منظومة رياض الصبيان
للفقيه الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرَّملي الشافعي
1 الحمد لله ولي الحمد * موفق الخلق لكل رشد
2 على الذي به علينا أنعما* حمدا يعم الأرض طرا والسما
3 ثم الصلاة بعدما قلنا به* على النبي وآله وصحبه
4 وبعد : فالتأديب للصبيان* من أول النشء أتم الشان
5 وقد بذاك صرح الغزالي* بحر العلوم صادق المقال
6 وحث في إحياء علوم الدين* على قيام الأهل بالبنين
7 لأن تأديب الصبي في صغرهِ* زيادة لحظه في كبره
8 ينل بذلك الحظوظ الوافرة * وراحة الدنيا وخير الآخرة
9 فينبغي لكل جد وأبِ * وقيم الحاكم تأديب الصبي
10 وتنهر الأم ولدها بالأبِ * جزراً له عن الخناء واللعب
11 إذ قلبه كالشمعة المقصورةِ * مجوهر يقبل كل صورة
12 وينبغي لهم بأي يعودوا * أولادهم فعل التقى ليسعدوا
13 وأول الأشياء هي الحضانة * لأنه مع أهله أمانة
14 فينبغي إرضاع كل طفل * صالحةً بقولها والفعل
15 تأكل حلالا لا من الحرامِ * فالطبع قالوا تابع الطعام(1/1)
16 إذا خبث رضاعه مال * إلى فعل الخبيث آخراً وأولا
17 وبعد فطمه تجده يشتهي * أكل الطعام دائماً لا ينتهي
18 فعلموه الأكلَ باليمينِ * والبسملة حتماً بكل حين ِ
19 و لا يبادر قبل أكل صاحبه * و يأكل العيش الذي بجانبه
20 ويمضغ اللقمة مضغاً محكما * و لا يسارع أو يوالي اللقما
21 و يأكل اليابس من الطعامِ * تعلماً بحتاً بلا إدامِ
22 حيناًَ فحيناً في العشاء والغداء * كي لا يرى الإدام حتماً أبدا
23 وأن يُجَنِّبَه فنونَ الزينه * و جملة الملابس الرزينه
24 و يكسوه لون بياض القطن * حتى به عن غيره يستغني
25 وإن طلب منقوشاً أو ملوناً * يقول: ذاك للنساء لا لنا
26 لباس أهل الفسق والتخنيث * وأحمق وفاجر خبيث
27 ولا ينعم جسمه بملبسِ * طول المدى ولا فراش أملسِ
28 بل كلما كانت به خشونة * فإنه أخفُّ في المؤونة
29 يصلِّب الأعضا ولا يبالي * بالمشي أو بسائر الأفعالِ
30 و يمتنع نوم النهار قطعاً * خوف الكسل أو يتخذه طبعا(1/1)
31 وإن بدت أمارةُ التمييزِ* بكل فهم فاضل عزيزِ
32 وصار يستحي من الأمورِ * فذاك أوَّل ُبُدُوِّ النورِ
33 هدية من ربه أهداها * عرف بها الأشيا بمقتضاها
34 فذاك أول وقت فهم الطفل * أشرَق بها عليها نور العقل
35 فليزموه الدرس للقرآنِ * فإنه علم عظيم الشان
36 أيضاً وشغل شاغل قلب الصبي * عن كل ما يوجب نقص الأدبِ
37 وإن ضرب معلمُ الصبيان * أ و والدٌ بعضاً من الولدانِ
38 فلا يكن مثل النساء يبكي * ويشتفع بغيره ويشتكي
39 فعادة الشجعان أن لا يذكروا * كل الذي يجري لهم بل يصبروا
40 وراحة الصبيان بعد المكتب* أن يأذن الولي لهم باللعب
41 فإنه عند الصبا محبوب * وقلبه أيضا به يطيب
42 فكثرة التعليم موت القلب * و يُذْهِبُ الذَّكا وبعض اللب
43 فيطلبون للخلاص حيلة* تنجي من التعليم أو وسيلة
44 والرفق في كل الأمور أحسنُ * قالوا بذا وصرحوا وبينوا
45 وبعد ما يُشرِق نور العقلِ * على الصبي يُؤمر بأن يصلياسِِ(1/2)
46 وليلتزم فعل الكرام الأوليا * المتقين الصالحينا الأرضيا
47 ويعتمد جلوسه بينهمُ * حتى يوافق طَبعُه طَبعَهُمُ
48 و ينغرس بقلبه ما يستمعْ * و ينطبع بقلبه ما ينطبعْ
49 ويحتفظ به عن الجهَّالِ * وكل أهل الفسق والضلالِ
50 ومن عُرِِف بالكذب والخيانة * وكل من ليس له أمانة
51 فإن أصل أدبِ الأخيار* حفظ الصبي عن صحبة الأشرار
52 إذ الطباعُ تسرقُ الطباعا * و كل من جالس خبيثاً ضاعا
53 وقد أتى نصٌ عن الرسولِ * بأن طبعَ المرءِ كالخليلِ
54 و يمنعوه كثرةَ الكلامِ * لأنه من عادة اللئامِ
