المنسك الوافر
بنظم حديث جابر وزيادات الألباني ذي المفاخر
تأليف
أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي
إمام وخطيب جامع الملك فهد بمحايل عسير
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
يقول تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) [الأحزاب :21] فما أجمل التشبث بالسنن , والاعتصام بالنصوص ، عند اختلاف الناس ، وحصول النزاعات ، ومنها ما قد يكون في أمور العبادات والشعائر.
وانطلاقاً من ذلك المسلك ، رأيت حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه , أحسن حديث وأتمه في سياقة حجة النبي صلى الله عليه وسلم , ورأيت الشيخ الألباني رحمه الله قد خرجه وجمع طرقه وزاد ما وقف عليه في بطون الأسفار ، من زوائد حملة الأخبار ، فغدا منسكاً بهيجاً منيراً , لا ينقصه إلا إشاعته في الناس .
فاستعنت الله تعالى في نظمه وتقريبه للناس ، فحصل ذلك بحمد الله تعالى , ثم امتن الباري بشرحه والتعليق عليه ، وكشف أسراره ومغازيه. ثم ذيلت عليه بالفوائد الفقهية من حديث جابر هذا الطويل ، ثم الفوائد التربوية . ثم نفائس وعيون من ترجمة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله، الذي كان أحفظ الصحابة لهذه الحجة ، ونال ثواب تبليغها ونشرها بين الناس.(1/1)
وقد سرت في هذا الشرح على طريقة أهل الحديث في تتبع الأدلة، ونبذ الآراء , باحثاً عن الحق ، جاداً في طلبه ، غير متعلق بمذهب ولا رأي ولا شيخ، إلا إذا حالفه الدليل ، وأسميته
( المنسك الوافر بنظم حديث جابر وزيادات الألباني ذي المفاخر).
والله المسئول ، أن يجعلنا من أنصار دينه ، المتبعين لنبيه ، الذابين عن سنته إنه جواد كريم .
وقد كانت الرغبة عندي ملحة أن أكتب منسكاً ، أقفو أثره، أراجعه كل سنة ، مستطيباً لفظه ، واعياً معناه ، حتى تحققت تلك الأمنية بتوفيق الله تعالى .
وإنني لشاكر كل من أسدى فائدة ، أو ذكر بمسألة أو نبه بنصيحة , لإتمام هذا البحث وإنجاحه .
وأخص بالشكر الشيخين الفاضلين / أحمد الغامدي ، وأحمد العامر على تشجيعهم لشخصي الضعيف ، وقيامهما بالتذكير والمراجعة ، فجزاهما الله خير الجزاء ، فإن العلم رحم بين أهله .
وإن أفادك إنسان بفائدةِ
من العلوم فأدمن شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحةً
أفادنيها ودعك الكبر والحسدا
وأعتذر للقراء الكرام من إعواز في النقل ، واهتزاز فى النظم ، تفرضها الآثار النبوية ، والمسائل الفقهية .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
المؤلف
نص حديث جابر رضي الله عنه
بزيادات الشيخ الألباني رحمه الله
قال جابر رضي الله عنه :
1 - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث [ بالمدينة : ن شا جا حم ] تسع سنين لم يحج .
2 - ثم أذن في الناس في العاشرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج [ هذا العام : ن جا حم ] .
3 - فقدم المدينة بشر كثير ( وفي رواية : فلم يبق أحد يقدر أن يأتي راكبا أو راجلا إلا قدم : ي ن [فتدارك الناس ليخرجوا معه : ن شا ] كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله .(1/2)
4 - [ وقال جابر رضي الله عنه : سمعت - قال الراوي : أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : مج فقال : ( مهل أهل المدينة من ذي الحليفة
و[ مهل أهل ] الطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق مهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم ) : نخ مج شا طي هق حم ]
5 - [ قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم :د ت مج
هق حم] [ لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع : ن جا هق ] .
6 - [ وساق هديا : ن ] .
7 - فخرجنا معه [ معنا النساء والولدان : م نخ ] .
8 - حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد ابن أبي بكر.
9 - فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ؟
10 - [ ف ] قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي .
11- فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد [وهو
صامت : ن ].
12 - ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء [ أهل بالحج ( وفي رواية : أفرد الحج : مج سع ) هو وأصحابه : مج ] .
13 - [ قال جابر : د مج هق ] : فنظرت إلى مد بصري [ من : دمي مج جا ] بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به .
14 - فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك .
15 - وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ( وفي رواية :
ولبى الناس [ والناس يزيدون : جا حم ] : جا هق حم ) [ لبيك ذا المعارج لبيك ذا الفواضل : د حم هق ] فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه .
16 - ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته .(1/3)
17 - قال جابر [ ونحن نقول [ لبيك اللهم : خ ] لبيك بالحج : م مج ] [ نصرخ صراخا : م ] لسنا نعرف العمرة : جا ) وفي أخرى : أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا ليس معه غيره خالصا وحده : سع )
18 - [ قال : وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كانت ب ( سرف )
عركت : م نخ].
دخول مكة والطواف
19 - حتى إذا أتينا البيت معه [ صبح رابعة مضت من ذي الحجة : م نخ د مج طح طي سع هق حم ] ( وفي رواية : دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ) :
20 - أتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد ف: خز حا هق ).
21 - استلم الركن ( وفي رواية : الحجر الأسود : حم جا ).
22 - [ ثم مضى عن يمينه : م ن جا هق ] .
23 - فرمل[ حتى عاد إليه : حم ] ثلاثا ومشى أربعا [ على هينته : طح ].
24 - ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ ورفع صوته يسمع الناس : ن ] .
25 - فجعل المقام بينه وبين البيت [ فصلى ركعتين : هق حم ] .
26 - [ قال : ن ت ] : فكان يقرأ في الركعتين : ( قل هو الله أحد ) و( قل يا أيها الكافرون ) ( وفي رواية : ( قل يا أيها الكافرون )
و( قل هو الله أحد ) .
27 - ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه : حم ] .
28 - ثم رجع إلى الركن فاستلمه .
الوقوف على الصفا والمروة
29 - ثم خرج من الباب ( وفي رواية : باب الصفا : طص ) إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله )
أبدأ ( وفي رواية : نبدأ : د ن ت مي ما جا هق حم طص ) بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت .
30 - فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره [ ثلاثا : ن هق حم ](1/4)
و[ حمده : ن مج ] وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد [ يحيي ويميت : د ن مي مج هق ] وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده [ لا شريك له : مج ] أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات .
31 - ثم نزل [ ماشيا : ن ] إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا [ يعني : مج ] [ قدمناه : مج ما ن ]
[ الشق الآخر : حم ] مشى حتى أتى المروة [ فرقى عليها حتى نظر
إلى البيت : ن حم ] .
32 - ففعل على المروة كما فعل على الصفا
الأمر بفسخ الحج إلى العمرة
33 - حتى إذا كان آخر طوافه ( وفي رواية : كان السابع : جا حم على المروة فقال : [ يا أيها الناس : حم ] لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و[ ل : د جا هق حم ] جعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ( وفي رواية : فقال : أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا . حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة : خ م ).
34 - فقام سراقة بن مالك بن جعشم ( وهو في أسفل المروة : جا حم ) فقال : يا رسول الله [ أرأيت عمرتنا ( وفي لفظ : متعتنا : ن مج هق ) هذه : ن طح ] [ أ : نخ مي مج جا هق حم ] لعامنا هذا أم لأبد [ الأبد : مج ] ؟ [ قال : مج ] فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج [ إلى يوم القيامة : جا حم ] لا بل لأبد أبد [ لا بل لأبد أبد : د مي هق ] [ ثلاث مرات : جا ] .
35 - [ قال : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيما العمل ؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما نستقبل ؟ قال : لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير . قال : ففيم العمل [ إذن : حم ] ؟ قال : اعملوا فكل ميسر : طي حم ] ( لما خلق له : حم ].(1/5)
36 ( قال جابر : فأمرنا إذا حللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في
الهدية : م طي حم ] [ كل سبعة منا في بدنة : طي حم ] [ فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله : ما هق ] .
37 - [ قال : فقلنا : حل ماذا ؟ قال : الحل كله : م نخ طح
طي حم ] .
38 - [ قال : فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا : ن حم ] .
النزول في البطحاء
39 - [ قال : فخرجنا إلى البطحاء قال : فجعل الرجل يقول : عهدي بأهلي اليوم : حم ] ( 38 ) .
40 - [ قال : فتذاكرنا بيننا فقلنا : خرجنا حجاجا لا نريد إلا الحج ولا ننوي غيره حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربع : حم ]
( وفي رواية : خمس [ ليال ] أمرنا أن نفيض إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني [ من النساء ] قال : يقول جابر بيده ( قال الراوي ) : كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها [ قالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج ؟ : خ م ] .
41 - قال : [ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء بلغه من قبل الناس : م ] .
خطبته صلى الله عليه وسلم بتأكيد الفسخ وإطاعة الصحابة له
42 - [ فقام : م نخ ن مج طح ] [ فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه : طح سع حم ] فقال : [ أبالله تعلموني أيها الناس : خا ] قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم [ افعلوا ما آمركم به فإني :
م خ ] لو لا هديي لحللت كما تحلون [ ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله : خ ] ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا : م نخ ن مج طح سع هق ] .
43 - [ قال : فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا : م نخ ن حم ] [ وسمعنا وأطعنا : م نخ طح ] .
44 - [ فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي : مج طح هق ] .
45 - [ قال : وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة : خ هق حم ] .
قدوم علي من اليمن مهلا بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم .(1/6)
46 - وقدم علي [ من سعته : م ن شا هق ] من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم .
47 - فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل : [ ترجلت : جا ]
ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها [ وقال : من أمرك بهذا ؟ : د هق ] فقالت : إن أبي أمرني بهذا .
48 - قال : فكان علي يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاعلى فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها [ فقالت : أبي أمرني بهذا : د هق ] فقال : صدقت صدقت [ صدقت : ن جا حم ] [ أنا أمرتها به : ن جا حم ] .
49 - قال جابر : وقال لعلي : ما قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
50 - قال : فإن معي الهدي فلا تحل [ وامكث حراما كما أنت:ن] .
51 - قال : قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم [من المدينة : د ن مج جا هق ] مائة [ بدنة : مي ] .
52 - قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي .
التوجه إلى منى محرمين يوم الثامن
53 - فلما كان يوم التروية [ وجعلنا مكة يظهر : خ م نخ ن حم ] توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج [ من البطحاء : خ م طح هق حم ] .
54 - [ قال : ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج [ ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي : حم د ] ففعلت : م نخ د ن طح هق حم ] .
( وفي رواية : فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت : حم ) .(1/7)
55 - وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها ( يعني : منى وفي رواية : بنا : د ) الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .
56 - ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس .
57 - وأمر بقبة [ له : د جا هق ] من شعر عملا له بنمرة .
التوجه إلى عرفات والنزول بنمرة
58 - فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام [ بالمزدلفة : د جا هق ] [ ويكون منزله ثم : م ] كما كانت قريش تصنع في الجاهلية - فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها .
59 - حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ف [ ركب حتى : د مج ] أتى بطن الوادي.
خطبة عرفات
60 - فخطب الناس وقال :
( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا [ و: مج جا ] [ إن : د مي مج هق ] كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي [ هاتين : مج جا ] موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث [ ابن عبد المطلب : د هق ] - كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا : ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان [ ة : د شا مج هق ] الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله
و[ إن : د مي مج هق ] لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف و[ إني : جا هق ] قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله وأنتم تسألون وفي لفظ : مسؤولون : د مي مج جا هق ) عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت [ رسالات ربك : جا ] وأديت ونصحت [ لأمتك وقضيت الذي عليك : جا ] فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد اللهم اشهد ) .
الجمع بين الصلاتين والوقوف على عرفات(1/8)
61 - ثم أذن [ بلال : مي مج جا هق ] [ بنداء واحد : مي ]
62 - ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر
63 - ولم يصل بينهما شيئا
64 - ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ القصواء : جا ] حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة .
65 - فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى
غاب القرص.
66 - [ وقال : وقفت ههنا وعرفة كلها موقف : د ن مي مج
جا حا حم].
67 - وأردف أسامة [ بن زيد : مج جا هق ] خلفه .
الإفاضة من عرفات
68 - ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية : أفاض وعليه السكينة : د ن مج ) وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمني [ هكذا : وأشار بباطن كفه إلى السماء : ن ] أيها الناس السكينة السكينة .
69 - كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد .
الجمع بين الصلاتين في المزدلفة والبيات بها
70 - حتى أتى المزدلفة فصلى بها [ فجمع بين : د جا ] المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين .
71 - ولم يسبح بينهما شيئا .
72 - ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر .
73 - وصلى الفجر حين تبين له الفجر بأذان وإقامة .
الوقوف على المشعر الحرام
74 - ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام [ فرقى عليه :
د مج جا هق ] .
75 - فاستقبل القبلة فدعاه ( وفي لفظ : فحمد الله : د مج جا هق ]
وكبره وهلله ووحده .
76 - فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا .
77 _ وقال : وقفت ههنا والمزدلفة كلها موقف : م د ن مج جا
حم ) .
الدفع من المزدلفة لرمي الجمرة
78 - فدفع [ من جمع : هق ] قبل أن تطلع الشمس [ وعليه السكينة : د ت هق حم ] .
79 - وأردف الفضل بن عباس- وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما .(1/9)
80 - فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن تجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر .
81 - حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا [ وقال : عليكم السكينة : مي ] .
رمي الجمرة الكبرى
82 - ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج [ ك : ن د مي مج جا هق ] على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة
83 - فرماها [ ضحى : م نخ د ت طح جا قط هق حم ] بسبع حصيات
84 - يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف
85 - [ ف : د هق ] رمى من بطن الوادي [ وهو على راحلته
[ وهو : ن] يقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه : م د ن هق حم سع]
86 - [ قال : ورمى بعد يوم النحر [ في سائر أيام التشريق : حم ] إذا زالت الشمس : م د ن ت مي مج طحا جا حا هق حم ] .
87 - [ ولقيه سراقة وهو يرمي جمرة العقبة فقال : يا رسول الله ألنا هذه خاصة ؟ قال : لا بل لأبد : خ م هق حم ] .
النحر والحلق
88 - ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين [ بدنة : مج ] بيده
89 - ثم أعطى عليا فنحر ما غبر [ يقول : ما بقي : د جا هق ]
وأشركه في هديه .
90 - ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها .
91- ( وفي رواية قال : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه
بقرة : م ) .
92 ( وفي أخرى قال : فنحرنا البعير ( وفي أخرى : نحر البعير : حم) عن سبعة والبقرة عن سبعة : م نخ حم ) ( وفي رواية خامسة عنه قال : فاشتركنا في الجزور سبعة فقال له رجل : أرأيت البقرة أيشترك ؟ فقال : ما هي إلا من البدن : نخ ) .(1/10)
93 - ( وفي رواية : قال جابر : كنا لا نأكل من البدن إلا ثلاث منى فأرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلوا وتزودوا ) : حم ) . [ قال : فأكلنا وتزودنا : خ حم ] [ حتى بلغنا بها المدينة ].
رفع الحرج عمن قدم شيئا من المناسك أو أخر يوم النحر
94- ( وفي رواية : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم [فحلق:حم ]
95 - وجلس [ بمنى يوم النحر : مج ] للناس فما سئل [ يومئذ : مج ] عن شيئ[ قدم قبل شيء : مج ] إلا قال : ( لا حرج لا حرج )
"حتى جاءه رجل فقال : حلقت قبل أن أنحر ؟ قال : ( لا حرج ) " .
96 - ثم جاء آخر فقال : حلقت قبل أن أرمي ؟ قال : لا حرج .
97 - [ ثم جاءه آخر فقال : طفت قبل أن أرمي ؟ قال : لا حرج :
مي حب ] .
98 -[قال آخر : طفت قبل أن أذبح قال : ذبح ولا حرج : طح ].
99 - [ ثم جاءه آخر فقال : إني نحرت قبل أن أرمي ؟ قال : [ ارم و: طي حم ] لا حرج : مي مج طح حب طي حم ] .
100 - [ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : قد نحرت ههنا ومنى كلها منحر : حم مي م د جا هق ] .
101 -[ وكل فجاج مكة طريق ومنحر : د حم مج طش حا هق ].
102 - [ فانحروا من رحالكم : م مج د هق ] .
خطبة النحر
103 - [ وقال جابر رضي الله عنه : خطبنا صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : أي يوم أعظم حرمة ؟ فقالوا : يومنا هذا قال : فأي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا : شهرنا قال : أي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا هذا قال : فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد : حم ] .
الإفاضة لطواف الصدر
104 - ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت
فطافوا.
105 - [ولم يطوفوا بين الصفا والمروة : د طح هق حم سع ] .
106 - فصلى بمكة الظهر .(1/11)
107 - فأتى بني عبد المطلب [ وهم : نخ مي مج جا هق ] يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم
108 - فناولوه دلوا فشرب منه ) .
تمام قصة عائشة
109 - [ وقال جابر رضي الله عنه : وإن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت : خ حم ] .
110 - [ قال : حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا : م د ن هق حم ] .
111 - [ قالت : يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج ؟ : خ حم ] [ قال : إن لك مثل ما لهم : حم ] .
112 - [ فقالت : إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت : م د ن طح هق حم ] .
113 - [ قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه : م هق ].
114 - [ قال : فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم .
115 - [ فاعتمرت بعد الحج : خ حم ] [ ثم أقبلت : حم ] وذلك ليلة الحصبة : م ط هق حم].
116 - [ وقال جابر : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه : م د حم ] .
117 - [ وقال : رفعت امرأة صبيا لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر : ت مج هق ].
وهذا آخر ما وقفت عليه من ( حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) برواية جابر رضي الله عنه والحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله .
