٌ مِنْ تَوْقِيرِ جَلَالِ اللَّهِ: ذُو الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَحَامِلُ كِتَابِ اللَّهِ، وَحَامِلُ الْعِلْمَ مَعَ مَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا " (4)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"ثَلاثَةٌ لا يَسْتَخِفُّ بِحَقِّهِمْ إِلا مُنَافِقٌ: ذُو الشَّيْبَةِ فِي الإِسْلامِ، وَذُو الْعِلْمِ، وَإِمَامٌ مُقْسِطٌ". (5)
ب-نماذج من أدب أطفال السلف الصالح مع العلماء :
قال اللَّيْثُ بن سعد: "كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَبْنَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَبْتَدِئَهُمَ بِحَدِيثٍ أَوْ يَجِيئَهُ سَائِلٌ فَيَسْأَلَ فَيَسْمَعُونَ " (6)
__________
(1) - الأمثال للرامهرمزي - (57 ) والمعجم الكبير للطبراني - (7 / 221)(7716 ) ضعيف
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 560)(22755) 23135- صحيح لغيره
(3) - مسند الشاشي 335 - (2 / 289) (1261) صحيح لغيره
(4) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (547 ) حسن لغيره
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 224) (7724 ) حسن لغيره
(6) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (947 ) فيه انقطاع(1/147)
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِىَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ ».فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « هِىَ النَّخْلَةُ » . (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا فُلَانُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ ".فَقَالَ: واعجبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ تَرَى ؟ فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ، وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، فَتَسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي التُّرَابَ، فَيَخْرُجُ، فَيَرَانِي، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ ؟ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ ؟ فَأَقُولُ: لَا، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ.فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ.قَالَ: فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: "كَانَ هَذَا الْفَتَى أَعْقَلَ مِنِّي " (2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فَقَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ فِيهِمْ ؟ قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ كَانَ يَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تَسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا جَاءَ بِكَ ؟ هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ، فَأَقُولَ: لَا أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، قَالَ: فَأَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلِي يَسْأَلُونَنِي فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلُ مِنِّي " (3)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (72 )
(2) - سُنَنُ الدَّارِمِيِّ >> بَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (595 ) صحيح
(3) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ(553 ) صحيح(1/148)
قَالَ أَبُو عُمَرَ:وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،أَنَّهُ قَالَ:"لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا "قَالَ الشَّعْبِيُّ:"كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يُمَارِي ابْنَ عَبَّاسٍ ؛ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا "وَقَالَ الْحُكَمَاءُ:إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَيَّ أَنْ تَقُولَ "وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ:"يَا بُنَيَّ،إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ،وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الصَّمْتِ،وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثًا وَإِنْ طَالَ حَتَّى يُمْسِكَ "وَقَالَ الشَّعْبِيُّ:"جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَحْسَنْتُمْ حَمَدُوكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ تَأَوَّلُوا لَكُمْ وَعَذَرُوكُمْ وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ لَمْ يُعَنِّفُوكُمْ وَإِنْ جَهِلْتُمْ عَلَّمُوكُمْ وَإِنْ شَهِدُوا لَكُمْ نَفَعُوكُمْ " (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غُلاَمًا فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِى مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ أَنَّ هَا هُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ مِنِّى وَقَدْ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِى نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الصَّلاَةِ وَسَطَهَا. وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلاَةِ وَسَطَهَا. (2)
قال الإمام الغزالي:آداب المتعلم مع العالم "أن يبدأه بالتحية والسلام،وأن يقلل بين يديه الكلام،ولا يتكلم ما لم يسأله أستاذه،ولا يسأل ما لم يستأذن أولا،ولا يقول في معارضة قوله: قال فلان بخلاف ما قلت،ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب من أستاذه،ولا يسأل جليسه في مجلسه،ولا يلتفت إلى الجوانب،بل يجلس مطرقا ساكنا متآدبا كأنه في الصلاة،ولا يكثر عليه السؤال عند ملله،وإذا قام قام له،ولا يتبعه بكلامه وسؤاله،ولا يسأله في طريقه إلى أن يبلغ إلى منزله،ولا يسىء الظن به في أفعال ظاهرها منكرة عنده،فهو أعلم بأسراره،وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر - عليهما السلام:
__________
(1) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (614 ) بلاغاً بلا سند
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (2281 )(1/149)
(أَخَرَقتًها لِتُغرِقَ أَهلَها،لَقَد جِئتَ شَيئاً إمرا)،وكونه مخطئا في إنكاره اعتمادا على الظاهر." (1)
3- أدب الاحترام والتوقير :
عَنْ زَرْبِىٍّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ». (2)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا. (3)
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: إنَّ مِنْ إجْلاَلِ اللهِ إكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلُ الْقُرْآنِ غَيْرُ الْغَالِي فِيهِ وَلاَ الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامُ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ. (4)
وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ صَغِيرِنَا وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ " (5)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَرِعَايَةَ الْقُرْآنِ مَنِ اسْتَرْعَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، وَطَاعَةَ الْإِمَامِ يَعْنِي الْمُقْسِطِ " (6)
وعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَرَانِى فِى الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِى رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِى كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ ». (7)
قوله: (( كبِّر )) ؛ أي: ابدأ بالكبير توقيرًا له، ومراعاة لحق السِّنِّ في الإسلام، وهذا كما قال في حديث حُويِّصَة: (( كبِّر، كبِّر )). وقد استوفينا الكلام على هذا المعنى هناك (8)
__________
(1) - بداية الهداية - (1 / 21)
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2043 ) ضعيف، والمرفوع صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 644)6733- صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (6 / 536)(22353) وسنن أبي داود - المكنز - (4845) مرفوعاً صحيح
(5) - شعب الإيمان - (13 / 357) (10478 ) صحيح لغيره
(6) - شعب الإيمان - (13 / 358) (10479 ) صحيح لغيره
(7) - صحيح مسلم- المكنز - (6071 )
(8) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (18 / 51)(1/150)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا خَيْبَرَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا لِحَوَائِجِهِمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِى دَمِهِ قَتِيلاً فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ - وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَبِّرِ الْكُبْرَ ». فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَحْلِفُونَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا مِنْكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ « تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ. (1)
وهكذا وجدنا أهمية أدب الاحترام والتوقير للكبار وللعلماء، وتقديم الكبير للكلام، إلا إذا طلب من الصغير الكلام أو كان المقام مقام سؤال .
4- أدب الأخوَّة :
تقدم أدب احترام الصغير للكبير وتوقيره للصغير، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمح لأي أخ سواء كان صغبرا أم كبيراً أن يشهر أي نوع من السلاح لتخويف أخيه، وإلقاء الرعب في قلبه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْمَلاَئِكَةُ تَلْعَنُ أَحَدَكُمْ إِذَا أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ. (2)
ويؤكد - صلى الله عليه وسلم - للأبناء أن الأخ الكبير له منزلة خصوصية في الإسلام، وما ذاك إلا لتحمله أعباء الأسرة، ومسؤولية تربية إخوته الضغار، ورعايته لهم، فعَنْ عُثَيْمِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْأَكْبَرُ مِنَ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ " (3)
__________
(1) - سنن النسائي- المكنز - (4731 ) صحيح -عقل: أدى الدية عنه
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6832 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 272)(5944)
(3) - شعب الإيمان - (10 / 314) (7554 ) ضعيف(1/151)
فإذا ما غرس الوالدان في نفس الكبير: العطف والحب والحنان لإخوته الصغار، وغرسا في نفس الصغير الاحترام والتقدير للأخ الكبير، فإنه بذلك تسير الأسرة سيراً متوازناً كلٌّ يعرف واجبه نحو الآخر، قبل أن يعرف حقه عليه .
5- أدب الجار :
الجار له حقوق كبيرة في الإسلام، وما ذلك إلا لتقوية روابط المجتمع المسلم، وقد كان للطفل آداب مع أطفال جيرانه ندب إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الآباء، لتعويد أطفالهم عليها، من حسن التحسس بآلامه،وعدم إيذائه بأي طريقة من طرق الإيذاء، وفي مقدمتها عدم خروج الطفل وبيده شيء من الطعام يأكل منه، أو فاكهة يتناولها، ليغيظ بها ولد الجار، الذي قد لا يملك والداه أن يشتريا له، أو أن يكون الجار في ضائقة مالية، لا تمكنه من الشراء الفوري، وبذلك يتعوَّد الطفل ألا يأكل في الطريق إلا لضرورة، وإنما بالبيت، ليكون ذلك أدعى إلى الالتزام بالآداب العامة.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ جَارِهِ مَخَافَةً عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَلَيْسَ ذَاكَ بِمُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْجَارِ: إِذَا اسْتَعَانَكَ أَعَنْتُهُ، وَإِذَا اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِذَا مَاتَ اتَّبَعْتَ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِقُتَارِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا يَخْرُجُ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَبْلُغُ حَقُّ الْجَارِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ رَحِمَ اللهُ "فَمَا زَالَ يُوصِيهِمْ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ،ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْجِيرَانِ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ لَهُ حَقُّ الْجَارِ، وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَحَقُّ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ(1/152)
فَالْجَارُ الْكَافِرُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ "قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُطْعِمُهُمْ مِنْ نُسُكِنَا، قَالَ: "لَا تُطْعِمُوا الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا مِنَ النُّسُكِ " (1)
فعدم إغاظة الطفل لجيرانه من الأطفال مطلب نبوي لكل طفل مسلم يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكل أب وأم في أن يغرسا ذلك في قلوب أطفالهم .
ما أعظم الإسلام بهذه الآداب الرفيعة، عندما يلتزم بها المسلمون، ويتعاملون بها .
6-أدب الاستئذان :
الاستئذان أدب رفيع،يدل على حياء صاحبه وشهامته،وتربيته وعفته،وتزاهة نفسه وتكريمها عن رؤية ما لا يحب أن يراه عليه الناس،أو سماع حديث لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين،أو الدخول على قوم وإيقاعهم بالمفاجأة والإحراج.
والاستئذان هو طلب الأذن،ويكون لدخول بيت،أو الانضمام إلى مجلس،أو الخروج منه،أو التصرف في متاع غيره،أو إبداء رأي في مجتمعات الناس،أو سماع حديثهم.
ولذا فإن أدب الاستئذان واجب الكبير والصغير، وله مكانة خاصة في التشريع الإسلامي حتى خصه الله تعالى بآيات تتلى على مر الأجيال، وتعاقب العصور، وله أهمية كبرى في الحياة الاجتماعية والأسرية، لذلك كان يعرفه صغار الصحابة مثل أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - ، فضلاً عن كبارهم .
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمْ يُؤَذَنْ لَهُ - وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا - فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ؟ إِيذَنُوا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا: أَبُو
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 105)(9113 ) ومسند الشاميين 360 - (3 / 339) (2430 و2458) وفتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (10 / 446) والزهد لهناد بن السري - (1031 ) حسن لغيره
"استقرضك": طلب منك قرضًا . "عدت عليه": زرته وتعهدته، "القُتارُ": رائحة الطبيخ تنبعث من الوعاء حين الطبخ .(1/153)
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى التِّجَارَةِ" (1)
فنسي عمر أمير المؤمنين أنه عندما لا يؤذن للشخص بالدخول فعليه الرجوع من حيث أتى، دون غضب أو سخط، فكان الشاهد المذكر على سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم - م أجمعين .
وقد درَّب القرآن الكريم الطفل على الاستئذان، فأمر الوالدين بتعليم الطفل الاستئذان في ثلاثة أوقات حرجة في حياة الوالدين الزوجية، وهي: قبل الفجر، وعند الظهيرة، وبعد العشاء، أي في الأوقات التي يخلو فيها الوالدان إلى النوم، حيث يكون كل من الوالدين في لباس خاص، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (58) سورة النور.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم، والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة: من قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت للنوم، وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم، يقل فيها التستر، أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛ لحاجتهم في الدخول عليكم، طوافون عليكم للخدمة، وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه. والله عليم بما يصلح خلقه، حكيم في تدبيره أمورهم. (2)
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (1105 ) صحيح
(2) - التفسير الميسر - (6 / 262)(1/154)
فإذا بلغ الطفل الحلم، وقرب منه، ودخل في سنِّ التكليف، أُمر بالاستئذان في كل آن، في البيت وغيره، وكلما وجد أمامه الباب مغلقاً، إلى هذا أشارت الآية الكريمة: { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (59) سورة النور
وإذا بلغ الأطفال منكم سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية، فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الأوقات كما يستأذن الكبار، وكما يبيِّن الله آداب الاستئذان يبيِّن الله تعالى لكم آياته. والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في تشريعه. (1)
كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذن ؟
ينبغي على مَن قرع الباب مستأذنا أن يقف بجانب الباب الذي لا يظهر منه البيت عند فتحه،وظهره للباب،وعليه أن يغض بصره ما استطاع.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ وَيَقُولُ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ». وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ. رواه أبو داود (2)
الرسول القدوة يستأذن الأطفال :
إن الحق حقٌّ، لا يعرف كبيراً ولا صغيراً، واتباع السنَّة واجب على الجميع، مهما علت درجاتهم، وبلغت منازلهم، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائد الأمة ومعلمها، يرشد الكبار والصغار في الأمة كلها، ويعرفها حق الطفل، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ ؟ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ (3) .
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 263)
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (5188) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2351 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5412 ) و صحيح ابن حبان - (12 / 152) (5335) - انظر التفاصيل في كتابي ((المهذب في الآداب الإسلامية )) -آداب الاستئذان ص 456 فما بعدها(1/155)
7-أدب الطعام:
الطعام نعمة إلهية كبرى. لفت الله سبحانه نظر الإنسان إليها في كثير من الآيات القرآنية لينظر فيها ويعتبر،ويعرف قدرها ويشكر الرازق الكريم:{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} عبس.
فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟ أنَّا صببنا الماء على الأرض صَبًّا،ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى،فأنبتنا فيها حبًا،وعنبًا وعلفًا للدواب،وزيتونًا ونخلا وحدائق عظيمة الأشجار،وثمارًا وكلأ تَنْعَمون بها أنتم وأنعامكم. (1)
عن وَهْبَ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْتُ غُلاَمًا فِى حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِى الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ،وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِى بَعْدُ "متفق عليه (2)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَعَثَتْ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ بِمِكْتَلٍ فِيهِ رُطَبٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَخَرَجَ قَرِيبًا إِلَى مَوْلًى لَهُ، دَعَاهُ صَنَعَ لَهُ طَعَامًا.قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ، فَدَعَانِي لآكُلَ مَعَهُ قَالَ: وَصَنَعَ لَهُ ثَرِيدًا بِلَحْمٍ وَقَرْعٍ قَالَ: وَإِذَا هُوَ يُعْجِبُهُ الْقَرْعُ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَجْمَعُهُ وَأُدْنِيهِ مِنْهُ.قَالَ: فَلَمَّا طَعِمَ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، قَالَ: وَوَضَعْتُ لَهُ الْمِكْتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَيَقْسِمُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِهِ. (3)
ماذا تفعل إذا دخل عليك طفل وأنت تأكل ؟
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ
__________
(1) - التفسير الميسر - (10 / 408)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5376) وصحيح مسلم- المكنز - (5388 )
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 274)(12052) 12075- صحيح(1/156)
عَمِّي مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ أَنَا وَغِلْمَةٌ مَعِي، فَوَجَدْنَاهُ يَأْكُلُ تَمْرًا فِي قِنَاعٍ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَبَضَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ قَبْضَةً وَمَسَحَ عَلَى رُءُوسِنَا.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ (1)
ومن آداب الأكل التي ينبغي للطفل تعلمها:
1- ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه.
2- وأن يقول عند أخْذه: بسم اللَّه، وفي نهايته: الحمد لله.
3- وأن يأكل مما يليه، ويصغّر اللقمة، عملاً بقول المصطفى #: "وكُلْ مما يليك".
4- وألاَّ يبادر (يسرع) إلى طعام قبل غيره.
5- وألاَّ يُحَدِّق النظر إليه ولا إلى من يأكل.
6- وألاَّ يسرع إلى الأكل، وأن يجيد المضغ.
7- وألا يوالي بين اللقم.
8- وألا يلطخ وجهه ولا ثوبه.
9- وألا يذم أي طعام، فإذا أعجبه أكله. وإلا تركه من غير ذمٍّ.
10- وأن يُعَوَّد الخبز القفار (بغير إدام) في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأُدْمَ حَتما، وأن يُقبَّح عنده كثرة الأكل ؛ بأن يشبه كل من يُكثر الأكل بالبهائم، وبأن يُذم بين يديه الصبي الذي يُكثر الأكل، ويُمدح عنده الصبي المتأدب، القليل الأكل، وأن يُحبب إليه قلة المبالاة بالطعام، والقناعة بالطعام الخشن. (2)
8- أدب مظهر الطفل:
هناك اهتمام من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمظهر الطفل، سواء كان في شعره وحلاقته أو في لون لباسه، وخروجه به في الطريق .
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني - (11163) والمعجم الكبير للطبراني - (6 / 291)(6556 ) ضعيف
(2) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 3) وإحياء علوم الدين - (2 / 272) والمدخل لابن الحاج - (5 / 31)(1/157)
ا- أدب الشعر والحلاقة :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعَرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: احْلِقُوا كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوا كُلَّهُ. (1)
وعَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ "قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ ؟ قَالَ: فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيُّ تُرِكَ ههُنَا شَعْرٌ، وَههُنَا شَعْرٌ، وَههُنَا وَههُنَا، فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ، وَنَاحِيَتَيْ رَأْسِهِ، فَقِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ الْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ، قَالَ: لَا أَدْرِي هَكَذَا الصَّبِيُّ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَعَاوَدْتُهُ، قَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعْرٌ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ شِقَّيْ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2)
وعَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ فَقُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيُّ وَتَرَكَ هَاهُنَا شَعْرًا وَهَاهُنَا شَعْرًا فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ، فَقِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ: الْجَارِيَةُ وَالْغُلاَمُ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ. (3)
قال ابن القيم في تحفة المودود :
"والقزع أربعة أنواع :
أحدها أن يحلق من رأسه مواضع، من هناهنا وهاهنا، مأخوذ من تقزُّع السحاب، وهو تقطعه .
الثاني أن يحلق وسطه ويرتك جوانبه، كما يفعله شماسة النصارى .
الثالث أن يحلق جوانبه، ويترك وسطه، كما يفعله كثير من الأباش والسفَّل .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 428)(5615) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5920 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5681) وشعب الإيمان - (8 / 440)(6063 )
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 316) (5506) صحيح(1/158)
الرابع أن يحلق مقدمه، ويترك مؤخره، وهذا كله من القزع والله أعلم . (1)
وقد أشرف - صلى الله عليه وسلم - على حلاقة بعض الأطفال شخصيًّا، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. (2)
وأما شعر البنت فقد كان لها منه - صلى الله عليه وسلم - نصيب في التوجيه، فعن أَسْمَاءَ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِى أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّى زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ فَقَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ » (3) .
الواصلة: التي تصل للمرأة شعرها بشعر آخر زور. و«الموصولة»المفعول بها ذلك. و«المستوصلة» التي تطلب أن يفعل بها ذلك، وتأمر من يفعله بها .
__________
(1) - موسوعة كتب ابن القيم - (227 / 2)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545) (1750) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5941 ) -امرق: تساقط(1/159)
وهكذا تجد شعر الطفل المسلم متميزا عن باقي الأطفال، فلا يلهث وراء الموضات المتغيرة، ولا وراء الممثلين الفارغين، مبتعدا عن أي توجيه يخالف حبيبه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ب- أدب لون اللباس :
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا » (1) .
وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ « أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا ». قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا. قَالَ « بَلْ أَحْرِقْهُمَا » (3) .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الثِّيَاب الْمُعَصْفَرَة، وَهِيَ الْمَصْبُوغَة بِعُصْفُرٍ، فَأَبَاحَهَا جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَمَالِك، لَكِنَّهُ قَالَ: غَيْرهَا أَفْضَل مِنْهَا، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ لُبْسهَا فِي الْبُيُوت وَأَفْنِيَة الدُّور، وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِل وَالْأَسْوَاق وَنَحْوهَا، وَقَالَ جَمَاعَة مِنَ الْعُلَمَاء: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه، وَحَمَلُوا النَّهْي عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ حُلَّة حَمْرَاء.وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ اِبْن عُمَر - رضي الله عنهم - قَالَ: رَأَيْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغ بِالصُّفْرَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّهْي مُنْصَرِف إِلَى مَا صُبِغَ مِنَ الثِّيَاب بَعْد النَّسْج، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْله، ثُمَّ نُسِجَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلِ فِي النَّهْي.وَحَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء النَّهْي هُنَا عَلَى الْمُحْرِم بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر - رضي الله عنهم - : نُهِيَ الْمُحْرِم أَنْ يَلْبَس ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْس أَوْ زَعْفَرَان.وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ - رضي الله عنهم - فَأَتْقَنَ الْمَسْأَلَة فَقَالَ فِي
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5555)
المعصفر: المصبوغ بالعصفر وهو نبات أصفر اللون
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 36)(2392) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5557)
المعصفر: المصبوغ بالعصفر وهو نبات أصفر اللون(1/160)
كِتَابه مَعْرِفَة السُّنَن: نَهَى الشَّافِعِيّ الرَّجُل عَنِ الْمُزَعْفَر، وَأَبَاحَ الْمُعَصْفَر.قَالَ الشَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا رَخَّصْت فِي الْمُعَصْفَر لِأَنِّي لَمْ أَجِد أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - النَّهْي عَنْهُ، إِلَّا مَا قَالَ عَلِيّ - رضي الله عنهم - : نَهَانِي، وَلَا أَقُول: نَهَاكُمْ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث تَدُلّ عَلَى النَّهْي عَلَى الْعُمُوم، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم، ثُمَّ أَحَادِيث أُخَر، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الشَّافِعِيّ لَقَالَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّه، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ حَدِيث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خِلَاف قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ، وَدَعُوا قَوْلِي، وَفِي رِوَايَة: فَهُوَ مَذْهَبِي.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيّ: وَأَنْهَى الرَّجُل الْحَلَال بِكُلِّ حَال أَنْ يَتَزَعْفَر.قَالَ: وَآمُرهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلهُ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَتَبِعَ السُّنَّة فِي الْمُزَعْفَر، فَمُتَابَعَتهَا فِي الْمُعَصْفَر أَوْلَى.قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَر بَعْض السَّلَف، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَلِيمِيّ مِنْ أَصْحَابنَا، وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَة، وَالسُّنَّة أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ.وَاللَّه أَعْلَم . (1)
وفي الموسوعة الفقهية (2) : "الأَْصْل جَوَازُ التَّزَعْفُرِ لِلْمَرْأَةِ.أَمَّا الرَّجُل فَقَدْ نَقَل الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَال: أَنْهَى الرَّجُل الْحَلاَل بِكُل حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ، وَآمُرُهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلَهُ، وَأُرَخِّصُ فِي الْمُعَصْفَرِ، لأَِنَّنِي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْهُ إِلاَّ مَا قَال عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - : نَهَانِي وَلاَ أَقُول نَهَاكُمْ .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَال لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ، وَقَدْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لاَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ ...
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ فِي الْبُيُوتِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِل وَالأَْسْوَاقِ .
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (7 / 156)
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (23 / 223)(1/161)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَلَّمَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ فِي وَجْهِهِ فَلَمَّا قَامَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ ". (1)
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُبْسَ هَذَيْنِ لاَ يَعْدُو الْكَرَاهَةَ، فَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لأََمَرَهُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَغْسِلَهُ وَلَمَا سَكَتَ عَنْ نُصْحِهِ وَإِرْشَادِهِ.هَذَا وَالْكَرَاهَةُ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي بَدَنِهِ أَشَدُّ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي ثَوْبِهِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُل (2) .
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سَفَرٍ فَضَمَّخُونِي بِالزَّعْفَرَانِ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُرَحِّبْ بِي وَلَمْ يَبَشَّ بِي وَقَالَ: اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ قَالَ: فَغَسَلْتُهُ عَنِّي فَجِئْتُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُرَحِّبْ بِي وَلَمْ يَبَشَّ بِي وَقَالَ: اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ فَغَسَلْتُهُ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ وَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَحْضُرُ جِنَازَةَ الْكَافِرِ بِخَيْرٍ وَلاَ الْمُتَضَمِّخَ بِالزَّعْفَرَانِ وَلاَ الْجُنُبَ وَرَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. (3)
وقال الغزالي :"وأن يحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والإبريسم ويقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين وأن الرجال يستنكفون منه ويكرر ذلك عليه، ومهما رأى على صبي ثوباً من إبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه، ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة" (4)
تحريم لبس الحرير على الذكور :
فمنذ أن يفتح الطفل عينيه فيعوَّد سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويبعد عن الألبسة المحرمة، وهذا ما فعله الصاحبي الجليل بكل جد وصرامة، عَنْ أَبِي كَنَفٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ حَتَّى
__________
(1) - شعب الإيمان - (8 / 337)(5911 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5846) وصحيح مسلم- المكنز - (5629)
(3) - مسند الطيالسي - (2 / 37)(681) حسن
(4) - إحياء علوم الدين - (2 / 272)(1/162)
أَتَيْتُ دَارَهِ، فَأَتَاهُ بَنُونَ لَهُ عَلَيْهِمْ قُمُصُ حَرِيرٍ فَخَرَقَهَا، وَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى أُمِّكُمْ فَلْتُلْبِسكُمْ غَيْرَ هَذَا. (1)
وعَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ ابْنًا لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَشَقَّهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا لِلنِّسَاءِ. (2)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قدِمَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ كُسِيَ وَلَدُهُ الْحَرِيرَ، فَنَزَعَ مِنْهُ مَا كَانَ عَلَى ذُكُورِ وَلَدِهِ، وَتَرَكَ مِنْهُ مَا كَانَ عَلَى بَنَاتِهِ (3) .
وعَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ عَلَى عُمَرَ، عَلَيْهِ قَمِيصُ حَرِيرٍ، فَشَقَّ الْقَمِيصَ. (4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ حَرِيرٌ، فَقَالَ:"مَنْ كَسَاكَ هَذَا؟"، قَالَ: أُمِّي، قَالَ: فَشَقَّهُ، قَالَ:"قُلْ لأُمِّكَ تَكْسُوكَ غَيْرَ هَذَا". (5)
ولا شك أن ابن مسعود - رضي الله عنهم - مزق القميص لأنه تعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحرير للنساء وليس للرجال،فعَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمتَّي، وَأُحِلَّ لإنَاثِهِمْ" (6)
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلْبَاسُ الصَّغِيرِ الذَّكَرِ الْحَرِيرَ.لأَِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَدَارَ الْحُرْمَةَ عَلَى الذُّكُورَةِ.إِلاَّ أَنَّ اللاَّبِسَ إِذَا كَانَ صَغِيرًا فَالإِِْثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُ لاَ عَلَيْهِ.لأَِنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا.وَلِعُمُومِ قَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا.وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدُ بِإِِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَال: كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنِ الْغِلْمَانِ وَنَتْرُكُهُ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 162) (25144) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 162) (25145) حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 162) (25146) فيه انقطاع
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 163) (25147) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (8 / 68)(8699 ) حسن
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (1824 ) صحيح(1/163)
عَلَى الْجَوَارِي " (1) وَالْجَوَارِي الْبَنَاتُ الصَّغِيرَاتُ.وَمَنْ قَال مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِذَلِكَ اسْتَثْنَى الرَّضِيعَ لِلْمَشَقَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أُمِّهِ (2) .
وَيَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى جَوَازِ إِلْبَاسِهِ صِغَارَ الذُّكُورِ.وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلاَ يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلُبْسِهِمْ .
وَهُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَبْعَ سَنَوَاتٍ يَحْرُمُ إِلْبَاسُهُ ثَوْبَ حَرِيرٍ . (3)
9-أدب استماع القرآن:
قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف
هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.
وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير.
ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون: إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءته الفاتحة، وغيرها. (4)
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4061 ) صحيح
(2) - بدائع الصنائع 5 / 130، مواهب الجليل 1 / 505، والمغني لابن قدامة 1 / 423 .
(3) - حاشية الجمل على شرح المنهج 2 / 82، المغني 1 / 423، ومواهب الجليل 1 / 506 . الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 208)
(4) - تفسير السعدي - (1 / 314)(1/164)
وليعلم الوالد ولده أدب السماع لكتاب الله تعالى بحيث لا يشغل نفسه أثناء تلاوة القرآن الكريم، حتى تؤتي هذه القراءة أكلها، وتينع ثمارها في نفسه .
وإذا أراد أن يعمله تلاوة القرآن فلتكن على تمهل، مع مراعاة آداب التلاوة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ:حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا يُجَاوِزُونَ الْعَشْرَ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالَ:فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعاً " (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - - تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ >> سُورَةُ الْفَاتِحَةِ >>(2300 ) صحيح(1/165)
الأساسُ الخلُقيُّ الثاني- خلُق الصدق:
الصدق:صدق فلان في الحديث:أخبر بالواقع (1) ، والكذب:خلاف الصدق (2)
"إن الصدق دعامة الفضائل،ومظهر من مظاهر السلوك النظيف ودليل الكمال وعنوان الرقي،بالصدق توطد الثقة بين الأفراد والجماعات،لا يستغني عنه حاكم ولا تاجر،ولا رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير." (3)
فخلق الصدق أصل هام من أصول الأخلاق الإسلامية، والتي تحتاج إلى جهد لتركيزها وتثبيتها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهتم بتثبيت هذا الخلق في الطفل، وهو يراقب تصرفات الوالدين مع الطفل، وذلك لتجنب وقوع الوالدين في رذيلة الكذب على الطفل، ويضع قاعدة عامة: أن الطفل إنسان، له حقوقه في التعامل الإنساني، ولا يجوز للوالدين خداعه بأية وسيلة كانت، واللامبالاة في التعامل معه .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لأَلْعَبَ، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللهِ تَعَالَ أُعْطِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ. (4)
وعَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي، فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلُعَابِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ.فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا عَلَيْكَ لَوْ أَكَلَ هَذِهِ التَّمْرَةَ ؟ قَالَ: إِنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ قَالَ: وَكَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ
__________
(1) - إبراهيم مصطفى وآخرون،المعجم الوسيط، ص 536
(2) - المصدر نفسه، ص 816
(3) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 350
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 394)(15702) 15793- حسن لغيره(1/166)
عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَرُبَّمَا قَالَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ. (1)
وقد اهتم السلف الصالح بتركيز هذا الخلق، الذي يتفرع عنه الصدق في الوعد، سواء وعدُ الكبار للصغار، أو وعد الأطفال لبعضهم الببعض، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَرَوَايَا الْكَذِبِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ، وَلَا يَعِدِ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ مَا لَا يَفِي لَهُ بِهِ، أَلَا إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَالصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَلِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ، أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَاذِبًا، وَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا " (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ، إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ فِي جِدٍّ وَلَا هَزْلٍ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا " (3)
لماذا يكذب الأطفال ؟:
-"قد يكذب الطفل تحدّياً لوالديه اللذين يعاقبانه بشدة،فهو يكذب هرباً من العقاب.
-وقد يكذب مازحاً مع أصدقائه بُغية الفكاهة.
-وقد يكذب الطفل الذي يشعر بالنقص لكي يستدرّ عطف المحيطين به .
-وقد يدعي أنه مريض،لأنه لا يريد الذهاب إلى المدرسة. وغير ذلك " (4)
ولكي نُخلِّص الأبناء من عادات الكذب:
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 533)(1723) صحيح
(2) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ(1468 ) صحيح
(3) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1469 ) صحيح
(4) - حسان شمسي باشا،كيف تربي أبناءك في هذا الزمان، ص 116-117(1/167)
-"نحدثه عن الصدق وأهميته دون إكراه أو ضغط،نشعره بالعطف والمحبة ونشجع فيه الثقة بالنفس ونُبصّره بأهمية الأمانة والصدق فيما يقوله ويفعله ونذكر له أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي تحث على الصدق،فعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا. (1)
وعَنْ قَيْسٍ،قَالَ:قَالَ أَبُو بَكْرٍ:إيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبُ الإِيمَانَ (2) .
-ومن أخطر الأمور أن يعترف الطفل بخطئه ثم يعاقبه بعد اعترافه فكأننا نعاقبه على الصدق،وندفع الطفل دفعاً إلى الكذب " (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6805) وصحيح ابن حبان - (1 / 509)(274)
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (13 / 151) (26115) صحيح
(3) - كيف تربي أبناءك في هذا الزمان، ص 117-118(1/168)
الأساسُ الخلُقيُّ الثالث- خلُق كتم الأسرار :
"لقد عني رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - بحفظ السرِّ لدى الأطفال،لأن هذا الخلق يسهم في تكوين إرادة الطفل الواعية الفاعلة،لأن الطفل يريد أن يتكلم بما يملك من معارف أو معلومات، فعندما تدربه على حفظ السرِّ فإنه يتدرب على بذل جهد نفسي مخالف لطبائع الطفولة الفطرية،فإذا نما [جعل] حفظ السر فيه،وإنَّ عدداً من الصفات والسجايا تنمو مع هذا الخُلق مثل قوة الإرادة وانضباط اللسان ورباطه الجأش، مما يتسبب في غرس الثقة الاجتماعية ونمو بذرة القوة في نفس الناشئة ." (1)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:انْتَهَى إِلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا فِي غِلْمَانٍ،فَسَلَّمَ عَلَيْنَا،ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيَّ،فَأَرْسَلَنِي برِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَارٍ،أَوْ فِي جِدَارٍ،حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ،فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ،قَالَتْ:مَا حَبَسَكَ ؟ قَالَ:قُلْتُ:أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرِسَالَةٍ،قَالَتْ:وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ:إِنَّهَا سِرٌّ،قَالَتْ:احْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ بَعْدُ أَحَدًا قَطُّ. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَىَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ. قَالَ ابْنُ أَسْمَاءَ فِى حَدِيثِهِ يَعْنِى حَائِطَ نَخْلٍ. (3)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً،ص 134. وانظر إلى سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 358-360
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 604)(13469) 13503- صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (800 )
الحائش: الملتف المجتمع من النخل -الهدف: ما ارتفع من الأرض(1/169)
الأساسُ الخلُقيُّ الرابع- خلُق الأمانة :
"كشف الحق أن الأمانة دعامة بقاء الإنسان ومستقر أساس الحكومات وروح العدالة وحدها وهي أحد عناصر تكامل الشخصية " (1)
قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء
إن الله تعالى يأمركم بأداء مختلف الأمانات, التي اؤتمنتم عليها إلى أصحابها, فلا تفرطوا فيها, ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط, إذا قضيتم بينهم, ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه. إن الله تعالى كان سميعًا لأقوالكم, مُطَّلعًا على سائر أعمالكم, بصيرًا بها. (2)
فالأمانة خلق أصيل، اتصف به سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من عهد الطفولة إلى عهد الرسالة، حتى وصفه المشركون بالصادق الأمين، وفي ذلك عبرة للطفل المسلم أن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لتساعده فيما بعد على الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد حدد - صلى الله عليه وسلم - مسؤولية الولد في مال أبيه، فيكون أميناً على القيام به، بلا إسراف ولا تبذير، فعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . (3)
ونلحظ اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخلق الأمانة وتأصيله في الطفل، أنه لم يرض من الطفل خطأه في هذا الركن، وإنما عاقبه، عندما أخلَّ به، وشد أذن الطفل، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ
__________
(1) - سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 355
(2) - التفسير الميسر
(3) - صحيح البخارى- المكنز - ( 893 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4832 )(1/170)
الْمَازِنِيِّ، - رضي الله عنهم - قَالَ: بَعَثَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا جِئْتُ بِهِ أَخَذَ أُذُنِي وَقَالَ: "يَا غُدَرُ " (1) .
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهُ بِقَطْفَيْنِ: وَاحِدٍ لَهُ, وَالآخَرُ لِأُمِّهِ عَمْرَةَ، فَلَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرَةَ فَقَالَ: أَرْسَلْتُ لَكِ مَعَ النُّعْمَانِ بِقِطْفٍ مِنْ عِنَبٍ, فَقَالَتْ: لاَ فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلُدَّتِهِ, فَقَالَ: يَا غُدَرُ" (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ (400 ) ضعيف
(2) - مسند الشاميين 360 - (2 / 355)(1487) ضعيف جدا(1/171)
الأساسُ الخلُقيُّ الخامس -خلُق سلامة الصدر من الأحقاد :
إن سلامة الصدر من الأحقاد، تحقق توازناً نفسيًّا لدى الإنسان، وتعوِّده على حب الخير للمجتمع، وتطلق عنان قوة الخير للنس البشرية، إلى أعلى قممها .
وقد وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - نداءً للطفل الناشيء أنس بن مالك، أن يغسل أدران نفسه صباحاً ومساءً، فيسامح من أساء إليه، ويفرِّغ قلبه من أي بقايا من وساوس الشيطان ونفثه، في الرؤوس والنفوس، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا بُنَىَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِىَ لَيْسَ فِى قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ ». ثُمَّ قَالَ لِى « يَا بُنَىَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِى وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِى فَقَدْ أَحَبَّنِى. وَمَنْ أَحَبَّنِى كَانَ مَعِى فِى الْجَنَّةِ » (1) .
وليحدث الطفل بقصة الرجل الذي شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، فعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "،قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْطُفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ وَقَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ صَرَّتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالَتِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْتَ ؟ قَالَ: "نَعَمْ "، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ: بَاتَ مَعَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، قَالَ: فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا.قَالَ: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلُهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلَا هِجْرَةٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَطْلُعُ الْآنَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ، فَأُنْظِرَ مَا عَمَلُكَ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2894 ) حسن(1/172)
فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا تُطَاقُ " (1)
من مضار (الحقد)
(1) الحقد يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في غمّ وحزن.
(2) الحقد مرض عضال من أمراض القلب، يخشى معه أن يتسرّب الإيمان من هذا القلب المريض.
(3) الأحقاد نزغ من عمل الشيطان لا يستجيب له إلّا من خفّت أحلامهم وطاشت عقولهم.
(4) الحقد مصدر للعديد من الرذائل مثل الحسد والافتراء والبهتان والغيبة.
(5) في الحقد دليل على غباء صاحبه ووضاعته لأنّه ينظر إلى الأمور نظرة قاصرة لا تجاوز شهواته الخاصّة.
(6) الحقد يغضب الربّ عزّ وجلّ ويؤدّي بصاحبه إلى الخسران المبين في الدنيا والآخرة.
(7) الحاقد قلق النفس دائما لا يهدأ له بال طالما رأى نعمة اللّه يسعد بها سواه.
(8) الحاقد ساقط الهمّة، ضعيف النفس، واهن العزم، كليل اليد.
(9) الحاقد رجل مضلّل ضائع، مخطي ء في تقديره فهو محصور التفكير في الدنيا ومتاعها ويتّبع بالغيظ من نال منها حظّا أوفر.
(10) الحاقد جاهل بربّه وبسننه في هذا الكون، لأنّ للّه حكما قد لا تظهر فى التوّ واللحظة، وقد يكون ما ظنّه الحاقد نعمة فاتته وأدركت غيره مجرّد ابتلاء واختبار تجلب على صاحبها من العناء ما لا يطيقه الحاقد الّذي يتمنّاها.
(11) الحقد يظهر عيوب الإنسان ويكشف عن الداء الدفين فيه. (2)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شعب الإيمان - (9 / 8)(6181 ) صحيح
(2) - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - (10 / 4440)(1/173)
الأساس الخلقي السادس - التحذير من الأخلاق الهابطة:
إن مسؤولية الآباء في هذا المجال مسؤولية شاملة بكل ما يتصل بإصلاح نفوسهم، وتقويم اعوجاجهم، وترفّعهم عن الدنايا، وحسن معاملتهم للآخرين..
فهم مسؤولون عن تخليق الأولاد منذ الصغر على الصدق، والأمانة، والاستقامة، والإيثار، وإغاثة الملهوف، واحترام الكبير، وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار، والمحبة للآخرين..
ومسؤولون عن تنزيه ألسنتهم من السباب، والشتائم والكلمات النابية القبيحة، وعن كل ما ينبئ عن فساد الخلق، وسوء التربية..
ومسؤولون عن ترفعهم عن دنايا الأمور، وسفاسف العادات، وقبائح الأخلاق، وعن كل ما يحط بالمروءة والشرف والعفة..
ومسؤولون عن تعويدهم على مشاعر إنسانية كريمة، وإحساسات عاطفية نبيلة، كالإحسان إلى اليتامى، والبر بالفقراء، والعطف على الأرامل والمساكين..
إلى غير ذلك من هذه المسؤوليات الكبيرة الشاملة التي تتصل بالتهذيب، وترتبط بالأخلاق..
وإذا كانت التربية الفاضلة في نظر الإسلام تعتمد في الدرجة الأولى على قوة الملاحظة والمراقبة.. فجدير بالآباء والأمهات والمعلمين، وكل من يهمه أمر التربية والأخلاق.. أن يلحظوا في الأولاد ظواهر أربعة، وأن يعيروها اهتمامهم لكونها من أقبح الأعمال، وأحط الأخلاق، وأرذل الصفات.. (1)
وهذه الظواهر مرتبة كما يلي:
1- خلق الكذب:
وهو خلق ذميم فواجب على الآباء والمربين أن يراقبوا أولادهم حتى لا يقعوا في ذلك الخلق الشنيع.
__________
(1) - تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 134)(1/174)
ويكفي الكذب تشنيعا وتقبيحا أن عده الإسلام من خصال النفاق فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. (1) ".
إنَّ من أخطر المضاعفات الناشئة في نفس الطفل إذا وعدْته وأخلفت، إذا وعدْته فلابدَّ من أن تنجز وعدك، لأنَّك إذا أخلفت وعدك علَّمته الكذب عمليّاً .. درس عمليّ في الكذب لا يُنسى قد لقّنته له، بالطبع لن يقول لك كذَّاب بل سيسكت، عرفك أنّك كاذب، فلا يهم الكلام ولكنّ المهم الحقيقة .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ » (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا (3) .
والكذب خيانة، فعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ مُصدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ كَذَا " (4) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيك، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا أَرَدْت أَنْ تُعْطِيَهُ ؟ قَالَتْ: تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إنَّك لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ (5) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان -(1 / 488) (254) وصحيح البخارى- المكنز -(34 ) وصحيح مسلم- المكنز -(219 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (309 ) -العائل: الفقير
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (2 / 30)(3638) وصحيح مسلم- المكنز - (6805 )
(4) - شعب الإيمان - (6 / 461)(4479 ) حسن
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 405)(26122) حسن(1/175)
فإذا لاحظ الأب أنَّ ابنه يكذب يجب أن يتابع الأمر ولا يتساهل، أحياناً الأب يحسن الظَّن ويتساهل، فقد حضر للبيت وهو متعب وسمع ابنه يروي قصَّةً كاذبة ويتركه، لكن حينما يحمل الأب ابنه على الصدق ويتعب بالتحقيق والتدقيق والنصيحة والمتابعة لعلَّه بعد حين يقطِفُ ثماراً يانعة.
الإنسان الصادق لا يقدَّر بثمن، فشيء عظيم أن تكون صادقاً، فالصدق مع الناس ينقُلُك إلى الصدق مع نفسك، ثمَّ تنتقِلُ إلى الصدقُ مع الله، يوجد صدق مع الله، وأحياناً يكون الإنسان صادقاً مع نفسه فلا يحاول أن يوهم نفسه أوهاماً غير صحيحة، يبدأُ صدقُه مع الناس، ثمَّ مع نفسه، ثمَّ مع الله (1) .
وأحيناً فإنَّ الأب القاسي على أولاده يدفعُهم إلى الكذب، فحينما يكون العقابُ أليماً يلجأُ الطفلُ إلى الكذب لينجوَ من العقاب بحكمِ الدفاعِ عن نفسه، أمّا إذا كان الأب متفهماً لابنه فإنه يُشعِرَهُ أنَّ الصدقَ منجاة، وأنَّه إذا أخطأ ينبغي أن يذكر خطأه، وأنَّ الأبَ لا يملك إلا أن ينصحهُ ويبيِّن له .
إن القسوة البالغة من الآباء كثيراً ما تحمل الأبناء على الكذب، لينجوَ الطفلُ من عقاب الأب، هو لا ينوي أن يكذب ولكن يريد أن ينجوَ من العقاب الأليم، ولذلك فإن أحد أسباب الكذب قسوة الآباء في معاملة أولادهم المذنبين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: عَلِّمُوا، وَلاَ تُعَنِّفُوا ؛ فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَنِّفِ (2) .
رُبَّما كان التعنيف أسهل ولكنَّ التعليم يحتاج إلى نفسٍ طويل .. ويحتاج إلى بيان، وإلى حنان، وإلى صبر وتروِّ، وإلى تأنٍِّ، والثمارُ اليانعة التي يقطفها المعلِّم لا تُقدَّر بثمن، أمَّا الثمار التي يقطفها المعنِّف رُبَّما أَدَّت إلى الكذب، وإلى تركِ المنزل، وإلى الخوفِ من الأب، وإلى أن يصبح وجود الأب في البيت مكروهاً، وإذا خرج الأب من بيته تنفَّس أولاده
__________
(1) - تربية الأولاد في الإسلام للنابلسي - (3 / 14)
(2) - مسند الطيالسي - (4 / 269)(2659) فيه جهالة(1/176)
الصُعداء فإذا عاد صار جوُّ البيت عبوساً قمطريراً، فأنت لا تنجح كأبٍ إلا إذا كان دخولك إلى البيت عيداً لهم، وعُرساً، وإلا إذا كان غيابك مأساة،وهذا هو الأب الناجح .
ويجب أن يوقن المعلِّم أنَّ أكثر المشكلات التي يعاني منها في تربية تلاميذه تعودُ إليه، فلو كان ليِّناً صار الصف فوضى وإذا صار فوضى اشتدَّ اضطراب المدرِّس وكان عنيفاً جداً معهم، لينهُ سبَّب الفوضى، والفوضى سبَّبت له هذه الشدَّة النفسيَّة، وهذه سببت له القسوة البالغة في معاملته، فلذلك ترى المعلِّم الناجح لا يعزوها إليهم، بل يعزو أخطاء تلاميذه إليه.
الأب الناجح كُلَّما رأى من ابنه انحِرافاً أو تقصيراً أو خُروجاً لا ينبغي له أن يقول: يا أخي جيل صعب .. لا تقل ذلك، بل اتَّهم نفسك واتَّهم أسلوبك في التربية، واتَّهم تقصيرك مع أبنائك قبل أن تتهم الأبناء هذا هو الأصل، أي إنَّ أخطاءَ الأولاد تُعزى إلى إهمال الآباء، أو إلى لينِهم الشديد، أو إلى قسوتهم البالِغة، ( لا تكُن ليِّناً فتعصر ولا قاسياً فتُكسر)، فليس من الصعوبة أن تكون قاسياً، ولا أن تكون ليِّناً فكلاهما سهل، ولكنَّ الصعوبة البالغة أن يحارَ ابنُك فيك، لين يشفُّ عن رحمة وقسوة تشِفُّ عن حزم، وهكذا علَّمنا الله عزَّ وجلَّ .. والأنبياء الكرام يعبدون الله رغباً ورهباً، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، وربنا عزَّ وجلَّ يعاملك معاملةً ترى أنَّه رحيم رحيم، فإذا توسَّعت في الرَّحمة وتجاوزتَ الحدود رأيت قسوةً لا حدود لها، ربُّنا عزَّ وجلَّ يؤدِّبك، لا يريدك أن تكون منبسطاً إلى درجة التجاوز، ولا منقبضاً إلى درجة اليأس، بل يُريدُك أن تكون راغِباً وراهِباً، راجياً وخائِفاً. وهذا هو الأكمل (لا تكن ليِّناً فتعصر ولا قاسياً فتكسر )
هذا الكلام موجَّه للأبِّ، وللمعلِّم، ولمدير الدائرة، ولمدير الثانويَّة، ولأيِّ منصب قيادي، من السهل أن تكون عنيفاً، ومن السهل أن تكون ليِّنا، ولكنَّ البطولة أن تجمع بينهما، وأن يحارَ فيكَ مرؤوسوك، أي ليِّن وقاسٍ .. حازم ورحيم .
2- خلق السرقة:
وهو لا يقل خطراً عن الكذب، وهو منتشر في البيئات المتخلفة التي لم تتخلق بأخلاق الإسلام، ولم تترب على مبادئ التربية والإيمان. ومن المعلوم بداهة أن الطفل منذ نشأته إن(1/177)
لم ينشأ على مراقبة الله والخشية منه، وأن يتعود على الأمانة وأداء الحقوق، فإن الولد- لاشك- سيدرج على الغش والسرقة والخيانة، وأكل الأموال بغير حق، بل يكون شقيا مجرما، يستجير منه المجتمع، ويستعيذ من سوء فعاله الناس لهذا كان لزاماً على الآباء أن يغرسوا في نفوس أبنائهم عقيدة المراقبة لله، والخشية منه، وأن يعرفوهم بالنتائج الوخيمة التي تنجم عن السرقة وتستفحل بسبب الغش والخيانة.
إن صحبة قرناء السوء شيء خطير جداً، لا شيء يشغل الآباء كأن ترى من هو صديق ابنك ؟ ولا يوجد عمل أعظم من هذا العمل، فلا شيء تسعد به في الدنيا سوى أن تربِّي ابنك، فمثلاً إن وجدَّت مع ابنك ممحاة جديدة فاسأله من أين ؟ هذا اليوم لم يأخذ منك مصروفاً، فمن أين أحضرتها يا بنيّ ؟ أغلب الظَّن أن رفيقه أعطاه إياها، وأنت قبلت هذا الكلام .. لا هذا كلام غير صحيح، ولو كلَّفك أن تذهب إلى المدرسة وتطلب إحضار رفيقه وتسأله مرَّة واحدة فيتعلَّم الابن أنَّه قبل أن يكذب يعدَّ للألف، ودائماً الآباء يجدون مع أبنائهم إمَّا مالاً أو حاجات أو أقلاماً أو دفاتر، فيوجد آباء لا يسألون أبداً ولا يهتمُّون، فيطرح الأب سؤالاً فيتلقى جواباً تقليدياً .. وجدها في الطريق، أو رفيقه أعطاه إياها، فأين أنت سائر، هذا قبول ساذج، فيجب أن تحقّق .
فالأب الذي يغضُّ النظر عن غرضٍ أو حاجةٍ عند ابنه .. يجب أن يسأله: من أين جئت بها ؟ فيجيب: اشتريتها.فتسأله: من أعطاك المال ؟ .. لأنَّ معظم النار من مستصغر الشرر.ويقولون: أمَّهات الفضائل .. الصدق والأمانة .
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ، النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ لاَ نُؤْذَى، وَلاَ نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلاَّ أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا(1/178)
النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلاَّ دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالاَ لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاؤُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلاَ يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاؤُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ.قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَت: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لاَ هَا اللهِ، ايْمُ اللهِ إِذَنْ لاَ أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلاَ أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ الَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمِ الَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي.قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلَّمَنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ.فَلَمَّا جَاؤُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلاَ فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ(1/179)
الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِِسْلامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لاَ نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص، قَالَتْ: فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لاَ أُسْلِمُهُمِ الَيْكُمِ ابَدًا، وَلاَ أُكَادُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ ارْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا.قَالَ: وَاللَّهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيمًا، فَأَرْسِلِ الَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ(1/180)
بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ اذْهَبُوا، فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالسُّيُومُ: الآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلاً مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ.قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ.قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ، يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لاَ يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ.قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ.قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ بِمَكَّةَ (1) .
وهذه أُمَّهات الفضائل، فإن من عنده أمانةٌ وصدق، ولم يكن عنده عفاف ..بالتعبير الشائع (نفسه خضراء) .. لأن غضُّ البصر أمانة، أيضاً هناك قاعدةٌ في الأخلاق: إن الأخلاق لا تُجزَّأ .. فالأمين على أموال الناس أمينٌ على أعراضهم في الوقت نفسِه، فالذي يخونُ الناس في أعراضهم ليس بعيداً أن يخونهم في أموالهم، فالأمانة لا تجزَّأَ .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 539)(1740) حسن صحيح(1/181)
إذاً الشيء الّذي أتمناه أن تراقب .. أحياناً الابن يسرق دون أن يكون سارقاً، أي توجد عنده رغبةُ تملُّك دون أن يعي، فقد يزور أقاربه فيجد لعبة تعجبه فيأخُذها، أو يجد حاجةً فيضعها في جيبه ويذهب، فلا تعدُّه سارقاً ..لا، ولكن نبِّهه وقل له: هذه ليست لك.علّمه قبل أن تعاقبه، وبالمناسبة فكثيرٌ من الآباء يُنزِلون أشدَّ العقاب بأولادهم قبل أن يبيِّنوا لهم أن هذا ممنوع.وعندنا قاعدةً في الدين: لا معصية دون تكليف وهو لم يكلَّف .. ليست هناك معصية فالأب الذي ينهال ضرباً على ابنه لأنَّه رأى معهُ حاجةً ليست له، فقبل أن يضربه يجب أن يبلِّغه ويقول له: يا بني هذه ليست لك، وهذه مخالفة للشرع، والله عزَّ وجلَّ هكذا علَّمنا: أدُّوا الأمانات إلى أهلها، لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، ذكِّره بالآيات وبالأحاديث، وبيِّن له .. ثمَّ حاسبه، ولا تحاسب قبل أن تبيِّن، ولا تنزل العقاب قبل أن تشرح، وقبل أن تبيِّن أمر الله عزَّ وجلَّ .
الآباء يستثقلون التحقيق في حاجات يجدونها مع أبنائهم:
إذاً أحد أسباب انتشار ظاهرة السرقة بين الأولاد، أن الآباء يستثقلون التحقيق في حاجات يجدونها مع أبنائهم، وقد يسألون فيأتي جوابٌ ساذج، أو جواب تقليدي، إنّه التقطها من الطريق أو أعاره إياها صديقه في المدرسة، فيقتنع الأب بهذا الجواب، ولا يتابع التحقيق، أمَّا الأب الذي يخاف على مستقبل أولاده، فيتابع التحقيق إلى أن يضع يده على حقيقة ما جرى، ثمَّ يوجِّه ثمَّ يحاسب .
فأنت عندما تنمِّي الوازع الباطني عند ابنك، هذا أرقى من أن تنمِّي الوازع الخارجي .
فالإنسان يتحرَّك إمَّا بوازع باطني أو برادع خارجيّ.فلو فرضنا من باب المثل المضحك: أن أحدَ الأشخاص يسبح في المسبح، وأراد أن يتبوَّل لم يحدث شيء، ولم يشعر به أحد، الآن يقال إنَّ بعض المسابح أضيفت لمائه مادةٌ تتفاعل مع البول، فإذا فعلها أحد السابحين، طفت حوله دائرةٌ بنفسجيَّة اللون، ويوجد حارس معه مكبِّر شديد للضوء، فيأخذونه ويدخلونه غرفةً خاصَّة على مدخل هذا المسبح، ومعلق على جدرانها عباراتٌ قاسية جدَّاً بحقِّه .. وضع المادَّة التي تتلون مع البول في المسبح هذا رادع خارجي، وأُوربَّا كلُّها والغرب كلُّه النظام الدقيق المطبَّق عليهم أساسه الرادع الخارجي.(1/182)
فإذا قطعت الكهرباء عنهم ليلةً، تمَّت في هذه الليلة مئتا ألف سرقة، السرعة الآن في الطرقات .. يوجد رادار مخفي يكشف السرعة الفائقة، فاخترعوا جهازاً يشوِّش على الرادار، فاخترعت الدولة جهازاً يكشف عن أجهزة التشويش، فالحياة الغربيَّة كلَّها، والحياة المادِّية كلُّها، وحياة أهل الإعراض عن الله، أساسها الرادع الخارجيّ، ولكنَّ الدين الإسلاميّ إضافةً لوجود الرادع الخارجيّ هناك أساس الالتزام الوازع الباطنيّ، فالمربِّي الناجح يربي أبناءه على الوازع الباطنيّ قبل أن يربِّيهم على الوازع الخارجيّ .. فالوازع الباطنيّ، علِّمه الخوف من الله عزَّ وجلَّ، علِّمه أنَّ الله يراقبه، وعلِّمه الخشيةَ من الله دون رقيب .
فعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ "، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ ؟ "فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ: "فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ ؟ "فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: "فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ "فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ" (1) .
فهذا الراعي وضع يده على جوهر الدِّين، عندمَّا تقول لي: أين الله ؟ أَعدُّك فقيهاً وأَعدُّك عالماً، ومتديناً حقيقياً، وإن كانت معلوماتك قليلةً جداً، وطالما أنك قلت: أين الله ؟ فقد وضعت يدك على جوهر الدين، هذا هو الدين .
__________
(1) - شعب الإيمان - (7 / 223)(4908 ) صحيح(1/183)
من لم يكن له ورعٌ يصدُّه عن معصية الله إذا خلا، لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله.عوِّد نفسك أن تقول: أين الله ؟ المؤمن يؤَدِّي ما عليه دون قضاء، ويؤدِّي ما عليه دون إزعاج، لأنَّه يعرفُ أين الله، الله مراقب .
3- خلق السباب والشتائم:
وهو خلق قبيح منتشر في محيط الأولاد خاصة من تربوا بعيدا عن هدى القرآن، والالتزام بالإسلام.
والسبب في انتشار ظاهرة السباب والشتائم. بين الأولاد يعود إلى أمرين:
الأول: المربي نفسه:
فالولد حينما يسمع من أبويه كلمات الفحش والسباب وألفاظ الشتيمة والمنكر.. فإن الولد- لاشك- سيحاكي كلماتهم، ويتعود ترداد ألفاظهم. فلا يصدر منه في النهاية إلا كلام فاحش، ولا يتلفظ إلا بمنكر القول وزوره.
إن أحد أكبر أسباب بذاءة لسان الصغار، هو أنَّ الأب أحياناً يتكلَّم كلاماً بذيئاً إمَّا في ساعة غضبه الشديد، أو في ساعة انبساطه، فالكلمات البذيئة التي يقولها الأب في البيت مازحاً أو جاداً، غاضباً أو راضياً، هذه تُحفَر في نفس الأبناء، فهل من الممكن أن طفلاً يسبُّ الدين ؟ نعم .. إذا سمعها من أبيه، وهل من الممكن أن طفلاً يتكلَّمَ بأسماء العورات صراحةً ؟ نعم .. إذا سمعها من أبيه.فأوَّل سببٍ رئيس لبذاءة اللسان ولظاهرة السباب والشتائم .. هو الأب نفسه .
قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ - أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ - وَهِيَ تُرَفْرِفُ فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ - أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ - تَرَفْرِفِينَ ؟ قَالَتِ: الْحُمَّى لاَ بَارِكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ (1) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6735 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 200)(2938)
تزفزفين: ترعدين من البرد(1/184)
(الحمَّى: الحرارة )، ما رضيَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من ابنته أن تلعن الحمَّى فإذا كان الأب يلعن كلَّ شيء والأمَّ تلعن كلَّ شيء مع كلام مجاوزٍ للحدود، وهذا الطفل موجود ويسمع، والطفل يتكلّم بما يسمع .
إذاً أوَّل أسلوب في تربية الأقوال تهذيب اللسان أن يكون الأبُ والأمُّ على أعلى مستوى من تهذيب اللسان، هناك كلمات ليست معصية .. مثلاً أين هو وماذا يفعل ؟ أُجيب: والله في الحمام، هذه كلمة لطيفة، توجد أسماء أخرى مثلاً: يتوضَّأ أيضاً كلمة لطيفة.ومثلاً ألبسته الداخليَّة تلوثت هذه أحلى من كلمات أُخرى، وبالمقابل يمكن أن تعوِّد ابنك أن يتكلَّم الكلمات التي يقولُها معظم الناس بأسمائها الصريحة .. فهبط بذلك مستواه.
ولم يتكلَّم كلمة تثير الشهوة، والقرآن كلُّه آداب وحياء، الكلمة التي لا أُطيقها أن يقول الإنسان: لا حياء في الدين ويتكلّم أشكالاً وألواناً، الدِّين كلُّه حياء، وهذه الكلمة: لا حياء في الدِّين بمعنى أنَّك ينبغي أن تسألَ عن حكمٍ فقهيّ.فلو رأى مثلاً ماءً شفافاً على ثيابه الداخليَّة ترى هل يحتاج إلى غسل ؟ نقولُ له: لا هذا ليس منيّاً هذا مذيّ، فإذا استحى الإنسان أن يسأل إمّا أن يقع بالشك في صلاته، أو يرهق نفسه بما لم يكلِّفه به الشرع، فكلَّما رأى هذا السائل يغتسل، لا ليست له حاجةٌ في الاغتسال بل يجزئه الوضوء، هذا معنى لا حياء في الدين، واسأل على انفراد، بعض الناس يشترون كتاباً فقهيّاً ويضعه في البيّت، فمهما طرأ عليه من أسئلة يجد الجواب فيه، وبذلك حُلّت القضيَّة .
أوَّل نقطةٍ إذاً: الكلام البذيء، السباب، الشتائم، هبوط مستوى الكلام .. يعودُ في بعض أسبابه إلى المربّي، إلى الأمِّ والأب .
الثاني: الخلطة الفاسدة:
فالولد الذي يُلقى للشارع، ويُترك لقرناء السوء، ورفقاء الفساد، فمن البديهي أن يتلقن منهم لغة اللعن.
والله يسمع الإنسان من أولاد الأزقَّة كلاماً شَهِدَ الله أن الحجر يستحي منه، تجد رجُلاً في الستين من عمره يخجل منه، طفلٌ صغيرٌ يتكلَّم كلاماً بذيئاً، فأين أبوه وأين أهله ؟ فالعوام يقولون: المربَّى غالٍ، أما هذا فلا شأنَ له لا عند الله ولا عندَ الناس .(1/185)
فالأب قيمته الحقيقيَّة: أولاده، والأم قيمتها الحقيقيَّة: أولادها، فلو كانت معها أعلى شهادة علميَّة، وأولادها مهملون فهي جاهلة، ويوجد بالجيل السابق أمَّهات، عندهن حرصٌ على أولادهن، وعلى تربيتهن وعلى تهذيبهن وعلى تأديبهن مع أنَّهن أُميَّات - عندهن حرصٌ بالغ لا حدود له، لهذا نقول: شهادةُ المرأة أولادها .
لهذا كله وجب على الآباء والأمهات والمربين جميعاً أن يعطوا للأولاد القدوة الصالحة في حسن الخطاب، وتهذيب اللسان، وجمال اللفظ والتعبير كما يجب عليهم أن يجنبوهم لعب الشارع، وصحبة الأشرار، وقرناء السوء- حتى لا يتأثروا من انحرافهم ويكتسبوا من عاداتهم.
