دورة المفاتيح العشرة في توجيه سلوك الأبناء
مقدمة :
لدينا جميعا أطفال أو يحيط بنا الأطفال ، لذلك فنحن دائمو التعامل معهم وتوجيههم ، بعضنا يفكر قبل أن يقوم بأي توجيه لأطفاله لأنه يهتم بتبعات هذا التوجيه وآثاره النفسية والتربوية على الطفل ، وبعضنا يوجه سلوك أطفاله لا شعوريا ، وغالبا ما يتبع أسلوب والديه في التربية ويؤمن بأنها الطريقة المثلى ، وآخرون قد يوجهون أطفالهم حسب ما يقرأونه في كتب التربية أو حسب نصائح المحيطين وهكذا ..
وأود أن أوضح نقاط أساسية قبل أن أتطرق إلى أساليب التربية وتوجيه سلوك الأطفال في هذه الدورة وهي :
أولاً : لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة 100% لتوجيه سلوك الأطفال ، والسبب في ذلك هو أن سلوك الإنسان نفسه لطالما ظل لغزا مازال يتدارسه علماء النفس والتربية إلى يومنا هذا ، فعلم السلوك لا يشبه علم الرياضيات أو الفيزياء مثلا والتي تعتمد على حقائق ثابتة لا مجال لمناقشتها ، لذلك فأنا أجد أن الحكم على أسلوب شخص ما في تربية أبناءه بأنه خطأ أو صحيح هو من الأمور الغير واقعية غالبا .
ثانيا : إن عملية توجيه السلوك ونجاح أساليبها مع الأطفال يعتمد كثيرا على إيمان القائم بها بجدواها ، وشعور الوالدين بإمكانية نجاحها ، وأعني بذلك إننا يجب أن نتيح لأنفسنا فرص "تجربة " أي أسلوب من الأساليب المقترحة في الدورة مع أطفالنا قبل الحكم عليها ، فعلى سبيل المثال عندما نكون مؤمنين بداخلنا أن أسلوب الضرب هو انجح الأساليب لتوجيه السلوك فإننا لن نستطيع تقبل أية أساليب أخرى، وسنظل نبحث عن عيوب في الأساليب التي ندرسها ، لذلك أنصحكم بالتروي وتقبل الأفكار المقترحة وتجربتها مع أطفالكم .(1/1)
ثالثا : إن الأطفال مختلفون ، البيئات تختلف ، الآباء مختلفون ، إذن هناك إمكانية لنجاح أسلوب ما مع أحد الأطفال وفشله مع طفل آخر ، وهذا ما جعلنا نقوم بتحديد عشرة "مفاتيح " لتوجيه سلوك الأطفال في هذه الدورة ، ولم نقتصر على أسلوب واحد وندّعي بأنه الأسلوب الأمثل في التعامل مع جميع الأطفال ، ما علينا أن نقوم به هو أن نبحث أي المفاتيح يناسب طفلنا ، قد يكون مفتاحا واحدا وقد تكون العشرة مجتمعة .
رابعا : إن الأساليب أو بالأحرى المفاتيح التي سوف نتحدث عنها في هذه الدورة ليست عبارة عن آراء شخصية ، بل هي أساليب تمت دراستها من قبل علماء التربية وعلم النفس عبر سنوات عديدة ، وأقدمها في هذه الدورة لأنني أؤمن بها ، وقمت بتجربتها مع الأطفال خلال عملي ، علاوة على التغذية الراجعة التي حصلت عليها من منتسبي الدورات السابقة والتي رأت في هذه المفاتيح أساليب عملية بعيدة عن التنظير والكلام التربوي الطويل ، أتمنى منكم جميعاً الاستفادة من هذه الدورة والله من وراء القصد
خطة العمل خلال الدورة :
على الرغم من أن هذه الدورة قد لا تتيح لنا المناقشة الفورية والتي تثري عادة النقاش وتتيح توضيح الأمور المبهمة ، إلا أنني لازلت راغبة في الحصول على تعليقاتكم وتفاعلكم ، بناء عليه فقد اقترحت الطريقة التالية لسير العمل خلال الدورة :
· سأعرض في كل يوم شرحا لأحد المفاتيح العشرة المذكورة في برنامج الدورة مع الأمثلة .