رموز الشيخ الألباني فى كتابه
فللبخاري .......................................................................... خ
ومسلم ............................................................................ م
وأبو داود .......................................................................... د(1/12)
والنسائي .......................................................................... ن
والترمذي ......................................................................... ت
والدارمي ......................................................................... مي
وابن ماجه ........................................................................ مج
ومالك في ( الموطأ ) ................................................................ ما
والشافعي في مسنده وفي سننه بواسطة ( بدائع المنن ) ................................ شا
وابن سعد ....................................................................... سع
والطحاوي في ( شرح المعاني ) ..................................................... طح
والطحاوي في ( مشكل الآثار ) .................................................... طش
والطبراني في ( الضغير ) ........................................................... طص
وابن خزيمة في صحيحه ............................................................. خز
والدارقطني ........................................................................ قط
وابن حبان ....................................................................... حب
وابن الجارود ....................................................................... جا
والحاكم ........................................................................... حا
والبيهقي .......................................................................... هق
والطيالسي ........................................................................ طي
وأحمد ............................................................................ حم(1/13)
وأبو نعيم في ( المستخرج ) ......................................................... تخ
( منظومة المنسك الوافر )
الحمدُ لله على التدينِ
وشرعهِ اليسير والمبين
وكلُّ ما كانَ من الشرائعِ
في دينِنا من أطيَبِ الروائعِ
وصلّى ربُّنا مع السلامِ
على الذي حجَّ على التمامِ
نبينِا القارنِ في الأنساكِ
الخاشعِ الماضي بِلا عِراكِ
القانتِ الخاضعِ في المشاعرِ
بلا تطاولٍ ولا تفاخرِ
وآلِه وصحِبه العبّادِ
مَنْ حجّوا باِلتقوى وبالأزوادِ
وبعدُ فالحج من الأركان
وأعظمِ الخصالِ للإيمانِ
مبرورْ الطريقُ للجنانِ
والماحي للخطايا والعصيان
وإنني حين قدومِ الموسمِ
أعكفُ للبحث وللتعلمِ
مراجعاً مسائلَ المناسكِ
لأندرجْ في تِلكمُ المسالكِ
مسالكِ الأئمة الأبرارِ
وحاملي الحديث والآثارِ
مقتفياً النصَ والدليلَ
لا الرأيَ والمذهبَ والنبيلَ
وقد نظرتُ الكُتْبَ والأسفارا
لأبلُغَ الخِلاقَ والمختاراَ
مطالعاً لأكثرِ المسائلِ
وكلّ ما صُنّف من رسائلِ
في عصرنا المملوء بالأصنافِ
منابذي التحقيق والإنصافِ
حتى نظرتُ التبر والجواهرا
وقُرةَ العيون والمفاخرا
في حَجة النبيِّ للألباني
أستاذِنا رَيحانةِ الزمانِ
الحافظِ المحدثِ الشهيرِ
والجهبذ الفقيه والبصيرِ
فإنّها من أحسن المكتوبِ
وأنفسِ المحصول والمكسوبِ
جملها بالنص والتحريرِ
والبحث والتحقيقِ والتبصيرِ
لم يحملِ الأهواءَ والأراءَ
وانتهجَ النصوصَ والأنباءَ
وعلَّق المفيدَ والجميلَ
وبيّن الضعيفَ والعليلَ
وأصله فيما رواه (جابرُ)
في حجِه وصحبهُ الأكابرُ
خرَّجه الشيخُ على استيعابِ
متمَّما عن أشهرِ الصحابِ
فأكملَ الأخبارَ والزوائدا
وأظهرَ المعاني والفوائدا
فجاء منقولاً على الكمال
كأنه مشطورُ من جمالِ
وإنه من أحسن الأخبارِ
في وصف حجةْ سيد الأبرارِ
قد زانَه الإتقانُ والإتمامُ
وحاطه الأئمة الأعلامُ
بالحفظ والإيصال والتحليلِ
والشرح والتقديم والتبجيلِ
مشتملٌ لأشهر الفوائدِ
…(1/14)
وجامعٌ لأعظم القواعدِ
وإنه من أفضل المناسكِ
مقدَّم من غير ما مشاركِ
وجابرٌ فيه من الأثباتِ
الضابطي النصوصِ والوعاةِ
خرجه مسلمُ في الصحيحِ
…
بلفظهِ المتوَّج المليحِ
والشيخ زاده بذا الإبحارِ
وتمَّم المنقوصَ بالآثارِ
فجاء منقوشاً كذي الأخرازِ
مبيناً من غير ما مجاز
وقد رأيتُ نظمَه مسترشدا
بكل ما قرَّره وقيّدا
لأنفعَ الإخوان والطلابا
وأنشرَ السنَة والصوابا
لاسيما من يبتغي التسننا
ويطلب النجاةَ والتصوَّنا
ويرتجي منازل الأتباعِ
الحاملي السنة في النزاعِ
كأحمدِ ومالك والثوري
والشافعيْ والحنبلي المشهورِ
ومسلم وشيخه البخاري
وغيرهم من صفوة الأخيارِ
فاصْغِ إليَّ أيها المتِّبعُ
إنْ كنتَ تبغي الحجَ إذ تنتفعُ
تَحُجُ بالأقمار والأنوار
مِنْ سُنَن المعلِّم المختار
لتحظى بالسنة والنجاةِ
وتأمنَ التقليدَ للغواة
فيالها من فرحة رضيةْ
مشرقةٍ وافيةٍ بهيةْ
وقد روى عن جابر ثقاتُ
أئمةٌ أجلةٌ أثبات ُ
مجاهدٌ عطاءُ والسمانُ
والباقرَ المحدِّث النبهانَ
وطلحةُ النزيلُ والمنكدرُ
أبو الزبيرِ السابعُ المشتهِرُ
فهؤلاءْ أصحابُه الكبارُ
عليهمْ في الروايةِ المدارُ
يقول جابرٌ هو الأنصاري
ياربِّ فارضَه مع الأبرارِ
بطيبة قد مكثَ الرسولُ
تسعاً بلا حجٍ كذا نَقولُ
وعامَ عشرٍ أُذِّن في الناس
بأننَّا للحج ذو التماسِ
فقدِمَ المدينةَ الكثيرُ
من البشرْ وكلُّهم مسرورُ
تَداركُوا الخروجَ باستعجالِ
مِنْ راكبينَ النوقَ والرجالِ
فلم يكنْ من واحدٍ يقتدرُ
أن يدركَ الحجَّ فلا يعتذرُ
تراهُم من راكبٍ وراجلٍ
يلتمسونَ أرفعَ الفضائلِ
يرجونَ الإتمامَ بالرسولِ
ليفعلوا كفعلِه الجميلِ
وعندها قامَ الرسولُ يخطبُ
يبيّن الميقاتَ ويرغِّبُ
مَهَل ذي المدينة فاستمعِ
من ذي الحليفةْ يا أخي فاتّبِع
والجحفةْ إحرامُ الطريقِ الآخرِ
وأْهلُ العراق ذاتُ عرقٍ فأثُرِ
وأهلُ نجد أحرموا من قرنِ
ومِنْ يلملمٍ يُهِل اليمني
وكان في ذي القعدةِ النبيْ خَرَجْ(1/15)
لأربعِ وخمسة قد انتهَج ْ
وساق هدياً يتقي الرحمنا
…
واستحملَ النساءَ والولدانا
ونحن قد خرجنا في مسعاهُ
وليسَ مِنْ خيرٍ لنا نأباهُ
وفي الحليفةْ ولدت أسماءُ
(محمداً ) وجاءها القضاءُ
اغتسلي واستنفري بالثوبِ
وأحرمي دونَ حياً وعَيْبِ
وعندها قامَ النبي وصلّى
…
وصامتٌ بعدُ وما قد لبَّى
وبعدَها قد ركبَ القصواءَ
واستوت الناقةُ ذا البيداءَ
وأفردَ الحج كذا أهلَّ
وصحبُه الكرامُ مَنْ أحل َّ
ثم نظرتُ منتهى الإبصار
…
أمامه مِنْ راكبٍ وجاري
ومثله فى اليُمْن واليسارِ
والخُلْف مثلهُ بلا تماري
وإنّه في جمعنا يقظانُ
ثمَّ عليهِ ينزلُ القرآنُ
وإنّه ليعرفُ التأويلا
ويُدركُ التفسيرَ والتفصيلا
وكل ما عملْ من الأشياءِ
…
نعملُهُ مِنْ غير ما امتراءِ
ثم أهلَّ بعدُ بالتوحيدِ
تلبيةَ المعظِّم الشديدِ
والناسُ بعده بذا أهَلّوا
وزادوا ألفاظاً وما أخلّوا
لبيك ذا المعارجِ الفواضلِ
…
ويسَمعُ النبيُّ غيرَ عاذلِ
لكنه لقوله قد لَزِما
وما أضافَ شيئاً مما عُلم
ونحن لبيّنا معه بالحجِ
نصرَخُ صُراخاً عالياً كالرجِّ
لا نخلطه بعمرةٍ ولا نرى
غيرَ الذي قلناه فاسمعْ ماجرى
وعائشة بعمرة قد أقبلت
…
حتى أتت إلى سَرِف فعركت
حتى أتيناَ البيتَ في الصباحِ
في رابع الحجة ذي الفلاح
ثم الدخولُ كان عندما ارتفعْ
ذاك الضحى فافهم أُخيَّ واستمع
ثم أتى النبيُّ بابَ المسجدِ
…
والراحلةْ أناخها بمعقِدِ
واستلمَ الركنَ بذا الطوافِ
ولم يكنْ كهيئة الأجلافِ
ثمَّ مضَى عن اليمين يَرمُلُ
فيه ثلاثاً خاشعاً يَذَّللُ
وبعدها نفذْ إلى المقامِ
وتاليَ الآيةِ للإعلامِ
وصلى ركعتينْ خلفَ المقامِ
…
يوحِّد الرحمنَ بالتمامِ
وقد قرأْ الإخلاصَ والكفارا
ليدحرَ الأوثانَ والأحجارا
وبعدَها لزمزمٍ قد ذهَبا
وصبَّ فوقَ رأسِهِ وشَرِبا
ثم إلى الركن له قُفُولُ
مسلِّما كما روى العُدول
ثم إلى باب الصفا توجّهَ
حتى دنا وكان ما استهلها
بآيه الصفا من القرآن
وقال نبدأ بلا كتمان(1/16)
واستقبل القبلة بالتوحيدِ
وكبر الله وبالتحميدِ
وردد الذكر الذي قد شُهرا
ثم دعا خلالَه مكرراً
ثلاثَ مراتٍ بلا جِدالِ
فدُ مْ على هذا بلا كَلالِ
وصار بعدَها للمروةْ ماشيا
حتى إذا وافى هناكَ الواديا
سعَى به سعياً يضاهي الركْضا
مُجتهداً ، مشمِّراً حتى انقضى
وبعدَه مشى بلا استعجالِ
للمروةْ راقياً على جَلالِ
ونظرَ البيت العتيقَ وفعَلْ
كما فعلْ على الصفا وما غفلْ
حتى إذا كانَ بالشوطِ السابعِ
بالمروةْ راقياً عليها فاسِمَعِ
يا أيها الناسُ لو استقبلتُ
من أمرىِ ما استدبرتُ ما فعلتُ
من سوقيَ الهديَ ولَجعلتُ
إحراميَ العمرةَ ولأَحللَتُ
لكنْ أَحِلوا أنتم وطوفوا
بالبيتِ والصفا ولا تخافوا
وقصِّروا بعدُ وابقَوا حلالا
وباشروا فى الترويهْ الإهلالا
بالحج واجنَحوا إلى التمتعِ
فإنَّه الأنفعُ للذى يعيِ
فقامَ عند ذا سراقةْ الجعشمي
يسألُه عن الذى لم يعلَمِ
أهَذِه العِمرةْ لهذا العام
أما أنها لسائر الأعوام؟!
فشبَّك الرسولُ في يديهِ
والعمرةْ في الحج بلا تمويهِ
من حين ما عرفت للتنادِ
وإنها لأبَدِ الآبادِ
ثم سراقهْ قال : يا نبيَّنا
بيّن لْنا شِرعَتنا وديننَا
كأننا خُلقنا ، فيما العملُ
بما جرى التقديرُ أم نستقبلَ ؟!
قال بما قد جفَّت الأقلامُ
وقدَّر المهيمنُ العلاَّمُ
وعادَ قائلاً : ففيمَ العمَلُ
فردَّ ناصحاً : ولكن اِعملوا
فرُّبنا قد يسَّر الإنسانا
لخلقِه وبعده أعانا
فذو السعادةْ يطلب النجاءَ
وذو الشقاوةْ يطلبُ الشقاءَ
وبعدما أَمرنا بالإحلالِ
أُمرنا بالهدي لذي الجلالِ
واجتمعَ السبعةُ في الهديّةْ
مرخَّصاً مِنْ سيّد البريّةْ
ومَنْ عُدِمْ هدياً ولما يِجِدِ
فليصُمِ الآن بلا ترددِ
ثلاثةً في مكةٍ كذا العددْ
وسبعةً في أهله إذا وردْ
فقلنا : حِلٌّ ماذا يا رسولُ
…
الحِلُّ كلُّه ولا تُطيلوا
فكَبُرَ المطلوبُ والمأمورُ
وضاقت النفوسُ والصدورُ
وبعدها خرجنا للبطحاءِ
وبعضُنا ، عَهدُهُ بالنساءِ
في ذلك اليوم وكلٌ يذكرُ(1/17)
مسيرَنا هذا وما يُستَنكر
فَبلغ الرسولَ مَا نقولُ
مِنَ السما أتاه أم نقُولُ
فقام يخطُبُ بالحمدِ يُثني
يا أيها الناس ، أفيدوا أني
أتقاكُم للواحدِ الديانِ
ثم أُريكمُ بلا نكرانِ
فافعلوا ما أمرتُ لولا الهديُ
لكنتُ أحللتُ بذا رضيُّ
ولكنْ لا يَحِل لي الحرامَ
حتى تُرى مَحِلها الأنعامُ
لو أنني استقبلت ما استدبرتُ
لم أَسُق الهديَ ولا قلّدتَ
فحِلّوا أنتم بلا اشتباهِ
فما صنعتمْ مِنْ رجاءِ اللهِ
وقد أتينا الطيبَ والنساءَ
وقد خلعنَا قبلَه الرداءَ
كذا لبسنا الثوبَ وانصرفنا
ونهجُنا سمعنا وأَطعنا
تحللَ الحجيجُ أجمعونا
وقصَّروا سِوى الألى يَهدونا
نحوَ النبىْ وطلحةِ الفياضِ
ذوي التقى والخير والمراضىِ
ثم عليٌ قد أتى بالبُدْن
وفارغاً مِنْ سعيه باليمنِ
فألفَى فاطمةْ الرضى ترجّلتْ
وارتدتِ الصبيغَ وتكحّلتْ
فأنكرَ الذي مِنهَا رآهُ
قالت : أبيْ الآمرُ لنْ نعصاهُ
ثم عليٌّ قد غدَا محرَّشا
لفاطمةْ الزهراءِ ومناقِشا
نبيَّنا المختارَ ذا النوالِ ؟
فقالَ : صادقهْ بلا جدِالِ
فقال : ما نطقت فى الإهلالِ ؟
قلتُ : بإهلال النبيْ المفضالِ
فقال : لا تحلُّ قد أهدينا
وامكُثْ حراماً ريثما يأتينا
فكانت الهدايا باجتماعِ
نحوَ المائةْ من غير ما نزاعِ
وجاءتِ الترويْه أعني الثامنا
وعندَها توجهوا إلى مِنَى
أَهلُّوا بالحج مِنْ البطحاءِ
دونَ ترددٍ ولا مراءِ
ثم دخلْ لزوجهِ الوفيهْ
فألَفَها باكيةً شقيةْ
فقال : ما شأنُكِ بينَ الناس ؟
باكيةً من غير ما مسِاسِ
فقالت شأني أنني قد حضت ُ
والناس قد حلوا وما أحللتُ
ولم أطف بالبيت ثم الناسَ
يلوون للحج له التماسُ
فقال : إنَّ هذا أمر كُتبا
على بناتِ آدمَ وانسَحبا
فاغتسلي للحِّج وأَهلي
واصنَعي ما يُصنَعُ كالمُحِلِّ
إلا الطوافْ والصلاةَ اجتنبِ
فاسمَعي للقولِ ولا تكتربِ
فأدت المنسَكَ بائتلافِ
غيرَ الصلاةْ بالبيتِ والطوافِ
وبعدَها إلى مِنى قد ركبوا
وصلَّوا الخمسَ بها واقتربوا(1/18)
ثم مكثْ بعد صلاةِ الفجرِ
إلى طلوع الشمس فاسمَعْ وادرِ
ثم أمرْ بقبةٍ من الشعَرْ
ونازلاً في نَمرهْ كذا أُثِرْ
وسار حينَها ولا ترتابُ
قريشُ أن يَفعلَ ما يُعابُ
من كونهم فيما مضى قد أَزلفوا
وأنّه في نُزْلِهم لا يَقِفُ
حيث أجازَ بعد هذا المشعرا
معرِّفا فى نَمْرهُ إِذ أمرا
بالقبةِ المعدْه للنزولِ
مخالفاً عوائدَ الفُضولِ
وحينما قد زاغت الشمسُ أمرْ
بِالقصواء فرُحِّلت لِينتشِرْ
حتى أتى مكانَ بطن الوادي
فقام خاطباً بذي العبادِ
إنَّ دماءكم كذا الأموالا
محرمهْ فأْصغوا ، ولا جدالا
كحرمةِ اليومِ وهذا الشهرِ
في البلد المقدَّس المطهرِ
وكل شىءٍ من أمور الجاهلي
فإنه موضوعُ تحتَ أرجلي
كذا دماءُ مِنْ مضى موضوعهْ
أَولاها بالوضعِ دَمُ ربيعهْ
وأولْ ما نضعْ ربا العباسِ
ورُّبنا الماحي لذي الأدناسِ
والله فَاتقوه في النساءِ
وعاشروا من غير ما جَفاءِ
فأخذُكم قد كان بالأمانةْ
ومَسُّهنْ بالكِلمةِ المصَانةْ
وحقكُم لا يُوطأُ السريرُ
فإنْ يكنْ فالضربْ والنكيرُ
وحقهُنَّ الرزقُ والكساءَ
بذلك المعروف لا غَلاءُ
وقد تركتُ ماحَىِ الضلالِ
ودافعَ البلاء والأهوالِ
أعنىِ كتاب الله ذا الأنوارِ
وعنّىِ تسألون اختبار
فما تقولونَ إذا سئلتمُ
في ذلك اليوم وقد حضرتم؟!
نشهدُ بالبلاغ والأداءِ
والنصحِ للأمة والقضاءِ
فحرك السبابةْ للسماءِ
اِشهدْ على المقول يا رجائىِ
وبعده أُذن للصلاةِ
للظهرِ والعصر بلا أناةِ
ولم يصلِّ بينها نوافلا
فكنْ لما يُنقل فهما عاملا
وبعدها سارَ إلى الصَخْراتِ
مستقبلاً لمجمعِ المشاةِ
مستقبلاً قبلةَ ذي الجلالِ
دونَ تكاسلٍ ولا استغفالِ
فلم يزل حتى غروبِ الشمسِ
يذكُر ربَّه بغير بخْسِ
وها هنا وقفتُ بابتهاجِ
وكلُّها موقفُ للحجاجِ
وأردفً أسامةَ بن زيدِ
وفاضَ بالسكينة والترشيد
وشنَقَ الزمامَ للقصواءِ
وباطنُ الكف إلى السماءِ
السكينةَ السكينْة يا أناسُ
واحتدَّت الأرواح والأنفاسُ
وكَّلما أتى حبلاً من الحبالِ(1/19)
أرخى لها صُعْداً بلا أثقال
حتى أتى جَمْعاً وفيها جمَعا
تلك الصلاةَ بأذانٍ سُمِعا
ولم يكن أذن في الجميعِ
وفيهما أقامَ للتشريع
ولم يسبح بينهم في الأثرِ
ثم اضطجَعْ إلى طلوع الفجرِ
ثم أقامهَا مع البيانِ
بلا تعجُّبٍ ولا تواني
ثمَّ ركِبْ للمشعر الحرامِ
وأكثَرَ الدعاءَ للعلاّمِ
مهلِّلاً موحِّداً مكبراً
وظلَّ واقفاً لحينِ أسفَرا
وقفتُ ها هنا وجمْعٌ موقفُ
وأينما حَلَّ يصحُ الموقِفُ
ثم دفعْ منها إلى الطلوع
مُغشَّى بالسكينةْ والخضوعِ
وأردفَ الفضلَ بلا جدالِ
وكان ذا حُسْنٍ وذا جمَال
فمَرَّ بالظُعنْ وبالنساءِ
والفضلُ ناظر بلا حياءِ
فصرفَ الرسولُ وجهَ الفضلِ
والفضلُ عامدٌ إلى التحولِ
وعندما أتى إلى محسِّر
أسرعَ في السير بلا تأخرِ
وسلكَ الوَسطى من الطريقِ
للجمرةِ الكبرى على التحقيقِ
وكان رميُهُ بيوم النحرِ
في ضحوةٍ منه بسبْع جَمْرِ
وَقد بدا الجمارَ بالتكبيرِ
مثلَ حصى الخَذْف على الشهيرِ
وكان راكبا لتلك الراحلةْ
وفعلُه الجوازُ فادفعْ عاذلَه
لتأخذوا عنى ذه المناسكَ
لعلَّه لا حَجَّ ليْ هنالِكَ
وبعدهَا رمى بعد ا لزوالِ
تحيّناً لها بلا استعجالِ
ثم انصرفْ بعيدها للمنحرِ
وفوقَ ستينَ بنص الخبرِ
معَ ثلاثِ وعلياً عَهِدا
لما بقيْ من بُدْنه وانفَردا
بما غبرْ وأشركَ الرسولُ
في هديِهِ علياً يا فُضُول
ثم أمرْ أن تطبخَ وتُصنعَ
وباشرا الأكلَ بها واستمتَعا
وشَرِبا من المرقْ وقد نحرْ
رسولُنا عن أهلهِ إحدى البقرْ
واشتركَ السبعةُ فى جَزورِ
كذلك الأبقارِ في المشهورِ
وأكلهم كان بأيامِ مِنى
وقد نُهُوا عن غيرها فافهَمْ هنا
وبعدها أرخصَ في التزودِ
فازَّودوا منها بلا تَعدُدِ
حتى أتوا لطيبة الطيبةِ
والنفسُ قد سُرَّت بهذي الهبةِ
وبعد نحره لرأسِه حَلَقْ
وذا هو الثالثُ فيما قد حُقِقْ
وقد جلسْ للناس يومَ النحرِ
بحيث مَنْ درَى ومن لَم يدرِ
فما سُئلْ عن تلكمُ الأعمالِ
في حال مَنْ قَدّمَ مَنْ فِعال(1/20)
فقال إفعله وليس مِنْ حَرجْ
ترفقاً بالناسِ دونما لجَجْ
فسائلٌ حلقتُ قبل النحرِ
وناسكٌ حلقتُ قبل الجَمْرِ
وآخر قد طفتُ قبل الرمي
كأنني ناسٍ وإنني عَمي
وآخر قد طفتُ قبل الذبحِ
فقال : لا حرج بغير جُنْحِ
وآخر نحرتُ قبل الرمي
فقال : يرميه بغير جُرمَ
فكان من قدم يومَ الأكبرِ
أجابَه افْعل دونما تعسّرِ
وقد نحرتُ ها هنا في المنحرِ
ثم منى منحرُ كلِ شاكرِ
ومكةٌ للنحر والطريقِ
بدون تشديدٍ ولا تضييقِ
فانحروا في الرحالِ والمنازلِ
فاسمَعْ إلى التيسير والتساهلِ
وبعدها خطبْ ليوم النحرِ
فأي يومِ حرمةً وشهرِ
وأيّ ذي البلادِ والتحريمِ
أعظَمُ للتقديسِ والتعظيمِ
فقالوا ذا البلدْ بلا إشكالِ
فقال : في الدماء والأموالِ
قد حرِّمتْ حرمةَ هذا اليوم ِ
والشهر والبلد بلا تعتيم
فقال : هل بلغتُ ذا الكلاما
قالوا : نعم أديتَ ما استقاما
فأشهدَ الرحمَن ياربِّ اشهدِ
وربُّنا يرصُدُ كلَّ مرصدِ
ثم ركبْ للبيتِ والطواف ِ
وكلُّهم طافَ بلا اختلافِ
ولم يطوفوا للصفا والمروةِ
كذا يَعُمُّ جابرٌ بمَرةِ
وصلى في مكة فرضَ الظهرِ
ثم عمدْ لزمزمِ المنهمرِ
فنادى آل جَده المطِّلبِ
( اِنزعوا ) في السقي بلا تعتّبِ
فلولا غُلبُ الناس للسقاةِ
لقمتُ بالنزع بلا أناةِ
لفضل ما يكون فى السقاءِ
في تلكم الأيام ذي العناءِ
فناولوه الدلَو للشرابِ
فبادرَ الشُّربَ بلا ارتيابِ
وأدت الفقيهةُ المناسكَ
ولم تَطُفْ لحيضها هنالكَ
وبعد طهرها ، قد طافتْ وسعَتْ
فقال : مِنْ حجٍ وعمرةٍ حَللَتْ
فقالت يا رسول كيف تنطلق ْ
بحجَةٍ وعمرةٍ وتسَتبقْ
والناسُ بالاثرْ بلا جدالِ
ومنسكي حجٌ بلا اكتمالِ
فقال : ما للقوم قد كان لكِ
لا تيأسي وتحزني وتهلِكِ
فقالت في نفسِي مَنْ الطوافِ
ولم أطفُ كمعشرِ الأسلافِ
حتى حججتُ يوم تم الطهرُ
فكان ذا اليسرُ وتم البِشْرُ
إذ سَّهل الرسولُ وهو السَهْلُ
وحقَّق الذِي هواه الأهلُ
فاذهبْ بها يا عابدَ الرحمنِ
واعمرُهْا بالتنعيمِ والنعمانِ(1/21)
فاعتمرت وطابَ منها القلبُ
وأقبلت وكانت المحصَّبُ
وطافَ للبيت فويق الراحلةْ
بمحِجَنٍ مستلماً وحامله
حتى يراه الناسُ للسؤالِ
فقد غشَوه غشْيةَ الإجلالِ
واستفتت المرأةُ فى نساءِ
لها صبياً طيِّب الهنَاءِ
فهل لَهُ مِنْ حجِ ذي اعتبار
قال : نعمَ والأجرُ عند الباري
ثم هنا قد كَمُلَ السياقُ
كما رواه جابرُ المِصداقُ
في مسلمٍ وسائرِ الاسفارِ
يجمع شيخنا إمامِ الدارِ
حرره بأحسن الكلامِ
وجودة الترتيب والإفهام
فكان من نفائس الألفاظِ
وحليةِ الأفذاذ والأيقاظِ
وهو سبيل البِر للحجاجِ
وطالبي النجاةِ والإبهاجِ
فالغُنْمُ والهناءُ للأخيار
متابعي جابر ذي الآثار ِ
فالحمد لله على الإكمال
( للمنسك الوافر ) والإفضالِ
وصلى ربُّنا على المختارِ
محمدٍ وصحبهِ الأبرارِ
وسلَّم من غير ما تعَدادِ
ما سِيرَ في تحجازِ أو تنجادِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على التدين
وشرعه اليسير والمبين
وكل ما كان من الشرائع
في ديننا من أطيب الروائع
وصلى ربنا مع السلام
على الذي حج على التمام
الشرح :
ابتدأ المؤلف نظمه بحمد الله وذكره اقتداءً بالكتاب العزيز، وهي عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه ، وكذلك العلماء والفقهاء في مصنفاتهم ورسائلهم ، وفائدة ذلك حلول البركة والتمام في المكتوب والمنظوم . وقوله ( على التدين ) أي الدين ، ثم حمده على الشرع ووصفه بوصفين :
أولاهما : اليسر فهو سهل بلا تعسير وتعقيد ، وثانيهما : المبين ، فهو مبين بلا لبس ولا غموض ، وكذلك سائر شرائع الإسلام ، يظهر فيها تمام اليسر والروعة وجميل الفائدة والعائدة . ثم عقب بالصلاة والسلام على نبي الأمة عليه الصلاة والسلام ومعناها الثناء عليه في الملأ الأعلى كما هو اختيار أبي العالية ، كما في صحيح البخاري.