ويجب عليهم كذلك أن يبصروهم مغبة آفات اللسان ونتيجة البذاءة في تحطيم الشخصية، وسقوط المهابة، وإثارة البغضاء والأحقاد بين أفراد المجتمع.
ولعلاج هذه الظاهر ة ما يلي :
ا ـ احترام الطرف الآخر :
إنَّ معظم الناس إذا حاورَ إنساناً يستخدمَ أساليب التجريح مثل: أنت لا تفهم، ماذا تفهم عن هذا الموضوع ؟ هذا سباب .. لكنَّ الإنسان الرَّاقي يدير المناقشة عشر ساعات ولا يتكلَّم كلمةً واحدةً فيها جرحٌ للطرف الآخر، من أين هذا الأدب نقتبسه ؟ من القرآن: {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (25) سورة سبأ.
{ لا تسألون } عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا، ونحن لا نسأل عن أعمالكم، فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق وسلوك طريق الإنصاف، ودعوا ما كنا نعمل، ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق، فإن أحكام الدنيا تجري على الظواهر، ويتبع فيها الحق، ويجتنب الباطل، وأما الأعمال فلها دار أخرى، يحكم فيها أحكم الحاكمين، ويفصل بين المختصمين، أعدل العادلين.(1/186)
ولهذا قال: { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا } أي: يحكم بيننا حكما، يتبين به الصادق من الكاذب، والمستحق للثواب، من المستحق للعقاب، وهو خير الفاتحين (1) .
وقال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (24) سورة سبأ.
وقوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي: إحدى الطائفتين منا ومنكم، على الهدى، مستعلية عليه، أو في ضلال مبين، منغمرة فيه، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق، واتضح له الصواب، وجزم بالحق الذي هو عليه، وبطلان ما عليه خصمه.أي: قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم، ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه، من المحق منا، ومن المبطل، ومن المهتدي ومن الضال؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك، لا فائدة فيه، فإنك إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق، لسائر المخلوقات المتصرف فيها، بجميع أنواع التصرفات، المسدي جميع النعم، الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة، ودفع عنهم كل نقمة، الذي له الحمد كله، والملك كله، وكل أحد من الملائكة فما دونهم، خاضعون لهيبته، متذللون لعظمته، وكل الشفعاء تخافه، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير، في ذاته، وأوصافه، وأفعاله، الذي له كل كمال، وكل جلال، وكل جمال، وكل حمد وثناء ومجد، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه، وإخلاص العمل له، وينهى عن عبادة من سواه، وبين من يتقرب إلى أوثان، وأصنام، وقبور، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك لأنفسها، ولا لمن عبدها، نفعا ولا ضرا، ولا موتا [ ص 680 ] ولا حياة، ولا نشورا، بل هي جمادات، لا تعقل، ولا تسمع دعاء عابديها، ولو سمعته ما استجابت لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويتبرأون منهم، ويتلاعنون بينهم، ليس لهم قسط من الملك، ولا شركة فيه، ولا إعانة فيه، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه، ويتقرب إليه مهما أمكنه، ويعادي من أخلص الدين للّه، ويحاربه، ويكذب رسل اللّه، الذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده، تبين لك أي الفريقين، المهتدي من الضال،
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 679)(1/187)
والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك، لأن وصف الحال، أوضح من لسان المقال (1) .
ب ـ عدم سباب الطرف الآخر:
اسمعوا من سيِّدنا يوسف عليه السلام: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (100) سورة يوسف
إخوته أجرموا بحقِّه، ولكنِّه جعل الشيطان هو المسؤول لئلا يحرجهم، فإذا ناقش الإنسان وحاور، يمكن أن يجعل المناقشة عشر ساعات ولا يحتاج لكلمةٍ فيها تجريح، وطعن وسباب، أو سخرية أو انتقاص، أو احتقار، إذاً سباب المسلم فسوق .
ويمكنك أن تُلقى على أسماعهم بعض الأحاديث التي تنهى عن اللعن والسب فعَنْ زُبَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ » (2) ..
ت ـ على الإنسان ألا يعمل عملاً سيِّئاً لِئلا يجلب لوالديه السباب والشتائم :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ».قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ » (3) .
وقد نفهم هذا الحديث بشكلٍ موسَّع، أي إذا أساء الإنسان ربَّما جلب سباباً لأُمِّه وأبيه، وعند العوام فوراً يصل في سبابه إلى الأب والجد وسائر أفراد الأُسرة، فكلَّما كان الإنسان محسناً جلب لوالديه السمعة الطيِّبة، فإذا أساء لعن الناس والديه.
__________
(1) - تفسير السعدي - (1 / 679)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (48) وصحيح مسلم- المكنز - (230)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5973 )(1/188)
أمَّا الإنسان فعليه ألا يعمل عملاً سيِّئاً لِئلا يجلب لوالديه السباب والشتائم، فعَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِى قَصِيرَةً. فَقَالَ « لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ « مَا أُحِبُّ أَنِّى حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِى كَذَا وَكَذَا » (2) .
تجد ابنةً تدرس في المدرسة، أعطاها الله شيئاً وحرمها من شيء آخر، تجد البنات من حولها ودون تربية يسخرن منها، بسبب ما تفقده، فتجد في المجتمعات المسلمة مجتمعاً مقصِّراً، فيه تراشق بالتهم، وفيه تعيير وغمز ولمز، أي حينما قالت عنها إنَّها قصيرة، "قال: يا عائشة لقد قلت كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ".
فمثلاً أن تذكر شيئاً عن شخص ما بأن تقول: طوله كذا.فهذا الكلام يجب ألا نتكلم به إطلاقاً ؛لأنَّ هذا خلق الله، فالإنسان يملك صفاته ولا يملك شكله، فمن منَّا له خيار بشكله ؟ لا أحد له خيار في ذلك، وعلى كلٍ حال لا بد من شكر الله على نعمه، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي (3) .
هذا شيءٌ لطيف جدَّاً .. أما إذا كان شكل الإنسان.. طويلاً أو قصيراً أو أبيض أو أسمر اللون فهذا من خلق الله .
فالرَّجُل قيمته بعلمه وأخلاقه، وهذا ينبغي له، أن يُرسَّخ حتَّى في عالم النساء، فالأم التي تتحدَّث دوماً في مجلسها عن عيوب الأخريات وصفاتهنَّ، فقد عقَّدت ابنتها، فيا أيها النسوة تحدثن عن دينهنَّ وعن أخلاقهنَّ وعن ورعهنَّ، وما يحفظن من قرآن وعن إخلاصهن لبيتهن وزوجهن وأنَّهن من الطراز الأوَّل، اجعلنَ مجال التسابق في الأخلاق، لا في الجمال .. فعندما تتكلَّم الأم عن جمال بناتها وقريباتها وصديقاتها، وهذه رغبوا فيها لأنَّ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 13)(5706) صحيح
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4877 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 239)(959) صحيح(1/189)
صفاتها كذا، وابنتها الصغيرة تسمع ذلك فماذا سيحدث لها ؟ .. يجب أن لا نطرح هذه الموضوعات والموضوع الجمالي دائماً، بل يطرح الموضوع الكمالي .
فالأم الجاهلة حديثها دوماً عن جمال من حولها، فإذا كانت ابنتها تفقد شيئاً مما ذكرته أمُّها من صفات الجمال فقد تصاب بعقدةٍ نفسِيَّة وتتحطم، فلا يجوز عقد مفاضلة في الشكل بل يجب أن تكون المفاضلة في الخلق والتديُّن .
فالأبوَّة مسؤوليَّة .. فالأب مسؤول إن كان قد ربَّى أولاده تربيةً صالحةً دخل الجنَّة بسببِهم، وسعد إلى أبدَ الآبدين، وما شاء الله أن يكون نظام الحياة نظام أُسرةٍ، إلا ليمنح الآباء فرصةً للعمل الصالح .. هذا ابنك،
فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن لم يعجبه اسم قام بتغييره فوراً،فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُغَيِّرُ الاِسْمَ الْقَبِيحَ (1) .
وهناك معلمون حكماء إن وجدوا اسماً من أسماء الطلاب يثير الضَّحك فيغير له اسمه فوراً وطوال العام .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ ثُمَّ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ النَّارَ الْمَاءُ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ هَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ (2) .
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (3073 ) موصولاً ومرسلاً ورجح المرسل
(2) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (5 / 116)(3973) صحيح لغيره -ثكلت: فقدت(1/190)
فالكلام أكبر عمل سيئ، إذ ليس المؤمن بالطَعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحشِ، ولا البذيء.والمؤمن لا يكون بذيئاً، بصراحة هل في مزحه يوجد جنس أو غمز ولمز وكلام مغشوش؟ هذا والله بعيد عن الإيمان، فكلام المؤمن أطهرُ من ماء السماء، وأنقى من الثلج، ولا يلفظ كلمة مغشوشة أو معيبة إطلاقاً، وهناك كلام يغشه الناس، كيفما تكلَّمَ يغشَّه ويحوِّره ويقول: هكذا تقصد ؟ فتجيبه: والله لم أقصد هذا الكلام.وهؤلاء هم أهل الدنيا بسبب بعدهم عن الله عزَّ وجلَّ، يضحكون لهذا المُزاح الرخيص، الَّذي يحوِّل الكلام إلى معانٍ كلُّها مما يكون بين المرءِ وزوجه ..
وقال أسامة بن منقذ: "قحطت البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت العرب من أحياء القبائل، فجلس هشام لرؤسائهم، فدخلوا عليه، وفيهم درواس بن حبيب، وله أربع عشرة سنة، عليه شملتان وله ذؤابة. فأحجم القوم وهابوا هشاماً، ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إلي إلا وصل ! حتى الصبيان ؟! فعلم درواس أنه يريده، فقال: يا أمير المؤمنين، إن دخولي لم يخلِّ بك شيئاً، ولقد شرَّفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمرٍ أحجموا دونه، وإن الكلام نشرٌ، والسكوت طيٌ، ولا يعرف الكلام إلا بنشره. فقال له هشام: فانشر لا أبالك !! وأعجبه كلامه. فقال: أصابتنا سنون ثلاثة: فسنةٌ أذابت الشحم، وسنةٌ أكلت اللحم، وسنة أنقت العظم، وفي أيديكم فضول أموالٍ: إن كانت لله ففرقوها على عباده المستحقين لها، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم ؟، وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، واعلم، يا أمير المؤمنين، أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به. فقال هشام: ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذراً. وأمر أن يقسم في باديته مائة ألف درهم، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم. فقال: يا أمير المؤمنين، ارددها إلى جائزة العرب، فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم. قال: فمالك من حاجةٍ تذكرها لنفسك ؟ قال: مالي من حاجةٍ دون عامة المسلمين !! (1) .
__________
(1) - لباب الآداب لأسامة بن منقذ - (1 / 100)(1/191)
فالسلف الصالح إذا التقى بمسؤول، كانوا يطلبون طلباً عاماً للمسلمين، لا يطلب طلباً خاصاً له، أو حاجات شخصيّة، والعلماء العاملون المخلصون لا يطلبون لأنفسهم شيئاً، بل لعامَّة المسلمين ..
4- خلق الميوعة والانحلال:
"أما ظاهرة الميوعة والانحلال فهي من أقبح الظواهر التي تفشت بين أولاد المسلمين وبناتهم في هذا العصر الذي يلقب بالقرن العشرين، فحيثما أجلت النظر تجد كثيرا من المراهقين الشباب والمراهقات الشابات قد انساقوا وراء التقليد الأعمى، وانخرطوا في تيار الفساد والإباحية دون رادع من دين، أو وازع من ضمير، كأن الحياة في تصورهم عبارة عن متعة زائلة، وشهوة هابطة، ولذة محرمة، فإذا ما فاتهم هذا فعلى الدنيا السلام.
وقد ظن بعض ذوي العقول الفارغة أن آية النهوض بالرقص الماجن، وعلامة التقدم بالاختلاط الشائن، ومقياس التجديد بالتقليد الأعمى، فهؤلاء قد انهزموا من نفوسهم، وانهزموا من ذوات شخصياتهم وإرادتهم قبل أن يهزموا في ميادين الكفاح والجهاد.
فترى الواحد من هؤلاء ليس له هم في الحياة إلا أن يتخنفس في مظهره، وأن يتخلع في مشيته، وأن يتصيع في منطقه، وأن يبحث عن ساقطة مثله ليذبح رجولته عند قدمها، ويقتل شخصيته في التودد إليها.. وهكذا يسير من فساد إلى فساد، ومن ميوعة إلى ميوعة حتى يقع في نهاية المطاف في الهاوية التي فيها دماره، وهلاكه.
ومن هنا يتعين على المربي أن يهذب أخلاق الولد وأن يبعده عن صحبة السوء وأن يربطه بالصحبة الطيبة، وعليه أيضاً أن يباشر الولد فإذا وجد منه اعوجاجا سارع بتقويمه قبل أن يتأصل فيه.
وقد رويت أحاديث كثيرة تنهى عن التشبه بغير المسلمين،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى » (1) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » (2) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (625 )
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4033 ) صحيح(1/192)
فمن هوي الكفرةَ حُشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً، تجد شاباً بأيَّام بطولاته كل همّه زينته الظاهرة، يجلس ساعات وراء المرآة كأنَّه فتاة، هذا من الميوعة والانحلال، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلاَ بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفِّ » (1) .
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا » (2) .
لا يكن الإنسان مقلِّداً، بل يجب أن ينطلق الإنسان في تصرّفاته من دينه، لا بالتقليد الأعمى، وفي الحقيقة توجد نقطةٌ دقيقةٌ .. نحن يمكننا أن نقلِّدَ الأجانب ولكن في العلم لا في الأخلاق والسلوك، وتحضرُني كلمة وهي لأحد الأُدباء قال: ثقافة أيَّة أمَّة بمثابة عسلٍ، استُخلِصَ من زهرات مختلف الشعوب على مرِّ الأجيال، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها .
الثقافات تؤخذ، والعلوم تؤخذ، لكن العادات والتقاليد لا تؤخذ فماذا نأخذ وماذا ندعُ من الغربيين ؟ قال: نأخُذ ما في عقولهم، وندعُ ما في نفوسهم .
ولعلاج هذه الظاهرة فعلينا :
ا ـ عدم التقليد الأعمى لأهل الغرب :
لو أنَّ لنا أعداء وعندهم إنجاز حضاريٌّ، أو علمي، فيمكننا أن ننقله إلينا، ولا يمنعنا من أخذه أنَّهم أعداء، خذ ما في عقولهم ودع ما في نفوسهم، فالعلم ليس له وطن، ومن التعصُّب أن تنسب علماً ما إلى وطن .. لأن العلم عبارة عن كشف لقوانين قد قننها الله عزَّ وجلَّ، فمن يكشف القانون نأخُذه منه مهما كان، فنحن نحارب التقليد الأعمى
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2911 ) حسن
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2138 ) حسن
الإمعة: الذى لا رأى له ولا عزم -وطنوا: وطن نفسه إذا حملها على الشىء فتحملت وذلت له(1/193)
بالعادات والتقاليد، أمَّا في شؤون العلم والتقدُّم الحضاري فهذا نقتبِسُه، فالإسلام مرن سمح لنا أن نأخُذَ ما لا يتعارض مع ديننا ولاسيَّما أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60) سورة الأنفال.
فإذا لم يكن عندنا قوَّة تكافئ قوَّتهم فكيف ننتصر عليهم ؟ .. إذاً من أساليب مكافحة الميوعة والانحلال، عدم التقليد الأعمى لأهل الغرب .
ب ـ النهي عن الاستغراق في التنعُّم :
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رضي الله عنهم - وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ، وَقَالَ: إِلاَّ هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيْهِ (1) .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ؛ فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ (2) .
ليس أبعد عن النفس من شاب غارق في النعيم، فهو يزعج كل إنسان وينزعج من كل شيء، فالذي يحبُّه الإنسان عادةً أن يكون شاباً مخشوشناً، يتحمل شظف العيش، فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ - رضي الله عنهم - : "اخْشَوْشِنُوا، وَاخْشَوْشِبُوا وَاخْلَوْلِقُوا وَتَمَعْدَدُوا، كَأَنَّكُمْ مُعَدٌّ، وَإِيَّايَ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْعَجَمِ " (3) .
أمّا الاستغراق في النعيم فمشكلةٍ كبيرة (4) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 104)(92) وصحيح مسلم- المكنز - (5532)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 375)(22105) 22456- حسن
(3) - شرح مشكل الآثار - (5 / 339) صحيح
قَالَ: فَنَهَاهُمْ عَنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَمِنْهُ التَّنَعُّمُ , وَأَمَرَهُمْ بِالتَّمَعْدُدِ وَهُوَ الْعَيْشُ الْخَشِنُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ .
(4) - انظر تربية الأولاد في الإسلام للنابلسي - (4 / 1)(1/194)
خاتمة: مثال عمليٌّ من خلُق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال :
في ختام هذا المطاف نضع بين يديك نموذج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائد القدوة للأمة كلها، وكيف كان يتعامل مع الأطفال، يأمرهم وينهاهم، يمازحهم ويلحق بهم، يقف خلف الطفل ويبتسم له، لا يغضب في وجههم، ولا يعاتبهم، يرسخ عقدة القضاء والقدر عمليًّا في نفوسهم :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ وَلاَ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ كَذَا، وَهَلاَّ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا. (1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، وَمَا كُلُّ أَمْرِي كَمَا يُحِبُّ صَاحِبِي أَنْ يَكُونَ، مَا قَالَ لِي فِيهَا: أُفٍّ، وَلاَ قَالَ لِي: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا، وَأَلاَّ فَعَلْتَ هَذَا. (2)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ خَدَمْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا غُلاَمٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْرِى كَمَا يَشْتَهِى صَاحِبِى أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ مَا قَالَ لِى فِيهَا أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِى لِمَ فَعَلْتَ هَذَا أَوْ أَلاَ فَعَلْتَ هَذَا. (3)
وعَنِ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَشْرَ سِنِينَ، لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ، وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلاَّ فَعَلْتَهُ (4) .
وقَالَ أَنَسٌ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِى يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ. وَفِى نَفْسِى أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِى بِهِ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِى السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَبَضَ بِقَفَاىَ مِنْ وَرَائِى - قَالَ - فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ». قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (5) .
__________
(1) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 583)(13373) 13406- صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 503)(13021) 13052- صحيح
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (4776 ) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 508)(13034) 13065- صحيح
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (6155 )(1/195)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ، أَوْ ضَيَّعْتُهُ، فَلاَمَنِي، فَإِنْ لاَمَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ قَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ قُدِّرَ، أَوْ قَالَ: لَوْ قُضِيَ، أَنْ يَكُونَ كَانَ. (1)
وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - ببناء أخلاق الأطفال عمليًّا، وبالقدوة الحسنة لهم، فينشؤون أرسخ خلقاً وأثبت عوداً، أمام التحديات المادية، التي تنتظرهم في واقع المجتمع، وفي حياة الناس، فلا يفرطون بأخلاقهم الإسلامية، أمام عواطف التيارات المنحرفة، التي يمارسها المجتمع الجاهلي على النفوس المؤمنة في عصرنا الحاضر .
وقد يقول قائل: ونحن لو فعلنا هكذا فإن الوِلَد سيتجرأ ولن نستطيع أن نسيطر عليه أو نرشده!
ولكني أقول: فلِمَ لَمْ يتجرأ أنس، أو ابن عباس، أو زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زَيد وأبناء جعفر، وأبناء العباس، وغيرهم ممن تربَّوْا على يده - صلى الله عليه وسلم - وصاروا أعلامًا في الناس وأئمة للهدى؟ لماذا لم يتجرأ هؤلاء أو بعضهم؟!
إن الذي لا يعجبه الأسلوب النبوي، أو يرى أن غيره أفضل، أو يُدخِل عليه تحسينات أو تعديلات ؛ لو كان مربيًا لابن عباس أو لأسامة أو لأنس لفشل في تربيتهم، وغيَّر توجهاتهم، فإن قال: ( لا. لا. معاذ اللَّه، أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الأحسن ؛ وَ. وَ الخ... لكن الشباب تغير، والجيل كما ترى، ونحن لسنا مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - )، أقول: فقد تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع غرائب الشباب ؛ فتعامل مع الشاب الذي جاء يستأذن في الزنى ؛ باللين والحكمة حتى أخذ بيده إلى النجاة والتوبة، وتعامل مع المشاغبين الذين كانوا يرمون نخل الناس ليأكلوا البلح، وكذلك مع الغلام اليهودي لآخر لحظة من عمره يدعوه إلى الإسلام فأسلم بعد استشارة بالعين لأبيه اليهودي، وتعامل - صلى الله عليه وسلم - مع كثير من أصحاب الأخطاء والمعاصي والخمَّارين ( كما نسمِّيهم ) ويخرجون من عنده راشدين، وله شاهدين، بأنهم ما رَأوا معلمًا ألْين ولا أحسن تعليمًا منه، كلهم عاملهم - صلى الله عليه وسلم - باللين والحكمة وكانت النتيجة
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 593)(13418) 13451- صحيح(1/196)
إيجابية، ولكنَّ الفارق فعلاً أننا نتعجل النتائج ولا نصبر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "فصبر عليهن "، "فأحسن صحبتهن ".
وشرط تحقيق التربية الصحيحة أن نلتزم مع الطفل من البداية بدون ترك ثغرات أو فعل مخالفات أو السكوت على محظورات، فإذا أردنا أن نعالج وجدنا الوقت قد فات.
فينبغي ألا نكثر القول عليه بالعتاب في كل حين ؛ فإنه يُهوِّن على الطفل سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقْع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام معه ؛ فلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح. (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 2)(1/197)
الفصل الخامس
البناء العاطفي والنفسي
تمهيد :
أسس البناء العاطفي :
الأساس الأول- القبلة والرأفة والرحمة بالأطفال :
الأساس الثاني - المداعبة والممازحة مع الأطفال :
الأساس الثالث- الهدايا والعطايا للأطفال:
الأساس الرابع - مسح رأس الطفل :
الأساس الخامس -حسن استقبال الطفل:
الأساس السادس-تفقد حال الطفل والسؤال عنه :
الأساس السابع - الرعاية الخاصة بالبنت واليتيم :
1- تربية البنت :
القاعدة الأولى - النهي عن كراهية البنات :
القاعدة الثانية - المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما:
القاعدة الثالثة-أجر التربية والإحسان والصبر تربية البنات وتزويجهن :
2- تربية اليتيم واليتيمة :
القاعدة الأولى - أجر رعاية اليتيم وتربيته:
القاعدة الثانية - حفظ مال اليتيم والتجارة له :
القاعدة الثالثة -أجر الأم التي تربي أيتامها ولا تتزوج:
القاعدة الرابعة- معاملة اليتيم مثل الابن في التربية والتعليم والتأديب :
الأساس الثامن - التوازن في حب الطفل بلا إفراط ولا تفريط :
القاعدة الأولى - أن تلزم نفسك وولدك بشرع الله تعالى :
القاعدة الثانية - أن تكون مضيافاً كريماً :
القاعدة الثالثة - الصبر على مرض ووفاة الطفل، واحتساب الأجر عند الله :(1/198)
تمهيد :
تشكل العاطفة مساحة واسعة في نفس الطفل الناشئ، وهي تكوّن نفسه وتبني شخصيته، فإن أشبعها بشكل متوازن كان إنساناً سوياً في حياته كلها وإذا اختل هذا التوازن بالزيادة أو النقصان تشكلت لديه عقد لا تحمد عقباها.. فالزيادة تجعله مدللاً لا يقوم بتكاليف الحياة بجدٍّ ونشاط؛ ونقصانها يجعله إنساناً قاسياً عنيفاً على كلِّ مَن حوله، لذلك فإن البناء العاطفيَّ له أهمية خاصة في بناء نفس الطفل وتكوينه. وهذا البناء يلعب فيه الوالدان الدور الأكبر، إذ هما المصدر الأساسي لأشعة العاطفة التي تبني نفسه، وهما الركن الرشيد، الذي يأوي إليه الطفل، لينعم بحرارة العاطفة، ونعمة الأبوة والأمومة، لذلك نجد في نهاية هذا الفصل أهتماماً كبيراً لصنفين من الأطفال، يقلل الوالدان أو أحدهما العطف عليه، وهما البنت واليتيم، ونظراً لاهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال، فإنه عني بهما عناية خاصة، ومنزلة خاصة، فحبذا المجتمع المسلم يقوم بدور الأب لهذا اليتيم، وحبذا الوالدان يهتمان بتربية البنت، ورعايتها، ومساواتها مع أخيها الذكر.
بقي السؤال: كيف نبني عاطفة الطفل ونؤدي له حقه ليكون إنساناً سوياً في حياته؟
للجواب على هذا السؤال ستكون لنا جولة مع المربي الأول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لاستنباط الأسس الهامة التي بها نكون قد سرنا على خطى ثابتة مصدرها السنَّة النبوية.
أسس البناء العاطفي :
الأساس الأول- القبلة والرأفة والرحمة بالأطفال :
إن للبشاشة والقبلة دوراً فعّالاً في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، كما أن لهما دوراً كبيراً في تسكين ثورانه وغضبه، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط الوثيق في تشييد علاقة الحب بين الكبير والصغير، وهما دليل رحمة القلب والفؤاد لهذا الطفل الناشئ وهما برهان على تواضع الكبير للصغير.. وهما النور الساطع الذي يبهر فؤاد الطفل، ويشرح نفسه، ويزيد من تفاعله مع من حوله.. ثم هما أولاً وأخيراً السنَّةُ الثابتة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال..(1/199)
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ. فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ ». وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ « مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ». (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَبْصَرَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فقَالَ: إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ، فقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ. (2)
والرحمة بالأطفال والشفقة عليهم صفة من صفات النبوة المحمدية وهي الطريق لدخول الجنة والفوز برضوان الله. فعَنِ الْحَسَنِ عَنْ صَعْصَعَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ قَالَ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَأَعْطَتْهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً ثُمَّ صَدَعَتِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَهُمَا. قَالَتْ فَأَتَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ « مَا عَجَبُكِ لَقَدْ دَخَلَتْ بِهِ الْجَنَّةَ » (3) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا، فَأَعْطَتْهَا عَائِشَةُ ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ لَهَا تَمْرَةً، وَأَمْسَكَتْ لِنَفْسِهَا تَمْرَةً، فَأَكَلَ الصِّبْيَانُ التَّمْرَتَيْنِ وَنَظَرَا إِلَى أُمِّهِمَا، فَعَمَدَتْ إِلَى التَّمْرَةِ فَشَقَّتْهَا، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ نِصْفَ تَمْرَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ: "وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ رَحِمَهَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهَا صَبِيَّيْهَا" (4)
وعَنْ أَبِى قَتَادَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنِّى لأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ » (5) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفَ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ. (6) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6169 )
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 202) (457) صحيح
(3) - سنن ابن ماجه- المكنز - ( 3799 ) صحيح - صدع: شق
(4) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (89 ) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - ( 707 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (707) وصحيح مسلم- المكنز - (1084) وصحيح ابن حبان - (5 / 510)(2139) -الوجد : الحزن(1/200)
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى الرِّفْق بِالْمَأْمُومِينَ وَسَائِر الْأَتْبَاع وَمُرَاعَاة مَصْلَحَتهمْ، وَأَلَّا يَدْخُل عَلَيْهِمْ مَا يَشُقّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مِنْ غَيْر ضَرُورَة.وَفِيهِ جَوَاز صَلَاة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الْمَسْجِد، وَأَنَّ الصَّبِيّ يَجُوز إِدْخَاله الْمَسْجِد وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَنْزِيه الْمَسْجِد عَمَّنْ لَا يُؤْمَن مِنْهُ حَدَث . (1)
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ، فَكَانَ إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا (2) .
وقال الفخر الرازي رحمه الله: "ذكر أن صياداً كان يصيد السمك فصاد سمكة وكان له ابنة فأخذتها ابنته فطرحتها الماء وقالت: إنها ما وقعت في الشبكة إلا لغفلتها، إلهنا تلك الصبية رحمت غفلة هاتيك السمكة وكانت تلقيها مرة أخرى في البحر ونحن قد اصطادتنا وسوسة إبليس وأخرجتنا من بحر رحمتك فارحمنا بفضلك وخلصنا منها وألقنا في بحار رحمتك مرة أخرى." (3)
ومن صور شدة رحمة الأمهات بأطفالهن، ما أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذه الصورة العجيبة، التي لها دلالات، على تفجر الرحمة من قلب الأم على طفلها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ لَهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ أَحَدَ الاِبْنَيْنِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا فَدَعَاهُمَا سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَاتُوا السِّكِّينَ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا.فَقَالَتِ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، لاَ تَشُقَّهُ، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى.قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ عَلِمْنَا مَا السِّكِّينُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ. (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا.
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (2 / 218)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (516) وصحيح مسلم- المكنز - (1240) وصحيح ابن حبان - (3 / 393) (1109)
(3) - تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع - (1 / 3021)
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 248)(8280) 8263- صحيح(1/201)
فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا.
فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ». قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ مَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ. (1)
ونلاحظ قسوة قلب الأم الكبرى في هذه القصة، فلقد سرق الذئب ابنها، ولم تظهر حزنها عليه، بل أظهرت قسوة لا يتصورها عقل رجل، فضلاً عن قلب امرأةٍ، فلجأت إلى سرقة ابن زميلتها، لأنه لا يعقل أن يكونا متشابهين تشابهاً تماماً، كما لا يعقل إلا تميز الأم ابنها من بين طفلين، فالحديث دلَّ على قسوة قلب الأم الكبرى ن ورحمة قلب الصغرى .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (4592 ) -المدية: السكين(1/202)
الأساس الثاني - المداعبة والممازحة مع الأطفال :
سنعيش مع طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة، نأخذ منها الدروس العملية، من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، في مداعبة الأطفال، تارة بالركض، وأخرى بالحمل، وثالثة بتصغير الاسم، ورابعة بالمضاحكة وإلى غير ذلك .
وهذه الأعمال إن لم يقم بها الوالدان لأنها واجب تربوي، فهم مطالبون بها للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عَنْ يَعْلَى بن مُرَّةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ، فَإِذَا الْحُسَيْنُ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ حُسَيْنٌ يَمُرُّ مَرَّةً هَهُنَا وَمَرَّةً هَهُنَا يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ وَالأُخْرَى بَيْنَ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الأَسْبَاطِ. (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ هَاتَانِ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ هَاتَانِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ آخِذٌ بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا وَقَدَمَاهُ عَلَى قَدَمَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ يَقُولُ: "حُزُقَّةُ حُزُقَّةُ ارْقَ عَيْنَ بَقَّةٍ "، فَيَرْقى الْغُلامُ حَتَّى يَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "افْتَحْ "، قَالَ: ثُمَّ قَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَحِبَّهُ فَإِنِّي أُحِبُّهُ ". (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ فَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ارْقَ بِأَبِيكَ أَنْتَ عَيْنُ بَقَّةٍ "، وَأَخَذَ بِأُصْبُعَيْهِ، فَرَقَى عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الآخَرُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ مُرْتَفِعَةً إِحْدَى عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَرْحَبًا بِكَ، ارْقَ بِأَبِيكَ أَنْتَ عَيْنُ الْبَقَّةِ "، وَأَخَذَ بِأُصْبُعَيْهِ فَاسْتَوَى عَلَى عَاتِقِهِ الآخَرِ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَقْفِيَتِهِمَا حَتَّى وَضَعَ أَفْوَاهَهُمَا عَلَى فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا ". (3)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (16 / 139) (18155 ) حسن
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 82) (2587) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 81)(2586) فيه جهالة(1/203)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ بِيَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَيَرْفَعُهُ عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ، فَيَقُولُ: "حَزُقَّةٌ حَزُقَّةٌ تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّةَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ "
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلْتُ الْأُدَبَاءَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالُوا لِي: إِنَّ الْحَزُقَّةَ: الْمُقَارِبُ الْخُطَى وَالْقَصِيرُ الَّذِي يُقَرِّبُ خُطَاهُ، وَعَيْنُ بَقَّةَ أَشَارَ إِلَى الْبَقَّةَ الَّتِي تَطِيرُ وَلَا شَيْءَ أَصْغَرَ مِنْ عَيْنِهَا لِصِغَرِهَا، وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْأُدَبَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ بِالْبَقَّةِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: يَا قُرَّةَ عَيْنِ بَقَّةَ تَرَقَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " (1)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ - وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ « يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ».نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِى بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَلَهَا ابْنٌ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ يُمَازِحُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينًا ؟ فَقَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ. (3)
قَال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ: "وفيه جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة، وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، وتكرير زيارة الممزوح معه. وفيه ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح" (4) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ « يَا ذَا الأُذُنَيْنِ ». قَالَ مَحْمُودٌ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ يَعْنِى مَازَحَهُ. (5)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَنَّانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَقْلَةٍ كُنْتُ أَجْتَنِيهَا. (6)
__________
(1) - مَعْرِفَةُ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ (181 ) حسن
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6203 ) -النغير: تصغير نغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 487) (12957) 12988- صحيح
(4) - فتح الباري 10 / 584 - ط . مكتبة الرياض الحديثة . والموسوعة الفقهية الكويتية - (36 / 274)
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (2123) وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 328) (12286) 12311- ضعيف(1/204)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ (1) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ أُسَامَةَ - رضي الله عنهم - كَانَ رِدْفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى.قَالَ فَكِلاَهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّى، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ إِذْ أَتَاهُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ قَالَ الْمَهْدِيُّ: أَكْبَرُ الظَّنِّ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ فَرَكِبَ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَطَالَ السُّجُودَ بِالنَّاسِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَطَلْتَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ قَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ " (3)
وعَنْ أَبِى لَيْلَى قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ الْحَسَنُ فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ عَنْ قَمِيصِهِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ. (4)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَّجَ مَا بَيْنَ فَخِذَيِ الْحُسَيْنِ، وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (5)
وعَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُفَرِّجُ بَيْنَ رِجْلَيِ الْحُسَيْنِ وَيُقَبِّلُ زَبِيبَتَهُ " (6)
إن تقبيل الولد الصغير وحمله والتحفى به ممايستحق به رحمة الله، ألا ترى حمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أمامه ابنه أبى العاص على عنقه فى الصلاة، والصلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها مما يضاد الخشوع المأمور به
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5965 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1543 و1544 )
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (216 ) صحيح مرسل
(4) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (1 / 137) (667) حسن لغيره - التمرغ: التقلب
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 85)(2592) حسن
(6) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (208 ) حسن لغيره(1/205)
فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها فى الصلاة وفى فعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أعظم الأسوة لنا فينبغي الاقتداء به فى رحمته صغار الولد وكبارهم والرفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصغير فى سائر جسده. (1)
وعَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَرِنِي الْمَكَانَ الَّذِي قَبَّلَهُ مِنْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "فَكَشَفَ لَهُ عَنْ سُرَّتِهِ "قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ شَرِيكٌ: لَوْ كَانَتِ السُّرَّةُ مِنَ الْعَوْرَةِ لَمْ يَكْشِفْهَا لَهُ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعٍ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتَى بَيْتَ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ: أَثَمَّ لُكَعُ - يَعْنِي حُسَيْنًا - وَظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ حَبَسَتْهُ تَغْسِلُهُ أَوْ تُلْبِسُهُ سِخَابًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَشْتَدُّ فَعَانَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ " (3)
وعَنِ الْبَهِيِّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ شَبَهَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكُمُ بِأَشْبَهِ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ سَاجِدٌ وَيَرْكَبُ ظَهْرَهُ فَمَا يُنْزِلُهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ أَوْ يَأْتِيهِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَيُفَرِّجُ لَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ " (4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: "جَاءَ صَبِيٌّ قَدْ سَمَّاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَكِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَامَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَذَهَبَ " (5)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَثِبَانِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْخُذُهُمَا النَّاسُ فَقَالَ: "دَعُوهُمَا بِأَبِي هُمَا وَأُمِّي، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ " (6)
__________
(1) - شرح ابن بطال - (17 / 252)
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا ( 209 ) حسن
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (210 ) صحيح
(4) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (211 ) ضعيف
(5) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (212 ) حسن لغيره
(6) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (214 ) صحيح(1/206)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْحَسَنَ، أَوِ الْحُسَيْنَ كَانَ يَجِيءُ وَنَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ فَيَرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيُطِيلُ السُّجُودَ فَقِيلَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَقَدْ أَطَلْتَ السُّجُودَ فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ " (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ "فَأَخَذَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَرْكَبَانِ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَمَّا جَلَسَ وَضَعَ وَاحِدًا عَلَى فَخِذِهِ وَالْآخَرَ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: أَلَا أُبَلِّغُهُمَا أَهْلَهُمَا فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَلَمْ يَزَالَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَا " (2)
وعَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَغَرَ فَاهَ الْحُسَيْنِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ قَالَ: "أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا وَحَسَنًا سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ " (3)
وعَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ابْنَايَ هَذَانِ هُمَا رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا " (4)
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا، وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ " (5)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَمِيطِي عَنْهُ الْأَذَى "فَتَقَذَّرْتُهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمُصُّهُ وَيَمُجُّهُ ثُمَّ قَالَ: "لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْنَاهُ وَكَسَوْنَاهُ حَتَّى تُنَفِّقَهُ " (6)
وعَنْ عَائِشَةَ، - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "اغْسِلِي وَجْهَ أُسَامَةَ "فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا أُنَقِّيهِ فَضَرَبَ يَدِي ثُمَّ أَخَذَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ قَالَ: "أَحْسَنَ اللَّهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ أُسَامَةُ جَارِيَةً " (7)
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (215 ) حسن لغيره
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (217 ) صحيح
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (218 ) حسن
(4) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (219 ) صحيح
(5) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (223) صحيح
(6) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (224 ) صحيح
(7) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (225 ) حسن(1/207)
وعَنِ الْبَهِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: "قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ بِنَا إِذْ لَمْ يَكُنْ أُسَامَةُ جَارِيَةً، وَلَوْ كُنْتَ جَارِيَةً لَحَلَّيْنَاكَ حَتَّى يُرْغَبَ فِيكَ " (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "رِيحُ الْوَلَدِ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ " (2)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، كَانَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَهَبَ يَمْسَحُ مُخَاطَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنهم - ا: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنَا إِلَيْهُ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ " (3)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَأْخُذُنِي وَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّنَا ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا " (4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجِيئَ بِالْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ فَقَالَ: "ابْنِي ابْنِي "فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ" (5)
وعَنْ عَائِشَةَ، - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ وَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَى بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ " (6)
واقتدى الصحابة رضوان الله عليهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسارعوا إلى ممازحة ومداعبة أطفالهم، وكانوا ينزلون إلى منازلهم، ويتصابون لهم، ويلاعبونهم.
قَالَ أَبُو كَامِلٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَإِذَا مُعَاوِيَةَ قَدْ جَثَى عَلَى أَرْبَعٍ وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ وَهُوَ بِيَدِ ابْنِهِ يَلْعَبُ مَعَهُ صَغِيرًا فَلَمَّا دَخَلْنَا سَلَّمْنَا عَلَيْهِ اسْتَحْيَا مِنِّي ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيٌّ فَلْيَتَصَابَا لَهُ " (7)
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (226 ) حسن
(2) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (227 ) وطبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني - (702 ) وشعب الإيمان - (13 / 409)(10550 ) حسن لغيره
(3) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (228 ) حسن
(4) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (229 ) صحيح
(5) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(232 ) حسن لغيره
(6) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (233 ) صحيح
(7) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (230 ) فيه جهالة(1/208)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ؛ قَالَ :كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِهِ مِثْلَ الصَّبِيِّ، فَإِذَا الْتُمِسَ مَا عِنْدَهُ وُجِدَ رَجُلًا.قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَبَلَغَنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ فِي أَهْلِهِ وَأَزْمَتِهِمْ إِذَا جَلَسَ مَعَ الْقَوْمِ . (1)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ ؛ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - رَجُلا عَلَى عَمَلٍ، فَرَأَى عُمَرَ - رضي الله عنهم - يُقَبِّلُ صَبِيًّا لَهُ، فَقَالَ: تُقَبِّلُهُ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ! لَوْ كُنْتُ أَنَا مَا فَعَلْتُهُ.فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - : فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ قَدْ نُزِعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةُ ؟ ! إِنَّ اللهَ لا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ إِلا الرُّحَمَاءَ.قَالَ: وَنَزَعَهُ عَنْ عَمَلِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ لا تَرْحَمُ وَلَدَكَ ؛ فَكَيْفَ تَرْحَمُ النَّاسَ ؟ ! (2)
بهذه المداعبة والملاعبة والتصابي ومحاكاة الطفل، كان يتعامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، وهو يغذي نفوسهم بهذه العاطفة الصادقة الطيبة، بعيداً عن الجفاء والقسوة، وعدم إعطاء الطفل حقه .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - لمجالسة وجواهر العلم - (3 / 430)(1038 ) فيه انقطاع
(2) - المجالسة وجواهر العلم - (6 / 326)(2709 ) ضعيف معضل(1/209)
الأساس الثالث- الهدايا والعطايا للأطفال:
للهدايا أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفوس الأطفال أكثر تأثيراً، أكبر وقعاً، وسنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدة للحب بين الناس، فنصح الأمة بقوله :"تَهَادُوا تَحَابُّوا " (1) ، وهذا قانون عامٌّ .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - بين لنا عمليًّا هذا الركن القوي، في بناء عاطفة الطفل، وتحريكها وتوجيهها وتهذيبها،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى مَدِينَتِنَا وَفِى ثِمَارِنَا وَفِى مُدِّنَا وَفِى صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ». ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ. (2)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ عَمِّي مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ أَنَا وَغِلْمَةٌ مَعِي، فَوَجَدْنَاهُ يَأْكُلُ تَمْرًا فِي قِنَاعٍ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَبَضَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ قَبْضَةً وَمَسَحَ عَلَى رُءُوسِنَا.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ (3)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمْنَا قَالَ: "عَلَى أَمَاكِنِكُمْ مَكَانَكُمْ "قَالَ: وَأُهْدِيَتْ لَهُ جَرَّةٌ فِيهَا حَلْوَاءُ، فَجَعَلَ يَأْتِي عَلَى رَجُلٍ، رَجُلٍ فَيُلْعِقُهُ، حَتَّى أَتَى عَلَيَّ، وَأَنَا غُلَامٌ، فَأَلْعَقَنِي لَعْقَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَزِيدُكَ ؟ "فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَلْعَقَنِي أُخْرَى لِصِغَرِي، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ الْقَوْمِ" (4)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ حَتَّى دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنْصَرَفَهُمْ مِنَ الْحَبَشَةِ فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُنَا بَدْرٌ لَمْ نَشْهَدْهَا ؟
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 301)(8568 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3401 )
(3) - المعجم الأوسط للطبراني-(11163 ) والمعجم الكبير للطبراني -(6 / 291)(6556 ) ضعيف
(4) - شعب الإيمان - (8 / 89)(5535 ) فيه انقطاع(1/210)
فَقَالَ: "يَا خَالِدُ أَمَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ هِجْرَةٌ وَلَكُمْ هِجْرَتَانِ ؟ "قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَذَاكَ لَكُمْ "قَالَ: وَمَعَ خَالِدٍ ابْنَةٌ عَلَيْهَا قَمِيصٌ أَصْفَرُ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي فَسَلِّمِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَانْكَبَّتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَتْ تُرِيهِ قَمِيصَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "سِنَةٌ سِنَةٌ "قَالَ: حَسَنٌ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ "أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي " (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِلْيَةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، أَهْدَاهَا لَهُ، فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ مُعْرِضًا عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ ابْنَةَ ابْنَتِهِ، فَقَالَ: تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ. (2)
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: أَهْدَى النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حلية فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ وَإِنَّهُ لَمُعْرِضٌ عَنْهُ، أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، وَإِنَّهُ لَمُعْرِضٌ عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا ابْنَةِ ابْنَتِهِ أُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ: تَحَلِّي بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ. (3)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (235 ) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 208)(24880) 25392- حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 277)(25649) حسن(1/211)
الأساس الرابع - مسح رأس الطفل :
لاحظت الحديث قبل الأخير، كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يداعب عواطف الأطفال، بمسح رؤوسهم، فيشعرون بلذة الرحمة والحنان والحب والعطف، الأمر الذي يشعر الطفل بوجوده، وحب الكبار له، واهتمامهم به، فعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُ الأَنْصَارَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ. (1)
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَحُمِلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ عَامَ الْفَتْحِ، وَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَنَةَ تِسْعَ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً" (2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 205) (459) صحيح
(2) - المستدرك للحاكم (5215) بلاغاً(1/212)
لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. (1)
ويضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مسح الرأس للطفل: القيام بمسح خدي الطفل بيديه الشريفتين، وما ذلك إلا اهتماماً به، وإدخال السرور إلى قلب الطفل، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الأُولَى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّىْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا - قَالَ - وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّى - قَالَ - فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. (2)
ومن هذا نستدلُّ على مسح خدود الأطفال، إذا كانوا أكثر من واحد، وعدله في معاملتهم جميعاً وعدم التفرقة بينهم، وهذا من بدائع ملاحظته - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الأطفال بالتسوية بينهم في كل شيء .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545) (1750) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6197 ) -الجؤنة: ما يعد فيه الطيب ويحرز(1/213)
الأساس الخامس -حسن استقبال الطفل:
إن اللقاء مع الطفل لا بد منه، وأهم ما في اللقاء اللحظات الأولى، فإذا كان اللقاء طيباً، استطاع الطفل متابعة الحديث، وفتح الحوار، والتجارب مع المتكلم، فيفتح قلبه له، وما يدور في خاطره، ويعرض مشاكله عليه، ويتحدث عن أمانيه له، كل هذا يحصل إذا أحسن استقبال الطفل، بفرح وحب ومداعبة ن وهذا ما وجه إليه - صلى الله عليه وسلم - بفعله إلى الأمة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ - قَالَ - وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِى إِلَيْهِ فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِىءَ بِأَحَدِ ابْنَىْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ - قَالَ - فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ. (1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ - قَالَ - وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِى إِلَيْهِ فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِىءَ بِأَحَدِ ابْنَىْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ - قَالَ - فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ. (2)
وعَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاِبْنِ جَعْفَرٍ - رضي الله عنهم - م أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ (3) .
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ - رضي الله عنهم - ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ. (4)
دلت هذه الأحاديث على أهمية تلقي المسافرين من العلماء ومن قدم من سفر الحج أو العمرة، أو الجهاد، أو الدعوة، أو غيرها من سفر الطاعة؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر، وأن يركبهم، وأن يردفهم، ويلاطفهم، والله أعلم" (5)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6421)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6421)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3082 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6419 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3083 )
(5) - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - (3 / 303)(1/214)
ودلت هذه الأحاديث على أن الصبيان من أصناف المدعوين؛ ولهذا اعتنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكرامهم، والإحسان إليهم، وملاطفتهم، وإدخال السرور عليهم، وتعليمهم مكارم الأخلاق ؛ قال الإمام الخطابي رحمه الله في ذكره لفوائد حديث عبد الله بن السائب: "فيه تمرين الصبيان على مكارم الأخلاق، واستجلاب الدعاء لهم". فينبغي العناية بالأطفال والإحسان إليهم ومراعاة أحوالهم في دعوتهم إلى الله بالقدوة الحسنة والعطف عليهم وإدخال السرور في قلوبهم. (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - (3 / 304)(1/215)
الأساس السادس-تفقد حال الطفل والسؤال عنه :
كثيرا ما يمشي الطفل وحده، فيضلُّ الطريق، ويتيه في الشارع، فإذا كان الوالدان مهتمين بحال الطفل تنبها سريعاً لشروده، وتمَّ تتبع أثر الطفل، والعثور عليه بأسرع ما يمكن، والعكس بالعكس، وهذه السرعة تعلب دوراً كبيراً في نفس الطفل، فالتأخير عليه يزيد من خاوفه وآلامه وبكائه، ويشتدُّ عذابه النفسيُّ كلما زادت فترة تأخر وصول أحد والديه إليه، لهذا سارع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر أصحابه بمساعدته والانتشار في الطرقات حتى يتمَّ العثور على الحسن والحسين، فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كُنَّا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ ضَلَّ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ قَالَ: وَذَاكَ رَأْدُ النَّهَارِ - يَقُولُ: ارْتِفَاعُ النَّهَارِ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "قُومُوا فَاطْلُبُوا ابْنِي ".وَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ تُجَاهَ وَجْهِهِ، وَأَخَذْتُ نَحْوَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَتَى سَفْحَ جَبَلٍ، وَإِذَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رضي الله عنهم - مُلْتَزِقٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَإِذَا شُجَاعٌ قَائِمٌ عَلَى ذَنَبِهِ، يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَرَرُ النَّارِ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَالْتَفَتَ مُخَاطِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ انْسَابَ فَدَخَلَ بَعْضَ الْأَحْجَارِ، ثُمَّ أَتَاهُمَا فَأَفْرَقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ وُجُوهَهُمَا، وَقَالَ: "بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتُمَا، مَا أَكْرَمَكُمَا عَلَى اللَّهِ ! ".ثُمَّ حَمَلَ أَحَدَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَالْآخِرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، فَقُلْتُ: طُوبَاكُمَا ! نِعْمَ الْمَطِيَّةُ مَطِيَّتُكُمَا.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "وَنِعْمَ الرَّاكِبَانِ هُمَا، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (1)
فأنت تلاحظ الخوف الذي حصل للحسن والحسين، حيث التزق كل واحد بالآخر خائفاً من الشجاع، ومسارعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفك هذا الخوف، ثم التفريق بينهما، ثم مسح وجههما، ثم دعا لهما، ثم أكرمهما بحملهما على عاتقه، ثم مدحهما بقوله "ونعم الراكبان هما"وما ذلك إلا من شدة حرصه واهتمامه بعاطفة الطفل أن تبقى سوية سليمة متوازنة .
بل تعدت رحمته - صلى الله عليه وسلم - وحنانه وعطفه إلى الحيوانات والطيور، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 109) (2611) ضعيف(1/216)
فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ».
حمرة: طائر صغير كالعصفور (1)
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (2677 ) صحيح(1/217)
الأساس السابع - الرعاية الخاصة بالبنت واليتيم :
هذان النموذجان من الأطفال أشد حاجة من غيرهما إلى البناء العاطفي من رحمة ورأفة ورعاية، وذلك لما يتمتعان به من شعور بالضعف، وفقدان عناصر القوة، ولأنهما عند الناس أقلُّ شأناً من غيرهما، وقد هضمت المجتمعات الجاهلية حقوقهما قديما وحديثاً وحيثما ابتعدت أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات، أو أسرة من الأسر عن منهج الله وشريعته، تطبيقاً وعملاً، كان الظلم والحيف لهذين الضعيفين البنت واليتيم... والجاهلية هي الجاهلية تتكرر بمحاورها، وتتبدل بأثوابها، أما القديمة فقد رفعت لواء الظلم لهما جهاراً نهاراً، وأشهرته على الملأ جميعاً بلا حياء، ولا خجل، ولا مروءة ولا شهامة .
وأما الحديثة فقد زيَّنت ظلمها ببعض المواد الدستورية المهترئة، وفتحت لهما باب الحرية في التمتع بالرذيلة أيا كان نوعها، ودرجتها في الفجور .
وهكذا ضاع هذان الصنفان الضعيفان في مثل هذه المجتمعات والأسر، وبقي الإسلام وحده في الميدان المنقذ الوحيد لهما، يدافع عنهما، ويهاجم كل من يشير إليهما بأي ظلم أو حيف حتى إذا ما وقع نوع من الظلم هدَّد وتوعد واستنهض النفوس المؤمنة واستجاشها، فأبكاها حتى يرتفع الظلم، ويحق العدل، ويكبو الحيف، وترتفع المساواة، ويزهق الباطل، ويثبت الحق.
وما هذا الحشد الهائل من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية بشأن هذين الطفلين الضعيفين، إلا دليل على ما ذكرناه، وبيان شافٍ على ما قدمناه، لأن الله تعالى خلق البشرية عالم بظلمها عندما لا تتقيد بشرعه، وأن القوي فيها يأكل الضعيف .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنِّى أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ ». (1)
وبقي أن نسال: ما هي القواعد والضوابط التي نحن مخاطبون بتطبيقها لإنصاف هذين الضعيفين ؟
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 134)(20956) صحيح(1/218)
1- رعاية تربية البنت :
أهم الوسائل في إصلاح المنزل:
أولاً: ترقية تعليم المرأة عندنا، وتزويدها في المدارس بالقدر الوافر من الدين والخلق، وإفساح المجال في مناهج دراسة البنات للبحوث البيتية، وتراجم فُضليات النساء، اللاتي كُنَّ مضرب المثل في الخلُق الفاضل في زمنهم؛ كـ"نسيبة بنت كعب"، و"أسماء بنت أبي بكر"، و"صفية بنت عبد المطلب"و"سكينة بنت الحسين"، وغيرهن كثير..
فالأم مدرسة إذا هذبتها أخرجت شعبًا طيب الأعراق
أما أن تستمر مناهج تعليم البنات عندنا كما هي عليه الآن، فتُعنى بالكمالي والضارِّ، وتترك الضروري والنافع، فهذا مما لا يبشر بحياة طيبة للنشء الإسلامي..
تدرس البنت في مدارسنا الموسيقى واللغة الأجنبية والهندسة الفراغية والقانون الآن، ثم هي لا تعلم شيئًا عن تربية الطفل، ولا تدبير الصحة، ولا عالم النفس، ولا الدين والخلُق، ولا تدبير المنزل.. فأي منهج هذا؟! وإلى أي غاية يُوصِّل؟!
من لي بتربية البنات فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق
والأمُّ إذا صلحت فانتظر من ابنها أن يكون رجلاً بكل معنى كلمة الرجولة، وأنت إذا استقرأت تاريخ العظماء وجدت أنَّ السر في عظمة الكثيرين منهم ما بثته فيهم الأم من المبادئ الصالحة القويمة بحكم البيان والتلقين.. وما كان "على بن أبى طالب"- كرم الله وجهه- في حبه للحق، وغِيرته عليه، ومناصرته للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا "معاوية"في حلمه ودهائه، ولا "عبد الله بن الزبير"في شجاعة نفسه، ولا "الزبير"نفسه في ذلك إلا سرًّا من أسرار "فاطمة بنت أسد"، و"صفية بنت عبد المطلب"، و"أسماء بنت أبى بكر"، و"هند بنت عتبة".
ولئن كان الولد سرَّ أبيه، فكل إناء ينضح بما فيه..
وحريٌّ بمن يسمع في مهده- لأول عهده بالحياة- ترنيمة أمه:
ثكلت نفسي وثكلت بكري إن لم يسد فهرًا وغير فهر
بالحسب العدّ وبذل الوفر حتى يوارى في ضريح القبر(1/219)
أن يكون سيدًا تتفجر الحكمة من جنبيه، وتنطوي السيادة في برديه، كما كان "عبد الله بن عباس"بتأثير أمه "أم الفضل بنت الحارث الهلالية"، وحريٌّ بمن يطرق سمعه لأول مرة تلك الأغاني الخليعة والترنيمات الغثَّة- التي يداعب بها أمهات هذا العصر أبناءهن- أن ينشأ ماجنًا خليعًا، فاتر الهمَّة، ضعيفَ النفس..
الأم أستاذ العالم، والمرأة التي تهزُّ المهد بيمينها تهزُّ العالم بشمالها، فلأجل أن نصلح المنزل يجب أن نصلح الأم التي هي روحه وقوامه. (1)
القاعدة الأولى - النهي عن كراهية البنات :
صحح القرآن الكريم أولاً النظرة، والتصور عن البنات، والتي كانت ذائعة في المجتمعات الجاهلية، فوجَّه العقول إلى تصحيح النظرة لها، وتعديل التصور عنها، وأنها مخلوقة، خلقها الله تعالى مكمِّلة للرجل في حياته، فلها حقوقها، وعليها واجباتها.
وبتصحيح التصور هيأ النفس البشرية من بداية الطريق إلى معاملتها بالحسنى، والقيام بالواجب نحوها، ولهذا جاءت الآية تصور الرؤوس العفنة، والنفوس المريضة لتعالجها، الأمر الذي أدى إلى انقلاب جديد في الحياة البشرية النسائية، وبداية عصر النور لها .
قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (59) سورة النحل.
وإذا جاء مَن يخبر أحدهم بولادة أنثى اسودَّ وجهه; كراهية لما سمع، وامتلأ غمًّا وحزنًا.
يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا بما ساءه من الحزن والعار؛ بسبب البنت التي وُلِدت له، ومتحيرًا في أمر هذه المولودة: أيبقيها حية على ذلٍّ وهوان، أم يدفنها حية في التراب؟ ألا بئس الحكم الذي حكموه مِن جَعْل البنات لله والذكور لهم (2) .
إن الانحراف في العقيدة لا تقف آثاره عند حدود العقيدة، بل يتمشى في أوضاع الحياة الاجتماعية وتقاليدها.
__________
(1) - http://www.ikhwanonline.net/print.asp?ArtID=4807&SecID=0
(2) -التفسير الميسر - (4 / 428)(1/220)
فالعقيدة هي المحرك الأول للحياة، سواء ظهرت أو كمنت. وهؤلاء عرب الجاهلية كانوا يزعمون أن للّه بنات - هن الملائكة - على حين أنهم كانوا يكرهون لأنفسهم ولادة البنات! فالبنات للّه أما هم فيجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور!.
وانحرافهم عن العقيدة الصحيحة سول لهم وأد البنات أو الإبقاء عليهن في الذل والهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة. ذلك أنهم كانوا يخشون العار والفقر مع ولادة البنات. إذ البنات لا يقاتلن ولا يكسبن، وقد يقعن في السبي عند الغارات فيجلبن العار، أو يعشن كلّا على أهليهن فيجلبن الفقر.
والعقيدة الصحيحة عصمة من هذا كله. إذ الرزق بيد اللّه يرزق الجميع ولا يصيب أحدا إلا ما كتب له ثم إن الإنسان بجنسيه كريم على اللّه، والأنثى - من حيث إنسانيتها - صنو الرجل وشطر نفسه كما يقرر الإسلام.
ويرسم السياق صورة منكرة لعادات الجاهلية: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» مسودا من الهم والحزن والضيق، وهو كظيم، يكظم غيظه وغمه، كأنها بلية، والأنثى هبة اللّه له كالذكر، وما يملك أن يصور في الرحم أنثى ولا ذكرا، وما يملك أن ينفخ فيه حياة، وما يملك أن يجعل من النطفة الساذجة إنسانا سويا. وإن مجرد تصور الحياة نامية متطورة من نطفة إلى بشر - بإذن اللّه - ليكفي لاستقبال المولود - أيا كان جنسه - بالفرح والترحيب وحسن الاستقبال، لمعجزة اللّه التي تتكرر، فلا يبلي جدتها التكرار! فكيف يغتم من يبشر بالأنثى ويتوارى من القوم من سوء ما بشر به وهو لم يخلق ولم يصور. إنما كان أداة القدرة في حدوث المعجزة الباهرة؟.
وحكمة اللّه، وقاعدة الحياة، اقتضت أن تنشأ الحياة من زوجين ذكر وأنثى. فالأنثى أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر بل ربما كانت أشد أصالة لأنها المستقر. فكيف يغتم من يبشر بالأنثى، وكيف يتوارى من القوم من سوء ما يشربه ونظام الحياة لا يقوم إلا على وجود الزوجين دائما؟.
إنه انحراف العقيدة ينشئ آثاره في انحراف المجتمع وتصوراته وتقاليده .. «أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» وما أسوأه من حكم وتقدير.(1/221)
وهكذا تبدو قيمة العقيدة الإسلامية في تصحيح التصورات والأوضاع الاجتماعية. وتتجلى النظرة الكريمة القويمة التي بثها في النفوس والمجتمعات تجاه المرأة، بل تجاه الإنسان. فما كانت المرأة هي المغبونة وحدها في المجتمع الجاهلي الوثني إنما كانت «الإنسانية"في أخص معانيها. فالأنثى نفس إنسانية، إهانتها إهانة للعنصر الإنساني الكريم، ووأدها قتل للنفس البشرية، وإهدار لشطر الحياة ومصادمة لحكمة الخلق الأصيلة، التي اقتضت أن يكون الأحياء جميعا - لا الإنسان وحده - من ذكر وأنثى.
وكلما انحرفت المجتمعات عن العقيدة الصحيحة عادت تصورات الجاهلية تطل بقرونها .. وفي كثير من المجتمعات اليوم تعود تلك التصورات إلى الظهور. فالأنثى لا يرحب بمولدها كثير من الأوساط وكثير من الناس، ولا تعامل معاملة الذكر من العناية والاحترام. وهذه وثنية جاهلية في إحدى صورها، نشأت من الانحراف الذي أصاب العقيدة الإسلامية.
ومن عجب أن ينعق الناعقون بلمز العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية - في مسألة المرأة -، نتيجة لما يرونه في هذه المجتمعات المنحرفة ولا يكلف هؤلاء الناعقون اللامزون أنفسهم أن يراجعوا نظرة الإسلام، وما أحدثته من ثورة في التطورات والأوضاع. وفي المشاعر والضمائر. وهي بعد نظرة علوية لم تنشئها ضرورة واقعية ولا دعوة أرضية ولا مقتضيات اجتماعية أو اقتصادية. إنما أنشأتها العقيدة الإلهية الصادرة عن اللّه الذي كرم الإنسان، فاستتبع تكريمه للجنس البشري تكريمه للأنثى، ووصفها بأنها شطر النفس البشرية، فلا تفاضل بين الشطرين الكريمين على اللّه (1) .
ثم هزَّ النفس البشرية وسأل ضميرها،لتستيقظ من جهلها:{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8)بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (9) سورة التكوير.
وَإِذَا سُئِلَتْ المَؤْءُودَةُ أَمَامَ وَائِدِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، عَنِ الذَّنْبِ الذِي ارْتَكَبَتْهُ فَأَوْجَبَ قَتْلَهَا.( وَسَتُجِيبُ بِأَنَّهَا قُتِلَتْ بِلاَ ذَنْبٍ جَنَتْهُ ) (2) .
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2177)
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5685)(1/222)
كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر.
وحكى القرآن عن هذه العادة ما يسجل هذه الشناعة على الجاهلية، التي جاء الإسلام ليرفع العرب من وهدتها، ويرفع البشرية كلها. فقال في موضع: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ. أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ؟ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ!".. وقال في موضع: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا (أي البنات) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ؟".. وقال في موضع ثالث: «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» ..