· بعد قراءة المتدربين للمحاضرة سيجدون في نهايتها سؤالا يتعلق بالدورة عليهم البحث عن إجابته وكتابته مع أي تعليقات أخرى في الصفحة
· بعد ساعات من عرض المحاضرة الأولى ( على الأقل بعد 12 ساعة )سأبدأ في عرض المحاضرة الثانية ، وقبل البدء فيها سأقوم بمناقشة ما تم إرساله من المتدربين والتعليق عليه باختصار(1/2)
· يمكن للمتدربين توجيه أي سؤال متعلق بموضوع المحاضرة وسنناقشه في بداية المحاضرة الثانية ، وطلبي الوحيد أن تكون الأسئلة متعلقة بموضوع المحاضرة نفسه .
· في حالة وجود استشارات أو رغبة في مناقشة مشاكل "خاصة" بالنسبة للمتدربين أرجو إرسالها إلى بريدي الخاص وسأقوم بالرد عليها إن شاء الله توفيراً للوقت وحرصا على وقت المتدربين الآخرين
نقطة أخيرة أرجوا أن تسامحوني فيها وهي أنني قد تخيلت وأنا اكتب هذه المحاضرات أنكم جميعا إمامي في مكان واحد ، وأننا نتحاور معا ، لذلك فان أسلوب المحاضرات كما سوف تلاحظون يميل إلى أسلوب الحوار لا الكتابة التربوية المحكمة ، وقد ينقصه مراعاة القواعد اللغوية الصحيحة ، فتركيزي سيكون على الموضوع التربوي نفسه ، مع تمنياتي بالتوفيق للجميع . .
المفتاح الأول : التعرّف على خصائص المرحلة العمرية :
من المهم جدا بالنسبة لأي قائم بتوجيه السلوك أن يتعرف على خصائص الطفل الذي يقوم بتوجيهه، معرفة الخصائص تعني أن نعرف ما هي مميزات هذا الطفل والمواصفات النفسية والجسمية والعقلية والاجتماعية للمرحلة التي يمر بها ( رضيع ، طفولة مبكرة ، طفولة وسطى ، مراهقة ، ..الخ ) قبل أن نختار طريقة التوجيه الخاصة به حتى تؤتي ثمارها.
الخصائص العقلية تعني : ماذا يمكن أن يستوعب الطفل ويدرك من مفاهيم ومصطلحات حسب العمر الذي يمر به .
الخصائص النفسية تعني : ما هي مميزان الطفل من الناحية النفسية تبعا لعمره . كيف ينظر إلى نفسه والى الآخرين ، كيف سيشعر لو أننا استخدمنا معه أسلوب ما ، كل عمر وكل مرحلة عمرية تستجيب بطريقة مختلفة للتوجيه ، لعلكم تلاحظون ذلك عندما يكون لديكم أبناء في أعمار مختلفة ..
الخصائص الجسمية هي التطورات الفسيولوجية التي تميز كل عمر ومرحلة ، ومعرفتها تساعدنا على فهم حركات الطفل وتبرير بعض سلوكياته ككثرة الحركة أو عدمها ..(1/3)
الخصائص الاجتماعية هي العلاقات الاجتماعية ودرجة قوتها ونوعها في كل مرحلة عمرية ، ألا تلاحظون بعض أطفالكم في عمر الطفولة كثير الأصدقاء ثم ما أن يدخل المرحلة الابتدائية حتى يقتصر على صديق أو اثنان؟ كل هذه الأمور لها علاقة بالخصائص الاجتماعية للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل .
