تأليف الشيخ
صالح بن إبراهيم البليهي
الطبعة الأولى -عام 1406هـ
{ بسم الله الرحمن الرحيم}
الحمد لله رب الأرباب . ومسبب الأسباب. ومجري السحاب. وهازم الأحزاب ومنزل الكتاب. ومن ذلك آية الحجاب. في سورة الأحزاب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين. وخالق السماوات والأرضين .
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المجتبى, وحبيبه المصطفى, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه , ما صبح بدأ وما ليل سجى.
أما بعد: فحيث أن مسألة التبرج , والسفور , واختلاط المرأة بالرجال الأجانب , هذه المسائل الثلاث , خطيرة جداً , لما يترتب على وجودها , من المحن , والكوارث , والمفاسد,
نعم حيث أن المسألة خطيرة ولها نتائجها , فإلى المسلمين والمسلمات إلى الجميع في كل زمان , ومكان , إليهم الأدلةُ والحججُ, والبراهين , إليهم ما يشفي العليل , ويروي الغليل , ويحرق المغالطات, ويزيل الشبهات , إلى كل مسلم ومسلمة ,
ما ينقذ الغريق وينير الطريق إليهم الأدلة التي تطمئن لها القلوب, وترتاح لها النفوس, وتنشرح لها الصدور, أدلة من الكتاب ' والسنة , أدلة صحيحة, وصريحة في وجوب الحجاب, ووجوب التستر, والاحتشام, وصريحة في تحريم التبرج والسفور.
والمصلحة العامة , والخاصة, ومصلحة الدين , والدنيا , والفرد , والمجتمع , والزعيم والمزعوم , تقتضي وجوب الحجاب, وتحريم السفور , والتبرج , والسعيد من وُعِظَ بغيره, والشقي من وعظ به غيره.
فالبلاد الإسلامية التي وُجِدَ فيها الاختلاط في المدارس , أو الدوائر الحكومية, أو في المصنع والمتجر , وشاع فيها السفور , والتبرج , حصل فيها من الفتن , والمحن , والبلايا والمصائب , والكوارث , والشرور , والفساد , ما لا يحصيه إلا الله .
( محتويات الكتاب)(1/1)
هذا الكتاب الذي اسأل الله بأسمائه الحسنى , وصفاته العليا أن ينفع به من قرأه , يحتوي على مباحث , وعددها خمسة عشر , ومن أراد شيئاً من هذه المباحث يراجع الفهرس.
1- المبحث الأول : في ذكر شيءٍ من المواعظ , والنصائح , والتوجيه , والإرشاد , وذلك من خصوص الحجاب.
2- المبحث الثاني : في بيان شيءٍ من حقوق الزوجين , والموفق من وفقه الله والمهدي من هداه الله .
3- المبحث الثالث : البيان البينُ , الواضحُ الجلي, بأن دينَ الإسلام : جاء بكل خير وسعادة , ومن ذلك ' إعزازُ المرأةِ , وإكرامها , واحترامها , فلها مكانتها المرموقة في المجتمع , لا ما يقوله الزنادقة , والملاحدة والمخرفون, بأن المرأة في الإسلام
مظلومة , بل الإسلام أعطى المرأة جميع حقوقها الواجبة لها, حقوقاً تناسبها , وتليق بحالها, ومن المباحث الهادفة إلى الصلاح والإصلاح , التحذير من اختلاط المرأةِ بالرجال الأجانب, ولا فرق بين المدرسةِ والمتجرِ والمصنعِ والدوائر الحكومية , لأن ذلك من أقوى أسباب الشر والفساد .
4-المبحث الرابع : في بيان أن الحجاب مفروضٌ في شرائع الله التي تقادم عهدها.
4- المبحث الخامس: في ذكر نصائح من بعض العلماء , ومن النساء الكاتبات نصحن بها أخواتهن المسلمات .
ومن هذه النصائح نصيحةٌ قيمة من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن غفر الله لنا وله , ولجميع المسلمين.
ومنها نصيحة من الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله وأعزه الله بالإسلام , وأعز الإسلام به , ومفاد هذه النصيحة , المنعُ من تشغيل المرأة المؤدي إلى اختلاطها بالرجال الأجانب, ومن هذه النصائح نصيحة من امرأةٍ كافرة , والحق مقبول ممن جاء به.
5- المبحث السادس: في تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية , وتحريم سفر المرأة إلا مع ذي محرم لها.
6- المبحث السابع : التحذير من فتنة النساء.(1/2)
7- المبحث الثامن : البيان البينُ, بأن وجوب الحجاب قال: به جماهير العلماء , زذِكْرُ بعض من قال : به من الصحابة , والتابعين , وتابع التابعين.
8- المبحث التاسع : في بيان أن الدعوة إلى السفور , دعوة يهودية.
9- المبحث العاشر : في ذِكر الأدلةِ , من الكتاب , والسنة , والآثار الدالة على وجوب الحجاب , وعددها اثنان وأربعون دليلاً , وأكثر علماء التفسير قالوا بوجوب الحجاب.
10- المبحث الحادي عشر : مناقشة الأدلة التي استدل بها من لم يوجب الحجابَ, والجواب عنها.
11- المبحث الثاني عشر: في ذكر الأضرار , والمحاذير , المترتبة على وجود الخدم والخادمات , والسواقين الذين يخالطون العوائل.
12- المبحث الثالث عشر : من الحكم الإلهية , يحرم تشبه المسلمين بالكافرين , وكذا يحرم تشبه المرأةِ بالرجل , والرجل بالمرأة.
13- المبحث الرابع عشر : إتماماً للفائدة , نذكر بإعانة الله , أربعاً وخمسين مسألة , في الحيض , والإستحاضة , والنفاس , والطلاق , والعدد.
14- المبحث الخامس عشر : إن شاء الله في هذا المبحث نذكر أربع مسائل :
الأولى : الحث على الزواج , والترغيب فيه.
الثانية : المغالاة في المهور , والإسراف في حفلات الزواج كل ذلك لا يجوز.
الثالثة : التحذير من الغناء , وبيان شيءٍ من أضراره .
الرابعة : مشروعية إعلان النكاح , ومن الله نستمد الإعانة , والتوفيق , والسداد , وبعد هذه اللمحات , والإشارات , نقول : نقول نصحاً لأمة الإسلام عامة , وللفتاة المسلمة خاصة , والموفق من وفقه الله , والمهدي من هداه الله .
( يا فتاة الإسلام )(1/3)
إذا أردت السلامة, والعز والشرف , والفخار , والسعادة في الدنيا والآخرة , فاعملي بدين الإسلام كله عقيدةً, وعبادةً وأحكاماً , وأخلاقاً , ومن أحكام دين الإسلام وجوب التستر والحجاب عند الرجال الأجانب, ومن أحكام دين الإسلام , القرارُ في البيت , طاعةً لله , وامتثالاً لأمره. قال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(1) يا وليدة الفطرة ( ويا فتاة الإسلام) قري في بيتك ' ولا تخرجي منه إلا لضرورة , وحاجة ماسة .
(أيتها المسلمة) أنت زينةُ البيت , وسراجه الوضاء أنت نصف المجتمع , وأنت الجدة و الأم , والبنت , والأخت , وأنت بقدر الله , وأمره مربية الأطفال , وأنت أم الرجال العباقرة و والأبطال , وأنت عظيمة , وأنت أمُ الأنبياء والمرسلين , ووالدةُ الحكماء , والعظماء , والعلماء , والصالحين , والمتقين ( أنت أمَةَ الله ) في الإسلام محترمةد
وموقرة , ويأتي إن شاء الله لهذا المبحث زيادة إيضاح وبيان , نعم يا أخت كل مسلم , أنت عامرة ُ البيت ونوره , وزهاؤه , وجماله , فمتى خرجت من البيت أظلم ' وتسرب إليه الخراب وأنهار , والسعيد من وعظ بغيره , والشقي من وعظ به غيره , فالمرأة الأوربية , والأمريكية , وغيرها من بلاد الكفر , لما خرجت تزاحم الرجال في أعمالهم التي تليق بهم , وغير لائقةٍ بها , تفككت الأسَرُ, وتناثرت العوائلُ
,وسادت الفوضى , وفسد المجتمع , واختل توازنُهُ , وأصابة الشلل , وتكدرت الحياة , وعزت النجاة , وهكذا كان , وهكذا يكون كل من خالف شريعةَ الإسلام , وخالف الفطرة , والعادةَ الحسنة , سوف يضيعُ , وينهارُ , ويتدهور ,
ويقع في مزالق الهلكة , وسوف تتسرب إليه الكوارثُ , والهموم , والأحزان .
(أيتها المسلمة) الشريعةُ الإسلامية أحكامها حكيمة, وأهدافها سامية ,(1/4)
فمن أجل سلامة المجتمع من التدهور , والشذوذِ , والضياع , والانحراف ( حجابُ المرأة وتسترها واجب) في شريعة الإسلام , وفي أثناء هذا الكتاب , وتحريم التبرج والسفور , ومن ذلك الآية المشهورة بآية الحجاب ,
وهي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }(2)
ويرى بعض علماء التفسير , أن آية الحجاب هي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} (3)
ومن الذين يرون أن هذه الآية هي آية الحجاب , الشيخ عبد الرحمن السعدي , فأنه قال : بعد سياق هذه الآية في تفسيره هذه الآية هي التي تسمى آية الحجاب .
( يا أخت كل مسلم )
كوني يا أخت كل مسلم , كما أراد الله لَكِ , وكما أراد لَكِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم , كوني حرة , درةً مصونة , فعملك بدين الإسلام , كله عقيدةً وعبادةً , وأحكاماً وأخلاقاً , هو عزُكِ , وفخرُكِ , وسعادتك في الدنيا والأخرة , والإسلامُ , نهى عن السفور والتبرج , ونهى عن التفرنج ,
والتغنج , والخنوع , بالفعل أو القول للرجال الأجانب , حفاظاً وصيانةً للنساء عن الفتنة , والفساد .(1/5)
( يا بنت الإسلام ) الإسلامُ يُرِيْدُكِ لكِ, ودعاتُ السفور , التبرج يريدونك لأنفسهم , الإسلام في جميع أحكامه , هو في صالحك , الإسلامُ يدعوك إلى أن تكوني مصونة , عفيفةً كريمة , يدعوكِ إلى الحجابَ والتسترِ , والاحتشام.
(أيتها المسلمة) كوني على حذر , فمن دعاك من شياطين الإنس , إلى التبرج والسفور وعدم الاحتشام , وإلقاء جلباب الحياء , وعلى سبيل العموم من دعَاكِ إلى ما لا يجوز شرعاً , فقولي قولاً يسجله لكِ التاريخُ , قولي بصراحةٍ, وشجاعةٍ , لا سَمْعَ , ولا كرامَةَ ,ولا طاعةَ لمن يدعوا إلى أسباب الشر , والفساد.
ومن المعروف أن بعض بلاد الإسلام فيها أناس من أذناب الماسونية , ويخدمون الصهيونية اليهودية , شعروا بذلك أو لم يشعروا , هؤلاء المغرورون , يدعون إلى سفورِ المرأةَ , وتبرجها , ويدعون إلى المسارح , والمراقصِ , والسينماءِ , والخمرِ , والزمرِ , والدعارة , والعربدة.
ويدعوا دعاة الشر والفساد , إلى اختلاط المرأة بالرجال , الأجانب , ومزاحمتهم , في المكتب , والمتجر , والمصنع , وحتى أعداءُ الإسلام , والمسلمين يدعون إلى الاختلاط في فصول الدراسة , وكما هو معروف , هذه هي المحنة الكبرى , والمصيبة العظمى , وإن شاء الله يأتي لهذا المبحث زيادة إيضاح وبيان .
( يا فتاة الإسلام) ويا أخت َ كل مسلم , العفافُ والنزاهةُ , وطهارةُ الأخلاق , والتستر , والحجابُ , ولباسُ الحِشْمةِ, من أجَلِّ وأجْملِ ما تحلَّى به المرأةُ المسلمة.
( أيتها المسلمة ) أنت في حجابك , في ستر مكينٍ, ودرعٍ متينٍ , وحصنٍ حصينٍ , ومكانٍ أمينٍ , وفي عز ٍ وشرفٍ , وخير وسعادة , فداومي على ذلك , وأعتزي به في كل مكان , اعتزِي يا بنت الفطرة , بالتستر والحجاب , لأنه طاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم , والله الموفق , والهادي إلى طريق الرشاد ,
( وقد أجاد من قال)
أنّ البناتِ المُسْلِماتْ دَوْماً يُرَيْنَ مُحَجَّباتْ(1/6)
وبِدِنْهِنَّ وما به أمَرْ مِنْ عِفةٍ مُسْتَمْسِكاتْ
يَرْفَضْنَ كُلَّ خَصْلَة لا تَرْتَضِيها الأمَّهاتْ
لِلْخَيْرِ هُنَّ فَواعِلٌ وَعَلى الصَّلاَةِ مُحافِظاتْ
( الحِجِابُ فِيْهِ الْعِزُّ والشَّرَفُ)
(يا فتاة الإسلام ) الله الله في حجابك , فإنه حِصْنُكِ الحصين عن العيون الآثمة المريبة.
أيتها المسلمة : لا تغتري بالمغرورات قليلات الحياء, أنت في زمن طغت فيه الرذيلة على الفضيلة فالحذرَ الحذرَ من
أزياء النساء الخليعة الفاضحة , التي هي من أسباب الشر والفساد.
يا بنتَ الإسلام : إن كنت متحجبةً متسترةً تلبسينَ ثيابَ الحِشْمَةِ والوقار , فاغتبطي بذلك وداومي عليه , وأكثري من حمد الله وشكره , وإن كنتَ من المتبرجات ِ السافراتِ , المتمردات على شرع الله وأحكامه , فخافِ الله يا أمة الله , فإنك بهذا الفعل تعرضت لعقاب الله وأليم عذابه.
يا أمة الله : لا تكوني مَشُومَةً على المجتمع المسلم, لا تساعدي الماسونيةَ اليهودية على فساد مجتمع مسلم , فإن
المرأةَ الجاهلية المغرورة , إذا تبرجت وألقت عنها جلبابَ الحياء , فإنها بذلك تكون مِعْوَلَ هدمٍ, وآلَةَ تخرِيبٍ, فإنها بذلك أي بسفورها وتبرجها تقود أمةَ الإسلام إلى الحضيض الأسفل, تقودُ الأمة إلى هُوةٍ مظلمةٍ سحيقةٍ,بعيدَةِ المدى, تقود الأمة إلى فسادِ الأخلاق , ولا خير في أمة فسدت أخلاقُها.(1/7)
(أيتها المسلمة) حافِظِي على الحجابِ صُونِي وجْهَكِ عن الفُسَّاقِ , والأنْذال , والأرذال , احتجبي عن كل أجنبي , كوني كما أرادَ الله لكِ , وكما أرادَ لكِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم , كوني خيرَ خلفٍ لخير سلف , كوني يا أمة َ الله قدوةً حسنةً لأخواتِك , وزميلاتك , وبناتك, فقد قال صلى الله عليه وسلم , من سن في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء , ومن سن في الإسلام سنةً سيئة ً كان عليه وزرُها , ووزرُ من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (4) ونتساءل مع سافرات الوجوه للرجال الأجانب ,
فنقول هل هذا هو فعلُ أمهاتِ المؤمنين , وفعلُ الحرائر من نساء الصحابة , والتابعين.
الجواب ليس السفور من فعل أمهات المؤمنين , ولا من فعل نساء الصحابة , والتابعين , فكما أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين فهو واجب على جميع نساء
المسلمين , ويأتي ذلك إن شاء الله عند ذكر الأدلة من الكتاب والسنة.
فيجب على كل مسلمة , أن تَحْذَرَ وتُحَذِّرَ من التبرج والسفور , ومن اختلاطِ المرأةِ بالرجال , فكم من جرائم ارتكبت , ومن أعراضٍ انتهكت , وأحزانٍ , ومصائبَ , وجدت , وسبب ذلك , هو السفور والاختلاط .
( يا فتاةَ الإسْلام كُونِي على حَذَرٍ)
( يا بنت الفطرة) اسمعي ولا تخدعي , لا يخدعك الدجالون , والمزورون دعاة التبرج والسفور, ( نعم يا فتاة الإسلام) كوني فطنةً , ويقظة , لا تخدعُكِ الدعاياتُ المظللة , التي ربما تسمعينها من بعض الإذاعات , أو ترينها منمقةً , ومسطرةً في بعض الصحف والمجلات , كوني يا بنتَ الإسلام على حذر , من دعاة الشر والفساد , هم دعاة هدم , وتخريب .
هل تدرين من هم , هم أناس بعدما خانوا الله , وخانوا رسوله صلى الله عليه وسلم , خانوا أماناتهم , وخانوا المجتمع المسلم.(1/8)
ولا ريب إنهم أعداء لَكِ يا بنت الإسلام خاصة , وأعداء للمسلمين عامة , هم أعداء لعقيدتك , ولدينك , وأخلاقك , وشرفك , يدعونك إلى السقوط في الهاوية , ويدعونك إلى الوقوع في المستنقعات الوبيئة من حيث لا تشعرين.
يدعونك أولاً إلى الرمي بالعَباءَةِ , ثم ثانياً إلى تمزيق الخِمار , ثم ثالثاً إلى التفرنج , والتبرج والسفور , ثم رابعاً إلى الاحتكاكِ بالرجال والاختلاط بهم , في المصنع , والمتجر , والمكتب , وغير ذلك , وحتى بعضهم يدعون إلى الاختلاط في حقول التعلم والتعليم , فالحذر الحذر يا بنت الإسلام.
يدعونك دعاة الشر والفساد , فيما يزعمون باسم الحرية , والتقدم , والمدنية , والحضارة , والمشاركة في الحياة الاجتماعية , وهذا هو الكذب , والغش , والخداع والتزوير , من دعاة الإلحاد , والفساد.
( كُونِي يا بِنتَ الإسْلامِ على بَصيْرة)
نعم هو هذا يجب أن تكوني من شريعة الإسلام على هدىً , وعلى يقينٍ وعلى بصيرة , يجب أن تكوني حَذِرةً وفاهمة , فالحريةُ التي يتشدقون بها , ويَدْعُونَ إليها ليست الحرية الحقة السليمة التي تؤخذ من شريعة الإسلام , بل هدفهم , ومرادهم , هي الحرية , التي هي شائعة , وذائعة في أروبا , أمريكا وهو أن كل إنسان له أن يفعل َ ما شاء من المحرمات , ويرتكب ما شاء من الجرائم , ولا إنكار , ولا عتاب , ولا لومَ عليه , لأنه في زعمهم حر.
ومراد المجرمين بالمدنية , والحضارة , هو ما تفعله نساءُ أمريكا وأروبا , من السَّفاسِفِ , والخلاعة , والمجون , والعرى الفاضح , وارتكاب الجرائم , وفعل المحرمات.
وهل مثل ذلك يعد حضارةً , مدنيةً وتقدماً , الجواب لا يعد ذلك حضارةً , ومدنيةً , بل هو جاهلية جهلاء , وهمجية عمياء, فهل من عارف ٍ , وفاهمِ , وهل من مبصرٍ ومدكر.(1/9)
وهل من مدرك بأن أكثر خلقِ الله في أرض الله من الرجال والنساءِ في ضلال يعمهون , وفي جاهلية يعيشون , ويتخبطونَ , تخبط عَشْواء , لا يهتدون إلى طريق الرشاد , اللهم ارزقنا البصيرة في الدين , واجعلنا هداة مهتدين.
( أكْثَرُ بَنِي آدَمَ على الضَّلاَلِ)
( أيتها المسلمة) رُيْداً , رُيْداً , ومَهْلاً , مهلاً ,لا يغركِ بالله الغرور , لا يغركِ الخلقُ الكثير , والجمُ الغفير , من نساء هذا العصر , لا تغتري بالمتمردات على شرع الله وأحكامِهِ, لا تغتري بالمتبرجاتِ , الداعراتِ , الماجناتِ , السافراتِ , المتفرنجاتِ .
قال تعالى : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }(5)
وقال تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (6)
وقال جل وعلا : { لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } (7)
مع وضوحِ الحجةِ وبيان المحجة , أكثَرُ بني آدَمَ كفارٌ مشركون ,وطغاة مجرمونٌ, أكثرهم تغلبت عليهم الشهواتُ والشبهاتُ , وإتباعُ الهوى , فعصوا الرحمنَ وأطاعوا الشيطان , وهكذا من أتَّبع هواه سوف يَضلُ ويَقعُ في مزالق الهلكة.
أيتها المسلمة : يجبُ علينا جميعاً , إذا جَهلَ الناسُ لا نجهل , وإذا عصى الناسُ لا نعصى وإذا أرَدتِ العِزَّ والفخرَ والشرفَ في الدنيا والكرامةَ والسعادةَ في الآخرة , فافعلي الواجبات واتركي المحرمات, ومن المحرماتِ التبرجُ والسفور.
وكما هو معروف , الوسيلةُ لها حكم الغاية . فوسيلةُ الطاعةِ طاعة , ووسيلةُ المحرم محرمة, ومن غير شكٍ أن مِنْ وسائل الزنا التبرجُ والسفورُ , وبالزنا فسادُ المجتمع , وبالزنا كلُّ شرٍ , ومحنةٍ , وفتنةٍ , وبلاء.(1/10)
وما سرى داءُ السفورِ , والتبرجِ المشين , في أعضاءٍ أمةٍ , ومفاصلها إلا أوردَها مواردَ الهلاكِ , والتلفَ , والفناءِ والانحطاط , والذلِ والشقاءِ , والتعاسةِ , والانهيارِ والسقوطِ , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
( تَحْذِيْرٌ )
الحذر الحذرَ أيتها المسلمة لا يراك رجل أجنبي إلا وأنت متحجبة واعتزي وافتخري واغتبطي بذلك فالحجاب شعار المسلمة وبالحجاب والتستر الصلاح والفلاح والنزاهة والسلامة شعار المسلمة أحسن شعار شعارها الحياء والعفاف , والشرف والأخلاق الفاضلة الكريمة وشعار المتفرنجة المغرورة التبرج والتغنج والسفور.
وكما تقدم تقريباً , يجب على المسلمين عموماً , وعلى شبابهم من البنين , والبنات خصوصاً , يجب على الجميع أن لا يغتروا بمن جَرَفَهُمُ السَّيْلُ , وسَيْطَرَ عليهم التَّيَارُ , فغرقوا في المدنية الزائفة , مع العلم أنها ليست مَدَنِيةً بل هي جاهليةُ القَرْنِ الرابعَ عَشرَ , والخامِسَ عشَرَ.
نعم يجب على الشباب خصوصاً , على المسلمين عموماً , أن لا يغتروا بالكثرة الكاثرة , الذين أتْبَاعُ كُلِّ ناعقٍ , مع قيام الحجة وبيان المحجة.
قال تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } (8)
وقال تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} (9)
وقال تعالى : { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً} (10)
قال تعالى { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} (11)
( فيا بنتَ الإسلام) لا تغتري بمن هلك كيفَ هلكَ , ولا بمن فسق كيفَ فسقَ , ولا تغتري بالكاسياتِ العارِياتِ , المتبرجات , الفاتناتِ ' المفتونات , لا تغتري بأعمال أكثر الناس.(1/11)
فقد جاء في صحيح مسلم , من حديث عمران بن حصين , رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : إن أقل ساكنى الجنة النساء.
والرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عيد , بعدما وعظ الناسَ وذكَّرَهُم , مضى حتى أتى النساءَ فوعظهن , وذكَّرهن , فقال : تصدقن فإن أكثركُنَّ حَطَبُ جهنم , فقالت امرأة من سِطَةِ النساءِ لم يا رسول الله , قال : لأنكن تكثرن الشِّكاةَ وتَكْفُرنَ العشيرَ , رواه مسلم , والنسائي , والبيهقي , والدارمي .
وليس العبرةُ بمن هَلكَ كيفَ هَلكَ , إنما العبرةُ بمن نجا كيف نجا , فأكثر خلقِ الله من المكلفين َ , ذكرواًوإناثاً , تسربت إليهم الشبهات , وسيطرت عليهم الشهوات , وليس عندهم حصانة من إيمانٍ وعقيدةٍ , فضلوا , وأضلوا عن سواء السبيل , ومن أقوى أسباب الضلال , هو الشهوات , والشبهات , واتباع الهوى.
( إتِّباع اْلهَوى )
( يا فتاةَ الإسلام ) الحذرَ الحذرَ من إتباع الهوى , فإتباع الهوى يُرْدِي ولا يُجْدِي 'وكل من عصى الله أو عصى رسوله صلى الله عليه وسلم فقد اتبع هواه , ومن ذلك التبرجُ والسفور.
المرأة إذا أظهرت للرجال الأجانبِ شيئاً من محاسنها ومفاتِنِها , ومن ذلك وجهها فهو محلُ الفتنةِ والإغراء, فقد اتبعت هواها , وانقادت لشيطانها , وحينئذٍ تكون فاتنةً ومفتونةً.
وصدق الله : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (12)
وقال تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}(13)
فلزاماً ولا بد أن يكون إتباعُ الهوى لما جاء عن الله , وعن رسوله صلى الله عليه وسلم .(1/12)
قال عليه الصلاة والسلام : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به , فمن كان هواه مَيَّالاً ومتبعاً لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم , فهو المؤمن حقاً هو المؤمنُ التقيُ , النقي , المستقيم , ومن كان متبعاً لهواه , فهو المغرور الشقي.
فأقول ( يا بنتَ الإسلام) إذا أردتِ الفخْرَ , والعِزَّ , والشَّرَفَ , والسلامةَ في الدنيا , والسعادةَ في الآخرة , فامتثلي أوامِرَ اللهِ , ورسولِهِ , ومن ذلِكَ الْحجابُ , والملابِسُ الساترة , ملابس الحياءِ , والحِشْمَةِ , والوقار ( يا بنتَ الإسْلام ) حافظي على ذلك ثم حافظي حَفِظِكِ الله , ورعاكِ , وسدد خُطاكِ.
واسمعي لمعجرةٍ من معجزاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم , ومعرفةُ شيءٍ من أدلة نبوته , ومعرفة شيءٍ من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم , هو مما يزيد به الإيمانُ إيماناً, والبصيرة تبياناً , فأخبر عن وجود الشُّرَطِ , جمع شرطي فوجد ذلك , وأخبر صلى الله عليه وسلم ,عن وجود نساءٍ مخالفات لشرع الله فوجد ذلك.
( مُعْجِزَةٌ لِلرَّسُول )
مُعجِزاتُ الرسول صلى الله عليه وسلم , مِئآتٌ و مِئآت , ومعجزاتُ الرسول صلى الله عليه وسلم تَتَجَدَّدُ فلم يمضِ وقتٌ ولا زَمنٌ إلا ويوجَدُ فيه معجزاتٌ للرسول صلى الله عليه وسلم , فمن ذلِكَ إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم , عن وجودِ الشُّرَطِ , وإخبارُهُ عن وجودِ النساءِ الكاسياتِ العاريات.
روى أبو هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صِنفانِ من أهْلِ النارِ لم أرهما قومٌ معهم سِياط كأذنابِ البَقَرِ , يَضْربون َ بها الناس (14) : ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ , مميلاتٌ مائلات, رؤوسُهُنَ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلةِ لا يدخلنَ الجنةَ , ولا يجدِنَ ريحها , وإن ريحها ليوجَدُ من مسيرةِ كذا وكذا : أخرجه الإمامُ أحمدُ في مسنده , ومسلم في صحيحه واللفظ له , والطبراني , وفيه والعنوهن فأنهن ملعونات.(1/13)
ومعنى كاسيات أي في الحقيقة , عاريات في المعنى , فإذا لبست المرأة ثوباً رقيقاً , أو ضيقاً , أو قصيراً , فهي عارية , وعارية من خشيةَ الله , وتقواه , وعارية من شكر نعم الله , وإن كانت كاسية من لباس الزينة.مميلات يعلمن غيرهن فِعْلَ القبيح , مائلات متبخترات , ومائلات عن طريق الحق والرشاد , رؤسهن كأسْنِمَتِ البُخْتِ , والبُخْتُ هي الإبِلُ الْبَخَاتَيِ , وهي نوعٌ من الإبِلِ , تَتَميزُ , بسنامين .
ومن المعروف أن بعض َ النساءِ في هذا الزمن تجمعُ شعرَ رأسِها وتربطه في مؤخَّرِ رأسها , فيكون في النظر لها رأسان , كما أن الإبل البخاتي لها سنامان , فالوصف الذي ذكره الرسولُ صلى الله عليه وسلم , في غاية من الوضوح والمطابقة , لما يفعله بعضُ النساء في هذا الزمن .
قال في القاموس : ( البَخْتُ) البَخْتُ مُعَرَّبٌ , وبالضم الإبل الخرسانية , كالبُخْتيَّة , أ.هـ , قلت يفهم من كلام صاحب القاموس , أن نوع الإبل البخاتي موجودة , في بلاد خراسان وموجودة أيضاً في بعض بلاد السودان.
ولا شك أن تبرج النساء يتنافى مع الآداب المرضية , والأخلاق الإسلامية , فالمرأةُ إذا أظهرت للرجال الأجانب شيئاً من مفاتنها , كوجهها , أو شعرها , أو ذراعها , أو ساقها , أو لبست ثوباً شفافاً , أو ضيقاً , أو قصيراً فقد تبرجت , والتبرج من أخلاق العاهرات , لا من أخلاق المؤمنات.
( أمَّةُ الإسْلامِ بأخْلاقِها )
ومن أدلة ذلك , أن الله جل شأنه امتن على رسوله صلى الله عليه وسلم , ومدحه , وأثنى عليه , وأظهر فضله , بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(15)
وفي الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت : كان خلقه القرآن.(1/14)
فشرف أمةِ الإسلام , وزكاؤها , بالأخلاق الكريمة , والآداب الرفيعة , والفضائل العالية , لأنها مفتاحُ كلِّ خير , وأصل كل سعادة , وسبيلُ كل صلاح , وفلاح , وما ارتقت أمةُ الإسلام إلى قمة المجد إلا بالأخلاق السامية ولا تسق أمة الإسلام , في مهاوى الضلال , والضياع إلا بفساد الأخلاق .
فالتَّخلقُ بالأخلاق الإسلامية , والتأدبُ بالآداب الشرعية , هو الذي عز الدنيا , وسعادَةُ الآخرة , كما هو معروف , فساد الأخلاق , أكثر ما يتسرب إلى أمة الإسلام , من زاوية النساء , والأدلة على ذلك تأتي قريباً إن شاء الله , تحت عنوان ( التحذير من فتنة النساء) وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
( وقد أجادَ وأفادَ شَوقِي حيث قال)
( وإنما الأمَمُ الأخْلاقُ ما بَقيَتْ فإنْهُمُا ذَهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا)
( وقال : أبو الطَّيَّبِ)
( نَعِيْبُ زَمانِنا والْعَيْبُ فيينا وما لِزمانِنا عَيْبٌ سِوانا)
( وصدق الشاعر حيث قال)
أرى حُلَلاً تُصانُ على أناسٍ وأخْلاقاً تُداسُ فلا تُصانُ
يقولونَ الزَّمانُ به فَسادٌ وهُمْ فَسَدُوا وما فَسَدَ الزَّمانُ
( ضياع أمة الإسلام)
ضياعُ الأمةِ الإسلامية , يحصل بتركها عقيدَتَها وشريعتها , ويحصل ضياعها بترك عاداتها وأخلاقها الإسلامية , وتضيع أمةُ الإسلام إذا تخنث رجالها , وترجلت نساؤها.
نعم إذا ترجلت النساءُ وتفرنجت , وتبرجت , ذلت أمةُ الإسلام , وسقطت , وتدهورت , وضاعت , والواقع شاهد بذلك , والسعيد من اتعظ بغيره .
( وأجاد الشاعر حيث قال)
وما عَجَبٌ أن النِّساءَ تَرَجَّلتْ ولكن تأنِيْثُ الرِّجالِ عُجابُ
ومن ترجُّل المرأة تشبهها بالرجل , ومِن تخنثِ الرجل تشبهه بالمرأة
وليس بغريب ترجل المرأة , لأنها بالترجل تتطلبُ أرفعَ وأعلى مما هي فيه ولو كان محظوراً , ولكن الغريب تأنثُ الرجل وتخنثه , لأنه هبوط وسقوط.(1/15)
نعم كما تقدم إذا لم تعمل أمةُ الإسلام بالإسلام كلِّهِ عقيدةً , وعبادةً , وأحكاماً وأخلاقاً ,بذلك تسقط أمة الإسلام , وتضيع , وتموع , وتتدهور , ويتسلط عليها الأعداء.
ودليل ذلك وبرهانه , حديث ثوبان , رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعي الأكلةُ على قصعتها , فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ , قال : بل أنتم يومئذٍ كثير , ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله , من صدور عدوكم المهابة منكم , وليقذفن الله في قلوبكم الوهن , فقال قائل : يا رسول الله , وما الوهن , قال ك حب الدنيا وكراهية الموت, رواه أبو داود , وترجم له بقوله ,
( باب في تداعي الأمم على الإسلام)
فلعل بني قومنا , وأبناء جلدتنا , ولعل المسلمين عامةً في كل زمان , ومكان , يعرفون داءَهم , ويعرفون دواءَهم , لعلهم يعرفون بأنه لا أمنَ ولا راحةَ , ولا طمأنينةَ , ولا عز لهم , ولا نصر إلا إذا عملوا بشريعة الإسلام كلها عقيدةً وعبادةً , وأحكاماً , وأخلاقاً .
لعل المسلمينَ عامةً يعرفون ذلك , ولعل الشبابَ من البنين , والبنات , يتخلقون بالأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة , حتى تكون لهم الدنيا عزاً وشرفاً , والآخرةَ سعادةً , وأمْناً.
وما نكب المسلمون , وأصابهم الذل إلا بعدما تنكروا لدينهم ,وأخلاقهم , الإسلامية , وما ذلَّ المسلمونَ إلا بعدما تركوا مصدرَ عزهم , وقاعدةَ انتصارهم , وهو دينُ الإسلام , والذي ما ترك دينه من المسلمين إلا ترك بعضه , أو أكثره , ومن التنكر لدين الإسلام عدمُ تطبيقه وتركُ العمل به , ومن التنكر لدينِ الإسلام تبرُّجُ النساءِ التبرجَ المشين الذي هو من أسباب الفساد.
( التَّبَرُّجُ )
التبرج معناه لغةً : هو البروز والظهور والارتفاع , ويأتي ذلك قريباً , وتبرجُ المرأة محرم في الإسلام , نعم محرم في الإسلام لما يترتب عليه من فتنةٍ , وإغراءٍ وفساد .(1/16)
وغير خاف بأن المرأةَ إذا تبرجت , فإنها تفتن في نفسها , وتفتن الرجالَ , وتكون قدوةً سيئةً لغيرها من النساء , وكما هو معروف , القرآن الكريم , نزل بلغة العرب.
وقد قال جل وعلا : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}ويحسن أن نذكر بعض ما قاله علماء اللغة .
قال في المصباح المنير : وتبرجت المرأةُ , أظهرت زينَتَها .
وقال في مختار الصحاح : والتبرج إظهارُ المرأة زينتها ومحاسنها للرجال .
وقال في القاموس : وتبرجت أظهرت زينتها للرجال أ. هـ .
ومن غير شك أن المرأة , إذا لبست ثوباً ضيقاً , أو قصيراً , أو شفافاً , فقد تبرجت , وإذا كانت يراها رجل أجنبي , وإذا كشفت المرأة عن شيءٍ من بدنها كرقبتها , أو شعرها , أو ذراعها ' أو ساقها , فقد تبرجت تبرجَ الجاهلية الأولى .
وكذا إذا كشفت المرأة عن وجهها للرجال الأجانب فقد تبرجت , لأن جمال المرأة غالباً في وجهها , ومن المعروف أن أصحاب القلوبِ المريضة , والنفوس الشريرة , والشهواتِ المسعورة , أول شيءٍ ينظرون إليه هو وجه المرأة.
وكذا المرأة أولُ شيءٍ تنظر إليه هو وجه الرجل , فوجه المرأة, هو موضِعُ إغراء الرجال وفتنتهم , وكيف الحال إذا كان مزيناً , بالمساحيق البيضاء , والحمراء , والأصباغ الزاهية , فحينئذٍ تكون الفتنة أعظم , والمحنة أكبر.
وفي الشريعة الإسلامية قاعدة , وهو أن كل ما كان , وسيلةً إلى محرم فهو محرم , ولا ريب بأن الزنا من أقوى أسبابه , التبرجُ السفورُ , وبالزنا كلُّ شر ومحنةٍ , وبلاءٍ , وبالزنا خزي الدنيا , وعذاب الآخرة , إلا من تاب , ويتوب الله على من تاب .
ومن التبرج , وأسبابِ الزنا حركاتُ المرأة المثيرة , والنغماتُ الرقيقة , المعسولة , والجسم العاري , أو شبه العاري, والاختلاطُ الميسور , وتبادلُ النظراتِ , والْبَسَماتِ , والخنوعُ والخضوعُ,(1/17)
والدعابةُ الساقطة بين الجنسين , كل واحدة مما ذكرنا هي من دواعي البلايا , والفتنةِ والشرِّ , والفساد .
اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا عافنا وجميع المسلمين والمسلمات , والمؤمنين والمؤمنات , من كل محنة وفتنة , وفساد , اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه , و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه , ولا تجعله متلبساً علينا فنضل.
(رِسَالَةُ التَّبَرُّج)
هنا امرأة مصرية كتبت كتابةً جيدةً , وجهتها نصيحةً للمؤمنات , والمسلمات , وسمت ما كتبت ( رسالة التبرج) والذي يقرأ الرسالة يعجب من صدق لهجتها , وبلاغتها , وفصاحتها... هذه المرأة هي نعمت صدقي , قالت في معرض كلامها :
(التَّبَرُّجُ يُزْرِي بِالْمرأة)
كل امرأة خرجت من خدرها , إلى الطرقات عروساً قد أخذت زخرفَها وازينت , لسان حالها يقول : ألا تنظرون , إلى هذا الجمال , هل من راغب في القرب والوصال,
إنها تعرض جمالها في أسواق الشوارع , كما يعرض التاجرُ المتجولُ سلعتَه ,وكما يعرض بائع الحلوى ما عنده مزيناً بالألوان الزاهيةِ , والأوراقِ اللامعة , فتروج بضاعته , ويكثر المشترون, ويتهافت الطلاب , والجياع النهمون.
كيف تَقْبَلُ المرأةُ الشريفةُ , العفيفة عَرْضَ جمالها في السوق سلعةً رخيصةً , تتداولها الأعينُ , وكيف يرضى لها حياؤها , أن تكونَ مبعثَ إثارةِ شهوةٍ في نفس رجلٍ يراها, بل وكيف تطبق الشعورَ بأنه يصبو إليها , ويتمناها لو فكرت في ذلك الأمر برهةً لاحْمَرَّ وجْهها خَجَلاً , و لسترت جمالَها وزينَتَها عن الأعين الشَّرِهَةِ الوَقِحَة.
وقد قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } (16).(1/18)
يحوط الله المرأةَ المؤمنةَ في هذه الآية بهالةٍ من الصَّوْنِ , والكرامة , وأن تكون في إطار من الإجلال والإكبار.
فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم , بأن يُلْزِمَ نساءَ المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن , والجلباب الثوب الواسع , أي أن يتسترن بثيابهن الواسعة , ليعرفن بالحصانة , والتقوى , والعفاف , فلا يؤذين بأعمالٍ سافلةٍ دنيئة , ولا تنغص حياتهن بنظراتٍ وقِحَةٍ جريئة , ولا تُوَجَهُ إليهن أقوال مهينة بذيئة.
فإن المؤمنةَ التقية , يجب أن يدل مظهرُها على مَخَبَرِها , وأن يبدو إيمانها , وتقواها في ملبسها , كما يبدو في أقوالها وأعمالها , يجب أن يسطعَ الإيمانُ في كل تصرفاتها , وأحوالها فتعرفُ أنها من أهل القرآن , بتنفيذها أوامرَ القرآن , فيحترمها المؤمنون , ولا يؤذيها الفاسقون .
فبالله ماذا سترت نساءُ مَنْ يَدَّعُونَ الإسلامَ الآن من زينتهن التي أمرن بسترها , إذ كن هكذا في الطريق , عاريات الأذرع والسيقان , والصدور , باديات النهود , والأرداف , والحضور , مصبوغات الوجوه , والعيون , والثغور , حاسرات الرؤوس ,
مسترسلات الشعور .
ماذا تركت الشريفةُ لغيرها من فنون التبرج , وماذا أبقت لنفسها من ضروب الاحتشام , إنها لم تترك من ذلك , ولم تبق شيئاً , فبالله أيتها السيدة المحترمة أتستطيعين أن تفرقي ما بين الراقصة الخليعة الفاجرة , وبين الشريفة الطاهرة , لذلك تطارد الذئابُ الشريفة كغيرها , إذ يظنونها صيداً وقنيصةً فتسمع وترى ما يخجلها , ويؤذيها , لأنها تشبهت بمن لا كرامةَ ولا شرف لها , ولم تتعزز وتتحصن بوقار الاحتشام , فضاعت عزتُها , وظنوها سلعةً كبقية السلع , وعَرَّضَتُ نفسها للمهانة والازدراء .
فيا حسرتي على النساء , لقد فقدتِ أيتُها المسلمة احترامك عندما خلعتِ الخِمارَ ,فخلعْتِ معه الحياءَ والاحتشام ,والوقار , والوقار , وارتديت ثوبَ الخلاعةِ , فَنُظِرَ إليكِ بعين الازدراء .(1/19)
الخمارُ شعارُ التقوى , والإسلام , الخمارُ برهانُ الحياءِ والاحتشام , والخمار سياجُ الإجلال والاحترام , الخمارُ يا سيدتي المسلمة أشْرفْ إكْلِيْلٍ لجمالِكِ , وأعظمُ دليلٍ على أدبِكِ وكمالكِ .صوني أيتها الشريفة المؤمنة جسْمَكِ الطاهر من اعتداء الأعينِ الزانية, وحصينة بالاحتشام , لتذودي عنه السهامَ العادية .
ثم قالت الكاتبة نعمت صدقي , في موضع آخر من كتابها :
( التَّبَرُّجُ )
التبرجُ هو إظهارُ الجمال وإبرازُ محاسنِ الوجهِ والجسمِ , ومفاتِنِهما , أو كما يقول البخاري رحمه الله : التبرج أن تخرجَ المرأةُ محاسِنَها.
ومن المعروف أن وجه المرأة هو سيد المحاسن , وحفظاً للمجتمع من ضرر التبرج , وصيانةً لجسوم النساءِ من التهتكِ , ولحيائهن وعفافهن من الفساد , وإبعاداً لنفوس الرجال من الإغراء فالتدهور , نهى الله العليم الحكيم النساءَ عن التبرج , وهو سبحانه الخبير بضعف الإنسانِ , وطيش الشباب , فاسمعن أيتها المسلمات إلى أوامر الله لكن إن كنتن حقاً من المؤمنات (17).
ثم ساقت الكاتبة آية سورة النور 30 , وذكرت نعمت صدقي كثيراً من آيات القرآن الكريم التي فيها دلالةُ على وجوب التستر والاحتشام , وفيها الدلالةُ على تحريم التبرج والسفور .
ولا شك أن كشفَ المرأةِ خمارَها عن وجهها , هو من أعظم التبرج , لأن الوجْهَ هو أصْلُ الزينةِ , ومصدرُ الجمال, وهو موضعُ الإغراءِ والفتنة , ولا ريب أن جميع بدن المرأة عورة , والعورةُ يجب سترها , حتى قال الإمام أحمد رحمه الله : ظفرها عورة , يجب ستره , وحتى صوت المرأة عورة.
( الَّنصِيْحَةُ يَجِبُ قَبُولُها )
نعم يجب على الفتيان والفتيات خصوصاً ,وعلى المسلمين عموماً يجب على الجميع , أن يقبلوا إرشادَ المرشدينَ , ونصائحَ الناصحين , والله الموفق وهو الم
( نِصِيْحَةٌ مِنِ امْرَأةٍ مُسْلِمَةٍ)
نشرت مجلة الدعوة الصادرة في الرياض , يوم الإثنين 22 ربيع الأول 1404 هـ(1/20)
عدد 922 كلمة قصيرة تحت عنوان :
( حِجابُ الْمرأةِ الْمُسْلمةِ )
قالت أم خديجة , قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} (18)
إن مما يحز في النفس , ويبكي العين , ويؤلم القلب , ما يشاهد من بعض الفتيات هداهن الله في الشوارع الأسواق , سافرات الوجوه , كاشفات الأذرع , قدوتهن في ذلك نساء الغرب , لا أمهات المؤمنين , يحاولن في ذلك خَلْعَ الحجاب , شيئاً فشيئاً , متناسيات أمر الله سبحانه في كتابه الكريم تحجبَ النساءِ ولزومهَن البيوت ,وحَذَّرَهُن من التبرج , والخضوع بالقول للرجال , صيانة لهن عن الفساد .
فقال تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً(32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } (19)
وقد نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي وهن خير النساء , وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال , وأمر بلزومهن البيوت , ونهاهن عن تبرج الجاهلية , وهو إظهار الزينة , والمحاسن , كالرأس , والوجه , والعنق , والصدر , والذراع , ونحو ذلك من الزينة , لما فيه من الفساد , والفتنة الكبيرة.
وإذا كان سبحانه يحذر أمهات من هذه الأشياء المنكرة , مع صلاحهن , وإيمانهن , وطهارتهن, فغيرهن أولى بالتحذير والإنكار , والخوف عليهن من أسباب الفتنة , ولكن مع الأسف أن بعض النساء خالفن أمر الله سبحانه وتعالى , وظهرن سافرات , ولكن كثيراً من الفتيات تساهلن في هذا الأمر .
وقد ورد في فتح الباري , عن عائشة رضي الله عنها , قالت : المرأةُ تسدل جِلبابَها من فوق رأسها على وجهها.(1/21)
وثبت في الصحاح , أن امرأةً مسلمة كانت تقضي بعض شؤونها في سوق بني قينقاع , فاعترض لها رجل يهودي , وسخر منها , ثم أراد أن يجبرها على كشف وجهها , ولكنها رفضت , واستغاثت , فكر على اليهودي رجل من المسلمين فقتله , جزاء ما اقترفت يداه , انظري أختي هذا الخبر وعظم تغطية الوجه , وقتل المسلم لليهودي, صيانة للمرأة , واحتراماً لها.
ويتضح من هذه الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كم يسترن َ وجُوهَهُنَّ إذا خرجنَ , حتى ولو كن محرمات , فعليك أختي في الله أن تكون النساءُ المؤمنات قدوتك , حتى تفوزي بالدارين , الدنيا والأخرة , { وَمَمْ لَمْ يَجْعَل اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُور } وبالله التوفيق .أ. هـ . كلام أم خديجة .
( لاَ مُنافاةَ )
وأيضاً نشرت مجلة الدعوة الصادرة , في الرياض , العدد 957 الإثنين 22 ذو الحجة 1404 هـ . كلمة تحت عنوان :
( لا مُنَافاةَ بَينَ العِلْمِ والْعَمَلِ والْحِجاب)
قد يقول معترض أن الحجابَ يمنع المرأةَ من القيام بكثير من واجباتها , وبما أعدت له من المشاركة في أعمال الوطن , وخدمةِ المجتمع , والحقُ أنه ليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات , وما يسمح لها به من الأعمال , ولا يحول بينها وبين أكتسابِ المعارفِ , والعلوم , بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وبعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قَصَبَ السَّبْقِ في مضمار الامتحان وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب.(1/22)
والواجب على الأمة الإسلامية , أن تهيئ للفتيات التعليم الخاص بهن دون اختلاط , وأن تكون البرامجُ الدراسية التي تنظم لهن برامج متفقة مع حالهن متلائمة مع أعمالهن التي تتناسب مع وضعهن وحاجتهن , وأن تكون الوظائف التي تسند لهن وظائف علمية وعملية وطبية وتمريضاً بعيدة عن مزاحمة ومخالطة الرجال , وحينئذٍ لا يكون الحجابُ حائلاً دون التقدم والنجاح وأداء تلك الأعمال على أحسن الوجوه وأكمل الأحوال . أ . هـ .
الإمضاء : الأزهري
_________________
نعم لا منافاة بين الحجاب والعمل , فمن عهد قريب , والمرأةُ البدوية في نجد تمارس أعمالها , مع الرجال الأجانب وهي متحجيةً , والمرأة الحضرية في القرى , كانت تمارس الأعمال مع الرجال الأجانب وهي متحجبةً , وخاصةً في حصاد الزرع , وتصفيته وغير ذلك .
وأيضاً نشرت مجلة الدعوة الصادرة في الرياض , عدد 925 الإثنين ربيع الثاني 1404 هـ , كلمة تحت عنوان .
(مَفْهُوْمُ الْحِجَابِ)
هذه الكلمة بقلم امرأة مسلمة ناصحة : هي أسماء السليمان , قالت : الحجابُ وضِعَ لحكمةٍ إلهيةٍ , تقتضي صيانةَ المرأة وحفظَ كرامتها من أعين الفضوليين , فهي كالجوهرةِ المكنونةِ الثمينةِ , إذا تمسكت بحجابها , وسترت عورتَها , فضلاً عن إحساسها بالعزة النفسية والكرامة , وهي ترتدي الحجابَ , إذ الحجابُ وضِعَ أساساً للستر , ولحجْبَ جِسْمِ المرأةِ عن الرجال , وعدم ظهور الزينة , لغير ذوي المحارم .
ولكن نرى أن الوضع اختلف في الوقت الحاضر , في مفهوم بعض الأخوات هداهن الله , فنلاحظ أن الحجاب أصبح عنواناً في الزينة , وتتسابق بعض المجلات إلى نشر أحدث المديلات لهذا الحجاب , فأصبح زينة في حد ذاته , وليس حجاباً , وأصبح لا يستر إلا الجزء القليل , من جسم المرأة , أو قد لا يستر شيئاً .(1/23)
فنرى بعض النساء هداهن الله يغطينَ الوجْهَ بغطاءٍ خفيفٍ , شَفَّاقفٍ تُعْرَفُ ملامحُ الوجه من خلاله , وأيضاً يتساهلن في إظهار الشعر من فوق الصدر والرقبة , والخِصْرِ والذراعين , إذاً ماذا بقي لم يظهر , وما فائدة لبس الحجاب , وهذا ينافي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } (20).
فقد أمرنا الله ورسوله , بالحفاظ على الحجاب , وعدم إبداء الزينة .
المرأةُ بطبيعتها تفتن الرجلَ , وقد حارب الإسلام كل وسائل الفتن التي تؤدي إلى ما يغضب الله سبحانه وتعالى .
فنصيحتي يا أختي في الله , أن تتمسكي بحجابك , واعلمي أنك ستثابين إن شاء الله على ذلك , وأن الله سيعاقب كل من خالف أمره , واتبع هواه .
واعلمي يا أختي في الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم , عندما نظر إلى النار وجد أكثر أهلها من النساء , فاتق الله وحاسبي نفسك قبل أن تُحاسَبي وأصلحي من وضْعِ حِجابِكِ , واعلمي أن الله غفور رحيم , عما سلف , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الإمضاء : أسماء السليماني
_________________
قلت ومن غير شك بأن الحجابَ من محاسنِ الشريعةِ الإسلامية , لما فيه من الشرفِ . والحفظِ , والصيانةِ , للمرأةِ المسلمة , فيجب على كل مسلمةٍ أن تعتني بحجابها , ولا تلبس إلا لباساً طويلاً ساتراً , فِضْفاضاً لا يَصِفُ ولا يَشِفُ , لباسَ الحِشْمَةِ , والوَقارِ , والهيبةِ والاحترام.
على المرأة المسلمة أن تلبس لباسَ المؤمِناتِ الطاهرات , لا لباسَ المتبرجات , المتفرنجات , اللواتي تَغَلَّبَ , عليهن الجهلُ والغرور , وتسربت إليهن الشهواتُ , والشبهاتُ , والهوى , ومن اتبع هواه ضل سواء السبيل .(1/24)
وكما هو معروف , عز المرأةِ في طهارتِها , وشَرفِها , وحيائِها , والمرأةُ إذا خالطتِ الرجالَ , ذهبَ حياؤها , وإذا كانت متبرجةً , أو سافرةً ذهب حياؤها , وأجادَ وأفادَ من قال :
فلا والله مافي الْعَيْشِ خير ولا الدُّنْيا إذا ذَهَبَ الْحَياءُ
وعن عبدالله بن مسعود , رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : استحيوا من الله حق الحياء , فإن الله قسم بينكم أخلاقكم كماقسم بينكم أرزاقكم , رواه البخاري في التاريخ .
