الفَرائِدُ البَهِيَّةِ (1)
فِي نَظمِ القَواعِدَ الفِقهيَّةِ
فِي الأَشباهِ والنَّظائِرِ عَلَى مَذهَبِ الشَّافِعِيَّةِ (2)
[ وهو نَظمٌ مُلَخَّصٌ مِن كِتابِ (الأَشباهِ والنَّظائِرِ) للإِمامِ السُّيوطِي رحمهُ اللهُ تعالَى ]
للعَلاَّمَةِ أَبِي بَكرٍ بنِ أبِي القَاسِمِ الأَهدَلِ
رحمه اللهُ تعالَى
( ت : 1035 )
__________
(1) نَقَلتُها مِن طبعَةِ (دارِ ابنِ تَيمِيَّةَ) وقابَلتُ بَعضَها على الشَّرحِ .
(2) ولِهذا النَّظمُ :
- شَرحٌ بِعنوانِ : (الْمَواهبِ السَّنِيَّةِ شَرحِ الفَرائِدِ البَهِيَّةِ) للعلاَّمة عبدِ اللهِ بنِ سُلَيمانَ الجَرهَزِي الشَّافِعِي ( ت 1201 ) .
- ولهذا الشَّرحِ حاشِيةٌ بِعنوانِ : (الفَوائدِ الجَنِيَّةِ حاشِيَةُ الْمَواهبِ السَّنِيَّةِ) للعَلاَّمةِ أبي الفَيضِ محمَّد ياسين بن عيسَى الفاداني المَكِّي .
طُبعَ كلاهُما في مجلَّدين ؛ باعتناءِ : رَمزي سعد الدينِ دمشقيّة ، طَبعة دارِ البَشائِرِ الإِسلاميَّة (ط2 1417-1996) .(1/1)
مُقَدِّمَةٌ
يقول راجي عفوِ ربِّه العليْ ... وهو أبو بكرٍ سليلُ الأهدلِ
الحمدُ لله الذي فقَّهنا ... ولسلوكِ شرْعِهِ نَبَّهنا
علَّمنا سبحانَه بالقلمِ ... فضلاً ومَنًّا منه ما لم نعلمِ
وخصِّنا بأفضل الأديان ... والسنة الغراء والقرآنِ
فكم له من نعمةٍ علينا ... ومنةٍ أوصلها إلينا
فالشكرُ دائماً له على ما ... أولاَه لا نُحصي له أنعاما
شكراً يكون سبب المزيد ... لعبدهِ من فضله المديد
ثم صلاته مع التسليم ... على النبي الرؤوف والرحيم
محمدٍ وآله الأطهار ... وصحبه الأفاضل الأبرارِ
وتابعيهمُ بالاستقامة ... على سبيلهم إلى القيامة
وبعدُ فالعلم عظيم الجدوى ... لاسيما الفقهُ أساس التقوى
فهو أهمُّ سائرِ العلومِ ... إذ هوَ للخصوص والعموم
وهو فنٌ واسع منتشرُ ... فروعه بالعد لا تنحصر
وإنما تضبط بالقواعد ... فحفظها من أعظم الفوائد
وهذه أُرْجوزةٌ محبِّره ... وجيزةٌ متقنةٌ محررة(1/1)
نظمتُ فيها ما له من قاعدهْ ... كليةٍ مقرِّباً للفائدهْ
سميتُها الفرائدُ البهيه ... لجمعها الفولائد الفقهية
لخّصتها بعون ربي القادرِ ... من لجة الأشباه والنظائر
مصنف الحبر السيوطي الأجلّ ... جزاه خيراً ربنا عزَّ وجل
إشارة من شيخنا الشَّهابِ ... عالي الجناب المرشدِ الطلابِ
أعني الصفي أحمد بن الناشري ... حاوي المعالي والجمال الباهرِ
جزاه رب أفضل الجزاء ... عني وزاده من العطاء
فإنه أمرني فيما غبر ... بنظم هذه القواعد الغُررْ
وقدْ رأى كراسةً كتبتُها ... من منحةِ الوهاب واستصحبتهُا
ولم أكن فرغت من نظامها ... فحثَّنِي جداًّ على إِتمامها
وقال لي قواعد الفقه أنظمِ ... ينفعْ بها الطلاب مولِي النِّعم
فلم يساعدني القضاء والقدر ... بالسعي في مأموره على الأثر
لكثرة الأشغالِ والعوائق ... بالنفسِ والعيال والعلائق
ثم أفقتُ فامتثلت أمرهُ ... وخضْتُ للدرِّ النثيرِ بحرْهِ
وإن أكن لست لذاك أهلا ... فمطلبي منه الدعاء فضْلا
وأسأل الله تعالى فيها ... إعانةً بحقهِ يُوفيها
وأنْ يكونَِ نظمُها من العمل ... لوجهه وخالصاً من العِللْ
وأن يدوم نفعها لي ولِمن ... حصلها عني في كل زمن
فإنه يجيب من دعاهُ ... ولا يخيبُ أحدٌ رجاهُ
وقد جعلتها على أبواب ... وربيَ الملْهمُ للصواب
الفقه مبنيٌّ على قواعدْ ... خمسٍ هي الأمورُ بالمقاصدْ
وبعدها اليقينُ لا يزالُ ... بالشَّكِّ فاستمعْ لما يُقالُ
وتجلب المشقة التيسيرا ... ثالثها فكن بها خبيرا
رابعها فيما يقالُ الضررُ ... يزال قولا ليس فيه غررُ
خامسها العادةُ قلْ : محَكَّمهْ ... فهذه الخمس جميعاً محكمهْ
بل بعضهم قد رجَّعَ الفقه إلى ... قاعدةٍ واحدة مُكَمِّلا
وهي اعتبارُ الجلبِ للمصالحِ ... والدرءِ للمفاسدِ القبائحِ
بلْ قالَ قدْ يرجعُ كلهُ إلى ... أوّل جُزءَيْ هذه وقُبِلا
وإذْ عَرَفتَ الخمسَ بالتجميلِ ... فهاك ذِكرها على التفصيلِ(1/2)
الباب الأول
*القاعدة الأولى*
*الأمور بمقاصدها*
الأصلُ في الأمور بالمقاصدِ ... ما جاء في نصِّ الحديث الواردِ
أَيْ إنما الأعمال بالنيات ... وهو مرويٌ عن الثقاتِ
قالوا : وذا الحديثُ ثلثُ العلمْ ... وقيل : ربعه فجُلْ بالفهم
وهي بالسبعين باباً يدخلُ ... عن الإمام الشافعي ينقلُ
ثم كلامُ العلما في النيَّهْ ... من أوجهٍ كالشرطِ والكيفيهْ
والوقت والمقصود منها والمحلّ ... فهاك فيه القولَ منْ غيرِ خَللْ
مقصودها التمييزُ للعبادةِ ... مما يكون شبهها في العادةِ
كما تميز بعضها من بعضِ ... في رتبٍ كالغسلِ كالتوضَّى
فلم تكن تشترط في عبادةِ ... لم تشتبهْ هيئتها بعادةِ
كذلك التروكُ مع خلافِ ... في بعضها والندْبُ غيرُ خافِ
ويشترطُ التعيينُ فيما يلتبسْ ... دونَ سواه فاحفظ الأصلَ وقِسْ
وكل ما لنيَّة الفرض افتقر ... فنيَّةُ التعيينِ فيه تُعتَبرْ
واستثنينْ من ذلك التيمما ... للفرض في الأصحِّ عندَ العلما
وحيثما عُيِّنَ والتعيين لا ... يشترط تفصيلاً وأخطأ بطلا
وخرجتْ أشيا كرفع أكبرا ... من حدثٍ لغالطٍ عن أصغرا
وواجبٌ في الفرض أنْ تعرَّضَا ... فيها له لا للإداء والقضا
لكنه لا يحب التعرضُ ... للفرضِ في نحو الصيام والوضو
وما كفى التوكيل فيها أصلا ... واستثنينْ مهما تقارِنْ فِعلا
