تسهيل الطرقات في نظم
الورقاتِ في أصولِ الفقهِ
تأليف
الشيخ شرف الدين يحيى العمريطي
المتوفى سنة 890هـ
---(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الفقيرُ الشرَّفُ العمريطي *** ذو العَجزِ والتَّقصيرِ والتَّفريطِ [1]
الحمدُ للهِ الذي قد أظهَرا *** عِلمَ الأصولِ للوَرى وأشهَرا [2]
على لِسانِ الشافعي وهَوَّنا *** فهوَ الذي لهُ ابتداءً دوَّنا [3]
وتابَعَتْهُ الناسُ حتى صارا *** كُتْبًا صِغارَ الحجمِ أو كِبارا [4]
وخيرُ كُتْبِهِ الصّغارِ ما سُمِي *** بالوَرَقاتِ للإمامِ الحَرَمي [5]
وقد سُئلتُ مُدَّةً في نَظمِهِ *** مُسَهّلاً لحَفظهِ وفهمِهِ [6]
فلمْ أجِدْ مِمَّا سُئِلتُ بُدَّا *** وقد شَرَعتُ فيهِ مُستَمِدَّا [7]
من ربِّنا التَّوفيق للصوابِ *** والنَّفعَ في الدَّارَينِ بالكِتابِ [8]
بابُ أصولِ الفقهِ
هاكَ أصولُ الفقهِ لفظًا لقَبا *** للفَنّ مِن جُزْأيْنِ قد تركَّبا [9]
الأوَّلُ الأصولُ ثُمَّ الثاني *** الفِقهُ والجُزْءانِ مُفردانِ [10]
فالأصلُ ما عليهِ غيرهُ بُني *** والفرعُ ماعلى سِواهُ ينبني [11]
والفقهُ علمُ كُلّ حكمٍ شرعي *** جاءَ اجتِهادًا دونَ حُكمٍ قطعي [12]
والحُكمُ واجبٌ ومندوبٌ وما *** أُبيحَ والمَكروهُ معْ ما حَرُما [13]
معَ الصحيحِ مُطلقًا والفاسدِ *** من قاعدٍ هذانِ أو من عابدِ [14]
فالواجبُ المحكومُ بالثَّوابِ *** في فعلِهِ والتَّركِ بالعِقابِ [15]
والنَّدبُ ما في فِعلِهِ الثوابُ *** ولم يكُنْ في تركِهِ عِقابُ [16]
وليسَ في المُباحِ مِن ثوابِ *** فِعلاً وتركًا بلْ ولا عقابِ [17]
وضابطُ المكروهِ عكسُ ما نُدِبْ *** كذلكَ الحرامُ عكسُ ما يجبْ [18]
وضابطُ الصَّحيحِ ما تعلَّقا *** بهِ نُفُوذٌ واعتدادٌ مُطلقا [19]
والفاسِدُ الذي بهِ لم تَعتَدِدْ *** ولم يكُنْ بنافِذٍ إذا عُقِدْ [20]
والعِلمُ لفظٌ للعمومِ لم يُخَصّ *** بالفقهِ مفهومًا بل الفقهُ أخصّ [21](1/1)
وعِلمُنا معرفةُ المَعلومِ *** إن طابَقَتْ لوَصفِهِ المَحتومِ [22]
والجهل قُلْ تصوُّرُ الشيءِ على *** خِلافِ وصفِهِ الذي بهِ علا [23]
وقيلَ حدُّ الجهلِ فقدُ العِلمِ *** بسيطًا أو مركبًا قد سُمّي [24]
بسيطُهُ في كُلّ ما تحتَ الثَّرى *** تركيبهُ في كُلّ ما تُصُوِّرا [25]
والعِلمُ إمَّا باضطرارٍ يحصُلُ *** أو باكتسابٍ حاصلٍ فالأوَّلُ [26]
كالمُستفادُ بالحواسِ الخَمسِ *** بالشَّمِّ أو بالذوقِ أو باللمسِ [27]
والسمعِ والإبصارِ ثمَّ التالي *** ما كانَ موقوفًا على استدلالِ [28]
وحدُّ الاستدلالِ قُلْ ما يجتَلِبْ *** لنا دليلاً مُرشِدًا لِما طُلِبْ [29]