وقال صلى الله عليه وسلم : استحيوا من الله تعالى , حق الحياء , فليحفظِ الرأسَ وما وعى , وليحفظِ البطنَ وما حوى , وليذكر الموتَ والْبِلا , ومن أراد الآخِرَةَ تركَ زينةَ الحياة الدنيا , فمن فعل فقد استحيا من الله حق الحياء , رواه أحمد , والترمذي , والحاكم , من حديث عبد الله بن مسعود , رضي الله عنه , ومن غير شك أن المرأة إذا لم تلتزم بالحجاب فهي معدومة من الحياء .
( يا فتاةَ الإسْلام )
يا فتاةَ الإسلام , ويا بنتَ الفطرة , و يا أختي في الله كما نقلتُ لكِ نصيحة نِعْمَتْ صِدْقِي , وبعدها نصيحةَ أم خديجة , وبعدها نصيحةَ أسما السليماني , وقريباً أنقل لكِ إن شاء الله نصيحةَ (مريم جميلة) وبعدها نصيحة( أم شريف ) وخير الناس أنفعهم للناس .
أما هنا فأنقل لكِ , نصيحة امرأة كافرة , والحق مقبول ممن قال به , والحق شهدت به الأعداء , المقال الآتي , نقله لنا محمد الصابوني , في كتابه تفسير آيات الأحكام : جزء ثاني ص 389 .
( امْنَعُوا الاخْتِلاَطَ وَقَيِّدُوا حُرِّيَةَ الْمَرْأة )
وقال : تحت هذا العنوان , نشرت صحيفةُ الجمهورية بالقاهرة 9 يونيو 1962 م , مقالاً لِصُحُفِيَّةٍ أمريكيةٍ تدعى (هيلسيان ستانسيري) .(1/25)
قالت هذه الكتابة , الأمريكية بعد أن مكثت شهراً في الجمهورية العربية , مانصه : أن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم , ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده : التي تقيد الفتاةَ , والشبابَ في حدود المعقول , وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي , والأمريكي .
فعندكم تقاليد موروثة تُحَتِّمُ تَقْيِيْدِ المرأة , وتُحَتِّمُ احترامَ الأبِ والأم , وتُحَتِّمُ أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية , التي تهدد اليومَ المجتمعَ , والأسْرةَ في أوربا , وأمريكا .
إن القيود التي يفرضها المجتمعُ العربي على الفتاة , صالحة ونافعة , لهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم , واخلاقكم ( وامنعوا الإختلاطَ وقيدوا حريةَ الفتاة ) ( بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ) فهذا خير لكم من إباحية , وانطلاقِ ومجونِ أوربا وأمريكا .
( امنعوا الإختلاطَ ) فقد عانينا منه في أمريكا الكثير : لقد أصبح المجتمعُ الأمريكي مجتمعاً معقداً , مليئاً بكل صور الإباحيةِ والخلاعة , وإن ضحايا (21) الإختلاطِ , والحريةِ قبل سن العشرين , يملأون السجونَ , والأرصفة , والبارات والبيوت السرية , إن الحرية التي أعطينا لفَتَياتنا , وأبنائنا الصغار , قد جعلت منهم عصابات أحداث , وعصابات جيمس دين , وعصابات للمخدرات والرقيق .
إن الإختلاط , والإباحيةَ , والحريةَ في المجتمع الأوروبي , والأمريكي , هدد الأسَرَ , وزلزلَ القِيمَ , والأخلاقَ , فالفتاةُ الصغيرةُ تحت سن العشرين في المجتمع الحديث , تخالط الشبابَ , وترقص , وتشرب الخمر , وتتعاطى المخدرات , باسم المدنية والحرية والإباحية .
وهي تلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائِلتِها وبَصرها , بل وتتحدى والديها , ومدرسيها, والمشرفين عليها , تتحداهم باسم الحرية , والاختلاط , تتحداهم باسم الإباحية والانطلاق : تتزوج في دقائق , وتطلق بعد ساعات , ولا يكفلها أكثر من إمضاءٍ وعشرين قرشاٍ , وعريس ليلة .(1/26)
أقول هذا رأى الكاتبة الأمريكية والفضل ما شهدت به الأعداء وصدق الله ( ولا تَبَرُّجْنَ تَبرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الأولى ) ا.هـ . كلام الصابوني .
قال محرره : هذه هي المدينة المزعومة , المدينة الزائفة , المدينة المكذوبة , كلها شرور , وفتن , ومحن , وبلايا , ورزايا , وأضرار, وخلاعة , وفساد , وعناد , والحاد , هذه مدينة أوربا وأمريكا , هذه مدينة الكفر والكافرين .
وما ذكرته وصرحت به الكاتبة هيلسيان هو قليل من كثير , والحق شهدت به الأعداء , والسعيد من وعظ بغيره , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ,نعم كما مر وأنا أقول , والحق يقال .
( امْنَعُوا الاخْتِلاطَ وقَيِّدُوا حُرِّيَةَ الْفتاة )
أيها المسلمون يا عباد الله امنوا الاختلاط . فهو خير لكم وخير لنسائكم . وخير للمجتمع كله . فمن أسباب الشر والفساد . هو الاختلاط . سواء كان ذلك في حقول التعليم . أو الدوائر ا لحكومية أو غير ذلك .
ولاشك أن ا لذ ى يدعو إلى اختلاط النساء بالرجال . الأجانب . بأنه مجرم . ومن المفسدين في ا لا رض. وعدو لله . ولرسوله صلى الله عليه وسلم .وعدو للإسلام . وللمسلمين . ولاشك بأنه عميل للشيوعية:و للماسونية: وللصهيونية و اليهودية الإباحية. فالحذر الحذر يا فتيان الإسلام.ويا فتيات الإيمان.الحذر كل الحذر من الفساد.ومن أسباب الفساد.وكما هو معروف درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. مع العلم أن السفور والإختلاط ليس فيه مصلحة. بل هو مفسدة محضة .
( مَرْيمُ جَمِيْلِة )
وأيضاً هذه نصيحة من امرأة كافرة فأسلمت .
قال : أنور الجندي في نسخة لطيفة . أ سماها ( المرأة) ص 26: تقول الكاتبة الغربية التي أسلمت ( مريم جميلة ) لا ريب أ ن الخطأ إ نما يأتي من هذه الفلسفات المسمومة(1/27)
التي تحاول أن تفسر معنى التحرر على أنه الإباحة المطلقة ,للنساء في الاختلاط بالرجال ,حيث شئن , وأنى ذهبن بدون قيد ولا شرط , وفي اختيار الأزْياءِ غير المحتشِمَة , وفي توظيفهن خارجَ البيوت , وفي الأسواق , والمسارح , ودور السينما , وفي مساهمتهن في الحياة العامة , وبذلك تمزقت أواصِرُ الأسْرةِ وانتهكت الحرمات .
ثم قال : أنزر الجندي في ص 28 , بعد كلام سابق , وهذا ما رددته ( مريم جميلة ) في قولها بعد إسلامها : إن على النساء المسلمات أن يعرفنَ نعمةَ الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامُهُ , وآدابه صائنةً لحرماتهن , راعيةً لكرامتهن محافظة على عفافهن , وحياتهن من الانتهاكِ , وضياعِ الأسْرَةِ . أ . هـ . ما حكاه أنور الجندي .
قال محرره : هذه نصيحة وتحذير من امرأة كافرة فهداها الله للإسلام , وليس من جرب كمن لم يجرب , وليس من رأى كمن يرى , وكما قيل السعيد من وعظ بغيره , والشقي من وعظ به غيره , وقد قال جل شأنه : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }.(22)
وقد قالت فاطمة , رضي الله عنها : خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يرونهن .
ومن غير شك بأن المحن , والبلايا , والمصائب , والكوارث , وارتكاب الجرائم , وفساد الأخلاق , سببه هو إما من السفور , أو التبرج , أو الاختلاط .
وإذا وجد الجميع , فَحَدَّثْ ولا حَرَجَ عن الجرائم والمنكرات وعن خراب البيوت , وتفكك الأسَرِ , وتناثُرِ العَوائِلِ , وانهيارِ المجتمع , وفساده , والواقع شاهد بذلك ( ويأتيكَ بالأخبار من لم تزود ).(1/28)
فيجب على كل مسلمة أن تحذَرَ من التبرج , والسفور , وتتباعدَ عن اختلاطها بالرجال الأجانب , حتى تكون شريفةً محترمةً , موقرة , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل , وحدِّثْ ولا حرجَ عن كل بلادٍ شعارُها الحريةُ . والإلحادُ والفساد , فكل الشرورِ والفتنِ والمحنِ والمصائب والبلايا فيها , وحينئذٍ الحال سيئة , والحياة كدرة , عياذاً بالله عياذاً .
( أهذِهِ هِيَ الْحُرِّيَّةَ)
نصيحة وتوجيه من المسلمين عامة وللفتاة المسلمة خاصة , نشرت المجتمع , الكويتية , السنة الرابعة عشرة عدد 665 , يوم الثلاثاء 2 رجب 1404 هـ , مقالاً بعنوان :
(الْمرأةُ فِي العالَمِ الْغَرْبِي كما رَأيْتُها )
( قالت أمُ شريف)
عندما قدر الله لي الذهاب إلى أوروبا , والتي تحلم بناتنا اليوم في الذهاب إليها حمدت الله ألف مرة وزدت , أن جعلني مسلمةً , طائعةً بإذنه تعالى , فقد رأيتُ بناتِ الغرب في ضياع يرثى له , من الفسادِ , والانحرافِ ,باسم الحريةِ والتي كانت نكبةً عليهن , أكثر منها نعمة .(1/29)
فالمرأة تعمل مع الرجال جنباً إلى جنب , لكن الامتيازات والترقيات من حق الرجل , أكثر منها , وتعمل المرأةُ في الغرب , ليل نهار حتى أنها لا تعلم ما يجري داخل بيتها , فهو لم يعد إلا مكاناً للنوم , والطعام , وكذلك شأن باقي الأسرة , والذين نادراً ما يلتقون على مائدة الطعام , والفَتاة الغربيةُ .مباحةٌ لكل باحث عن اللذة العابرة , تنشر صورها عاريةً في المجلات , لقاء ثمن تشتري به ثوبَ موضةٍ أو حذاء , والمؤسِفُ حقاً أن تكون أعمار بعض تلك الفتيات , من الخامسة عشر إلى العشرين , تقف أمام المصور , والبراءة ما تزال في عينيها , فتعرض جسدهَا بلا حياءٍ عرضةً لكاميرا المصور يعبث بها ما طاب له لقاء مالٍ قليلٍ يغريها به , ليكسب ألوفاً من بيع المجلات , المقززة في بلاد وجَدْتُ عند أهلها مرتعاً خصباً لمصائد الشيطان , فتراها تنشر رخيصة حتى في الشوارع , والمواقف العامة .
وناهيك عن الانحراف , والجرائم , من السرقة والقتل , والاغتصاب , والبغي , والرشوة , والاختلاس , والانحراف , والظواهر التي باتت طبيعيةً في العالم الغربي .
(أ هذه هي الحرية ) أن تخرجَ المرأةُ عاريةً , أو شبه عارية , في الشوارع .
أم أنْ تَعرضَ نفسها , ومفاتنها من خلال شرفات ونوافذ زجاجية , تطل على الطريق لتصطاد الرجال .
أم الحريةُ في العناق في الشوارع , على مرأى من المارة .
أم في الجلوس في مقهى وأمامَها الكحول , والمنكر , ومنفضة مليئة بالسجائر .
أم الحريةُ في الرقص في النوادي , والفنادق , حتى ساعة متأخرة من الليل .
أم في أن يقال للفتاة عند بلوغها الثامنة عشر أو أقَلَّ أن تذهبَ فتبحثَ لها عن صديق يصرف عليها , ليتخلص الوالدان من الإنفاق عليها.(1/30)
أم الحريةُ في أن ترضى أن تعمل حتى تتكسر ضلوعها , لقاءَ مبلغٍ تافه , وهي تبلغُ سنَّ الشيخوخة , وليست جدةً , ولا زوجةً , لأن الزمن كان أسرع منها , بينما كانت تنتقل على مهل بين أحضانِ هذا وذاكَ , تعاشر معاشرةَ الأزواج , راجيةً في أن يتزوجها أحد منهم , فخاب أملها عندما بدأت تجاعيد الزمن ترسم خطوطَها على وجهها الأصفر فلم يرض بها أحد , واضطرت للعمل في أحقر الأعمال لكسب عيشها .
هذه الحرية التي رأيتها عند بنات الغرب , ما هي إلا غيض من فيض , أسطره لكم لتعلموا حقيقةَ الحرية التي تحلم بعض بناتنا العربيات في الوصول إليها , وهذه صورة موجزة عن حال الأجنبيات , الأسطورة الخيالية لبنات الشرق.
والتي نراها من بعيدٍ , الأمَلَ والغايَةَ والْمثُلَ في مُمَثِّلَةٍ ومغنيةٍ , والتي لا ندري كم هي تعيسةً , في داخلها مع خوفها الدائم , من شيخوخة تبعد عنها شهرتها , وخوفٍ مِنْ كُلِّ مَنْ حولها , فتحرم من أبسط الأشياء , حتى التنفس في الهواءِ الطلق بعيداً عن الحارس , والرقيب .
ولا ندري إن كان لها ابن غير شرعي توصلت به إلى شهرتها وغيرها كثيرات , من عامةِ الشعب , والذين يكثر فيهم اللقطاء , والذين يباعون بالمال قبل ولادتهم , للذي يدفع ثمناً أكثر , فأين تذهب به أمه , وأبوه المتزوج من غيرها , قد أتخذها نَزْوةً عابرةً لا يريد منها ذريةً فتبيعه في مؤسسات لا يعلم غير الله ما يجري داخلها .
وهل فكرنا لماذا تنتشر المخدرات , والكحول في الغرب بتفش كبير , ومن ماذا , ولماذا يهربون هذه السموم , المميتة , إنه والله الضياعُ والفراغُ الديني , فأين الموجهُ , والناصح , إن رجل الدين عندهم يسير في الطريق , وأمامه المارة بالفسق يتباهون فلا يحرك ساكناً , فهل يصلح العطارُ ما أفسده الدهر .(1/31)
ولقد جلست مع أحد الإنجليزيات , في بريطانيا , فسألتني لماذا أرتدي غطاءً على رأسي وتعني الحجاب أليس شعري جميلاً , فقلت لها , إن ذلك أمر من الله جل أسمه .
فقالت إني أسمع أن في الخليج عندكم الجو في الصيف حار فكيف تحتملين هذا الغطاء , على رأسك , فقلت لها إنه مادام أمر رباني من الله , فلا يوجد شيء يمنعني من أدائه , لاقتناعي التام به , فتعجبت لأمري ولم تناقشني فيه أكثر من ذلك .
وكان من بين حديثنا أن أحبت الاستفسار عن المراة المسلمة .
وهل تعمل وماذا تعمل , فأجبتها بما وفقني الله إليه , عن حقوق المرأة في الإسلام , فتمنت أن تكون لها مثل حقوقنا , من كفالة العيش , والمأوى , والكساء , والغذاء إلى حقوق الزوجة الأخرى التي لا تجدها المرأة الأوروبية .
هذه الصورة الحقيقية , للعالم الغربي , والتي رأيتها وسمعت عنها ممن يعيشون بين هؤلاء الضائعين الضالين .
والتي أرجو أن تقتنع بها بناتنا , في بلادنا الإسلامية , فتأخذ عبرةً ممن تركوا طريق الحق ِّ والدين , واتجهوا إلى طريق أضل السبل , وإلى إشباع الغرائز الإنسانية , بصورة عَشْوائِيَّةِ , غير منظمة , وبالأخص الناحية الجنسية .
والتي لم يلغها ديننا الإسلامي الحنيف , فنظمها في إطار أسْرَةٍ كريمةٍ , مصونةٍ , لا تهدف إلى إشباع الجنس فحسب بل يجتمع معها الألْفَةُ والمحبةُ , والتعاون , والاحترام , في صورةٍ شرعيةٍ طاهرة يباركُها الله ورسوله , فلا تحتلُ الأنسابُ , ولا يسودُ الزنا والانحرافُ والشذوذُ , والأمراضُ الجنسية , المميتة المتفشية في العالم الغربي . أ . هـ . ما كتبته أم شريف .
الإمضاء : أم شريف
_____________
قلت وما هو موجود في أوربا وغيرها من التدهورِ والضياعِ والفوضى والمصائبِ والكوارثِ والمحن , والخلاعةِ , والجاهلية الجهلاء , والهمجيةِ العمياء كله موجود وأكثر منه , وأعظم من ذلك , الشرك والكفر والزندقة والإلحاد .(1/32)
فلعل الذين اغتروا بمدنية أوروبا يفيقون من سكرتهم , لعل بني قومنا من الفتيان , والفتيات يعرفون ولو القليل من مفاخر دين الإسلام , ومحاسنه حتى لا ينخدعوا بالدعايات المزيفة ..... دعايات الإلحاد والعناد والفساد , ومن أقوى أسبابِ التدهورِ , والضياعِ , والشرورِ , والفسادِ هو التبرجُ والسفورُ والاختلاط.
(دُعاةُ الا خْتِلا ط)
فالذين يدعون إلى اختلاط المرأة بالرجال الأجانب , يدعون المرأة الحرةَ , الكريمةَ المصُونَةَ , يدعون إلى ما به شَقَاءُ المرأةِ , وذلُّها , ومهانتُها , وخِزْيُها , وحقارتُها , و تعاسَتُها .
يدعون بنتَ الفطرةِ , بنتَ الإسلام .
يدعون باسم الحرية والمدينةِ , والتقدم , يدعونَ بأن تكون المرأةُ مزاحمةً للرجال
الأجانب في أعمالهم , و ما هو لائق بهم , كالمصانع , والمكاتب والمتاجر, وغير ذلك, يدعون إلى الإلحاد, والفساد.
وأعظم من ذلك وأدهى وأمَرّ ُ, وُجِدَ و يُوجَدُ من يدعو إلى اختلاط الطلاب بالطالبات, في مراحل التعليم , ومعروف ما يترتب وجرائمُ , وفسادُ أخلاق , وهذا ما يتطلع إليه أعداء الإسلام .
فالنصرانيةُ , واليهوديةُ , والشيوعية, و الماسونية , وجميع الكافرين بذلوا كل مجهود,وقالوا و فعلوا كلما يقدرون عليه , من أجل إضلال المسلمين , وإفسادِ عقائدِهم , وأخلاقِهم , والذي ركزوا عليه , وجعلوه هو الهدف , هو إفساد أخلاق الشبيبة من البنين والبنات , لأنهم يعرفون , ويعلمون علم اليقين أن المسلمين إذا فسدت أخلاقهم , تدهوروا , وماعوا , وضاعوا , ضاعوا في متاهات مهلكة .
ولا شك ولا ريب بأن المسلمين إذا تركوا مَصْدَرَ عزهم , وقاعدةَ انتصارِهم , وهو دينُ الإسلام , فإنهم والحالة هذه لا وزن لهم ولا قيمة .(1/33)
نعم جميعُ الكافرين , والزنادقة , والملحدين , يحرصون على تدمير المسلمين , وأولُ شيءٍ هو فسادُ الأخلاق , ويحاولون ويحالون القضاءَ على الإسلام والمسلمين , خوفاً من صحوةٍ إسلاميةٍ , تذيقهم الذُّلَّ , والهوان , يخشى الكافرون , من وثْبَةِ أُسُودٍ تَمَلْمَلُ و تَحُكُّ أضْراسَها.
والحمد لله العودةُ إلى الإسلام , والصحوةُ الإسلامية , والتخلقُ بالأخلاقِ الفاضلةِ الكريمةِ , قد بدت تبا شيِرُها , في كثير من أبناء المسلمين , وبناتِهم , في هذه السنواتِ القريبة .
ففي السعودية , وفي الخليج العربي , وفي سورية , وفي مصر , و افريقيا , واليمن , وكثير من بلاد الهند , و أندونيسيا , وغير ذلك من بلاد الإسلام , في هذه الأزمانِ القريبة صحوة إسلامية , ورجوع إلى الله تعالى , وتبصير بدين الله وشرعهِ , ودعوة إليه , وعملٌ بشريعةِ الإسلام , وتأدبٌ بآدابه , وتخلق بأخلاقه .
هذه الصحوةُ الإسلامية موجودةٌ عند كثير من المسلمين , وخاصةً الفتيان و الفتيات , لأنهم عرفوا وتحققوا بأنه لا عز لهم , ولا نَصْرَ ولا طمأنينةَ ولا أمن , ولا استقرارَ , ولا راحةَ , ولا خيرَ , ولا صلاحَ , ولا فلاح , ولا سعادةَ , في الدنيا والآخرة إلا بالعمل بشريعة الإسلام كلها , عقيدةً , وعبادةً , وأحكاماً , وأخلاقاً .
هذا هو الذي به عِزُّ المسلمين , ونصرُهم , ومجدُهم , وفخرُهم , وبعد هذا أقول والحق يقال , وماذا بعد الحق إلا الضلال .
( رُوَيْدَكُمْ يا دُعاةَ الاختلاط )
رويداً , رويداً , ومهلاً , مهلاً يا دعاةَ الاختلاط , فإن كنتم غير مسلمين , فليس بغريب , لأنكم تدعون إلى تنفيذ مخططاتكم التي هي ضد الإسلام والمسلمين , تدعون إلى فساد أخلاق المسلمين , تعرفون يا أعداء الإسلام والمسلمين بأن المسلمين إذا فسدت أخلاقهم , ذهبت معنوياتهم , وحينئذٍ يكونون كغثاء السيل , وبعد ذلك تكون العاقبة للكافرين , لا كان ذلكَ بِمَّنةِ الله , وعزتِهِ , وفضله .(1/34)
أما إذا كنتم يا دُعاةَ الاختلاط مسلمين , فإنكم تدعون بذلك الشيوعية , والصهيونية إلى بلاد الإسلام , شعرتم بذلك أم لم تشعروا , لأن اختلاط النساء بالرجال من أقوى أسباب الشر والفساد , وفسادِ الأخلاق , سواء كان الاختلاط , شائعاً في الأسواق , أو الدوائر الحكومية , أو المصانع , أو غير ذلك .
وأعظمُ من ذلك , وأكثَرُ فساداً , الاختلاط في حَقْلِ التعليم , ولا فرق بين الابتدائي , والمتوسط , والثانوي , والجامعي , فالاختلاط في ذلك بين الفتيانِ والفتياتِ , هو عينُ الفساد , هو المحنةُ الكبرى , والمصيبةُ العظمى , والسعيد من وعظ بغيره , والشقي من وعظ به غيره .
والحمد لله الذي عافى بلادنا السعودية من ذلك , ويأتيك بالأخبار من لم تزود , فكل بلد حصل الاختلاط بين الطلاب , والطالبات حصل فيها من المفاسدِ , والمحنِ , والمصائب ِ, ما لا يعد ولا يحصى فلا حول , ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فشكراً وألف شكر لجميع المسئولين عن الفتاة السعودية , حيث لم يسمحوا بالاختلاط , لا بالتعليم ولا غيره , صيانةً لها عن كل ما يوقعها في حمئة الرذيلة .
( يا فَتاةَ الإسْلامِ اسْمَعِي )
معروف بأن مجلة الجندي المسلم مجلة إسلامية سعودية تصدر مدينة الرياض . اسمعي يا أمة الله , اسمعي كلام الناصحين تخدعي , نشرت مجلة الجندي المسلم , السنة العاشرة : 1403هـ , العدد الثامن والعشرون , مقالاً عنوانه ( حمايةُ الإسلام والدفاعُ عنه ) بقلم محمد السيد الوكيل , قال : في معرض كلامه :
( فُنُونٌ شَتى مِنَ الْحَرْبِ )
أعلن أعداء الإسلام عليه حرباً ضروساً لا هوادةَ فيها ولا مهادنة وتفننوا في أنواع الحرب حتى أخذت ألواناً شتى ينفذ منها حلم الحليم وتحار فيها عقول العقلاء .(1/35)
وأخذت الدهشة عقولَ المخلصينَ من أبناء الإسلام فلا يدرون ماذا يعملون : واستولت الحيرةُ على نفوسهم فلا يعرفون كيف يدافعون عن دينهم , في كل يوم حرب من طرازٍ لم يألفوه وفي كل ميدان معركة لم يسمعوا بها من قبل وأسلحة فتاكة صنعت خصيصاً لإبادة الإسلام و المسلمين وتمكين الشركِ والتحللِ والفساد .
( الغَزْو الْفِكْرِي )
والغزو الفكري لون جديد ناعم من ألوان الحرب التي لجأ إليها الأعداءُ بعد فشلهم في معارك السلاح والكفاح فهو غزو منظم مكتوب على صفحات الجرائد والمجلات في صورةِ قِصَّةٍ شَيِّقَةٍ أو نكتةٍ مُسليةٍ أو مقالٍ أدبي أو حوار فني , وهو غزو مسموع منمق تحمله لنا الإذاعاتُ عَبْرَ الفضاءِ في القوالبِ السابقةِ نفسِها .
وهو غزو مشاهد مزوق يبثه إلينا التلفاز في صورةٍ حيةٍ متحركة من النساء العاريات والشباب الخليع وأبطال الرياضة المخنفسين ونجوم السينما المفتونين وكواكب الغناءِ المستهترين المجانين .
وليس هناك بيت يزعم صاحبه أنه لم يقتحمه هذا الغزو الناعم الرشيق إلا من رحمه ربي فقد طرق كل بابٍ وتسلل إلى كل نفس وعشش في كل قلب حتى انعكست هذه الأفكار على تصرفات المسلمين و أصبحت ظواهرهم إعلاناً سافراً ودعوةً ملحةً لقبول هذا الغزو و أساساً لعلاقات الناس , ومعاملاتهم وأصبح الذين ينكرون ذلك ويدعون إلى التحذير منه وينبهون الأمةَ على خطره العظيم منبوذينَ في مجتمعاتهم الممسوخة التي لم تكن إلا تزييفاً لخصائص هذه الأمة وافتراءً على مقوماتها وراح أولئك الممسوخين المشوهون المصلحونَ بالرجعية و التخلف والجمود .
إن هؤلاء الممسوخين الذين يفتخرون بتراث غيرهم ويتباهون بما لم تصنعه أيديهم ويُصادِقونَ الغزاةَ على حساب عقيدتهم و تقاليدهم : لهم المعتوهون حقاً وسيكونون هم الضحية الأولى لذلك الغزو الخبيث ويومئذٍ يعضون أصابعَ الندم وعليهم ينطبق قول شوقي :
مَلأ الْجَوَّ هِتافاً بحياةِ قاتِليْهِ(1/36)
يا لَهُ مِنْ بَبَّغاءَ عَقْلُهُ في أذُنَيْهِ
( السُّفُور و الاختلاط )
وهذه حرب ناعمةُ الملمس ضاريةُ النتائج لينةُ المظهر قاسيةُ المخبر يتذرع دعاتُها بالتقدم ويتظاهرونَ بحريِة المرأة وليس لهم من وراء ذلك غاية إلا نبذ الفضائل والتخلي عن مكارم الأخلاق وإشباع نزواتهم المحمومة وغرائزهم البهيمية .
ولست أدري مَنِ المرأةُ التي صرخت في هؤلاء لينقذوها ؟ ومَنْ تلك التي استغاثت بهم لينجدوها ؟ يا لكِ من مخلوقةٍ مظلومة : لقد أخرجوكِ مِنْ خِدْرِكِ المصون زاعمين أنهم يريدون تحريركِ .
ومتى كنتِ أمةً حتى يحرروكِ ؟ إنكِ منذُ خلقَ اللهُ الخلقَ حرةٌ طليقةٌ تنجبين الرجالَ الأفذاذَ وتصنعينَ الأبطالَ الأشاوس .
ولقد حفظكِ الله وضربَ عليكِ الحجابَ ليبعدك عن عبث العابثين ومجونِ الماجنين وأحاطكِ بالإجلال والتوقير كما تحيط الصدفةُ باللؤلؤةِ لحمايتها من كل معتد أثيم .
فأغارَ عليك هؤلاء في غفلة أبنائك البررة فأخرجك من قصرك المنيع وأنزلوك من عرشك الرفيع وتركوك في الشوارع هائمةً حائرةً لا تدرين إلى أين تذهبين , ولست بذلك أدعو إلى ما يزعمه الزاعمون من جَعْلِ المرأةِ كُماً مهملاً أو سلعةً تباع وتشتري أو اتخاذها كمقطعةٍ من أثاث البيت تزين به الغُرفُ و الصالونات .
معاذ الله أن يكون الإسلامُ داعياً إلى شيءٍ من ذلك أو يكون المسلمون الواعون يفهمون ذلك الفهم .
إن الإسلام هو أول من أنصفَ المرأةَ , ووقف إلى جوارها يشد أزْرَها وينزلها تلك المنزلة الرفيعة .
الإسلامُ هو الذي اعتبر المرأةَ صِنْوَ الرجل ففرض عليها كل ما فرض عليه وجعل لها من الأجر والمثوبةِ على عمل الصالحات مثلما جعل له (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثى وهُوَ مُؤمِنٌ فاؤلئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)(1/37)
والإسلام هو الذي جعل بِرَّ الأم مقدماً على برِّ الأب حيث أمر الرسولُ ببرها ثلاثاً , وفي الرابعة أمر ببر الأب .
والإسلامُ هو الذي جعل الجنة تحت أقدام الأمهات , و خص النساءَ بسورةٍ تامة من طوال السور فَصَّلَ فيها أحكامهن وفرض لهن حقوقاً وأوجب عليهن واجبات .
إن الإسلام حين ينادي بإكرام المرأة والمحافظة عليها , يصونُها من الأيدي الملَوَّثَةِ المشبوهة , وحين ينآءى بها عن التبذل والمهانةِ لا يريد إلا أن تظل… المرأةُ جوهرةً مصونةً رفيعة القدر عاليةَ المنزلة.
أرأيت لو أن إنساناً يملك لؤلؤةً ثمينةً أو مَاسةً نادرةً أ فيلقى بها في الطريق أم يحتار لها المكانَ المناسب الذي يصونها عن أيدي اللصوص , ويحفظها من عيون الحاسدين , ويبعدها عن عبث العابثين قل لي بربك أي الأمرين يفعل ؟
لا يشك إنسان في أن الذي يلقى بالشيء الثمين في عرض الطريق سفيه يجب الحجر عليه , والذي يحافظ عليه ويصونه رشيد ينبغي أن يؤتمن على أمثاله .
ماذا يريد دعاةُ السفور والاختلاط ؟ أيريدون أن يشوهوا صورةَ المجتمع الرائعة المنَّسقة المنْسُوجَةِ من الذكرِ والأنثى فيجعلونه كله رجالاً أو نساءاً ؟ ولا أعتقد أحداً يرضى بذلك أو يقبله فلا المرأةُ ترضى أن تكون رجلاً ولا الرجل يرضى أن يكون امرأة.
إن الله خلق كِلا النَّوعَينَ وأعطى لكلٍ خصائصَهُ ومميزاته وحبَّبَ إلى كل نوعٍ هذه الخصائصَ وتلك المميزات حتى بلغ ذلك الحب حدَّ التعصب .
ولهذا يغضب الرجل ويثور حينما يوصف بأنه كالمرأة ,ويشتد غضب المرأة ويزيد انفعالُها عندما يقال إنها كالرجل , وليست ثورة الرجل وانفعال المرأة إلا لأن كلاً منهما قد أحسَّ بالإهانة والازدراء بسلب خصائصه ومميزاته.
إن جمال المجتمع وروعتَه لا تتم إلا بوجود الصنفين معاً فلكلٍ منهما وظيفته التي لا يستطيع غيره القيام , ولكل منهما قدراته وإمكاناته التي يعجز غيره عن أدائها .(1/38)
ولو تصورنا مجتمعاً كله من الرجال أو النساء لكان ما في هذا المجتمع من النقص بقدر ما ينقصه من الصنف الآخر فصورةُ المجتمع المتوازن وحقيقةُ الجمال في أي مجتمع تكمن في وجود الذكر والأنثى وتمتع كل منهما بخصائصه ومميزاته بحيث لا تطغى صنف على صنف , ولا نتهاون في صنف من أجل صنف .
ماذا يريد دعاةُ المساواة بين الرجال والنساء ؟ وماذا يقصدون برفع هذا الشعار ؟ إنهم في الحقيقة لا يريدون إنصافَ المرأة ولا يريدون تحريرها كما يزعمون.
ولكنهم في الواقع يريدون القضاءَ عليها ومحوَها من الوجود وإن حقيقة المساواة التي يريدون ليس وراءها إلا إلغاء أحد الصنفين وأكثر ما يكون الإلغاءُ في المقيس لا في المقيس عليه .
وإذا تمت المساواةُ على هذا النحو نكونُ قد فقدنا نصفَ المجتمع على الحقيقة , حيث تكون المرأة قد ألْغِيب من المجتمع لتحل محل الرجال.
ومهما حاول دعاةُ هذه الفتنة فإنهم لن يغيروا حقيقةَ المجتمع وجوهَرَه , فالمرأة هي المرأة لا تستغني عن الرجل , ولا يتم نظام المجتمع إلا بها , والرجل لا يستغني عن المرأة , ولا تقوم الحياةُ الطبيعية إلا به , وكِلاهما في الحقيقة هما المجتمع السوي القائم على الجمال والحق والعدلِ والخير.
ولكن مع الأسف لقد أصبحت هذه الدعواتُ الو افدةُ على بلادنا الإسلامية وفودَ الحمَّى محلَّ نظر وإقناع من كثير من الناس حتى غدت خُلُقاً اجتماعياً يدل على ظرف فاعله ولباقته وحسن تصرفه , ولا تكاد تجد رجلاً لا يقدم لك زوجته لتتعرف عليها وتصافحها .
والرجل الذي يضن بزوجته أن تخالط الرجال وتأبى عليه مروءتُه أن يصافح النساء يعيش في هذه المجتمعات غريباً , وهو في نظر هؤلاء جِلْفٌ غليظ , قليلُ الذوقِ لم يتذوقْ نُظَمَ المجتمعات محرومٌ من أعرافِها وتقاليدِها .
ثم قال الكاتب : للبحث بقية في العدد القادم.
( عَجِيْبَةٌ و غَرِيْبَة )(1/39)
نعم عجيبةُ العجائِبِ , وغريبةُ الغرائب , كيف نحن المسلمون ند عوا أعداءنا وأعداءَ ديننا , ند عوهم بأقوالنا وأفعالنا , ندعوهم إلى بلادنا , ندعوهم ليدمرونا , ندعوهم ليسيطروا علينا , ويذلونا , ويسوموننا سوء العذاب , كيف ندمر أنفسنا بأنفسنا .
فإننا إذا تركنا ديننا أو شيئاً من أحكام ديننا , أو لم نتأدب بالآداب الإيمانيةِ , والأخلاق الإسلامية , فإننا بهذا الفعلِ , وبهذا العمل ند عوا المستعمرينَ الكافرينَ إلى بلادنا , وأقربُ عدوٍ للبلاد الإسلامية , و أعدى عدو للمسلمين هم اليهود .
فنحن المسلمون إذا تركنا شيئاً من واجبات الشريعة الإسلامية , أو ارتكبنا شيئاً من المحرمات , فهذه أكبر مساعدةٍ منا لأعدائنا وأعداء ديننا , ومنهم الصهيونيهُ , والماسونيةُ , والشيوعية, وجميعُ الكافرين .
فإذا أراد المسلمون العزَ والنصرَ والفخرَ والسعادةَ في الدنيا والآخرة , وأرادوا المحافظةَ على الممالك الإسلامية , وأرادوا أن يستردُّوا ما سُلِبَ منهم من بلاد , فعليهم أن لا يغالطوا أنفسهم , عليهم أن تكون عقيدتُهم سليمةً , وعباداتُهم مستقيمةً , وأخلاقٌهم فاضلةً نبيلةً .
ومن أسباب فسادِ الأخلاق , وارتكابِ بعض الجرائم , والمنكرات , هم اختلاطُ الطلابِ بالطالبات , في حقول التعليم , ولا فرق بين الابتدائي , والنهائي , كل ذلك محرم في شريعة الإسلام , لما يترتب على ذلك من الشرور , والمفاسد .
ومن استحسن الاختلاطَ , أو دعا إليه , فلاشك أنه من أعداء الإسلام , والمسلمين , ومن أصدقاء الشيوعية , و الماسونية , والصهيونية , لأنه يمهد لهم الطريقَ , شَعُرَ بذلك أو لم يشعر .
فيا مسلمينَ ويا مسلمات , حذارِ حذارِ من الاختلاط , في كل مكان , وفي كل زمان , وخاصةً في مدارس التعليم , فإنه المحنة الكبرى , والمصيبة العظمى , والفضيحة النكرى .(1/40)
ومن دعا إلى الاختلاط , فإنه من دعاة الفسادِ والضلالِ : عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه , لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من تبعه , لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً )) . رواه مسلم , وأصحاب السنن.
( شُكْرٌ و تَقْدِيْرٌ )
شكر وتقدير , ومن لا يشكر الناسَ لا يشكر الله , شكر لحكومتنا الرشيدة, الحكومة السعودية, حيث وفقها الله فمنعت الاختلاطَ في مدارس التعليم , وغير ذلك من مجتمعات الرجال , صيانةً للمرأة , وحفاظاً عليها , وسداً لأبواب الشر والفساد , فجزى الله الحكومة السعودية عن الإسلام خَيْرَ جزاءٍ , وأفْضَلَه .
وأسأل الله بأسمائِه الحسنى , وصفاته العليا أن يجعلنا , وجميع الأسْرة السعودية , خَيْرَ خَلفٍ لخير سلف , وأسأل الله جل شأنه , أن يرزق المسؤولين في الحكومة السعودية البطانةَ الصالحة التي تذكرهم بالخير , وتحثهم عليه , وترغبهم فيه .
وأسأل الله الكريم أن يبعد عنهم الأشرارَ , وجلساءَ السوء الذين هم أعداء لهم , وأعداء للإسلام , والمسلمين , وأسأل الله أن يعزهم بالإسلام , وأن يعز الإسلام بهم , والحمد لله رب العالمين .
فمن توفيق الله للحكومة السعودية , أنها تَحْكُمُ وتُحَكِّمُ كتابَ الله , وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم , وتدعو إلى ذلك , فأسأل الله جل وعلا , أن يهدي جميعَ الزعماءَ في بلاد الإسلام .وأن يوفقهم للعمل بكتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وأن يرد جميع المسلمين رداً جميلاً ,إلى ما به عزهم ونصرهم , وهو دينُ الإسلام الصحيح .(1/41)
نعم شكر عاطر يفوح طيباً ,لحكومتنا السعودية , ولعلمائها الأفاضل , ومنهم الذين أسند إليهم تعليم الفتاة السعودية حيث حصل من الجميع الإتفاق على حفظها , وصيانَتِها , والزامِها بالحجاب , وباللباس الساتر , وإبعادها عن مخالطة الرجال , لأن الاختلاط , في مدارس التعليم لا يجوز شرعاً , لما يترتب عليه , من المفاسد والشرورِ والفتنِ والمحنِ والكوارثِ والمشاكلِ والمصائبِ , وفسادِ الأخلاق .
ومن غير شك أن كل ما كان وسيلةً إلى محرَّمٍ , فهو محَّرمٌ, والوسائل لها أحكام المقاصد , ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح , ومثل ذلك اختلاط المرأة بالرجال الأجانب , في المكاتب والمتاجر, والمصانع وغير ذلك كل ذلك من أسباب الشر والفساد.
والواقعُ شاهدٌ بذلك , فالبلادُ التي حصل فيها الاختلاطُ , حدث ولا حرج عن الكوارث والمصائب والمحن والبلايا والرزايا , فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ومن اللائق , والمستحسن أن نتحف القارىء بنصيحة سجلها التاريخ للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين.
( نصِيْحةٌ )
والنصيحةُ مشروعةٌ ومقبولة ,عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"الدين النصيحة".قلنا:لمن ,قال:"لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم"
نصيحة مناسبة لبحثنا ,نصيحة من رجل له قيمته وله مكانته ,نصيحة عظيمة , وقيمة , وبليغة, نصيحة من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله ,قال :
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ,وسيد الأولين و الآخرين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,
من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود , إلى من يراه من إخواننا الحجازيين , و النجديين , واليمانيين , سلام عليكم ورحمة الله و بركاته .(1/42)
وهذه النصيحة التي وجَّهها الملك عبد العزيز , رحمه الله إلى أهل نجد والحجاز و اليمن , هي مكونه من خمس صفحات , حث فيها على العمل بكتاب الله , وسنة رسوله , وحذر من المخالفات , وارتكاب المحرمات , وفي أثناء النصيحة , قال كلاماً مناسباً لما نحن بصدده .
قال رحمه الله وعفا الله عنا وعنه :وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن ,و فتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها ,حتى نبذن وظائِفَهن الأساسية من تدبير المنزل ,وتربيةِ الأطفال, وتوجيه الناشئة التي هي فلذة أكبادهن , وأمل المستقبل ,إلى ما فيه حب الدين والوطن ,ومكارم الأخلاق,ونسين واجباتهن الخلقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم ,وإبدال ذلك بالتهرج ,والخلاعة,ودخولهن في بؤرات الفساد ,والرذائل,وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن ,
فلا والله ليس هذا التمدُّن في شرعنا وعُرفِنا وعادتنا , ولا يرضى احد في قلبه مثقال
حبة من خردل من إيمان أو إسلام , أو مروءة , أن يرى زوجتَه أو أحداً من عائلته,
أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي , هذه طريق شائكة تدفع بالأمة
إلى هوة الدمار , ولا يقبل السيرَ إلا رجل خارج من دينه , خارج من عقله , خارج من عربيته .
فالعائلةُ هي الرُّكنُ الركين في بناء الأمم , وهي الحصنُ الحصين الذي يجب على كل ذي شَََمَم أن يدافع َعنها , إننا لا نريد من كلامنا هذا التعسف َ والتجبرَ من أمر الناس ,فالدين الإسلامي قد شَرَعَ لهن حقوقا ًيتمتعن بها لا توجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة , وإذا اتبعنا تعاليمه َ كما يجب فلا نجد تقاليدِنا الإسلامية , وشرعِنا السامي ما يؤخذ علينا , ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقى , إذا وجهنا المرأةَ في وظائفها . الأساسية , وهذا ما يعترف به كثير من الأوربيين من أرباب الحصافة والإنصاف.(1/43)
ولقد اجتمعنا بكثير من هؤلاء الأجانب , واجتمع بهم كثير ممن نثق بهم من المسلمين , وسمعناهم يشكون من تفكك الأخلاقِ , وتصدعِ ركنِ العائلة في بلادهم من جراء المفاسد , وهم يقدرون لنا تمسكنا بديننا , وتقاليدنا ,وما جاء به نبينا من التعاليم العائلة التي تقود البشريةَ إلى طريق الهدى , وساحلِ السلامة , ويودونَ من صميم أفئدتِهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها , وتنذر ملكهم بالخراب والدمار , والحروبِ الجائرة .
وهؤلاء نوابغ كتابِهم ومفكروهم قد علموا حق العلم هذه الهوة الساحقة التي أمامهم المنقادون لها , بحكم الحالة الراهنة , وهم لا يفتئون في تنبيه شعوبهم بالكتب , والنشرات , والجرائد على عدم الاندفاع في هذه الطريق التي يعتقدونها سبَبَ الدَّمارِ وسبَبَ الخراب.
إني لأعجب أكبر العجب ممن يدعي النورَ , والعلمَ وحبَّ الرقى من هذه الشبيبة التي ترى بأعينها وتلمس بأيديها ما نوهنا به من الخطر الخُلُقِي الحائقِ بغيرنا من الأمم , ثم لا ترعوي عن ذلك , وتتبارى في طغيانها , وتستمر في عمل كل أمر يخالف تقاليدنا .
وعاداتنا الإسلامية العريقة , ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم , رحمةً وهدى لنا ولسائر البشر .
فالواجب على كل مسلم , وعربِيٍ فخورٍ بدينه , معتزٍ بعربيته أن لا يخالفَ مبادِئَه الدينيةِ , وما أمره الله تعالى بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش , والعمل على كل ما فيه الخيرُ لبلاده ووطنه .
فالرقي الحقيقي , هو بصدق العزيمةِ , والعملِ الصحيح , والسيرِ على الأخلاق الكريمةِ , والانصرافِ عن الرذيلة , وكُلِّ ما من شأنه أن يمسَ الدينَ , والسمتَ العربي , والمروءةَ , وليس بالتقليد الأعمى , وأن يتبعَ طرائق آبائه وأجداده الذين أتوا بأعاظم الأمور , بإتباعهم أوامِرَ الشريعةِ , التي تحث على عبادة الله وحدة , وإخلاصِ النية في العمل .(1/44)
وأن يعرفَ حق المعرفةِ معنى ربِهِ , ومعنى الإسلام وعظمتَهُ , ومعنى ما جاء به نبينا ذلك البطلُ الكريمُ العظيم , صلى الله عليه وسلم , من التعاليم القيمة التي تُسْعِدُ الإنسانَ في الدارين , وتعمله أن العزةَ لله , ولرسوله , وللمؤمنين , وأن يُقَوِّمَ أوَدَ عائِلَتِهِ ,ويصلحَ من شأنها , ويتذوقَ ثمرةَ عمله الشريف , فإذا عمل هذا فقد قام بواجبه وخدمَ وطنَه , وبلادَهُ .
إني أرى من واجبي بصفتي مسلماً , وبحسب عربيتي , وإخلاصي لأبناء قومي , أن أقومَ بهذه النصائح لمن ولاني المولى أمرهم , مقتدياً في عملي هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم , الذي أرجو أن أكون متبعاً له في أقوالي وأعمالي , وفي محياي ومماتي , صابراً على ما تقوله الناس من الانتقادات , غير مبال لها ولا وجل كما قيل .
إذا كانَ الَّذِي بَيْنِي وبَيْنَ اللهِ عامِرٌ *** فعسى الَّذِي بَيْنِي وبَيْنَ النَّاسِ خرابُ
وذلك لأجل 'علاءِ كلمةِ الله , ونُصْرَةِ دينه , وإسعادِ من ولاَّني الله أمرهم , راجياً أن نكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة , لا يضرهم من ذلك ) , إلى آخر كلام الملك عبد العزيز رحمة الله .
ونقلت ما تقدم بالحرف ,من كتاب الدرر السنية,في الأجوبة النجدية.المجلد التاسع,الجزء الحادي عشر,كتاب النصائح ص 160,طبع على نفقة دار الإفتاء الطبعة الأولى عام 1388هـ .(1/45)
وهذا الجزء من النصائح مائةُ نصيحة , وسبعُ نصائح , بعضها للملوك من آل سعود من أولهم محمد بن سعود إلى زمن الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن , وأكثر النصائح من العلماء في الحكومة السعودية , وحقيقة أنها نصائح قيمة وعظيمة , ينبغي للمسلمين عامة , وللفتيان والفتيات خاصة , قراءتها , حتى يعرفوا كيف كان الآباء والأجداد والأولاد , والأحفاد , يعملون ويفعلون , ويدعون إلى العمل بدين الإسلام , وكما أشرنا سابقاً , من لا يشكر الناس لا يشكر الله , فالملوك من آل سعود ,الله تعالى وفقهم وهداهم , فمن أولهم محمد من سعود , إلى الملك في وقتنا الحاضر فهد بن عبد العزيز كلهم والحمد لله يناصرون الحق , ويدعون إليه , ويعملون بدين الإسلام , ويأمرون بتطبيق أحكامه , من أجل هذا أعزهم الله ونصرهم وثبت ملكهم , وحفظهم الله من حسد الحاسدين , وكيد الكائدين .
وحيث أن بروزَ المرأةِ في المجتمع , ومزاحَمتَها الرجالَ في أعمالهم اللائقة بهم , هو من أقوى أسباب الشر والفساد , وإذا خالطت المرأةُ الرجالَ سوف يوجد منها التبرج والسفور .
وإذا حصل ذلك فحدث ولا حرج عن الانحلالِ وفسادِ الأخلاق , وحينئذٍ تضيعُ أمةُ الإسلام , وتنهارُ وتفككُ أوصالها , وتختلفُ آراؤها , وتتصدعً صفوفُها , وبذلك تبقى أمةُ الإسلام حقيرةً ذليلةً مهانة , ونعوذ بالله من ذلك .
( الملك فهد بن عبد العزيز )
فمن أجل المحاذير المتقدمة , وغيرها نجد ( الملك فهد بن عبد العزيز ) حفظه الله , وأعزه الله بالإسلام , وأعز الله الإسلام به ,نجده كوالده يصدر كتاباً , ويأمر بتعميمه على الإدارات الحكومية , , وعلى المؤسسات , والشركات بمنع تشغيل المرأة المؤدي إلى اختلاطها بالرجال , وبإعانة الله , نسوق ما كتبه إلى ولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز , رقم الكتاب ( 2966)/م التاريخ 19/9/1404 هـ .
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
( تعميم )(1/46)
صاحب السمو الملكي ولي العهد , ونائب رئيس مجلس الوزراء , ورئيس الحرس الوطني , بعد التحية , نشير إلى الأمر , التعميمي رقم 11651 في 16/ 5 / 1403 هـ , المتضمن إن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال , سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة , أو الشركات أو المهن ونحوها , أمر غير ممكن سواء كانت سعودية , أو غير سعودية , لأن ذلك محرم شرعاً , ويتنافى مع عادتِ و تقاليدِ هذه البلاد .
وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها , أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال , فهذا خطأ يجب تلافيه , وعلى الجهات الرقابية , ملاحظة ذلك والرفع عنه .
وحيث رفعت لنا بعض الأجهزة الرقابية مفيدةً بأنه يوجد العديد من الشركات والمؤسسات , وغالبها من الشركات الأجنبية تقوم بتشغيل المرأة وبعض تلك الشركات , متعاقدة مع بعض الإدارات الحكومية .
نرغب إليكم إبلاغ المسؤولين لديكم بالتقيد بما قضى به الأمر التعميمي المشار إليه , وإبلاغة للجهات المختصة , والشركات المتعاقدة معكم للتقيد بموجبه , وملاحظة ذلك بكل دقة .
وقد زودت جميع الجهات الحكومية بنسخة منه للاعتماد وإبلاغ الجهات المختصة بها , والشركات , والمؤسسات المتعاقدة بالتقيد به , واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تشغيل المرأة خلافاً لما تضمنه الأمر المشار إليه وتصحيح ما هو موجود من ذلك بما يتفق معه , فاكملوا ما يلزم بموجبه .
( إمضاء الملك )
____________
( تَنْبِيه )
هذا ما كتبه الملك فهد بن عبد العزيز , نقلته بالحرف من غير زيادة أو نقصان , وأقول والحق يقال : حيث أن مخالطة للمرأة للرجال في المكتب , أو المصنع , أو في حقل التعليم , أو غير ذلك محرم شرعاً , لما يترتب عليه من فساد الأخلاق , وفعل ما لا يجوز .(1/47)
والحمد لله رب العلمين , عملاً بكتاب الله , وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم , قد تظافرت الجهود , من حكومتنا الرشيدة السعودية , ومن علمائها الأفاضل , ومن الشعب السعودي , تظافرت الجهود من الجميع على حفظ المرأة , وصيانتها , وإبعادها , عن مخالطة الرجال , حتى تبقى المرأةُ المسلمةُ , حرةً كريمةً , ودرةً مصونةً , ثمينة.
ولِمَقاصِدَ جليلةٍ , وأهدافٍ ساميةٍ , حرمَ الإسلامُ الخلوةَ بالمرأةُ الأجنبية , وحرم الإسلامُ أن تسافر المرأة إلا مع محرم لها , وبإعانة الله نسوق ما تيسر من الأدلة , والبراهين , وهو تعالى الموفق والمعين , لا إله غيره ولا رب سواه .
فالذي يدعو أو يعتقد جواز اختلاط النساء بالرجال في المدرسة , أو النادي , أو المصنع أو المكتب , لا شك أنه ملحد , ومجرم أثيم , لأنه خالف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم , وإلى القارئ , ما ينير الطريق للسالكين , ويقطع السنة المعارضين , والحمد لله رب العالمين .