واعتبر الإخلاص في المنوي فلا ... تصحُّ بالتشريك فيما نُقِلا
واستثنيتْ أشياءُ كالتحيهْ ... مع غيرها تصح فيه النية
ووقتها في قولِ كل قادةِ ... مقارنٌ لأولِ العبادةِ
ونحوه واستثنيتْ منه صور ... كالصومِ والزكاةِ مما قد ذكرْ
وقرنها بكل لفظِ الأولِ ... إنْ كان ذكراً واجبٌ على الجلي
نحو الصلاةِ لكن المختارُ ... للبعضِ يكفي عُرفاً استحضار
كذاك قرنُها على التحقيق ... بالأولِ النِسبيِّ والحقيق
وليس ذكراً يجب استحضارها ... إلى الفراغِ بلْ كفى انسحابها
أمَّا محلُّها فقلبُ النَّاوي ... في كل موضوعٍ بلا مُناوي
فليس يكفي اللفظ باللسان ... مع انتفائها من الجنانِ(1/3)
واللفظ باللسان حيث اختلفا ... فليعتبر بالقلبِ من غير خفا
وشرطها التمييز والإسلام ... والعلم بالمنويِّ يا همام
وعُدَّ أيضاً فقد ما ينافي ... ونية القطع من المنافي
ومنه رِدةٌ فعدَّ القدْرهْ ... أيضاً على المنويِّ فافْقه أمرَهْ
ومنه فقد الجزم والتردُّدُ ... لكنْ هنا مستثنياتٌ تَردُ
واختلفوا هل هي ركنٌ أو تعدّ ... شرطاً وما قُدِّمَ فهو المعتمد
وفي اليمين خصصتْ ما عمَّما ... ولم تعمم ما يخصُّ جزما
ونية اللاَّفظِ في الحكم على ... مقاصدِ اللفظِ كما قد أُصِّلا
واستثنى اليمين عند منْ حكمْ ... فهي على نيتهِ لا ذي القسمْ
والفرض ربما تأدى فِعله ... بنيةِ النفلِ استبان نقلهُ
خاتمة : واعلم بأن النيهْ ... بحسب الأبواب في الكيفيهْ
كنية الوضوء والصلاة ... والحج والصيام والزكاة
*القاعدة الثانية*
*اليقين لا يزول بالشك*
دليلها من الحديث يا فتى ... في مسلمٍ وغيره قد ثبتا
مكن طُرقٍ عديدةٍ فتدخلُ ... جميع الأبواب كما قد أصَّلوا
وتحتها قواعد مستكثره ... اندرجتْ فهاكها محبرهْ
من ذلك الأصل كما استبانا ... بقاءُ ما كان على ما كانا
والأصل فيما أصلَ الأئمهْ ... براءة الذمة يا ذا الهمهْ
وحيثما شكَّ امرؤٌ هل فعلا ... أو لا فالأصل أنه لم يفعلا
أو في القليل والكثير حُملا ... على القليل حسبما تأصلا
كذاك مما قعَّدوا الأصل العدَمْ ... فاعرف فروعَ ما يجي وما قدِمْ
والأصل في الحادثِ أن يقدِّرا ... بأقرب الزمانِ فيما قُرِرا
والأصل في الأشيا الإباحة إلا ... إن دلَّ للحصرِ دليلٌ قُبِلا
كذا يقال : الأصل في الأبضاع ... الحظْر مطلقاً بلا دفاع
وفي الكلام أصل الحقيقة ... رزقك الله علا توفيقه
والأصل والظاهرُ في الحكم متى ... تعارضا ففيه تفصيلٌ أتى
والأصل إن مجرد احتمال ... عارضه رجّحْ بجزمِ القالِ
ورجّح الظاهر جزماً إنْ غدا ... لسببٍ نُصبَ شرعاً مسندا
أو سببٍ عُرْفٍ وعادةٍ أو ... يكون مَعهُ عاضدٌ به قَوي(1/4)
والأصلَ رجَّحهُ على الأصحِّ إنْ ... سببُ الاحتمال ضَعفه رُكنْ
ورجح الظاهر في الأصح ما ... كانَ قوياً بانضباطٍ وسِما
وحيثما تعارض الأصلانِ ... فرجّح الأقوى على بيان
وقوة الأصل بعاضدٍ حصلْ ... من ظاهرةٍ أو غيره كما وصلْ
وجزموا بأحدِ الأصلين في ... حين ويجري الخُلْفُ حيناً فاعرِفِ
تتمّةٌ : والظاهران رُبما ... تعارضا وهو قليلٌ فاعلما
فوائد : وربما اليقين ... زواله بالشك يستبين
وذاك في مسائل منحصره ... تُحكى عن ابن القاصِ فيما ذَكَرهْ
وزاد فيها النووي عدّهْ ... كذلك السبكي زاد بعده
والشكُّ أضربٌ ثلاثهْ أخرى ... شكٌ على أصلٍ مُحرَّمٍ طرا
وما على أصلٍ مباحٍ يطرا ... وما يكونُ أصله لا يدرى
والشك والظن بمعنىً فرْدِ ... في كتب الفقه بغير جحدِ
خاتمة واًلأصل فقد يعبرُ ... عنه بالاستصحاب فيما يحضرُ
*القاعدة الثالثة*
*المشقة تجلب التيسير*
وأصلها الآيات والأخبارُ ... مما رواه العُلما الأحبارُ
وكلٌ تخفيفٍ أتى بالشرع ... مخرجٌ عنها بغير دفعِ
واعلمْ بأنَّ سبب التخفيف ... في الشرع سبعةٌ بلا توقيف
وذلك الإكراه والنسيان ... والجهر والعُسر كما أبانوا
وسفرٌ ومرضٌ ونقصُ ... فهذه السبعة فيما نصوا
والقول في ضبط المشاق مختلف ... بحسب الأحوال فيما قد عُرفْ
والشرع تخفيفاته تنقسم ... ستةَ أنواعٍ كما قد رسموا
تخفيف إسقاطٍ وتنقيصٍ يلي ... تخفيف إبدالٍ وتقديم جلي
تخفيفُ تأخيرٍ وترخيصٍ وقدْ ... تخفيفٌ تغْييرٍ يُزادُ فليُعدْ
ورُخصُ الشرعِ على أقسام ... قد وردت بحسبِ الأحكام
واجبةٌ كالأكل للمضطرِّ ... وسنة كالقصرِ ثم الفِطرِ
بشرطهِ وما يباح كالسَّلمْ ... وما يكون تركه هو الأتمّْ
كالجمع أو مكروهه كالقصرِ في ... دون ثلاثٍ من مراحل تفي
تختيمٌ : الأمر إذا ضاقَ اتسعْ ... كما يقولُ الشافعيُّ المُتبعْ
وربما تُعكس هذي القاعدهْ ... لديهم فهي أيضاً واردهْ
وقد يقال : ما طغى عن حدِّهِ ... فإنه منعكسٌ بضدِّهِ(1/5)
*القاعدة الرابعة*
*الضررُ يزال*
وأصلُها قول النبي لا ضررْ ... ولا ضِرار حسبما قد استقرّ
قالوا : وينبني عليها ما لا ... يُحصَرُ أبواباً فَعِ المقالا
ثمَّ بها قواعدٌ تعتلقُ ... كما حَكى المؤلفُ المحقِّقُ
منها الضروراتُ تبيح المحتظرْ ... بشرطها الذي له الأصل اعتبرْ
وما أبيح للضرورةِ قدِرْ ... بقدرها حتماً كأكلِ المضطرْ
لكنه خُرجَ عن ذا صٌورُ ... منها العرايا واللَّعانُ يُذكَرُ
فائدةٌ : ثم المراتب هنا ... تعدُّ خمسةً كما قد زُكِنَا
ضرورةٌ وحاجةٌ ومنفعهْ ... وزينةٌ ثم فصول تبعهْ
وكلُّ ما جاز لعذْرٍ بطلا ... عند زواله كما تأصَّلا