وكان الوأد يتم في صورة قاسية. إذ كانت البنت تدفن حية! وكانوا يفتنون في هذا بشتى الطرق. فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها، ثم يقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها! وقد حفر لها بئرا في الصحراء، فيبلغ بها البئر، فيقول لها: انظري فيها. ثم يدفعها دفعا ويهيل التراب عليها! وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفرة محفورة. فإذا كان المولود بنتا رمت بها فيها وردمتها. وإن كان ابنا قامت به معها! وبعضهم كان إذا نوى ألا يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى أن تقدر على الرعي، فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له إبله! فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي، فكانت لهم وسائل أخرى لإذاقتها الخسف والبخس ..
كانت إذا تزوجت ومات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه. ومعنى هذا أن يمنعها من الناس فلا يتزوجها أحد فإن أعجبته تزوجها، لا عبرة برغبتها هي ولا إرادتها! وإن لم تعجبه حبسها حتى تموت فيرثها. أو أن تفتدي نفسها منه بمال في هذه الحالة أو تلك .. وكان بعضهم يطلق المرأة ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد. إلا أن تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها .. وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا زوجته على الصبي فيهم حتى(1/223)
يكبر فيأخذها .. وكان الرجل تكون اليتيمة في حجرة يلي أمرها، فيحسبها عن الزواج، رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها! أو يزوجها من ابنه الصغير طمعا في مالها أو جمالها ..
فهذه كانت نظرة الجاهلية إلى المرأة على كل حال. حتى جاء الإسلام. يشنع بهذه العادات ويقبحها.
وينهى عن الوأد ويغلظ فعلته. ويجعلها موضوعا من موضوعات الحساب يوم القيامة. يذكره في سياق هذا الهول الهائج المائج، كأنه حدث كوني من هذه الأحداث العظام. ويقول: إن الموءودة ستسأل عن وأدها ..
فكيف بوائدها؟! وما كان يمكن أن تنبت كرامة المرأة من البيئة الجاهلية أبدا لولا أن تتنزل بها شريعة اللّه ونهجه في كرامة البشرية كلها، وفي تكريم الإنسان: الذكر والأنثى وفي رفعه إلى المكان اللائق بكائن يحمل نفخة من روح اللّه العلي الأعلى. فمن هذا المصدر انبثقت كرامة المرأة التي جاء بها الإسلام، لا من أي عامل من عوامل البيئة.
وحين تحقق ميلاد الإنسان الجديد باستمداد القيم التي يتعامل بها من السماء لا من الأرض، تحققت للمرأة الكرامة، فلم يعد لضعفها وتكاليف حياتها المادية على أهلها وزن في تقويمها وتقديرها. لأن هذه ليست من قيم السماء ولا وزن لها في ميزانها. إنما الوزن للروح الإنساني الكريم المتصل باللّه. وفي هذا يتساوى الذكر والأنثى.
وحين تعد الدلائل على أن هذا الدين من عند اللّه، وأن الذي جاء به رسول أوحي إليه .. تعد هذه النقلة في مكانة المرأة إحدى هذه الدلائل التي لا تخطئ. حيث لم تكن توجد في البيئة أمارة واحدة ينتظر أن تنتهي بالمرأة إلى هذه الكرامة ولا دافع واحد من دوافع البيئة وأحوالها الاقتصادية بصفة خاصة لولا أن نزل النهج الإلهي ليصنع هذا ابتداء بدافع غير دوافع الأرض كلها، وغير دوافع البيئة الجاهلية بصفة خاصة. فأنشأ وضع المرأة الجديد إنشاء، يتعلق بقيمة سماوية محضة وبميزان سماوي محض كذلك! «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ» صحف الأعمال. ونشرها يفيد كشفها ومعرفتها، فلا تعود خافية ولا غامضة.
وهذه العلنية أشد على النفوس وأنكى. فكم من سوأة مستورة يخجل صاحبها ذاته من ذكراها، ويرجف ويذوب من كشفها! ثم إذا هي جميعها في ذلك اليوم منشورة مشهودة!(1/224)
إن هذا النشر والكشف لون من ألوان الهول في ذلك اليوم كما أنه سمة من سمات الانقلاب حيث يكشف المخبوء، ويظهر المستور، ويفتضح المكنون في الصدور (1) .
وعَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَدِمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ اثْنَتَى عَشْرَةَ ابْنَةً لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ ثَلاثَ عَشْرَةَ، قَالَ:"اعْتِقْ عَدَدَهُمْ نَسَمًا"، قَالَ: فَأَعْتَقْ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ جَاءَ بِمِائَةِ نَاقَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ صَدَقَةُ قَوْمِي عَلَى أَثَرِ مَا صَنَعَتْ بِالْمُسْلِمِينَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَكُنَّا نُرِيحُهَا وَنُسَمِّيهَا الْقَيْسِيَّةُ" (2) .
وأما في السنَّة فقد جاءت أحاديث كثيرة تنهى عن ذلك :
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ " (3) .
وعن ابن عمر: أن رجلا كان عنده، وله بنات فتمنى موتهن، فغضب ابن عمر فقال: أنت ترزقهن ؟ (4) .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ" (5) .
وعَنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُكْرِهُوا الْبَنَاتَ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْمُجَمِّلَاتُ " (6) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَا تُكْرِهُوا الْبَنَاتَ، فَإِنَّهُنَّ الْمُجَهِّزَاتُ الْمُؤْنِسَاتُ "، قَالَ: وَيُعَلِّمُ أَهْلَهُ مَا عَسَى لَا تَعْلَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعِشْرَةِ، وَإِنْ رَآهَا مُقَصِّرَةً فِي
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3839)
(2) - تفسير ابن أبي حاتم - (12 / 377) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (2408 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4580) وصحيح ابن حبان - (12 / 366)(5555)
(4) - الأدب المفرد للبخاري - (83 ) صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 905)(17373) 17508- حسن
(6) - شعب الإيمان - (11 / 154)(8328 ) صحيح مرسل(1/225)
الْعِبَادَةِ حَمَلَهَا مِنْهَا عَلَى مَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ التَّقْصِيرِ، وَبَصَّرَهَا مِنْهَا مَا تَجْهَلُهُ أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي إِتْيَانِ مَنْ يُبَصِّرُهَا ذَلِكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] (1) .
وفي ختام هذه القاعدة نعيش مع تحليلات ابن القيم رحمه الله ليقدم لنا التفسير والشرح والبيان عن قوله تعالى :{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) } [الشورى: 49 - 51]
فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه وكفى بالعبد تعرضا لمقته أن يتسخط ما وهبه وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل جبرا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن وقيل وهو أحسن إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبا وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان
وعندي وجه آخر وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف فإن التعريف تنويه كأنه قال ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ثم لما ذكر الصنفين معا قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك,والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } النحل 58 -59 .
__________
(1) - شعب الإيمان - (11 / 155)(8329 ) والبر والصلة - ( 146) فيه انقطاع(1/226)
وقد قال تعالى في حق النساء { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} النساء 19 وهكذا البنات أيضا قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله وأعطاه عبده وقال صالح بن أحمد كان أبي إذا ولد له ابنة يقول الأنبياء كانوا آباء بنات ويقول قد جاء في البنات ما قد علمت وقال يعقوب بن بختان ولد لي سبع بنات فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات فكان يذهب قوله همِّي (1) .
والذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع والعطاء والحرمان وهي قريبة من نفس الإنسان والنفس شديدة الحساسية بها. فلمسها من هذا الجانب أقوى وأعمق. وقد سبق في السورة حديث عن الرزق بسطه وقبضه.
فهذه تكملة في الرزق بالذرية. وهي رزق من عند اللّه كالمال.
والتقديم بأن للّه ملك السماوات والأرض هو التقديم المناسب لكل جزئية بعد ذلك من توابع هذا الملك العام. وكذلك ذكر: «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» .. فهي توكيد للإحياء النفسي المطلوب في هذا الموضع. ورد الإنسان، المحب للخير، إلى اللّه الذي يخلق ما يشاء مما يسرّ وما يسوء ومن عطاء أو حرمان.
ثم يفصل حالات العطاء والحرمان: فهو يهب لمن يشاء إناثا (و هم كانوا يكرهون الإناث) ويهب لمن يشاء الذكور. ويهب لمن يشاء أزواجا من هؤلاء وهؤلاء. ويحرم من يشاء فيجعله عقيما (والعقم يكرهه كل الناس) ..
وكل هذه الأحوال خاضعة لمشيئة اللّه. لا يتدخل فيها أحد سواه. وهو يقدرها وفق علمه وينفذها بقدرته: «إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» (2) ..
فالقاعدة الأولى تتلخص: في إزالة التصور الفاسد عن البنات، وعدم الكراهية لهن، وإحلال الحب لما أحبه الله تعالى، ووهَبَه للوالدين، وأن الخِيرَة ما يختاره الله للعبد، لا فيما يختاره العبد لنفسه.
__________
(1) - موسوعة كتب ابن القيم - (221 / 2) تحفة المودود -ص -15- الباب الثاني: في كراهة تسخط البنات
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 3169)(1/227)
القاعدة الثانية - المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما:
إذا رزق الله الوالدين أبناء من الذكور والإناث، جاء التصور الإسلامي يعلِّمهما طريقة التعامل معهما، وذلك بالمساواة بينهما، حتى جعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد أسباب الدخول إلى الجنة، وذلك في عدم إيثار الصبي على البنت ... وإنما هم في الحب سواء، وفي العطاء سواء، وفي تقديم الهدايا والمال سواء، وفي التثقيف وطلب العلم سواء، وفي المعاملة سواء، حتى في القبلة سواء بسواء.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - قَالَ يَعْنِى الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ يَعْنِى الذُّكُورَ " (1) .
وقال الطحاوي: "بَابٌ: الرَّجُلُ يُنْحِلُ بَعْضَ بَنِيهِ دُونَ بَعْضٍ.
فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: نَحَلَنِي أَبِي غُلَامًا فَأَمَرَتْنِي أُمِّي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَكُلُّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ "، فَقَالَ: لَا، قَالَ: "فَارْدُدْهُ "(صحيح)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا "، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "فَارْجِعْهُ "(صحيح)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَحَلَ بَعْضَ بَنِيهِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا: قَدْ كَانَ النُّعْمَانُ فِي وَقْتِ مَا نَحَلَهُ أَبُوهُ صَغِيرًا فَكَانَ أَبُوهُ قَابِضًا لَهُ لِصِغَرِهِ عَنِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ.فَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ارْدُدْهُ بَعْدَمَا كَانَ فِي حُكْمِ مَا قَبَضَ دَلَّ هَذَا أَنَّ النُّحْلَى مِنَ الْوَالِدِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ لَا يَمْلِكُهُ الْمَنْحُولُ وَلَا يَنْعَقِدُ لَهُ عَلَيْهِ هِبَةٌ .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (5148 ) فيه لين
يئدها: من الوأد، وهو دفن الرجل ابنته حية، كما كانوا يفعلون في الجاهلية، وهي الموؤدة التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - فقال: {وإذا الموؤدة سُئلت بأيِّ ذنب قُتلت } [التكوير: 8، 9] .(1/228)
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ وَلَدِهِ فِي الْعَطِيَّةِ لِيَسْتَوُوا فِي الْبِرِّ وَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيُوقِعُ ذَلِكَ لَهُ الْوَحْشَةَ فِي قُلُوبِ الْمَفْضُولِينَ مِنْهُمْ.فَإِنْ نَحَلَ بَعْضَهُمْ شَيْئًا دُونَ بَعْضٍ وَقَبَضَهُ الْمَنْحُولُ لِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ قَبَضَهُ لَهُ أَبُوهُ مِنْ نَفْسِهِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا بِإِعْلَامِهِ إِيَّاهُ وَالْإِشْهَادِ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ.وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ النُّعْمَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ صَغِيرًا وَلَعَلَّهُ وَقَدْ كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ.وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحَلَنِي نُحْلَى لِيُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا "فَقَالَ: لَا.قَالَ: "أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ كُلُّهُمْ سَوَاءً "قَالَ: بَلَى قَالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي "(حسن)
فَكَانَ وَالَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَشِيرٍ فِيمَا كَانَ نَحَلَهُ النُّعْمَانُ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي.فَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ.فَهَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ الَّذِي كَانَ عَقَدَهُ النُّعْمَانُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ يَتَوَقَّى الشَّهَادَةَ عَلَى مَالِهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأُمُورِ الَّتِي قَدْ كَانَتْ.وَكَذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا هِيَ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُهُ الشَّاهِدُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ ذَلِكَ.وَقَدْ يُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا أَيْضًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي أَيْ: إِنِّي أَنَا الْإِمَامُ وَالْإِمَامُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنَّمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْكُمَ .وَفِي قَوْلِهِ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ .
وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا بَيْنَكُمْ فِي الْبِرِّ (صحيح)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَأَنَّ الْمَقْصُودَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ لِيَسْتَوُوا جَمِيعًا فِي الْبِرِّ.وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ فَسَادِ الْعَقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَى التَّفْضِيلِ
وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ مِنَ الْأَشْهَادِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ عَطِيَّةً وَإِنِّي أُشْهِدُكَ.قَالَ: "أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا ؟(1/229)
"قَالَ لَا، قَالَ: "فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ "(صحيح)فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ بِرَدِّ الشَّيْءِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّسْوِيَةِ.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ مِنْ مَالِي كَذَا وَكَذَا.فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "أَمَا يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً ".قَالَ: بَلَى، قَالَ: "فَلَا إِذًا " (صحيح)
وقَالَ: ثنا أَبُو الضُّحَى، قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: ذَهَبَ بِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ عَلَى شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ.فَقَالَ: "أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ ؟ "قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ بِيَدِهِ أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ " (صحيح)
فَلَمْ يُخْبِرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَ بِرَدِّهِ.وَإِنَّمَا قَالَ أَلَا سَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ كَانَ أَفْضَلَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قِصَّةِ النُّعْمَانِ هَذَا خِلَافُ كُلِّ مَا رَوَيْنَا عَنِ النُّعْمَانِ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ انْحَلِ ابْنِي غُلَامَكَ وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ.قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ بِنْتَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي وَقَالَتْ أَشْهِدْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .فَقَالَ: "أَلَهُ إِخْوَةٌ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "أَفَكُلُّهُمْ أَعْطَيْتَهُ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ "
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا كَانَ أَمْرُهُ لِبَشِيرٍ بِالرَّدِّ قَبْلَ إِنْفَاذِ بَشِيرٍ الصَّدَقَةَ فَأَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا.وَهَذَا خِلَافُ جَمِيعِ مَا رُوِيَ عَنِ النُّعْمَانِ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ نَحَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا كَذَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فَعَلَ.وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا إِخْبَارُهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِسُؤَالِ امْرَأَتِهِ إِيَّاهُ فَكَانَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهُ بِمَا كَلَّمَهُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ وَعَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ إِنْ آثَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ.وَقَدْ رَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُوَافِقًا لِهَذَا الْمَعْنَى،فعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: نَحَلَنِي أَبِي غُلَامًا ثُمَّ مَشَى بِي حَتَّى أَدْخَلَنِي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -(1/230)
، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي غُلَامًا فَإِنْ أَذِنْتَ أَنْ أُجِيزَهُ لَهُ أَجَزْتُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ النُّحْلَى كَمُلَتْ فِيهِ مِنْ حِينِ نَحَلَهُ إِيَّاهُ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَدِّهِ.وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَسَمَ شَيْئًا بَيْنَ أَهْلِهِ سَوَّى بَيْنَهُمْ جَمِيعًا فَأَعْطَى الْمَمْلُوكَ مِنْهُمْ كَمَا يُعْطَى الْحُرُّ،فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطِيبَةِ خَرَزٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ.قَالَتْ: عَائِشَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبِي يَقْسِمُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ "(صحيح)
فَكَانَ هَذَا مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ يَعُمُّ بِعَطَايَاهُ جَمِيعَ أَهْلِهِ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ لَيْسَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَلَكِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهِ.فَكَذَلِكَ كَانَتْ مَشُورَتُهُ فِي الْوَلَدِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ لَيْسَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ إِنْ فَعَلَ لَمْ يَثْبُتْ.وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.وَقَدْ فَضَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ عَنْهُمْ بَعْضَ أَوْلَادِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعَطَايَا، فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ وَاللهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى مِنْكِ وَلَا أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْ بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَأَحْرَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخُوكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنِ الْأُخْرَى قَالَ: ذُو بَطْنٍ بِنْتُ خَارِجَةَ أَرَاهَا جَارِيَةً.(صحيح)
وعن مَسْرُوقَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَدْ أَعْطَى عَائِشَةَ نُحْلَى فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ لَهَا اجْعَلِيهِ فِي الْمِيرَاثِ وَذَكَرُوا الْقَبْضَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ.(صحيح)
وعَنْ عَمْرٍو، قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَضَّلَ بَنِي أُمِّ كُلْثُومٍ بِنُحْلٍ قَسَمَهُ بَيْنَ وَلَدِهِ"(صحيح)
فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَدْ أَعْطَى عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ وَرَأَى ذَلِكَ جَائِزًا وَرَأَتْهُ هِيَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ عَنْهُمْ.وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنهم - قَدْ فَضَّلَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ أَيْضًا فِيمَا أَعْطَاهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ.(1/231)
فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ فِعْلَ هَؤُلَاءِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَلَكِنْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَنَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَاسْتِحْبَابِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ فِي الْعَطِيَّةِ.وَتَرْكُ التَّفْضِيلِ لِحُرِّهِمْ عَلَى مَمْلُوكِهِمْ لَيْسَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَلَكِنْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ جَائِزٌ كَجَوَازِهِ.وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَطِيَّةِ الْوَلَدِ الَّتِي يُتْبَعُ فِيهَا أَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَشِيرٍ كَيْفَ هِيَ ؟.فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: يُسَوِّي بَيْنَ الْأُنْثَى فِيهَا وَالذَّكَرِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: بَلْ يَجْعَلُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : "سَوُّوا بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُسَوُّوا لَكُمْ فِي الْبِرِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنَ الْبِنْتِ شَيْءٌ مِنَ الْبِرِّ إِلَّا الَّذِي يُرَادُ مِنَ الِابْنِ مِثْلُهُ.فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ مِنَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ مَا يُرِيدُ مِنْ وَلَدِهِ لَهُ وَكَانَ مَا يُرِيدُ مِنَ الْأُنْثَى مِنَ الْبِرِّ مِثْلَ مَا يُرِيدُ مِنَ الذَّكَرِ كَانَ مَا أَرَادَ مِنْهُ لَهُمْ مِنَ الْعَطِيَّةِ لِلْأُنْثَى مِثْلَ مَا أَرَادَ لِلذَّكَرِ.وَفِي حَدِيثِ أَبِي الضُّحَى فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.فَقَالَ: أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ ؟ وَلَمْ يَقُلْ أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَإِلَّا وَحُكْمُ الْأُنْثَى فِيهِ كَحُكْمِ الذَّكَرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا ذَكَرَ التَّسْوِيَةَ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ ذُكُورٌ كُلُّهُمْ.فَلَمَّا أَمْسَكَ عَنِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ ثَبَتَ اسْتِوَاءُ حُكْمِهِمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهَذَا أَحْسَنُ عِنْدَنَا مِمَّا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا،فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ: "فَهَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا "( حسن)
أَفَلَا يَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَرَادَ مِنْهُ التَّعْدِيلَ بَيْنَ الِابْنَةِ وَالِابْنِ وَأَنْ لَا يُفَضِّلَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَطِيَّةِ أَيْضًا (1) .
__________
(1) - شرح معاني الآثار - (4 / 84)(5833-5847 )(1/232)
بهذه الدقة النبوية في التعامل مع الصبي، مما لا تعرفه جميع المجتمعات البشرية، ولا تعلمه الكتب الغربية في تربية الأطفال، ولا يخطر على عقول من يسمون أنفسهم: علماء النفس التربويين .
القاعدة الثالثة-أجر التربية والإحسان والصبر تربية البنات وتزويجهن :
لم تقف الشريعة في مواجهة النفس البشرية لتعاكسها، وإنما لتهذبها، ففي مقابل تربية البنات كان الأجر الكبير، وفي مقابل الصبر عليهن الثواب العظيم، وذلك ليسكِّنَ من ألم الوالدين، ويطيِّب من خواطرهما، ويشعرهما بأهمية عملهما، ودورهما في هذه الرعاية، والعناية بهنَّ.
فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى يَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ هَكَذَا، وَضَمَّ أُصْبُعَيْهِ "رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) .
وعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا، فَشَقَّتْهَا بِاثْنَيْنِ بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ هِيَ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتَاهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6864 وشعب الإيمان - (11 / 141)(8307 )
عَال الرجلُ عِيَالَه يَعُولُهم: إذا قام بما يَحْتَاجُون إليه من قُوت وكِسْوة وغيرهما-الجارية: الأمة المملوكة أو الشابة من النساء
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 137)(24572) 25079-وصحيح البخارى- المكنز - (5995 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6862)(1/233)
التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي حَنَانُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا الْجَنَّةَ، وَأَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ. (1) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ، دَخَلَ الْجَنَّةَ (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لأَوَائِهِنَّ، وَضَرَّائِهِنَّ، وَسَرَّائِهِنَّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: أَوِ اثِنْتَانِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: أَوْ وَاحِدَةٌ (3) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ، اتَّقَى اللَّهَ وَأَقَامَ عَلَيْهِنَّ، كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الأَرْبَعِ (4) .
وقَالَ أَبُو عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيُّ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ كَانَتْ، وَقَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ، لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، فَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَّتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ (5) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ، وَرَحِمَهُنَّ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ (6) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ يَكْفِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَرْفِقُ بِهِنَّ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، أَوْ قَالَ: مَعِي فِي الْجَنَّةِ (7) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6863 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 192)(448)
(2) - صحيح ابن حبان - (2 / 189) (446) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 282)(8425) 8406- حسن لغيره
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 403)(12593) 12621- صحيح
(5) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 912)(17403) 17538- صحيح
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 242)(11924) 11946- صحيح
عَال: أهله يعولهم: إذا أنفق عليهم، وقام بأمرهم .
(7) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 362) (25943) صحيح(1/234)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، حَتَّى يَبِنَّ، أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا (1) .
2- تربية اليتيم واليتيمة :
اليتم يكون قبل الاحتلام، وما بعده لا يسمى يتيماً، قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - رضي الله عنهم - حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ وَلاَ صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ » (2) .
وعن ذَيَّالَ بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي حَنْظَلَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ، وَلا يُتْمَ عَلَى جَارِيَةٍ إِذَا هِيَ حَاضَتْ " (3) .
وعَنْ أنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ (4) .
وتتلخص تربية اليتيم في ثلاث قواعد :
القاعدة الأولى - أجر رعاية اليتيم وتربيته:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (5) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَحَبُّ بُيُوتِكُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ مُكْرَمٌ " (6) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 191) (447) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ أَرَادَ بِهِ فِي الدُّخُولِ وَالسَّبْقِ، لاَ أَنَّ مَرْتَبَةَ مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ كَمَرْتَبَةِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - ، سَوَاءٌ.
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 57)(11642) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 500)(3422) حسن
(4) - كشف الأستار - (2 / 101)(1302) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (4 / 462)(1546 ) صحيح لغيره
الحلم: رؤية الجماع ونحوه في النوم مع نزول المني غالبا
(5) صحيح البخارى- المكنز - (5304) وصحيح ابن حبان - (2 / 207)(460)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - هَكَذَا أَرَادَ بِهِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، لاَ أَنَّ كَافِلَ الْيَتِيمِ تَكُونُ مَرْتَبَتُهُ مَعَ مَرْتَبَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي الْجَنَّةِ وَاحِدَةً.
(6) - شعب الإيمان - (13 / 392)(10526 ) ضعيف(1/235)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "خَيْرُ بُيُوتِكُمْ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ مُكْرَمٌ " (1) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُ بَيْتٍ فِى الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِى الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ » (2) .
ويضع - صلى الله عليه وسلم - قاعدة إلى قساة القلوب، التي لم تعد تشعر بنعمة الله تعالى عليها، دواء وعلاجاً نافعاً يهزها هزًّا .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ: امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ (3) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى سَلْمَانَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا أَخِي اغْتَنِمْ صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رُدَّهُ، يَا أَخِي اغْتَنِمْ دَعْوَةَ الْمُؤْمِنِ الْمُبْتَلَى، وَيَا أَخِي لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ ".وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُمْ بِالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ وَالْجَوازِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى رِضْوَانِ الرَّبِّ.وَيَا أَخِي أَدْنِ الْيَتِيمَ مِنْكَ، وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ، وَالْطُفْ بِهِ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتُدْرِكُ حَاجَتَكَ، وَيَا أَخِي إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ الَّذِي أَطَاعَ اللهَ فِيهِ وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ، فَقَالَ لَهُ مَالُهُ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ حَقَّ اللهِ فِيَّ، ثُمَّ يُجَاءُ بِصَاحِبِ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يُطِعِ اللهَ فِيهِ وَمَالُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ قَالَ لَهُ مَالُهُ: وَيْلَكَ، أَلَا أَدَّيْتَ حَقَّ اللهِ فِيَّ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.وَيَا أَخِي، إِنِّي أُنْبِئْتُ أَنَّكَ ابْتَعْتَ خَادِمًا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْعَبْدُ مِنَ اللهِ وَهُوَ مِنْهُ مَا لَمْ يُخْدَمْ فَإِذَا خُدِمَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ، وَإِنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ سَأَلَتْنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهَا خَادِمًا وَكُنْتُ بِذَلِكَ مُوسِرًا وَإِنِّي خِفْتُ الْحِسَابَ "، وَيَا
__________
(1) - شعب الإيمان - (13 / 392)(10527 ) ضعيف
(2) - سنن ابن ماجه- المكنز - (3810 ) ضعيف
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 416)(9018) 9006- صحيح(1/236)
أَخِي إِنَّ لِي وَلَكَ أَنْ نَتَّقِي اللهَ غَدًا وَلَا حِسَابَ عَلَيْنَا، وَإِنَّا عِشْنَا بَعْدَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - دَهْرًا طَوِيلًا، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَحْدَثْنَا وَالسَّلَامُ " (1) .
وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليواسي الأطفال الذين استشهد آباؤهم فأصبحوا أيتاماً،فعَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً، وَعَجَنْتُ عَجِينِي، وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ فَشَمَّهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا يُبْكِيكَ ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ، قَالَتْ: فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إِلَيَّ النِّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: لاَ تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ (2) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، أَوِ اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ، ثَلاثًا، أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ
__________
(1) - شعب الإيمان - (13 / 195)(10174 ) فيه انقطاع
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 745)(27086) 27626- فيه جهالة
الدباغ: معالجة الجلد بمادةٍ ليَلِينَ ويزول ما به من رطوبة ونتن-الإهاب: الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ(1/237)
لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (1) .
القاعدة الثانية - حفظ مال اليتيم والتجارة له :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ (2) .
أحرج: أضيق وأحرم على من ظلم أو خالف الأمر والنهي وأوقعه في الإثم والحرج.
وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا - أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَىْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (3) سورة النساء،أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِى ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِى مَالِهِ (3) .
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثَلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء] قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا، وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيِّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيَهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ مَهْرًا أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ (4) .
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا - ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى ) قَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِى هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِى حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِى جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ صَدَاقَهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا فِى إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ، قَالَتْ وَاسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 545) (1750) صحيح
(2) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 554)(9666) 9664- حسن
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (4573 )
(4) -صحيح البخارى- المكنز - (4574 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 382) (4073)(1/238)
( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ ) إِلَى ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِى نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا فِى إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِى قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى فِى الصَّدَاقِ (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} (6) سورة النساء، قَالَتْ أُنْزِلَتْ فِى وَلِىِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ) وَ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ فَجَعَلَ يَفْضُلُ الشَّىْءُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ (3) .
وقد حث الإسلام على الاتجار بأموال اليتامى، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (4)
__________
(1) -صحيح البخارى- المكنز - (5092 )
(2) -صحيح مسلم- المكنز - (7719 )
(3) -السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 284)(13046) حسن
(4) -موطأ مالك- المكنز - (592 ) والمعجم الأوسط للطبراني - (4302 ) قال الهيثمي :، وَأَخْبَرَنِي سَيِّدِي وَشَيْخِي أَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ .(1/239)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ « أَلاَ مَنْ وَلِىَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلاَ يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ ».
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى هَذَا الْبَابِ فَرَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةً. مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِىٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِى مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ.
وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ (1) .
قَوْلُهُ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى إذْنٌ مِنْهُ فِي إدَارَتِهَا وَتَنْمِيَتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ لِلْيَتِيمِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ لَهُ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَهُ وَيُثْمِرَهُ لَهُ وَلَا يُثْمِرُهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ لِلْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ وَإِلَّا فَلْيَدْفَعْهُ إِلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْيَتِيمِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بِجُزْءٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مِنَ الرِّبْحِ وَسَائِرُهُ لِلْيَتِيمِ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَلَوْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَقُولُ لَا تَأْكُلُهَا الْخُمُسُ لِمَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُمُسِ مَدْخَلٌ فِيهَا، ..وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، دَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِهِمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ تَلْزَمُ الْكَبِيرَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الصَّغِيرَ كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْفِطْرِ .
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْصِي بِتَرْكِ إخْرَاجِهَا وَأَمَّا الطِّفْلُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَرَكَهُ يُتْلِفُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ إِذَا وَجَبَ أَمْرُهُ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ وَيُحَاسَبُ بِهِ دُونَ الصَّغِيرِ (2) .
ولذلك فلا يجوز أن تقرب مال اليتيم إلا بما فيه مصلحته، كما قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {الإسراء: 34}.
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (642) حسن
(2) - المنتقى - شرح الموطأ - (2 / 91)(1/240)
والتي هي أحسن هي الأكثر نفعاً لليتيم، كما قال أهل التفسير وذلك بكل وجه تكون فيه المنفعة لليتيم لا للتصرف في المال، ولا يجوز لوصي اليتيم أن يتصرف في أمواله أو يقرض منها أو يقترض لمصلحته الخاصة دون أن يكون في ذلك نفع لليتيم، وأما الاقتراض أو الانتفاع والاستفادة منها مقابل فوائد تدفع له على ذلك فهذا لا يجوز لأنه عين الربا.
أما إذا كان ذلك على وجه المتاجرة بها والمضاربة فيها على أن يكون الربح بينهما بنسبة معروفة، فهذا لا مانع منه شرعاً، قال عمر - رضي الله عنهم - : اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة.رواه مالك في الموطأ.
وجاء في أحكام القرآن للجصاص عند قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هذا يدل على أن من له ولاية على اليتيم يجوز له دفع مال اليتيم مضاربة، وأن يعمل به هو مضاربة، فيستحق ربحه إذا رأى ذلك أحسن، وأن يبضع ويستأجر من يتصرف ويتجر في ماله، وأن يشتري ماله من نفسه إذا كان ذلك خيراً لليتيم، وهو أن يكون ما يعطي اليتيم أكثر قيمة مما يأخذه منه.
لهذا، فإذا كانت الاستفادة على هذا الوجه فلا مانع من ذلك شرعاً لمن يرى أنه أهل لهذه المسؤولية " (1) .
القاعدة الثالثة -أجر الأم التي تربي أيتامها ولا تتزوج:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا، حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَيْتَامِهَا حَتَّى بَانُوا، أَوْ مَاتُوا (2) .
سفعاء الخدين: بهما سواد مشرب باحمرار - آمت المرأة: أقامت لا تتزوج، والأيم التى لا زوج لها .
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 5732) رقم الفتوى 66836 المتاجرة بمال اليتيم وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (10 / 3758) رقم الفتوى 74315 لا يجوز التصرف بأموال اليتامى إلا بما فيه مصلحتهم
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 951)(24006) 24507-حسن لغيره(1/241)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"مَا أَنَا، وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، إِذَا أَحْنَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَطَاعَتْ رَبَّهَا، وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فِي الْجَنَّةِ إِلا كَهَاتَيْنِ"وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ (1) .
وهكذا وجدنا اهتمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكلٍّ من الضعيفين البنت واليتيم، فوجَّه الأمة إلى زيادة الاهتمام بهما، والحرص عليهما والإحسان لهما، وأنها مكرمة أي مكرمةٍ.
القاعدة الرابعة- معاملة اليتيم مثل الابن في التربية والتعليم والتأديب :
عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ فِى حَجْرِى يَتِيمًا فَأَضْرِبُهُ قَالَ :"مَا كُنْتَ ضَارِبًا فِيهِ وَلَدَكَ ». قَالَ: أَفَآكُلُ؟ قَالَ :"بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً وَلاَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ » (2) .
وعَنْ أَبِى رَجَاءٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً اتَّجَرَ عَلَى يَتِيمٍ بِلَطْمَةٍ (3) .
وعَنْ شُمَيْسَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا عَنْ أَدَبِ الْيَتِيمِ قَالَتْ إِنِّى لأَضْرِبُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَنْبَسِطَ (4) .
قال أهل العلم: ( ويؤدب الغلام على الطهارة والصلاة إذا تمت له عشر سنين ).
ومعنى التأديب: الضرب والوعيد والتعنيف، ويجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين ويأمره بها، ويلزمه أن يؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين.
والأصل في ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «علموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر"رواه الترمذي وقال: حديث حسن.وفي رواية: «مروا الصبي بالصلاة لسبع سنين، واضربوه عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» وهذا التأديب المشروع في حق الصبي لتمرينه على الصلاة كي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ .. ولا فرق بين الذكر والأنثى في مسألة التأديب هذه (5) .
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 231) (7742 ) حسن لغيره
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 285)(13047) صحيح مرسل
(3) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 285)(13048) صحيح موقوف
(4) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (6 / 285)(13049) حسن
(5) - يُراجع المغني لابن قدامة: باب صفة الصلاة .(1/242)
وقد يتحرّج بعض النّاس في تأديب اليتيم ولكنّ الصحيح أن يقوم عليه وليّه بما يُفيده وينفعه ولو قسا عليه أحيانا لمصلحته فلا بأس بذلك كما قال الشّاعر :
فقسا ليزدجروا ومن يك ذا حزم فليقس أحيانا على من يرحم .
قال أهل العلم: وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده (1) .
وَمِنْ أَنْوَاعِ التَّعْذِيبِ الْمَشْرُوعِ: ضَرْبُ الأَْبِ أَوِ الأُْمِّ وَلَدَهُمَا تَأْدِيبًا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، أَوِ الْمُعَلِّمِ بِإِِذْنِ الأَْبِ تَعْلِيمًا .
وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ :
لَهُ إِكْرَاهُ طِفْلِهِ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ، وَالأَْدَبِ، وَالْعِلْمِ، لِفَرْضِيَّتِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ، وَالأُْمُّ كَالأَْبِ فِي التَّعْلِيمِ، بِخِلاَفِ التَّأْدِيبِ، فَإِِنَّهُ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ بِضَرْبِ الأُْمِّ تَأْدِيبًا فَعَلَيْهَا الضَّمَانُ .
وَمِمَّا يُذْكَرُ: أَنَّ ضَرْبَ التَّأْدِيبِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ السَّلاَمَةِ، وَمَحَلُّهُ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ، كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ عَلَى الْمَذَاكِيرِ يَجِبُ الضَّمَانُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَلَوْ سَوْطًا وَاحِدًا، لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (1 / 1588) -سؤال رقم 1994- تأديب اليتيم
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (12 / 244) وابن عابدين 5 / 363 .(1/243)
الأساس الثامن - التوازن في حب الطفل بلا إفراط ولا تفريط :
أفاض الشيخ الجليل محمد خضر الحسين رحمه الله، وهو ينبه إلى ضرورة التوازن في حب الطفل فقال :"من الناس من يدرك أن التقام الأطفال لثدي التربية مما يؤثر في نفوسهم إصلاحاً عظيماً، ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ عن التغالي في حبهم يكسر من صلابة الآباء شيئاً كثيراً، فيدفعهم عن مكافحة طباع أبنائهم الرديئة، ومقاومتها بالتأديب، وينفض بهم ذلك الإهمال إلى التنقل في مراتع الشهوات تتولد عنه نتائج وخيمة،تثير من الآباء والأبناء الفرقة والتباعد بمقدار ما كان بينهم من الحنان والمقاربة، وتصير بهم إلى أن تضرسهم أنياب الاضطهاد، وتدوسهم أقدام الامتهان.
لا نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يفتك الصبيُّ من إقدام سائر إرادته، ويُسلَب منه جميع عزائمه، كما يفعله الجاهلون بأساليب الإصلاح والتهذيب، إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس، وما يتبعها من قوة الجأش،وأصالة الرأي، والإقدام على إرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام، فيكون ألعوبة بين معاشريه كالكرة المطروحة بينهم يتلقفونه رِجلاً رِجلاً، أو آلة يستعملونها فيما يشتهون، فالتربية النافعة ما كانت أثراً لمحبة يطفئ البأس شيئا من حرارتها، وصرامة تلطِف الشفقة من شدتها، وهي التي يستوجب الوالدان دعاء الولد بقوله :{وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء
ويتابع قوله: ولم يفقه بعض أرباب البيوت، ومن يحاول اللحاق بهم أهمية التربية حتى الآن، فيفرطون في مجاراة الولد على جميع أهوائه، ويفوضون له أن يقضيَ ما هو قاضٍ، وربما تغنوا بمديحه في المجامع الحاشدة، وأطروه بما لا تنطبق شهادة ثماره عليه، ولبئس ما كادوه به لو كانوا يعلمون،إنما نصبوا لهذا المسكين مكيدة تسدُّ في وجهه أبواب الآداب الجميلة، وتجعل بينه وبين السعادة حجاباً مستوراً (1) .
وهكذا نجد أن الرأفة والحنان والبناء العاطفيَّ كلما كان متوازناً اقترب نحو البناء الذي يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، وبإمكاننا تشبيه الرأفة والحنان والعطف مثل وجبة الطعام،
__________
(1) - السعادة العظمى ص(10)(1/244)
فكما أن الإكثار من الطعام يؤدي إلى التخمة والأمراض، فزيادة الحنان تؤدي لمرض الدلال، الذي يؤدي إلى الميوعة وعدم الجدية .
ولكن ما هي الضوابط التي تجعل هذا الحب والعطف متوازناً؟
القاعدة الأولى - أن تلزم نفسك وولدك بشرع الله تعالى :
إن حب الولد له حدود، وإن حب الوالدين له حدود كذلك، وجب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مقدم على كل حبٍّ، ويضبط هذا الحب عندما يتعارض أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مع رغبات الولد أو الوالدين، فهنا يسارع المؤمن إلى حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ويسارع لامتثال الأمر، والابتعاد عن النهي .
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (1) .
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، لاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ (2) .
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَيُّ يَوْمٍ أحرم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالُوا: يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، لاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلاَ يَا أُمَّتَاهُ هَلْ بَلَّغْت، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (3) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (15 ) وصحيح مسلم- المكنز - (178 ) وصحيح ابن حبان - (1 / 405) (179)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 514)(16064) 16161- صحيح لغيره
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 26)(38317) حسن
فيه سليمان بن عمرو الأحوص روى عنه اثنان ووثقه ابن حبان ... التهذيب 4/212 ووثقه الذهبي في الكاشف (2141)(1/245)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُنَا، إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن] نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ، حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي فَرَفَعَتْهُمَا (1) .
وعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إِذْ أَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ إِلَيْهِمَا وَأَخَذَهُمَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَاحِدٌ مِنْ ذَا الشِّقِّ وَوَاحِدٌ مِنْ ذَا الشِّقِّ ثُمَّ صَعِدَا الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "صَدَقَ اللهُ قَالَ: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ: } [التغابن: 15] إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ يَمْشِيَانِ لَمْ أَصْبِرْ أَنْ قَطَعْتُ كَلَامِي وَنَزَلَتْ إِلَيْهِمَا " (2) .
وفي تقديم سيدنا إبراهيم عليه السلام لأمر الله بذبح ولده وفي تنفيذ الابن قدوة وأسوة لمن يعتبر .
قال تعالى :{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) }[الصافات: 101 - 110]
فأجبنا له دعوته، وبشَّرناه بغلام حليم، أي: يكون حليمًا في كبره، وهو إسماعيل.
فلما كَبِر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟(ورؤيا الأنبياء حق) فقال إسماعيل مُرْضيًا ربه، بارًّا بوالده، معينًا له على طاعة الله: أمض ما أمرك الله به مِن ذبحي، ستجدني -إن شاء الله- صابرًا طائعًا محتسبًا.
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 403)(6039 ) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (13 / 379)(10504 ) صحيح(1/246)
فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض؛ ليذبحه.
ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة.
إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك.
واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلا عنه كبشًا عظيمًا (1) .
يا للّه! وبالروعة الإيمان والطاعة والتسليم ..
هذا إبراهيم الشيخ. المقطوع من الأهل والقرابة. المهاجر من الأرض والوطن. ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام. طالما تطلع إليه. فلما جاءه جاء غلاما ممتازا يشهد له ربه بأنه حليم. وها هو ذا ما يكاد يأنس به، وصباه يتفتح، ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة .. ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد، حتى يرى في منامه أنه يذبحه. ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية. فماذا؟ إنه لا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم .. نعم إنها إشارة. مجرد إشارة. وليست وحيا صريحا، ولا أمرا مباشرا. ولكنها إشارة من ربه .. وهذا يكفي .. هذا يكفي ليلبي ويستجيب. ودون أن يعترض. ودون أن يسأل ربه .. لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد؟! ولكنه لا يلبي في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب .. كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء. يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب: «قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. فانظر ماذا ترى"..
فهي كلمات المالك لأعصابه، المطمئن للأمر الذي يواجهه، الواثق بأنه يؤدي واجبه. وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه، في اندفاع وعجلة ليخلص منه
__________
(1) - التفسير الميسر - (8 / 113)(1/247)
وينتهي، ويستريح من ثقله على أعصابه! والأمر شاق - ما في ذلك شك - فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة. ولا يطلب إليه أن يكلفه أمرا تنتهي به حياته .. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده. يتولى ماذا؟ يتولى ذبحه .. وهو - مع هذا - يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه! إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه. وينتهي. إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر.
فالأمر في حسه هكذا. ربه يريد. فليكن ما يريد. على العين والرأس. وابنه ينبغي أن يعرف. وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاما، لا قهرا واضطرارا. لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى ..
فماذا يكون من أمر الغلام، الذي يعرض عليه الذبح، تصديقا لرؤيا رآها أبوه؟
إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه: «قال: يا أبت افعل ما تؤمر. ستجدني - إن شاء اللّه - من الصابرين» ..
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب. ولكن في رضى كذلك وفي يقين ..
«يا أبت» .. في مودة وقربى. فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده. بل لا يفقده أدبه ومودته.
«افعل ما تؤمر» .. فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه. يحس أن الرؤيا إشارة. وأن الإشارة أمر.
وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب.
ثم هو الأدب مع اللّه، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة: «ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين» ..(1/248)
ولم يأخذها بطولة. ولم يأخذها شجاعة. ولم يأخذها اندفاعا إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلا ولا حجما ولا وزنا .. إنما أرجع الفضل كله للّه إن هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصبره على ما يراد به: «ستجدني - إن شاء اللّه - من الصابرين» ..
يا للأدب مع اللّه! ويا لروعة الإيمان. ويا لنبل الطاعة. ويا لعظمة التسليم! ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام .. يخطو إلى التنفيذ: «فلما أسلما وتله للجبين» ..
ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة. وعظمة الإيمان. وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان ..
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعدادا. وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعا. وقد وصل الأمر إلى أن يكون عيانا.
لقد أسلما .. فهذا هو الإسلام. هذا هو الإسلام في حقيقته. ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم .. وتنفيذ ..
وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.
إنها ليست الشجاعة والجراءة. وليس الاندفاع والحماسة. لقد يندفع المجاهد في الميدان، يقتل ويقتل.
ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود. ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر .. ليس هنا دم فائر، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد، العارف بما يفعل، المطمئن لما يكون. لا بل هنا الرضى الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل! وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا. كانا قد أسلما. كانا قد حققا الأمر والتكليف. ولم يكن باقيا إلا أن يذبح إسماعيل، ويسيل دمه، وتزهق روحه .. وهذا أمر لا يعني شيئا في ميزان اللّه، بعد ما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما ..
كان الابتلاء قد تم. والامتحان قد وقع. ونتائجه قد ظهرت. وغاياته قد تحققت. ولم يعد إلا الألم البدني.(1/249)
وإلا الدم المسفوح. والجسد الذبيح. واللّه لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء. ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء. ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا، وقد حققوا التكليف، وقد جازوا الامتحان بنجاح.
وعرف اللّه من إبراهيم وإسماعيل صدقهما. فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا:
«وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم» ..قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلا. فاللّه لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن اللّه أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد. ولو كانت هي النفس والحياة.
وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت. جدت بكل شيء. وبأعز شيء. وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين. فلم يبق إلا اللحم والدم. وهذا ينوب عنه ذبح. أي ذبح من دم ولحم! ويفدي اللّه هذه النفس التي أسلمت وأدت. يفديها بذبح عظيم. قيل: إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلا من إسماعيل! وقيل له: «إنا كذلك نجزي المحسنين".. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء. ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء. ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء. ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء! ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان.
وجمال الطاعة. وعظمة التسليم. والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم، الذي تتبع ملته، والذي ترث نسبه وعقيدته. ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر اللّه في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه. ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم!.
ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء ولا أن يؤذيها بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية. مستسلمة لا تقدم بين يديه، ولا تتألى عليه، فإذا عرف منها الصدق في(1/250)
هذا أعفاها من التضحيات والآلام. واحتسبها لها وفاء وأداء. وقبل منها وفدّاها. وأكرمها كما أكرم أباها ..
«وتركنا عليه في الآخرين» ..فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون. وهو أمة. وهو أبو الأنبياء. وهو أبو هذه الأمة المسلمة. وهي وارثة ملته. وقد كتب اللّه لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم. فجعلها اللّه له عقبا ونسبا إلى يوم الدين.
« سلام على إبراهيم"..سلام عليه من ربه. سلام يسجل في كتابه الباقي. ويرقم في طوايا الوجود الكبير.
«كذلك نجزي المحسنين"..كذلك نجزيهم بالبلاء .. والوفاء والذكر. والسّلام. والتكريم.
«إنه من عبادنا المؤمنين"..وهذا جزاء الإيمان. وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين (1) .
القاعدة الثانية - أن تكون مضيافاً كريماً :
عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ ؛ أَنَّهُ جَاءَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَسْعَيَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَمَّهُمَا إلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ" (2) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهم - ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ حُسَيْنًا فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ، مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ، مَحْزَنَةٌ " (3) .
وعَنْ يَعْلَى بن مُرَّةَ، أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا أَقْبَلا يَمْشِيَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا جَاءَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ يَدَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَعَلَ يَدَهُ الأُخْرَى فِي عُنُقِهِ، فَقَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ " (4) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْوَلَدُ ثَمَرَةُ الْقَلْبِ، وَإِنَّهُمْ مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ " (5) .
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2994)
(2) -مصنف ابن أبي شيبة - (12 / 97)(32844) حسن وقال الإمام الحافظ العراقي: إسناده صحيح
(3) -المستدرك للحاكم - (4 / 230) (5284) حسن
(4) -المعجم الكبير للطبراني - (3 / 56)(2523) حسن
(5) -كشف الأستار - (2 / 378) (1892) خسن لغيره(1/251)
مبخلة: يحمل أبويه على البخل بالصدقة للمحافظة على المال من أجله
مجبنة: أي يجبن أباه عن الجهاد خشية ضيعته
ومعنى قوله "مجبنة"أي أن الولد سبب لجبن الأب فإنه يتقاعد من الغزوات بسبب حب الأولاد والخوف من الموت عنهم.
ومعنى قوله "مبخلة"أي أن الولد سبب للبخل بالمال، ومعنى قوله "مجهلة"لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له.
ومعنى "محزنة"لأنه يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا، وإن طلب شيئاً لا قدرة لهما عليه حزنا، ذكر ذلك الإمام المناوي في فيض القدير.والله أعلم (1) .
وإنما ذكرهما هنا لأنهما يدلان على كمال المحبة الطبيعية والمودة العادية المورثة للبخل والجبن لمن لم يكن كاملا في المرتبة العبودية وما يقتضيها من تقدم محبة مرضاة الرب على ما سواه لأنه هو المحبوب الحقيقي وما سواه مطلوب إضافي " (2) .
وعَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنَا الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَقَالَ لِي: هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ ؟ قُلْتُ: غُلاَمٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنَ ابْنَةِ جَمْدٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ مَكَانَهُ شَبِعَ الْقَوْمُ، قَالَ: لاَ تَقُولَنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ وَأَجْرًا إِذَا قُبِضُوا، ثُمَّ لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ، إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ (3) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: زَعَمَتِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مُحْتَضِنًا أَحَدَ ابْنَيْ ابْنَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتُجَبِّنُونَ وَتُبَخِّلُونَ، وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا اللَّهُ بِوَجٍّ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: إِنَّكُمْ لَتُبَخِّلُونَ وَإِنَّكُمْ لَتُجَبِّنُونَ" (4) .
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (5 / 3569) رقم الفتوى 33465 شرح حديث "إن الولد مبخلة مجبنة" وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (5 / 187)
(2) -مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (13 / 479)
(3) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 303)(21840) 22184- صحيح لغيره
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 821)(27314) 27857- حسن لغيره(1/252)
لتبخلون: تُبَخِّلُون: أي تحملون الإنسان على البخل، وتُجَبِّنُونَ: تحملونه على الجبن، وتُجَهِّلُونَ: تحملونه على الجهل، فإن من ولد له ولد بخل بماله، ليخلّفه لولده، وجبن عن القتال ليعيش له يربِّيه، وجهل حفظًا لقلبه، ورعاية له.
ريحان الله: الريحان: الرزق، وسمي الولد ريحانًا؛ لأنه من رزق الله تعالى (1) .
فما دام الولد مبخلة يورث في نفس الوالدين الشح والبخل، وذلك من شدة حبهما لأولادهما في تخزين المال لهم، فعلاج الأمر بإكرام الضيف، كما فعل الصحابة - رضي الله عنهم - م، وفرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتعجب الله تعالى من ذلك الإكرام .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا، مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ: لاَ، إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَضِيئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ قَوْمِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا اللَّيْلَةَ (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي جَهْدٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ "، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ، فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَقَدْ عَجِبَ اللهُ - أوْ ضَحِكَ اللهُ - مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ،
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 415)
(2) -صحيح مسلم- المكنز - (5480 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 95)(5286)(1/253)
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9] "رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1) .
مجهود: رجل مجهود: مهزول جائع.
فعلليهم: تعليل الطفل: وعده وتسويفه وتمنيته، وشغله عما يراد صرفه عنه.
طاويين: طوى الصائم: إذا نام ولم يفطر فهو طاو.
خصاصة: الخصاصة: الحاجة والفاقة (2) .
قال النووي: "هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة، مِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْل بَيْته مِنْ الزُّهْد فِي الدُّنْيَا وَالصَّبْر عَلَى الْجُوع وَضِيق حَال الدُّنْيَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْم أَنْ يَبْدَأ فِي مُوَاسَاة الضَّيْف وَمَنْ يَطْرُقهُمْ بِنَفْسِهِ فَيُوَاسِيه مِنْ مَاله أَوَّلًا بِمَا يَتَيَسَّر إِنْ أَمْكَنَهُ، ثُمَّ يَطْلُب لَهُ عَلَى سَبِيل التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى مِنْ أَصْحَابه، وَمِنْهَا الْمُوَاسَاة فِي حَال الشَّدَائِد.وَمِنْهَا فَضِيلَة إِكْرَام الضَّيْف وَإِيثَاره.وَمِنْهَا مَنْقَبَة لِهَذَا الْأَنْصَارِيّ وَامْرَأَته - رضي الله عنهم - .وَمِنْهَا الِاحْتِيَال فِي إِكْرَام الضَّيْف إِذَا كَانَ يَمْتَنِع مِنْهُ رِفْقًا بِأَهْلِ الْمَنْزِل لِقَوْلِهِ: أَطْفِئِي السِّرَاج، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُل، فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى قِلَّة الطَّعَام، وَأَنَّهُمَا لَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَكْل .
وَقَوْله: فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْله أَيْ مَنْزِله، وَرَحْل الْإِنْسَان هُوَ مَنْزِله مِنْ حَجَر أَوْ مَدَر أَوْ شَعْر أَوْ وَبَر .
قَوْله: ( فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدك شَيْء ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوت صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ ) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ الصِّبْيَان لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْأَكْل، وَإِنَّمَا تَطْلُبهُ أَنْفُسهمْ عَلَى عَادَة الصِّبْيَان مِنْ غَيْر جُوع يَضُرّهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى حَاجَة بِحَيْثُ يَضُرّهُمْ تَرْك الْأَكْل لَكَانَ إِطْعَامهمْ وَاجِبًا، وَيَجِب تَقْدِيمه عَلَى الضِّيَافَة.وَقَدْ أَثْنَى اللَّه وَرَسُوله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَذَا الرَّجُل وَامْرَأَته فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا وَاجِبًا، بَلْ أَحْسَنَا وَأَجْمَلَا - رضي الله عنهم - .وَأَمَّا هُوَ وَامْرَأَته فَآثَرَا عَلَى أَنْفُسهمَا بِرِضَاهُمَا مَعَ حَاجَتهمَا وَخَصَاصَتهمَا، فَمَدَحَهُمَا اللَّه تَعَالَى،
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3798 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5481) وشعب الإيمان - (5 / 140)(3203 ) وصحيح ابن حبان - (16 / 254)(7264)
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (9 / 74)(1/254)
وَأَنْزَلَ فِيهِمَا ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ) فَفِيهِ فَضِيلَة الْإِيثَار وَالْحَثّ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى فَضِيلَة الْإِيثَار بِالطَّعَامِ وَنَحْوه مِنْ أُمُور الدُّنْيَا، وَحُظُوظ النُّفُوس.وَأَمَّا الْقُرُبَات فَالْأَفْضَل أَنْ لَا يُؤْثِر بِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى.وَاللَّه أَعْلَم .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( عَجِبَ اللَّه مِنْ صَنِيعكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَة ) قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَاد بِالْعَجَبِ مِنَ اللَّه رِضَاهُ ذَلِكَ.قَالَ: وَقَدْ يَكُون الْمُرَاد عَجِبَتْ مَلَائِكَة اللَّه، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى تَشْرِيفًا" (1) .
والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا. وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرا. وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما وحديثا.
«وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .. فهذا الشح. شح النفس. هو المعوق عن كل خير. لأن الخير بذل في صورة من الصور. بذل في المال. وبذل في العاطفة. وبذل في الجهد. وبذل في الحياة عند الاقتضاء. وما يمكن أن يصنع الخير شحيح يهم دائما أن يأخذ ولا يهم مرة أن يعطي. ومن يوق شح نفسه، فقد وقي هذا المعوّق عن الخير، فانطلق إليه معطيا باذلا كريما. وهذا هو الفلاح في حقيقة معناه (2) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالٌ عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ قَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا (3) .
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِى فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً - قَالَ - فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ ».
__________
(1) -شرح النووي على مسلم - (7 / 120)
(2) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3526)
(3) -مسند البزار كاملا - (1 / 66) (270) صحيح(1/255)
قُلْتُ: مِثْلَهُ. قَالَ: فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ :"يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ ». فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقُلْتُ: لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَىْءٍ أَبَداً (1) .
وفي الموسوعة الفقهية: "يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ يَمُونُهُ أَثِمَ.وَمَنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّل وَالصَّبْرِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ .
وَيُكْرَهُ لِمَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يُنْقِصَ نَفَقَةَ نَفْسِهِ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ .
وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ،وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الإِْنْسَانَ مَا دَامَ صَحِيحًا رَشِيدًا لَهُ التَّبَرُّعُ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى كُل مَنْ أَحَبَّ.قَال فِي الرِّسَالَةِ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ.لَكِنْ قَال النَّفْرَاوِيُّ: مَحَل نَدْبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَال أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ طَيِّبَ النَّفْسِ بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، لاَ يَنْدَمُ عَلَى الْبَقَاءِ بِلاَ مَالٍ.وَأَنَّ مَا يَرْجُوهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مُمَاثِلٌ لِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي الْحَال، وَأَنْ لاَ يَكُونَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَل لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ يُنْدَبُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ ذَلِكَ، بَل يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِنْ تَحَقَّقَ الْحَاجَةَ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ يُكْرَهُ إِنْ تَيَقَّنَ الْحَاجَةَ لِمَنْ يُنْدَبُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ ؛ لأَِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَفْضُل عَنْ حَاجَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَمُؤْنَةِ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ .
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: الأَْوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنَ الْفَاضِل عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول، وَلأَِنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَمُونُهُ وَاجِبَةٌ وَالتَّطَوُّعُ نَافِلَةٌ، وَتَقْدِيمُ النَّفْل عَلَى الْفَرْضِ غَيْرُ جَائِزٍ .
فَإِنْ كَانَ الرَّجُل لاَ عِيَال لَهُ، فَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَكَانَ ذَا مَكْسَبٍ، أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ يُحْسِنُ التَّوَكُّل وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَحَسَنٌ، وذكر حديث أبي بكر - رضي الله عنهم - ، ثم قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَهَذَا كَانَ فَضِيلَةً فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنهم - لِقُوَّةِ يَقِينِهِ، وَكَمَال إِيمَانِهِ، وَكَانَ أَيْضًا تَاجِرًا ذَا مَكْسَبٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُتَصَدِّقِ أَحَدُ هَذَيْنِ كُرِهَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ
__________
(1) - سنن الدارمى- المكنز - (1713) صحيح(1/256)
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِىَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"يَأْتِى أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ. خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى » (1) .
وَلأَِنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا أَخْرَجَ جَمِيعَ مَالِهِ لاَ يَأْمَنُ فِتْنَةَ الْفَقْرِ، وَشِدَّةَ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَيَنْدَمُ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ، وَيَبْطُل أَجْرُهُ، وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ .
وَاتَّفَقَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ مَعَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ فِي: أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِعِيَالِهِ وَدَيْنِهِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ فَضَل عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَهَل يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الْفَاضِل ؟ فِيهِ عِنْدَهُمْ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: إِنْ صَبَرَ عَلَى الضِّيقِ فَنَعَمْ، وَإِلاَّ فَلاَ بَل يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَالُوا: وَعَلَيْهِ تُحْمَل الأَْخْبَارُ الْمُخْتَلِفَةُ الظَّاهِرِ " (2) .
القاعدة الثالثة - الصبر على مرض ووفاة الطفل، واحتساب الأجر عند الله :
1- الصبر على مرض الولد:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ " (3) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِى وَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ » (4) .
وحامته :حامة الإنسان: خاصته وقرابته.
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (4 / 154)(7893) حسن
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (26 / 337) وفتح الباري لابن حجر - (3 / 295)
(3) - شعب الإيمان - (12 / 265)(9377 ) وسنن الترمذى- المكنز - (2579) صحيح
(4) - موطأ مالك- المكنز - (562 ) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (24 / 180) صحيح لغيره(1/257)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِى جَسَدِهِ أَوْ فِى مَالِهِ أَوْ فِى وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِى سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى » (1) .
2- أجر الصبر على وفاة الطفل :
قال تعالى :{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا } (81) سورة الكهف
أي: يحملهما حبه على متابعته على الكفر.قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد،وحزنا عليه حين قتل،ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب (2) .
فهذا الغلام الذي لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل، قد كشف ستر الغيب عن حقيقته للعبد الصالح، فإذا هو في طبيعته كافر طاغ، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، وتزيد على الزمن بروزا وتحققا .. فلو عاش لأرهق والديه المؤمنين بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه. فأراد اللّه ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة كافرة طاغية، وأن يبدلهما اللّه خلفا خيرا منه، وأرحم بوالديه.
ولو كان الأمر موكولا إلى العلم البشري الظاهر، لما كان له إلا الظاهر من أمر الغلام، ولما كان له عليه من سلطان، وهو لم يرتكب بعد ما يستحق عليه القتل شرعا. وليس لغير اللّه ولمن يطلعه من عباده على شيء من غيبه أن يحكم على الطبيعة المغيبة لفرد من الناس. ولا أن يرتب على هذا العلم حكما غير حكم الظاهر الذي تأخذ به الشريعة. ولكنه أمر اللّه القائم على علمه بالغيب البعيد (3) .
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (3092 ) صحيح
(2) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (5 / 185)
(3) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2281)(1/258)
وعَنْ أَبِي سِنَانٍ، قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي وَمَعِي أَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلاَنِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي، وَقَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُكَ ؟ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ اللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالَ ؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ. قَالَ: أَبَنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ (1) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَابْنَانِ ؟ قَالَ: وَابْنَانِ. قَالَ مَحْمُودٌ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ لَوْ قُلْتُمْ وَاحِدًا، لَقَالَ وَاحِدًا قَالَ: وَاللَّهِ أَظُنُّ ذَلِكَ (2) .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَخْتَلِفُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ بُنَيٍّ لَهُ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِيهِ: أَمَا يَسُرُّكَ أَلاَ تَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُكَ (3) .
وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى النَّخْلِ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْتَهَى إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوَضَعَ الصَّبِيَّ فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا رَسُولَ اللهِ تَنْهَانَا عَنِ الْبُكَاءِ ؟ قَالَ: لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتِ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِبٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، شَقِّ الْجُيُوبِ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ (4) .
وعَنِ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى امْرَأَةِ قَيْنٍ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتْبَعَهُ، فَانْتَهَى إِلَى أَبَى سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ فِي كِيرِهِ، وَالْبَيْتُ مَمْتَلِئٌ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ جَاءَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 210) (2948) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (7 / 208) (2946) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (7 / 209) (2947) صحيح
(4) - مسند الطيالسي - (3 / 262)(1788) حسن(1/259)
رَسُولُ اللهِ، فَأَمْسَكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَيْنَاهُ تَدْمَعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبَّنَا وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ (1) .
