الوصولُ إلى نظمِ علمِ الأُصولِ (1)
للشَّيخِ الدّكتورِ : حَاكِم المطيري
- حَفِظَهُ اللهُ -
__________
(1) مِن كِتابِ (روائِعِ المُتونِ وَبَدائِعِ الفُنونِ) للشَّيخِ الدّكتورِ : حَاكِم المطيري - حَفِظَهُ اللهُ - . ط : دار البَشائِرِ الإِسلامِيَّة ط1 1425-2004 .(1/1)
المقدمة
الحمد لله على الوصول ... إلى تهذيب النظم في الأصول
وهي هنا الأدلةُ الكليَّهْ ... للفقه لا الأدلة الجزئيَّة
ويكف يُستفاد منها الحكمُ ... والجمع بينها وقيل العلمُ
وهي كتابٌ سنةٌ فالشرعُ ... هما وما سواهما فالفرعُ
إذا الإجماع راجعٌ إليها ... كما القياس قائم عليها
والأصل في الأصل هو الأساسُ ... والنصُّ والحكمُ أو القياسُ
والفقه حَدَّا فهمُ الحكم الشرعيْ ... العمليِّ بالدليل الفرعي
أو الأحكامُ ذاتها الشرعيهْ ... تؤخذ من أدلة فرعية
(الباب الأول : في الأدلة)
وأول الأدلة القرآنُ ... هو الهُدى والنور والبيانُ
وهو حقيقةٌ كلامُ اللهِ ... لفظاً ومعنًى دونما اشتاهِ
أنزله على النبي المصطفى ... فقام بالتبليغ عنه وكفى
حتى قضى الأعرابُ بالإعجازِ ... له وبالبيان والإيجازِ
إعجازه كما أتى في نظمه ... قد جاء في تشريعه وحكمهِ
ففيه محكمات هنَّ الأمُّ ... لما تشابهت فيه تؤُمُّ
فهي بيان المشكلات فيهِ ... واضحةٌ للراسخ الفقيهِ
فليس في القرآن ما لا يُعلمُ ... وليس في معناه ما لا يُفهمُ
فيُفهمُ القرآن بالقرآنِ ... وجاءت السنّة للبيانِ
وسنّةُ النبيِّ ذاك قولُهُ ... ومثلُه تقريره وفعلُهُ
فالقول في التشريع كالقرآنِ ... دلالة وجاء للتبيان
لما أتى من مجمل الكتاب ... فهو كمثله في هذا الباب
وفعله إن كان للبيان ... لما أتى من مجمل القرآن
فمثله في حكمه كـ { صلِّ } ... ومثله (صلوا كما أصلِّ)
فواجبٌ إن كان فيما قد وَجَبْ ... ومستحبٌ في الذي قد استحَبْ
ومطلق الأفعال للمندوبِ ... في الأصل جاءت ليس للوجوبِ
إذ أنه هو النبي الأسوهْ ... للمؤمنين كلهم والقدوَهْ(1/1)
إلاَّ إذا دلَّ عليها نصُّ ... بأنها للمصطفى تخصُّ
أو لم يكن سبيلها العبادهْ ... ولا التشريع إنما للعادهْ
أو كان مجبولاً عليها المصطفى ... فهي مباحة لمن له اقتفى
كذلك التقرير بعد علمِه ... كفعله أو قوله في حكمهِ
وإن تعارضت هنا الأفعالُ ... مع الأقوال ترجح الأقوالُ
وما تواترت من الأخبارِ ... أفادت العلم بالاضطرارِ
وما رُوي من الآحاد واشتهرْ ... أفاد العلم بالاضطرار
كذاك ما احتفت به القرائنُ ... فهذا ما أفاد الرأي البائنُ
وما سواها راجح في الظنَّ ... إن صح عند علماء الفنِّ
وأوجبوا بما قد صح العملا ... واختلفوا إن كان جاء كمرسلِ
ومرسل يشمل ما لم يوصلِ ... إسناده فمعضل كمرسلِ
