واجبات الطبيب المسلم وحقوقه
للدكتور محمد الأحمدي أبو النور
الكويت
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فكم أشكر لسعادة السيد الدكتور عبد الرحمن العوضي رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت وسعادة السيد شاه محمد باشا خورو وزير الصحة الباكستاني دعوتهما الكريمة لي إلى هذا المؤتمر.
وبكل الاعتزاز والامتنان كانت تلبيتي لهذه الدعوة الحميمة التي تهادت تعبرالترابط الوثيق بين-حملة الإسلام ودعاته، بين هيآته ومؤسساته، بين أبنائه وعلمائه.
ثم كنا معا في هذا المؤتمر الرابع الذي يمثل مع سوابقه من المؤتمرات نبض الإسلام العالي، لصون تراثه التالد ، كما يجسد تصميمكم عام مواجهة التحدي المعاصر بإثبات قدرة الإسلام على الإسهام في خير البشرية بتراثه الحضاري الماجد، وميراثه الإنساني العريق .
ثم كان هذا الموضوع :
واجبات الطبيب المسلم وحقوقه:
وجاء مكملا لما أثير من موضوعات علمية وتجريبية واجتماعية ثم جاء محاولا أن ينوه بالقاعدة الإيمانية وبالسياج الأخلاقي وبالتقويم الديني لعمل الطبيب وسلوكه حتى يتبين الخط الفاصل بين ما عليه من واجب، وماله من حق، وليتضح أثر البعد الديني في حياة الطبيب بصفة خاصة، وفي حياة من يتعامل معهم الطبيب بصفة عامة.
واجبات الطبيب المسلم:
واجهه هذا الموضوع كما نرى بشعبتي البحث، فثمة واجبات على الطبيب المسلم من جهة كونه مسلما، وأخرى من حيث كونه طبيبا .
ولنبدأ بالشعبة الأولى .
واجبات الطبيب المسلم من حيث كونه مسلما:
تتلخص هذه الواجبات أو أهمها فيما يلي :
ا- تعميق الوعي بأن الله تعالى هو المؤثر الحقيقي في هذا الوجود: فهو وحده- الخلاق العليم، وهو- وحده- الرزاق ذو القوة المتين، وهو الولي الحميد، وهو الناصر والمعين. ثم هو- وحده- واهب النجاح للطالب والرواج للتاجر، والنتاج للصانع، والحصاد للزارع، والشاء للمريض.(1/1)
2- التوسل إلى هذا الوعي الإيماني بقراءة كتاب الله المسطور ، القرآن الكريم، وكتابه المنظور: الكون، واستجلاء ما فيهما من آيات تزيد صلة المرء بربه، وتنمي معرفته بنعمه، وتسمو بوجدانه عن جوانب الماديات من حوله، وتخلق منه نمطا إنسانيا فريدا ، قلبه مع الله يقود خطاه في هذه الحياة، ليستشعر أنه يقرض الله حين يعطي السائل، ولقدم لنفسه حين ينفس عن مكروب ، ويعود الله حلت يعي مريضا، ويشكره سبحانه حين يحسن كما أحسن الله إليه،
وحين ينفق كما أنفق الله عليه.
3- تعميق الوعي بقيمة النفس البشرية، ومراعاة ما لها من حرمة تستوجب الحرص على تنميتها وصونها، وإزالة المعوقات من طريقها.
4- تعميق الوعي بضرورة التزام منهج الإحسان أعني التقوى والمراقبة كقاعدة وسياج للفكر والعزم والقول والسلوك .
من النصوص التي تعمق هذا الاعتقاد:
قال تعالى: ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت
أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ) . الأ نعام/ 12.
ولعل سائلا يبادر: وما علاقة هذا بما نحن فيه ؟
إننا نبحث عن الآن عن واجبات الطبيب المسلم التي تقوم بها شخصيته، ويتحدد بها سلوكه، ومن هذه المقومات : الفكر والمعتقد، وليس لذلك من نهج أقوم من كتاب الله وسنة رسوله فمن أراد أن يكون إيمانا، وينمي يقينا، ويزكي نفسا، ويقوم شخصية ، فهذا هو السبيل.
هذا النموذج القرآني :
أريد أن ألفت النظر- سريعا- إلى نموذج من القرآن الكريم يعطينا صورة شائقة لسنة القرآن في التأثير القلبي والعقلي معا حين ، نريد أن نكون معتقدا، أو نقوم سلوكا في الفرد المسلم بصفة عامة وفي الطبيب المسلم بصفة خاصة .(1/2)
تلك آيات الكتاب العزيز ، أن سورة الأنعام وهي إحدى السور المكية التي نزلت دفعة واحدة على نبينا r في إحدى الليالي التي كان عليه السلام يعاني فيها ما يعاني من صلف المشركين وعنادهم، وعتوهم واستكبارهم سيما في الحوار والمجادلة. تستهدف تعميق عقيدة التوحيد حيث كان المجتمع يحاول بالشرك، ويطاول بالوثنية، في الوقت الذي يطأطيء فيه للمادة، ويخلد فيه إلى أرض الهوى والشهوة .
وتتنزل سورة الأنعام.
تتنزل هذه السورة الكريمة مستهدفة أمرين:
الأول: إيتاء النبي r الحكمة وفصل الخطاب بالأدلة الدامغة، والآيات المفحمة بم تثبيتا لفؤاده، وإعلاء لحقه، ودحضا لباطل عدوه.
والأمر الثاني: تربية العقيدة الإيمانية كأساس للصلة بالخالق من جهة، والتعامل مع الخلق من جهة أخرى. ولنجتزيء - معا- بهذه الآيات:
( قل لمن ما في السماوات والأرض ) ؟
قل يا محمد ويا كل من يتأتى منه الخطاب : لمن ما في السماوات والأرض ولا تنتظر من أحد جوابا.. فلا جواب إلا هذا.. قل لله.. وستتساءل: سلمنا أن كل من ما في السماوات والأرض لله فهل يتفق مع قضية الألوهية أن يعطي الكافر عطاء ممن كفر به، أو أن يعطي الفاسق رزقا بمن فسق عن أمره؟
لقد كان المتبادر كذب كل ملك وكل رئيس أن العطاء لمن أطاع واستقام فأما أن نرى العطاء كذلك لمن يحادون الله ويشاقون رسوله فهذا ما لا نسيغ له فهما، فهل إلى مقنع من سبيل؟
ويوافي الرد في الآية: كتب ربكم على نفسه الرحمة فما دام الله تعالى قد كتب على نفسه الرحمة، وكتب أنها تسبق غضبه، هي إذا ليست رحمة الجزاء ولكنها رحمة العطاء.
إن رحمة العطاء تسع كل شيء، وقد قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) ثم إن رحمة العطاء تسبق أو تغلب رحمة الجزاء.
وفي كتاب التوحيد من صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال:(1/3)
لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، وهو يكتب على نفسه، وهو وضع عنده على العرش. (إن رحمتي تغلب غضبي) وفي رواية (إن رحمتي سبقت غضبي) ثم إنه سبحانه (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم وهو الممتحنة/22.
والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة التي تسع العطاء لكل من يمشي في مناكبها ليأكل من رزقه بعلمه وعمله وسعيه برا كان أو فاجرا، مؤمنا كان أو كافرا هذا في الدنيا.
وأما الرحيم فهو ذو الرحمة الدائمة في الآخرة مع الدنيا لمن آمن وعمل صالحا، ولمن نجح في الاختبار الإلهي، فقد خلق الله الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.
( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) .
والعطاء الخليق بأن نسعى له هو العطاء الموصول ما بين الدنيا والآخرة.
وإذا فمن أراد مقنعا فليعلم أن هذه هي السنة الإلهية، وأن هذه السنة تشير بأنه لا معدي عن يوم تجازي فيه كل نفس بما اختارت في هذه الحياة فهذا التفاوت في المعتقد وفي العمل والكون كله لله قاض بأن يوم القيامة لا ريب فيه وأن الربح الحقيقي يؤمئذ للإيمان والعمل الصالح وأما الكافرون فهم الخاسرون وأن الكفر هو الخسارة الحقيقية فلا تعجب فهذا هو القانون.
ومن هنا تعقب الآية الكريمة بقوله تعالى :
( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون .
وتمضي الآيات في تكوين شخصية المسلم؟ إذ تمضي في تكوين شخصية أول مسلم.
إن لله ما في السماوات وما في الأرض ، ومن في السماوات ومن في الأرض.. نعم فهذا هو المجال المكاني للكون.. فماذا عن المجال الزماني؟(1/4)
إنه سبحانه وحده صاحب التدبير والتقدير والإحكام والإتقان في المجال الزماني كذلك، فما من حركة أو سكون وما من متحرك. أو ساكن إلا وهو بيده ولهذا جاء قوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ) عقب الآية السابقة؟ ليفيد شمول قدرته سبحانه وإحاطة علمه وتدبيره وحكمته للمجال الزماني بعد إحاطة ملكه وحكمه للمجال المكاني ؟.
وبذلك أخذ التصور الإسلامي صدقه وعمقه ليهىء قلب المرء وعقله للنتائج المستفادة من هذه المرحلة الفكرية والوجدانية كما تشير إليه الآيات التالية عقب ذلك على النحو التالي:
ا- مادام هو سبحانه مالك الملك، ومدبر الكون، وقيوم السماوات والأرض والحركة والسكون والليل والنهار، والزمان والمكان فمن عيره يتولى أمر الإنسان عناية ورعاية، وتربية وتنمية، وتدبيرا وتيسيرا، وأمنا وعونا، وهداية وتوفيقا (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض ). الأنعام/ 14
2- إن ولاية الله للمرء لا يريد الله منها مقابلا يعود عليه منها ؛ كيف وهو الغني له ما في السماوات وما في الأرض.
إنه سبحانه لا تنفعه طاعة طائع كما لا تضره معصية عاص ( وهو يطعم ولا يطعم ) ويشفي ولا يشفى، ويعين ولا يعان، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكه سبحانه شيئا .
3- إنه سبحانه المالك والمدبر والمعين ثم إنه وحده الذي يتولى أمرنا دون أي عائد نفعي يعود عليه فمن نعبد؟ وإلى من نتجه؟ وبمن نستعين؟ ولمن نسلم ذواتنا وطاقاتنا واختياراتنا؟
إنه لا مجال للتردد أن المجال مجال التسابق وهذا هو مسك ختام هذه الرحلة مع الله ومع الكون ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ) الأنعام/ 14.
وذلك هو طريق النجاة والفوز:
( من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ) الأنعام/ 16.(1/5)
ذاك. نموذج من تربية القرآن للمسلم ذكرناه هنا لأننا بصدد الواجبات الاعتيادية والسلوكية للطبيب المسلم.
إذ من، واجب كل مسلم أن يعرف عن عمق وعن شمول ما استطاع إلى ذلك سبيلا عن الله وتدبيره لخلقه ما يحدد علاقته بالله ، وما يحدد دوره وعلاقته في هذه الحياة .
وفي هذا الإطار فمن واجب الطبيب المسلم من حيث هو مسلم أن يدرك القاعدة العامة، فيما يتعلق بدور كل إنسان بالنسبة لأهدافه وغاياته. أن عليه أن يسعى بمقتضى نحو قوله تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/22. قوله سبحانه. ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) الأنفال/ 60.
ثم ماذا ؟ ثم إن الغاية وتحقيق الهدف ليس مما يكلف به المرء، لأنه ليس في مقدوره، ولنقرأ نحو قوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ).
و قوله : ( وما النصر إلا من عند الله ) .
وقوله سبحانه : ( أفرأيتم ما تحرثون أ أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ) الواقعة/63، 64 ، 65 .( أفرأيتم الماء الذي تشربون أ أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ) الواقعة/ 68، 69 . ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله) ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) الكيف/ 23/ 24.
الإنسان ودوره بين الأسباب والمسببات:
إذا ما الإنسان وما دوره؟
إن الإنسان هو هبة الله في هدا الكون، وهو أفضل الكائنات، وهو المتميز بالعقل وبالقدرة على الاختيار والإبداع وهو المستأهل للإفادة مما سخر الله في البر والبحر والجو، وهو المستخلف لعمارة الأرض وإدارتها بالحق والعدل.
ومع ذلك، مما هي قدراته وما هو دوره؟
إن قدراته: محدودة ومع أنها هبة من الله الموجد لكل ما في السماوات والأرض ، فهي عندما تندفع لتحقيق غاياتها لا تمضي في سبيل إلا بتيسير الله وإقداره ، ولا تصل إلا بعونه واختياره.
لقد خلق الله الإنسان فقدره، ثم السبيل يسره.(1/6)
وإذا فهذه حقيقة ينبغي أن يعيها الإنسان عموما، والطبيب بصفة خاصة.
وعي هذه الحقيقة:
إن وعي هذه الحقيقة سوف يدفع الطبيب إلى ما يلي .
ا- إدراك دوره هو فيما يتعلق بعلاج المريض وشفائه وكيف أنه دور ضئيل يكاد ينحصر فيما عدا التيسير والتهيئة ومشيئة الشفاء وإنجازه بالفعل .
وما يقوم بعه الطبيب كالذي يقوم به الزارع والمربي !
إن هذا الذي يقوم به الطبيب يتمثل في امتثال أمر الله : أن يؤدي رسالته في هذه الحياة، ويعبده بهذا الأداء .
ولعل أروع تمثل لهذا المعنى هو قول النبي r. " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
إننا نعمل ونتعلم ليكون عملنا على أساس علمي وإن أعمالنا على تنوعها ما هي إلا مظهر من مظاهر عبادتنا لله إن أعمالنا عبادة لله حيث تنطلق من قاعدة الإيمان والالتزام بأمر الله ثم حيث تتحرك في إطار المراقبة لله. ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة/ 105 ثم حيث تحقق الغاية المثلى من خلق الغاية المثلى من خلق والإنس والجن ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
ثم حيث يتوقف التطوير والبناء وإثراء حضارة الإنسان على تنوع مجالات العمل ، واختلاف التخصصات العلمية والمهنية، كما يشير إلى ذلك نحو قوله تعالى.
( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) الزخرف/ 32
أي ليكون بعضهم بعلمه وعمله ومهنته وحرفته في خدمة بعض .
وأحسب أن من أهم غايات الصلاة والصيام والحج وباقي العبادات إذكاء روح العبودية والالتزام والمراقبة التي تصل بالمرء إلى مقام الإحسان .
حتى إذا ما خلا المرء إلى مصنعه أو إلى لمزرعته أو إلى مرضاه، كان امتدادا بعبوديته وتقواه، وكان متحركا في عمله بإيمانه وقيمه، لا يساوره شك في أن ما يؤتاه إنما هو فيض الله وفضله، كل قال تعالى: ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) المزمل/ 20.
والعمل- بهذا- عبادة ، والعبادة عمل.(1/7)
وحين نصل إلى أن تكون حياتنا كلها بهذا الأفق الرحيب عبودية وعبادة فقد وصلنا إلى لمستوى التوازن بل إلى مستوى التساوق في موقفنا بين يدي الله، وفي مناشطنا في هذه الحياة.
ولهذا آثاره وثمراته التي لا تخفى في الدنيا والآخرة.
وعودا على بدء :
فحين يدرك الطبيب المسلم دوره في هذا الإطار فسوف يدفعه ذلك أو سوف يسلمنا ذلك إلى واجبات المسلم كطبيب وحسبنا أن نشير منها إلى ما يلي .
ا- استشعار أنه وهو يمارس عمله في عبودية لله وطاعة له، وهذا الاستشعار عن قرب يثمر أمورا.
الأول: أن تتم هذه الممارسة على أحسن ما يكون فهي تتم في إطار مقام الإحسان حيث يتعامل المرء مع الله قبل أن يتعامل مع المريض .
2- بذل أقصى الجهد ، واستفراغ الوسع في تشخيص المرض، وعلاجه بكل الأمانة والدقة.
3- أن يعلم أنه مادام في عبادة فعلية مع المراقبة لله أن يبتغي بما يبذله وبما يعمله وجه الله.
4- أن يدرك أنه بذلك مثاب توابا غير منظور آنيا وقد يرى أثر ذلك في الدنيا وقد صد له بالآخرة.
وقد حدث الرسول r إن الساعي عام الأرملة والمسكين وابن السبيل كالصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر.
