|
تم استيراده من نسخة : الحبشي
اغتنام الأجر من حديث الإسفار بالفجر
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
هذا جزء سميته: اغتنام الأجر من حديث الإسفار بالفجر. دعاني إليه أن الحافظ السيوطي عدّه من الأحاديث المتواترة، وأورده في كتابه: الأزهار المتناثرة، [رقم الحديث 24 ص 14]
وقال: (( أخرجه الأربعة: عن رافع بن خديج؛ وأحمد: عن محمود بن لبيد؛ والطبراني: عن بلال، وابن مسعود، وأبي هريرة، وحواء؛ والبزار: عن أنس وقتادة؛ والعدني في مسنده عن رجل من الصحابة )).
وتبعه على ذلك شيخنا أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني في نظم المتناثر [ص 55 و 56]، وهو وهم ناشىء من التهور والتقليد، أما التهور فمن الحافظ السيوطي، وأما التقليد فمن شيخنا الذي يعتمد عزو المتقدمين وكلامهم، ولا يبحث في الأسانيد. وذلك أن أكثر هذه الطرق راجع إلى طريق واحد.
** ** ** ** ** ** **
فحديث رافع بن خديج، ومحمود بن لبيد، وحواء، وأنس، ورجل من الصحابة، حديث واحد تعدد صحابيوه من اضطراب زيد بن أسلم، وعاصم بن عمر، أو من الرواة عنهما.
** ** ** ** ** ** **
وحديث أبي هريرة غلط أيضا من أبي زيد الأنصاري، فلم يبق إلا حديث رافع بن خديج، وابن مسعود، وبلال، والأخيران ضعيفان. خصوصا حديث ابن مسعود، فليس في الباب إلا حديث واحد يعتمد عليه؛ على أن فيه مقالا أيضا. فالحديث لا يمكن أن يصحح إلا بعد اللَّتيا والّتي، بل غايته أنه حسن، فكيف يدعى فيه التواتر ؟؟
** ** ** ** ** ** **
وبيان ذلك أن هذا الحديث رواه زيد بن أسلم واختلف عليه فيه على أقوال:
القول الأول : عنه، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( نوّروا بالفجر فإنه أعظم للأجر )).
هكذا رواه آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن أبي داود، عن زيد بن اسلم.
قال الطحاوي في معاني الآثار [شرح معاني الآثار ج1 ص179]: ثنا بكر بن إدريس بن الحجاج، ثنا آدم بن أبي إياس.
(
(1/1)
ح) وقال القضاعي في (مسند الشهاب) : أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الصفار، أنا أحمد بن محمد بن زياد، قال: قرأنا على علي ـــ هو ابن داود القنطري ـــ ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا شعبة، عن أبي داود، عن زيد بن أسلم، به.
ورواه الخطيب في (( التاريخ)) [13: 45] من طريق موسى بن عبد الله بن موسى القراطيسي أبو عمران البغدادي، ثنا آدم بن أبي إياس، به؛ لكنه قال: حدثنا شعبة عن داود بدون أداة الكنية. وقال الخطيب: إنما يحفظ هذا من رواية بقية بن الوليد، عن شعبة، عن داود. وأما آدم فيرويه عن شعبة عن أبي داود، عن زيد بن أسلم.
** ** ** ** ** ** ** ** **
القول الثاني: عن زيد بن أسلم، عن عاصم، عن محمود، عن رجال من قومه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النسائي [1: 272] أخبرني إبراهيم بن يعقوب، ثنا ابن أبي مريم، أخبرنا أبو غسان، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من قومه من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( ما اسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر )).
** ** ** ** ** ** ** ** **
القول الثالث: عنه، عن عاصم، عن رجال من قومه بدون واسطة محمود، كذا رواه عنه حفص بن ميسرة، وهشام بن سعد.
فرواية حفص أخرجها الطحاوي في ((معاني الآثار))[1: 179] : حدثنا روح بن الفرج، ثنا زهير بن عباد، ثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أصبحوا بصلاة الصبح فما أصبحتم بها فهو أعظم للأجر)).
ورواية هشام بن سعد أخرجها الطحاوي أيضا عن محمد بن حميد، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، قال: حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، به مثله [ شرح معاني الآثار1: 179].