وكلهم يعمل بالضعيف ... عند اضطرار في القول الحصيفِ
إلا المترك فالجميع أهملا ... والشاذ والمنكر والمعلَّلا
والرواي أدرى دائماً بما روى ... ما لم يخالف فيه ما النص حوى
فإن يخالف ههنا الرواية ... فنصها الراجح في الدارية
وثالثُ الأدلةِ الإجماعُ ... يلزم للقطعيِّ الاتباعُ
وهو اتفاقُ علماء الأمة ... على قضية أتت مُلِمَّهْ
بعد النبي بدليل شرعيْ ... ظنيِّ في ثبوته أو قطعيْ
وحجةٌ ظنيةٌ سكوتُ ... عن قولٍ بعد علمٍ ، والصموتُ
لغير خوف طارئ إليهمْ ... ولا تحرِّ واجب عليهمْ
كذا اتفاق الراشدين حُجّهْ ... فالخلفاء هديهم محجّهْ
وخصّ ما قد سنّه أبو بكرْ ... وسنّه موافقاً له عمرْ
إذا أنه مظنّة الإجماعِ ... قبل افتراق الصحب في الأصقاع
وحُجَّةٌ إجماعُ أهل البيت ... من عرفوا بفقههم والصيتِ
وشرطه ثبوت الاتقافِ ... من الجميع دونما افتراق
إذ يستحيل الهجر للكتابِ ... من كلهم عند ذوي الألبابِ
إذ صح (لن يفترقا) هنا أَبَدْ ... إلى ورود الحوض فيما قد وَرَدْ
وقول صاحب بلا خلافِ ... له من الباقي فرأي كافِ
وما أتى فيه الخلافُ عنهُمُ ... فالحقُّ لا يخرج قطعاً منهُمُ
فواجبٌ هنا اتباع الراجح ... دون سواه بالدليل الواضح(1/2)
وإلاَّ جاز تقليد الجميع ... والاقتداءُ بالهدى الرفيع
ثُمَّ القياس رابعُ الأدلةَ ... إلحاقُ فرعٍ أصلَه للعلّهْ
في الحكم إما بقياس العلّةِ ... والشَّبَهِ وإمَّا بالدلالة
أما القياس مع نفي الفرْقِ ... بمعنى النص من دليل النطقِ
فالأول العلة فيه أوجبتْ ... حكماً فلا يثبت إن تخلفتْ
نُصَّ على تعليله كالسُّكْرِ ... في كونه علةَ حظرِ الخمرِ
والثاني ما تردد الفرع به ... بين الأصلين لنزوع الشَّبَه
عليها نصٌّ إنما تستنبطُ ... بالاجتهاد علَّةَ وتٌربطُ
والعلة الوصف الذي يلائمُ ... تشريع الحكم وله يلازمُ
تكون وصفاً ظاهراً منضبطاً ... مناسباً منصوصاً أو مستنبطا
والحكمة المصلحة الشرعيهْ ... وغاية المشرع المرعية
فالسكرُ علّةٌ لحظر الخمرِ ... وحفظُ العقل حكمةٌ للحظر
وشرطُ علةٍ هنا أن تطرِدْ ... إلاَّ لمانع أو شرطٍ قد فُقِدْ
ولا قياس إلاَّ في المعقولِ ... معنّى بلا اختصاص بالرسول
وكل ما عارض نصَّا كاسدُ ... في الاعتبار وقياسٌ فاسدُ
وتدرك العلَّة بالإجماعِ ... عليها والنصِّ على أنواعِ
صريح بالتعليل بالمعروفِ ... وضعاً من الألفاظ والحروفِ
كمثل قوله (من أجل هذا) ... كذا (بذا) ومثله (لهذا)
والثاني بالإيماء لا بالحرفِ ... مثل اقتران حكمه بالوصفِ
بحيث لو أُهدر ذا التنبيهُ ... لعدّه معيباَ التنبيهُ
ثم اقترانه أتى بالفاءِ ... وترتيب الحكم على الجزاءِ
وكونه مناسباً للربطِ ... منتظم السياق مع ذا الشرطِ