5- أن يتواضع لله عز وجل عرفانا بفضله، فهذا دوره وأن لا يكون كمن قال إنما أوتيته على علم عندي .
6- أن يدفعه هذا التواضع إلى عدم المغالاة مع المريض سيما من كان غير قادر ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .
7- أن يشكر الله على أن جعله يد العناية الإلهية، ومجرى الرحمة الربانية، الذي يمس بما وظف له أعز ما يملك المرء. العقل والنفس والروح والحياة .
8- أن يدرك أنه المصدف فيما فيه المريض به من تلخيص ، وفيما ينصح به من علاج وهذا يحتم عليه التزام الصدق فأكذب الكذب أن تحدث غيرك بحديث يعتقده صادقا بينما هو غير صادق .(1/8)
9- حين يسلم الناس أنفسهم إليه- بما عاهد الله عليه. فليتذكر إحاطة الله به، وقدرته عليه فلا يأت منكرا، وليذكر ما كتب الله على بني آدم عموما وبني إسرائيل خاصة ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) المائدة/ 32.
العلاقة بين العلاج وبين التوكل على الله :
لقد عرفنا دور الطبيب، وكيف ينبغي أن يستثمره الطبيب سلوكيا مع الله ومع مرضاه .
ونضيف الآن أن هذا الدور يمثل الأخذ بالأسباب.. وهذا قصارى ما على المرء..
وعليه بعد هذا ما يلي .
ا- أن يدرك أن هذا التشخيص وأن هذا العلاج سبب أمر الله باتخاذه توسلا للشفاء بيد أنه ليس وسيلة للوفاء بذاته، بل بإرادة عليا هي إرادة الله عز وجل.
2- أن على الطبيب حين يتوسل بهذا العلاج إلى الشفاء أن يترجم عن هذا التوسل بالضراعة إلى الله أن يجري الشفاء على يديه فهو وحده الشافي ولا شفاء إلا شفاؤه.
3- إن هذا الدعاء لا يعني أن يتوانى الطبيب في اتخاذ أقصى ما يستطيع من وسائل تشخيصية وعلاجية فهذا تواكل منهي عنه .
4- لقد قال r اعقلها وتوكل...
وتطبيقا لهذا المبدأ فعلى المرء حين يتخذ ما يستطيع من وسائل أن لا يعتمد عليها وحدها فهي وسائل عادية قد توصل وقد لا توصل، وإنما المعتمد على الله الذي يشاء أن توصل، وقد لا يشاء، وقد يشاء أن ينقلب الدواء داء والأمثلة من الواقع كثيرة .
والقادر على جعل النار محرقة هو الذي جعلها بردا وسلاما على إبراهيم .
بين العمل والاستعانة بالله عز وجل:
وحين يدرك الطبيب أنه في عمله في عبادة وأنه مكلف أن يتخذ الأسباب وأن يضرع إلى رب الأرباب لتصل هذه الأسباب إلى غايتها فهو متوكل على الله حتما وهو يعبر بهذا أو بنحو هذا عن معنى قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
حديث جابر في هذا:(1/9)
وإلى هذا يشير ما رواه مسلم في صحيحه من الحديث المشهور عن جابر: " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى " وعلماؤنا القدامى كانوا يقولون تعليقا على هذا الحديث .
حديث جابر يفيد أن الشفاء متوقف على الإصابة- أي للعلاج- بإذن الله فالدواء قد يحدث معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكلية فلا ينجع ، وربما أحدث داء آخر...
تم كانوا يقولون تعليقا على الأحاديث الواردة في ذلك. وفيها كليا إثبات الأسباب وإن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره.
وأنها لا تنجع بذاتها بل بما قدره الله تعالى فيها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك. فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته. تلك واجبات الطبيب نحو ذاته..
أما واجباته نحو مريضه فحسبنا أن نشير منها إلى ما يلي :
1- أن لا يداويه بحرام، والنصوص في هذا مشهورة لا حاجة بنا إلى ذكرها لكن نحب ان ننبه إلى أمرين:
الأول: أن تحريم العلاج بالمحرم يستحث الطبيب على أن لا يكتفي بما تداوله علماء الطب، ولا بما تعارفوه فيما بينهم؟ فهذا التحريم يقتضيه أن يبحث مع غيره من أطباء المسلمين عن الأدوية الخالية من المحرم، وعند إشارته r إلى أن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له شفاء قال. علمه من علمه وجهله من جهله، وليس الجهل حجة على العلم وإنما الجهل بالشي، مع الاستيقان بوجوده أمر يدفعنا إلى البحث حتى نعلم فتحريم العلاج بالمحرم يستحث الطبيب على البحث عن العلاج المباح ولا يقعد به عنه.
ونحسب أن هذا نوع من التواصي بالحق والتواصي بالصبر...
الثاني. أن الطبيب إذا استفرغ طاقته لا البحث مع غيره حتى أعياهم البحث آنيا وبين أيديهم مريض توقف علاجه على دواء به محرم فلا بأس بوصفه والاكتفاء منه بقدر الضرورة فالضرورة تقدر بقدرها وكلنا يعرف أن الضرورات تبيح المحظورات .
لكن على ألا يقعد بنا هذا عن استئناف البحث عن الدواء المباح لهذا الداء أو ذاك.(1/10)
ومن واجب الطبيب نحو مريضه:
تعهده ومتابعته وعيادته على أن ذلك عبادة لا مجرد عمل مهني.
إن عيادة المريض دون علاج عبادة تفضي إلى الجنة فكيف اذا أضيف إليها العلاج ؟
وقد روى مسلم في كتاب البر والصلة والآداب: باب فضل عيادة المريض 4/ 1989أن حديث ثوبان: عائد المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع.
المخرفة: سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء أي يجتني وقيل هي الطريق أي أنه على طريق تؤديه إلى طريق الجنة .
خرفة الجنة : الخرفة اسم ما يخترف من النخل حتى يدرك وقيل هي الثمرة إذا نضجت وعند البخاري في الأدب المفرد، قلت لابن قلابة ما خرفة الجنة؟ قال: جناها.
وروى مسلم عن قربان. " من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة قيل يا رسول الله
وما خرفة الجنة؟ قال: جناها".
عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله r:
أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني .
عن البراء بن عازب
أمرنا رسول الله r " أن نتبع الجنائز، ونعود المريض، ونفشي السلام "
قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع، وفك الأسير.
ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة
وجزم الداودي بالأول فقال: هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض
وقال الجمهور هي في الأصل ندب
وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبري تتأكد في حاله من ترجى بركته وتسن فيمن يراعى حاله، وتباح فيما عدا ذلك .
ابن حجر: ويلتحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك في العادة سببا لوجود نشاطه وانتعاش قوته.
ومن واجبات الطبيب نحو مريضه بذل النصيحة له
وهذا أمر يتميز به الطبيب المسلم عن غيره ففي أوربا الحديثة ينهون الطبيب عن أن ينصح مريضه بالإقلاع عن أسباب مرضه كما نبه على الأطباء هناك أن يقتصروا مع مرضى الايدز على العلاج وحده؟ كمهمة محددة طعم لا يتعدونها إلى غيرها من النصيحة أو الوعظ .
الطبيب المسلم حريص على صالح مريضه:(1/11)
وبدافع هذا الحرص فإن الطبيب حين يأخذ في علاج المدمن ، أو المبتلي بمرض وبائي يضيف إلى علاجه المادي ما يمكن أن يستثمر مع المريض نفسيا وروحيا ، في عدم الإقدام على أسباب المرض مرة أخرى .
ولا بأس أن يبين لمريضه كيف أن طاقته أمانة، وكيف أن فكره وماله أمانة وأنه مسئول عن عمره فيم يفنيه ، وعن شبابه فيم يبليه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن أسرته كيف فرط في حقها، وعن مجتمعه ماذا عمل من أجله؟
ومن نصح الطبيب لمريضه:
أن يحدد له قائمة طعام لا يتعداها
ذلك أن الطبيب أدرى من المريض بما يلائمه من أطعمة وأشربه.
وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيدهم من حديث أم قيس الأنصارية قالت: دخل علي رسول الله r ومعه علي ، وعلى ناقه، ولنا دوالي معلقة، فقام رسول الله r يأكل منها، وقام علي ليأكل؟ فطفق رسول القه r يتول لعلي: مه إنك ناقه؟ حتى كف علي .
قالت: وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به، فقال رسول الله r يا علي أصب من هذا فإنه أنفع لك.
ومن نصح الطبيب لمريضه أن يحدثه بآثار البلاء وثمراته:
ا- ومن ذلك أن البلاء يكفر الخطايا:
وفي ذلك يروي مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله r قال: " لا تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا حط الله بها من خطيئته " ومن حديث عائشة- رضي الله عنها- كذلك؟
" ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه حتى الشوكة يشاكها ".
2- ومن ذلك أن البلاء قد تكتب به حسنة، أو تزال به سيئة
وفي ذلك يروي مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قال. " ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة ".
3- ومن ذلك رفع الدرجة:
وفي ذاك يروي مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله r قال: " ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة "
4- ومن ذلك أن الأجر في ذلك يكون على قدر البلاء.(1/12)
فقد روى البخاري في كتاب المرضي: باب شدة المرضى (10/ 110):
من حديث ، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال.
" أتيت النبي r في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا، وقلت إنك لتوعك وعكا شديدا، قلت: إن ذاك بأن لك أجرين؟! قال: أجل! ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر "
حات- حاتت=- فتت وأذهب خطاياه.
تساؤل لابد من إيراده
هل البلاء كفارة للذنوب سواء اقترن به الرضا أم لم يقترن؟
وماذا لون يكن للمرء ذنوب، ثم ماذا عن الكفارة حينئذ؟
ولقد أجاب القرافي عن الأول بقوله:
إن المصائب كفارات جزما، سواء اقترن بها الرضا أم لا
لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قل..
وروى ابر حجر فقال: كذا قال، والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك.
وعن الثاني أجاب ابن حجر:
فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه.
ومن واجب الطبيب نحو مريضه.
أن ينهاه عن الضيق بالألم، والخروج عن الحكمة:
مسلم 19931/4 من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله r دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال ما بك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين ( تتحركين حركة شديدة أي ترعدين) ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ".
وأن ينهاه عن اليأس في الشفاء وتمني الموت
في المرضي: باب تمني المريض الموت 127/10
روى أنس : " لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفي ما كانت الوفاة خيرا لي ".
وروى أر هريرة: " لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب ".
يستعتب أي برجع عن موجب العتب عليه.(1/13)
وأن يرشد إلى العلاج الروحي والنفسي مع ما يأخذ به من أسباب مادية:
العلاج الروحي
في كتب الطب. باب رقية النبي r (206/10)
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس اذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقها.
عن العزيز بن صهيب قال. دخلت أنا وثابت البناني على أنس بن مالك، فقال ثابت يا أبا حمزة (كنية أنس)
اشتكيت وفي رواية إني اشتكيت، فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله r؟ قال. بلى قال. اللهم رب الناس ، مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما.
يمسح بيده اليمنى على الوجع قال الطبري. هو على طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع.
عائشة: كان يقول للمريض بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا.
قال التوربشتي: كان المراد بالتربة الإشارة إلى فطرة آدم. والريقة الإشارة إلى النطفة، كأنه تضرع بلسان الحالة. إنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته منه من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.
ومن وجب الطبيب نحو مريضه:
أن يجيب عنه بما يشعر برضى المريض عن الله في بلائه. إن الطبيب أدرى من غيره بحال المريض.
وإنه قبلة أقارب المريض والمحيطين به في السؤال عنه.
فينبغي أن يكون من الدقة بحيث لا يهول المرض ولا يهون منه، ولكن يحدث عن المريض بما يشعر أنه بريء من الضيق بالمرض ، دائم الصلة بربه ، والأمل في رحمته.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله r في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف، أصبح رسول الله r؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا "
يقصد أصبح رسول الله مفيقا ، وبارئا من الضيق والضجر، حامدا لله شاكرا لأنعمه يحب لقاء الله، ويحب الله لقاءه.(1/14)
قال ابن حجر: ينبغي لكل من يسأل عن المريض أن يجيب بما يشعر برضى المريض بما هو فيه عن الله تعالى، وأنه مستمر على حمده وشكره لم يغيره عن ذلك شدة ولا مشقة، وبما يؤذن بخفة مرضه أو بخفة عافيته.
ومن واجبات الطبيب نحو مريضه:
أن يذكره عن الموت بما يبشره بمكانته عند الله.
وقد روى البخاري في فضائل الصحابة. مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن المسور بن مخرمة قال:
لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس- وكأنه يجزعه- يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله r فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر، فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحب صحابتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون .
قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله r ورضاه فإنما ذلك من من الله تعالى من به علي .
وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك من الله الذي ذكره من به علي .
وأما ما تري من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن: أراه .
يجزعه : ينسب إلى الجزع ويلويه عليه، أو يزيل عنه الجزع ـ فزع عن قلوبهم: أزيل عن قلوبهم الفزع .
ومنه مرضه : إذا عاق معه إزالة المرض ولئن كان ذاك . وفي رواية ولا كل ذلك أي لا تبالغ في الجزع مما أنت فيه- وفي رواية ولا كان ذلك- أي لا يكون ما تخافه. أو لا يكون الموت بتلك الطعنة.
من= عطاء ومنة
من أجلك ومن أجل أصحابك- أي من جهة فكرته فيمن يستخلف عليهم أو من أجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه وتواضعه لربه- أو من أجل توقعه لفتن تقع بعده في أصحابه.
طلاع الأرض ملؤها، وأصل الطلاع ما طلعت عليه الشمس والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال.
قبل أن أراه : أي العذاب.
وماذا بعد أن يموت المريض ؟(1/15)
لعل الطبيب في بعض الحالات التي يكون المريض فيها بعيدا عن أهله، ويكون الطبيب هو المشرف عليه، لعل الطبيب يكون أول من يعرف بموته حين يوافيه الأجل بعد استفراغ الوسع وبذل الجهد، فماذا على الطبيب حينئذ؟
إن السنة في هذا يبينها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت.
دخل رسول الله r على أبي سلمة ، وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال. إن الروح إذا قبض تبعه البصر. فضج ناس من أهله ، فقال . لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، تم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهذبين، وأخلفه في عقبه الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين.
حقوق الطبيب، المسلم أو ماذا للطبيب بعد هذا ؟
أ- عند المريض: أن يقدر عطاء الطبيب بما يلائم علمه وعمله وجهده ومكانته، وبما يلائم قدرة المريض وطاقته، ولا يرى الإسلام بأسا أن يعطي المعالج عطاء يتساوق وقدرة المريض أكثرهن تساوقه لقدرة الطبيب، وفي حديث الرقية المشهور بصحيح البخاري أن المريض كافأ الراقي بثلاثين شاة وأن النبي r لم ير بأسا بذلك وقال:
إن حق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
2- وعند المجتمع: أن يكفل للطبيب الحياة الكريمة التي تتفق مع دوره ورسالته، وأن يعوضه مالا يستطيع المريض بذله ، وأن، يجمع له بين التقدير الأدبي والتقدير المادي بين الحين والحين.
3- وعند الله. الثواب والمحبة وناهيك بهما
إن الطب عمل إنساني يدفع إليه، دافع إيماني، وحين يمضي المرء مع إنسانيته ويخفف عن غير القادرين ما دام ذلك في مكنته، فذلك طريقه إلى محبة الله ورضوانه سيما إذا كان ذلك منه ابتغاء وجه الله ومثوبته، والخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، وماذا إذا أحب الله طبيبا ؟(1/16)
يروي الترمذي في ذلك بإسناد حسن صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه، قال فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قول الله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) مريم/ 96.
هذا عن المحبة. فماذا عن المثوبة؟
أما عن. عمل الطبيب إذا لم يقدر الفرد ولا المجتمع على جزائه وما هم بقادرين فإن الله وحده يتولى ثواب ما عجزوا عنه سيما إذا مضى في عمله على أنه- كما قلنا- صورة من العبودية لله ، ونوع من العبادة له.
وحسنا أن يعيش الطبيب العابد في عيادته، والمتبتل في عبادته في ضوء نحو قوله تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) الكهف/ 30.