وقوله ( على الذي حج على التمام ) فيه إشارة إلى جده وحرصه على العبادة واستيفائها.
نبينا القارن في الأنساك
الخاشع الماضي بلا عراك
القانت الخاضع فى المشاعر(1/22)
بلا تطاول ولا تفاخر
وآله وصحبه العباد
من حجوا بالتقوى وبالأزواد
الشرح :
والمعنى أنه كان قارنا في حجته عليه الصلاة والسلام ، وهو الذي دلت عليه النصوص المستفيضة ، وقرره غير واحد من كبار أئمة التحقيق كالنووي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم ، قال ابن حجر بعد رده على من قال: إنه كان مفرداً
( والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا ، بمعنى أنه أدخل العمرة على الحج بعد أن أهل به مفرداً ، لا أنه أول ما أهل ، أحرم بالحج والعمرة معاً ، وقد تقدم حديث ابن عمر مرفوعاً ( وقل عمرة في حجة ) وحديث أنس (ثم أهل بحج وعمرة ) ولمسلم من حديث عمران بن حصين ( وجمع بين حج وعمرة ) ولأبي داود والنسائي من حديث البراء مرفوعاً
( إني سقت الهدي وقرنت ) وللنسائي من حديث علي مثله ، ولأحمد من حديث سراقة ، (أن النبي صلى عليه وسلم قرن في حجة الوداع ) وله من حديث أبي طلحة ( وجمع بين الحج والعمرة ) وللدارقطني من حديث أبي سعيد وأبي قتادة ، والبزار من حديث ابن أبي أوفى ثلاثتهم مرفوعاً مثله. وعد الحافظ جملة من المرجحات منها. أن فيه زيادة علم على من روى الإفراد وغيره ومنها : رواه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه ، وجاء القِران بقول ( قرنت ) بخلاف سواه ، ومنها ، أن من روى القِران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف ومنها : أن رواية القِران رواها بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع قال : وهذا يقتضى رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارناً. ( الفتح 3 / 500 ، 501 ، 502 ) .
وقوله : الخاشع الماضي بلا عراك : أي كان من صفاته الخشوع في العبادة والإخبات ، واستشعار جلالة العبادة ، وإذا مضى ، مضى بلا عراك أو شدة ومزاحمة ، بل حرض الناس على الهدوء والسكينة.(1/23)
قوله : القانت الخاضع في المشاعر : أي كان قانتاً عابداً في تلك البقاع يذكر الله ويمجده ويلبي ، ولم يجعل من حجه وشرفه ، موضعاً للتطاول على الناس أو المفاخرة بالباطل.
ثم أتبع بالصلاة على آله وصحابته المرضيين قال ..... من حجوا بالتقوى وبالأزواد يشير إلى قوله تعالي ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) [البقرة 197].
والزاد نوع من السبيل الذي يبلغ صاحبه مكة ، ويضاف إليه الراحلة ، فمن لم يجدهما ، فلم يجد إلى البيت سبيلا ، قال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )
[ آل عمران 97 ]
وفسر السبيل بالزاد والراحلة ، وإن كان الحديث فيه لا يثبت ، أخرجه الترمذي وغيره، لكن اعتبر بعضهم أن الاستطاعة المشترطة هي ملك الزاد والراحلة.
والمقصود هنا الثناء على الصحابة الأجلة من كونهم حجوا متزودين بالتقوى والميرة ، أما التقوى فهي مفتاح سلامة الطاعة وعنوان بر الحج ، وأما الزاد فليحصل الاستغناء به ، لأنه يحرم تكفف الناس وسؤالهم ، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان أهل اليمن يحجون ، ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون فاذا قدموا مكه سألوا الناس ، فأنزل الله تعالي : وتزودا فإن خير الزاد التقوى . ولذلك من حج بلا زاد قد أساء ، وعرّض نفسه للإهانات وليس هو من التوكل المحمود .
وبعد فالحج من الأركان
وأعظم الخصال للإيمان
مبرور الطريق للجنان
والماحي للخطايا والعصيان
الشرح :(1/24)
نعم الحج أحد أركان الإسلام الخمسة , ومبادئه العظام الراسخة , أجمع المسلمون على فرضيته ، قال ابن قدامة في المغني ( وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة ) والأصل في وجوبه قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) [آل عمران 97] . ومن السنة ، ما جاء في الصحيحين ( بني الإسلام على خمس ) وعد منها الحج ، وحديث مسلم ( إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ) .
وفي قول الناظم : (وأعظم الخصال للإيمان) أي شرائع الإيمان وشعبه ويحتمل كونه طريقاً لزيادة الإيمان وهو كذلك ، لأن من مذهب أهل السنة زيادة الإيمان بالطاعات ونقصانه بالسيئات وقوله (مبروره الطريق للجنان) فيه يشير إلى أجل صفات الحج أن يكون مبروراً قال كما في المتفق عليه (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وفيهما أيضاً (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) . والمبرور قيل هو الذي لا يخالطه إثم ، وقيل ليس فيه رياء ، أو ما استكمل الشروط والواجبات ، وأما تكفير الذنوب فهو محمول على ما عدا الكبائر لأنها تحتاج إلى توبة ورجوع إلى الله بصدق وكَفّ وندامة.
وإنني حين قدوم الموسم
أعكف للقراءة والتعلم
مراجعاً مسائل المناسك
لاندرجْ في تلكم المسالكِ
مسالكِ الأئمة الأبرارِ
وحاملي الحديث والآثارِ
الشرح :(1/25)
وهذا مسلك حسن أن يجعل طالب العلم لكل وقت وزمان ما يناسبه ، فحين قدوم رمضان يراجع مسائل الصيام ، وحين دخول موسم الحج يقرأ في كتب الحج، ويستذكر مهمات المسائل ، لا سيما ما يشكل على الناس وما جدت فيه النوازل والقضايا ، وحتى لو كنت حافظاً ، فإن العلم حياته بالمذاكرة والتكرار ، يقول : لأندرج في تلكم المسالك : يقصد أنه سيلحق بمسالك الأئمة السابقين أصحاب العلم والجد والمذاكرة والمراجعة ، الذين امتزج حب العلم بدمائهم وأعصابهم ، ويخص منهم (حاملي الحديث والآثار) فإنهم أولى الناس بالاتباع والنظر, لشرف ما يحملون من السنن والآثار المحمدية .
مقتفياً النصَ والدليلَ
لا الرأي والمذهبَ والنبيلَ
وقد نظرتُ الكتبَ والأسفارا
لأبلغ الخلافَ والمختاراَ
مطالعاً لأكثر المسائلِ
وكلّ ما صُنّف من رسائلِ
في عصرنا المملوء بالأصنافِ
منا بذي التحقيقُ والإنصافِ
الشرح :
في قوله : (مقتفياً النص والدليلَ) : أصل مهم في طلب العلم ، وهو علمه بالأدلة والحرص على قفو الأثر ، متباعداً عن الآراء ومسالك المقلدين ، واجتهادات الأشخاص . وفي قوله (......والمذهب والنبيل) أي بعد تجاوز مرحلة التفقه ، يخالف مذهبه ، إذا بان له الحق في مذهب آخر ، و(النبيل) أي يخالف من حرم الدليل ولو كان فاضلاً نبيلاً . قال الإمام أحمد : (لا تقلدني ولا تقلد مالكا. ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا ).
وقال مالك بن أنس : ( عليكم بالآثار ، وذروكم هذه الأهواء) وقال الشافعي : (إذا صح الحديث فهو مذهبي ) وليحرص الطالب على مطالعة أكثر الأسفار ، ليدرك الخلاف كله بأسبابه وأبعاده واختياراته , لا سيما في هذا العصر الذي اتسم بكثرة البحوث والتصنيفات ، وشيء من الجودة والإتقان ، وإن كان في هذا العصر قد برز التعصب، وساد الهوى ، وقل أصحاب الهمة والإنصاف ، ومن كلمات مالك الجميلة ( ما قلّ شيء في عصرنا كالإنصاف ).
حتى نظرتُ التبر والجواهرا
وقرةَ العيون والمفاخرا(1/26)
في حجة النبيِّ للألباني
أستاذنا رَيحانة الزمان
الحافظ المحدث الشهير
والجهبذ الفقيه والبصير
الشرح :
يتحدث الناظم هنا : أنه طالع ما استطاع ، وجمع ما جمع حتى وقع بصره على تبر نفيس ، وجوهرة ثمينة ، تَقر بها العيون ، وتعز عندها المفاخر ، وهو كتاب ( حجة النبي ) للشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني صاحب المؤلفات الكثيرة والتحقيقات النادرة كالسلسلة الصحيحة والضعيفة ، وإرواء الغليل ، وصحيح الجامع وضعيفه ، وصفة الصلاة وغيرها كثير ، وقد نعته ( أستاذنا ) وان لم يأخذ عنه مباشرة لكنه قرأ كتبه وتربى عليها ، واستمع لدروس الشيخ، فصار منتمياً إليه ، ثم وصف الشيخ الألبانى بستة أوصاف تقل فى غيره ، الأولى : كونه حافظا حيث إذا تكلم بان عليه أعلام العلم ، الثانية : المحدث فهو محدث العصر ، شق عُبابه ، وبلغ آرابه ، ونشر منائر السنة للناس الثالثة : الشهير : لا يعلم أحد بلغ من الشهرة ما بلغ في زمنه ، لا سيما فى علم الحديث .
الرابعة : الجهبذ وهو النقاد الخبير كما في القاموس .
الفقيه : له تفقه حسن في بعض المسائل ، وقد طنطن بعض الناس في فقه الشيخ، وحاول تجريده من الفقه والفهم ، ولكن هيهات ، واختياراته فى كتبه تدل على فقهه اللماح ، وحسن مناقشته للخصوم ، وعرضه الحجج ، ولا يعني ذلك كونه معصوماً , بل له أخطاء وهو كغيره من المحدثين الفقهاء له أخطاء وصوابات ، يخالف فيها ، رحمه الله رحمة واسعة .
فإنها من أحسن المكتوب
وأنفس المحصول والمكسوب
جملها بالنص والتحرير
والبحث والتحقيق والتبصير
لم يحمل الأهواء والأراء
وانتهج النصوص والأنباء
وعلق المفيد والجميل
وبين الضعيف والعليل
الشرح :(1/27)
وكتابه هذا الصغير الحجم ، الكبير الفائدة والعلم ، من أحسن ما كُتب في المناسك فهو محصول نفيس ، وتجارة رابحة ، وكل ما صلح من العلم هو مال رابح للمرء ، وقد قال أبو حامد الإسفراييني في تفسير ابن جرير الطبري ( لو رحل رجل إلى الصين فى تحصيله لم يكن كثيرا ) .
وامتازت ( حجة النبي ) هذه بسوق حديث جابر ، بجميع رواياته وزياداته وحسن تحرير المسائل وبحثها ، مع جودة فى تحقيق الخلاف . وتبصير القاريْ والمتعلم ومما يضفى عليه رونق الشرف ، بعدها عن المسالك والأهواء ، واقتفاء الآراء ، بل اعتمادها على النصوص المروية ، وزادها المؤلف جمالاً وحسناً بتعليقاته الرائعة ، وتنبيهاته اللطيفة ، على سقيم الروايات وعليل الأخبار .
وأصله فيما رواه (جابر)
فى حجه وصحبه الأكابر
خرجه الشيخ على استيعاب
متمما عن أشهر الصحاب
فأكمل الأخبار والزوائدا
وأظهر المعانى والفوائدا
الشرح :
والمراد : أصل هذا الكتاب حديث جابر المروي فى صحيح مسلم (1218) وتلقاه عنه أصحابه الأكابر ، فقد جمع الشيخ الألباني طرقه وخرجه عن سائر من رواه ، وعلق عليه من دُرَر والمعاني والفوائد ، ما لا يخفى على ناظره ومطالعه.
فجاء منقولا على الكمال
كأنه مشطور ومن جمال
وإنه من أحسن الأخبار
فى وصف حجة سيد الأبرار
قد زانه الاتقان والإتمام
وحاطه الأئمة الأعلام
بالحفظ والإيصال والتحليل
والشرح والتقديم والتبجيل
الشرح :(1/28)
وجاء هذا الحديث ، بعد إتمام زيادات الشيخ كاملاً مكملاً ، قد شق من الجمال والحسن ، لروعة ما يبهرك إذا نظرته . واعلم أن حديث جابر هذا أحسن حديث وأتمه في المناسك ، ولجلالة قدره اعتمده مسلم رحمه الله في صحيحه ، وازدان بدقة جابر في النقل وحرصه على تتبع أحوال رسول الله ولم يفته إلا شيئا يسيرا لا يضعف عظمته وزخاره مارواه . وقد أثنى العلماء الأجلة على حديث جابر ، وحاطوه بعبارات الإجلال والإعجاب ، فهذا أبو زكريا النووي يقول : ( هو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع، فإنه ذكرها من خروج النبي من المدينة إلى آخرها فهو أضبط لها من غيره ) وقال ( حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ومهمات من مهمات القواعد) ، وقال عياض (وقد تكلم الناس على ما بثه من الفقه وأكثروا ، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيراً خرج فيه من الفقه مائة ونيفا نوعاً ، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه ) .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية :(وهو وحده منسك مستقل)، قال الشيخ الألباني : ( وهذا الثناء من هؤلاء الأئمة إنما هو على حديثه من الرواية الأولى ، فإذا علمت ما ضممنا إليها من فوائد الروايات الأخرى ، كما سبقت الإشارة إليه يتبين لك أن منسكنا هذا على أسلوبه المبتكر أكثر فائدة ، وأعم من منسكه على الرواية الأولى كما هو بين لا يخفى ) ( حجة النبى ص 37 ) .
مشتمل لأشهر الفوائد
…
وجامع لأعظم القواعد
وإنه من أفضل المناسك
مقدم من غير ما مشارك
وجابر فيه من الأثبات
الضابطي النصوص والوعاة
الشرح :(1/29)
ومن صفات هذا المنسك العظيم : أولا : اشتماله على أشهر الفوائد وأهمها من حجة الوداع ،ثانيا : جامع لأعظم القواعد المهمة المستفادة من الحجة ، ثالثا : لم يصف أحد من الصحابة كوصف جابر رضى الله عنه فهو أفضل منسك وأحلاه ، رابعا : ضبط جابر وحفظه لما رآه وعاينه من أقوال رسول الله وأفعاله ، مع انشغال المرء في ذلك المقام العظيم ، وهذا دليل على حبه لرسول الله ، وحرصه على تعلم السنن وقت الشدة والانصراف ، فرضي الله عنه.
خرجه مسلم فى الصحيح
…
بلفظه المتوج المليح
والشيخ زاده بذا الإبحار
وتمم المنقوص بالآثار
فجاء منقوشاً كذي الأخراز
مبيناً من غير ما مجاز
الشرح :
وحديث جابر هذا رواه مسلم في صحيحه ( باب حجة النبى ) ورواه غيره كأبي داود والدارمي وابن ماجة والبيهقي ، وأبو نعيم فى المستخرج على صحيح مسلم ، ورواه آخرون قطعاً متفرقة ، وقد ساقه مسلم سياقاً بهيجاً رائعاً ، كعادته في حسن الصناعة والترتيب وهو ما فاق به شيخه البخاري ، فعمد الشيخ الألباني إلى تخريج ماعند مسلم ، وتتبع زياداته وما يشابهه في سائر كتب الحديث حتى أربى أضعافا عديدة تزيده حسناً وجمالا ، كأنه أخراز عقد منتظمة ، فلله دره ، ورحمه تعالى رحمة واسعة .