وعُدَّ من تلك القواعدِ الضَّررْ ... على الدوامِ لا يزالُ بالضَّررْ
لكنه استثني مهما يكن ... فردُهما أعظم ضُرّاً فَافْطن
فإنه يُرتكب الذي يخف ... كذاك في المفسدتين قدْ وصِفْ
ورجّحوا درءَ المفاسد على ... جلب مصالحٍ كما تأصلا
فحيثما مصلحةٌ ومفسدهْ ... تعارضا قُدِّمَ دفع المفسدةْ
خاتمة : والحاجة المشهورهْ ... قد نزلتْ منزلةَ الضرورهْ
لا فرق أن تعمَّ أو تخُصَّا ... عندهم كما عليه نُصا
*القاعدة الخامسة*
*العادة محكمةٌ*
وأصلها من الحديث زُكنا ... فما رآه المسلمون حسنا
واعْتبرتْ كالعُرفِ في مسائل ... كثيرةٍ لم تنحصر لقائل
ثُم لها مباحث مهمهْ ... تعلقتْ فهاكَها بهمهْ
أوّلها فيما به تثبُتُ ذي ... وأمره مختلفٌ في المأخذِ
فتارةً بمرَّةٍ جزماً وفي ... عيبِ مَبيعٍ واستحاضةٍ قفُي
وتارةَ يُشترطُ التكررُ ... أي : مرتين أو ثلاثاً يصدرُ
كقائفٍ وما به التصيدُ ... والاعتبار بالثلاثِ أعمدُ
وتارةً لابدَّ منْ تكرارِ ... إلى حصول الظنِّ كاختبار
حالِ الصبي بالمماكسةْ لهُ ... قبلَ البلوغ وسِواها نَقْلهُ
مبحثٌ : العادة ليست تُعتبرْ ... إلا لدى اطرادها كما اشتهر
وحيثما تعارض العرف الجلي ... والشرع فليقدمنْ للأولِ
إن لم يكنْ بالشرع حكمٌ اعتلقْ ... فإن يكن فهوَ بتقديمٍ أحقْ
والعرف إن عارضه الوضع ففي ... مقدمٍ عنهم خلافٌ قد قُفي
فبعضٌ الحقيقةُ اللفظيةُ ... وبعضٌ الدلالة العرفية
وقيل : إن يَعُمَّ وضعٌ قُدما ... وقيل : غير ذاك فاحفظ واعلما
والعامُ والخاص من العرفِ متى ... تعارضا ففيه ضابطٌ أتى
وهو أنَّ الخاص حيث حصرا ... لم يعتبر أصلا وإلا اعتبرا
مبحثٌ : العادة هلْ تنزلُ ... منزلة الشرط خلاف يُنقلُ
وغالب الترجيح في الفروعِ لا ... يكون كالشرطِ كما تأصلا
تختتمٌ : العبرةُ بالعرف الذي ... قارنَ معْ سبقٍ له في المأخذِ
وكلُّ ما لم ينضبط شرعاً ولا ... وضعاً فاللعُرفِ رجوعه انجلى(1/6)
الباب الثاني
*في قواعد كليةٍ يتخرج عليه*
*ما لا ينحصرُ من الصور الجزئية*
فهاكَ نظمَ أربعين قاعدهْ ... مسرودةً واحدةً فواحدهْ
وهي من القواعد الكليهْ ... لا تنحصر صورها الجزئيهْ
وربما استثنى منها صورُ ... لكنها قليلةٌ تنحصر
فهي على التحقيق أغلبيهْ ... كغالب القواعدِ الفقهيهْ
وهأنا أشرعُ في نظامها ... راجياً العونَ على تمامها
معقباً كلاًّ بما يستثنى ... منا وما يعرضُ لي في الأثنْا
*القاعدة الأولى*
*الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد*
الاجتهاد عندهم لا ينقض ... بالاجتهاد مطلقاً إذ يَعرِضُ
واستثنِ منها صوراً في الجمله ... نقضَ الإمام لِحِمى من قبلهْ
وقسمةَ الإجبار حيثما تَقُمْ ... بينةٌ بغلطِ الذي قسمْ
كذلك التقويمُ إنْ يعثر على ... صفةِ نقصٍ أو زيادةٍ تلا
والحكم للخارجِ بالشهودِ إنْ ... أقامها الداخلُ فيما قدْ زُكن
قلتُ : وفي استثناء بعض ذي الصُّوَرْ ... من هذه عند التأملِ النَّظرْ
خاتمة : وينقصُ القضاء في ... مواضعٍ فانقضه إن يخالفِ
للنصِ أوْ إجماعٍ أوْ قياسِ ... غيرِ خفيٍّ عند كل الناسِ
أوْ خالف القواعدَ الكليهْ ... عن القرافي هذه محكِيهْ
أو كان ما حُكِّمَ لا دليلَ لهْ ... عليهِ فالسبكي أيضاً نقلهْ
قال : وما خالفَ شرطَ منْ وقفْ ... مخالفٌ للنصِ عند منْ عرفْ
وخلف ما عليه قول الأربعهْ ... كالخُلفِ للإجماعِ فانقضْ مشرَعهْ(1/7)
*القاعدةُ الثانية*
*إذا اجتمع الحلالُ والحرام غُلِّب الحرام*
والحِلُّ والحرامُ حيث اجتمعا ... فغلِّبِ الحرامَ مهما وقعَا
وخرجتْ عنها على بيانِ ... أشيا كالاجتهاد في الأواني
وفي الثيابِ بلْ وفي المنسوجِ منْ ... خزٍّ وغيرهِ على ما قدْ زُكنْ
ولوْ رمى لطائرٍ فوقعا ... بالأرض مجروحاً فماتَ مسرعا
فإنه حلَّ ولو عاملَ منْ ... أكثر مالهِ حرامٌ لِوهنْ
ولمْ يكنْ يُعرف عينُهُ فلا ... يحرمُ لكنْ كُرهُه تأصلا
وقدْ رأى تحريمه الغزالي ... وهوَ من الأحوطِ في المقالِ
كذلك الأخذ من السلطانِ إنْ ... في أيدهِ الحرامُ يغلبْ فاستبنْ
والشاةُ مهما بحرامٍ تُعتلفْ ... فلحمها ودرها بالحل صِفْ
كذا إذا ما استهلكَ الحرام أوْ ... قاربَ الاستهلاك فيما قدْ رأوا
وهذه الصورة تحتها صورْ ... كخلطِ تحريمٍ بغير ما انحصرْ
فائدة : والضبط للمحصور منْ ... مهمِّ الأشياء لكثرٍ ما يَعنّْ
فما كألفٍ غير محصورٍ يعدّْ ... وما كعشرينَ فمحْصورٌ وردْ
وما يكون بين ذينِ ألحقِ ... بالظنِ ثم استفتِ للقلبِ النقي
مهمةٌ تدخلُ في ذي القاعدهْ ... تفريقُنا الصفقةَ وهي واحدْ
وهوَ بأن يَجمْعَ عقدٌ منفردْ ... حِلا وحِرماً وبأبوابٍ يردْ
وحيثما جرى فعنْ قولينِ ... لَمْ يخلُ في الغالبِ أو وجهينِ
فالأرجح الصحةُ في ذي الحلِّ ... والآخر البطلانُ أي : في الكلِّ
وجريانَ الخُلْفِ فيه يشترطْ ... له شروطٌ ولها الأصلُ ضبطْ
فإن تُردْ تحقيقها بلا خللْ ... فراجع الأصلَ وجانب المللْ
وهاهنا قاعدةٌ تدخل في ... هذي فهاكها بلا توقفِ
فحيثما اجتمع جانبُ السفرْ ... وضدُّهُ غلِّب جانبُ الحضرْ
وهذه تدخلُ فيها قاعدهْ ... أيضاً فخذها لا حُرمتَ الفائدهْ
فالمقتضي معْ مانعٍ إذا اجتمعْ ... يُغلَّبُ المانع حيثما وقعْ
واستثنيتْ مسائل منها ذكرْ ... مسألة اختلاطِ موتى من كفرْ