( تَحْرِيمُ الخَلْوةِ بالأجْنَبِية )
( وتحريم سفر المرأة إلا مع ذي محرم )
أيتها المسلمة , أحكامُ دينِ الإسلام , دائماً وأبداً في صالحكِ , تهدفُ أحكامُ دين الإسلام , بأن تكوني حرةً كريمةً محفوظةً , مصونة , لذا حرم الإسلامُ الخلوةَ بالأجنبية , وحرم عليها أن تسافر إلا مع ذي محرم , وها هي الأدلة , والبراهين .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم , يخطب يقول : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم , ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )) , فقام رجل فقال : يا رسول الله , إن امرأتي خرجت حاجةً , وإني أكتتبت في غزوة كذا وكذا , قال : ( أنطلق فحج مع امرأتك ) , رواه الإمام أحمد والبخاري , مسلم واللفظ له .(1/48)
وعن أبي هريرة , رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم )) , رواه مسلم , ورواه أبو داود , والحاكم بلفظ : لا تسافر المرأة بريداً إلا ومعها محرمٌ عليها .
وعن أبي سعيد الخدري , رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثةَ أيامٍ فصاعداً , إلا ومعها أبوها , أو أبنُها , أو زوجها , أو أخوها , أو ذو محرم منها )) رواه الجماعة , إلا البخاري والنسائي , واللفظ لمسلم.
وعن عامر بن ربيعة , رضي الله عنه , قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة , لا تحل له , فإن ثالثهما الشيطان , إلا محرم )) , رواه أحمد .
وعن جابر , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر , فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها , فإن ثالثهما الشيطان )) , رواه الإمام أحمد .
وفي صحيح الإمام مسلم , من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص , وفيه قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغِيْبًةٍ إلا ومعه رجل أو إثنان ) (23).
وعن عقبة بن عامر , أن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : (( إياكم والدخولَ على النساء ) , فقال رجل من الأنصار : أفرأيت الْحَمُو , قال صلى الله عليه وسلم : ((الحمو الموت )) , متفق عليه , والحمو هو قريب الزوج مثل أخيه , وابن أخيه , وابن عمه , وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم , الحمو الموت , لأن الموت هلاك , وفعل المعاصي هلاك , وما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان .
وقل:الهيثمى في مجمع الزوائد (باب الدخول على الغيبات ) , ثم ساق حديث. عمرو بن العاص , وقال: إنرسول الله صلىالله عليه وسلم , نهانا عن أن ندخل على الغيبات ,
وقال الهيثمى, رواه أحمد ,والترمذى ورجال أحمد رجال الصحيح, قلت والمغيبات.أى(1/49)
اللاتي غاب عنهن أزواجهن.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )) , رواه الإمام أحمد , والبخاري , ومسلم , وأبو داود , وقد قال في فتح الباري : والخلوة بالأجنبية , مجمع على تحريمها .
وعن جابر بن عبد الله , رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم (( ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم )) رواه مسلم , والمراد بالناكح الزوج .
وعن عائشة , رضي الله عنها قالت : كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم , مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة , قال: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم , يوماً وهو عند بعض نسائه , وهو ينعت امرأةً قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع , وإذا أدبرت أدبرت أدبرت بثمان , فقال صلى الله عليه وسلم : (( ألا أرى هذا يعرف ما ههنا , لا يدخلن عليكن )) , قالت : فحجوه , رواه مسلم , والمخنث هو الذي يتشبه بالنساء , في كلامه , وأخلاقه , وحركاته , والأربع والثمان هي عكن المرأة السمينة .
( التَّحْذِيْرُ مِنْ فِتْنَةِ النَّساء )
مضرة النساء والفتنة بهن عظيمة , أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم , وحذر , وأنذر وأعذر , وكرر .
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : (( ما تركت بعدي فتنة , أضر على الرجال من النساء )) , رواه البخاري , ومسلم , والترمذي , والإمام أحمد , والنسائي , وابن ماجة .
وعن أبي سعيد الخدري , رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم ,قال , : (( إن الدنيا حلوة خَضِرَةٌ , وإن الله مستخلفكم فيها , فينظر كيف تعملون , فاتقوا الدنيا , واتقوا النساء , فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ,. رواه مسلم بهذا اللفظ .(1/50)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ,أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن المرأة تقبل في صورة شيطان , وتدبر في صورة شيطان , فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته ' فليأت أهله , فإن ذلك يرد ما في نفسه )) . رواه الإمام أحمد , ومسلم , وأبو داود .
هذا تشبيه من الرسول صلى الله عليه وسلم , بليغ , فكما أن الشيطان يفتن بني آدم بإغوائه , ووسوسته , فكذلك المرأة فيها فتنة للرجال , وبالأخص إذا كانت تستعمل شيئاً من التبرج , فحينئذٍ تكون الفتنة أعظم , والمحنة أكبر .
وعن ابن مسعود , رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : (( إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان )) . رواه الترمذي , والبزاز , وابن خزيمة , والطبراني .
وقال علي بن أبي طالب : ألا تغارون , يترك أحدكم زوجته تنظر إلى الرجال وينظرون إليها .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( ما من صباح إلا وينادي ملكان , ويل للرجال من النساء , وويل للنساء من الرجال )) . رواه ابن ماجة والحاكم .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه , أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( أي شيء خير للمرأة )) فسكتوا , فلما رجعت قلت لفاطمة أي شيء خير للنساء , قالت : ألا يراهن الرجال , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال : (( إنها فاطمة بضعة مني )) , قال : (( في جمع الفوائد من جامع الأصول , مجمع الزوائد )) . رواه البزار , ورواه أبو نعيم في الحلية ولفظه قالت فاطمة : خير للنساء أن لا يرين الرجال , ولا يرونهن
( إبْعادُ النَّساءِ عَنِ الرجالِ الأجانِبِ مَطْلوبٌ شَرْعاً )
نعم حفاظاً على الأخلاقِ الكريمة , وصيانةً للمجتمع عن أسباب الرذيلةِ , والفساد , تَباعُدُ النساءِ عن الرجال الأجانب مطلوبٌ شرعاً , قال أبو داود في سننه :
( بابُ اعْتِزالِ النَّساءِ فِي المساجِدِ عَنِ الرَّجال )(1/51)
حدثنا عبد الله بن عمر وأبو معمر , ثنا عبد الوارث , ثنا أيوب , عن نافع , عن ابن عمر قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لو تركنا هذا الباب للنساء )) , قال : نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات , وقال : غير عبد الوارث : قال عمر وهو أصح, وبسنده إلى نافع قال: إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يُدْخَلَ من باب النساء .ا هـ . وقال أبو داود في سننه :
( بابُ انْصِرافِ النِّساءِ قَبْلَ الرِّجالِ مِنَ الصَّلاة )
ثم ساق حديث أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا سلم مكث قليلاً , وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال , وروى هذا الحديث البخاري , ومن المعروف , بأن الصلاة بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم , بألف صلاة .
ومع ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (( لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد , وبيوتهن خير لهن )) . رواه أحمد وأبو داود , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خير مساجد النساء قعر بيوتهن )) . رواه أحمد , وأبو يعلى , والطبراني في الكبير , ومن المعروف أن النساء يحضرن صلاة العيد , ولكن كان مكانهن في المصلى على حدة , من مكان الرجال .
وأخرج الإمام أحمد والطبراني , من حديث أم حميد الساعدية , أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا رسول الله أني أحب الصلاة معك , فقال : (( قد علمتُ وصلاتكِ في بيتكِ خير لكِ من داركِ , وصلاتكِ في داركِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجدِ قومكِ , وصلاتكِ في مسجدِ قومكِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجدي )) .(1/52)
وعن أبي أسيد الأنصاري , أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد , فاختلط الرجال مع النساء في الطريق , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء : (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق )) , أي تركبن حقها وهو وسطها , وعليكن بحافات الطريق , فكانت المرأة تلتصق حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .
( تنبهٌ )
لا يخفى ما لصلاة الجمعة والجماعة , من الفضل , ومع ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم , بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل حتى من صلاتها في مسجد اتلرسول صلى الله عليه , كل ذلك حِفْظاً لكرامة المرأة , وصيانةً لعرضها , وهذا لا يحصل إلا إذا تباعدت المرأة عن الرجال الأجانب , فهل من سامع , وهل من مدكر ,أم الجهل مخيم , والغرور قد بلغ منتهاه .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( لا تمنعوا النساءَ أن يخرجنَ إلى المساجد وبيوتُهن خير لهن )) ز رواه أحمد وأبو داود .
وعن أبي هريرة , رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : (( لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله , وليخرجن تَفِلاتٍ )) . رواه أحمد وأبو داود , ومعنى تَفلاتٍ أي غير متطيبات , ولا لابساتٍ ثياب زينة ٍ ,ولا متبرجاتٍ بل متحجباتٍ متسترات.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ((أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء الآخر )) . رواه مسلم , وأبو داود , والنسائي .
وعن أبي موسى , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : (( إذا استعطرتِ المرأةُ فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا )) . قال قولاً شديداً , رواه أبو داود , وبإعانة الله وتوفيقه يأتي حديث أبي موسى قريباً بأطول مما هنا .(1/53)
وعن أبي هريرة , رضي الله عنه , أنه لقيته امرأة , وجد منها ريْحَ الطيب ينفُحُ , ولذيلها إعْصار , فقال , يا أمةَ الجبار , جئتِ من المسجد , قالت : نعم , قال : وله تطيَّبْتِ , قالت : نعم , قال : أني سمعتِ حِبِّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول , : (( لا تُقْبَلُ صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجعَ فتغتسل غسلها من الجنابة )) .
رواه أبو داود , وترجم أبو داود لهذا الحديث والذي قبله ' بقوله :
( بابُ ما جاءَ فِي الْمَرأةِ تَتَطَيَّبُ لِلْخُرُوج)
والرسول صلى الله عليه وسلم , يعرف بأن المرأة كلما تباعدت من الرجال فهو خير لها , فقال : (( خير صفوف الرجال أولها , وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها , شورها أولها )) . . رواه مسلم وأصحاب السنن , من حديث أبي هريرة , رضي الله عنه .
وعن أنس , رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : (( إن من أشراط الساعة , أن يرفع العلم , ويظهر الجهل , ويفشو الزنا , ويشرب الحمر , ويذهب الرجال , وتبقى النساء )) . رواه الإمام أحمد , والبخاري , ومسلم , والترمذي , والنسائي , وابن ماجة .
وهذا الحديث من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم , أخبر عليه السلام بشيء ما وقع فوقع كما أخبر , فالعلم النافع علمُ كتاب الله , وعلمُ سنةِ دنيوية , ويتعلمون من أجل الشهادات والوظائف .
أما الزنا في بلاد الكفر فحدث ولا حرج , و فشى الزنا في كثير من بلاد الإسلام , والخمر شرب ويشرب حتى في بلاد الإسلام , إلا ما شاء ربك .
أما ذهابُ الرجال , وبقاءُ النساء فهذا والعلم عند الله كناية عن قيام حروب عالية , طاحنة مهلكة , للرجال , ومن أسباب ذلك , والعلم عند الله ,كثرة الكفر والزندقة , والإلحاد , و كثرة ارتكاب الجرائم والمحرمات .
ومن أسباب ذهاب الرجال ,وهلاكهم التفنن في آلات الحرب , المبيدة والمهلكة للحرث والنسل , عافانا الله وجميع المسلمين من كل محنة , وفتنة وبلاء .(1/54)
وأخرج مسلم في صحيحة , عن عمرة بنت عبد الرحمن , أنها سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم , تقول : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , رأى ما أحدث النساءُ لمنعهن المسجد كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيل قال : فقلتُ لعمرةَ : أنساءُ بني إسرائيل مُنِعنَ من المسجد , قالت : نعم .
قال محرره هذا في زمن عائشة , وعهد النبوة قريب , فكيف بهذا الزمن الذي كثر فيه الفساد , وظهر فيه التفرنُجُ و التغنجُ والتبرجُ , وشاع فيه السفورُ , وفسدت فيه الأخلاق , وارتكبت فيه الجرائم , واستبيحت المحرمات , إلا ما شاء ربك , فلا حول ولا قوة إلا بالله , وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري في صحيحة .
وعن أبي موسى الأشعري , رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : (( كل عينٍ زانيةٍ , والمرأةُ إذا استعطرت فمرت بالمجلس , فهي زانية , وفي لفظ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها , فهي زانية )) . رواه أبو داود , والترمذي , والنسائي , وابن خزيمة , وابن حبان , والحاكم , وقال الترمذي حسن صحيح , ورمز في الجامع الصغير لحسنه , وقال الهيثمي في مجمع الزوائد , رجاله ثقات .
وإذا كان الأمر كما ذكر , فكيف بمن ظهرت للرجال متبرجةً , بأنواع من الزينة , مظهرةً لبعض مفاتنها , مزيلة للخمار عن وجهها , فحينئذٍ تكون الفتنة بها أعظم , نعم إثم المرأة عظيم , إذا حصل منها فتنة للرجال , إما بتعطُّرِها أو تبَرُّجها , كما قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن غير شك أن فتنة الرجال بالنساء عظيمة , وعظيمة, كما قال الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم , في الحديث الذي تقدم : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) .(1/55)
ومع الأسف الشديد يوجد أناس ينتسبون إلى الإسلام , ولكنهم عملاء للشيوعية , وللماسونية اليهودية , شعروا بذلك أو لم يشعروا , ويدعون إلى فساد المجتمع المسلم , يدعون إلى التبرج والسفور , ويدعون إلى اختلاط المرأة بالرجال , يدعون بإسم الحرية , والمدنية المزعومة .
يدعون من جهلهم وغرورهم , إلى مجاراة ركب الحضارة فيقال لهم بلسان الحال , والمقال دعوها فإنها منتنة . دعوها فإنها جريمة , وجناية على المجتمعات الإسلامية , دعوها فإنها فساد , وفساد , وعناد , وظلم للعباد : فالمغرورون يدعون على حد زعمهم , إلى مجارات ركب الحضارة , والحضارة المزعومة قريباً يأتي بيانها , بإعانة الله تعالى , وتوفيقه .
فالحضارة المزعومة في الحقيقة ليست حضارةً , بل نذالةٌ وجاهليةٌ , وضياعٌ , وسقوطٌ في المستنقعات الوبيئة , هذه هي الحضارة الموجودة في أوروبا وأمريكا .
أما المفيدة النافعة , فهي ما دعا إليها الإسلام , وأجازها , والذي يجهلها يتساءل مع التاريخ ماذا كان , من المدنية والحضارة في بغدادَ , والشام , ومصرَ , وطُليطِلة , وقرطبة , وغِرْناطة , ويأتيك بالأخبار من لم تزودي , مدنية وحضارة لا تتنافى مع دين الإسلام , حضارة ومدنية مفيدة ونافعة , مدنية في فنون العلم النافع , ومدنيةُ تنسيقٍ , وتنظيم , ونظافة , مدنيةٌ إسلامية لا مدنية فرنجية .
( دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ )
نعم أقول دعوها , فإنها منتنةٌ , دعوها فإنها حمقٌ , ولجاجة , و زور , و غرور , ونذالة , وجهالة , يقول البعض من الجهال المغرورين , نسأل الله ولهم الهداية , يقولون , ولا حسيبَ , ولا رقيبَ , ولا يستحون , يقولون كلمةً يفوح منها ريحُ النَّتَن .(1/56)
يقولون جنايةً على أنفسهم , وعلى الإسلام و المسلمين , يقولون واستمع لما يقولون , يقولون , يجب أو بتعبير آخر ينبغي أن نجاري ركبَ الحضارة , أي نتساوق مع الحضارة الأوربية , جنباً لجنب , فنفعل كما فعلوا , ونعمل كما عملوا , ونقول كما قالوا .
وهذه الكلمة أعني قول بعضهم ينبغي أن نحارب ركب الحضارة , لا يقولها من عرف عظمةَ دين الإسلام , مع العلم أن الحضارةَ , والمدنيةَ , المزعومة في جميع بلاد الكفر والكافرين ليست حضارةً و لا مدنية , بل همجية , وجاهلية جهلاء .
فمنها الحكم بالقوانين التي هي من عمل مخلوق لمخلوق مثله , و معروف ما فيها من فساد , وظلم للعباد .
ومنها فصل الدين عن الدولة , ودينُ الله وشرعُهُ هو الذي ينظم حياةَ المجتمع , ويحميه من التعفن والفساد .
ومنها أي من الحضارة المزعومة الحريةُ المطلقة , فكل من أراد معصيةً فعلها , ولا عتاب ولا لوم .
ومنها التبرج والسفور , والفجور , والزمر , والخمر , والفسق , والنساء العاريات , أو شبه العاريات , والسينما , والمسارح , والمراقص , والدعارة , والخلاعة , وقلة الحياء , وارتكاب الجرائم , وفعل المحرمات , والكفر , والزندقة , والإلحاد , كل ذلك , كل ما تقدم موجود , في أوروبا و أمريكا , وغيرها من بلاد الكفر و الكافرين .
فهل واحدة مما تقدم , تعد حضارةً و مدنية , بل كل واحدة مما تقدم , تعد جاهلية جهلاء , و همجية عمياء .(1/57)
وصدق الله جل و علا { فإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور } أما الإسلام ففيه كل متطلبات الحياة , وفي الإسلام من المدنية ما يكفي , ويغني عن مدنية الشر والفساد, في ظل الإسلام , الراحة ُ , والأمنُ , والرفاهيةُ , والاطمئنانُ , والهناءُ , والعيشُ الرغد , والعز والشرف , والسعادة , في الدنيا والآخرة , فهل من سامع وهل من مدكر , وهل من مطيع , وهل من عارف للحق وعامل به , وداع إليه , أم على بعض قلوب العباد أقفالها .
( الْحَقُ يُقال )
نعم الحق يقال , فمثلاً التفنن في الاختراع , والتفنن في الصناعة , والتفنن في الهندسة , والتفنن في علوم الطب , والتفنن في تخطيط المدن وعمارتها , والتفنن في كل ما فيه فائدة ومنفعة , فمثل ذلك , هو مدنية وحضارة , بشرط أن لاَّ يتنافى مع شيءٍ من أحكام دين الإسلام .
فدين الإسلام لا يحرم ما فيه مصلحة ومنفعة لبني آدم , بل دين الإسلام يحبذ ذلك , ويدعو إليه , والبعض من الذين ما عرفوا دينَ الإسلام , يقولون الإسلامُ حجر عثرة , وهذا القول زور , وباطل , وغرور , وفجور , وكفر , والحاد .
فدين الإسلام جاء بكل خير , ونهى عن كل شر , جاء بما يسعد البشرية , في دنياها و أخراها , دين الإسلام , ميادينه فسيحة وأرجاؤه واسعة , يسع كل مخلوق , دينُ الإسلام , هو في صالح الفرد , والمجتمع , دنياً و أخرى .
دين الإسلام يحتاج إلى رجال , يفهمونه ويطبقون أحكامه , دينُ الإسلام , أحكامه حكيمة , ومقاصده جليلة , وأهدافه سامية , فكل نافع ومفيد , فهو مباح في شريعة الإسلام , وكل شيء فيه ضرر , أو ضرره أكبر من نفعه فدين الإسلام , يمنع منه ويحرمه , والمصلحة الخاصة والعامة في ذلك لبني آدم .(1/58)
ففي دين الإسلام من الحضارة , و المدنية , أجمل الحضارات , و أحسنها و أرقاها , في كل زمان , ومن شك فعليه أن يقرأ التاريخ فيعرف ماذا وجد , وما كان من الحضارة والمدنية , في بغداد , و مصر , و سورية , و الأندلس , وغيرها من المدن الإسلامية .
فيا ليت بني قومنا يعرفون ذلك حتى لا ينخدعوا , ومن المدنية والحضارة , والنزاهة , و النظافة , والإسلام يأمر بذلك , ويحث عليه , ويرغب فيه .
ومصطفى السباعي , رحمه الله له كتاب أسماه ( هكذا علمتني الحياة ) عاب فيه المدنية الغربية , وحذر منها , وحذر من تبرج النساء , وحذر المرأة المسلمة من الذين يدعونها باسم الحرية والمدنية , المزعومة , مكر منهم وخداع للمرأة .
قال في وصف الذين يخدعونَ المرأةَ , ويمكرون بها , ورقم العنوان 544 :
( احذري أيتها المرأة الفاضلة )
احذري أيتها الأم الفاضلة , والبنت الفاضلة , ما يخدعونكِ به من ألفاظ التحرر من العبودية , وتحطيم قيود التقاليد , إنهم يريدون أن يضيفوا إلى عبوديتكِ للجهل الموروث , عبوديةَ الشهوة الجامحة , و إلى قيودِ التقاليد البالية , قيودَ الإستغلال الآثم الماكر , احذري , احذري .
أيتها المرأة الفاضلة , إن السمكة لا تقع في الشبكة إلا حين تعمى عن دقة نسيجها , ولا يصطاد الصياد إلا بعد أن تستمري طعم سنارته ا هـ .
هكذا يحكي لنا مصطفى السباعي , عن نوايا الذين يدعون إلى سفور المرأة و تبرجها باسم الحرية , والمدنية , والرقي , والحضارة .
( ثم قال مصطفى في موضع آخر : )
( الإنسان في الإسلام و في الحضارة الغربية )
697 ـ في الإسلام خلق الله الإنسان ليكون خليفةً في أرضه وفي الحضارة الغربية , ليس الإنسان إلا حيواناً متطوراً .
( ثم قال في موضع آخر : )
( بما فتحنا الدنيا )(1/59)
545 ـ نحن لم نفتح الدنيا بأمهات ماجنات متحللات , ولكننا فتحنا بأمهات عفيفاتٍ متدينات , ولم نرث خلافةَ الأرض , بأدب الجنس الشره الجائع , ولكننا ورثناها بأدب الخلق الثائر , والتهذيب الوادع . ا هـ .
( ثم قال مصطفى السباعي : )
( سقوط الحضارات )
أليس عجيباً أن يكون سقوطُ الحضاراتِ جميعاً نتيجةَ بروزُ المرأة في المجتمع , ولعبُها بمقدراته , وانحدارُها بأخلاقه, قلت صدق مصطفى في هذه الكلمة , و الواقع شاهد بذلك .
( ثم قال في عنوان آخر : )
( بينَ شرعِ اللهِ و إرادَةِ العابثين )
أراد الله للمرأة في شرعه الحكيم الهناءةَ , والكرامةَ , والاستقرارَ , وأراد لها العابثونَ بها الشقاءَ والمهانةَ , والاضطراب .
( ثم قال : )
( الجيل الذي لا خير فيه )
حين تنتشر أغاني الحب المائع , الماجن بين شباب الأمة , وفتياتها , انتظر جيلاً جديداً آخر , يكون أهلاً لأن يحملَ الأعْباءَ الثقال , في حماية أمجادِ الأمةِ , ومُثُلِها العُليا .
( ثم قال : )
( أيهما أصل الثاني )
لست أدري , أيهما أصل الثاني , هل الأغاني هي التي توجه الأمة , أم الأغاني هي التي تعكس مشاعر الأمة .
( ثم قال مصطفى السباعي . تحت عنوان : )
( هل يغنون عنا شيئاً )
هاتوا لنا جميع الرسامين , والممثلين , والمغنيين , والراقصات , والراقصين , ثم احشدوهم جميعاً , و انظروا هل يردون عنا خطر قنبلة ذرية , أو صاروخ موجه .
قلت صدق مصطفى , و أنا أقول , و الحق يقال , هاتوا جميع اللاعبين بالكرة , وجميعَ من يمارس الرقصَ , والأغاني , و جميعَ من في السينما والمسارح والمراقص , هل يردون عنا خطر قنبلة أو صاروخ , هم أذل وأحقرُ من ذلك , ولكنه الجهل و الغرور , والجهل يفعل بأهله كل قبيح , وصدق الله جل جلاله { فإنَّها لا تَعْمَى الأبْصارُ ولكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } .
( دَعُوها فإنَّها حَمَاقَةٌ )(1/60)
يوجد أناس يخدعون فتاةَ الإسلام ويغررون بها , يدعونها باسم الحرية والحضارة يدعون إلى الشر والفساد , وكما هو معروف , يوجد في كل بلد إسلامي , أناس هداهم الله , يدعون إلى التفرنج , والتبرج , و السفور , ويدعون إلى إيجاد المسارح , والمراقص , والسينما , والفيديو , في بلاد الإسلام .
يدعون إلى الحرية الإباحية , والخلاعة , والمجون , يدعون إلى الإلحاد و الفساد , دعاة من شياطين الإنس , والجن , دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم ألقوه في حمئة الرذيلة , دعاة هدم وتخريب , فيقال لهم بصراحة , ( دعوها , فإنها حماقة , ووقاحة , وزور ,وفجور , وباطل ) دعاة يحبون أن تشيع الفاحشة في بلاد الإسلام.
قال جل و علا { إنَّ الَّذِيْنَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيْعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُون } (24) .
دعاة منافقون يظهرون خلافَ ما يبطنون , دعاة يزعمون بأنهم مصلحون , و هم مفسدون ,
قال تعالى { وإذا قِيْلَ لَهُم لا تُفْسِدُوا فِي الأرْض قالُوا إنما نَحنُ مُصْلِحُون , ألا إنَّهُمْ هُمُ الُمفْسِدُونَ ولَكِنْ لاَ يَشْعُرُوَن } . (25)
وأيضاً دعاة الشر والفساد , يدعون إلى الاختلاط , إلى اختلاط المرأة بالرجال , في مراحل التعليم , من الابتدائي إلى النهائي , و كما يدعون إلى ذلك يدعون إلى مزاحمةِ المرأةِ الرجالِ , في جميع الأعمال , كالمكتب , و المصنع , وجميع الدوائر الحكومية .(1/61)
ومن أجاز شيئاً مما تقدم , أو دعا إليه , فلا شك أنه من أذناب الشيوعية , وأذناب الماسونية , وأذناب الصهيونية اليهودية , فيجب على المسلمين عموماً , وعلى الشباب , من البنين و البنات خصوصاً , أن يعرفوا عدوهم فيحذروه , و عليهم أن يعرفوا الخير فيفعلوه , ويعرفوا الشر فيتركوه , فهل من سامع , وهل من مطيع , وهل من مدكر , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل , اللهم طهر بلاد الإسلام والمسلمين من دعاة الشر و الفساد , اللهم اجعل كيدهم في نحورهم , ونعوذ بك اللهم من شرورهم , اللهم ارزقنا البصيرة في الدين , واجعلنا هداة مهتدين .
( دَعُوها فإنَّها جَرِيْمَة )
كما هو معروف , يوجد في بعض البلاد الإسلامية , أعداء للإسلام و المسلمين عامة و أعداء للمرأة خاصة , يموهون , ويبهر جون , ويتشدقون , ويغررون , زاعمين كذباً منهم وزوراً , زاعمين أنهم يحررون المرأة , ويعطونها حقوقها , فهؤلاء الطغاة , يقال لهم : دعوها فإنها جريمة .
دعوها يا دعاة الإباحية , فإنها محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم , دعوها فإنها جناية على كل مجتمع عامة , وعلى المرأة خاصة , يا دعاة الإباحية , لا تغرروا بالمرأة الضعيفة المسكينة , لا تنزلوها من قمة المجد والشرف , إلى الحضيض الأسفل .
يا دعاة الشر و الفساد , لا تكذبوا على بنت الإسلام , لا تخدعوها , لا تخرجوها من مخدعها , وبيتها , ومكان حفظها , وصيانتها , المرأة المسلمة , هي في بيتها سيدة شريفة , وزعيمة , وحرة , و درة مصونة .
المرأة المسلمة التقية التي قرت في بيتها , امتثالاً لأمر الله , وأمر رسوله , وإذا خرجت من بيتها لحاجة وضرورة , لم تخرج إلا بلباس الحشمة , متسترةً متحجبة , طلباً للعفةِ , والصيانةِ , والسلامة , هذا هو الذي به شرفُ المرأةِ , وعزُّها , و مجدُها , وفخرها , وسعادتُها , في دنياها و أخراها .(1/62)
هذه المرأة المؤمنة , التي وفقها الله , وهداها يستهزىء بها دعاة الإباحية , ويبزونها بألقاب قبيحة , فيقولون ما معناه , إنها مهضومة الحق , وأنها في كبت , ومتحجرة ورجعية , وما عرفت الحياة , وما تعرف كيف تعيش , ونحو ذلك من الأقوال النابية .
فمن قال ذلك , فلا شك في زندقته , والحادة , وردته عن الإسلام , لأنه استهزأ بشيء من أحكام دين الإسلام , وقد أجمع العلماء على أن من استهزأ بدين الإسلام أو بشيء من أحكامه فقد كفر .
فالإسلام هو الذي رفع من شأن المرأة وجعل لها حقوقاً تناسبها , حقوقاً هي كفيلة بسعادتها , في دنياها وأخرها .
( دُعاةُ الإباحِيَّةِ مُجْرِمُون )
الذين يدعون المرأة إلى الاختلاط بالرجال في كل مكان , لا فرق بين المدرسة , و المصنع , والشارع , و المكتب , ويدعون المرأة إلى التبرج والسفور , فاتنةً ومفتونة , يغررون بالمرأة , و يخدعونها , زاعمين أنهم يحررونها , ويخرجونها إلى النور , لا شك أنهم مجرمون , و طغاة ملحدون .
نعم هم مجرمون , وزنادقه ملحدون , لأنهم يعتقدون أن ما اختاروا للمرأة , أحسن مما اختاره الله لها , واختاره لها رسوله صلى الله عليه وسلم .
فدين الإسلام الذي هو عن الله و رسوله , أعطى المرأة حقوقاً ليس بالإمكان حصرها , ولا تعدادها , حقوقاً لائقة بحالها , ومناسبةً لشخصيتها .
وبتطبيق أحكام دين الإسلام , يعتدل توازن كل مجتمع بشري , ويعيش عيشةً حميدةً سعيدة , عيشةَ الرفاهيةِ , والهناءِ , والراحة , والطمأنينة .
أما إذا تر ك المجتمع أحكامَ دين الإسلام , أو شيئاً منها فسوف يختل توازن المجتمع , ويصاب بالشلل , والأمراض الصعبة , وحينئذٍ تعز النجاة , وتتكدر الحياة , وتسود الفوضى , ولا خلاص , ولات حين مناص , إلا بالعمل بدين الإسلام , كله عقيدةً وعبادةً , وأحكاماً , و أخلاقاً .(1/63)
دين الإسلام الذي أعطى كل ذي حق حقه كاملاً موفوراً , دين الإسلام الذي هو خير الأديان أحسنها نظاماً , وأعدلها أحكاماً , أعطى الرجل من الحقوق ما هو محتاج إليه ولائق به , وأعطى المرأة من الحقوق ما هي محتاجة إليها , ولائقة بها .
فالمرأة في الإسلام , ليست مظلومة , ولا مهضومة الحقوق , كما يقوله الدجالون , المزورون , دعاة الإباحية , دعاة الشر والفساد , مكر وخداع من دعاة الإباحية .
وصدق الله جل وعلا { فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } (26)
فالمرأةُ المسلمةُ , المصونة , المحتشمة , المتسترة بالحجاب , والثوب الفضفاض , ليست في حبس , ولا كبتٍ , و لا متحجرةً , ولا رجعيةً , بل هي في قُمِة العزة , والمجد , والفخر , والشرف , وإن رغمت أنوفُ , الملاحدةِ , والطغاة , من الشيوعية , والماسونية اليهودية .
( ودعاةُ الإباحيةِ , هدفُهُم , و مقصودُهم , هو إفسادُ أخلاق المسلمين ) وخاصةً الفتيان , والفتيات , وقد صدق شوقي حيث قال :
( إنما الأمَمُ الأخْلاقُ ما بَقِيَتْ فإنْ هُمُوا ذَهَبَتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا )
( تَنبِيْه )
لماذا أعداء الإسلام , والمسلمين, من يهود ونصارى وغيرهم يحرصون ,ويبذلون كل مجهود ,من أجل إفساد أخلاق المسلمين ,وخاصة الشباب من البنين والبنات : تارةً بالتشكيك في دين الإسلام ,وتارةً بالتزوير والدعايات المضللة ,وتارةً بالأفلام الماجنة الداعرة .
وتارة بالمجلات التي تحمل صور الكاسيات العاريات , المجلات الخليعة , التي فيها قصص , الغرام وفعل الحرام , وتارة بالمسارح والمراقص , والفيديو , والسينما , وتارة بالخمر , والزمر , والمخدرات , والمسكرات .
فالكفرة المشركون , والطغاة المجرمون, غزوا المسلمين , في عقر دارهم , غزوهم غزواً فعلياً , وغزواً فكرياً .(1/64)
فالمحافل الماسونية , توصى بإفساد شباب المسلمين , فيقولون عليكم بالشباب , بل عليكم بالأطفال ودعوا الشيوخ جانباً , أي عليكم بالشباب أفسدوا عقيدَتهم , وديْنَهم , وأخلاقَهم , فما هو هدفُ الكفرة , والطغاة , وما مقصودُهم .
الجواب وفصل الخطاب , أعداء الإسلام , فعلوا كلما يقدرون عليه في إضلال المسلمين , وإبعادهم عن دينهم ,وأخلاقهم الكريمة السامية , لأن أعداء المسلمين يعلمون علم اليقين , بأن الدين الإسلامي الصحيح , هو الذي يحفز الهمم , ويقوي القلوب , ويثير الحماسةَ , ويلهبُ الشجاعةَ , ويشوقُ النفوسَ إلى الجهاد في سبيل الله , حفاظاً , وحياطةً لدين الإسلام , كله عقيدةً وشريعةً , وسلوكاً وأخلاقاً , وحفاظاً على الممالك الإسلامية , والمقدسات الشرعية , وحفاظاً على العز والشرف , والكرامة .
فزنادقةُ اليهود , وأفراخُ الشيوعية , وملاحدةُ الماسونية , يعرفوا بأنهم لا يسيطروا على البلاد الإسلامية ولا يمتصوا خيراتها ما دام المسلمون متمسكين بعقيدتهم , وشريعتهم .
ومتى تنكر المسلمون لدينهم , وأخلاقهم , وعقيدتهم , وتخنث رجالهم , وترجلت نساؤهم , وتفرنجت , وتبرجت , فبلاد الإسلام طعمةً سائغةً للطغاةِ والكافرين , ونسأل الله أن لا يكون ذلك , وبمنة الله , وفضله لا يكون .
روى مسلم في صحيحه , عن ثوبان رضي الله عنه , قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق , لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله كذلك )) . (27) .
وعن عقبة بن عامر , رضي الله عنه , قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يقول (( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله , قاهرين لعدوهم , لا يضرهم من خالفهم , حتى تأتيهم الساعة , وهم على ذلك )) . رواه مسلم .
وعن المغيرة بن شعبة , قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين , حتى يأتيهم أمر الله , وهم ظاهرين )) . متفق عليه .(1/65)
وعن جابر بن عبد الله , قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يقول (( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة )) . رواه مسلم .
وعن أبي هريرة , رضي الله عنه , أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله , لا يضرهم من خالفها )) . رواه ابن ماجه . ورمز له السيو طي . بالصحيح .
وما أخبر به صلى الله عليه وسلم هنا فيه بشارة للمسلمين المتمسكين بدين الإسلام , وفيه معجزة من معجزات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) , حيث مضى من القرون أربعة عشر قرناً , والمسلمون على سبيل العموم في قوة , وعزة , ومنعة , بل في زمن الخلفاء الراشدين , وفي الدولة الأموية , والعباسية والأيوبية, والعثمانية خاصة في أول شبابها , حصل من الفتوحات الإسلامية , والجهادِ في سبيل الله , ما هو غرة في جبين الدهر , ودخل الناس في دين الله أفواجاً , واستنارت الدنيا بنور الإسلام , وعدلِ الإسلام , انتصر المسلمون وعزوا لما كانوا مسلمين حقاً , ومؤمنين صدقاً , فالله تعالى ينصر من نصره وينصر تعالى المؤمنين .
قال تعالى : { و كانَ حَقاً عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ } (28) { يا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ } (29) . فإذا وجد الإيمان والإسلام الصحيح , وجد العز والنصر و إلا فلا عز ولا نصر , جزاءً وفاقاً { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ للْعَبِيْد } .
و كذا الحكومة السعودية , لما قامت بالدعوة إلى الإسلام الصحيح أعزها الله ونصرها , ونسأل الله تعالى أن يديم لها العز و النصْرَ , والتمكينَ و الخير و السعادة .
( أعْدَاءُ الإِسْلام )(1/66)
أعداء الإسلام , من شيوعية , و ماسونية يهودية , وغيرهم من الطغاة والكافرين يشوهون الإسلام بأنواع من الدجل , والبهرجة , خوفاً من قوتِهِ , و انتصارِهِ , ومن ذلك قولهم ما معناه , إن المرأةَ في الإسلام مظلومة .
فمن قال ذلك يقال له اخسأ فلن تَعْدوا قَدْرَكَ , يقال له ما أصبت الهدفَ , بل كذبت وزورت , ونَبى فَهْمُكَ , وطاشَ سَهْمُكَ , يقال له اعكس تصب , الإسلام , هو الذي انتشل المرأةَ .
المرأةُ ولدت من جديد بمولد الإسلام , الإسلامُ , هو الذي عزز من جانب المرأة , فجعلها عزيزةً , شريفةً , محترمةً , موقورةً , لها مكانتها المرموقة في المجتمع , فهي الأم , والجدة , والابنة , والأخت , والعمة , والخالة , هي شقيقة الرجل , هي نصف المجتمع .
المرأةُ في الإسلام , هي سيدةُ أولادِها , وأميرةُ أسرتها , والمرأةُ في غير الإسلام , لا وزنَ لها ولا قيمة , مبتذلةً , ومنبوذةً , ومحتقرةً , ومهانة , الإسلام أثبت للمرأة حقوقاً تناسبها , وتليق بها .
فليست المرأة في الإسلام مظلومةً ولا مهضومة , بل هي عزيزة موقرة , المرأة مظلومة في غير الإسلام , المرأة مظلومة قبل الإسلام , مظلومة ومهضومة ومبخوسةَ الحقوق , ومعدودةً من سقط المتاع , عند العرب قبل الإسلام , وكذا عند اليونان , والرومان , سجل التاريخُ بأن الطوائفَ الهندية , والمسيحية , والرومان , واليونان يعاملون المرأةَ معاملةً لا تليق ببني الإنسان .
أما الإسلامُ , فاحترم المرأةَ , احترمها أماً , واحترمها بنتاً , واحترمها زوجةً , واحترمها كبيرةً , وصغيرةً , حاضرةً وغائبة , حرةً ومملوكة , حيةً وميتة .
وقد أشرنا إلى هذا الموضوع , تحت عنوان ( دُعاةُ الإباحِيّةِ مُجْرِمُون ) وقريباً يأتي له بإعانة الله بقية .(1/67)
نعم ورب هذا الكون , دينُ الإسلام , احترم المرأةَ زوجةً , وأثبت لها حقوقاً تناسبها , وتليق بحالتها , وشخصيتها , فكما أن الزوج له حق على زوجته , فالزوجة لها حق على زوجها .
ولأهْدافٍ ساميةٍ , وحِكَمٍ حَكِيمَةٍ جاء الإسلامُ بإثبات الحقوق لكل من الزوجين على صاحبه , وبأداء الحقوق , تنعقدُ أواصرُ الصداقةِ والصلةِ , والمحبةِ والوئام , ويحصل التعاون على الحياة الاجتماعية في ظل الإسلام , وتشريعاته الحكيمة , وحينئذٍ يعيش الزوجان عيشةَ الرَّغَدِ والهناءِ : الجو صافياً والطَّقْسُ مُعْتَدِلاً , والمياهُ تجري عَذْبَةً في مجاريها .
وإن شاء الله وبإعانةِ الله نذكر بعض الأدلة , من الكتاب والسنة , المثبتة للحقوق الزوجية .
( لِكُلٍ مِنَ الزَّوجَيْنِ حَقٌ )
وهذا من محاسن شريعة الإسلام , فالله جل شأنه , هو العليم الحكيم , هو العالم بمصالح عباده , فَلِحِكمٍ حكيمةٍ , وغايات محمودة , أوجب الله لكل من الزوجين حقاً على صاحبه , حتى تكون الروابطُ بين الزوجين وثيقةً , والعشرةُ مستدامة , والأحوالُ منسجمة , والجو صافياً , خالياً من التَّعَكرِ .
فحينئذٍ تعيشُ الأَسْرَةُ عيشةَ الهدوِّء , والراحةِ , والهناءِ , والخيرِ , والسعادةِ , فالزوجُ له على زوجته , حقوق , يجب عليها أداؤها , والقيام بها , والزوجة لها على زوجها حقوق يجب عليه أداؤها , والقيام بها .
وها هي بعض الأدلة من الكتاب , والسنة , قال تعالى { يا أيُها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُ لكمْ أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ولا تَعْضُلُوهُنَّ لتَذْهَبوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُموهُنَّ إلاَّ أنْ يأتِيْنَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ و عاشِرُهُنَّ بالمعرُوفِ فإنْ كَرِهْتُموهُنَّ فَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللهُ فِيْهِ خَيْراً كَثِيْراً } (30)(1/68)
في مثل هذه الآية , أزال الإسلامُ , عن المرأة آثار الجاهلية وأغلالها : كان أهلُ الجاهلية , إذا مات أحدهم عن زوجته , كان قريبُهُ كأخيه , وابنه وعمه , وغيرهم من القرابة , أحقَ بزوجته من كل أحد , أحبت ذلك أو كرهته , وكما أن الإسلام حرم ذلك , ومنع منه , حرم عَضْلَ المرأة إلا بحق , ثم قال تعالى { وعاشِرُوْهُنَّ بِالْمعْرُوف }
والمعاشرة تشمل أموراً كثيرةً ومنها الأقوال والأفعال .
وكما يجب على الزوج أن يقوم بحقوق زوجته : يجب على الزوجة أن تقوم بحقوق زوجها , فقد أخبر صلى الله عليه وسلم , بأن زوج المرأة هو جنتها ونارها , أي فتدخل المرأة النار بسبب عدم قيامها بحقوق زوجها وتدخل الجنة بسبب قيامها بحقوق زوجها .
عن أم سلمه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة )) . رواة ابن ماجه , والترمذي , وقال : حديث حسن صحيح .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : (( إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبانَ عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح )) . متفق عليه .
نعم كما تقدم , وكما يأتي , فالإسلام هو الذي عزز المرأة , ورفع من شأنها , وجعلها محترمةً موقرة , لها حقوقها اللائقة بها لا ما يقوله دعاة الإباحية دعاة الشر و الفساد , من الزنادقة , والملاحدة , فإنهم قالوا ويقولون ما معناه المرأة في الإسلام مسلوبة الحرية , والحقوق .(1/69)
وهنا سورة في القرآن من طوال السور تسمى : سورة النساء , ذكر الله تعالى كثيراً من حقوق المرأة في الإسلام , و آيات القرآن التي جاءت في بيان احترام المرأةِ , وفي بيان ما لها من واجباتٍ , وحقوق كثيرة جداً , وكذا أحاديثُ الرسول (صلى الله عليه وسلم ) . كثيرة وشهيرة في بيان حقوق المرأةِ في الإسلام , وفي الحث على توقيرها , واحترامها . فمن ذلك قوله تعالى { وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ سَرِحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه }(31)
وقال تعالى : { وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أن يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ إذا تَرضَوا بَيْنَهُم بِالْمعْرُوف } (32) .
وقال تعالى : { الطَّلاقُ مَرَّتانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيْحٌ بِإحْسان } (33) .
( الْمرأةُ فِي الْمجتَمَعِ الْمُسْلِم )
( أيتها المسلمة ) ويا أخت كل مسلم , لا تغتري بما يقوله دعاةُ الحرية , والإباحية , دعاةُ التبرج والسفور , فإنهم يدعونَ إلى تدمير المجتمع المسلم , يدعون إلى فساد أخلاقه .
فالإسلامُ هو الذي جعل المرأةَ تتبوأ مكانةً رفيعةً عالية , مكانةً تحفظ للمسلمة إنسانيتَها و كرامَتَها , وتصونَها عن أسباب الشر و الفساد .
الإسلام أثبت للمرأة حقوقها اللائقةِ بها , فشهادتها مقبولة , وأمانها ولو لكافر مقبول , عام فتح مكة , أمُ هَنِيءٍ أمنت رجلاً وأجارته , فقال صلى الله عليه وسلم (( قد أجرنا من أجرت يا أم هنيءٍ وأمنا من أمنت )) .
والإسلام هو الذي أنصف المرأة , ولم يبخسها شيئاً من حقوقها فجعلها ترث وتملك وتبيع وتشتري , وتتصرف في مالها , وتقرض وتتصدق وتهب , في الوقت الذي مازالت بعضُ دول أوروبا لم تعطها حقوقها الثابتة لها شرعاً .(1/70)
والإسلام جعل للمرأة الحق أن تُسْتأذَنَ في أمر زواجِها , ولها أن ترفُضَ , ولها أن توافقَ , وجعل الإسلام للمرأة حقوقاً على زوجها , كما جعل للزوج حقوقاً عليها .
قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(34) .
والمرأة في ميزان الإسلام العادل , كالرجل , حرم الله عليها المحرمات , وأوجب عليها الواجبات , فرض الله عليها القيامَ بالتكاليف الشرعية , وتَحْمَدُ العاقبةَ إذا استجابت لأمر الله , وأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) , وتُذَمُ وتُعاقَبُ إذا تنكبتِ المنهجَ القويم , والصراطَ المستقيم .
قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (35) .
والمرأة المسلمة كالرجل , في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي إقامةِ الصلاةِ , وأداءِ الزكاةِ , وفي طاعة الله ورسوله .
وصدق الله تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(36)
فالمرأة المؤمنة لها مكانتها في الدنيا بالتوقير والاحترام , ولها مكانتها في الآخرة , بالفوز والنعيم .
قال تعالى { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِيْنَ و الْمُؤْمِناتَ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِيْنَ فِيْها ويُكَفِّرَ عَنْهُم سَيِّآتِهِمْ وكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللّه فَوْزاً عَظِيْماً }(37).(1/71)
وقال تعالى : { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (38).
والإسلام هو الذى جعل المرأةَ حَرَماً محترمةً,فلا يدخُلُ بها أحد ولاتكون زوجةً له , إلابكمة الله , ولايأخذها إلابأمانة الله , فلا يصل إليها أحد ,إلاعن طريق زواج شرعى , وبذلك صيانة شرفها , والقيام بحقوقها , وتوفير الحياة الطيبة لها, وبذلك تكون رَبَّةَبيتٍ , وسَيِّدةَ أسرة.
ومن تعظيم الإسلام للمرأة , أن جعل عقابَ من قذفها ثمانينَ جلدةً قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (39)
ومن رعاية الإسلام للمرأة , تشريفاً لها واحتراماً , حَرَّمَ على الرجال الأجانب النظر إليها , حرصاً على كرامتها , نزاهتها , وسعادتها , قال جل وعلا:{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } (40).
( فصل )
والإسلام جعل المرأةَ كالرجل في مثل قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (41).
والإسلام هو الذي ينذر ويحذر من التعدي على المرأة المسلمة , بقول أو فعل , وخاصةً إذا أحد تعدى على كرامتها وشرفها ,.
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (42).(1/72)
( أيتها المسلمة ) لا تسمعي إلى ما يقوله الطغاةُ والمجرمُون , بإن المرأة مهضومةً في الإسلام , ومظلومةً ' فالإسلام هو الذي أمر باحترام المرأة وإكرامها , جاء الإسلام إلى بلاد العالم كلها بحقوقٍ مشروعةٍ ,وواجبة للمرأة لم يسبق لها دستور من الدَّساتير , ولا شريعة من الشرائع ,من ذلك قوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً } (43).
والإسلام سوى بين المؤمنين والمؤمنات , في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } (44) .
فالمرأة إذا كانت مسلمةً فهي محترمة وموقرة ,في شريعة الإسلام , محترمة أماً وبنتاً وأختاً وزوجة .
عن معاوية بن جاهمة , أن جاهمة قال : يا رسول الله أردت أن أغزوا وقد جئت أستشيرك , فقال صلى الله عليه وسلم : (( هل لك من أم )) قال : نعم , قال صلى الله عليه : (( الزمها فإن الجنة عند رجليها )). رواه النسائي وابن ماجة والحاكم وقال : صحيح الإسناد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي , قال صلى الله عليه وسلم ((أمُكَ)) , قال : ثم من ' قال صلى الله عليه وسلم : (( أمُكَ )) , قال : ثم من ' قال صلى الله عليه وسلم : (( أمُكَ )) , قال : ثم من , قال صلى الله عليه وسلم : ((أبوك)) . متفق عليه , واللفظ للبخاري . فشريعة الإسلام , جاءت بإعزاز المرأةِ المسلمةِ , وإكرامها , ورفعِ مستواها , وما لها من حقوقٍ تناسبها .
( فصل)(1/73)
والإسلام جاء بكل خير وسعادة للمرأة المسلمة , في دنياها وفي أخراها , قال تعالى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (45).
وجنات النعيم هي للمؤمنين والمؤمنات جميعاً , قال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (46) .
والآيات القرآنية التي وردت , بتعزيز المرأة , وإكرامها , ورفع مستواها , كثيرة وكثيرة وليس بالإمكان حصرها , وتعدادها .
أما أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم , وأقواله التي جاءت صريحةً في إكرام المرأة المسلمة , وإعطائها ما لها من حقوق , فكثيرة وشهيرة , هي حقوق لائقة بالمرأة وتناسبها , وحقوق أثبتها الإسلام , تَضْمَنُ للمرأةِ سعادتَها الدنيوية , وسعادتِها الأخروية .
والرسول صلى الله عليه وسلم , أوصى بالنساء فجاء حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه , قال صلى الله عليه وسلم : (( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله , ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه , فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح , ولهن عليكم رزقهن , وكسوتهن بالمعروف )).(1/74)
قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في المجمع الجامع , في خطبته في يوم عرفة بعرفة في حَجَّةِ الوداع , أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم , بالنساء خيراً .
(أحادِيْثُ الرَّسُولِ فِي إكْرامِ الْمَر أة )
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في احترام المرأه وإكرامها كثيرة وتقدم بعضها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فإذا شهد أمرا فليتكم بخيرا أو ليسكت واستوصوا بالنساء خيرا فإن المراه خلقت من ضِلَع وإن أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه . إن ذهبتَ تقيمة كسرتَهُ وكسرها طلاقها وإن تركته لم يزل أعوج . استوصوا بالنساءِ خيراً)) متفق عليه .
وفي صحيح مسلم . من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يَفْرُكْ مؤمنٌ مؤمنةً .إن كره منها خُلُقاً رضي منها أخَرَ)) . أو قال غيره ومعني لا يفرك مؤمن مؤمنةً أي لا يبغضها لأنه يتنافي مع حسن العشرة .
وعن ابي هريره . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً . وخياركم لنسائهم)). رواه الترمذي وصححه. هذا هو الأسلام يافتيان الإسلام ويا فتيات الإسلام فالإسلام جاء بكل خير وسعادة ومن ذلك إكراما المرأة واحترامها .
وعن انس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما النساء شقائق الرجال . رواه البزار . ورمز له السيوطي بالصحيح ورواه الإمام احمد وأبو داود والترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) وأنا خيركم لأهلي . رواه الترمذي من حديث عائشة ورمز السيوطي في الجامع الصغير لصحته
وروي الحاكم وصححه . عن ابن عباس . رضي الله عنهما . أن رسول صلى الله عليه وسلم قال ( خيركم خيركم للنساء ) .(1/75)
وقال صلى الله عليه وسلم ((خيركم خيركم لأهله)) . وأنا خيركم لأهلي ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ) رواه ابن عساكر . ورمز السيوطي في الجامع لصحته
( وكما أوصي الرسولُ بالمرأةِ كبيرةً أوصي بها صَغِيْرَةً )
جاء في صحيح مسلم . من حديث انس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من عال جاريتينِ حتى تبلغا جاء يومَ القيامةِ انا وهو وضم اصابعه )).
ورواه الترمذي ولفظه من عال جاريتين حتى تُدْركا دخلتُ انا وهو الجنة كهاتين ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام كهاتين أي يقرنُ عليه السلام بين إصبعه السبابة والوسطي وروي الحديثَ أبو داود ولفظه من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن واحسنَ إليهن فله الجنة .
وعن عائشة رضي الله عنها . قالت : جاءتني امرأه ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غيرَ تمرةٍ واحده فأعتيطها إياها فأخَذَتْها فقسمتها ولم تأكل منها شيئا ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها .فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من ابتلي من البنات بشيءٍ فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )رواه مسلم والإمام احمد والبخاري والنسائي .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ((جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحد منها تمرةً ورفعت إلى فيها تمرةً لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرةَ التي تريدُ إن تأكلها بينهما فأعجبتني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار )) .