والظنُّ تجويزُ امرئ أمْرَينِ *** مُرَجِّحًا لأحدِ الأمرينِ [30]
فالرَّاجِحُ المذكورُ ظنًّا يُسمّى *** والطَّرَفُ المرجوحُ يُسمَّى وهْمَا [31]
والشَّكُّ تحريرٌ بلا رُجحانِ *** لِواحدٍ حيثُ استوى الأمرانِ [32]
أمَّا أصولُ الفقهِ معنًى بالنَّظرْ *** للفنّ في تعريفِهِ فالمُعتَبَرْ [33]
في ذاكَ طُرْقُ الفقهِ أعني المُجملهْ *** كالأمرِ أو كالنهيِ لا المُفَصَّلهْ [34]
وكيفَ يُستَدَلُّ بالأصولِ *** والعالمِ الذي هُوَ الأصولي [35]
أبوابُ أصول الفقهِ
أبوابُها عشرونَ بابًا تُسرَدُ *** وفي الكتابِ كُلُّها سَتوردُ [36]
وتلكَ أقسامُ الكلامِ ثُمَّا *** أمرٌ ونهيٌ ثمَّ لفظٌ عمَّا [37]
أو خُصَّ أو مُبَيَّنٌ أو مُجمَلُ *** أو ظاهرٌ معناهُ أو مُؤَوَّلُ [38]
ومُطلقُ الأفعالِ ثمَّ ما نُسِخْ *** حُكمًا سواهُ ثمَّ ما بهِ أنتُسِخْ [39]
كذلكَ الإجماعُ والأخبارُ معْ *** حظرٍ ومعْ إباحةٍ كُلٌّ وَقَعْ [40]
كذا القياسُ مُطلقٌ لِعِلَّهْ *** في الأصلِ والترتيبِ للأدلَّهْ [41]
والوصفُ في مُفْتٍ ومُستفتٍ عُهِدْ *** وهكذا أحكامُ كُلّ مُجتهدْ [42](1/2)
بابُ أقسامِ الكلام
أقلُّ ما منهُ الكلامُ ركَّبوا *** إسمانِ أو اسمٌ وفعلٌ كاركبوا [43]
كذاكَ مِن فعلٍ وحرفٍ وُجِدا *** وجاءَ مِن اسمٍ وحرفٍ في النِّدا [44]
وقُسّمَ الكلامُ للإخبارِ *** والأمرِ والنهيِ والاستخبارِ [45]
ثمَّ الكلامُ ثانيًا قد انْقَسَمْ *** إلى تَمَنٍّ ولِعَرْضٍ وقَسَمْ [46]
وثالِثًا إلى مجازٍ وإلى *** حقيقةٍ وحدُّها ما استُعمِلا [47]
مِن ذاكَ في موضوعِهِ وقيلَ ما *** يجري خِطابًا في اصطلاحٍ قَدما [48]
أقسامُها ثلاثةٌ شرعيٌّ *** واللغويُّ الوضعِ والعُرفيُّ [49]
ثمَّ المجازُ ما بهِ تُجُوِّزا *** في اللفظِ عن موضوعهِ تَجَوُّزا [50]
بِنقصٍ أو زيادةٍ أو نقلٍ *** أو استعارةٍ كنقصِ أهلِ [51]
وهُوَ المرادُ في سؤالِ القريةِ *** كما أتى في الذِّكرِ دونَ مِريَةِ [52]
وكازديادِ الكافِ في كمِثلِهِ *** والغائطِ المنقولِ عن محلّهِ [53]
رابعُها كقوله تعالى *** {يُريدُ أن يَنقضَّ} يعني مالا [54]
بابُ الأمرِ
وَحَدُّهُ استدعاءُ فعلٍ واجبٍ *** بالقولِ مِمَّنْ كانَ دونَ الطالبِ [55]
بصيغةِ افعَلْ فالوُجوبُ حُقِّقا *** حيثُ القرينةُ انتَفَتْ وأُطْلِقا [56]
لا معْ دليلٍ دَلَّنا شرعًا على *** إباحةٍ في الفعلِ أو ندبٍ فلا [57]
بلْ صرفُهُ عنِ الوجوبِ حُتِما *** بحملِهِ على المُرادِ منهُما [58]
ولم يُفِدْ فورًا ولا تكرارًا *** إنْ لم يرِد ما يقتضي التَّكرارا [59]