وبالرغم من أن الأطفال كما اتفقنا مختلفون فيما بينهم ، إلا خصائص المرحلة العمرية التي نقصدها هي النظرة العامة للأطفال في عمر ما ، ومع إيماننا بوجود الفروق الفردية بين الأطفال إلا انه هناك خصائص عامة تجمع جميع الأطفال في كل مرحلة . ومعرفة هذه الخصائص مهمة جدا لنا لأنها تعطينا على الأقل فكرة عن أساليب التوجيه الممكنة في عمر ما .
على سبيل المثال نحن نعرف انه من المواصفات النفسية للطفل المراهق انه يعتز جدا بنفسه ولا يتقبل النقد المباشر ، ومعرفة هذه الخاصية عنه سوف تقودنا الى ان نستخدم معه اسلوب التوجيه القائم على احترام الرأي والمناقشة لا أسلوب الأوامر فبدلا من أن نقول له مثلا : لا تخرج يوميا مع هذا الصديق السيئ ، نقول له : ماذا يعجبك في هذا الصديق ؟ ، نتناقش معه في أساليب اختيار الأصدقاء وغير ذلك . من جانب آخر نحن نعرف أيضاً أن من خصائص المراهق الاجتماعية أنه يعتز جداً بصداقاته ، ويكاد يكون انتمائه في سن المراهقة لجماعة الأصدقاء أكبر من انتمائه لأسرته ، وبالتالي فان استخدامنا لأسلوب الأمر المباشر له أن يترك صديقه السيئ لن يؤتي ثماره بالتأكيد ..(1/4)
ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الأهل يستغربون كثيراً عندما يرفض أبناءهم المراهقين أن يستجيبوا لأوامرهم وإرشاداتهم بعد أن كانوا قبل سنوات قليلة في قمة الطاعة لهم ، والسبب المباشر لهذا التغيير في استجابة المراهق كما تلاحظون هو حدوث تغيير في المرحلة التي أصبح يمر بها الطفل ، فخصائص مرحلة المراهقة تختلف كثيرا عن خصائص المرحلة التي تسبقها وهي مرحلة الطفولة الوسطى ، وبالتالي فان سلوك الطفل في مرحلة المراهقة تجاه توجيهات ذويه سوف يختلف بالتأكيد عما كانت عليه عندما كان طفلا ..
سأذكر لكم مثال آخر على أهمية معرفة خصائص المرحلة التي يمر بها الطفل قبل توجيهه :
- دلال طفلة عمرها 3 سنوات ، لاحظت والدتها يوما أنها قد أحضرت ألواناً تخص الروضة في جيبها فشعرت بالحزن الشديد لأنها اعتبرت أن دلال "سارقة" محترفة ، غضبت بطبيعة الحال وتحدثت مع دلال بكل انفعال وهي توضح لها أن السرقة حرام ، وأخذت في سرد الأحاديث والآيات القرآنية لابنتها ، فما رأيكم؟
لو أن والدة دلال قد علمت بعض خصائص المرحلة التي تمر بها ابنتها وهي مرحلة "الطفولة المبكرة" لما بالغت في انفعالها تجاه ما حدث ، فمن خصائص مرحلة الطفولة المبكرة الاجتماعية والنفسية أن الطفل يكون في طور تنمية مفهوم " الملكية" ، أي انه لازال يجد صعوبة ما في التفرقة بين ممتلكاته الخاصة وبين ممتلكان الآخرين ، هذا الفصل بين الملكيتين يتطور تدريجيا عادة منذ ولادة الطفل حتى يفهم الطفل في نهاية مرحلة الطفولة المبكرة الفرق واضحا بين ما يملكه وبين ما يخص غيره.
إذن الخطوة الأولى إذا ما صادف أحدنا مثل هذا الموقف مع طفله وكان هذا الطفل بين 3- 6 سنوات هي أن يركز في توجيهه على بيان حدود ملكيته ، وفي حالة دلال مثلا يمكن أن تختار الأم إحدى الجمل التالية لتوجيه دلال :
· هذه الألوان ملك للروضة ، غدا نرجعها إليها.
