منظومة الطبلاوي في الاستعارة
لمنْصور بن ناصر الدين الطبلاوي
( المتوفي سنة 1014 هـ )
* * * * * * *
يقُولُ سِبْطُ النَّاصِرِ الطبْلاَوِي ... مَنْصُورٌ الرَّاجِي الجِنَانَ الثَّاوِي
الحْمدُ لِلّهِ عَلَى التَّوْفيقِ ... …الْكَامِلِ الْبَيَانِ وَالتَّحْقِيقِ
وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ... …عَلَى النَّبِيِّ المَبْدَإِ الختَامِ
وَالآلِ وَالصَّحْبِ ذَوِي الخَفَارَهْ ... هَذَا وَقَدْ نَظَمْتُ الاسْتِعَارَهْ
مُلَخِّصاً أَقْسَامَهَا وَحُكْمَهَا ... فِي هَذِهِ الأَبْيَاتِ فَاحْفَظَ نظْمَهَا
إعْلَمْ أَخِي لَك الإِلَهُ أَرْشَدَا ... إِلَى الْهُدَى أنَّ المَجَار المُفْرَدَا
أَعْنِي بِذَاكَ الكِلْمَةَ المُسْتَعْمَلَهْ ... فِي غيْرِ مَغنىً وُضِعَتْ أَيْ تِلْك لَهْ
فِي الاصْطِلاَحِ لِعَلاَقَةٍ مَعاً ... قَرِينَةٍ مَعْهَا الحَقِيقيِ امْتَنَعَا
إِنْ كَانَتِ العَلاَقَةُ المُشَابَهَهْ ... فَهْيَ اسْتِعَارَةٌ لِمَعْنىً شَابَهَهْ
أَو غَيرَهَا فَهْيَ المَجَازُ المُرْسَلُ ... وَتِلْكَ قِسمانِ كَمَا قَدْ فَصَّلُوا
أَصْلِيَّةٌ فِي اسْمٍ لِجْنسٍ قَدْ جَرَتْ ... وَتَّبَعيَّةٌ بَغِيْرِهِ أَتتْ
أَعْنِي بِهِ الحَرْفَ وَذَا اشْتِقَاقِ ... وَالْقِسْمُ هَذَا لَيْسَ بِاتِّفَاقِ
ثُمَّ الِّذِي بِهِ اسْتُعِيرَ قدْ قُسمْ ... إِلَى كَلاَمٍ بِتَحقُّق وُسِمْ
أَوْ بِتَوَهُّمٍ فَتَحْقيقيَّهْ ... …ذَاكَ وَهَذَا سَمِّ تَخْيِيليَّهْ
وَالثالِثُ الَّذِي بِهِ احْتمالُ ... …وَالاِسْتِعَارَاتُ لهَا أَحْوَالُ
فتَارَةً يُوجَدُ مَا يُلاَيِمُ ... …وَتَارَةً لاَ يُوجَدُ المُلاَيِمُ
فَهَذِهِ مُطْلَقَة نُسَمِّي ... …نَحْوُ رَأيْتُ أَسَداً مَعْ يَرْمِي
وَذَاكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدْ ... فِي المُسْتَعَارِ مِنْهُ أَوْ لَهُ يَرِدْ
فَذَاتُ تَرْشِيحٍ هَيَ الأُولى وَقَدْ ... جَاءَ رَأَيْتُ أَسَداً لَهُ لِبَدْ(1/1)
وَذَاتُ تَجْرِيدٍ تُسَمَّى الثَّانِيَهْ ... وَهْيَ بَلاَغَةً لِتَيْنِ تَالِيَهْ
وَالأَبْلَغُ التَّرْشِيحُ إِنْ يَبْقىَ عَلَى ... حَقِيقَةٍ وَلاِسْتِعَارَةٍ تَلاَ
قَصْدُ تَقَوِّيَها بِهِ قَدْ تَمَّا ... …وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَعَاراً مِمَّا
يُلاَئمُ الَّذِي بِهِ قَدْ شُبِّهَا ... …أَعْنِي لِمَا يُلاَئمُ المُشَبَّهَا
يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ عَلاَ ... وَاعْتَصِمُوا بَلِ المَجَازَ المُرْسَلاَ
فَصْلٌ فِي المَجَازِ المُرَكَّبِ
مُرَكَّبُ المَجَازِ مِثْلُ المُفْرَدِ ... فِي ذَلِك المَعْنَى فَإِنْ لَمْ تُوجَدِ
فِيهِ عَلاَقَةٌ هِيَ المُشَابَهَهْ ... …لَيْسَ اسْتِعَارَةٌ فَمَا قَدْ شَابَهَهْ