والأمرُ بالفعلِ المُهِمِّ المُنحَتِمْ *** أمرٌ بهِ وبالذي بهِ يَتِمْ [60]
كالأمرِ بالصلاةِ أمرٌ بالوُضُو *** وكلُّ شيءٍ للصلاةِ يُفرَضُ [61]
وحيثُما إنْ جيءَ بالمطلوبِ *** يخرجُ بهِ عن عُهدةِ الوُجوبِ [62](1/3)
بابُ النهي
تعريفُهُ استدعاءُ تركٍ قدْ وجَبْ *** بالقولِ مِمَّنْ كانَ دونَ مَنْ طلبْ [63]
وأمرُنا بالشيءِ نهيٌ مانِعُ *** من ضدِّهِ والعكسُ أيضًا واقعُ [64]
وصيغةُ الأمرِ التي مَضَتْ تَرِدْ *** والقصدُ منها أنْ يُباحَ ما وُجِدْ [65]
كما أتتْ والقصدُ منها التسويهْ *** كذا لتهديدٍ وتكوينٍ هِيَهْ [66]
فصلٌ
والمؤمنونَ في خطابِ الله *** قد دخلوا إلا الصبيْ والساهي [67]
وذا الجُنونِ كُلُّهُمْ لمْ يدخلوا *** والكافرونَ في الخِطابِ دخلوا [68]
في سائرِ الفروعِ للشريعهْ *** وفي الذي بدونِهِ ممنوعَهْ [69]
وذلكَ الإسلامُ فالفروعُ *** تصحيحُها بدونِهِ ممنوعُ [70]
بابُ العامّ
وحدُّهُ لفظٌ يعُمُّ أكثرا *** مِنْ واحدٍ من غيرِ ما حصْرٍ يُرى [71]
من قولهم عمَمْتُهُمْ بما معي *** ولتَنْحَصِرْ ألفاظُهُ في أربعِ [72]
الجَمعِ والفردِ المُعَرَّفانِ *** باللامِ كالكافرِ والإنسانِ [73]
وكلِّ مُبهَمٍ مِنَ الأسماءِ *** مِن ذاكَ ما للشرطِ من جزاءِ [74]
ولفظِ مَنْ في عاقلٍ ولفظِ ما *** في غيرهِ أي فيهما [75]
ولفظِ أينَ وهوَ للمكانِ *** كذا متى الموضوعِ للزمانِ [76]
ولفظِ لا في النكراتِ ثمَّ ما *** في لفظ مَن أتى بها مُستفهِما [77]
ثمَّ العمومُ أُبطِلتْ دعواهُ *** في الفعلِ بلْ وما جرى مَجراهُ [78]
بابُ الخاص
والخاصُ لفظٌ لا يَعُمُّ أكثرا *** مِن واحدٍ أو عَمَّ مع حصرٍ جرى [79]
والقصدُ بالتخصيصِ حيثُما حصلْ *** تمييزُ بعضِ جُملةٍ فيها دخلْ [80]
وما بهِ التخصيصُ إمَّا مُتَّصِلْ *** كما سيأتي ءانِفًا أو مُنفصلْ [81]
فالشرطُ والتقييدُ بالوصفِ اتَّصَلْ *** كذاكَ الاستِثنا وغيرُها انفصلْ [82]
وحدُّ الاستثناءِ ما بهِ خرجْ *** مِنَ الكلامِ بعضُ ما فيهِ اندرجْ [83]
وشرطُهُ أن لا يُرى مُنفصِلا *** ولم يكُنْ مُستغرِقًا لما خلا [84]
والنُّطقُ مع إسماعِ مَن بقربِهِ *** وقصدُهُ مِن قبلِ نُطقهِ بهِ [85]
والأصلُ فيهِ أنَّ مُستثناهُ *** من جِنسِهِ وجازَ مِن سواهُ [86]
وجازَ أن يتقدَّمَ المُستثنى *** والشرطُ أيضًا لظُهُورِ المعنى [87]
ويُحمَلُ المُطلَقُ مهما وُجِدا *** على الذي بالوصفِ منهُ قُيّدا [88]
فمُطلقُ التحريرِ في الأيمانِ *** مُقَيَّدٌ في القتلِ بالإيمانِ [89](1/4)
فيُحملُ المُطلقُ في التحريرِ *** على الذي قُيِّدَ في التَّكفيرِ [90]