تسامح الطبيب في حقه المادي مع المريض يساوي إنفاقه بقدر ما تسامح فيه عليه
وإلى هذا النوع المتسامح المتسامي نأتي إلى نهاية حديثنا بمسك ختام الحديث بقوله r : إن الله تبارك وتعالى قال لي: أنفق أنفق عليك.
وقال رسول الله r " يمين الله ملأى، لا يغيضها شيء، سخاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه ".
ثم أما بعد
فهذا هو القطر الذي يمثل أول الغيث في الحديث عن واجبات الطبيب المسلم وحقوقه.
ولعلنا نزيد الحديث عن الواجب العلمي للطبيب سيما ما يتعلق بالمنهج الذي ينبغي أن يشق عباب البحث في الجانب الديني.
وأما فيما يتعلق بما له عند الناس بل بما له عند الله فحسبنا أننا فقط أشرنا إشارة.
أما عن حقه الحقيق به فلا يقدره إلا العليم به، أفترونني مبالغا إن قلت إن الطبيب المسلم في الإطار الإيماني الذي حدثنا به والذي رأينا كيف يمثل عمله عبادة من أجل العبادات أفترونني مبالغا إذا رأيت الطبيب الساهر بكل توجهه، والذي يتجافى جنبه بالليل ليعطي مريضه بلسما أو ليراقب حياة مشرف على الخطر.(1/17)
أترونني مبالغا إن قلت أنه بهذا الإطار يدخل فيما يشير إليه الحديث الشريف:
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
لقد روى النبي r هذا عن ربه ثم قرأ هذه الآية ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) السجدة/16/17.
هذا وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله
http://islamset.com/arabic/aethics/abolnor.html(1/18)
مبادىء الأخلاق الطبية في الاسلام
الدكتور / يونس المفتو
تركيا
اهتم الانسان منذ بدء الخليقة بصحته وبالظروف المحيطة بها. وبرزت فئة من الناس في كل العصور والاجيال بين بقية القوم تمتهن الطب، وما يتعلق به وتتحدث لنا كتب التاريخ واساطير الازمنة الغابرة عن عادات وتقاليد وطقوس شتى في هذا المضمار، فقد كانت الشعوذة الطابع المتغلب في البحث عن الدواء والعلاج في العصور المظلمة التي اجتازتها البشرية. فدفعت ثمنا غاليا لكشف حقائق الحياة وطبيعة الامراض والآفات التي مرت بها عبر الدهور.
ويطول بنا الحديث اذا تصفحنا ما نقلته الينا كتب التاريخ، الا ان شيئا واحدا يبرز امامنا وهي المكانة الطيبة التى منحتها شتى المجتمعات لكل من حاول مد يد العون للإنسان في صحته، ثم جاءت اشراقة الاسلام الحنيف، الدين السمح الكريم الذي قيم العلم والعلماء، ليفتح صفحة ناصعة جديدة في آفاق الطب حيث وجد العلماء كل التكريم في زمن كان الآخرون فيه اسرى للدجل والشعوذة وألعوبة بيد السحرة.
عالج الاسلام مفهوم الصحة على انها تكامل بين الصحة النفسية والصحة الاجتماعية والصحة الجسمية وليست مجرد الخلو من المرض او العجز، وفيه تخطيط كامل لصحة الفرد والمجتمع، وفي الاسلام تقدير للصحة لا يعادله تقدير حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم (قالت احداهما يا ابت استأجره ان خير من استأجرت القوى الامين28/ 26) صدق الله اصدق القائلين. وقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه " المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ".(2/1)
وخص الاسلام الام وطفلها بعناية بالغة وفي كل هذا اعطى من يمارس الطب كل التقدير وأولاهم بالرعاية وفي مبدأ العلاج قال الرسول: "تداووا، فإن الذي خلق الداء خلق الدواء " وهناك قصة الصحابي سعد بن ابي وقاص اذ انه مرض مرضا شديدا وعاده الرسول مرات وفي كل مغ وضع يده على صدر سعد وجس قلبه ثم قال له: "انك رجل مفؤود، ائت الحارث بن كلدة من ثقيف فانه رجل يتطبب " وقد كان الحارث من غير المسلمين ولم يمنع ذلك رسول الله من التماس خبرته، فما اروع هذا الدرس الذي لقننا اياه لنتجنب العصبية الهوجاء في تقدير العلم وايفاء كل ذي حق حقه.
وهنالك الكئير من القصص والاحاديث التي تناقلتها الكتب عن المكانة السامية التي اولاها حكام الاسلام للاطباء، ومنها ان الخليفة هارون الرشيد اراد امتحان طبيبه بختيشوع امام جماعة من الأطباء فقال لبعض الخدم سرا " احضر ماء دابة حتى نختبر الطبيب ونجرب معرفته) فمضى الخادم وأتى بقارورة فيها بول دابة. فلما رآه قال يا أمير المؤمنين ليس هذا بول انسان، قال له ابو قريش (وكان من ملازمي مجلس الخليفة) كذبت، هذا ماء حظية الخليفة فقال بختيشوع: لك اقول ايها الشيخ الكريم لم يبل هذا انسان البتة وان كان الامر على ما قلت فلعلها أكلت شعيراً. فقال له الخليفة: من أين علمت انه ليس ببول انسان؟ فقال له بختيشوع: لانه، ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه. قال له الخليفة: بين يدي من قرأت؟ قال له: قدام ابي جورجيس قرأت. قال له الاطباء: ابوه كان اسمه جورجس ولم يكن في زمانه من يماثله وكان يكرمه أبو جعفر المنصوراكراما شديدا. ثم التفت الخليفة الى بختيشوع فقال له: ما ترى، نطعم صاحب هذا البول؟ فقال له شعيرا جيدا. فضحك الرشيد وأمر فخلع عليه خلعة سنية جليلة ووهب له مالا وافرا، وعينه رئيسا للاطباء.(2/2)
يعتبر أبو بكر محمد بن زكريا الملقب بالرازي الذي عاش في الفترة ما بين) (865- 925 م) من أشهر علماء عهده وقد درست اعماله عبر القرون في كافة ارجاء المعمورة وحاز على سمعة، طبيب عظيم ومدرس قدير، غير أن المنصور الساماني أساء معاملته بدعوى انه أحبط في بعض تجاربه الكيميائية التي كان قد وعد بإنجازها، وأمر بضربه بكتابه إلى أن يتحطم رأسه أو يتحطم الكتاب. ويقال انه فقد بصره نتيجة الحادث. ثم عاده كحال قدم اليه ادوية ليستعملها فتعيد له بصره، غير أن العالم الكبير فضل ان يسأل الكحال عن طبقات العين قبل ان يتقبل العلاج فأجابه الكحال انه لا يعرف شيئا عن هذه الطبقات، حينئذ قال الرازي انه يفضل ان يفقد بصره كلية على ان يسلم عينيه لكحال لا يعرف عن انسجة العين شيئا. وفي هذا المثل أروع دليل على مكانة الاخلاق الطيبة التي امتاز بها الرازي.
كان ابن النفيس لا يحجب نفسه عن الإفادة ليلا ونهارا، يحضر مجلسه في داره جماعة من الامراء وكبار الاطباء، وكان على وفرة علمه بالطب واتقانه بفروعه وأصوله قليل البصر بالعلاج فإذا وصف لا يخرج بأحد عن مألوفه ولا يصف دواء ما أمكنه ان يصف غذاء، ولا مركبا ما أمكنه الاستغناء بمفرد، وتعود بنا الذكرى قرونا الى الوراء لنرى ان ما وضعه ابن النفيس من أسس العلاج ووسائل التقرب الى المرضى ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا. وفي معرض الحديث عن ابن النفيس قال ابو الثناء الحلبي: شكوت الى ابن النفيس عقالا في يدي فقال: وانا والله به عقال، فقلت له: فبأي شيىء أداويه؟ فقال: والله لا أدري بأي شيىء أداويه. وما هذا النص الحي النابض بالحياة والقوة والمرونة والقادر على العطاء منذ عشرات القرون الا بعض ما سخت به عبقرية اطباء الاسلام.
وتتضمن الاحاديث النبوية الشريفة الكثير من التكريم لمن امتهنوا الطب وجعل، لهم مكانة مرموقة لاثقة بمقامهم.(2/3)
قال رسول الله: " ان الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولاتداووا بالمحرم ". وقال ايضا " لكل داء دواء فإذا اصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل ".
ولقد خص ابن الطبيب البغدادي علي بن علي بن عبد المنعم في كتابه " المختار في الطب " كلاً عن الأم والطفل بفصول مستقلة اضافة الى ما تعرض له من شئونها في الفصول الاخرى، منذ بداية الحمل بل قبل ذلك وعند الولادة وبعدها، ثم تطرق الى وسائل العناية بها وبالمولود حتى يشب. وكتب اجزاء عن كيفية معالجة ومعاملة المرضى كانت كلها نماذج حية من اخلاق الطب منحته منزلة رفيعة في البلاد التي عاش فيها. وقبل وفاته بسنتين عجز عن الحركة فلزم منزله ومع ذلك لم ينقطع عن الدراسة والتدريس فظل يدرس على سريره وكان الناس يترددون عليه ويقرؤون عليه إلى ان وافته المنية سنة 1213 م وهو في الخامسة والتسعين.
لم تقتصر رعاية الطب والعلوم في الاسلام على العلماء فحسب بل أولي حكام الاسلام وسلاطينهم الكثير من الاهتمام بإقامة المدارس والمستشفيات لتكون معاهد يتخرج منها أطباء تتلمذوا على أيدي مشاهير علماء عهدهم. وفي قصة السلطان محمود الثاني الذي جمع طلبة الطب واخبرهم بانه قد-جلب برنارد من ديار اهل الكفر ليدرسهم العلم الجليل الشأن علم الطب، بلسان أهل الكفر وأوصاهم ان يستفيدوا منه وان ينصتوا الى حديثه ودروسه ويتبعوا اقواله عساهم ينقذونه ويخلصونه من الجواسيس المتطيين في جيشه. وهذه امثولة رائعة للمكانة الكثرة التى اولاها السلطان للطبيب ايا كانت جنسيته او دينه حاذيا حذو نبيه الكريم وتقاليد الاسلام الحنيف الذي أوصى بتكريم العلم في شخص العلماء وأمر بطلب العلم من المهد الي اللحد ولو في الصين.(2/4)
ومما يجدر ذكره في هذا المجال الاهمية الكبرى التي اولاها الدين الاسلامي في توجيه الأخلاق الطبية حيث وضع ركن تنظيم الأسرة في المكان اللائق به ووضع الباري جل شأنه أساساً عظيماً لهذا النظام فقال في كتابه العزيز: لا تضار والده بولدها ولا مولود له بولده) (2/233 ) ومن المعروف جليا وجود اخطار معينة تتعرض لها الأم في حالة تعدد حملها أوحدوثه في سن صغيرة أو متأخرة أوتقارب فترات ولاداتها.
لن يكتمل الحديث عن مبادىء الاخلاق الطبية في الاسلام دون التطرق الى المكانة الرفيعة التي خلدها ابن سينا في عالم الطب والفلسفة تتداوله الكتب والمخطوطات حتى يوما هذا، وكما ورد في كتابه " القانون ".
الشعراء امراء الألسن كما الاطباء ملوك البدن
هذا يصون النفس بالفصاحة وذا يطب الجسم بالنصاحة
* ***
ثم شكر رئيس الجلسة الدكتور المفتو وعقب التعليق الآتي:(2/5)
أستأذنكم قبل أن نستمع الى محدثنا الثالث وحتى لا تتداخل الموضوعات بعضها في بعض- في ايجاز شديد أن الخص البحثين في كلمتين نحن سمعنا بحثا من الاستاذ/ محمد فؤاد توفيق عن المسئولية وموضوع المسئولية له قيمة آنية عملية الذين عاشوا خارج البلاد العربية الاسلامية يرون كيف ترددت النظم تاريخيا وحاليا بين حدين حد مفرط في التوسع والترخص مع الطبيب مما يهدد مصلحة المريض ويفتح الباب الى ما يصل الى التجريب على المريض ثم وصلوا الى الحد الأقصى في الجانب الآخر فيما يسمى الخطأ المهني حتى بات كئيرا من الاطباء في بعض البلدان في فزع مقيم من هذا النظام وصار بعض يميل الى التقاعد في سن مبكرة من شدة ما أفزعه شبح المطالبه الجنائية والمادية التي قد تصل الى تعويضات ربما لأ يكون له قبل بدفعه فموضوع المسئولية عن خطأ الطبيب موضوع له قيمته العملية الكبرى وعلماء الاسلام في تحديدهم لهذه الامور عادوا يفسرون المصالح وهم يتحدثون عن مصلحة للطبيب ومصلحة للمريض ومصلحة للجماعة. مصلحة الطبيب في الا يحمل فوق طاقته. مصلحة المريض وأهل المريض في أن يحصل على التعويض اذا وقع عليه الضرر بخطأ. مصلحة الجماعة في أن ينفسح المجال في البحث العلمي وللمارسة المهنية دون خوف شديد يحبسها عن الانطلاق هذه هي الأسس التي يدور في اطارها بحث قضية المسثولية الجنائية والمسئولية المدنية مع تفرقة معروفة بين الخطأ اليسير والخطأ الجسيم الذي يشبه بعض الفقهماء بالعمد هذا على أي حال الموضوع الهام الذي عرض له الاستاذ/ محمد فؤاد توفيق-
أما الدكتور/ يونس مفتو فقد تناول جمعا أقطاره من تراث الاسلام من نصوصه ومبادئه ثم تراثه المتمثل في سلوكه وتجارب المسلمين حكاما ومحكومين فيما يتعلق بآداب المهنة فأشارات سريعة الى أمور ستة :(2/6)
الامر الأول: الاشارة الى أن وراء الطبيب قدرة الآهية حافظة بالنفس والبدن ويشير إليها قول الرسول r فاذا لقى الدواء الداء برىء بإذن الله تعالى- تعليق الآمرعلى بإذن الله تعالى- فيه اشعار بأن من وراء الجهد البشري حفظ الآهي.
الأمر الثالث: طرح علينا قضية التداوي بالمحرم وعدم جوازه في ذلك تفصيل لم يتسع له الوقت بطبيعة الحال.
والأمر الرابع: انه أشار إلى قضية تخصص الطبيب وإتقانه عمله وهو يدخل فيما قرره الفقهاء- من أن ثلاثة يحظر عليهم- المفتي الماجن. والطبيب الجاهل- والمكاري المفلس.
الأمر الخامس: إقرار حق العلاج كحق للناس.
الأمر السادس: الذي مر عليه مروراً سريعاً ويحتاج إلى بحث مستقل وما أسماه اجمالاً تنظيم الأسرة والا لم يتسع المجال لنفهم على وجه التحديد ما هو المقصود بتنظيم الأسرة تلك على أي حال هي الأمور التي عرض لها ولو بالإشارة الأخ العزيز/ يونس مفتي. مشكورأ على هذا
http://www.islamset.com/arabic/aethics/yonis.html(2/7)
قواعد وآداب مزاولة مهنة الطب
وردت في التراث الطبي الإسلامي
محمد الطيب بسيس
تونس
نصوص في أدب الطبابة.
ليس من العجيب أن نجد في تراثنا الإسلامي نصوصا مأثورة في ميدان " أدب الطبابة" سواء ممن كانوا أطباء أومن غيرهم ممعن لهم اهتمام بالمجتمع وما يتصل به.
وأّئه لمن الطريف أن نجد نموذجا من ذلك يقدمه إلينا فقيه أندلسي اهتم به من بين اهتماماته في معالجة الكثير مساوئ مجتمع عصره، وكانت هذه الاهتمامات متجهة ومندفعة نحو مقاومة البدع والمنكرات وتقويم الانحرافات في كل ميدان وتوجيه النفوس والضمائر نحو خلوص النية لله تعالى، ولعله وجد بعض الانحراف في سلوك بعض أطباء مجتمعه فاقتحم عليهم أبواب مهنتهم وواجههم مذكرا بواجباتهم المهنية وما يصلح بحق أن نسمي ذلك " أدب الطبابة ". وفقيهنا هذا هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري الماضي أن سماء القرن الثامن الهجري المتوفى سنة 737 هـ 1336م بالقاهرة (1) 0 أما كتابه الذي جمع فيه نصائحه ودعوته فهو كتاب " المدخل " وهو يعتبر بحق، وثيقة لها أهميتها في تشخيص حالة فى المجتمع الإسلامي في عصره وما فيه من انحرافات في السلوك والأخلاق وما استهدف الناس من بدع ومنكرات وخرافات مبينا لهم فيه طريق الاستقامة وحسن السلوك وهو بازاء ذلك يهدف إلى أن تخص أعمال الخير والبر والاستقامة تدور على محور الإخلاص أي خلوص النية لله تعالى التي هي أساس كل الأعمال في الشريعة الاسلامية " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" (2)
وبالطبع فإننا سنجد هذه الآداب في كتابه منظورا إليها من زاوية نظرة إسلامية خالصة وهي رغم أنها لم تكن شاملة لكل ما يجب أن يكون في آداب الطبابة لأن شيخنا هذا كما أسلفنا إنما يتعرض للجوانب التي يرى أن الانحراف قد تطرق إليها أما الجوانب السليمة فلا داعي لذكرها حسب منهجه.