قال ابن بطال وغيره: هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى. وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الإخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى، وفيه وقوع الخطاب للغير وإرادة غيره بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين: أحدهما صغره، والثاني نزاعه. وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق. وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق، وحكى ابن التين قول من قال: إن فيه دليلا على تقبيل الميت وشمه، ورده بأن القصة إنما وقعت قبل الموت وهو كما قال (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ » (3) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ "رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1303 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 162) (2902)
(2) - فتح الباري لابن حجر - (3 / 174)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (1381 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6656) وصحيح مسلم- المكنز - (6865 ) وشعب الإيمان - (12 / 208) (9286 )(1/260)
قال الراغب: عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله، وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لأن الصبي قد يثاب، وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر، وعلى هذا فمن بلع الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب وإن كان في فقد الولد أجر في الجملة، وبهذا صرح كثير من العلماء، وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير فإنه لا يتصور منه ذلك إذ ليس بمخاطب. وقال الزين بن المنير: بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوي لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق؟ قال: ولعل هذا هو السر في إلغاء البخاري التقييد بذلك في الترجمة. انتهى. ويقوي الأول قوله في بقية الحديث: "بفضل رحمته إياهم "لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم، وهل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا واستمر على ذلك فمات؟ فيه نظر لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه، ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشده الحب ولا عدمه، وكان القياس يقتضي ذلك لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده وتبرمه منه ولا سيما من كان ضيق الحال، لكن لما كان الولد مظنة المحبة والشفقة نيط به الحكم وإن تخلف في بعض الأفراد.
وقال الكرماني: الظاهر أن المراد بقوله: "إياهم"جنس المسلم الذي مات أولاده لا الأولاد، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم، قال وساغ الجمع لكونه نكرة في سياق النفي فتعمم انتهى. وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر، بل في غير هذا الطريق ما يدل على أن الضمير للأولاد، ففي حديث عمرو بن عبسة عند الطبراني "إلا أدخله الله برحمته هو وإياهم الجنة"وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي المقدم ذكره "أدخله الله الجنة(1/261)
بفضل رحمته إياهم"قاله بعد قوله: "من مات له ولدان"فوضح بذلك أن الضمير في قوله: "إياهم"للأولاد لا للآباء والله أعلم (1) .
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم أن أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء ولا يرحم الأبناء قاله المهلب. وكون أولاد المسلمين في الجنة قاله الجمهور ووقفت طائفة قليلة " (2) .
وقال البيهقي: "أكرم الله تعالى أمته بإلحاق ذرية المؤمن به وإن لم يعملوا عمله، فجاءت أخبار بدخولهم الجنة فعلمنا بها جريان القلم بسعادتهم، فمنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - « صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِى - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ » (3) .
وفي حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم وسارة حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة » (4) .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ تَحَلَّقَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ بُنَيٌّ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَفَقَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى أَنْ ظَعَنَ فِي جَنَازَةِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ قَالَ: فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنَ الْحَلْقَةِ لَمْ يَحْضُرْهَا يَذْكُرُ بَنِيهِ حُزْنًا عَلَيْهِ قَالَ: وَفَقَدَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالِي لَا أَرَى فُلَانًا ؟ "قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَلَكَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فَمَنَعَهُ الْحُزْنُ عَلَيْهِ، وَالذَّكْرُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ.فَلَقِيَهُ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (3 / 120)
(2) -فتح الباري لابن حجر - (3 / 124)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (6870)
الدعموص: جمع الدعموص وهو دويبة تكون فى الماء أى أنهم صغار الجنة لا يفارقونها
الصنفة: طرف الثوب
(4) - النفقة على العيال - (200) صحيح(1/262)
"قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ.قَالَ: "فَذَاكَ لَكَ "فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَهَذَا لِهَذَا خَاصَّةً، أَمْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ لَهُ ؟ قَالَ: "بَلْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ " (1) .
وكلُّ ذلك فيمن وافى أبويه يوم القيامة مؤمنين أو أحدهما فيلحق بالمؤمن ذريته كما جاء به الكتاب، ويستفتح له كما جاءت به السنة، ويحكم لها بأنها كانت ممن جرى له القلم بالسعادة، وقد ذكر الشافعي رحمه الله في كتاب المناسك ما دل على صحة هذه الطريقة في أولاد المسلمين فقال: إن الله عز وجل بفضل نعمته أثاب الناس على الأعمال أضعافها، ومنَّ على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (21) سورة الطور، فلما منَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن منَّ عليهم بأن يكتب لهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى قال: وقد جاءت الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة.قال الشيخ الإمام رحمه الله: وهذه طريقة حسنة في جملة المؤمنين الذين يوافون القيامة مؤمنين وإلحاق ذريتهم بهم كما ورد به الكتاب وجاءت به الأحاديث إلا أن القطع به في واحد من المؤمنين بعينه غير ممكن لما يخشى من تغير حاله في العاقبة، ورجوعه إلى ما كتب له من الشقاوة فكذلك قطع القول به في واحد من المولودين غير ممكن لعدم علمنا بما يئول إليه حال متبوعه وبما جرى له به القلم في الأزل من السعادة أو الشقاوة، وكان إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - القطع به في حديث عائشة - رضي الله عنهم - ا وعن أبيها لهذا المعنى، فنقول بما ورد به الكتاب والسنة في جملة المؤمنين وذرياتهم ولا نقطع القول به في آحادهم لما ذكرنا، وفي هذا جمع بين جميع ما ورد في هذا الباب والله أعلم.ومن قال بالطريقة الأولى في التوقف في أمرهم جعل امتحانهم وامتحان أولاد المشركين في الآخرة" (2) .
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 216) (9298 ) وصحيح الجامع (7963) صحيح
(2) - الاعتقاد للبيهقي - (1 / 137)(1/263)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلاَّ أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْجَنَّةَ.قَالَ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ.قَالَ: فَيَقُولُونَ: حَتَّى يَجِيءَ أَبَوَانَا قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ (1) .
وعَنْ بَعْضِ، أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهُ يُقَالُ لِلْوِلْدَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ.قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا، قَالَ: فَيَأْتُونَ، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لِي أَرَاهُمْ مُحْبَنْطِئِينَ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ آبَاؤُنَا، قَالَ: فَيَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ (2) .
وعَنْ يَزِيدَ بن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا جِيءَ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا، فَيُقَالُ لَهُمِ ادْخُلُوا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْجَنَّةَ (3) .
وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قالَ: عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَثْكَلَ ثَلاَثَةً مِنْ صُلْبِهِ، فَاحْتَسَبَهُمْ عَلَى اللهِ، فَقَالَ أَبُو عُشَّانَةَ مَرَّةً: فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَمْ يَقُلْهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ (4) .
أثكل: توفي له، احتسبهم:جعلهم حسبة لله ولم يجزع ولم يقنط.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَ رَسُولُ امْرَأَةٍ مِنْ بَنَاتِهِ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْسَلَتْ إِلَيْكَ ابْنَتُكَ أَنْ تَأْتِيَهَا، فَإِنَّ صَبِيًّا لَهَا فِي الْمَوْتِ، فقَالَ: ائْتِهَا فَقُلْ لَهَا: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ رَجَعَ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا تُقْسِمُ عَلَيْكَ إِلاَّ جِئْتَهَا، فَقَامَ رَسُولُ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 740) (10622) 10630- صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 788)(16971) 17096- صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (17 / 463)(20039 ) صحيح لغيره
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 887)(17298) 17431- حسن(1/264)
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقُمْنَا مَعَهُ رَهْطٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَخَلْنَا، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فِي صَدْرِهِ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ (1) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضُ بَنَاتِهِ: أَنَّ صَبِيًّا لَهَا ابْنًا أَوِ ابْنَةً قَدِ احْتُضِرَتْ، فَاشْهَدْنَا.قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ وَقُمْنَا، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَى حِجْرِ، أَوْ فِي حِجْرِ، رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، وَفِي الْقَوْمِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَأُبَيٌّ، أَحْسِبُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ (2) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ بِصَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَقَدْ دَفَنْتُ ثَلاَثَةً، فَقَالَ: لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ (3) .
احتظر: احتمى -الحظار: ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط والمعنى بمانع وثيق.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنَ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ.قَالَ: مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلاَنٍ، وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ، قَالَ: فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُنَّ، يَعْنِي: مَا مِنِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1284 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2174 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 208) (461)
الشنة: القربة البالية أى روحه وهى تضطرب لها حشرجة الماء إذا ألقى فى شنة -تقعقع: تضطرب وتتحرك
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 285) (21776) 22119- وصحيح البخارى- المكنز - (5655 )
شن، تقعقع: الشن :القربة البالية، وتقعقعها: حركتها وصوتها.
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 503)(9437) 9427- صحيح(1/265)
امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلاَثًا مِنَ الْوَلَدِ تَحْتَسِبُهُنَّ، إِلاَّ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوِ اثْنَانِ ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَانِ (1) .
وعَنْ أُمِّ قَيْسٍ، أَنَّها قَالَتْ: تُوُفِّيَ ابْنِي، فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ: لاَ تَغْسِلْ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَتَقْتُلَهُ، فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا قَالَتْ ؟ طَالَ عُمْرُهَا قَالَ: فَلاَ أَعْلَمُ امْرَأَةً عُمِّرَتْ مَا عُمِّرَتْ (2) .
وعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِىٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (3) .
قال ابن حجر :"(خَطِيئَةً قَطُّ )صفة كاشفة إذ لا يتصور في غير بالغ عمل ذنب اه ويمكن أن يحمل على المبالغة في نفي الخطيئة عنه ولو صورة فسمعته أي أبا هريرة يقول أي في صلاته اللهم أعذه أي أجره من عذاب القبر قال القاضي يحتمل أن يكون أبو هريرة اعتقد شيئا سمعه من رسول الله من أن عذاب القبر أمر عام للصغير والكبير وإن الفتنة تسقط عن الصغير لعدم التكليف في الدنيا وقال ابن عبد البر عذاب القبر غير فتنة القبر ولو عذب الله عباده أجمعين كان غير ظالم لهم يعني لا يطلب له دليل من العمل لأنه لا يسأل عما يفعل قال وقال بعضهم ليس المراد بعذاب القبر هنا العقوبة ولا السؤال بل مجرد الألم بالغم والحسرة والوحشة والضغطة وذلك يعم الأطفال وغيرهم " (4) .
وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ :اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا (5) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 54)(7357) 7351- صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 717) (26999) 27539- حسن
(3) - موطأ مالك- المكنز - (540 ) صحيح
(4) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (5 / 432)
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5 / 240)65 - باب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ . ( 65 ) تعليقاً ووصله عبد الوهاب بن عطاء في "كتاب الجنائز وهو صحيح، فتح الباري لابن حجر - (3 / 203)(1/266)
سلفا وفرطا: إذا مات للإنسان ولد صغير قيل: جعله الله لك سلفا وفرطا، فالسلف: من سلف المال في المبيعات، كأنه قد أسلفه وجعله ثمنا للأجر والثواب، والفرط، المتقدم على القوم لطلب الماء، أي جعله الله متقدما بين يديك، وذخرا عنده (1) .
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "إِذَا كَانَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ طِفْلًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَلِّي: اللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا.رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.وَرَوَى مِثْلَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْعُو بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُحَوِّلُ الضَّمَائِرَ الْمُذَكَّرَةِ إِلَى صِيغَةِ التَّأْنِيثِ إِذَا كَانَتْ الْمَيِّتُ أُنْثَى لِأَنَّ مَرْجِعَهَا الْمَيِّتُ وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى" (2) .
وعَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَنْكِحُوا الْجَوَارِيَ الأَبْكَارَ، فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ أَفْوَاهًا، وأَنْظَفُ أَرْحَامًا، وأَغَرُّ أَخْلاقًا، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ، وأَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَجَرَةٍ مِنْ عُصَادِ الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ أَبُوهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ" (3) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَعُوا الْحَسْنَاءَ الْعَاقِرَ، وتَزَوَّجُوا السَّوْدَاءَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي أُكَاثِرُ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى السِّقْطِ يَظَلُّ مُحْبَنْطِيًا، أَيْ مُتَغَضِّبًا، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ، فَيُقَالُ: ادْخُلْ أَنْتَ وأَبَوَاكَ" (4) .
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ أن رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: ابْنَةُ عَمٍّ لِي ذَاتَ مِيسِمٍ ومَالٍ، وهِيَ عَاقِرٌ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ عَنْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: لامْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ولُودٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا، أَمَّا عَلِمْتَ أَنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، وأَنَّ أَطْفَالَ الأُمَمِ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَحْقَاءِ آبَائِهِمْ وأُمَّهَاتِهِمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا آبَاؤُنَا وأَمَّهَاتُنَا، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، أَنْتُمْ وآبَاؤُكُمْ وأُمَّهَاتُكُمْ،
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (6 / 224)
(2) - تحفة الأحوذي - (3 / 82)
(3) - مصنف عبد الرزاق - (5 / 127)(10343) فيه جهالة وإرسال
(4) - مصنف عبد الرزاق- (5 / 127) (10344) صحيح مرسل(1/267)
قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ السِّقْطُ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا، أَيْ مُتَقَعِّسًا: فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَبِي وأُمِّي حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ أَبُوهُ" (1) .
السقط: الولد يسقط من بطن المرأة قبل تمامه-محبنطئا: هو الغاضب المستبطئ للشىء .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ وَكَانَ ظِئْرَهُ قَيْنًا فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ.قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثُّدِيَّ، وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ يُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ " (2) .
هذا وإن الزوجة الصالحة تلعب دوراً كبيراً في الصبر على وفاة الطفل،وتصبَِّر زوجها، وتنتصر على عاطفة الأمومة في مقابل إدخال السرور على قلب زوجها،وأمامنا حادثة فريدة تؤكد ذلك، وهي قدوة لكل زوجة صالحة بعدها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِمَوْتِ ابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءَهُ وَشَرَابَهُ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا شَبِعَ، وَرَوَى وَأَصَابَ مِنْهَا حَاجَتَهُ قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ آخَرِينَ وَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَتَرَى لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ: لَا.قَالَتْ: فَاحْتَسَبِ ابْنَكَ.قَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى إِذَا وَقَعْتُ بِمَا وَقَعْتُ تُحَدِّثِينِي بِمَوْتِ ابْنِي ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا "فَعَلِقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَحَمَلَتْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأَمُّ سُلَيْمٍ مَعَهُ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَطْرُقُ الْمَدِينَةَ طُرُوقًا فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: وَاللهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ نَبِيِّكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخَلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتَبَسَتُ كَمَا تَرَى.قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق - (5 / 128)(10345) صحيح مرسل
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6168 ) وشعب الإيمان - (13 / 376)(10500 )(1/268)
طَلْحَةَ، مَا كُنْتُ أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ.فَانْطَلَقَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ فَوَلَدَتْ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ: لَا تُطْعِمُهُ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَبَاتَ يُبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ، فَغَدَوْتُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ ؟ "قُلْتُ: أَجَلْ.فَقَعَدَ وَجِئْتُ بِهِ حَتَّى وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، فَدَعَا بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوِ الْمَدِينَةِ فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ لَفَظَهَا فِي فِيهِ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ ", ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ ".
وفي رواية عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ لِأَبِي طَلْحَةَ ابْنٌ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَمَاتَ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ يَا بَنِيَّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ..
وفي رواية عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اشْتَكَى ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ فَرَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَتُوُفِّيَ الْغُلَامُ.فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي الْعَارِيَةِ: فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَتْ: أَلَمْ تَرَ أَبَا طَلْحَةَ إِلَى آلِ فُلَانٍ اسْتَعَارُوا عَارِيَةً تَمَتَّعُوا بِهَا، فَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ".قَالَ: مَا أَنْصَفُوا.قَالَتْ: فَإِنَّ فُلَانًا، لِابْنِهَا، كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللهِ وَقَبَضَهُ اللهُ.فَاسْتَرْجَعَ ", ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرَوَى هَذِهِ الْقَصَّةَ عُبَادَةُ بْنُ رِفَاعَةَ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: "لَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الْغُلَامِ سَبْعَةَ بَنِينَ كُلَّهُمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ " (1) .
أعْرَسْتُم: الإعراس هاهنا، أراد به: الجماع.
الميسم: الحديدةُ التي تَسِمُ بها الدوابَّ، تتْرُكُها في النار حتى تَحْمَى ثم تُسِمُّها بها .
الحائط: هاهنا: البستان من نخل.
خَمِيصَةغ جوانيَّه: الخميصة: ثوبُ خَزٍّ، أو صوفٍ مُعَلم، وهو أسود، والجَوْنُ: الأسْود، نسبها إلى السواد، هكذا جاء في كتاب الحميدي «خميصة جونية"والذي رأيته في كتاب مسلم «خميصة جُوَينية» وفي نَسخة «جَوْتَكِيَّة"وما أعرف له معنى، إلا أن يكون قد
__________
(1) - شعب الإيمان - (12 / 206)(9283 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6476 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 506)(13026) 13057-و(13270) 13303-و(14088) 14134-(1/269)
نسبها إلى القِصَرِ، فإن الجوتَكِيّ: الرجلُ القصير الخَطْوِ، المتقارب في المشي، أراد: أنها خميصةٌ قصيرةٌ، كأنها لرجل جَوْتَكِيٍّ، والله أعلم.
فاحْتَسِبْ ابنك: إذا مات للإنسان ولد، قيل له: احْتَسِبْهُ عند الله، أي: اجعله لك عنده ذخرًا.
لا يَطْرقها: الطُّرُوق: إتيان المنزل ليلاً .
المخاض: الطَّلْقُ عند الإحساس بالولادة.
بِعَجْوَةٍ: العجوة: نوع من جيِّد التمر، من تمر المدينة .
يتلمَّظُها: التلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.
يَهْنَأُ: هنأتُ البعير: لطخته بالهناء، وهو القَطِران.
بعيرًا: البعير من الإبل: الذكر والأنثى، كالإنسان من بني آدم .
فلاكها: لاك اللقمة في فيه: إذا مضغها .
فغَرَ: فاهُ: إذا فتحه.
فَمَجَّهُ: مَج ريقَهُ من فمه: إذا رماهُ (1) .
وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مَاتَ لَهُ ابْنٌ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: لاَ تُخْبِرُوا أَبَا طَلْحَةَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أُخْبِرُهُ، فَسَجَّتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ وَضَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامًا، فَأَكَلَ، ثُمَّ تَطَيَّبَتْ لَهُ، فَأَصَابَ مِنْهَا، فَعَلِقَتْ بِغُلاَمٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، إِنَّ آلَ فُلاَنٍ اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فُلاَنٍ عَارِيَةً، فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بِعَارِيَتِنَا فَأَبَوْا أَنْ يَرُدُّوهَا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، إِنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ إِلَى أَهْلِهَا، قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَبَضَهُ فَاسْتَرْجَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا، قَالَ: فَعَلِقَتْ بِغُلاَمٍ، فَوَلَدَتْ، فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَحَمَلْتُ تَمْرًا، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ، وَهُوَ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذَ التَّمَرَاتِ فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 369)(1/270)
فَلاَكَهُنَّ، ثُمَّ جَمَعَ لُعَابَهُ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حُبُّ الأَنْصَارَ التَّمْرَ، فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، فَمَا كَانَ فِي الأَنْصَارِ شَابٌّ أَفْضَلَ مِنْهُ (1) .
وقوله: فعَلِقَتْ بغلام قال السندي: من "عَلِق"كفَرحِ، أي: حبلت بما جرى بينهما تلك الليلة.
وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه أما بعد فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة وإذا قدمه فصلاة ورحمة فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته ولا تضيع ما عوضك الله تعالى من صلاته ورحمته (2) .
وهكذا وجدت يا أخي ! أن الولد الصالح خير كله، سواء عاش بعد أبويه فيرفع درجات والديه باستغفاره لهما، أو مات قبلهما كان سبباً في دخولهما الجنة،قال ابن القيم عن الولد :"إن عاش بعد أبويه نفعهما،وإن مات قبلهما نفعهما" (3) .
ما سبق مما يحصل للوالدين بسبب الولد فإنما مصدره الحنان على الطفل والرأفة به، لكن؛ فكما أمر الإسلام بالحنان مع الطفل والرأفة في معاملته؛ فقد نهى عن الإفراط والغلو في هذا الحنان، فلا مفر في بعض الأوقات من الحزم والتخويف لترتدع نفس الطفل عن التمادي في الغي أو الانحراف، وكثير من الأطفال يردعهم مجرد رؤية العصا أو السوط، ويُلزمهم ظهور أداة العقوبة، فيسارعون إلى تجنب التعرض لها، فتستوي تصرفاتهم ويصحح مسارهم. لذلك أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليق العصا في البيت، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ (4) .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِتَعْلِيقِ السَّوْطِ فِي الْبَيْتِ " (5) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 732) (14065) 14111- صحيح
(2) - بستان العارفين - (1 / 19)
(3) - أحكام المولود ص (14)
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 153)(10523 ) حسن
(5) - الأدب المفرد للبخاري - دار البشائر - (1 / 421) ( 1229 ) صحيح(1/271)
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يريد أن يكون من وراء حب الطفل والحنان عليه تدليلٌ وتفريطٌ، ومجاراةٌ للطفل في جميع أهوائه، فيفعل الطفل ما يشاء، ويقضي ما هو قاض؛ فإن ذلك جناية كبرى على الولد.
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، لاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ (1) .
لا يجني جانٍ: الجناية: الذَّنْبُ، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه الجزاءُ، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يجني جانٍ إلا على نفسه» يريد: أنه لا يُطَالَبُ بجنايته غيرُهُ، من أقاربه وأَباعده، وقد فسَّره في الحديث بقوله: «لا يجني ولدٌ على والده، ولا يجني والدٌ على ولده» أي إذا جنى أحدهما، لا يطَالَبُ الآخر بجنايته، وقد كان ذلك معتادًا بين العرب (2) .
فإذا فعل الإنسان ما يوجب العذاب على غيره؛ فهذه الجناية على الغير، كما يتسبب بعض الآباء في عذاب الله لأبنائهم بسبب تدليلهم وحبهم المفرط؛ مما ينتج عنه عدم الأخذ على أيديهم لتعويدهم طاعة اللَّه والوقوف عند حدوده، واللَّه تعالى أمر هؤلاء الآباء وأمثالهم، بل وسائر الذين آمنوا بقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم .
ضرر مخالطة الطفل لأهل الميوعة والدلال:
قال العلماء: ينبغي أن يُحفظ الصبي عن الصبيان الذين عُوِّدوا التنعم والرفاهية، ولبس الثياب الفاخرة، وألاَّ يُسمح له بمخالطتهم، فإن الصبي إذا أُهمل في بدء حياته خرج في الأغلب رديء الأخلاق، كذابًا، حسودًا، سروقًا، ذا فضول وكيد ومجانة. وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب، وكمال التربية. فينبغي ألا يسمح للطفل بمخالطة المدللين من
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 514)(16064) 16161- صحيح لغيره
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 260)(1/272)
الأطفال؛ لأنهم لا يصلحون للحياة التي تنتظرهم؛ فقد وجدوا الحياة سهلة ميسرة لهم، كلها نعيم ورخاء، واعتمدوا على ثروة آبائهم وأمهاتهم، فناموا واستعذبوا النوم، وصارت حياتهم كلها حياة خمول وكسل، وجعلوا ليلهم نهارًا، ونهارهم ليلاً، فنهارهم ليل وليلهم ويل، وأصبحوا جرثومة من الفساد، وإن المربين يرون أن أهم مرحلة في الحياة هي مرحلة الطفولة المبكرة، في الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل. فإذا أهمل في بدء حياته صار غالبًا فاسد الخلق، كثير الكذب، كثير الحقد والحسد، كثير السرقة والنميمة والإلحاح، فضولياًّ يتدخل فيما لا يعنيه، ويكيد لغيره من زملائه، ذا مجون، لا يبالي بما يصنع، ولا يكترث لما يفعل.
ومن الممكن أن يحفظ من فساد الخلق. ومن هذه الرذائل كلها إذا عنينا بتربيته كل العناية في طفولته وأطوار حياته، ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر البيئة في تربية الطفل (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم - (1 / 5)(1/273)
الفصل السادس
البناء الجسميُّ
تمهيد :
أسس البناء الجسمي :
الأساس الأول - حق الطفل في تعلم السباحة، والرماية، وركوب الخيل:
الأساس- الأساس الثاني- إجراء المسابقات الرياضية بين الأطفال:
الأساس الثالث- لعب الكبار مع الأطفال:
الأساس الرابع- لعب الأطفال مع الأطفال :
خاتمة- فوائد الرياضة للأطفال:(1/274)
تمهيد :
إن الجسد هو الدابة التي تحمل الروح في السفر إلى الله، فإن أكرمتها، وأحسنت إليها واصلت بك وإن أهملت أمرها انقطعت بك في الطريق، فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْنَهَا سَيِّئَةَ الْهَيْئَةِ، فَقُلْنَ: مَا لَكِ، مَا فِي قُرَيْشٍ رَجُلٌ أَغْنَى مِنْ بَعْلِكِ، قَالَتْ: مَا لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ ؟ أَمَّا نَهَارُهُ فَصَائِمٌ، وَأَمَّا لَيْلُهُ فَقَائِمٌ، قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لَهُ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَمَا لَكَ فِي أُسْوَةٍ ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ؟ قَالَ: أَمَّا أَنْتَ فَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صَلِّ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، قَالَ: فَأَتَتْهُمُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَطِرَةً كَأَنَّهَا عَرُوسٌ، فَقُلْنَ لَهَا: مَهْ، قَالَتْ: أَصَابَنَا مَا أَصَابَ النَّاسُ." (1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ، نَمْ وَقُمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنِّي مُخَيِّرُكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشَرَةُ أَمْثَالِهَا، فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: صُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَشَدَدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: صُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: فَمَا صِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ ؟ قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ. (2)
وقَالَ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، فَلاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صُمْ وَأَفْطِرْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (2 / 19) (316) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (8 / 337) (3571) وصحيح البخارى- المكنز - (5199 و6134)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، لَيْسَ فِي خَبَرٍ إِلاَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ إِفْطَارِ الْمَرْءِ لِضَيْفٍ يَنْزِلُ بِهِ، وَزَائِرٍ يَزُورُهُ.(1/275)
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: صُمْ صَوْمَ دَاوُدَ، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ أَخَذْتُ الرُّخْصَةَ. (1)
فاللعب طبيعة فطرية في الطفل، جعلها الله غريزة في نفسه،وذلك لينمو جسمه نموًّا طبيعيًّا بشكل قويٍّ،حيث إن الطفولة البشرية هي أطول الطفولات بين الكائنات الحية،وحيث إن نمو العضلات،ونمو الجسم كله يكون في هذه الفترة، إذ بعدها يصعب على الجسم أن ينمو أكثر،أو يقوى بشكل أجود،أو غير ذلك من أشكال النمو في العضلات، والعظام، والصدر، والرئة، وغيرها.
وإذا لاحظنا أنه لا يمكن للإنسان أن يصبح رياضيًّا بعد هذه الفترة بشكل فعال،ويقول: أريد أن أبني جسمي بعد مضي مرحلة الطفولة له بدون رياضة،فإن نسبة نجاح مقولته هذه ضعيفة،وبالتالي فإن البناء الجسمي للطفل لا بدَّ أن يستوفي حقه في الطفولة، على خلاف الأبواب السابقة،التي إذا فقد فيها الوالدان أو المربون، فإنه يمكنهم تداركها فيما بعد.
"وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمَكْتَبِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْأَدَبِ، بِحَيْثُ لَا يَتْعَبُ فِي اللَّعِبِ، فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إلَى التَّعْلِيمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ وَيُبْطِلُ فِكْرَهُ وَذَكَاءَهُ، وَيُبْغِضُ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَيُنَغِّصُ عَيْشَهُ حَتَّى يَطْلُبَ الْحِيلَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا " (2) .
فلا مانع من تعليم الولد بعض التمرينات الرياضية التي تقوي جسده وتنشط جسده وتنشط روحه، وعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أنه كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الشَّامِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الْغَرَضَ وَيَمْشُوا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ حُفَاةً وَعَلِّمُوا صُبْيَانَكُمُ الْكِتَابَةَ وَالسِّبَاحَةَ .. " (3)
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِلْوَلَدِ عَلَيْنَا حَقٌّ كَحَقِّنَا عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ: "نَعَمْ، حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ وَالسِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ، وَأَنْ يُؤَدِّبَهُ طَيِّبًا " (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (8 / 400) (3638) وصحيح البخارى- المكنز - (1975)
(2) - المدخل لابن الحاج- (5 / 33)
(3) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (15668 ) ضعيف
(4) - شعب الإيمان - (11 / 136) (8298 ) ضعيف(1/276)
فلو أحضرت لولدك بندقية وعلمته أصول الرماية الصحيحة لكان خيراً، وكذلك تعليمه قيادة السيارات والدراجات وغيرها من الآلات العصرية.
إن عدم قيام الطفل بالرياضة يؤدي أحياناً إلى مخاطر جمة، لا تلبث أن تنمو وتكبر، حتى تظهر في الحال، أو المستقبل في أي شكل من أشكال الهزال الجسمي، أو الانهيار الداخلي والنفسي .
وإذا علمنا أن التكاليف الشرعية التي تنتظر الطفل عندما يدخل في سِنِّ الاحتلام، ويودِّع مرحلة الطفولة، ويستقبل مرحلة جديدة في حياته، يحاسب فيها على الكبيرة والصغيرة، ويبدأ القلم بالتسجيل عليه برصد أعماله وأقواله، إذا علمنا أن هذه التكاليف تحتاج إلى البنية القوية، والجسم المتدرب الرياضي، وما الصلاة والصيام والحج والجهاد إلا الدعائم الأساسية لهذا الدِّين،تحتاج إلى المؤمن القوي الفعال، عند ذلك وجب علينا أن نفكِّر ونسأل أنفسنا: ما هي السبل والقواعد التي نستطيع بها تكوين جسم الطفل، وما هي أركان هذا البناء؟ .
إن النظرة المتأنية إلى الأحاديث النبوية والسيرة الشريفة والتي تبين كيفية تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، فما هي هذه وباتباعها نحصل على بنية جسمية قوية للطفل، فما هي هذه الأسس؟ .
أسس البناء الجسمي :
الأساس الأول - حق الطفل في تعلم السباحة، والرماية، وركوب الخيل:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمُ الْعَوْمَ، وَمُقَاتِلَتَكُمُ الرَّمْيَ، فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَى الأَغْرَاضِ، فَجَاءَ سَهْمٌ غَرْبٌ إِلَى غُلامٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْلٌ، وَكَانَ فِي حَجْرِ خَالٍ لَهُ، فَكَتَبَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ إِلَى مَنْ أَدْفَعُ عَقْلَهُ ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ (1) .
__________
(1) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 174) (323) حسن(1/277)
فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: "أَنْ عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ " (1) .
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذَرْبِيجَانَ أَمَّا بَعْدُ فَاتَّزِرُوا وَانْتَعِلُوا وَارْتَدُوا وَأَلْقُوا الْخِفَافَ وَالسَّرَاوِيلاَتِ وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِىَّ الْعَجَمِ وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشَنُوا وَاخْلَوْلَقُوا وَاقْطَعُوا الرُّكَبَ وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا وَارْمُوا الأَغْرَاضِ وَامْشُوا مَا بَيْنَهَا. . (2) .
من هذا يتبين حق الطفل في تعليم رياضيات معينة خصَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر دون غيرها،وهذا يدلُّ على أن لها دوراً خاصًّا في حياة الطفل الحالية والمستقبلية، وأن لها دوراً كبيراً في إكساب الثقة في نفسه بتعلم هذه الرياضات،لما تحمل في طياتها من مخاوف نفسية عندما يكبر الطفل وهو لا يتقن هذه الرياضات، على خلاف باقي الرياضات التي يستطيع في كبره أن يتعلمها ويتقنها نوعاً ما،إذا مرت طفولته بدون تعلمها.
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رياضة الطفل.
ومن ذلك تشجيعه - صلى الله عليه وسلم - للأطفال على الرمي، قَالَ عَلِىٌّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَاهُ وَأُمَّهُ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ « ارْمِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى ». وَقَالَ لَهُ « ارْمِ أَيُّهَا الْغُلاَمُ الْحَزَوَّرُ » (3) .وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، مَرَّ بنفَرٍ يَرْمُونَ، فَقَالَ:رَمْيًا بني إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا (4) ، وعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِفِتْيَةٍ يَرْمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "ارْمُوا يَا بَنِي إِسْمَاعِيلَ ؛ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا " (5) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) -فضائل الرمي لإسحاق القراب - ( 15 ) فيه انقطاع
(2) -السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 14) (20230) صحيح
(3) -سنن الترمذى- المكنز - (3063 ) صحيح -الحزور: الغلام إذا اشتد وقوى
(4) -المعجم الكبير للطبراني - (10 / 301)(12578 ) صحيح
(5) -سنن سعيد بن منصور - (2281 ) صحيح مرسل(1/278)
الأساس- الأساس الثاني- إجراء المسابقات الرياضية بين الأطفال:
وهو أساسٌ فعالٌ في تكوين جسم الطفل، ويساعده غلى الاهتمام بالرياضة واللعب وزيادة اعتنائه بحسمه، فقد أجرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسابقة الجري بين الأطفال من بني عمه العباس، وكان يستقبل الفائز بصدره، ثم الآخر وهكذا .
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُفُّ عَبْدَ اللهِ، وَعُبَيْدَ اللهِ، وَكُثَيَّرًا بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ، فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزَمُهُمْ (1) .
وأنت تلاحظ أنه كان يوزع حبه عليهم جميعاً، فيقبِّلهم جميعاً، ولا يقتصر على الفائز منهم فقط، وإنما يرعاهم جميعاً، خشية دخول الغيرة، والحسد بينهم، وأن يكون البناء لهم جميعاً دون استثناء.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) -مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 569) (1836) حسن(1/279)
الأساس الثالث- لعب الكبار مع الأطفال:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَزْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - و الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِي حِجْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّهُمَا ؟ قَالَ: وَكَيْفَ لا أُحِبُّهُمَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا أَشُمُّهُمَا (1) .
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى بَطْنِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّهُمَا ؟ فَقَالَ: وَمَالِي لا أُحِبُّهُمَا ؟ هُمَا رَيْحَانَتَايَ (2) .
وعَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - عَلَى عَاتِقَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ: نِعْمَ الْفَرَسُ تَحْتَكُمَا، قَالَ: وَنِعْمَ الْفَارِسَانِ هُمَا (3) .
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ الْحَسَنُ فَرَكِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَوَضَعَهُ وَضْعًا رَفِيقًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَنَعْتَ بِالْحَسَنِ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ سَيُصْلِحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (4) .
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ يَقُولُ: "نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أَنْتُمَا " (5) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا مِنْ مِزَاحِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ مَنْقَبَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا.وَيَتَضَمَّنُ مِنَ الْفِقْهِ إِطْلَاقَ تَشْبِيهِ الْإِنْسَانِ بِالْبَهِيمَةِ إِذَا شَارَكَهَا فِي بَعْضِ فَعْلِهَا (6) .
__________
(1) -المعجم الكبير للطبراني - (4 / 212) (3892) صحيح لغيره
(2) -كشف الأستار عن زوائد البزار - (3 / 225) (2622) صحيح
(3) - كشف الأستار عن زوائد البزار - (3 / 225) (2621) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (11 / 256)(4067) صحيح
(4) - مسند الطيالسي - (2 / 203) (915) حسن
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 87) (2595) فيه ضعف
(6) - أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِلرَّامَهُرْمِزِيِّ (100 )(1/280)
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِدُفَّيْنِ، وَتُغَنِّيَانِ فِي أَيَّامِهِمَا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَتِرٌ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَعْهُمْ يَا عُمَرُ، فَإِنَّهُمْ هُمْ بَنُو أَرْفِدَةَ (2) .
فاقدروا قدر الجارية: أي قيسوا قياس أمرها، وأنها مع حداثتها وشهوتها النظر وحرصها عليه، كيف مسها التعب والإعياء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمسه شيء من ذلك حفظا لقلبها (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَ السُّودَانُ يَلْعَبُونَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى يَوْمِ عِيدٍ فَدَعَانِى فَكُنْتُ أَطَّلِعُ إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِى انْصَرَفْتُ (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - ( 5190 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2100 ) وصحيح ابن حبان -ط الرسالة - (13 / 177) (5868)
(2) - صحيح ابن حبان -ط الرسالة - (13 / 186) (5876) صحيح
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (10 / 756)
(4) - سنن النسائي- المكنز - ( 1605 ) صحيح(1/281)
فنحن قد شاهدنا أنواعاً مختلفة من لعبه - صلى الله عليه وسلم - مع الحسن والحسين، وما ذلك إلا ليدلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فكرة التنوُّع في اللعب مع الأطفال، وأنت لاحظت أيضاً ثناءه ومدحه لهما في اللعب، وذلك ليزيد من نشاطهما النفسي في اللعب ,فيستمران بلا كلل ولا تعب، ويتابعان اللعب بحب وشغفٍ، وذلك ليكون جسميًّا ونفسيًّا في آنٍ واحد.وقد كانت عائشة - رضي الله عنهم - ا، حديثة السنِّ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراعي هذا الجانب، وكان يسابقها أحياناً، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ، فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : هَذِهِ بِتِلْكَ (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْأُثَيْلِ عَنْدَ الصَّفْرَاءِ انْصَرَفْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَنَكَبْتُ عَنِ الطَّرِيقِ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا رَاكِبٌ يَضْرِبُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَفَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ: "تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ "قَالَتْ: فَأَرْمِي بِدِرْعِي خَلْفَ ظَهْرِي ثُمَّ أَجْعَلُ طَرَفَهُ فِي حُجْزَتِي، ثُمَّ خَطَطْتُ خَطًّا بِرِجْلِي، ثُمَّ قُلْتُ: تَعَالَ نَقُومُ عَلَى هَذَا الْخَطِّ، فَنَظَرَ فِي وَجْهِي فَكَأَنَّهُ عَجِبَ، فَقُمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ، قَالَ: قُلْتُ: أَذْهَبُ ؟ قَالَ: "اذْهَبِي "فَخَرَجْنَا فَسَبَقَنِي، وَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيَّ، فَقَالَ: "هَذِهِ بِيَوْمِ ذِي الْمَجَازِ "فَتَذَكَّرْتُ مَا يَوْمُ ذِي الْمَجَازِ فَذَكَرْتُ أَنَّهُ جَاءَ وَأَنَا جَارِيَةٌ يَتْبَعُنِي أَبِي، وَكَانَ فِي يَدِي شَيْءٌ فَسَأَلَنِيهِ فَمَنَعْتُهُ، فَذَهَبَ يَتَعَاطَاهُ فَفَرَرْتُ، فَخَرَجَ فِي أَثَرِي فَسَبَقْتُهُ وَدَخَلْتُ الْبَيْتَ (3) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان -ط الرسالة - (10 / 545) (4691) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 524) (26277) 26807- صحيح
(3) - شرح مشكل الآثار - (5 / 144) (1881 ) حسن
البعير: ما صلح للركوب والحمل من الإبل، وذلك إذا استكمل أربع سنوات، ويقال للجمل والناقة- في أثر الشيء وعلى أثره: بعده ووراءه(1/282)
قال الطحاوي: "فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ السَّبْقِ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَعْنَى، فعَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَرْدَفَنِي رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَكْزَةٌ وَفِينَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ عَدْوًا، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ إِلَى الْمَدِينَةِ ؟ قَالَهَا مِرَارًا وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقُلْتُ: مَا تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فَلْأُسَابِقْهُ، قَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَعَلْتَ "فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ وَأَطْفِرُ عَنِ النَّاقَةِ عَدْوًا، فَرَبَطْتُ عَلَيَّ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ فَسَأَلْتُهُ: مَا رَبَطْتَ ؟ قَالَ: اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي، ثُمَّ إِنِّي غَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقُلْتُ: سَبَقْتُكَ وَاللهِ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَضَحِكَ (1) .
الراحلة: البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى-الشرف: المكان المرتفع - صك: ضرب ولطم.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (5 / 145) (1882 ) صحيح وهو في مسلم مطولاً(1/283)
الأساس الرابع- لعب الأطفال مع الأطفال :
كثيرا ما يكون الوالدان مشغولين بالأعمال المختلفة، عند ذلك يتيحان للطفل أن يلعب مع إخوته أو أبناء جيرانه، أو أولاد حيِّه، أو أبناء أقاربه، ويختار الوالدان أن يلعب طفلهما مع أولاد مهذبين مؤدبين، خشية أن يتعلم طفلهم بذاءة اللسان، أو منكر الأخلاق من غضب، وانفعالات في أثناء اللعب .
وقد شاهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أماكن عدة لعب الأطفال ولم ينكر عليهم، فعَنْ يَعْلَى بن مُرَّةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ، فَإِذَا الْحُسَيْنُ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ حُسَيْنٌ يَمُرُّ مَرَّةً هَهُنَا وَمَرَّةً هَهُنَا يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ وَالأُخْرَى بَيْنَ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الأَسْبَاطِ (1) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ، قَالَ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ عَلَيْنَا، وَأَخَذَ بِيَدِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ، وَقَعَدَ فِي ظِلِّ حَائِطٍ، أَوْ جِدَارٍ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَبَلَّغْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ سِرٌّ، قَالَتْ: احْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ، قَالَ: فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ (2) .
وعَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ خَلْفَ بَابٍ، فَدَعَانِي، فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ (3) .
وقد لعب - صلى الله عليه وسلم - مع الصبيان في صغره، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ قَلْبَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (16 / 139) (18155 ) حسن
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 277) (12060) 12083- صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 850) (3131) صحيح(1/284)
الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ: قَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - (1) .
وقد شاهد - صلى الله عليه وسلم - مصارعة الغلامين قبيل غزوة أحد، عندما اعترض أحدهما على الآخر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقبوله بالاشتراك في المعركة، وعدم قبول المعترض، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَرِّضُ غِلْمَانَ الأَنْصَارِ فِى كُلِّ عَامٍ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ قَالَ وَعُرِضْتُ عَامًا فَأَلْحَقَ غُلاَمًا وَرَدَّنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِى وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ قَالَ :"فَصَارِعْهُ ». فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَأَلْحَقَنِى (2) .
أما لعب البنات فقد يختلف عن لعب الصبيان.
فإنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْتَنِي بِالأُْنْثَى فِي كُل أَطْوَارِ حَيَاتِهَا فَيَرْعَاهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ، وَيَجْعَل رِعَايَتَهَا سِتْرًا مِنَ النَّارِ وَسَبِيلاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَضِّل الذَّكَرَ عَلَيْهَا فِي التَّرْبِيَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَتَشْمَل الْعِنَايَةُ بِهَا فِي طُفُولَتِهَا تَأْهِيلَهَا لِحَيَاتِهَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَيُسْتَثْنَى مِمَّا يَحْرُمُ مِنَ الصُّوَرِ صُوَرُ لَعِبِ الْبَنَاتِ فَإِنَّهَا لاَ تَحْرُمُ، وَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصُنْعُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لَهُنَّ ؛ لأَِنَّهُنَّ يَتَدَرَّبْنَ بِذَلِكَ عَلَى رِعَايَةِ الأَْطْفَال (3) .
وفي الموسوعة الفقهية: "اسْتَثْنَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَصِنَاعَةِ التَّمَاثِيل صِنَاعَةَ لُعَبِ الْبَنَاتِ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَقَدْ نَقَل الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَقَال: يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ تَصْوِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ، وَمِنِ اتِّخَاذِهِ لُعَبَ الْبَنَاتِ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ .
__________
(1) -صحيح مسلم- المكنز - ( 431 ) وصحيح ابن حبان -ط الرسالة - (14 / 243) (6334)
المخيط: الإبرة -الظئر: المرضعة غير ولدها ويقع على الرجل والمرأة-العلقة: الدم الغليظ المنعقد-لأمه: ضم بعضه إلى بعض-المنتقع: المتغير اللون
(2) - السنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (10 / 18) (20254) صحيح
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (7 / 75)(1/285)
وَهَذَا يَعْنِي جَوَازَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ تِمْثَال إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، مُجَسَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَمْ لاَ، كَفَرَسٍ لَهُ جَنَاحَانِ .
وَقَدِ اشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِلْجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مَقْطُوعَةَ الرُّؤوسِ، أَوْ نَاقِصَةَ عُضْوٍ لاَ تَبْقَى الْحَيَاةُ بِدُونِهِ. وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ " (1) .
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِى سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ « مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ». قَالَتْ بَنَاتِى. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ « مَا هَذَا الَّذِى أَرَى وَسْطَهُنَّ ». قَالَتْ فَرَسٌ. قَالَ « وَمَا هَذَا الَّذِى عَلَيْهِ ». قَالَتْ جَنَاحَانِ. قَالَ « فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ ». قَالَتْ أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ قَالَتْ فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ (2) .
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَتْ: فَكُنَّ يَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَكُنَّ إِذَا رَأَيْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقَمِعْنَ مِنْهُ، فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ يَلْعَبْنَ مَعِي (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَجَاءَ إِلَيَّ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَخَذْنَنِي وَأَنَا أَلْعَبُ عَلَى الأُرْجُوحَةِ، قَالَتْ: وَكَانَتِ الْحُمَّى أَصَابَتْنِي، فَسَقَطَ شَعْرِي وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَطَيَّبْنَنِي وَغَسَلْنَنِي، وَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ، وَلِي وَفْرَةٌ، وَكُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ، وَمَعِي الْجَوَادُ، فَإِذَا دَخَلَ خَرَجْنَ، وَإِذَا خَرَجَ سَرَّبَهُنَّ إِلَيَّ (4) .
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (12 / 112) وفتح الباري 10 / 395، 527، وحاشية الدسوقي 2 / 338، وأسنى المطالب وحاشية الرملي 3 / 226، ونهاية المحتاج 6 / 297، وكشاف القناع 1 / 280 .
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4934 ) صحيح
السهوة: تشبه الرف أو الخزانة الصغيرة يوضع فيها الشىء
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6130) وصحيح مسلم- المكنز - (6440 ) وصحيح ابن حبان -ط الرسالة - (13 / 173) (5863)
ينقمعن، الانقماع: الاستتار والتغيب، وقوله: يسربهن أي: يردهن ويدفعهن إلي، ومن السرب، وهو جماعة النساء.
(4) - مسند أبي عوانة - (3 / 49) (3458 ) صحيح(1/286)
واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن (1) .
وقد نهي عن اتخاذ الحيوان غرضاً،فعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فِتْيَةٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، لَهُمْ كُلُّ خَاطِئَةٍ، قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ قَالَ: فَتَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يُمَثِّلُ بِالْحَيَوَانِ (2) .
ولا بد من دخول الأطفال إلى البيت وإنهاء اللعب، قبل المغرب، بسبب انتشار الشياطين، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوعَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تَخْتَرِقُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ (3) .
وعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا اسْتَجْنَحَ { اللَّيْلُ } - أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا » (4) .
وعن جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهم - قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - أَوْ أَمْسَيْتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (10 / 527)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 850) (3133) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 182) (14898) 14959- صحيح
"فوعة العشاء": أول الظلمة، ومعناه: امنعوا صبيانكم من الخروج من البيت أول ظلمة الليل لأن مردة الشياطين تنتشر فيها .
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3280 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5368)
أوك: شد رأس السقاء بالوكاء وهو الخيط لئلا يسقط فيه شىء(1/287)
قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا، مَصَابِيحَكُمْ » (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5623 )
أوكوا: شدوا رأس السقاء بالوكاء وهو الخيط لئلا يسقط فيه شىء -جنح الليل: إقبال ظلامه، وكذلك جنوحه، وجنح واستجنح: إذا أقبل، وقيل: إذا اشتدت ظلمته.-فحمة العشاء: اسوداد ظلامه.(1/288)
خاتمة- فوائد الرياضة للأطفال:
على الرغم من أن اللعب هو بالنسبة للراشد لملء وقت الفراغ، إذ أنه بالنسبة للطفل عبارة عن عمل هامٍّ جدًّا، ومن خلال انغماسه في اللعب يطوِّر الطفل كلًّا من عقله وجسده، ويحقق التكامل ما بين وظائفه الاجتماعية والانفعالية والعقلية، التي تتضمن التفكير والمحاكمات العقلية، وحلِّ المشكلات، وسرعة التخيل، كما تعلب البيئة الطبيعية، وتوجيه الآباء أدواراً حامسة في تطوير الطفل من خلال اللعب.
إن فترة ما قبل المدرسة فترةٌ مهمة جدًّا للنمو العقلي للطفل من خلال اللعب، حيث يحمل الطفل إلى أقصى طاقات النضوج باللعب .
ومن خلال اللعب أيضاً يُكرر الطفل خبراته السابقة حتى يستطيع أن يستوعبها، وتصبح جزءاً من شخصيته، كما أن اللعب يهيئءُ الطفل للتكيف في المستقبل من خلال الاستجابات الجديدة التي يقوم بها أثناء لعبه، ولذا لا ينظر إلى اللعب الآن على أساس أنه مضيعة للوقت، ولكن على أساس أنه ضروريٌّ لنمو الطفل، والآباء الذين يحرمون أطفالهم من اللعب في البيت، أو مع أولاد الجيران، إنما يحرمون الطفل من حاجاته الأساسية للنمو!!
أنواع اللعب:
- اللعب التعاوني:يتم اللعب كجماعة ويكون لهم قائد يوجههم وعادة يكون في بداية المرحلة الابتدائية
- اللعب التناظري:يلعب الطفل وحده فيتحدث للعبة وكأنها شخص حقيقي وهو تعويضي للأطفال الذين لا يلعبون مع المجموعات.
- اللعب بالمشاركة:يتشارك مجموعة من الأطفال في لعبة معينة لكن دون قائد ..كالسير في طابور أو ترتيب الألعاب..
- اللعب الإيهامي:يظهر في الشهر الثامن عشر من عمر الرضيع ويصل للذروة في العام السادس بحيث يلعب "بيت بيوت "أو"عروس وعريس""شرطة و حرامي"وللعب الإيهامي فوائد كثيرة منها:ينمي الطفل معرفيا واجتماعيا وانفعاليا(1/289)
-يستفيد منه علماء النفس في الإطلاع على الحياة النفسية للطفل - يكشف عن إبداعات لدى الطفل ..فمثلا عندما يلبس على رأسه الطنجرة ويعتبرها خوذة ..فهذا دليل على الإبداع..
- اللعب الاستطلاعي:ينمي الطفل معرفيا..فعندما يحصل على لعبة جديدة كالسيارة مثلا يكسرها ليعرف ما تحتويه في الداخل..فاللعبة المعقدة تثير اهتمامه أكثر من اللعبة البسيطة .
فاللعب له فوائد كثير فدعي طفلك يعش طفولته ويتمتع بها ..لأنه سيأتي يوم ويكبر ...لينشغل في الحياة.
وللعب عدد من الفوائد والقيم :
من الناحية الجسمية :
اللعب نشاط حركي ضروري في حياة الطفل لأنه ينمي العضلات ويقوي الجسم ويصرف الطاقة الزائدة عند الطفل،ويرى بعض العلماء أن هبوط مستوى اللياقة البدنية وهزال الجسم وتشوهاته هي بعض نتائج تقييد الحركة عند الطفل؛ لأن البيوت الحالية المؤلفة من عدة طوابق قد حدت من نشاط الطفل وحركته فهو يحتاج إلى الركض والقفز
والتسلق وهذا غير متوافر في الطوابق الضيقة المساحة فمن خلال اللعب يحقق الطفل التكامل بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية التي تتضمن التفكير والمحاكمات ويتدرب على تذوق الأشياء ويتعرف على لونها وحجمها وكيفية استخدامها 0
من الناحية العقلية :
اللعب يساعد الطفل على أن يدرك عالمه الخارجي، وكلما تقدم الطفل في العمر استطاع أن ينمي كثيراً من المهارات في أثناء ممارسته لألعاب وأنشطة معينة، ويلاحظ أن الألعاب التي يقوم فيها الطفل بالاستكشاف والتجميع وغيرها من أشكال اللعب الذي يميز مرحلة الطفولة المتأخرة تثري حياته العقلية بمعارف كثيرة عن العالم الذي يحيط به.وخلاصة الأمر يجب تنظيم نشاط اللعب على أساس مبادئ التعلم القائم على حل المشكلات وتنمية روح الابتكار والإبداع عند الأطفال 0
من الناحية الاجتماعية :(1/290)
إن اللعب يساعد على نمو الطفل من الناحية الاجتماعية، ففي الألعاب الجماعية يتعلم الطفل النظام ويؤمن بروح الجماعة واحترامها ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة 0
وتتركز أيضاً في بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين وتكوين صداقات ناجحة بالتعامل الذكي والمثمر مع الآخرين ويكرس القيم الاجتماعية والايجابية كالتعاون والإخاء والتفاني.
وإذا لم يمارس الطفل اللعب مع الأطفال الآخرين فإنه يصبح أنانياً ويميل إلى العدوان ويكره الآخرين، لكنه بوساطة اللعب يستطيع أن يقيم علاقات جيدة ومتوازنة معهم وأن يحلَّ ما يعترضه من مشكلات ( ضمن الإطار الجماعي ) وأن يتحرر من نزعة التمركز حول الذات 0
من الناحية النفسية:
اللعب يجعل الطفل هادئا نتيجة لامتصاص الطاقة الجسدية أثناء اللعب فينام بهدوء ويبعد عنه التوتر والخجل والانطواء ويدخل في نفسه المرح والفرح ويتخلص من القيود والكبت والتوتر.
ولنجاح فترات اللعب والحصول على الفوائد العديدة لك هذه النصائح :
1- اسمحي للطفل باللعب مع زملائه وأقاربه في المدرسة أو النادي على إن يكون تحت ملاحظتك.
2- يسمح له بالألعاب البسيطة التي لا تؤذيه والتي تناسب قدراته ويجد متعة بها، إلى جانب ممارسة نوع من الرياضة التي تعمل على تقوية الذاكرة والعضلات.
3- لا بدَّ من قضاء اللعب في أماكن آمنة وبإشراف الأهل ويسمح لهم باللعب بحرية وبهدوء ليعتادوا على أجواء هادئة.
4- السماح للأطفال باللعب في أوقات مخصصة.
إن اللعب حياة الأطفال وأمانيهم ومتعتهم الجميلة، ولابد من اللعب والمرح والانطلاق في عالم مليء بالفوائد ليعيش الطفل حياة سعيدة وهانئة، فلا بد من ترك الطفل يلعب ويمرح(1/291)
ولا داعي لحرمانه من ممارسة حقه في اللعب المفيد حتى لا يبدأ حياته مكبوتاً أو محروماً معقداً يعاني من اضطرا بات نفسية.
فوائد اللعب كعلاج لنفسية الطفل:
بما أن اللعب يعتبر كوظيفة للطفل فلابد أن تكون له أهمية كبيرة في حياة الطفل حيث أنه وسيلة لفهم ودراسة الطفل وسلوكه ودراسة مشكلاته وعلاجها. حتى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسمح بلعب الأطفال. وينمي اللعب جوانب عديدة من حياة الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والانفعالية.
وقد استخدمت طريقة العلاج باللعب أو اللعب العلاجي طريقة فعالة للعلاج النفسي بالنسبة للأطفال الذين يعانون من بعض المخاوف والتوترات النفسية،فقد يتعرض الطفل في حياته إلى مخاوف كثيرة ويندفع إلى مواقف باعثة على التوتر والصراع؛ بسبب الأساليب المختلفة في التنشئة من قبل الوالدين والمربين, فقد يفرط الآباء في القسوة والتدليل والتذبذب في تعاملهم مع الأبناء وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى الشعور بالتوتر والإحباط.
ومن الطرق الفعالة في العلاج النفسي في هذا المجال ما يعرف باللعب العلاجي، فاللعب يساعد الطفل في التعبير عن انفعالاته كما يستخدم اللعب الخيالي كمخرج للقلق والتوتر والكثير من الحاجات والرغبات التي لا يتحقق لها الإشباع في الحياة اليومية للطفل يمكن أن تلقى إشباعا في اللعب، وبالتالي تقل الإحباطات التي يحذرها الطفل في المواقف المختلفة.
إن الطفل أثناء قيامه بنشاط اللعب وتوحده مع أدواره يقوم ( بتفريغ) رغباته المكبوتة ونزعاته العدوانية، ومخاوفه واتجاهاته السلبية وإخراجها من داخله إلى اللعبة .
ومن فوائد اللعب العلاجية ما يلي:
1-التواصل.
2- إعادة المعايشة
3- التنفيس.
4- نبذ المخاوف.(1/292)
5- التعلم.
6- التفاعل الاجتماعي.
7-حل المشكلات.
8. تنمية الثقة بالنفس والنجاح.
أهمية العلاج باللعب:
- مساعدة الطفل.
- إعلاء مشاعر الذنب.
- تمثيل فرصة جدية للتعبير بحرية.
- استخدام اللعب في علاج المخاوف المرضية.
- السماح للطفل بالتعبير عن وعيه الشعور واللاشعور.
- إمكانية وصول الطفل بالمهارات إلى مستوى النضج.
العلاج باللعب يشمل:
1. ألعاب العرائس والدمى المتحركة.
2. ألعاب الرمل.
3. الشعر.
4. الكتابة.
5. فن الحاسب الآلي.
6. الفن المسرحي.
7. الرسم أو الكتابة
من الناحية الذاتية :
تقوم بجعل الطفل يتعرف على قدراته وذاته ومواهبه ومهاراته من خلال التعامل مع زملائه وأقرانه ويجعل الطفل يحدد ذاته وهويته ويتعلم كيف يواجه الآخرين.
من الناحية الخلُقية:(1/293)
يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل، فمن خلال اللعب يتعلم الطفل من الكبار معايير السلوك الخلقية كالعدل والصدق والأمانة وضبط النفس والصبر، كما أن القدرة على الإحساس بشعور الآخرين تنمو وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حياته 0
وإذا كان الطفل يتعلم في اللعب أن يميز بين الواقع والخيال، فإن الطفل من خلال اللعب وفي سنوات الطفولة الأولى يظهر الإحساس بذاته كفرد مميز فيبدأ في تكوين صورة عن هذه الذات وإدراكها على نحو متميز عن ذوات الآخرين رغم اشتراكه معهم بعدة صفات.
من الناحية الإبداعية :
فهو يعلم الطفل من خلال الأدوات المتنوعة التي تؤدي لمعرفة الطفل الأشكال المختلفة والألوان والأحجام والملابس والحصول على المعلومات العامة، كما أن اللعب يفجِّر في الطفل طاقات الابتكار والإبداع وتجريب الأفكار والاختراعات.
من الناحية التربوية :
1- نمو مهارة جمع المواد بحرص ودأب ( عند الطفل ) لكي يجعل منها شيئاً تعبيرياً يثير اهتمامه وشغفه 0
2- الرسم الحر بالأقلام والتعبير الحرُّ عما يراود ( الطفل ) من أفكار في رسومه 0
3- نمو مهارة الإجابة عن الأسئلة الموجهة إلى الأطفال وتكوين الجمل المفيدة والتعبير الحر المباشر عن أفكارهم 0
4- نمو مهارة عقد علاقات قائمة على الصداقة والود مع الأطفال والكبار ممن لا يعرفونهم.
5- سلوك اجتماعي ناضج في علاقاتهم مع الأطفال الآخرين 0
6- التمكن من مهارات الكتابة بسرعة ونظافة وإتقان 0
فوائد اللعب الجماعي:(1/294)
يقلل من مخاطر سرطان الدم دراسة واشنطن خلصت إلى أان اختلاط الأطفال بباقي أقرانهم يقلل من مخاطر تعرضهم للإصابة بأكثر أنواع داء السرطان، وأوضحت دراسة أخرى أن اختلاط الأطفال في دور الحضانة مثلا يعرضهم إلى الإصابة بأنواع من الالتهابات تقوي جهاز المناعة ضد مرض سرطان الدم، وأن المناعة مفيدة؛ لأنها تمنحه قدرة على الدفاع المناسب عندما يتعرض جسمهم بخطر الإصابة بسرطان الدم.
فوائد اللعب بالتراب:
إنك حينما ترى ابنك يلعب في التراب فإنك لابد ستنهاه عن ذلك وتأمره بعدم العودة
إلى اللعب في التراب مره أخرى، وأنت إنما تصنع ذلك بدافع من الحرص على صحة طفلك ,والحفاظ على نظافته الشخصية، ظناً منك أن اللعب في التراب يضر الطفل أكثر مما ينفعه، وهذا بالضبط ما كان يتصوره الصحابة رضوان الله عليهم،
إلى أن جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فصحح أفكارهم وعلمهم أن لعب الأطفال
في التراب له من الفوائد ما يجهلونه،فعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالتُّرَابِ، فَنَهَاهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"دَعْهُمْ، فَإِنَّ التُّرَابَ رَبِيعُ الصِّبْيَانِ" (1) .
أن لعب طفلك في التراب بحرية مقننة ُينمي عقله، ويصقل فكره، ويعطيه الثقة في نفسه (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (5 / 416) (5643) والمقاصد الحسنة للسخاوي - (1 / 229)(326 ) ومُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ (263) عن ابن عمر وسنده واه لا يصح.
(2) - هذا البحث موجود على كثير من مواقع النت(1/295)
الفصل السابع
البناء العلمي والفكري
تمهيد :
أسس البناء العلمي والفكري :
الأساس الأول - حق الطفل في التعلم، وغرس حب العلم وآدابه في الطفل .
الأساس الثاني - حفظ الطفل لقسمٍ من القرآن والسنَّة، وإخلاص النية بحفظهما .
الأساس الثالث - اختيار المدرِّس الصالح، والمدرسة الصالحة للطفل .
الأساس الرابع - إتقان الطفل للغة العربية .
الأساس الخامس - إتقان الطفل اللغة الأجنبية .
الأساس السادس - توجيه الطفل وفق ميوله العلمية .
الأساس السابع - المكتبة المنزلية الصالحة، وأثرها في بناء الطفل.
الأساس الثامن -رواية طفولة علماء السلف الصالح أمام الأطفال.(1/296)
تمهيد :
لا يوجد في التاريح دينٌّ مثلُ دين الإسلام، حرص على تعليم أبنائه، ولا توجد فكرة في العالم تحرص على تعليم تلامذتها مثل فكرة الإسلام، وهذا معترف به من قبل أعداء الإسلام قبل غيرهم، فهذا الدكتور "أرثر رآربري"أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كمبردج يقول في تقديمه لكتاب «تاريخ التربية الإسلامية"تأليف د. أحمد شلبي ما نصه «للإسلام على الجنس البشري مآثر تدعو للإعجاب، وتستدعي الشكران، ولدينا مؤلفات عدة تصف ما أسهم به المسلمون من ترقية الفنون والآداب والعلوم والسياسة.