بمسلمين واختلاطِ الشُهدا ... بغيرهم فغسلُ كلهمْ غدا
مثل الصلاةِ واجباً كما ذكرْ ... كذا على الأنثى بالاحرام حُظر
إن سترتْ جزءاً من الوجه وفي ... صلاتها يجب ذاك فاعرفِ
ومن بلاد الكفر حتماً هاجرتْ ... ولو تكون وحدها قد سافرتْ
خاتمة : وللصِّحاب قاعدهْ ... مشهورة بعكس هذي واردهْ
ولفظها عندهم الحرام لا ... يحرم الحلال فيما نقلا(1/8)
*القاعد الثالثة*
*الإيثار بالقرب مكروهٌ*
ويُكره الإيثار شرعاً بالقربْ ... أما سواها فهو فيه مستحب
ففي أمور هذه الدنيا وفي ... حظِّ النفوس حُسنهُ غير خَفي
قيل : وفي كلام بعض العلما ... ما يقْتضي في قربٍ أنْ يحرما
وللسيوطي هنا تفصيلُ ... فاظفر به فإنه جليل
حاصله الإيثار إن أدى إلى ... إهمال واجبٍ فحظرهُ انجلا
أو تركِ سنةٍ أو ارتكاب ... كُرهٍ فمكروه بلا ارتياب
أو ارتكاب غير أولى فليعدّْ ... خلاف الأولى وهو قولٌ معتمد
فرعٌ وربما ذي القاعدهْ ... تُشكلُ مندوبيةُ المساعدهْ
في صورةِ المجرور ِ في الصلاة منْ ... صفٍ لما وراءه كما زُكنْ
وقد أُجيب أن نقصهُ انجبرْ ... بنيلبهِ فضل التعاونِ الأبَرّْ
*القاعدة الرابعة*
*التابع تابع*
رابعها : التابع تابعٌ وفي ... مضمونها قواعدٌ لا تختفي
أوَّلها قولهم : التابع لا ... يُفردُ بالحكم كما تأصلا
كذلك المتبوعُ إن يسقطْ سقطْ ... تابعه كما لديهم انضبطْ
واستثنى التحجيلُ في نحو اليد ... كذلك الغرّةُ في المعتمدِ
والفرعُ فيما قعّدوه يسقط ... إنْ يسقط الأصل كما قدْ ضبطوا
وربما يثبتُ حكم الفرعِ ... والأصل غير ثابتٍ في الشرع
ثالثها : التابع لا يُقدمُ ... أصلا على المتبوعِ فيما جزموا
وفي توابع الأمورِ اغتفروا ... ما لم يكن في غيرها يُغتفرُ
ونحوها في الشرع ضمناً يُغتفرْ ... ما لا يكونُ فيه قصداً يُغتفرْ
فربما قالوا بالاثنا اغتُفِرا ... ما ليس في اوائلٍ مغتفرا
ولأوائلِ العقودِ أكدُوا ... بما له الآخرُ لا يؤكَّدُ
وهي عباراتٌ بمعنًى متحِدْ ... وهذه تُعدُّ فيما يطردْ(1/9)
*القاعدة الخامسة*
*تصرف الإمام على الرعيةِ منوطٌ بالمصلحة*
تصرفُ الإمام للرعية ... أُنيط بالمصلحةِ المرعيةِ
وهذه نصَّ عليها الشافعي ... إذ قال قولاً ما له من دافعِ
منزلةُ الإمام من مرعيهْ ... منزلةُ الولِّي من مُوليِّهْ
وأصلُها رويَ من قول عُمرْ ... فيما حكاه الأصل فانظرْ ما ذكرْ
فيلزمُ الإمام في التصرفِ ... على الأنامِ منهجُ الشرع الوفي
فلا يجوزُ نصبه لفاسقِ ... يَؤمُّ في الصلاة بالخلائق
وهذه الصورة عُدتْ واحدهْ ... منَ التي انطْوَتْ عليها القاعدة
*القاعدة السادسة*
*الحدود تسقط بالشبهات*
وباتفاقٍ الحدود تسقطُ ... بالشبهات حسبما قد ضبطوا
وأصلها من الحديث وردا ... من طرقٍ عديدة واعتمدا
لا فرق بين كونها فيمن فعل ... واردةً أو في طريقٍ أو محلّْ
لكنها لا تسقطُ التعزيزا ... عندهم وتسقطُ التكفيرا
وشرطها القوة فيما ذكروا ... جزماً وإلا فهي لا تؤثرُ
*القاعدة السابعة*
*الحرّث لا يدخلُ تحت اليدِ*
والحرُّ غيرُ داخلٍ تحت اليدِ ... في قولِ كل عالمٍ معتمدِ
*القاعدة الثامنة*
*الحريم له حكمُ ما هو حريمٌ لهُ*
وللحريم حكمُ ما قد جُعلا ... له حريماً حسبما تأصلا
وأصلها الحلال بينٌ إلى ... آخره من الحديث اتصلا
ويدخلُ الحريم في المُحتمِ ... جزماً وفي المكروهِ والمحرَّمِ
وكلُ ما حُرِّمَ فالحريمُ ... له دواماً حكمهُ التحريم
إلا حريمَ دُبُرِ الزوجةِ ما ... يكون بين إليتيْها فاعلما
والمِلْكُ في الحريمِ للمعمور ... لِمالكِ المعمور في المشهور
ثم حَريمُ المسجدِ اجْعلْ حُكْمَهْ ... كحكمِهِ فيما له من حُرْمهْ
قلتُ : وقال غيرهُ كابنِ حجرْ : ... لم يكُ كالمسجدِ وهْوَ المعتبرْ
كذاك في الرحبة الخُلفُ نُقلْ ... وهي التي تُبنى له إذ تتصلْ
وعدُّها منه إليه يذهبُ ... فيما حكى الجمهور وهوَ المذهب(1/10)
*القاعد التاسعة*
إنْ يجتمع أمران من جنسٍ عُرفْ ... فردٍ ومقصودهما لمْ يختلفْ
دخل فردٌ منهما في الآخرِ ... أي : غالباً على خلافٍ ظاهرٍ
*القاعدة العاشرة*
وللكلام يا فتى الإعمالُ ... أولى من الإهمالِ فيما قالوا
لكنْ إذا ما استويا بالنسبهْ ... إلى كلامٍ حسبما قد نبَّهْ
قالوا : وفيها يدخلُ التأسيسُ ... أولَى من التأكيدِ يا رئيسُ
*القاعدة الحادية عشر*
*الخراجُ بالضمان*
ثم الخراجُ بالضمان وهوَ من ... لفظِ الحديثِ النبويّ فاستبنْ
لكنَّهُ خرجَ عنْ ذا ما لوِ ... أعتقتِ المرأةُ عبداً للقوي
فلابِنها ولاؤُهُ والعقل لوْ ... جنى على عَصبَةٍ لها رَأوْا
وقد يُرى في العصبات مثلهُ ... يعقلُ في الخطا ولا إرث لَهُ
*القاعدة الثانية عشرة*
*الخروجُ من الخلافِ مستحبٌ*
ومستحبٌ الخروجُ يا فتى ... من الخلافِ حسبما قد ثبتا
لكنْ مراعاةُ الخلافِ تشترط ... لها شروطٌ ولها الأصل ضبطْ
ألاّ يكونَ في الخلاف موقِعا ... ولم يُخالفْ سنَّةً لِمنْ دعا
صحَّتْ وكونُ قويَّ المدْرَكِ ... لا كخلافِ الظاهريِّ إذ حُكى
*القاعدة الثالثة عشرةَ*
*الدفعُ أقوى من الرفعِ*
والدفعُ فيما قالَ كلٌ حبرْ ... أقوى من الرفعِ فجُلْ بالفكرِ
*القاعدة الرابعة عشرة*
*الرخص لا تناطُ بالمعاصي*
ولا تناطُ بالمعاصي الرخصُ ... فلمْ يُبحْ لعاصٍ الترخُّصُ
*القاعدة الخامسة عشرة*
*الرخص لا تناطُ بالشكِّ*