وعلى كل فان ما تعرض له يشتمل على تفاصيل غاية في الدقة والوجاهة على هذه الصورة الآتية:(3/1)
نص المدخل
" أن يكون الطيب خالص النية في عمله لله تعالى، حتى يكون عمله من أعظم العبادات لا يريد عليه عوضا من الدنيا، وان قصده امتثال السنة المطهرة قي التطيب وكشف الكرب عن إخوانه المسلمين ومشاركتهم في مصائبهم والنوازل التي تنزل بهم كما ينوي الشفقة عليهم ".
وهذا هو العنصر المعنوي الفعال الذي هو المحور الذي ركز عليه ابن الحاج كل توجيهاته ونصائحه في كتابه ثم يمضي في سرد نصائحه عن هذا النسق.
" أما عند مباشرته لمريضه فيتعين عليه أن يؤنسه ببشاشة وطلاقة وجه ويهون عليه ما هو فيه من المرض اقتداء بالسنة المطهرة وينبغي للطيب أن يكون أمينا على أسرار المرضى فلا يطلع إلا إذا علم أن المريض لم يأذن له في ذلك إلا بقصد استجلاب خواطرالاخوان أومن يتبرك بدعائه، وينبغي ألا يقعد مع الطبيب غيره لمن هو مباشر للمريض وعالم بحال مرضه بشرط أن لا يستحى المريض أن يذكر مرضه بحضرته.
ومن أكد ما عام الطيب حين جلوسه عند المريض أن يتأنى عليه بعد سؤاله حتى يحبره المريض بحاله- ويعيد عليه السؤال لان المريض ربما تعذر عليه الإخبار بحاله لجهله به أو تأثره بقوة ألمه ".
وهنا ينتقد المؤلف بعض أطباء زمنه في عدم آخذهم بهذا السلوك فيقول.
"فهم لا يمهلون المريض حتى يفرغ من ذكر حاله بل عندما يشرع في ذلك فان الطيب يجيب أو يكتب والحال أن المريض لم يفرغ من ذكر حاله- ويزعم بعضهم أن ذلك من قوة المعرفة والحذق وكثرة الدراية بالصناعة فالعجلة لغير الطبيب قبيحة لمخالفتها لآداب السنة المطهرة فكيف بها في حالات الطيب، فيتعين على الطبيب أن يسمع كلام المريض إلى آخره فلعل آخره ينقض أوله أو بعضه ولربما يغلط المريض في ذكر حاله أو يعجز عن التعبيرعنه، فإذا تأنى الطيب وأعاد عليه السؤال برفق أمن من الغلط فإن الغلط في هذا خطر لأن أصل الطب والمقصود منه هو معرفة المرض فإذا عرف سلمت مداواته غالبا.(3/2)
ويتعين على الطبيب إن كان لا يعرف المرض أو كان عارف بدوائه أن لا يكتب شيئا من الأدوية لما في ذلك من إضاعة للمال.
وينبغي للطيب أن لا يقتصر على سؤال المريض وحده بل يسأل من يخدم المريض إذ ربما يعرف عن المريض أكثر مما يعرفه هو.
وينبغي للطيب أن يعرف حال المريض في حال صحته في مزاجه ومرباه وأقليمه وما أعتاده من الأطعمة والأدوية سواء بالسؤال من المريض أو ممن يلوذ به وإذا تعذر عليه ذلك فليسأل عن والدي المريض ويطبه بمقتضى حالهما (3) وأكد ما على الطبيب النظر في القارورة، لأنها تبين من كل ما مر ذكره، فالماء إذا دخل جوف المريض تغير إلى حالة المرض الذي يشكو منه، فيعرف الطبيب إذ ذاك العلة أو يقرب فيها من اليقين.
وينبغي للطبيب أن يشهي المريض في الأغذية ثم ينتظر بعد ذلك، فان رأى في ذلك منفعة أو عدم ضرر حالا أو مآلا وسع له فيه، وان أنعدم النفع والضرر فالأولى المسامحة في ذلك لحصول الراحة للمريض بذلك.
وان رأى فيه الضرر تلطف في منعه واعدا إياه به تطبيبا لنفسه ولئلا ينزعج فيزيد مرضه. فالتلطف بالمريض والإشفاق عليه هو الأصل الذي يرجع إليه لقوله " الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق ".
وينبغي للطبيب أن ينظر في حال المريض فان كان مليا أعطاه من الأدوية ما يليق بحاله، وان كان فقيرا أعطاه ما تصل إليه قدرته من غير كلفة ولا مشقة.
وان أعطاه أحد منهم شيئا أخذه ويكون بنية الاستعانة على ما هو بصدده، ويكون على حد سواء من أعطاه ومن لم يعطه، والذي لا يعطيه أعظم منزلة عنده لانه كان لله تعالى وانتفت عنه حظوظ النفس.
وينبغي للطبيب أن يكون الناس عنده على أصناف فصنف يأخذ منه، وصنف لا يأخذ منه، وصنف إذا وصف لم شيئا من الأدوية أعطى لهم ما ينفقونه فيه.
فالصنف الأول من له سعة ي دنياه.
والصنف الثاني العلماء والصلحاء المستورون في حال دنياهم فلا يأخذ منهم شيئا إلا إن يكون محتاجا.(3/3)
والصنف الثالث الفقراء الذين لا يقدرون على كفايتهم في حال الصحة فهؤلاء يعطهم ثمن ما يصفه لهم إن كان في سعة.
ثم ذكر المؤلف أنه رأى هذه الخصائص الحميدة أو بعضها في بعض أطباء زمنه.
هذا ولسنا نقول بأن هذا النص يشكل كل آداب الطبابة أوان كل ما فيه مغن عن جوانب- أخرى مما تستلزمه آدابها إنما هذا لون من ألوانها مما كان يراه إسرافنا وقد لمسنا فيه حيوية نابضة وحركية نشطة تكاد تربط حاضرنا بماضينا وتلامس أوضاعنا وكأنها وضعت ليومنا وكان لا يتحدث عنه قد شاهده قي حياتنا المعاصرة.
وتمتاز هذه الفقرات بكونها تهتم بالتأثير المعنوي الذي له صلة مباشرة في معنويات المريض، وهذا حسب العنصر الفعال في الموضوع، لان العناية بهذه المعنويات والإهمال بتقويتها حتى تكون مصدر ايحاء له بالعافية والشفاء فهي من أهم ما ترمي إليه آداب الطبابة. كما إنها تعنى بمعنويات الطيب نفسه حينما يكون في مواجهة المريض والمرض بإخلاصه في العمل مريدا بذلك كشف الكرب عن إخوانه ولإشفاق عليهم ومشاركتهم في مصائبهم بمحاولة دفعها عنهم بدون أن يكون له من وراء ذلك غايات مادية وإن وجود هذه المعنويات النزيهة لدى الطيب مما يرفع من شأن هذه المهنة ويوفر على المريض أنجح علاج. أما جانب الفقراء في هذه الفقرات فقد كان بحق جانبا مرموقا محظوظا كل الحظوة فالطيب لا يقتصر على العمل مجانا بل هو مطالب أيضا بتسديد ما يلزم صرفه للدواء الموصوف إن أحوج لهذا.
ولم يقتصر هذا النص على إسداء وصاياه للطبيب بل نراه واجه المريضة وأهله بكثير من النصائح التي تساعد الطبيب على عمله وفي النهاية على التغلب على المرض وآلامه.
فآداب الطبابة حينئذ لم تشغل الأطباء وحدهم بل شغلت الفقهاء ودعاة الإصلاح.
الحسبة على الأطباء والطبابة:(3/4)
لقد أبدع النظام الإداري الإسلامي مؤسسة الحسبة في عيد مبكر جدا منذ برزت ملامح المجتمع الإسلامي وبدأت في التشكيل والتبلور، وهكذا حتى أصبحت وظيفة المحتسب تستوعب تحت سلطها كل فئات المجتمع في أخلاقها العامة وسلوكها الاجتماعي وما يجب أن تكون عليه كان فئة من السلوك القويم والاستقامة فيه يجري من معاملات بين الناس والقضاء عام الغش والتغرير والشعوذة والدجل والكشف عن الوسائل المزيفة والتلفيقات الخادعة.
وقد كانت المراقبة على مهنة الطبابة في سلما هذه الاختصاصات فكانت ممارستها خاضعة لشروط وقيود دقيقة تحدد ما للأطباء ما لهم وما عليهم، وكان المحتسب يقوم بهذه المراقبة حفاظا على سلامة المجتمع ودفعا ليصل ما يكون سببا في ايذائة وبث الفوضى والفساد فيه.
وقد تعرضت كتب الحسبة بإسهاب إلى كل هذه المراقبة الدقيقة ووسائلها وطرقها إلى أن تتوغل في أعماق علم الطب وتفاصيله ومحال مراقبتها إجرائيا ومهنيا وأخلاقيا ولعلها قد ضبطت في هذه العناصر التالي :-
أولا :- التعرف بالطبيب وتحديد مسماه علميا .
ثانيا: ـ أن يترأس الأطباء حكيم مشهور بحكمته كثير الحرمة بالغ التجربة بعد أدائه يمينا قاطعة لا كفارة فيها .
ثالثا : تحديد طريقة امتحان معلومات كل صنف من أصناف الأطباء والمواد الفعليه التى يجب أن تتوفر في كل حتى يجاز ويؤذن له بالطبابة.
رابعا: ما يجب أن يفعله الطبيب عند مباشرته لمريضه.
خامسا: اللجوء إلى تحكيم رئيس الأطباء في طريقة المعالجة عند حدوث ما يدعو لذلك.
سادسا : تضمين الطبيب ومساءلته قضائيا .
سابعا : على المحتسب أن يأخذ عهد ابقراط على الطبيب المجاز.
ومن يطلع على التفاصيل العلمية التى تتعرض لها كتب الحسبة على مهنة الطبابة يدرك مدى الرعاية المثلى والرقابة المشددة التى يفرضها نظام الحكم في الإسلام لصيانة آداب الطبابة ووقايتها من أخطار الجهل والمشعوذين.(3/5)
فهذا الاهتمام الشديد بالطبابة إنما كان من أجل مكانتها الاجتماعية وبقدر هذا الاهتمام برسالتها الإنسانية كانت عليها هذه الرقابة الدقيقة الصارمة .
فإذا كانت آداب الطبابة في غالب أحوالها ذات محور معنوي أحد قطبيه يتجه نحو نفسية المريض ومعنوياته وقطبه الآخر نحو نفس الطبيب واحساساته أو نحو معنويات المهنة وكرامتها .
ولن تحقق لهذه المهنة كامل كرامتها إلا متى توفرت فيها القيود والشرائط التي تفرضها النظم التشريعية والقانونية لتنظيمها وحمياتها وشد أزرها .
ويحق لنا بعد كل هذا أن نفخر بهذا النظام الفائق في كل دقائقه وأحواله لأنه يمثل مدى الرقى والتسامى الذي بلغه المجتمع الإسلامي في حماية خلاياه.
تعاليم الإسلامي في وضوحها لا تتعارض مع تلك التنظيمات الجزئية التى تقتضيها مهنة الطب في هذا العصر ما دامت تلك الأصول الأخلاقية العامة سليمة الجوهر قائمة الكيان.
بعض المبادئ في آداب الطبابة.
- على الطبيب أن يكون متصفا بالدين والثقة والأمانة.
- أن يكون عارفا بالحلال والحرام في مهنته.
- أن لا يصف دواء محرما إلا لضرورة
- أن يستشعر بمسؤوليته أمام الله لأنه يتصرف في المهج والأرواح.
- أن يكون مخلصا في عمله لله بنية كشف الكرب عن الناس والشفقة عليهم ومشاركتهم في مصائبهم والنوازل التى تنزل بهم.
- ليكن ما يأخذ من أجر هو للاستعانة على عمله والعبرة فيه أن يباشر عمله ع من يعطي ومن لا يعطي على حد سواء بنية أنه يقوم بعمله احتسابا .
عليه أن يباشر مريضه مؤنسا إياه ببشاشة الوجه وطلاقته وأن يهون عليه ما هو فيه من المرض.
أن يهتم بعناية مريضه كعنايته بما يشكو منه.
الطبيب حريص على المحافظة على أسرار مرضاه وحريص على الاختلاء بمريضه حتى لا يطلع أحد على حاله.
أن يكون متأنيا في السؤال عن المرض بهدوء حتى يتفهم المريض السؤال ويتعرف منه أحوال مرضه وما يؤلمه وما يشكو منه .(3/6)
على الطبيب أن لا يقتصر على سماع المريض وحده بل كذا يعالجه أن كان فإنه قد يكون أدرى بحاله.
وعليه إن كان لا يعرف المرض أو لا يعرف دواءه أ، لا يصف له دواء يضره أي لا يباشر تجربة على مريض غير مأمونه العاقبة فإن النفس إن تلفت لا تعوض
http://www.islamset.com/arabic/aethics/bases.html(3/7)
الطبيب المسلم تميزٌ وسمات
تأليف
د/ يوسف بن عبدالله التركي
استشاري طب الأسرة
مستشفى الملك خالد الجامعي
كلية الطب – جامعة الملك سعود
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
الطبيب المسلم له سماته التي يتميَّز بها في الممارسة اليومية لمهنة الطب ، ولقد عُني الإسلام بتربية المسلم في شتى مجالات الحياة ، ولعلَّ من أهمها ما يتعلق بمهنة الطب .
إن الطبيب المسلم المتمسك بدينه قولاً وعملاً يتميز عن غيره من الأطباء بسمات شرف بها في الدنيا والآخرة ., لارتوائه من المعين الصافي , من كتاب الله وسنة رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والتي رسمت للبشرية منهجاً متكاملاً للحياة الطيبة , والتي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بها جميعاً معشر الأطباء المسلمين في ممارسة مهنة الطب , وأذكر إخوتي أن هذه بعض سمات الطبيب المسلم وليست كلها .
ومن السمات التي سأذكرها في هذا الكتاب ما يلي :
1- النية واحتساب الأجر من الله .
2- الأمانة وإتقان العمل .
3- الإحسان ومفهوم المراقبة .
4- تزكية النفس والمحاسبة .
5- طلب العلم المستمر .
6- الشخصية المتميزة وحسن الخلق :
- التواضع .
- الصدق .
- الرحمة .
- العدل.
- التعاون وحب الخير للآخرين .
- الحياء .
- الحلم والأناة .
7- احترام حقوق المريض .
8- التفقه في الدين في المسائل الطبية حسب الاختصاص .
9- إعطاء كل ذي حق حقه .
والله أسأل أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح , وأن يوفق الأطباء والطبيبات للتطبيق العملي لتعاليم الإسلام في مجال الطب وفي جميع شئون الحياة , قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام : 162, 163 .
د/ يوسف بن عبدالله بن إبراهيم التركي(4/1)
ص.ب 28054 الرياض 11437
البريد الألكتروني : yalturki@ksu.edu.sa
النية واحتساب الأجر من الله
أهمية النية في العمل واحتساب الأجر من الله :
إن مراجعة طالب الطب والطبيب لنيته أمر هام ينبغي العناية به , فهو أساس الأعمال , وحسن العمل يشترط له شرطان هما : الإخلاص لله عز وجل , والمتابعة لسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم , والنية الخالصة لله تحول الأعمال الدنيوية إلى عبادة لله يكتسب بها المسلم الأجر والثواب من الله في الدنيا والآخرة .
الأدلة الشرعية :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومَن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " متفق عليه .