ومن الواضح أن المسلمين ما كانوا يصلون إلى تحقيق هذه الأهداف العلمية الرفيعة لولا حرصهم البالغ على التعلم والتعليم، ذلك الحرص الذي تميز به الشعب الإسلامي خلال تاريخه الطويل، فهبَّ رجاله ونساؤه مستجيبين لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1) ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " (2) .
وفي عملية البناء العلمي والفكري لا بد من وضوح الأركان والأسس التي يسير عليها الوالدان، لكي يضعا لطفلهما البناء السليم، والعلم الغزير، والأفكار الصحيحة ؛لأن هذا البناء يعدُّ من أهم ما يكوِّن الطفل، لأنه بناء العقل، فإذا كان سليماً كان الخير والبِشر للوالدين، وإذا كان غير ذلك فقد أنجبا عدوا لهما يحاربهما من داخلهما، ويؤدي بهما إلى هاوية جهنم والعياذ بالله تعالى.
ونلاحظ من هذه الأسس في البناء العلمي التي سنأتي على ذكرها بعون الله تعالى، أنها تعالج الطفل من داخله ليتجه نحو: العلم، والتعلم، وحب العلماء، كما تبين أهمية دور الوالدين في اختيار الأستاذ الصالح، الذي هو مرآة لقب وعقل الطفل، فما يستحسنه
__________
(1) - http://www.omandaily.com/05/dini/eshraqat1.htm
(2) - شعب الإيمان - (3 / 194) (1543 ) وقال " هَذَا حَدِيثٌ مَتْنُهُ مَشْهُورٌ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ " وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ، كُلُّهَا ضَعِيفٌ(1/297)
الأستاذ يستحسنه الطفل، لذلك لا بد من معرفة هذه الأسس التي يحتاج إليها الوالدان، فما هي ؟
أسس البناء العلمي والفكري :
الأساس الأول - حق الطفل في التعلم، وغرس حب العلم وآدابه في الطفل .
وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة جليلة أصيلة بكسب مرحلة الطفولة في التعلم، وطلب العلم، تناقلتها الأجيال كلها جيلاً بعد جيلٍ، فغدت تستنهض همم الآباء لحث أبنائهم على طلب العلم وحبه،لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " (1) .
سواء كان صغيراً أم كبيراً، رجلاً كان أو امرأة، صبيًّا أم بنتاً، وهو أفضل العبادات التي يتقرب فيها العبد من ربه، لهذا كانت فترة الطفولة أخصب فترة في البناء العلمي، والفكري للطفل.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "حِفْظُ الْغُلَامِ الصَّغِيرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ، وَحِفْظُ الرَّجُلِ بَعْدَ مَا يَكْبُرُ كَالْكِتَابِ عَلَى الْمَاءِ " (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "حِفْظُ الْغُلَامِ كَالْوَشْمِ فِي الْحَجَرِ " (3) .
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنِ، يَقُولُ: "الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ " (4) .
وعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: "التَّعَلُّمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ " (5) .
وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: "الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ " (6) .
قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :
__________
(1) - شعب الإيمان - (3 / 195) (1545 ) وصحيح الجامع (3913) من طرق كثيرة وهو صحيح لغيره
(2) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (680 ) من طرق ضعيف
(3) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ ( 815 ) ضعيف
(4) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (816 ) صحيح لغيره
(5) - نفسه (817 ) صحيح لغيره
(6) - نفسه (818 ) صحيح لغيره(1/298)
مَا الْحِلْمَ إِلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرِ وَمَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ
وَلَوْ ثُقِبَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصَّبَا لَأَلْفَيْتَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَلْقَمَةُ: "مَا حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي قِرْطَاسٍ أَوْ وَرَقَةٍ " (1) .
وعَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: "جَالَسْتُ قَتَادَةَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ، شَيْئًا، وَأَنَا فِي، ذَلِكَ السِّنِّ إِلَّا وَكَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي صَدْرِي " (2) .
وقال الشاعر:
أراني نسيت ما تعلمت في الكبر ولست بناء ما تعلمت في الصغر
وما العلمُ إلا بالتعلم في الصبا وما الحُلم إلا بالتحلم في الكبر
وما العلم بعد الشيب إلا تعسف إذا كلّ عزم المرء والسمع والبصر
ولو فلق القلب المعلم في الصبا لأبصرَ فيه العلم كالنقش في الحجر
وقد جاءت احاديث عديدة أيضاً تحث على التعلم في الصغر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي شَبِيبَتِهِ اخْتَلَطَ الْقُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَمَنْ تَعَلَّمَهُ فِي كِبَرِهِ فَهُوَ يَنْفَلِتُ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكُهُ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ " (3) . ...
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَقَدْ أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا " (4) .
ولقد وعى الصحابة والتابعون وأصحاب الحديث أن تعلم الصغار له كبير الأثر في نشوء الطفل العلمي، ويجعله أقوى ثباتاًَ وأرسخ في الذاكرة مما يتعلمه الإنسان وهو كبير .
فعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: "قَدِّمُوا إِلَيْنَا أَحْدَاثَكُمْ، فَإِنَّهُمْ أَفْرَغُ قُلُوبًا وَأَحْفَظُ لِمَا سَمِعُوا، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لَهُ أَتَمَّهُ " (5) .
__________
(1) - نفسه (819 ) صحيح
(2) - نفسه (820 ) صحيح
(3) - شعب الإيمان - (3 / 344) (1800 ) من طرق حسن لغيره
(4) - شعب الإيمان - (3 / 343) (1798 ) مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح
(5) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (62 ) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي - (2683 ) حسن
حَداثَة السِّن: كناية عن الشّباب وأوّل العُمر(1/299)
وقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: "كَانَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ يُدْنِينِي، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: نَرَاكَ تُقَدِّمُ هَذَا الْغُلَامَ الشَّامِيَّ وَتُؤْثِرُهُ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "إِنِّي أُؤَمِّلُهُ، فَسَأَلُوهُ يَوْمًا عَنْ حَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ شَهْرٍ، إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعًا فَقَدْ كَمُلَ، فَذَكَرَ ثَلَاثًا وَنَسِيَ الرَّابِعَةَ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ حَدَّثْتُكُمْ ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَتْنَا عَنْ شَهْرٍ أَنَّهُ إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعًا فَقَدْ كَمُلَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُهُ حَلَالًا، وَسُمِّيَ عَلَيْهِ اللَّهُ حِينَ يُوضَعُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي، وَحُمِدَ اللَّهُ حِينَ يُرْفَعُ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: "كَيْفَ تَرَوْنَ " (1) .
وقال سَعِيدُ بْنُ رَحْمَةَ الْأَصْبَحِيُّ: "كُنْتُ أَسْبِقُ إِلَى مَجْلِسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِلَيْلٍ مَعِي أَقْرَانِي، لَا يَسْبِقُنِي أَحَدٌ وَيَجِيءُ هُوَ مَعَ الْأَشْيَاخِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ غَلَبَنَا عَلَيْكَ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ، فَقَالَ: "هَؤُلَاءِ أَرْجَى عِنْدِي مِنْكُمْ ؛ أَنْتُمْ كَمْ تَعِيشُونَ، وَهَؤُلَاءِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِمْ، قَالَ سَعِيدٌ: فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ غَيْرِي " (2) .
وقال يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ: أَتَيْنَا يَوْمًا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ صِبْيَانٌ يُحَدِّثُهُمْ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، نَحْنُ مَشَايِخُ أَهْلِكَ قَدْ جِئْنَاكَ، تَرَكْتَنَا وَأَقْبَلْتَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانِ، قَالَ: "رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عَلَى شَطِّ نَهَرٍ وَمَعِي دُلَيَّةٌ أَسْقِي فَسِيلًا، فَتَأَوَّلْتُهُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ " (3) .
وقَالَ فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ: "جِئْنَا إِلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ الظُّهْرَ، وَكَانَ حَمَّادٌ صَاحِبَ لَيْلٍ، وَظَنَنَّا أَنَّهُ صَائِمٌ قَالَ: فَرَحِمْنَاهُ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجَهْدِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنْ نَنْصَرِفَ عَنْهُ لَا نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَتَفَرَّقْنَا وَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ، قَالَ: "فَرَكَعَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَسَارَ فِي الطَّرِيقِ فِي الشَّمْسِ، فَانْبَرَى لَهُ غُلَامٌ حَدَثٌ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مَعَهُ فَوَقَفَ فِي الشَّمْسِ مَعَهُ يُسَائِلُهُ وَيُحَدِّثُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَشْيَخَةِ الْمَسْجِدِ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، انْصَرَفَ أَصْحَابُنَا عَنْكَ لِمَا رَأَوْا بِكَ مِنَ الضَّعْفِ، وَوَقَفْتَ مَعَ هَذَا
__________
(1) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (684 )
(2) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (685 )
(3) - نفسه (686 )(1/300)
الْغُلَامِ فِي الشَّمْسِ تُحَدِّثُهُ، قَالَ: "رَأَيْتُ فِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَأَنِّي أَسْقِي فَسِيلَةً أَصُبُّ الْمَاءَ فِي أَصْلِهَا، فَتَأَوَّلْتُ رُؤْيَايَ هَذَا الْغُلَامَ حِينَ سَأَلَنِي " (1) .
وقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: أَنْشَدَنَا أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ: "
إِنَّ الْحَدَاثَةَ لَا تُقَصِّرُ بِالْفَتَى الْمَرْزُوقِ ذِهْنَا
لَكِنْ تُذَكِّي قَلْبَهُ فَيَفُوقُ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنَّا " (2)
وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: "إِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً سُمِّيَ تير، وَإِذَا كَتَبَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً سُمِّيَ تيرماه "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: تير وَتيرماه بِالْفَارِسِيَّةِ مِنْ أَشَدِّ شُهُورِ الْقَيْظِ حَرًّا، وَأَثْقَلِهَا عَلَى الْقُلُوبِ كَرْبًا، وَأَرَادَ سُفْيَانُ بِذَلِكَ أَنَّ طَلَبَ الْحَدِيثِ فِي الْحَدَاثَةِ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ الْإِنْسَانُ حَتَّى يَتَكَامَلَ شَبَابُهُ، وَيَدْخُلَ فِي الْكُهُولَةِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَلَبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ تيرماه فِي الثِّقَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " (3) .
وعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي صِبْيَانَ الْكُتَّابِ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُ كَيْ لاَ يَنْسَى (4) .
وقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ فَلْيُحَدِّثْ بِهِ حِينَ يَسْمَعُهُ، وَلَوْ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ بَعْضَ مَنْ لَا يَسْمَعُهُ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ كَالْكِتَابِ فِي صَدْرِهِ " (5) .
وكَانَ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ إِذَا جَاءَهُ غُلَامٌ أَمْرَدَ اسْتَقْرَأَهُ، رَأْسَ سَبْعِينَ مِنَ "الْأَعْرَافِ "، وَرَأْسَ سَبْعِينَ مِنْ "يُوسُفَ "، وَأَوَّلَ الْحَدِيثِ، فَإِنْ قَرَأَهُ حَدَّثَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحَدِّثْهُ "فَإِذَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ كِتَابِهِ، فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِالْحَدِيثِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ اشْتَغَالًا يُؤَدِّي إِلَى نِسْيَانِهِ " (6) .
__________
(1) - نفسه (687 )
(2) - نفسه (688 )
(3) - نفسه (689 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 545)(26660) صحيح
(5) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (335 ) صحيح
(6) - الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ (82)(1/301)
وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِبَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ "تَعَلَّمُوا تَعَلَّمُوا فَإِنَّكُمْ صِغَارُ قَوْمٍ الْيَوْمَ، وَتَكُونُونَ كِبَارَهُمْ غَدًا فَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْكُمْ فَلْيَكْتُبْ " (1) .
وعن هِشَامَ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: "أَيَّ شَيْءٍ تَعَلَّمُوا فَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ صِغَارٌ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَكُونُوا كِبَارًا، وَإِنَّمَا تَعَلَّمْنَا صِغَارًا وَأَصْبَحْنَا كِبَارًا، وَصِرْنَا الْيَوْمَ نُسَاءَلُ " (2) .
وقَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ الْهَمْدَانِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَنَحْنُ غِلْمَانُ فَقَالَ: "يَا غِلْمَانُ، تَعَالَوُا اكْتُبُوا، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَا يُحْسِنُ كَتَبْنَا لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قِرْطَاسٌ أَعْطَيْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا " (3) .
"وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398هـ إلى ابن أخته"أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك، والمدرسةُ مكانك، والمحبرة حليفك والدفتر أليفك، فإن قصرت ولا أخالك، فغيري خالك، والسلام" (4) .
وعَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: "قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ، مَا بَلَغْتَ مِنْ حِكْمَتِكَ ؟ قَالَ: لَا أَتَكَلَّفُ مَا لَا يَنْبَغِي قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ الْمَيْتَةَ بِالْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ " (5) .
وقَالَ الْعَبَّاسُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: "يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: لَا تُرَائِي بِهِ وَلَا تُمَارِ بِهِ وَلَا تُبَاهِ بِهِ، وَلَا تَدَعْهُ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: رَغْبَةٌ فِي الْجَهْلِ وَزَهَادَةٌ فِي الْعِلْمُ وَاسْتِحْيَاءٌ مِنَ التَّعَلُّمِ "
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَحْوُهُ، عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ ابْنَهُ، أُنْشِدْتُ لِبَعْضِ الْمُحْدَثِينَ :
كُنْ مُوسِرًا إِنْ شِئْتَ أَوْ مُعْسِرًا لَا بُدَّ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْهَمِّ
__________
(1) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (703 ) فيه جهالة
(2) - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (2504 ) صحيح
(3) - الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ (288 )
(4) - جواهر الأدب - (1 / 115)
(5) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (490 )(1/302)
وَكُلَّمَا ازْدَدْتَ بِهَا ثَرْوَةً زَادَ الَّذِي زَادَكَ فِي الْغَمِّ
إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ فِي دَهْرِهِمْ لَا يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ لُلْفَهْمِ
إِلَّا مُبَاهَاةً لِأَصْحَابِهِمْ وَعِدَّةً لِلْخَصْمِ وَالظُّلْمِ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - : "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِذَا تَعَلَّمْتُمُوهُ فَاكْظِمُوا عَلَيْهِ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِضَحِكٍ وَلَا بِلَعِبٍ فَتَمُجَّهُ الْقُلُوبُ ؛ فَإِنَّ الْعَالِمَ إِذَا ضَحِكَ ضَحْكَةً مَجَّ مِنَ الْعِلْمِ مَجَّةً ".
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْوَقَارِ وَالْحِلْمِ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ وَلِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ، وَلَا تَكُونُوا جَبَابِرَةَ الْعُلَمَاءِ فَيُذْهِبَ بَاطِلُكُمْ حَقَّكُمْ ".
وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنهم - ، أَنَّهُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ هَذَا سَوَاءً إِلَّا أَنَّ فِيَ آخِرِ لَفْظِهِ: "وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَلَا يُقَوَّمَ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ ".
قَالَ أَبُو عُمَرَ: "قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - أَيْضًا " (1) .
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ لُقْمَانَ، قَالَ لِابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ لَا تَتَعَلَّمِ الْعِلْمَ إِلَّا لِثَلَاثٍ، وَلَا تَدَعْهُ لِثَلَاثٍ: لَا تَتَعَلَّمْهُ لِتُمَارِيَ بِهِ وَلَا لِتُبَاهِيَ بِهِ وَلَا لِتُرَائِيَ بِهِ، وَلَا تَدَعْهُ زَهَادَةً، وَلَا حَيَاءً مِنَ النَّاسِ وَلَا رِضًا بِالْجَهَالَةِ ".
وقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ لُقْمَانُ مِنَ النَّوْبَةِ، وَمِنْ مَوَاعِظِهِ لِابْنِهِ أَيْضًا: لَا تُجَادِلِ الْعُلَمَاءَ فَتَهُونَ عَلَيْهِمُ وَيَرْفُضُوكَ وَلَا تُجَادِلِ السُّفَهَاءَ فَيَجْهَلُوا عَلَيْكَ وَيَشْتِمُوكَ، وَلَكِنِ اصْبِرْ نَفْسَكَ لِمَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي الْعِلْمِ وَلِمَنْ هُوَ دُونَكَ فَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِالْعُلَمَاءِ مَنْ صَبَرَ لَهُمْ وَلَزِمَهُمْ وَاقْتَبَسَ مِنْ عِلْمِهِمْ فِي رِفْقٍ " (2) .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ لِابْنِهِ: "عَلَيْك بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ فَخُذْ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ عَدُوُّ مَا جَهِلَ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ عَدُوَّ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ ".
وَأَنْشَدَ :
__________
(1) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (650 )
(2) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ (494 )(1/303)
تَفَنَّنْ وَخُذْ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ فَإِنَّمَا يَفُوقُ امْرُؤٌ فِي كُلِّ فَنٍّ لَهُ عِلْمُ
فَأَنْتَ عَدُوٌّ لِلَّذِي أَنْتَ جَاهِلٌ بِهِ وَلِعِلْمٍ أَنْتَ تُتْقِنُهُ سِلْمُ (1)
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِبَنِيهِ: "يَا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنْ كُنْتُمْ سَادَةً فُقْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ وَسَطًا سُدْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ سُوقَةً عِشْتُمْ" (2) .
فمن لم يذق مر التعلم ساعة ... ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم حال شبابه ... ... فكبر عليه أربعاً لوفاته (3)
وقال شوقي رحمه الله :
فرب صغير قوم علموه سما وحمى المسومة العرابا
وكان لقومه نفعا وفخرا ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلم ما استطعت، لعل جيلا سيأتي يحدث العجب العجابا
ولا ترهق شباب الحي يأسا فإن اليأس يخترم الشبابا
فإذا ترسَّخ حب العلم وطلبه في نفس الطفل وعقله، انطلق هو ذاتيًّا لطلبه، يتحمل الصعاب والمشقات في سبيله، وسهر الليالي في تحصيله، بدون إلحاح الوالدين .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - أدب الدنيا والدين - (1 / 33)
(2) - أدب الدنيا والدين - (1 / 26)
(3) - موسوعة خطب المنبر - (1 / 3073)(1/304)
الأساس الثاني - حفظ الطفل لقسمٍ من القرآن والسنَّة، وإخلاص النية بحفظهما .
تقدم معنا في البناء العقدي للطفل أهمية القرآن والسنَّة في تكوين عقلية الطفل، وهما مصدرا إشعاع العلوم، ينيران العقل، ويقوياه، فعلى أقل تقدير يحفظ الطفل من القرآن الكريم الجزء الثلاثين - حزء عم - وشيء من تفسيره، ويكون لمعاني الكلمات فقط وتكرارها باستمرار حتى يحفظها الطفل، مع شرح القصص القرآني الذي سيقابلهم في السور،أي يكون التفسير موافقا للحفظ،فيقوم المربي بشرح معاني الكلمات التي يحفظها الطفل أول بأول.
يمكن الاستعانة بتفسير معاني القرآن الكريم من كتاب "كلمات القرآن تفسير وبيان"لمخلوف أوكلمات القرآن للشيخ غازي الدروبي،وكذلك يستعان بأيسر التفاسير لأسعد حومد،والتفسير الميسر إصدار مجمع الملك فهد ونحوها .
وعلى أقل تقدير يحفظ من الأحاديث مائة وعشرين وحديثاً، وسأذكرها بنهاية هذه الفقرة إن شاء الله .
وكان فعل الصحابة والسلف أن أول ما يلقنونه للطفل القرآن والسنَّة؛لأنهما الركنان الأساسيان في بناء الطفل المسلم عمليًّا .
قال ابن سينا في كتاب السياسة باب سياسة الرجل ولده: "فإذا تهيأ الصبي للتلقين ؛ ووعى سمعه أخذ في تعليم القرآن، وصورت له حروفه الهجاء ولقن معالم الدين ".
وهذه بعض النماذج من حفظ الأطفال للحديث النبوي واعتنائهم به كأساس علمي ينطلقون منه، فعن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.(1/305)
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ (1) .
وقال حاشد بن إسماعيل: كان البخاريُّ يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فلمناهُ بعد ستة عشر يوما، فقال: قد أكثرتم عليَّ فاعرضوا عليَّ ما كتبتم، فأخرجناه فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه " (2) .
الأحاديث التي ينبغي حفظها في المرحلة الابتدائية :
ينبغي أن يتربَّى الأطفال على حبِّ النبي - - صلى الله عليه وسلم - - وحب السنَّة،والحرص على التزامها،لذا قمت باختيار مجموعة من الأحاديث الجامعة الهامة - من كتاب رياض الصالحين والأربعين النووية - وهي أكثر من مئة حديث ليحفظها الأطفال فى المرحلة الأولى ثم يستكمل بعد ذلك حفظ رياض الصالحين في المراحل الأعلى، ويقوم المربي بشرح مبسط للحديث واستخراج الآداب أو الأحكام المستفادة من الحديث من كتاب "نزهة المتقين،أو دليل القالحين أو تطريز رياض الصالحين، أو شرح المنتقى من رياض الصالحين لنصار،أوشرح رياض الصالحين"للشيخ العثيمين رحمه الله،وينبغي عليه أن يراعي التبسيط لأبعد مدى.
وهذه الأحاديث هي:
__________
(1) - سير أعلام النبلاء - (12 / 393) و" تاريخ بغداد " 2 / 7، و" تهذيب الكمال ": 1169، و" طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 216، و" مقدمة الفتح ": 478، 479.
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (1 / 478)(1/306)
1- عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ بِذَلِكَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ،وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا،أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا،فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.".متفق عَلَى صحته (1) .
2- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». رواه مُسْلِمٌ (2) .
3- عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّى أَتُوبُ فِى الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». رواه مُسْلِمٌ (3) .
4- عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». رواه مُسْلِمٌ (4) .
5- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا،إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » رواه البخاري (5) .
6- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ،إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ».متفق عَلَيْهِ (6) .
__________
(1) - انظر تخريجه في المسند الجامع - (14 / 51)(10626)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6708 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7034 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7692 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5641 )-النَّصب:التعب -الوصب:الألم والسقم الدائم
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (6114 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6809 )(1/307)
7- عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ،وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا،وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ،وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا. متفق عَلَيْهِ (1) .
8- عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ،بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ. رواه مُسْلِمٌ (2) .
9- عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ». رواه الْتِّرْمِذِيُّ (3)
10- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». رواه الْتِّرْمِذِيُّ (4)
11- عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : "الْكَيِّسُ:مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ: مَنِ اتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ "رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ (5) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6094 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6803)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5039 )
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2115 ) صحيح لغيره
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2706 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(5) - شعب الإيمان - (13 / 129)(10062) وسنن ابن ماجه- المكنز - (4401 ) وسنن الترمذى- المكنز - (2647) حسن لغيره
ملاحظة:أخطأ الذهبى فى رده لتصحيح الحاكم وتابعه المناوي فى الفيض 5/ 68 والألبانى فى ضعيف الجامع (4305) لظنهم أنه مما تفرد به أبو بكر بن أبى مريم الغساني وفاتهم أنه قد تابعه ثور بن يزيد وغالب عن مكحول عن ابن غنم عن شداد بن أوس الاتحاف 8/ 428 فتأمل يا رعاك الله واحذر التسرع فى تضعيف الأحاديث
قَوْلِهِ « مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ». يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(1/308)
12- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ. ابن حبان في صحيحه (1) .
13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ». رواه مُسْلِمٌ (2) .
14- عن أبي أمامة - رضي الله عنهم - قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ ». رواه التَّرْمِذِيُّ (3) .
15- عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4) .
16- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا يَسْتَعْمِلُهُ قِيلَ:كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ. صحيح ابن حبان (5) .
17- عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،قال:سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ،لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا. رواه أحمد في مسنده (6) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 466) (229) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7079 )
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (619 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (556 ) -الموبق:المُهْلَك
(5) - صحيح ابن حبان - (2 / 53) (341) صحيح
(6) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 139) (205) صحيح
أي: لو تعلمون يقينا أنه لا فاعل إلا الله و أنّ كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل (المشروع) لرزقكم (الاتحاف) 9/388(1/309)
18- عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِى فِى الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ - وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ غَيْرَكَ - قَالَ « قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ ». رواه مُسْلِمٌ (1) .
19- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ،وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ،وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ،وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ،وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا،وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ،وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ،وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ،يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2) .
20- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ،وَفِي كُلٍّ الْخَيْرُ،فَاحْرِصْ عَلَى مَا تَنْتَفِعُ بِهِ،وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ،فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ:لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ:قُلْ:قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ،فَإِنَّ اللَّوَ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "رواه مُسْلِمٌ (3) .
21- عن مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ قَالَ:لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ،أَوْ،قَالَ:قُلْتُ:بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ،فَسَكَتَ،ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (168)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6502 ) وانظر شرحعه مفصلا في كتابي (( الخلاصة في شرح حديث الولي))
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 29) (5722) وصحيح مسلم- المكنز - (17 / 208)(6945 )
الْقُوَّةُ مِنَ الْخِصَال الْفِطْرِيَّةِ يُودِعُهَا اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُفَاضِل فِيهَا بَيْنَ النَّاسِ كَمَا يُفَاضِل بَيْنَهُمْ فِي الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَطَائِهِ ،وَهِيَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَفَضْلٌ كَبِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا وَأَحْسَنَ اسْتِعْمَالَهَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَيْهَا لأَِنَّهَا الأَْدَاةُ اللاَّزِمَةُ لِجَلْبِ الْخَيْرِ لِلأُْمَّةِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهَا،وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ،وَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ،وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا أَقْوِيَاءَ كَذَلِكَ .الموسوعة الفقهية الكويتية - (34 / 83)(1/310)
فَقَالَ:عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً،وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً."رواه مُسْلِمٌ (1) .
22- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ،قَالَ:أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِيَّانِ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا:مَنْ خَيْرُ الرِّجَالِ يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ طَالَ عُمْرُهُ،وَحَسُنَ عَمَلُهُ،وَقَالَ الآخَرُ:إِنَّ شَرَائِعَ الإِِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا،فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ ؟ قَالَ:لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل."مسند أحمد (2) .
23- عَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا،وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ،فَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً،فَأَكْثِرْ مَاءَهَا،وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا."رواه مُسْلِمٌ (3) .
24- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِى الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ ». رواه مسلم (4) .
25- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً،أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،فَأَرْفَعُهَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ،وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ. متفق عَلَيْهِ (5) .
26- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ». رواه مُسْلِمٌ (6) .
27- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا،وَيُكَفَّرُ بِهِ الذُّنُوبَ ؟ قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1121 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 452) و(22377) 22735-
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 73)(17680) 17832- صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 282) (523) وصحيح مسلم- المكنز - (6857 ) واللفظ لابن حبان
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (1556 )
(5) - صحيح ابن حبان - (1 / 384) (166) وصحيح البخارى- المكنز - (9 ) وصحيح مسلم- المكنز - (162)
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (574 )(1/311)
الْمَكْرُوهَاتِ،وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ،وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ،فَذَلِكَ الرِّبَاطُ. رواه مُسْلِمٌ (1) .
28- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ».رواه الْبُخَارِيُّ. ورَوَاهُ مُسْلِمٌ من رواية حذيفة - رضي الله عنهم - (2) .
29- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ». رواه مُسْلِمٌ (3) .
30- عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّعَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ ».فَقَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ « يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ ».قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ « يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ ».قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ.قَالَ « فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ،وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ ».متفق عَلَيْهِ (4) .
31- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،إِلاَّ مَنْ أَبَى ».قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى ».رواه الْبُخَارِيُّ (5) .
32- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ،وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. رواه مُسْلِمٌ (6) .
33- عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (7) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (3 / 314) (1039) وصحيح مسلم- المكنز - (610 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6021 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2375 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7108)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1445 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2380 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (7280 )
(6) - صحيح ابن حبان - (1 / 318) (112) وصحيح مسلم- المكنز - (6980)
(7) - صحيح مسلم- المكنز - (205 )
النصيحة:كلمة يعبر بها عن جملة:وهي إرادة الخير للمنصور له، وليس يمكن أن يعبر عن هذه اللفظة بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، وأصل النصيحة في اللغة:الخلوص، ومعنى النصية لله عز وجل:صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتاب الله تعالى:هو التصديق به، والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، وبذل الطاعة فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحة لأئمة المؤمنين:أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنصيحة لعامة المسلمين:إرشادهم إلى مصالحهم.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (11 / 558)(1/312)
34- عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » أخرجه البخاري (1) .
35- عن أبي سَعِيدٍ الخدريِّ قالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنَّ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ،وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ."رواه مُسْلِمٌ (2) .
36- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا لَنَا مِنْ مَجْلِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا،قَالَ:فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ،فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ،قَالُوا:مَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ:غَضُّ الْبَصَرِ،وَكُفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ،وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ."رواه مسلم (3) .
37- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ،وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ،وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ».متفق عَلَيْهِ (4) .
38- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَاجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. متفق عَلَيْهِ (5) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (13 ) ومسند أبي عوانة (74 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (186 )
الْمُنْكَرُ لُغَةً:بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَنْكَرَ وَهُوَ:خِلاَفُ الْمَعْرُوفِ .وَالْمُنْكَرُ:الأَْمْرُ الْقَبِيحُ .وَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ إِنْكَارًا:إِذَا عِبْتَهُ وَنَهَيْتَهُ، وَأَنْكَرْتُ حَقَّهُ:جَحَدْتَهُ .وَالْمُنْكَرُ فِي الاِصْطِلاَحِ:مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ الموسوعة الفقهية الكويتية - (39 / 123)
(3) - صحيح ابن حبان - (2 / 356) (595) وصحيح مسلم- المكنز - (5685)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (33 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1220)
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (10 ) وصحيح مسلم- المكنز - (171) عن جابر الجملة الأولى وصحيح ابن حبان - (1 / 467) (230)(1/313)
39- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». رواه مُسْلِمٌ (1) .
40- عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ».وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) .
41- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ،مَثَلُ الْجَسَدِ،إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ،تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. رواه مسلم (3) .
42 عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ». رواه مسلم (4)
43- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهم - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ،وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».متفق عَلَيْهِ (5) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6744 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (481 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6750 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (6751 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6172 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (2442 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6743 )(1/314)
44- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ».فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا،أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ،فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ».رواه الْبُخَارِيُّ (1) .
45- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ».قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ».رواه مسلم (2) .
46- عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ،أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَِجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَا غُلاَمُ،سَمِّ اللهَ،وَكُلْ بيَمِينِكَ،وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ.فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.رواه البخاري (3) .
47- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». رواه أبو داود (4) .
48- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا،أَوْ لِيَصْمُتْ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ » .متفق عَلَيْهِ (5) .
49- عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الْعَمَلُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ "رواه البخاري (6) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6952)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5778 ) -سمت:ادع له والتسميت الدعاء بالخير والبركة
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5376 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6475 ) وصحيح مسلم- المكنز - (183 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (527 )(1/315)
50- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ،وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ،فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ». متفق عَلَيْهِ (1) .
51- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ،وَقَتْلُ النَّفْسِ،وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ». رواه الْبُخَارِيُّ (2) .
52- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ». رواه الترمذي (3) .
53- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِى اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً ». رواه التِّرْمِذِيُّ (4)
54- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ». رواه أبو داود (5) .
55- عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ ». رواه مسلم (6) .
56- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ:إِمَامٌ عَادِلٌ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ،وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5986 )وصحيح مسلم- المكنز - (6688 ) -الأثر:الأجل -ينسأ:يؤخر
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6675 )
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2044 ) صحيح
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2139 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (4835 ) صحيح لغيره
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (174 )(1/316)
وَتَفَرَّقَا،وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَقَالَ:إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ،وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ."متفق عَلَيْهِ (1) .
57- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا،وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا،أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ."صحيح ابن حبان (2) .
58- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذٍ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ مُعَاذٌ:بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ،فَقَالَ:يَا مُعَاذُ،أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،وَشُكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ."صحيح ابن حبان (3) .
59- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ.فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ،فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِى أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ.فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ،ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى الأَرْضِ » رواه البخاري (4) ..
60- عَنْ أَبِى مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ».رواه مسلم (5) .
61- عَنْ عُبَادَةَ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ،أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ،وَرُوحٌ مِنْهُ،وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ،أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ » رواه البخاري (6)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (660) وصحيح مسلم- المكنز - (2427 ) وصحيح ابن حبان - (10 / 338) (4486)
(2) - صحيح ابن حبان - (1 / 472) (236) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (5 / 364) (2020) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (3209 )
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (139 )
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (3435 )(1/317)
62- عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِى شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ». رواه مُسلِمٌ (1) .
63- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنهم - قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ « يَا مُعَاذُ ».قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ ».قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ ».قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.قَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ».قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ « حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ».ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ».قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.فَقَالَ « هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ».قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ « حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ » رواه البخاري (2) .
64- عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». رواه مُسلِمٌ (3) .
65- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ». رواه مُسلِمٌ (4) .
66- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ ؟ قَالَ:تُطْعِمُ الطَّعَامَ،وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ،وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ. متفق عَلَيهِ (5) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7009 ) -القُراب:قراب الأرض أى بما يقارب ملأها
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5967 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7165 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7606 )
(5) - صحيح ابن حبان - (2 / 258) (505) وصحيح البخارى- المكنز - (12) وصحيح مسلم- المكنز - (169 )(1/318)
67- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَلاَ زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا،وَلاَ تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ.رواه مُسلِمٌ (1) .
68- عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِى مِنَ الْهِجْرَةِ إِلاَّ الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَىْءٍ - قَالَ - فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ».رواه مُسلِمٌ (2) .
69- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». رواه مُسلِمٌ (3) .
70- عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :"مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ،وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ ». الحميدي (4)
71- عَنْ عَائِشَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ. رواه البخاري (5) ..
72- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ،وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ،وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي،وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي."متفق عَلَيهِ (6) .
73- عَنْ أَبِى السَّوَّارِ الْعَدَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ ».متفق عَلَيهِ (7)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6757 ) وصحيح ابن حبان - (8 / 40) (3248)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6681 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (275 ) -البطر:التكبر على الحق فلا يقبله -الغمط:الاحتقار والاستهانة
(4) - مسند الحميدي - المكنز - (418-) صحيح لغيره
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (6927 ) وسنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (4 / 647)(3689)
(6) - صحيح البخارى- المكنز - (7137 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4852 ) وصحيح ابن حبان - (10 / 420) (4556)
(7) - صحيح البخارى- المكنز - (6117 ) وصحيح مسلم- المكنز - (165)(1/319)
74- عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ:فِي تَرَجُّلِهِ،وَفِي طُهُورِهِ،وَفِي نَعْلِهِ قَالَ شُعْبَةُ:ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ،أَوْ يُعْجِبُهُ،التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ"مسند أحمد (1)
75- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ » رواه التِّرمِذِيُّ (2) .
76- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ».رواه البُخَارِيُّ (3) .
77- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ». رواه أبُو دَاوُدَ (4) .
78- عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ "رواه مُسلِمٌ (5) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 358)(25545) 26061- صحيح
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2006 ) فيه ضعف
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6224 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (5214 )
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (1910) وشعب الإيمان - (4 / 44) (2156 )
البطلة:السحرة -الصواف:جمع صافة وهى الباسطة أجنحتها فى الهواء -الغيايتان:مثنى غياية وهى السحابة -الفرقان:الجماعتان(1/320)
79- عَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ».رواه البُخَارِيُّ (1)
80- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ». رواه مُسلِمٌ (2) .
81- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ ». رواه مُسلِمٌ (3) .
82- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ،ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ،وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ».متفق عَلَيهِ (4) .
83- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ،حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه البُخَارِيُّ (5) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5027 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7028 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (601 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (615 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1009)
استهم:اقترع عليه -يستهم:يقترع عليه -التهجير:التبكير إلى الصلاة
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (614)(1/321)
84- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ ؟ هَلْ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا ؟ قَالُوا:لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ،قَالَ:ذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا."متفق عَلَيهِ (1) .
85- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ،فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة. رواه ابن ماجة (2) .
86- عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. رواه مسلم (3) .
87- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،وَإِقَامِ الصَّلاَةِ،وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،وَالْحَجِّ،وَصَوْمِ رَمَضَانَ ».متفق عَلَيهِ (4) .
88- عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. رواه مُسلِمٌ (5) .
89- عَنْ عَلِىٍّ قَالَ الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاَتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ ». رواه وَالتِّرمِذِيُّ (6) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (528 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1554 ) وصحيح ابن حبان - (5 / 14) (1726)
(2) - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (1 / 513) (802) حسن
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1509 ) وصحيح ابن حبان - (5 / 403) (2054)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (8 ) وصحيح مسلم- المكنز - (121)
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (1729 )
(6) - سنن الترمذى- المكنز - (455 ) صحيح لغيره(1/322)
90- عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ». رواه مُسلِمٌ (1) .
91- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».متفق عَلَيهِ (2) .
92- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ » رواه البخاري (3) .
93- عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ،قَالَ:قُلْتُ:أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ قَالَ:أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا،قَالَ:قُلْتُ:أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ،قَالَ:تُعِينُ ضَعِيفًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ،قَالَ:قُلْتُ:أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ،قَالَ:تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ،فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ"رواه مسلم (4) .
94- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ،وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِى،وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ ».متفق عَلَيهِ (5)
95- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً"صحيح ابن حبان (6) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1704 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (38 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1817 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (887 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (260 ) وصحيح ابن حبان - (10 / 148) (4310) -الأخرق:الجاهل بما يجب أن يعمله ولم يكن فى يديه صنعة يكتسب بها
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (71 ) وصحيح مسلم- المكنز - (2436)
(6) - صحيح ابن حبان - (3 / 192) (911) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - :فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ،إِذْ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرَ صَلاَةٍ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ.(1/323)
96- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي،إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي،وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ،وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا،وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. متفق عَلَيهِ (1) .
97- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ،ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر صحيح ابن حبان (2) .
98- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلاَّ بِمِئْزَرٍ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ،فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتَ،وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ فَلاَ تَدْخُلِ الْحَمَّامَ "صحيح ابن حبان (3)
99- عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ،وَلاَ اللِّعَانِ،وَلاَ الْبَذِيءِ،وَلاَ الْفَاحِشِ."صحيح ابن حبان (4) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (7405 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6981 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 93)(811)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - :اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ،إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ،وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ خَرَجَتْ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ مِمَّا بَيْنَهُمْ. وَمَنْ ذَكَرَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِي نَفْسِهِ بِنُطْقٍ أَوْ عَمَلٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ،ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي مَلَكُوتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ تَفَضُّلاً وَجُودًا،وَمَنْ ذَكَرَ رَبَّهُ فِي مَلَأٍ مِنْ عِبَادِهِ،ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي مَلاَئِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ،وَقَبُولِ مَا أَتَى عَبْدُهُ مِنْ ذِكْرِهِ،وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى الْبَارِي جَلَّ وَعَلاَ بِقَدْرِ شِبْرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ،كَانَ وُجُودُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ الرَّبِّ مِنْهُ لَهُ أَقْرَبَ بِذِرَاعٍ،وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى مَوْلاَهُ جَلَّ وَعَلاَ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ مِنَ الطَّاعَاتِ كَانَتِ الْمَغْفِرَةُ مِنْهُ لَهُ أَقْرَبَ بِبَاعٍ،وَمَنْ أَتَى فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ بِالسُّرْعَةِ كَالْمَشْيِ،أَتَتْهُ أَنْوَاعُ الْوَسَائِلِ وَوُجُودُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِالسُّرْعَةِ كَالْهَرْوَلَةِ،وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.صحيح ابن حبان - (3 / 94)
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 172) (890) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 410) (5597) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 421) (192) صحيح(1/324)
100- عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ،وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.""متفق عَلَيْهِ (1) .
101- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لاَ تَبَاغَضُوا،وَلاَ تَحَاسَدُوا،وَلاَ تَدَابَرُوا،وَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ إِخْوَانًا،وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ". متفق عَلَيْهِ (2) .
102- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ».رواه البخاري (3)
103- عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ،فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ،فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ،أَوْ لِيَسْكُتْ.أخرجه البخاري (4) .
104- عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (5)
105- عَنْ صُهَيْبٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ،إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ،وَإِنَّ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ،وَكَانَ خَيْرًا لَهُ،وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ."رواه مسلم (6)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (48 ) وصحيح مسلم- المكنز - (230) وصحيح ابن حبان - (13 / 266) (5939)
سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر:قيل:هذا محمول على من سب مسلما أو قاتله من غير تأويل، وقيل: إنما قال ذلك على جهة التغليظ، لا أن قتاله كفر يخرج عن الملة.جامع الأصول في أحاديث الرسول - (10 / 68)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6065 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6690) وصحيح ابن حبان - (12 / 476) (5660)
تدابر:يعطى كل واحد منكم أخاه ظهره
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6288)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (6108 ) وصحيح ابن حبان - (10 / 201) (4359)
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (2115) صحيح لغيره
(6) - صحيح ابن حبان - (7 / 155) (2896) وصحيح مسلم- المكنز - (7692 )(1/325)
106- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ،وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا،وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ،وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ،حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا »متفق عليه (1) .
107- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». رواه الترمذي (2) .
108- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ »رواه مسلم. (3)
109- عن الْعِرْبَاضَ بن سارية قالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً،ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ،وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ،فَقَالَ قَائِلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ،فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ:أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ،وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا،فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا،فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،فَتَمَسَّكُوا بِهَا،وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ."صحيح ابن حبان (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6094 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6803 )
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (2706) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (600 )
(4) - صحيح ابن حبان - (1 / 178) (5) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - :فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي عِنْدَ ذِكْرِهِ الاِخْتِلاَفَ الَّذِي يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ،قَالَ بِهَا،وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الآرَاءِ مِنَ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ فِي الْقِيَامَةِ،جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ.(1/326)
110- ٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،إِلاَّ مَنْ أَبَى ».قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ،وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى » رواه البخاري (1) .
111- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ،وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ،وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ:{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.أخرجه الشيخان (2)
112- عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى أُبْدِعَ بِى فَاحْمِلْنِى فَقَالَ « مَا عِنْدِى ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ »..رواه مسلم (3)
113- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا لَنَا مِنْ مَجْلِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا،قَالَ:فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ،فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ،قَالُوا:مَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ:غَضُّ الْبَصَرِ،وَكُفُّ الأَذَى،وَرَدُّ السَّلاَمِ،وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ،وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ."رواه مسلم (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (7280 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3244 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7310) وصحيح ابن حبان - (2 / 91) (369)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5007 ) -أبدع:كل وتعب
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (5685) وصحيح ابن حبان - (2 / 356) (595)
إياكم:احذروا وابتعدوا -مالنا من مجالسنا بدٌّ:لانستطيع الاستغناء عنها -غض البصر:كف البصر عن المحرمات -كف الأذى:رد الأذى ومنعه(1/327)
114- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ".رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1)
115- عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنهم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا »رواه أبو داود.. (2)
116- عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ،وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ،وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى،يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ.أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى،أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ،وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ.أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » متفق عليه (3) .
117- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا،وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى."رواه البخاري (4)
118- عَنِ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنهم - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ،وَإِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » .رواه البخاري (5)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6741 )
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (5214 ) والسنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (7 / 99) (13955) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (52 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4178 )
استبرأ لدينه:أي طلب التبري من التهمة والخلاص منها. -مضغة:المضغة:القطعة من اللحم بقدر اللقمة.-الريبة:التهمة ومظان الشبه.-يرتع،رتع حول الحمى:إذا طاف به ودار حوله.-الاجتراء:الاقدام على الشيء،وقلة المبالاة به.
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5304) وصحيح ابن حبان - (2 / 207) (460)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ - رضي الله عنهم - :قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - هَكَذَا أَرَادَ بِهِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ،لاَ أَنَّ كَافِلَ الْيَتِيمِ تَكُونُ مَرْتَبَتُهُ مَعَ مَرْتَبَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فِي الْجَنَّةِ وَاحِدَةً.
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (2072 ) - قط:ظرف لاستغراق مامضى من الزمان(1/328)
119- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ،وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ،فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ،أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ،وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ "الأدب المفرد للبخاري (1)
120- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنهم - ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ:يَا أَهْلَ الجَنَّةِ،فَيَقُولُونَ:لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،فَيَقُولُ:هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ:وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ،فَيَقُولُ:أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ،فَيَقُولُونَ:يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ،فَيَقُولُ:أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا "متفق عليه (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (479 ) صحيح - البذيُّ:هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6549 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7318)
لبيك ربنا وسعديك:إجابة بعد إجابة -أحل:أنزل -أسخط:أغضب(1/329)
الأساس الثالث - اختيار المدرِّس الصالح، والمدرسة الصالحة للطفل .
كان الصحابة والسلف الصالح حريصين كل الحرص على اختيار المدرس الصالح لأطفالهم، وكانوا يعنون به عناية فائقة، ولهم ولع شديد به، لأنه هو المرآة التي يراها الطفل، فتنطبع في نفسه وعقله، وهو مصدر التلقي للطفل .
ومن شدة اهتمامهم به أنهم كانوا ينصحون أبناءهم في أخذ الأدب قبل العلم، وقد تقدم معنا في البناء الخلُقي للطفل في ركن أساس الأدب مع العلماء، وإذا ما تطلب الأمر الرحلة والسفر للوصول إلى المدرس الصالح، فهذا حبيب إلى قلوبهم، سهل على نفوسهم، يتلقونه بصدر رحب بلا مشقة، أو أي صعوبة، ومعلوم أن الرحلة والسفر لها أعباؤها المالية على الأبوين، ولكن في سبيل بناء الطفل العلمي بشكل سليم، يهون عليهم كل مال، وكل غال ونفيس، ولهذا قال ابن سينا في كتاب السياسة باب سياسة الرجل ولده: "ينبغي أن يكون للصبي مؤدب عاقل، ذو دين، بصير برياضة الأخلاق، حاذق بتخريج الصبيان، وقور، رزين بعيد عن الخفة والسخط، قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي، غير كزٍّ ( منقبضٍ) ولا جامد، وأن يكون حلواً لبيباً، ذا مروءة ونظافة ونزاهة ".
وإلى هذا ذهب أمراء المسلمين أيضاً في الحصول على المدرس الصالح لتعليم أولادهم .
قال أبو بكر بن جابر خادم أبي داود: كنت معه ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب ففتحته فإذا خادم يقول :هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن فدخلت إلى أبي داود فأخبرته بمكانه، فأذن له فدخل وقعد، ثم أقبل عليه أبو داود وقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ فقال: خلال ثلاث فقال وما هي ؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض فتعمر بك، فإنها قد خربت وانقطع عنها الناس لما جرى عليها من محنة الزنج، فقال :هذه واحدة هات الثانية، قال: وتروي لأولادي كتاب السنن، فقال: نعم هات الثالثة، قال: وتفرد لهم مجلساً للرواية، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة، فقال: أما هذه فلا سبيل إليها ؛لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء.(1/330)
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون في كم حيري ويضرب بينهم وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة " (1) .
وقال عُتبة بن أبي سفيان لعبد الصَّمد مؤدِّب ولدِه: ليكن أوَّلَ ما تبدأُ به من إصلاحك بَنِّي إصْلاحُك نَفسَك؛ فإنَّ أَعينهم معقودة بعينك، فالحسَنُ عِندهم ما استحسنت، والقبيحُ عندهم ما استقبحت، علِّمْهم كتابَ اللَّه، ولا تُكرِهْهم عليه فيَملُّوه، ولا تتركْهم منه فيهجُروه، ثم روِّهم من الشِّعر أَعَفَّه، ومن الحديث أَشْرَفه، ولا تُخْرِجْهم من عِلْمٍ إلى غيره حتّى يحْكموه، فإنَّ ازدحامَ الكلام في السَّمع مَضَلَّةٌ للفهم، وعلِّمْهم سِيَرَ الحكماء وأخلاقَ الأدباء، وجنِّبْهُم محادَثة النساء، وتهدَّدْهم بي وأدِّبْهم دُوني، وكنْ لهم كالطَّبيب الذي لا يَعجَل بالدَّواء حتى يعرف الداء، ولا تَتّكل على عُذري، فإني قد اتَّكلتُ على كفايتِك، وزد في تأديبهم أزدك في برّي إن شاء اللَّه" (2) .
وأُدْخِلَ الشَّافِعِيُّ يَوْمًا إِلَى بَعْضِ حُجَرِ هَارُونَ الرَّشِيدِ لِيَسْتَأْذِنَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعَهُ سِرَاجٌ الْخَادِمُ فَأَقْعَدَهُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ مُؤَدِّبِ أَوْلَادِ الرَّشِيدِ.فَقَالَ سِرَاجٌ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُؤَدِّبُهُمْ، فَلَوْ أَوْصَيْتَهُ بِهِمْ.فَأَقْبَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ فَقَالَ لَهُ: "لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَبْدَأُ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ أَوْلَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِصْلَاحُ نَفْسِكَ ؛ فَإِنَّ أَعْينَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا تَسْتَحْسِنُهُ وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَهُ.عَلِّمْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَلَا تُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ فَيَمَلُّوهُ، وَلَا تَتْرُكَهُمْ مِنْهُ فَيَهْجُرُوهُ، ثُمَّ رَوِّهِمْ مِنَ الشَّعْرِ أَعَفَّهُ، وَمَنَ الْحَدِيثِ أَشْرَفَهُ، وَلَا تُخْرِجَنَّهُمْ مِنْ عِلْمٍ إِلَى غَيْرِهِ حَتَّى يُحْكِمُوهُ، فَإِنَّ ازْدِحَامَ الْكَلَامِ فِي السَّمْعِ مَضِلَّةٌ لِلْفَهْمِ " (3) .
وقال الماوردي: "يجب أن يُجتهَد في اختيار المعلم والمؤدب؛ الاجتهاد في اختيار الوالدة والظئر - المرضعة - بل أشد منه؛ فإن الولد يأخذ من مؤدبه من الأخلاق والشمائل والآداب والعادات، أكثر مما يأخذ من والده، لأن مجالسته له أكثر، ومدارسته معه أطول،
__________
(1) - معالم السنن للخطابي 288 - (1 / 7)
(2) - البيان والتبيين - (1 / 142)
(3) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (13841 )(1/331)
والولد قد أُمر حيث سُلّم إلى المدرس بالاقتداء به جملة، والائتمار له دُفعة، وإذا كان هكذا فيجب ألا يُقتَصَر من المعلم والمؤدب على أن يكون قارئًا للقرآن حافظًا للغة، أو راويًا للشعر حتى يكون تقيًا، ورعًا عفيفًا، ديِّنًا، فاضل الأخلاق، أديب النفس، نقي الجيب، عالمًا بأخلاق الملوك وآدابهم، عارفًا بجوامع أصول الدين والفقه، وافيًا بما ذكرنا أنه يحتاج أن يعلمه على الترتيب، فإن فاته شيء مما ذكرنا، فلا يفوته التُّقَى والدين والفقه" (1) .
وقال الترمذي الحكيم :"صلاح الصبيان في المكتب، وصلاح قطاع الطريق في السجن، وصلاح النساء في البيوت" (2) .
وأما بالنسبة للنساء، فالقدوة الصالحة من سير الصحابيات المؤمنات معين لا ينضب وقصص لا تمل،ما أن تقرأ إحداها إلا تجد في حياتهن دروسًا وعبرًا، ومواقف
القدوة الصالحة من سير الصحابيات المؤمنات معين لا ينضب وقصص لا تمل،ما أن تقرأ إحداها إلا تجد في حياتهن دروسًا وعبرًا، ومواقف وفوائد لا يكل المرء من كثرة تردادها بل وكلما قرأها أو سمعها خرج بفائدة جديدة.
كيف لا وهن في رياض النبوة رتعن من توجيهات الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعلمن وتربين.
مع صحابية رائدة منهن سنقف في محطات من أمومتها لنرى كيف ربى ذلك الجيل ناشئته وكيف علم أبناءه. ونتعرف على الأمهات لنعرف كيف يغدو في تربيتهن الأبناء. هذه أم مباركة وهي ليست أماً فحسب بل لقد جمعت صفات أمهات شتى فهي الأم المربية والأم المعلمة والأم القدوة والأم الحنون الموجهة الصابرة فأي هؤلاء الأمهات أنتِ؟
صحابيتنا هي أم سليم بنت ملحان الأنصارية وقد اشتهرت بكنيتها وقيل اسمها الرميصاء أو الغميصاء. شهد لها رسول الله صلى اله عليه وسلم بالجنة، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ». رواه مسلم (3) .
__________
(1) - نصيحة الملوك، للماوردي ص 170 .
(2) - الطبقات الكبرى للشعراني ( ص 91)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (6474 ) -الخشفة: حركة المشى وصوته(1/332)
لقد نجحت - رضي الله عنهم - ا كزوجة وكأم وكأخت وكامرأة أثبتت لها مكانة في التاريخ بين سير الخالدات سنقف في محطات من أمومتها يرويها لنا ابنها خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك - رضي الله عنهم - .
الأم المربية تولت أم سليم - رضي الله عنهم - ا تربية ابنها أنس وجعلت تلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فعلقها وهو صغير واسم لله رب العالمين.
وهذه هي نقطة البداية للتنشئة والتربية: البدء بالعقيدة وغرس الإيمان بلا إله إلا الله في قلب الصغير ويكون أول ما يقرع سمعه معرفة الله سبحانه وتوحيده.
حتى إذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سارعت في إدخال ابنها مدرسة النبوة، فعَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ:جَاءَتْ بِي أُمِّي، أُمُّ أَنَسٍ، إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ.قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللهِ، إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِئَةِ الْيَوْمَ (1) .
فخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة حتى مات. فلله درها من أم أحسنت تربية ابنها حين أحسنت اختيار من تجعله يلازم ويصاحب.
ففي حضور الطفل مجالس الكبار يتعلم الأدب والوقار فينمو عقله وتتهذب نفسه وينطلق لسانه ويتعرف على أحاديث فيتهيأ لدخول المجتمع وأعلى منه مرتبة أن يتعود الطفل مجالسة العلماء واحترامهم وخفض الجناح لهم والمسارعة في خدمتهم، فهذا أقوى أسلوب لإكساب الطفل معاني الأدب وتعلم العلم وهذا كان حال سلفنا الصالح مع أبنائهم. وفي اصطحاب الصغار لمجالس الكبار ربط بين فئات المجتمع، وهذا لا يتمُّ حين يصدُّ الصغار عن مجالسة الكبار برغم حاجتهم للجلوس معهم حيث يحدثونهم ويوجهونهم وينقلون إليهم أخبار السابقين ومآثرهم.
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (6531 )(1/333)
وفي فعلها - رضي الله عنهم - ا حسن اختيار المدرس الصالح للطفل، لولع الطفل الشديد بالمعلم لأنه هو المرآة التي يراها فتتطبع نفسه وعقله فيحفظ عمله وعلمه ويتأثر بهما.
فهذا أنس - رضي الله عنهم - يروي لنا أدب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته وخلقه وعبادته أحاديث كثيرة وكان حريصًا على متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره والتمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - .فعَنْ سَيَّارٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ثَابِتٌ كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنَسٌ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ.. رواه الترمذي (1) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ - قَالَ - فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِى إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّى فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ مَا حَبَسَكَ قُلْتُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَةٍ. قَالَتْ مَا حَاجَتُهُ قُلْتُ إِنَّهَا سِرٌّ.قَالَتْ لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا. قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ (2) .
هكذا يكون التوجيه والتربية على مكارم الأخلاق، فالطفل منذ صغره يحتاج إلى أن يعوَّد الخير ويعلَّم الخلق الحسن حتى يعتاد عليه، ففترة الطفولة تتميز بالفطرة السليمة وسرعة التلقي والاستجابة، وما حفر فيها يصعب بعد ذلك نسيانه أو تغيره،يقول ابن القيم في أحكام المولود: "ومما يحتاج إليه الطفل الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات راسخة له".
وهكذا تفعل الأم الصالحة، تستغل جميع المواقف والوسائل المتاحة لغرس الأخلاق الفاضلة في نفس طفلها فإن للنفس لحظات تكون مهيئة فيها للتلقي فلنحسن إختيار هذه اللحظات (3) .
أما اليوم فقد شنَّ أعداء الإسلام حملة مسعورة حاقدة، ورفعوا لواءً إلحاديًّا لئيماً في تدمير الطفل المسلم، فاختاروا له المعلم الكافر والفاسق، وهيؤوا له مدرسة عصرية تبعده عن
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2912 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6533 )
(3) - http://www.mousastar.com/vb/showthread.php?t=13791(1/334)
منهج الله وشرعه، وما هذا إلا لجهل المسلمين، وهو دليل أكيد على غفلتهم، وهذا الذي نقوله ليس كلاماً جزافاً، وإنما الواقع الذي نعيشه اليوم، وما صرح به أولئك الغزاة المعتدون الآثمون خير دليل، وإليك بعض خططهم، فهذا القس (صموئيل زويمر ) ينشر في كتابه مهد الإسلام خداعه للأطفال المسلمين حيث يقول: "والتعليم المدرسي والتربية الأخلاقية الغربية، قد أسفرا عن نتائج جمة، وأثمرا ثمرات نافعة في الأطفال والمراهقين، على السواء، لقد استطعت أن أجمع التلاميذ المسلمين مرة، وأضع بين أيديهم كرة تمثل الكرة الأرضية، ثم حولت عليها نوراً قويًّا، وأقنعتهم بذلك أن الأمر بالصيام لشهر رمضان ليس آتياً من عند الله ؛ لأنه يتعذر أداء هذه الفريضة في بعض البلاد " (1) .
وكان القسيس الدكتور "صموئيل زويمر"رئيس إرسالية التبشير في البحرين منذ مقدمه إلى الشرق في أوائل القرن العشرين، إلا أن نشاطه التبشيري الزائد، وسعيه لعقد مختلف المؤتمرات التبشيرية، جعله يرتقي في المراتب بين المبشرين حتى صار رئيس المبشرين في الشرق .وحتى صاروا يلقبونه بالرسول المختار إلى العالم الإسلامي، أي: حامل رسالة تحويل المسلمين عن دينهم .
فمن المؤتمرات التبشيرية التي دعا إليها هذا القس مؤتمر القدس الذي تم انعقاده برئاسته في نيسان سنة (1935م) إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين .
وبعد أن شرح أعضاء المؤتمر العقبات الكثيرة التي اعترضت سبيل المبشرين، والتي لم تسمح لهم بأن يخرجوا المسلمين عن دينهم، ويدخلوهم في المسيحية، وبعد أن خطب كثير منهم خطبهم اليائسة، قام "زويمر"رئيس المؤتمر، وألقى على المؤتمرين الخطبة التالية :
"أيها الإخوان الأبطال، والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية، واستعمارهم لبلاد الإسلام، فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدّس، لقد أدّيتم الرسالة التي نيطت بكم أحسن أداء، ووفقتم لها أسمى توفيق.وإن كان ليخيل إليَّ أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه.إنني أقركم
__________
(1) - الغارة على العالم الإسلامي(1/335)
على أن الذين دخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة:
* إما صغير لم يكن له من أهله من يعرّفه ما هو الإسلام .
* أو رجلٌ مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتدّ به الفقر، وعزت عليه لقمة العيش .
* وآخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية .
ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمّدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإنَّ في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم الدول المسيحية والمسيحيون جميعاً عليه كل التهنئة .
لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية، والفضل إليكم وحدكم أيها الزملاء.إنكم أعددتم له بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد .
إنكم أعددتم شباباً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل.ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز فللشهوات، ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء .(1/336)
إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه، وانتهيتم إلى خير النتائج، وباركتم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب" (1) .
ويقول المستشرق الحاقد (جيب) الذي هو عضو في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وهذا من عجائب البلاد الإسلامية الغافلة الجاهلة، فيقول في كتاب إلى أين يتجه الإسلام ؟: "لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة وتعليماتنا الخاصة، أن يترك المسلمين - ولو من غير وعي منهم - أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لادينيين إلى حد بعيد،ولاريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ماتركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار.فالواقع أن الإسلام كعقيدة وإن لم يفقد إلا قليلا من أهميته وسلطانه، ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانه"! (2) .
وفي المقابل يوجه الشيخ محمد الخضر حسين رحمه اللَّه - شيخ الأزهر سابقًا - تحذيرًا إلى المسلمين من القذف بأبنائهم بين براثن المدارس والمعلمين الذين يضلونهم ويفسدون عقائدهم، يقول: (من الذي يستطيع أن يهيئ لولده عيشًا راضيًا، وينبته نباتًا حسنًا فينشأ سليم القلب، طاهر اللسان، صديقًا لأسرته، عاملاً على إعلاء شأن أمته ؟ ! ولكنه يأبَى أن يفعل هذا الذي ينصح به لولده، وجنى ثمار الحمد من عواقبه، فيعمد إليه وهو صافي الفطرة، فيلقيه في بيئة يتولاه فيها من لا يرقبون إلاّ ولا ذمة، فلا يزالون يُلَقنونه زَيْفًا، ويبذرون في نفسه شرًا، والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا ... ذلك مثل المسلم الذي يهبه اللَّه ولدًا ليسلك به هداية، ويعده لأن يكون عضوًا يرتاح لسعادة قومه، ويتألم لشقائهم، فإذا هو يبعث به إلى مدارس أُسست لمحاربة الدين الحنيف، ولقتل العاطفة الإسلامية، وهي المدارس التي تنشئها في بلادنا الجمعيات التي يقال لها: جمعيات التبشير .
__________
(1) - من كتاب. اجنحة المكر الثلاثة.
(2) - http://www.balagh.com/mosoa/tablg/ug0wx65v.htm(1/337)
إن الذي يقذف بولده بين جدران هذه المدارس، لا تكون جريمته من جريمة أولئك الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ببعيد ... ألم يقم الدليل إثر الدليل على أن القائمين فيها بأمر التعليم يُلقنون أبناء المسلمين معتقدات ديانة غير إسلامية، ويحملونهم على تقاليدها، ويتعرضون للطعن في شريعة الإسلام بطرق شأنها أن تؤثر على الأطفال، ومن هم بمنزلة الأطفال في عدم معرفتهم بحقائق الدين معرفةً تقيهم شر ذلك الإغواء .
ليس الذي يزجُّ بابنه في مدارس التبشير بالذي يقتل نفسًا واحدة، ولكنه يقتل خلقًا كثيرًا، ويجني بعد هذا على الأمة بأجمعها، ولا أقول هذه مبالغةً، فقد يصير هذا الولد أستاذًا من بعد، ويفسد على طائفة عظيمة من أبناء المسلمين أمر دينهم، ووطنيتهم، وقد أرتنا الليالي أن من المتخرجين في هذه المدارس من يملك سلطة على قوم مسلمين، فيجدون فيه الغلظة والمكر وعدم احترام الشريعة؛ ما لا يجدونه في الناشئ على غير الإسلام .