وقد رأيت نظمه مسترشدا
بكل ما قرره وقيدا
لأنفع الإخوان والطلابا
وأنشر السنة والصوابا
لاسيما من يبتغي التسننا
ويطلب النجاة والتصونا
الشرح :(1/30)
بعدما تميز هذا الحديث وذاك المنسك الوافر رأى العبد الفقير نظمه حسب إفادات الإلباني ، ليكون مرجعا لطلاب العلم ، الحراص على السنة . حيث ينتفع الإخوة والطلاب وهو نوع من نشر الخير ، وللنظم فوائد مهمة ، إنما ينكرها الجهلة ، وأعداء الشعر، ولو صدق إنكارهم لما وصلت الآلاف المؤلفة من نظم ابن مالك والسيوطي وابن الجزرى ومحمد مولود فال ، والحكمي التي هي ثروات علمية زاخرة ، تفيد حرص أولئك الرعيل علي العلم ، وتقريبه للناس ، لان النظم من أجل فوائده : ترسيخ العلم وتسهيل مسائله ، وتحبيبه للناس ، لاسيما فى هذا العصر الذى عظم زهد الناس فى العلم ، أضف إلي ما فيه من ترويح واجمام للطلبة العاكفين , وإذا سمعت من يحذر من المنظومات فاقرأ عليه قول القائل :
وعائب فاته زهر العلوم غدا
يقرع النبل توبيخا وإيلاماً
قد زادهم رفعة تهفو النفوس لها
وعاد بالخيبة البلهاء مسقاما
ويرتجي منازل الأتباع
الحاملي السنة فى النزاع
كأحمد ومالك والثوري
والشافعى والحنبلى المشهور
ومسلم وشيخه البخارى
وغيرهم من صفوة الأخيار
الشرح :
وضبط هذا المنسك الوافر ، هو النافذة لمنازل الأئمة الأتباع ، الذين عزوا بالسنن وقت النزاع والخلاف ، وأعرضوا عن التقليد والتقوقع من أمثال إمام السنة أحمد ، وشيخ الصلحاء سفيان ، وناصر الحديث الشافعي ، وأستاذ البخاري إسحاق ، والشيخين إمامي صنعة الحديث ، وغيرهم من أضرابهم ، ومن سار على منهاجهم ، رحمهم الله وأجزل مثوبتهم .
فاصغ إلي أيها المتبع
إن كنت تبغى الحج إذ تنتفع
تحج بالأقمار والأنوار
من سنن المعلم المختار
فتحظى بالسنة والنجاة
وتأمن التقليد للغواة
فيالها من فرحة رضية
مشرقة وافية بهية
الشرح :(1/31)
وإذا أردت فهم هذا المنسك ومعرفة السنن في الحجة ، فاصغ الى كلامى بكل هدوء وانتباه فإن من بركة العلم الإصغاء لملقيه ومؤديه ، وهو نوع مهم من أخلاق الطالب وآدابه ، وإذا أصغيتَ وعيت ، وحججت على نور وهاج ، وقمر وضاء ، من السنن النبوية ، ومن ثمرات ذلك: تطبيق السنن ، وامتطاء النجاة وتنجو من مغبة التقليد، الذي حمل بعضهم على رد الأحايث الصحيحة أو اعتسافها بالتأويل والحيدة ، وهذا مسلك الغواة كقول بعض الأحناف :
( هذا مذهبنا ، وإن خالفته آية قرآنية ، أو حديث نبوي ، فهو منسوخ أو مؤول ) .
ولا ارتياب أن تحصيل مثل ذلك الموصوف , فرحة عامرة لصاحبها وهي من عاجل بشرى المؤمن .
وقد روى عن جابر ثقات
أئمة أجلة أثبات
مجاهد عطاء والسمان
والباقر المحدث النبهان
وطلحه النزيل والمنكدر
أبو الزبير السابع المشتهر
أما الرواة الذين نقلوه عن جابر فهم كالتالى :-
1- محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب أبو جعفر الباقر المتوفى في سنة (114) هـ .
2- أبو الزبير المكي محمد بن مسلم المتوفى سنة (128) هـ.
3- عطاء بن أبي رباح المكى المتوفى سنة (115) هـ .
4- مجاهد بن جبر المكي المتوفى سنة (102) علي خلاف
في ذلك .
5- محمد بن المنكدر المدني المتوفى سنة (130) .
6- أبو صالح ذكوان السمان المدني المتوفى سنة (101) هـ .
7- أبو سفيان طلحة بن نافع الواسطي .
وقد اعتمد المؤلف رواية أولهم لأنها فى صحيح مسلم ، ومطولة , والآخرون إنما لهم زيادات متفاوتة .
فهؤلاء أصحابه الكبار
عليهم فى الرواية المدار
يقول جابر هو الأنصارى
يارب فارضه مع الأبرار
بطيبه قد مكث الرسول
تسعا بلا حج كذا نقول
وعام عشر أذن فى الناس
بأننا للحج ذو التماس(1/32)
والسبعة هؤلاء : هم أصحابه الكبار ، الذين نقلوا عنه المنسك ، وعليهم تدور روايات الحديث ، ثم شرع الناظم فى نظم كلام جابر ، والحرص على إصابة لفظة ليجمع اللفظ النبوى ، والقول المنظوم، إلا أشياء يسيرة حصل فيها التغيير, للحاجة الشعرية, وقد يضيف الناظم كلاماً له يوصل به لفظ جابر ، وننبه عليه فى موضعه إن شاء الله .
يقول : بطيبة قد مكث الرسول تسعاً بلا حج ...الخ طيبة هي المدينة المنورة, وسميت بذلك لطيبها, ولأن اسمها في الجاهلية كان يثرب وهو من الثَرْب وهو الفساد ، فنهي عنه وسماها طابه وطيبة ، وهما تأنيث طيب وطاب بمعنى الطيب ، وقيل هو من الطيب الطاهر لخلوصها من الشرك أفاده ابن الأثير.
وهل معنى ذلك أن الحج قد فرض لكنه أخره ، الصواب أن الحج لم ُيفرض إلا سنة تسعة أو عشر ، وهذا أحسن من قول من قال ، إنه فرض سنة خمس لأنه ينبنى عليه مسألة وجوب الحج ، هل هي على الفور أو التأخير ، والأقرب على الفور ، ولما لم يجد من قال فرض سنة خمس ما يسنده ، اعتذر بحجج باردة أشارإليها ابن القيم في زاد المعاد .
ثم نودي فى الناس سنة عشر بأن خير الأمة قد عزم على الحج, وفيه مشروعية إعلام الناس بالأمور العظيمة لتحصل الفائدة والاقتداء .
فقدم المدينة الكثير
من البشر وكلهم مسرور
تداركوا الخروج باستعجال
من راكبين النوق والرجال
فلم يكن من واحد يقتدر
أن يدرك الحج فلا يعتذر
تراهم من راكب وراجل
يلتمسون أرفع الفضائل
ولما سمع الناس بعزم المصطفى عليه السلام بالحج ، حداهم حادي الشوق إلي المدينة المباركة, فأتوا راكبين , ورجالاً مسرعين, لا يمنعهم مانع ولا يصرفهم صارف , رغبة الظفر برؤية رسول الله ، لا سيما ممن لم يره ، وحرصاً منهم على الاقتداء والتماس آثاره ، فهي فرصة نادرة قد لا تعود .
يرجون الإتمام بالرسول
ليفعلوا كفعله الجميل
وعندها قام الرسول يخطب
مبين الميقات ويرغبُ
مهل ذي المدينة فاستمع
من ذي الحليفة يا أخى فاتبع(1/33)
والمقصد الأسمى لهؤلاء الوافدين الائتمام برسول الله ، ومشابهته في الأعمال ، ولأن أفعاله منتهى الجمال ، لأنه المبلِّغ عن الله ، ولن ينقل إلا ما طاب وحسُن ، وعند خروجه, حيث حضر الناس, خطبهم خطبة مهمة ، علمهم فيها مناسك الحج وذكر لهم المواقيت المكانية ، التي لا يجوز تجاوزها بلا إحرام ، فأولها : ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة ، والحليفة تصغير الحلفاء ، وهو شجر بري معروف ، وسُمي بذلك لكثرته هناك وبينه وبين المدينة ستة أميال أو سبعة أميال ، حددت
الآن ( 11 ) كيلو متر ، وهي أبعد المواقيت عن مكة .
والجحفة إحرام الطريق الآخر
وأهل العراق ذات عرق فأثر
وأهل نجد أحرموا من قرن
ومن يلملم يهل اليمنى
وكان فى ذى القعدة النبي خرج
لأربع وخمسة قد انتهج
ثانيا : الجحفة إحرام أهل الطريق الآخر, يقصد أهل الشام والمغرب ومصر. والجحفة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : هي قرية كانت قديمة معمورة ، وكانت تسمى ( مهيعة ) ، وهى اليوم خراب ، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذى يسمى (رابغ) وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب ، كأهل الشام ومصر, ومن أحرم من رابغ , فقد أحرم من الجحفة وزيادة ، وبينها وبين مكة نحو ثلاثة أيام تقدر حالياً بمائتي كيلو متر .
وثالثها : ذات عرق وهو ميقات أهل العراق أو المشرق ، وهو مكان فاصل بين نجد وتهامة , كما في القاموس وثمة خلاف بين الفقهاء هل ذات عرق حددها رسول الله أم عمر؟ كما في صحيح البخاري, والصواب أن تحديدها مرفوع لصحة حديث جابر, وهو وإن كان مذكوراً على الشك ، فقد جاء الجزم في روايات أخرى صحيحة, انظر التلخيص الحبير (2/229،228) ونصب الراية ( 2/12 ) وحجة النبى ( ص 47 ) .
ورابعها : ميقات أهل نجد وهو قرن المنازل ، ويقال له قرن الثعالب والصواب أنهما مختلفان, ويسمى الآن السيل الكبير بينه وبين مكه (94) كيلو متر.(1/34)
وخامسها : يلملم ميقات أهل اليمن قيل مكان , وقيل جبل هناك, وكان خروجه من المدينة, في اليوم الرابع أو الخامس من ذي القعدة, بعدما ترجّل , وادهن , ولبس ملابس الإحرام .
وساق هديا يتقى الرحمنا
…
واستحمل النساء والولدانا
ونحن قد خرجنا فى مسعاه
وليس من خير لنا نأباه
وفى الحليفة ولدت أسماء
(محمداً ) وجاءها القضاء
اغتسلي واستثفري بالثوب
وأحرمي دون حياً وعيبِ
الشرح :
قوله : وساق هدياً يتقي الرحمن : فيه استحباب سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة كما نبه عليه غيروا حد ، وهي سنة مهجورة, لكن في عصرنا هذا صار الأمر صعباً ومتعذرا .
وسوقه للهدي من أعظم الشعائر فى تلك الأماكن وهو الذى حتّم عليه القِران ، وكان القِران في حقه أفضل لما ساق الهدي, ومن رحمته وعدله أخذ النساء والصبيان معه وأخذ الصحابة نساءهم معهم ، وقد جاء عند أبي داود وهو خبر صحيح أنه قال لنسائه بعد ذلك ( هذه ثم لزوم الحُصُر ) والمعنى يكفيكم هذه الحجة ولما بلغوا ميقات ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، وأسماء هي بنت عميس الخثعمية ، عالمة بالرؤيا ، كانت تحت جعفر ثم أبي بكر ، ثم علي ، وهي من مهاجرة الحبشة ، ومحمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبو القاسم الذي ولد فى حجة الوداع ، روى عن أبيه مرسلا ، وعن أمه، وعنه ابنه القاسم .
ولما ولدت أسماء ، أرسلت تسأل رسول الله ماذا تصنع ، فقال ( اغتسلي واستنفري بثوب وأحرمي ) والمعنى سدّ جريان الدم منها، وفيه دليل على صحة إحرام الحائض, وتلبي وتذكر الله ,ولكن لا تطوف حتى تطهر, كما سيأتي تحقيقه.
وعندها قام النبى وصلى
…
وصامت بعد وما قد لبى
وبعدها قد ركب القصواء
واستوت الناقة ذا البيداء
وأفرد الحج كذا أهل
وصحبه الكرام من أحل
الشرح :(1/35)
هناك في بطحاء ذي الحليفة صلى قيل في المسجد ، وقيل بطحاء هناك ويحتمل أن صلاته في وادي العقيق وقد قال كما جاء في البخاري ( أتاني الليلة آتٍ من ربي فلقال : صلِ في هذا الوادي المبارك ، وقل عمرة في حجة ) (1) وهذا أصل مهم في مشروعية ركعتين للإحرام إذا لم يوافق فريضة يحرم عقبها ، وهذا مذهب الجمهور ، وقال بعضهم : ليس للإحرام صلاة تخصه وشدد بعضهم وقال : بدعه وبعضهم رد وقال : للآتي من ذي الحليفة فحسب, والأقرب قول الجمهور كما ترى حجته ظاهرة .
وبعد ذلك ركب ناقته القصواء ، ولما استوت على البيداء أهل بالحج وكذا قال والصواب أنه كان قارنا لأدلة كثيرة تقدمت ، والجواب هنا لعله في أول الاحرام ، وقبل مجييء الامر بالقران وأما البيداء : قيل هو ذو الحليفة ، وقيل موضع هناك ، وقيل بل شرَف أمام ذي الحليفة .…………
وشاركه فى الإحرام هذا أصحابه فكان منهم القارن من ساق الهدي ، ومنهم وهو الأكثر من أفرد بالحج ، لكنه أمرهم بالفسخ بعد ذلك.
أمامه من راكب وجاري
ثم نظرت منتهى الإبصار
…
والخلف مثله بلا تماري
ومثله فى اليمن واليسار
ثم عليه ينزل القرآن
وإنه فى جمعنا يقظان
ويدرك التفسير والتفصيلا
وإنه ليعرف التأويلا
الشرح :
يحكي جابر رضي الله عنه بعد ذلك كثرة الناس معه ، من ركبان ومشاة وهو دليل علي جواز المشي وأيهما أفضل ، الصحيح أن الركوب أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أرفق بالإنسان وأقل تكلفة ، وكثر المشاة في زمانهم لحاجتهم واختلاف شأنهم, أما الآن فغير وارد عند أكثر الناس ، لكثرة المركوبات وتيسرها, ولله الحمد والمنة
وأثناء تلك الرحلة المباركة كان القرآن يتنزل عليه وهو يعرف تأويله وتفسيره صلى الله عليه وسلم .
نعمله من غير ما امتراء
وكل ما عملْ من الأشياء
…
تلبية المعظم الشديد
ثم أهل بعد بالتوحيد
وزادوا ألفاظاً وما أخلوا
والناس بعده بذا أهلوا
الشرح :(1/36)
فيه بيان حسن اقتداء الصحابة ، وتقليدهم لرسول الله في كل شيء ، لأنه المبلغ عن الله، والعالم بأمر الله ومراده ، وفي قوله : ثم أهل بعد بالتوحيد ، شروع فى النسك بالإهلال وهى التلبية التوحيديه(2) التي تباين ما كان عليه أهل الجاهلية في قولهم : ( الا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) فرفع رسول الله صوته بصفة التلبية المشهورة فلبى الناس معه كلٌ لوحده ، وربما زادوا وهو يسمع ولم ينكر قولهم ( لبيك ذا المعارج ) ( لبيك ذا الفواضل ) ، وعن آخرين ( لبيك وسعديك والخير بيديك ) وجوز الشافعى ومالك مثل ذلك ، واختار ابن حجر فصلها عن التلبية النبوية ، كما هو رأي للشافعي , وأما معنى التلبية : فهو إجابة دعوة الله لحلقه ، حين دعاهم لحج بيته ، وقائلها كأنه يقول انا مجيبك لدعوتك, مستسلم لحكمك, مطيع لأمرك, مرة بعد مرة .
ويسمع النبي غير عاذل
لبيك ذا المعارج الفواضل
…
وما أضاف شيئاً لما علم
لكنه لقوله قد لزما
نصرخ صراخاً عالياً كالرج
ونحن لبينا معه بالحج
غير الذي قلناه فاسمع ما جرى
لا نخلطه بعمرة ولا نرى
الشرح :
هذه من الألفاظ التي سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرها ، لكن لم يجاوز تلبيته ولبى صحابته بالحج ، يرفعون أصواتهم بذلك ، وكانوا مفردين بالحج لا يعرفون العمرة قال في جابر فى بعض الروايات ( لا نخلطه بعمرة ) .
حتى أتت إلىسَرِف فعركت
وعائشة بعمرة قد أقبلت
…
في رابع الحجة ذي الفلاح
حتى أتينا البيت في الصباح
ذك الضحى فافهم أخي واستمع
ثم الدخول كان عندما ارتفع
الشرح :
وهنا بيان قصة عائشة التي أشكل إحرامها على كثير من الناس ، وهنا صرح بأنها أحرمت بعمرة ، وهذا كان فى أول الحجة قبل أن يحصل تعليمهم مشروعية العمرة فى أشهر الحج ، فلما بلغت عائشة ( سَرِف ) بكسر الراء موضع قرب التنعيم (عركت) أى حاضت .(1/37)
ثم وصلوا صباح الرابع من ذى الحجة ضحوة ، ودخلوا البيت الحرام كما قال هنا : فى رابع الحجة ذى الفلاح ، وسماه الناظم ( بالفلاح ) لما فيه من خيرات وأعمال طيبات لأنه من أيام عشره ذى الحجة التي ورد بشأنها ما ورد وأنها خير أيام الدنيا ، والحسنات فيها مضاعفة .
والراحلة أناخاها بمعقد
ثم أتى النبي باب المسجد
…
ولم يكن كهيئة الأجلاف
واستلم الركن بذا الطواف
فيه ثلاثاً خاشعاً يذلل
ثم مضى عن اليمين يرمل
وتالي الآية للأعلام
وبعدها نفذ إلى المقام
الشرح :
والمعنى : عند وصوله للمسجد الحرام ، أناخ راحلته عند باب المسجد ، ثم دخل وبدأ الطواف للقدوم ، واستلم الركن أي مسحه بيمينه ولم يذكر جابر دعاء معيناً ، ولا يصح في ذلك شيء(3) ، وكان فى استلامه معظما ساكنا, لا كصورة الأجلاف الذين يقاتلون ويزاحمون الناس عليه ، لأن استلامه من السنن إذا تيسر والإ فلا ، ثم جعل البيت عن يساره - وهو من شروط صحة الطواف- وبدأ بالطواف ورمل فى الثلاثة الأشواط وهو مايسمى ( بالخبَب ) وتعريفه : هو الإسراع فى المشي مع تقارب الخطى من غير وثب وكان خاشعا فى ذلك مذللا .
قوله وبعدها نفذ إلى المقام .... أى لما أتم سبعة أشواط انطلق إلى مقام إبراهيم تالياً الآية (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة 125]. ورفع بها صوته يسمع الناس، وهنا سنن أخرى لم يذكرها جابر وهى الاضطباع ، عرفت من أحاديث أخر كحديث يعلى بن أمية عند أبي داود وهو حسن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا ) وبهذا قال كذا أهل العلم ومعناه أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه الأيمن ، وطرفيه على كتفه اليسرى ويبقى كتفه اليمنى مكشوفة ، على هيئة أرباب الشجاعة والجلادة .
يوحد الرحمن بالتمام
وصلى ركعتين خلف المقام
…
ليدحر الأوثان والأحجارا
وقد قرأ الإخلاص والكفارا
وصب فوق رأسه وشربا
وبعدها لزمزم قد ذهبا
مسلّما كما روى العدول
ثم إلى الركن له قفول
الشرح :(1/38)
ثم عند المقام جعله بينه وبين الكعبة ، وصلى ركعتين يقرأ فيها بسورتين عظيمتين تدلان على التوحيد وصرف العباده لله وهما الكافرون ، والإخلاص وقد كان يقرأ بها في ركعتي الفجر والمغرب ، فهو يعظم هاتين السورتين صلى الله عليه وسلم .
قال الناظم : وبعدها لزمزم قد ذهبا : زمزم : هى البئر المعروفة بمكة قيل سميت بها لكثرة مائها ويقال ماء زمازم وزمزم وقيل هو اسم علم عليها .
اي بعد فراغه من ركعتي الطواف ، عمد لزمزم ، وهناك شرب منها لأنه ماء مبارك ، صحت في فضله الأخبار
( وصب على رأسه ) وفي هذه الجملة ما يوحي بحواز الاغتسال من زمزم وقد كرهه بعضهم ، ولا وجه للكراهية ،لأنه ماء كسائر المياه في رفع الحدث ولا يفعله المرء الا للحاجة والتبرك وقد جاء عن العباس (لا أحلها المغتسل ) وقد يقول قائل( وصب على رأسه ) أي غسل راسه تبرداً لا اغتسالا . وبعد ذلك عاد صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود ، واستلمه مرة أخرى ، وهذا من السنن المهجورة التي تخفى على كثيرين ، ويمكن فعلها في أيام السعة واليسر .
حتى دنا وكان ما استهلها
ثم إلى باب الصفا توجّه
وقال نبدأ بلا كتمان
بآية الصفا من القرآن
وكبر الله وبالتحميد
واستقبل القبلة بالتوحيد
ثم دعا خلاله مكرراً
وردد الذكر الذي قد شُهرا
الشرح :
ولما خرج من زمزم توجه إلى باب الصفا ، وهناك تلا الآية (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة 158]. وقال : ابدأ بما بدء الله به أو (نبدأ) وأما صيغة (ابدؤا) بالأمر, فهي عند الدار قطنى وفيها شذوذ ، والسنة هنا أن يستقبل القبلة ، وكان قد حلّ رداءه من صفة الاضطباع ، لأنه لم يضطبع هنا عليه الصلاة والسلام وعلى الصفا يوحد الله ، ويكبره بالذكر المحفوظ عنه(1/39)
(لا إله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير . لا إله الا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده) ودعا بين ذلك ثلاث مرات كما قال الناظم .. ثم دعا خلاله مكرراً (4).