التأثير الإيجابي على أداء الطبيب :
إن الطبيب الذي يبتغي بعمله وجه الله تجده يهتم بمريضه ويبذل كل ما في وسعه فيما يعود على مريضه بالصحة والخير , ويعالج مريضه بالطرق العلمية الصحيحة , ولا يستغل مرضه في تحقيق كسب مادي كإجراء فحوصات طبية أو إعطاء أدوية بدون مستند علمي , بل نجده يعالج المرضى بالأسلوب العلمي الصحيح في أي منشأة طبية يعمل بها , مبتغياً بذلك وجه الله ومتوكلاً عليه , لا يبحث من وراء ذلك عن شهرة أو كسب مادي , وإن تحقق له ذلك فهو فضل من الله فلا تغره تلك الشهرة أو الغنى , فهدفه رضا الله ومرضاته لا رضا الخلق الذين تتقلب أهواؤهم بين عشية وضحاها .
الأمانة وإتقان العمل
أهمية الأمانة وإتقان العمل :(4/2)
إن الطبيب المسلم ينبغي أن يتميز بتحقيق الأمانة في ممارساته اليومية في عمله , بل عليه أن يحقق ذلك في شئون حياته كلها , ومن المؤكد أن إتقان الطبيب للمهام الموكلة إليه وعدم التكاسل وإضاعة الأوقات واحترام حقوق المرضى والتفاني في رعايتهم لهو دليل عملي على تطبيق الأمانة في ممارسة الطب .
الأدلة الشرعية :
قال تعالى { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك :1, 2 .
وقال تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} المعارج : 32
وفي الحديث الشريف :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " رواه البيهقي
القدوة وبيئة العمل :
إن تدرب الطبيب وممارسته للطب في بداية مشواره في بيئة عمل صحية يلتزم فيها الفريق الصحي بتطبيق الأمانة وإتقان العمل له دور كبير بعد الله في اكتساب الطبيب لهذا السلوك في ممارساته في مستقبل حياته العملية .
* * *
الإحسان ومفهوم المراقبة
تأثير الإحسان في تقويم سلوك الطبيب :
إن استشعار الطبيب المسلم لمراقبة الله له في شئون حياته كلها يحفزه لكي يكون حريصاً ومنتظماً في أداء عمله ورعاية مرضاه على أكمل وجه , ويفعل ذلك بدون أن يرتبط ذلك بوجود رئيسه أو غيره من البشر , وذلك لأنه متميز بخاصية عظيمة يتميز بها المسلم الحق ألا وهي : الإحسان . والإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
الأدلة الشرعية :
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء } آل عمران :5
وقال تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } غافر : 19 .(4/3)
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه , ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد , أخبرني عن الإسلام ... , قال : أخبرني عن الإيمان ... , قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ... ) ثم انطلق فلبث ملياً , ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( يا عمر , أتدري من السائل ؟ ) قلت : الله ورسوله أعلم . قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .
* * *
تزكية النفس والمحاسبة
دور تزكية النفس ومحاسبتها في تقويم سلوك الطبيب :
إن الطبيب المسلم يهتم بتزكية نفسه ومحاسبتها مما يؤثر تأثيراً إيجابياً على سلوكه وعلاقته مع مرضاه وأعضاء الفريق الصحي , ومن وسائل التزكية التي حث عليها الإسلام : الإيمان والعمل الصالح . قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل 97.
كما أن لمحاسبة النفس بالأسلوب الصحيح البعيد عن الإفراط أو التفريط دوراً كبيراً في تقويم سلوك الطبيب المسلم في ممارسته لمهنته .
الأدلة الشرعية :
قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } الشمس :9, 10 .
وقال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } المدثر: 38 .
وقال تعالى : { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } القيامة:14،15 .(4/4)
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " رواه البخاري .
وعن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم .
طلب العلم المستمر
أهمية التعليم الطبي المستمر :
إن علم الطب من العلوم التي يواكبها الكثير من المستجدات العلمية ، لذا فإن على الطبيب أن يستمر في طلب العلم حتى بعد حصوله على أعلى الدرجات العلمية حتى تكون ممارسته للطب مبنية على الدليل العلمي الصحيح , ويتحقق ذلك بعد معونة الله وتوفيقه بمواكبة الجديد من الأبحاث العلمية الموثقة والمؤلفات العلمية في مجال التخصص , والمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية , ومناقشة الحالات المرضية مع أهل الخبرة والاختصاص ومتابعتها حتى يكون الطبيب المسلم مبدعاً ومتفوقاً في مجال تخصصه , وهو في طلبه للعلم يحرص على الإخلاص واحتساب الأجر من الله .
الأدلة الشرعية :
قال تعالى : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمً} طه 114 .
وقال تعالى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة :11 .
وقال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } فاطر 28
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم .
***
الشخصية المتميزة وحسن الخلق
قال تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم :4.
وعن أنس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ؟ متفق عليه(4/5)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً , وكان يقول : " إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً " متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " رواه أبو داود .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : " تقوى الله , وحسن الخلق " . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : " الفم , والفرج " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ومن هذه الأخلاق الفاضلة : على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
التواضع :
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }الحجرات :13 .
وقال تعالى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } النجم 32 .
وقال تعالى : { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } لقمان : 18 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال , وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً , وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " رواه مسلم .
الصدق :
قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } التوبة 119 .
وقال تعالى { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ } محمد :21 .(4/6)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند اله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " متفق عليه .
الرحمة :
قال تعالى : { وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} المؤمنون:118 .
وقال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران:159 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنما يرحم الله من عباده الرحماء " رواه البخاري .
العدل :
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } النحل:90 .
وقال تعالى : { وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الحجرات:9 .
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا " رواه مسلم .
التعاون وحب الخير للآخرين :
قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } المائدة:2 .
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه .
الحياء :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدُّ حياءً من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه " متفق عليه .(4/7)
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحياء لا يأتي إلا بخير " متفق عليه .
الحلم والأناة :
قال تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فصلت:34،35 .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " متفق عليه .
***
احترام حق المريض
إن الطبيب المسلم يحترم مريضه ويحافظ على حقوقه , ومن ذلك : الاهتمام بفهم المريض لمرضه وخطة علاجه مع تقدير رأي مريضه وإشعاره بالاهتمام به , وشرح النواحي الطبية بأسلوب مفهوم ومبسط حتى لا يكون هناك مجال للقلق أو سوء الفهم لبعض الفحوصات المطلوبة أو طريقة العلاج مع أخذ إذن المريض قبل الإجراءات الطبية , ومراعاة الضوابط الشرعية في الكشف على المرأة عند الضرورة , وعدم كشف العورة للرجل أو المرأة إلا عند الضرورة , وكذلك حفظ وقت المريض وتقدير ظروفه والتزاماته الأسرية وعمله ودراسته , والاهتمام بحفظ سر المريض وفق الضوابط الشرعية , مع الاهتمام بالدعاء والرقية الشرعية للمريض , فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول : " اللهم رب الناس أذهب البأس , اشف أنت الشافي لا لشفاء إلا شفاؤك , شفاء لا يغادر سقماً " [متفق عليه]. وعن أبي عبد الله عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسمه , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله – ثلاثاً – وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر "[رواه مسلم] .
***(4/8)
التفقه في الدين في المسائل الطبية حسب الاختصاص
أهمية الفقه الطبي للطبيب :
الطبيب المسلم يؤمن بأهمية النواحي الشرعية في جميع مجالات الحياة ومن ذلك ما يتعلق بالأحكام الفقهية الضرورية لممارسة الطبيب المسلم لمهنة الطب , ومن ذلك على سبيل المثال : أحكام الطهارة والصلاة للمريض , حيث يلاحظ أن بعض المرضى يجهل ذلك بل ربما يترك الصلاة في المستشفى لعدم توجيهه لأحكام طهارة وصلاة المريض , وكأن هذا الأمر ليس من واجبات الطبيب مع النصح للمسلم من حقوقه .
كذلك ينبغي الاهتمام بتطبيق التعاليم الإسلامية كالتزام الطبيبات والممرضات بالحجاب الشرعي , والبعد عن الاختلاط عبادة لله تبارك وتعالى وامتثالاً لأمره مع الحرص على غض البصر رجالاً ونساءً واحترام عورات المرضى وعدم كشفها إلا للضرورة ووفق الضوابط الشرعية , والتفقه في الدين في كل ما يتعلق بنواحي الممارسة الطبية امتثالاً لقوله تبارك وتعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل :43].
لذا فإنه ينبغي العناية بهذه الجوانب في مناهج كليَّات الطب في البلاد الإسلامية , وأن يكون التدريب والتطبيق العلمي والممارسة من الأطباء والأساتذة والاستشاريين محققاً للهدف حتى يكون الاهتمام بالجوانب الشرعية في علاج المرضى جزءاً رئيسياً من الممارسة اليومية للطبيب .
الأدلة الشرعية :
عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " [متفق عليه] .
إعطاء كل ذي حق حقه
التوازن في حياة الطبيب :(4/9)
إن التوازن المهني والأُسري والاجتماعي في حياة الطبيب عامل هام في توفير الاستقرار النفسي ورفع درجة الإنتاجية للطبيب ، والإسلام دين شامل لكل جوانب الحيلة ، فهو يدعو إلى التوسط والاعتدال حتى لا يكون هناك إفراط أو تفريط ، فالطبيب المهمل عمله لا يمثَّل الطبيب المسلم ، وكذلك الطبيب المهمل لأسرته وأولاده لا يمثَّل الطبيب المسلم ، ومما لا شط فيه أن إعطاء كل ذي حق حقه وترتيب الأولويات وحُسن استغلال الوقت وتنظيم العمل يساعد على تحقيق التوازن في حياة الطبيب اليومية .
الأدلة الشرعية :
عن رهب بن عبدالله رضي الله عنه قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء .. فقال له سلمان : إنَّ لربِّك عليك حقّاً ، وإن لنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذَكَرَ ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق سليمان " رواه البخاري .
***
الخاتمة
إن التميُّز الحقيقي هو التطبيق العملي لسمات الطبيب المسلم في الممارسة اليومية لمهنة الطب ومنها : الإخلاص واحتساب الأجر من الله ، والإحسان ومراقبة الله ، وتزكية النفس ومحاسبتها ، وطلب العلم المستمر ، والمعاملة الحسنة وحُسن الخُلق مع المرضى والزملاء والفريق الصحي ، واحترام حقوق المريض ، والتفقه في الدين في المسائل الطبيَّة حسب الاختصاص ، والتوازن المهني والأسري والاجتماعي .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
***(4/10)
آداب ممارسة مهنة الطب
سعود الزمانان
1- يجب أن يكون الطبيب شخصاً مؤهلاً :
يجب أن يكون الطبيب شخصاً مؤهلاً يمارس الطب ويعالج المرضى ،وكان في السابق يطلق على كل من لديه خبرة بالتطبب قال – صلى الله عليه وسلم – : " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن " ( صحيح الجامع ) .
أما الآن فقد أصبح محصوراً على كل من نال شهادة جامعية تجيز له ممارسة الطب وفق القواعد العلمية المقرة عند أهل هذا العلم ، فلا ينبغي أن يتصدى للطبابة إلا الطبيب المعتبر بحكم الأنظمة والأعراف التي يتعامل بها الناس ، وأن يأذن ولي الأمر بمزاولة المهنة .
2 . الابتعاد عن الشبهات :
يجب أن يبتعد أن يبتعد عن الشبهات ، فلا يشارك في أي نشاط لا يتفق مع شرف المهنة،حتى لا يقف الطبيب موقف الاعتذار، ولا يختلج في نزاهته شك ، ولا يقدح في عرضه إفك ، مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه "[1]، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – حينما قال : " كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام "
لذا فلا ينبغي للطبيب أن يمارس مهنة أخرى تتعارض مع مهنة الطب ، كأن يعمل في الصيدلة إلى جانب عمله كطبيب ، لأن في هذا شبهة أن يصف لمرضاه بعض الأدوية التي تعود بالربح من صيدليته الخاصة دون أن يكون هناك حاجة لوصف هذا الدواء ،فتكون النتيجة أن تتناقل الناس تصرفاته وتضخمها وتزيد عليها ما يسوؤه ويشينه ، حتى يصبح هذا الطبيب سيئ السمعة منهك العرض قبيحا في أعين الناس .
3 . مراعاة حسن الهيئة وتناسب اللباس :(5/1)
ينبغي على الطبيب مراعاة حسن الهيئة وتناسب اللباس حتى لا يزري به ويسقط مروءته، ولكي لا تتزعزع ثقة المرضى فيه ،فلا يلبس ثوباً تحصل الشهرة فيه بتميّزٍ عن المعتاد بلون أو صفة تفصيل الثوب وشكل له ، أو هيئة في اللبس ، أو مرتفع أو منخفض عن العادة ،فقد أخرج أبو داود في السنن من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من لبس لباس شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " يحرم لبس الشهرة ، وهو ما قصد به الارتفاع وإظهار الترفع ، أو إظهار التواضع والزهد ،لكراهة السلف ذلك "
4 . الصبر :
لا شك في أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها ، وكفاها شرفاً وكفى أهلها فخراً أن جعلها الله إحدى معجزات عيسى عليه السلام ،قال تعالى على لسان المسيح :{ وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله } ، فحينما يتعامل الطبيب مع مرضاه ومراجعيه فإنه قد يتعرض إلى العديد من المشكلات أو إلى بعض الكلمات التي تجرح شعوره وربما يتعرض إلى إيذاء شديد ، فينبغي عليه أن يتحلى بالصبر الجميل ، ويحتسب كل ذلك عند الله ، يقول تعالى { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وقال عز من قائل { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } وصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرم البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة "
5 . مواكبة ركب العلم :(5/2)
يجب على الطبيب أن يصل نفسه بركب العلم فيواكب تقدمه ،وأن يكون متابعاً لأحدث ما توصل إليه العلم من حقائق واكتشافات طبية،لكي يكون ناصحاً لمرضاه، فالطبيب مسئوليته عن غيره تجعل وقته ليس خالصاً له ينفقه كيفما شاء ،وعليه أن يقدم لمرضاه أفضل ما توصلت إليه العلوم الطبية من معلومات وطرق علاج .
فإذا أراد الطبيب أن يكسب قلوب مرضاه فعليه بالعلم ، وإن الجهل لا يأتي بخير ، لذا كان يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - : " من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فالطبيب محتاج إلى قدر كبير من المعلومات كي يستطيع معالجة المرضى وتشخيص حالاتهم ،وربما يضطر الطبيب إلى تناول بعض الحقائق العلمية والأبحاث الطبية أو المستجدات في هذا العلم من أجل حل مشكلة أو إقناع مخالف أو إفحام خصم ،هذا بالإضافة إلى أن المرضى في الغالب لا يثقون ولا يقدرون حق التقدير إلا الطبيب العالم المستبصر بعلوم فنه ، لذا قالت العرب : " ليس شيء أعز من العلم ، الملوك حكام على الناس ، والعلماء حكام على الملوك " .
6 . الأمانة :
الطبيب المسلم يحمل أمانة الإسلام وأمانة المحافظة على صحة المسلمين ورفع الضرر عنهم ، فيجب عليه الالتزام بخلق هذا الدين وأن يكون ذلك جزءا من طبع الطبيب الذي لا ينفك عنه ،يمارسه بلا تكلف في سره وعلانيته ، مراقبا الله في كل تصرفاته ،فالطبيب المسلم يستطيع الدخول إلى قلوب مرضاه دون أن ينطق بكلمة واحدة ، وذلك عن طريق الصفات الكريمة والأخلاق الحميدة ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ويقول أيضاً : " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له " .
7 . الاستعانة بالله :(5/3)
يجب على الطبيب أن يطلب العون من الله ،وأن يعلم أن الله لو لم يسهل له اكتساب علم الطب لما اجتمعت عنده ،وأن يبدأ عمله باسم الله وأن يعلم بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس ، فيورث في قلب الطبيب تفويضاً إلى الله وطمأنينة وثقة به ، وأن لا يستعين الطبيب فقط بحوله وقوته وعلمه فيكله الله لهم فيعجز ، لأن المسلم لا يستطيع مواجهة الصعاب وحده بل يجب عليه الاستعانة بالله لأن به عبادة لله وتوحيده ، كما أن الطبيب ينزع بالاستعانة بالله شعور العجز من نفسه وصلاح قلبه ونجاح عمله وبركة علاجه .