وثالث المدارك المناسبهْ ... إخالةُ الوصف الذي قد ناسبهُ
إن جاء في النص بوصف صالح ... للحكم سالماً من القوادحِ
وقد يسمَّى تخريج المناطِ ... أي استخراجها بالاستنباطِ
وأما تنقيح المناط المجدي ... تخليصها من كل وصف طردي
بجمع الأوصاف هنا بالحصرِ ... ثم الإبطال عن طريق السبرِ
لكل وصف لا يسوغ علّهْ ... للحكم حسب ترجح الأدلهْ
وأما تحقيق المناط فالنظرْ ... في الفرع هل تحققت ليعتبرْ(1/3)
وقد يراد تنزيل النصوصِ ... في واقع على وجه الخصوص
كمثل تقدير جزا المصيود ... أو تالفٍ أو تعديل الشهودِ
والوصف قد أتى هنا معلَّلا ... به وجاء مهملاً ومرسلا
لم يشهد الشارع باعتبارِ ... له في غيره ولا إهدارِ
وإنما الأوصاف فيه مرسلهْ ... تناسب الأحكام لا معللهْ
فهذه المصالحُ المرسلةُ ... تراعى في أحكامها المصلحةُ
بشرط كونها هنا محققهْ ... وعامة معقولة ومطلقهْ
وأجمعوا على سد الذريعةِ ... إلى المحرمات في الشريعةِ
فيُحظر المباحُ فيها دفعا ... للضرر أو المحظور شرعا
والعرف أيضاً حجةٌ شرعيهْ ... إذ أنه مصلحةٌ مرعيهْ
إذ لا يعتاد المسلمون إلاَّ ... ما كان فيه صالح تجلَّى
بشرط الاطراد والوجودِ ... مقارناً لم يُنقض في العقودِ
ولم يُعارض لدليل قطعيْ ... من النصوص وأصول الشرعِ
وخصصوا بالعرف للعموم ... مقارناً للنص والمفهومِ
وشرع غيرنا إن كان قد ورَدْ ... في شرعنا مسكوتاً عنه لم يُرَدْ
والاستحسان ههنا العدولُ ... بالحكم عما تقتضي الأصولُ
كالنصّ والقياس والقواعدِ ... إلى دليل راجح أو شاهدِ
والاستصحاب ذاك الاستمرارُ ... بالعمل الأصليِّ والإقرارُ
بالحكم في إبقاء أمر حاضرِ ... إن لم يزل موجوداً لم يُغَيَّرِ
كذلك الحكم على المعدومِ ... بالعُدْم في الأمر الجليْ المعلومِ
وصحب الأحكام هنا الشرعيةِ ... والحكم بالبراءة الأصليةِ
وترك ما كان على ما كانا ... في كل شيء واقدر الزمانا
ولا تزول أحكام اليقينِ ... إلاَّ بأمر قاطع مبينِ
فهذه أدلة الأحكامِ ... ومصدر الأئمة الأعلامِ(1/4)
(الباب الثاني : في الحكم والحاكم والمحكوم)
والحاكم الله وليس العقلُ ... وما على الرسول إلاَّ النقلُ
وإنما قد تدرك العقولُ ... الحُسنَ والحقَّ فذا المعقولُ
ولا تكليف في فعل مجهولِ ... أو غير مقدور أو مستحيلِ
والشرط في المكلف الأهليهْ ... بلوغه والقدرة العقليهْ
وحكم الشرع ذا خطاب اللهِ ... إلى مكلفي عباد اللهِ
على سبيل الاقتضا والوضع ... فهذا جعليٌّ وذاك شرعي
وخمسة أحكامه الشرعيهْ ... وسبعة أحكامه الوضعية
فواجبٌ إباحةٌ حرامُ ... ندبٌ كراهةٌ فذي الأحكامُ
فأول الخمسة ذاك الواجبُ ... وبعده الذي إليه يُندبُ