( الْمرأةُ في الإسْلامِ مُحْتَرَمَة )
نعم المرأة المسلمة في شريعة الإسلام محترمةٌ وعزيزةٌ وموقرة وبعدَما اشرنا إلى ذلك إشارة مختصرةً وذكرنا بعضَ حقوقِ الزوجةِ علة زوجها وبعضَ حقوق الزوج على زوجته 0(1/76)
بعد ذلك نعود بتوفيق الله وإعانته فنذكر بقية الكرم على حجاب المراة الذي به سِتْرُها ,وسلامَتُها ,وبه عزُها ,وشرفُها ,وفخرها ,وصيانتها ,ومن غير شك إن سفور المراة وهو كشف وجهها بحضور رجل أجنبي بدعة في الإسلام ويترتب عليه من المفاسد مالا يعد ولا يحصى .
والحجاب كما هو واجب على أمهات المؤمنين فهو على قول جماهير العلماء , واجب على النساء أجمعين وبإعانة الله يأتي من الحجج والبراهين ما يوضح ذلك .
( بِِدْعَةُ كَشْفِ الْوجْه )
هذا عنوان ذكره الشيخ محمد الصابوني . في كتابه ( روائع البيان تفسير آيات الأحكام ) ثم قال : ظهرت هذه الأيام الحديثة دعوةٌ تَطَوُرِيَّةٌ جديدة (47) تدعو المرأة إلى أن تسفر
عن وجهها وتترك النقاب الذي اعتادت أن تضعه عند الخروج من المنزل بحجة أن النقاب ليس من الحجاب الشرعي وان الوجه ليس بعورة .
دعوة ( تَجْدِيْدِيَّة ) من أناس يريدون أن يظهروا بمظهر الأئمة المصلحين الذي يبعثهم الله على راس كل مائة سنه ليجددوا للأمة أمر دينها ويبعثوا فيها روح التضحية والإيمان والكفاح .
دعوةٌ تجديدةٌ وبدعة حديثة من أناس يَدَّعُونَ العلم ويزعمون الاجتهاد ويريدون أن يثبتوا بآرائهم ( العَصْرِيَّةِ الحدِيْثة) أنهم أهل لأن ينافسوا الأئمة المجتهدين وأن يجتهدوا في الدين كما اجتهد أئمة المذاهب ويكون لهم أنصار وأتباع
لقد لاقت هذه الدعوة ( بِدْعَةُ كَشْفِ الوجه )رَواجا بين صفوف كثير من لشباب وخاصةً منهم العصريين لا لأنها ( دَعْوةُ حقٍ ) ولكن لأنها تلبي الهوى والهوى محبب إلى النفس وتسير مع الشهوة والشهوة كامنة في كل إنسان فلا عجب إذاً أن نرى أو نسمع من يستجيب لهذه الدعوة الأثيمة ويسارع إلى تطبيقها بحجة أنها ( حكمُ الإسلام وشرعُ الله المنير ).
وقد سبقهم بهذه ( البدعة المنكرة ) بعض أهل الهوى . من الشعراء حيث قال :
قل للمليحَةِ في الخمار المذَهَّبِ أذهَبْتِ دِينَ أخِ التُّقي المتَعَبِّدِي(1/77)
نورُ الخِمارِ ونورُ وجْهُكِ ساطِعٌ عَجَباً لوجْهِكَ كَيْفَ لم يَتَوقَّدِ
عجباً والله لهؤلاء وأمثالهم أن يدعوا ( المرأةَ المسلمةَ ) إلى كشف الوجه باسم الدين وأن يزينوا لها طرحَ النِّقابِ في مثل هذا العصر الذي فسد رجاله وفسق شبابه إلا رحم الله وكثر فيه الفسق والفجور والمجون .
ونحن نقول لهؤلاء المجدين من أئمة العصر المجتهدين رويدكم فقد أخطأتم الجادةَ وتنكبتم الفهم السليم الصحيح للإسلام وأحكامه التشريعية ونخاطبهم بمنطق العقل و الشرع وكفى بهما حجة وبرهاناً, لقد شرط الفقهاء الذي قالوا بأن الوجه ليس بعورة ,أمْنَ الفتنة , فقالوا الوجه ليس بعورة ولكن يحرم كشفة خشية الفتنة فهل الفتنة مأمونة في مثل هذا الزمن.
والإسلام قد حرم على المرأة أن تكشف شيئا من عورتها أمامَ الأجانب خشيةَ الفتنةِ , فهل يعقل أن يأمرها الإسلام أن تستر شعرها وقدميها وان يسمح لها ان تكشف وجهها ويديها وأيهما تكون فيه الفتنه اكبر الوجه أم القدم
يا هؤلاء العقلاء كونوا عقلاء ولا تلبسوا على الناس أمر الدين فإذا كان الأسلام لا يبيح للمرأة أن تدق برجلها الأرض لئلا يسمع صوت الخلخال وتتحرك قلوب الرجال او يبدوا شيء من زينتها فهل يسمح لها أن تكشف عن الوجه الذي هو اصل الجمال ومنبع الفتنة ومكمن الخطر ا هـ ملخصا من روائع البيان تفسير آيات الأحكام (48)
قلت : بدعة كشف الوجه التي أشار الشيخ الصابوني بقوله دعوة تجديدية . ولدعة حديثة أثيمة من أناس يدعون العلم ويزعمون الاجتهاد هذه الدعوة الأثيمة الممقوتة الدعوة الخاطئة التي انفتح بسببها باب شر وفساد على المسلمين لم يصرح الصابوني باسم الذي أشاع البدعة ودعا إليها وخاطب الصابوني المبتدع للبدعة بقوله : رويدكم فقد أخطأتم الجادة وتنكبتم الفهم السليم الصحيح للإسلام وأحكامه التشريعية .(1/78)
المبتدع الذي أشار إلية الصابوني هو الشيخ الألباني هدانا الله وإياه ولاشك ولا ريب إن الألباني اجتهد فأخطأ خطأ فاحشا حيث قال ما معناه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها مع وجو د الرجال الأجانب وفي مخالفة لهدى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالرسول عليه الصلاة والسلام في مجتمع نزيه سليم تسوده التقوى والخشية لله تعالى ومع ذلك امتثالا لأمر الله يأمر بالحجاب فكيف بهذا الزمن الذي قل خيره وكثر شره في هذا الزمن الذي شاع فيه التبرج والسفور ووجدت فيه المغريات الفتانة وتفتحت فيه أبواب الشر والفساد .
وفي الشريعة الإسلامية قاعدة الحكم يدور مع العلة . ومن شواهد ذلك قول عائشة لو رأي محمد من النساء ما رأينا لمنعهن المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها فالقول بوجوب الحجاب متعين وخاصة في هذا الزمن وقد ورد على الألباني كثير من العلماء ويأتي ذلك إن شاء الله تعالي مع العلم أن جماهير العلماء قالوا بوجوب الحجاب
( وَجهُ الْمرأةِ وجَمِيْعُ بَدَنِها عَوْرِةٌ )
نعم على قول جماهير العلماء وجهُ المرأة وجميع بدنها عورة يجب ستره عن الرجال الأجانب .
قال الشيخ وهبي سليمان بعد كلام سبق وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء وجمهور الأمةُ على انه لا يجوز للنساء الشواب كَشْفُ الوجه والأكف بين الأجانب ويستثنى فيه العجائز لقوله تعالي {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} والضرورات مستثنات من الجميع بالإجماع أهـ .(49)
وقال محمد الصابوني والأئمة الذين قالوا بأن ( الوجه والكفين ) ليسا بعورة, اشترطوا بألا يكون عليها شيء من الزينة ,وألا يكون هناك فتنه أما ما يضعه النساء في زماننا من الأصباغ والمساحيق على وجوهن وأكفهن بقصد التجمل ويظهرن به أمام الرجال في الطرقات فلا شك في تحريمه عند جميع الأئمة .(1/79)
ثم إن قول بعضهم الوجه والكفان ليسا بعورة ليس معناه انه يجب كشفهما أو أنه سنة وسترهما بدعة فإن ذلك ما لا يقول به مسلم وإنما معناه أنه لا حرج في كشفهما عند الضرورة وبشرط أمن الفتنة أما في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه أعوان الشيطان وانتشر فيه الفسق والفجور .
فلا يقول أحد يجوز كشفة لا من العلماء ولا من العقلاء إذ من يري هذا الداء والوباء الذي فشي في الأمة وخاصة بين النساء بتقليدهن النساء الأجانب فإنه يقطع بحرمة كشف الوجه لأن الفتنه مؤكدة والفساد محقق ودعاة السوء منتشرون ولا نجد المجتمع الراقي المهذب الذي يتمسك بالآداب الفاضلة . ويستمع لمثل قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ولا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أصْرِفْ بَصَرَكَ))
فالاحتياط في مثل هذا العصر والزمان واجب والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم أ.هـ (50).
نعم وجه المرأة وجميع بدنها حتى ظفرها عورة بالنسبة للرجال الأجانب صرح بذلك الإمام أحمد وهذا هو المشهور في المذهب الحنبلي .
قال في غاية المنتهي وحرم في غير مامر قصد نظر حرة أجنبية حتى شعر متصل لا بائن قال الأمام احمد ظفرها عورة .
فإذا خرجت فلا يبين شيئا ولا خفها فإنه يصف القدم وأحبُ أن تجعل لكمها زراً عند يَدَها. (51)
نعم وجه المرأة وشعرها ورقبتها وذراعها وساقاها وجميع بدنها عورة والعورة يجب سترها وبهذا قال جماهير العلماء خلفا وسلفا قديما وحديثا سدا لذريعة الفتنة والفساد.
وأولا وقبل كل شيء امتثالا لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم يجب على المرأة المسلمة التي ترجوا ثواب الله ورحمته وتخشى من عقابه أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة وضرورة وإذا خرجت فيجب أن تحجب وتستر جميع بدنها حتى تكون عزيزة شريفة محترمة .(1/80)
وقد عاشت أمة الإسلام في عصورها الذهبية في عصورها المتألقة عزا وقرونها المفضلة محافظة على شعائر دينها ومن ذلك الحجاب مع العلم أن الحجاب مستعمل في قديم الزمان ويشهد لذلك ما يأتي.
( مَشْرُوعِيَّةُ الْحِجابِ قَدِيْمِةٌ )
مشروعية الحجاب ليس ذلك خاصاً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بل الحجاب متعرف عليه . ومستعمل في الأمم والشعوب التي تقادم عهدها
قال عباس محمود العقاد : (52)
(الْفِصْلُ السَّادِسُ)
( الحِجابُ )
من الأوهام الشائعة بين الغربيين أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية وكادت المرأة المحجبة عندهم أن تكون مرادفة للمرأة المسلمة . أو المرأة التركية التي حسبوها زمنا مثالا لنساء الإسلام لأنهم رأوها في دار الخلافة .
وهذا وهم من الأوهام الكثيرة التي تشاع عن الإسلام خاصة بين الأجانب عنه وتدل على السهولة التي يتقبلون بها الإشاعات عنه مع العلم ببطلانها لا يكلفهم طول البحث الدينية التي تداولونها وأولها كتب العهد القديم وكتب الأناجيل.
فمن يقرأ هذه الكتب يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام وظل معروفا بينهم في أيام أنبيائهم جميعا إلى ما بعد ظهور المسيحية وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد .
ففي الإصحاح الرابع والعشرون من سفر التكوين عن ( رفقه ) أنها رفعت عينها فرات إسحاق ( فنزلت عن الجمل وقالت للعبد : من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي فقال العبد : هو سيدي . فأخذت البرقع وتغطت .
وفي الإصحاح الثامن والثلاثون من سفر التكوين أيضا أن تامار : مضت وقعدت في بيت أبيها ولما طال الزمن خلعت ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت .(1/81)
وفي النَّشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة ( اخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى عند الظهيرة ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك .
وفي الإصحاح الثالث من سِفْرِ أشِعْيا إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجه والمباهات برنين خلاخيلهن بأن ( ينزع عنهن زينة ) الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى إن النقاب شرف للمرأة وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد .
فلا حاجة إلى التوسع في قراءة التاريخ للعلم بأن نظام الحجاب سابق لظهور الإسلام لأن الكتب الدينية التي يقراها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب ما لم يذكره القران الكريم ولم يكن البرقع مما ذكره القران الكريم فيما أمر به من الحجاب
فإذا بحث القوم عن تاريخ الحجاب في غير الكتب الدينية فالكتب المخصصة لهذا البحث مملوءة بأخبار الحجاب الذي كان يتخذ لستر المرأة أو يتخذ للوقاية من الحسد وأخبار البرقع جزء من الأخبار المستفيضة من حجاب العزلة في المنازل وخارج المنازل في الطرقات والأسواق .
وقد كان اليونان ممن فرض هذه العزلة على نسائهم وكان الرومان على ترخيصهم في هذا الأمر يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتى سنة ومنها قانون عرف باسم قانون أوبيا يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت .
ولقد غلا المترفون من الأقدمين في حالى الحجاب والتسريح فحجبوا المرأة ضناً بها, وسرحوها هوانا بها عليهم وأوشك إعزازها أن يكون شراً عليها من هوانها فإذا عزت عندهم فهي طير حبيس في قفص من معدن نفيس أو خسيس وإذا هانت عليهم سرحوها ليبتذلوها في خدمة كخدمة الدابة المسخرة حريتها الموهومة ضرورة من ضرورات التسخير والاستعباد.(1/82)
جاء الإسلام والحجاب في كل مكان وجد فيه تقليد سخيف وبقية من بقايا العادات الموروثة لا يدري أهو أثرة فردية أم وقاية اجتماعية بل لا يدري أهو مانع للتبرج وحاجب للفتنة أم هو ضرب من ضروب الفتنة والغواية.
فصنع الإسلام بالحجاب ما صنعه بكل تقليد زال معناه , وتخلفت بقاياه بغير معنى , فأصلح منه ما يفيد ويعقل , ولم يجعله كما كان عنواناً لاتهام المرأة أو عنوانا لاستحواذ الرجل على ودائعه المخفية , بل جعله أدباً خُلُقِياً يستحب من الرجل , ومن المرأة , ولا يفرق فيه بين الواجب على كل منهما إلا لما بين الجنسين من فارق في الزينة واللباس والتصرف بتكاليف المعيشة وشواغلها .
فالمؤمنون مطالبون بأن {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }(53)
المؤمنات مطالبات بذلك { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(54)أ. هـ المقصود من كلام العقاد
ومنه يتضح أن الحجاب ليس خاصا بشريعة الله التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم مع العلم أن الشريعة التي جاء بها محمد عله والصلاة والسلام نسخت كلما خالفها من الديانات والشرائع .(1/83)
وبعد ذلك نسوق ما قاله وهبي سليمان وهو أن الحجاب مستعمل ومتعارف عليه قبل الإسلام بزمن طويل عند العرب وعند غيرهم .
( الْحِجابُ مَفْرُوضٌ فِي جَمِيْعِ الشَّرائِع )
قال وهبي سليمان غاوجي الألباني في كتابة ( المرأة المسلمة )الفصل الرابع :
( حِجابُ الْمَرأةِ الْمُسْلِمَة )
1- الأصل في لحجاب انه عبادة ووقاية أما انه عبادة فلأمر الإسلام به.
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}
وأما انه وقاية فلأنه يساعد على غض البصر الذي أمر الله تعالى به ويساعد على قطع أطماع الفسقة الذين في قلوبهم مرض ويبعد المرآة. عن مخالطة الرجال ومداخلتهم كما انه يساعد على ستر العورات التي تثير في النفوس كوامن الشهوات .
2- الأصل أن الشرائع جميعها فرضت حجاب المرأة عن الرجال وقد بقيت لها في كتبها بقية تشير إلى ذلك (55) ومن الدليل البين لباس الراهبات ودخول المرأة الكنيسة وقد غطت رأسها بساتر.
فالتبرج ليس تحررا من شريعة الإسلام وحسب إنه تحلل عن دين الله تعالى : من ملة إبراهيم وموسى وعيس عليهما السلام فلينظر العاقل الفرق بين التحرر والتحلل وليعلم أن المرء غدا يكون مع من أحب في الدنيا .(2(56)
ثم قال وهبي سليمان في موضع أخر : تصنيف الشرائع بين لازم والزم ليس الى البشر ولكن إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.(1/84)
فليس لمسلم أن يقول : إن حجاب المرأة اليوم أمر سهل لا باس بتركة وقد كفر أكثر الناس بأصول الإسلام وشرائعه العظيمة طالما أن القصد هو الترقي عن معصية النظرة المغرضة والزنى وهما ممكنان مع السفور فكيف يحل إن يكون في المسلمين من يدعو المسلمين إلى الخروج على بعض شرائع الإسلام ( كالحجاب ) حقا إن الدعاة إلى سفور المرأة المسلمة وخروجها متحللة عن أحكام الإسلام مرتدون خارجون عن الإسلام هم آثمة أكثر من المرأة السافرة إذا كانت تخرج سافرة وهي تعلم أنها تعصي الله تعالى بخروجها كذلك أما إذا استحلت ذلك السفور فقد اشتركت معهم في الكفر والردة معاذ الله.
( الدَّعْوَةُ إلى السُّفُورِ دَعْوَةٌ يَهُودِيَّة )
الدعوة إلى سفور المرأة المسلمة كانت دعوة يهودية في المدينة المنورة أيام الإسلام الأولي فيها .
قال ابو عون : كان من أمر بني قينقاع . أن إمرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجاست إلى صائغ بها فجعلوا يراودونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سواتها فضحكوا بها .
فصاحت فوثب رجل من المسلمين إلى الصائغ فقتله وكان يهوديا فشد اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
ثم تبع اليهود بعد ذلك من تبعهم في دعوة المرأة وحضها على التحلل من شرائع الإسلام بأسماء عديدة فكان أن قام مرقص فهمى القبطي يدعو إلى تحرير المراه ( من الحجاب ) وكثير من شرائع الإسلام أيام كانت بريطانيا تستعبد مصر .
( أوَّلُ ما حَدَثَ السُّفُورُ فِي مِصْرَ )
قام قاسم أمين العائد من دراسته بفرنسا وقد أعجب بحياة الفرنسيين ونسائهم أيما إعجاب يدعو إلى تحرير المرأة المسلمة لتكون شبيهه بالمرأة الغربية أيام كانت بريطانيا تستعبد مصر .(1/85)
وقد حاول هذا الأخير أن يُلَبِّسَ على المسلمين باسم الدين فيقر فيهم أحكاما تخالف أحكام الإسلام في النساء مستعينا ببعض من أضله الله تعالى على علم .(57)
ثم كان أن صديق بريطانيا سعد زغلول هتك حجاب المرأة المسلمة في مصر بيده
( يا ويله ) وإليك المأسات : نفت بريطانيا سعد زغلول وجماعته إلى جزيرة
( سيسل ) فترة ثم أعادته إلى مصر لتوليه رئاسة الوزارة وتوقع معه معاهدة فيكون احتلال بريطانيا لمصر شيئا رسيما متفقا عليه .
هيئ الجو في الإسكندرية لاستقبال سعد واعد سرادق كبير للرجال وأخر للنساء المحجبات وأقيمت الزينات في كل مكان ونزل سعد من الباخرة وعلى استقبال حافل وهتافات اخذ طريقة إلى سرادق النساء دون سرادق الرجال فلما دخل على النساء المحجبات استقبلته هدى شعراوي بحجابها فمد يده فنزع الحجاب عن وجهها تبعا لخطة لعينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ونزعن الحجاب ومن ذلك اليوم أسفرت المرأة المصرية استجابة لرجل الوطنية سعد وأصبح الحجاب نشازا في حياة المسلمة المصرية .
( هَتْكُ الْحِجاب )
لقد فعل سعد بيده ما دعا إلية اليهودي القديم بلسانه فكلفة قتله , أما سعد .. ثم تولت السلطة بعد ذلك نزع حجاب المرأةِ المسلمة وهي سلطة تحكم بمدي صلتها بالإسلام فعل ذلك أتاتورك بقانون , وراقب تنفيذَه , وعاقب مخالفيه , وشنق معارضيه .
وفعل ذلك رضا بهلوي في إيران بقانون .
ومحمد آمان في الأفغان بقانون .
وأحمد زوغو في البانيا بقانون ثم روسيا في تركستان والقوقاز والتشن والقرم . وسائر ما تحتل من بلاد المسلمين وهم يبلغون ستين مليونا وتيتو في يوغوسلافيا . ثم أنور خوجا في البانيا مرة اخرى بعد ان عادت المراة المسلمة الألبانية الى حجاب ايام الحرب العالمية الثانية.
( حُكْمُ دُعاةِ السُّفُور )(1/86)
ومن ينظر إلى دعاه السفور وخروجها على أحكام الشريعة يري أنهم رجال ونساء ليسوا قدوة كريمة في الدين والتزام أحكامه وليسوا قدوة في متانة الأخلاق والبعد عن مواضع الفتنة والتهمه .
فهؤلاء الدعاة إلى سفور المرأة المسلمة وخروجها على أحكام الشريعة كفرة مردة قد خرجوا على امة الإسلام وعقيدتها وحياتهم وسلوكهم شواهد عليهم بغربتهم عن الإسلام. أ فهؤلاء بهم مسلم . أو تتبعهم آمراه مسلمة . معاذ الله أ هـ .(58)
( تَنْبِيْه )
يستفاد مما تقدم أن الحجاب موجود وتتحصن به المؤمنات والمسلمات من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى القرن الرابع عشر الهجري حيث تسرب الاستعمار إلى بعض البلاد الإسلامية فجاء بإلحاده وفساده ومجونه وخلاعته وزاد الطين بله حيث وجد الاستعمار إذنابا له من المتسمين بالإسلام يدعون إلى التبرج والسفور يدعون إلى الشر والفساد يحبون أن تشيع الفاحشة في بلاد الإسلام ويشوهون الإسلام وما جاء به من أحكام وآداب يشوهون الإسلام بكذبهم وتزويرهم وأقوالهم النابية القبيحة التي هي من وحي الشيطان .
( أقْوالٌ نابِيَةٌ )
هنا أقوال نابية وهي من وحي الشيطان أقوال يقولها ويصرح بها البعض ممن لم يفهم القران ولم يعرف الإسلام فأيما رجل أو أمراه اعتقد أو قال إن الخمار ولباس الاحتشام هذه عادة قديمة وتطرف وجمود أو قال هذا تزمة ورجعية أو نحو ذلك من الكلام.
فمن قال ذلك فلا شك في كفره وإلحاده لما في ذلك من تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن كذب الله أو كذب رسوله فقد كفر ولما في ذلك من الاستهزاء بالدين ومن استهزأ بدين الإسلام أو بشيء من دين الإسلام فهو ملحد وزنديق وكافر بالله العظيم .
قال تعالى :{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.(59)(1/87)
وقد صرح كثير من العلماء بأن من استهزء بدين الإسلام أو بشيء من أحكامه فقد كفر ومن ذلك الحجاب فمن استهزاء بالحجاب أو المتحجبات فلا شلك في كفره ويأتي إن شاء الله ما قاله محمد بن يوسف الكافي وما قاله وهبي سليمان الألباني وما قاله محمد بن على الصابوني فكلهم صرحوا بما معناه وهو أن من اعتقد أو قال عن السفور جائز وحلال فهو كافر مرتد عن الإسلام لأنه كذب الله وكذب رسوله ومن كذب الله أو كذب رسول صلى الله عليه وسلم فقد كفر.
( الْحَذَرَ الْحَذَرَ )
الحذر الحذر يا عباد الله والحذر كل الحذر يا فتيان الإسلام ويا فتيات الإسلام من الكذب والزور والقول على الله بلا علم والحذر كل الحذر من الاستهزاء بدين الإسلام أو بشيء من أحكام دين الإسلام ( كالحجاب ) .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ابعد مما بين المشرق والمغرب )).
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : )) وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)) فهناك كلمات منتنة نابية قبيحة يقولها البعض من أعداء الإسلام ويقولها ويا للأسف البعض من المنتسبين لإسلام يقولون ولا خوف ولا حياء فمنهم من يقول الحجاب تحجر ومنهم من يقول الحجاب تزمت ومنهم من يقول الحجاب رجعية ومنهم من يقول الحجاب عادة تركية ومنهم من يقول الحجاب عادة حجازية ومنهم من يقول الحجاب عادة نجدية فمن قال ذلك فلا شك في كفره وردته عن الإسلام لأنه بهذا القول كذب الله وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ومن كذب الله أو كذب رسوله فقد كفر .
ولعل القارئ إن تيسر له يراجع ( بابُ حُكم المرتد ) من كتاب الإقناع . من كتب الفقه في المذهب الحنبلي وكذلك الكتب الفقهية في مذهب مالك وأبي حنيفة . والشافعي . يذكر فيها ( باب حكم المرتد )(1/88)
اللهم ارحمنا واغفر لنا . واغفر اللهم لحذيفة بن اليمان حيث قال كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر مخافة أن أقع فيه فمن اجل سعادة المرأة في الدنيا والأخر الحجاب واجب في شريعة الإسلام .
الحجاب واجب على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته وجميع المسلمات . قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}
( الإسْلامُ فِي صالِحِ الْمَرأة )
نعم الإسلام دوماً وأبداً في صالح المرأة الإسلام هو الذي أنصف المرأة واعزها ورفع من قدرها والإسلام في صالح البشرية في كل زمام ومكان ولكنه الجهل والغرور جاء الإسلام بما يسعد البشرية في دينها ودنياها جاء الإسلام بكل خير ونهي عن كل شر
وحيث ان الإسلام في صالح المرأة حرم عليها التبرج والسفور وأوجب عليها الحجاب والتستر لما فيذلك من صيانة المرأة وحفظها وسلامتها نعم كما تقدم تبرج المرأة محرم وسفورها محرم للما فيه من الإغراء والفتنه والافتتان ولما يترتب على ذلك من الشرور والمحن والمصائب والمفاسد .
( تنِْبْيه )
حيث أن جماهير العلماء قالوا بوجوبِ التسترِ والحجاب , فبإعانةِ الله نذكر ما قاله بعض العلماء في وجوب الحجاب وفي طليعة هذا الركب السعيد عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ثم بعد ذلك نذكر الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الحجاب ووجوب التستر والاحتشام وهي اكثر من أربعين دليلا وكل ذلك لا يكون إلا بإعانة الله وتوفيقه فأساله تعالي الإعانة والتوفيق .
( الأوَّلُ قُولُ عُمر رَضيَ اللهُ عنه )(1/89)
جاء في الصحيحين . أن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله احجب نساءك . قالت عائشة : فأنزل الله آية الحجاب وفي صحيح البخاري قال عمر يا رسول الله لو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فانزل الله ايه الحجاب وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم قال عمر رضي الله عنه وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر فالحجاب على قول الجماهير من العلماء . واجب على امهات المؤمنين وعلى النساء أجمعين.
( الثَّانِيْ قُولُ ابْنِ مَسْعُودِ )
قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن ) أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب ( إلا ما ظهر منها) كالرداء والثياب فالمستثنى على قول ابن مسعود والحسن وابن سيرين وأبي الجوزاء وإبراهيم النخعي وأكثر العلماء هي الملابس الظاهرة التي ليس بالإمكان إخفاؤها كالعباءة مثلا فليس المستثنى هو الوجه والكفان
وقال ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوهن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ذكر ذلك عن ابن عباس كثير من علماء التفسير كابن كثير والقرطبي والبغوي وأبي حيان والشنقيطي والخازن وغيرهم فابن عباس رضي الله عنهما من القائلين بوجوب الحجاب .
( الثالِثُ )
ومن القائلين بوجوب الحجاب شيخ الإسلام ابن تيمية زحمه الله تعالي بعد كلام سبق وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على اصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بالا تبدي إلا الثياب .(60)
ثم قال في ص11 : ولهذا أمرت المرأة تختمر في الصلاة وأما وجهها ويداها وقدماها فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب لن تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم
ثم قال في ص16 وأمر النساء خصوصا بالاستتار وان لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن(1/90)
ومن استثناه الله تعالى في الآية . فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر فإن هذه لا بد من إبدائها وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن احمد .
ثم قال في ص18 : وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية قال أصحابة : إن أرخي عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين وان لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه فضرب عليها الحجاب.
وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا تري وجوهن وأيديهن والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنه المؤمنين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز ثم قال في ص19 وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ا.هـ وما ذكره شيخ الإسلام هنا مذكور في مجموع الفتاوى المجلد الخامس عشر . ص371 .372و373 الطبعة الأولى عام 1382 هـ وكما هو معروف المجموع هو للشيخ ابن تيمية.
( الرَّابعُ )
( قَوْلُ ابْنِ حَجَر الْعَسْقَلانِي )
قال البخاري : باب{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}
وقال أحمد بن شبيب : حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما انزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فأختمرن بها .
قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري قوله ( مروطهن)
جمع مرط وهو الإزار وفي الرواية الثانية أزرهن وزاد شققنها من قبل الحواشي قوله ( فاختمرنا بها ) أي غطي وجوهن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر .
قال الفراء كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالإستتار أ.هـ(1/91)
فابن حجر صرح بأن المراد في الاختمار هو تغطية الوجه وهذا الحديث من الأدلة الدالة على أن الحجاب ليس خاصا بأمهات المؤمنين بل واجب على كل مسلمة أن تتستر وتحتشم وتحتجب طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(الخامِسُ )
( قَوْلُ ابْنِ رَسْلانَ وقَوْلُ خَلِيْلِ أحْمَدَ)
عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب لرقائق فأعرض عنها وقال ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذه وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ). رواه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع عن عائشة وأيضا في إسناده سعد بن بشير تكلم فيه غير واحد .
فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة وعلى تقدير صحته قال احمد حامد الفقي في حاشية المنتقي من أخبار المصطفي المجلد الثاني ص501 الطبعة الأولى 1351 هـ
قال لابن رسلان والحديث مقيد بالحاجة إلى رؤية الوجه والكفين كالخطبة ونحوها ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لاسيما عند كثرة الفساق أهـ .
ثم قال محمد حامد : فلعل الناس يثوبون إلى رشدهم ويذوقوا طعم الغيرة على نسائم وبناتهم أن كانوا مسلمين
وقال الشيخ خليل احمد السهاري نفوري في بذل المجهود في حل أبي داود مجلد 8 جزء16 ص431 ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء ان يخرجن سافرات الوجوه لاسيما عند كثرة الفساد وظهور. اهـ
( الْقَوْلُ السَّادِسُ )
أشرنا فيما تقدم أن جماهير العلماء قالوا بوجوب الحجاب والتستر سدا لذريعة الفتنه والفساد ومن القائلين بذلك الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين فقد قال : على قوله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }(1/92)
فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب اطهر لقلوب الرجال والنساء وابعد عن الفاحشة وأسبابها وأشار سبحانه إلى إن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة وان التحجب طهارة وسلامة (61)
وفي كثير من المواضع من الرسالة المذكورة صرح الشيخ بان كشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب حرام لما يترتب عليه من المفاسد.
وهنا نصيحة كتبها الشيخ عبد العزيز بن باز جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا وقرءت عندنا في بريدة في كثير من الجوامع يوم الجمعة : حذر فيها من التبرج والسفور والاختلاط وذلك في شهر جماد ثاني عام 1404هـ .
قال فيها لما ذكر بعض الآيات القرآنية وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على ان راس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وان كشفة لغير المحارم حرام.
ثم قال : وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بظهور وجهها وهي من أكبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها .
فبهذا يتبين أن يحرم على المرأة إن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعها أو ساقيها بحضور الرجال الأجانب وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها ويحرم عليها الاختلاط بالرجال الأجانب إلى أخر كلامه في هذه النصيحة القيمة
( السَّابعُ )
السابع قوله أبي الأعلى المودودي رحمه الله تعالى قال في كتابة الحجاب : (62)
( حكم الوجه )(1/93)
والآية { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } الأحزاب : 95 فهي نزلت خاصة في ستر الوجه و( الجلابيب ) جمع جلباب وهو الثوب الواسع أو الخمار أو الرداء و( يدنين ) أي يرخين جانبا فمعنى الآية بالحرف أن يرخين جانبا من خمرهن أو ثيابهن على أنفسهن وهذا هو المفهوم من ضرب الخمار على الوجه.
والمقصود به ستر الوجه وإخفاؤه سواء كان بضرب الخمار أو بلبس النقاب أو بطريقة أخرى غيره وقد ذكرت الآية من مصالحة أن المسلمات إذا خرجن من بيوتهن متسترات على هذا النحو علم أهل الريبة أنهن شريفات لا إماء ولا متبذلات فلم يتعرض لهن منهم احد .
وجميع المفسرين ذهبوا هذا المذهب في تفسير هذه إلية فيروي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوهن من فوق بالجلابيب اهـ. .
ثم قال أبو الأعلى المودودي ذكر كثيرا من الأدلة وكثيرا من أقوال العلماء التي يتضح منها وجوب الحجاب وتحريم السفور .
ومصلحة الدين والدنيا والفرد والمجتمع والراعي والرعية والزعيم والمزعوم مصلحة الجميع تقتضي وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور حتى لا ينهار المجتمع ويسقط في حمئة الرذيلة وبعد ذلك العاقبة وخيمة والعذاب اليم .
ومن غير شك أن التبرج والسفور يدي إلى فساد العوائل وخراب البيوت وإذا حصل ذلك فقل على الحياة العفاء وعلى الإسلام والمسلمين السلام
وقال أبو الأعلى المودودي ومما أمر الله به وأوجبه في أهداف العقيدة وصميم الشريعة ( الحجاب ) وهو تستر المرأة ولزومها بيتها حسا ومعنى ولا تبدي من جسدها وصوتها شيئا حتى ظفرها لغير محارمها .(63)
( الثَّامِنُ )
ومن الذين صرحوا بوجوب الحجاب ابو بكر جابر الجزائري فانه قال في رسالة اسماها ( فضل الخطاب في المرأة والحجاب ) قال في ص34 :(1/94)
( وجُوبُ الْحِجابِ على الْمَرأةِ الْمُسْلِمةِ )
مما سبق عرفنا مشروعية الحجاب وأنه وسيلة من انفع الوسائل في غض البصر وحفظ الفرج والآن نريد أن نقول أن الحجاب أن كان مشروعا في جملة وسائل من جملتها الحيلولة دون تلوث المجتمع الإسلامي بالفواحش.
فإنه واجب على المرأة المسلمة وجوبا عينيا لا يسعها تركه بحال ما دامت لم تقعد عن الحيض والحمل والنكاح وهذه أدلة الوجوب صريحة واضحة لا تقبل الرد والتأويل
ثم ذكر الشيخ أبو بكر الجزائري : آية 53 من سورة الأحزاب وآية 32 و 33 وفي كثير من صفحات الرسالة صرح أبو بكر بوجوب الحجاب وتحريم السفور .
وأيضا هنا رسالة ليشيخ أبي بكر الجزائري عنوانها :
( إلى الْفَتاةِ السُّعُودِيَّةِ والْمَسْؤُولِينَ عَنْها )
قال في ص30 يخاطب الفتاه السعودية إنك اليوم بحجابك وطرك تخدمين في قصرك ويوفر لك جميع حاجباتك وغداً يوم تتخلصين من حجابك كما يحب منك عملاء الماسونية الأذناب تخدمين غير زوجك وأبي أولادك وإنما مدير عملك ورئيس شغلك وتوفرين له ما يحتاج إلية.
إنك اليوم مرموقة يتطلع أليك وغدا يوم تتركين الحجاب تصبحين رامقة متطلعة تتعرضين لعل هناك من يقبل عليك ولا أحسبك واجده غير نذل عربيد يعبث بك أياما ثم يرمي بك كالخرقة البالية لا ترفعين ولا ترقعين .
إنك اليوم بحجابك تتمتعين باحترام والديك وكل قريب إليك وغداً يوم تنسلخين من الحجاب تصبحين حتما ما تشعرين به اليوم من رفعه الكرامة وعزة الإيمان .
إنك اليوم بحجابك واجدة إسلامك وإيمانك وحياءك وغدا يوم تكفرين بالحجاب لا تجدين حياء في وجهك ولا إيماناً في قلبك سنة الله فيمن مضين قبلك هذا ما أردت ان أهمس به في أذنيك وقد همست ولم يبق إلا أن تحفظي ولا تضيعي وان حفظت فلك وان ضيعتي فعليك أهـ. .
وقد أجاد وافد أبو بكر الجزائري في توجيه ونصحه للمؤمنات والمسلمات جزاه الله خيرا ونصيحة الناصحين يجب أن تقبل والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(1/95)
وقال أبو بكر الجزائري ومن البدع وسفور النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال في الأماكن العامة والخاصة كل هذا من الأحداث المشين والمعرض لأمة الإسلام للمحو والزوال . (64)
( التَّاسعُ )
( قَوْلُ الشِّوْكانِي )
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه رواه احمد وأبو داود والترمذي وصححه
قال الشيخ محمد بن على الشوكاني : في نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار (65)
قوله ( فلتحتجب منه ) ظاهر الأمر الوجوب إذا كان مع المكاتب من المال ما
يفي بما عليه .
من مال الكتابة لأنه قد صار حراً وإن لم يكن سلمه إلى مولاته ا.هـ .
( الْعاشِرُ )
وأيضاً من القائلين بوجوب الحجاب ووجوب اللباس الساتر الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم بقطر فإنه قال في رسالة له : (66) فيما معشر النساء المسلمات إن الله سبحانه شرفكن بالإسلام وفضلكن به على سائر الأنام متى قمتن بالعمل به على التمام وان المرأة بدينها وأخلاقها لا بزيها وجملها إلزمن لباس الشرف والحشمة والفضيلة لباس الحياء والستر وهو اللباس الواسع السابغ لباس الجلال والجمال لباس الحياء والوقار لباس الحرائر التقيات الأطهار
ولا ينجرف بكن الهوى والتقليد الأعمى إلى مشابهه نساء الكفار ولا تنخدعن بالدعاة إلى النار الذين يبغونكم القتنة وفيكم سماعون لهم ويحسنون لكم ما يسؤ فعله في حقكم
فحذار حذار أن تكن من نساء آهل النار الذين وصفهن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم بأنهن الكاسيات العاريات المائلات المميلات لا يجدن عرف الجنة يعني ريحها فالمسلمة دينها وسترها وللكافرة خلاعتها وكفرها ( ولأمة مؤمنه خير من مشركة ولو أعجبتكم ) الآية(1/96)
أن في كتاب الله لأعظم مزدجر عن عمل كل منكر يقول الله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}
فأمر الله نساء نبيه ونساء المؤمنين بأن يدنين عليهن من جلابيبهن والجلباب يشبه الرداء أو العبادة تغطي به المرأة جميع جسمها إلا ما تبصر به الطريق من فتح عينها ونحوه وهو نص قاطع في الحرائر بحيث يعرفن بالتستر فيحترمن وهذا نص قاطع في وجوب ستر المرأة جميع جسمها حتى وجهها أ.هـ المقصود منه .
( الحادي عشر )
(قَوْلُ الشِّنْقِيْطِي)
قد اشرنا فيما تقدم بأن الذين قالوا بوجوب الحجاب هم جماهير العلماء ومنهم العالم العلامة الذي هو من نوادر العلماء تحقيقا وتدقيقا الشيخ الفاضل محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى
فقد قال في تفسيره (67)بعدما ذكر الآية الكريمة وهي قوله تعالى{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } الأحزاب 53 .
وبما ذكرنا تعلم أن هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم وإن كان اصل اللفظ بهن لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه.
ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) هو عله قوله تعالى (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) هو المسلك المعروف في الأصل بمسك الإيماء والتنبيه
ثم قال : بعد أدلة وشواهد ذكرها فاعلم أن العلة قد تعمم معلولها وقد تخصصه كما ذكرنا في بيت مراقي السعود وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علته واذا كان حكم هذه الآية عاما بدليل القرينة القرآنية فاعلم أن الحجاب واجب بدلاله القران على جميع النساء أهـ .(1/97)
والشيخ الشنقيطي . أطال الكلام وحقق ودلل وعلل وصرح بأن الحجاب واجب وان التبرج والسفور محرم
ثم قال في ص. 602 جلد 6 وبالجملة : فإن المنصف يعلم انه يبعد كل البعد أن يأذن الوجه هو اصل الجمال والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغريزة البشرية وداع إلى القتنة والوقوع فيما لا ينبغي إلى أخر كلامه رحمه الله تعالى.
( الثَّانِي عَشَر )
ومن القائلين بوجوب الحجاب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فإنه وفقه الله قال في رسالته (68) بعد كلام سبق أعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .
ثم ذكر الأدلة من الكتاب . والسنة التي هي صريحة في وجوب الحجاب وصريحة في تجريم التبرج والسفور .
والمصلحة العامة والخاصة تقتضي وجوب الحجاب لما فيه من السلامة والنزاهة والطهارة وزكاء الأخلاق وحينئذ يعيش الفرد والمجتمع عيشة الراحة والهناء والطمأنينة والأمن والخير والشرف والسعادة اللهم بصرنا بدينك القويم واجعلنا هداه مهتدين
( الثَّالِثَ عَشَرَ )
ومن الذين قالوا بوجوب الحجاب وتحريم السفور الشيخ حمود بن عبد الله التويجري جعلنا الله وإياه من عبادة الصالحين ومن حزبه المفلحين ومن الذين يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسد الناس.
قال في كتابة الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور ص208 (فصل ) : وقد صرح بعض العلماء بتكفير من قال بالسفور ورف الحجاب وإطلاق حرية المرأة إذا قال ذلك معتقداً جوازَه .
قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابة ( المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية ) المسالة السابعة والثلاثون ) من يقول بالسفور ورفع الحجاب واطلاق حرية المرأة ففيه تفصيل(1/98)
فإن كان يقول ذلك ويحسنه للغير مع اعتقاده عدم جوازه فهو مؤمن فاسق يجب عليه الرجوع عن قوله وإظهار ذلك العموم وإن قال ذلك معتقدا جوازه ويراه من إنصاف المرأة المهضومة الحق على ما يدعيه فهذا يكفر لثلاثة أوجه.
الأول : لمخالفته القران { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ }
الثاني : لمحبته إظهار الفاحشة في المؤمنين ونتيجة رفع الحجاب وإطلاق حرية المرأة واختلاط الرجال بالنساء ظهور الفاحشة وهو بين لا يحتاج إلى دليل.
الثالث : نسبة حيف وظلم المرأة إلى الله تعالى عما يقوله المارقون لأنه هو الذي أمر نبيه بذلك وهو بين أيضا ثم قال في ص 110 من كتابة الصارم المشهور على اهل التبرج والسفور.
(فَصْلٌ )
وصرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي أيضا بتكفير من أظهرت زينتها الخلقية او المكتسبة معتقدة جواز ذلك فقال في كتابة المشار إليه في الفصل قبل هذا الفصل ما نصه ( المسالة السادسة والثلاثون ).
من أظهرت من النساء زينتها الخلقية أو المكتسبة فالخلقية الوجه والعنق والمعصم ونحو ذلك والمكتسبة ما تتحلى وتتزين به كالكحل في العين والعقد في العنق والخاتم في الإصبع والأساور في المعصم والخلخال في الرجل والثياب الملونة على البدن ففي حكم ما فعلت تفصيل .
فإن أظهرت شيئا مما ذكر معتقدة عدم جواز ذلك فهي مؤمنة فاسقة تجب عليها التوبة من ذلك وإن فعلته معتقدة جواز ذلك فهي كافرة لمخالفتها القران لأن القرآن نهاها عن إظهار شيء من زينتها لأحد إلا لمن استثناه القرآن قال الله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ) الآية .(1/99)
قال هشام بن عمار : سمعت مالكا يقول من سبب أبا بكر وعمر أدب ومن سب عائشة قتل لأن الله يقول (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فمن سب عائشة فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل أي لأنه استباح ما حرم الله تعالى أ.هـ .كلام الشيخ حمود التويجري
( الرَّابعَ عَشَرَ )
ومن الذين قالوا بوجوب الحجاب وتحريم السفور سداً لذرائع الشر والفساد الشيخ سليمان الألباني.في كتابة ( المرأة المسلمة ) (69)فإنه قال في ص191
ومن ينظر إلى دعاه سفور المرأة وخروجها على أحكام الشريعة يري إنهم رجالاً ونساءً ليسوا قدوةً كريمة في الدين والتزام أحكامة وليسوا قدوةً في متانةِ الأخلاقِ والبعدِ عن مواضع الفتنةِ والتهمة .
فهؤلاء الدعاة إلى سفور المرأة المسلمة وخروجها على أحكام الشريعة كفرة مرده فقد خرجوا على أمة الإسلام وعقيدتها وحياتهم وسلوكهم شواهد عليهم بغربتهم عن الإسلام فهؤلاء يقتدي بهم مسلم أو تتبعهم امرأة مسلمة معاذ الله .
ثم ذكر الشيخ وهبي آيات الحجاب وذكر كثيراً من أقوال علماء السلف والخلف وبعدها ذكر مذهب المالكية والشافعية والحنابلة في مشروعية الحجاب ووجوبة في ص208 فأصل مذهب الإمام ابي حنيفة جواز كشف المرأة وجهها وكفيها في الحالات العامة على وجود المجتمع المسلم العفيف في رجاله ونسائه.
أما إذا تغيرت الحالة العامة ولم يؤمن فيها من الفتنة فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها ووجهها وكفيها سد لذرائع الفساد وعوارض الفتن .
فحكم وجه المرأة وكفيها في المذهب الحنفي في مثل أيامنا هذه هو كحكمة في باقي المذاهب الأربعة وهو حرمة كشف المرأة وجهها لغير ضرورة والله اعلم .
وبالجملة فقد اتفقت مذاهبُ الفقهاءِ وجمهور الأمة على أنه لا يجوز للنساء الشواب كشفُ الوجوه والأكف بين الأجانب ويستثنى فيه العجائز لقوله تعالى ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ ) والضرورات مستثناه من الجميع بالإجماع .(1/100)
وقال وهبي سليمان في ص147 الأصل أن الشرائِعَ جميعها فرضت حجابَ المرأة عن الرجال وقد بقيت لها في كتبها المحرفة بقية تشير إلى ذلك ومن الدليل البين لباسُ الراهبات ودخولُ المرأة الكنيسة وقد غطت رأسها بساتر .
فالتبرج ليس تحرراً من شريعة الإسلام فحسب أنه تحللٌ عن دين الله تعالى على مدي الأزمان وخروجٌ على شرائع الله تعالى من ملة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فلينظر العاقل الفرق بين التحرر والتحلل وليعلم أن المرء غداً يكون مع من أحب في الدنيا .
. ثم قال في ص148 لا شك أن رافض الشرائِعَ مثلَ رافضِ الأصول . يعدخارجاً عن الإسلام , فيصبح مرتداً مستباحَ الدم .
ثم قال : خضوع المسلم لأصول الدينِ , وشرائِعِه جميعها هو مجموع الإيمان والإسلام فمن رفَضَ شريعةً من شرائع الإسلام ثبتت بالقرآن الكريم ,والسنة المتواترة ,تبعاً للشبهاتٍ , وأهواءٍ , أو تقليداً واتباعاً , كالحجاب , لم يعد من المسلمين .
قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(1/101)
قال الله تعالى{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وقال سبحانه في شان المنافقين { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الى آخر كلامة وفق الله الجميع الى ما فيه الخير والصلاح والفلاح وجزى الله القائلين بالحق والعاملين به والداعين إلية خير جزاءٍ, وأثابنا الله إياهم ثواب المحسنين وبعد هذا أقول والحق يقال.
( من أول مسؤول عن المرأة)(1/102)
أول مسؤول عن المرأة , هو وليها , فيجب عليه ان يلزمها بالحجاب ويلزمها بلباس الستر والحشمة نعم يجب علية ولي المرأة أن يلزمها بالحجاب ويلزمها بلباس الستر والحشمة نعم يجب على ولي المرأة أن يمنعها من السفور والتبرج ويمنعها من الخروج من بيتها الا لحاجة وضرورة لابد منها يجب على أولياء النساء أن يعملوا بما جاء في كتاب الله وبما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله جل وعلا ( يأيُّها الَّذِيْنَ أمِنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ ناراً وقُودُها النَّاسُ والحِجارَة عَلَيْها مَلائكَة غِلاظ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أمَرَهُم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون ) وقال صلى الله علية وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عنه رعيته ) وإذا ولي المرأة أمرها بالأخلاق المرضية والأداب الشرعية فالخير والسعادة له ولها وللمجتمع كله فهل من سامع وهل من مدكر اللهم اهدي ضال المسلمين واجعلهم هداه مهتدين.
( الْخامِسَ عَشَرَ )
الأكابر من علماء التفسير وجماهير العلماء جميعا قالوا بوجوب الحجاب ومنهم محمد بن على الصابوني في كتابة روائع البيان قال
( الأحْكامُ الشَّرْعِيَّة )
الحكم الأول : هل يجب الحجاب على جميع النساء يدل ظاهر الأية الكريمة على ان الحجاب مفروض على جميع المؤمنات المكلفات شرعا وهن المسلمات الحرائر البالغات .
لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(70) .
فلا يجب على الكافرة لأنها لا تكلف بفروع الأسلام وقد امرنا ان نتركهم وما يدينون ولان الحجاب عبادة لما فيه من امتثال امر الله عز وجل فهو بالنسبة للمسلمة كفريضة الصلاة والصيام فاذا تركتة المسلمة جحودا في كافرة مرتدة عن الإسلام .(1/103)
وإذا تركته تقليدا للمجتمع الفاسد مع اعتقادها بفريضته فهي عاصية مخالفة لتعاليم القران{ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }وغير المسلمة وان لمتؤمر بالحجاب لكنها لا تترك تفسد في المجتمع وتتعرى أمام الرجال وتخرج بهذه الميوعة والانحلال الذي نراه في زماننا فإن هناك آدابا اجتماعية يجب أن تراعي وتطبق على المجتمع وتستوى فيها المسلمة وغير المسلمة حماية للمجتمع وذلك من السياسات الشرعية التي تجب على الحاكم المسلم .
ثم قال : بعد كلام سبق ولما كان الوجه اصل الزينة ومصدر الجمال والفتنة لذلك كان ستره ضروريا عن الأجانب والذين قالوا ان الوجه ليس بعورة اشترطوا الا يكون عليه شيء من الزينة كالأصباغ والمساحيق التي توضع عادة للتجمل وبشرط امن الفتنة فإذا لم تؤمن الفتنة فيحرم كشفة
ومما لا شك فيه إن الفتنة فذ هذا الزمن غير مأمونة لذا نرى وجوب ستر الوجه حفاظا على كرامة المسلمة وقد ذكرنا بعض الحجج الشرعية على وجوب ستره في بحث ( بدعة كشف الوجه )من سورة النور ونزيد هنا بعض أقوال المفسرين في وجوب ستر الوجه ثم ذكر كثيراً من أقوال علماء التفسير.ثم الشيخ محمد بن على الصابوني أشار إلى أن الشيخ ناصر الدين الألباني قد أخطا حيث أفتى بأن المرأة لا يجب عليها ستر وجهها فقال ومن درس حياة السلف الصالح وما كان عليه المجتمع الإسلامي في عصره الذهبي من التستر والتحفظ والصيانة عرف خطأ هذا الفريق من الناس الذين يزعمون أن الوجه لا يجب سترة بل يجب كشفه.
ويدعون المرأة المسلمة أن تسفر عن وجهها بحجة أنه ليس بعورة لأجل أن يتخلصوا من الأثم بزعمهم في كتم العلم وما دورا أنها مكيدة دبرها لهم أعداء الدين وفتنة من أجل التدرج بالمرأة المسلمة إلى التخلص من الحجاب الشرعي الذي عمل له الأعداء زمناً طويلاً وإنا لله وإنا إلية راجعون .
وقد أطال الصابوني في موضوع الحجاب وذلك في سورة النور وفي سورة الأحزاب .(71)(1/104)
ومن غير شك أن الشيخ الألباني قد أخطأ خطأ فاحشا وفتح باب شر على المسلمين وبإعانه الله وتوفيقة يأتي من الحجج والبراهين ما ينير الطريق للسالكين ويبطل حجج المعارضين .
( الرَّدُ على الألبانِي )
محمد ناصر الألباني . له رسالة ( حجاب المراه المسلمة ) . في هذه الرسالة أباح أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب ومعروف ما يترتب على ذلك من الأضرار والمفاسد
_ وخاصة في هذا الزمن الذي كثر في الفساد وطغت في الرذيلة على الفضيلة الا ما شاءالله أما ما أفتى به الشيخ الألباني فهي غلطة وزلة وقي الله المسلمين شرها.