فدُ مْ على هذا بلا كلالِ
ثلاث مراتٍ بلا جدالِ
حتى إذا وافى هناك الواديا
وصار بعدها للمروةْ ماشيا
مجتهداً مشمراً حتى انقضى
سعى به سعياً يضاهي الركضا
للمروةْ راقياً على جلالِ
وبعده مشى بلا استعجالِ
الشرح :
يقول الناظم : ثلاث مرات بلا جدال :أي أنه فعل ذلك الذكر ودعا ثلاث مرات خلاف ما يفعله كثيرون في هذه الأزمنة من الوقوف على الصفا ، وهلل وكبر ثم انصرف مستعجلا ، جهلاً بالسنة، أو زهداً في الخير ، قال : فدم على هذا بلا كلال ، وهذا أيضا من السنن المهجورة ، فكم من سنن ضيعناها وهجرناها ، والله المستعان .
قال : وصار بعدها للمروة ماشيا... أي أنه سعى بين الجبلين حتى بلغ بطن الوادي ، ركض ركضاً شديداً ، وفي بعض الأخبار أنه سقط منه رداءه ، وهذا الركض بين العلمين الأخضرين ، والنساء لا يشرع لهن ذلك لأنهن عورة فلا تأمن التكشف وبروز المفاتن . وفي هذا السعى إحياء لذكرى هاجر رحمها الله ، وقد جاء في الحديث في صحيح البخاري أنها لما نفد جرابها ذهبت تبحث وتنظر حتي وصلت للصفا ونظرت ، ثم نزلت حتي أتت المروة ورقتها فلم تر أحدا فعلته سبع مرات وقال رسول الله ( فذلك سعي الناس اليوم ) .
كما فعلْ على الصفا وما غفلْ
ونظر البيت العتيق وفعلْ
بالمروة راقياً عليها فاسمع
حتى إذا كان بالشوط السابع
من أمرىِ ما استدبرت ما فعلتُ
يا أيها الناس لو استقبلتُ
الشرح :
أي لما أتى المروة نظر للبيت ووحد وكبر ، ودعا كما فعل على الصفا . وهل تلا الآية ؟ فيه احتمال والأقرب أنه لم يقرأها بقرينة أبدأ بما بدأ الله به ، حيث قالها أول ما صعد علي الصفا فحسب .(1/40)
وانتهى شوطه السابع بالمروة ، يعني كل شوط سعيه ، ذهابه سعيه ورجوعه وسعيه ، خلاف ما نقل عن بعضهم أن الذهاب والرجوع سعية ،قال في المغني : وهذا غلط واحتج بحديث جابر (حتى إذا كان آخر طوافه على المروة ) ورده ابن القيم في الزاد وأنه لم ينقله أحد عنه ، ولا قال به أحد من الأئمة المشهورين ، وهناك قال (يا أيها الناس لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ) يتأسف على التمتع ..
إحرامى العمرة ولأحللت
من سوقي الهدى ولجعلت
بالبيت والصفا ولا تخافوا
لكن أحلوا أنتم وطوفوا
وباشروا فى الترويه الإهلالا
وقصروا بعد وابقوا حلالا
الشرح :
قال : وهنا تأسف النبى صلى الله عليه وسلم على سوقه الهدى ، لأنه منعه التحلل من العمرة ، لكنه أرشد صحابته إلى الأفضل وهو التمتع كما قال ... لكن أحلوا أنتم وطوفوا ** بالبيت والصفا ولا تخافوا . وهذا نص صريح فى ترجيح التمتع على النسكين الآخرين لتأسف رسول الله عليه ، ولأنه المذكور فى القرآن ، قال تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ) [البقرة 196]. وهذا مذهب الإمام أحمد ، وقد روي عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وهو أحد قولي الشافعي. وجاء عن أحمد أيضاً إن ساق الهدي فالقِران أفضل ، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل . وهذا عين الصواب انظر (المغنى 5/82 ، 83 ) فأمرهم هنا بالإحلال والتقصير ، وهو الإحلال الكامل وأمرهم بالتقصير هنا ، لأنهم سيكونون متمتعين ، والأفضل هنا التقصير ليدخر الحلق للحج .
فإنه الأنفع للذى يعي
بالحج واجنحوا إلى التمتع
يسأله عن الذى لم يعلم
فقام عند ذا سراقة الجعشمي
أما أنها لسائر الأعوام
أهذه العمرة لهذا العام
والعمرة فى الحج بلا تمويه
فشبك الرسول في يديه
الشرح :(1/41)
قوله : بالحج واجنحوا إلى التمتع ... متصل بما قبله : وباشروا فى التروية الإهلال . والمعنى : إذا أتى عليكم اليوم الثامن المسمى بالتروية ، لأنهم كانوا يتروون فيه من الماء لمنى، فأهلوا بالحج ، واجعلوا نسككم متعة ، والحل المأمور به هو الحل الكامل كما سيأتى فيحل لهم اللباس والطيب والنساء وكل ما حرم بسبب الإحرام . قال الناظم :
فقام عند ذا سراقة الجعشمي ** يسأله عن الذى لم يعلم
هذا سراقه بن مالك بن جعشم الكلباني المدلجي ، أسلم عام الفتح ، وحسن إسلامه ، وكان هو الذى تبع رسول الله يوم الهجرة ليظفر بجائزة قريش ، فلم يصب ما تمناه وقد قال لأبى جهل لما أنبه لرجوعه :
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
أبا حكم والله لو كنت شاهدا
رسول ببرهان فمن ذا يقاومه؟!
علمت ولم تشكك بأن محمدا
وقد عصمه الله من الكفر فأسلم فصار يسأل ويستفتي لدينه . قال : أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد الأبد ، فشبك الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ، وقال : (دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة ، لا بل لأبد الأبد).
وانها لأبد الآباد
من حين ما عرفتَ للتنادِ
بيّن لنا شِرعتنا وديننا
ثم سراقهْ قال : يا نبينا
بما جرى التقدير أم نستقبلُ ؟!
كأننا خلقنا ، فيما العملُ
وقدّر المهيمن العلام
قال بما قد جفت الأقلام
قوله : من حين ما عرفت للتناد ... أى أن هذه العمرة وفسخها لسائر الناس إلى يوم القيامة ، وليس بخاصة لكم ، وهذا يضعف ما جاء عند أبي داود عن الحارث بن بلال عن أبيه قال : ( قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لنا خاصة ) ثم سأله سؤالاً آخر في القدر فقال : ( يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، فيما العمل اليوم ؟ فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما نستقبل ؟ قال لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، قال : ففيم العمل إذن ، قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) .
فرد ناصحاً : ولكن اعملوا(1/42)
وعاد قائلاً : ففيم العمل
لخلقه ، وبعده أعانا
فربنا قد يسر الإنسانا
وذو الشقاوة يطلب الشقاءَ
فذو السعادة يطلب النجاءَ
الشرح :
عاد مرة أخرى سراقة ليسأل ويستنكر ؟ ففيم العمل ؟ فقال : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) قال الناظم :
لخلقه ، وبعده أعانا
وربنا قد يسر الإنسانا
وذو الشقاوة يطلب الشقاء
فذو السعادة يطلب النجاء
أي أهل السعادة ميسرون لعمل السعادة ، وأهل الشقاوة ميسرون لعمل الشقاوة ، كما قال تعالى ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) [ الليل 5 -10].
أُمرنا بالهدي لذى الجلال
وبعدما أمرنا بالإحلال
مرخصاً من سيد البرية
واجتمع السبعة فى الهدية
فليصم الآن بلا تردد
ومن عدم هديا ولما يجد
وسبعة في أهله إذا ورد
ثلاثة فى مكة كذا العدد
الشرح :
أمرهم عقب الإحلال بنحر الهدي ، ورخص لهم أن يجتمع السبعة فى البدنة، فيصبح لكل واحد سُبُع بدنة ، أو بقره أيضاً . ومن لم يستطع على الهدي لفقره ، فإنه يصوم عشرة أيام ، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله بلا خلاف ، وذلك لقوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) [البقرة 19]، كما قال هنا :
ومَنْ عدم هدياً ولما يجدِ …**…فليصم الآن بلا تردد .
ولا يجب التتابع فى صيامها ، ويكره جعل عرفة منها ، ليتفرغ للذكر والعبادة .
الحل كله ولا تطيلوا
فقلنا : حل ماذا يا رسولَ
…
وضاقت النفوس والصدور
فكبر المطلوب والمأمور
وبعضنا ، عهده بالنساء
وبعدها خرجنا للبطحاء
مسيرنا هذا وما يستنكر
فى ذلك اليوم وكل يذكر
الشرح :(1/43)
وسألوه مرة أخرى ، عن أي الحل يعني ، فقال : ( الحل كله ) فكبر ذلك عليهم كما قال الناظم هنا : فكبر المطلوب والمأمور وضاقت النفوس والصدور.
ثم خرجوا للبطحاء ، أو الأبطَحَ وهو شرقي مكة - وكان الرجل ينكر عمله ويقول (عهدي بأهلي اليوم ) فتذاكروا ذلك على وجه النكارة والاستغراب ، وكانوا يقولون : كيف نجعلها متعة وقد سمَّينا الحج .
من السما أتاه أم نقول
فبلغ الرسول ما نقول
يا أيها الناس ، أفيدوا أنى
فقام يخطب بالحمد يثني
ثم أريكم بلا نكران
أتقاكم للواحد الديان
الشرح :
والمعنى : لما بلغه صلى الله عليه وسلم ، ما يقوله الناس : فقام فخطب وقال : ( أبالله تعلمون أيها الناس ؟ قد علمتم أنى أتقاكم لله ، وأصدقكم وأبركم ) أي أنني أتقاكم لله ، وأحرصكم علي الخير ، وقد أمرتكم بما هو أفضل وأزكى.
لكنت أحللت بذا رضيّ
فافعلوا ما أمرتُ لولا الهدي
حتى تُرى مَحِلها الأنعامُ
ولكن لا يحل لى الحرام
لم أسق الهدي ولا قلدت
لو أنني استقبلت ما استدبرت
فما صنعتم من رجاء اللهِ
فحلو أنتم بلا اشتباهِ
الشرح :
ثم أمرهم بالإحلال أمراً نهائياً ، واعتذر بكونه ساق الهدي ، ولن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، كما قال هنا : …
حتى ترى محلها الأنعام
ولكن لا يحل لي الحرام
وقول الناظم :
فما صنعتم من رجاء اللهِ
فحلوا أنتم بلا اشتباهِ
يعنى أن المتعة أحب وأرجى عند الله لشرفها ، ولتأسف رسول الله عليها فلا يأمركم إلا بما فَضُل وشَرُف .
وقد خلعنا قبله الرداء
وقد أتينا الطيب والنساء
ونهجنا سمعنا وأطعنا
كذا لبسنا الثوب وانصرفنا
وقصروا سوى الألى يهدونا
تحلل الحجيج أجمعونا
ذوي التقى والخير والمراضي
نحو النبى وطلحة الفياض
الشرح :(1/44)
قال جابر : فواقعنا النساء ، وتطيبنا بالطيب ، ولبسنا ثيابنا ، وسمعنا وأطعنا ، وفي قوله ( سمعنا وأطعنا ) بيان ما كان عليه الصحابة من تمام الانقياد وأن الظنون لا تقاوم أوامر الشرع ، وفيه مناقشة التلاميذ للعالم ومراجعته على وجه التعلم ، لا على وجه العنت والمشاقة . فتحلل الجميع سوى من ساق الهدي نحو رسول الله وكان معه قله مثل طلحة بن عبيد الله ، ونعَته بالفياض لكثرة خصال الخير فيه ، وما يحمله من مراضٍ ومحاب رضي الله عنه .
وفارغا من سعيه باليمن
ثم علي قد أتى بالبدن
وارتدت الصبيغَ وتكحلت
فألفى فاطمة الرضى ترجلتْ
قالت : أبي الآمر لن نعصاه
فأنكر الذي منها رآهُ
لفاطمة الزهراء ومناقشا
ثم عليٌ قد غدا محرِّشا
الشرح :
ثم علي قد أتى البدن ... يشير إلى قصة قدوم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم ما حصل أمامه ، فوجد زوجه فاطمة قد ترجلت ولبست صبيغاً واكتحلت ، فسارع بالإنكار ، وقال : من أمرك بهذا ؟ ! فقالت : إنَّ أبي أمرنا بهذا .
ثم إن علياً رضى الله عنه انطلق إلى رسول الله محرشاً بفاطمة ، أي يذكر ما يقتضي عتابها ، وفيه ردّ العلم إلى أهله .
فقال : صادقةٍ بلا جدال
نبينا المختار ذا النوال ؟
قلت : بإهلال النبي المفضال
فقال:ما نطقتَ فى الإهلال ؟
وامكث حراماً ريثما يأتينا
فقال : لا تحل قد أهدينا
نحو المائة من غير ما نزاعِ
فكانت الهدايا باجتماعِ
الشرح :(1/45)
قوله : نبينا المختار ... متعلق بقوله مناقشا ، فأجابه رسول الله : صدقت صدقت. ثم سأله رسول الله ماذا قلتَ حين فرضت الحج ؟ قال : قلت : اللهم إنى أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما يعرف بالإحرام على الإبهام ، قال البخاري في الصحيح ( باب من أهل في زمن النبي صلي الله عليه وسلم كاهلال النبي صلي الله عليه وسلم) ونسب ابن حجر للجمهور جوازه لان رسول الله لم ينه عن ذلك وعن المالكية والحنفية لا يصح ذلك ، لأن الأحكام قد عُرفت واستقرت وأما فعل علي فمحمول على جهله حيث لم يكن له أصل يرجع اليه ، ولهذا قيده البخاري بزمن رسول الله والله اعلم انظر
( الفتح 3/417) .
وكان مجموع الهدي الذي جاء به أبو الحسن مائة بدنة .
وعندها توجهوا إلى منى
وجاءت الترويه أعني الثامنا
دون تردد ولا مراء
أَهلوا بالحج من البطحاء
فأَلفهَا باكية شقية
ثم دخلْ لزوجه الوفيهْ
الشرح :
وجاءت التروية : يقصد اليوم الثامن من ذي الحجة ، وهو مبدأ أعمال الحج وقد توجهوا إلى منى ، وهو من مسنونات الحج ويكره التقدم قبل الثامن ، وهو خلاف السنة ، وقد أهل الصحابة من البطحاء يقصد مكة ، ومن أي مكان فيها جاز ، قال في المغني :
( ويُستحب أن يفعل عند إحرامه ، ما يفعله عند الإحرام من الميقات، من الغسل والتنظيف ويتجرد من المخيط .... ثم قال : ولا يسن أن يطوف بعد إحرامه ) يرد على من استحبه. ثم دخل على زوجه الوفية ، أي عائشة أم المؤمنين فألفاها باكية فسألها ؟ فقالت : إنى حضت وقد حَلَّ الناس ولم أحلِل .
باكيةً من غير ما مساس
فقال:ما شأنك بين الناسِ ؟
والناس قد حلوا وما أحللت
فقالت شأني أنني قد حضتُ
يلوون للحج له التماس
ولم أطف بالبيت ثم الناسُ
الشرح :
والمراد : أنه سأل زوجه عائشة : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني قد حضت ، وقد حل الناس ولم أحلل ، ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون إلى الحج الآن ، كما قال الناظم :(1/46)
ولم أطف بالبيت ثم الناس ** يلوون للحج له التماس
أى حرصاء عليه يطلبونه.
على بنات آدم وانسحبا
فقال : إن هذا أمر كُتبا
واصنعي ما يصنع كالمحل
فاغتسلي للحج وأهلي
فاسمعي للقول ولا تكترب
إلا الطواف والصلاة اجتنبِ
الشرح :
وعندئذ سلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي ثم أهلي بالحج ، واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفى بالبيت ، ولا تصلي ) . وهذا نص عظيم يفيد حرمة الصلاة والطواف للحائض ، وأنه يجب عليها الانتظار حتى تطهر ، خلافاً لمن قال : تتحفظ وتطوف، إذا خشيت فوات الرفقة ، وهذا وإن كان يرد عليه ، ففى حديث صفية وسيأتي ( أحابستنا هى ) ، فقالوا: إنها قد أفاضت ، قال ( فالتنفر إذن ) ما يفيد صراحةً ، بأنه عليه الصلاة والسلام سينتظرها حتى تطهر وتطوف وأنها سبب لحبس الرفقة
فليتأمل. (5)
غير الصلاة بالبيت والطواف
فأدت المنسكَ بائتلافِ
وصلوا الخمس بها واقتربوا
وبعدها إلى مِنى قد ركبوا
إلى طلوع الشمس فاسمع وادرِ
ثم مكث بعد صلاة الفجرِ
الشرح :
ثم طهرت عائشة ، وأدت المناسك كلها بكل طمأنينة وائتلاف ، غير أنها لم تصل ولم تطف لوجود المانع . وفي منى صلى عليه الصلاة والسلام الفروض الخمسة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع (6) ، ثم مكث بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم دفع إلى عرفة كما سيأتي.
ونازلاً في نمره كذا أُثر
ثم أمر بقبة من الشَعَرْ
قريش أن يفعل ما يعاب
وسار حينها ولا ترتابُ
وأنه في نزْلهم لا يقف
من كونهم فيما مضى قد أزلفوا
الشرح :(1/47)
وقبل دخوله عرفات ، أمر بالقبة فضُربت له ( بنمرة ) ونَمِرة بفتح النون وكسر الميم قال ابن الأثير : وهو الجبل الذى عليه أنصاب الحرم بعرفات ، وليس نمرة من عرفات فلينتبه لذلك . وفي هذا دليل على جواز الاستظلال بغير الملاصق وعدم تكلف المشقة ، وتخصيص أهل العلم والفضل بما يصلح لهم ، ويناسب أقدارهم ، مع عدم التوسع في ذلك .
ثم سار وصحابته فيهم الملبي والمكبر ، وقريش ترقبه ولا تشك إلا أنه واقف عند المشعر الحرام أي مزدلفة ، لعادتهم في الجاهلية ، حيث كانوا لا يخرجون من الحرم ، لكنه خالفهم فى ذلك ، وقوله ( .... أن يفعل ما يعاب ) أى أنه لن يفعل ما تعيبه قريش لأجله ، وطمعوا أن يقلدهم في مناسكهم .
معرفا فى نمره إذ أمرا
حيث أجاز بعد هذا المشعرا
مخالفاً عوائد الفضول
بالقبة المعده للنزول
بالقصواء فرُحِّلت لينتشرْ
وحينما قد زاغت الشمس أمر
الشرح :
ثم تجاوز المشعر ، عليه الصلاة والسلام حتى بلغ عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمره فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالناقة ، فرحلت له ، فركب حتى أتى بطن الوادي ، أي وادي عُرَنة ، وهو أيضاً ليس من عرفات فليتنبه .
وقوله : مخالفاً عوائد الفضول أي القرشيين الذين كانوا يقولون : نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه ، وقال تعالى في القرآن (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) [البقرة 199]. يقصد بذلك قريشاً وعادتهم في الجاهلية .
فقام خاطباً بذى العباد
حتى أتى مكان بطن الوادي
محرمهْ فأْصغوا ، ولا جدالا
إنَّ دماءكم كذا الأموالا
الشرح :
فلما بلغ بطن الوادي هناك ، قام خطيباً في الناس ، ووعظهم وذكرهم ، وكان فيما قال ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا وكل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمي هاتين موضوع ، ودماء الجاهلية
موضوعه ... الخ ) .
في البلد المقدس المطهر
كحرمة اليوم وهذا الشهر
فإنه موضوع تحت أرجلي(1/48)
وكل شىء من أمور الجاهلي
أولاها بالوضع دمُ ربيعه
كذا دماء من مضى موضوعهْ
الشرح :
شبه صلى الله عليه وسلم حرمة الدماء والأموال بحرمة اليوم والشهر والبلد ، فاليوم عرفة ، والشهر ذو الحجة ، والبلد مكة ، وهي معظمة ومحرمة في أذهان الناس، وكذلك الدماء والأموال والأعراض ، لا يجوز الاعتداء عليها بإجماع المسلمين .
وهذه إحدى خطبه صلى الله عليه وسلم في الحج .
قوله ( وكل شىء من أمور الجاهلي فإنه موضوع تحت أرجلي ) ، والمعنى : ما أحدثه أهل الجاهلية من شرائع فى الحج وغيره فإنها باطلة مردودة ، وكذلك الدماء وضعها وأبطلها ، وبدأ بدم ربيعة بن الحارث ، الذى كان مسترضَعا في بني سعد ،
وقتلته هذيل .