ثمّ الكتابُ بالكتابِ خَصَّصوا *** وسنةٌ بسنةٍ تُخصَّصُ [91]
وخصَّصوا بالسنةِ الكِتابا *** وعكسُهُ استُعمِلْ يكُنْ صوابا [92]
والذّكرُ بالإجماعِ مخصوصٌ كما *** قد خُصَّ بالقياسِ كلٌّ منهما [93]
بابُ المجمل والمُبين والظاهر
ما كانَ مُحتاجًا إلى بيانِ *** فمُجملٌ وضابِطُ البيانِ [94]
إخراجُهُ مِنْ حالةِ الإشكالِ *** إلى التجلّي واتّضاحِ الحالِ [95]
كالقرءِ وهْوَ واحدُ الإقراءِ *** في الحيضِ والطُّهرِ مِنَ النساءِ [96]
والنَّصُّ عُرفًا كلُّ لفظٍ واردٍ *** لم يحتملْ إلا لمعنًى واحدِ [97]
كقدْ رأيتُ جعفرًا وقيلَ ما *** تأويلُهُ تنزيلُهُ فليُعلَما [98]
والظاهرُ الذي يُفيدُ ما سُمِعْ *** معنًى سِوى المعنى الذي لهُ وُضِعْ [99]
كالأسَدِ اسمُ واحدِ السّباعِ *** وقدْ يُرى للرجلِ الشُّجاعِ [100]
والظاهرُ المذكورُ حيثُ أُشكِلا *** مفهومُهُ فبالدليلِ أُوّلا [101]
وصارَ بعدَ ذلكَ التأويلِ *** مُقَيَّدًا في الاسم بالدليل [102]
بابُ الأفعال
أفعالُ طه صاحبُ الشريعةِ *** جميعُها مرضيَّةٌ بديعةِ [103]
وكلُّها إمَّا تُسمَّى قُربهْ *** فطاعةٌ أو لا ففعلُ القُربهْ [104]
مِنَ الخصوصياتِ حيثُ قاما *** دليلُها كوصلِهِ الصياما [105]
وحيثُ لمْ يقُمْ دليلُها وجبْ *** وقيلَ موقوفٌ وقيلَ مُستَحبْ [106]
في حقِّهِ وحقّنا وأمَّا *** ما لم يكُن بقُربةٍ يُسمَّى [107]
فإنَّهُ في حقهِ مُباحُ *** وفِعلُهُ أيضًا لنا يُباحُ [108]
وإن أقرَّ قولَ غيرهِ جُعِلْ *** كقولهِ كذاكَ فعلٌ قد فُعِلْ [109]
وما جرى في عصرهِ ثمَّ اطَّلعْ *** عليهِ إنْ أقرَّهُ فليُتَّبَعْ [110](1/5)
بابُ النسخِ
النسخُ نقلٌ أو إزالةٌ كما *** حَكَوهُ عن أهلِ اللسانِ فيهما [111]
وحدُّه رفعُ الخِطابِ اللاحِقِ *** ثُبُوتَ حُكمٍ بالخِطابِ السابقِ [112]
رفعًا على وجهٍ أتى لولاهُ *** لكانَ ذاكَ ثابِتًا كما هو [113]
إذا تراخى عنهُ في الزمانِ *** ما بعدَهُ مِنَ الخطابِ الثاني [114]
وجازَ نسخُ الرَّسمِ دونَ الحُكمِ *** كذاكَ نسخُ الحُكم دونَ الرسمِ [115]
ونسخُ كُلّ مِنهما إلى بَدَلْ *** ودُونهُ وذاكَ تخفيفٌ حَصَلْ [116]
وجازَ أيضًا كَونُ ذلكَ البَدَلْ *** أخَفَّ أو أشدَّ مِمَّا قد بطَلْ [117]
ثمَّ الكتابُ بالكتابِ يُنسَخُ *** كسُنةٍ بسنةٍ فتُنسخُ [118]
ولم يَجُزْ أنْ يُنسَخَ الكتابُ *** بسُنَّةٍ بل عَكسُهُ صوابُ [119]
وذو تواتُرٍ بمثلهِ نُسِخْ *** وغيرهُ بغيرِهِ فليَنتَسِخْ [120]
واختارَ قومٌ نسخَ ما تواترا *** بغيرهِ وعكسُهُ حتمًا يُرى [121]
بابُ التعارُضِ