فالواجب المأمورُ فيه مُلزَمُ ... بفعله والندب ليس يلزَمُ
والواجبُ الفرضُ على نوعينِ ... فرضِ كفايةٍ وفرضِ عينِ
مضيَّقٍ أو واسعٍ وواجبٍ ... مُخيَّرٍ به وفرضٍ راتبٍ
أما الحرام ما أتى بالجزمِ ... على العباد تركُه والعزمِ
ثم المكروه تركه مطلوبُ ... بلا إلزام عكسه المندوبُ
أما المباح ما تساوى مطلقاً ... فعلٌ وتركٌ عند من قد أطلقا
وحكم الوضعِ وهو جعل الشارعِ ... شيئاً كشرطٍ لازمٍ أو مانعِ
أو سببٍ أو وصفهِ بالصحةِ ... والضدِّ والرخصةِ والعزيمةِ
فالشرط ما يلزم عند عُدْمِهِ ... عُدْمٌ كعكس مانع في حكمهِ
إذا بوجود المانع الحكم امتنعْ ... كمنع وارث إذ القتل وقعْ
والسبب الذي به الحكم يقعْ ... عند وجوده بالعُدْم ارتفعْ
بجعل أمر سبباً لأمرِ ... كشرع الحد عند شرب الخمرِ
وصحة العبادة الإجزاءُ ... لا يجب من بعدها القضاءُ
فواجب إن كانت العبادةُ ... فاسدةً في شرعنا الإعادةُ
وهي هنا في وقتها أداءُ ... وبعد فوت وقتها قضاءُ
وصحة تجعل للعقودِ ... وصفاً لدى ترتب المقصودِ
فلازمٌ بعد صحيح البيعِ ... نفوذه بتسليم المبيعِ
إذ لازم ترتُّب المشروط ... عند وجود الركن والشروطِ
والحكم إن تخلفت أركانُ ... أو سببٌ أو شرطٌ البطلانُ
وعكس صحة هنا قولانِ ... فساد أو بطلانها رأيانِ
ومحكم أصليٌّ ذا عزيمهْ ... وما عداه رخصةٌ رحيمهْ
ما كان تخفيفاً خلاف الأصلِ ... لدفع عسر طارئٍ في الفعلِ
كمرضٍ أو كِبَرٍ أو كمطَرْ ... ونحوه ومثل خوفٍ وسفَرْ(1/5)
(باب دلالات الألفاظ)
والأصل في تباين الأحكامِ ... اختلافٌ في دلالة الكلامِ
إذ الألفاظ منها ما ترادفا ... معنًى ومنها ما أتى مختلفاَ
بالاشتراك لفظهما توحَّدا ... وأما معناها فقد تعدَّدا
مشككٌ تفاوتت فيه الصورْ ... وما تواطا فالتساوي قد ظهرْ
حقيقةٌ تفاوتت فيه الصورْ ... وما تواطا فالتساوي قد ظهرْ
واللفظ في معناه إما مجملُ ... أو ظاهرٌ أو نصٌّ أو مؤولُ
فمجمل ما احتاج للبيانِ ... كمثل لفظٍ له معنيانِ
تساويا أو مشكل يُحتاجُ ... لكشف معناها وذا الإخراجُ
من حيز الإشكال في المعانيْ ... إلى التجلي تعريفُ البيانِ
ويشمل التخصيص والتعليلا ... والنسخ والتقييد والتأويلا
أجاز في هذا ذوو الألبابِ ... تأخيره عن زمن الخطابِ
لا وقت حاجة فلا يُجَوِّزُ ... إذِ التكليف عند ذاكَ يَعْوَزُ
والنص ما جاء لمعنىً أَوْحَدِ ... لا غيره كمثل اسم العدد
والظاهر الذي معناه راجحُ ... بالوضع أو بالعرف فهو واضحُ
والأصل أن تقدم الظواهرُ ... إلاَّ إذا أتى دليلٌ ظاهرُ
يدل أنها ليست مرادهْ ... فيرجح الخفي بالإفادهْ
وهو المؤول الذي معناهُ ... بعيدٌ والدليل قد قوَّاهُ
والعام ما يستغرق الأفرادا ... من الألفاظ وضعا لا الأعدادا