قد ينال الطالب في هذه المدارس علمًا، وليس هذا العلم في جانب ما يخسره من دينه وما يفوته من الإخلاص لأمته بالشيء الذي يثقل وزنه، ولكنها الأهواء التي أخذت القلوب، فتبعث الرجل على أن يأخذ بيد ابنه، وهو كالملاك طهرًا وطيبة، ويقوده إلى حيث يشهد ازدراء قومه والطعن في الحنيفية السمحة، فلا يلبث أن ينقلب ذلك الطهر رجسًا، وذلك الطِّيب خُبْثًا، وتكون العاقبة ما نسمعه عن كثير من المتخرجين في هذه المدارس، وما نرى) (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الهداية الإسلامية (ص 151) نقلاً عن كتاب: منهج التربية النبوية للطفل، لمحمد نور سويد ص 364 - 365 .(1/338)
الأساس الرابع - إتقان الطفل للغة العربية .
اللغة العربية مفتاح العلوم كلها، وكلما قوي الطفل باللغة كان سبباً في قوته فيما بعد لأي علم من العلوم رغب في تعلمه، وأحب أن يكسبه، واللغة العربية لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، رغَّب في تعليمها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واهتم بنشوء الأطفال وقد أتقنوها، ومن شدة اهتمامه بها يقبل فداء أسرى بدر بتعليم كتابتها، وقراءتها لأطفال المسلمين، فكان كل أسير يفدي نفسه بتعليم عشرة من صبيان الصحابة اللغة العربية وإتقانها .
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ الأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ لَيْسَ لَهُمْ فِدَاءٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلاَدَ الأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ قَالَ فَجَاءَ غُلاَمٌ مِنْ أَوْلاَدِ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: ضَرَبَنِى مُعَلِّمِى قَالَ: الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ وَاللَّهِ لاَ تَأْتِيهِ أَبَدًا (1) .
وقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة، وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما نزل من كتابه الكريم: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) [العلق: 1-4]. واستفاضت فيه نصوص القرآن والسنة في الترغيب في العلم وبيان منزلة العلماء، وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، وأن السبق في هذا للإسلام (2) .
ولما كثر خطأ أطفال المسلمين في قواعد اللغة العربية، تنبه لذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ، وخاطب العلماء بتقعيد القواعدن وتعليمها للأطفال، خشية استفحال العجمة، قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى إِلَيْهِ عِلْمَ النَّحْوِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ الْكَلَامَ
__________
(1) - السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد - (6 / 322)(13227) حسن
الأسارى: جمع أسير وهو المأخوذ في الحرب -الذَّحْل: الوَتْرُ وطلَبُ المُكافأة بِجِنايةٍ جُنِيَتْ عليه من قتْلٍ أو جُرْح ونحو ذلك. والذَّحْل: العدَاوة أيضا
(2) - السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (3 / 69) وانظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/164، 165).(1/339)
اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ نَحَا نَحْوَهُ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ، وَسَلَكَ طَرِيقَهَ فَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ النَّحْوَ لِذَلِكَ. وَكَانَ الْبَاعِثَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ للتأليف في النحو عَلَى بَسْطِ ذَلِكَ تَغَيُّرُ لُغَةِ النَّاسِ، وَدُخُولُ اللَّحْنِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَيَّامَ وِلَايَةِ زِيَادٍ عَلَى الْعِرَاقِ، وَكَانَ أَبُو الْأَسْوَدِ مُؤَدِّبَ بَنِيهِ؛ فَإِنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَوْمًا إِلَى زِيَادٍ فَقَالَ: تُوُفِّيَ أَبَانَا وَتَرَكَ بَنُونَ، فَأَمَرَهُ زِيَادٌ أَنْ يَضَعَ لِلنَّاسِ شَيْئًا يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا وَضَعَ مِنْهُ بَابُ التَّعَجُّبِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَتَهُ قَالَتْ لَهُ لَيْلَةً: يَا أَبَهْ، مَا أَحْسَنُ السَّمَاءِ ! فَقَالَ: نُجُومُهَا. فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أَسْأَلْ عَنْ أَحْسَنِهَا، إِنَّمَا تَعَجَّبْتُ مِنْ حُسْنِهَا. فَقَالَ قُولِي: مَا أَحْسَنَ السَّمَاءَ ! (1) .
وانطلق السلف الصالح في نصح الأطفال - طلبة العلم - بالاهتمام باللغة العربية ؛ لنها مفتاح العلوم الأخرى كافة، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ قَالَ: أَتَيْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحِزَامِيَّ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، فَلَمَّا تَحَدَّثْتُ اهْتَزَّ إِلَيَّ عَلَى غَيْرَةٍ لَمَّا رَأَى فِيَّ بَعْضَ الْفَصَاحَةِ فَقَالَ لِي: "مَنْ أَنْتَ ؟ "فَقُلْتُ لَهُ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، فَقَالَ: "اطْلُبِ الْعِلْمَ، فَإِنَّ مَعَكَ حِذَاءَكَ وَسِقَاءَكَ " (2) .
وقد كانت نشأة الإمام الشافعي - رحمه الله - وهو صغير يتعلم من القبائل العربية حيث رحل إليها، وعاش معها، ولهذا كان فصيح اللسان، وعمدة اللغة العربية بين العلماء .
ويوصي ابن سينا في كتابه السياسة باب سياسة الرجل ولده بما يلي: "ينبغي البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسميا وعقليا، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين، ثم يروي الصبي الشعر مبتدأ بالرجز ثم بالقصيدة، لأن رواية الرجز وحفظه أيسر إذ أن بيوته أصغر ووزنه أخف، على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل الأدب ومدح العلم وذم الجهل وما حث على بر الوالدين واصطناع المعروف وإكرام
__________
(1) - شرح الآجرومية - حسن حفظي - (1 / 15) والبداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع - (8 / 343)
(2) - جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ >> بَابُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ (395 )(1/340)
الضيف. فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن وألمّ بأصول اللغة ينظر عند ذلك في توجبهه إلى ما يلائم طبيعته واستعداده" (1) ..
أما أبو الحسن الماوردي، فينبه إلى أهمية تعليم الطفل اللغة العربية وإجادتها فيقول: "فإذا بلغ التأديب والتعليم، فالوجه أن يبدأ بتعليم القرآن مع اللغة العربية لأنها اللغة التي أنزل الله بها كتابة، وخاطب بها في شرائع دينه وفرائض ملته، وبها بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سننه، وبها ألقت الكتب الدينية، والحكمية والجدية والهزلية، وبها تكتب رسائلهم والصكوك التي جعلها وثائق بينهم، فلابد للناشئ في هذه الملة من تعلمها، وإلا كان جاهلاً بالدين، منقوصاً في الملل ".
"إضافة إلى ما تمتاز به هذه اللغة من الفصاحة والبيان، والطلاوة على اللسان والحلاوة في الإسماع والآذان،وكثرة التصاريف، واحتمال المقاييس النحوية، وسعة الألفاظ، ووسط الحروف بين القلة والكثرة، وأشباه هذه الخصال ما لو تعلمت تجملاً، واستفيدت تأدباً، لكانت لذلك موضعاً، ولهذا كان الملوك العجم يتعلمونها، فإن كثيراً منهم يستعملها في أوقات حفلته ن ومجالس زينته ".
ويؤكد الماوردي رأي ابن سينا في تعلم الأخف من اللغة بقوله: "والوجه في تعليم اللغة :أن يقتصد إلى الأخف فالأخف من كتبها، والأسهل فالأسهل من مؤلفاتها، ومصنفاتها، وألا يشغل الأولاد بالغريب الوحشي والنادر الأجنبي، ولا بدقائق النحو، ودواوين العروض، فإن ذلك مما يشغله عن المعاني، وإنما تتعلم الألفاظ قصداً إلى معرفتها، فإذا أفنى الإنسان عمره في تعلم الألفاظ فاتته المعاني، إلا أن يكون ذلك لمن يجعله صناعة، مثل الأدباء، والمؤدبين، والمعلمين من النحويين، ويحتاج في الاستعانة على تعلم اللغة إلى رواية أشعار العرب، وأيامها وأخبارها، والصواب في تدبير ذلك: أن تروى له، ويعلم، ويحفظ الأشعار الحكمية التي ضمت الحكمة، والتوحيد والدين، والبعث على العلم، والزهد، والشجاعة، والجود، ومكارم الأخلاق، لينشأ على معرفة الفضائل، ومحبة نيل الممدوح
__________
(1) - http://www.ishim.net/islam/childcare.htm(1/341)
نشوءا، ويعتادها عادة، فيجتمع له في ذلك فائدة الفصاحة والبيان، ومعرفة المتبذل من الكلام، وكثير من الغريب، والوقوف على المعاني الفاضلة " (1) .
لقد أصبحت اللغة العربية لغة العبادة والطاعة في الصلاة وسائر الشعائر، ومن هنا ندرك مسؤوليتنا في توفير الفرصة الكاملة للطفل، ليأخذ دينه من كتاب الله باللغة العربية كما أنزل من عند الله.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - نصيحة الملوك (ص 168)(1/342)
الأساس الخامس - إتقان الطفل اللغة الأجنبية .
بعد أن يتقن الطفل اللغة العربية بشكل جيد، ويحفظ شيئاً من القرآن والحديث، فلا بأس بإتقانه لغة أجنبية سائدة، في الظروف الراهنة التي أصحبت فيه اللغة العربية مقصاة عن الحياة، وذلك لتكوين جيل مسلم يستطيع كشف مخططات أعداء الإسلام، ويأمن مكرهم، وينقل العلوم المادية البحتة إلى المسلمين، وهذا ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول ما وصل إلى المدينة المنورة مهاجراً من مكة، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا، أَخْبَرَهُ ؛ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدٌ: ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ: يَا زَيْدُ، تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ (1) .
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّهُ تَأْتِينَا كُتُبٌ، قَالَ: فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةِ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ الأَعْمَشُ: كَانَتْ تَأْتِيهِ كُتُبٌ لاَ يَشْتَهِي أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ يَثِقُ بِهِ (2) .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( الطحاويُّ): فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَا كَانَ يَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كُتُبِ يَهُودَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ يَقْرَؤُهُ لَهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْضُرُونَهُ، وَهُمْ غَيْرُ مَأْمُونِينَ عَلَى كِتْمَانِهِ بَعْضَ مَا فِيهِ، وَغَيْرُ مَأْمُونِينَ عَلَى تَحْرِيفِ مَا فِيهِ إِلَى مَا يُرِيدُونَ، وَكَانَ مَا يَنْفُذُ مِنْ كُتُبِهِ إِلَى الْيَهُودِ جَوَابًا لِكُتُبِهِمْ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَتَحْتَاجُ الْيَهُودُ الْوَارِدَةُ عَلَيْهِمْ إِلَى مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ ؛ إِذْ كَانُوا لَا يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يُحَرِّفَ مَا فِي كُتُبِهِ إِلَيْهِمْ إِلَى مَا يُرِيدُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَفِي قُلُوبِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا فِيهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا أَنْ يَتَعَلَّمَ لَهُ السُّرْيَانِيَّةَ لَيَقْرَأَ كُتُبَهُمْ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ قِرَاءَةً، فَيَأْمَنَ بِهَا كِتْمَانَ مَا فِيهَا،
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 242)(21618) 21954- حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 85) (7136) صحيح(1/343)
وَيَأْمَنَ بِهَا تَحْرِيفَ مَا فِيهَا، وَيَكُونَ كِتَابُهُ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَرَدَ عَلَى الْيَهُودِ وَرَدَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ يَقْرَؤُهُ عَامَّتُهُمْ، يَأْمَنُ فِيهِ مِنْ كِتْمَانِ بَعْضِ مَا فِيهِ، وَمِنْ تَحْرِيفِ مَا فِيهِ إِلَى غَيْرِ مَا كَتَبَ بِهِ، فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (1) .
وبهذا الخبر يتضح أن للترجمان مكانة رفيعة في الدولة، إذ هو الذي يطلع على أسرار الدولة وما يأتيها من مراسلات، أو ما ترسله من مخاطبات، إذ لا يصح أن يطلع كل إنسان على تلك الكتب الصادرة والواردة لئلا تختل الدولة وتكشف أسرارها؛ ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود، وتعلم زيد بن ثابت لغة يهود في خمس عشرة يوما يدل على ذكاء مفرط، وقوة حافظة، وقد كان - رضي الله عنهم - ممن حفظ القرآن كله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أشهر كتاب الوحي بين يديه، وهو الذي تولى كتابة القرآن وحده في الصحف في عهد الصديق، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان - رضي الله عنهم - ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدًا بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحبب إلى المسلم أن يتعلم لغة غيره وكتابتهم، ويتعرف على علومهم ومعارفهم ولا سيما إذا دعت لذلك ضرورة (2) .
فاستخدامُ اللغات الاجنبية في مجال التعليم والدعوة والتبليغ،عند الحاجةِ إليها مما ثبت من هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أحدُ أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعليم .
ثم اللّغاتُ اليوم مفتاحُ العلوم الكونية التي أصبحَتْ ضروريةً،لمُجاراة العَجَم والفَرَنجة،والترقي بين الأمم،وصارت مفتاحاً للتعارُف الذي أصبح ضرورياً للعيش وأمنِ الإنسان على حقوقِه حين الاختلاط،وللشيخِ صفي الدين الحِلّي وهو ممن كان يحفَظُ عِدّة لُغاتٍ :
بقَدْرِ لُغاتِ المرءِ يَكثُرُ نفعُهُ وتلك له عندَ المُلِمّاتِ أعوانُ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (5 / 280)(2038و2039) والأساليب النبوية في التعليم - ط1 - (1 / 516)
(2) - السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث - (3 / 246) وانظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/249).(1/344)
فبادِرْ إلى حفظِ اللغاتِ مُسارعاً فكلُّ لِسانٍ في الحقيقةِ إنسانُ (1)
"وهذا يدل على أن المسلمين إن احتاجوا إلى من يتعلم لغة غير لغة العرب، كالسفراء وغيرهم أن ذلك يجوز لطائفة منهم، بل قد يكون فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين هذا هو الحكم من حيث الأصل، لكننا للأسف وجدنا في هذه الأيام كثيراً من المسلمين يقصدون التعلم في هذه المدارس الأجنبية لذاتها فخراً ورياءاً وطلباً للمدح والثناء، والحصول على الوظائف المرموقة، دون نظر إلى حاجة المسلمين أو عدم حاجتهم إليها، ولذلك فإننا نجد أن اللغة العربية قد اندرست بين المسلمين معالمها، وصار أكثرهم جاهلاً بها وبقواعدها، حتى غلب خطؤهم فيها صوابهم، وتفشى فيهم اللحن دون اكتراث أو اهتمام.
ونحن نرى -والله أعلم- أن حاجة المسلمين ماسة في هذه الأيام إلى تعلم العلوم الشرعية، لقلة المقبلين عليها، وحاجة الناس إليها، ولأنها هي المقصودة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "طلب العلم فريضة على كل مسلم"
وإننا لنحذر المسلمين في كل مكان من الإقبال على الدراسة في المدارس المذكورة، لأنها تقضي على لغة القرآن، وتطغى عليها بما تدرسه من لغات أخرى، ولأن القائمين عليها في الغالب غير مسلمين أو تابعين لأماكنها الرئيسية في بلاد غير المسلمين، وعلى المسلم ألا يغتر بكثرة الهالكين، ويجب عليه أن يسلك طريق الناجين ولو لم يسلكه إلا القليل" (2) .
وفي فتاوى الشبكة الإشلامية أيضاً "فالأصل هو جواز تعلم اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية لتحصيل مصلحة شرعية، ولكن المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه من بعده وعن التابعين - رضي الله عنهم - م أجمعين أنهم لم يكونوا يقبلون على تعلم لغة غير لغة العرب إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما حصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ....
__________
(1) - الرسول المعلم - صلى الله عليه وسلم - وأساليبه في التعليم لأبي غدة - (1 / 171) والأساليب النبوية في التعليم - ط1 - (1 / 517)
(2) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (3 / 5928) -رقم الفتوى 19730 تعلم اللغات الأجنبية...نظرة شرعية(1/345)
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله في هذا الموضوع: إن المسلم ينبغي له ألا يتكلم بغير العربية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ككون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من اللغة العربية إلا قليلاً فإن هذا لا بأس به، أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية، فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى، لأن أفضل اللغة وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية، ولهذا نزل القرآن باللغة العربية وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله على رسوله، وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - اللسان العربي، وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية. انتهى.
وعليه فتعلم اللغة الإنجليزية مباح في الأصل، وقد يكون فرض كفاية إذا احتيج إليه في بعض أمور المسلمين ومصالحهم، ولكن تعلم اللغة العربية أفضل منه.والله أعلم " (1) .
قلت:
تعلم اللغات الأخرى لتبليغهم الدعوة أو تعليم المسلمين فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، أما أن تفرض اللغات الأجنبية على المسلم مقابل اللغة العربية وعلى حسابها، فهذه مؤامرة دنيئة على الإسلام، واللغة العربية هي أقدر اللغات على استيعاب كل العلوم، ولكن اللغات الأجنبية -ولاسيما اللغة الإنكليزية قد فرضت بالقوة على المسلمين .
فاليهود كانوا يتكلمون العربية والسريانية، وهم يعيشون في المدينة، فلم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ليعلموا اللغة السريانية،بل أمر واحدا من أصحابه،فتعلمها خلال وقت قصير، ولم يأمر بالباقين .
فالانبهار بهذه اللغات ما هو إلا نوع من الهزيمة النفسية التي يعاني منها المسلمون بعد سقوط الخلافة، وعزوهم فكريا وثقافيا وعسكريا وسياسياً...
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 8299) -رقم الفتوى 69919 حكم تعليم اللغة الإنجليزية(1/346)
ولم تعد القضية نعلم اللغة الأجنبية فقط، بل ثقافتهم وفكرهم وقيمهم الساقطة الهابطة، والتغني بها لظن المغلوب أنه إذا قلد الغالب في كل شيء استرد فوته وعافيته، فهذا غير صحيح بتاتا .
ولكن سيبقى المسلمون عالة على الأمم ولو تعلموا كل لغاتهم، فنحن بغير الإسلام لا قيمة لنا ولا وزن ولا اعتبار، فإذا عاد الإسلام إلى الحياة عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة عندئذ تأتي خيرات العالم كله صاغرة لنا، لأننا عندئذ نمثل الروح بالنسبة للجسد (1) .
قلت: وقد احتجوا بخبر آخر على تعلم اللغات الأخرى، وهو عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ مِائَةُ غُلَامٍ يَتَكَلَّمُ كُلُّ غُلَامٍ مِنْهُمْ بِلُغَةٍ أُخْرَى، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَلِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِلُغَتِهِ، فَكُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُرِدْ إِلَيْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِ قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُرِدْ إِلَيْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ " (2) .
قلت: هو خبر منكر سندا ومتناً، فعمر بن قيس المكي متروك (3) .
كما أن متنه يخالف طبيعة ابن الزبير - رضي الله عنهم - ، والواقع، فتبًّا للكذابين .
ومن ثم فلا يجوز الاجتجاج بمثل هذا الخبر على أن السلف الصالح كانوا يحثون على تعلم اللغات الأخرى .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الأساليب النبوية في التعليم - ط1 - (1 / 517)
(2) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (3 / 1648) (4143 ) والمستدرك للحاكم - (5 / 100)(6335) وسير أعلام النبلاء - (3 / 368) والبداية والنهاية لابن كثير محقق - موافق للمطبوع - (8 / 373)
(3) - تقريب التهذيب( 1/ 416) (4959) والكاشف( 2 /68 ) (4102)(1/347)
الأساس السادس - توجيه الطفل وفق ميوله العلمية .
لا بد من توجيه الطفل حسب ميوله العلمية، ورغباته النفسية، لأنه أدعى لتمكن العلم من نفسه، وبراعته به، وتفوقه على أقرانه، وقد قرر هذا أيضاً علماء السلف الصالح رضوان الله عليهم، فهذا ابن سينا يرى أنه: ليست كل صناعة- مهنة- يرومها الصبي ممكنة له، مواتية، ولكن ينبغي له أن يزاول ما شاكل طبعه وناسبه .
كَانَ الْخَلِيلُ ( الفراهيديُّ) رَجُلًا صَالِحًا عَاقِلًا كَامِلًا حَلِيمًا وَقُورًا، وَكَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا، صَبُورًا عَلَى الْعَيْشِ الْخَشِنِ الضَّيِّقِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يُجَاوِزُ هَمِّي مَا وَرَاءَ بَابِي. وَكَانَ ظَرِيفًا حَسَنَ الْخُلُقِ.
وَذُكِرَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الْعُرُوضِ، قَالَ: وَكَانَ بَعِيدَ الْفَهْمِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: كَيْفَ تُقَطِّعُ هَذَا الْبَيْتَ؟
إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
فَشَرَعَ مَعِي فِي تَقْطِيعِهِ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَهَضَ مِنْ عِنْدِي فَلَمْ يَعُدْ إِلَيَّ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ (1) .
وكان الإمام البخاري في أول أمره يحاول تعلم الفقه، والتبحر فيه، فقال له محمد بن الحسن: اذهب واشتغل بعلم الحديث، عندما رآه مناسباً لقدراته وأليق به، وأقرب إليه، وقد أطاع البخاري، ومن صار على رأس أهل الحديث، بل وإمامهم (2) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - البداية والنهاية لابن كثير محقق - موافق للمطبوع - (10 / 172)
(2) - مجلة الوعي العربي سنة أولى عدد (1) عام 1977 م ص (33) .(1/348)
الأساس السابع - المكتبة المنزلية الصالحة، وأثرها في بناء الطفل.
حتى يتعلم الطفل القرآن والحديث واللغة، فلا بدَّ من احتواء البيت على مكتبة إسلامية علمية يشبُّ عليها، وينهل منها.
قَالَ سَلَمَةُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ: دَفَعَ إِلِيَّ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ هَذَا الْكِتَابَ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ هَذَا كِتَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاسْتَوْصُوا بِهِ، فَلَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ، قَالَ لَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ: أَمْلَيْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ نُسْخَةِ كِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى بُدَيْلٍ وَبِشْرٍ وَسَرَوَاتِ بَنِي عَمْرٍو، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أَثِمَّ بَالَكُمْ وَلَمْ أَضَعْ فِي جَنْبِكُمْ، وَإِنَّ أَكْرَمَ أَهْلِ تِهَامَةَ عَلَيَّ أَنْتُمْ، وَأَقْرَبَهُمْ رَحِمًا وَمَنْ تَبِعَكُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ، وَإِنِّي قَدْ أَخَذْتُ لِمَنْ هَجَرَ يَعْنِي: هَاجَرَ مِنْكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذْتُ لِنَفْسِي، وَلَوْ هَجَرَ هَكَذَا أَمْلَى عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا هِيَ: هَاجَرَ بِأَرْضِهِ غَيْرَ سَكَنٍ يُرِيدُ: سَاكِنَ مَكَّةَ إِلَّا مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا، وَإِنْ لَمْ أَضَعْ فِيكُمْ إِذَا سَلَّمْتُ وَإِنَّكُمْ غَيْرُ خَائِفِينَ مِنْ قِبَلِي وَلَا مُحْصَرِينَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَابْنَا هَوْذَةَ، وَتَبِعَا يَعْنِي: وَبَايَعَا وَهَجَرَا يَعْنِي: وَهَاجَرَا عَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ عِكْرِمَةَ، وَأَخَذَ لِمَنْ تَبِعَهُ مِنْكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ بَعْضَنَا مِنْ بَعْضٍ أَبَدًا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَإِنَّنِي وَاللهِ مَا كَذَبْتُكُمْ، وَلْيُحَيِّيكُمْ رَبُّكُمْ " (1) .
وهذا سَمُرَة بن جُنْدُب بن هلال الفَزَارِي، من علماء الصحابة، نزيل البصرة، كان الحسن وابن سيرين وفضلاء أهل البصرة يثنون عليه ويجيبون عنه،قال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير. وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر وعلى الكوفة ستة أشهر وكان شديدا على الخوارج ويقول: شر قتلى تحت أديم السماء.
وعن محمد بن سيرين قال: كان سمرة -فيما علمت- عظيم الأمانة صدوق الحديث يحب الإسلام وأهله. وكان من الحفاظ المكثرين (2) .
__________
(1) - أخبار مكة للفاكهي - (3 / 99) (1856 ) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 422) (1242) فيه جهالة
(2) - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - (1 / 299)(1/349)
وقالوا: ومتى كان الأديب جامعاً بارعاً، وكانت مواريثه كتباً بارعة، وآداباً جامعة، كان الولد أجدر أن يرى التعلُّم حظاً، وأجدر أن يسرع التعليمُ إليه، ويرى تركه خطأً، وأجدرَ أن يجري من الأدب على طريق قد أنهج له، ومنهاج قد وطئ له، وأجدرَ أن يسري إليه عِرقْ مَن نَجله، وسقي من غرسه، وأجدر أن يجعل بدل الطلب للكسْب، النظر في الكتب، فلا يأتي عليه من الأيَّام مقدارُ الشغل بجمع الكتب، والاختلاف في سماع العلم، إلا وقد بلغ بالكفاية وغاية الحاجة، وإنَّما تُفسد الكفاية من له تمت آلاته، وتوافت إليه أسبابه، فأما الحدَث الغرير، والمنقوص الفقير. فخير مواريثه الكفاية إلى أن يبلغ التمام، ويكمل للطلب، فخير ميراثٍ وُرّث كتبٌ وعلم، وخير المورّثين من أورث ما يجمع ولا يفرِّق،، ويبصِّر ولا يُعمي، ويُعطي ولا يأخذ، ويجود بالكلِّ دون البعض، ويدع لك الكنزَ الذي ليس للسلطان فيه حقّ، والرِّكازَ الذي ليس للفقراء فيه نصيب، والنِّعمةَ التي ليس للحاسد فيها حيلة، ولا للُّصُوصِ فيها رغبة، وليس للخصم عليك فيه حجَّة، ولا على الجار فيه مَؤونة (1) .
وهنا أذكر شدة حاجتنا إلى كتب في القصص العام الإسلامي للأطفال، تجمع بين تشويقهم إلى المطالعة، وملاءمتها لمداركهم وقواهم العقلية، وتزويدهم بالشعور الإسلامي.. والقصص الإسلامي غني بذلك من سير الصحابة والتابعين وأمثالهم- رضوان الله عليهم.
وأذكر كذلك ضرورة احتواء المنزل على مكتبة مهما كانت يسيرة، إلا أن كتبها تُختار من كتب التاريخ الإسلامي، وتراجم السلف وكتب الأخلاق والحِكَم والرحلات الإسلامية والفتوح ونحوها.. ولئن كانت صيدلية المنزل ضروريةً لدواء الأجسام، فالمكتبة الإسلامية في المنزل ضروريةٌ لإصلاح العقول (2) .
أساليب عملية تجعل الأولاد يحبون القراءة:
__________
(1) - الحيوان - (1 / 32)
(2) - انظر أثر التربية في حياة الأفراد والأمم، محاضرةٌ ألقاها الإمام "حسن البنا" في جمعية الشبان المسلمين عام 1927م..(1/350)
يتفق أهل التربية على أهمية غرس حب القراءة في نفس الطِفل، وتربيته على حبها،حتى تصبح عادة له يمارسها ويستمتع بها.وما هذا إلا لمعرفتهم بأهمية القراءة، فقد أثبتت البحوث العلمية (أن هناك ترابطاً مرتفعاً بين القدرة على القراءة والتقدم الدراسي).
وهناك مقولات لعلماء عظام تبين أهمية القراءة أذكر منها:
1- (الإنسان القارئ تصعب هزيمته).
2- (إن قراءتي الحرة علمتني أكثر من تعليمي في المدرسة بألف مرة).
3- (من أسباب نجاحي وعبقريتي أنني تعلمت كيف انتزع الكتاب من قلبه).
4- سئل أحد العلماء العباقرة: لماذا تقرأ كثيراً؟ فقال: (لأن حياة واحدة لا تكفيني !!).
كما أن القراءة تفيد الطفل في حياته، فهي توسع دائرة خبراته، وتفتح أمامه أبواب الثقافة، وتحقق التسلية والمتعة، وتكسب الطفل حساً لغوياً أفضل، ويتحدث ويكتب بشكل أفضل، كما أن القراءة تعطي الطفل قدرة على التخيل وبعد النظر، وتنمي لدى الطفل ملكة التفكير السليم، وترفع مستوى الفهم، وقراءة الطفل تساعده على بناء نفسه وتعطيه القدرة على حل المشكلات التي تواجهه.
وأشياء كثيرة وجميلة تصنعها القراءة وحب الكتاب في نفس الطفل.
إنَّ غرس حب القراءة في نفس الطفل ينطلق من البيت الذي يجب عليه أن يغرس هذا الحب في نفس الطفل، فإن الأب اذا علم أولاده كيف يحبون القراءة، فإنه يكون قد وهبهم هدية سوف تثري حياتهم أكثر من أي شيء آخر!! ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ ولا سيما في عصر قد كثرت فيه عناصر الترفيه المشوقة والألعاب الساحرة التي جعلت الطفل يمارسها لساعات متواصلة؟!!
أساليب ترغيب القراءة للطفل:
1- القدوة القارئة: إذا كان البيت عامراً بمكتبة ولو صغيرة، تضم الكتب والمجلات المشوقة النافعة، وكان أفراد الأسرة ولاسيما الأب من القارئين والمحبين للقراءة، فإن الطفل سوف يحب القراءة والكتاب. فالطفل عندما يرى أباه وأفراد أسرته يقرأون، ويتعاملون مع الكتاب، فإنه سوف يقلدهم، ويحاول أن يمسك بالكتاب وتبدأ علاقته معه.(1/351)
2- تشجيع الطفل على تكوين مكتبة صغيرة له: تضم الكتب الملونة، والقصص الجذابة، والمجلات المشوقة، ولا تنس اصطحابه للمكتبات التجارية، والشراء من كتبها ومجلاتها، وترك الاختيار له، وعدم إجباره على شراء مجلات أو كتب معينة، كل هذا يجعل الطفل يعيش في جو قرائي جميل، يشعره بأهمية القراءة والكتاب، وتنمو علاقته بالكتاب بشكل فعّال.
3- التدرج مع الطفل في قراءته: لكي نغرس حب القراءة في الطفل ينبغي التدرج معه، فمثلاً كتاب مصور فقط، ثم كتاب مصور يكون في الصفحة الواحدة صورة وكلمة فقط، ثم كتاب مصور يكون في الصفحة الواحدة كلمتين، ثم كتاب مصور يكون في الصفحة الواحدة سطر وهكذا.
4- مراعاة رغبات الطفل القرائية: إن مراعاة رغبات الطفل واحتياجته القرائية، من أهم الأساليب لترغيبه في القراءة، فالطفل مثلاً يحب قصص الحيوانات وأساطيرها، ثم بعد فترة، يحب قصص الخيال والمغامرات والبطولات وهكذا. فعليك أن تساهم في تلبية رغبات الطفل، وحاجاته القرائية، وعدم إجباره على قراءة موضوعات أو قصص لا يرغبها!!
5- المكان الجيد للقراءة في البيت أو المسجد:خصص مكاناً جيداً ومشجعاً للقراءة تتوفر فيه الإنارة المناسبة والراحة الكاملة للطفل، كي يقرأ ويحب المكان الذي يقرأ فيه.
6- خصص للطفل وقتاً تقرأ له فيه: عندما يخصص المربى وقتاً يقرأ فيه للطفل القصص المشوقة، والجذابة حتى ولو كان الطفل يعرف القراءة، فإنه بذلك يمارس أفضل الأساليب لغرس حب القراءة في نفس طفله.
وهذه بعض التوصيات للقراءة للأطفال:
أ- اقرأ للأطفال أي كتاب أو قصة يرغبون بها، حتى ولو كانت تافهة، أو مكررة، وقد تكون أنت مللت من قراءتها، ولكن عليك بالصبر حتى تشعرهم بالمتعة في القراءة.
ب- عليك بالقراءة المعبرة، وتمثيل المعنى، واجعلها نوعاً من المتعة، واستعمل أصواتاً مختلفة، واجعل وقت القراءة وقت مرح ومتعة!!(1/352)
جـ- ناقش الأطفال فيما قرأته لهم، واطرح عليهم بعض الأسئلة، وحاورهم بشكل مبسط.
وحاول أن تكون هذه القراءة بشكل مستمر،كل أسبوع مرتين على الأقل.إن جلسات القراءة المسموعة، تجعل الأطفال يعيشون المتعة الموجودة في الكتب، كما أنها تساعدهم على تعلم وفهم لغة الكتب.
7- استغلال الفرص والمناسبات: إن استغلال الفرص والمناسبات، لجعل الطفل محباً للقراءة، من أهم الأمور التي ينبغي على المربى أن يدركها. فالمناسبات والفرص التي تمر بالأطفال كثيرة، ونذكر هنا بعض الأمثلة، لاستغلال الفرص والمناسبات لتنشئة الطفل على حب القراءة.
أ- استغلال الأعياد بتقديم القصص والكتب المناسبة هدية للطفل. وكذلك عندما ينجح أو يتفوق في دراسته.
ب- استغلال المناسبات الدينية، مثل الحج والصوم، وعيد الأضحى، ويوم عاشوراء، وغيرها من مناسبات لتقديم القصص والكتيبات الجذابة للطفل حول هذه المناسبات، والقراءة له، وحواره بشكل مبسط والاستماع لأسئلته.
جـ- استغلال الفرص مثل: الرحلات والنزهات والزيارات، كزيارة حديقة الحيوان، وإعطاء الطفل قصصاً عن الحيوانات. وحواره فيها، وما الحيوانات التي يحبها، وتخصيص قصص مشوقة لها، وهناك فرص أخرى مثل المرض وألم الأسنان، يمكن تقديم كتيبات وقصص جذابة ومفيدة حولها.
د- استغلال الإجازة والسفر: من المهم جداً ألا ينقطع الطفل عن القراءة،حتى في الإجازة والسفر، لأننا نسعى إلى جعله ألا يعيش بدونها، فيمكن في الإجازة ترغيبه في القراءة بشكل أكبر، أو القراءة له قراءة جهرية، فالقراءة الجهرية ممتعة للأطفال، وتفتح لهم الأبواب، وتدعم الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة، وسوف تكون لهم القراءة الممتعة جزءاً من ذكريات طفولتهم.(1/353)
8- استغلال هوايات الطفل لدعم حب القراءة: جميع الأطفال لهم هوايات يحبونها، منها مثلاً: الألعاب الإلكترونية، تركيب وفك بعض الألعاب،قيادة الدراجة، الرسم، الحاسب الآلي، كرة القدم،وغيرها من ألعاب. لذا عليك توفير الكتب المناسبة، والمجلات المشوقة، التي تتحدث عن هواياتهم، وثق أنهم سوف يندفعون إلى قراءتها،ويمكن لك أن تحاورهم فيها، وهل يرغبون في المزيد منها ؟ ولا تقلق إذا كانت هذه الكتب تافهة،أو لا قيمة لها في نظرك. فالمهم هنا هو تعويد الطفل على القراءة، وغرس حبها في نفسه.
9- طفلك والشخصيات التي يحبها والتي يمكن أن تجعله يحبها: من المهم أن تزود طفلك ببعض الكتب عن الشخصيات التي يحبها، أو التي يمكن أن يحبها، وأن يتعلم المزيد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وحياته ومعجزاته، وصحابته، والشخصيات البطولية في التاريخ الإسلامي وهذا كله موجود في قصص مشوقة وجذابة، ولا سيما إذا كان طفلك لا يحب قصص الخيال لكنه يحب قصص الخير ضد الشر والمغامرات الواقعية..
10- قطار القراءة يتجاوز الأطفال: لا تيأس أبداً فمهما بلغت سن الأطفال ومهما كبروا يمكنهم أن يتعلموا حب القراءة لكن من المهم أن توفر لهم المجلات، والكتب التي تلبي حاجاتهم القرائية، ومن الممكن أن تشترك لهم في بعض المجلات المناسبة، ولا سيما إذا كانوا مراهقين عليك أن تشبع حاجاتهم القرائية بشكل أكبر
11- قراءة الطفل والتلفزيون: إن كثرة أجهزة التلفزيون في المنزل. تشجع الطفل على أن يقضي معظم وقته في مشاهدة برامجها، وعدم البحث عن وسائل للتسلية، أما مع وجود جهاز تلفزيون واحد، فإن الطفل سوف يلجأ إلى القراءة بالذات حين يكون فرد آخر في أسرته يتابع برنامج لا يرغب الطفل في متابعته!!.
وإياك أن تضع جهاز تلفزيون في غرفة نوم طفلك لأنه سوف ينام وهو يشاهده بدلاً من قراءة كتاب قبل النوم. وكلما كبر طفلك وازدحمت حياته، وزاد انشغاله، فإن وقت ما قبل النوم، يصبح هو الفرصة الوحيدة للقراءة عنده، لذا أحرص على غرس هذه العادة في طفلك!!(1/354)
12- العب مع أطفالك بعض الألعاب القرائية: والألعاب التي يمكن أن تلعبها مع طفلك ليحب القراءة كثيرة جداً، ولكن اختر منها الألعاب المشوقة والمثيرة، وهناك ألعاب يمكن أن تبتكرها أنت، مثل: اكتب كلمات معكوسة وهو يقرأها بشكل صحيح، وابدأ بكتابة اسمه هو بشكل معكوس فمثلاً اسمه (سعد) اكتبه له (دعس) واطلب منه أن يقرأه بشكل صحيح وهكذا. ومن الألعاب: أن تطلب منه أن يقرأ اللوحات المعلقة في الشوارع، وبعض علامات المرور، كعلامة (قف). ومن الألعاب التي يمكن أن تبتكرها لطفلك، يمكنك كتابة قوائم ترغب في شرائها من محل التموينات، واجعل طفلك يشطب اسم الشيء الذي تشتريه. ومن الألعاب القرائية: ألصق بعض الأحرف الممغنطة على الثلاجة، واكتب بها بعض الكلمات، واطلب من طفلك قراءتها، ثم دعه هو يكتب الحروف والكلمات وأنت تجيب، وحاول أن تعطيه إجابة خاطئة أحياناً حتى يصححها لك، وتذكر أن الطفل يحب أن يتولى زمام اللعبة خاصة مع أبويه!!
13- المدرسة وقراءة طفلك: تابع باستمرار كيف يتم تدريس القراءة لأطفالك. زر المدرسة وتعرف على معلم القراءة، وبين له أنك مهتم بقراءة طفلك وبين له أيضاً البرامج التي تقدمها لطفلك ليكون محباً للقراءة. وأسأل معلم القراءة كيف يتم تدريس القراءة لطفلك وأسأله عن الأنشطة القرائية التي يمارسها طفلك في المدرسة، وأسأله عن علاقة طفلك بمكتبة المدرسة. وحاوره بشكل لطيف عن أهمية الأنشطة القرائية التي يجب أن يتعود عليها الطفل في المدرسة !!
ولا تنس أن تقدم خطابات الشكر للمعلم الذي يؤدي درس القراءة بطريقة تنمي حب القراءة لدى الطفل. وأحياناً يخشى المعلم القيام بأنشطة قرائية حرة داخل الصف ويترك المقرر قليلاً، لذا عليك أن تدعم هذا المعلم وترسل له خطابات الشكر هو ومديره، وأشكره على عمله!
واعرض عليه التبرع بالقصص المشوقة والكتب المناسبة لمكتبة الفصل! عندما يسمع المعلمون الآخرون عن هذا التشجيع فقد يجدون الشجاعة لعمل الشيء ذاته في فصولهم!!(1/355)
14- طفلك والرحلات المدرسية وأصدقاؤه والقراءة: إذا شارك طفلك أو ولدك في رحلة مدرسية، فاحرص على أن تزوده ببعض الكتب والقصص المشوقة!
فقد يكون هناك وقت مناسب لكي يقرأ فيها، ويمرر هذه الكتب والقصص المفيدة لأصدقائه!
ولكن ينبغي أن يطلع عليها المعلم أولاً. أيضاً يمكن أن تقدم لأصدقاء طفلك بعض الكتب والقصص المشوقة أو يعيرها ولدك لهم. هذا بإذن الله سوف يضمن إنشاء أصدقاء لطفلك يحبون القراءة.
15- السيارة وقراءة طفلك! احرص على توفير المجلات والقصص المناسبة لطفلك في سيارتك. وقدمها لطفلك أثناء القيادة، ولاسيما إذا كان الطفل سيجلس لمدة طويلة في السيارة. إن الطفل وقتها سوف ينشغل في القراءة ويكف عن الصراخ والمشاجرة وهذه فائدة أخرى!! ومن الملاحظ أن من الناس من يمضي وقتاً طويلاً، وسيارته واقفة لغسيلها، أو إصلاح المهندس لعطلٍ فيها، أو لأي سبب آخر. ولا يستفيد من هذا الوقت في القراءة في مجلات أو كتب نافعة. فلا تجعل أطفالك من هذا النوع إذا كبروا!!
16- عوِّد طفلك على قراءة الوصفات! عندما تشتري دواء، فإن وصفة طريقة تناول الدواء تكون موجودة داخل العلبة. وعندما تشتري لعبة لطفلك تحتاج إلى تركيب، فإن وصفة طريقة التركيب تكون مصاحبة لها. لذا من الضروري أن تطلب من طفلك أن يقرأها أولاً، أو أن تقرأها له بصوت واضح وتشرح له ما لم يفهمه منها. المهم أن يتعوَّد على قراءة أية وصفة مصاحبة لأي غرض. لأن ذلك سوف يدفعه إلى حب القراءة والتعود عليها.
17- القصص والمجلات المشوقة وملاحقة الأطفال: لاحق أطفالك بالقصص الجذابة والمشوقة في أماكن تواجدهم. ضع القصص بجوار التلفزيون، وأماكن اللعب، وبجوار السرير، ضع قصص جذابة للنوم ولكن لا تكره طفلك على القراءة أبداً!!.(1/356)
18- أفراد أسرتك والقراءة!! تحدَّث مع أفراد أسرتك عن المقالات والكتب التي قرأتها. وخصص وقتاً للحوار والنقاش فيها. وليكن ذلك بوجود أطفالك، واسمح لهم بالمشاركة في الحوار، وحاورهم في قراءتهم، وشجعهم على القراءة!
وعلى كتابة ما يعجبهم من القصص في دفتر خاص بذلك.
19- الطفل ومسرح القراءة: إن الأطفال يقرأون بسهولة عندما يفهمون ما يقرأون، لذا اختر الأدوار في القصة، واجعل طفلك يصبح إحدى الشخصيات ويقرأ الحوار الذي تنطق به وهذا هو ما يسمى (مسرح القراءة). وهذا سوف يساعد على المتعة والإثارة أثناء القراءة. (1)
لذا ينبغى الاهتمام بتكوين مكتبة تخص الأطفال ويتم تشجيعهم على الاستعارة والاهتمام بالكتب وتلخيص ما تم استعارته،ومكافأتهم على ذلك واعطائهم الجوائز.
مكونات المكتبة:
1- كتب ومجلات.2- أشرطة كاست.3- أشرطة فيديو.4- اسطوانات كمبيوتر.
تحضير هذه المواد من السهل بمكان فمجرد المرور على المكتبات ودور النشر والتسجيلات يستطيع المربي تكوين مكتبة شاملة،حيث يختار منها ما يخص الأطفال،وخاصة القصص والكتب المصورة،والأناشيد والكرتون المفيد.
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.almarefa.net/showthread.php?t=3865(1/357)
الأساس الثامن -رواية طفولة علماء السلف الصالح أمام الأطفال.
نظرا لما تلعب القصة في شد انتباه الطفل، وتحريك مشاعره، وإثارة اليقظة الفكرية في عقله، وحيث إن أسلوب القصة كانت إحدى الوسائل النبوية في تربية الأطفال، وأحد الأركان القوية في شحذ هممهم، وتطلعهم نحو مستقبل عملي متقدم، لهذا نقدم بين يديك هذه النماذج لتكون النواة التي تنطلق منها في توجيه الأطفال، واستنهاض هممهم .
1- سفيان بن عيينة :
عن أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَنَظَرَ إِلَى صَبِيٍّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَكَأَنَّ أَهْلَ الْمَجْلِسِ تَهَاوَنُوا بِهِ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَالَ: "يَا نَضِرُ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَلِي عَشْرُ سِنِينَ، طُولِي خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَوَجْهِي كَالدِّينَارِ، وَأَنَا كَشُعْلَةِ نَارٍ، ثِيَابِي صِغَارٌ، وَأَكْمَامِي قِصَارٌ، وَذَيْلِي بِمِقْدَارٍ، وَنَعْلِي كَآذَانِ الْفَارِ، أَخْتَلِفُ إِلَى عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، مِثْلَ الزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارِ، أَجْلِسُ بَيْنَهُمْ كَالْمِسْمَارِ، مِحْبَرَتِي كَالْجَوْزَةِ، وَمِقْلَمَتِي كَالْمَوْزَةِ، وَقَلَمِي كَاللَّوْزَةِ، فَإِذَا دَخَلْتُ الْمَجْلِسَ قَالُوا: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ الصَّغِيرِ، أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ الصَّغِيرِ، قَالَ: ثُمَّ تَبَسَّمَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَضَحِكَ، قَالَ أَحْمَدُ وَتَبَسَّمَ أَبِي وَضَحِكَ، قَالَ عَمَّارٌ وَتَبَسَّمَ أَحْمَدُ وَضَحِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السَّلَامِيُّ وَتَبَسَّمَ عَمَّارٌ وَضَحِكَ، قَالَ الْقَاضِي: وَتَبَسَّمَ السَّلَامِيُّ وَضَحِكَ، وَتَبَسَّمَ أَبُو الْعَلَاءِ وَضَحِكَ، وَتَبَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ وَضَحِكَ، وَتَبَسَّمَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَضَحِكَ، قَالَ سَيِّدُنَا ابْنُ الْمَقْدِسِيُّ: وَتَبَسَّمَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ وَضَحِكَ " (1) .
وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي: مَتَى يَجُوزُ سَمَاعُ الصَّبِيِّ فِي الْحَدِيثِ ؟ فَقَالَ: إِذَا عَقَلَ وَضَبَطَ، قُلْتُ: فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ سَمَّيْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ سَمَاعُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ الْبَرَاءَ وَابْنَ عُمَرَ، وَاسْتَصْغَرَهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ،
__________
(1) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (142)(1/358)
فَأَنْكَرَ قَوْلَهُ هَذَا، وَقَالَ: "بِئْسَ الْقَوْلُ يَجُوزُ سَمَاعُهُ إِذَا عَقَلَ فَكَيْفَ يَصْنَعُ بِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْمًا " (1) .
2- طفولة مال بن أنس رحمه الله :
قال مطرف: قال مالك: قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم ؟ فقالت: تعال، فالبس ثياب العلم، فألبستني مسمرة، ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن، وكانت تقول: اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه " (2) .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا حَدَثُ السِّنِّ، وَمَعِيَ غُلاَمٌ لِي، فَيَقْعُدُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ صَغِيْرَ النَّفْسِ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ سَالِمٍ لاَ يُفْتِي شَيْئاً (3) .
وعَنْ مَالِكٍ: كُنْتُ آتِي نَافِعاً، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ، فَيَنْزِلُ، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، لاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ، وَكَانَ يَلْبَسُ كِسَاءً، وَرُبَّمَا وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ لاَ يُكَلِّمُ أَحَداً، وَكُنْتُ أَرَاهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ يَلْتَفُّ بِكِسَاءٍ لَهُ أَسْوَدَ (4) .
3- طفولة الإمام الشافعي رحمه الله :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: "لَمْ يَكُنْ لِي مَالٌ كُنْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي الْحَدَاثَةِ فَكُنْتُ أَذْهِبُ إِلَى الدِّيوَانِ أَسْتَوْهِبُ الظُّهُورَ أَكْتُبُ عَلَيْهَا " (5) .
وعن الشافعي: أنه كان في مجلس مالك بن أنس، وهو غلام، فجاء رجل إلى مالك، فاستفتاه، فقال: إني حلفت بالطلاق الثلاث إن هذا البلبل لا يهدأ من الصياح.قال: فقال له مالك: قد حنثت. فمضى الرجل. فلتفت الشافعي إلى بعض أصحاب مالك، فقال: إن
__________
(1) - الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (143 )
(2) - ذكره ابن عبد البر في التمهيد (3/4) بنحوه. ومقدمة كتاب الديباج لابن فرحون
(3) - سير أعلام النبلاء - (5 / 97)
(4) - سير أعلام النبلاء - (5 / 98)
(5) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (13512 )(1/359)
هذه الفتيا خطأ. فأخبر مالك بذلك. قال: وكان مالك مهيب المجلس، لا يجسر أحد أن يراده، وكان ربما جاء صاحب الشرطة، فيقف على رأسه إذا جلس في مجلسه. قال: فقالوا لمالك: إن هذا الغلام الشافعي يزعم أن هذه فتيا إغفال أو خطأ، فقال له مالك: من أين قلت هذا؟ فقال له الشافعي: أليس أنت الذي رويت لنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قضية فاطمة بنت قيس أنها قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالُ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ" (1) ، وإنما أراد الأغلب من ذلك. قال: فعرف مالك محل الشافعي ومقداره. قال الشافعي: فلما أردت أن أخرج المدينة جئت إلى مالك، فودعته، فقال لي مالك حين فارقته: يا غلام، اتق الله، ولا تطفئ هذا النور الذي أعطاكه الله بالمعاصي. يعني بالنور: العلم، وهو قول الله - عز وجل -: "{.. وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40) سورة النور " (2) .
4- طفولة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :
حفظ أحمد بن حنبل القرآن في صباه، وتعلم القراءة والكتابة، ثم اتجه إلى الديوان، يمر على التحرير، ويقول في نفسه: كنت وأنا غليم أختلف إلى الكتاب، ثم أختلف إلى الديوان، وأنا ابن أربع عشرة سنة .
وكانت نشأته فيها آثار النبوغ والرشد، حتى قال بعض الأدباء: وأنا أنفق على ولدي، وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف ؟!
وجعل يعجب من أدبه، وحسن طريقه (3) .
وبدافع الرغبة في العلم أقبل أحمد الطفل الصغير بكل قلبه وجوارحه على العلم والدرس والقراءة، موفور الموهبة،نام المَلَكة، وأخذ يتردد على حلقات العلم في بغداد، وهو موضع
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (3770 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 356) (4049)
(2) - تاريخ دمشق - (51 / 70) وحياة الحيوان الكبرى - (1 / 151)
(3) - رجال الفكر والدعوة للندوي (ص 105)(1/360)
الإعجاب من الناس. قال المروذي: قال لي أبو سراج بن خزيمة -وهو ممن كان مع أحمد في الكتّاب-: إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد وحسن طريقته. فقال لنا ذات يوم: أنا أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظر كيف يخرج؟ وجعل يعجب. وكان الهيثم بن جميل يقول عن أحمد: أحسب هذا الفتى -إن عاش- يكون حجة على أهل زمانه (1) .
5- طفولة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة :
قال أبو يوسف: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقلّ، رثّ الحال، فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معه، فقال: يا بني ! لا تمدّن رجلك مع أبي حنيفة، فإن أبا حنيفة خبزه مشويّ، وأنت تحتاج إلى المعاش، فقصرت عن كثير من الطلب، وآثرت طاعة أبي، فتفقدني أبو حنيفة وسأل عني، فجعلت أتعاهد مجلسه، فلما كان أول يوم أتيته بعد تأخري، قال لي: ما شغلك عنا ؟ قلت: الشغل بالمعاش، وطاعة والدي، فجلست، فلما انصرف الناس دفع إليّ صرّة وقال: استمتع بهذه، فنظرت فإذا فيها مئة درهم، فقال لي: الزم الحلقة وإذا نفذت هذه فأعلمني، فلزمت الحلقة، فلما مضت مدة يسيرة دفع إلي مئة أخرى، ثم كان يتعاهدني، وما أعلمته بخلّة قط، ولا أخبرته بنفاد شيء ما، وكان كأنه يخبر بنفادها حتى استغنيت وتموّلت .
وهناك رواية ثانية في نشأة الإمام أبي يوسف :قال علي بن الجعد: أخبرني أبو يوسف، قال: توفي أبي إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيرا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصّار أخدمه، فكنت أدع القصّار وأمرّ إلى حلقة أبي حنيفة، فأجلس أستمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي، وتذهب بي إلى القصّار، وكان أبو حنيفة يعنَى بي لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي، وطال عليها هربي، قالت لأبي حنيفة: ما لهذا الصبيّ فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مغزلي، وآمل أن يكسب دانقاً يعود به على نفسه، فقال لها أبو حنيفة: مُرِّي يا رعناء ! هو ذا
__________
(1) - http://www.fustat.com/bibliography/ibn_hanbal_4.shtml(1/361)
يتعلّم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فانصرفت عنه، وقالت له: أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك .
قال أبو يوسف: ثم لزمت أبا حنيفة، وكان يتعاهدني بماله، فما ترك لي خلّة، فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلّدت القضاء، وكنت أجالس هارون الرشيد، وآكل معه على مائدته .
فلما كان في بعض الأيام قدم إلى هارون الرشيد فالوذج، فقال لي هارون: يا يعقوب ! كل منه، فليس يعمل لنا مثله كل يوم، فقلت: وما هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال: هذا فالوذج بدهن الفستق، فضحكت، فقال لي: مم ضحكت ؟ فقلت: خيراً أبقى الله يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني، وألحَّ عليَّ، فأخبرته بالقصّة من أوّلها إلى آخرها فعجب من ذلك، وقال لي: لعمري إن العلم ليرفع وينفع ديناً ودنيا، وترحّم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه (1) .
6- طفولة محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله :
قال مجاشع بن يوسف: كنت بالمدينة عند مالك وهو يفتي الناس، فدخل عليه محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وهو حدث، فقال: ما تقول في جنب لا يجد الماء إلا في المسجد؟ فقال مالك: لا يدخل الجنبُ المسجدَ، قال: فكيف يصنع وقد حضرت الصلاة وهو يرى الماء؟ فجعل مالك يكرر: لا يدخل الجنب المسجد، فلما أكثر عليه قال له مالك: فما تقول أنت في هذا؟ قال: يتيمم ويدخل فيأخذ الماء من المسجد ويخرج فيغتسل، قال مالك: من أين أنت؟ قال: من أهل هذه، وأشار إلى الأرض، فقال: ما من أهل المدينة أحد إلا أعرفه، فقال: ما أكثر من لا تعرف ! ثم نهض، قالوا لمالك: هذا محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، فقال مالك: محمد بن الحسن !كيف يكذب وقد ذكر أنه
__________
(1) - أقباس روحانية موافق للمطبوع - (1 / 84)
http://www.naseh.net/vb/showthread.php?t=29281(1/362)
من أهل المدينة؟قالوا: إنما قال: من أهل هذه، وأشار إلى الأرض، قال: هذا أشد علي من ذاك (1) .
7- طفولة ابن الجوزي رحمه الله :
قال ابن الجوزيّ: تأمّلت أحوال النّاس في حالة علوّ شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين حسراتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشّباب، ومنهم من فرّط في اكتساب العلم ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللّذات.
فكلّهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات، فإن كانت للشّيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال:
وا أسفاه على ما جنيت؟ وإن لم يكن له إفاقة صار متأسّفا على فوات ما كان يلتذّ به.
فأمّا من أنفق عصر الشّباب في العلم فإنّه في زمن الشّيخوخة يحمد جنى ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذّات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذّات العلم.
هذا مع وجود لذّاته في الطّلب الّذي كان يأمل به إدراك المطلوب، وربّما كانت تلك الأعمال أطيب ممّا نيل منها، كما قال الشّاعر:
أهتزّ عند تمنّي وصلها طربا ... وربّ أمنيّة أحلى من الظّفر
ولقد تأمّلت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الّذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدّنيا، وأنفقت زمن الصّبوة والشّباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممّا نالوه إلّا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثمّ تأمّلت حالي فإذا عيشي في الدّنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين النّاس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك
__________
(1) - تاريخ بغداد - (1 / 270) http://www.sonnaonline.com/SubMosanfeen.aspx?FileID=mosanefo&ID=12(1/363)
وسهرك، فقلت له: أيّها الجاهل. تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدّت إلى صديق:
جزى اللّه المسير إليه خيرا ... وإن ترك المطايا كالمزاد.
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصّبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّتي لا ترى إلّا لذّة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أنّي عرفت بكثرة سماعي لحديث الرّسول - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم - رضي الله عنهم - م أجمعين- (1) .
وقال أيضاً: لم أقنع بفن واحد بل كنتُ أسمعُ الفقه والحديث، وأتبعُ الزُّهاد، ثم قرأتُ اللغة، ولم أتركْ أحداً ممن يروي ويعظ، ولا غريباً يقدمُ إلا وأحضرهُ، وأتخيَّرُ الفضائل. ولقد كنتُ أدورُ على المشايخ لسماعي الحديث فينقطع نفسي من العدو لئلا أُسبق (2) ..
8- طفولة ابن سينا رحمه الله :
لما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن خفظ القرآن العزيز، والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدين، والحساب والجبر والمقابلة، ثم أحكم علم المنطق، وإقليدس والمجَسطي، وفاق شيخه ( الحكيم أبا عبد الله الناتلي) أضعفاً كثيرة، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، واشتغل بتحصيل العلوم الطبيعي والإلهي، وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك، في علم الطب، وتأمل الكتب المصنفة فيه، وعالج تأدباً -أي تعلماً وتعليماً -لا تكسباً، وعلم الطب حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة، وأصبح فيه عديم النظير، فقيد المثيل، واختلف إليه فضلاء هذا الفن وكبراؤه، يقرؤون عليه أنواعه،
__________
(1) - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - (7 / 3005) و صيد الخاطر لابن الجوزي (218- 219).
لا وقع له: أي لا ألم له. - المطايا: جمع مطية: الدابة التي تركب.- المزاد: أي المزادة وهي القربة من الجلد إذا كانت خالية من الماء- وأرجو: أي أطلبه من العلم وأرجوه من تحصيل الثواب ونفع الناس بالدعوة إلى اللّه.
(2) - http://www.rayah.info/browse.php?comp=viewArticles&file=article&sid=45(1/364)
والمعالجات المقتبسة من التجربة، وسنُّه آن ذاك نحو ست عشرة سنة، وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها، ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ، وقصد المسجد الجامع وصلى، ودعا الله عز وجلَّ أن يسهلها عليه، ويفتح مغلقها له، وكان نادرة عصره في عمله وذكائه وتصنيفه، وصنف ما يقارب مئة مصنف ما بين مطول ومختصر، ورسالة في فنون شتى، رحمه الله تعالى (1) .
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صفحات من صبر العلماء لأبي غدة (ص 43)(1/365)
خاتمة- نموذج من أطفال الصحابة ممن جمع بين العلم والقرآن والجهاد
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: كَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثَ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، وَكَانَتْ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخَمْسِ سِنِينَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَأَنَا ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَأُتِيَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا: غُلامٌ مِنَ الْخَزْرَجِ قَدْ قَرَأَ سِتَّ عَشْرَةَ سُورَةً، فَلَمْ أُجَزْ فِي بَدْرٍ، وَلا أُحُدٍ، وَأُجَزْتُ فِي الْخَنْدَقِ "
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَكْتُبُ الْكِتَابَيْنَ جَمِيعًا كِتَابَ الْعَرَبِيَّةِ، وَكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْخَنْدَقُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ فِيمَنْ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إِنَّهُ نِعْمَ الْغُلامُ، وَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ يَوْمَئِذٍ، فَرْقَدَ، فَجَاءَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، فَأَخَذَ سِلاحَهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أَبَا رُقَادٍ نِمْتَ حَتَّى ذَهَبَ سِلاحُكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسِلاحِ هَذَا الْغُلامِ ؟ فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُهُ فَرَدَّهُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَوَّعَ الْمُؤْمِنُ، وَأَنْ يُؤْخَذَ مَتَاعُهُ لاعِبًا وَجَدًّا، وَكَانَتْ رَايَةُ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فِي تَبُوكَ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، فَأَدْرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَهَا مِنْهُ فَدَفَعَهَا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ عُمَارَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَكَ عَنِّي شَيْءٌ ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يُقَدَّمُ، وَكَانَ زَيْدٌ أَكْثَرَ أَخْذًا مِنْكَ لِلْقُرْآنِ ..". (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - المستدرك للحاكم - (5778) ضعيف(1/366)
الفصل الثامن
البناءُ الصحيُّ
تمهيد :
المبحث الأول-أسس البناء الصحي :
الأساس الأول -رياضة الطفل للسباحة والرماية وركوب الخيل والمصارعة والجري .
الأساس الثاني- تعود الطفل سنَّة السواك.
الأساس الثالث -اهتمام الطفل بالنظافة وتقليم الأظافر .
الأساس الرابع - اتباع السنن النبوية في الأكل والشرب.
الأساس الخامس- نوم الطفل على شقه الأيمن .
الأساس السادس -تعلم الطفل للعلاج الطبيعي .
الأساس السابع- النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر .
الأساس الثامن - إبعاد الأطفال عن الطفل المريض مرضاً معدياً .
الأساس التاسع - رقية الأطفال من العين الحاسدة والجنِّ.
المبحث الثاني - العلاجات النبوية :
1- السرعة في معالجة المريض .
2-عيادة وزيارة الطفل المريض.
3- العلاج باستخدام العود الهندي.
4- العلاج بالحجامة .
5- العلاج بالدعاء والرُّقى .
6- العلاج من إصابة العين الحاسدة .
7-تحريم تعليق شيء على الطفل ما لم يكن قرآناً أو حديثاً نبويًّا.(1/367)
تمهيد :
إن الإسلام قد اهتم بصحة الإنسان عامة، وبصحة الطفل خاصة، وقد حرص في توجيهاته الكثيرة على المداواة والمسارعة إليها، لأنها من العلاجات الأساسية لصحة الجسم، وباعتبار أن الجسم أمانة عند الإنسان، لذا وجب المحافظة على هذه الأمانة، حتى جعل المداواة من قدر الله تعالى، الذي يمحو قدر الله الذي حلَّ بالإنسان، وهو المرض .
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ مَعَهُ دَوَاءٌ، جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَعَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ (1) .
وعَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ (2) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، إِلاَّ السَّامَ وَالْهَرَمَ (3) .
وعَنْ أَبِى خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ « هِىَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ » (4) .
وهذه الأحاديث إنما تدلُّ على اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بسلامة الفرد المسلم من الأمراض والأوجاع، كيف وقد ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ الْخَيْرُ، فَاحْرِصْ عَلَى مَا تَنْتَفِعُ بِهِ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ: قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ اللَّوَ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ (5) .