فعلى الطبيب أن يفزع إلى الله وأن يلجأ إليه وأن ينكسر بين يديه،و كان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كثيرا ما يقول في دعائه إذا استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى :" اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني".
8 . إنزال الناس منازلهم :
على الطبيب أن يراعي قاعدة " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ، لأن إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب شرعاً ،والالتزام به من أهم قواعد تعامل الطبيب مع الآخرين ،إذ لا يمكن أن يتساوى الناس في الدنيا ولا في الآخرة ،فلا يستوي العالم والجاهل ، ولا الجواد ولا البخيل ،كما لا يمكن أن يتعامل الإنسان مع الحاكم كما يتعامل مع المحكوم ،ولا يعني هذا أن الطبيب عليه أن يحتقر الفقراء والمساكين ويمجد الأغنياء والشرفاء،فهذا لا يجوز شرعاً، كما تأباه النفوس السوية ،ولكن يجب عليه أن يحسن تعامله مع الجميع ،وأن ينزل الناس منازل مختلفة،مع مراعاة تجنب الإساءة لأحد أو احتقاره ،ومن هذا المنطلق ينبغي إكرام الكريم وتوقير العالم وإجلال الشيخ الكبير واحترام الوجيه وتقدير الحاكم العادل إن كانوا من أهل الصلاح ، أما الطغاة المجرمون فأولئك لا كرامة لهم ولا إجلال ولا تقدير .(5/4)
جاء العباس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن أسلم أبو سفيان فقال : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً،فقال عليه الصلاة والسلام : نعم فقال : " من دخل دار المسجد فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن "
9 . الاستماع إلى مرضاه بأذن صاغية :
يجب على الطبيب أن يعطي المريض فرصة للحديث وأن لا يقاطعه وأن ينصت إليه ،وهذا خلق إسلامي رفيع ، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه أحسن الناس إنصاتاً للآخرين،جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له : يا ابن أخي فقال – صلى الله عليه وسلم – يا أبا الوليد أسمع فقال له عتبة ما قال حتى إذا فرغ قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : أو قد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال : فاسمع مني فأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – يتلو عليه من سورة فصلت ... القصة .
فهنا لم يحسن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الإنصات وترك المقاطعة فقط ، بل منحه فرصة أخرى لإضافة أي شيء ربما نسيه أو غفل عنه فعلى الطبيب أن يكون بارعاً في الإنصات لمرضاه بالأذن وطرف العين وحضور القلب وعدم الإنشغال بتحضير الرد وعدم الاستعجال بالرد قبل إتمام الفهم.
10: التواضع لله :
ينبغي على الطبيب أن يتواضع لله تعالى ويشكره على أن وفقه لهذه الخدمة الجليلة ،وأن لا يزين له الشيطان أن الشفاء يتم بعلم الطبيب وذكائه وفطنته ، بل يرجع السبب إلى توفيق الله ،وأن الطبيب بشر تجري على يديه أقدار الله جل وعلا بتوفيقه ومشيئته وإرادته وحكمه وعدله .(5/5)
فالتواضع خلق كريم ، يزيد الطبيب رفعة وعزاً ويحببه إلى قلوب الآخرين يقول الإمام القيم ابن القيم – رحمه الله - : " ومن مكايده – أي الشيطان – أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجه عبوس ولا تريهم بشراً ولا طلاقة ،فيطمعوا فيك ويتجرءوا عليك ، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك ،ومحبتهم لك فيأمرك بسوء الخلق ، ومنع البشر والطلاقة مع هؤلاء ، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك ، ليفتح لك باب الشر ويغلق عنك باب الخير "
11 . معرفة الأحكام الشرعية :
ينبغي على الطبيب أن يتوفر له الحد الأدنى من الدراية بعلوم الفقه وأحكام العبادات ، لأن الناس سوف يستفتونه في أمورهم الصحية ذات الصلة بالعبادات ، وينبغي له أن يلم ببقية الأحكام المتعلقة بالصحة والمرض إجمالا ،لأن هذه المعرفة تحميه وتحمي مرضاه من الوقوع في محظور من المحظورات ،وأن يكون بصيراً بالرخص والأعذار حتى يكون المرضى على اتصال دائم بالعبادات ولا يتعودوا على تركها .
12 . احترام تخصصه الطبي :
على الطبيب أن يحترم تخصصه الطبي إذ أن الاختصاصات الطبية متعددة ومتنوعة، فيجب أن يقوم بإحالة المشكلات الطبية المعقدة إلى ذوي التخصص فيها عملا بالآية { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }،ولا يعني هذا ا، تنحصر اهتمامات الطبيب في تخصصه فحسب، بل عليه أن يلم إلماما معقولا بالخطوط العامة والعريضة لبقية الاختصاصات الأخرى .
13 . عدم شهادة الزور :(5/6)
يجب على الطبيب إن أدلى بشهادة أو كتب تقريراً طبياً أن يكون مطابقاً للحقيقة ،وأن لا تدفعه نوازع القربى أو الصداقة أو المودة أن يدلي بشهادة تخالف الواقع ، وأن لا يشهد الزور قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال الصحابة بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ... ثم صمت مليا وقال : ألا وقول الزور ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى حسبوه لا يسكت " رواه الشيخان .
ولله در القائل :
ولا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه
كما لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن إعطاء المريض تقريراً طبياً عندما يطلب منه ذلك،وفق الشروط المتعارف عليها عند أهل الطب ،وبما أن التقرير من أنواع الشهادة قال الله تعالى { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه }،هذا بالإضافة إلى أن الأصل فيه توقيع طبيبين على التقرير كما هو الحال في الشهادات عموماً،وقيد الحنابلة إلى جواز الاكتفاء بطبيب واحد في حالة عدم وجود طبيب غيره .
14 . المحافظة على أسرار المرضى :
حفظ أسرار الناس وستر عوراتهم واجب متعين على كل مسلم، وهو على الأطباء أوجب، لأن المريض يكشف أستاره طواعية أمام الطبيب ،فيجب على الطبيب أن يصون أية معلومة صلت إليه وأن لا يشيع أمرها وأن يحيط هذه المعلومات بسياج من الكتمان ،وقال – صلى الله عليه وسلم – : " من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة "
فالأسرار التي يُطّلع عليها بمقتضى المهنة ، كالطبيب والمفتي وأمين السر وغيرهم ،فهؤلاء يجب عليهم كتمان السر إلا إذا أذن صاحب السر بإفشائه،ويستثنى من وجوب كتمان السر الحالات التي يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه،كإبلاغ الجهات المختصة بإصابة المريض بمرض وبائي،أو إبلاغ الزوجة أنه مصاب بمرض جنسي يؤدي إلى الموت كالإيدز مثلا .
15 . عدم الامتناع عن علاج أي مريض إلا بمبرر شرعي أو علمي مقبول :(5/7)
لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن علاج أي مريض إلا بمبرر شرعي أو علمي مقبول ، ولا يجوز له أن يصف له دواء إلا إذا غلب على ظنه بفائدته،وأن يمتنع أن يعطي مرضاه العلاجات المحرمة شرعاً كالإجهاض وغيره من الممارسات المحظورة، إلا لضرورة معتبرة شرعاً .
وإذا قام الطبيب بتحرير وصفة طبية فعليه أن يراعي الأمور الآتية :
- تحرير الوصفة بخط واضح منعا للالتباس وتجنبا لوقوع الصيدلاني في الخطأ
- على الطبيب أن يشرح للمريض كيفية استخدام الدواء وفترة الاستعمال والتأثيرات الجانبية التي قد تظهر من جراء استخدام الدواء .
- يستحب الاحتفاظ بصورة من الوصفة الطبية في ملف المريض أو تدوين الأدوية في ملف المريض .
- لا يجوز وصف دواء محرم كالمخدرات وغيرها إن كان هناك بديل مباح وحلال .
- لا يجوز للطبيب أن يصف دواء غير لازم للمريض ، لأن هذا من الغش الذي نهانا عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - .
- مراعاة القواعد العلمية المتعارف عليها في التداوي عند أهل هذه المهنة .
16 . عدم استغلال منصبه لمصالحه الشخصية :
يجب على الطبيب تقوى الله وأن لا يسلك سلوكا مخل بالشرف والأمانة ، وأن يحذر من الوقوع في علاقات آثمة مع مرضاه ،وأن يبتعد عن كل عمل يخالف شرف المهنة ،وأن لا يستغل منصبه من امتيازات من أجل منافع شخصية .
17 . عدم كتمان العلم :
ينبغي على الطبيب أن ينشر العلم بيم الناس لتعليمهم القواعد الصحية التي تقيهم بإذن الله من الأمراض ، فلا يجوز له أن يكتم العلم عن الناس فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة " .
قلت : وهذا الوعيد في العلم الذي يتعين على الطبيب تبليغه كأن يرى الطبيب مريضاً جاء مستفتياً في أمر ضروري يتعلق فيه مصلحة للمريض ،وليس في نوافل العلم الذي لا ضرورة للناس إلى معرفته .(5/8)
ويجوز للطبيب كذلك أن يكتم بعض العلم في بعض الأحوال أو عن بعض الأشخاص للمصلحة الشرعية، كما كتم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بعض الصحابة حديث معاذ " لا تبشرهم فيتكلوا " في فضل كلمة التوحيد ، خشية أن يتكلوا عليه،ونظير ذلك إذا رأى الطبيب شاباً في مقتبل العمر وسأل عن مضار العادة السرية على سبيل المثال ،وكان في اعتقاد الطبيب أن العادة السرية من الناحية الطبية لا تسبب ضرراً صحياً على من يمارسها ، ولكن يغلب على ظن الطبيب أن الشاب يفعلها فهنا يجوز بل قد يستحب كتمان ذلك على المستفتي ، والله أعلم .
18 . عدم التوسع في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات :
لا يجوز للطبيب أن يتوسع في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ،فالنظر إلى عورة المريض للضرورة معتبر في شرع الله،ويجوز كذلك مس العورة بقدر الحاجة ودون تجاوز ، فمتى انتهى الطبيب من الفحص حرم عليه النظر أو اللمس بعده إلا لضرورة أخرى لاحقة ،تطبيقاً للقاعدة الفقهية " ما جاز لعذر بطل بزواله " ، وليتذكر الطبيب قوله تعالى { وقفوهم إنهم مسئولون } وأن يتذكر قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }
19 . يحرم على الطبيب أن يهدر حياة المريض ولو بدافع الشفقة :
لا يجوز للطبيب أن يهدر حياة المريض بدافع الشفقة ، لأنه قتل للنفس التي حرم الله ،فحياة الإنسان محترمة مصونة في كافة أدوارها ،فلا يجوز للطبيب أن يساعد على إنهاء حياة المريض بأي حال من الأحوال ، كقتل مريض ميئوس من شفائه بحجة تخفيف آلامه والشفقة عليه ، حتى لو كان ذلك بناء على طلب المريض أو ذويه ،ففي صحيح البخاري (3463) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة " .
20 . مصارحة المريض بعلته بحكمة ولطف :(5/9)
على الطبيب أن يصارح المريض بعلته إن طلب المريض ذلك ، وأن تكون المصارحة مبنية على الحكمة في القول واختيار أعذب الألفاظ ،وذلك باستخدام العبارات المناسبة، فيخاطب كلاً على قدر شخصيته ومستواه العقلي ،وعليه أن يتلطف لمرضاه،ويعمل على تذكير المريض بربه ومولاه وخالقه ،وأن يوثق رباطه بالله حتى يهون عليه مرضه وتطمئن نفسه ،ومتى كان الطبيب على هذا المنهج فإنه دائماً يتذكر قول الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم - : " من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة " .
21 . التنفيس عن المريض ومعاملته بالحسنى :
رغب الشارع في قول الخير لأن فيه تذكيراً بالله عز وجل ،فينبغي على الطبيب أن ينفس على مرضاه وأن يبتسم في وجوههم لقوله – صلى الله عليه وسلم : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " ،وأن يخفض صوته عند مخاطبة المريض لقوله تعالى { واغضض من صوتك } أدبا مع المرضى والناس ،فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة لما اختص بذلك الحمار إذ أن رفع الصوت على الغير سوء في الأدب وفيه عدم احترام الآخرين .
22 . نداء المريض باسمه :
من الآداب الإسلامية الرفيعة هي نداء الناس بأحب الأسماء إليهم ،وهو نوع من التقدير والاحترام ،فينبغي على الطبيب عدم تجاهل اسم المريض ، فلا يستحب الإكثار من إيراد ضمير المخاطب في مخاطبة المريض كأن يقول : شكوت أو قلت أو تكلمت ، فهذا مما ينافي الأدب ، فالمرء يفرح ويحب إذا سمع تردد اسمه من الآخرين ، وبهذا يستطيع الطبيب أن يكسب قلوب مرضاه ويحببهم إلى نفسه .
23 . عدم الإكثار من المزاح مع المرضى :(5/10)
رغم أهمية المزاح وحاجة المرضى إليه الترويح عن أنفسهم فإنه لا ينبغي للطبيب أن يكثر منه ،والاعتدال والتوسط فيه هو الخير فلا إفراط ولا تفريط ، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : " من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استخف به ، ومن أكثر من شيء عرف به ،ومن كثر كلامه كثر سقطه ،ومن كثر سقطه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه "
فعلى الطبيب أن يعتدل في هذا الأمر وأن يبتعد عن البذيء من القول والفاحش من الكلام ليكسب قلوب مرضاه ويحوز على ثقتهم .
24 . لا يجوز للطبيب إجراء تجارب علمية على المريض إلا بشروط :
لا يجوز للطبيب إجراء أي بحث علمي فيه مخالفة شرعية ، فلا يجوز مثلا تجريع الخمرة لإنسان بقصد معرفة أضرارها ،لأن الخمر محرمة بنصوص قطعية وتحريمها من المعلوم من الدين بالضرورة، كذلك لا يجوز إجراء التجربة إلا بعد الحصول على موافقة المريض الشخصية ،ولا يجوز استغلال حاجة المريض المادية كالفقراء أو استغلال الوضع الاجتماعي للمريض كالمسجون أو المجنون ،كما يجب عليه أن يعرّف المريض بمراحل البحث وطبيعة التجارب والأخطار المتوقعة دون تدليس أو خداع .
25 . المحافظة على العلاقات الطيبة مع إخوانه الأطباء :
من منطلق قوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة } فإن الطبيب أخ لكل طبيب وزميل له في هذه الرسالة الإنسانية المباركة ،فينبغي أن يسود بينهم الحب والتعاون على البر والتقوى مصداقا لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فيجب على الطبيب أن يعامل زملاءه كما يحب أن يعاملوه امتثالا لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
26 . ترك التحاسد والتباغض فيما بين الأطباء :(5/11)
الطبيب أخو الطبيب يوقر حضرته ويحفظ غيبته ، ويتجنب إساءته ويقدم له العون والنصح والمشورة كلما دعت الحاجة ،ولا يأكل لحمه،ولا يكيد له ولا يحقد عليه، ولا يتبع عورته،فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " ،كما قال – صلى الله عليه وسلم - : " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً " .
27 . استشارة إخوانه الأطباء في الحالات التي تستدعي ذلك :
ينبغي على الطبيب ألا يتوانى عن استشارة إخوانه الأطباء إن حيره أمر ما ، أو داخله شك معين في طلب المشورة تحقيقاً لمصلحة المريض،كما يجب عليه أن يقدم مشورته بصدق وأمانة ودون تردد إذا ما طلب منه ذلك مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " الدين النصيحة " وقوله – صلى الله عليه وسلم - : " المستشار مؤتمن " .