شموله على سبيل الجمع ... لكلِّ فرد وسبيل الدفع
والمطلق الذي شموله حصلْ ... لواحدٍ منها سبيله البدلْ
هذا وألفاظ العموم (من) و(ما) ... وكل موصول أتى كـ (أيما)
ومثل (أين) في ظرف الزمان ... (متى) كذاك في ظرف المكانِ
ولفظه الصريح مثل (كلِّ) ... كذا (جميع) عند المستدلِّ
كذاك (أل) في الجنس والجموع ... ومفردِ -لا العهد- كالجميع
والمفرد المضاف كالجمع يَعُمْ ... كمثل قول الزم هنا سبيلَهُمْ
والنكراتُ في سياق النفيِّ ... أو شرطٍ واستفهامٍ أو النّهيِّ
والخاص ما دلَّ على المحصورِ ... كالعَلَم وأعداد العشور
والعام قد يدخله التخصيصُ ... وقد يراد عنده الخصوصُ
ثم التخصيص قصر اللفظ العامِ ... على أفراد بعضه في الحكمِ
بالشرط والوصف والاستثناءِ ... أو بدلٍ أو غاية انتهاءِ
فهذه المخصص المتصلُ ... وغيرها المخصص المنفصلُ
النص والعقل كذاك الحسُّ ... إجماع والقياس هذي الخمسُ(1/6)
ومطلق دلَّ على الحقيقة ... من غير قيد يقتضي توثيقهْ
ثم مقيد كمثل المطلقِ ... دلَّ ولكن مع قيد موثقِ
فهو لشائع أتى في الجنس ... أراد واحداً من دون لبسِ
وحمله على مقيد وجبْ ... إن كانا واحداً في الحكم والسببْ
وعرَّفوا الأمر بالاستدعاءِ ... للفعل من أدنى مع استعلاءِ
بافعل وليفعل واسم فعل الأمرِ ... ومصدر كجرياً يعني اجرِ
والأصل في قول (افعل) للوجوبِ ... إلاَّ إذا يصرف للمندوبِ
أو كان بعد نهي للإباحةِ ... وراجح أنه للإعادةِ
وجاء الأمر أيضاً للإكرامِ ... كأُدخلوا الجنة في سلامِ
وللتهديد كاعملوا ما شئتمُ ... أو للإعجاز كإن استطعتمُ
والأصل في (افعل) أنها للفورِ ... ومرة فقط على المأمورِ
وإنما تقتضي (افعل) أكثرا ... من مرة بشرطٍ قد تكررا
والنهي حده استدعاء التركِ ... لفظاً كما لا تقربوا للشركِ
فالنهي إن عاد إلى الأركانِ ... أو الشروط يُقضى بالبطلانِ
كفي عبادة وليست تبطلُ ... لخارجٍ محرم قد يحصلُ
ونهيه عن شيء فعل ضدّهِ ... معنى والأمر عكسه في حدّهِ
واللفظ قد يفيد للمعلومِ ... هنا بالمنطوق أو المفهومِ
فإن يدل في محل النطقِ ... فذاك منطوق أتى بالسبْقِ
وإلاَّ مفهوم وهذا دلاَّ ... عليه لفظ جاوز المحلاَّ
وقد يكون تارةً موافقاً ... فحوى خطاب لفظه مطابقا
وتارة مسكوته أحقُّ ... بالحكم مما قد أفاد النطقُ
كالضرب بالحكم من التأفيفِ ... أولى بمقتضى النصّ الشريفِ
وقيل هذا من قياس الأولى ... وعده من المفهوم أجلى
ومنه مفهوم مخالف غدا ... معارضاً لحكم منطوق بدا
وهو هنا الدليل للخطابِ ... واختلفت فيه ذوو الألبابِ
فبعضهم لما أفاد أهملا ... وبعضهم خالفهم فأعملا
بالحصر والشرط كذا بالظرفِ ... وعددٍ وغايةٍ ووصفِ