والشكُ لا تناطُ أيضاً الرُّخصْ ... به كما السبكْي على ذلك نصّْ
*القاعدة السادسة عشر*
*الرضا بالشيء رضاً بما يتولدُ منهُ*
ثمَّ الرِّضا بالشيءِ ر ضاً بما ... ينشأ عنه حسبما قدْ رسِما
وقد يُقالُ : ما نشا عنه أُذِنْ ... فيهِ فما مِنْ أثَرٍ له زُكنْ
ولكن استُثنَي منها ما شُرِطْ ... سلامةُ العُقبَى به كما ضُبطْ
كضْربِ زوجٍ ومعلمٍ ومَنْ ... يلي وتعزيزات قاضٍ فاعْلمَنْ
*القاعدة السابعة عشرة*
*السؤال معادٌ في الجواب*
ثم السؤالُ عندهم مُعادُ ... قلْ في الجوابِ حسبما أفادوا(1/11)
*القاعدة الثامنة عشر*
*لا يُنْسَبُ لساكتٍ قولٌ*
اعلم هديتَ أنه لا يُنسبُ ... لساكتٍ قولٌ كما قدْ أعربوا
وهذه العبارة المذكورة ... عن الإمام الشافعي مأثورة
وربما استُثنًَى من هدي صورْ ... منها سكوتُ البكْرِ إذنٌ معتبرْ
كذا سكوت المدَّعي عليهِ عنْ ... يمينه عُدَّ نكولاُ فاستبن
وبعضُ أهلِ ذِمةٍ حيث نَقَضْ ... فعهدُ من يسكتُ أيضاً انتقضْ
ولوْ رأى مملوكهُ يُتلف ما ... لغيرهِ يَضمنُ بالصَّمتِ افهَما
وحيثُما يسكتُ محرِمٌ على ... حَلْقِ حلالٍ ففداهُ أُنقلا
وحيث باعَ بالغاً وقد سكتْ ... عنِ اعترافٍ صحَّ فيما قدْ ثبتْ
ولو قَرا بحضرةِ الشيخِ وقد ... سكتَ فهو مثلُ نُطقِهِ يُعدّْ
وبعضهم لغير هذه ذكرْ ... أيضاً ولكنْ ليس يخلو عنْ نظرْ
قلتُ : وفيها بعضهم قد صنَّفاَ ... مصنفاً فيه أجادَ ووفَى
*القاعدة التاسعة عشرة*
*ما كان أكثر فعلاً كانَ أكثرَ فضلاً*
اعلمْ بأنّي كنتُ قد نظمتُ ... لهذه فيما مضى قلتُ :
قاعدةٌ : ما كان أربى فِعْلاَ ... فإنه يكون أزكى فضلاَ
وأصلُها من الحديثِ المنتخبْ ... عن النبي الأجرُ على قَدْر النَّصَبْ
وأخرجوا عنْ ذاكَ بضعَ عشرِ ... فهاكها منظومةً كدُرِّ
وذلك القصْرُ على الإتمامِ ... يَفْضُلُ في الثلاثة الأيامِ
ثم الضحى ثمانِ ركعاتٍ أَبَرّْ ... وإنْ يكنْ أَكثرُها ثنتي عشرْ
والوترُ مهما بثلاثٍ يُفعلُ ... فإنها مما يزيد أفْضَلُ
لكنْ على قولٍ ضعيفٍ نُقلا ... عن البسيطِ والإمام ذي العلا
كذا صلاة الصبح كانت أفضلا ... من غيرها وإنْ يكن أطوَلا
وركعةُ الوترِ لديهمْ أفضلُ ... من سُنَّةِ الفجرِ وأيضاً تَفْضلُ
تهجدَ الليل وأن كانتْ أقلّْ ... وهوَ مع الكثرةِ والطولِ حصلْ
كذا صلاة العيد منِ كسوفِ ... أزكى ولَوْ معْ طولِها المعروفِ
وسنَّةُ الفجر بلا تطويل ... أفضلُ من معهُ للدَّليلِ
وفي الصلاةِ سورةٌ كمالا ... أفضلُ من بعضٍ ولو قدْ طالا(1/12)
وقيل : بلْ مِن قدرِها وذاك ما ... لم يَردِ البعض وإلا قُدِّما
والجمعُ في مضمضةٍ بالمَا ثَلا ... أفضلُ من فَضلٍ بستٍّ حَصَلا
كذلكَ الفصلُ بغرفتَينِ ... أزكى من السِّتِّ بغير مَينِ
والحجُّ والوقوفُ مِمّن رَكِباَ ... أفضلُ مِنه ماشياً تأدُّبا
كذلك الميقاتُ للإهلالِ ... أفضل مِنْ دُوَيْرَةِ الأهالي
ومرّةً جماعةً إنْ صَلّى ... أفضلُ مِنْ صلاتهِ وأعْلى
منفرداً خمساً وعشرينَ جُعِلْ ... وهكذا تصدقٌ وقدْ أكلْ
البعضُ منْ أُضحيةٍ تبركا ... فَهْوَ على بذلِ الجميعِ قدْ زَكا
وينبغي عدُّكَ كلَّ ما أتى ... فيه الدليلُ للقليل مُثْبِتا
كركعتيْ تحيةِ المساجدِ ... أفضلُ منْ إتيانِهِ بزائدِ
واللفظُ في استعاذةٍ بما وردْ ... في الذكرِ من زيادةٍ في المعتمدْ
وقس على ذلك بالتأملِ ... والحمد للهِ على التفضُّلِ
***
*القاعدة العشرون*
*المتعدي عندهمْ أفضلُ منَ القاصرِ*
والمتعدي عندهم من العملْ ... أنمى من القاصرِ فضلاً وأجلّْ
ومنْ هنا فطلب العلمِ العلي ... أفضلُ من صلاةِ ذي التنفُّلِ
ولكن الإمام عزُّ الدين قد ... أنكرَ الاطلاقَ وهوَ المعتمدْ
وقال : قد يكون بعضُ القاصرهْ ... أفضلَ كالإيمان يا ذا الباصرهْ
***
*القاعدة الحادية والعشرون*
* الفرض أفضل من النفلِ*
والفرضُ فيما قعدَّوه أكثرُ ... فضلاً من النفلِ كما قد ذكروا
قالوا : وأجرُ الفرضِ زائدٌ على ... ثواب غيرهِ بسبعين اعقِلا
وربما استُثنى من هَذِي صُورْ ... وبَعَُهَا لبعضهمْ فيها نَظَرْ
وهي إبرا مُعسرٍ فإنه ... أزكى من الإنظار وهوَ سنهْ
والبدء بالسلامِ من رَدٍّ أجَلّْ ... كذا الأذان للإمامة فضلْ
والطهْرُ قبلَ الوقتِ أيضاً أفضلُ ... من كونِهِ في الوقت فيما يُنقلُ
والشيخ عز الدين زاد واحدهْ ... نُظِرَ فيها وهْيَ غيرُ واردهْ
قلتُ : رأيتُ صورتين عَنْ ... ابن أبي الصيف الإمامِ في اليمنْ
هما حديثُ أجرِ تاركِ المِرا ... ثم حديث أجرِ مَنْ قدْ صبَرَا
***(1/13)
*القاعدة الثانية والعشرون*
*الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من المتعلقة بمكانها*
فضيلة العبادِة المعلقهْ ... بنفسها أولى من المعلّقةْ
بما لها منَ المكانِ فيما ... قدْ صرحوا به فكنْ فَهيما
لكنه خرجَ عن هذا صورْ ... منها الجماعة القليلة أبَرّْ
في المسجد القريب إنْ تعطلاَّ ... من الكثير في سواه فاعقلا
والجمع في المسجد أولى منه في ... غيرٍ وإنْ كان كثيراً فاعْرفِ
*القاعدة الثالثة والعشرون*
*الواجب لا يُترك إلا لواجبٍ*
لا يُتركُ الواجب يا ذا الفهم ... إلا لواجب بغير وهمِ
وقال آخرون قولاً يُحتسَبْ : ... ما كان ممنوعاً إذا جَازَ وَجبْ
وجاء أيضاً غيرُ هذا فيها ... من العباراتِ فكُنْ نَبيهَا