** ** ** ** ** ** ** **
(1/2)
القول الرابع: عنه، عن محمود بن لبيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون ذكر رافع بن خديج ولا عاصم أيضا.
قال الإمام أحمد [المسند 5: 429]: ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن محمود بن لبيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)). إلا أن عبد الرحمن بن زيد ضعيف.
** ** ** ** ** ** ** **
القول الخامس: عنه، عن أنس.
قال أبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) [1: 95]: حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن يعقوب، ثنا أحمد بن مهران، ثنا خالد بن مخلد، ثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل: سمعت زيد بن أسلم يحدث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أسفروا بصلاة الغداة يغفر الله لكم)).
وقال البزار في مسنده [كشف الأستار 1: 194، ومجمع الزوائد 1: 315 ]: حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي، حدثنا خالد بن مخلد، ثنا يزيد بن عبد الملك، به.
وقال ...في فوائده تخريج الدارقطني: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد، ثنا محمد بن إشكاب، ثنا خالد بن مخلد، به.
ثم قال: هكذا قال: عن زيد بن أسلم، عن أنس. وهو وهم، وإنما هو: عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج.
ورواه الديلمي في ((مسند الفردوس)) قال: أخبرنا أبو العلاء أحمد بن نصر، عن عبد الرحمن بن غزوان، عن ابن زرقويه، عن إسحاق بن صدقة، عن خالد بن مخلد، به. لكنه قال: عن سليمان بن بلال، عن يزيد بن عبد الملك ، به. ويزيد ضعفه احمد، والبخاري، والنسائي، وابن معين في رواية ووثّقه في أخرى.
** ** ** ** ** ** **
القول السادس: عنه، عن ابن بجيد، عن جدته حواء.
(1/3)
قال ابن عبد البر في ((الاستيعاب)) [4: 272]: حدثنا يعيش بن سعيد، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم، ثنا أبو يعقوب الحنيني، عن هشام بن سعد، عن زيد بن اسلم، عن ابن بجيد، عن جدّته حواء ـــ وكانت من المبايعات ـــ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أسفروا بالصبح فإنه كلما أسفرتم كان أعظم للأجر.
وقال الطبراني في ((الكبير)) [مجمع الزوائد 1: 316]: حدثنا أحمد بن محمد بن محمد الجمحي، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني هو أبو يعقوب، به بلفظ: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر. والحنيني ضعفه النسائي وغيره، وذكره ابن حبان في الثقات.
** ** ** ** ** ** **
فهذه خمسة طرق كلها رجعت إلى طريق واحد، وقد ورد حديث رافع بن خديج من غير طريق زيد بن أسلم، لكنه اختلف فيه أيضا على رواية عاصم بن عمر بن قتادة على قولين:
(( القول الأول)): عنه، عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج، هكذا قال محمد بن عجلان ومحمد بن إسحاق عنه.
فرواية محمد بن عجلان: قال أحمد [المسند3: 465]: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق أنبأنا ابن عجلان، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر.
وقال الدارمي[ السنن1: 277]: اخبرنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن ابن عجلان، به بلفظ: نوروا بصلاة الفجر فإنه أعظم للأجر.
ورواه أبو داود [السنن1:294]: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا سفيان، عن ابن عجلان، به بلفظ: أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر.
وقال النسائي[السنن1: 272]: أخبرنا عبيد الله بن سعيد ثنا يحيى، عن ابن عجلان، به بلفظ: أسفروا بالفجر. ولم يزد.
وقال ابن ماجة[السنن رقم 672] ثنا محمد بن الصباح، أنبأنا سفيان بن عيينة، به بلفظ: أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر أو لأجوركم.
ومن هذا الوجه رواه الطحاوي في ((معاني الآثار))[1: 178].
(1/4)
وقال ابن ثرثال في جزئه: حدثنا يوسف، حدثنا الفضل بن دكين، وعبيد الله بن موسى، قالا: حدثنا سفيان، عن محمد بن عجلان، به بلفظ: أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم كان أعظم للأجر أو أجركم.
ورواية محمد بن إسحاق أخرجها أيضا الطيالسي في مسنده، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أسفروا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر.