وحيث أن الألباني هدانا الله واياه قال قولاً شذ فيه وتباعد عن طريق الحق والصواب وخالف الأدلة والبراهين وخالف جماهير العلماء فمن أجل ذلك رد عليه كثير من العلماء .
منهم الشيخ حمود ابن عبد الله التويجري في كتابة ( الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور )
ومنهم : الشيخ عبد العزيز خلف بن خلف . في كتابة ( نظرات في حجاب المرأة المسلمة )
ومنهم الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني . في كتابة (المرأة المسلمة ) .
ومنهم : الشيخ صالح بن فوزان الفوزان : في كتابة ( الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام ).
ومنهم الشيخ محمد بن حسن البويحي في كتابة ( اهم قضايا المرأة المسلمة ).
ومنهم الشيخ محمد بن علي الصابوني في كتابة ( تفسير آيات الأحكام ) ذكر ذلك في تفسير بعض آيات سورة النور وفي تفسير بعض آيات سورة الأحزاب .
والحقيقة أن الشيخ الألباني غفر الله لنا وله حصل فيما كتبه في موضوع الحجاب ضرر على الأسلام فمن أراد ان يكتب كتاباً في مجلة أو صحيفة فيجب أن لا يكتب ما به مضره على المسلمين في عقائدهم أو أخلاقهم أو عباداتهم .
أو أحكاما دينهم قال شاعر واجاد
وما من كاتب الا سيفني ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة ان تراه(1/105)
والذي يسر في القيامة هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم (( إذا مات ابن آدم انقطع عملة إلا من ثلاث . صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به)) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه .
( السَّادِسَ عَشَرَ)
وكما تقدم الذين قالوا بوجوب الحجاب امتثالا لأمر الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم هم جماهير العلماء وذلك في صالح الذكر والأنثي وفي صالح الفرد والمجتمع
ومن الذين قالوا بوجوب الحجاب وتحريم السفور الشيخ عبد الله محمد سلطان المعصومي الخجندي . وخجندة هي من بلاد ما وراء النهر وهو حنفي البمذهب سلفي العقيدة له من المصنفات 94 مصنفا وفي آخر حياته استوطن مكة المكرمة وتوفي في حدود 1378 هـ قال في كتابة .
( حَبْلُ الشَّرْعِ الْمتِيْن وعُرْوةُ الدِّيْنِ الْمُبِيْن )
رقم الكلمة (312) إن المؤمنات والمسلمات يجب عليهن ستر وجوهنَّ, وجميع أبدانهن وإرسال الملاحف والجلباب على رؤوسهن ووجوهن فلا يجوز خروجهن الى الطرق والأسواق مكشوفات وحرم ذلك على المؤمنات لقوله في رسورة الأحزاب{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.(72)
ثم عبد الله الخجندي ساق كثيرا من الأيات القرانية والأحاديث النبوية التي هي صريحة في وجوب الحجاب .
ثم قال في ص313 إن المؤمنات يجوز لهن ان يبدين وجوههن وزينتهن لأزوجهن وآبائهن وآباء أزواجهن وأبناء أزواجهن من غيرهن وإخوانهن وأبنائهم وسائر المحارم والأطفال ولا يجوز ان يظهرن وجوهن وزينتهن للأجانب ولا يجوز لهم أن ينظروا إلى النسوان بشهوة فيجب ستر وجوهن .(1/106)
ثم استدال بالآيات التي يؤخذ منها وجوب الحجاب واستعمال لباس الحشمة والوقار وقد أجاد وأفاد وأوضح المراد وقطع الطريق على دعاه التبرج والسفور جزى الله
الناصحين والمصلحين خير جزاء وافضلة وجعلنا الله واياهم من الذين يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسد الناس وخير الناس انفعهم للناس .
( السَّابِعَ عَشَرَ )
ومن القائلين بوجوب الحجاب والمنكرين للسفور ابو الحسن الندوي ذكر الشرباصي من علماء الأزهر شيئا من حياة أبي الحسن الندوي وطبع ذلك في أول كتاب أبي الحسن ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين )ص 34 .
قال أحمد الشرباصي : سالت أبا الحسن وهو بيننا في مصر عن حسنات مصر فقال موجزا : الإيمان بالله والدين : والمحبة للمسلم خاصة إذا كان غريباً ورقة القلب وسلامة الصدر وكثرة الأعمال المنتجة .
ثم سألته عن السيئات . فتحرج ثم أجاب : السفور وعدم التستر والصور الخليعة في الصحف والمجلات واستهانة بعض العلماء ببعض المحرمات وعدم المحافظة على الجماعات في المساجد برغم كثرتها والإندفاع في تقليد الحضارة الغربية بلا تبصر أ.هـ
نعم ورب الكون إن السفور بل سيئات لما يترتب على ذلك من الفتن والتبرج محنة كبري ومصيبة عظمى على الإسلام والمسلمين اللهم ارزقنا البصيرة في الدين واجعلنا من عبادك الصالحين ومن حزبك المفلحين .
( الثَّامِنَ عَشَرَ قَوْلُ الْعَيْنِي )
(قال : البخاري في صحيحة)
وقال أحمد بن شبيب . حدثنا أبي عن يونس قال ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها . قالت يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما انزل الله (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها.
قال : الشيخ محمود بن ابي احمد العيني في كتابة (73). عمدة القارئ شرح صحيح البخاري قوله ( نساء المهاجرات ) أي نساء المهاجرات قوله ( مروطهن ) جمع مرط بكسر(1/107)
_ الميم وهو الإزار قوله : ( فاختمرن بها ) أي غَطيْنَ وجوهَهُنَّ بالمروط التي شَقَقْنَها .
فالعيني من الذين يرونَ وجوبَ الحجاب.
وقول عائشة رضي الله عنها شققن مروطهن فاختمرن بها في ذلك دليل على ان وجوب الحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين كما توهمه بعض من لا علم عنده ولا دراية لدية .
( التَّاسِعَ عَشَرَ )
ومن المصرحين بمشروعية الحجاب الفقية عماد الدين محمد الطبري المعروف بالكبار الهراس قال في كتابة أحكام القران .
قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(74)الجلباب الرداء فأمرهن بتغطية وجوهن ورؤسهن ولم يوجب على الإماء ذلك (75).
ثم قال محقق كتاب أحكام القران :أخرج الطبري عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوهن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عم أم سلمه قالت لما نزلت هذه الأية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها أهـ .
( الْعُشْرُونَ )
العشرون قول : ابن العربي المالكي مفسرا لقوله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ }الآية . اختلف الناس في الجلباب ,على ألفاظ متقاربة, عمادها أنه الثوب الذي يستر به البدن, لكنهم نوعوه ههنا فقد قيل إنه الرداء, وقيل أنه القناع .(1/108)
وقوله تعالى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ) قيل معناه تغطي به رأسها فوق خمارها وقيل : تغطي به وجهها حتى لا يظهر منها إلا عينها اليسري والذي أوقعهم في تنويعة أنهم رأوا الستر والحجاب مما تقدم بيانه واستقرت معرفته وجاءت هذه الزيادة عليه واقترنت به القرينة التي بعده وهي مما تبنية وهو قوله تعالى (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) والظاهر أن ذلك يسلب المعرفة عند كثرة الإستتار فدل على أنه اراد تمييزهن على الإماء اللاتي يمشين حاسرات أو بقناع مفرد يعترضهن الرجال فيتكشفن ويكلمنهن فاذا تجلببت وتسترت كان ذلك حجابا بينها وبين المعترضين بالكلام الذي فيه الأذية أ.هـ .(76)
( الْحاديِ والْعُشْرُون )
ومن القائلين بوجوب الحجاب الأمام أحمد رحمه الله قال في شرح الغاية قال الإمام أحمد ظفرها المتصل بها أي بالمرأة الأجنبية عورة فإذا خرجت فلا يبن أي : يظهر منها شيء ولا خفها غير الصفيق فإنه يصف القدم وأحب الى ان تجعل لكمها زِرا عند يديها .(77)
( الثَّانِي والْعُشْرُون )
ومن القائلين بوجوب الحجاب تقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني الدمشقي الشافعي قال في كتابة كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (78) يحرم نظر الرجل إلى عورة المرأة الأجنبية مطلقا وكذا يحرم إلى وجهها وكفيها إن خاف فتنه فإن لم يخف ففية خلاف الصحيح التحريم قاله الإصطخري وأبو على الطبري واختاره الشيخ أبو محمد وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والروياني .
ووجَّهَهُ الإمامُ باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج حاسرات سافرات وبأن النظر
, مظنه الفتنه وهو محرك فالأليق بمحاسن الشرع سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كما تحرم الخلوة بالأجنبية .
ويحتج له بعموم قوله تعالى{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }(1/109)
وهل للمراهق النظر وجهان : أصحهما أن نظرة كنظر البالغ لظهوره فيه على عورات النساء فعلى هذا المعني أنه كالبالغ ويجب على المرأة أن تحتجب عنه كما أنه أيضا يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعاً .
ثم قال في صفحة 76 قلت : صحيح النوري في نكت المهذب أن مملوك المرأةكالأجنبي يحرم عليه النظر ويجب عليها أن تحتجب منه وهو قوى حسن فلتكن الفتوى عليه أهـ .
( الصَّحْوَةُ الإسْلامِيَّةُ فِي مِصْرَ )
تزايد عدد المحجبات وإلغاء قانون جيهان العودة للدين لحل المشاكل المادية والاجتماعية ( القاهرة ) أخذ عدد المحجبات في مصر يتزايد ويقول الكثير أن الدافع هو إظهار الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في أكثر الدول العربية ازدحاماً بالسكان .
وتقول بعض المنقبات . والمحجبات . إن الاتجاه الى الغرب والمساعدات الأمريكية التي تبلغ 25 مليار دولار سنويا لم تفلح في تخفيف حدة الفقر بين 48 مليون نسمه هم سكان مصر وأن تطبيق الشريعة تكون له نتيجة أفضل.
ويطالب المتدينون الذين أغضب بعضهم حكومة الرئيس حسنى مبارك بالتهديد بالقيام بمسيرة في الشوراع من أجل تطبيق الشريعة , على النساء بارتداء الحجاب , وتقول السيدة لطيفة أمين وهي مدرسة لغات بحي مصر الجديدة في القاهرة والذي يسكن فيه الرئيس مبارك لقد تحجبت كي أحث الرجال على العودة إلى الإسلام ولم يرغمني زوجي على ارتداء الزى الإسلامي وأن الحركة الإسلامية تحرز تقدما بين المعلمات من الطبقة المتوسطة .
وقالت أيضا اني كمسلمة أقول للمجتمع أن الغرب لم يحل مشاكل بلادي فسنحاول اللجوء إلى الدين أنني واثقة من أننا لو عدنا إلى الدين لوجدنا الحل لمشاكل مصر أهـ .
هذا المقال نشر في محلة الدعوة الصادرة في مدينة الرياض عدد 998 يون الأثنين عشرين شوال 1405 هـ .
( يَصِيْحُونَ )(1/110)
هنا امرأة نصرانية ولدت في لبنان وعاشت في مصر قالت : يصيحون , علموا المرأة لتستنير علموها لتكون حره , علموها لتشعر بكرامتها ككائن إنساني علموها لتتعرف حقوقها فتخرج مسلحة بها إلى ميدان الحياة الفسيح .
وأن أقول علموا المرأة ليكون لها شرف الرجوع الى داخل المنزل ففي داخل المنزل الحرية الحقة والكرامة الإنسانية الحقة وانتصار الحق بانتصار الواجب وفي داخل المنزل ميدان الحياة الفسيح والعمل الأعظم الذي يذيع النور في بني الإنسان .
أن المرأة التي لا تدري عظمة المنزل سواء أكان قصراً أو كوخاً ولا تقدر أهميته وعذوبته ومبلغ تأثيرها فيه فتلك امرأة جاهلة ولو فازت بنصف دستة من الشهادات الدنيا والعليا والتي هي بين وبين .
علموا المرأة لترجع الى داخل المنزل فتكيفة على ما يجب ان يكون فكما يكون منزل القوم كذلك يكون وطنهم الحسي والأدبي أهـ .
وهذه المراه التي أجادت وأفادت اسمها (مي زيادة ) والحق مقبول ممن قالوا به وهذه الكلمة نشرت في أحد أعداد المجلة المعروفة بسيدته وسيدته مجلة خبيثة فيها سموم وشرور فمقاطعة هذه المجلة ومحاربتها واجبة وكذا كل صحيفة أو مجلة تدعو إلى الفساد يجب أن تحارب .
( تنبية )
لو ذهبنا ننقل كلام القائلين بوجوب الحجاب لطال الكلام وفيما ذكرنا كفاية أما من خصوص ما قاله علماء التفسير في وجوب الحجاب فنذكر منهما تيسر والله الموفق وهو تعالى المعين.
( أدِلَّةُ الْحِجابِ وتَحْرِيْمُ السُّفُور )
والحجاب كما هو واجبٌ ومفروض على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته فهو واجب على كل مسلمة حرة بالغة مكلفة والأدلة من الكتاب والسنة هي التي تشفي العليل وتروي الغليل وتهد السبيل الأدلة هي التي تزيل الشبهات وتحرق المغالطات الأدلة هي التي تنقذ الغريق وتنير الطريق .
( فمن الأدلة )(1/111)
قوله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(79)
قال : القرطبي في تفسيرة الجامع لأحكام القرآن قوله (مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء وقيل أنه القناع والصحيح أن الثوب الذي يستر جميع البدن.
وفي صحيح مسلم عن أم عطية قلت يا رسول الله إحدانا يكون لها جِلْباب, قال صلى الله عليه وسلم : ((لتلبسها أختها من جلبابها )) .
واختلف الناس في صورة إرخائة فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلوية المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها .(80)
وقال ابو السعود في تفسيرة ( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ) الجلباب ثوب اوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على راسها وتبقي منه ما ترسلة على صدرها وقيل هي الملحفة وكل ما يتسترون به أي يغطين بها وجوهن وابدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي أهـ . (81)
وقال : الشوكاني . في تفسيرة فتح القدير والجلابيب جمع جلباب وهو ثقيل أكبر من الخمار قال الجوهري الجلباب الملحفة وقيل القناع وقيل هو ثوب يستر جميع بدن المرأة .
كما ثبت في صحيح من حديث ام عطية انها قالت يارسول الله احدانا لا يكون لها جلباب فقال صلى الله عليه وسلم لتلبسها اختها من جلبا بها
قال : الواحدي قال المفسرون يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم انهن حرائر فلا يعرض لهن بأذي وقال الحسن تغطي نصف وجهها وقال قتادة تلوية فوق الجبين وتشده ثم تعطفة على الأنف وان ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه أهـ . (82)
قلت وقول بعض المفسرين الا عينا واحدة هذه واحدة رخصة لتنظر طريقها فاذا لم يكن هناك حاجة فلا موجب لكشف العين .(1/112)
وقال النسفي في تفسيرة : الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن البرد ومعنى
( يدنين عليهن من جلابيبهن ) يرخينها عليهن ويغطين بها وجوهن وأعطافهن يقال اذا زال عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها أهـ . (83)
وقال : البغوي في تفسيره وقال ابن عباس وعبيدة السلماني أمر نساء المؤمنين أن يغطين وجوهن بالجلابيب إلا عين واحدة أهـ .(84)
وقال البيضاوي يغطين وجوهن وابدأنهن بملاحفهن ( ومن ) للتبغيض فإن المرأة ترخي بعض جلبابها وتلتحف ببعضه أهـ . (85)
وقال الخازن في تفسيرة قوله ( يدنين ) أي يرخين ويغطين عليهن من جلابيبهن جمع جلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المراه فوق الدرع والخمار وقيل هو الملحفة وكل ما يستر به كساء وغيره .
قال ابن عباس أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوهن بالجلابيب إلا عينا واحدة أهـ .(86)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيرة ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) بعد سياقة للأية الكريمة وهي قوله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
قال : هذه الأية هي التي تسمى آية الحجاب فأمر الله نبيه إني أمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن أكد من غيرهن ولأن الأمر لغيره ينبغي ان يبدأ بأهله قبل غيرهم كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) وهن اللأتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه أي يغطين بها وجوهن وصدورهن .(1/113)
ثم ذكر حكمة ذلك فقال (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) دل على وجود أذية إن لم يحتجبن وذلك لأنهن إذا لم يحتجبن ربما ظن أنهن غير عفيفات فيتعرض لهن من في قلبه مرض فيؤذيهن أهـ . (87)
وقال : ابن الجوزي في تفسيرة (زاد المسير في علم التفسير ) قوله تعالى : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) قال ابن قتيبه يلبس (ذَلِكَ أَدْنَى) أي : أحرى واقرب (أَنْ يُعْرَفْنَ) أنهن حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) أهـ . (88)
وقال : الشيخ محمد الأمين الشنقيطي . في تفسيرة ( أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقران )ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ }
فقد قال : غير واحد من أهل العلم إن معنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) إنهن يسترون بها جميع وجوهن ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها وممن قال به ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني أهـ . (89)
وقال ابن كثير في تفسيرة يقول تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) ليتميزن عن نساء الجاهلية وسمات الإماء والجلباب هو الرداء فوق الخمار قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنزله الإزار اليوم قال الجوهري : الجلباب الملحفة قالت امراه من هذيل ترثي قتيلا لها
تمشي النسور الية وهي لاهية مشي العذاري عليهن الجلابيب(1/114)
قال على بن ابي طلحة عن ابن عبس امر الله النساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوهن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) فغطى وجهه ورأسه وابرز عينه اليسري وقال ابن أبي حاتم : حدثنا ابو عبد الله الطهراني فيما كتب إلى حدثنا عبد الرازق أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الآية (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها أهـ .(90)
ولو ذهبنا نذكر ما قاله الصحابة والمفسرون والعلماء لطال بنا الكلام وفيما ذكرنا كفاية وكلهم صرحوا بكيفية حجاب المرأة المسلمة وهو أن عليها أن تستر وجهها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب امتثالاً لأمر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
فالله تعالى أمر رسوله والرسول أمر جميع نساء المؤمنين والصحابة والتابعون لهم بإحسان وضحوا معنى ما أمر الله به وأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وكل مسلمة نقية تقية شريفة عفيفة علمت بما جاء عن الله وعن رسوله فكانت خير خلف لخير سلف .
كل مسلمة ترجو ثواب الله , وتخشى عقابة لا تغنج ولا تفرنج , ولا تبرج , بل تستر بلباسها لباس الحشمة , والوقار , لباس المؤمنات لا لباس الداعرات المغرورات , تَسْتُرُ بهندامها , وجلبابها , وجْهَهَا وجميع مواضع الفتنه والإغراء منها هذا اللباس هو الذي به الحفظ والسلامة والصيانة .(1/115)
وقال أبو حيان في البحر المحيط وقوله تعالى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ )شامل لجميع اجسادهن والمراد بقوله (عَلَيْهِنَّ ) أي على وجوهن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهية هو الوجه أهـ . (91)
وقال ابن جرير في تفسيره عن ابن سيرين أنه قال : سالت عبيدة السلماني عن قوله (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) فرفع ملحفة كانت علية فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجه واخرج عينه اليسرى من شق وجه الأيسر وروي مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أهـ .(92)
وقال الجصاص : في كتابة ( أحكام القران ) وفي هذه الآيه (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) دلاله على ان المرأةالشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع فيهن أهل الريب أهـ . (93)
أيها القارئ الكريم نقلنا لك كلام جهابذه المفسرين من الصحابة والتابعين وصريح كلامهم أن الحجاب واجب ومفروض على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى بناته وعلى كل امرأة مسلمة بالغة حرة رشيدة امتثالاً لأمر الله تعالى ف قوله { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ }
وفي تفسير الجلالين الجلابيب جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوة إذا خرجنا لحاجتهن إلا عيناً واحده أهـ .(94)
( تنْبِيْهٌ )
قوله تعالى (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ ) في ذلك دليل على تخصيص الوجه لأن به تحصل المعرفة فالآيه نص على وجوب ستر الوجه نص صريح لا يحتمل التأويل والحكمة الألهية تقتضي ذلك لأن وجه المرأة هو موضع الجمال منها ومكان الإغراء والفتنه اللهم نسألك البصيرة في الدين ونعوذ بك من نزعات الشياطين .
( الدَّلِيْلُ الثَّانِي )(1/116)
الدليل الثاني على وجوب الحجاب , وتحريم التبرج والسفور , وبالحجاب والتسترِ , ولباسِ الحشمِةِ , العِزُ والشرَفُ , والخيرُ والسعادة َ, وبالحجاب والتسترِ طهارةُ القلوبِ , وزكاءُ النفوسِ , وسلامَةُ المجتمع من الانحرافِ والشذوذ .
قال تعالى{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً(32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ }(95)
هذه الآية الكريمة , برهان ساطع , وحجة قاطعة , على وجوب الحجاب ,والتستر , وتحريم التبرج , والسفور , والخطاب وإن كان موجهاً لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم , فهو شامل لغيرهن من المسلمات ,في كل زمان , ومكان , بدليل ما ذكره الله في سياق هذه الآية الكريمة .
فكما أن تقوي الله واجبة على أمهات المؤمنين , فهي واجبة على كل مسلمة , وكما أن الخضوع , وترقيق الكلام لا يجوز من أمهات المؤمنين , فلا يجوز من غيرهن , وقول المعروف ليس خاصاً بنساء النبي صلى الله عليه وسلم , وكذا القرار في البيوت حكمه عام .
وكذا التبرج حرام على أمهات المؤمنين , وحرام على غيرهن , ومثل ذلك طاعة الله ,وطاعة رسوله , وإقامةُ الصلاةِ , وإيتاءُ الزكاةِ , واجبٌ ذلك على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المسلمات , قال ابن كثير: في تفسيره بعد سياق هذه الآية الكريمة , هذه آداب أمر الله تعالى بها نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم , ونساءُ الأمةِ تبع لهن في ذلك أهـ .
وقال القرطبي : والخطاب وإن كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم , فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى , هذا لو لم يرد دليل يخص النساء كيف , والشريعة طافحة بلزوم النساء بتوتهن , والإنكفافِ عن الخروج منها إلا لضرورة أهـ .(1/117)
وقال ابن الجوزي : في زاد المسير في علم التفسير , قوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ ) قال أبو عبيدة : التبرج أن يُبْرِزْنَ محاسنَهن , وقال الزجاج : التبرج إظهار الزينة وما يُستعدي به شهوةُ الرجل أهـ .
وقال ابن كثير وقوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال , فذلك تبرج الجاهلية وقال : قتادة ((وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) يقول اذا خرجتن من بيوتكن , وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهي
الله تعالى عن ذلك
وقال : مقاتل بن حيان (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) والتبرج انها تُلقيِ الخمارَ على رأسها ,ولا تشده فيواري قلائدها , وقرطها وعنقها , ويبدو ذلك كله منها , وذلك التبرج ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج أهـ .
وقال الصابوني : في كتابة صفوة التفاسير .قوله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) أي لا تظهرن زينَتَكنِّ ومحاسنَكنَّ للأجانب , مثل ما كان نساء الجاهلية يفعلن ,حيث كانت المرأة تخرج إلى الأسواق مظهرةً لمحاسنها , كاشفةً من بدنها ما لايليق كشفه أهـ .
وقال محمد الشقيطي , في تفسيره : ومن الأدلة على أن حكم آية الحجاب عام , هو ما تقرر في الأصول من أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة , ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب اهـ .
وقال البخاري , في صحيحة : وقال معمر :التبرج أن تخرج المرأة محاسنها أهـ .
( أصْلُ التَّبَرُّجِ )
قال محمد الصابوني في كتبة تفسير آيات الأحكام . أصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى من الأشياء , ومادة (تبَرَّجَ ) تدل على الظهور , والإنكشاف , ومنه بروج مشيدة, وبروج السماء , والمراد بالتبرج في الآية , إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال , قال تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) .(1/118)
قال الزمخشري : فإن قلت ما حقيقه التبرج , قلت : تكلف إظهار ما يجب اخفاءه من قولهم سفينة بارجة أي لا غطاء عليها , والبَرَجُ سعة العين , يري بياضها محيطاً بسوادها كله , لا يغيب منه شيء , إلا أنه اختص بأن تنكشِفَ المرأةُ للرجال بابداء زينتها وإظهارِ محاسنها أ.هـ .(96) قلت :ومن المعروف أن كل عضو من المرأة فيه زينة وجمال , ولكن وجهُ المرأةِ هو أصل الزينة والجمال, فاولاً وقبل كل شيءٍ يجب على المراه المسلمة أن تستر وجْهَها ' وجميع بدنها , والله الموفق والهادي الى سواء السبيل .
( الدَّلِيْلُ الثَّالِثُ )
الدليل الثالث من أدلة الحجاب , قوله جل وعلا { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.(97)
وجه الدلاله من الآية الكريمة , هو أن المرأة الشابة , أو التي فيها بقية من شباب , وغالباً تطمع في النكاح , لا يرخص لها في وضع شيءٍ من ملابسها بحضرة الرجال الأجانب , بل يجب عليها أن تحتجبَ , وتلبسَ لباس السِّترِ والإحتشام ,إذا كان يراها رجل أجنبي .
أما النساء العجائز , اللاتي لا رغبة لهن في الزواج , وهن القواعد , فلا جناح عليهن أن يضعن بعض ثبابهن كالعباءة , والجلباب ويظهرن أمامَ الرجال بلباسهن المعتاد , الذي ليس فيه ما يلفت أنظارَ الرجال , وإذا تسترتِ القواعدُ من النساء فهو خير لهن , وأفضل, وأطيب , وأزكى , وفي مثل العامي , لكل ساقطةٍ لا قطة .(1/119)
وقال محمد الشنقيطى في تفسيره : أضواء البيان , ما نصه: ومن الأدله القرآنية, الدالة على الحجاب , قوله تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
لأن الله جل وعلا بين في هذه الآية الكريمة, أن القواعد أي العجائز , اللاتي لا يرجون نكاحاً , أي لا يطمعن في النكاح لكبر السن , وعدم حاجة الرجال إليهن , يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهن , يشترط كونهن غير متبرجات بزينة .
ثم قال : فقوله تعالى (وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ) في هذه الآية الكريمة , دليل واضح على أن المرأة التي فيها جمال ولها طمع في النكاح ,لا يرخص لها في وضع شيء من ثيابها ولا الإخلال بشيء من التستر ,بحضرة الأجانب .
وإذا عَلِمْتَ بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام ,وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب , عَلِمْتَ أن القران الكريم دل على الحجاب .
ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه صلى الله عليه وسلم , فلا شك أنهن خير أسوة لنساء , المسلمين في الأداب الكريمة المقتضيةِ للطهارةِ التامةِ , وعدمِ التدنس بأنجاس الريبة .
فمن يحاولُ مَنْعَ نساءِ المسلمين , كالدعاةِ للسفورِ , والتبرج , والاختلاط اليوم , من الإقتداء بهن في هذا الأدب السماوي , المتضمن سلامةَ العرض والطهارة ومن دنس الريبة غاشٌ لأمه محمد صلى الله عليه وسلم , مريض القلب كما ترى أ.هـ (98)فعلى القول الصحيح الحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين بل الحجاب واجب على كل مسلمة حرة مكلفة .
( تَنْبَيْهٌ )(1/120)
إذا أظهرت المراه المسلمة , شيئا من محاسنها للرجال الأجانب , كالعنق , والصدر , والرأس , والشعر , والساق , والذراع , فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً , سلفاً وخلفاً , على تحريم ذلك ,لما يترتب على ذلك من الفتنة ,والإغراء , وأسباب الفساد .
وإنما الخلاف في الوجه والكفين , وعلى القول الراجح ,الذي تشهد له نصوص الكتاب, والسنة, وهو قول جماهيرالعلماء لا يجوز للمراه كشف وجهها للرجال الأجانب
قال (وهبي سليمان غاوجي الألباني ) في كتابه :المرأة في الإسلام ,(99) يجب على المرأة أن تستر جميعَ بدنها , ووجْهَهَا وكفيها , سداً لذرائع الفسادِ وعوارض الفتن , فحكُم وجهِ المرأة وكفيها في المذهب الحنفي , في مثل أيامنا هذه هو كحكمة في باقي المذاهب الأربعة , وهو حرمة كشف المرأة وجهها لغير ضرورة والله اعلم .
وبالجملة فقد اتفقت مذاهبُ الفقهاء وجمهورُ الأمة على أنه ,لا يجوز للنساء الشوابِ , كشفُ الوجة والأكُفِ بين الأجانب , ويستثنى فيه العجائز لقوله تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء) والضرورات مستثناه من الجميع بالإجماع أهـ .
( الدَّلِيْلُ الرَّابِع )(1/121)
الدليل الرابع على وجوب الحجاب , وتحريم التبرج والسفور , قوله جل وعلا { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (100) .
فالله جل شأن يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم , بأن يأمر المؤمنات والأمر هنا للوجوب , يأمر تعالى بغض الأبصار , لأن النظر بريْدُ الزنا , ومن أقوى وسائلة , وفي الشريعة الإسلامية قاعدة وهي أن وسيلةَ الطاعةِ طاعة ,ووسيلةَ المحرم محرمة .
فالنظرةُ تزرع في القلبِ شهوةً , ورب شهوةٍ أورثت مصيبةً , ومحنةً , وأحزاناً , فيجب على المسلمين , والمسلمات , والمؤمنين و والمؤمنات , أن يغضوا من أبصارهم , امتثالاً لأمْرِ الله , وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , وطلباً للسلامة , وحفاظاً على الأعراضِ والأخلاقِ , وصيانةً للمجتمع عن اسباب الشر والفساد .
وإن شاء الله وبإعانة الله بعدما نذكر بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي فيها التحديز من النظر الذي لا يحل وبعدما نذكر بعض الأشعار التي فيها عبرة واعتبار بعد ذلك نتكلم عن معاني الآية الكريمة التي هي صريحة في وجوب الحجاب .(1/122)
وحيث قال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الدنيا . واتقوا النساء ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ((النساء حبائل الشيطان)) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( جعلت فتنه بني إسرائيل في النساء . من أجل هذه المحاذير .
نصح الرسول صلى الله عليه وسلم وانذر واعذر وحذر من النظر الذي لا يحل , فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأه فقال (( اصرف بصرك)) رواه احمد ومسلم وأبو داود والترمذي .
وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : ياعلي لا تتبع النظرة . النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الأخره رواه احمد وأبو داود والترمذي .
وعن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كتب على ابن آدم نصيبة من الزنا مدرك ذلك لا محالة , فالعينان زناهما النظر , والأذنانِ زناهما الإسْتماع , واللسانُ زناه الكلام , واليدُ زناها البَطْشُ , والرجل زناها الخُطا , والقلبُ يهوي ويتمنى, ويُصدِقُ ذِلكَ الفَرْجُ ويكذبه )) .متفق عليه واللفظ لمسلم .
وكم من نظره أورثت ندامةً وحسرة .
ولا شك أن المرأة كالشاه بين الذئاب , فهي محتاجة لمن يحفظها ويحرسها , ويصونها , وقد أجاد ,وصدق من قال :
إن الرجالَ الناظريْنَ الى النساء مثْلُ السِّباع تطُوفُ باللُّحْمانِ
إن لم تَصُنْ تِلكَ اللحُومَ أسُِودُها أكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أثْمانِ
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على غض البصر , ورغب فيه, روي الطبراني , عن عبد الله بمن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم من تركه خوفا من الله تعالى , أبدله الله ايمانا يجد حلاوته في قلبه )).
وعن أبي أمام رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأةٍ, ثم يغض بَصَرَهُ إلاَّ أخلف الله له عبادةً يجد حلاوتها)) . رواه الإمام أحمد والطبراني .(1/123)
والأدلة من الكتاب والسنة التي هي صريحة في النهي عن النظر كثيرة وشهيرة .
(تَنْبِيْةٌ )
أيتها المسلمة : كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى أمرأة أجنبية قصداً, كذلك يحرم على المر أة أن تنظر الى رجل أجنبي , لأن النظر بريد الزنا , ووسيلته .
وآيات القرآن , وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ,صريحة في النهي عن النظراتِ المريبةِ , والتحديزِ من ذلك , وعلماءُ الإسلام , لم يدخروا وسعاً , في التحديز عما يضر أمةَ الإسلام في عقائدها , وعبادتِها , وأحكامها , وأخلاقِها , فمنهم طيب الله ثراه , من سلك طريقَ النثر ومنهم من سلك طريقَ الشعر , فمن ذلك قولُ الصَّرْصَرِي رحمه الله :
وغُضَّ عَنِ المحارِمِ مِنْكَ طرفاً طَمُوحاً يَفْتِنُ الرَّجُلَ اللَّبيْبا
فَخائِنة الْعُيُونِ كَأُسْدِ غابٍ إذا ما أهْمِلَتْ وثَبَتْ وثُوبا
ومَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرف عنها يَجِدْ في قَلْبِه رَوْحاً وطِيْبا
( وقال الْحُماسِي )
وأنتَ مَتى أرْسَلْتَ طَرْفَكَ رائداً لقَلْبِكَ يَوْماً أتْعَبتكَ المناظرُ
رأيتَ الَّذِي لا كُُله أنْتَ قادِرٌ عَليْهِ ولا عَنْ بَعْضِهِ أنْتَ صابِرُ
( وقال الْفَرَزْدَق)
تَزَوَّدَ مِنْها نَظْرِةً لم تَدَعْ لَهُ فُؤاداً ولم يَِشْعُر بما قَدْ تَزَوَّدا
فلم أرَ مَقْتُولاً ولم ِأرى قاتِلاً بِغَيرِ سِلاحٍ مِثْلَها حِينَ أقْصَدا
( وقال غيره )
ومن كان يُؤتى من عَدُوٍ وحاسِدٍ فإنِّي مِنْ عَيْنِي أُتِيْتُ ومِنْ قَلْبِي
هُما اعْتَورانِي نَظْرَةً ثم فِكْرَةً فما أبْقيالِي مِنْ رُقادٍ ولا لُبٌ
( وقال ابْنُ الْمُعْتَز )
مُتَيَّمٌ يَرْعَى نُجومَ الدجا يبْكِي عليه رَحْمةً عاذِلُه
عَيْنِي أشاطَتْ بِدَمِى فِي الهوى فابْكوا قَتِيْلاً بَعْضُهُ قاتِلُه
(وقال غيره )
تَفْنى اللَّذاذَهُ مِمَّنْ نالَ صَفْوَتَها مِنَ الْحَرامِ ويَبْقي الإِثْمُ والْعارُ(1/124)
تَبْقى عَواقِبُ السُّؤفِي مَغَبَّتِها لا خَيْرَ فِي لَذَّهٍ مِنْ بَعْدِها النَّارُ
(وقال غيره )
يا ناظِراً ما أقْلَعَتْ لَحَظاتُهُ حتَى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيْلا
( وقال ابْنُ عَبْدِ الْقَوى في مَنْظُوَمِة الآداب)
ألا كُلُّ مَنْ رامَ السَّلامَةَ فلْيَصُنْ جَوارِحَةُ عن ما نهي اللهُ يَهتَدِي
يَكُبُّ الفتى في النارِ حصْدُ لساِنهِ وإرْسالُ طَرْفِ الْمَرء أنْكي فَقَيِّدى
وطَرْفُ الفَتي ياصاحِ رَائِدُ فَرْجِهِ ومُتْعِبُةُ فاغْضُضْهُ ما اسْتَطَعْتَ تَهْتَدِي
وابن قيم الجوزية رحمه الله , معروف ماله من الأشعار الشيقة , الرائقة , فمنها قوله :
يا رامياً بسِهامِ الَّحْظِ مجتَهداً أنْتَ القتيلُ بما تَرْمي فلا تُصِبِ
وباعِثُ الطَّرْفِ تَرْتادُ الشِّفاء لهُ تَوَقَّهْ إنَّه يَرْتَدُّ بالعَطَبِ
تَرْجُو الشِّفاءَ بأحْداقٍ بها مَرضٌ فهل سَمِعْتَ بَبرُءٍ جاءَ مِنْ عَطَبِ
ومُفْنِياً نَفْسَةُ فِي إثْرِ أقْبَحِهِمْ وصْفاً لِلَطْخِ جَمالٍ فيه مُكْتَسَبِ
وواهِباً عُمْرَهُ مِنْ مِثْلِ ذا سَفَهاً لو كُنْتَ تَعْرِفُ قدرَ الْعُمْرِ لم تَهَبِ
وبائعاً طِيْبَ عَيْشٍ مالَهُ خَطَرٌ بِطَيْفِ عَيْشٍ مِنَ الأيامِ مُنْتَهَبِ
غُبِنْتَ و اللهِ غَبناً فاحِشاً فَلَوِ اسْـ ـتَرْجَعْتَ ذا الْعَقْدِ لم تُغْبَنْ و لم تَخِبِ
شابَ الصَّبا و التَّصابِي لم يَشِبْ سَفَهاً……و ضاعَ وقْتُكَ بَيْنَ اللَّهْوِ و اللَّعِبِ
و شَمْسُ عُمْرِكَ قَدْ حانَ الغُروبُ لها…… و الْغَيُ فِي الأفُقِ الشَّرْقِيِّ لم يَغِبِ
(و قال ابن القيم )
مَلَّ السَّلامَةَ فاغْتَدَتْ لحظاتُه ……وقْفاً على طلَلٍ يُظَِنُّ جَمِيْلا
ما زالَ يُتْبِعُ إثْرَهُ لَحَظاتِهِ ……حَتى تَشَحَّطَ بَينَهنَّ قَتِيلاً
(و قال أيضاً )
ما زِلْتَ تُتْبِعُ نَظْرَةً فِي نَظْرَةً ……فِي إثْرِ كُلِّ مَلِحْةٍ و مَلِيْحِ(1/125)
و تظنُ ذاكَ دواءَ جُرْحِكَ و هو فِي التَّحقِيقِ تَجْرِيْحٌ على تَجْرِيْحِ
فَذَبَحْتَ طَرْفَكَ باللَّحاظِ و بالبكا…فالْقَلبُ مِنْكَ ذَبِيْحُ ابْنُ ذَبِيْحِ
و قال ابن القيم رحمة الله تغشاه : و النظر أصل عامَّةِ الحوادثِ , التي تصيب الإنسان . فإن النظرةَ تولد خَطْرَةً , ثم تولد الخطرةُ فكرةً ثم تولد الفِكرةُ شهوةً , ثم تولد الشهوةُ إرادةً , ثم تقوى فتصبير عزيمةً جازمة فيقع الفعلُ و لابد ما لم يمنع منه مانع . و في هذا قال : الصبر على غض الطرف أيسر من الصبر على ألم بعده .أ هـ
و في الاختبارات . لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 200 قال رحمة الله : و يحرم النظر بشهوة النساء و المردان و من استحله كفر إجماعاً .أ هـ
و مما لا شك فيه أن النظر هو بَرِيْدُ الزنا ووسيلتُه و الوسيلة لها حكم الغاية .
( وأجاد شَوْقِي حيث قال )
نَظْرَةٌ فابْتِسَامة فَسَلامٌ فكلامٌ فَمَوْعِدُ فَلِقاءٌ
( وقد أجاد وأفاد من قال )
كُلُّ الحوادِثِ مَبْداها مِنَ النَّظَرْ ومَعْظَمُ النَّار مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرْ
والْمرءُ ما دامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُها في أعْيُنِ الْغِيْدِ مَوْقُوفٌ على الخَطَرْ
يَسُر مقلَتَهُ ما ضَرَّ مًُهْجَتَه لا مَرْحَباً بِسُرُورِ جاءَ بالضَّرَرْ
كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ في قَلْبِ صاحِبِها فَتْكَ السِّهامِ بِلا قَوْسٍ ولا وَتَرْ
( وقال مُسْلِمُ بْنُ الْوَلِيْدِ الأنْصارِي)
كَسَبَتْ لقبى نَظْرَةً لتسُرَّهُ عَيْنِي فكانت شَقْوةً وَوَبالاً
ما مر بِي شيءٌ أشَدَّ مِنَ الْهَوى سبحانَ من خَلَقَ الْهَوى وتعالى
( وقال أبو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِي)
وأنا الذِي اجْتَلَبَ المنِيَّةَ طَرْفُهُ فَمَنِ المطالَبُ والْقَتِيلُ الْقاتِلُ
( ومن الشيمة العربية ما قاله عَنْتَرة )
وأغُضُ طَرْفِى ما بَدَتْ لِي جارَتِي حتى يُوارِي جارَتِي مأواه(1/126)
هكذا كان العرب في جاهليتهم . فلهم القدح المعلى في حفظ أنسابهم وأحسابهم . فهم أباة العار ، وحماة العرين . حفاظاً على السمعة والشرف ، في أنفسهم وفي مجتمعهم . وعياذاً بالله بعض الناس ديوث لا يغار على المحارم ، ولا يبالى . وبعض الناس يدعو إلى التبرج والسفور ؛ ويدعو إلى تحرير المرأة في زعمه الباطل . وبعدما تقدم نكمل الكلام على الآية الكريمة . ومن الله نستمد الإعانة والتوفيق .
ثم قال تعالى (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) أي عن الجريمة النكرى . وهي الزنا (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي لا يظهرن زينتهن للأجانب ومن المعروف أن وجهَ المرأةِ ، هو أصلُ الزينة ومصدر الفتنة والإغراء . مع العلم أن كل عضو من المرأة فيه زينة .
والمراد بالمستثنى في قوله تعالى (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هو مالا يمكن إخفاؤه , من الثياب ، والملابس . كالعباءة مثلاً .
قال ابن كثير رحمه الله : وقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه .
قال ابن مسعود : كالرداء . والثياب . يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها . وما يبدو من أسافل الثياب . فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه . ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها . وما يمكن إخفاءه . وقال : بقول ابن مسعود الحسنُ ، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، و إبراهيم النخعي وغيرهم اهـ .(101)
قال محرره . وهذا القول أرجح وأسعد بالدليل .
وقال القرطبي : الزينة على قسمين : خلقيةٍ ومكتسبة . فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة ، وجمال الخلقة . وأما الزينة المكتسبة ، فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها . وكالثياب والحلى ، والكحل والخضاب . ومنه قوله تعالى (خُذُواْ زِينَتَكُمْ) ومن الزينة ظاهر وباطن . فما ظهر فمباح أبداً لكل الناس . من المحارم ، والأجانب .(1/127)
وأما ما بطن فلا يحل ابداؤه إلا لمن سماهم الله تعالى في هذه الآية اهـ .(102)
وقال الشوكاني ما ملخصه : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي ما يتزين به من الحلية وغيرها . وفي
النهى عن إبداء الزينة نهى عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى . واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو . فقال ابن مسعود وسعيد بن جبير : ظاهر الزينة هو الثياب .
وقال ابن عطية : إن المرأة لا تبدى شيئاً من الزينة ، وتخفى كل شيء من زينتها . ووقع الإستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة .
ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني . النهى عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها كالجلباب والخمار . ونحوهما مما على الكف والقدمين من الحلية ونحو ذلك . وهكذا إذا كان النهى عن إظهار الزينة يستلزم النهى عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب . فإنه يحمل الإستثناء على ما ذكرناه في الموضعين . وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة ، وما تتزين به النساء فالأمر واضح والإستثناء يكون من الجميع اهـ .(103)
وقال محمد الأمين الشنقيطي بعدما ذكر خلاف العلماء : وقد رأيت في هذه النقول المذكورة عن السلف . أقوال أهل العلم ، في الزينة الظاهرة ، والزينة الباطنة . وأن جميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال كما ذكرنا .
الأول : أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها . ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها . كقول ابن مسعود ، ومن وافقه . إنها ظاهر الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها . وهي ظاهرة بحكم الإضطرار كما ترى : وهذا القول . هو أظهرُ الأقوال عندنا ، وأحوطُها ، وأبعدُها من الريبة ، وأسباب الفتنة اهـ .(104)
وقال الزمخشري : وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر . فإنه ما نهى عن الزينة إلا لملابستها تلك المواقع فكان إبداء المواقع نفسها متمكناً ف الحظر ثابت القدم في ا لحرمة اهـ .(105)(1/128)
وقال أبو الأعلى المودودي . في كتابه تفسير آيات الحجاب : قوله تعالى ( ولا يُبدين زينتهن ) أي لا يظهرن محاسنً ملابسهن ، وحليهن ، ووجوههن ، وأيديهن ، وسائر أعضاء أجسادهن . استثنى من هذا الحكم العام بكلمة ( إلاّ ) في الجملة ( ما ظهر منها ) أي ما كان ظاهراً لا يمكن إخفاءه ، أو ظهر بدون قصد الإظهار من هذه الزينة .
وهذه الجملة تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة . غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن : كأن يحفُّ الرِّداءُ لهبوب الريح ن وتكشف بعض الزينة مثلاً . أو ما كان ظاهراً بنفسه ، لا يمكن إخفاءه ، كالرداء الذي تجللُ به النساءُ ملابسهن لأنه لا يمكن إخفاءه وهو مما يستجلبُ النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال . فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى :
وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود ، والحسن البصرى ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي لهذه الآية الكريمة . وهي قوله تعالى ( ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) اهـ .(106)
وقال محمد صديق : ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني . النهى عن إبداء الزينة . إلا ما ظهر منها كالجلباب ، والممار ونحوهما . مما على الكف ن والقدمين من الحلية ونحوهما . وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان الإستثناء راجعاً إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين ، والقدمين ونحو ذلك اهـ .(107)
( تَنْبِيْهٌ )
من سياق ما تقدم . يعرف كل مسلم , ومسلمة . بأن جماهير العلماء . وفي الطليعة الأولى ، علماء التفسير . الجميع قالوا بوجوب الحجاب . الجميع قالوا في قوله تعالى : (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) المراد به ما لا يمكن إخفاءه ( كالرداء والملاءة والجلباب والعباءة ) وهذا هو ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .(1/129)
وبما نقلناه من كلام علماء التفسير يتضح أن من قال : في قوله تعالى (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هما الوجه والكفان . أن قوله ليس بصواب . وما نقل عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما فالصحيح والثابت عنه خلافه .
وبعدما ذكرنا الأدلة من القرآن الكريم على وجوب الحجاب . نذكر إن شاء الله الأدلة الدالة على الوجوب من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: وعددها ثلاثون حديثاً ، وثمانية أدلة من الآثار ، وأربع آيات من القرآن الكريم . الجميع اثنان وأربعون دليلاً .
( أدِلَّةُ الْحِجابِ مِنْ أحادِيْثِ الرَّسُول )
أدلة الحجاب من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الآثار الصحيحة كثيرة فمنها حديث أم سلمة . والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وميمونة . فاقبل ابن أم مكتوم . فدخل عليه وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتجبا منه )) . فقلنا : يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ، ولا يعرفنا . فقال : (( أفعميا وإن أنتما ألستما تبصرانه )) . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وأبن حبان ، والترمذي وصححه .
وكما هو معروف الحجاب . هو ما تستر به المرأة وجهها ، ورقبتها ، وشعرها . وهذا قول جماهير العلماء .
قال : في بذل المجهود في حل أبي داود . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة ، وأم سلمة . احتجبا منه . أي أرخيا على وجوهكما وصدورِكُما الجلبابَ .(108) وقول أم سلمة . وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب . فيه دليل على أنهن مأمورات بالحجاب والأمر للوجوب .
2-( الدَّلِيْلُ الثَّانِي )
جاء ( في صحيح مسلم )
(باب منع النساء أن يخرجن بعد نزول الحجاب )(1/130)
عن عائشة رضي الله عنها . أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المصانع ، وهو صعيد أفيح . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أحجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل .
فخرجت سودة بنتُ زمعة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً من الليال عشاءً . وكانت امرأة طويلة . فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب . قالت عائشة : فأنزل الله عز وجل الحجاب .
قلتُ وآية الحجاب هي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ }(109) وهذه الآية صريحة بأن الحجاب واحب على جميع المؤمنات فليس خاصاً بأمهات المؤمنين .
3- ( الدَّلِيْلُ الثَّالِثُ )
عن عائشة قالت : كان الركبانُ يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ؛ فإذا جاوزونا كشفناه . رواه أحمد ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، والدار قطني ، وأبو داود واللفظ له ، والحاكم وصححه .
ومن المعروف أن إحرام المرأة في وجهها . بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم . لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين . ومع ذلك يجب عليها أن تخمر وجهها عند الرجال الأجانب ، ولو كانت محرمة بجح أو عمرة فالحديث صريح في وجوب الحجاب .
فوجه الدلالة من حديث عائشة ، هو أن المحرمة يجب عليها كشف وجهها حالة الإحرام ولكن هذا الواجب عارضه واجبٌ ألزم منه واقوى . وهو ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها : وما ثبت في حق أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم . في مثل هذا ثبت في حق كل امرأة مسلمة .(1/131)
قال الشيخ الإسلام ابن تيمية (110) وثبت في الصحيح : أن المرأة المحرمة تنهى عن الإنتقاب والقفازين . وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن . وذلك يقتضى ستر وجوههن وأيديهن اهـ . وقد ترجم أبو داود لحديث عائشة بقوله .
( بابُ فِي الْمُحرِمِةُ تُغَطِّي وَجْهَهَا)
وترجم له ابن ماجه . بقوله (بابُ فِي الْمُحرِمِةُ تُغَطِّي وَجْهَهَا) .
فكون المحرمة جاء النص على أنها تكشف عن وجهها حالة الإحرام دل ذلك على أنها كانت تستره في جميع أحوالها العادية خاصة عند الرجال الأجانب .
4- ( الدَّلِيْلُ الرَّابِعُ )
ومن أدلة وجوب الحجاب ما قاله عمر بن الخطاب ن رضي الله عنه عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما . قال : قال عمر وافقت ربي عز وجل في ثلاث ، في مقام إبراهيم وفي و في الحجاب ، وفي أساري بدر متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
وفي ذلك دليل على أن الحجاب أمر من الله تعالى ، وفريضة من فرائض الإسلام . فرضه الله على أمهات المؤمنين ، والنساءِ أجمعين فأيما امرأة تلتزم بالحجاب فقد عصت الله ورسوله .
5-( الدَّلِيْلُ الْخامِسُ )
ومن الأدلة الدالة على وجوب الحجاب ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها . قالت : كان رسول الل صلى الله عليه وسلم ه. إذا أراد أن يخرج سفراً ز أقرع بين أزواجه . فأيتهن خرج سهمها خرج بها . فأقرع بيننا في غزاةٍ غزاها . فخرج سهمى فخرجتُ مع ( بَعْدَما أنْزِلَ الحِجابُ ) فأنا أحمل في هودج ، وأنزل فيه .
فسرنا حتى إذا فرغ رسول والله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقَفَلَ ودنونا من المدينة آذن ليلةً بالرحيلِ . فقمت حين آذنوا فمشيت حتى جاوزت الجيش . فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري. فإذا عِقدٌ لي من جَزَعِ أظْفار(111) قد انقطع. فرجعت فالتمست عِقْدِي فحبسنى ابتغاؤه .(1/132)
فأقبل الذين يرحلون لي : فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب . وهم يحسبون أنى فيه . وكان النساء إذا ذات خفافاً لم يثقلهن ولم يغشهن اللحم . وإنما يأكلن العلقة من الطعام .
فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج ، فاحتملوه . وكنت جاريةً حديثة السن . فبعثوا الجمل وساروا . فوجدت عقدي بعدما استمر الجيشُ . فجئت منزلهم وليس فيه أحد . فأممت منزلي الذي كنت فيه . وظننت أنهم سيفقدوننى فيرجعون إلى . فبينما أنا جالسة غلبتنى عيناي فنمت . وكان صفوان بن المعطل السلمى ، ومن وراء الجيش . فأصبح عند منزلي . فرأي سواد إنسانٍ نائمٍ . فأتانى ( وكانَ يِرانِي قَبْلَ الْحِجابِ ) .
فاستيقظت باسترجاعه . حين أناخ راحلته . فوطئَ يدها فركبتها . فانطلق يقود بى الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين ، في نحر الظهيرة . اهـ المقصود منه . وهذا الحديث رواه البخاري مطولاً . وترجم له بقوله ( حَدِيْثُ الإفْكِ ) وفيه ذكر الحجاب في موضعين .
وساق الحديث مسلم في صحيحة بطوله ، ولفظه . وكان صفوان بن المعطل السلمى ، قد عرس من وراء الجيش . فأدلج فأصبح عند منزلي . فرأي سواد إنسانٍ نائم . فأتانى ، فعرفنى حين رآني . وقد كان يراني قبل أن يضرب الحِجابُ عَلَيَّ ) فاستيقظت باسترجاعه ، حين عرفنى .