· لديك ألوانك الخاصة ولا أحد يأخذها ، هذه للروضة.(1/5)
· أدوات الروضة يجب أن تبقى في الروضة وأدواتنا الخاصة نحضرها للبيت
تلاحظون أيضا في الجمل المقترحة السابقة أنها تخلو من مصطلحات مثل : الأمانة ، السرقة حرام ...الخ ، فهل تعرفون السبب؟؟؟
السبب هنا في عدم استخدام مثل هذه الكلمات في التوجيه هو أنها لا تناسب خصائص مرحلة الطفولة المبكرة من الناحية العقلية ، فكلمات مثل : أمانة ، حرام .. هي كلمات مجردة بينما من خصائص الطفل العقلية في هذه المرحلة حسب بياجية أنه يدرك المحسوس فقط .
إذن حتى لو أحببنا استخدام مثل هذه الكلمات فانه علينا شرحها بأسلوب واضح كأن نقول :
· هذه الألوان أمانة ، الأمانة هي أن نحفظ أدوات الناس ونعيدها لهم .
اذكر هنا انه لو أن هذا الموقف قد حدث من قبل طفل مراهق مثلا فإن طريقتنا في التوجيه ستختلف ، ففي حالة المراهق يمكن لنا أن نستخدم الآيات القرآنية والأحاديث والتوجيهات المجردة لأن من خصائص المراهق فعلا انه عاطفي يميل للمثاليات ...وهكذا .
وهكذا فان اختيار الأسلوب المناسب للمرحلة التي يمر بها طفلك يساهم كثيرا في نجاح التوجيه الذي تقوم به .
لذلك فان المفتاح الأول في توجيه سلوك الأبناء هو دراسة المرحلة التي يمرون بها ، والبحث عن خصائص هذه المرحلة النفسية والاجتماعية والعقلية والنفسية حتى نستطيع اختيار أسلوب التوجيه المناسب لهم .
إن معرفة خصائص الطفل في كل مرحلة تعني أن نعرف قدرة كل طفل ومميزاته النفسية والعقلية والجسمية مقارنه بعمره الزمني ، ومن ثم " نستخدم " هذه المعرفة في استنتاج ما يناسب أو لا يناسب الطفل من النصائح والتوجيهات .(1/6)
هل جرب أحدكم أن يطلب من طفل عمره 3 شهور أن يردد كلمة " صباح الخير" مثلا؟؟ بالطبع لا ، إنكم لا تقومون بذلك لأنكم تعرفون أن قدرة الطفل اللغوية في هذا العمر يستحيل معها أن يقول مثل هذه الجملة ، وتعرفون أيضاً انه مهما بذلتم من جهد في مساعدته على نطقها فانه لن يفعل ، والسبب أن أعضاءه الطبيعية ليست جاهزة لمثل هذه الكلمة .
نفس الفكرة نستخدمها في توجيه السلوك ، نحن نقول أننا يجب أن نختار التوجيه الذي يناسب قدرة الطفل واستيعابه المرتبط بسنه . إذا كان لديكم طفلا في عمر السنتين مثلا ، وصادف أن أخبركم بشيء لم يحدث حقيقة ، فانه من غير المناسب أن تبذلوا جهدكم في توجيهه باستخدام كلمات مجردة مثل : الصدق ، الأخلاق الرفيعة وما يشبهها من كلمات ، لان هذه الكلمات لا تعني له شيئا إطلاقاً ، لسبب بسيط هو انه لا يستطيع إدراك معناها أصلاً ، فمثلما لا يستطيع الطفل الرضيع نطق كلمة صباح الخير لا يستطيع طفل عمره سنتان من فهم كلمه مجردة مثل الأمانة ، وهكذا تتوالى الأمثلة وهي كثيرة حول هذا الموضوع .. إن معرفة الخصائص العقلية والنفسية والاجتماعية والجسمية للمرحلة التي يمر بها طفلنا حسب عمره تعني أن نعرف قدرة كل طفل في كل عمر ، وبالتالي نعرف ماذا يمكن أن يستوعب من كلمات ونصائح ، ونعرف أين هو المفتاح المناسب لمساعدته على تعديل سلوكه .