واستُثنيتْ أشياءُ منها سَجدَتَا ... سَهْو وما تلا كما قَدْ ثَبَتَا
والقتل للحيةِ في الصلاةِ مع ... رَفْعِ اليدين بالتوالي إنْ وقعْ
في العيد معْ زيادةِ الرُّكوعِ في ... صلاةِ سنة الكسوفِ فاعرفِ
ونظرُ الخاطبِ للمخطوبهْ ... كذلك الكتابة المحبوبهْ
****
*القاعدة الرابعةُ والعشرون*
*ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصهِ لا يوجبُ أهونَهما بعمومه*
ما أوجب الأعظم بالخصوص لا ... يُوجبُ بالعموم الاهُونَ خلا
في صورٍ جاءتْ بها الإفادهْ ... كالحيضِ والنفاسِ والولادهْ
فإنها توجِّبُ الغُسلَ مَعَا ... إيجابها الوضوء أيضاً فاسْمعا
والمهرُ في أرْشِ البَكارة لَزِمْ ... في وطءِ فاسدِ الشِّرا كما عُلِمْ
والشاهدون بالزنا لو رجعوا ... من بعدِ رجْمٍ فالقصاصُ يقعُ
معْ حدِّ قذفٍ وكذا لو قاتَلا ... أكثرَ من غيرٍ وكانَ كَاملا
فإنه معْ سَهْمه يُرْضخُ لهْ ... ذكَرَهُ جمعٌ كما قدْ نَقَلَهْ
***
*القاعدة الخامسة والعشرون *
*ما ثبت بالشرعِ مقدمٌ على ما ثبت بالشرطِ*
وثابتاً بالشرع قدَّموا على ... ما ثابتاً بالشرطِ كانَ مُسجَلاَ
ومِنْ هنا ما صحَّ نَذْر الواجبِ ... فقِس عليها تحْظ بالمواهبِ
***(1/14)
*القاعدة السادسة والعشرون*
*ما حرُم استعماله حَرُم اتخاذهُ*
وكلٌ ما استعماله قدْ حَرُما ... فليكن اتخاذه محرَّما
ونُقِضَتْ بصورٍ في بابِ ... الصلحِ وهيَ فتْحُه للبابِ
مهما يكنْ يَسمُرهُ ولكنِ ... أُجيبَ عنها بجوابٍ مُتقِنِ
***
*القاعدة السابعة والعشرون*
*ما حَرم أخذه حرم إعطاؤه*
وكل ما حُرِم أخذهُ حُظِرْ ... إعطاؤه أيضاً كما عنهمْ شُهِرْ
واستثْنِ نحوَ رِشوةٍ لحاكم ... توصُّلا لحقهِ من ظالمِ
وفكِّ مأسورٍ وما قدْ بذلهْ ... لمن يخافُ هَجوهُ ليَصِلَهْ
وحيثما خافَ الوصيُّ ظالما ... أعطى من المالِ ليضْحى سالِما
والبذلُ من قاضٍ لكي يُولَّى ... والأخذ للسلطانِ لنْ يَحِلاَّ
فائدةٌ تقربُ من ذي القاعده ... قاعدةٌ أخرى لديهم واردهْ
وهي ما حُرِمَ فعله حُظِرْ ... طلبهُ أيضاً كما عنهمْ ذُكِرْ
واستثنِ من ذلك صادقاً فلهْ ... تحليف من أنكرهُ إذْ فَعَلهْ
وجزية الذمِّي تُطلبُ وإنْ ... يَحرمْ عليهِ بَلُها كما زُكِنْ
***
*القاعدة الثامنة والعشرون وتاليتها*
*المشغول لا يُشغلُ*
وقعدَ الأصحابُ فيما يُنقلُ ... بأنه المشغول ليس يُشغلُ
ومن هنا ما جاز أن يَرْهنَ ما ... رهنه أخرى كما قد عُلِما
ولمْ يَجُزْ إيرادُ عقدَيْنِ على ... عَينٍ محلاً واحدً فيما انجلى
وهاهنا للأصلِ تفصيلٌ أشدّْ ... في العقدِ حيثما على العقدِ وَردْ
***
*القاعدة التاسعة والعشرون*
*المكبَّر لا يُكبَّر*
كذاك ممّا قعدوا المكبَّرُ ... على خلافٍ جاء لا يُكبَّرُ
ومن هنا التثليثُ غيْرُ نَدبِ ... في غسلاتِ رجْسِ نحو الكلبِ
قلتُ : الذي جرى عليه ابنُ حَجَرْ ... سنيَّةُ التثليث وهو المعتبرْ
*القاعدة الثلاثون*
*من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه*
ومن يكنْ قبلَ الأوانِ استعجلا ... عُوقِب بالحرمانِ حتماً أُصَّلا
لكنها خرج عنها صُورُ ... منَ التي تدخلُ فيها أكثْرُ
بل قالَ في التحقيق : ليس يَدخلُ ... فيها سوى من للتراثِ يَقْتُلُ(1/15)
وكان بعضهم يزيد فيها ... عن خبرةٍ لفظاً بها يُوفِيهَا
وقال : لا يُحتاجُ فيها استثنا ... وهوَ منِ استعجلَ شيئاً مِنَّا
قبلَ أوانهِ وليسَ المصلحهْ ... ثبوته عُوقبَ فافْقَهْ ملمحهْ
*القاعدة الحادية والثلاثون *
*النفْلُ أوسعْ من الفرضِ*
والنفلُ فيما قعَّدوه أوسعُ ... حكماً من الفرضِ وعنه فرَّعوا
وقد يَضيقُ النَّقلُ عنه في صورْ ... ترجعُ للأصلِ الذي قد استْقرّْ
أيْ : ما يجوزُ للضرورةِ غدَا ... مقدَّراً بقدرها مؤبدا
ومنه ليس يُشرعُ التيممُ ... للنفلِ في وجهٍ له قدْ رَسَموا
كذا سجود السهوِ ليسَ يُشرعُ ... للنفل في قولٍ غريبٍ يُسمعُ
*القاعدة الثانية والثلاثون*
*الولاية الخاصة أقوى من الولايةِ العامة*
ثمَّ الولايةُ التي تختصُّ ... من ضدها أقوى كما قد نَصُّوا
وضابطُ الولِّي قالوا : قدْ يَلي ... في المالِ والنكاحِ كالأبِ العَلي
وقد يلي النكاحَ لا غيرَ كما ... في سائر المعصِّبينَ عُلما
وكالأبِ الشفيقِ فيمنْ قَدْ طرا ... سفَهُهَا والجدُّ كالأبِ يُرَى
وقد يلي المالَ فقط كالوصي ... فاضبطهُ في الفروع لمَّا تَنحصي
فائدةٌ : مراتبُ الولايةِ ... أربعةٌ عندَ أولي الدرايةِ
ولايةُ القريبِ والوكيل ثمّْ ... وصايةٍ وناظرِ الوقْفِ يَؤمّْ
وإنْ تُرِدْ تحقيقها فارجع لما ... في الأصلِ للسبكي قولاً مُحْكمَا
*القاعدة الثالثة والثلاثون*
*لا عبرة بالظنِ البينِ خطؤهُ*
قالوا : ولا عِبرَةَ بالظنِّ متى ... خَطؤهُ بينْ كما قدْ ثبتا
واستثنيتْ أشياءُ منها ذكرا ... لو خلْفَ من يظنه مطهَّرا
صلّى فبانَ مُحدثاً فقل تصحّْ ... صلاته والأمرُ فيه متضحْ
ولو رَأى ركباً وقد تيمما ... فظنَّ معهم ماءً أو توهَّما
طلبهُ ويبطلُ التيمم ... وإن يكنْ قد أخطأ التوهمُ
وحيثما خاطبَ بالطلاقِ ... زوجته والعبد بالإعتاقِ
معْ ظنهِ غيرهما نفذ ما ... أوقعه توهماً عليهما
وحرَّةٌ مهما يطا وظنها ... زوجته القِنَّةَ أيْ فإنها(1/16)
تعتدُّ قرءَين على المصححِ ... كذاكَ عَكسهُ على المرجحِ
*القاعدة الرابعة والثلاثون وثلاثٌ تليها*