فخمرت وجهى بجلبابي . و والله ما يكلمني كلمةً ، ولا سمعت منه كلمةً . غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته . وفوطئً على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة اهـ . المقصود منه ، والشاهد منه ، هو قولها . وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب . وقولها ( فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبابِي ) .
فهذا الحديث مع صحته . هو صريح في وجوب الحجاب ، ووجوب التستر، ولباس الحشمة ، والوقار . الذي به الحفظ ، والنزاهة ، والصيانةُ والسلامة ، والعز ، والشرف . والله الوفق ، والهادي إلى سواء السبيل .(1/133)
فهل من سامع للحقِ وعاملٍ به . وهل من تارك لغيه وافترائه ، وضلاله . أم على قلوبٍ أقفالها . اللهم اهدنا ولا تضلنا . اللهم أهدنا بالهدى وزينا بالتقوى .
( تنْبِيْهٌ )
عمل أمهات المؤمنين . و منهن عائشة . وعمل نساء الصحابة أجمعين . عملهن ( بالحجاب ) وهو ستر الوجه ، وستر جميع البدن هو تفسير للقرآن الكريم . فيجب الرجوع إلى ذلك والعمل به . ومخالفة ذلك حرام وجريمة ، وذنب عظيم . فهل من مطيع وهل من مدكر .
وعلى قول الجماهير من العماء . ليس الحجاب خاصاً بأمهات المؤمنين . بل هو واجب على كل النساء في كل زمان ومكان .
وبالتستر والحجاب . الحصانةُ ، والصيانةُ ، والحفظُ ، والنزاهةُ ، والسلامة . ومن أسباب الدعارة ، والعربدةٍ ، وقلَّة الحياء ، وفساد الأخلاقِ . التَّبَرُّجُ والسُّفُورُ . وبناءً على هذا المصلحةُ العامة والخاصة تقتضى وجوب الحجاب .
6- (الدَّلِيْلُ السَّادسُ )
الدليل السادس على وجوب التستر ، ولباس الحشمة والوقار ووجوب الحجاب . ما قاله الترمذي في صحيحه .
( باب ما جاء في التغليس بالفجر )
حدثنا قتبة عن مالك ابن أنس قال : وحدثنا الأنصاري . حدثنا معن حدثنا مالك عن يحي بن سعيد عن عمرة ، عن عائشة ن قالت : إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليصلى الصبح فينصرف النساء . قال الأنصاري : فيمر النساء متلففات بمروطهن ما يعرفهن من الغلس وقال قتيبة : متلفعات بمروطهن .
وليس في هذا الحديث دليل على كشف الوجه مطلقاً . أولاً لأن المرأة من هيكلها ولباسها ، تعرف . وثانياً حينما تكون المرأة في ظلمةٍ لا تعرف لا جناح عليها في كشف وجهها . مع العلم أن قول عائشة متلففات ، ظاهرة أنهن سترن وجوههن وجميع أبدانهن . فلا يعرفهن أحد ؛ ولا يعرف بعضهن بعضاً .
(الدَّلِيْلُ السَّابِعُ )(1/134)
الدليل السابع من أدلة الحجاب . ما رواه مالك في الموطء . وحدثني عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ، ونحن محرمات ، ونحن مع أسماءً بنت أبي بكرٍ الصديق (112)وهذا الأثر من الأدلة الدالة على أن الحجاب واجب على كل مسلمة حرة مكلفة . ولفظ الحاكم كنا نغطى وجوهنا من الرجال . وقال الحاكم بعدما خرجه هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
(الدَّلِيْلُ الثامن من أدلة الحجاب )
هو ما جاء في صحيح مسلم . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى على بن أبي طالبٍ حلَّةً سِيَراءً وقال ك ( شققها خمراً بين نسائك ) وأعطى صلى الله عليه وسلم ، أسامة بن زيد حلةً سيراء ن فلبسها . فقال له صلى الله عليه وسلم: (( إني لم أبعث إليك لتلبسها . ولكني بعثت بها إليك لتشققها خمراً بين نسائك (113) قال محرره : ومن المعروف ، أن الخمار هو ما تغط به المرأة ، وجهها ورأسها ، وشعرها . هذا هو المعروف لغةً وشرعاً ، وعادة . ويأتي إن شاء اله ما يوضح ذلك . والحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين . بل هو واجب على جميع المسلمات . وبه قال : جماهير العلماء .
(الدَّلِيْلُ التاسع )
ومن أدلة مشروعية الحجاب ووجوبه . ما يأتي عن عائشة رضي الله عنها . قالت : يرحم الله نساء الماهجرات الأول . لما نزل (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شققن مروطهن فاختمرن بها .
وفي رواية أخذن أرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها . رواه البخاري ، وابو داود .
قال العيني في عمدة القاري : شرح البخاري قوله ( فاختمرن بها ) أي غطين وجوههن بالمروط التي شققنها . وروي أبو داود ، عن صفية بنت شيبة قالت : بينما نحن عند عائشة قالت فذكرن نساءً قريشٍ ، وفضلهن . فقالت عائشة رضي الله عنها : إن لنساء قريش لفضلاء . و إني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله . ولا إيماناً بالتنزيل .(1/135)
لقد أنزلت سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها . ويتلو الرجل على امرأته ، وابنتِه ، وأختِه . وعلى كل ذي قرابته . فما منهن امرأة إلا قامت إلى مُرطها المرحل . فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه . فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم. معتجراتٍ كأن على رؤسهن الغربان . والإعتجار هو لف الخمار على الرأس .
وكما أشرنا قريباً عمل الصحابيات يعد تفسيراً للقرآن الكريم كيف وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، ,أقرهن عليه . وأيضاً الصحابة رضي الله عنهم , أقروا زوجاتهم وبناتهم ، وأخواتهم على استعمال ( الحجاب ) امتثالاً لأمر الله تعالى وأمرِ رسوله صلى الله عليه وسلم.
نعم كما تقدم ، وكما يأتي سداً لذريعة الفساد يجب على المرأة أن تلبس لباس السِّترِ والحشمةِ . وأن تستر وجهها لأنه موضع إغراء الرجال ، وفتنتِهم . وكيف به إذا كان مزيناً بالتحمير والمساحيق والأصباغ الزاهية . فحينئذٍ تكون الفتنةُ أعظم ، والمحنةُ أكبر . وكما تقدم وكما يأتي : وجوب الحجاب قال به جماهير العلماء خلفاً وسلفاً ولا عبرة بمن شذ وخالف نصوص الكتاب والسنة .
بل يأتي إن شاء الله من النقولات ما يفيد ، أن العلماء قد أجمعوا على وجوبِ الحجاب إذا خيفَ من الفتنةِ . وأسبابُ الفتنة في هذا الزمن موجودة ومتوفرة . فالإيمانُ ضعيف ن وتبرج النساء موجود وتقوى الله ، وخشيتُهُ ز فيها ما فيها . والمعصوم من عصمه الله . والمحفوظ من حفظه الله . ولا حول ولا قوة إلا بالله . فهل من عارف للحق وعامل به وداع إليه . أم الجهل مخيم والغرور قد بلغ منتهاه اللهم اجعلنا ممن عرف الحق ، وعمل به ودعا إليه .
(الدَّلِيْلُ العاشر )(1/136)
الدليل العاشر من أدلة الحجاب . ما أخرجه الترمذي ، والبزار ، وابن خزيمة . من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن المرأة عورة . فإذا خرجت استشرفها الشيطان )) .
وجه الدلالة من الحديث ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم. ذكر أن المرأة عورة . أي جميع أعضائها عورة . ومن ذلك وجهها ، وشعرها ، ورقبتها . والعورة يجب سترها .
وقال الترمذي بعدما أخرج هذا الحديث ، حسن غريب ن ورمز في الجامع الصغير لصحته ، ورواه ابن حبان ، والطبراني : وزاد وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها .
ومن المعروف أن اصحاب القلوب المريضة ، والنفوس المسعورة . أول شيءٍ ينظرون إليه ، هو وجه المرأة . لأنه موضع الزينة ، ومكان الفتنة ، والإغراء . فيجب سترة .
وبه قال ز جماهير العلماء ، سلفاً وخلفاً . والله الموفق ، والهادي إلى سواء السبيل . اللهم ارزقنا البصيرة في الدين . واجعلنا هداة مهتدين .
وأيضاً من أدلة وجوب الحجاب ما قاله البيهقي في السنن الكبرى .
( باب مساواة المرأة الرجل في حكم الحجاب والنظر إلى الأجانب )
ثم ساق ستة أحاديث . منها ما جاء في قصة نزول توبة أبي لبابة في قصة بنى قريظة . قالت أم سلمة رضي الله عنها :
أفلا أبشره يا رسول الله بذلك . قال صلى الله عليه وسلم: (( بلى إن شئت )) قالت : فقمت على باب حجرتي . فقلت : وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك ( قال الشيخ ) رحمه الله وغزوة بنى قريظة كانت عقيب الخندق سنة خمس . فنزول الحجاب كان بعده والله أعلم . قلت : وكما أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين ، فهو واجب على النساء أجمعين . وبهذا القول قال : جماهير العلماء .
(الدَّلِيْلُ الحادي عشر )(1/137)
الدليل الحادي عشر . من الأدلة الدالة على وجوب التستر ، ووجوب الحجاب . حديث أم سلمة ، رضي الله عنها . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا كان لإحداكن مكاتب وكانت عنده ما يؤدي . فلتحتجب منه )) . رواه أحمد ن وابو داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، وصححه .
فقوله عليه الصلاة والسلام . فلتحتجب منه هذا أمر والأمر يقتضى الوجوب . إذا كان عند المكاتب من المال ما يؤدي ما عليه من مال الكتاب . لأنه قد صار حراً . فيجب على سيدته أن تحتجب منه كغيره من الرجال الأجانب .
(الدَّلِيْلُ الثاني عشر )
ومن الأدلة الدالة على وجوب الحجاب . حديث عائشة رضي الله عنها . قالت : اختصم سعد بن أبي وقاص و عبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص ، عهد إلى أنه ابنه . أنظر إلى شبهه . وقال عبد بنُ زمعة : هذا أخي يا رسول الله ، ولد على فراش أبي .
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأي شبهاً بيناً بعتبه . فقال هو لك يا عبدُ بنُ زمعة الولد للفراش ، وللعاهِرِ الحجرُ . واحتجبي منه يا سودة ، بنت زمعة . قال : فلم ير سودة قط . رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، والإمام أحمد ، وأبو داود .
وفي رواية للبخاري : هو أخوك يا عبدُ ؟
وتوضيح ما ذكر هو أن زمعة بن قيس بن عبد شمس ، والد سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. له أمة وكان يطؤها . وعتبة بن أبي وقاص يزعم أنه زنى بها فحكم الرسول بولدها لسيدها زمعة .
وقال صلى الله عليه وسلم . وللعاهر ، أي الزاني الحجرُ أي له الخيبة . فليس الولدُ له .
وحيث رأي صلى الله عليه وسلم , شبهاً بيناً بعتبة . قال صلى الله عليه وسلم لزوجه سودة . واحتجبي منه يا سودة . لأنه في باطن الأمر ليس أخا لها . بل هو أجنبي منها .(1/138)
فهذا الحديث من الحجج والبراهين الدالة على وجوب الحجاب . وعلى قول جماهير العلماء خلفاً وسلفاً . قيدماً وحديثاً . وجوبُ الحجاب ليس خاصاً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم . بل هو عام لجميع النساء . وكما هو معروف المصلحة العامة ، والخاصة . تقتضى وجوب الحجاب . والله الموفق . والهادي إلى سبيل الرشاد . نعم مصلحةُ المجتمع . ومصلحةُ أفراد المجتمع . و مصلحةُ الدين والدنيا . والبُعْدُ عن أسباب الفتنة والفساد . كل ذلك يقتضى وجوب الحجاب . لأنه كما هو معروف من أقوى أسبابِ الفسادِ السفورُ والتبرج . اللهم عافنا وجميع المسلمين من كل فتنة ومحنة وبلاء .
(الدَّلِيْلُ الثالث عشر )
ومن الأدلة على وجوب التستر ، ووجوبِ الحجاب . ما قاله أبو داود في سننه .
( باب في الإختمار )
حدثنا زهير بن حرب ، ثنا عبد الرحمن ، ح وثنا مسدد ، ثنا يحي عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ ، عن وهب مولى أبي أحمد ، عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم. دخل عليها وهي تختمِرُ فقال : (( ليةً لاليَّتين )) .
وجه الدلالة من الحديث أن أمهات المؤمنين ، ونساء الصحابة أجمعين بعد نزول آية الحجاب كن يختمرن . والتأخميرُ هو التغطية أي يغطين وجوههن ، وشعورهن ، ورؤوسهن .
يوضحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي توفى مع الرسول في حجة الوداع . (( اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبية . ولا تخمروا وجهه ، ولا رأسه . فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) رواه أحمد ومسلم ، والنسائي .
فقوله عليه الصلاة والسلام . ولا تخمروا وجهه أي لا تغطوه . وتقدم في الدليل الخامس . قول عائشة ، رضي الله عنها . فخمرت وجهى بجلبابي . فالخمار في اللغة والشرع هو ما يغطى الشيء ، ويستره . ويأتي لذلك إن شاء الله زيادة إيضاح وبيان .
(الدَّلِيْلُ الرابع عشر )
ومن الأدلة أيضاً . ما قاله أبو داود في سننه .
( باب في لبس القباطى )(1/139)
ثم ساق بالسند على دحية بن خليفة الكلبي . قال : أتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم . بقباطي . فأعطاني منها قبطيَّةً فقال : أصدعها صدعين . فاقطع أحدهما قميصاً ، وأعطى الآخر امرأتك تختمر به . فلما أدبر قال : وأمر امرأتك أن تجعل تته ثوباً لا يصفها .
وكل ما ستر شيئاً هو خماره . قال في القاموس : والخمار بالكسر النصيف . وكل ما ستر شيئاً فهو خماره اهـ . قلت والنصيف في لغة العرب ما تجعله المرأة على راسها ، ووجهها .
فالرسول صلى الله عليه وسلم. أمر بالخمار . والخمارُ كما تقدم ما تستر به المرأة وجهها ورأسها وشعرها .
فأمر صلى الله عليه وسلم ، بالخمار . عملاً بقوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ) .
والأدلة الدالة على أن التخمير هو التغطية كثيرة منها ما تقدم ومنها ما ذكره البخاري في صحيحه. قال:
( باب إغلاق الابواب )
حدثنا حسان بن أبي عباده . حدثنا همام ، عن عطاء ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أطفؤوا المصابيح بالليل إذا رقدتم واغلقوا الأبواب . وأوكوا الأسقية . وخمروا الطعام ، والشراب .
قلت ومن هذا والذي قبله يعرف كل مسلم ومسلمة بأن التخمير التغطية . لغةً وشرعاً ن وعادةً ز والعادة لها دخل في شريعة الإسلام .…(1/140)
وجاء في مسند الإمام أحمد . حدثنا عبد الله حدثنى أبي حدثنا حسن حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أغلقوا الأبوابَ . وأوكئوا الأسقية . وخمروا الإناءَ , وأطِفئوا السُّرُجَ . فإن الشيطان لا يفتح غَلَقاً ولا يحل وكاءً ولا يكشف إناءً . فإن الفُويْسَقة تُضْرِمُ على أهل البيت )) . فقوله صلى الله عليه وسلم. وخمروا الإناء . أي غطوه . والفويسقة هي الفأرة . فخمار المرأة سمى بهذا الاسم لأنها تغطى به راسها وشعرها ووجهها . هذا هو المعروف لغةً وشرعاً , وعادة .
قال في القاموس : ( والخمار بالكسر النصيف ولك ما ستر شيئاً فهو خماره . وتخمرت المرأة لبسته والتخمير التغطية ) .
وقال في المصباح المنير ( واختمرت المرأة وتخمرت لبست الخمار . وخمرت الشيء تخميراً غطيته وسترته ) .
وقال في مختار الصحاح : واختمرت المرأة . لبست الخمار والتخمير التغطية . ومعروف أن القاموس ، والمصباح المنير ، ومختار الصحاح . كلها من كتب اللغة العربية .
(الدَّلِيْلُ الخامس عشر )
ومن الأدلة الدالة على مشروعية الحجاب ، ووجوبه . ما قاله البخاري في صحيحة .
( بابُ قولِ الله تعالى (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا)
حدثني عبد الله بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب . أن أنساً قال : أنا أعلم الناس بالحجاب . كان أبي بن كعب يسألني عنه ، أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم . عروساً بزينب ابنةِ جحْشٍ . وكان تزوجها بالمدينة . فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار .(1/141)
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجلس معه رجال . بعد ما قام القوم ، حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمشى ومشيت معه ، حتى بلغ باب حجرةِ عائشة . ثم ظن أنهم خرجوا . فرجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم . فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة . فرجع ورجعت معه . فإذا هم قد قاموا ، فضرب بيني وبينه ستراً ، وأنزل الحجاب .
وهذا الحديث الذي رواه البخاري ، رواه مسلم في صحيحه وقول أنس رضي الله عنه : أنا أعلم الناس ( بالحجاب ) أي بسبب نزول آية الحجاب . ( وآية الحجاب ) كما تقدم ، هي آية 53 من سورة الأحزاب . وبعض العلماء يرى أن آية الحجاب هي آية 59 من سورة الأحزاب . والعلم عند الله تعالى . وكلا الآيتين صريحة في وجوب الحجاب .
(الدَّلِيْلُ السادس عشر )
ومن الأدلة الدالة ، على أن الحجاب ما يستر ما تحته . ما رواه مسلم ، من حديث صهيب رضي الله عنه . أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) .
ثم قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم . فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار . قال : فيكشف الحجاب . فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل .
فقوله جل شأنه (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) .المراد بالزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم ، في جنات النعيم . هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة . وهو أن المؤمنين ، يرون ربهم عياناً . خلافاً للمعتزلة ، والجهمية ، والأشاعرة . الذين حرفوا وأولوا فأنكروا رؤية الله تعالى . أنكروا أعظم نعيمٍ ، وأكبر وأجلَّ مطلوب . وهو النظر إلى وجه الله الكريم ن في جناتٍ شقفها عرشُ الرحمن . مع العلم أن الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).(1/142)
وقد ورد ما يدل على أن حجابَ الله نورُ عظيم كما في الحديث حجابُهُ النُّورُ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره .
(الدَّلِيْلُ السابع عشر )
الدليل السابع عشر من أدلة وجوب الحجاب . حديثُ محمد بن مسلمة رضي الله عنه . قال ك خطبت امرأةً ز فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها . فقيل له أتفعل هذا وانت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا ألقى الله في قلب امرىءٍ خطبة امرأة فلا باس أن ينظر إليها )) رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، وابن حبان وصححه .
وجه الدلالة من الحديث ، هو قول محمد بن مسلمة : فجعلت أتخبأ لها . فلو كانت مكشوفة الوجه لم يحتج بأن يتخبأ لها ، ليراها وهي غافلة لا تعلم .
ومثل حديث محمد بن مسلمة . حديث جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلة نكاحها ، فليفعل . فخطبت جاريةً ، فكنت أتخبأ لها ، حتى رأيت منها ما يدعوني إلى نكاحها )) . رواه أبو داود ، والإمام أحمد ، والشافعي ، والحاكم وصححه .
فمخطوبة جابر رضي الله عنه لو كانت مكشوفة الوجه والذراعين ، والساقين لم يكن جابر ليتخبأ لها ، ليراها على غفلةٍ وغرَّةٍ . ولكنها متحجبة ، متسترة .
(الدَّلِيْلُ الثامن عشر )
الدليل الثامن عشر على وجوب التستر ، ووجوب الحجاب . حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) . فقالت أم سلمة : فكيف تصنع النساء بذيولهن . قال : (( يرخين شبراً )) . فقالت : إذن تنكشف أقدامهن . فقال : ( فيرخينه ذراعاً ، لا يزدن عليه )) . رواه النسائي ، والترمذي . وقال هذا حديث حسن صحيح .(1/143)
ورواه الإمام أحمد . ولفظه أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه عن الذيل فقال : ( اجعلنه شبراً )) . فقلن : إن شبراً لا يستر من عورة . فقال : ( اجعلنه ذراعاً )) .
وجه الدلالة من الحديث ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مبالغةً في ستر القدمين جعل لهن ذراعاً . وأيضاً أقرهن صلى الله عليه وسلم جعل القدمين من العورة . والعورة يجب سترها .
وقد قال الإمام أحمد : ظفر المرأة عورة .
فإذا كان القدمان من العورة ، بأمر وتقرير من الرسول صلى الله عليه وسلم . فما الظن بباقي الأعضاء التي هي موضع فتنةِ الرجال ، وإغرائهم وموضع الزينة من المرأة فهي أولى بالستر والتغطيةِ من القدمين ، كالوجهِ ن والرأسِ ، والشعرِ ، والذراعينِ ن والساقين .
فهذا الحديث برهان ساطع ، وحجة قاطعة ، على وجوب التستر والإحتشام ن ووجوب الحجاب .
ومعروف بالتجربة ، وطبيعيةِ الحال . أن المرأة التي تكشفُ عن وجهها اليوم سوف تكشف عن غيره غداً . فالذي لا يقول بوجوب الحجاب مخطءٌ وظالم لنفسه . لأن سفور المرأة من أقوى أسباب الشر والفساد . اللهم ارزقنا البصيرة في الدين . واجعلنا هداةً مهتدين اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه . وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه .
(الدَّلِيْلُ التاسع عشر )
ومن الأدلة الدالة ، على وجوب التستر ولباس الحشمة ، ووجوب الحجاب . حديث أنس رضي الله عنه ( قال أبو داود في سننه ) .
( باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته )
حدثنا محمد بن عيسى . ثنا أبو جميع سالم بن دينار ، عن ثابت ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها . وإذا غطت به رجليها لم يبلغ راسها ز فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : (( إنه ليس عليك بأس . إنما هو أبوك وغلامك )) .(1/144)
وجه الدلالة من الحديث ، هو أن فاطمة ، رضي الله عنها قد عملت بأية الحجاب . إمتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} .
ويزد ذلك بياناً وإيضاحاً ، قول الرسول عليه الصلاة والسلام لفاطمة . إنه ليس عليك بأس . إنما هو أبوك ، وغلامك . لأن مملوك المرأة محرم لها كأبيها . أما لو كان رجلاً أجنبياً ، فإن فاطمة سوف تحتجب منه وتستر جميع بدنها .
وما ثبت في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته في مثل هذه المسألة . ثبت في حق كل مسلمة ، في كل زمان ومكان . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
فهذه الآية الكريمة ، هي من الأدلة الدالة على أن الحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين . وكذا الدليل الثامن عشرة ، والسابع عشر ، الذي تقدم قريباً هما من الأدلة الدالة على أن الحجاب واجب على كل مسلمة . وهذا قول جماهير العلماء . ومن قال : إن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين ، فقد شذ وتباعد عن طريق الحق والصواب .
(الدَّلِيْلُ العشرون )
الدليل العشرون ، على وجوب الحجابِ ولباسِ الحشمة . لباس الستر والشرف . لالباس الستر والشرف والشرفِ لا لباس العار ، والفضيحة . والدليل الذي ينير الطريق للسالكين ، ويبطل حجج المعارضين .
هو حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه . أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحجَ حافيةً ، غير مختمرة . فقال مروها : فلتختمِرْ ولْتركبْ . ولتصمْ ثلاثة أيام . رواه الخمسة ، واللفظ لأبي داود .
وكما هو معروف الخمار في اللغة ، والشرع ، والعادة . هو ما يستر رأس المرأةِ ووجهها ، وشعرها . وتقدم بيانه . قال : ف مختار الصحاح : والتخمير التغطية . ياقل خمر إناءك اهـ .(1/145)
وقال في القاموس : والخمار بالكسر النصيفُ . وكل ما ستر شيئاً فهو خماره اهـ .
وتقدم في الدليل الخامس ، قول عائشة رضي الله عنها : فخمرت وجهي بجلبابي .
وتقدم أيضاً في الدليل السابع ، قول فاطمة بنت المنذر : كنا نخمر وجوهنا ، ونحن محرمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر .
وجاء في صحيح مسلم ن ومن حديث أبي حميد الساعدي ، رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، بقدح لبن من النقيع ن ليس مخمراً فقال ك (( ألا خمرته . ولو أن تعرض عليه عوداً )) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر بأن تختمر أخت عقبة بن عامر ، أي تغطى وجهها. والأمر في مثل ما هنا يقتضى الوجوب . وقد أمر صلى الله عليه وسلم ، بأن أخت عقبة تصوم ثلاثة أيام لأن نذرها ، نذر معصية ( وقد ترجم له أبو داود بقوله ) .
( باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية )
فأي إنسان نذر ندراً لا يطيقه . أو نذر نذرً معصيةٍ فعليه كفارة يمين . لقوله صلى الله عليه وسلم: (( من نذر أن يطيع الله فليطعه . ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه )) . رواه الجماعة إلا مسلماً من حديث عائشة .
(الدَّلِيْلُ الحادي والعشرون )
ومن الأدلة الدالة على أن المرأة إذا خرجت من بيتها . يتأكد عليها أن تلبس لباساً ساتراً , لباس الحشمة ، والهيبة ، والشرف ، والفخر ، والوقار .
ودليل ذلك ، وبرهانه هو ما رواه الإمام أحمد ن والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ن وابن ماجه .
عن أم عطية ، رضي الله عنها ، قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر ، والأضحى ، العواتق ، والحيض ، وذوات الخدور . فأما الحيض فيعتزلن الصلاة . وفي لفظٍ المصلى . ويشهدن الخير ودعوة المسلمين .
قلت يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب . قال لتلبسها أختها من جلبابها ) .(1/146)
قال شوكاني في نيل الأوطار : الجلبابُ بكسر الجيم ، وبتكرار الموحدة ، وسكون اللام . قيل هو الإزار والرداء . وقيل الملحفة . وقيل المقنعة . تغطى بها المرأة راسها وظهرها . وقيل هو الخمار اهـ .
وقال في اقاموس : والجلبابُ ن كسرداب القميص , وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما تغطى به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار اهـ .
وقال البغوي في تفسيره : وقال ابن عباس ن وعبيدة السلماني أمر نساء أمر نساء المؤمنين ، أن يغطين وجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدةً . ذكر ذلك على قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ }الآية .
وفيما سبق ذكرنا أقوال كثير من علماء التفسير على هذه الآية الكريمة . فعل القارئ وفقه الله يعاود النظر حتى يرى الحق والبرهان .
وحتى يعرف القارئ بلغنا الله وإياه المنى والتهاني ، بأن أكثر علماء التفسير صرحوا بأن المرأة يتأكد عيها أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب .
أما كون المرأة يجب عليها أن تستر شعرها ، وذراعيها ، وساقيها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب ، فهذا قد أجمع العلماء عليه ، سلفاً وخلفاً ن قديماً وحديثاً .
وأيضاً إذا خيف من الفتنة ، فقد أجمع العلماء على أن المرأة يجب عليها أن تستر وجهها ، وجميع بدنها .
(الدَّلِيْلُ الثاني والعشرون )
ومن الأدلة الدالة على وجوب التستر عموماً، ووجوب الحجاب خصوصاً. حديث أنس رضي الله عنه .
قال البخاري رحمه الله في صحيحة : حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير . أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين خيبر والمدينة ، ثلاثة ليال يُبنى عليه بصفية . فدعوت المسلمين إلى وليمته .(1/147)
وما كان فيها من خبز ولحم . وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط ، والسمن . فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين ، أو ما ملكت يمينه . فقالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين . وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما أرتحل وطأ لها خلفه ، ومد الحجاب .
والحجاب هو ستْرُ مفاتِن المرأة ، ومحاسنها . ومن المعروف أن وجه المرأة ، هو مجمع المحاسن، وسيدُها .
وكما أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين ، فهو واجب على وقوله وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . هذه هي السنة المتبعة ، زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وزمن خلفائه الراشدين . وهو أن الحرة تحتجب ، والأمة أي العبدة المملوكة ، لا تحتجب .
وكان عمر رضي الله عنه ، إذا رأي أمة مختمرةً ضربها. وقال اتتشبهين بالحرائر ، ألقِى القِناع يا لَكَاع .(114)
(الدَّلِيْلُ الثالث والعشرون )
قال البخاري في صحيحة : حدثنا مسدد ، عن يحي عن حميد عن أنس . قال : قال عمر رضي الله عنه . قلت يا رسول الله . يدخل عليك البر والفاجر . فلو أمرت أمهات المؤمنين ، بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب .
وتقدم التنوية عن آية الحجاب وهي آية 59 من سورة الأحزاب . وقيل هي آية 53 من السورة المذكورة . وكلا الآيتين ، فيهما الدلالة على وجوب الحجاب . وكما أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين فهو واجب على نساء الصحابة ، والتابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين .
(الدَّلِيْلُ الرابع والشعرون )
وأيضا من الأدلة الدالة على وجوب الحجاب ما سجله البخاري في صحيحة . قال : حدثنا أبو اليمان . أخبرنا شعيب ، عن الزهري حدثني عروة بن الزبير ، أن عائشة رضي الله عنها .
قالت : استأذن عَلَيَّ أفْلَحُ أخو أبي القُعَيْس ( بَعْدَما أُنْزِلَ الْحِجابُ ) فقلت لا آذن له حتى أستأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني ، ولكن أرضعتني امرأةُ أبي القعيس .(1/148)
فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم .فقلت له : يا رسول الله إن أفلح أخا أبا القعيس استأذن فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( وما منعك أن تأذنين له عمك )) . قلت : يا رسول الله ، فقال الرجل ليس هو أرضعني . ولكن أرضعتني امرأةُ أبي القعيس . فقال عليه الصلاة والسلام : (( ائذني له فإنه عمكِ تربت يمينك )) .
وحديث عائشة هذا أيضاً . رواه الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .
ووجه الدالة من هذا الحديث ، هو أن عائشة رضي الله عنها ( عملاً بآية الحجاب ) امتثالاً لأمر الله ، ورسوله . تحتجبُ أي تغطى وجهها ، و تستر جميعَ بدنها ، عن كل رَجلٍ أجنبي .
وهذا الذي عملت به عائشة ، رضيا لله عنها . يجب أن تعمل به كل امرأةٍ مسلمةٍ ترجو ثواب الله ، وتخاف من عقابه ، والمصلحة الخاصة ، والعامة تقتضى ( وجوب الحجاب ) .
(الدَّلِيْلُ الخامس والعشرون )
ومن الأدلة الدالة على مشروعية الحجاب . ما رواه الدار قطني في سننه ، عن أم سلمة رضي الله عنها . قالت : كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن محرمات . فيمر بنا الراكبُ فتسدلُ المرأةُ الثوب من فوق رأسها ، على وجهها .
فقول أم سلمة كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه صيغة جمع ففيه دليل عل أن الحجاب والتستر هو عمل أمهات المؤمنين ، ونساءِ الصحابة أجمعين .
(الدَّلِيْلُ السادس والعشرون )
ومن الأدلة الدالة على مشروعية التستر والحجاب . حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : (( لا تنتقب المرأة المحرمة . ولا تلبس القفازين )) . رواه مالك ، وأحمد ، والبخاري والنسائي ، والترمذي ، وصححه .
وكما هو معروف ، الإنتقاب لبس غطاء للوجه ، فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما .(1/149)
وجه الدلالة من الديث ، هو البيان البن ، الجلى الواضح في أن النساء في عهد النبوة بعد نزول آية الحجاب ؛ قد استعملن الحجاب ، وهو تغطية الوجه بالخمار ، أو النقاب .
فالمرأة المحرمة بحج أو عمرة ، لا يجوز أن تغطى وجهها إلا إذا كان يراها أجانب ، فحينئذٍ يجب أن تغطى وجهها ، وتستر جميع بدنها . كما تقدم بيانه ، في الدليل الثالث .
وهو قول عائشة رضي الله عنها كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها . فإذا جاوزونا كشفناه . والقفازان هما ما تلبسهما المرأة في كفيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، على حديث عبد الله بن عمر : هذا مما يدل على أن النقاب ، والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن . وذلك يقتضى ستر وجوههن وأيديهن .(115)
(الدَّلِيْلُ السابع والعشرون )
وأيضاً من أدلة الحجاب ، ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فعن أنس رضي الله عنه ، قال ك مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة ، فعلاها بالدِّرَّة ، وقال : يا لَكَاع(116) أتتشبهين بالحرائر ، ألقى القناع .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن ، وأيديهن . والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء . كما كانت سنة المؤمنين ، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه . الحرةَ تحتجبُ والأمةَ تَبْرُزُ . 1هـ . قلت إلا إذا خيف من الأمة الفتنة فيجب عليها أن تحتجب . لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً ، وسداً لذريعة الفتنة والفساد .
(الدَّلِيْلُ الثامن والعشرون )
ومن الأدلة الدالة على وجوب الحجاب ، هو أن الرسالة صلى الله عليه وسلم ،أباح للخطيب وخطيبته أن ينظر كل واحدٍ منهما إلى صاحبه والإباحة لا تكون غالباً إلى بعد خطرٍ .(1/150)
روى الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي ، وابن حبان وصححه . عن المغيرة بن شعبة ، رضي الله عنه . أنه خطب امرأةً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ((أنظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )) . فأتى أبويها ، فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكأنهما كرها ذلك .
فسمعت ذلك المرأةُ ، وهي في حذرها . فقالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أمرك أن تنظر فانظر وإلا فإني أنشدك . كأنها عظمت ذلك عليه . فنظرتُ إليها فتزوجتها فذك من موافقتها له . ومثل ذلك يعد من محاسن دين الإسلام وتسهيلاته الحكيمة . وهو جواز النظر للمخطوبة .
(الدَّلِيْلُ التاسع والعشرون )
الدليل التاسع والعشرون ، من أدلة وجوب الحجاب . ما رواه السبعة ، إلا البخاري ، من حديث فاطمة بنت قبس ، رضي الله عنها لما طلقها زوجها ، أمرها الني صلى الله عليه وسلم ، أن تعتد في بيت أم شريك .
ثم قال : تلك امأة يغشاها أصحابي . اعتدى عند ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده .
وفي رواية انطلقي إلى ابن أم مكتوم ، الأعمى . فإنك إن وضعت خمارك لم يرك .
وفي رواية للنسائي . أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لها : انطلقي إلى أم شريك . وأم شريكٍ امرأةٌ غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل . ينزل عليها الضيفان . قلت : سأفعل . قال : لا تفعلى فإن أم شريكٍ كثيرة الضيفان . فإني أكره أن يسقط منك خمارُكِ ، أو ينكشف الثوبُ عن ساقيك . فيرى القوم منك بعض ما تكرهين .
قلت : وتقدم البيان البين . بأن الخمار لغةً وشرعاً هو ما تغطى به المرأة وجهها ، وشعرها ، ورقبتها . فهذا الحديث صريح في وجوب الحجاب .
والحديث أيضاً صريح بأن الحجاب ليس خاصاً بأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، كما توهمه بعض الناس . بل على قول المحققين من العلماء الحجاب واجب على أمهات المؤمنين ، وعلى النساء أجمعين .
(الدَّلِيْلُ الموفى للثلاثين )(1/151)
ومن الأدلة الدالة على مشرعية الحجاب ووجوبه ، هو ما فعلته عائشة رضي الله عنها . امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.فإنها لما حجت في بعض السنين ، طافت متسترةً متحجبةً .
قال الأزرقى في تاريخ مكة (117): حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثني حدي ، عن يحيى بن سليم ، عن محمد بن السايب بن بركة ، عن أمة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أرسلت إلى أصحاب المصابيح فأطفؤها ( ثم طافت في ستر وحجاب ) قالت وطفت معها . فطافت ثلاثة أسبعٍ كلما طافت سبعاً وقفتْ بين الباب ، والحجر تدعو ( قلت ) وفي هذا دليل على أن الحجاب والنقاب متعارف عليه بين أمهات المؤمنين ، والصحابيات أجمعين .
(الدَّلِيْلُ الحادي والثلاثون )
ومما يدل على مشروعية الحجاب ، ما ذكره الأزرقى في تاريخ مكة (118) قال :
( ما جاء في النقاب للنساء في الطواف )
حدثنا أبو الوليد قال : حدثني جدي قال : حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء . أنه كره أن تطوف المرأة بالكعبة وهي متنقبة ، حتى أخبرته صفية بنت شيبة أنها رأت عائشة رضي الله عنها تطوف بالبيت وهي متنقبة ، فرجع عن رأيه ذلك . قلت وهذا هو عمل أمهات المؤمنين والصحابيات أجمعين بعد نزول آية الحجاب منهن من تغطى وجهها بالخمار ومنهن من تلبس النقاب .
(الدَّلِيْلُ الثاني والثلاثون )
قال ابن العربي : قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يحدث أن عائشة دخل عليها رجل أعمى . وأنها احتجبت منه . فقيل لها يا أم المؤمنين ، إنه أعمى لا ينظر إليك . قالت :
ولكني أنظر إليه . اهـ (119) . والحجاب كما هو واجب على أمهات المؤمنين ، فهو واجب على المسلمات أجمعين .
(الدَّلِيْلُ الثالث والثلاثون )(1/152)
فمن الأدلة الدالة على أن أمهات المؤمنين ، ونساء الصحابة أجمعين . بعد نزول آية الحجاب كن يستعملن الحجاب ، والنقاب أخرج أبو داود في سننه ، عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس ، عن أبيه عن جده ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال لها أم خلاَّد وهي متنقبةً تسال عن ابن لها قتل في سبيل الله .
فقيل لها جئت تسألين عن ابنك ، وأنت منتقبة . فقالت : إن أرزأ ابني فلن أرزأ حيائي . فقال صلى الله عليه وسلم : (( ابنك له أجر شهيدين )) قالت : ولم . قال صلى الله عليه وسلم: (( لأنه قتله أهل الكتاب )).
قلت وأم خلاَّدِ ذكرها ابن حجر في الإصابة ، في تمييز الصحابة . وقال : إنها جاءت تسأل عن زوجها .
(الدَّلِيْلُ الرابع والثلاثون )
ومن الأدلة الدالة على وجوب التستر ، ووجوب الحجاب . حديث عائشة رضي الله عنها . وهو أن نساءً من أهل حمص ، أو من أهل الشام . دخلن على عائشة . فقالت : أنتن اللاتي تدخلن الحمامات . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من امراةٍ تضع ثيابها في غير بيت زوجها ، إلا هتكتِ الستر بينهما وبين ربها )) . رواه أحمد وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، وحسنه ، والحاكم وقال : صحيح على شرطهما . ورواه الطبراني في الأوسط . ولفظه وما من امرأةٍ تنزع حمارَها ، في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيما بينها ، وبين ربها اهـ .
فالمرأة التي تنزع خمارَها في غير بيتها ، أو بيت زوجها . حيث يراها رجل أجنبي . قد تبرجت ، وفعلت محرماً ن وفقيرةً من الحياء ولله درُّ أم خلاَّدٍ التي قريباً تقدم ذكرها .
وفي صحيح البخاري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى . إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .
( ومن هذا الحديث أخذ الشاعر )(1/153)
ومن المعروف أن المرأة التي لا حياء فيها فإنها غالباً تبرج ومن ذلك سفورُها عن وجهها ، وإظهارُها لشيء من مفاتنها ، كشعرها ورقبتها وساقيها وذراعيها .
إذا لم تَخْشَ عاقِبَةَ اللَّيالي ولم تَسْتَحِي فاصْنَعْ ما تَشاءُ
فلا واللهِ ما فِي العَيْشِ خَيْرٌ ولا الدُّنْيا إذا ذَهَبَ الحياءُ
( الحياءُ مِنَ الإيمان)
ومن غير شك أن المرأة المسلمة ، من أجمل ما تحلى به هو الحياء . الحياء هو زينتها ، هو جمالها . الحياءُ يمنعها عما يدنِّسُها ، ويشيبُها الحياءُ يمنع الفتاةَ المسلمة ، من السفور ، ومن التبرج .
والحياءُ يمنع المسلمةً عن فعل كل مالا يجوز شرعاً . فشرفُ المرأة ، وعزُّها ، وسعادتُها . هو بحيائها ، وسلوكِها ، ودينها ، وأخلاقِها .
( وصدق من قال )
إن الفتاةَ حَدِيْقةٌ وحياؤُها كالماءِ موقُوفٌ عليه نماؤُها
بفروعِها تَجري الحياةُ فَتًكْتَسي حُلَلاً يَرُوقُ الناَّظِرينَ رُواؤُها
إيْمانُها بالله أحْسَنُ نَضْرَةٍ فيها فاءِ مَّا ضَاعَ ضَاعَ بَهاؤُها
لا خَيْرَ فِي حُسْنِ الفَتاةِ وعِلْمِها إن كانَ فِي غَيْرِ الصَّلاحِ رِضاؤُها
فجمالُها وقْفٌ عَلَيْها إنَّما للناسِ مِنْها دِيْنُها ووفاؤُها
(الدَّلِيْلُ الخامس والثلاثون )
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : كنا نُغطي وجوهنا من الرجال . وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام . رواه الحاكم في المستدرك . وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
ففي هذا الأثر دليل على مشروعية الحجاب . وأيضاً فيه دليل على أن الحجاب ليس خاصاً في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم . فأسماء قالت : كنا نغطى وجوهنا من الرجال.
(الدَّلِيْلُ السادس والثلاثون )(1/154)
قد عرف وتقرر بأن الصحابيات ، وجميع المسلمات . بعد نزول آية الحجاب . كن يحتجبن أي غطين وجوههن وجميع أبدانهن . قال ابن ماجه في سننه : حدثنا أيوب بن محمد الرقي . ثنا معمر بن سليمان . ثنا عبد اله بن بشرٍ عن الأعمش ، عن عمروبن مرَّة ، عن يحيى بن الجزَّار ، عن ابن أخت زينب ، امرأة عبد الله ، عن زينب ن قالت : تكانت عجوز تدخل علينا ترقى من الحُمْرة . وكان عبد الله بن مسعود إذا دخل تنحنع وصوَّت . فدخل يوماً فلما سمعت صوته احتجبت منه .
وعلى قول جماهير العلماء . سلفاً وخلفاً ، قديماً وحديثاً . الحجاب واجب على أمهات المؤمنين ، وعلى النساء أجمعين .
(الدَّلِيْلُ السابع والثلاثون )
قال الخباري في صحيحة ( باب طواف النساء مع الرجال ) وقال : لي عمرو بن علي . حدثنا أبو عاصم قال : ابن جريج أخبرنا عطاء . إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال . قال : كيف تمنعهن وقد طاف نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم ، مع الرجال .
قلت أبعد الحجاب أو قبل . قال : أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب ؛ قلت كيف يخالطن الرجال . قال : لم يكن يخالطن ، كانت رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال ؛ لا تخالطهم . فقالت امرأة : انطلقى نستلم يا أم المؤمنين . قالت : عنك ، وأبت (120) فكن يخرجن متنكرِّرات بالليل ,فيطفن مع الرجال .
فهذا الخبر من أدلة مشروعية الحجاب ن ووجوبه . فهل من عارف للحق وعامل به . أم الجهل مخيم ، والغرور قد بلغ المنتهى .
(الدَّلِيْلُ الثامن والثلاثون )
من الأدلة الدالة على مشروعية الحجاب ، ووجوبه . ما أخرجه مسلم في صحيحه . قال : حدثنا حجاج بن محمد . حدثنا ابن جريج ، أخبرني عبد الله رجل من قريش ، عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب . أنه قال يوماً : ألا أحدثكم عنى وعن أمي . قال : فظننا أنه يريد أمه التي ولدته .(1/155)
قال : قالت عائشة : ألا أحدثكم عنى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلنا بلى . قال . قالت : لما كانت ليلتى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ، فيها عندي . انقلب فوضع رداءه ، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه ، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قدر قدت فأخذ رداءه رويداً ، وانتعل رويداً . وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويداً .
فجعلت ( درعي في رأسي . واختمرت وتقنعت إزاري ) ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع . فقام فأطال القيام . ثم رفع يديه ثلاثة مرات . ثم انحرف فانحرفت . فاسرع فأسرعت . إلى آخر هذا الخبر .
فعائشة رضي الله عنها بعد نزول آية الحجاب . لما أرادت الخروج من بيتها ، مبالغة في الاحتشام ، والتستر ؛ جعلت درعها ن وهو ثوب يستر جميع البدن ، على رأسها . واختمرت ، وتقنعت إزارها .
والحجاب كما هو واجب على أمهات المؤمنين ، فهو واجب على النساء أجمعين . اللهم أرزقنا البصيرة في الدين . واجعلنا هداةً مهتدين .
هذه أدلة الحجاب . وإلى الله المرجع والمآب . هذه هي الأدلة والبراهين . والهداية بيد رب العالمين . هذه هي الأدلة ، وعددها ، أثنان وأربعون دليلاً . أربع آيات من القرآن الكريم . وثلاثون حديثاً والبقية من الآثار .
( مُنَاقَشِةٌ)
بعدما ذكرنا الأدلة الدالة على وجوب الحجاب . فاتماماً للفائدة نذكر بإعانة الله الأدلة التي استدل بها من لم يوجب الحجاب ، وهي أربعة أدلة . ولا أعرف غيرها ، وهي مع قلتها تحت المناقشة .
فمنها تفسير ابن عباس رضي الله عنه ، للىية الكريمة (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال : هما الوجه والكفان .
والجواب عن هذا بخمسة أوجه .(1/156)
أولاً : اختلاف كلام ابن عباس . قال الشيخ محمد الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان : أخرج سعيد بن منصور ، وإبن جرير ، وعبد ابن حميد ، وابن المنذر ن والبيهقي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال : الكحل والخاتم والقرط والقلادة .
وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس . في قوله تعالى( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال هو خضاب الكف والخاتم . اهـ فحيث أن كلام ابن عباس اختلف في تفسير المستثنى ، فبذلك يضعف الإحتجاج بتفسيره ؛ المستثنى بالوجه والكفين .
ثم أيضاً صح عن عبد الله بن عباس رضي الله عهما ما يخالف ما تقدم فقد قال ابو الأعلى المودودي في كتابه ( تفسير آيات الحجاب ) روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردوية ، عن ابن عباس (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ) قال : تغطى المرأة وجهها من فوق رأسها بالجلباب ، وتبدى عيناً واحدة اهـ .(121)
وقال ابن الجوزي في تفسيره ( زاد المسير في علم التفسير 9 ك قال تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن اهـ .
الوجه الثاني : يحتمل احتمالاً قوياً أن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : ما تقدم قبل نزول آية الحجاب . وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى .
وقال ابن عباس : أمر نساء المؤمنين أن يغطين وجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة . ذكر ذلك عنه ابن جرير في تفسيره والبغوى في تفسيره مجلد 6 ص 313 ز والخازن في تفسيره مجلد 5 ص 276. والشنقيطي في تفسيره مجلد 6 ص 586 .(1/157)
الوجه الثالث : إذا ثبت أن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما قال في قوله تعالى : (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هما الوجه والكفان . وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب ، فهو قول صحابي خالفه غيره . والذي خالف قوله قول ابن عباس ، هو عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه . فإنه قال في قوله تعالى : (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي ما ظهر من اللباس الذي لا يمكن إخفاؤه .كالثوب والجلباب .
والقاعدة أن الصحابي إذا خالفه صحابي لا يكون ما قاله وذهب إليه حجة يجب قبولها .
فإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم ، أو غيرهم من علماء الأمة الإسلامية . فحينئذٍ يؤخذ بقول من تشهد لقوله الأدلة من الكتاب ، والسنة ، وعليه يكون العمل بالدليل السالم من المعارض .
قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرُ وأحسن تأويلاً ) (122) وإذا رددنا الأدلة الواردة في الكتاب ، والسنة ، التي هي من خصوص وجوب الحجاب . وجدناها أكثر ن واصح ، وأصرح . وبناءً على هذا يكون العمل بها واجباً .
الوجه الرابع : في معنى قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) فالزينة زينتان : زينة خلقية ، وزينة مكتسبة . فالزينة الخلقية كوجه المرأة وبقية بدنها . فهذه الزينة بعد نزول آية الحجاب لا يجوز أن يراها أجنبي ، بل يحرم ذلك . وزينة مكتسبه ، كالحلى والملابس . فلا يجوز أيضاً أن يراها رجل أجنبي ، إلا ما ظهر منها وليس بالإمكان اخفاؤه ، كالجلباب والعباءة . يوضح ذلك أن الله جل شأنه ن قال : ( إلا ما ظهر منها ) ولم يقل إلا ما أظهرن .(1/158)
الوجه الخامس : ما نبه عليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، في تفسيره (123) فإنه قال : إن قول من قال في معنى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) أن المراد بالزينة ؛ الوجه والكفان . توجد في الىية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول . وهي أن الزينة في لغة العرب . هي ما تتزين به المرأة ، مما هو خارج عن أصل خلقتها ؛ كالحلى والحلل .
فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر . ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، وبه تعلم أن قول من قال : الزينة الظاهرة ، الوجه والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية . وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول . فلا يجوز الحمل عليه ، إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه . هذا ما صرح به الشنقيطي . وحسبك به علماً وفهماً وسعة اطلاع .
( حَدِيْثُ عائِشَة)
وأيضاً من لم يوجب الحجاب يستدل بما رواه أبو داود في سننه قال : حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكى . ومؤمل بن الفضل الحراني قال : ثنا الوليد عن سعيد بن بَشِيْرٍ ن عن قتادة ، عن خالد قال : يعقوب ابن دريك .
عن عائشة رضي الله عنها . أن اسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق . فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : (( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا )) . وأشار إلى وجهه وكفيه .
قال أبو داود : هذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة .
وبإعانة الله وتوفيقه ، يجاب عن هذا الحديث ( بستة أجوبة ) .
أولاً : في هذا الحديث ن معارضة للأدلة السابقة التي ذكرناها في وجوب الحجاب . وهي أكثر من أربعين دليلاً . وكل واحد من الأدلة السابقة يرد ما جاء في هذا الحديث . فكيف بمجموعها .
الجواب الثاني : حديث عائشة هذا ضعيف جداً . لا يجوز لأحد أن يحتج به على جواز سفور المرأة بحضور رجل أجنبي . وقد تسرب الضعف إليه من ثلاثة طرق .(1/159)
الأول : عنعنة قتادة عن خالد بن دريك ، وهو مدلس .
وتسرب الضعف إليه من طريق ثاني ، وهو الإرسال . كما قال أبو داود ، وأبو حاتم الرازي . وهو مرسل ، خالد بن دريك . لم يدرك عائشة رضي الله عنها .
وتسرب الضعف إلى حديث عائشة من طريق ثالث . وهو أن في إسناده ( سعيد بن بشير ) ضعيف ضعفه أكثر الحفاظ ، وإلى القارئ الكريم ما قيل فيه ، وليس على طريق القدح والعيب . بل على طريق النصح وبيان الحق . وكل من اسمه بشير فإنه بفتح الباء . إلا بَشير بن كعب ، وبُشير بن يسار . فإنهما بضم الباء .
قال الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال : (124) سعيد بن بًشير الأزدى مولاهم ، أبو عبد الرحمن البصري ، أو الواسطي نزيل دمشق . عن قتادة ، والزهري ، وأبي الزبير . وعنه الوليد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الرزاق ، وخلق تركه ابن مهدي ، وضعفه أحمد ، وابن معين ، وابن المديني ، والنسائي . وقال : أبو حاتم حله الصدق . وقال ابن سعد : كان قدرياً ، وقال ابن عدى : الغالب على حديثه الإستقامة . اهـ .
وقال البخاري سعيد بن بشير : يتكلمون في حفظه .
وقال المنذري : تكلم فيه غر واحد .
وقال ابن حبان : فاحش الخطا .
وقال ابن حجر العسقلاني ، في كتابه ، تقريب التهذيب : سعيد بن بشير الأزدى مولاهم ، أبو عبد الرحمن ، أو أبو سلمة ، الشامي أصله من البصرة . أو واسطٍ ، ضَعِيْفٌ ، من الثامنة . مات سنة ثمان أو تسع وستين ، ومائة .(125)
قلت قد بان واتضح ، للقارئ غفر الله لنا وله . بأن حديث عائشة ضعيف لا يجوز أن يُحتجًّ به على جواز السفور . ومن احتج به فقد نبى فهمه . وطاش سهمه ، واخطأ فاحشاً ، وظلم نفسه ، وفتح على المسلمين باب شرٍ وفساد . وخصوصاً ، في هذا الزمن ، الذي تفتحت فيه أبوابُ الشر ، وكثر فيه الفساق ، وفسدت فيه الأخلاق إلا ما شاء الله .