الآن سأعرض لكم حالة احد الأطفال وأتمنى منكم استنتاج الخطأ في توجيه السلوك حسب ما تم الحديث عنه اليوم فقط ، اي مقارنه بخصائص المرحلة التي يمر بها الطفل ، كما أتمنى منكم اقتراح أساليب أخرى لتوجيه سلوك الطفل بدلا من تلك الخاطئة :(1/7)
محمد طفل في الخامسة من عمره ، أطلق عليه أفراد العائلة مسمى " الشلاّخ " وهي كلمة عامية خليجية تعني المفرط في الكذب أو كثير الكذب ، سبب هذه التسمية أن محمد غالبا ما يذكر أحداث لم يقم بها ، فيقول مثلا : اليوم رأيت أسداً وضربته ! ، أو يقول : أبي قوي لدرجة أنه يستطيع حمل سيارته إلى العمل معه كل يوم ، وهكذا ..
بالنسبة لوالدي محمد فإنهم يدعونه عادة بالكذاب ، وما أن يذكر محمد إحدى مبالغاته السابقة حتى ينتفض والده ويذكره بعقاب الكذابين وهو السجن في الدنيا والنار الحارقة في الآخرة
المفتاح الثاني : اختيار نمط التربية المطلوب في الأسرة
كبرنا جميعا في اسر مختلفة ، وكثيرا ما نسأل احدهم عن طفولته فيذكر لنا فورا "طريقة التربية" التي كانت سائدة في أسرته ، فيقول مثلا : كانت أسرتي قاسية ولا مجال للخطأ فيها فعقابه الضرب المبرح ، أو قد يكون العكس فيذكر لنا أن أسرته كانت حنونة ومتفهمة وهكذا ..
إذن هناك منذ القدم "أنماط " للتربية في الأسر ، وهذه الأنماط موجودة في كل الأسر ، الفقيرة والثرية ، المتعلمة والأمية ، العربية والأجنبية ، ونقصد بالنمط " طريقة التربية السائدة في الأسرة " .
المفتاح الثاني الذي سنتحدث ونركز عليه اليوم هو اختيار نمط التربية الأسرية التي نريدها لأطفالنا ، أي علينا أن نقرر قبل كل شيء ، حتى قبل أن نتزوج ، وقبل أن ننجب الأطفال ، ما هو نوع التربية الذي نريد ه ، وأن نتفق مع الطرف الآخر ( الأم أو الأب) حول هذا النمط، فلماذا تعتقدون أنه من الأهمية بمكان أن نحدد نمط التربية التي نريدها لأطفالنا؟؟
· إن تحديد نمط التربية يعطينا كآباء الخلفية المناسبة التي نعود إليها عند حدوث أي مشكلة من أطفالنا .
· إن تحديد نمط التربية والاتفاق عليه مع الطرف الآخر يجنب الأطفال الوقوع في مواقف يختلف فيها رأي الأب عن الأم في موضوع واحد .(1/8)
· إن تحديد نمط التربية يجعل الأسرة "تخطط" للتربية وتربي أبناءها وفق خطة محددة ، وهذا بالطبع شيء جيد فالتربية العشوائية سلبياتها كثيرة .
· إن تحديد نمط التربية الأسرية من قبل الوالدين يجعلهم يراجعون أنفسهم أحيانا في طرق تربيتهم لأبنائهم لأنهم يحصلون على نتائج هذه التربية في سلوكيات أطفالهم مباشرة .
ومهما اختلفت طرق تربية الأطفال في كل بيت فان هناك بشكل عام ثلاث أنماط معروفة من التربية في كل اسرة لديها أطفال . سوف نتعرف على هذه الأنماط ومن ثم سوف ندرس أثر كل نمط من التربية على سلوك الأبناء وعلى شخصياتهم المستقبلية و وأخيرا سوف نتوصل معاً إلى النمط المفضل في التربية حسب إيجابيات كل نمط وسلبياته .