*الاشتعالُ بغير المقصودِ إعراضٌ عن المقصودِ
والاشتغالُ بسوى المقصودِ قدْ ... قالوا : عن المقصودِ إعراضاً يُعدّْ
*القاعدة الخامسة والثلاثون*
*لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه*
قالوا : وليسَ يُنكر المختلفُ ... فيه ولكن يُنكرُ المؤتلفُ
أعني : الذي صار عليه مُجمعا ... واستثنيتْ أشياءُ مما فرَّعا
ينكر فيها أمرُ ما فيهِ اختلفْ ... وذاك حيث المذهبُ الذي وصفْ
يبعدُ مأخذاً بحيث ينقضْ ... كذا لدَى ترافعٍ إذ يعرضُ
فيه لحاكمٍ فبالذي اعتقدْ ... يكون حكمه كما قد انعقدْ
وحيث للمنكر فيه كانا ... حقٌ كزوجٍ فافهمِ البيانَا
***
*القاعدة السادسة والثلاثون*
*يدخل القويّ على الضعيف ولا عكس*
ويدخل القوي على الضعيف قدْ ... قالوا ولا عكس فحقِّقْ ما وردْ
*القاعدة السابعة والثلاثون*
*يُغتفرُ في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد*
وفي وسائل الأمور مغتفرْ ... ما ليس في المقصودِ منها يُغتفرْ
*القاعدة الثامنة والثلاثون*
*الميسور لا يسقطُ بالمعسورِ*
كذاك مملا قعدوا الميسور لا ... يسقط بالمعسور حسبما انجلى
وهيَ منَ الأشهر في القواعد ... وأصلها من الحديث الواردِ
وخرجتْ مسائلٌ كالموسرِ ... بالبعضِ من رقبةِ المُكفِّرِ
لا يعتقُ البعضَ وإنما انتقلْ ... قطعاً لما وراءه من البدلْ
وقادرٍ لصومِ بعضِ اليومِ لا ... يلزمه إمساكه كما اعتلا
كذا الشفيعُ إنْ يجدْ بعض الثمنْ ... لا يؤخذُ القِسطُ من الشقْصِ ولنْ
وحيث أوصى باشتراء رقبهْ ... فلنم يفِ الثلثُ لغى ما طلبهْ
ومن على غيبِ مبيعٍ اطلعْ ... فالرّد والإشهاد كلٌ امتنعْ
عليهِ لا يلزمه كما اتضحْ ... تلفظٌ بالنسخِ في القولِ الأصحّْ
***(1/17)
*القاعدة التاسعة والثلاثون*
*ما لا يقبلُ التبعيض فاختيار بعضهِ*
كاختيار كلهِ وإسقاط بعضهِ كإسقاطِ كلهِ
وكلُّ ما التبعيضُ ليسَ يَقْبلُ ... فهوَ اختيارُ بعضهِ إذْ يحصلُ
مثلُ اختيار كلهِ ويسقطُ ... كلٌ ببعضٍ منه حيث يَسقطُ
ومنه نصف طلقةٍ أو بعضكِ ... مطلقٌ فطلْقهُ كما حُكِي
ثمَّ هوَ هل يكون بالسرايهْ ... أو لا خلافٌ شائعُ الحكايهْ
وما على الكلِّ يزيد البعض قَطْ ... إلا بفرعٍ في إظهارٍ انضبط
*القاعدة الأربعون*
*إذا اجتمع السبب أو الغرورُ والمباشرة قدمت المباشرةُ*
وحيثما السبب والمباشره ... يجتمعا فقدمنَّ الآخرهْ
كذلك الغرورُ معها جُعلا ... واستثنيتْ أشياءُ فيما نُقِلا
كما إذا غصبَ شاةً وأمَرْ ... شخصاً بذبحها ولم يَدرِ الغَرَْ
فالغاصبُ الضَّمانُ يستقرُّ ... عليهِ بالقطْعِ إذا يغرُّ
كذا إذا سُلِّم زائدٌ على ... مستأجرٍ لحملهِ فَحمِّلا
مؤجرٌ جَهله فتلفَتْ ... ضمننَها مستأجرٌ كما ثبتْ
وحيثما أفتاه بالإتلافِ ... أهلٌ فأخْطَا فالضمانُ وافي
على الذي أفتى بلا خفاء ... فاحذر من الخطأ في الإفتاء
ويضمن الإمام حيثما أمرْ ... ظلماً لجاهلٍ بقتلٍ إن صدرْ
وحيثما وقفَ ضيعةً على ... قومٍ فبانت مستحقةً فلا
يضمنُ إلا واقفٌ للغلَّهْ ... وتمَّ نَظمُ الأربعينَ جُملَهْ
***(1/18)
الباب الثالث
*في القواعد المختلف فيها*
ولا يطلق الترجيح لاختلافه في الفروع
وهي عشرون قاعدة :
وهاكَ عشرينَ من القواعدِ ... تحقيقها من أعظمِ الفوائدِ
وهي القواعدُ التي فيها اختلفْ ... والقول في ترجيحها لم يأتلفْ
ولم يسغْ إطلاقهُ للخُلفِ في ... فروعها وعدم التألُّفِ
والجزم في بعض الفروع ربما ... بأحدِ الشِّقَّينِ جاءَ فاعلمَا
لكنه في البعضِ منها وأنا ... أُشير نحوه لمنْ تفطَّنا
وقدْ جَعلتُ كل جنسٍ منها ... في ضمنِ فصلٍ لا يزيدُ عنها
فانحصرت إذاً فصولُ البابِ ... أربعةٌ والشكر للوهابِ
*الفصل الأول*
*القاعد الأولى*
قالو : هلِ الجمعةُ ظُهْرٌ قُصرَتْ ... أو بل صلاةٌ بحيالها جَرَتْ
فيها كما قد نقلوا قولانِ ... وقدْ يقول بعضهم وجهانِ
ومَسْلكُ الترجيح فيهما اخْتلفْ ... للخلفِ في فروعها وما ائتلفْ
*القاعدة الثانية*
ثُمَّ الصرةُ حلْفَ مُحدثٍ غدا ... مجهولَ حالٍ عندْ منْ بِهِ اقتدى
مهما نَقُلْ صحيحةً فهلْ تُعدّْ ... جماعةً أو انفراداً قدْ وردْ
وجهانِ والترجيحُ أيضاً مختلفْ ... فيما لها منَ الفروعِ قدْ عُرِفْ
*القاعدة الثالثة*
ومن أتى بما يُنافي الفرض لا ... النفل في أوَّلِ فرضٍ مثلا
يبطلُ فرضه وهل ما صلَّى ... يبطلُ أو نقول يبقى نفلا
فيه أتى قولانِ والترجيحُ ... مختلفٌ فلْيَكفِكَ التلويحُ
*القاعدة الرابعة*
والنذر هل سلوكنا به في ... مسلك فرضِ شرعنا الشريفِ
أو مسلكِ الجائزِ قولانِ أتى ... وخلفُ ترجيح الفروعِ ثبتا
وخرج النذر عن الشقينِ في ... صورة نذرهِ القراءةَ اعرفِ
فنية الناذرِ فيها تُحتم ... وليس في فرضٍ ونفلٍ تلزمُ
*القاعدة الخامسة*
ثمَّ هل العبرةُ في العقودِ قلْ ... بصيغٍ أو بمعانٍ يا رجُلْ
وفي الفروع أيضاً الترجيحُ ... الخُلفُ فيه عندهم صريحُ
*الفصل الثاني*
*القاعدة السادسة*
والعينُ إنْ تُعرْ للارتِهانِ ... هلْ عُدَّ فيها جانبُ الضَّمانِ
مُغلَّباً أو جانبُ العاريةِ ... قولانِ والترجيحُ كالماضيةِ
وبعضهم يقولُ : هل هوَ يُعدّْ ... ضماناً أو عارية ؟ خلفٌ وردْ
قال السيوطي : وما عبَّرتُ بهْ ... اولى كذا في هذي الأبياتِ انتبهْ
*القاعدة السابعة*