( الْجَوابُ الثَّالثُ )(1/160)
لو قدر أن حديث عائشة ، صحيح . فهو محمول على أنه كان قبل الأمر بالحجاب . وبناءً على هذا يكون منسوخاً . لا يجوز العمل به اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا ابتباعه . وأرنا الباطل باطلاً ز وأرزقنا احتنابه ، ولا تجعله علينا ملتبساً فنضل .
(الْجَوابُ الرَّابِعُ)
لو ثبت أن حديث عائشة صحيح . مع العلم أنه لم يثبت . فحينئذٍ كشف المرأة وجهها لرجل أجنبي . مقيد ذلك بالحاجة ، والضرورة ، لا مطلقاً .
قال ابن رسلان : على حديث عائشة ، والحديث مقيد بالحاجة إلى رؤية الوجه والكفين كالخطبة ونحوها . ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه . لاسيما عند كثرة الفساق اهـ . ذكر ذلك ، محمد حامد الفقى في حاشية المنتقى . مجلد 2ص501.
وقال خليل أحمد السهار نفورى ، في بذل المجهود في حل أبي داود ، مجلد 8 جزء 16 ص 164 : ويدل على تقييده بالحاجة ، اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لاسيما عند كثرة الفساد وظهوره اهـ .
قلت : فكثير من العلماء ، نقلوا اتفاق العملاء على وجوب الحجاب ، وتحريم السفور . ومنهم كما هنا ، ابن رسلان . وخاصة إذا خيف من الفتنة ، والفساد والفتنة ليست بمأمونة . ومنهم خليل أحمد السهار نفوري في شرحه لأبي داود . كما تقدم . وكذا أبو بكر بن محمد الحُصنى الشافعي نقل اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج حاسراتٍ سافرات . وتقدم ذلك .
(الْجَوابُ الْخامِسُ )
هو أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما . عندها من التقوى ، والخشية لله والورع ، والحياء . ما يمنعها من أن تدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعليها ثياب رقاق .
وهذا أيضاً من الأدلة الدالة على ضعف الحديث . فالحديث ضعيف من وجوه هذا أحدها .
(الْجَوابُ السادس )(1/161)
هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال : (( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا )) . وأشار إلى وجهه وكفيه . فمن الأدلة الدالة على ضعف حديث عائشة ، هو أنه صلى الله عليه وسلم ، أمر أسماء أن تستر ذراعيها وساقيها وحتى قدميها . ولم يأمرها بستر وجهها .
فأيهما أعظم فتنة . الوجه أو القدمان . فمن المعروف ن الوجه هو مكان الجمال ، وموضع الإراء والفتنة . فعلى تقدير صحة حديث عائشة . بعيد كل البعد أن يأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، بِستر قدميها وذِراعيها ولم يأمرها بستر وجهها ، الذي هو محل الجمال ، والفتنة .
( حَدِيْثُ جابِر )
وأيضاً من لم يراعى جلب المصالح ، ودفع المفاسد . وخاصة في هذا الزمن يستدل بحديث جابرٍ على جواز السفور .
ولفظه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، بلا أذانٍ ولا إقامةٍ . ثم قام متوكئاً على بلالٍ فأمر بتقوى الله تعالى . وحث على طاعته ، ووعظ الناس وذكرهم .
ثم مضى حتى أتى النساءَ فوعظهن وذكرهن . فقال : تصدقن فإن أكثر كن حطب جهنم . فاقمت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين . ولفظ النسائي ، من سفلة النساء . فقالت : لم يا رسول الله . قال : ( لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير )) . قال : فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال ، من أقرطتهن وخواتمهن . رواه البخاري ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي .
والجواب عن هذا الحديث من وجوه .
الوجه الأول : لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى تلك المرأة كاشفة عن وجهها ، وأقرها على فعلها . ومن إدعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، رآها وأقرها فعليه الدليل .
الوجه الثاني : يحتمل احتمالاً قوياً . أن المرأة التي وصفها جابر ، انحسر خارُها عن وجهها ، من غير تعمدٍ ولا قصد . فأعادت خمارها بسرعة .(1/162)
ويشهد لهذا القول ويقويه : هو أن كثيراً من الصحابة ، رضي الله عنهم ، رووا ما شاهدوه من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وموعظته للنساء وسمعوا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، في خطبته . وسمعوا ما قالته المرأة ( لم يا رسول الله ) . ولفظ حديث عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ( وبما يا رسول الله نحن أكثر أهل جهنم ) . ولم يذكر واحد منهم ما ذكره جابر ، رضي الله عنه . بأن المرأة كاشفةً ن وشفعاء الخدين .
ومن الذين رووا الحديث ، أبو هريرة ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سعيد الخدري ، رضي الله عنهم .
وأيضاً بعض الأئمة الذين خرَّجوا حديث جابرٍ لم يذكروا سفعاء الخدين ، منهم أبو داود ، وابن ماجه .
نعم كما تقدم كم من امرأةٍ سقط خمارُها من غير قصدٍ . فيرى وجهها بعض الناس دون بعض ، كما قال نابغة بنى ذبيان :
سَقَطَ النَّصَيْفُ وَلَمْ تُرِدْ إسْقاطَهُ فَتَناوَلَتْهُ واتّقَتْنا بِالْيَدِ
الوجه الثالث : إذا ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأي وجه المرأة سفعاء الخدين ، وأقرها على ذلك . فالأقرب للصواب ، والعلم عند الله أنها من القواعد . أي كبيرة السن . فالحجاب ليس بواجب عليها . ويقوى هذا القول ويشهد له أنها سفعاء الخدين أي في خديها سواد مع شحوبٍ . وهذا من علامات كبر السن .
قال ابن الأثير في النهائة : الشفعة نوع من السواد ليس بالكثير وقيل هو سواد مع لون آخر اهـ .
وقال في القاموس : شفعاءُ بالتحريك شفعة سواد في الخدين ، من المرأة الشاحبةِ اهـ .
وقال الجوهري في صحاحه : والشفعةُ في الوجه : سواد في خدى المرأة الشاحبةِ اهـ .(1/163)
نعم كما قلنا إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى وجه المرأة ، وأقرها فهي من القواعد اللاتي لا يرغب في نكاحهن . قال تعالى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (126) .
الوجه الرابع : من المعروف ، ولمتقرر أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، لا تعارض ، ولا تتضارب ن ولا يرد بعضها بعضاً . لأنها من عند الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( اوتيت القرآن ومثله معه )) . ولكن إذا حصل تعارض بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم . فحينئذٍ لابد من سلوك طريق الجمع .
فنقول إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى المرأة سفعاء الخدين وأقرها ، ولم تكن من القواعد . فالجمع هو أن حديث جابر كان قبل الأمر بالحجاب ، فيكون منسوخاً (127) بالأدلة التي ذكرناها . وهي أكثر من أربعين دليلاً . ومن ترك الدليل ، ضل السبيل . وليس على قوله تعويل .
الدليل هو الذي يزيل الشبهات ، ويحرق المغالطات .
الدليل هو الذي يشفى العليل ويروى الغليل .
الدليل هو الذي ينير الطريق ن وينقذ الغريق .
الدليل هو الحجة ، وبه تتضح المحبة .
الدليل هو السلاح ، وبه يبطل المزاح .
الدليل هو النور الوهاّج ، وبه يزولُ اللجاج .
( حَدِيْثُ ابْنِ عَباسِ )
ومن المعروف أنه من أسباب الفساد ، وفساد الأخلاق التبرج والسفور من أنواع التبرج .
ومن أباج السفور ، يسدل بحديث عبد الله بن عباس ، أنه قال : كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه . فجعل الفضل ينظر إليها ، وتنظر إليه .(1/164)
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر . قالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة . أفاحج عنه . قال صلى الله عليه وسلم: (( نعم وذلك في حجة الوداع )) . متفق عليه واللفظ لمسلم .
والجواب عن هذا الحديث من وجوه .
الأول : هو أن المرأة الخثعمية إذا ثبت أنها كاشفة عن وجهها ، فهي محرمة . والمشروع في حقها أن لا تغطى وجهها ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( لا تنتقب المحرمة ، ولا تلبس القفازين )) . فلا يجوز للمحرمة بحج أو عمرة . أن تغطى وجهها إلا بحضور الرجال الأجانب .
الوجه الثاني : لم يثبت أن الخثعمية كانت كاشفةً عن وجهها وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، رآها كاشفةً وأقرها على ذلك .
وأما ما ورد بأنها وضيئة ، فهذا عنه جوابان :
الأول : يحتمل أن خمارها سقط من غير قصد ، فأعادته .
الثاني : هو أن الوضاءة ولون البشرة يُعرفُ من رؤية أطرافها كقدمها وكفها وبنانها ، وهذا هو الوجه الثالث .
الوجه الرابع : كون الفضل نظر إلى المرأة الخثعمية لا يستلزم أنها سافرةً . فكثير من الرجال ينظر الواحد منهم إلى المرأة ، ولو كانت متحجبةً ؛ ينظر إلى هيكلها ، وقوامها ، وتقاطيع بدنها . وينظر إلى حركاتها ، وينظر إلى ملابسها . مع العلم أن النظر إلى المرأة الأجنبية حرام لا يجوز إلا لضرورة . وأدلة ذلك تقدمت .
الوجه الخامس : هو أن الإنسان الذي ينشد الحق والصواب ، يعرفُ بأنه يبعد كل البعد ، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، رأي الخثعمية سافرةً وأقرها على ذلك ، ولم يأمرها بالحجاب .
والأوامر التي جاءت في الحجاب كثيرة في كتاب الله ، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتقدم سياق بعضها . وهي أكثر من أربعين دليلاً .(1/165)
مع العلم أن وجه المرأة الشابة ، هو أصل الزينة . والنظرُ إليه من أقوى أسباب الفتنةِ والإراء . فكيف يقرها الرسولُ ، على كشف وجهها ؛ هذا مما لا يكون أبداً .
( نَصِيْحَةٌ )
بعد ما ذكرنا ما يسره الله من الكلام على الحجاب . وذكرنا الأدلة الدالة على وجوبه . وأجبنا على أدلة المخالف . حينئةٍ يناسب أن نذكر مسألةً ابتلى بها كثير من الناس ، في هذه السنوات القريبة .
هذه المسألة مشكلة من مشاكل الحياة ، وهي استقدام الخادمات ، والسواقين ، والمربين ، والمربيات .
ومثل ذلك غير جائز في شريعة الإسلام ، إلا بشروط .
أولاً : أن تكون الخادمةُ مسلمةً ، لا كافرة . وهل يرضى مسلم أن تكون مربيةُ أولاده كافرةً . اللهم لا .
أما الصبى اليهودي الذي خدم الرسول صلى الله عليه وسلم. فهو من أهل الذمة . ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ترغيباً لليهود في الإسلام ، وقد أسلم الصبي الذي كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم .
الشرط الثاني : وجود للخادمة . وتقدمت الأدلةُ الدالة على تحريم سفر المرأةِ ، وبقائها بلا محرم .
الشرط الثالث : الخادمة كغيرها يجب أن تحتجبَ عن كل رجلٍ أجنبي . ويجب أن تلبس ثياباً ساترة . وإذا كان لابد من خادمة فيجب على صاحب البيت أن يلزمها بالحجاب والتستر .
أما كون الخادمة كاشفةً عن وجهها ، أو ذراعيها ، أو ساقيها ، أو شعرها ، أو عن كل ما تقدم . ويراها صاحب البيت . ويراها أولاده . ويراها زواره . فهذا محرم لا يجوز .
ورحم الله سعيد بن المسيب . فإنه قال : ما معناه إئتمنونى على خزائن الذهب والفضة . ولا تأتمنوني على أمة سوداء .
أما من خصوص السائق الأجنبي . فهو المحنة الكبرى والمصيبة العظمى ، على المحارم ، والعوائل . فبعض الناس يتساهل يترك السائق ، يذهب وحده بالنساء مجتمعات ومنفردات إلى بعض الأقارب ، وإلى السوق ، وإلى المدرسة .(1/166)
وتقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لا يخلون رجل بامرأة ليس معها محرم . فإن ثالثهما الشيطان )) . وقد حصل محن ، ومصائب من السائقين على المحارم . عياذاً بالله . وسبب ذلك التساهل وعدم الغيرة .
ومن المعروف أن من أقوى أسباب الشر والفساد . هو الخلوه بالمرأة الأجنبة . ومن طبيعة الحال ، أن صاحب البيت الذي عنه خادمة ، سوف يخلو بها في بعض الأوقات . ويخلو بها ولده . وطريق السلامة من السائقين ، ومن الخادمات . هو عدم إدخالهم البيوت ، والاستغناء عنهم ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ) ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسراً ) .
فإذا كان الرجل سائقاً لأهل البيت ، وأجنبياً ، فإن المرأة إذا لم تكن تقية ، تمازحه وتجرء عليه أكثر ؛ بخلاف الذي يعرفها وتعرفه فإنها تخشى من الفضيحة .
( أضْرارٌ ومَحاذِيْرٌ )
لابد أن يترتب على وجود السائقين والمربين والمربيات والخادمات ، من الكافرين والكافرات . أضرار خطيرة . أضرار عقائدية ، وأضرار أخلاقية ، وأضرار سياسية .
فمنهما المؤانسة ، والمجالسة ، والإنبساط ، والثقة بهم ، والإطمئنان إليهم . وهم أعداء لله ، وأعداء لرسول صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ }. (128)
وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ }. (129)
وقال تعالى { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (130)
ومنها التربية . فيجب أن يُربى أولادُ المسلمين تربيةً إسلامية . يربو على الأخلاق الكريمة ، والصفات الحسنة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) . متفق عليه من(1/167)
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والتربية لها آثارها ، وعواقبها ، ونتائجها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه كان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من مولود إلا و يولد على الفطرة . فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه )) . متفق عليه ، واللفظ لمسلم . فما هي النتائج . وما هي العواقب إذا كان المربي والمجالس للبنين والبنات كافراً .
ومن غير شك أن وجود السائق ، والخادمة في بيوت المسلمين ، وبين عوائلهم . سوف يترتب على وجود هؤلاء الكفرة فساد في العقائد ، وفساد في العبادات ، وفساد في الأخلاق والسلوك ، وفساد في العادات الإسلامية . وإذا كانت مثل هذه المحاذير سوف توجد . فيحرم علينا أن نوجد السائقين والخادمين والخادمات ، ونسمح لهم بمخالطة العوائل . لأن وجود الفساد ، والشرور والرزايا والبلايا والكوارث والمحن كل ذلك متوقع . بل حصل فساد وشرور وفتن . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
والمحنة كبرى ، والمصيبة عظمى . كثير من الناس ، يأتون بمربيات ، وخدمات ، وطباخين ، وسائقين . من غير حاجة ، ولا ضرورة . بل تكبراً ، وعجباً ، وفخفخة ، ورياءً ، وسمعةً ، وإسرافاً ، ومماراتاً ، ومجاراتاً ، وتقليداً للآخرين .
فهل من عاقلٍ . وهل من مبصرٍ ، ومتبصر . وهل من مفكر ومدكر . أم بعض القلوب مقفلة ، والغرور قد بلغ منتهاه . اللهم ارزقنا البصيرة في الدين . واجعلنا هادة مهتدين . نعم كما تقدم لابد من تربية البنين والبنات تربية إسلامية . و أجاد من قال :
( تنبيهٌ)
قبل أن نختم الكتاب بمسائل من مسائل الحيض والإستحاضة ، والنفاس ، والطلاق . نذكر بإعانة الله ، بعض ما يحرم على المسلم ، والمسلمة فعله .
فمن ذلك الوصل ، والنمص ، والوشم ، والوشر ، والقشر . ومنه تشبه الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل . وتشبه المسلمين بالكافرين . والتوفيق بيد الله . والهداية من الله .
( نَصِيْحَةٌ إلى كُلِّ مُسْلِمَةٍٍ )(1/168)
لا يجوز تغيير خلق الله ، بنمصٍ ، ولا وشمٍ ، ولا وصلٍ ، ولا تفليج ، ولا غير ذلك . لما يأتي من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه لعن الواصلة ، والمستوصلة . والواشمة ، والمستوشمة . رواه السبعة . والاصلة هي التي تصل الشعر بشعر آخر . والمستوصلة ، هي التي تأمر من يفعل بها ذلك . والشم غرز الإبرة في الوجه ، أو اليدين . ثم يحشى كحلاً أو غيره مما يظهر لونه . كما هو مشاهد في بعض البوادى التابعة للبلاد العراقية ، والشامية .
وعن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشِماتِ ، والمستوشِماتِ ، والنامصاتِ ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله . أخرجه السبعة .
والمفلجات جمع متفلجة . وهي التي تفعل الفَلَجَ في أسنانها . أي تَبْرُدُ من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض قليلاً .
وقال أبو داود في سننه : وتفسير الواصلة التي تصل الشعر بشعر النساء . والمستوصلة المعمول بها . والنامصة التي تنقش الحاجب حتى يكون رقيقاً دقيقاً .والمتنمصة المعمول بها . والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد . والمستوشمة المعمول بها اهـ .
وعن معاوية ، رضي الله عنه . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول : (( إيما امرأة أدخلت في شعرها ، من شعر غيرها . فإنما تدخله زوراً )) . رواه أحمد ، والنسائي . ولفظه إيما امرأة زادت في شعرها شعراً ليس منه ، فإنه زور تزيد فيه .
وعن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما . قالت : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت : يا رسول الله ، إن لي ابنة عُريساً أصابتها حصبة ، فتمزق شعرها ، أفاصله . فقال صلى الله عليه وسلم : (( لعن الواصلة والمستوصلة )) . رواه مسلم .(1/169)
وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما . قال زجر النبي صلى الله عليه وسلم: أن تصل المرأة برأسها شيءً . رواه مسلم . فما صرح به الرسول صلى الله عليه وسلم ، في هذه الأحاديث يحرم على المرأة فعله .
وقد حكى ابن العربي إجماع العلماء على ذلك .
وقال القرطبي : هذا نص في تحريم وصل الشعر بشعر . وبه قال مالك ، والجمهور . وكذا النووى في شرحه لمسلم . ذكر تحريم وصل الشعر بغيره . قال : وهو قول جمهور العلماء .
وكما لا يجوز وصل الشعر بغيره لا يجوز قص الشعر وما يسميه بعض النساء القصة لما فيه من تغيير خلق الله ، ولما فيه من التشبه باليهوديات ، والنصرانيات ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وأدلة ذلك تأتي إن شاء الله قريباً .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يلعن القاشرة ، والمقشورة . والواصلة ، والموصولة . والواشمةً ، والمؤتشمة .رواه الإمام أحمد .
وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى عن النامصة ، والواشرة ، والواصلة ، والواشمة إلا من داء . رواه الإمام أحمد .
قال المجد في كتابة المنتقى : والنامصة ناتفة الشعر من الوجه . والواشرة التي تشر الأسنان حتى يكون لها أشرٌ ، أي تحدد ورِقَّةٌ . تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن .
وأما القاشرة والمقشورة ، فقال أبو عبيد : نراه أراد هذه الغمرة التي تعالج بها النساء وجوههن ، حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة . وهو شبيه بما جاء في النامصة اهـ .
وفي الصحيحين ، واللفظ لمسلم . عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف . أنه سمع معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنه . عام حجَّ وهو على المنبر . وتناول قصَّةً من شعر كانت في يد حرسي . يقول : يا أهل المدينة ، أي علماءكم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى عن مثل هذه . ويقول : (( إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم )) .(1/170)
قلت ومراد معاوية ، رضي الله عنه : هو أن وصل الشعر بشعر لا يجوز . لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قد قال : (( لعن الله واصلة والمستوصلة )) .
( الْبارُوكِةُ )
الباروكة ، هي الشعر المستعار . الباروكة ، لبس الرأس الصناعي فالمرأة المسلمة ، التي ترجو ثواب الله ، وتخاف من عقابه . لا تلبس الباروكة . لأن ذلك لا يجوز ، لعموم الأدلة السابقة ، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور )) . متفق عليه من حديث عائشة ، رضي الله عنها .
( تَنْبِيهٌ )
كما يحرم على المرأة ، أن تصل شرعها بشعر أو غيره . يحرم عليها حلقه . قال في فتح الباري ، المجلد العاشر ص 375 : ( تنبيه ) كما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها . يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة . وقد أخرج الطبرى من طريق أم عثمان بنت سفيان والنسائي في سننه ، عن ابن عباس ، قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها . اهـ
وحيث أن تشبه الرجال بالنساء ، وتشبه النساء بالرجال حرام . لا يجوز . بل هو كبيرة من كبائر الذنوب ، لما يترتب على ذلك ، من فساد في الأخلاق , والسلوك , نذكر بإعانة الله , بعض أحاديثِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم , التي هي صحيحة وصريحة , في تحريم التشبه , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
( تَحْرِيْمُ تَشَبُه الرَّجُلِ بالْمَرأة والْمَرأةِ بالرَّجُلِ )
( ولعن المخنثين والمترجلات )
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما . أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم. لعن المخنثين من الرجال . والمترجلات من النساء . وقال عليه الصلاة والسلام : (( أخرجوهم من بيوتكم )) . وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانة ، وأخرج عمر فلاناً . رواه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي .(1/171)
وتَخنُّتُ الرجل هو فعله شيئاً مما هو من خصوصيات النساء . وترجل المرأةِ هو فعلها شيئاًَ مما يختص به الرجال . ولا شك ولا ريب . أن المرأة إذا تبرجت ، وكشفت عن وجهها للرجال الأجانب . فقد ترجلت .
وحديث ابن عباس ، رواه ابن ماجه في سننه . ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء . ولعن المتشبهات من النساء بالرجال .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المرأة التي تتشبه بالرجل . والرجل الذي يتشبه بالنساء . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، وحسن في مجمع الزوائد إسناده .
وعن عائشة رضي الله عنها . أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجلة من النساء رواه أبو داود ، ورمز له السيوطى في الجامع الصغير بالحسن والرجلة هي التي تتشبه بالرجال.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل ) . رواه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، ورمز له السيوطي بالصحيح .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (( ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ، ولا من تشبه بالنساء من الرجال )) . رواه الإام أمد ، ورمز له السيوطي بالصحيح .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاقُ لوالديه ، والمرأةُ المتشبهة بالرجال ، والديوث )) . رواه أحمد ، والنسائي ، والحاكم في المستدرك . والديوث هو الذي يقر الفاحشة بأهله . من الدياثة عدم الغيرة على المحارم . والتشبه بين الجنسين يحصل باللباس ، وبالفعل والكلام .
( تَنْبِيْهٌ)(1/172)
كما يحرم تشبه المرأة بالرجل ، وبالعكس . يحرم تشبه المسلمين بالكافرين ، لما يترتب على ذلك من محاذير ومفاسد ، في العقائد والعبادات ، والعادات ، والمعاملات ، والسلوك ، والأخلاق ، وغير ذلك .
( تَشَبَّهُ الْمسْلِمِيْنَ بالْكافِرِيْن )
التشبه محظور شرعاً . فلا يجوز أن يتشبه المسلم بالكافرين ، لا في اللباس ولا في الكلام ولا غير ذلك مما هو من خصوصياتهم . ولا يجوز للمسلمة أن تتشبه بالكافرات لا في لباس ولا غيره لما يترتب على ذلك من المفاسد . فالمشابهة في الظاهر ، تدعوا إلى الموافقة في الباطن .
ومن أدلة ذلك ما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، والطبراني في الأوسط من حديث حذيفة بن اليمان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) . ورمز له السيوطي بالحسن .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : سنده جيد . وقال في فتح الباري سنده حسن . وروي الحديث أيضاً الإمام أحمد ، وعبد بن حميد وابن حبان وصححه .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابة اقتضاء الصراط المستقيم ص 220 في التحذير من مشابهة الكافرين : فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة ؛ توجب مشابهةً ومشاكلةً في الأمور الباطنة على وجه المساوقة والتدريج الخفى ..
ثم قال : والمشاركة في الهدى الظاهر توجب مناسبةً وائتلافاً . وإن بعد المكانُ والزمان ، فهذا أيضاً أمر محسوس .
ثم قال : الوجه الثامن من الاعتبار . أن المشابهة في الظاهر تورث مودةً ومحبةً وموالاةً في الباطن . كما أن المحبة في الباطن تورثُ المشابهة في الظاهر . وهذا أمر يشهد به الحسُ والتجربة .
حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ، ثم اجتمعاً في دار غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم . وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين ، أو كانا متهاجرين .(1/173)
بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غربة ، وكانت بينهما مشابهة في العمامة ، أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك ؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما . إلى آخر كلامه رحمه الله .
( فَوَائِدُ نَفِيْسَةٌ)
بعد ما تكلمنا على الحجاب وغيره من المسائل العلمية . إتماماً للفائدة ، نذكر بإعانة الله ، مسائل الحاجةُ ماسة إلى معرفتها . وخاصة النساء . وهي مسائل في الحيض ، والإستحاضة والنفس ، والطلاق ، والعدة . ومن هذا المنطلق ، نقول والحق يقال .
( ما هُوَ الْحَيْضُ )
الحيض هو دم طبيعة أي جبلة وخلقة ، وسجية يخرج مع صحة من غير سبب ولادة ، من قعر الرحم . يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة خلقه الله لحكمةٍ عظيمة . وهي ترتبية الولد ، وتغذيته في بطن أمه .
ولهذا إذا حملت المرِأة غالباً لا تحيض . لأن دم الحيض بقدرة الله انصرف إلى غذاء الجنين . فإذا وضعت الولد قلب الله بحكمته هذا الدم لبناً . ولذلك قلما تحيض المرضع
. فإذا خلت المرأة من الحمل ، والرضاع . بقى الدمُ لا مصرف له . فيستقر في مكانٍ ، ثم يخرج في الغالب ، في كل شهر ستة أيام أو سبعة .
وقد يزيد على ذلك ويقل ، ويطول شهر المرأة ، ويقصر على حسب ما خلقه الله وركبه ، في طبيعة المرأة ، وعلى حسب الجو والمناخ . فالأجواء في هذا العالم بقدرة الله مختلفة ، رطوبةً ويبساً ، وحرارة وبرودة . والله قدير ، وعليم وحكيم . و (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .(131)
1. ( مسألة ) ما هو ، أقل الحيض ، وما أكثره . فيه خلاف بين العلماء . والأقرب للصواب . لا حد لأقل الحيض ، ولا لأكثره . ولا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ، ولا لأكثره . ولا حد لأقل الطهر بين الحيضتين . لأنه لم يرد فيما ذكرنا تحديدٌ . لا في كتاب الله ، ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .(1/174)
قال الشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ولا يتقدر أقل الحيض ، ولا أكثره . بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض . وإن نقص عن يوم ، أو زاد على الخمسة أو السبعة عشر . ولا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ، ولا لأكثره ، ولا لأقل الطهر بين الحيضتين .(132)
2. ( مسألة ) والمبتدأة بالحيض ، على القول الراجح . تجلس بمجرد ما تراه ، فلا تصلى ولا تصوم حتى تطهر . فإذا طهرت صارتِ الأيام التي حاضتها هي عادتُها . ولو لم يتكرر ثلاث مرات . والمقدم في المذهب الحنبلي لا تثبت عادةُ المبتدئة حتى يتكرر حيضُها ثلاثَ مرات . ولكن هذا فيه حرجٌ ومشقة . ولا تعرفه النساء .
3. -( مسألة ) المرأةُ التي تحيضُ ، إذا زادت عادتُها ، أو نقصت ، أو تقدمت ، أو تأخرت . فإنها تنتقل مع هذا الحيض الذي وجد ، ولو لم يتكرر ثلاث مرات .
والمقدم في المذهب الحنبلي . إذا اختلف دم المرأة بتقدم ، أو تأخر ، أو زيادة ، أو نقصان . لا تنتقل إليه حتى يتكرر ثلاثاً ولكن هذا فيه مشقة ، وحرج .
فالذي ينبغي أن تعمل به النساءُ وتكون الفتوى به . هو أن المرأة ، إذا زادت عادتها كمن كانت عادتها خمسة أيام . ثم زادت عادتها إلى ستة أيام أو سبعة أو نقصت كما لو كانت عادتها ستة أيام أو سبعة ثم صارت عادتها خمسة أيام .
أما صفة التقدم ، هو أن يكون حيض المرأة يأتيها في آخر الشهر ، فصار يأتيها في أوله ، وصفة التأخر عكسه . فإذا وجد مثل ذلك ، فإن المرأة تنتقل مع دم حيضها حيث انتقل . هذا هو الذي تعرفه النساء . وهو الموافق لسماحة دين الإسلام ، واختاره كثير من شيوخ المذهب الحنبلي .(1/175)
قال : في الإقناع ، وشرحه ، وعنه أي عن الإمام أحمد . تصير إليه من غير تكرار ، اختاره جمع ، وعليه العمل . ولا يسع النساء العمل بغيره . قال في الإنصاف : وهو الصواب ، قال ابن تميم : وهو أشبه . قال ابن عبيدان : هو الصحيح . قال في الفائق : وهو المختار واختاره الشيخ تقى الدين ، وإليه ميل الشارح اهـ.
4. ( مسألة ) تجهلها أكثر النساء ، وتفرط فيها . فالحائض مثلاً إذا طهرت من حيضها بعد العصر وقبل أن تغرب الشمس . فيجب أن تغتسل وتصلى الظهر والعصر . تصلى العصر لأن وقتها باقٍ ، وتصلى الظهر لأنها تجمع إليها إذا كان ثم عذر .
قال في المغنى : فإذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر ، جميعاً . لأن وقت الثانية ، وقت الأولى حال العذر . فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية . اهـ .
وقال في المغنى أيضاً : وروي هذا القول في الحائض تطهر عن عبد الرحمن بن عوفٍ ، وإبن عباس ، وطاووسٍ ، ومجاهدٍ ، والنخعى ، والزهري ، وربيعة ، ومالكٍ ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور . قال الإمام أحمد : عامةُ التابعين يقولون بهذا القول . إلا الحسن وحده . قال : لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها . وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي .(133)
قلت والذين نقلوا هذا القول ، عن عبد الرحمن بن عوف ، وابن عباس . كثير من العلماء . منهم الأثرم ، وابن المنذر وسعيد بن منصور في سننه .
5. ( مسألة ) إذا دخل وقتُ فريضة ، من فرائض… الصلاة ، على امرأةٍ وهي طاهرة . وقبل أن تصلى هذه الفريضة ، أتاها الحيضُ فيجب عليها إذا طهرت من هذا الحيض أن تصلى هذه الصلاة لثبوتها في ذمتها .
6. ( مسألة ) الغالب أن المرأة إذا حملت انقطع عنها دم الحيض . قال في المغنى : وهو قول جمهور التابعين ، فعلى هذا القول ، إن رأت الحامل دماً فهو دم فساد ، فلا تترك له الصلاة ، والصيام في رمضان .(1/176)
ويرى بعض العلماء ، أن الحامل تحيض . وبناءاً على هذا القول ، إذا حاضت الحاملُ ، فإنها لا تصلى ، ولا تصوم . وهو رواية عن الإمام أحمد .
وهذا هو الذي يميل إليه شيخ الإسلام ، ابن تيمية ، وصاحب الفائق ، وقال في الفروع : وهو أظهر . وقال في الإنصاف : وهو الصواب . قلت والذي ينبغي أن يعمل به هو هذا القول .
7. ( مسألة ) كثيرة الوقوع ، وهي أن الصفرة ، والكدرة ، إذا كانت في زمن العادة فهي حيض ، لا تصلى فيه المرأة ، ولا تصوم .
والصفرة ، والكدرة ، وهو شيء كالصديد يعلوه صفرة ، وكدرة . إذا كان ذلك بعد الطهر تصلى فيه المرأة ، وتصوم .
ودليل ذلك ، هو حديث أم عطية ، رضي الله عنها ، قالت : كنا لا نعد الكدرة والصفرة ، بعد الطهر شيئاً . فمفهوم حديث أم عطية هو أن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض ، لا تصوم فيه المرأة ولا تصلى .
( فائدَةٌ )
يحرم بوجود الحيض عشرة أشياء . الأول : الوطء في الفرح فيحرم ذلك .
الثاني : الصلاة ، فلا يجوز فعلها ، ولا تصح .
الثالث : الطلاق ، فلا يجوز مع وجود الحيض بل هو بدعة ، ويقع .
الرابع : قراءة القرآن ، فالحائض لا يجوز أن تقرأ القرآن ، إلا إذا خافت نسيانه ، أو لحاجة وضرورة ، مثل مدرسة ، أو طالبة حالة الاختبار ، فيجوز .
الخامس : الطواف بالكعبة ، فلا يجوز للحائض أن تطوف .
السادس : من المصحف .
السابع : اللبث في المسجد .
الثامن : المرور فيه ، إن خافت تلويثه .
التاسع : الصوم ، فلا يجوز للحائض أن تصوم ، ولا يصح منها .
العاشر : الإعتداد بالاشهر ، فمن تحيض إذا طلقت ، لا تعتد بالأشهر ، بل بالحيض ، وجوباً .
(فائدَةٌ أخْرى )
والحيض يوجب خمسة أشياء . الأول : الغسل فإذا طهرت الحائض وجب أن تغتسل أو تيمم مع عدم الماء .
الثاني : الإعتداد به ، أي بالحيض فإذا طلقت المرأة وجب أن تعتد بثلاث حيض .
الثالث : البلوغ ، فإذا حاضت البنت حكم ببلوغها .(1/177)
الرابع : الكفارة ، فإذا حصل الوطء في الحيض وجبت الكفارة وهي دينار أو نصف دينار ، والدينار أربعة أسباع جنيه سعودي .
هذا هو تقدير الدينار . وبإعانة الله يأتي دليل وجوب الكفارة قريباً .
الخامس : الحكم ببراءة الرحم في الإعتداد بالحيض ، فإذا اعتدت المطلقة بثلاث حيض ، حكم ببراءة رحمها .
7. مكرر - ( مسألة ) متى ما رأت المرأة دم الحيض ، فإنها تجلس فلا تصلى ولا تصوم ، ولو كان عمرها أقل من تسع سنين ، أو أكثر من خمسين سنة . فالإياس لا يقدر بزمن وبه قال أكثر العلماء . وهو اختيار الشيخ ابن تيمية ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب .
وقال أبو حنيفة : من خمس وخمسين سنة إلى ستين . وعند مالك والشافعي ، ليس للإياس حد ، وإنما يرجع فيه إلى العادات ، في البلدان ، لأن الله تعالى ذكر الإياس ولم يقيده بزمن .
8. ( مسالة ) امرأة أتاها الحيض في شهر رمضان فأفطرت ، فيجب عليها إذا خرج رمضان ، وطهرت من الحيض ، أن تقضى الأيام التي أفطرتها .
9. ( مسألة ) هل الحائض تقضى الصلاة كما نقضى الصيام . الجواب الحائض في رمضان ، تقضى الصوم ، ولا تقضى الصلاة ، لا في رمضان ولا في غيره .
والحكمة الشرعية في هذا ، هو أن شهر رمضان ، لا يكون إلا في السنة مرة . فليس في قضاء الصيام حرج ، ولا مشقة . أما الصلاة فقضاؤها فيه حرج ومشقة ، لأن الحيض غالباً يأتي في كل شهر مرة ، والصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات .
ومن أدلة ذلك، ما رواه السبعة ، من حديث معاذة العدوية ، قالت : سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة . فقالت : كان يصبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة .(1/178)
9. مكرر ( مسألة ) البنت إذا أتاها الحيض لأول مرة في أثناء شهر رمضان ، فيجب أن تصوم بقية الشهر ، ولا يجب أن تصوم أول الشهر ، لعدم وجوبه عليها . ومثل ذلك الصبى إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، والكافر إذا أسلم ، فإنه يصوم بقية الشهر دون أوله ، لأنه غير واجب عليه .
10. ( مسألة ) قال الشيخ ابن تيمية ، رحمه الله : ويجوز للحائض قراءة القرآن ، بخلاف الجنب ، وهو مذهب مالك ، وحكى رواية عن أحمد .
11. ( مسألة ) الأولى والأفضل ن والأحوط ، أن الحائض لا تقرأ شيئاً من القرآن ، إلا لحاجة ، وضرورة ، كالمعلمة والمتعلمة ، حالة التعليم في فصول الدراسة ، أو حالة الإختبار ، فلا مانع من قراءة القرآن . أما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، ولفظه لا تقرأ الحائض ، ولا الجنب شيئاً من القرآن . فالحديث ضعيف ، في إسناده إسماعيل بن عياش ، وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها .
12. ( مسألة ) وطء الحائض محرم بالكتاب ، والسنة والاجماع ، قال جل وعلا : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ }(134) أي اعتزلوا وطأهن .
13. ( مسألة ) من وطء زوجته في الفرج ، وجب عليه أن يتوب ويستغفر الله تعالى . وتجب عليه الكفارة وهي دينار أو نصف دينار . لحديث عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : (( يتصدق بدينار أو نصف دينار )) رواه أحمد ، وأبوداود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبيهقي ، والدار قطني ، والدارمي في سننه ، وابن الجارود في كتابة المنتقى ، وفي رواية للترمذي ، إذا كان دماً أحمر فدينار ، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار . (135)(1/179)
وصحح هذا الحديث جمع من الحفاظ ، منهم الحاكم ، وابن القطان وابن دقيق العيد ، وابن قيم الجوزية ، في تهذي السنن . وقال الشوكاني : هو صالح للإحتجاج ، فالمصير إليه متحتم ، وهو اختيار ، الشيخ تقى الدين ، وابن القيم ، وكثير من العلماء .
14. ( مسألة ) إذا وطء ناسياً ، أو جاهلاً وجود الحيض ، أو جاهلاً تحريمه ، فلا إثم ولا كفارة .
15. ( مسألة ) يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته الحائض بما دون الجماع ، كالقبلة واللمس ، والمباشرة .
عن أنس رضي الله عنه ، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )) رواه مسلم ، وأصحاب السنن .
16. ( فائدة ) الشريعة الإسلامية ، في مسألة الحائض ، هي وسط بين الغلو والجفاء ، وبين الإفراط والتفريط . فالنصارى متصفون بالجفاء ، البعض منهم يجامع المرأة وهي حائض .
واليهود متصفون بالغو يعدون المرأة إذا حاضت قذرة لا يجالسونها ، ولا يأكلون من الطعام الذي صنعته . فشريعة الإسلام ، هي في كل شيء وسط بين الغلو والجفاء والجفاف ، وبين الإفراط والتفريط .
17. من أدلة ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ، ولم يجامعوهن في البيوت . فسال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح )) ، وفي لفظٍ إلا الجماع ، رواه الجماعة إلا البخاري .
18. ( مسألة ) يجوز للمرأة الحائض أن تحرم بعمرة أو حج ، وتفعل المناسك كلها ، غير ا لطواف بالبيت فلا يجوز حتى تطهر ، وكذا الحكم في النفساء .
19. ( مسألة ) المرأة إذا اعتمرت ، أو حجت وكملت المناسك ولم يبق إلا طواف الوداع ثم حاضت ، فإنه لا وداع عليها .(1/180)
20. ( مسألة ) إذا انقطع دم الحيض جاز الصيام ، والطلاق ، ولو لم تغتسل ، إلا بعد الطلاق ، وبعد نية الصيام .
21. ( مسألة ) مهمة جداً ، وذلك أن أكثر الناس إذا أراد أن يطلق زوجته ، طلقها طلاقاً محرماً وبدعياً . فمثلاً إذا طلق الزوج زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة ، فالطلاق حرام ، وبدعة ويقع .
وإذا طلق الزوج زوجته وهي حائض ، فالطلاق حرام وبدعة ويقع .
وكذا لو طلقها في طهر جامعها فيه ، فالطلاق حرام وبدعة ويقع . وهذا هو طلاق الناس جميعاً إلا ما شاء الله .
22. ( مسألة ) الطلاق الجائز المشروع ، الذي لا محظور فيه ، ه8و طلاق السنة . فمثلاً إذا أراد الزوج طلاق زوجته ، فالسنة أن يطلقها واحدة في طهر ما جامعها فيه ، ويتركها في بيته حتى تنقضى عدتها ، هذا هو طلاق السنة والذين يفعلونه هم أقل القليل ، والسبب في ذلك هو الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية .
23. ( مسألة ) إذا كانت المرأة حاملاً جاز طلاقها ، ومتى وضعت الحمل خرجت من العدة . نعم يجوز طلاق الحامل ، حتى ولو كانت حائضاً ، لأن عدة الحامل تنقضى بوضع الحمل ، لا بالحيض .
قال تعالى (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .(136)
24. ( مسألة ) إذا طلق الزوج زوجته طلاق بدعة ، فيسن له أن يراجعها إن كان الطلاق رجعياً ، ثم يمسكها حتى تطهر . فإذا طهرت سن أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى . فإذا طلقها بعد أن تطهر من هذه الحيضة ، فهو طلاق سنة .
25. ( مسألة ) متى يجوز الطلاق مع وجود الحيض ؟ الجواب : يجوز الطلاق مع وجود الحيض ، إذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول بها ، جاز لأنه لا عدة عليها .
وكذا إذا طلق زوج زوجته على عوض بذلته له باختيارها ، جاز الطلاق ولو كانت حائضاً ؛ لأنها رضيت بتطويل العدة على نفسها .(1/181)
26. ( مسألة ) يجوز عقد النكاح ، ولو كانت حائضاً . ويجوز للزوج أن يجتمع بزوجته ليلة الزفاف ولو كانت حائضاً . إنما الذي يحرم هو جماعها ، وحيث أن هذه المسألة كثيرة الوقوع نبهنا عليها .
27. ( مسألة ) لا يجوز للمرأة الحائض ، أن تمكث في المسجد ، وكذا الجنب . عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب )) رواه أبو داود ، وابن خزيمة وصححه . نعم لا يجوز للجنب والحائض المكث في مسجدٍ إلا لضرورة .
28. ( مسألة ) المرور في المسجد من غير مكث جائز في حق الجنب و الحائض . قال تعالى : (تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) .(137)
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها : (( ناوليني الخمرة من المسجد )) . قلت : إني حائض قال صلى الله عليه وسلم: (( إن حيضتك ليست في يدك )) . رواه النسائي . والخمرة هو مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو غيره .
29. ( مسألة ) البنت الصغيرة متى يحكم ببلوغها ؟ الجواب : ليس كما يعتقده بعض العامة ، بأن البلوغ لا يحصل إلا بتمام خمس عشرة سنة ، بل البلوغ يحكم به إذا وجد واحد من أربعة أشياء . الأول : إذا حاضت المرأة ، حم ببلوغها . إذا كان لها من العمر تسع سنين فأكثر . الثاني : انزال المنى . الثالث : نبات الشعر الخشن حول القبل . الرابع : تمام خمس عشرة سنة . وهذا هو آخر علامات البلوغ ، وهي علامات في حق الذكر ما عدا الحيض .(1/182)
30. ( مسألة ) استعمال المرأة ما يمنع الحمل كالحبوب أو غيرها من الأدوية والعمليات لا يجوز شرعاً ، لحديث معقل بن يسار ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.\فقال : إني أصبت امرأة ذات جمال ، وحسب وإنها لا تلد ، أفأتزوجها . قال : لا ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )) . روه النسائي ، وأبو داود ، واللفظ له .
وأيضاً كما في حديث عبد الله بن مسعود : كل مولود يولد رزقه على الله ، الله تكفل به ، ليس رزق المولود على والديه ، كما يتوهمه ضعفاء الإيمان .
وقد أمتن الله على عباده بالبنين . قال تعالى : ( وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) وقال تعالى ( وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) وقال تعالى (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) . (138)
وأيضاً الأولاد عز وشرف ، كما في قوله تعالى ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا*وَبَنِينَ شُهُودًا) (139) فالذي يكره الأولاد ، محروم وضعيف إيمانه . قال صلى الله عليه وسلم: (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له )).
أما الذي يعتقد جواز تحديد النسل أو يدعو إليه ، فلا شك أنه ملحد وزنديق ، ومجرم أثيم ، لأنه قد اعترض على قدر الله وقضائه .
31. ( مسألة ) متى يجوز استعمال الحبوب المانعة للحمل ؟ الجواب : يجوز أكل الحبوب إذا كانت المرأة لا تتحمل الحمل لمرضها ، أو ضعف بنيتها ، أو كثر أولادُها وتراكموا عليها ، فأرهقوها ؛ فيجوز استعمال ما يمنع الحمل حتى يزول المانع .(1/183)
وكذا أيضاً يجوز استعمال ما يمنع الحيض إذا أرادت المرأة أن تحج ، أو تعتمر ؛ حتى تكمل المناسك . ومثل ذلك إذا قالت المرأة عند دخول شهر رمضان أنا أحب أن أصوم ، وأصلى التراويح مع المسلمين . فيقال لا مانع من استعمال ما يمنع الحيض ، لأن ذلك لغرض صحيح ، ومقصدٍ حسن .
وحيث أن استعمال الحبوب لا يخلو من ضرر على المرأة ، فينبغي أن لا تستعمل إلا بعد استشارة الطبيب .
قال في المبدع : ( فائدة ) لا بأس بشرب دواء مباح ، لقطع الحيض إذا أمن الضرور ، نص عليه .
23. وقال في ( زاد المستقنع مختصر المقنع ) ويباح القاء النطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح . قلت ومفهومه ، أنه لا يجوز للمرأة إسقاط العلقة والمضغة بعد أربعين يوماً ، لأنها أخذت في التنقل في الأطوار الثلاثة . فهي والحالة هذه مبدأ خلق إنسان .
وحيث جاز القاء النطفة ، فمن باب أولى ، جواز استعمال ما يمنع الحيض لغرضٍ صحيح ، ومقصدٍ حسن . والعلم عند الله تعالى . اما استعمال ما يمنع الحمل من غير مسوغ شرعي ، فالشك في تحريمه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله ، ولا هو دين الأنبياء .
قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) .
33. ( مسالة ) إذا توفي زوج عن زوجته ، وهي حامل فإنها لا تنقضى عدتها إلا بوضع الحمل . والحمل الذي تنقضى به العدة ، هو ما تبين فيه خلق إنسان كرأسٍ ، ورجلٍ ويد . أما غير ذلك فلا تنقضى به العدة . قال تعالى (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .(140)(1/184)
34. ( مسألة ) إذا توفى زوج عن زوجته ، وليس بها حمل ، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام . قال تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) (141) .وعمومُ الآية يقتضى وجوب الإحداد ولو كانت الزوجة صغيرةً أو غير مدخولٍ بها .
35. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته ، وهي من ذوات الأقراء ، أي من اللائي يحضن ، فإنها تعتد بثلاث حيض . لقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) (142) والأقراء هي الحيض وقيل الأقراء الأطهار ، والراجح الأول .
36. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته ، وهي صغيرة أو آيسة ، فإنها تعتد بثلاثة أشهر . لقوله تعالى (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ) (143) أي واللآئي لم يحضن لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر.
37. ( مسألة ) ز وج طلق زوجته ، وهي من اللائي يحضن ، ولكن ارتفع حيضها ، ولا تدري سبب رفعه ، فإنها تعتد سنة كاملة ، تسعة أشهر للحل ، وثلاثة للعدة.
أما إن عرفت ما رفعه أي الحيض ، من رضاع أو نفاس ، أو مرض ، أو عملية أجريت لها . فإنها على القول الراجع ، تنتظر زوال المانع للحيض ، فإذا حاضت اعتدت بالحيض ، وإذا انتظرت ، ولم يأتها حيض ، فإنها تعتد سنةً تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة .
ولا يجب عليها أن تبقى في عدة حتى يعود الحيض ، فتعتد به ، أو تبلغ سن الإياس فتعتد عدة الآيسة كما هو المذهب عند كثير من الحنابلة ، لأن مثل هذا فيه حرج ومشقة وذلك منفى شرعاً .(1/185)
37.مكرر( مسألة ) سئل عبد الله بن مسعود عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً . ولم يدخل بها ، حتى مات . فقال لها : مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعى فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروعَ بنتِ واشق مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود . رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي . فرح ابن مسعود حيث وافق حكمُهُ حكمَ الرسول صلى الله عليه وسلم ويحقُ لعبدِ الله بن مسعود أن يفرح .
38. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته . بعدما خلا بها خلوة نكاح ، ولو لم يحصل جماع ، فلا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئاً إلا أن تكون ناشزاً . لقوله تعالى : (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) .(144)
39. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته قبل الدخول والخلوة ، وقد فرض لها صداقاً ، فيجب للزوجة نصفُ الصداق المفروض . لقول تعالى (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ) . (145)(1/186)
40. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته ، قبل الدخول والخلوة ، ولم يفرض لها صداقاً ، فهذه لا يجب لها إلا المتعة . والمتعةُ شيء غير مقدرٍ من المال ، بل على حسب كرم الزوج ، ومعروفه ، وإحسانه ، وجوده ، فيعطيها مثلاً ألف ريال ، أو عشرة آلاف ريال ، أو أقل أو أكثر وبرهان ذلك ودليله قوله جل وعلا (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) . (146)
41. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته ، قبل الدخول والخلوة ، فإنه لا عدة عليها . قال جل شأنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً) . (147)
42. ( مسألة ) إذا طلق زوج زوجته طلاقاً بائناً رجعياً ولم يراجع ، فهل تبتدئ العدة ، من حين الطلاق ، أو حتى يبلغها خبرً طلاقها ؟
الجواب : إذا طلق زوج زوجته ، وهو حاضر ، أو غائب ، فإنها تبتدئ العدة من حين وُجد الطلاق . فلو لم يبغلها الخبرُ إلا بعدما حاضت ثلاث حيض ، أو بعد مضى ثلاثة أشهر ، إن كانت آيسة أو صغيرةً ، فإنها والحالة هذه قد خرجت من العدة ، بمضى الزمان ، ولو بلغها الخبرُ في أثناء العدة ، فإنها تكمل ما بقى .
43. ( مسالة ) إذا سافر زوج عن زوجته ، وتوفي في غيبته ، فإن زوجته تبتدئ العدة ، والإحداد من حين الوفاة ، لا من حين بلوغها خبرُ وفاة زوجها . فالعدة والإحدادُ يسقط ذلك بمضى الزمان ، وحتى لو تركت الإحداد عمداً فإنها تأثم ، ويسقط بمضى الزمان ، فلا يجب عليها قضاؤه .(1/187)
والإحدادُ ، هو اجتنابُ ما يدعو إلى جماعها ، ويرغب في ا لنظر إليها ، من التنزين في بدنها ، أو ملبسها ، وليس للإحداد ثياب مخصوصة ، لا اسود ، ولا أخضر ولا غير ذلك . ويجوز لها أن تكون نظيفةً في بدنها وملابسها ومسكنها .
44. ( مسألة ) وعدة المتوفى عنها واجبة بدليل قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) . (148) ولا فرق في وجوب العدة ، بين الزوجة الكبيرة والصغيرة . والمدخول بها وغيرها ، لعموم هذه الآية الكريمة .
وعن أم عطية ، قالت : كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاثة أيام ، إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشراً ، ولا نكتحل ، ولا نتطيب ، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصبٍ .
وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المتوفى عنها زوجها ، لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الحلى ، ولا تختضب ، ولا تكتحل )) . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي . وقولها إلا ثوب عصب ، العصب برود يمينه يعصب غزلها ، أي يجمع ثم يصبغ وينسج فيكون النهى للمعتدة عما صبغ بعد النسج . قاله ابن الأثير في النهاية .
( مِنْ أحْكامِ النِّفاسِ)
النفاس ، هو دم ترخيه الرحم مع ولادة ؛ أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة ، بأمارة كوجع ، إلى تمام أربعين يوماً ، ولا يحسب ما قبل الولادة من مدة النفاس .
45. ( مسألة ) لو وضعت امرأةٌ علقةً أو مُضغةً لا تخطيط فيها ، أو أجرى لها عمليةُ تنظيفٍ لمرض في رحمها . ومن جراء ذلك صار معها دم ، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس ، بل يجب عليها أن تصلى ، وتصوم رمضان وصيامها صحيح ، لأن هذا الدم ليس بحيض ولا نفاس ، ومثل ما تقدم ما تسميها النساء العوارُ ، فتصوم المرأة وتصلى مع وجود الدم .(1/188)
46. ( مسألة ) يثبت حكم النفاس ، بوضع ما تبين فيه خلقُ إنسانٍ ، وخلقُ الإنسان بقدرة الله يتبين في حدودِ ثلاثة أشهر . قال في شرح الإقناع : ويأتي أن أقل ما يتبين فيه خلق الإنسان ، أحدُ وثمانون يوماً ، وغالبها على ما ذكره المجدُ ، وابنُ تميم ، وابن حمدان وغيرهم ثلاثة أشهر .