28 . عدم انتقاد الأطباء الآخرين أمام المرضى :
لا يجوز للطبيب أن يكثر الحديث عن نفسه فيذكر محاسن عمله ودقة إنجازاته وأعماله ، وبالمقابل ينتقص من إخوانه الأطباء دون مقتضى شرعي،حتى يجتذب المرضى الذين يعالجون لدى زميله ، أو على أقل تقدير يصرفهم عنه بظلم وعدوان ،فالنفوس البشرية لا تميل إلى الذي يصرف وقته في ذكر منجزاته،خاصة إذا كان عمله الحقيقي لا يدلل عليه ، وقال زهير بن أبي سلمى :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،
http://saaid.net/tabeeb/33.htm(5/12)
الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب
دكتور/ عبد الرحمن شيخ أمين- دكتور/ أحمد القاضي
الولايات المتحدة
لقد عرف الأطباء المسلمون مثل الرازي وابن سينا الطب على أنه الفن المتعلق بحفظ الصحة ومقاومة المرض وإعادة الصحة للمريض، وقد شهد العالم لقرون طويلة تقدم الأطباء المسلمين الهائل في مجال العلوم الطبية واستفاد من ذلك أيما فائدة ولم يكن هذا التقدم قائما على المهارة أو الذكاء فحسب بل كان يعتمد بنفس الدرجة على الفهم الواضح للطبيب السلم لدوره مستمدا من تعاليم الإسلام وفلسفته.
ومنذ آلاف السنين عرفت الأخلاقيات والآداب على أنها شرط أساسي لتكوين الطبيب . ومع أن القوانين القديمة لآداب المهنة أكدت على هذه الحاجة إلى حد ما إلا أنها كانت ناقصة وتحتوي على أخطاء جسيمة . أما الدساتير الحديثة للآداب المهنية فتتجه إلى أن تكون أكثر تحررا وأقل تقييدا . أما الآداب القرآنية فإنها تبرز كنموذج فريد لبشرية جمعاء لكل المهن والأعمال وفي كل الأزمنة والعصور.
إن الآداب الطبية المقترحة في هذا المقال مشتقة أساسا من الآداب القرآنية فهي تشمل إرشادات لسلوك الطبيب ومواقفه على المستوى الشخصي والمهني. كما أنها تحدد سلوك الطبيب في حياته الخاصة وأثناء مزاولة عمله المهني. إن الإنسان الذي يفتقر إلى القيم الخلقية في حياته الخاصة الأ يمكن أن يؤتمن في أنشطة مهنية ولو كانت لديه أعلى المؤهلات العلمية، والتقنية .(6/1)
فمن الصعب على الإنسان أن يكون له مستويان مختلفان في الأخلاق وصدق الله العظيم إذ يقول: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) (4/43). إن الآيات التالية من القرآن الكريم لهي أنسب ما يمكن أن يسترشد به الطبيب في خصائصه الشخصية. (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير. وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بها كنتم تعملون. يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أينكر الأصوات لصوت الحمير) (31/ 19).
ويقول تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (3/ 134) ثم يذكر القرآن الكريم بعد ذلك: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (3/ 159).
وعاد هذا الأساس فالطبيب المسلم يجب أن يؤمن بالله تعالى ويلتزم بما أنزل من الهدى والتعاليم الاسلامية سواء في حياته الخاصة أو العامة. ويجب أن يكون بارا بوالديه ومعلميه ويوقر المسنين، ويكون متواضعا رحيما صبورا شديد التحمل كما يتبع الصراط المستقيم ويسأل الله دائما العون والتوفيق.
فالطبيب المسلم بالخصال السالفة الذكر يستوفي كل المتطلبات المهنية. ومن أهم المتطلبات المهنية إن يكون قوي المعرفة بعلمه، والله تعالى يوضح ذلك صراحة في القرآن الكريم بقوله:(6/2)
(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (39/ 9)
ويقول تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (35/ 28)
وعلى ذلك فالمسلم مطالب دائما بالبحث عن المعرفة:
(وقل رب زدني علما) (25/ 114)
وعلى الطبيب أن يلتزم بالقواعد القانونية التي تنظم المهنة شريطة آلا تخالف تعاليم الإسلام. واحترام القانون والنظام يستمد من الآية الكريمة:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (4/ 59.
وباستشعار الخالق مالك الملك رب الطبيب والمريض يظل الطبيب ملتزما بأن العناية التي يوفرها لمريضه لا بد أن تتمشى مع تعاليم الله تعالى.
ومن الأمور الهامة موضوع الحياة الإنسانية. فالله هو الذي يهب الحياة، ولا يحق لأحد أن يسلبها سواه عز وجل أو بأمره تعالى. كما يقول في القرآن الكريم: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم أحسن عملا) (2/67) ويقول تعالى: (ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) (3/25) كما يقول عز وجل: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (5/ 35).
فليس للطبيب الحق إذن في إنهاء حياة آدمية تحت رعايته، وذلك ينطبق أيضا على الجنين الذي لم يولد بعد حيث أن الأدلة الواضحة تشير إلى أن الحياة الإنسانية تبدأ منذ الإخصاب لذا فليس للطبيب الحق في إنهاء حياة الجنين ما لم يشكل خطرا أكيدا على حياة الأم.
وعلى الطبيب أن يدرك أن الله تعالى يراقبه ويسجل عليه كل ما ينوي ويفعل، كما يتضح من الآيات التي استشهدنا بها من سورة لقمان، وهذه الآيات تنبهنا ألا نطيع أوامر الوالدين إذا كان فيها معصية لله تعالى رغم أن الوالدين هما أكثر ما يجب أن يهتم به الأبناء بعد الله عز وجل. وتطبيقا لهذه القاعدة فليس للطبيب أن ينصاع لرغبات الجمهور أو رغبات المريض إذا كانت مخالفة لأوامر الله. وليس للطبيب أن يصف لمرضاه أو أيعطيهم أي مادة مخدرة انطلاقا من المنطق السليم وتعاليم الإسلام الواضحة.(6/3)
إن البيان المجمل الوافي في هذا الأمر نجده في الآية الكريمة: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (157/7) وهذا يستلزم أن كل شئ حرمه الله لا بد أن يكون ضارا أو سيئا، وكل ضار أو خبيث لا بد أن يكون محرما إن الجانب الإنساني للمهنة الطبية لا يجوز إهماله أو التغاضي كنه، فهذه لمسة جميلة من كتاب الله تعالى:
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)
(76/ 8- 9).-
وعندما توكل إلى الطبيب مهمة العناية بمريض فعليه أن يقدم له النصيحة الخالصة، وأن يراعي حق النفس والبدن ويتذكر دائما التزامه بأن يقر ما هو حق وينهي عما هو باطل.
وتطبيقا لوصف الله تعالى للمؤمنين يجب على الطبيب أن يستر أسرار مريضه وخصوصياته (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) (/ 8)
وعلى الطبيب أن يتبع أسلوبا مناسبا في التخاطب ويتذكر دائما آداب الحديث التي وردت في الآيات الكريمة التي استشهدنا بها من سورة لقمان. والله تعالى يصف خيار المؤمنين في القرآن بقوله:
(وهدوا إلى الطيب من القول) (/ 24)
أما المواقف التي تتطلب من الأطباء فحص الجنس الآخر فإنها اختبار للقيم الخلقية والصلابة. وهناك تعليمات أساسية في القرآن الكريم نوردها فيما يلي:
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) (30/ 31)
كما يقول تعالى.
(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (4/ 28)
لذا ينصح الطبيب أن يفحص مرضاه من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث طالما كان ذلك ممكنا ففي ذلك وقاية لكل من الطبيب والمريض.
ولا يجوز للطبيب أن ينتقد طبيبا أخر أمام المريض أو أعضاء المهنة الطبية متذكرا توصية القرآن الكريم:(6/4)
(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم. ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهم ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) (/ 11)
كما يقول تعالى:
(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) (148/4) وعلى الطبيب أن برفض الأجر عن علاج طبيب آخر أو أفراد أسرته. وفي الحقيقة ليس هناك تعاليم محددة في هذا الأمر في الكتاب والسنة ولكننا نشير إلى موقف مماثل قد يتخذ كمثال وهو أوجه الزكاة حيث يقول تعالى.
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) (/ 60).
فهنا موقف يحق فيه للشخص الذي يقدم خدمة معينة أن يستفيد من نفس الخدمة وقت الحاجة. فالطبيب الذي يقدم الخدمات الصحية لغيره أن يستفيد من نفس الخدمات في وقت الحاجة.
وأخيرا وليس آخر على الطبيب أن يتوخى الحكمة دائما في كل قراراته فإن ثوابه سيكون عظيما. يقول تعالى:
(ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) (2/ 269)
وفي الختام أود أن أشير إلى قسم الطبيب المسلم الذي تبنته الجمعية الطبية الاسلامية بأمريكا الشمالية عام 1977 والذي يعكس الفلسفة والروح الممثلتين في الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب المعروض في هذا المقال. وخلاصة القول أن الطبيب المسلم:
- يجب أن يؤمن بالله وبتعاليم الإسلام وسلوكياته في حياته الخاصة والعامة.
- وان يكون عارفا لجميل والديه ومعلميه ومن هم أكبر منه.
- وان يكون بسيطا متواضعا رقيقا رحيما صبورا متحملا.
- وان يسلك الطريق المستقيم ويطلب من الله دوام التوفيق.
- وان يظل دائما على دراية بالعلوم الطبية الحديثة وينمي مهارته باستمرار طالبا العون عندما يلزمه ذلك.
- وأن يلتزم بالقوانين التي تنظم مهنته.
- وان يستشعر أن الله هو الذي يخلق ويملك جسد المريض وعقله فيعامل المريض في إطار تعاليم الله متذكرا أن الحياة هي هبة الله للإنسان، وان الحياة الآدمية تبدأ من لحظة الإخصاب ولا يمكن سلبها إلا بيد الله أو برخصة منه.(6/5)
- ويتذكر أن الله يراقب ويسجل كل فكر أو عمل.
- وأن يتبع أوامر الله كمنهج وحيد حتى لو اختلفت مع متطلبات الناس أو رغبات المريض.
- وألا يصنع أو يعطي أي شيء ضار.
- وان يقدم المساعد5 اللازمة دون اعتبار للقدرة المادية أو أصل المريض نفسه
- وأن يقدم النصيحة اللازمة للجسم والعقل.
- وأن يحفظ سر المريض.
- وأن يتوخى الأسلوب المناسب في التخاطب.
- وأن يفحص المريضة من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث ما تيسر ذلك.
- وألا ينتقد زملاءه الأطباء أمام المرضى أو العاملين في الحقل الطبي.
- وأن يسعى دائما تبني الحكمة في كل قراراته.
قسم الطبيب المسلم
الحمد لله رب العالمين العلي العظيم الواحد العليم الق الكون ومعلم الناس أجمعين له الدوام أبد الآبدين لا نعبد إلا إياه … إن الشرك لظلم عظيم .
اللهم ارزقني القوة لأكون صادقا … أمينا .. متواضعا .. مخلصا .. رحيما .. وهب لي الشجاعة لأقر بذنبي وأصلح خطئي وأعفو عن هفوات غيري … وأعطيني الحكمة لأريح غيري وأقدم النصح الداعي للسلام والوئام … وامنحني الإدراك بأن مهنتي مقدسة … تمس أعز ما وهبته للإنسان وهو العقل والحياة . واجعلني يارب جديرا لهذا الموقف المتميز بالشرف والكرامة والتقوى حتى أهب حياتي لخدمة البشر… فقراء وأغنياء.. حكماء وجهلاء … مسلمين وغير مسلمين … بيضا وملونين … متحليا بالصبر والتسامح .. بالفضيلة والوقار والعلم ومراقبة النفس … وأملأ قلبي بالحب والرحمة لعبادتك فهم أعزمخلوقاتك … وها أنذا أقسم باسمك الكريم يا خالق السماوات والأرض … أن ألتزم بما أنزلته على رسولك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم … أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا… ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا :.
http://islamset.com/arabic/aethics/shek.html(6/6)
قواعد وآداب في مزاولة الطب في التراث الإسلامي
الدكتور/ محمد ناظم النسيمي
حلب- الجمهورية العربية السورية
مختصر البحث
قصدت في هذا البحث أن أجمع فيه ما ورد في تعاليم الإسلام وآدابه، وأقوال علمائه، إضافة إلى ما ورد عن الأطباء في عهود الحضارة الاسلامية العربية مما يتعلق بقواعد مزاولة الطب وآدابها، ليكون ذلك مساعدا في وضع مشروع لقواعد وآداب تتمشى مع تعاليم الإسلام.
ولا غرو أن نرى في الأحاديث النبوية شيئا يتعلق بمزاولة الطب لان تنظيم هذه المزاولة من مهام الدولة، والرسول العربي عيه الصلاة والسلام هو أول مؤسس لدولة إسلامية عربية.
تتألف هذه القواعد والآداب من الخبرة بالطب، والترخيص بمزاولته والالتزام بالآداب المسلكية وبالأحكام الاسلامية المتعلقة بها.
. وفي مخالفة الكثير منها مسؤولية طبية. أنهى البحث بالتكلم عنها.
ا- الخبرة بالطب:
تتألف، هذه الخبرة من الكفاءة العلمية والمران، وهما شرطان في مزاولة الطب لأنهما الأساس في التشخيص الصائب واختيار الدواء الملائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، يا عباد الله تداووا فان الله عز وجل لم ينزل داء إلا انزل له شفاء علمه من علمه وجهله هن جهله " (1) وفي هذا الحديث تشجيع للبحث العلمي واكتشاف الأدوية الفعالة النوعية، وتنبيه للطبيب إلى زيادة معارفه الطبية والاطلاع على المكتشفات الحديثة فيما يتعلق بالتشخيص والمعالجة، لان الإصابة فيهما تؤدي إلى الشفاء بإذن الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام: "إن لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله) (2)
ولقد نبه " الرسول صلى الله عليه وسلم في التداوي بالرجوع إلى أهل الخبرة بالطب، وحذر المدعين بأنهم ضامنون لما ينجم من أضرار نتيجة جهلهم أو تعديهم في الصنعة فقال: "من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن " (3)
الترخيص بمزاولة الطب:(7/1)
لم تكن مزاولة الطب خاضعة للترخيص من قبل الدولة وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمر الأمر كذلك في عهود فجر الإسلام واكتفى بتضمين الجاهل والمتعدي في المزاولة.
ولقد "ترك الإسلام لأولى الأمر حق التنظيم وأوجب طعم الطاعة في غير معصية ولذا أقدم الخليفة العباسي المقتدر بالله سنة 319 هـ على منع سائر المتطببين من التصرف إلا من أمتحنه الطبيب سنان بن ثابت بن قره فسبق الخليفة بذلك سائر الدول.
ولقد كان أيضا أمين الدولة هبة الله بن التلميذ عميدا لأطباء بغداد يتولى امتحان الأطباء في العراق (5).
خ- الآداب الطبية :
لقد حافظ أطباء الحضارة الاسلامية العربية على تعاليم ابقراط في ميثاقه وبدء كتابه الطب، وادخلوا عليها بعفو التحسينات. فابن رضوان عميد أطباء القاهرة علق على تعاليم ابقراط وقال: الطيب على رأي ابقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال:
الأولى: إن بكون تام الخلق، صحيح الأعضاء، حسن الذكاء، جيد الرؤية، عاقلا، ذكورا، خير الطبع.
الثانية: أن يكون حسن الملبس، طيب الرائحة، نظيف البدن والثوب.
الثالثة: أن يكون كتوما لأسرار المرضى، ولا يبوح بشيء من أمراضهم.
الرابعة: أن بكون رغبته في آراء المرضى أكثرمن رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء اكثر من رغبته في علاج الأغنياء.
الخامسة: أن يكون حريصا على التعليم والمبالغة في منافع الناس.
السادسة: أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق اللهجة لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الاعلاء فضلا عن أن يتعرض إلى شيء منها
السابعة: أن يكون مأمونا ثقة على الأرواح والأموال، ولا يصنع دواء قتالا ولا يعلمه، ولا دواء يسقط الأجنة، يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه (6).(7/2)
إن المتأمل لتلك الخصال يرى إنها- فيما عدا كونه تام الخلق صحيح الأعضاء خصال إنسانية وردت في تعاليم الإسلام أيضا، منها على سبيل الاستحباب ومنها على سبيل الفرض ليتصف بها كل مؤمن. ولا يتسع المجال لذكر النصوص الاسلامية في ذلك.
أما نصهم على الصفات الجسمية وحسن الملبس فلأن استكمالها في الطبيب أدعى لثقة المريض به. ولذا تجري وزارة الصحة في العصر الحديث- من قبل ممثلها مقابلة مع الطبيب للحكم بلياقته البدنية لمزاولة المهنة قبل إعطائه الترخيص.
