تجربتي مع الوسواس القهري
الإخوة والأخوات الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 000وبعد
اثناء عملي في قطاع التعليم - كمديرة مدرسة - جاءتني والدة فتاة تبلغني أن ابنتها ربما ستنقطع عن الدراسة والعام قد أوشك على الانتهاء وهي في السنة النهائية
وبعد محاولتي التعرف على الأسباب الداعية لهذا الانسحاب خاصة وأن الطالبة ذات مستوى جيد وقد نجحت خلال الفصل الدراسي الأول ، أفادتني أنها لا تدري ما أصاب ابنتها فهي في غرفتها طوال الوقت، وتبكي دون سبب ، وتصلي باستمرار ، وتعيد الوضوء أكثر من مرة ، ولم تعد ترغب في الدراسة وتفكر في الموت والقبر بشكل مستمر
وهنا طلبت استدعاء الطالبة للتفاهم والتعرف على أسباب الحالة منها
وقد تطلب الأمر مني لكثير ٍ من الجهد ، قبل أن تصرح لي ّ الطالبة بدواخل نفسها ، لأنه من المعلوم أن هناك مسافة بين مديرة المدرسة وطالباتها قد تقصر وقد تطول حسب شخصية وتعامل مديرة المدرسة مع طالباتها
ولكنها استجابت ولله الحمد في النهاية وبدأت تقص لي القصة
بدأت حالة الفتاة بوسواس الطهارة والشك في الوضوء فقط ، ولما استفحل الأمر ذهبت بها والدتها إلى طبيب نفسي والذي وصف لها بعض الأدوية للتخلص مما تعاني
وكانت تخف أحياناً ويعاودها الوسواس أحياناً أخرى
وبعد فترة بدأ الوسواس يُركب أنواعاً أخرى من الوسواس معه فأصبحت توسوس في الطهارة والصلاة
واستمرت على ذلك فترة ثم تحول الوسواس لديها لما وصفه أستاذنا الكبير بأنه أخطر أنواع الوسواس فبدأ الوسواس يتطرق إلى الجنة والنار والقبر والموت ، وبدأ الأمر يلتبس لديها ولم تعد تستطيع التمييز بين الخيط الرفيع المطلوب وجوده د بين سعة الرجاء في عفو الله ، والأمن من مكر الله حتى لا يتحول من صفة إيمانية مطلوبة في المؤمن - الرجاء - إلى صفة من صفات الكفار والعياذ بالله - الأمن من مكر الله -(1/1)
كما لم تعد تميز بين الخيط الرفيع المطلوب وجوده كذلك بين الخوف من الله ، واليأس من رحمة الله ، فالأول مطلوب وهو من صفات المؤمن ، والثاني مذموم وهو من صفات الكفار
وبدأ خوفها من القبر ومن النار ,من أن الله قد لا يقبل صلاتها ، وقد لا يغفر ذنوبها ، بمعنى أنه تحول إلى خوف ووسواس مذموم
ثم تطور الأمرحتى كاد أن يصل إلى نوع من الوسواس الذي لا تُحمد عقباه
وبفضل من الله سبحانه وتعالى تم استدراك الأمر عبر أربع أو خمس جلسات إن احتسبنا الجلسة الأولى التي لم يكن فيها سوى بناء التوافق والمجاراة ، مع إعطاء بعض المعلومات الدينية المرتبطة بحالات الوسواس خاصة ما يتعلق بأحكام الطهارة والعبادة
وخلال الجلسات المتعاقبة تم استخدام التالي :-
1-الشكليات الثانوية لإزالة حجر ثقيل رابض على صدرها
2- تكوين رابط إيجابي وتصعيده بعد ذلك ، وتحطيم الرابط السلبي الذي كان لديها
3-الخطوات الستة لتغيير إطار الإدراك مع التنويم للتخلص من الوسوسة في العبادات والطهارة
4- الحوار مع أجزاء النفس مع التنويم لعمل توازن بين مشاعر الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة
5-استخدام برنامج الابتعاد لأنها من هذه الفئة