تعارُضُ النُّطقَينِ في الأحكامِ *** يأتي على أربعةِ أقسامِ [122]
إمَّا عمومٌ أو خُصوصٌ فيهما *** أو كُلُّ نُطقٍ فيهِ وصفٌ منهما [123]
أو فيهِ كلٌّ منهُما ويُعتَبَرْ *** كلٌّ مِنَ الوَصفينِ في وجهٍ ظَهَرْ [124]
فالجمْعُ بينَ ما تَعَارضا هُنا *** في الأوَّلَيْنِ واجبٌ إن أمكنا [125]
وحيثُ لا إمكانَ فالتَّوَقُّفُ *** ما لم يَكُن تاريخُ كُلٍّ يُعرَفُ [126]
فإنْ عَلِمنا وقتَ كُلّ منهُما *** فالثَّانِ ناسخٌ لِما تقدَّما [127]
وخَصَّصُوا في الثالثِ المعلومِ *** بذي الخُصوصِ لفظ ذي العمومِ [128]
وفي الأخيرِ شطرُ كلّ نُطقِ *** من كُلّ شِقّ حُكمُ ذاكَ النُّطقِ [129]
فاخْصُصْ عُمومَ كلّ نُطقِ منهُما *** بالضِدِّ من قسمَيْهِ واعرِفَنهُما [130](1/6)
بابُ الإجماع
هُوَ اتّفاقُ كلّ أهلِ العصرِ *** أي عُلماءِ الفقهِ دونَ نُكرِ [131]
على اعتبارِ حُكم أمرٍ قد حدثْ *** شرعًا كحُرمةِ الصلاةِ بالحَدَثْ [132]
واحتُجَّ بالإجماعِ من ذي الأمَّهْ *** لا غيرها إذْ خُصِّصَتْ بالعِصمهْ [133]
وكُلُّ إجماعٍ فحُجَّةٌ على *** مَنْ بعدَهُ في كلّ عصرٍ أقبَلا [134]
ثمَّ انقِراضُ عصره لم يُشتَرَطْ *** أي في انعِقادِهِ وقيلَ مُشترطْ [135]
ولم يجُزْ لأهلهِ أن يرجعوا *** إلا على الثاني فليسَ يُمنعُ [136]
وليُعتبر عليه قولُ مَن وُلِدْ *** وصارَ مثلهُم فقيهًا مُجتهدْ [137]
ويَحصُلُ الإجماعُ بالأقوالِ *** من كُلّ أهلِهِ وبالأفعالِ [138]
وقولِ بعضٍ حيثُ باقيهم فَعَلْ *** وبانتِشارٍ مع سكوتِهِم حَصَلْ [139]
ثمَّ الصحابي قولهُ عن مذهبِهْ *** على الجديدِ فهوَ لا يُحتجُّ بهْ [140]
وفي القديمِ حُجَّةٌ لِما وردْ *** في حقهم وضعَّفوهُ فليُرَدْ [141]
باب الأخبار
والخَبَرُ اللفظُ المُفيدُ المُحتَمَلْ *** صِدْقًا وكذبًا منهُ نوعٌ قدْ نُقِلْ [142]
تواتُرًا للعِلمِ قد أفادا *** وما عدا هذا اعتَبِر ءاحادا [143]
فأوَّلُ النَّوعَينِ ما رواهُ *** جَمْعٌ لنا عن مثلِِهِ عزاهُ [144]
وهكذا إلى الذي عنهُ الخبرْ *** لا باجتهادٍ بل سماعٍ أو نَظَرْ [145]
وكُلُّ جمعٍ شرطُهُ أن يَسمعوا *** والكِذْب منهم بالتواطي يُمنعُ [146]
ثانيهما الآحادُ يُوجبُ العملْ *** لا العِلمَ لكن عندهُ الظَّنُّ حَصَلْ [147]
لِمُرسَلٍ ومُسندٍ قد قُسِما *** وسوفَ يأتي ذكرُ كلّ منهما [148]
فحيثُما بعضُ الرُّواةِ يُفقَدُ *** فمرسلٌ وما عداهُ مُسندُ [149]
للاحتجاجِ صالحٌ لا المُرسلُ *** لكن مراسيلُ الصحابي تُقبَلُ [150]
كذا سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ اقبلا *** في الاحتِجاجِ ما رواهُ مُرسلا [151]