فَإنْ تَكُنْ فَتِلْكَ تَمْثِيليَّهْ ... …وَهْيَ عَلَى تِلْك لَهَا مَزِيَّهْ
فَصْلٌ : فِي تحْقِيقِ مَعْنَى الاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايةِ
إِنْ وُجدَ التَّشْبيهُ ثُمَّ مَا ذُكِرْ ... مَعْهُ سِوَى مُشَبَّهٍ مِمَّا اعْتُبِرْ
وَمَا مُشَبَّهٌ بِهِ خُصَّ وُجِدْ ... فيهِ فَذَا استِعَارَةٌ وِهْيَ تَرِدْ
مَكْنِيَّةً بْالاِتِّفَاقِ مِنْهُمُ ... …لَكِنَّ فِي المعْنَى خِلاَفاً عَنْهُمُ
فَالْمُستَعَارُ عِنْدَمَا تَقَدَّما ... …لَفْظٌ مُشَبَّهٌ بِهِ يَجْرِي لِمَا
شُبِّهَ فِي النَّفْسِ لَهُ أُشِيرَا ... …بِذِكْرِ لازِمٍ وَلَوْ تَقْدِيرَا
فِي النَّظْمِ وَالمُخْتَارُ فِي الإِنْصَافِ …هذَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الكَشَّافِ
وَقِيلَ تَشْبِيهٌ بِنَفْسٍ مُضْمَرُ ... وَهْوَ عَنِ الخَطِيبِ أَيْضاً يُذْكَرُ
وَبَعْضُهُمْ كَلاَمُهُ قَدْ أَشْعَرَا ... بِأَنَّهُ المُشَبَّهُ الَّذِي جَرَى
فِيما بِهِ شُبِّهَ بِادِّعَاءِ ... …عَيْنيّةٍ وَالإِسْمُ ذُو خَفَاءِ
وَجَازَ فِي الْكَلاَمِ أَنْ تَجْتَمِعَا ... مَكْنِيَّةٌ وَ ذَاتُ تَصْرِيحٍ مَعَا(1/2)
فَصْلٌ: فِي تَحْقِيق قَرِينَةِ الاِستِعَارَةِ المَكْنِيّهِ وَمَا مَعَهَا
إِنَّ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ المُشَبَّهَا ... مِمَّا يَخُصُّ مَا بِهِ قَدْ شُبِّهَا
مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا لَهُ قَدْ وضِعَا ... وَفِي ثُبُوتِهِ مَجَازٌ وَقَعَا
وَذاتُ تَخْييلٍ فَسَمِّيَنْهَا ... …وَلْيَس لِلْمَكْنِي انْفِكاكٌ عَنْهَا
وَجَازَ عِنْدَ صَاحبِ الْكَشَّافِ أَنْ ... تَكُونَ تَحْقِيقيَّةً وَمَثَّلَنْ
بِآيَةِ الَّذِينَ يَنْقَضُونَ ... …وَثَمَّ غَيْرُ ذَاكَ يَنْقُلُونَا
وَاخْتِيَر فِي قَرِينَةِ المَكْنِيَّهْ ... إِذَا انْتَفىَ التَّابِعُ بِالْكُلِّيَّهْ
أَي تَابِعٌ يُشْبِهُ مَا قَدْ رَدِفا ... لِمَا بِهِ شُبِّهَ أَنْ يَتَّصِفَا
بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الحَقِيقَهْ ... …وَفِيهِ بَحْثٌ لاَ نَرى تَحْقِيقَهْ
وَكَانَ فِي الإثْبَاتِ تَخْيِيليَّهْ ... مِثَالُهُ مَخَالِبُ المَنَّيهْ
وَإِنْ وُجِدْ فَذَاكَ مُستَعَارُ ... …لِذَلِكَ التَّاِبعِ وَالمَدَارُ
هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّصْرِيحِ ... هَذَا وَأَيضاً سمِّ بِالتَّرْشِيحِ
مَا زَادَ فِي الطَّرِيقَةِ المَكْنِيَّهْ ... مِنَ المُلايِمَانِ لِلْقَضِيَّهْ
وَجَازَ جَعْلُهُ لِتَخْيِيليَّهْ ... …مُرشِّحاً كَذَا لتَحْقِيقِيَّهْ
هَذَا خِتَامُ ما قَصَدْنَا نَظْمَهْ ... وَالحَمْدُ لِلّه وَلِيِّ النِّعْمَهْ
***(1/3)