أنماط التربية الأسرية : ... أولا : النمط المتسلط :
في هذه الأسرة كل شيء وأي شيء يسير حسب قوانين محكمة لا مجال للتراجع فيها أو مناقشتها من قبل الأبناء ، وواضع هذه القوانين هو عادة الولدين والأبناء هم من يطلب منهم تطبيق هذه القوانين بحرفيتها دون الالتفات إلى رأيهم أو ظروفهم الخاصة أو أي عامل آخر مادام الوالدين لا يشعرون بأهميته .
يطلب الآباء في هذه الأسر من أبناءهم " الطاعة العمياء" ويتوقعون منهم دائما تنفيذ الأوامر دون مناقشة ، وهذا يعني انه أي "مخالفة" لهذا الاتفاق غير المعلن بين الأبوين وأبناءهم قد يؤدي الى العقاب .
تستخدم هذه الأسر العقاب أكثر كثيراً من الثواب ، وحتى أنواع العقاب المستخدمة تكون قاسية وتميل للعنف .
يشعر الأبناء في هذه الأسر أن آراءهم لا قيمة لها أبدا ويكبرون معتقدين أن واجبهم في هذه الحياة هو " الطاعة " لآبائهم في البداية ، ومن ثمّ لكل "صاحب سلطة" في المستقبل .
والأسر التي تطبق هذا النمط في التربية مع الأبناء تزرع لدى أطفالها مواصفات معينه في شخصياتهم ، هل يمكنكم استنتاجها؟؟؟
* هذه بعض مواصفات الأبناء الذين ينمون في اسر تستخدم السلطة والشدة المبالغ فيها :(1/9)
_ ضعيفي الشخصية فاقدي الثقة بأنفسهم (لأنهم لم يعطوا في طفولتهم فرصا لتعلم الأمور ، لقد كانوا دوما مشغولين في تنفيذ الأوامر)
- كثيرو التردد في اتخاذ أي قرار خوفا من العقاب، (حتى لو لم يكن هناك عقاب واضح عندما يكبرون لكنهم يشعرون في قرارة أنفسهم أن هناك من يراقبهم )
_ قد يتميزون بالعدوانية والعنف كأحد ردود الأفعال العكسية الناتجة من الضغط المبالغ عليه في طفولتهم (أثبتت دراسة أجريت على مجموعة من المسجونين أن معظمهم قد تربى في عائلات شديدة التسلط في التربية )
ثانيا : النمط المتساهل :
هذه الأسر تطبق نمطا معاكسا تماما في التربية للنمط الأول ، فنجدها تبالغ في التساهل مع جميع ما يرتكبه الأبناء من الأخطاء ، وكل شيء مسموح به في هذه الأسر والقوانين نادرة جدا إن لم تكن منعدمة .
يؤمن الآباء في هذه الأسر أن الأطفال هم كائنات بريئة جدا لا يمكن أن ترتكب خطا ما ، ويعتقدون بقوة إن العقاب مهما كان خفيفا يمكن أن يسبب ضرراً للأبناء لذلك فهم يستبعدونه تماما في البيت.
الآباء الذين يطبقون هذا النمط من التربية ضعفاء جدا أمام أبناءهم ، يلبون لهم كل طلباتهم مهما كان مبالغا فيها (مثلا ممكن أن يخرج أحدهم في منتصف الليل من أجل شراء "برجر" لابنه الصغير لأنه يبكي ويطلب برجر )
مثل هؤلاء الآباء يفضلون تقديم خدماتهم لأبنائهم في أداء أي عمل مهما كان سهلا ، فأطفالهم مدللون لا يقومون حتى بلبس جواربهم بأنفسهم !
يشعر الأبناء في هذه الأسر أنهم سادة متوجون فلا يكلفون أنفسهم عناء القيام بأي عمل ، ويتوقعون دائما أن يكون هناك من يقوم به بدلا منهم .