إذا تأملنا في الأحاديث النبوية والسيرة الشريفة، نلمح تسعة أركان صحية اهتم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاية الطفل صحيًّا، فما هي هذه الأركان .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 427) (6062) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (5871) و صحيح ابن حبان - (13 / 428) (6063)
(3) - صحيح ابن حبان - (13 / 428) (6064) صحيح
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (2206 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (6945 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 29)(5722)(1/368)
المبحث الأول-أسس البناء الصحي :
الأساس الأول -رياضة الطفل للسباحة والرماية وركوب الخيل والمصارعة والجري .
تقدم معنا في أسس البناء الجسمي أن حق الطفل في تعلم السباحة والرماية، ووصية عمر - رضي الله عنهم - للولاة أن يعلموا أطفالهم كذلك، فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنَ قَطِّعُوا الرّكُبَ، وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ، وَاحتذُوا النِّعَالَ، وَأَلْقُوا السَّرَاوِيلاَتِ، وَاتَّزِرُوا، وَارْمُوا الأَغْرَاضَ، وَعَلَيْكُمْ بِاللِّبْسَةِ الْمُعَدِّيَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَهَدْيَ الْعَجَمِ، فَإِنَّ شَرَّ الْهَدْيِ، هَدْيُ الْعَجَمِ (1) ،، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان سصف الأطفال، ويجري لهم مسابقة الجري، وأنه شاهد مصارعة طفلين مع بعضهما قبل دخول غزوة أحد، فالرياضة البدنية هذه تبني جسم الطفل بشكل قويٍّ، بحيث يقوى على التصدي للأمراض بشكل ذاتيٍّ، ويصبح جسمه ممتنعاً ذاتيًّا عن قبول الأمراض، إلا إذا أراد الله شيئاً آخر، وابتلاء آخر .
ومن هذه الفوائد
- النوم الجيد والعميق والمفيد.
- إنقاص الوزن الزائد من الدهون المتراكمة.
- زيادة العضلات والكتلة العضلية في الجسم.
- زيادة مقاومة الجسم لمحاربة الالتهابات والأمراض.
- خفض معدل الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والداء السكري والحد منها.
- تساهم الرياضة في المحافظة على خلايا المخ وتجعل الإنسان يفكر بشكل جيد.
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 215)(25366) صحيح
الاتزار: لبس الإزار والمراد تغطية النصف الأسفل من الجسم - السروال: لباس يغطي السرة والركبتين وما بينهما- نَزَوْتُ على الشيء: وَثَبْت عليه(1/369)
تقوي الرياضة الرئتين والعضلات وتحافظ على المفاصل.إذا كنت مصاباً بداء السكري، فإن الرياضة جزء أساسي في ضبط سكر الدم (1) .
وتساعد الرياضة على التخلص من التوتر النفسي:
كل إنسان يعاني من التوتر النفسي في زمن ما.تنتج تأثيرات التوتر النفسي عن هرمون اسمه "إيبينيفرين"( إدرينالين )، يتم إفرازه في الدم، ويؤدي إلى تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.يتم تحريض إفراز الإيبينيفرين عندما نخاف شيئاً ما أو عندما يطلب منا أي شيء أكثر من اللازم.التعرض للتوتر النفسي بشكل عرضي، غير ضار.أما التوتر المستمر، فإنه يضر بالصحة.وتشكل التمارين الرياضية وسيلة ناجعة لخفض التوتر النفسي، خاصة عند ممارستها بشكل يومي (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.mor3ben.com/forum/archive/index.php/t-150435.html
http://forum.alrowadschool.com/showthread.php?t=11185
(2) - http://www.schoolsolympic.com/vb/showthread.php?t=1363(1/370)
الأساس الثاني- تعود الطفل سنَّة السواك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ (1) .
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ مَعَ الْوُضُوءِ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ (2) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ (3) .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ (4) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ، فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ (5) .
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ قُلْتُ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ بِالسِّوَاكِ (6) .
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ (7) .
قال النووي: "إن السواك مستحب في جميع الأوقات، ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا: أحدها: عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب، أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا، الثاني: عند الوضوء، الثالث: عند قراءة القرآن، الرابع: عند الاستيقاظ من النوم، الخامس: عند تغير الفم ؛ وتغيره يكون بأشياء منها: ترك الأكل والشرب، ومنها: أكل ما له رائحة كريهة، ومنها طول السكوت، ومنها: كثرة الكلام.ومذهب
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (612 ) وصحيح ابن حبان - (3 / 350)(1068)
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 351)(1069) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (3 / 348)(1066) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (3 / 349)(1067) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (3 / 352)(1070) صحيح
(6) - صحيح مسلم- المكنز - (2 / 238)(613 )
(7) - صحيح مسلم- المكنز - (616 ) -يشوص: يدلك أسنانه وينقيها(1/371)
الشافعي: أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا يزيل رائحة الخلوف المستحبة، ويستحب أن يستاك بعود من أراك، وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والسعد والأشنان، وأما الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك، وإن كانت خشنة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: المشهور: لا تجزي، والثاني: تجزي، والثالث: تجزي إن لم يجد غيرها، ولا تجزي إن وجد، والمستحب أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل، والمستحب أن يستاك عرضا ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه، فإن خالف واستاك طولا حصل السواك مع الكراهة، ويستحب أن يمر السواك أيضا على طرف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا، ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن من فيه، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه، ويستحب أن يعود الصبي السواك ليعتاده " (1) .
وقد اكتشف في عدة أبحاث طبية وصيدلانية أن السواك المأخوذ من شجرة الأراك غني بالمواد المطهرة والمنظفة والقابضة والمانعة للنزيف الدموي والعفونة والقاتلة للجراثيم, وهو يحتوي على مواد عديدة ومفيدة لا توجد بأي معجون وان المواد التى ثبت وجودها في السواك أكثر من 25 مادة طبيعية لا غنى عنها في سلامة الأسنان ونظارتها .
فوائد السواك
قال الإمام ابن القيم في فوائد السواك عدة منافع:
فهور يطيب الفم.يشد اللثة.يقطع البلغم.يجلو البصر.يذهب بالحفر.يصح المعدة.يصفي الصوت.يعين على هضم الطعام.يسهل مخارج الكلام.ينشط للقراءة والذكر والصلاة.يطرد النوم.يعجب الملائكة.يكثر الحسنات.
ومن الفوائد المكتشفة حديثا:
أفضل علاج وقائي لتسوس أسنان الأطفال لاحتوائه مادة الفلورايد
يزيل الصبغ والبقع لاحتوائه مادة الكلور
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (1 / 407)(1/372)
يبيض الأسنان لاحتوائه مادة السليكا
تحمي الأسنان من البكتريا المسببة للتسوس لاحتوائه مادة الكبريت والمادة القلوية
يفيد في إلتآم الجروح وشقوق اللثة وعلى نموها نموا سليما لاحتوائه مادة تراي مثيل امين وفيتامين ج
أفضل علاج لترك التدخين (1) .
والمهم في هذا الأمر أن نعوِّد الطفل على السواك في كل حين، وأن ينظف أسنانها بأي وسيلة نافعة كانت .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.syrianmeds.net/forum/topic3359.html(1/373)
الأساس الثالث -اهتمام الطفل بالنظافة وتقليم الأظافر .
النظافة ركن أساسي من الأركان التي دعا إليها الإسلام، والطفل الذي يريد الصلاة لا بد أن يتوضأ، ولا بد أن تكون ثيابه نظيفة طاهرة، ولا بد أن يكون المكان طاهراً، وذلك كله لأداء فريضة الصلاة التي يؤمر بها في السابعة، ويضرب عليها في العاشرة .
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "تَنَظَّفُوا " (1) .
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "نَظِّفُوا أَفْنِيَتِكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ أَنْتَنُ النَّاسِ " (2) .
وعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ طِيبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا بُيُوتَكُمْ، وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ الَّتِي تَجْمَعُ الأَكْنَافَ فِي دُورِهَا " (3) .
وأما تقليم الأظفار، فهو من الفطرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظَافِرِ، وَالاِسْتِحْدَادُ وَالْخِتَانُ (4) .
قال النووي: "أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الفطرة خمس ) فمعناه خمس من الفطرة كما في الرواية الأخرى ( عشر من الفطرة )، وليست منحصرة في العشر، وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم انحصارها فيها بقوله: "من الفطرة ".والله أعلم .
وأما الفطرة ؛ فقد اختلف في المراد بها هنا ؛ فقال أبو سليمان الخطابي: ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة، وكذا ذكره جماعة غير الخطابي قالوا: ومعناه أنها من سنن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقيل: هي الدين ..
أما تفصيلها ( فالختان ) واجب عند الشافعي وكثير من العلماء، وسنة عند مالك وأكثر العلماء، وهو عند الشافعي واجب على الرجال والنساء جميعا، ثم إن الواجب في الرجل
__________
(1) - الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (288 ) حسم مرسل
(2) - الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ (287 ) صحيح مرسل
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(790) والكنى والأسماء للدولابي - (867 ) ضعيف
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5889 ) وصحيح مسلم- المكنز - (620 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 291)(5479)(1/374)
أن يقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى ينكشف جميع الحشفة، وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج ..
وأما ( الاستحداد ) فهو حلق العانة، سمي استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى، وهو سنة، والمراد به نظافة ذلك الموضع، والأفضل فيه الحلق، ويجوز بالقص والنتف والنورة، والمراد ( بالعانة ) الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذاك الشعر الذي حوالي فرج المرأة .
وأما ( تقليم الأظفار ) فسنة ليس بواجب، وهو تفعيل من القلم وهو القطع، ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى.والله أعلم .
أما ( نتف الإبط ) فسنة بالاتفاق، والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه، ويحصل أيضا بالحلق وبالنورة، وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي - رحمه الله - وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع، ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن .
وأما ( قص الشارب ) فسنة أيضا، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولي ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة.وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله، وأما روايات( أحفوا الشوارب ) فمعناها: أحفوا ما طال على الشفتين والله أعلم .
وأما ( إعفاء اللحية ) فمعناه توفيرها وهو معنى ( أوفوا اللحى ) في الرواية الأخرى، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك .
وأما ( غسل البراجم ) فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء ( البراجم ) بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه(1/375)
ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما.والله أعلم (1) . .
ويتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلا، والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعباد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل قد حسنت صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر به حسنها، وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب، لأن الإنسان إذا بدأ في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقيل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس (2) .
فالنظافة جزء من تعاليم ديننا الإسلامي، فنحن نتوضأ لأداء الصلاة، كما نغتسل لصلاة الجمعة، وكلما وجدنا أجسامنا تحتاج للنظافة.
عدم تنظيف أجسامنا يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة منها.
عدم تقليم أظافرنا تؤدي إلى حمل الجراثيم مع الطعام الذي نأكله.
نظافة الملابس الداخلية والخارجية وطهارتها مطلب ديني لذا لا نصلي إلا في ملابس نظيفة. يجب تنظيف الأسنان من بقايا الطعام بصفة مستمرة. بأدواتك الخاصة بك.
في كل يوم نهتم بنظافة أجسامنا وملابسنا الداخلية والخارجية وحاجتنا التي نستعملها كالمنشفة وفراش النوم.
ونحن ننظف أسناننا بالسواك والفرشة والمعجون لنبعد بقايا الطعام التي تبقى بين الأسنان فتسبب تسوسها وانبعاث روائح كريهة من الفم. لكي لا يتأذى منها الناس والملائكة .
ومن فوائد النظافة :
1.محبة الله ورسوله للمتطهر.
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (1 / 414)
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار الفكر - (10 / 339)(1/376)
2. شعور نفسي كبير بالراحة والنشاط .
3. احترام الناس للإنسان النظيف واقترابهم منه وعدم نفورهم ، خصوصاً وأن ّ الإنسان في معاملاته اليومية يحتاج إلى الاقتراب من الآخرين .
4. إن الله خلق ملائكة مرافقين للإنسان ، فمن الاحترام لهم أن يكون نظيفاً.
5.والأهم نظافة بيئتنا لتكون مثيلة ببيتنا وعدم التفرقة بينهما.
6. إن كان للإنسان زوجة وأبناء وأبوان يقترب منهم كثيراً، فزيادة في الصلة والمودة عليه أن يكون نظيفاً.
7. النظافة تقلل من الأمراض الجسدية ، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.shababsyria.org/vb/showthread.php?t=23743(1/377)
الأساس الرابع - اتباع السنن النبوية في الأكل والشرب.
تقدم معنا من أدب الطعام: أن يعوَّد الطفل تناول الطعام من أمامه،فلا تطيش يده في الصحن حيثما يحلو له، وإذا عوِّد سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الابتعاد عن التخمة أثناء الطعام، كان له فوزاً ونصراً، وحفاظاً من كثير من الأمراض الباطنية والداخلية .
عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ الْمِقْدَامِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مَلَأَ آدَمَيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُكَ يَا ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَكَ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ نَفَسٌ (1) .
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ طَعَامُهُ، وَثُلُثٌ شَرَابُهُ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " (2) .
وعن الْمِقْدَامَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ، فَثُلُثُ طَعَامٍ، وَثُلُثُ شَرَابٍ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ (3) .
قال العلامة ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات، ودكاكين الصيادلة. وإنما قال هذا لأن أصل كل داءٍ التخم. والله أعلم (4) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 41)(5236) صحيح
(2) - شعب الإيمان - (7 / 447)(5261 ) والمسند الجامع - (15 / 708)(11820) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 854)(17186) 17318- صحيح
(4) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (2 / 3383) وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (2 / 466)(1/378)
وهناك أطفال كثيرون تنمو أجسامهم نموَّاً غير معقول، بسبب قناعة الآباء المغلوطة أنَّ الصِّحة في كثرة الشحوم والدهون، فينشأَ هذا الطفل على عادات غذائيَّة سيِّئة، فيصبح ضحيَّةً لإهمال أبيه وأمِّه، فلابدَّ من العناية بهذا التوجيه (1) .
وأما الشراب فيتعوَّد فيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاَثًا.
وفي رواية عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا شَرِبَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: هُوَ أَهْنَأُ وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ (2) .
أروى: من الري، وهو ذهاب العطش.
أبرأ: من البرأ، وهو ذهاب المرض، فإما أن يريد به أنه يبرئه من ألم العطش، أو أنه لا يكون منه مرض...
أمْرأ: من الاستمراء، وهو ذهاب كظة الطعام وثقله.
أهنأ: من الشيء الهنيء، وهو اللذيذ الموافق للغرض، إنما نهي عن النفخ في الشراب: من أجل ما يخاف أن يبدر من فيه وريقه فيقع فيه، أو لرائحة رديئة تخرج منه فتعلق بالماء، وربما شرب بعده غيره فيتأذى به (3) .
ويحذر الطفل من التنفس في الكأس، فعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ (4) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ " (5) .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذَا لِأَنَّ الْبُخَارَ الَّذِي يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَعِدَةِ أَوْ يَنْزِلُ مِنَ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونَانِ كَرِيهَيْنِ فَإِمَّا إِنْ يُعَلَّقَا بِالْمَاءِ فَيَضُرَّا وَإِمَّا أَنْ يُفْسِدَا
__________
(1) - تربية الأولاد في الإسلام للنابلسي - (5 / 6)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (5631 ) وصحيح مسلم- المكنز - (5405 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 146)(5329و5330)
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (5 / 80)
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (153 ) وصحيح ابن حبان - (12 / 146) (5328)
(5) - صحيح مسلم- المكنز - (638 ) وشعب الإيمان - (8 / 136)(5602) وسنن الترمذى- المكنز - (2009)(1/379)
السُّؤْرَ عَلَى غَيْرِ الشَّارِبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَذَّرُ إِذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا يَشْرَبُ وَذَكَرَ كُلَيْبٌ الْجَرْمِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - نَهَى الْقَصَّابِينَ عَنِ النَّفْخِ فِي اللَّحْمِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ، لِأَنَّ النَّكْهَةَ رُبَّمَا كَانَتْ كَرِيهَةً فَكَرَّهَتِ اللَّحْمَ وَغَيَّرَتْ رِيحَهُ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ بِالتَّجَارُبِ .
والأفضل أن يشرب قاعدا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا (1) .
ويجوز الشراب واقفاً عند الحاجة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِزَمْزَمَ، فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْتُهُ بِالدَّلْوِ فَشَرِبَ، وَهُوَ قَائِمٌ (3) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَأْكُلُ وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ (4) .
وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ عَلِيٍّ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الرَّحْبَةِ، قَالَ: فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَأَخَذَهُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ وَقَدَمَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْرَبُوا وَهُمْ قِيَامٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ (5) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5393) وصحيح ابن حبان - (12 / 140)(5321)
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 139)(5319) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (12 / 140)(5320) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (12 / 141)(5322) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (12 / 144)(5326) صحيح(1/380)
الأساس الخامس- نوم الطفل على شقه الأيمن .
وهو ركن صحيٌّ نبويٌّ أساسي في حياة المسلم، وله فوائده الصحية الكثيرة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يوصي بذلك أصحابه، فعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَاجْعَلْهُ آخِرَ مَا تَقُولُ، فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقُلْتُ: أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ؟ فَقَالَ: وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ (1) .
قال الطحاوي: "فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الرِّسَالَةُ خَاصَّةً، وَالَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ مَكَانَ ذَلِكَ، وَهُوَ: وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ يَجْمَعُ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ جَمِيعًا فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا يَكُونُ عَلَى الرِّسَالَةِ دُونَ النُّبُوَّةِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (2) .
فوضت: فوض فلان أمره إلى فلان: إذا رده إليه.
رغبة: الرغبة: طلب الشيء وإرادته.
ورهبة: الرهبة: الفزع. وقد عطف الرهبة على الرغبة، ثم أعمل لفظ الرغبة وحدها، ولو أعمل الكلمتين لقال: رغبة إليك ورهبة منك.
ولكن هذا سائغ في العربية: أن يجمع بين الكلمتين، ويحمل إحداهما على الأخرى، كقول الشاعر [ إذا ما الغانيات برزن يوما] وزججن الحواجب والعيونا والعيون لا تزجج، وإنما تكحل.
ونبيك الذي أرسلت :قال: في رد النبي - صلى الله عليه وسلم - على البراء في هذا الحديث قوله: «ورسولك الذي أرسلت» حجة لمن ذهب إلى أنه لا يجوز رواية الحديث بالمعنى.
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (247 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7057) وصحيح ابن حبان - (12 / 346)(5536)
(2) - شرح مشكل الآثار - (3 / 173)(1/381)
قال الخطابي: والفرق بين «النبي» و«الرسول«: أن الرسول: هو المأمور بتبليغ ما أنبىء وأخبر به والنبي: هو المخبر، ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. قال: ومعنى رده على البراء من «رسولك» إلى «نبيك»: أن الرسول من باب المضاف، فهو ينبىء عن المرسل والمرسل إليه، فلو قال: ورسولك» ثم قال: «الذي أرسلت» لصار البيان مكررا معادا، فقال: «ونبيك الذي أرسلت» إذا قد كان نبيا قبل أن يكون رسولا، ليجمع له الثناء بالاسمين معا، ويكون تعديدا للنعمة في الحالين، وتعظيما للمنة على الوجهين (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (4 / 262)(1/382)
الأساس السادس -تعلم الطفل للعلاج الطبيعي .
إن تدليك العضلات يحتاجه الإنسان في حياته كلها، والطفل ينشأ وقد تدرب على تديلك عضلات والديه بإرشادهما، فيكتسب مهارة جيدة، وعلماً قد غدا اليوم من العلوم المفيدة للإنسان .
عَنْ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَغُلامٌ لَهُ حَبَشِيٌّ يَغْمِزُ ظَهْرَهُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ: إِنَّ النَّاقَةَ اقْتَحَمَتْ بِي " (1) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِذَا غُلامٌ أَسْوَدُ، يَغْمِزُ ظَهْرَهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاقَةَ اقْتَحَمَتْ بِي (2) .
أي ألقتني في ورطة ( حفرة عميقة ) يقال تقحمت به دابته إذا ندَّت به فلم يضبط رأسها. فربما طوَّحت به في أُهْويَّة. ويغمز ظهره أي: يعصره ويكبسه باليد، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هاجت به الناقة حتى ألقته في حفرة، فتأثر ببعض الصدمات والكدمات ثم هو يعلِّم ذلك الغلام الصغير في جسمه الشريف الطاهر كيف يدلِّك عضلاته ليخفف من إصاباته، وكل أب ومُربٍ، بل وكل أم ومربية في حاجة ماسّة إلى تدريب أبنائهم على ذلك العلاج الطبيعي الذي يعطي العضلات عافية من التقلص والألم، بإذن اللَّه (3) .
فوائد التدليك(المساج).
إخراج الرطوبة والبرودة من الجسم.
2. إزالة ألم الظهر والكتفين والمفاصل والرقبة.
3. توزيع الدهون للتخلص من السيلوليت الدهني المحاط بالماء.
4. يعالج بعض حالات الشلل والعقم.
5. علاج العديد من الأمراض كالأرق والتوتر والآم الظهر والصداع .
6. يساعد على التخسيس وشد الجسم.
__________
(1) - المعجم الصغير للطبراني - (1 / 148)(226) وتاريخ بغداد - (3 / 82) حسن
(2) - كشف الأستار - (3 / 393)(3033) حسن
(3) - أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - (1 / 5)(1/383)
7. يؤدي إلى صفاء الذهن .
8. يحافظ على نعومة الجلد.
9. يخفف من حدة الضغوط.
10. يخلص الجسم من الخلايا الميتة أو أي مادة ضارة أو عديمة الفائدة قد تعوق الوظيفة الطبيعية.
11. يزيد من مرونة الجسم.
12. يساعد على إرخاء العضلات .
13. يساعد على الاسترخاء النفسي والنشاط والراحة.
14. يساعد على تدفق الدم.
15. يساعد في وظيفة الغدد ذات القناة وعديمة القناه.
16. يساعد على التفكير الإيجابي في إيجاد "النصف الآخر"
17. يغذي ويولد عمل الإحساس في الأنسجة الظاهرة.
18. يفتح المسامات ويزيل السموم من الجسم .
19. ينشط الدورة الدموية.
20. يهدئ الأعصاب ويسبب درجة أفضل من التطبيق العصبي.
أنواع التدليك
1. التدليك المخفف لآلام الرقبة
2. مساج التدوير أو الضغط الدائري .
3. تدليك الصدر لتخفيف السعال
4. مساج العصر أو الفرك .
5. التدليك المخفف للصداع .
6. مساج الاهتزازي .
7. التدليك لبشرة الوجه.
8. التدليك الشامل لجميع أجزاء الجسم.(1/384)
9. التدليك المقاوم للضغط النفسي والمساعد على الإسترخاء.
10 مساج الضغط بالأصابع .
11. التدليك المخفف لألم القدمين المتعبتين.
12. التدليك المخفف لمتاعب الصباح .
13. تدليك إعادة تأهيل الرياضيين.
14. التدليك المنشط للدورة الدموية الطرفية .
15. التدليك المخفف لألم الظهر.
16. التدليك المخفف لتعب وألم الساقين.
17. تدليك أعلى الكتفين لعلاج الأبهر.
موانع التدليك
1. وجود إصابة في العمود الفقري
2. وجود إلتهاب داخلي أو خارجي
3. وجود فك في المفاصل
4. وجود إصابة بالسرطان
5. وجود تمزق في العظلات
6. إرتفاع درجة حرارة الجسم
7. وجود دوالي الساقين أو جلطات بالأوردة أو مشاكل القلب
8. الصرع أو الربو الشعبي
9. صعوبة التنفس
10. نزيف بالقلب أو المخ أو الرئتين أو المثانة (1) .
هل فكرت يوماً أن التدليك له فوائد جسمية ونفسية عديدة بالنسبة لطفلك..؟؟
__________
(1) - http://www.hdrmut.net/vb/t274443.html(1/385)
هذا ما أوضحه بعض الأطباء في ألمانيا حديثاً، فقد نصح هؤلاء الأطباء باستخدام أسلوب تدليك العظام لتخفيف التوتر، وتبديد التهيج العصبي، والمساعدة في عودة الهدوء والاتزان وبخاصة للأطفال.
وقال اختصاصي التدليك بالمركز الطبي لتقويم العظام بمدينة دوسلدورف الألمانية دينيس غولدن: إن تدليك جذع الطفل، والضغط برفق في بعض الأماكن، وتدليك أماكن أخرى من جسده الصغير، يساعد في تخفيف التوتر وتبديد التهيج العصبي.
وقال غولدن أنه عالج طفلاً كان يعانى تهيجاً عصبياً في الجزء الخلفي من رقبته يمنعه من الاستلقاء على ظهره، فضلاً عن عدم قدرته على إدارة رأسه بشكل صحيح، ولهذا عالجه بالتدليك، فأصبح الطفل هادئاً وأكثر اتزاناً بعد خضوعه لعدد من جلسات التدليك.
ومن جانبها قالت مديرة قسم تقويم العظام بالتدليك في ميونيخ غابي بريديغر: إن تقويم العظام إجراء وقائي يتم في مرحلة مبكرة من العمر، بما يتناسب مع الأطفال، ويمكن استخدامه لرصد وعلاج الفقرات غير الموجودة في مكانها الصحيح، في مرحلة مبكرة من العمر، وأيضا بين الأطفال الذين لديهم مشكلات سلوكية واضحة (1) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - http://www.qatralnada.com/vb/t3500.html(1/386)
الأساس السابع- النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر .
إن تعوَّد الطفل لأداء صلاة الصبح في وقتها، هذا يعني أن يستيقظ مبكراً، ولكي يستطيع أن يستيقظ باكراً نشيطاً قد شبع من النوم، فلا بد أن ينام باكراً (1) .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعَشَاءِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ الصَّلاَةَ فَقَدْ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَذِهِ الصَّلاَةَ (2) .
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ، وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ فِي النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَبْدُرُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّلاَةِ وَذَلِكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (3) .
أعتم: يقال: أعتم القوم: إذا دخلوا في العتمة، وهي أول الليل.
يفشو: فشا الشيء يفشو: إذا ظهر وانتشر.
تنزروا: نزرت على الرجل: إذا ألححت عليه في القول والسؤال.
أشق على أمتي: شق الشيء يشق علي شقا ومشقة: إذا اشتد والاسم: الشق، بالكسر (4) .
بالتالي فإن الطفل المسلم بأدائه لفروض دينه يكتسب العادات الصحية الجيدة، فيقوى جسمه ونفسه، وحيث إن غاز الأوزون (( وتركيبه ثلاث ذرات من الأكسجين )) ينتشر في الجو عند الفجر، وقد ثبت أن هذا الغاز يزيد من نشاط الخلايا الحيوية، ويقضي على
__________
(1) - زاد المعاد لابن القيم (3/169)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (566) وصحيح ابن حبان - (4 / 400)(1533)
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1475) وصحيح ابن حبان - (4 / 402)(1535)
(4) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (5 / 241)(1/387)
كثير من الأمراض، فإن استنشاق الطفل لهذا الغاز يقوي من بنيته من حيث لا يدري، وهو يؤدي فرض صلاته . عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهم - ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِيَّاكَ وَالسَّمَرَ بَعْدَ هَدْأَةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَا يَأْتِي اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ (1) .
وهكذا تجد أنه لا فصل في الإسلام بين الدين والدنيا، فمن أراد تطبيق الدين على أطفاله، جاءته الدنيا راكعة صاغرة.
والنومُ المعتدل ممكِّنٌ للقُوَى الطبيعية من أفعالها، مريحٌ للقوة النفسانية، مُكْثرٌ من جوهر حاملها، حتى إنه ربَّما عاد بإرخائه مانعاً من تحلُّل الأرواح. ونومُ النهار ردئٌ يُورث الأمراضَ الرطوبية والنوازلَ، ويُفسد اللَّون، ويُورث الطِّحال، ويُرخى العصبَ، ويُكسل، ويُضعف الشهوة، إلاَّ فى الصَّيفِ وقتَ الهاجِرة، وأردؤه نومُ أول النهار، وأردأُ منه النومُ آخره بعدَ العصر، ورأى عبد الله بن عباس ابناً له نائماً نومة الصُّبْحَةِ، فقال له: قم، أتنام فى الساعة التى تُقسَّمُ فيها الأرزاق ؟
ونوم الصُّبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقتٌ تطلبُ فيه الخليقةُ أرزاقَها، وهو وقتُ قسمة الأرزاق، فنومُه حرمانٌ إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جداً بالبدن لإرخائه البدن، وإفسادِه للفضلات التى ينبغى تحليلُها بالرياضة، فيُحدث تكسُّراً وَعِيّاً وضَعفاً. وإن كان قبل التبرُّز والحركة والرياضة وإشغالِ المَعِدَة بشىء، فذلك الداء العُضال المولِّد لأنواع من الأدواء (2) .
وعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: مَرَّ بِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ مُتَصبِّحَةٌ، فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا بُنَيَّةُ قَوْمِي اشْهَدِي رِزْقَ رَبِّكِ، وَلَا تَكُونِي مِنَ الْغَافِلِينَ، فَإِنَّ اللهَ يَقْسِمُ أَرْزَاقَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ " (3) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - المستدرك للحاكم- (7764) صحيح
(2) - زاد المعاد لابن القيم (3-169) والآداب الشرعية - (3 / 289) وغذاء الألباب - (3 / 368)
(3) - شعب الإيمان - (6 / 404)(4405 ) ضعيف جدا(1/388)
الأساس الثامن - إبعاد الأطفال عن الطفل المريض مرضاً معدياً .
وضع - صلى الله عليه وسلم - قاعدة عامة للأمة جميعا كبيرها وصغيرها، وهي عدم ورود الإنسان المريض الذي يحمل مرضا معديا إلى تجمع الناس، ولا أن يقوم بزيارة أحد، وذلك لتجنب إصابة المسلمين.
وهناك أمراض معدية في مرحلة الطفولة يحذر فيها الأبوان من أن يأخذا طفلهما في زيارة الأرحام والأصدقاء، كذلك بالعكس لا يأخذ الوالدان طفلهما إلى زيارة أحد في بيته طفل مصاب بمرض معد حتى يشفي، وفي هذا أنفس القواعد الصحية النبوية .
عَنْ أَبِى سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ (2) .
كذلك يقوم الأبوان بإبعاد طفلهم هذا عن بقية إخوته حتى لا ينتقل إليهم المرض، وحتى لا تنشأ عقدة نفسية لهذا الطفل المريض، فلا بأس بنصحه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ليعلم أن الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الطفل المسلم يحب رسوله، ويتبعه، ويستجيب لندائه.
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5771 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 565)(9722) 9720- صحيح لغيره(1/389)
الأساس التاسع - رقية الأطفال من العين الحاسدة والجنِّ.
وهذا العلاج يتفرد به الطب النبوي للأطفال، وهو ركن من أركان المحافظة على صحة الطفل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما فعله - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، وحض الأبوين عليه، فقد أورد النووي رحمه الله تعالى في كتابه(( الأذكار )) باب: ما يعوذ به الصبيان وغيرهم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ « إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ » (1) .
هامة: الهامة: واحدة الهوام، وهي الحيات، وكل ذي سم يقتل. فأما مالا يقتل ويسم فهو السوام، وواحدها: سامة، كالعقرب والزنبور، وقد تقع الهوام على كل ما يدب من الحيوان.
لامة اللامة: ذات اللمم، ولم يقل: ملمة. وإن كانت من: ألمت تلم: طلبا للازدواج بهامة، والعين اللامة: هي التي تصيب بسوء (2) .
- - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3371 )
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (4 / 370)(1/390)
المبحث الثاني - العلاجات النبوية :
بقي أن نسأل: وإذا نزل المرض بالطفل، فما هي أهم العلاجات النبوية الأساسية للأطفال؟.
للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نذكر ما جاء في المقدمة من ضرورة، وأهمية المداواة، واستشارة الطبيب، ولكن يضاف إليها العلاجات النبوية التالية :
1- السرعة في معالجة المريض .
إن السرعة في أخذ الطفل المريض إلى الطبيب تلعب دورا كبيرا في التخفيف من الإصابة المرضية، حتى إنها تصبح عنصرا فعالا، فكثيرا من الأمراض يكون سببها تكاسل الوالدين في أخذ الطفل إلى الطبيب، لهذا نجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا السرعة في معالجة الطفل .
عن عطاء بن يسار - رضي الله عنهم - قال: "كان أسامة ابن زيد - رضي الله عنهم - قد أصابه الجدري أول ما قدم المدينة، وهو غلام، مخاطه يسيل على فيه، فتقذرته عائشة - رضي الله عنهم - ا، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفق يغسل وجهه ويقبله, فقالت عائشة: أما والله ! بعد هذا فلا أقصيه أبدا " (1) .
أرأيته وهو يغسله يقبله ؟ ! هكذا - صلى الله عليه وسلم - يعالج بيديه الشريفتين، ولا يتقزز، ولا يقرف منهم - صلى الله عليه وسلم -
2-عيادة وزيارة الطفل المريض.
وهذا علاج نفسي للطفل المريض، فإنه عندما يرى الكبار حوله جاءوا لزيارته تقوى نفسه على مواجهة المرض، ويبدأ بالتحرك والكلام مع الضيوف شيئا فشيئا، وإذا صحب ذلك المجلس، وتلك الزيارة الدعاء للطفل كان خيرا على خير، وهذا علاج نبوي للأطفال فريد في معناه، فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ ».فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - .فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ » (2) .
__________
(1) - تاريخ دمشق - (8 / 68) وحياة الصحابة للكاندهلوى - (1 / 373) ضعيف
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1356 )(1/391)
هكذا يعود - صلى الله عليه وسلم - الأطفال مؤمنهم وكافرهم، ويحرص عليهم، وما هذا إلا عناية منه بهم، واهتماما منه - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال .
3- العلاج باستخدام العود الهندي.
عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أُخْتِ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، فَبَالَ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ.وَدَخَلْتُ بِابْنٍ لِي قَدْ أَعْلَقْتُ عَنْهُ، وَقَالَ مَرَّةً: عَلَيْهِ، مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: عَلاَمَ تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُسْطِ، وَقَالَ مَرَّةً سُفْيَانُ: الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيِهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ، يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ (1) .
السعوط: : مايستعط به الأنف.
أعلقت: أعلقت على الصبي، وأعلقت عنه أعلق إعلاقا والإعلاق: معالجة الصبي من العذرة، قال الخطابي: المحدثون يقولون: أعلقت عليه، وإنما أعلقت عنه، أي: دفعت عنه العذرة بالأصبع ونحوها، وقد جاء في بعض الروايات «أعلقت به» وقال الجوهري: الإعلاق: الدغر، يقال :أعلقت المرأة ولدها من العذرة: إذا رفعتها بيدها، وقد جاء في بعض الروايت «العلاق"والمعروف: الإعلاق.
العذرة: بالضم: وجع يعرض في الحق من الدم.
علام تدغرن: الدغر: علاج العذرة، وهو أن ترفع لهاة المعذور بالإصبع، و«علام"بمعنى: على أي شيء والأصل: على ما، فأسقطت الألف تخفيفا، كقولهم: عم وفيم [ولم] وبم ؟ (2) .
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ فَقَالَ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ « إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِىُّ ».وَقَالَ « لاَ تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ » (3) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 717)(26997) 27537- وصحيح مسلم- المكنز - (5892و5893)
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (7 / 526)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (5696 )(1/392)
وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ امْرَأَةٌ، قَالَ أَبُو يَعْلَى: تَصُبُّ عَلَى صَبِيٍّ يَقْطُرُ مَنْخِرَاهُ دَمًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذَا الصَّبِيِّ ؟ فَقَالُوا: بِهِ الْعُذْرَةُ فَقَالَ: وَيْحَكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، لا تَقْتُلْنَ أَوْلادَكُنَّ، أَيُّمَا امْرَأَةٍ كَانَ بِصَبِيِّهَا عُذْرَةٌ أَوْ وَجَعٌ بِرَأْسِهِ، فَلْتَأْخُذْ قُسْطًا هِنْدِيًّا فَلْتَحُكَّهُ، ثُمَّ لَتُسْعِطْ، ثُمَّ أَمَرَ عَائِشَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ فَبَرَأَ (1) .
وقال فيه ابن القيم: "القُسْط: نوعان. أحدهما: الأبيضُ الذى يُقَال له: البحرىُّ. والآخر: الهندىُّ، وهو أشدُّهما حراً، والأبيضُ ألينهُما، ومنافعُهما كثيرة جداً.
وهما حاران يابسان فى الثالثة، يُنشِّفان البلغم، قاطعانِ للزُّكام، وإذا شُرِبَا، نفعا من ضعف الكَبِدِ والمَعِدَة ومن بردهما، ومِن حُمَّى الدَّوْرِ والرِّبع، وقطعا وجعَ الجنب، ونفعا مِن السُّمُوم، وإذا طُلِىَ به الوجهُ معجوناً بالماء والعسل، قَلَعَ الكَلَف.وقال "جالينوسُ": ينفع من الكُزَاز، ووجع الجَنْبين، ويقتل حَبَّ القَرَع.
وقد خفىَ على جُهَّال الأطباء نفعُه من وجِعَ ذاتِ الجَنْب، فأنكروه، ولو ظَفِر هذا الجاهلُ بهذا النقل عن "جالينوس"لنزَّله منزلةَ النص، كيف وقد نصَّ كثيرٌ من الأطباء المتقدمين على أنَّ القُسْطَ يصلحُ للنوع البلغمىِّ من ذات الجنب، ذكره الخطَّابىُّ عن محمد بن الجَهْم.
وقد تقدَّم أنَّ طِبُّ الأطباء بالنسبة إلى طِبِّ الأنبياء أقلُّ من نسبةِ طِب الطُّرقيَّة والعجائز إلى طِبِّ الأطباء، وأنَّ بيْن ما يُلقَّى بالوحى، وبيْن ما يُلَقَّى بالتجربة، والقياسِ من الفرْق أعظمَ مما بَيْن القَدَم والفرق.
ولو أنَّ هؤلاء الجُهَّال وجدوا دواءً منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقَّوْه بالقبول والتسليم، ولم يتوقَّفُوا على تجربته.
نعم.. نحن لا ننكِرُ أنَّ للعادة تأثيراً فى الانتفاع بالدواء وعدمه، فمَن اعتاد دواءً وغذاءً، كان أنفعَ له، وأوفقَ ممن لم يَعتدْه، بل ربما لم ينتفع به مَن لم يعتده.
وكلامُ فضلاء الأطباء وإن كان مطلَقاً فهو بحسب الأمزجة والأزمنة، والأماكن والعوائد، وإذا كان التقييدُ بذلك لا يقدح فى كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح فى كلام الصادق
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي (2009) صحيح(1/393)
المصدوق، ولكن نفوس البَشَر مركبةٌ على الجهل والظلم، إلا مَن أيَّده الله بروح الإيمان، ونَوَّرَ بَصيرته بنور الهُدَى " (1) .
قال النووي في شرح مسلم مبينا منافع القسط: قد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ويذهب الكلف إذا طلي عليه وينفع من برد المعدة والكبد ويردهما ومن حمى الورد والربع وغير ذلك.والله أعلم (2) .
وقد ذكر الدكتور الكيلاني فوائد العود الهندي فقال: "القسط الهندي نبات يؤتى به من الهند ومن كشمير خاصة، تستعمل منه الجذور، وفيها مواد قابضة تقبض الأنسجة الملتهبة المتورمة، لذلك نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - باستعماله في التهابات الحلق واللهاة واللوزتين تقطيرا في الأنف بعد مرثه بالماء، وفي جذوره مواد حارة أيضا ؛ لذلك يستعمل - بعد نقعه في الزيت - في الآلام العصبية والعضلية...وفي ذات الجنب، وهي ذات الجنب الرثوية ( الروماتيزمية ) غالبا التي تنشأ عن البرد، ويستعمل طلاء كما يمكن استعماله شربا بعد استحلاب مسحوق جذوره في الماء ".
وذكر الكحال بن طرقان طريقة المعالجة بالقسط للألم الجانبي فقال: "يدق القسط ناعما، ويخلط بالزيت المسخن، ويدلك به مكان الريح ويلعق ".
وقد ذكر داود الأنطاكي في تذكرته "أن القسط يفيد من ضيق النفس والربو المزمن وأوجاع الصدر، وأنه يقطع الصداع العتيق شرابا وسعوطا ودهنا بالسمن (3) .
4- العلاج بالحجامة .
قال عِكْرِمَةُ: كَانَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ غِلْمَةٌ ثَلاَثَةٌ حَجَّامُونَ فَكَانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يُغِلاَّنِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَوَاحِدٌ يَحْجُمُهُ وَيَحْجُمُ أَهْلَهُ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نِعْمَ الْعَبْدُ الْحَجَّامُ يُذْهِبُ الدَّمَ وَيُخِفُّ الصُّلْبَ وَيَجْلُو عَنِ الْبَصَرِ ». وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - زاد المعاد في هدي خير العباد - (4 / 353)
(2) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (10 / 16)
(3) - الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1/394)
حِينَ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ. وَقَالَ « إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمَ سَبْعَ عَشَرَةَ وَيَوْمَ تِسْعَ عَشَرَةَ وَيَوْمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ». وَقَالَ « إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ وَاللَّدُودُ وَالْحِجَامَةُ وَالْمَشِىُّ ».
وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَدَّهُ الْعَبَّاسُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ لَدَّنِى فَكُلُّهُمْ أَمْسَكُوا فَقَالَ « لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ فِى الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ ». غَيْرَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ قَالَ عَبْدٌ قَالَ النَّضْرُ اللَّدُودُ الْوَجُورُ (1) .
وعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنهم - : أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ أَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلامًا لَهُ لَمْ يَحْتَلِمْ (2) .
وأما منافعُ الحِجَامَة: فإنها تُنَقِّى سطح البدن أكثرَ من الفَصْد، والفصدُ لأعماق البدن أفضلُ، والحِجَامَةُ تستخْرِجُ الدَّمَ من نواحى الجلد.
قلتُ: والتحقيقُ فى أمرها وأمْرِ الفصد، أنهما يختلفان باختلاف الزمانِ، والمكانِ، والأسنانِ، والأمزجةِ، فالبلادُ الحارةُ، والأزمنةُ الحارةُ، والأمزجة الحارة التى دَمُ أصحابها فى غاية النُّضج الحجامةُ فيها أنفعُ من الفصد بكثير، فإنَّ الدَّمَ ينضج ويَرِقُّ ويخرج إلى سطح الجسد الداخل، فتُخرِجُ الحِجَامَةِ ما لا يُخرجه الفصد، ولذلك كانت أنفعَ للصبيان من الفصد، ولِمَنْ لا يَقْوَى على الفَصد.
وقد نص الأطباء على أنَّ البلاد الحارةَ الحجامةُ فيها أنفعُ وأفضلُ من الفصد، وتُستحب فى وسط الشهر، وبعد وسطه. وبالجملة، فى الربع الثالث من أرباع الشهر، لأن الدم فى أول
__________
(1) - سنن الترمذى- المكنز - (2191) حسن
السعوط: دواء يوضع فى الأنف -يغلان: يجمعان له الغلة وهى ما يحصل عليه من الزرع والثمر ونحو ذلك -اللدود: الشراب الذى يسقاه المريض فى أحد شقى فمه
(2) - المستدرك للحاكم (7474) صحيح(1/395)
الشهر لم يكن بعدُ قد هاج وتَبَيَّغَ، وفى آخره يكون قد سكن، وأما فى وسطه وبُعَيْدَه، فيكون فى نهاية التَّزَيُّدِ (1) .
قال في المعجم الوسيط: «الحجامة هي امتصاص الدم بالمحجم، والمحجم: أداة الحجم أي المشرط الذي يستعمل في الحجم، وهو أيضا القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة» (2) .
قال ابن القيم في الزاد: وفى ضمن هذه الأحاديث المتقدمَةِ استحبابُ التداوى، واستحبابُ الحِجَامة، وأنها تكون فى الموضع الذى يقتضيه الحالُ؛ وجوازُ احتجامِ الْمُحْرِم: وإنْ آل إلى قطع شىء من الشَّعر، فإن ذلك جائز. وفى وجوب الفديةِ عليه نظر، ولا يَقوَى الوجوبُ، وجوازُ احتجامِ الصائم، فإنَّ فى "صحيح البخارىِّ"أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "احْتَجَمَ وهو صائم"، ولكن: هل يُفطِرُ بذلك، أم لا ؟ مسألة أُخرى..
وفيها: دليلٌ على استئجار الطبيبِ وغيره مِن غير عقد إجارة، بل يُعطيه أُجرة المِثل، أو ما يُرضيه.
وفيها: دليلٌ على جواز التكسُّبِ بصناعة الحِجَامة، وإن كان لا يَطيب للحُرِّ أكلُ أُجرتِهِ من غير تحريم عليه، فإنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - أعطاه أجرَه، ولم يَمْنَعه من أكله، وتسميتُهُ إياه خبيثاً كَتسميته للثوم والبصل خبيثين، ولم يلزم مِن ذلك تحريمُهما.
وفيها: دليلٌ على جواز ضرب الرجلُ الخراجَ على عبده كُلَّ يومٍ شيئاً معلوماً بقدر طاقته، وأنَّ للعبد أن يتصرَّف فيما زاد على خراجه، ولو مُنِع من التصرف، لكان كسْبُه كلُّه خراجاً ولم يكن لتقديره فائدة، بل ما زاد على خراجه، فهو تمليكٌ من سيده له يتصرَّف فيه كما أراد.. والله أعلم. (3) .
الحجامة في الطب الحديث
يقول الدكتور أمير صالح رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية والحاصل على البورد الأمريكي في العلاج الطبيعي، والذي يعمل حاليا مستشارا للعلاج الطبيعي والطب البديل
__________
(1) - زاد المعاد في هدي خير العباد - (4 / 53)
(2) - [راجع أيضا لسان العرب] .
(3) - زاد المعاد في هدي خير العباد - (4 / 61)(1/396)
بالمستشفى السعودي الألماني، وهو من أبرز الأطباء المسلمين الذين اهتموا بالطب البديل ولا سيما ما ورد في الطب النبوي، (وذلك في الحوار الذي أجرته معه في المدينة المنورة: أحلام علي)
يقول: عندما كنت أدرس في أصول الفقه قرأت كلمة (حجامة) فأثارت رغبتي في معرفة هذا النوع من العلاج، ولكن هذا لم يخرج إلى حيز التنفيذ إلا عندما سافرت إلى أمريكا، ووجدتهم يدرسونها في جامعاتهم ضمن مناهج الطب البديل، فشعرت بغيرة على ديننا، وأحسست بأننا نحن المسلمين مقصرون جدا في إحياء هذه السنة.
ثم ذكر أنه أعد بحثا عن الحجامة ضمن البحوث التي طلبت منه عندما بدأ في دراسة الدكتوراه ما بين جامعة شيكاغو وجامعة القاهرة، وفي بحثه دون بابا عن الحجامة عند الإغريق والفراعنة والصينيين، وفي الإسلام، ولما كتب الأحاديث التي في الصحيحين وغيرهما اندهش أساتذته الأمريكان من الثراء الطبي الخاص بالحجامة في الطب النبوي، ثم يعقب على ذلك بقوله: فمن يصدق أن العلاج بالحجامة يتم تدريسه في أمريكا كفرع مهم في مناهج الطب عندهم يسمونه cupping therapy، ومن المؤسف بل المحزن أن نرى أطباء عربا ومسلمين ينكرون هذا النوع من العلاج، في الوقت الذي أصبح علاجا نافعا للعديد من الأمراض الخطيرة في معظم عواصم العالم.
ثم يقول: وعمل الحجامة يتم من خلال أربع طرق:
أولها: إثارة مناطق الألم وتنبيهها.
ثانيها: تنبيه المناطق العصبية التي لها اتصال بالجلد.
ثالثها: استخدام ردود فعل، حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد فيحدث ذلك ردود فعل في الأعضاء الداخلية مثل تنبيه الغدد وتنبيه إفرازات الجهاز الهضمي.
رابعها: استخدام خارطة الإبر الصينية.
وفي إجابة له على سؤال حول وجود علاقة بين العلاج بالحجامة والعلاج بالإبر الصينية يقول: نستطيع أن نقول: إن الحجامة هي الأصل، والصينيون كانوا يستخدمون هذه(1/397)
الوسيلة في العلاج، وكانوا يجرونها على شكل جرح طولي، ثم تقلصت من الجرح الطولي إلى جروح صغيرة (خدوش) ثم تقلصت إلى وخز بالأبر.
وفي إجابة على سؤال آخر حول اعتراف الغرب بأن العلاج بالحجامة والعسل وغير ذلك مصدره الطب النبوي يقول: الغرب يعترف بأنها طب صيني، لأن الصينيين نسبوا كل العلاجات القديمة لهم (علاجات الطب البديل) حتى العلاج بالأعشاب، مثلهم في ذلك مثل الغرب الذي سرق موروثات المسلمين في الطب للزهراوي وابن سينا وابن النفيس وغيرهم وفي سائر العلوم الأخرى، لذا يجب أن تكون هناك وقفة ولو معنوية لأطباء المسلمين لإحياء هذه السنة واسترداد تراثنا الطبي.
• الأمراض التي تعالجها الحجامة
يقول الدكتور أمير صالح: الحجامة تؤدي بإذن الله تعالى إلى تحسن واضح في وظائف الكبد، ومرض السكر وعلاج ضغط الدم المرتفع، والصداع النصفي، وعلاج كثير من الأمراض الجلدية، وحساسية الصدر (الربو)، كما أنني حققت خطوات مهمة في علاج الأطفال الذين يعانون من شلل مخي، وكذلك الشلل النصفي وشلل الوجه؛ حيث سجلت تحسنا ملحوظا في حالات عديدة، كذلك تعالج زيادة الكوليسترول في الدم، والنقرس، والخمول، وتعمل على تحسين كرات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، وأمراض النساء والولادة.
ثم يختم حديثه في الحوار الذي أجري معه بنصيحة يقدمها للأطباء والحجامين والمرضى قائلا:
أولا: للأطباء: أن يقوموا بهذا العمل ولا يدعوه لغيرهم فهم أحق الناس به، وليتذكروا جميعا قول ابن قدامة المقدسي في كتابه "منهاج القاصدين": «قرية بلا حجام آثم أهلها»، لأنه وضعها ضمن فروض الكفاية، وأحذر كل من قرأ وريقات عنها أو سمع شريطا أن يجري الحجامة؛ لأن جسد الإنسان أمانة سيسأل عنه من يجترئ عليه.
ثانيا: للحجامين: كما هو معلوم في الفقه: من يشتهر عنه الطب فهو ضامن، فلذلك من يتصدى لأمور الطب وهو ليس بطبيب فعليه أن يتحمل العضو التالف أو النفس المزهقة،(1/398)
وإن كان ولابد فعلى الحجام أن يتصدى للأمراض البسيطة، وأن يستخدم أدوات معقمة ولمرة واحدة فقط، وأن يستخدم المشرط الطبي المعقم ويرتدي القفازين حماية لنفسه من أمراض الدم، ويتخلص من الدم الخارج طبقا لقوانين البيئة في التخلص من النفايات الطبية، إذ (لا ضرر ولا ضرار).
ثالثا: للمرضى أقول: تذكروا قول الله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء:80].اتبعوا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيها الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
وفي دراسات أخرى وأبحاث علمية نشر بعضها على النت جاء فيها ما يلي:
• أثر الحجامة على الكبد
الكبد هو المسئول عن إنتاج البروتين اللازم لاستمرار الحياة والنمو، مما يؤدي إلى التغلب على الالتهابات الكبدية التي تصيبه، وصد كل الأمراض التي قد تصيبه، ذلك بالإضافة إلى ارتفاع توتر وريد الباب وما ينشأ عنه من مشكلات كثيرة وخطيرة.
يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد غياث جبقجي الأخصائي بالجراحة العصبية المجهرية (من هولند): إنَّ تطبيق الحجامة، كما أوصي بها هو مدخل صريح وواضح إلى الصحة والعافية التامة.. يمد الإنسان بقدرة وطاقة عظمى عن طريق فتح أو تنظيف الأوعية الدموية الدقيقة التي يركد داخلها الدم ويشكل ترسبا على جدرانها، وهذا من الأسباب المؤدية لأمراض الشقيقة (الصداع النصفي) والقلب والكبد وغيرها من أمراض هذا العصر. اهـ.
• أثر الحجامة على المناعة
عملية الحجامة تزيد من قوة جهاز المناعة لزيادة نشاط الجملة الشبكية البطانية، كما أن التروية الدموية الجيدة للنسيج والأعضاء من شأنها رفع مناعة الجسم بسبب كثرة تعرض العامل الممرض لعناصر جهاز المناعة، إن الأنترفيرون أسرع خط دفاعي يتم تكوينه وإفرازه بعد تعرض الجسم لأي فيروس.
يقول البروفيسور (كانتل): إن الكريات البيض تستطيع إنتاج الأنترفيرون بمعدل يزيد على عشرة أضعاف مما تتجه خلايا الجسم. اهـ.(1/399)
ومعلوم أن الحجامة تحافظ على الكريات البيض وتنشط إنتاجها مما يساعد على تحرير الأنترفيرون بكميات كافية لمواجهة الفيروس الكبدي أو الخلايا السرطانية.
• أثر الحجامة على القلب والخثرات الدموية
إننا في هذا العصر، وفي كل يوم نسمع عن الموت الفجائي والشلل، وهذا يعزى إلى حدوث الجلطات، والتي هي عبارة عن تجمع من الكريات الحمر والبيض والألياف ترتص عند تفرعات الشرايين لتشكل بوغة أو كيس، وسبب حدوثها الرئيس هو ارتفاع ضغط الدم، ولعملية الحجامة دور كبير في الوقاية منها، فالحجامة كما جاء في بعض الأحاديث تقي من تبيغ الدم، ومعنى (تبيغ الدم) التهيج والزيادة، وهذا الوصف ينطبق أيضا على ارتفاع التوتر الشرياني وفرط الكريات الحمر الحقيقي.
وبعد، فما يزال بعض الأطباء المسلمين يتنكرون لما جاء في الطب النبوي، ويصفونه بالخرافة، وأن من يلجأ إلى التداوي به خرافي، وبعضهم يتشدق ويستدل لتنكره بحديث: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). نافيا جملة ما جاء في الإسلام من أمور الدنيا، فإن شرع الله تعالى لم يهمل شيئا لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة، بل قال ربنا سبحانه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وقال عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - : {وما ينطق عن الهوى{3} إن هو إلا وحي يوحى} [لنجم:3]، بل يتبجح بعضهم ويقول: إن الوصفات الطبية التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصفها على أنها وحي، وإنما وصفها على أنه حكيم من حكماء زمانه عرف التجربة فيها فوصفها، {ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذب} [الكهف:5].
ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - عندما سأله عن كتابة كل ما يقول: (اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق).(1/400)
فكل ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - حق وصدق ووحي، وأما غيره فمهما بلغ من التخصص فإنما علمه تجارب وظنون، ونحن نصدق الأطباء فيما يقولون، فتصديقنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أَوْلى، وقبول ما جاء به من عند ربه أحق (1) .
5- العلاج بالدعاء والرُّقى .
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّىِّ أَنَّهُ قَالَ دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنَىْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا « مَا لِى أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ ». فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ تَسْرَعُ إِلَيْهِمَا الْعَيْنُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نَسْتَرْقِىَ لَهُمَا إِلاَّ أَنَّا لاَ نَدْرِى مَا يُوَافِقُكَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَىْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ » (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بِهِ لَمَمًا، وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ طَعَامِنَا، فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا، قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ، وَدَعَا لَهُ، فَثَعَّ ثَعَّةً، فَخَرَجَ مِنْ فِيهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الأَسْوَدِ، فَسعى (3) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي: كُنْتُ مَعَهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا، بِهِ لَمَمٌ، مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى، فَقَالَ: "إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ "، فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ عَلَى بَعِيرٍ نَادٍّ جِرَانُهُ يَرْغُو، فَقَالَ: "عَلَيَّ بِصَاحِبِ هَذَا "، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: "هَذَا يَقُولُ نُتِجْتُ عِنْدَهُمْ فَاسْتَعْمَلُونِي، حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ أَرَادُوا أَنْ يَنْحَرُونِي ".قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَقَالَ لِي: "اذْهَبْ، فَمُرْهُمَا فَلْتَجْتَمِعَا لِي ".قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَقَدْ هَيَّأَتْ أُمُّهُ أَكْبُشًا، فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ، وَقَالَتْ: مَا عَادَ إِلَيْهِ شَيْءٌ
__________
(1) - http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=1145&lang=
(2) - موطأ مالك- المكنز - (1716 ) صحيح لغيره -الضارع: نحيل الجسم
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 634)(2133) حسن لغيره(1/401)
مِنَ اللَّمَمِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : "مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا كَفَرَةُ - أَوْ فَسَقَةُ - الْجِنِّ وَالْإِنْسِ " (1) .
اللمم: طرف من الجنون أو المس يعتري الإنسان
البعير: ما صلح للركوب والحمل من الإبل، وذلك إذا استكمل أربع سنوات، ويقال للجمل والناقة
الجران: باطن العنق
النحر: الذبح
الكبش: الذكر أو الفحل من الضأن
إليك بعض الرقى المسنونة، والمستحبة، هي كما يلي :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْحُمَّى، وَمِنَ الأَوْجَاعِ كُلِّهَا، أَنْ يَقُولُوا: بِسْمِ اللهِ الْكَبِيرِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، مِنْ شَرِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمِنْ شَرِّ حَرِّ النَّارِ (2) .
عرق نعار: نعر العرق بالدم: إذا ارتفع وعلا.
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّىْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا « بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا » (3) .
وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا - أَوْ أُتِىَ بِهِ - قَالَ « أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا » (4) .(البأس ): الشدة، والألم .
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، كَانَ إِذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا (5) .
__________
(1) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (2271 ) حسن لغيره
(2) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (4 / 552)(3526) وسنن الترمذى- المكنز - (2219) ضعيف
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (5848 )
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (5675 )
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (5016) وصحيح مسلم- المكنز - (5844 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 230)(2963)(1/402)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَجَعًا يَجِدُهُ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأْلَمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللهِ ثَلاَثًا، وَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ (1) .
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ عُثْمَانُ: وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ: فَقُلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ (2) .
وعَنِ الْجُعَيْدِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ (3) .
ونختم هذه الرقى برقية جبريل عليه السلام لرسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ (4) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَلَا أَرْقِيكَ يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ "نَعَمْ "قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ وَعَيْنٍ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " (5) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا عَلَى قَلْبِهِ الْوَسْوَاسُ فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وَإِنْ غَفَلَ وَسْوَسَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } [الناس: 4] " (6) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (7 / 230)(2964) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (7 / 231)(2965) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز -(5670 ) وصحيح مسلم- المكنز -(6233 )
الحجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب تكون له أزرار كبار -الزر: بيضة الطائر
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (5829 )
(5) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(6445) صحيح
(6) - شعب الإيمان - (2 / 169)(666 ) ضعيف(1/403)
6- العلاج من إصابة العين الحاسدة .
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ (1) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ، قَالَ: وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ، قَالَ: فَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلاَ جِلْدَ عَذْرَاءَ فَوعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ، فَاشْتَدَّ وَعَكُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ أَنَّ سَهْلاً وُعِكَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ أَلاَ بَرَّكْتَ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، تَوَضَّأْ لَهُ، فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (2) .
وقال أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: إنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَخَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَأَى سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْخَرَّارِ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ قَالَ: فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ تَتَّهِمُونَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا: نَعَمْ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ رَآهُ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ أَلاَ تُبَرِّكُ ؟ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ الرَّكْبِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ: وَالْغُسْلُ أَنْ يُؤْتَى بِالْقَدَحِ، فَيُدْخِلَ الْغَاسِلُ كَفَّيْهِ جَمِيعًا فِيهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَغْسِلُ صَدْرَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فَيَغْسِلُ ظَهْرَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَغْسِلُ رُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ أَصَابِعِهِ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُعْطِي ذَلِكَ الإِنَاءَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ بِالأَرْضِ الَّذِي أَصَابَهُ
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (3882 ) صحيح - العائن: الحاسد -المعين: المحسود
(2) - موطأ مالك- المكنز - (1715 ) وصحيح ابن حبان - (13 / 469)(6105) صحيح
المخبأة: المكنونة التى لا تراها العيون -لبط: صرع وسقط على الأرض(1/404)
الْعَيْنُ، ثُمَّ يَمُجُّ فِيهِ، وَيَتَمَضْمَضُ وَيُهَرِيقُ عَلَى وَجْهِهِ، وَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ، وَيُكْفِيءُ الْقَدَحَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ (1) .
مخبأة عذراء: المخبأة المخدرة، والعذراء البكر والجمع العذارى.
ألا بركت: من البركة، وهي الزيادة والنماء، أو الثبات والدوام، أي: هلا دعوت له بالبركة.
داخلة إزاره: هي الطرف الذي يلي جسد المؤتزر.
وقيل: أراد موضع داخلة إزاره من جسده، لا إزاره، وقيل: أراد به مذاكيره، فكنى عنها، كما يكنى عن الفرج: بالسراويل، وقيل: هو الورك (2) .
وقال الطحاوي: "بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعَيْنِ أَنَّهَا حَقٌّ وَفِي الِاغْتِسَالِ لِمَنْ بُلِيَ بِهَا
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتِ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا "( صحيح)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ: "كَانُوا يَأْمُرُونَ الْمَعِينَ، فَيَتَوَضَّأُ، فَيُغْسَلُ بِهِ الْمُعَانُ "( صحيح)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: الْمَعِينُ، وَالْمُعَانُ وَالَّذِي نَحْفَظُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ مِنَ الْعَيْنِ عَائِنٌ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ مَعْيُونٌ، وَيُنْشَدُ:
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدًا ... وَإِخَالُ أَنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ
وَرُبَّمَا رَدَّ بَعْضُهُمُ الْمَفْعُولَ مِنْهُ إِلَى فَعِيلٍ مِثْلِ مَكِيلٍ وَمَبِيعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: مَعِينٌ.