وهل تُعدُّ يا فتى الحوالهْ ... بيعاً أو استيفا خلافٌ قالهْ
واختُلفَ الترجيحُ في الفروعِ ... كما حكاه صاحبُ المجموعِ
*القاعدة الثامنة*
ثم هل الإبراء إسقاطاً جُعلْ ... أو هو تمليكٌ خلاف قد نُقلْ
قولين والترجيح غير مؤتلف ... فيما لها من الفروع قدْ وصفْ
*القاعدة التاسعة*
وهل يكون فسْخاً الإقالهْ ... في الحكمِ أو بيعاً ؟ خِلافٌ قالهْ
والحُلفُ قولانِ وفي الفروعِ ... يختلفُ الترجيحُ للمسموعِ(1/19)
*القاعدة العاشرة*
ثمَّ معينُ الصِّداقِ في يدِ ... الزوجِ قبلَ القبضِ مهما يُعقدِ
هل هو مضمونٌ ضمانَ عقدِ ... في يدهِ أو بل ضمانَ أيْدِ
قولانِ والترجيح لَمْ يأتلفِ ... فيما لها من الفروعِ قدْ قُفي
*الفصل الثالث*
*القاعدة الحادية عشرة*
وبعدَ هذا فالطلاق الرجعي ... هلْ يَقطعُ النكاحَ كلَّ القطعِ
أو لا ؟ على القولين والترجيحُ لا ... يُطلَقُ في الفروعِ فيما نُقلا
وربما جُزم بالأوَّل في ... أشيا وبالثاني كذاك فاعرفِ
وجاء قولٌ ثالثٌ لَم يُختلف ... في أصلِها يقول بالتوقفْ
وعبَّروا بغيرِ ذي العبارهْ ... عَن هذه أيضاً بلا نكاره
وهل هي الرجعةُ تُحسب ابتدا ... نكحٍ أو استدامةٌ خلفٌ بدا
*القاعدة الثانية عشرة*
قالوا : وفي الظِّهار هل المغلَّبُ ... شبِهُ الطلاقِ أو بل المغلَّبُ
شبهُ اليمن ؟ فيه خُلفٌ قد وصف ... ومنهجُ الترجيحِ فيه مختلفْ
*القاعدة الثالثة عشر*
ثمّ الشروعُ هلْ به تعينا ... مفروضُ الاكتفاء أمْ لا ؟ عندنَا
فيه خلافٌ رُجِّحَ الأوَلُ في ... مطلبنا والبارزيُّ المقتفي
ولكن الشيخانِ لم يرجِّحا ... شيئاً كما في خادمٍ قد شرحا
لأنها لا يُطلَقُ في الترجيحُ ... فيها لما مرَّ بهِ التصريحُ
قال السيوطي بأصله الأتَمّْ ... ولكَ أن تُبدِلَ هذا بأعمّْ
بأن تقول : فرض الاكتفاء هلْ ... نعطيهِ حكمَ فرضٍ عينٍ أو نفلْ ؟
فيهِ خلافٌ والفروعُ مختلف ... في حكمها الترجيح حسبما عُرفْ
*القاعدة الرابعة عشرة*
والزائل العائد هل هو كما ... لما يزلْ أو لَمْ يَعدْ ؟ خلفٌ سمَا
والقول بالترجيح فيها اختلفا ... إذ هو في فروعها ما ائتلفا
لكنه جُزِم بالأولِ في ... أشيا كذا الثاني كما عنهم قُفي
*القاعدة الخامسة عشر*
ثم هل العبرةُ بالحالِ . قلِ ... أو بالمآلِ ؟ فيهِ خُلفٌ منجلِي
ومسلَكُ الترجيحِ أيضاً مختلفْ ... وعبَّروا عنها بغير ما وُصفٍ
كقولِهم : ما قاربَ الشيء فَهَلْ ... نُعطيهِ حُكمه ؟ خِلاف اتصلْ
وما على الزوالِ أشرفَ فهلْ ... نعطيهِ حُكمهُ زائلٍ ؟ خُلفٌ حصلْ(1/20)
وقولهم : هل الذي توقعا ... يُجعل في الحكم كما قد وقعا ؟
والجزم جاء باعتبار الحالِ ... في صورٍ كذاك بالمآل
مهمَّةٌ بهذه تلتحقُ ... قاعدةٌ أخرى كما قدْ حققوا
وهي تنزيل اكتساب المالِ ... منزلة الحاضر أيْ : في الحالِ
والقول بالترجيح أيضاً مختلف ... إذْ هُو في الفروعِ غيرُ . مؤتلفْ
فائدةٌ : أعمُّ منْ ذي القاعدهْ ... قاعدٌ أخرى لديهم واردهْ
ما قارب الشيء يعطى حُكمهُ ... أوْ لا ؟ خِلافٌ قد عرفتَ رَسمهُ
*الفصل الرابع*
*القاعدة السادسة عشر*
قالوا : وحيث بطلَ الخصوص هلْ ... يبقى العموم ؟ فيه خُلفٌ قدْ وصلْ
واختلف الترجيح في الفروعِ ... فاحرص على معرفةِ المشروعِ
والجزم بالبقا أتى في صورِ ... كذاك بالعدمِ أيضاً فاخبرُ
*القاعدة السابعة عشرة*
والحمل هلْ نعطيه حكم ما عُلِمْ ... أو حكم ما يُجهلُ ؟ خلفٌ قد رٌسِمْ
ومنهج الترجيح في الفروعِ قدْ ... شاع اختلافه لديهمْ واستمدّْ
والجزم قد جاء بكلٍّ منهما ... في صورٍ فاحفظ لما قد رُسماَ
*القاعد الثامنة عشرة*
ثمَّ هلِ النادرُ بالجنسِ أو ... بنفسهِ يُلحقْ خِلافٌ قد رُوى
وفي الفروعِ لَمْ يكن مؤتلفا ... القول بالترجيح بلْ مختلفا
والجزم بالأولِ جازَ في صورْ ... كذاك بالثاني كما قد اشتهر
*القاعدة التاسعة عشر*
ومنْ على اليقين يقْدرْ هل يحلّْ ... أنْ يتحرى وبظنهِ عملْ
فيهِ خِلافٌ جاء والترجيح في ... فروعهِ العلياء لَمْ يأتلفِ
وجزموا بالمنعِ في بعضِ الصورْ ... كذاك بالجوازِ حسبما ذكرْ
*القاعدة العشرون*
وهل يكون المانع الطاري كما ... هو مقارنٌ ؟ خلافٌ علما
والقول في الفروع بالترجيح ... مختلف فاكتفِ بالتلويحِ
وقد أتى كما قارنَ في ... مسائل جزماً وعكسهُ اعرفِ
خاتمةٌ : وربما عُبِّرَ عَنْ ... أحدٍ شقَّي هذه بلا وهن
كقولهم : وفي الدوامِ اعتُفِرا ... ما لَمْ يكنْ في الابتدا مُغتفرا
ولهم قاعدة بالعكس ... لهذه تُذكر يا ذا الحس
وانتهت العشرون بالإبانهْ ... فالحمد لله على الإعانه
***(1/21)
*خاتمة*
وبانتهائها انتهى النظامُ ... لما هو المقصود والسلامُ
فليكُ هذا آخر الفوائد ... حاويةً لأشهر القواعد
وكُملتْ في عامِ ستَّ عشرهْ ... وراء ألفٍ من سِنِيِّ الهجرهْ
فالحمد لله على الإتمامِ ... حمداً يُوافي جُملةَ الإنعامِ
ثمَّ الصلاةُ والسلامُ أبدا ... على النبي الهاشمي أحمدا
وآلهِ وصحْبهِ الأئمه ... والتابعين من هداةِ الأمه
وسائرِ الأخيار أهلِ الطاعهْ ... لربهم إلى قيامِ الساعهْ
انتهت الفرائد البهيهْ ... في نظميَ القواعدَ الفقهيهْ
***
[ أَسألُ اللهَ أَنْ يَنفَعَ بِهَا إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ ]
وكَتَبَهُ ابنُ سَالِمٍ
فَلاَ تَنسَونَا مِن صَالِحِ دُعائِكُم(1/22)