والكثير الكثير من التوعية الدينية والتأكيد والشواهد من القرآن والسنة خلال جميع الجلسات لأنها تحمل نزعة ذات عاطفة دينية
وفي نهاية المطاف تخلصت بفضل الله ورحمته مما كانت تعاني منه ، وقد تم تزويدها ببعض التدريبات الضرورية في حال تكرار الأمر لا سمح الله
آمل ممن تابع مثل هذه الحالات إفادتنا فيما عمله لتبادل الخبرات ، مع رجاء عدم كتابة تفاصيل التقنيات لأني أخشى من سوء التطبيق ممن لم يدرس البرمجة(1/2)
اؤمن أنه في متابعة حالات الوسواس القهري المرتبطة بالعبادات والطهارة ضرورة التزود بالمعلومات الدينية الضرورية لمن يعاني من حالة الوسواس ، لأنه من الخطأ البدء في العلاج قبل تعلعريفه بوجهة نظر الدين التي تنظر للأمور بيسر ، وتؤكد على مفهوم بشروا ولا تنفروا ، يسروا ولا تعسروا ، وتؤكد أيضاً على (( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ((
وتعلمنا دوماً الدعاء القرآني (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لاطاقة لنا به ، واعف عنا واغفرلنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ((
ومن هذا المنطلق أؤكد على هذا الجانب
أحب أن اذكر لكم حالة أخرى - من حالات الوسواس القهري في الطهارة - عُرضت علي ، ولكنها كانت أصعب بكثير من الحالة الأولى رغم أن هذه الحالة لم تُركّب أنواعاً أخرى من الوسواس في العبادات وأمور العقيدة وظلت مقتصرة على الطهارة
ولكنها بلغت درجة كبيرة حولت حياة صاحبتها إلى ما يشبه الكابوس من كثرة إعادة الوضوء والغسل والتطهر
وبعد الجلسة الأولى التي اقتصرت على الاستماع وبناء التوافق والقيادة وتوضيح بعض أحكام الطهارة في حالة الوسواس
وفي الجلسة الثانية حددت التقنية المطلوبة لها ، وأبلغتها به حتى تكون على بينة بما نحاول فعله
ولكن الذي حصل أنها رفضت رفضاً قاطعاً الخضوع لأي تجربة ( وقد تفهمت سبب رفضها بما عرفته عنها بعد ذلك ) وأصرت على أن يتم استكمال الحالة بتوضيح الأحكام الفقهية فقط
فلم يكن أمامي من خيار سوى :-
1- اللجوء لأسلوب تغيير إطار الإدراك وتغيير المعنى في شرح المواقف ، واللجوء إلى الاستشهادات القرآنية وأقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بالإضافة إلى القصص النبوي في نفس الموضوع 0
2- إعطاء المزيد من الأمثلة المتوقع أن تتعرض لها وتوضيح طريقة التصرف المطلوبة حينها(1/3)
3- كما أني حاولت أن أوسع أفقها في فهم أحكام الدين بنظرة واسعة شمولية وليست ضيقة الأفق لتستطيع بهذا الفهم أن تنطلق في تصورها لموضوع الطهارة من منظور واسع يتطابق مع يسر الشرع ( يسروا ولا تعسروا 000) ومبدأ ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)
4-أخيراً حاولت أن أضع في تصورها أنها في حرب مع الشيطان المتسلط عليها وهو الشيطان الخاص بالطهارة ، وعليها أن تقرر إن كانت تريد الغلبة عليه لأنه عدو لها ، أم تتركه يسيطر عليها ويدمر حياتها !!!!!
وكانت النتيجة نقص درجة الوسوسة بدرجة كبيرة ولله الحمد ، وربما تنتهي إن استمرت في المقاومة ومحاربة الشيطان المتسلط عليها
ولو قبلت الخضوع إلى ما اقترحته عليها لتخلصت مما كانت تعاني منه في وقت قصير بإذن الله ولكن (وراء كل سلوك توجد نية إيجابية )
تحياتي(1/4)