ومن الآداب الاسلامية التي يحتاج إليها الطيب أيا كانت ديانته إضافة للخصال السابقة أذكر
ما يلي:-
ا- القيام بالإسعاف نهارا وليلا على قد ر الإمكان تفريجا للكربة.
2- التلطف بالمريض والحلم في استجوابه وتفهيمه مراعاة لحالته النفسية ووضعه الثقافي.
3- اللباقة في تعريف المريض بمرضه، ومحاولة تطمينه ورفع معنوياته، وكتم الإنذار بالخطر عنه وإعلامه إلى ذويه الاقربين.
4- الدعاء للمريض وهو نوع من مواساة المريض بالكلمة الطية.
5- الحالة المريض إلى أخصائي أو عمل لجنة طبية استشارية ذا كان الأمر يستدعي ذلك قياما بالأمانة والنصيحة المطلوبين شرعا.
6- إذا التقى عده أطباء عند مريض فليقدم أحدهم من هو أعلى مرتبة في الطب إن علم وإذا تقاربوا في المرتبة فليتقدم أكبرهم سنا.
7- الابتعاد عن الغيبة، وخاصة غيبة الزملاء وتجريحهم، فالغيبة مذمومة إنسانيا ومحرمة في الإسلام.
د- احترام أحكام الشريعة الاسلامية في المزاولة:
إن الآداب الإسلامية السابقة عامة تشمل كل الأطباء وان اختلفت عقائدهم. وهناك أحكام وآداب للشريعة الاسلامية على الطبيب المسلم آن يلم بها وأن يحترمها في مزاولته المهنة، وعلى الطيب أيا كان أن يراعيها لدى فحصه المسلمين والمسلمات.(7/3)
1- أن يبدأ المعاينة والوصفة وتطيق المعالجات والمداخلات الجراحية ووسائل التشخيص المخبري والشعاعي بقول " بسم الله " أو " بسم الله الرحمن الرحيم " وذك قبل كشف العورة إذا اضطر للكشف.
2- أن لا يكشف من العورة إلا بقدر ما تستدعيه المعاينة لان الضرورات تقدر بقدرها.
3- أن لا يصف دواء من المحرمات لغير ضرورة. والمحرمات في الإسلام ذات أضرار على صحة الإنسان البدنية أو النفسية أو الاعتقادية. ومن المعلوم أن الطبيب يفضل اللجوء إلى الدواء الخالي من التأثيرات الجانبية إلا عند الضرورة حيث يفقد الدواء الأمثل ويكون ضرر المرض أشد من ضرر الدواء ذي التأثيرات الجانبية فيعطي هذا مع المراقبة والحذر
4- أن لا ينهي حياة مريض ميئوس من شفائه متعذب من آلامه بأي واسطة، بل يساعده في تخفيف آلامه وتهدئة نفسه حتى يأتي أجله المحتوم (8).
5- أن لا يقوم بتعقيم نهائي لغير ضرورة صحية ميئوس من زوالها.
6- أن يستند إلى معارفه الطبية والى وضع المريض الصحي العام والى فن المداواة والى تقوي الله في فتواه للمريض بالفطر في شهر رمضان. فهناك أمراض تستفيد من الصيام، وهناك أمراض لا تتأثر منه، وهناك أمراض تستدعي الإفطار (9).
7- أن تراعى تعاليم الإسلام في فحص الجنس للجنس الآخر كما هو موضح فيما يلي من بيان:
هـ-: تطبيب الجنس للجنس الأخر:
أفردته بالذكر مع انه تابع للبند السابق لاتساع المقال حوله من تراثنا الإسلامي والأصل في تعاليم الإسلام عدم جواز معاينة ومداواة الرجل المرأة غير المحرم أو العكس لوجود النظر والجس فيهما. ويستثنى من ذلك حالات الضرورة كعدم توفر طبيبة تثق المريضة أو ذووها بمهارتها أو طبيبة كاختصاصي الطبيب المعالج لها إذا كان مرضها يتطلب اختصاصا، أوان معارك الجهاد تحتاج إلى توفير الرجال للقتال والى فتح المجال أمام النساء لتمريض الرجال أو معاينتهم ومداواتهم، والقاعدة الفقهية تقوله: الضرورات تبيح المحظورات.(7/4)
وتقد ر الضرورة بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس وغير ذلك والطبيب المسلم الملتزم يقد ر ذلك مع البعد عن الوقوع في العسر أو الحرج.
وفي نصوص الأحاديث النبوية الثابتة ما يفيد جواز تطيب المرأة وتمريضها الرجل الأجنبي وفي حالات الضرورة (10).
ولتوفير الرجال للقتال تطوعت الصحابيات في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم لخدمة المجاهدين وتمريضهم ومعالجة جرحاهم (19)، وكيف لا يتطوعن وهن يرين رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه فآيتهن تخرج سهمها خرج بها في غزوته (62).
ومن الواجب وجوب ثالث عند فحص الطبيب للنساء (وبالعكس) تجنبا للخلوة بهن (13) ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخير المتطوعة للتمريض في الغزوة بين أن تكون في رفقة نساء قومها أو عشيرتها وبين أن تكون في رفقة أم المؤمنين التي وقعت القرعة على خروجها معه عليه الصلاة والسلام (14/.
على أنه في الحالات الاسعافية يجوز للجنس معالجة الجنس الآخر بغض النظر عن وجود ثالث فان الضرورات تبيح المحظورات.
ولقد اشتهرت في العهد النبوي رفيدة الأنصارية أو الاسلمية بمداواة الجرحى وكانت تحتسب بنفسها على خد مة من كانت به ضيعة من المسلمين، ولقد جعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة كمستشفى عسكري في مسجده الشرين لمعالجة الجرحى في معركة الخندق (15).
ولقد امتازت بعض النساء في تاريخنا بالطب: ففي أيام الأمويين اشتهرت زينب طبيبة بني أود بمعرفتها في طب العيون وفي الأندلس كانت أخت الحفيد أبي بكر بن زهر وابنتها عالمتين بصناعة الطب والمداواة ولهما خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء.
و- أجرة الطبيب.
ا- انو كسب الطبيب من مزاولة الطب من المكاسب الحلال في شرعة الإسلام أيضا ولو كانت المعالجة حجامة (18) أو نفسية روحية (61) ما لم يلابس الأمر دجل أوتعد في الصنعة.(7/5)
وأرى إن التعريفة المنصفة ذات الحدين هي من حق ولاة الأمر عندما توضع لدفع الجشع ولتأمين المعاينة لسواد الشعب خاصة عندما يشيع الضعف في الالتزام بتعاليم الإسلام.
2- أما اشتراط الأجر على البرء ويسميه الفقراء بالجعل فقد اختلفوا في منعه وجوازه (20).
ز- المسؤولية الطبية:
ينشأ عن مخالفة الكثير من قواعد وآداب مزاولة الطب مسؤولية طبية تجاه كل مخالفة. وان المستند الأول للفقهاء هو الحديث الشريف:
" من تطبب ولم يعلم منه الطب فهو ضامن ".
ولقد لخص الحكم الفقهي الفقيه الطبيب الفيلسوف ابن رشد القرطبي الحفيد فقال: أما الطبيب وما أشبه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس، والدية على العاقلة (يعني العصبة) فيما فوق الثلث وفي ما له فيما دون الثلث.
وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على العاقلة (21).
. ولقد فصل ابن قيم الجوزية في الأحكام لأنها تختلف بين أن يكون الطبيب حاذقا لما أقدم على معالجته من أمراض أو غير حاذق، وتختلف بين حال عدم ارتكابه خطأ مهنيا وبين حال ارتكابه، وتختلف بين وجود إذن من المريض أو وليه أو عدم وجود إذن (22).
واقترح أن يتحمل صندوق نقابة الأطباء أو صندوق التعاون ضمان ما ينتج عن خطا غير مقصود وغير ناتج عن تقصير، أما بدون اشتراط إعسار الطيب أو باشتراطه.
أما المخالفات الأخرى لقواعد وآداب مزاولة الطب فمتروك تحديد جزائها وعقوباتها إلي أولى الأمر.
هذا ويحتاج موضوع المسؤولية الطبية وسر المهنة إلى الدراسة الوافية والتفصيل من قبل هيئة مؤلفة من خيرة فقهاء المذاهب في الدول الاسلامية، ومن أطباء نقابيين وآخرين ممثلين لوزارات الصحة.
وختاما أتتقدم بالشكر الجزيل لوزارة الصحة في دولة الكويت، وللذين عملوا في التحضير لاقامة هذا المؤتمر وإنجاحه، ولمن رعوه فأتاحوا للباحثين تقديم ثمرات جهودهم.(7/6)
وآمل أن يكون بحثي هذا مساعدا في وضع مشروع لقواعد وآداب تتمشى مع تعاليم الإسلام، كما آمل أن تسعى الدول الاسلامية والعربية إلى توحيد قانون مزاولة المهن الطبية
http://www.islamset.com/arabic/aethics/nazem.html(7/7)
تعرض لنا أثناء عملنا بعض القضايا الطبية والتي تحتاج إلى مهارة في علم الطب وحذق في الصنعة وكلاهما يمكن تعلمه واكتسابه من المراجع الطبية الغربية وهي كثيرة
لكن هناك مسائل حرجة تعرض للطبيب المسلم والطبيبة المسلمة ويحتاج فيها إلى قاعدة فقهية شرعية أو خلفية تتعلق بالشريحة الاجتماعية التي هومنها ..وهذه تصبغ معالجة هذه الأمور بصبغة خاصة تجعل الحاجة ماسة وكبيرة إلى مراجع طبية خاصة بنا.
ومن هنا أصبح لزاما علينا أن نبدأ بالطبيب المسلم لنضع بين يديه هذه الحروف والتي قد تكون بداية الحوار من أجل الوصول إلى هدف كبير طالما تمنيناه.. وهو تعليم الطب الإسلامي بقواعده الفقهية المنظمة للطب والطبابة.. وهذا ما يحتاجه طالب الطب من أول سنة في الدراسة لينشأ على علم وفقه وليكون متخصصا منفردا ملما بالقواعد التي تجعل هناك فرق يبن أي طبيب في العالم وبين الطبيب المسلم عندنا.
خصائص الطبيب المسلم:
هناك مواصفات عامة مطلوبة في الطبيب والطبيبة أيا كان الجنس أو المنشأ.. لكن الطبيب المسلم ينفرد بخصائص معينة لا توجد إلا في أفراد المجتمع المسلم.. وهذه تتلخص في التالي:
(1)الأيمان:
الطبيب المؤمن قادر على استشعار الحقائق الإيمانية.. وقادر أكثر على تلمسها في نفس المريض.. ليس هذا فحسب.. لكن الإيمان بأن الله كما قال صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء رواه البخاري الإيمان هذا قادر على أن يجعله أكثر قناعة بعلمه.. وأكثر ارتباطا بالمتغيرات العلمية المذهلة ومواكبة أي متطورات بنفس خالصة.. تستشف الأحداث بمنظور إسلامي بحت.
(2)الإخلاص:
مرجع الطبيب المسلم في كل أموره مرتبط بالعقيدة.. وهو في هذا يؤمن أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه رواه البيهقي.. لذا تجد الضمير الإنساني المسلم ضميرا يقظا في مجمله يعطي الصنعة حقها طلبا للأجر عند الله .
(3) مراقبة النفس وتقوى الله في السر والعلانية:(8/1)
كثير من التداخلات الطبية يمكن أن تتم وتحدث وينتج عنها الكثير من المضاعفات الطبية والتي يمكن أن تعرف أو لا تعرف للمريض ومن حوله.. هنا يختلف الضمير الإنساني عند الطبيب أو الطبيبة المسلمة لأنهما يؤمنان بالله بأنه مطلع على الأفئدة وقادر على العقاب.. لذا يجيء الحساب من هنا من الداخل من ذاك الضمير القابع في الصدور. {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}البقرة: 235.
(4)الخلق الإسلامي في التعامل:
- الرحمة: يقول النبي صلا يحل لمسلم أن يروع مسلما
وهنا ينبغي الرفق بالمريض، والحذر في طرح المعلومة الطبية الناقصة.. وأذكر هنا حالة بسيطة جدا لامرأة مسلمة فاضلة أصيبت بالتهاب مهبلي بسيط وعندما رأتها إحدى الطبيبات قالت لها أنت مصابة بمرض الهربس.. معلومة ناقصة كهذه دون توخي الحرص في التشخيص كفيلة بأن تروع أي نفس إنسانية بسيطة.. وهذا ما ينبغي للطبيب المسلم الاهتمام بمراعاته.
(5)الصدق في القول:
عند الحاجة إلى تدخل طبي معين خاصة في مجال التدخل الجراحي فإن الأمانة العلمية تحتم شرح مضاعفات عمله بكل صدق.. وفي حالة حدوث مضاعفات فإن الصدق والأمانة يرسمهما المنهج الإسلامي بوضوح يقول ص عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر.
(6) كتمان السر:(8/2)
أتذكر يوم كنت طالبة في السنة الأولى بكلية الطب والعلوم الطبية أن معظم التركيز كان على صنع اللبنات الأولى لأخلاقيات الطبيب المسلم وأتذكر دائما أول ماقاله لنا العميد المؤسس لكلية الطب آنذاك الأستاذ الدكتور عبدالله حسين باسلامة حيث قال لنا: على الطبيبة أن تدرك أن كتمان السر أمر مهم حتى إذا رأيت إحدى قريباتك في المستشفى فلا يحق لك أن تقولي لأي كان انك رأيتها هناك فربما كانت تود أن تحتفظ بهذا سرا ...وهذا ما يدعوني دائما إلى أن اعلم طالباتي الشيء ذاته خاصة في مجال النساء والتوليد ... إذ أنه فرع غاية في الحساسية ...وملئ بالمسائل الحرجة والخاصة في حياة المرأة والتي قد ترغب كتمانها حتى عن اقرب الناس لها ... قال –صلى الله عليه وسلم- المستشار مؤتمن ( أخرجه الترمذي وابن ماجة).
و أورد هنا مثال على ذلك:
السيدة (م) في السادسة والثلاثين من العمر وتشكو من ارتخاء في عضلات المهبل مما يؤثر على علاقتها الزوجية ... وتحتاج إلى تدخل جراحي لكنها لا ترغب في أن يعرف أقاربها ما هي طبيعة هذه العملية وما هي شكواها.
هنا تعتبر هذه الشكوى مسألة خاصة و مسألة حرجة ...وواجب الطبيب المحافظة على سر المريضة وعدم إفشاؤه.
وهنا احب أن أورد نص المادة الثالثة والعشرون من اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة الطب، الفرع الثاني ( واجبات الطبيب نحو المريض) .
المادة الثالثة والعشرون:
يجب على الطبيب أن يحافظ على الأسرار التي علم بها عن طريق مهنته ولا يجوز له إفشاؤها إلا في الأحوال التالية:
1. إذا كان الإفشاء مقصود به الإبلاغ عن وفاة ناجمة عن حادث جنائي، أو الحيلولة دون ارتكاب جريمة – ولا يجوز الإفشاء في هذه الحالة إلا للجهة الرسمية المختصة.
2. إذا كان الإفشاء بقصد التبليغ عن مرض سار أو معد.
3. إذا كان الإفشاء بقصد دفع الطبيب لاتهام موجه إليه من المريض أو ذويه يتعلق بكفاية أو بكيفية ممارسته المهنة.(8/3)
4- إذا وافق صاحب السر كتابة على إفشائه أو كان الإفشاء لذوي المريض مفيدا لعلاجه.
5- إذا صدر له أمر بذلك من جهة قضائية .
القسم الطبي الخاص بكلية الطب والعلوم الطبية:
يقوم الأطباء والطبيبات بالادلاء بهذا القسم الطبي الخاص في حفل التخرج كل عام وهوقسم مبني على خصائص الطبيب المسلم
نص القسم:
اقسم بالله العظيم
أن أكون مخلصا لديني ومليكي ووطني
وان أراقب الله في مهنتي في السر والعلن مسخرا علمي لنفع جميع الناس دون إيذائهم أو التفرقة بينهم وان احفظ للناس كرامتهم واسترعوراتهم واكتم سرهم ... وان اوقر من علمني واعلم من يصغرني متعاونا مع زملائي، مثابرا في طلب العلم، جاعلا حياتي مصداقا لإيماني.
والله على ما أقوله شهيد
http://www.muslimdoctor.org/article.php?sid=73(8/4)