وربنا الماحي لذي الأدناس
وأول ما نضع ربا العباس
وعاشروا من غير ما جفاء
والله فاتقوه فى النساءِ
ومسهن بالكلمة المصانة
فأخذكمَ قد كان بالأمانة
فإن يكن فالضرب والنكير
وحقكم لا يوطأ السريرُ
بذلك المعروف لا غَلاءُ
وحقهن الرزق والكساءُ
الشرح :
أول ما بدأ بوضع ربا العباس بن عبد المطلب لأنه عمه ومن أقرب الناس إليه ، والله المعين على دفع تلك الخبائث والأدناس كما قال : وربنا الماحي لذي الأدناس ، وليست من الحديث وإنما هي من كلام الناظم .
ثم أوصاهم بتقوى الله فى النساء من حسن المعاشرة ، وطيب المخالطة وقال (فإنكم أخدتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) ، ثم عقَّب بحق الصنفين ، فعلى المرأة حفظ الفراش وعدم إدخال من تكرهونه ، ورخص ضربهن للحاجة ، وعلى الرجل الرزق والكساء بالمعروف لتحلو العشره ، وتحصل السلامة ، ومتى ما ضيعت هذه الحقوق ، ساءت الحياة بينهما .
ودافع البلاء والأهوال
وقد تركت ماحي الضلال
وعنّي تسألون باختبار
أعني كتاب الله ذا الأنوار
في ذلك اليوم وقد حضرتمُ
فما تقولون إذا سئلتمُ
الشرح :(1/49)
ثم نبههم إلى الوصية العظيمة ، وقد تركت ماحي الضلال ، يعني قوله صلى الله عليه وسلم ( إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدُ إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تُسألون عني ) ولا ارتياب في شرف هذا الكتاب وعلوه ، كمال قال تعالى (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ )
[ ص 1 ] أي ذي الشرف والمكانة ، وأنه مخرج الأمة من كل بلاء ، ونجاتها من كل غمة أن أخذته ، وحملته بصدق وقوه ، كما قال تعالى (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ) [ البقرة 63 ].
والنصح للأمة والقضاء
نشهدُ بالبلاغ والأداءِ
اشهد على المقول يا رجائي
فحرك السبابة للسماء
للظهر والعصر بلا أناة
وبعده أُذِّن للصلاةِ
الشرح :
أجاب الصحابة الكرام رضي الله عنهم ( نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ، وأديت ونصحت الأمة وقضيت الذى عليك ) ، وهو ما صاغه الناظم بقوله : نشهد بالبلاغ والأداء .. والنصح للأمة والقضاء ، فحرك السبابة للسماء اشهد على المقول يا رجائي .
أي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع أصبعه إلى السماء ، ونكتَها إلى الناس ، وقال :
( اللهم اشهد ، اللهم اشهد ) ، وهو ما أراده الناظم بقوله : اشهد على المقول يا رجائي ، وليس هذا من كلام رسول الله ، لكن صيغت للحاجة في تقريب المعنى ثم أذن بلال للصلاة ، وصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين ، وهذا الخبر أصل في جمع التقديم للمسافر خلافا لمن منعه من العلماء .
فكن لما يُنقل فهما عاملا
ولم يصل بينها نوافلا
مستقبلاً لمجمع المشاةِ
وبعدها سار إلى الصخْراتِ
دون تكاسل ولا استغفال
مستقبلاً قبلة ذي الجلالِ
الشرح :
ذكر جابر في صفة الحجة ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما شيئا ، فلا يُشرع التسبيح حينئذ كما قال : فكن لما ينقل فهماً عاملا ، لأن الخير في اتباعه صلى الله عليه وسلم ، والوقوف عند فعله . وقد قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
[ الأحزاب 21 ] . قال :(1/50)
مستقبلاً لمجمع المشاة
وبعدها صار إلى الصخرات
دون تكاسل ولا استغفال
مستقبلاً قبلة ذي الجلال
الشرح :
أي أنه تحرك نحو الصخرات المفترشات ، في أسفل جبل الرحمة ، وهو المتوسط من عرفات يسمى هكذا بالرحمة ، وإن كان لم يثبت تسميته بذلك ، وهذا هو الموقف المستحب ، واستقبل القبلة بلا غفلة ، وجعل مجتمع المشاه بينه وبين القبلة .
يذكر ربه بغير بخس
فلم يزل حتى غروب الشمسِ
وكلها موقف للحجاج
وها هنا وقفت بابتهاج
الشرح :
وهناك عند الصخرات ظل ذاكراً ربه ، وداعياً ومبتهلاً (7)، لأنه موسم عظيم تجاب فيه الدعوات ، وتنزل فيه الرحمات ، ويدنو الله فيه من عباده ، ويباهي بهم الملائكة، ويقول : ( انظروا إِلى عبادي جاءوني شُعثا غُبرا ) ، وما رُئي الشيطان أدحر ولا أحقر منه فى يوم عرفه ) كما صحت بذلك الأخبار.
وعند مالك في الموطأ قال صلى الله عليه وسلم ( خيرُ الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي لا إله الا الله وحده لا شريك له الملك ، وله الحمد وهو على كل شىء قدير) .
فعلى المسلم الاعتناء بذلك الموقف العظيم ، والتهيؤ له بالمقيل شيئاً يسيرا بعد الصلاتين ، حتى ينقطع بعد ذلك ذاكراً وتالياً ، وداعياً ومستغفراً ، وعليه أن يستفرغ وسعه ، وأن يشحذ همته ، وأنْ يدَعْ ما عليه الناس اليوم من التبسط فى الأحاديث عشية عرفة ، وربما التندر وكثرة الكلام فيما لا ينفع ، وهذه من أخطاء الحجيج يوم عرفة ، ومنها عدم استشعار فضيلة ذلك اليوم، والزهد فى العبادة ، وقد ظل صلى الله عليه وسلم حتى غربت الشمس وقال : ( وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف) فمن وقف موضعه فهو حسن ، وفي أي مكان وقف فكله موقف ، وأما اعتقاد شرف الوقوف بالجبل فلا يصح في ذلك شىء. (8)
وفاض بالسكينة والترشيد
وأردف أسامةَ بن زيدِ
وباطنُ الكف إلى السماءِ
وشنَق الزمام للقصواءِ
الشرح :(1/51)
لما غابت الشمس واختفى القرص ، دفع صلى الله عليه وسلم ، وركب ناقته (9) ، وأردف أسامة بن زيد خلفه ، ليُظهر شرفه ، وليرفع مكانته بين الناس ، لأنه كان من الموالي ، وليُري الناس أن الشرف بالتقوى ، وليس بالأحساب والأنساب ، قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات 13].
وقوله وفاض بالسكينة والترشيد : يقصد الإفاضة بهدوء وسهولة ، ونادى فى الناس ( السكينة السكينة ) ، وقد ضيق زمام ناقته ، حتى إن رأسها ليصيب مورك الرحل، وكلما أتى مجتمع الرمل أرخى لها حتى تصعد ، وكان في سيره هذا ملبياً ذاكراً لله ، ولم يقطع تلبيته بعد .
واحتدَّت الأرواح والأنفاسُ
السكينةَ السكينةْ يا أناس
أرخى لها صُعداً بلا أثقال
وكلما أتى حبلاً من الحبال
تلك الصلاة بأذان سُمعا
حتى أتى جمْعاً وفيها جمَعا
وفيهما أقامَ للتشريعِ
ولم يكن آذن فى الجميعِ
الشرح :
قوله : السكينة السكينة يا أناس : يقصد أي خاطب الناس، لما لحظ شدة دفعهم أي الزموا السكينة ، وكان يرخي زمام الناقة كما سلف ، لكى يسهل صعودها لِما ارتفع من الأرض.
وقوله : حبلاً من الحبال : الحبل بالحاء المهملة هو المستطيل من الرمل ، وقيل الضخم وجمعه حبال.
قال : حتى أتى جمعاً وفيها جمعا ، يقصد المزدلفة ، وهذا من أسمائها ، وهناك صلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين جمع تأخير ، هذا هو المختار ، وما عداه واهٍ ضعيف.(10)
ثم اضطجع إلى طلوع الفجر
ولم يسبح بينهم فى الأثر
بلا تعجب ولا تواني
ثم أقامها مع البيان
الشرح :
وأثناء جمعه الصلاتين لم يسبح بينهما ، أى لم يصل نافلة ، فلا يشرع التنفل بينها ، ثم نام صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر . وهل أوتر تلك الليلة؟! ظاهر اللفظ أنه لم يوتر لأن جابراً كان متحريا فى النقل ، لكن قد يقال : أنه قد أوتر ولم يعلم به جابر ، لا سيما إذا استصحبنا عنايته بالوتر حضرا وسفرا .(1/52)
ويستفاد من ذلك أيضاً : كراهة إحياء ليلة العيد ، وأنه لم يصح عنه فى ذلك شىء ، كما نبه عليه ابن القيم فى زاد المعاد ، فلا يثبت ما يذكره بعض الناس ( من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب ) ثم صلى الفجر بعد ذلك لما تبين طلوعها ، ولم يستعجل فيها كما يفعله بعض الحجيج الآن ، من الصلاة قبل دخول الوقت ، وهو ماعناه بقوله : ثم أقامها مع البيان بلا تعجل ولا توانى أي مع استبانه الفجر وطلوعه ، وفي هذه الليلة أجاز للضعفة من أهله الدفع بعد مغيب القمر تقريباً بعد منتصف الليل ، ويدفع معهم قرابتهم ، ويجوز لهم الرمي معهم وفعل أعمال يوم النحر ، لكن لا يرمون إلا بعد طلوع الشمس لقوله لابن عباس لما أرسله في ضعفاء أهله (أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) أخرجه الترمذي وابن حبان وحسنه الحافظ (في الفتح).
وأكثر الدعاء للعلام
ثم ركب للمشعر الحرام
وظل واقفاً لحين أسفرا
مهللاً موحداً مكبرا
وأينما حل يصح الموقف
وقفتُ ها هنا وجمع موقفٌ
مغشَّى بالسكينة والخضوعِ
ثم دفعْ منها إلى الطلوعِ
الشرح :
أي أنه صلى الله عليه وسلم ركب ناقته بعدما صلى الفجر ، قاصداً المشعر الحرام ، وهل هو المزلفة ؟
الأقرب أنه جبل قُزَح معروف في المزدلفة ، وقد قصده لأمر الله بذلك (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) [البقرة 198]. وهناك استقبل القبلة ، ومكث داعياً ومكبراً ومهللاً ، يوحد الله تعالى ، حتى أسفر جدا وقال ( وقفت ها هنا والمزدلفة كلها موقف ). وهنا خالف المشركين حيث كانوا يدفعون بعد طلوع الشمس.
وكان ذا حسن وذا جمال
وأردف الفضل بلا جدالِ
والفضل ناظر بلا حياء
فمر بالظُعن وبالنساء
والفضل عامد إلى التحول
فصرف الرسول وجه الفضل
الشرح :(1/53)
ثم لما دفع ركب ناقته ، وأردف الفضل بن عباس خلفه ، وفيه بيان تواضعه عليه الصلاة والسلام ، وإلا فالكُبراء لا يُردفون خلفهم ، وفيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق . وقوله ( وكان ذا حسن وذا جمال : يشير إلى قول جابر في حال الفضل : ( وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيماً ) .
وفي مشيه مرت به ظُعُن ، جمع ظعينة وهي المرأة تكون على البعير ، فنظر الفضل للنساء ، فردَّ رسول الله وجهه للشق الآخر ، وكلما أراد النظر حول وجهه مرة أخرى ، وفي هذه القصة : بيان النهي عن النظر إلى النساء ، وبيان ما عليه الشباب من شهوة جامحة تأخذهم يمنة ويسرة ، وليس في القصة ما يدل على أن النسوة كن كاشفات كما فهمه بعض أهل العلم ، واستدل به على كشف وجه المرأة إذ ربما كنَّ محرمات ، أو أن الريح حركت أغطيتهن ، وعلى كلٍ هي حادثة عين لا تُعارَض بمثلها الأخبار الدالة على وجوب تغطية المرأة وجهها ، وليس هذا مقام بحث المسألة ، وإن كان هو خلاف رأي جامع الحجة ومخرجها ، لكن الحق أحق أن يتبع.
أسرع فى السير بلا تأخر
وعندما أتى إلى محسِّرِ
للجمرة الكبرى على التحقيق
وسلك الوسطى من الطريقِ
الشرح :
ثم بلغ صلى الله عليه وسلم بطن محسر ، وهو برزَخ بين منى ومزدلفة ، لا من هذه ولا من هذه ، وسُمي محسراً لأن أصحاب الفيل حسَر فيه فيلهم ، أي أعيا ، فحرك فيه كراهة التأخر في مواضع العذاب . قال النووي : ( فهي سنة من سنن السير فى ذلك الموضع) . وقال ابن القيم : (وهذه كانت عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، كذلك فعل فى سلوكه الحِجر وديار ثمود ، تقّنع بثوبه ، وأسرعَ السير ) .
ثم سلك الطريق الوسطى إلى الجمرة الكبرى ، غير طريقه الذى مشى فيه إلى عرفات ، وهناك أتى الجمرة الكبرى عند الشجرة ، وهي آخر الجمرات مما يلى منى ، وأولها مما يلي مكة ، وهي عند العقبة ، ولذلك سميت جمرة العقبة.(11)
فى ضحوة منه بسبع جمر(1/54)
وكان رميه بيوم النحر
مثل حصى الخذف على الشهير
وقد بدا الجمار بالتكبير
وفعله الجواز فادفع عاذله
وكان راكبا لتلك الراحلة
الشرح :
ثم رمى تلك الجمرة في يوم العيد ، وهو يوم النحر العظيم ، ضحى رماها بسبع حصيات ، التقطها من منى ، ومن أي مكان التقطها أجزأه ، وبعض الحجيج يصر في أخذها من مزدلفة ، ولا دليل عليه ، إلا ما ورد عن ابن عمر ، واستحبه بعضهم ، قال أحمد : خذ الحصى من حيث شئت ، وقال ابن قدامة : ( وهو أصح إن شاء الله لقوله فى منى لابن عباس ( القط لي حصى ) وكان يكبر مع كل حصاة ، وهي كحصى الخذْف ، تُشّبه بحبة الباقلاء ، أو الحمص ، ولا ينبغى الرمي بالكبار لأنه نوع من الغلو ، ولو رمى بهن أجزأه قال ابن عباس فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل يقبضهن في كفه ، ويقول
( أمثال هؤلاء فارموا ، ثم قال : أيها الناس ، إياكم والغلو فى الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين ) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح . وقد رمى هذه الجمرة وهو راكب الراحلة ، وكيفما رمى جاز ، ورميها ضحى هو أفضل أوقاتها، ويجوز رميها قبل الغروب ، والسنة في رميها: من بطن الوادي يجعل مكه عن يساره ومنى عن يمينه يكبر مع كل حصاه ويقطع التلبية مع الرمي ، ورميها واجب ويأثم بتركه ، ويُجبر بدم ، وموضع الرمي مجتمع الحصا لا الشاخص ولا مال سال منه .
لعله لا حج لي هنالكَ
لتأخذوا عني ذه المناسكَ
تحيناً لها بلا استعجال
وبعدها رمى بعد ا لزوال
وفوق ستين بنص الخبر
ثم انصرف بعيدها للمنحر
الشرح :
وقال هناك : ( لتأخذوا مناسككم ، فإنى لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ) وهذا أصل مهم في الاتباع والاقتداء ، وفي قوله : لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ، إشارة إلى قرب وفاته صلى الله عليه وسلم وأنه يودعهم ، ومن هنا سُميت (بحجة الوداع).(1/55)
وأما الرمي في أيام التشريق فقد رماهن بعد الزوال أى مع صلاة الظهر ، وكان يتحين فإذا زالت الشمس رمى ، وهل يجوز الرمي قبل الزوال ؟ الجمهور على المنع ، وقد تمسك به عدد من المعاصرين ، رغم ما يحصل من شدة واقتتال والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحث والتحرير ، وإيجاد مخرج ، لا سيما وأنه قد سهل رسول الله فيما هو أشد من ذلك ، وقد ذهب إلى جواز الرمى قبل الزوال عطاء والحسن وغيرهما وقيده بعضهم بيوم النفر ، وصوبه الشيخ السعدى (12) ، رحم الله الجميع .
وانصرف بعد ذلك صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده.(13)
لما بقي من بُدنْه وانفردا
معَ ثلاث وعلياً عَهِدا
في هديه علياً يا فُضُول
بما غبرْ وأشرك الرسولُ
الشرح :
ثم أكمل عليا ما بقي ونحره ، وأشرك رسول الله علياً في هديه كما قال الناظم.... في هديه عليا يا فضول ، وفضول هنا جمع فاضل، والمراد القراء الفضول الذين يعون مثل هذه المسائل ، ويفقهون السنن والأخبار .
وباشرا الأكل بها واستمتعا
ثم أمرْ أن تطبخَ وتصنعَ
رسولنا عن أهله إحدى البقر
وشربا من المرق وقد نحر
الشرح :
والمراد أنه أمر من كل بدنة ، ببضعة أي قطعة ، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها .
قال :
رسولنا عن أهله إحدى البقر
وشربا من المرق وقد نحر
أي نحر عن نسائه بقرة كما فى لفظ مسلم .
كذلك الأبقار فى المشهور
واشترك السبعة فى جَزور
وقد نَهوا عن غيرها فافهم هنا
وأكلهم كان بأيام منى
فازودوا منها بلا تعدد
وبعدها أرخص في التزودِ
الشرح :
والمقصود أنه رخص لهم أن يشترك السبعة فى البعير والبقرة، وهو سبع البدنه لكل شخص ، ولما سُئل عن البقرة أتشترك ؟ فقال : ( ماهي إلا من البدن ) .
وكان أكلهم في أول الأمر مخصوصاً بأيام منى ، ثم أرخص في الأكل والتزود حتى بلغوا بها إلى المدينة .
قال :
فازودوا منها بلا تعدد
وبعدها أرخص في التزود
أي جاءهم الأمر من رسول الله ( كلوا وتزودوا ) .(1/56)
والنفس قد سُرت بهذي الهبة
حتى أتوا لطيبة الطيبةِ
وذا هو الثالث فيما قد حُققْ
وبعد نحره لرأسه حلقْ
الشرح :
أي حتى وصلوا للمدينة ، وبالفعل مثل هذا الحكم وفيه من السماح والسهولة، ما يجعلهم مسرورين مستبشرين .
ثم العمل الثالث بعد النحر هو حلق الرأس ، حلق رأسه وهو أفضل من التقصير لأنه دعا للمحلقين ثلاثا . وذا هو الثالث فيما قد حُقق : أي العمل الثالث من أعمال يوم النحر فيما قد حقق ، أي رُوي وحفظ .
بحيث من درى ومن لم يدر
وقد جلس للناس يوم النحرِ
في حال من قدم من فِعال
فما سئل عن تلكم الأعمال
ترفقاً بالناس دونما لجَج
فقال افعله وليس من حرجْ
الشرح :
قوله : وقد جلس للناس يوم النحر : أي انتظر يستقبل أسئلة الناس ، ويجيب على إشكالاتهم ، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر آنذاك إلا قال : ( لا حرج لا حرج ) وهذا يفيد احتماله لأخطاء الناس ، وتيسيره عليهم ، وليُعلم أن السنة فى أعمال يوم النحر كالتالي :
الأول :…الرمي .
الثانى :…النحر .
الثالث :…الحلق .
الرابع :…الطواف .
الخامس :…السعي - لمن كان عليه سعى.
كذا هو ترتيبها،كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(14)
والأفضل : الإتيان بها مرتبة كما هو السنة لمن استطاع ذلك، وأما من شق عليه فلا حرج في المخالفة بينها .
وناسك حلقت قبل الجمر
فسائلٌ حلقت قبل النحر
كأنني ناس وإنني عمي
وآخر قد طفت قبل الرمي
فقال : لا حرج بغير جُنح
وآخر قد طفت قبل الذبح
الشرح :
هذه اسئلة متنوعة وردت على رسول الله ، فقال فى سائرها : لا حرج.
أحدهم قال : حلقت قبل أن أنحر ، والآخر قال : حلقت قبل أن أرمى ، وآخر قال : طفت قبل أن أرمى ، وآخر قال : طفت قبل أن أنحر ، فيسر عليهم فى الإجابة وقال : افعل ولا حرج.
فقال : يرميه بغير جرم
وآخر نحرت قبل الرمى
أجابَهَ اْفعل دونما تعسرِ
فكان من قدَّم يوم الأكبرِ
الشرح :(1/57)
أي رفقَ بالناس ، وسهّل لهم نسكهم ، وأجاب بما يدل على سعة الشريعة ويسرها، كما قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ) [البقرة 185]. وقوله في الحديث (بُعثتُ بالحنيفية السمحة)
ثم منى منحر كل شاكر
وقد نحرت ها هنا فى المنحر
بدون تشديد ولا تضييق
ومكة للنحر والطريق
فاسمع إلى التيسير والتساهلِ
فانحروا في الرحال والمنازلِ
الشرح :
والمعنى : أنه صلى الله عليه وسلم قال بعد ذلك ( قد نحرت ها هنا ، ومنى كلها منحر ) ، وفي رواية ( وكل فجاج مكة طريق ومنحر ) ، وفي ذلك تسهيل على الحجاج كمال قال : بدون تشديد ولا تضييق .