تلاحظون أن نمط التربية هذا يختلف جذريا عن النمط المتسلط ، ومع ذلك فإن هناك نواحي سلبية تظهر في شخصية الأبناء مستقبلا نتيجة لهذه التربية ، هذه بعضها :(1/10)
* ضعف في شخصية الأطفال وضعف كبير في الثقة بالنفس ( والسبب مختلف هنا ، وهو ان اطفال هذه الاسر لم يجربوا القيام بأي شيء في الحياة لأنه كان هناك دائما من يقوم به عنهم ، اذن هم لا يثقون بقدراتهم ابدا )
* يواجهون صعوبات حقيقية في الاحتكاك بالمجتمع والتكيف مع الظروف المختلفة ومشاكل الحياة لانهم كانو يعيشون في بوتقة منفصلة عن هموم الحياة ومشاكلها )
أنانيون لا يتقبلون حاجات الآخرين ]ويريدون أن يحصلوا على كل شيء ويستأثروا به كما تعودوا في أسرهم دائما .
* يتوقعون دائما أن يتنازل من اجلهم الآخرين ولا يقبلون ولا يعرفون العطاء أبداً .
* ثالثا : النمط المتوازن :
هذه الأسرة تعرف أن الأطفال لهم حاجات معينه يجب تلبيتها ، ويعرفون أيضا أن البشر يخطئون وان وظيفة الآباء هي مساعدة أبناءهم على علاج هذه الأخطاء .
تتبع هذه الأسر التربية المتوازنة ، وهي حال وسط بين نمطي التربية السابقين ، إذن هناك قوانين وأنظمة في هذه الأسر إلا أنها مرنه ممكن مناقشتها مع الأبناء بين الحين والآخر .
الآباء الذين يتبعون هذا النمط من التربية يقبلون أن يخطأ أبناءهم ولكنهم يتوقعون أيضا أن يتعلم الأبناء الخطأ والصواب ولا يتساهلون معهم عندما يعيدون الخطأ بل يستخدمون نوعا معقولا ومقبولا من العقاب .
الأطفال الذين " يحالفهم الحظ " أن ينشأوا في اسر تستخدم النمط المتوازن في التربية يشعرون بالأمان ، ويعرفون أن هناك قوانين في الأسرة ، ومع ذلك فهم لا يخافون كثيرا من ردود أفعال مبالغ بها من قبل آباءهم ..
أبناء هذه الأسر لا يشعرون بالضغط المتواصل من الآباء ( سلبا أو إيجابا ) لذلك فهم يجدون مساحة من الحرية للتفاعل مع الحياة واكتساب الخبرة منها .
** والآن : أود أن أوضح لكم الأمور التالية :(1/11)
أولا : الذي اعرفه أن كثير منا لا يتبع أسلوبا محددا من الأساليب السابقة مع أبناءه ، فنحن نقوم غالبا بأنماط مختلفة من التربية ( تسلطية ، متساهلة، متوازن ) مع الأبناء خلال تعاملنا اليومي معهم ، وهذا هو ما أريدكم أن تفكروا فيه وتقوموا بمراجعته ..
ثانيا :إن عدم " الثبات " في التربية وأسلوب التعامل مع الأطفال يؤدي إلى عدم وضوح المطلوب القيام به من قبل الأطفال ، فماهو مسموح اليوم قد لا يكون كذلك غدا ، وهذه النقطة التي يجب تجنبها لأنها تؤدي إلى تشتت الأبناء بين ما تريدون وما لا تريدون .
اقترح أن تفكروا في الأساليب الثلاثة وتحددوا واحدا تتبعونه في التربية ، واستنتج مسبقا ما سوف تختارون ، لكني اترك لكم مساحة التعليق .
كما أتمنى أيضا لو أن بعضكم يشركنا في تجارب تعرض لها أو احد من المحيطين به والمتعلقة بمثل هذه الأنماط في التربية .
تمنياتي بالتوفيق .(1/12)