وألحِقوا بالمُسندِ المُعَنعَنا *** في حُكمهِ الذي لهُ تَبَيَّنا [152]
وقالَ مَن عليهِ شيخُهُ قرا *** حدَّثني كما تقولُ أخبرا [153]
ولم يَقُلْ في عكسِهِ حدَّثني *** لكن يقولُ راويًا أخبرني [154]
وحيثُ لم يقرأْ وقد أجازهْ *** يقولُ قد أخبرني إجازهْ [155](1/7)
باب القياس
أما القياسُ فهْوَ ردُّ الفرعِ *** للأصلِ في حكمٍ صحيحٍ شرعي [156]
لِعِلَّةٍ جامعةٍ في الحُكمِ *** وليُعتَبَرْ ثلاثةٌ في الرَّسمِ [157]
لِعِلَّةٍ أضِفهُ أو دِلالهْ *** أو شَبَهٍ ثُمَّ اعتَبِرْ أحوالهْ [158]
أوَّلُها ما كانَ فيهِ العِلَّهْ *** مُوجبةً للحُكمِ مُستقِلَّهْ [159]
فضربُهُ للوالدَينِ مُمتنعْ *** كقولِ أفٍّ وهْوَ للإيذا مُنِعْ [160]
والثَّانِ ما لم يُوجِبِ التَّعليلُ *** حُكمًا بهِ لكنَّهُ دليلُ [161]
فيَستَدِلُّ بالنَّظيرِ المُعتبرْ *** شرعًا على نظيرهِ فيُعتبرْ [162]
كقولِنا مالُ الصبي تَلزِمُ *** زكاتُهُ كبالغٍ أي للنمُو [163]
والثالثُ الفرعُ الذي تردَّدا *** ما بينَ أصلَيْنِ اعتِبارًا وجدَا [164]
فليَلتَحِقْ بأيّ ذَيْنِ أكثرا *** من غيرِهِ في وصفِهِ الذي يُرى [165]
فليُلحقْ الرَّقيقُ في الاتلافِ *** بالمالِ لا بالحرِّ في الأوصافِ [166]
والشرطُ في القياسِ كونُ الفرعِ *** مُناسِبًا لأصلِهِ في الجمعِ [167]
بأنْ يكونَ جامِعَ الأمرينِ *** مناسبًا للحُكمِ دونَ مَينِ [168]
وكونُ ذاكَ الأصلِ ثابتًا بما *** يُوافقُ الخَصمينِ في رأيَيهِما [169]
وشرطُ كُلّ عِلَّةٍ أن تَطَّرِدْ *** في كلّ معلولاتِها التي تّرِدْ [170]
لم ينتقِضْ لفظًا ولا معنًى فلا *** قياسَ في ذاتِ انتقاضٍ مُسْجَلا [171]
والحُكمُ من شروطِهِ أن يتبعا *** عِلتهُ نفيًا وإثباتًا معا [172]
فهْيَ التي لهُ حقيقًا تَجلِبُ *** وهْوَ الذي لها كذاكَ يُجلبُ [173]
الحظرُ والإباحةُ واستِصحابُ الدليل
لا حُكمَ قبلَ بِعثةِ الرسولِ *** بل بعدَها بمُقتضى الدليل [174]
والأصلُ في الأشياءِ قبلَ الشرعِ *** تحريمُها لا بعدَ حكمٍ شرعي [175]
بل ما أحلَّ الشرعُ حلَّلْناهُ *** وما نهانا عنهُ حرَّمناهُ [176]
وحيثُ لم نجِدْ دليلَ حِلّ *** شرعًا تَمَسَّكنا بحُكمِ الأصلِ [177]
مُستَصحِبينَ الأصلَ لا سِواهُ *** وقالَ قومٌ ضِدَّ ما قُلناهُ [178]
أي أصلُها التحليلُ إلا ما وردْ *** تحريمُها في شرعِنا فلا يُرَدْ [179]
وقيلَ إنَّ الأصلَ فيما ينفَعُ *** جوازُهُ وما يَضُرُّ يُمنَعُ [180]
وحدُّ الاستِصحابِ أخذُ المُجتهدْ *** بالأصلِ عن دليلِ حُكمٍ قد فُقِدْ [181](1/8)