ورواه الدارمي [السنن1: 277] عن حجاج بن منهال، عن شعبة، به مثله.
وقال الترمذي: حدثنا هناد، حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق به . ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال البيهقي في السنن: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز، ثنا أحمد بن الوليد الفحام، ثنا يزيد بن هارون، أنا محمد بن إسحاق، به.
وقال أبو نعيم في ((الحلية)) [7: 94]: حدثنا القاضي أبو أحمد، ثنا محمد بن إبراهيم بن شبيب. (ح) وحدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، وسليمان بن أحمد الطبراني، قالا: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثنا محمد بن المغيرة، ثنا النعمان بن عبد السلام، ثنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، به بلفظ: أسفروا بصلاة الفجر فإنه أعظم للأجر. وقال ابن شبيب: بصلاة الصبح. ثم قال: تفرد به النعمان عن سفيان.
ورواه أبو نعيم أيضا في ((تاريخ إصبهان)) [2: 329] من هذا الوجه أيضا.
** ** ** ** ** ** ** **
((القول الثاني)): لعاصم عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان.
رواه البزار والطبراني كلاهما من رواية فليح بن سليمان، عنه بهذا السند. وقال البزار: لا نعلم أحدا تابع فليح بن سليمان على روايته. وإنما يرويه محمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج.
(1/5)
قال الطيالسي في مسنده: حدثنا أبو إبراهيم، عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبلال: أسفر بصلاة الصبح حتى يرى القوم مواضع نَبلهم.
ورواه الدولابي في ((الكنى والأسماء)) لكنه لم يجاوز به هرير بن عبد الرحمن، فقال: أخبرني بعض أصحابنا عن أحمد بن يحيى الحلواني، قال: ثنا محمد بن الصباح الدولابي، ثنا إبراهيم بن سليمان بن رزين بن إسماعيل المؤدب، ثنا هرير بن عبد الرحمن به مرسلا.
** ** ** ** ** ** ** **
وحديث بلال أخرجه الطحاوي في معاني الآثار قال: حدثنا علي بن معبد، قال: حدثنا شَبابة بن سَوّار، ثنا أيوب بن سيار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن أبي بكر الصديق، عن بلال.
وقال البزار في مسنده[كشف الأستار1: 194]: ثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا شبابة بن سوار به إلى بلال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر. ثم قال البزار: أيوب بن سيار ليس بالقوي، وفيه ضعف.
** ** ** ** ** ** ** **
وحديث أبي هريرة قال ابن حبان في ((الضعفاء))[1: 324] أخبرنا الحسين بن إسحاق بالكرخ، ثنا القاسم بن عيسى الحضرمي، ثنا سعيد بن أوس، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال أسفر بالصبح فإنه أعظم للأجر. أخرجه بترجمة سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري النحوي اللغوي، ثم قال: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار، ولا الاعتبار إلا بما وافق الثقات، وليس هذا من حديث ابن عون ولا ابن سيرين ولا أبي هريرة، وإنما هو من حديث رافع بن خديج فقط، وهذا الإسناد إما مقلوب أو معمول.
لكن قال الذهبي[ ميزان الاعتدال 2: 126] وثقه جزرة وغيره، وقال أبو حاتم: صدوق، وليّنه ابن حبان لأنه وهم في سند حديث: أسفروا بالفجر.
** ** ** ** ** ** ** **
(1/6)
وحديث ابن مسعود رواه الطبراني في الكبير: حدثنا أحمد بن يحيى الحضرمي، ثنا أحمد بن سهل بن عبد الرحمن الواسطي، ثنا المعلى بن عبد الرحمن، ثنا سفيان الثوري، وشعبة عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسفروا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر. والمعلى بن عبد الرحمن ضعيف، بل قال الدارقطني إنه كذاب.
** ** ** ** ** ** ** **
فلم يبق للحديث إلا طريق رافع بن خديج و بلال وأبي هريرة وابن مسعود على ما فيها من مقال، وهذا العدد لا يحصل به التواتر. والله تعالى أعلم.
كتبه الفقير أحمد بن محمد بن الصديق صبيحة يوم السبت رابع ربيع النبوي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة وألف.
(1/7)