لا إن يكن مخرجه جوابا ... أو غالباً أو ما أتى ألقابا
أو كان في تفخيمٍ وامتنانِ ... أو كان في أعدادٍ أو تبيانِ
واللفظ قد يدل بالعبارةِ ... والاقتضا والنصِّ والإشارة
فالأول الذي إلى الحكم قصدْ ... أصالةً لا تبعاً فيه وردْ
وما أتى حكمه في العبارهْ ... بالتبع دلالة الإشارهْ
والاقتضا دلالة الكلام ... على مسكوت عنه للإفهامِ
فواجب تقدير لفظ يلزمُ ... من دونه الكلام ليس يُفهمُ
لكونه قد يستحيل عقلا ... أو واقعاً أو يستحيل نقلا
دلالة للنص بالثبوتِ ... لحكمه المنصوص في المسكوتِ
لا بالقياس بل فحوى الخطابِ ... وما اقتضته لغة الأعرابِ
وهو ها المفهوم بالموافقهْ ... لعلة المنصوص بالمطابقه(1/7)
(باب تعارض الأدلة والترجيح)
وإن تعارضت هنا الأدلةُ ... في نظر الفقيه قال الجلّةُ
الجمع أولاً ثم الترجيح ... ثم توقف وهو الصحيحُ
فالجمع مثل تخصيص العمومِ ... أو كتقييد مطلق معلومِ
أو حمل فعلين على حالينِ ... أو حمل نصَّين على أمرينِ
أو يُقضى بالنسخ إذا تعذَّرا ... جمع ويُقضى للذي تأخَّرا
ثم الترجيح قد يكون بالسندْ ... كفقه الراوي أو لكثرة العددْ
أو قد يكون راجعاً للمتنِ ... إن كانا قد تفاوتا في الظنِّ
فالعام إن أتى ولم يُخصَّصِ ... أقوى هنا من عامِه المخصَّصِ
وما أتى من الحديث قولا ... أرجحُ مما كان منه فعلا
كذا المنطوق أقوى من مفهومِ ... عند تعارضِ لدى العمومِ
كذاك ما دل بالاقتضاءِ ... على ما دلَّ منها بالإيماءِ
وما أفاد الحكم بالعبارةِ ... على الذي أفاد بالإشارةِ
ورجحوا إذا أتى جليُّهَا ... كالنص إن عارضه خفيُّهَا
كذلك الحقائق الشرعيهْ ... أقوى من الحقائق الوضعيهْ
وما أتى في لفظة حقيقهْ ... أقوى من المجاز في الطريقهْ
وقد أتى الترجيح بالأحكامِ ... كمقتضى الحل مع الحرامِ
فرجحوا على التحليل الحظراَ ... ورجحوا على المبيح الأمراَ
كذلك الترجيح بالمعاني ... إن يتعارض فيها علتانِ
فما أتى من القياس أجْلا ... أرجح من خفيه وأعلا
ورجحوا بخارجٍ مساندِ ... أتى من أيما دليل عاضدِ(1/8)
(باب الاجتهاد والتقليد)
هذا ولابدَّ للاجتهاد ... من نَفَسِ الفقه والاستعدادِ
بالعلم بالأدلةِ الشرعيهْ ... وهكذا أحكامها الفرعية
كذاك فهم مدلولات اللفظِ ... والاستحضار عادةً بالحفظِ
لما عليه الفقهاءِ أجمعوا ... فيما مضى أو فيه قد تنازعوا
وجاز في الشريعة التقليدُ ... لمن للحكم منها يستفيدُ
إن كان عدلاً عالماً فقيها ... لا فاسقاً أو جاهلاً سفيها
تمَّ بحمد الله هذا النظمُ ... وخيرُ منظومٍ هديتَ العلمُ
وصلِّ اللهُمَّ على محمدِ ... ما غرَّدت بلا بلُ الروضِ النَّدِي
ورجَّعت حمائمُ الأسحارِ ... وازدانت الأشجار بالأزهارِ(1/9)