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ سَهْلٌ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، فَقَالَ: "مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ ؟ ", فَقَالُوا: عَامِرٌ، فَقَالَ: "عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ "، وَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ لَهُ وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَيَصُبَّ عَلَيْهِ وَيُكْفِئَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ "وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (13 / 470)(6106) صحيح
(2) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (7 / 586)(1/405)
- رضي الله عنهم - ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ "فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ "قَالَ لَنَا يُونُسُ: قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: دَاخِلَةُ الْإِزَارِ: الَّتِي تَحْتَ الْإِزَارِ مِمَّا يَلِي الْجَسَدَ.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخِرَارِ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ.قَالَ: وَكَانَ سَهْلٌ أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ، فَقَالَ لَهُ عَامِرُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: "وَالْغُسْلُ الَّذِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنْ يُؤْتَى الرَّجُلُ الَّذِي يَعِينُ صَاحِبَهُ الْقَدَحَ فِيهِ الْمَاءُ، فَيُمْسَكُ لَهُ مَرْفُوعًا مِنَ الْأَرْضِ، فَيُدْخِلُ الَّذِي يَعِينُ صَاحِبَهُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ، فَيَصُبُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْهُ وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَاءِ، فَيَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مِنْهُ وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَغْسِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ، فَيَغْسِلُ صَدْرَهُ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فَيُمَضْمِضُ، ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ، فَيَصُبُّهُ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى مَرْفِقِ يَدِهِ مِنْهُ وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ، وَهُوَ ثَانٍ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ، ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَرْفِقِ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ الْأَصَابِعِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى ظَهْرِ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَغْمِسُ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ بِالْقَدَحِ حَتَّى يَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعْيُونِ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ يَكْفَأَ الْقَدَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَرَاءَهُ "
فَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي الْعَيْنِ أَنَّهَا حَقٌّ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْغُسْلِ فَقَدْ رَوَيْتُ ذَلِكَ فِي آثَارٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِالْأَنْفُسِ "(صحيح)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ نَلْتَمِسُ الْخَمَرَ فَأَصَبْنَا غَدِيرًا خَمِرًا، فَكَانَ أَحَدُنَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَتَجَرَّدَ وَأَحَدٌ يَرَاهُ، وَاسْتَتَرَ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ نَزَعَ جُبَّةَ صُوفٍ عَلَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَنِي خَلْقُهُ، فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنٍ فَأَخَذَتْهُ(1/406)
قَعْقَعَةٌ فَدَعَوْتُهُ فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ""قُومَا ""، فَرَفَعَ عَنْ سَاقَيْهِ حَتَّى خَاضَ إِلَيْهِ الْمَاءَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَضَحِ سَاقَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضَرَبَ صَدْرَهُ، وَقَالَ: ""بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ أَذْهِبْ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا قِفْ بِإِذْنِ اللهِ ""، فَقَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ""إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ""( صحيح)
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اكْتَفَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسَهْلٍ بِالدُّعَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَمْرُهُ عَامِرًا بِالِاغْتِسَالِ لَهُ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَهُمَا لَهُ جَمِيعًا، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَدْرَكَ سَهْلًا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ عَامِرٍ مَا أَدْرَكَهُ مِنْهُ، فَفَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا فَعَلَ فِيهَا مِنْ دُعَاءٍ، وَمِنْ أَمْرٍ بِاغْتِسَالٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاغْتِسَالُ كَانَ، ثُمَّ نُسِخَ بِغَيْرِهِ،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنهم - قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ، وَعَيْنِ الْإِنْسِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْهَا أَيْضًا،عنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا قَالَتْ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَسَتَرْقِي مِنَ الْعَيْنِ"( صحيح)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنهم - قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَقَاهُ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: "بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ وَاللهُ يَشْفِيكَ "(صحيح)
قَالَ: فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَبِالرُّقَى، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى نَسْخِ الْغُسْلِ لَا سِيَّمَا مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ، وَعَيْنِ الْإِنْسِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ فَفِيهِ نَسْخُ الْغُسْلِ، وَمَا سِوَاهُ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ نُزُولِهِمَا عَلَيْهِ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (1) .
الرُّقْيَةُ لُغَةً : اسْمٌ مِنَ الرَّقْيِ يُقَال رَقَى الرَّاقِي الْمَرِيضَ يَرْقِيهِ .
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (7 / 332)(2892 - 2904 )(1/407)
قَال ابْنُ الأَْثِيرِ : الرُّقْيَةُ الْعَوْذَةُ الَّتِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الآْفَةِ كَالْحُمَّى وَالصَّرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآْفَاتِ لأَِنَّهُ يُعَاذُ بِهَا ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} (27) سورة القيامة، أَيْ مَنْ يَرْقِيهِ ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لاَ رَاقِيَ يَرْقِيهِ فَيَحْمِيهِ ، وَرَقَيْتُهُ رُقْيَةً أَيْ عَوَّذْتُهُ بِاَللَّهِ ، وَالاِسْمُ الرُّقْيَا ، وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ ، وَالْجَمْعُ : رُقًى .
وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ لِلرُّقْيَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .
وَالرُّقْيَةُ قَدْ تَكُونُ بِكِتَابَةِ شَيْءٍ وَتَعْلِيقِهِ ، وَقَدْ تَكُونُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَالأَْدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ .
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرُّقَى :
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ الرَّقْيِ مِنْ كُل دَاءٍ يُصِيبُ الإِْنْسَانَ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ :
أَوَّلُهَا : أَنْ يَكُونَ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ .
ثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ .
ثَالِثُهَا : أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لاَ تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَل بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ ،فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ ؟ قَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، وَلاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكًا" (1) .
وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرُّقَى، فَأَتَاهُ خَالِي ، وَكَانَ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ، قَالَ: فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ : مَا أَرَى بَأْسًا، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ" (2) .
وَقَال الرَّبِيعُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الرُّقَى فَقَال: لاَ بَأْسَ إِنْ رُقِيَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ .
وَسُئِل مَالِكٌ عَنِ الرُّقَى بِالأَْسْمَاءِ الْعَجَمِيَّةِ فَقَال: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا كُفْرٌ ؟ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِل مَعْنَاهُ لاَ يَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ سِحْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (5862) وصحيح ابن حبان - (13 / 461)(6094)
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 67)(14382) 14435- وصحيح مسلم- المكنز - (5861 )(1/408)
وَقَال قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : لاَ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ إِلاَّ مِنَ الْعَيْنِ وَاللَّدْغَةِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ " (1) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الرُّقَى حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لأَِنَّهَا قَادِحَةٌ فِي التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ فعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ لَنَا: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ: أَنَا، أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي الصَّلاَةِ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ.قَالَ: فَمَا فَعَلْتَ ؟ قُلْتُ : اسْتَرْقَيْتُ. قَالَ : وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ.قَالَ: وَمَا يُحَدِّثُكُمْ الشَّعْبِيُّ ؟ قَالَ : قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حَصِيبٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ.قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ رَهْطٌ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ ،فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي: أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ، ثُمَّ نَهَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ، فَخَاضَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا : مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ قَطُّ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَقَالَتِهِمْ ، فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ، فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" (2) .
وَمِنْ هَؤُلاَءِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى كَرَاهَةِ الرَّقْيِ إِلاَّ بِالْمُعَوِّذَاتِ .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (5705 ) وصحيح مسلم- المكنز - (549)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (549 ) وصحيح ابن حبان - (14 / 339)(6430)(1/409)
وَفَرَّقَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الرَّقْيِ قَبْل وُقُوعِ الْبَلاَءِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، فَقَالُوا : الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الرَّقْيِ هُوَ مَا يَكُونُ قَبْل وُقُوعِ الْبَلاَءِ، وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا كَانَ بَعْدَ وُقُوعِهِ " (1) .
قلت : والصواب قول الجمهور .
7-النهي تعليق شيء على الطفل ما لم يكن قرآناً أو حديثاً نبويًّا أو أثراً.
ولابد أن نذكر في ختام هذا الباب من حرمة تعليق الحرز، أو الحلقات، وعليها حبات زرقاء، أو لبس الصبي لخلخال اعتقادا من أنه يقي من العين، مما يفعله الجاهلون بأحكام الشرع ، والذي اعتبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشرك ؛ الذي إذا أصرَّ صاحبه على وضعه بعد تنبيهه .
عن عَمْرو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ بُكَيْرًا، حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّهُ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا بِأَخِيهِ مَخْرَمَةَ، وَكَانَتْ تُدَاوِي مِنْ قَرْحَةٍ تَكُونُ بِالصِّبْيَانِ، فَلَمَّا دَاوَتْهُ عَائِشَةُ وَفَرَغَتْ مِنْهُ رَأَتْ فِي رِجْلَيْهِ خَلْخَالَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "أَظَنَنْتُمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَلْخَالَيْنِ يَدْفَعَانِ عَنْهُ شَيْئًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَوْ رَأَيْتُهَا مَا تَدَاوَى عِنْدِي وَمَا مَسَّ عِنْدِي لَعَمْرِي لَخَلْخَالَانِ مِنْ فِضَّةٍ أَطْهَرُ مِنْ هَذَيْنِ " (2) .
ولهذا نجد تحذيرا شديدا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أفعال الجاهلية ومعتقداتها بتعليق أشياء على صدور الأطفال خشية الحسد، فلنستمع و ونتبع، ولا نبتدع .
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: "قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّمِيمَةَ مِنْ قِلَادَةِ الصَّبِيِّ "يَعْنِي الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَهِيَ الَّتِي تُخْرَزُ فِي عُنُقِ الصَّبِيِّ مِنَ الْعَيْنِ (3) .
وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَوْ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ فِي عُنُقِ امْرَأَتِهِ خَرَزًا قَدْ تَعَلَّقَتْهُ مِنَ الْحُمْرَةِ فَقَطَعَهُ، وَقَالَ: "إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَأَغْنِيَاءُ عَنِ الشِّرْكِ " (4) .
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (23 / 96) وفتح الباري شرح صحيح البخاري 10 / 156 ، 195 ، 211 ، دليل الفالحين 3 / 372 ، القوانين الفقهية ص 453 ، الفواكه الدواني 2 / 442 ، حاشية العدوي 2 / 453 ، مغني المحتاج 1 / 37 ، المغني لابن قدامة 2 / 449 ، حاشية ابن عابدين 5 / 232 ، والموسوعة 11 / 123 - 124 فقرة 13 و13 / 21 وما بعدها .
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (7616 ) حسن
(3) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (956 ) صحيح مرسل
(4) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِ(957 ) صحيح(1/410)
وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ، نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ فَتَخٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا فِي يَدِكَ ؟ "، قَالَ: صَنَعْتُهُ مِنَ الْوَاهِنَةِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: "فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا " (1) .
وعَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللَّهُ لَهُ (2) .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا ؟ قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ (3) .
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي عَضُدِهِ حَلَقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ ؟ قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ ؟ قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تُوكَلَ إِلَيْهَا ؟ انْبِذْهَا عَنْكَ (4) .
التَّمِيمَةُ فِي اللُّغَةِ عُوذَةٌ تُعَلَّقُ عَلَى الإِْنْسَانِ، وَيُقَال: هِيَ خَرَزَاتٌ كَانَ الْعَرَبُ يُعَلِّقُونَهَا عَلَى أَوْلاَدِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ.
وَعَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهَا وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ وَتُعَلَّقُ عَلَى الإِْنْسَانِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالتَّمِيمَةِ أَنَّ الرُّقْيَةَ تَكُونُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ .
أَمَّا التَّمِيمَةُ فَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الرُّقْيَةُ : هِيَ تَعْوِيذٌ مَقْرُوءٌ، وَالتَّمِيمَةُ: تَعْوِيذٌ مَكْتُوبٌ .
ولاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّمِيمَةِ إِذَا كَانَ فِيهَا اسْمٌ لاَ يُعْرَفُ مَعْنَاهُ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يُفْهَمُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ، وَلأَِنَّهُ لاَ دَافِعَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يُطْلَبُ دَفْعُ الْمُؤْذِيَاتِ إِلاَّ بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ .
__________
(1) - جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (958 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (13 / 450)(6086) حسن
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 916)(17422) 17558- صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (13 / 453)(6088) صحيح(1/411)
أَمَّا إِذَا كَانَتِ التَّمِيمَةُ لاَ تَشْتَمِل إِلاَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الآْرَاءُ فِيهَا عَلَى النَّحْوِ التَّالِي :
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة، وَهُوَ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ " عَلَى التَّمَائِمِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ .
وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ حُرْمَةُ التَّمِيمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ حَكِيمٍ .وَبِهِ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ (1) ..
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (14 / 30) و الشرح الصغير 4 / 769 ، وحاشية ابن عابدين 5 / 232 ، والفتاوى الحديثة ص120 ، والدين الخالص 2 / 263 ،شرح منتهى الإرادات 1 / 321 ط دار الفكر ، وكشاف القناع 2 / 77 ، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 78 .(1/412)
الفصل التاسع
تهذيب الدافع الجنسي للطفل
تمهيد :
الأساس التهذيبي الأول - استئذان الطفل في الدخول :
الأساس التهذيبي الثاني - تعويد الطفل غض البصر، وحفظ العورة : ...
الأساس التهذيبي الثالث - التفريق في المضاجع بين الأطفال : ...
الأساس التهذيبي الرابع - نوم الطفل على شقه الأيمن، وابتعاده عن النوم على بطنه :
الأساس التهذيبي الخامس - ابتعاد الطفل عن الاختلاط والمهيجات الجنسية :
الأساس التهذيبي السادس - تعلم الطفل المميز فروض الغسل، وسننه . ...
الأساس التهذيبي السابع- شرح مقدمة سورة النور، وتحفيظها للطفل المميز :
الأساس التهذيبي الثامن- المصارحة الحنسية والتحذير من الفاحشة: ...
الأساس التهذيبي التاسع- الزواج المبكر :(1/413)
تمهيد :
حرص الإسلام على تنشئة الإنسان تنشئة متوازنة، بحيث يتكون تكوينا منسجما مع طبيعته التي خلقها الله، ومع فطرته التي فطره عليها، وهكذا كانت إحدى خصائصه المميزة التوازن في الأمور كلها بلا إفراط ولا تفريط .
والدافع الجنسيُّ خلقه الله تعالى في النفس البشرية ليكون سبباً في استمرار الكائنات الحية جميعها، ومن بينها الإنسان، وقد خصَّ الله تعالى زمناً معيناً لتفجير هذه الطاقة في الإنسان، ليصبح قادراً على الإنجاب، وسمَّى الشرع الحنيف هذا السنَّ بسنِّ التكليف، أي بدخول الطفل هذا السنَّ يصبح مسؤولاً عن تصرفاته محاسباً على أعماله .
ولكي يسير الدافع الجنسيُّ في نفس الطفل بشكل هادئ، بلا تهيجات خارجية تغذيه نحو الانحراف عن السلوك القويم، رعى الإسلام هذا الطفل، وطالبه بأوامر ونواهٍ، وذلك لكي يتهذب الدافع الجنسيُّ، ويبقى متوازناً طاهراً بلا انحراف، نقيًّا بلا تلوثٍ .
فما هي الأركان والقواعد ليقوم الوالدان باتباعها، فيحفظوا بها طفلهم من الانحراف الجنسي، وتبقى فطرته نظيفة طاهرة عفيفة، لم تخدشها الجاهلية بمستنقعها الآسن ؟
الأساس التهذيبي الأول - استئذان الطفل في الدخول :
الطفل يعيش في منزله كثيرا، ويتنقل سريعا في أرجاء البيت، والاستئذان بالنسبة له أمر صعب وشاق في كل لحظة، وفي كل آن ؛ لذلك وجدنا القرآن الكريم يحدد للطفل الصغير طريقة الاستئذان، فيتناولها بالرعاية، والتوجيه، وذلك بأسلوب تدريجي رائع، فحددها له أولا، وهو طفل صغير أن يستأذن فين ثلاث أوقات حساسة: من قبل صلاة الفجر ... ووقت الظهيرة عند القيلولة.. وبعد صلاة العشاء.
ونلاحظ أن هذه الأوقات هي أوقات نوم الوالدين، وقد دخلا في غرفة النوم إذا قرب من سن الاحتلام وجب عليه الاستئذان في البيت في الدخول على والديه في كل آن، وكلما وجد أمامه الباب مغلقا في وجهه، ووالداه في الغرفة.
فلنعش لحظات مع التوجيه القرآني الذي خص هذا الأمر بالتفصيل، والبيان دون غيره ؛ لما له من أهمية كبيرة في ميزان الشرع.(1/414)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) } [النور: 58-59]
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم، والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة: من قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت للنوم، وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم، يقل فيها التستر، أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛ لحاجتهم في الدخول عليكم، طوافون عليكم للخدمة، وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه. والله عليم بما يصلح خلقه، حكيم في تدبيره أمورهم.
وإذا بلغ الأطفال منكم سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية، فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الأوقات كما يستأذن الكبار، وكما يبيِّن الله آداب الاستئذان يبيِّن الله تعالى لكم آياته. والله عليم بما يصلح عباده، حكيم في تشريعه (1) .
فالخدم من الرقيق، والأطفال المميزون الذين لم يبلغوا الحلم يدخلون بلا استئذان. إلا في ثلاثة أوقات تنكشف فيها العورات عادة، فهم يستأذنون فيها. هذه الأوقات هي: الوقت قبل صلاة الفجر حيث يكون الناس في ثياب النوم عادة أو أنهم يغيرونها ويلبسون ثياب الخروج. ووقت الظهيرة عند القيلولة، حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة. وبعد صلاة العشاء حين يخلعون ملابسهم كذلك ويرتدون ثياب الليل ..
__________
(1) -التفسير الميسر - (6 / 262)(1/415)
وسماها «عورات"لانكشاف العورات فيها. وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم - بعد تقدم العلوم النفسية - أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.
والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدور، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، نظيفة التصورات.
ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة:
«طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» .. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات، وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.
فأما حين يدرك الصغار سن البلوغ، فإنهم يدخلون في حكم الأجانب، الذين يجب أن يستأذنوا في كل وقت، حسب النص العام، الذي مضت به آية الاستئذان.
ويعقب على الآية بقوله: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» لأن المقام مقام علم اللّه بنفوس البشر، وما يصلحها من الآداب ومقام حكمته كذلك في علاج النفوس والقلوب (1) .
فهل تريدان أيها الوالدان أن يمرض طفلكما ؟ وبأي مرض ؟ إنه بالأمراض النفسية، والعصبية ؛ التي يصعب شفاء الطفل منها.
وما هو السبب يا ترى ؟ إنه تهاون الوالدين في تعويد طفلهما الاستئذان للدخول في الأوقات الثلاثة ؛ التي تكون فيها عورات الوالدين منكشفة ؛ لهذا نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنسا
__________
(1) -فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2532)(1/416)
الاستئذان ، فعَنْ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كُنْتُ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: فَكُنْتُ أَدْخُلُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا، فَقَالَ: "كَمَا أَنْتَ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ: لَا تَدْخُلَنَّ إِلَّا بِإِذْنٍ " (1) .
ومن هنا وجب أيضا على الوالدين أن يسترا عوراتهما في كل آن أمام طفلهما ؛ ولننتبه .. ولنستجب لنداء الله تعالى ورسوله لما يحينا .
حكم الطفل غير المميز:
إن الطفل الصغير الذي لا يميز محاسن وقبح النساء، وكذلك البنت التي لم تبدأ معالم البلوغ عندها، لهما حكم خاص بهما نصت الآية عليه: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور .
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. وبعضها، كالوجه، والعنق، واليدين، والساعدين يباح رؤيته لآبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات دون الكافرات، أو ما ملكن مِنَ العبيد، أو التابعين من الرجال الذين لا غرض ولا حاجة لهم في النساء، مثل البُلْه الذين
__________
(1) - الْأَدَبُ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ (834 ) صحيح(1/417)
يتبعون غيرهم للطعام والشراب فحسب، أو الأطفال الصغار الذين ليس لهم علم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد، ولا يضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه، وارجعوا- أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة (1) .
وقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ تَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِى لَعَمْرِى لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنهم - ا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِى نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: انْطَلِقِى عَنْكِ فَأَبَتْ فَخَرَجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ وَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِى عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا أَنَا وَعُبَيْدٌ وَهِىَ مُجَاوِرَةٌ فِى جَوْفِ ثَبِيرٍ فَقُلْت: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِىَ فِى قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا (2) .
وقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، حِينَ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي: فَكَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ مِنَ الطَّوَافِ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ ؟، قُلْتُ: أَبْعَدَ الْحِجَابِ ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي، قَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قُلْتُ: فَكَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ لِيَفْعَلْنَ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنهم - ا تَطُوفُ حُجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَاجْتَبَذَتْهَا وَقَالَتِ: "انْطَلِقِي عَنْكِ "، فَأَبَتْ أَنْ تَسْتَلِمَ، قَالَ: فَكُنَّ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، قَالَ: وَلَكِنَّهُنَّ يَكُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ سَتَرْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُنَّ الرِّجَالُ، قَالَ: وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - ا أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ قُلْتُ: فَمَا حِجَابُهَا حِينَئِذٍ ؟
__________
(1) - التفسير الميسر - (6 / 235)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1618 ) والسنن الكبرى للبيهقي- المكنز - (5 / 78)(9515)(1/418)
قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ لَهَا حِينَئِذٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَيْهَا غِشَاؤُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُعَصْفَرًا وَأَنَا صَبِيٌّ" (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - أخبار مكة للفاكهي - (1 / 252)(483) صحيح(1/419)
الأساس التهذيبي الثاني - تعويد الطفل غض البصر، وحفظ العورة :
إن البصر هو نافذة الطفل على العالم الخارجي، فما تراه عيناه ينطبع في ذهنه ونفسه، وذاكرته بسرعة فائقةٍ، فإذا تعوَّد غضَّ البصر عن العورات كافة المنزلية والخارجية، مستعيناً بمراقبة الله تعالى له، كما فعل الطفل الصالح عبد الله التستري، الذي كان يردد ورده القلبي قبل أن ينام "الله شاهدي، الله ناظري، الله معي"فإن ذلك يورث حلاوة الإيمان، التي يجدها الطفل في نفسه .
عَنْ أَبِى رَيْحَانَةَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةٍ فَسَمِعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ :"حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ». قَالَ: وَقَالَ الثَّالِثَةَ فَنَسِيتُهَا. قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَاكَ :"حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » (1) .
وقد يتهاون الطفل أحياناً، وينسى أخرى، ويغلبه هواه في لحظة ما، فيرسل بصره نحو الفتيات بشهوة وتلذذ، فماذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذ الموطن ؟
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَكَانَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ.قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ بَصَرَهُ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ سَمْعَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَبَصَرَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ، وَلِسَانَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ ؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " (3) .
__________
(1) - سنن الدارمى- المكنز - (2455) صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (3315 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 301)(3989)
(3) - أخبار مكة للفاكهي - (5 / 21)(2748 ) صحيح لغيره(1/420)
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ فُلانٌ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ النِّسَاءَ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ مِرَارًا، قَالَ: وَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ إِلَيْهِنَّ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ابْنَ أَخِي، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ، وَلِسَانَهُ، غُفِرَ لَهُ (1) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاسْتَقْبَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَجِّ، أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ ؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْ أَبِيكِ "وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ.فَقَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ شَابَّةً وَشَابًّا فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا " (2) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ عَرَضَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ مُرْدِفًا ابْنَةً لَهُ جَمِيلَةً، وَكَانَ يُسَايِرُهُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَنَظَرَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَلَبَ وَجْهِي عَنْ وَجْهِهَا، ثُمَّ أَعَدْتُ النَّظَرَ، فَقَلَبَ وَجْهِي عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا، وَأَنَا لاَ أَنْتَهِي، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (3) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (4) .
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 831)(3041) 3042- حسن
(2) - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (2127 ) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 562)(1805) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (1513) وصحيح مسلم- المكنز - (3315 ) وصحيح ابن حبان - (9 / 301)(3989)(1/421)
فإذا لا بد من تعويد الطفل غض البصر عن العورات في كل مكان، حتى لا تتسرع غريزته الجنسية بالنضوج المبكر، السريع الشاذ ؛ الذي قد يسبب أضرارا, وأخطارا ذاتية، وجسميه, ونفسية، واجتماعية, وخلقية.
وقد ذكر الشيخ عبد الحميد كشك – رحمه الله تعالى – في إحدى خطبه قول أحد علماء الألمان حول أهمية غض البصر، وأنه العلاج الوحيد للجنس قوله: "لقد درست علم الجنس، وأدوية الجنس، فلم أجد دواء أنجح، وأنجع من القول في الكتاب الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النور .
أما ستر العورة فإن الطفل يتعودها مع بداية أمره بالصلاة، حيث لا بد أن يكون لباسه ساترا لعورته، وذلك لتكون صلاته صحيحة سليمة من صغره، وبالتالي ينشأ على حب ستر العورة ,صبيا كان أم بنتا، فالصبي يلبس ما يستر عورته، والبنت كذلك، وتزيد عليه أ ن تتعوَّد الحجاب، فتبدأ بحجاب الصلاة، وهكذا ينشأ الطفل مستقيما صالحا مهذبة نفسه ، قويمة أخلاقه، قويا في إيمانه .
- - - - - - - - - - - -(1/422)
الأساس التهذيبي الثالث - التفريق في المضاجع بين الأطفال :
وهو ركن أساسي في تهذيب الطفل جنسيا، وعدم إثارة غريزته بشكل سيئ، وهكذا لا نظير له في العالم كله من تشريعات ... إنها نظرة النبوة، والدقة النبوية في تهذيب الطفل، والاهتمام به، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » (1) .
وعن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا بَلَغَ أَوْلاَدُكُمْ سَبْعَ سِنِينَ فَفَرِّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ وَإِذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ » (2) .
إذاً هذا التفريق يبدأ في سن العاشرة، حيث تكون الغريزة في طريقها للنمو, ولكن كيف يتم التفريق في المضجع ؟ إنه عدم نوم طفلين تحت لحاف واحد,أو ينامان في سرير واحد، أمَّا على فراش واحد، وبلحافين مختلفين فلا حرج.وكلما ابتعدا عن بعضهما فهو أفضل .
قال الدهولي: "وإنما أمر بتفريق المضاجع لأن الأيام أيام مراهقة فلا يبعد أن تفضي المضاجعة إلى شهوة المجامعة فلا بد من سد سبيل الفساد قبل وقوعه " (3) .
لذلك فإن النوم في فراش واحدٍ تحت لحاف واحدٍ، يؤدي بالأطفال أن تنمو فيهم الغريزة الجمسية بسرعة متزايدة، وأن تتأجج فلا تجد لإنفاذها إلا ببعض مظاهر الانحراف، والشذوذ الجنسي، وكم تحدث شذوذات تحت اللحاف لا يشعر بها الأبوان، فتكون سبباً في دمار هؤلاء الأطفال الأبرياء، الذين تساهل آباؤهم عن أحوالهم، فوضعوهم في مخالفة أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - .ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4]، يقدم لنا أمراً صريحاً "وفرقوا "فالمؤمن يمتثل فيفرق، وأين التفريق؟ إنه بينهم في المضاجع، فأين التربية الغربية والشرقية من هذا التوجيه النبوي الرائع ؟
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (495 ) صحيح
(2) - سنن الدارقطنى- المكنز - (898 ) صحيح
(3) - حجة الله البالغة - (1 / 371)(1/423)
الأساس التهذيبي الرابع - نوم الطفل على شقه الأيمن، وابتعاده عن النوم على بطنه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارَهُ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَيُسَمِّي اللَّهَ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ رَبِّي، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا حَفِظْتَ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ (1) .
وعَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ، يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (2) .
إنَّ اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنوم على الشق الأيمن يبعد الطفل عن كثير من المهيجات الجنسية أثناء النوم وقد وصف - صلى الله عليه وسلم - النوم على الوجه بنومة الشيطان ... فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِرَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى بَطْنِهِ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: إِنَّهَا ضِجْعَةٌ لاَ يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" (3) .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي الْمَسْجِدِ مُنْبَطِحٍ عَلَى وَجْهِهِ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: قُمْ وَاقْعُدْ، فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ (4) .
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (12 / 344)(5534) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (12 / 348)(5537) صحيح
(3) - المستدرك للحاكم (7709) صحيح
(4) - سنن ابن ماجة- ط- الرسالة - (4 / 670)(3725) حسن(1/424)
فإذا نام الطفل على بطنه، فيؤدي ذلك إلى كثرة حك أعضائه التناسلية التي تثير شهوته في هذه الحالة، فإذا وجد الوالدان الطفل في هذه الحالة نائما غيرا من حالته، وحببوا إليه النوم على الشق الأيمن, والابتعاد عن النوم على الصدر... فضلا عن أن النوم على الصدر يورث كثيرا من الأمراض الجسمية ... والأطباء جميعا بدون استثناء ينصحون بالابتعاد عن النوم على البطن .
- - - - - - - - - - - - -(1/425)
الأساس التهذيبي الخامس - ابتعاد الطفل عن الاختلاط والمهيجات الجنسية :
يسقط واقع الاختلاط ومفاسده في أوربا وأمريكا كل الدعاوي بفوائده. قال القاضي (بن لندسي ) في كتابه تمرد النشء الجديد : أن الصبية في أمريكا أصبحوا يراهقون قبل الأوان، ومن السن الباكرة جداً يشتد فيهم الشعور الجنسي.ويقول الدكتور أديب هوكر في كتابه القوانين الجنسية: إنه ليس من الغريب الشاذ حتى في الطبقات المثقفة أن بنات سبع أو ثمان سنين يخادنّ لذاتهن مع الصبية، وربما تلوثن معهم بالفاحشة، وبنت في السابعة من بيت عريق ارتكبت الفاحشة مع أخيها وعدد من أصحابه، ووجد نفر من خمسة أولاد يشتمل على صبيتين وثلاثة صبيات متقاربي البيوت وجدوا متعلقين ببعضهم بالعلاقات الجنسية وكان أكبرهم سناً ابن عشر سنين وبنت في التاسعة.وجاء في تقرير طبيب من مدينة بالتيمور أنه رفع إلى المحاكم أكثر من ألف مرافعة في سنة واحدة في ارتكاب الفاحشة مع الصبايا دون الثانية عشرة، ويخمن القاضي لندسي أن (45%) من الطالبات تدنسن قبل خروجهن من المدرسة، وترتفع هذه النسبة في مراحل التعليم العالية.ومن المؤسف والمؤلم أن كثيراً من البلدان المسلمة بدأت تسير على هذا النهج في اختلاط الصبيان مع البنات، وهذا تآمر على إفساد المجتمع وتوهين بنية الأجيال (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - منهج التربية النبوية للطفل ،محمد نور سويد ص265(1/426)
الأساس التهذيبي السادس - تعلم الطفل المميز فروض الغسل، وسننه .
حينما يتوقع الأبوان قرب بلوغ الصبي، والبنت على السواء، عند ذلك وجب عليهما تعليم الأطفال فرائض إسقاط الحدث الأكبر - الجنابة - وسننه, وكذلك يحدثانهم عن أ سبابه, وعن طبيعة المادة التي تخرج، ولونها, أي: يقدمان لهم درسا في فقه الغسل من كتب الفقه, ولأن يحدثهم الآباء حديثا هادئا عن هذه الأمور، خير من أ ن تمتدَّ أيدي السوء لتنتشلهم، ويقدمون لهم السم الزعاف.
فلابد من أن يقدم الأب لصبيه والأم لبنتها حديثا وأحاديث عن فقه الإسلام في هذه المادة، التي تخرج من جسم الإنسان, في مقابل ذلك، وما يعني خروج هذه المادة بالنسبة للشرع ؟
إنه يعني دخول سنِّ التكليف في الحياة ... إنه بدء الفرائض على الإنسان ، والنواهي الربانية له ... وبذلك أصبح الإنسان محاسبا على الصغيرة والكبيرة على أعماله,وأقواله,وأن الملكين رقيبا وعتيدا، بدأ كل منهما مهمته في تسجيل الحسنات والسيئات ... إلى غير ذلك من مواعظ هادئة، تنبه الطفل نحو العمل الصالح,وكراهية العمل الطالح .
- - - - - - - - - - - -(1/427)
الأساس التهذيبي السابع- شرح مقدمة سورة النور، وتحفيظها للطفل المميز :
بعد بلوغ الطفل سن العاشرة، يفرق في مضجعه عن إخوانه، فهذا يعني أن بعض الدلالات الجنسية بدأت بالظهور رويداً رويداً .
ففي هذه السن نبدأ بوضع الوقايات النفسية، والمناعات الإيمانية في نفس الطفل، ليقوى بها على التحكم في غريزته، وضبط نفسه، والحفاظ عليها من ارتكاب الفاحشة، والعياذ بالله، فقد كان السلف الصالح يقدمون لأطفالهم سورة النور كوقاية لهم مع الشرح والبيان، ويهتمون بتحفيظها في سن المراهقة قبيل البلوغ وخاصة البنات .
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "عَلِّمُوا رِجَالَكُمْ سُورَةَ الْمَائِدَةِ وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ " (1) .
وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ وَعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ وَحَلُّوهُنَّ الْفِضَّةَ " (2) .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى الْآفَاقِ: "لَا تَدْخُلَنَّ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ الْحَمَّامَ إِلَّا مِنْ سَقَمٍ، وَعَلِّمُوَا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ " (3) .
سؤال فقهي: ما هوسنُّ زواج الصغيرة ؟
اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - لاِسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةً أَوْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ، وَأَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ مَتَى طَلَبَهَا إِلاَّ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لاَ فَاسِدًا، فَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا.سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِل الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تَكُنْ حَتَّى تَصِيرَ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي تُطِيقُ الْجِمَاعَ ؛ لأَِنَّ امْتِنَاعَ الاِسْتِمْتَاعِ إِنَّمَا لِمَعْنًى فِيهَا، وَالاِحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ لِلنَّفَقَةِ هُوَ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٍّ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لأَِنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لاَ تَصْلُحُ لِدَوَاعِيهِ ؛ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ .
__________
(1) - شعب الإيمان - (4 / 77)(2205 ) حسن مرسل
(2) - شعب الإيمان - (4 / 82)(2213 ) صحيح
(3) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ(1091 ) صحيح(1/428)
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْجُمْهُورُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، بَل تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الصَّغِيرِ مَتَى تَحَقَّقَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي تُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي الزَّوْجَةِ .
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا .
أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُمْكِنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ بِلاَ مَانِعٍ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا لِلدُّخُول - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ - وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَادَةً عَلَى الْبَالِغِ لاَ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَوْ دَخَل عَلَيْهَا بَالِغَةً وَافْتَضَّهَا، وَلاَ لِغَيْرِ مُمْكِنَةٍ، أَوْ لَمْ يَحْصُل مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا دُعَاءٌ، أَوْ حَصَل قَبْل مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلاَ لِغَيْرِ مُطِيقَةٍ، وَلاَ لِمُطِيقَةٍ بِهَا مَانِعٌ كَرَتْقٍ إِلاَّ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا عَالِمًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَيْ بَالِغًا السِّيَاقَ، وَهُوَ الأَْخْذُ فِي النَّزْعِ .
وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا: فَلَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
يَقُول الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاصِل أَنَّهُ فِي التَّوْضِيحِ جَعَل السَّلاَمَةَ مِنَ الْمَرَضِ وَبُلُوغَ الزَّوْجِ وَإِطَاقَةَ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا الَّتِي دَعَتْ لِلدُّخُول، فَإِنِ اخْتَل مِنْهَا شَرْطٌ فَلاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا، وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ .وَخَالَفَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ جَعَلُوا الأُْمُورَ الثَّلاَثَةَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَدَعَتْ لِلدُّخُول (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (41 / 37) والشَّرْحُ الْكَبِيرُ 2 / 508، وَالزُّرْقَانِيُّ 4 / 244 - 245 والْعِنَايَةُ بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ 4 / 196، وَالْهِدَايَةُ بِأَعْلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ 4 / 196، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 58، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ 15 / 30، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 9 / 231، 255، وَالإِْنْصَافُ 9 / 378 .(1/429)
الأساس التهذيبي الثامن- المصارحة الحنسية والتحذير من الفاحشة:
بعد تعلم الطفل فرائض الغسل، وإسقاط الجنابة، يحذر تحذيراً شديداً من الوقوع في الفاحشة، ويشرح له ذلك حسب البلد الذي يعيش فيه الطفل، هل في بلد تحلل الموبقات أم في بلد إسلامي محافظ ؟ وعلى حسب الأسرة التي بلغ فيها ذلك الطفل، هل هي إسلامية أو إباحية، فحيثما كانت الأسرة فيجب أن يشرح للطفل المسلم البالغ ما هو الزنى، حتى يجتنبه، ويبتعد عنه، من أجل ألا يقع في الزنى، ثم يقول :أنا لا أدري كيف هو؟ وما حكمه ؟
وترى له الأحاديث النبوية التي تحذر من الزنى، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ.مَهْ.فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ.قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ.قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ.قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ.قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (1) .
وعَنْ سُلَيْمِ بن عَامِرٍ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ غُلامًا شَابًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا، فَصَاحَ النَّاسُ فَقَالَ:"مَهْ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَقِرُّوهُ ادْنُ"، فَدَنَا حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟"قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟"قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟"قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ؟ أَتُحِبُّهُ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 407)(22211) 22564- صحيح(1/430)
لِخَالَتِكَ؟"قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ"، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ كَفِّرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" (1) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُمَا قَالاَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُنْشِدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأَذَنْ لِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمُ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ (2) .
ولائد: الولائد: جمع وليدة، وليدة، وهي الأمة.
بكتاب الله: أراد بقوله :«كتاب الله"ما كتب الله على عباده من الحدود الأحكام، ولم يرد به القرآن،لأن النفي والرجم لا ذكر لهما فيه.
أنشدك: أي أسالك (3) .
وقول الله تعالى محذرا من الزنى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء.
ينهى الله تعالى عباده عن مقارفة الزنى، ومباشرة أسبابه ودواعيه، فهو فعلة ظاهرة القبح ( فاحشة )، وبئس طريقا ومسلكا ( ساء سبيلا )، لما فيه من اختلاط الأنساب، وفساد العلاقة بين الأزواج، لضياع الثقة الواجب توفرها لاطمئنان الحياة الزوجية (4) .
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 177)(7577 ) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2695 و2696 ) وصحيح مسلم- المكنز - (4531) وصحيح ابن حبان - (10 / 282)(4437)
(3) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (3 / 538)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2062)(1/431)
إن في الزنا قتلا من نواحي شتى. إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها. يتبعه غالبا الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق، قبل مولده أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة، أو حياة مهينة، فهي حياة مضيعة في المجتمع على نحو من الأنحاء .. وهو قتل في صورة أخرى. قتل للجماعة التي يفشو فيها. فتضيع الأنساب وتختلط الدماء، وتذهب الثقة في العرض والولد، وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها، فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات.
وهو قتل للجماعة من جانب آخر، إذ أن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها، والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة، لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه.
وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال، منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث. وقد يغر بعضهم أن أوربا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو هذه الفاحشة فيهما. ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفر نسا ظاهرة لا شك فيها. أما في الأمم الفتية كالولايات المتحدة، فإن فعلها لم تظهر بعد آثاره بسبب حداثة هذا الشعب واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عند ما يدلف إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن، كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده! والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا. وهي مبالغة في التحرز. لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة. فالتحرز من المقاربة أضمن. فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان.
ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة، توقيا للوقوع فيه .. يكره الاختلاط في غير ضرورة.
ويحرم الخلوة. وينهى عن التبرج بالزينة. ويحض على الزواج لمن استطاع، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع.(1/432)
ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور. وينفي الخوف من العيلة والإملاق بسبب الأولاد.
ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم. ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع، وعلى رمي المحصنات الغافلات دون برهان ... إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج، ليحفظ الجماعة الإسلامية من التردي والانحلال (1) .
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2224)(1/433)
الأساس التهذيبي التاسع- الزواج المبكر :
مهما قيل في الزواج المبكر من مساوئ في العصر الحاضر, فإن محاسنه تفوقه، وخاصة إذا صحبه تأمين الحياة المادية,سواء من مساعدة الوالدين، أومن كسب الفتى الناشئ .
وما أمراض الأمة النفسية والاجتماعية, والحوادث الجنائية إلا نتيجة طبيعية لتأخير سنِّ الزواج، ولن نناقش هذا الأمر كثيراً، فحسبنا أن نقدم من حياة السلف الصالح ..
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِ عَشَرَةَ (1) .
وعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ زَوَّجَ ابْنَةً لَهُ صَغِيرَةً حِينَ نُفِسَتْ يَعْنِي حِينَ وُلِدَتْ (2) .
وعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ ابْنَةً لِمُصْعَبٍ صَغِيرَةً (3) .
وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: "زَوَّجَ أَبِي ابْنَهُ صَغِيرًا هَذَا ابْنُ خَمْسٍ، وَهَذَا ابْنُ سِتٍّ فَمَاتَ، فَوَرِثَتْهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ " (4) .
وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ إلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فَأَرْسَلَهَا إلَيْهِ بِرِسَالَةٍ فَمَازَحَهَا، فَقَالَتْ: لَوْلاَ أَنَّك شَيْخٌ، أَوْ لَوْلاَ أَنَّك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَعْجَبَ عُمَرَ مُصَاهَرَتُهُ فَخَطَبَهَا فَأَنْكَحَهَا إيَّاهُ (5) .
وعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهِيَ جَارِيَةٌ تَلْعَبُ مَعَ الْجَوَارِي، فَجَاءَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَدَعَوْا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ نَشَاطٍ بِي، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي "، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي، وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَبٌ وَنَسَبٌ (6) .
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 345)(17626) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 345)(17627) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 345)(17628) صحيح
(4) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10057 ) صحيح
(5) مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 345)(17629) صحيح لغيره
(6) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10052 ) صحيح لغيره(1/434)
وعَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ قَالُوا: "إِذَا أَنْكَحَ الصَّغَارَ آبَاؤُهُمْ جَازَ نِكَاحُهُمْ ".قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: "وَبِهِ نَأْخُذُ " (1) .
خاتمة: علامات البلوغ :
هناك علامتان لدخول الطفل سن البلوغ والتكليف، وهما الاحتلام ، أو ظهور شعر العانة تحت السرة.
1-الاحتلام:
فقد نصت الآية: { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (59) سورة النور
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخًا مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَحْمَدَ قَالَ قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ وَلاَ صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ ».
2-ظهور شعر العانة :
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَخُلِّيَ سَبِيلِي (2) .
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبْنَاءُ قُرَيْظَةَ أَنَّهُمْ عُرِضُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِمًا أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَلِمًا أَوْ لَمْ تَنْبُتْ عَانَتُهُ تُرِكَ (3) .
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ.
__________
(1) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10053 ) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 380)(18776) 18983- صحيح
(3) - سنن النسائي- المكنز - (3442 ) صحيح(1/435)
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: يَقُولُ: الشَّيْخُ لاَ يَكَادُ أَنْ يُسْلِمَ، وَالشَّابُّ، أَيْ يُسْلِمُ، كَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الإِِسْلاَمِ مِنَ الشَّيْخِ، قَالَ: الشَّرْخُ: الشَّبَابُ (1) .
والراجح أن الشرخ: الصغار الذين لم يدركوا أو الشباب أهل الجلد الذين ينتفع بهم.
الصبي إذا بلغ خمس عشرة أقيمت عليه الحدود :
عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ قَالُوا: إذَا أَنْكَحَ الصِّغَارَ آبَاؤُهُمْ جَازَ نِكَاحُهُمْ (2) .
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَتَزْوِيجُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَالصَّدَاقُ عَلَى الابْنِ (3) .
وعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "إِذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبُوهُمَا، فَهُمَا بِالْخِيَارِ إِذَا كَبِرَا " (4) .
وعَنِ الزُّهْرِيِّ: "أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ: أَنْكَحَ ابْنَهُ صَغِيرًا ابْنَةً لِمُصَعْبٍ صَغِيرَةً " (5) .
وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: "زَوَّجَ أَبِي ابْنَهُ صَغِيرًا هَذَا ابْنُ خَمْسٍ، وَهَذَا ابْنُ سِتٍّ فَمَاتَ، فَوَرِثَتْهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ " (6) .
وتَزِيدُ الأُْنْثَى وَتَخْتَصُّ بِعَلاَمَتَيْنِ: هُمَا الْحَيْضُ ؛ إِذْ هُوَ عَلَمٌ عَلَى بُلُوغِهَا، فعَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ (7) .
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الْحَيْضَ بِالَّذِي لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي جَلْبِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ عَلاَمَةً .
وَالْحَمْل عَلاَمَةٌ عَلَى بُلُوغِ الأُْنْثَى ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ مَاءِ الرِّجَال وَمَاءِ الْمَرْأَةِ.قَال تَعَالَى: { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) [الطارق: 5 - 7] }.
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 758)(20145) 20407- صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 141)(16263) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 142)(16264) صحيح
(4) -مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10055 ) صحيح
(5) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10056 ) صحيح
(6) - مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ (10057 ) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (4 / 613)(1711) صحيح(1/436)
فَإِذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنَ الْعَلاَمَاتِ السَّابِقَةِ حُكِمَ بِالْبُلُوغِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ عَلَى النَّحْوِ الْمُبَيَّنِ فِي مَوَاطِنِهِ مِنَ الْبَحْثِ (1) .
وأخيراً: عليك بالملاحظة التامة لولدك في كل حركاته وسكناته، وتصرفاته وتحاول أن تصلح ما تراه قد اعوج سالكاً في ذلك اللين والشدة، والرخاوة والقسوة، كل حسب حاجته، ولا تظن بذلك أن ولدك صار صالحاً كريما مقداما وإنما عليك بالدعاء إلى الله والتضرع إليه أن يصلح ولدك فإن الله وحده هو الذي بيده مفاتيح القلوب. (2)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 190)
(2) - انظر :http://www.moudir.com/vb/archive/index.php/t-103970.html(1/437)
المصادر
1. أيسر التفاسير لأسعد حومد
2. التفسير الميسر
3. تفسير ابن أبي حاتم
4. تفسير ابن كثير - دار طيبة
5. تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة
6. تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع
7. فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع
8. أخبار مكة للفاكهي (272)
9. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة
10. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم
11. الأحاديث المختارة للضياء
12. الأدب المفرد للبخاري
13. الترغيب والترهيب
14. التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان
15. السنن الصغرى للبيهقي
16. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
17. السنن الكبرى للبيهقي - حيدر آباد
18. السنن الكبرى للبيهقي- المكنز
19. الشمائل المحمدية للترمذي
20. الفوائد لتمام 414
21. المجالسة وجواهر العلم (333)
22. المدخل إلى السنن الكبرى
23. المستدرك للحاكم مشكلا
24. المسند الجامع
25. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (852)
26.(1/438)
المعجم الأوسط للطبراني
27. المعجم الصغير للطبراني
28. المعجم الكبير للطبراني
29. تهذيب الآثار للطبري
30. جامع الأحاديث
31. جامع الأصول في أحاديث الرسول
32. دلائل النبوة للبيهقي
33. سنن أبي داود - المكنز
34. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة
35. سنن ابن ماجه- المكنز
36. سنن الترمذى- المكنز
37. سنن الدارقطنى- المكنز
38. سنن الدارمى- المكنز
39. سنن النسائي- المكنز
40. شرح مشكل الآثار (321)
41. شرح معاني الآثار (321)
42. شعب الإيمان (458)
43. صحيح ابن حبان
44. صحيح ابن خزيمة مشكل
45. صحيح البخارى- المكنز
46. صحيح مسلم- المكنز
47. عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة
48. غاية المقصد فى زوائد المسند 1
49. غاية المقصد فى زوائد المسند 2
50. كشف الأستار
51. مجمع الزوائد
52. مسند أبي عوانة مشكلا
53.(1/439)
مسند أبي يعلى الموصلي
54. مسند أحمد (عالم الكتب)
55. مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط)
56. مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار
57. مسند الحميدي - المكنز
58. مسند الشاشي 335
59. مسند الشاميين 360
60. مسند الطيالسي
61. مسند عبد بن حميد
62. مصنف ابن أبي شيبة
63. مصنف عبد الرزاق مشكل
64. معرفة السنن والآثار للبيهقي
65. معرفة الصحابة لأبي نعيم (430)
66. موسوعة السنة النبوية
67. موطأ مالك- المكنز
68. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
69. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
70. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي
71. جامع العلوم والحكم محقق
72. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين
73. شرح ابن بطال
74. شرح النووي على مسلم
75. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
76. عمدة القاري شرح صحيح البخاري
77. عون المعبود
78. فتح الباري لابن حجر
79. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين
80.(1/440)
فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
81. فيض الباري شرح صحيح البخاري
82. فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2
83. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
84. مشارق الأنوار على صحاح الآثار
85. معالم السنن للخطابي 488
86. الموسوعة الفقهية الكويتية
87. فتاوى الإسلام سؤال وجواب
88. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
89. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
90. فتاوى يسألونك لعفانة1-12
91. مجموع الفتاوى لابن تيمية
92. أدب الدنيا والدين
93. أقباس روحانية موافق للمطبوع
94. إحياء علوم الدين
95. الآداب الشرعية
96. الأذكار للنووي
97. الرسالة القشيرية
98. الزواجر عن اقتراف الكبائر
99. المدخل لابن الحاج
100. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية
101. تربية الأولاد في الإسلام النابلسي
102. تربية الأولاد في الإسلام لعلوان
103. تربية الطفل في الإسلام
104. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية
105. مدارج السالكين
106. موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني
107.(1/441)
موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية
108. الأساليب النبوية في التعليم - ط1
109. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث
110. حياة الصحابة للكاندهلوى
111. زاد المعاد في هدي خير العباد
112. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
113. منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تصحيح الأخطاء
114. نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
115. الإصابة في تمييز الصحابة
116. تاريخ دمشق
117. سير أعلام النبلاء (748)
118. لسان الميزان للحافظ ابن حجر
119. ميزان الاعتدال في نقد الرجال
120. وفيات الأعيان
121. البداية والنهاية لابن كثير - موافقة للمطبوع
122. تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - موافقة للمطبوع
123. تاريخ الرسل والملوك
124. تاريخ بغداد
125. إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي
126. شرح مسند أبي حنيفة
127. موسوعة كتب ابن القيم
128. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل أن الحديث بهذه الطرق سيرة ابن هشام
129. الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ
130. أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ
131. أنباء نجباء الأبناء
132. المستطرف في كل فن مستظرف
133.(1/442)
العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية
134. شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
135. الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالْوَاعِي لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ
136. طبقات ابن سعد
137. التاريخ الكبير للبخاري
138. تهذيب الكمال للمزي
139. تهذيب التهذيب لابن حجر
140. تذكرة الحفاظ للذهبي
141. شذرات الذهب لابن خلكان
142. الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
143. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب
144. وترتيب المدارك وتقريب المسالك
145. مدخل لدراسة السيرة، د. يحيى اليحيى
146. الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ
147. فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ
148. جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ
149. أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين صلي الله عليه وسلم
150. منهج التربية النبوية للطفل لسويد
151. تاريخ آداب العرب
152. طبقات الحفاظ للسيوطي
153. المنهل العذب الروي
154. طبقات الشافعية الكبرى
155. الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
156. الفرج بعد الشدة - التنوخي -
157. الأعلام للزركلي
158. العبر في خبر من غبر
159. الوافي بالوفيات
160.(1/443)
مقدمة ابن خلدون
161. سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية السُّنَّةُ لِلْمَرْوَزِيِّ
162. حجة الله البالغة
163. عمل اليوم والليلة لابن السني
164. المغني لابن قدامة
165. كشاف القناع
166. حاشية ابن عابدين
167. الطحطاوي على مراقي الفلاح
168. الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية
169. جواهر الإكليل
170. المجموع للنوي
171. روضة الطالبين للنووي
172. تحفة الراكع والساجد للجراعي
173. التويجري،محمد بن إبراهيم بن عبد الله،مختصر الفقه الإسلامي، بيت الأفكار الدولية،ط4، 1423هـ -2002م
174. مختصر الفقه الإسلامي
175. حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً
176. الزنتاني، عبد الحميد الصيد، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة،
177. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
178. الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ
179. الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ لِلْبَيْهَقِيِّ
180. حَدِيثُ ابْنِ الْقَاصِّ
181. فتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم الحنفي .
182. السعادة العظمى
183. تهذيب الأخلاق لابن مسكويه
184. تنبيه المغترين للشعراني
185.(1/444)
نصيحة الملوك للماوردي
186. أنوار البروق في أنواع الفروق
187. المهذب في الآداب الإسلامية للمؤلف
188. الأمثال للرامهرمزي
189. بداية الهداية
190. حاشية الجمل على شرح المنهج
191. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ
192. المعجم الوسيط
193. حسان شمسي باشا،كيف تربي أبناءك في هذا الزمان،
194. مَعْرِفَةُ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ
195. النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا
196. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني
197. http://www.ikhwanonline.net/print.asp?ArtID=4807&SecID=0
198. تحفة المودود في أحكام المولود
199. المنتقى - شرح الموطأ
200. بستان العارفين
201. فضائل الرمي لإسحاق القراب
202. أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِلرَّامَهُرْمِزِيِّ
203. أسنى المطالب وحاشية الرملي
204. نهاية المحتاج
205. المقاصد الحسنة للسخاوي
206. مُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ
207. http://www.omandaily.com/05/dini/eshraqat1.htm
208. الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
209. الْكِفَايَةُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
210. جواهر الأدب
211.(1/445)
أدب الدنيا والدين
212. الخلاصة في شرح حديث الولي للمؤلف
213. البيان والتبيين للجاحظ
214. الطبقات الكبرى للشعراني
215. http://www.mousastar.com/vb/showthread.php?t=13791
216. الغارة على العالم الإسلامي
217. أجنحة المكر الثلاثة للحبنكة
218. http://www.balagh.com/mosoa/tablg/ug0wx65v.htm
219. الهداية الإسلامية
220. شرح الآجرومية - حسن حفظي -
221. http://www.ishim.net/islam/childcare.htm
222. الرسول المعلم - صلى الله عليه وسلم - وأساليبه في التعليم لأبي غدة مجلة الوعي العربي سنة أولى عدد (1) عام 1977
223. الحيوان للجاحظ
224. أثر التربية في حياة الأفراد والأمم، محاضرةٌ ألقاها الإمام "حسن البنا" في جمعية الشبان المسلمين عام 1927م..
225. http://www.almarefa.net/showthread.php?t=3865
226. حياة الحيوان الكبرى
227. رجال الفكر والدعوة للندوي
228. http://www.fustat.com/bibliography/ibn_hanbal_4.shtml
229. http://www.naseh.net/vb/showthread.php?t=29281
230. http://www.sonnaonline.com/SubMosanfeen.aspx?FileID=mosanefo&ID=12
231. صيد الخاطر لابن الجوزي
232. http://www.rayah.info/browse.php?comp=viewArticles&file=article&sid=45
233.(1/446)
صفحات من صبر العلماء لأبي غدة
234. http://www.mor3ben.com/forum/archive/index.php/t-150435.html
235. http://forum.alrowadschool.com/showthread.php?t=11185
236. http://www.schoolsolympic.com/vb/showthread.php?t=1363
237. http://www.syrianmeds.net/forum/topic3359.html
238. الزُّهْدُ لِوَكِيعٍ
239. http://www.shababsyria.org/vb/showthread.php?t=23743
240. http://www.hdrmut.net/vb/t274443.html
241. http://www.qatralnada.com/vb/t3500.html
242. http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=1145&lang=
243. :http://www.moudir.com/vb/archive/index.php/t-103970.html
244. الشاملة 3
245. برنامج قالون(1/447)
الفهرس العام
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.(1/448)
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.(1/449)
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.
1- الأدب مع الوالدين : ... 140
2- الأدب مع العلماء : ... 146
3- أدب الاحترام والتوقير : ... 150
4- أدب الأخوَّة : ... 151
5- أدب الجار : ... 152(1/450)
6-أدب الاستئذان : ... 153
7-أدب الطعام: ... 156
8- أدب مظهر الطفل: ... 157
9-أدب استماع القرآن: ... 164
الأساسُ الخلُقيُّ الثاني- خلُق الصدق: ... 166
الأساسُ الخلُقيُّ الثالث- خلُق كتم الأسرار : ... 169
الأساسُ الخلُقيُّ الرابع- خلُق الأمانة : ... 170
الأساسُ الخلُقيُّ الخامس -خلُق سلامة الصدر من الأحقاد : ... 172
الأساس الخلقي السادس - التحذير من الأخلاق الهابطة: ... 174
1- خلق الكذب: ... 174
2- خلق السرقة: ... 177
3- خلق السباب والشتائم: ... 184
4- خلق الميوعة والانحلال: ... 192
خاتمة: مثال عمليٌّ من خلُق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال : ... 195
الفصل الخامس ... 198
البناء العاطفي والنفسي ... 198
تمهيد : ... 199
الأساس الأول- القبلة والرأفة والرحمة بالأطفال : ... 199
الأساس الثاني - المداعبة والممازحة مع الأطفال : ... 203
الأساس الثالث- الهدايا والعطايا للأطفال: ... 210
الأساس الرابع - مسح رأس الطفل : ... 212
الأساس الخامس -حسن استقبال الطفل: ... 214
الأساس السادس-تفقد حال الطفل والسؤال عنه : ... 216
الأساس السابع - الرعاية الخاصة بالبنت واليتيم : ... 218
1- رعاية تربية البنت : ... 219
القاعدة الأولى - النهي عن كراهية البنات : ... 220
القاعدة الثانية - المساواة بين الذكر والأنثى وعدم المفاضلة بينهما: ... 228(1/451)
القاعدة الثالثة-أجر التربية والإحسان والصبر تربية البنات وتزويجهن : ... 233
2- تربية اليتيم واليتيمة : ... 235
القاعدة الأولى - أجر رعاية اليتيم وتربيته: ... 235
القاعدة الثانية - حفظ مال اليتيم والتجارة له : ... 238
القاعدة الثالثة -أجر الأم التي تربي أيتامها ولا تتزوج: ... 241
القاعدة الرابعة- معاملة اليتيم مثل الابن في التربية والتعليم والتأديب : ... 242
الأساس الثامن - التوازن في حب الطفل بلا إفراط ولا تفريط : ... 244
القاعدة الأولى - أن تلزم نفسك وولدك بشرع الله تعالى : ... 245
القاعدة الثانية - أن تكون مضيافاً كريماً : ... 251
القاعدة الثالثة - الصبر على مرض ووفاة الطفل، واحتساب الأجر عند الله : ... 257
1- ... الصبر على مرض الولد: ... 257
2- ... أجر الصبر على وفاة الطفل : ... 258
الفصل السادس ... 274
البناء الجسميُّ ... 274
تمهيد : ... 275
الأساس الأول - حق الطفل في تعلم السباحة، والرماية، وركوب الخيل: ... 277
الأساس- الأساس الثاني- إجراء المسابقات الرياضية بين الأطفال: ... 279
الأساس الثالث- لعب الكبار مع الأطفال: ... 280
الأساس الرابع- لعب الأطفال مع الأطفال : ... 284
خاتمة- فوائد الرياضة للأطفال: ... 289
أنواع اللعب: ... 289
من الناحية الجسمية : ... 290
من الناحية العقلية : ... 290
من الناحية الاجتماعية : ... 290
من الناحية النفسية: ... 291
فوائد اللعب كعلاج لنفسية الطفل: ... 292
من الناحية الذاتية : ... 293(1/452)
من الناحية الخلُقية: ... 293
من الناحية الإبداعية : ... 294
من الناحية التربوية : ... 294
فوائد اللعب الجماعي: ... 294
فوائد اللعب بالتراب: ... 295
الفصل السابع ... 296
البناء العلمي والفكري ... 296
تمهيد : ... 297
الأساس الأول - حق الطفل في التعلم، وغرس حب العلم وآدابه في الطفل . ... 298
الأساس الثاني - حفظ الطفل لقسمٍ من القرآن والسنَّة، وإخلاص النية بحفظهما . ... 305
الأساس الثالث - اختيار المدرِّس الصالح، والمدرسة الصالحة للطفل . ... 330
الأساس الرابع - إتقان الطفل للغة العربية . ... 339
الأساس الخامس - إتقان الطفل اللغة الأجنبية . ... 343
الأساس السادس - توجيه الطفل وفق ميوله العلمية . ... 348
الأساس السابع - المكتبة المنزلية الصالحة، وأثرها في بناء الطفل. ... 349
الأساس الثامن -رواية طفولة علماء السلف الصالح أمام الأطفال. ... 358
خاتمة- نموذج من أطفال الصحابة ممن جمع بين العلم والقرآن والجهاد ... 366
الفصل الثامن ... 367
البناءُ الصحيُّ ... 367
تمهيد : ... 368
المبحث الأول-أسس البناء الصحي : ... 369
الأساس الأول -رياضة الطفل للسباحة والرماية وركوب الخيل والمصارعة والجري . ... 369
الأساس الثاني- تعود الطفل سنَّة السواك. ... 371
الأساس الثالث -اهتمام الطفل بالنظافة وتقليم الأظافر . ... 374
الأساس الرابع - اتباع السنن النبوية في الأكل والشرب. ... 378
الأساس الخامس- نوم الطفل على شقه الأيمن . ... 381(1/453)
الأساس السادس -تعلم الطفل للعلاج الطبيعي . ... 383
الأساس السابع- النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر . ... 387
الأساس الثامن - إبعاد الأطفال عن الطفل المريض مرضاً معدياً . ... 389
الأساس التاسع - رقية الأطفال من العين الحاسدة والجنِّ. ... 390
المبحث الثاني - العلاجات النبوية : ... 391
1- السرعة في معالجة المريض . ... 391
2-عيادة وزيارة الطفل المريض. ... 391
3- العلاج باستخدام العود الهندي. ... 392
4- العلاج بالحجامة . ... 394
5- العلاج بالدعاء والرُّقى . ... 401
6- العلاج من إصابة العين الحاسدة . ... 404
7-النهي تعليق شيء على الطفل ما لم يكن قرآناً أو حديثاً نبويًّا أو أثراً. ... 410
الفصل التاسع ... 413
تهذيب الدافع الجنسي للطفل ... 413
تمهيد : ... 414
الأساس التهذيبي الأول - استئذان الطفل في الدخول : ... 414
حكم الطفل غير المميز: ... 417
الأساس التهذيبي الثاني - تعويد الطفل غض البصر، وحفظ العورة : ... 420
الأساس التهذيبي الثالث - التفريق في المضاجع بين الأطفال : ... 423
الأساس التهذيبي الرابع - نوم الطفل على شقه الأيمن، وابتعاده عن النوم على بطنه : ... 424
الأساس التهذيبي الخامس - ابتعاد الطفل عن الاختلاط والمهيجات الجنسية : ... 426
الأساس التهذيبي السادس - تعلم الطفل المميز فروض الغسل، وسننه . ... 427
الأساس التهذيبي السابع- شرح مقدمة سورة النور، وتحفيظها للطفل المميز : ... 428
الأساس التهذيبي الثامن- المصارحة الحنسية والتحذير من الفاحشة: ... 430
الأساس التهذيبي التاسع- الزواج المبكر : ... 434(1/454)