باب ترتيبِ الأدلة
وقدَّموا مِنَ الأدلةِ الجَلي *** على الخفيّ باعتِبارِ العَمَلي [182]
وقدَّموا منها مُفيدَ العِلمِ *** على مُفيدِ الظنِّ أي للحُكمِ [183]
إلا معَ الخُصوصِ والعُمومِ *** فليؤْتَ بالتَّخصيصِ لا التَّقديمِ [184]
والنُّطقَ قَدِّمْ عنْ قياسِهِمْ تَفِ *** وقدَّموا جليَّهُ على الخَفي [185]
وإن يكُنْ في النطقِ مِن كتابِ *** أو سنةٍ تغييرُ الاستصحابِ [186]
فالنُّطقُ حُجَّةٌ إذًا وإلا *** فكُنْ بالاستِصحابِ مُستدِلا [187]
بابٌ في المفتي والمُستفتي والتقليد
والشرطُ في المُفتي اجتهادٌ وهْوَ أنْ *** يعرفَ مِن ءايِ الكتابِ والسُّنَنْ [188]
والفِقهِ في فروعِهِ الشَّواردِ *** وكلّ ما لهُ مِنَ القواعدِ [189]
معْ ما بهِ مِنَ المذاهبِ التي *** تقرَّرَتْ ومِن خلافٍ مُبتِ [190]
والنَّحوِ والأصولِ مع علمِ الأدبْ *** واللغةِ التي أتَتْ مِنَ العربْ [191]
قدرًا بهِ يستنبِطُ المَسائِلا *** بنفسهِ لمَنْ يكونُ سائِلا [192]
مع علمِهِ التفسيرَ في الآياتِ *** وفي الحديثِ حالةَ الرُّواةِ [193]
ومَوضعَ الإجماعِ والخِلافِ *** فعِلمُ هذا القدرِ فيه كافي [194]
ومنْ شروطِ السائلِ المُستفتي *** أن لا يكونَ عالِمًا كالمُفتي [195]
فحيثُ كان مثلَهُ مُجتهدا *** فلا يجوزُ كونُهُ مُقلِّدا [196]
فرعٌ
تقليدُنا قبولُ قولِ القائلِ *** من غيرِ ذكرِ حُجَّةٍ للسائلِ [197]
وقيلَ بل قبولنا مقالهْ *** مع جهلِنا مِن أينَ ذاكَ قالهْ [198]
ففي قبولِ قول طهَ المُصطفى *** بالحُكمِ تقليدٌ لهُ بِلا خفا [199]
وقيلَ لا لأنَّ ما قد قالهْ *** جميعُهُ بالوحي قد أتى لهْ [200](1/9)
فصل في الاجتهاد
وحدُّهُ أن يبذلَ الذي اجتهدْ *** مجهودهُ في نَيلِ أمرٍ قد قصَدْ [201]
وليَنقَسِمْ إلى صوابٍ وخطا *** وقيلَ في الفروعِ يُمنعُ الخطا [202]
وفي أصول الدينِ ذا الوجهُ امتَنَعْ *** إذ فيهِ تصويبٌ لأربابِ البِدَعْ [203]
منَ النصارى حيثُ كُفرًا ثَلَّثوا *** والزَّاعِمونَ أنَّهُم لم يُبعثوا [204]
أو لا يرونَ ربَّهُم بالعينِ *** كذا المجوسُ في ادّعا الأصلينِ [205]
ومَنْ أصابَ في الفروعِ يُعطى *** أجرينِ واجعلْ نِصفهُ مَنْ أخطا [206]
لِما رَوَوا عن النبيّ الهادي *** في ذاكَ مِن تقسيم الاجتهادِ [207]
وتَمَّ نظمُ هذهِ المُقدمَهْ *** أبيتُها في العدّ دُرٌّ مُحْكَمهْ [208]
في عام طاءٍ ثمَّ ظاءٍ ثمَّ فا *** ثاني ربيعِ شهرِ وَضعِ المُصطفى [209]
فالحمدُ لله على إتمامهِ *** ثمَّ صلاةُ اللهِ مع سلامهِ [210]
على النبيّ وءالهِ وصحبِهِ *** وحِزبِهِ وكلّ مؤمنٍ بهِ [211](1/10)