ورخَّص إضافةً على ذلك ، النحر في الرحال ، كما قال :
فاسمع إلى التيسير والتساهل
فانحروا في الرحال والمنازل
أي التساهل المحمود الذى يأتي به صاحب الشريعة ، وليس هو التلاعب في الأحكام ، أو ما لا تسعفه الأدلة الصحيحات.
فأي يومٍ حرمةً وشهرِ
وبعدها خطبْ ليوم النحر
أعظمُ للتقديس والتعظيم
وأي ذي البلاد والتحريمِ
فقال : في الدماء والأموال
فقالوا ذا البلدْ بلا إشكال
الشرح :
وفي يوم النحر خطب عليه الصلاة والسلام خطبة أخرى هناك ، جاء فيها : ( أى يوم أعظم حرمة ؟ فقالوا : يومنا هذا ، قال : فأي شهر أعظم حرمة ، قالوا: شهرنا هذا ، قال : أي بلد أعظم حرمة ، قالوا : بلدنا هذا ، قال : فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كرحمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ) كما في رواية أحمد .
وقول الناظم :
فقال في الدماء والأموال
فقالوا ذا البلد بلا إشكال
أي حرمة الأموال والأولاد كحرمة هذا البلد والشهر واليوم، فاتقوا الله عباد الله .
والشهر والبلد بلا تعتيم
قد حرمت حرمة هذا اليومِ
قالوا : نعم أديتَ ما استقام
فقال : هل بلغتُ ذا الكلامَ
وربُّنا يرصُد كل مرصدِ
فأشهدَ الرحمنَ يارب اشهدِ
الشرح :(1/58)
أشهد الناس على كلامه فشهدوا وصدقوا بلا خلاف .
قوله : وربنا يرصد كل مرصد : أي أن كل من بدل وخالف ، فالله محيط به مطلع عليه لا تخفى عليه خافية ، قال تعالى : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر 19]. وقال : (قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)
[آل عمران : 29]
وكلهم طافَ بلا اختلاف
ثم ركبْ للبيت والطواف ِ
كذا يَعُم جابرٌ بمرة
ولم يطوفوا للصفا والمروةِ
الشرح :
بعد ذلك ركب صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، وطاف للإفاضة ، وهو طواف الحج ويسمى الزيارة ، والصدر ، والركن وهو المراد بقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج 29].
قال ابن عبد البر : هو من فرائض الحج ، لا خلاف في ذلك بين العلماء . وهذا الطواف له وقتان : فضيله وإجزاء ، فالفضيلة : ضحى بعد الرمي والنحر والحلق ، والجواز : فأوله نصف ليلة المزدلفة ، وأما آخره فغير محدود على الصحيح ، لكن الأفضل أن لا يتجاوز به أيام التشريق .
وقوله : ولم يطوفوا للصفا والمروة .. يقصد أن الصحابة مع النبى صلى الله عليه وسلم لم يطوفوا بين الصفا والمروة لأنهم سعوا مع طواف القدوم وأدخل فى ذلك المتمتعين ، والصواب أن المتمتع عليه سعي آخر للحج كما فصّلت عائشة فى بعض الروايات وهذا هو التحقيق في المسألة.(15)
ثم عمدْ لزمزم المنهمر
وصلى في مكة فرضَ الظهر
( انزِعوا ) في السقى بلا تعتب
فنادى آل جده المطلب
لقمتُ بالنزعِ بلا أناةِ
فلولا غُلْبُ الناس للسقاةِ
الشرح :(1/59)
ذكر جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة، وعن ابن عمر في الصحيحين أنه صلاها في منى (16) ، ومافي الصحيحين مقدَّم لأنه أرقى صحة ، لكن جابراً تميز سرده بالدقة وحسن التحري من بين سائر الصحابة ، ومع ذلك فيمكن الجمع أنه صلاها بمكة أولا ثم عمد إلى منى فصلى بقوم آخرين هي لهم فريضة ، وهي له نافلة وهذا جمع حسنَ اختاره ابن عثيمين رحمه الله.
ثم أتى إلى زمزم وعنده بنو عبد المطلب فقال : ( انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ) وهو ما عناه الناظم هنا ... ثم عمد لزمزم المنهمر . وهذا يفيد فضل الاستقاء للناس في ذلك اليوم ، وشرف أعمال الخير والبر ، وأنه لولا خوفي أن يعتقد الناس أن ذلك من مناسك الحج، لاستقيت معكم وسبلت للناس ، ولكن ترك ذلك لئلا يزحمهم الناس على سقايتهم التى يفاخرون بها.
في تلكم الأيام ذي العناء
لفضل ما يكون فى السقاءِ
فبادر الشرب بلا ارتياب
فناولوه الدلو للشرابِ
الشرح :
قوله في تلك الأيام ذي العناء : أي ذات الشدة والعطش والزحام ، فيفرح وفود الرحمن بمن يسقيهم ويطعمهم ، ويحرص على خدمتهم .
ثم ناولوه دلواً فشرب . وفيه مشروعية الذهاب لزمزم بعد الإفاضة ، والشرب أمام الناس كما تقدم في عرفة ، والثناء على أعمال الخير في تلك الأيام ، وترك ماقد يظن مشروعيته ، والحرص على حفظ حقوق الناس ، وعدم التسبب في أذيتهم أو جرح مشاعرهم .
ولم تطف لحيضها هنالكا
وأدت الفقيهةُ المناسكا
فقال : مِن حجٍ وعمرةٍ حللت
وبعد طهرها قد طافت وسعَتْ
الشرح :
قوله : وأدت الفقيهة المناسك : يقصد عائشة رضى الله عنها ، فهي العالمة الفذة الفقيهة ، قال الذهبي : هى أفقه نساء الأمة على الإطلاق . فقد أدت سائر مناسك الحج ، إلا أنها لم تطف بالبيت لحيضها ، وقد أمرها رسول الله أن تنتظر الطهر . وبعد طهرها طافت للإفاضة ، ثم سعت فقال لها عليه الصلاة والسلام (قد حللتِ من حجك وعمرتك ) .(1/60)
بحجة وعمره وتستبق
فقالت يا رسول كيف تنطلق
ومنسكي حج بلا اكتمال
والناس بالاثر بلا جدال
لا تيأسي وتحزني وتهلكِ
فقالَ : ما للقوم قد كان لكِ
الشرح :
فاستنكرت عائشة أنها لم تطف إلا لحجها وما طافت حين قدمت كسائر الناس فقالت : " كيف تنطلقون بحج وعمرة ، وانطلق بحج ؟ " فقال : ( إنَّ لك مثل ما لهم )
ولم أطف كمعشر الأسلاف
فقالت في نفسي من الطوافِ
فكان ذا اليسر وتم البشر
حتى حججت يوم تم الطهر
وحقق الذى هواه الأهل
إذ سهل الرسول وهو السهلُ
الشرح :
يعني قولها : ( أجد في نفسي ، أني لم أطف بالبيت حتى حججت ) ، فلما طهرت طافت لحجها وعمرتها ، ولم تطف فور وصولها .
قال جابر:(وكان رسول الله رجلاً سهلاً إذا هويت الشىء تابعها).
فيه حسن خلقه وطيب عشرته لأزواجه ، ومقام عائشة عنده، والمراد أنه تابعها فيما لا حرج فيه ولا محظور .
واعمرها بالتنعيم والنُعْمَانِ
فاذهب بها يا عابدَ الرحمنِ
واقبلت وكانت المحصَّبُ
فاعتمرت وطاب منها القلبُ
بمحجن مستلما وحامله
وطاف للبيت فويق الراحلةْ
الشرح :
وحينئد أمر صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر ، أمره أن يعمرها من التنعيم ، وهذا يدل على أنه يجب على المكي ومن أقام بمكة أن يخرج لأدنى الحل حين أداء العمرة ، استنادا على قصة عائشة . قال :
الناظم :
وأقبلت وكانت المحصب
فاعتمرت وطاب منها القلب
يعني انشرحت بما حصل لها ، وعادت ورسول الله في مكانه ، وذلك ليلة الحصبة فقد باتوا فيه ، وهو الشِعب الذى مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى ، ثم طاف رسول الله بالبيت على راحلة ، ولم يذكر جابر مع دقته نوع هذا الطواف ، هل هو الوداع أو الإفاضة ، وقد عينته عائشه في حديثها ، وهذا الطواف من واجبات الحج ، أمر الناس به إلا أنه قد خفف عن
الحائض. (17)
فقد غشَوه غشية الإجلال
حتى يراه الناس للسؤال
لها صبياً طيب الهناء
واستفتت المرأة في نساء
قال : نعم والأجر عند الباري
فهل له من حج ذي اعتبارِ(1/61)
الشرح :
وفي هذا الطواف المحتمل أنه للوداع أو الإفاضة كان راكبا فيه ، أما طواف القدوم فقد كان فيه ماشيا كما تقدم . أما هنا فقد ركب لأنه الناس غشوه للحاجة والسئوال أي اجتمعوا عليه ، وكان ممن سأل امرأة رفعت صبياً لها قالت : ( ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجر ) وهذا دليل على صحة حج الصبى ، وأنه مأجور عليها ، ولكن لا تجزئه عن حجة الإسلام على الصحيح ، ولأبويه
ثواب ذلك .
كما رواه جابر المصداق
ثم هنا قد كَمُل السياقُ
بجمع شيخنا إمام الدار
فى مسلم وسائر الأسفار
وجودة الترتيب والإفهام
حرره بأحسن الكلام
الشرح :
قوله : ثم هنا قد كمل السياق ...
أي هنا انتهى وصف جابر للحج ، وهي كما رأيت وفية رائقة ، متقنةً فائقة، تجلّى فيها صدق جابر ، وتمام حفظه وتحريه رضي الله تعالى عنه .
في مسلم وسائر الأسفار : خرجها مسلم فى صحيحه ، وكذلك روتها كتب أخرى كأحمد وأبي داود والدارمي وغيرهم ، كما بينه الشيخ المحدث الألباني رحمه الله إمام الدار والزمان والمكان .
وجودة الترتيب والإفهام
حرَّره بأحسن الكلام
وحلية الأفذاذ والأيقاظ
فكان من نفائس الألفاظ
وطالبي النجاة والإبهاج
وهو سبيل البر للحجاج
متابعي جابر ذي الآثار
فالغُنُم والهناءُ للأخيارِ
الشرح :
وأصبح جمع الشيخ رحمه الله من نفائس الألفاظ المروية ، في صفة الحجة البهية، وهي خليق أن يتحلى بها أفذاذ الناس ، والأيقاظ الحرصاء على العلم والسنة .
وليعلم أن العناية بها وبامتثالها ، سبيل مبين إلى الحج المبرور والعيش فى درب النجاة والبهجة .
وكل من تابع ما قاله جابر وقلده ، منتهاه الغنم والهناء لسبقهم إلى الآثار والسنن كما قال :
متابعي جابر ذي الآثار
فالغنم والهناء للأخيارِ
( للمنسك الوافر ) والإفضال
فالحمد لله على الإكمال
محمد وصحبه الأبرار
وصلى ربنا على المختار
ما سير في تحجاز أو تنجاد
وسلم من غير ما تعداد
الشرح :(1/62)
ثم ختم الناظم غفر الله له المنظومة بالحمد لله كما بدأ ، حَمده على الإكمال والإفضال بأن أعانه على نظمه وشرحه ، وذكر اسمه المختار ( المنسك الوافر ) وقد كان بحق وافراً مزيناً بالمسائل والفوائد ، وصلى ربنا وسلم على رسول الله تسليمات كثيرة بلا إحصاء وتعداد ، كلما سار سائر في الحجاز ونجد ، كما قال : (ما سير في تحجاز أو تنجاد)
تقول العرب : تحجاز للسائر صوب الحجاز ، وتنجاد للمتجه جهة نجد
والحجاز هو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام ، وسمي حجازاً ، لأنه حجز بين نجد وتهامة.
ونجد هو المرتفع من الأرض لغة ، والمراد هنا الناحية التي بين الحجاز والعراق .
وقد بات هذا النظم مهجوراً أكثر من سنتين ، إلى أن أفاض الله عليّ بكرمه وتوفيقه ، ما أشعل الهمة ، وشحَذ العزيمة ، فشرحته في أقل من ثلاثة أيام ، فقلت فى ذلك :
تبيانه من غير ما إبهام
وكان فى ثلاثة الأيام
وغاية التحقيق والإفصاح
حليته بالكشف والإيضاح
وكاليواقيت على يديهِ
فجاء كالتاج على الوجيهِ
وليس للهمةِ والهُمام
والفضلُ للمهيمن العلاّم
صائرةٌ للضعف والحريقِ
فكلُّ همةٍ بلا توفيقِ
كان الفراغ منه في الخامس من ذي الحجة
لعام ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين للهجرة
الفوائد الفقهية من حديث جابر
1- تعيين رسول الله صلى الله عليه وسلم للمواقيت المكانية ، وهذا يشعر بأهمية الإحرام منها ، وعدم تجاوزها .
2- استحباب سوق الهدي ، ولو من الأماكن البعيدة .
3- صحة إحرام الحائض ، ومشروعية اغتسالها ، وتحفظها بما يمنع جريان الدم .
4- مشروعية الصلاة عند الإحرام .
5- بيان أن إهلاله الأول كان بالحج .
6- بيان أن تلبيته النبوية ( لبيك اللهم لبيك ... الخ ) .
7- جواز الزيادة على تلبية رسول الله لفعل الناس ذلك ، وإقراره لذلك .
8- مشروعية طواف القدوم للداخل إلى مكة .
9- استحباب الرمَل في الثلاثة الأشواط الأول .
10- مشروعية ركعتي الطواف ، وتلاوة الآية عند مقام ابراهيم(1/63)
عليه السلام .
11- استحباب القراءة فيها (بالكافرون ، والإخلاص ) .
12- كراهية الدعاء بعدها ، لأنه لم يدع صلى الله عليه وسلم .
13- استحباب الذهاب إلى زمزم والشرب منه ، والصب
على الرأس .
14- استحباب الرجوع للركن واستلامه .
15- استحباب تلاوة الآية ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) وقول : أبدأ بما بدأ الله به .
16- استحباب الرقي على الصفا ، والنظر للبيت ، وقول الذكر الوارد ، والدعاء عليه.
17- مشروعية تكرار ذلك ثلاثا .
18- بيان أن سعيه كان ماشيا ، إلا بين العلمين الأخضرين فإنه تحرك وركض ركضاَ شديداً .
19- جواز استخدام ( لو ) في التأسف على الطاعات والفضائل.
20- استحباب فسخ الحج إلى عمرة ، وجعل النسك تمتعاً لأنه الأفضل ، وهو ما تأسف عليه صلى الله عليه وسلم .
21- بيان أن رسول الله لم يكن متمتعاً ، لأنه كان ساق الهدى ، ولم يتحلل كأصحابه والصحيح من حجته أنه كان قارنا كما تقدم .
22- بيان أن أعمال الحج تبدأ يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة .
23- استحباب التقدم قبل اليوم الثامن للمتمتعين ليحلوا الإحلال التام ثم يحرموا بالحج من عامه .
24- بيان أن فسخ الحج إلى عمره لم يكن خاصاً بالصحابة ولا تلك السنة بل هو عام لسائر المسلمين إلى يوم القيامة .
25- إثبات القدر ووجوب الإيمان به .
26- وجوب العمل وعدم الاستحسار - فكل ميسر لما خلق له .
27- استحباب الهدي في مكة بعد التحلل .
28- جواز اجتماع السبعة أنفس في بدنة أو بقرة ، ومن لم يكن معه هدي صام عشرة أيام .
29- يحل المتمتع من عمرته تحللا كاملاً .
30- بيان أن الشرع ناقل للناس عما كانوا عليه من أعمال .
31- مشروعية افتتاح الخطب بالحمد والثناء .
32- جواز مراجعة العالم للاستيضاح في حدود الأدب .
33- استحباب تهيؤ المرأة لزوجها وتجملها له .
34- وجوب التحاكم إلى أهل العلم عند الاختلاف .
35- سؤال العالم عن أحوال تلاميذه .(1/64)
36- جواز الإحرام على الإبهام ، وهل هو باق بعد بيان الأنساك ، فيه بحث تقدمت الإشارة إليه .
37- كان مجموع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة .
38- بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على إحرامه إلى
يوم العيد.
39- مشروعية التوجه لمنى يوم التروية .
40- مشروعية فعل المناسك كلها للحائض غير الصلاة والطواف .
41- استحباب صلاة الصلوات الخمس بمنى اليوم الثامن .
42- الدفع من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس .
43- أول ما نزل بنمرة وليست من عرفات .
44- جواز الاستظلال بغير ملاصق ، حيث ضربت له القبة بنمرة .
45- بيان انتقاله بعد أن زاغت الشمس إلى بطن الوادي ، وهناك خطب الناس وصلى.
46- إلغاء كل أمور الجاهلية وإبطالها ، لا سيما الدماء والأموال.
47- مشروعية الخطبة في عرفات واحتوائها على الأمور العظام .
48- جواز تكليم الخطيب للناس والرد عليه .
49- جواز تحريك الأصبع فى الخطبة .
50- مشروعية جمع التقديم بين الظهرين .
51- السنة فى الجمع بأذان وإقامتين .
52- عدم استحباب النوافل بين الصلاتين .
53- بيان انتقاله بعد الصلاة إلى الموقف عند الصخرات .
54- مشروعية استقبال القبلة ، والتفرغ للدعاء والذكر والعبادة .
55- استحباب الوقوف حتى الغروب ، وأوجبه بعضه لكن الصحيح جواز الخروج قبل الغروب .
56- جواز الوقوف في أى مكان من عرفات ، ولا أفضلية في صعود الجبل .
57- جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق .
58- بيان الإفاضة من عرفات للمزدلفة ليلة العاشر ، وعليه السكينة.
59- مشروعية جمع التأخير بين العشائين ، بآذان وإقامتين
على الصحيح.
60- البدء بالصلاة من حين الوصول ، كما دلت عليه أخبار
أخرى صريحة.
61- عدم استحباب الصلاة أثناء الجمع .
62- عدم استحباب إحياء ليلة العيد ، ويشبه أنه ترك الوتر
تلك الليلة.
63- مشروعية المبادرة بصلاة الفجر أول الوقت.
64- استحباب التوجه بعد الفجر للمشعر الحرام.(1/65)
65- مشروعية استقبال القبلة والوقوف للدعاء والتهليل والتكبير.
66- استحباب الوقوف حتى الإسفار ، وهنا خالف المشركين فإنهم كانوا لا يدفعون حتى تطلع الشمس ويقولون ( أشرقْ ثَبير
كيما نُغير ).
67- في أي مكان من المزدلفة وقف أجزأه.
68- مشروعية الدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس بكل
اطمئنان وسكينة.
69- كراهة النظر إلى النساء .
70- وجوب الإسراع في أماكن العذاب .
71- استحباب إتيان الجمرة الكبرى من الطريق الوسطى .
72- وجوب رميها بسبع حصيات .
73- استحباب التكبير عليها .
74- كراهة المغالاة في الحصى ، وإنما كحصى الخذف وهو ما يرمى به .
75- استحباب رميها من بطن الوادى .
76- استحباب رميها ضحى قبل الزوال
77- استحباب الرمي في التشريق بعد الزوال.
78- مشروعية النحر بعد رمي جمرة العقبة ، وأن يكون بيد الحاج .
79- استحباب الإكثار من الهدايا ذلك اليوم .
80- جواز الإشراك فى الهدي .
81- جواز الأكل من الهدي للمتمتع والقارن لأنه هدي شكران ، بخلاف هدي الجبران فلا يؤكل منه .
82- جواز الإهداء عن النساء .
83- جواز التزود والأكل من الهدي فوق ثلاث .
84- التوسيع على الناس في الحج .
85- استحباب الترتيب يوم العيد بين المناسك .
86- لا غضاضة على من قدم وأخر آنذاك .
87- إجزاء النحر في أي مكان من منى ، بل كل فجاج مكة
طريق ومنحر .
88- جواز النحر فى الرحال .
89- مشروعية الخطبة يوم النحر .
90- التأكيد على حرمة البلد الحرام وشهره ويومه .
91- التأكيد على حرمة الأموال والدماء بين المسلمين .
92- بيان أن الحلق بعد النحر يوم العيد .
93- جواز الركوب بين المشاعر .
94- بيان أن طواف الإفاضة بعد الحلق والتقصير .
95- سقوط السعي يوم العيد عمن أفرد أو قرن وكان قد سعى
قبل ذلك .
96- استحباب صلاة الظهر بمكة ، قد تقدم الخلاف في ذلك .
97- الحث على السقاية وأعمال البر هناك .