55 أيضاً ومِن أن يبتدي خطابا* إلا يكون قوله جوابا
56 ثم اليمين يمنعوه منها * بتاً دواماً دهره يدعها
57 وجملة الأشعار والأغاني * يُمنعُ منها دائم الزمانِ
58 والبصق والمخاط والتنخمِ * عند الجليس لا عليه يُقدِمِ
59 واللعن والسب و شتم الناسِ * والاختلاطِ بذوي الأدن
60 وليلزموه كثرة التواضعِ * وترك ما بدا له من طمعِ(1/2)
61 وأنه من أعظم الآفات* حكيته نقلا عن الثقات
62 أيضا ومن حب الذهب والفضة * فَحَذِّروه فهو شر آفة
63 من السموم القاتلة حبُّهما* فالرأي تحذير الصبي منهما
64 ويكرم الإخوان بالتأدبِ * وكلَ من عاشره من صاحب
65 وأي يوسع للذي يأتيه * مجلسه الذي استقرَّ فيه
66 ويكرم الواصل بالقيامِ * لأنه من أدب الكرام
67 ويستمع كلام كل عاقلِ * ويحسن الإصغاء لقول القائلِ
68 لا يفتخر بمطمع أو مشربِ * و لا بشيء صار من ملك الأبِ
69 ثم ليعظم غاية الإعظامِ * من كان ذا دِين من الأنامِ
70 والوالدين الكلَّ والمؤدبا * والأقربين نسبة والصاحبا
71 ومن بدا فعل الجميل منه * فينبغي بأن يُجازَى عنه
72 وأن يُجلَّ قدره ويُمدح * بما به من الأنام يَفرَح
73 وإن فعل فعلاً ذميماً سرا * فينبغي أن لا يُعَاقب جهرا
74 ولا يُذم بين أصناف الورى * فإنه يخشى بأن يتجاسرا
75 ولا يبالي بعده بالعذلِ * وبالملام عند كل فعلِ(1/3)
76 بل ينبغي عتابه بحيثُ لا * يظهر عليه أحدٌ من المَلا
77 يقول هذي إن علم عليه * فضيحة ، فلا يَعُد إليه
78 ولا تُكَثِّر عنده الكلاما * فإنه يُهَوِّن الملاما
79 يُخشى بأن يجزم ولا يبالي * بما أتاه بعد من أفعال
80 وحذروه غاية التحذير * من الكذب والفحش والفجور
81 وسرقة والأكل للحرام * فإنه من موجب الآثام
82 فإن أتى وقت البلوغ والصبي * بهذه الأشيا خبير لا غبي
83 فعرفوه مقصد الأشياء * بمدة الدنيا وللأُخراء
84 فإن طيب عيشه الإنسانِ * عون على عبادة الرَّحمنِ
85 أقوى لذي تقوى على العبادة * وهي الذي تحصل بها السعادة
86 والموت أقربُ كلِّ شيء يُنْتظَر * وهذه الدنيا لنا دار مَمَر
87 والآخرة دار مقر باقي * والآدمي لفعله ملاقي
88 فينبغي التكثير للطاعاتِ * تَزَوُّداً في مدة الحياة
89 وحينما ينشا الولد مؤدبا * يكون في بلوغه مهذبا
90 تؤثر الأشيا به في القلب * تأثير حد السيف عند الضرب(1/3)
91 وتنتفش في قلبه محبة * لربه وطاعة ورغبة
92 لكل ما يأتي من الجنان * ويلتزمها دائم الزمان
93 وإن وقع نشء الولد بغير ما * قلنا به أضحى كذوباً نَهِمَا
94 مفاخراً مباهياً للناس * ملازماً طبائعَ الخنَّاسِ
95 كلامنا لنفسه لا يَسْتَمِع * قد صار طبع الشر فيه منطبع
96 فينبغي للوالد التَّعَنِّي * بكل بنت وبكل ابن
97 فمن لهم عن موجب المآثم * لا تهمل الصبيان كالبهائم
98 ففي كتاب الله (قوا أنفسكم)* مفهومه: وكُلَّ من يلزمكم
99 مراده بالفقه والتأديب * وكثرة التعليم والتهذيب
100 وفي الحديث للنبي المرسلِ * محمد المعظم المبجلِ
101 أن الولد بالفطرة الإسلامية *يولد ويرجع بعد للهوديَّة
102 يهوداه والده تاعسا * وقد يُنَصِّراه أو يُمَجِّسا
103 فإنه هما ساقاه للصواب * يشاركان الكلُّ في الثواب
104 وإن شقي وضاع من يَدَيْهما * وفرطا فوِزْرُهُ عليهما
105 فهذه (رياضةُ الصبيان)* جمعتها منظومة المعاني
106 مفيدة لكل من قراها * ودبَّر الأشيا بمقتضاها
107 والله يهدي الكلَّ للرشاد * به استعنت وهو خير هادي
108 ثم الصلاة بعد حمد ربي * على النبي المصطفى من كعبِ
109 وكلِّ آل للنبي وتابعِ * ما لاح برق في السحاب الهامِع(1/4)