98- الشرب من زمزم بعد الطواف .(1/66)
99- وجوب انتظار الحائض حتى تطهر ثم تطوف بعد ذلك .
100- جواز العمرة بعد الحج .
101- وجوب الخروج للتنعيم أو أدنى الحل .
102- مراعاة الفقيه لأحوال الناس .
103- بيان النزول بالمحصب ، وهل هو سنة ، الأقرب أنه ليس بسنة وأنه فعله لأنه أسهل في خروجه .
104- جواز الطواف على الراحلة للحاج إذا أمن التلويث .
105- مشروعية حج الصبى ، وأنه يصح ، ولكن لا يجزئه عن
حجة الإسلام .
106- حصول الثواب للأبوين .
107- جواز استلام الحجر بالمحجن وهو العصا المعكوفة من أعلاها.
108- وجوب طواف الوداع .
109- سقوطه عن الحائض والنفساء بنص الحديث الصحيح .
110- جوز سؤال العالم في الطواف .
111- جواز الطواف محمولاً لمن غشاه الناس من الفضلاء وأشباههم، وكذلك المريض ونحوه ، لأنه طاف محمولاً عليه الصلاة والسلام وأكثر العلماء فى التشديد من ذلك ، وأما السعي فأمرة أخف من ذلك ، وصحح بعضه كصاحب المغنى جوازه لغير عذر وهو الصحيح .
الفوائد التربوية
1- مشروعية إخبار العالم والوجيه الناس بأعماله العظيمة ، ليحصل التعلم والفائدة .
2- استحباب إشراك النساء والولدان في طرق الخير ، وهذا من حسن المعاشرة.
3- إرشاد العالم لتلاميذه بما يصلحهم ، وينفعهم ، فقد أرشد صلى الله عليه وسلم صحابته لنسك التمتع .
4- احتمال العالم لمراجعة أصحابه وسؤالهم عما يشكل عليهم ، وفتح الحوار معهم .
5- جواز تكرار العلم للمصلحة ، ليحصل البلاغ والتنبيه .
6- عرض العلم بالإشارة والأفعال كما حصل عندما شبك بين أصابع يديه ، وقال : ( دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة ) .
7- التسهيل على الأمة في اجتماع السبعة في جزور أو بقرة .
8- التكنية عن أمور النكاح ، وما قد يُستحيا منه ، فقد قال جابر ( فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ) .
9- جواز الإنكار على الزوجة إذا رأى ما يكره .
10- تسلية الزوجة إذا رأى توجعها وحزنها على أمر ما .(1/67)
11- تفرد أهل العلم والفضل بمكان مخصوص بلا توسع أو تفاخر أو مضايقة للناس .
12- جواز ضرب الزوجة للحاجة ، وأن يكون الضرب
غير مبرِّح .
13- أن العصمة من الضلال في الاعتصام بكتاب الله تعالى .
14- جواز المدح في الوجه للحاجة عند أمن الفتنة .
15- تكريم أسامة رضي الله عنه بإردافه له على الدابة ، ليرى الناس فضله ، وأن المفاخرة بالإيمان والتقوى .
16- تواضعه صلى الله عليه وسلم بالإرداف خلفه ، وهو ما لا يفعله وجهاء الناس ورؤساؤهم .
17- الترفق في السير ، وعدم أذية الناس ، والحذر من
المزاحمة والمقاتلة .
18- الرحمة بالبهائم ، فقد كان يرخي لناقته حتى تصعد إذا
بلغت مرتفعاً .
19- تكريمه لآل هاشم ، بإردافه للفضل بن عباس ، لئلا يقع فى نفوسهم من إردافه لأسامة قبل ذلك .
20- حسن تعامله فى إنكار المنكر عند نظر الفضل للمرأة .
21- أن صوت المرأة ليس بعورة إذا لم تخضع فيه .
22- جواز تكليم النساء للرجال للحاجة ، وسؤال المرأة عن دينها وما تحتاجه .
23- الحرص على القفو والاتباع ، وعدم الجهل والابتداع قال ( لتأخذوا عنى مناسككم ) .
24- جواز تكرار السؤال لمزيد التثبيت والاشتياق ، نحو ما صنع سراقة الجعشمى .
25- مشاركة العالم لتلاميذه فى الطعام والشراب .
26- الشرب أمام الناس للحاجة .
27- جواز الشرب قائماً للحاجة .
28- تسهيل النبى صلى الله عليه وسلم على الناس يوم العيد فى مناسكهم .
29- حسن معاشرته لعائشة وتلبيته لطلبها بالاعتمار .
30- ترفع العلماء والوجهاء عما قد يسبب تزاحم الناس وتدافعهم، وذلك لما طاف محمولاً على راحلته .
نفائس وعيون
من ترجمة جابر رضى الله عنه
أسمه :
…هو أبو عبد الرحمن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه ، نعته الذهبي بالإمام الكبير ، والمجتهد الحافظ ، ومفتي المدينة في زمانه .
من مناقبه :
1-…شهود المشاهد العظيمة :…(1/68)
…نحو بيعة الرضوان سنة 6 للهجرة وفيهم قال صلى الله عليه وسلم ( أنتم اليوم خير أهل الأرض ) ، وفي القرآن (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [الفتح 18] ، وبيعة العقبة الثانية الدالة على صدقهم وبسَالتهم ، وخرج لحمراء الأسد مع الذين استجابوا لله ورسوله من بعده ما أصابهم القرح فانقلبوا بالنعم الجزيلة والأفضال الكبيرة .
2-…البر بالوالد :
…خلفه أبوه على أخواته التسع في بدر وأحد ، وقد كان من النقباء البدريين ، واستشهد في أحد ، وكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان ، وقد نقل أباه بعد وفاته لما جرى الماء على قبره ، فوجد جثته لم تبلَ
ولم تتغير .
3-…دعاء النبى صلى الله عليه وسلم له :…
…قال كما عند الترمذي ( استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة ) .
4-…الرحلة في طلب حديث واحد :…
…رحل إلى الشام في حديث القصاص ، قال : ( بلغني عن رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيرا ، ثم شددتُ عليه رحلي ، فسرت إليه شهرا ....الحديث ) وهو أول من سن الرحلة لأجل حديث واحد وسار العلماء والمحدثون على ذلك ، قال الحافظ العراقي في ألفية الحديث :
وجِد وابدأ بعوالي مصركَ
وأخلص النية في طلبكَ
لغيره ولا تساهل حملا
وما يهُم ثم شُدَّ الرحلَ
…فأين طلبة العلم عن مثل ذلك ؟! يدعى أحدهم لدرس أسبوعى أو شهرى فيتقاعس عن ذلك !! فإلى الله المشتكى .
5-…عالم مجاهد :
…روى عنه أنه قال : ( كنت فى جيش خالد فى حصار دمشق ) وقد ذكروا أنه غزا تسع عشرة غزوة ، فهو رجل علم وحرب ومقارعة للأعداء.
6-…شيخ حافظ :
…حدث بصفة الحجة وهو كبير قد عمي ، كما في صحيح مسلم، وساقها سياقاً فريداً ، يدل على حفظه التام ، وحسن ضبطه .
…قال فيه ابن كثير : ( وهو وحده منسك مستقل ) .
…وقال النووي : ( هو أضبط لها من غيره ) .(1/69)
…بلغ مسنده ( 1540 ) حديثا .
7-…اتباع السنة :
…كان لا يبلغ إزاره كعبه ، وكان يخضب بالورس .
8-…التوجع من إحداث الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…جاء عنه أنه قال : ( ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري ، حتى لا أسمع من حديثهم شيئا ولا أبصره ) .
9-…وصاته بأهل المدينة :
…لما حج دخل على عبد الملك بن مروان فرحب به ، وكلمه في أهل المدينة ، أن يصل أرحامهم ، ولما خرج أمر له بخمسة آلاف درهم فقبلها .
كانت وفاته سنة 74 للهجرة بالمدينة ، رضي الله عنه وأرضاه، والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين .
فهرس المسائل والفوائد
4
نص حديث جابر كما حرره الألباني .
21
منظومة المنسك الوافر .
39
تحقيق حجة رسول الله وأنه كان قارناً .
41
تفسير السبيل للحج .
42
ركنية الحج ووجوبه .
45
سمات الإمام الألباني .
46
مزايا كتابه ( حجة النبى ) .
47
ثناء الأئمة على حديث جابر .
50
رواة حديث جابر .
51
أهمية النظم للطلبة وفوائده .
53
رواة الحديث عن جابر .
54
لماذا سميت المدينة بطيبة .
56
بيان المواقيت المكانية .
59
ما تفعله الحائض إذا حاضت عند الميقات .
60
بيان إهلال رسول الله وموضعه .
60
استحباب التسبيح والتحميد عند الإهلال .
62
حكم الزيادة على إهلال رسول الله .
65
معنى الإضطباع .
67
بيان الذكر على الصفا .
67
بيان الوقفات المشروعة للدعاء .
69
فضل التمتع على النسكين الآخرين .
76
خبر علي وقدومه من اليمن .
76
حكم الإحرام مبهماً .
78
بداية أعمال الحج .
80
منع الحائض من الطواف والصلاة .
80
جواب المؤلف نظماً فى ذلك .
84
بيان خطبة عرفة .
85
حقوق الرجال والنساء .
87
موقف رسول الله فى عرفات .
88
السنة الإفطار فى عرفات .
90
متى يدفع يوم عرفة ؟
90
كيف كان موقف رسول الله ؟
93
كراهية إحياء ليلة المزدلفة .
94
قصة الفضل مع رسول الله .
96
الإسراع فى مواضع العذاب .
96
مزايا جمرة العقبة .
98(1/70)
متى يرمى أيام التشريق ؟
102
نظم أعمال الحج للمؤلف .
105
بيان خطبة يوم النحر .
106
أسماء طواف الإفاضة .
107
ترجيح أن المتمتع عليه سعيان .
107
أين يصلى الظهر يوم العيد ؟
107
فضل مسجد الخيف .
109
تمام قصة عائشة .
111
حكم تأخير الإفاضة مع الوداع .
116
الفوائد الفقهية من حديث جابر .
123
الفوائد التربوية .
126
نفائس من ترجمة جابر .
(1 ) يستحب هنا قبل الإهلال , أن يحمد الله ويسبح ويكبر , قال البخاري فى صحيحه ( باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة ) واستند حديث أنس , وفيه ( ... ثم ركب حتى استوت به على البيداء, حمد الله , وسبح وكبر , ثم أهل بحج وعمرة ) وهذه سنة قل من تعرض لها من الفقهاء , مع ثبوتها كما ترى .(الفتح 3 /525) .
(2) والتلبية من أعمال الحج العظيمة , وهى شعار الحج وروحه ورمزه , وقد أختلف فيها على اربعة أقوال مشهورة : الأول : أنها سنة , الثانى : واجبة يجب بتركها دم , الثالث واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج , الرابع : ركن في الاحرام , لاينعقد بتركها .
(3) أما الدعاء المروي (اللهم إيمانا بك ) فقد أنكره مالك كما فى المدونة الكبرى ، قال ابن القاسم سألت مالكاً وهذا الذى يقوله الناس عند استلام الحجر إيمانا بك وتصديقا بكتابك فأنكره) انظر (المدونة الكبرى 1/419).
(4) وهذه أولى الوقفات للدعاء , وهى ست وقفات كما ذكرها ابن القيم رحمه الله , على الصفا , ثم المروة, ثم عرفة ثم بعد الفجر ليلة المزدلفة ثم الجمرة الصغرى, فالوسطى , ويسن للمسلم اغتنامها والعناية بها , وأرجاها وقفة عرفات لقوله ( خير الدعاء , دعاء يوم عرفة ) . واعلم أنه لم يثبت أثناء السعى ذكر معين ، فيستحب للمسلم الدعاء والذكر وقراءة القرءان كما نص على ذلك الأئمة ، وقد جاء عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما قول (رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم) أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.(1/71)
(5 ) وقد قلت في نظم لبعض المسائل الفقهية :
والحيض مانع من الطواف …إن كنت ذا فهم وذا إنصافِ
والخلق مشهور بهذي المسألة …لا سيما عند ذهاب القافلة
لكننا نقول باطمئنانِ …لا يصلح الطواف في أدران
كالحدث الأكبر والجنابة …وحيض ذي الأنثى على الإصابة
لنهيه عائشة النبيلة …لا تطف الآن وهي العليلهْ
وقوله لها بلفظ الجزم …اصنعي ما يُصنع دون همِ
دون طواف كان أو صلاةِ …واللفظ جازم بلا أناةِ
وقال للحلقى ، وتلك العقرى …انحبس الآن ، وهذا المسرى ؟ !
فقيل قد أفاضت يا رسول …فطابت السفرة والرحيل
وهو جلي دونما خلافِ…يأمر بالحبس والانكفافِ =
= حتى تطوف تلكم المسكينة …لتصبح الحجة ذي متينة
فلتنتظر قافلة النساءِ …ليفعل الطواف في نقاءِ
هذا هو الحكم كذا السبيل ……لا عالم يدفع أو جليل
وبعد هذا النظم المستند للأدلة المانعة من طواف الحائض ، وهو مذهب الجمهور ، طالعت ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة ، وقد رأيته أطال فيها ، وجاء بكلام عجيب ، يغر القارئ ، وقد ذكر مسالك أهل العلم ، ومآخذهم ، ولوازم أقوالهم ، ومال إلى ما يراه منسجماً مع أصول الشريعة ومقاصدها ، إلى أن الحائض إذا خشيت فوات الرفقة - اغتسلت ، واستثفرت وطافت جابرة ذلك بدم ، وقد تابعه كثير من مشيخة البلاد ، ومع ما في بعض كلامه من قوة ، إلا أننا لا نتجاسر على مجاوزة الحديث النبوي الصريح (حتى تطهري) ، وحديث صفية الدامغ لكل حجة وشبهة (أحابستنا هي) والله أعلم ، أنظر الفتاوى 26/219
(6) يصلي كل فرض في وقته ، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولا يجمع إلا لحاجة ، ويكثر من التلبية والتهليل والتكبير وذكر الله تعالى.(1/72)
(7) وقد كان مفطراً ذلك اليوم العظيم ، فلا يشرع صومه إلا لأهل الأمصار لما ورد أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ، وفي الصحيحين أن أم الفضل اختبرت صيامه يوم عرفة لما اختلف الناس فيه فأرسلت قدح لبن ، فشرب والناس ينظرون ، والحكمة في فطره (صلى الله عليه وسلم) قيل = = للنهي الوارد وقيل ليتفرغ للذكر والدعاء وقيل لرفع الحرج واختار ابن تيمية ، أن عرفة عيد لأهل الموقف فيكره صومه ، والله أعلم.
(8) اختلف في أيهما أفضل الوقوف بعرفة راكباً ، أم تركه ؟ فيه ثلاثة مسالك للفقهاء ، الأول : الجمهور الركوب أفضل لفعله (صلى الله عليه وسلم) ولأنه أعون له على الدعاء وكثرة الذكر ، وقد قال البخاري (باب الوقوف على الدابة بعرفة). الثاني : الركوب أفضل ، للفضلاء ، ومن يعلم الناس. الثالث : أنهما سواء. (الفتح 3/513).
(9) كان دفعه صلى الله عليه وسلم من عرفات بعد غروب الشمس وهذا هو الأفضل ، وهل يسوغ الدفع قبل الغروب ؟ الذي يظهر جواز الدفع قبله ، ولا يلحق الحاج دم ولا غيره ، وقد كنت أقول بذلك منذ زمن ، استناداً لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه ، الذي أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح قال : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع ، فقلت : جئت يا رسول الله من جبل طيء فأكللت مطيتي ، واتعبت نفسي ، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه).
فهذا الحديث مسعف في هذا الباب ، ويفيد أموراً منها :
1- اجزاء الوقوف بعرفة ليلاً أو نهاراً في أي ساعة ولم يتعرض في النهار للدفع بعد الغروب.
2- أن ليلة المزدلفة تبع لعرفة في إدراك الحج.(1/73)
3- لم يأمر صلى الله عليه وسلم عروة بفدية ولا كفارة. فأفاد بفقهه أن من دخل عرفة نهاراً لا يلزمه البقاء إلى الغروب ، وقد نازعني في ذلك بعض اخواننا من طلبة العلم لما رآني افتيت بعض الحجاج بذلك ، تقليداً لبعض العلماء وللفتوى السائرة - حتى رأيت من العلماء الذين= = قالوا بذلك الشيخ الأصولي محمد الأمين في أضواء البيان ، وكذلك الشيخ المحدث سليمان العلوان فأدركت أنني لم آت ببدع من القول ، فلله الحمد والمنة.
(10) السنة من حين وصوله المزدلفة ، الاشتغال بالصلاة ، ويجمع جمع تأخير ، وإن صلاها في الطريق لأجل الزحام لا حرج في ذلك خلافاً لابن حزم الذي جزم ببطلان الصلاة ، وفي هذه الأزمنة يتوجب صلاتها في الطريق ، نظراً للزحام الشديد ، وبطء السير ، الذي يؤخر الحجيج ربما لما بعد منتصف الليل ، فتجب صلاتهما جمعاً في الطريق ، قبل منتصف الليل ، كما نبه على ذلك شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
انظر الشرح الممتع (7 / 338).
(11) في الفتح : تمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء : اختصاصها بيوم النحر ، وأنه لا يوقف عندها ، وترمى ضحى ومن أسفلها استحباباً. (3 / 740). وقد ترجم البخاري في صحيحة (باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره) يشير إلى خبر ابن مسعود ، عندما رمى الجمرة بسبع حسنات ، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ، وقال : (هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة). وحكى في الفتح الإجماع على جواز رميها من أي جهة وإنما خلافهم في الأفضل. (3/742).
(12) والسنة أن يقف للدعاء بعد الجمرة الصغرى والوسطى ، ويدعو احياء للسنة ، وتعليماً للناس ، وطلباً للفضل ، وقد وقف صلى الله عليه وسلم هنا موقفاً طويلاً ، والكبرى لا يشرع الوقوف عندها ، وقد اختلف في حكمة ذلك ، والأقرب قول من قال ، إن الدعاء متعلق بداخل العبادة ، وليس خارجها ، والله أعلم.(1/74)
(13) وهذا يدل على عظم النحر في تلك الأيام وأنه من أجل القربات لمن قدر عليه ، وهو يتعين في حق المتمتع والقارن ، فإن عليهما دم شكران ، وأما المفرد فلا عليه شيء. لكننا الآن نلحظ موسرين ، يفردون الحج فراراً من تعيين الدم ، وهذا لا يليق بمن يرجوا القبول ويطمع في الفضل ، لا سيما وأنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال ، فقال : (العج والثج) صححه ابن خزيمه والحاكم.
والعج : هو رفع الصوت بالتلبية ، والثج : هو إراقة دم الهدي ، والله أعلم.
(14) من الطريف هنا نظمي لأعمال الحج كلها مرتبة بطريقة تسهل لكل مسلم ناسك معرفة الأعمال إذا حفظها :
وأحرمن واغد إلى الطواف ……والسعي والتعريف وازدلاف
ثم الرمي والنحر والتحليق ……وذا الإفاضة آخر الطريق
وفي منى تبيت ذي الليالي ……وترمي ذي الجمار بالزوال
وآخر الأعمال والأنواع ………تطوف بالكعبة للوداع
وصاحب التمتع المفضل ………يسعى لحجه من غير الأول
وديننا من أحسن الأديان ………والأسهل الطيب للإنسان
(15) نص حديث عائشة في الصحيحين قالت : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال : من كان معه هدي ، فليهل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ، فطاف الذين اهلوا بالعمرة بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم أحلوا ، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا إلى منى ، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحداً).
فهذا الحديث أفاد أمرين :
الأول : أن المهلين بالعمرة وهم المتمتعون ، طافوا طوافاً أولاً ، تعني سعوا سعي العمرة ، ثم سعوا سعياً آخر لحجهم.
الثاني : أن القارنين إنما سعوا سعياً واحداً لعمرتهم وحجهم. هذا هو الصحيح في هذه المسألة ، (انظر زاد المعاد 2/273) (وحجة النبي ص 88).(1/75)
(16) ويستحب للحاج أيام منى أن يصلي مع الإمام في مسجد الخيف ، وقد ورد بشأنه حديث أخرجه الطبراني والضياء في المختارة، قال صلى الله عليه وسلم : (صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً) حسنه المندري والألباني ، ومع الضيق والزحام ، تصلي في أي مكان كالخيمة ، لكن ليحرص على الجماعة ففضلها عظيم.
(17) ويجوز هنا أن يؤخر الإفاضة إلى الوداع وينويهما معاً ، أو ينوي الأكبر فيدخل فيه الأصغر ، كما صوبه جماعة من أهل العلم ، وأفتى به علماء فضلاء من المعاصرين كابن باز وابن عثيمين وغيرهما.
??
??
??
??
المنسك الوافر
- 11 -
المنسك الوافر(1/76)