47. ( مسألة ) إذا طهرت النفساء بعد الولادة ، بخمسة أيام ، أو عشرة ، أو عشرين يوماً ، أو أقل أو أكثر . وجب عليها أن تغتسل ، وتفعل العبادات من صلاة وصوم وغيرهما ، وجاز لزوجها مجامعتها بدون كراهة . وصلاتها وطوافُها بالكعبة وصومُها كل ذلك صحيح .
وإن عاودها الدم في الأربعين ، فهو نفاس ، لا تصوم فيه ولا تصلى ، وعلى القول الراجع ، لا حد لأقل النفاس .
48. ( مسألة ) أكثر مدة النفاس أربعون يوماً ، لحديث أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً . رواه الخمسة ، إلا النسائي .
قال في المغنى : هذا قول أكثر أهل العلم . قال أبو عيسى الترمذي : أجمع أهل العلم ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، فتغتسل وتصلى . وقال أبو عبيد : وعلى هذا عامةُ الناس .
وروى هذا عن عمر ، وابن عباس ، وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو ، وأنسٍ وأم سلمة ، رضي الله عنهم ، وبه قال : الثوري ، وإسحاق ، وأصحابُ الرأي .
وقال مالك والشافعي : أكثره ستون يواً . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا حد لأقل النفاس ، ولا لأكثره ولو زاد على الأربعين ، أو الستين ، أو السبعين ، وانقطع فهو نفاس ، ولكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذٍ فالأربعون ، منتهى الغاية ، ذكر ذلك في كتابه الإختيارات ص30 .
( الإسْتِحاضَةُ)(1/189)
الاستحاضة سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة ، سببه مرض وفساد ، يخرج من عرق فمه في ادنى الرحم ، يسمى العاذل . وعلى هذا فالمستحاضة هي التي ترى دماً ليس بحيض ولا نفاس .
49. ( مسألة ) المستحاضة لا تخلو من ثلاثة أحوال . الحالة الأولى : أن يكون للمستحاضة حيض معلوم قبل حدوث الإستحاضة ، تعرف أيام حيضها ، تعرفُ عددها ، من الشهر ، ووقت حيضها منه . وهذه هي التي يسميها الفقهاء المعتادة . فهذه ترجع إلى عادتها ، فتجلس أيام العادة التي تعرفها لا تصلى ولا تصوم . وما عداها استحاضة ، تصلى وتصوم فيها .
مثاله امرأة كان يأتيها الحيض سبعة أيام من أول كل شهر ن أو من وسطه ، أو آخره ، ثم استحيضت . فصار الدمُ يأتيها زمناً طويلاً ، أو على قول بعض العلماء ، يأتيها أكثر من خمسة عشر يوماً هذه هي المستحاضة .
ومن أدلة ذلك ، حديث أم سلمة رضي الله عنها ، أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم . فقال صلى الله عليه وسلم: (( لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن . وقدرهن من الشهر . فتدع الصلاة ، ثم لتغتسل ولتستثفر ثم تصلى )) رواه الخمسة ، إلا الترمذي .
والإستثفار الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أن المستحاضة تحتزم بخرقة في وسطها ، ثم تلجم وتستثفر بخرقة عريضة أو شيء من الملابس اللطيفة تجعله بين فخذيها ، وتنفذ طرفيها بالحزام من الخلف والأمام ، من أجل منع خروج الدم ، أو تقليل خروجه .
وهنا دليل آخر ، وهو حديث عائشة أن أم حبيبة بنت جحش ، التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الدم . فقال لها عليه الصلاة والسلام : (( امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتصلى )) . فكانت تغتسل عند كل صلاة . رواه مسلم . فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة ، أن تجلس أيام عادتها .(1/190)
50. ( مسألة ) إذا كانت المستحاضة ، معتادةً ومميزةً ، فهل تغمل بالعادة ، أو بالتمييز الراجح في المذهب الحنبلي ، تعمل بالعادة ، وعن أحمد رحمه الله تعمل بالتمييز ، وتوضيح ذلك يأتي قريباً إن شاء الله تعالى .
51. ( مسألة ) الحالة الثانية من أحوال المستحاضة : إذا كانت المستحاضة لا عادة لها ، كالمبتدأة مثلاً ، أو لها عادة ونسيتها ، فحينئذٍ تعمل بالتمييز إن كان موجوداً .
والتمييز هو أن يكون بعض دم المستحاضة أسود ، وبعضه أحمر ، أو بعضه ثخين ، وبعضه رقيق ، أو بعضه منتن وبعضه لا نتن فيه .
فالذي يثبت له أحكام الحيض هو الاسود ، أو الثخين ، أو المنتن ، وما عداه استحاضة ، تصوم فيه وتصلى ، ومن أدلة ذلك ما قاله المجد في كتابه المنتقى .
( بابُ الْعَمَلِ بِالتَّمْيِّيز )
عن عروة ، عن فاطمة بنت أبي حبيشٍ ، أنها كانت تستحاض ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ، (( إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يُعرف ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلى ، فإنما هو عرق )) . رواه أبو داود والنسائي .
فقوله عليه الصلاة والسلام ، فإنه أسود يعرف أي تعرفه النساء ، وقوله عليه الصلاة والسلام ، فإنما هو عرق ، أي هذا الدم الذي يجري منك من عرق فمه في أدنى الرحم ، ويسمى العاذل بكسر الذال المعجمة .
52. ( مسألة ) الحالة الثالثة من أحوال المستحاضة : وهي التي لا عادة لها كالمبتدأة ، أو لها عادة ، ولكن نسيتها ولا تمييز لها ، فهذه تجلس غالب الحيض ستة أيام ، أو سبعة أيام ، بتحريها لا بتشهيها ، من أول كل شهر ، وبقيةُ الشهر استحاضة تصلى فيه وتصوم .(1/191)
ودليل ذلك ، هو قوله صلى الله عليه وسلم ، لحمنة بنت جحشٍ ، فتحيضى ستة أيام أو سبعة في علم الله ، ثم اغتسلى ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت ، واستنقيت فصلى أربعاً وعشرين ليلة ، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها . وصومي ، فإن ذلك يجزيك ، وكذلك فافعلى في كل شهرٍ كما تحيض النساء ، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن . رواه أبو داود ، والإمام أحمد ، والترمذي وصححه .
( تَنْبِيهٌ)
الذي عليه الفتوى ، والمعمول ُ به عند جماهير العلماء ، هو أن المستحاضة لا يجب عليها أن تغتسل إلا مرةً واحدة ، عند انقضاء زمن حيضها . ولكنه يستحب لها أن تغتسل عند كلِّ صلاة ، إذا حصل ذلك بدون حرج ولا مشقة .
ولو قال قائل : إن أم حبيبة كانت تغتسلُ لكل صلاة . فالجواب قال الليث : ولم يذكر ابن شهابٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش ، أن تغتسل عند كل صلاة ، ولكنه شيء فعلته هي ، إنما الواجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة .
53. ( مسألة ) من أحكام المستحاضة ، أنها تتوضأ لكل صلاةٍ وجوباً ، وتغتسل استحباباً ، وتجمع بين الصلاتين جوازاً .
54. ( مسألة ) اختلف العلماء في جواز وطء المستحاضة وعدمه والراجح أنه مباح ، وبه قال أكثر العلماء ، لأن حمنة بنت جحش كانت تستحاضُ ، وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعها ، وأمَّ حبيبة تستحاض ، وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يغشاها ، رواهما أبو داود ، وللعموم في حل وطء الزوجة ، ولأنها تصوم وتصلى ، فلها حكم الطاهرات ، فيجوز جماعًها . وقال بعض العلماء : يجوز جماع المستحاضة مع الكراهة .
( نَصِيْحَةٌ وإرْشَادٌ )
حكمةٌ من حكيم ، وقدرة من قدير . التزاوج من سنن الأنبياء ، والمرسلين . وجرت بذلك العادة في الخلق أجمعين ، ولا يحصل النمو ولا يدوم إلا بذلك . وكما هو معروف ، المجموعة البشرية تتكوّن من الأسر ، والأسرة هي اللبنة الأولى ، والأسرة تتكون وتنبنى من الأفراد .(1/192)
والأسرة لا تكون متماسكة ، ومنسجمة ، إلا إذا قامت على الأخلاق الفاضلة الكريمة ، المستمدة من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم هو ا ذكرنا ، إذا ما كانت الأسرة ركيزتها زكية صالحة ، عاملة بدين الإسلام ، سوف يختل توازنها ، وتنهار ، وتناثر أفرادها . والواقع شاهد بذلك ، كما في أوروبا وأمريكا ، وسعيد من اتعظ بغيره .
( الرَّغْبَةُ فِي الزِّواجِ )
ينبغي أن يرغب كل مسلم ومسلمة في الزواج ، لما يترتب على ذلك من مصالح الدين والدنيا ، ولما في ذلك من الفرح والسرور ، والغبطة ، وراحة النفس ، وطمأنينة القلب ، ولما في ذلك في التعاون على الحاية الإجتماعية . والزواج من أسباب وجود الأولاد الذين هم عز وشرف وقرة عين ، وقد نوه الله بذكر المؤمنين القائلين :
(يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (149) والزواج من سنن المرسلين . قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) . (150)
وقد امتن الله على عباده بالأزواج والبنين . قال تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) . (151)
أما الذين لا يرغبون في الزواج ، ولا يهتمون به ، من الفتيان أو الفتيات ، هم في الواقع أشد الناس حسرةً وبؤساً ، في حياتهم الدنيا . وهم أكثر الناس حرماناً من متاع الدنيا النفسي ، والحسى والروحي .
والذي لا يرغب في الزواج من الذكور والإناث ، سوف يحس بالوحدة والوحشة في دنياه ، وبعد وفاته يكون نسياً منسياً ن وينحرم مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ ينتفع به ، أو ولدٍ صالح يدعو له .
( أمَرَ الرَّسولُ )(1/193)
قد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنكاح ، ورغب فيه وحث عليه . عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء )) . رواه الجماعة .
( الزِّواجُ سُنَّةُ الرَّسول )
عن أنس رضي الله عنه ، أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم : لا أتزوج . وقال بعضهم : أصلى ولا أنام . وقال بعضهم : أصوم ولا أفطر . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا . لكني أصوم وأفطر ، وأصلى وأنام ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) . متفق عليه .
( التَّبَتُّلُ )
التَّبَتُّلُ تركُ الزواج ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل ؛ عن سعدٍ بن أبي وقاص قال : رد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي عثمانَ بنِ مظعونٍ ، التبتلَ : (( ولو أذن له لأختصينا )) . متفق عليه .
( تَكْثِيرُ الأمَّة )
تكثير أمة الإسلام مطلوب شرعاً . عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالألباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ، ويقول : (( تزوجوا الودود الولود . فإني مكاثر بكم الأنبياء )) . وراه أحمد، والطبراني، وابن حبان وصححه . ورواه أبو داود ، والنسائي، من حديث معقل بن يسار .
( كَلِمَةٌ قِيْلَتْ وَتُقَال )
يقول بعض الشباب هداهم الله ، يقول ما معناه لا أتزوج حتى أو أمن مستقبلى . و مثل ذلك لا ينبغي أن ياقل ، لأنه بهذا القول كأنه هو الذي زرق الإنسان وهو في بطن أمه . وفي حديث آخر رزق الإنسان يطلبه كما يطلبه أجله . وفي الحديث الآخر ، لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها و أجلها .(1/194)
ومن حديث عائشة ، رضيا لله عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا النساء فإنهن يأتين )) . وفي رواية : (( يأتينكم بالمال )) . رواه الحاكم ، والدار قطني ، وابن مردوية ، والديلمي ، والبزار في مسنده ، والخطيب في تاريخه . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح خلا مسلم بن جنادة وهو ثقة .
( بَعْضُ الْفَتَيَات )
بعض الفتيات حفظهن الله ، تقول مالا ينبغي أن يقال . تقول لا أتزوج حتى أحمل الدراسة . فإذا كانت ما بلغت ، أو بلغت في وقت قريب ، فلا مانع من ذلك . أما إذا بلغت ومضى لها سنين عديدة ، فلا أحب للفتاة أن تمتنع من الزواج من أجل تكميل الدراسة ، ولربما بعض الدروس التي تعانيها لا تناسب شخصيتها . وكم من فتاة تأخر زواجها فحصل مالا تحمد عقباه ، وأيضاً الفتاة إذا تأخر زواجها أكثر الناس لا رغبة له فيها .
( الإسْلامُ فِي صالِحِ الْمَرْأَة )
نعم الإسلام في صالح المرأة في شئون حياتها كلها ، ومن ذلك إذا تزوجت ، فإنها بذلك تكون أماً محترمةً موقرةً ، وتكون سيدة أسرةٍ ، وتكون مطمئنةً ، مرتاحةً قريرةَ العين .
وصدق الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (152) وحينئذٍ تعيش المرأة المسلمة ، مع زوجها وقرين حياتها ووالدِ أولادها ، عيشة الخير والهناءِ والسعادة ، تحت دوحات الإسلام السامقة ، وفي ظلة الظليل . والمرأة في أوروبا وأمريكا ، وفي كل بلاد الكفر تتمنى أن يكون لها مثل ما للمرأة المسلمة .
وكذلك الشاب فتى الفتيان ، إذا رغب في الزواج ، وتزوج فإنه بعد زمن ليس بالطويل ، يكون بإذن الله له أولاد ، وأحفاد ، وأسباط ، فيصبح زغيم قومٍ ، وكبيرا أسرة ، قرير العين مسروراً بذلك . وهذا لا يوجد إلا في الإسلام .
( الْمُغَالاةُ خِلافُ السُّنَّة )(1/195)
المغالاة في المهور ، والإسراف ، والبذخ ، والفخفخة ، والتقليد الذي ليس بمحمود ، هو الذي جعل أكثر الشباب عَزَباً ، وجعل أكثر البنات عوانس . والجريمةُ جريمةُ الأولياء ، والخطأُ خطاؤهم ، والذَّنْبُ ذَنْبُُُهم ، وإذا بقي الشاب عَزَباً ، والبنت عانِساً ، فهذا من أقوى أسباب الفساد . نعوذ بالله من ذلك .
فالتغالى بالمهور ، والبذخُ ، والإسراف في حفلات الزواج ، في ذلك أضرار على المجتمع عامة ، وعلى الفتيان والفتيات خاصة فيجب أن يكون المهر معقولاً ، ومناسباً لحالة الزوج .
ومن المعروف ، أن أكثر المواطنين في كل بلد ليسوا بأثرياء وأغنياء ، فالشاب أو غيره من أفراد المجتمع الذي لا يملك من المال شيئاً ، أو يملك قليلاً من المال ، وهو يريد إعفاف نفسه ، وسف تتجاذبه الهموم والأحزان .
لأن من كانت هذه حالة ، لا يخلو من أحد حالين ، إما أن يبقى أعزباً يتجرع مرارةَ الحياة ، أو يتحمل في ذمته من القروض ، والديون ، ما يعجز عن تسديده . وحينئةٍ يبقى هو وزوجته فقراء . وكثيراً ما يفشل الزواج الذي فيه مغالاة وإسراف وبذخ ، عقوبة من الله تعالى .
( أسْبابُ إرْتِفاعِ الْمُهُور )
وارتفاع المهور له أسباب كثيرة ، منها كثرة المال عند بعض الناس ومنها التقليد للآخرين ، سواء كان اختياراً ، أو إضطراراً . ومنها تدخل النساء ، والإصغاء لآرائهن ، وهن هن مع عدم النظر للعواقب . ومن عهد قريب لا دخل للنساء في الهر ولا في اختيار الزوج .
ومنها النظرية القاصرة ، فكثير من الناس ينظرون إلى الغنى والثراء ، كأن هذا هو المقصود ، ولا ينظرون إلى الكفء التقى النقى ، المستقيم ، الذي تنتفع به المرأة ، في دنياها وأخراها .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه . إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )) . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، ورمز السيوطي في الجامع الصغير لصحته .(1/196)
والسبب الرئيسي في التغالي في المهور ، هو الطمع والهلع . والجشع ، الذي يتصف به بعض أولياء النساء . فالواجب على ولي المرأة أن ينظر في مصلحة موليته ، قبل أن ينظر إلى مصلحته هو فالمرأة أمانة عند وليها ، وإذا نظر إلى مصلحته فقد خان الأمانة .
( الْمَهْرُ لِمَنْ يَكُونُ )
المهر كله للمرأة المخطوبة ، ولا ينبغي لولي المرأة أن يأخذ من مهرها شيئاً . والرجل كريم الشمائل ، عزيز النفس ، لا تمسح له نفسه أن يأخذ من مهر موليته شيئاً ، ولا يأخذ من مهر المرأة إلا إنسان لا مروءة له ، ونفسه دنيئة ، وهمته صاقطة .
ومن أسباب التغالي بالمهور ، هو أن بعض أولياء النساء يأخذ لنفسه من مهر موليته . ومن المعروف أن ولي المرأة إذا كان من نيته أن يأخذ من صداقها ، فإن هذا يحمله إلى أنه لا يزوج إلا بمهر طائل ، حتى ولو كان الزوج فيه ما فيه . ومن فعل ذلك ، فقد سن في الإسلام سنة سيئة ، فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، نعم لا ينبغي لولي المرأة أن يأخذ من مهرها إلا بإذنها ، إلا أبوها فيجوز له أن يأخذ من مهرها ما لا يضر بها وترك الأخذ أولى .
( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا )
ما أحلى ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أروعه ، فعلنا نستمع علنا ننتفع .
روى الإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، من حديث أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يسروا ولا تعسروا . وبشروا ولا تنفروا )) . هذا الحديث العظيم ، عام في كل شيءٍ يحتاج إلى التيسير ؛ ومن ذلك الصداق ، وما يترتب على الزواج من هدايا ، وحفلات ، كل ذلك يتأكد فيه التيسير ، والتسامح . أما المغالاة ، والبذخ ، والإسراف ، فيحرم ذلك .
المغالاة في المهور ، في ذلك أضرار عظيمة على الفرد والمجتمع عامة ، وعلى الفتيان والفتيات خاصة .
( الرَّحْمَةُ)(1/197)
الله تعالى ، هو أرحم الراحمين ، ويرحم الله من عباده الرحماء . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أرحم من في الأرض يرحمك من ي السماء )). وقال عليه الصلاة والسلام : (( أرحموا ترحموا )) .
فيا معاشر المسلمين عامةً ، ويا أولياء الفتيات خاصة ، أرحموا ترحموا ، أرحموا الفتيان ، وكثرة العوانسُ ، أكسروا من غلواء الطمع ، وتباعدوا من اللآمة والجشع ، تسامحوا تسامحوا ، سامحكم الله ، يسروا ولا تعسروا ، سهلوا طريق الزواج ، اكتفوا بما تيسر من الصداق ، والمصلحة للجميع ، وخير صداق أيسه ، وأبرك زواج أقله تكاليف . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أعظم النكاحِ بركةً أيسره مؤنة )) . وراه أحمد .
( السَّماحَةُ )
فكما أن السماحة مطلوبة شرعاً في البيع والشراء ، والقضاء والإقتضاء . فمن باب أولى ، السماحة مطلوبة في الزواج .
قال البخاري في صحيحة : ( باب السهولة والمساحة في الشراء والبيع ومن طلب حقاً فليطلبه في عفاف ) حدثنا على بن عياش ، حدثنا أبو غسان ، قال حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى . وإذا اقتضى )) .
ورواه ابن ماجه ، ولفظه ( رحم الله عبداً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا اقتضى ) .
( مَشَاكِلُ الحَيَاة )
مشاكل الحياة كثيرة وكثيرة ؛ في كل زمان وفي كل مكان . ومن مشاكل الحياة في وقتنا الحاضر ، التغالى في المهور ، والتكلف والإسراف في حفلات الزواج . وقل لي بربك من يحل هذه المشكلة ؟ أقول لا يحلها إلا رجال المجتمع الذين هم الرجال إذا ذكر الرجال . فمشكلة كل قوم وكل جماعة لا يحلها إلا هم . وفقنا الله وجميع المسلمين لما فيه الخير والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .(1/198)
وقد نشرت مجلة الدعوة الصادرة في مدينة الرياض ، عدد 998 يوم الاثنين 20 شوال 1405هـ ، مقالاً بقلم ( أميمة المحمود ) والمقال تحت عنوان :
( غَلاءٌ أمْ مُّغَالاةٌ )
كثر الجدل حول قضية غلاء المهور . ومن النادر أن تفتح صحيفة أو مجلة سعودية في هذه الأيام ، ولا تجد مقالاً يتعلق بهذه القضية . فكل مقال تقرأه فإنه بصورة أكيدة يعبر عن وجهة نظر كاتبه ، فتارة تجد من يحمل المجتمع مسئولية غلاء المهور ، وآخر يدين الآباء والأمهات ، وأحياناً أخرى نلاحظ أن الفتيات هن سبب المشكلة .
المهم أن معظم المقالات كتبها رجال ، أما الفتيات فنادراً ما يدلين بدلوهن في هذا الموضوع ، وإذا حدث أن كتبت إحداهن عن ذلك ، فإنها غالباً ما تؤيد بطريقة غير مباشرة غلاء المهور .
ولكنني الآن سأوجه حديثي للفتيات المتزمات ، وللأخوات ذوات البصائر الواعية ، فتجد إحداهن ضد غلاء المهور ؛ ولكن عندما تقبل على الزواج ، فلا تجد أي فارق بين ما تأخذه صداقاً لها وبين صداق من كانت تؤيد غلاء المهور . وعندما تسأل مثل هذه الفتاة عن التناقض بين قولها ، وتصرفها فلا يكون جوابها إلا أنها تساير المجتمع ، لأن متطلبات الحياة صعبة ، وتأثيث منزل جديد يكلف كثيراً ، بالإضافة إلى احتياجاتها الشخصية ، وتكاليف إقامة حفلة الزواج ، واستئجار أحد قصور الأفراح .
وقد تزيد قولها أيضاً بأن تقول إن تجهيز المطبخ يكلف كذا ألف وغرفة النوم تحتاج كذا ألف ، وملابسها الشخصية و .... الخ ، لا يسعنى إلا أن أقول لمثل هذه الفتاة ألا على رِسْلِكِ .
فإذا أردت أن تحققى زواجاً سعيداً فتذكري قول أفضل الأنام عليه الصلاة والسلام ( خيرهن أيسرهن صداقاً ) فغالباً يكون الزوج شاباً حديث التخرج هذا إذا لم يكن طالباً ، فأني لمثل هذا أن يقدم مهرك الألوف المؤلفة من الريالات .(1/199)
ثم إنك ستكونين شريكته طوال عمرك ، وستكونين سكناً له أي فائدة تجنينها إذا أرهقته بالديون لا أعتقد أن هناك فائدة اللهم إلا إرضاء غريزة الغرور لديك ، والظهور بالمظاهر البراقة الزائفة .
هل يسعدك أن ترفلى بالملابس الثمينة ، بينما زوجك لا ينام الليل من التفكير بما عليه من الديون . لقد آن للفتاة الواعية أن تتحرر من القيود الاجتماعية التي فرضها علينا انعدام الوعى ، وقلة الإدراك ، حتى أصبحت الفتاة تفاخر بأن مهرها وصل المائة ألف ريال . أنتما زوجان جديدان ، فهل من الضرورة أن تفرشا منزلكما بأفخر الأثاث ! إنما جعلت البيوت للسكن والراحة لا لعرض أحدث ما تنتجه المصانع الإيطالية والأمريكية ، من أثاث .
ثم هذه الملابس التي تفصلينها لمناسبة زواجك وتكلفك الآلات ما نفعها ، وماذا تكسبين بها إعجاب الناس إن إعجاب الناس لا يرفعك درجات عند ربك ولا يزيد مكانتك عند زوجك ، وفي اعتقادي أنه لو كان عند إحدانا ذرةً عقل وتحررت من التمسك بالعادات التي لا تمت لديننا بصلة . وفكرت في الذهب الذي سلمه العريس لعروسه ليلة العرس ، وهو في الغالب يتكون من الأساور والرشرش والخواتم والأقراط ، وربما تزيد على ذلك . وقد تصل كلفتها إلى خمسين ألف ريال ، أو أكثر .
أقول لو فكرت إحدانا جدياً لأحست بمدى تفاهة هذه العادة ، ما معنى أن تغطى الواحدة جسمها بأكوام الذهب وأي منطق يستحسن أن ترتدى الواحدة فستاناً كُلْفَتُهُ مئات ، ثم تغطى جسدها بمجوهرات قيمتها آلاف ، هل تظن هذه أنها معرض مجوهرات وملابس ، ربما لست أدرى .
ليتني أستصرخ أخواتي في الله أن ينبذن التقاليد التافهة ، وأن يقتدين بنساء السلف الصالح ، ولتفكر كل واحدة منا هل هي تتزوج لتكون أسرةً صالحةُ ، أم تتزوج لتزيد عددُ فساتينُها ، ومجوهراتها وتقيم حفلةً يتحدث عنها الناس .(1/200)
هناك شيء أجدني مجدة على ذكره وهو أنني لا أبيح لنفسي الحق في مطالبة الفتاة بالتيسير والتسهيل إذا تقدم لها شاب ممن يقضون إجازاتهم بين دول جنوب شرق آسيا وجزر الهاواى ، أو على ضفاف نهر الميسيسبي .
ولكني أرى حتمية التيسير على من يتحرى الحلال وطاعة الله وأولاد أن أختم مقالى ببعض الهمسات التي أرجو أن تجد أذاناً صاغية من أخواتى في الله .
1. إذا تقدم لخطبتك من ترضينَ خُلُقه ودينه فاقبلى ولا تفكري فيما عدا ذلك من المعايير الدنيوية ، التي استحدثناها ولم ينزل الله بها من سلطان .
2. لا تطلبي مهراً غالياً فتكفيك تقوى زوجك مهراً لا يقدر بثمن ، ولكن لا مانع أن تأخذي حاجتك بدون زيارة ، وحاولي قدر الإمكان تجنب التبذير ومحاكاة الغير .
3. من المستحسن أن تعلنى زواجك بالدف كما أذن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام . ولكن ابتعدى عن المغالاة في كلفة حفلة الزواج ، واستئجار القصور أو الفنادق الباهظة الثمن واستحضار المغنيات ، فإن ذلك لا يجوز شرعاً .
4. إجعلى شخصيتك إسلامية خالصة وابتعدي عن العادات الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي ، والتي أتينا بها من الغرب النصراني ولا داعي لارتداء الثوب الأبيض ، فعلاوةً على أنه تشبه بالكافرات ، فهو مرتفع التكاليف برغم أنه لا يلبس إلا مرة واحدة . إما إذا كنت تريدين حتمية ارتداء ثوب معين لهذه المناسبة ، فتراثنا يغنيك عن استقدام العادات الداخلية . وأخيراً تخلقى بالخلق الإسلامي في معاملتك لزوجك لتفوزي بخيري الدنيا والآخرة وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
( أختكم في الله أميمة المحمود )
_______________________
أقول والحق يقال : لقد نصحت وأجادت وأفادت ، أميمة المحمود جزاها الله خيراً .
( مِقْدَارُ الصَّدَاقِ )(1/201)
لم يأت في كتاب الله ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم: تحديدُ الصداق ، ولكن كلما كان الصداق يسيراً فهو أفضل . وقد تواترت الأخبار عن آبائنا وأجدادنا ، في زمنهم الصداق من خمسة ريالاتٍ إلى عشرين ريالاً وما يتبع ذلك من فراش بسيط وقليل من الحلى . هذا بالنسبة لأكثر المواطنين .
أما الذي عرفته أنا وتحققته ، هو أن الصداق من خمسين ريالاً فرنسى ، إلى مائتين ريالاً ، وما يتبع ذلك من فراش مناسب ، وحلى ليس بالكثير . هذا صداق أكثر المواطنين ، وذلك من عام 1340هـ . وعلى سبيل التقريب إلى عام 1370هـ.
أما الصداق عند البوادي فهو جمل أوضح ، وقطيفة كبيرة طويل زرعها ، تكون في الشتاء غطاءً ووطاءً ، وقليل من الحلى .
( الْمُغالاةُ فِي الْمُهُورِ خِلافُ السُّنَّة )
روى مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، عن أبي سلمة قال : سألت عائشة ، كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنى عشر أوقية ونشاً . قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا . قالت ، نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم .
وعن أبي العجفاء ، واسمه هرم بن نسيب ، قال ك سمعت عمر يقول : لا تغلوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائه ، ولا أصدقت امراةٌ من بناته ، أكثر من اثنتى عشرة أوقية . رواه الخمسة . وصححه الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، و كما هو معروف ، الوقية أربعون درهماً .
والدرهم الإسلامي مقداره ربع ريال سعودي ، فخمسمائة درهم مجموعها مائة ريال سعودي ، فضة وخمسة وعشرون ريالاً . هذا هو مقدار صداق الرسول صلى الله عليه وسلم لأزواجه وبناته .(1/202)
والله سبحانه يقول ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنةُ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) . وصدق عمر رضي الله عنه : المغالاة في الصداق ليس ذلك مكرمة في الدنيا ، ولا تقوى في الآخرة ، بل بذخ وفخفخة ، وإسراف ، والله لا يحب المسرفين .
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة ، فقال : ما هذا ؟ قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب . قال : بارك الله لك ، أو لم ولو بشاة . رواه الجماعة .
هذا صداق عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه ، مع العلم أنه من أغنياء الصحابة ، والمراد بالنواة ، هي نواة التمر ، وقدَّرها بعض العلماء بربع دينار ، والدينار تقريباً أربعة أسباع جنيه سعودي ، وربع الدينار قيمته خمسة دراهم ، والدراهم الخمسة ، هي ريال وربع ريال سعودي من الفضة . وفي ذلك عبرة لمن اعتبر ، وأقل من هذا المهر ، هو أن امرأة تزوجت على نعلين .
عن عامر بن ربيعة ، أن امرأةً من بنى فزارة ، تزوجت على نعلين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أرضيت من نفسك ومالك بنعلين )) . قالت : تعم ، فأجازه . رواه أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي وصححه وعلى قول أكثر العلماء كل ما صح أجرة ، أو ثمناً صح أن يكون صداقاً ، ومالا فلا .
وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة )) . رواه أحمد .
وعن عقبة بن عامر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير الصداق أيسره )) . رواه أبو داود ، والحاكم وصححه .
وعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني تزوجت امرا' من الأنصار . فقال صلى الله عليه وسلم: على كم تزوجتها ؟ قال : على أربع أواق . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( على أربع أواق . كأنها تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل )) . رواه مسلم مطولاً .(1/203)
وبيان ذلك هو أن الوقية أربعون درهماً ، فأربع أواق مائة وستون درهماً ، ومقدارها بالريال السعودي الفضة ، أربعون ريالاً . فهذا هو الصداق الذي أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم: واستكثره فقال : (( كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل )).
وعن سهل بن سعد ، أن صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني وهبت نفسي لك ، فقامت قياماً طويلاً . فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً ، فقال : ما أجد شيئاً ن فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم سورة كذا وسورة كذا ، لسور يسميها . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( قد زوجتكها بما معك من القرآن )) متفق عليه .
وعلى القول الراجح من قولى العلماء يجوز أن يكون القرآن ، صداقاً ، إذا كان معيناً ، وكذا سائر العلوم النافعة يجوز أن يكون تعليمها صداقاً إذا كان معيناً .
وأما ماورد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، زوج رجلاً على سورة من القرآ ن ، ثم قال : ( لا تكون لأحد بعدك مهراً )) . فالحديث مرسل وقال : في فتح الباري ، وفي إسناده من لا يعرف .
وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما تزوج على فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : : أعطها شيئاً ؟ قال : ما عندي شيء . قال أين درعك الحُطميَّة . فأعطاها درعه . رواه أبو داود ، والنسائي والحاكم وصححه .(1/204)
وعن أبي حدرد الأسلمي ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة ، قال : كم أمهرتها ؟ قال : مائتى درهم . قال : لو كنتم تفرغون من بُطحانَ ما زدتم . قال الهيثمي في مجمع الزوائد ، رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجال أحمد رجال الصحيح ومائتا درهم ، مقدارها من الفضة خمسون ريالاً سعودياً . وبُطحانَ وادٍ من أودية المدينة . فالرسول صلى الله عليه وسلم قد استكثر مثل هذا الصداق .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على متاع يساوي أربعين درهماً . قال في مجمع الزوائد ، رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه عطية العوفى وهو ضعيف ، وقدوثق .
وروى أحمد من حديث جابر مرفوعاً، لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملئ يديه طعاماً كانت له حلالاً .
( قِصَّةٌ رائِعَةٌ )
رجل فاضل ، وعالم جليل ، ونقى وتقى ، وزاهد وعابد ، هذا الرجل هو أحد فقهاء المدينة السبعة وهو فقيه الفقهاء ، وسيد التابعين على الإطلاق . هذا الرجل يضع النُّقاطَ على الحروف في تقليل الصداقِ ، وتركِ المغالاة ، والرضاء بالقليل من الصداق .
سجل التاريخ ، بأن هذا الرجل مر عليه من السنين أربعون سنة ، ولم يؤذن المؤذن ، إلا وهو في المسجد . هذا الرجل ، هو سعيد بن المسيِّب . زوج ابنته المثالية ، التي قل أن يوجد مثلها . زوجها على درهمين ، أي نصف ريال سعودي من الفضة . وبعد أيام قليلة من عقد الزواج ، أعطى زوجها عشرين ألف درهم .
قال ابن كثير في البداية والنهاية : وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته ، على درهمين لكثير بن أبي وداعة ، وكانت من أحسن النساء ، وأكثرهم أدباً ، وأعلمهم بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج ، وكان فقيراً ، فأرسل إليه بخمسة آلاف ، وقيل بعشرين ألفاً . وقال : استنفق هذه ، وقصته في ذلك مشهورة . وقد كان عبد الملك خطبها لابنه الوليد فأبى سعيد أن يزوجه بها .(153)(1/205)
قالت وحيث أن العمل لله في هذه القصة ، وشيقة ورائعة . لذا سجلها التاريخ ، وتناقلها الناس وتحدثوا بها . وحتى بعض الخطباء على المنابر يذكرونها .
ورحم الله سعيد بن المسيب ، فإنه لم يزوج ابنته من أجل المال ، والرياء والسمعة ، والفخفخة ، إنَّما زوجها من أجل الدين ، والستر والأخلاقِ الفاضلة ، والإستقامةِ ، والسلوك المرضى . وهكذا ينبغي أن يزوجَ الأولياءُ مَوْلِيَّاتِهم ، إن كانوا رجالاً مؤمنين ، وناصحين .
وقال ابن خلِّكان في وفيات الأعيان ، وروى ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : حججت أربعين حجة . وعنه أنه قال : ما فاتتنى التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة ، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة ، لمحافظته على الصف الأول اهـ . قلت رحمه الله رجالاً تطيب المجالس بذكرهم .
ثم قال ابن خلكان : وقال أبو وداعة ، كنت أجالس يعيد بن المسيب ففقدنى أياماً ، فلما جئته قال : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلى فاشتغلت بها . فقال : هلا أخبرتنا فشهدناها .
قال : ثم أردت أن أقوم . فقال : هلا أحدثت امرأة غيرها ؟ فقلت : يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة . فقال : إن أنا فعلت تفعل ؟ قلت : نعم . ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين ، أو قال : على ثلاثة . قال : فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر مما آخذ وأستدين ، وصليت المغرب وكنت صائماً ، فقدمت عشاى ، وكان خبزاً وزيتاً .(1/206)
وإذا بالباب يقرع ، فقلت : من هذا ؟ قال : سعيد ، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد بن المسيب ، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد . فقمت وخرجت وإذا بسعيد بن المسيب فظننت أنه قد بدا له . فقلت يا أبا محمد هلا أرسلت إلى فاتيك . قال : لا أنت أحق أن تؤتى . قلت : فما تأمرني . قال : رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك فإذا هي قائمة خلفه في طوله ، ثم دفعها في الباب فسقطت المرأة من الحياء ، فاستوثقت من الباب .
ثم صعدت إلى السطح فناديت الجيران فجاؤني ، وقالوا ما شأنك ؟ فقلت : زوجني سعيد بن المسيب اليوم ابنته وقد جاء بها على غفلةٍ ، وها هي في الدار . فنزلوا إليها ، وبلغ أمي فجاءت ، وقالت : وجهى من وجهك حرام ، إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام فاقمت ثلاثة أيام .
ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء ، وأحفظهن لكتاب الله تعالى ، واعلمهن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهن بحق الزوج . قال : فمكث شهراً لا يأتيني ولا آتيه ، ثم أتيته بعد شهر وهو في حلقته ، فسلمت عليه فرد علي ولم يكلمني حتى انفض من في المسجد ، فلما لم يبق غيري قال : ما حال ذلك الإنسان ؟ قلت : هو على ما يجب الصديق ، ويكره العدو . قال : إن رابك شيء فالعصاء اهـ .
وقد مات سعيد بن المسيب ، وماتت ابنته ، ومات زوجها ، وبقيت الذكرى حيةً عطرةً يفوح أرَجُها ، ويتألق نجمها في سماء الدنيا . فهل من مطيع ، وهل من سامع ، وهل من متعظٍ ن وهل من داعٍ ، أو عاملٍ بتقليل المهر . والله الموفق والهادي إلى طريق الرشاد .
( الْوَلِيْمَةُ سُنَّةٌ )
الوليمة سنة في العرس ، وسنيتُها في حق الزوج ، وينبغي أن تكون الوليمة مناسبة على حسب الزمن والعادة ، وعلى حسب اليسار والإعسار ، من غير بذخ ولا إسراف .(1/207)
عن أنس رضي الله عنه ، قال : ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من نسائه ، ما أولم على زينب ، أو لم بشاة ، متفق عليه .
وروي الخمسة إلا النسائي ، من حديث أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أو لم على صفية بتمرٍ وسويق .
وفي صحيح مسلم ، عن أنس في قصة صفية ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل وليمتها التمرَ ، والأقِطَ ، والسمن .
وجاء في صحيح البخاري ، عن صفية بنت شيبة ، أنها قالت : أو لم النبي صلى الله عليه وسلم: على بعض نسائه بمدين من شعير . وقد قال صلى الله عليه وسلم: لعبد الرحمن بن عوف : (( أولم ولو بشاة )) وأيام العرس كلها وقت للوليمة والأفضل أن تكون بعد الدخول لفعله صلى الله عليه وسلم .
( الإسراف )
وفي اثنتين وعشرين آية ، من آيات القرآن الكريم ، ذم الله الإسراف ، وعاب المسرفين .
قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) .(154)
وقال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) . (155)
فالرياء والسمعة ، والبذخ والفخفخة والإسراف مذمومٌ شرعاً وعقلاً ، ومحرم في الإسلام ، في كل شيء ، ومن ذلك الإسراف في المهور ، وفي ولائم الزواج ، وحفلاته .
ومن محاسن دين الإسلام ، إعلان النكاح بالدف ، وبكلام يشبه الغناء وليس كالغناء المحرم . ويأتي إن شاء الله قريباً ما يوضح هذا ، كما في كلام الشوكاني في نيل الأوطار والبيهقي في السنن الكبرى .
وبإعانة الله وتوفيقه ، نذكر الأدلة من الكتاب ، والسنة ، وبعض أقوال الصحابة والتابعين الدالة على تحريم الغناء والمنع منه ، مع بيان مضاره ومفاسده .
( تَحْرِيْمُ الْغِنَاء )(1/208)
الغناء محرمٌ في الكتاب والسنة ، وبالتحريم قال جماهير العلماء بل نقل أبو عمرو بن الصلاح إجماع العلماء على تحريم الغناء . قال ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان ، وقد حكى أبو عمر وبن الصلاح : الإجماع على تحريم السماع ، الذي جمع الدُّف والشبَّابة ، والغناء .
فقال في فتاوية : وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت ، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب ، وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والإختلاف ، أنه اباح هذا السماع .(156)
نعم ورب ورب كل مخلوق ، الغناء ومنه مزامير الشيطان ، والنغمات الموسيقية ، كل ذلك محرم في شريعة الإسلام ، لما يترتب على ذلك من المفاسد في الأخلاق والسلوك . وكما هو معروف الشريعة الإسلامية ، هي في صالح البشرية .
فكل ما فيه منفعة بدون مفسدة ، فهو مباح . وكل ما فيه مضرة على العقيدة ، أو الدين ، أو الدنيا ، أو الأخلاق والسلوك ، أو العقول ، أو الأبدان ، فهو محرم . ومن ذلك الغناء لأنه كما يأتي من اسماء الغناء رقية الزنا . قال ابن القيم رحمه الله تعالى ، في كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان .
( فَصْلُ)
ومن مكايد عدو الله ومصايده ، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ؛ سماع المكاء ، والتصدية ، والغناء بالآلات المحرمة ، الذي يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان .
فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنا ، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقة غية المنى ، كادبه الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكراً منه وغروراً ، وأوحى إليها الشبه الباطلة ، فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً ... الخ كلامه رحمه الله تعالى .(157)(1/209)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : وقال القاضي أبو الطيب : وأما العود ، والطنبور ، وسائر الملاهي ، فحرام ، ومستمعة فاسق .(158)
( ثم قال ابن قيِّم الجوزية )
( فَصْلُ) (159)
هذا المساع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني ، له في الشرع بضعة عشر اسماً : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمكاءُ ، والتصدية ورقيةُ الزنا ، وقرآن الشيطان ، ومنبت النفاق في القلب ، والصوت الأحمق ، والصوت الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان والسُّمُودُ : 14 اسماً .
فنذكر مخازى هذه الأسماء ، ووقوعها عليه في كلام الله وكلام رسوله ، والصحابة ، ليعلم أصحابه ، وأهله بما به ظفروا ، وأي تجارة رابحة خسروا .
ثم ذكر المصنف الأدلة من الكتاب ، والسنة ، الدالة على تحريم الغناء وما فيه من أضرار ومحاذير . وذكر المصنف تقولاً عن الصحابة ، وعن التابعين لهم بإحسان ، وكلها صريحة في التحذير من الغناء ، والمنع منه .
ومن الأدلة الدالة على تحريم الغناء ، قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ *وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) . (160)
فالمراد بلهو الحديث هو الغناء ، وبه قال ثلاثة من العبادلة : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم ، وهو قول أكثر علماء التفسير ، بل حلف ابن مسعود ثلاث مرات على أن المراد بلهو الحديث هو الغناء .(1/210)
الدليل الثاني : على تحريم الغناء قوله تعالى (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (161) . الحق أحق أن يتبع ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، وكل ما جاء عن الله ورسوله ، من الأوامر ، والنواهي فهو حق . وكل ما فيه مضرة ، أو مضرته أكثر من منفعته فهو باطل ، ومن ذلك الغناء .
قال ابن القيم في الإغاثة . وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : ما تقول في الغناء . أحلال هو أم حرام ؟ فقال : لا أقول حراماً إلا ما في كتاب الله . فقال : أفحلال هو ؟ فقال : ولا أقول ذلك . ثم اقل ابن عباس : أرأيت الحق والباطل ، إذا جاءا يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ فقال الرجل : يكون مع الباطل . فاقل له ابن عباس : إذهب فقد أفتيت نفسك .
فهذا جواب ابن عباس ، رضي الله عهنما عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنا ، واللواط ، والتشبيب بالأجنبيات ، وأصوات المعازف ، والآلات المطربات ، فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من ذلك ، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول . فإن مضرته ، وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير ، و أعظم من فتنته ، فمن أبطل الباطل أن تأتي شريعة بإباحة الغناء ، فمن قاس هذا على غناء القوم فقياسه من جنس قياس الربا على البيع ، والميتة على المذكاة .(162)
وروى البيهقي بإسناده ، أن إنساناً سأل القاسم بن محمد عن الغناء . فقال : أنهاك عنه ، وأكرهه . قال : أحرام هو ؟ قال : أنظر يا ابن أخي ، إذا ميز الله الحق من الباطل ، في أيهما يجعل الغناء . (163) وقال ابن القيم : قال ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن كثير بن زيد أنه سمع عبيد الله يقول للقاسم بن محمد ، كيف ترى في الغناء ؟ فقال له القاسم : هو باطل . فقال : قد عرفت أنه باطل ، فكيف ترى فيه . فقال القاسم : أرأيت الباطل أين هو ؟ قال : في النار قال : فهو ذاك . (164)(1/211)
الدليل الثالث على تحريم الغناء: قوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).(165)
ومن غير شك أن الغناء لغو وزور ، قال ابن الجوزي في تفسيره ، زاد المسير : الزور هو الغناء ، قاله محمد بن الحنيفية ، ومكحول ، وروى ليث عن مجاهد ، قال : لا يسمعون الغناء .
وقال ابن كثير في تفسيره : وقال محمد بن الحنفية ، الزور هو اللغو والغناء .
الدليل الرابع على تحريم الغناء : قوله تعالى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ) .
وقد قال بعض علماء السلف إذا أتاك التفسير عن مجاهد فحسبُك به ، والذي نقله علماءُ التفسير ، ومنهم ابن كثير وابن الجوزي ، والقرطبي ، عن مجاهد أنه قال: المراد بصوت الشيطان ، الغناء والمزامير .
الدليل الخامس : قوله تعالى (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ *وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ*وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) .(166) فمن المعروف أن القرآن الكريم نزل بلغات العرب ، ولغات العرب متعددة ، ومن ذلك السمود بلغة حميرٍ هو الغناء .
قال القرطبي في تفسيره ( وانتم سامدون ) قال : عكرمة ، هو الغناء بلغة حمير ، يقال سمِّدْ لنا ، أي عن لنا ، ثم اقل القرطبي : والسمود اللهو ، والسامد اللاهي ، يقال للقينة أسمدينا ، أي ألهينا بالغناء .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس ( وأنتم سامدون ) قال : هو الغناء بالحميرية أسمدى لنا غنى لنا .
وقال الشوكاني في تفسيره . وقال ابن الأعرابي : السمود اللهو ، والسامد اللاهي . يقال للقينة أسمدينا ، أي ألهينا بالغناء .(1/212)
الدليل السادس : ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم : يقول : (( ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحِرْ والحرير والخمر والمعازف )) . هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحة محتجاً به ، وعلقه تعليقاً مجزوماً به . والقاعدة عند البخاري ، إذا علق الحديث وجزم به ، فهو صالح للإحتجاج وهذا الحديث من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عليه الصلاة والسلام بشيء فوقع كما أخبر .
والمصيبة عظمى ، كثير من بلاد الإسلام ، قد اسْتُحِلَّ فيها الزنا والخمر بدليل أنهم قد أبطلوا الحدود ، والتعزيرات الشرعية التي هي في صالح الزعيم ، والمزعوم ، وفي صالح الفرد والمجتمع . أما الأغاني والمعازف فحدث ولا حرج ، فقد ذاعت ، وشاعت ، حتى في بلاد الإسلام . وقوله صلى الله عليه وسلم: (( يستحلون الحرْ )) ، وهذا كناية عن الزنا ، لأن الحر في لغة العرب ، هو فرج المرأة . قال في المصباح المنير : والحر بالكسر هو فرج المرأة .
الدليل السابع : روى ابن ماجه في سننه ، عن أبي مالك الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليشر بن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها . يعرف على رؤسهم بالمعازف والمغنيات . يخسف الله بهم الأرض . يوجعل منهم قردة وخنازير )) وصحح ابن القيم هذا الحديث .
الدليل الثامن : حديث عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعندي جاريتان تغنيات بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراس ، وحول وجهه ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه ، فانتهرني ، وقال : مزمار شيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعمها . فلما غفل غمزتها فخرجتا . متفق عليه ، واللفظ لمسلم .(1/213)
قال ابن القيم على هذا الحديث : فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان ، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب ، الذي قيل في يوم حرب بعاث ، من الشجاعة والحرب ، وكان اليومُ يوم عيد . فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية ، أوصبى أمرد صوته فتنة ، وصورته فتنة ، يغني بما يدعو إلى الزنا والفجور وشرب الخمور ، مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم : في عدة أحاديث .
كما سيأتي ، مع التصفيق والرقص ، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يسحلها أحد من أهل الأديان ، فضلاً عن أهل العلم والإيمان ، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ، ، ونحوه في الشجاعة ، ونحوها في يوم عيد ، بغير شبابة ولادف ، ولا رقص ِ، ولا تصفيق ، ويدعون المحكم الصريح ، لهذا المتشابه ، وهذا شأن كل مبطل .
نعم ، نحن لا نحرم ، ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم : على ذلك الوجه ؛ وإنما نحرم وسائر أهل العلم ، والإيمان السماعً المخالف لذلك ، وبالله التوفيق .(167)
الدليل التاسع : فمن الأدلة الدالة على تحريم الغناء هو ما رواه الحاكم ، وابو داود الطيالسي ، والترمذي وحسنه ، من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عبد الرحمن بن عوف إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه ، فوضعه في حجره ففاضت عيناه .
فقال عبد الرحمن : أتبكى وأنت تنهى الناس عن البكاء . قال : إني إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو ولعب ، ومزامير الشيطان . وصوت عند مصيبة خمش وجوه ، وشق جيوب .
فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهى ويحذر عن فعل الغناء ، وعن استماعه ، بدليل أنه سماه صوتاً أحمق ، وسماه مزامير الشيطان ن ووصفه بالفجور .(1/214)
الدليل العاشر : ما رواه البيهقي ، والبزار ، وابن مردوية ، والضياء ، من حديث أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صوتان معلونان في الدنيا ، والآخرة : مزمار عند نغمة ، وفي لفظ عند نعمة ، ورنة عند مصيبة ، ورمز في الجامع الصغير لصحته .
الدليل الحادي عشر : عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل )) . رواه البيهقي ، وابن أبي الدنيا ، ورواه البيهقي من طريق آخر موقوفاً على ابن مسعود .
ورواه أبو داود ولفظه عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إن الغناء ينبت النفاق في القلب )) أخرج أبو داود هذا الحديث وسكت عنه . وصح عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لمؤدب ولده : ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن .
فإنه بلغنى عن الثقات من أهل اعلم ، أن صوت المعازف ، واستماع الأغاني ، واللهج بها ، ينبت النفاق في القلب ، كما ينبتُ العشب على الماء .
وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها . يعزف على رؤوسهم بالمعازف ، والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم قردةً ، وخنازير )) ، رواه الإمام أحمد ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والطبراني ، والبخاري في التاريخ ، والبيهقي ، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بالصحيح . وهذا هو الدليل الثاني عشر .
وفي السنن الكبرى للبيهقي ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبتُ الماء الزرع ، والذر ينبت الإيمان في القلب كما يُنبِتُ الماء الزرع َ .(168)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام ، والزمار حرام .(169)(1/215)
وقال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري ، في نسخة لطيفة أسماها ( تبرئة الخليفة العادل والرد على المجادل بالباطل ) الوجه التاسع : أن الغناء رقية الزنا ، وقد ذكر القاضي محمد بن المظفر الشامي الشافعي ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال : الغناء الزنا وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى ، عن ابن مسعود ، أنه قال : الغناء رقية الزنا .
وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا الحسين بن عبد الرحمن ، قال : قال فضيل بن عياض رحمه الله ن الغناء رقية الزنا .
وقال ابن أبي الدنيا أيضاً : أخبرني محمد بن الفضل الأزدى ، قال نزل الحطئية برجل من العرب ، ومعه ابنته مليكة ، فلما جنه الليل سمع غناءً ، فقال لصاحب المنزل : كف هذا غنى . فقال : وما تكره من ذلك . فقال : إن الغناء رائد من رادة الفجور ، ولا أحب أن تسمعه هذه 0 يعني بنته ) ، فإن كففته وإلا خرجت عنك . (170)
وروى الإمام أحمد عن اسحاق بن عيسى ، قال : سألتُ مالك بن أنسٍ عما يترخصُ فيه أهل المدينة من الغناء . فاقل : إنما يفعله عندنا الفساق .
( فَصْلٌ)
الأدلة من الكتاب ، والسنة الدالة على تحريم الغناء ، وتحريم استماعة ، كثيرة وشهيرة ، وبإعانة الله ذكرنا البعض منها ، وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان . أنذروا وحذروا من الغناء واستماعه . وصرحوا بتحريمه ، لما يترتب على ذلك من المفاسد والعربدة ، والدعارة .
فالغناء كما تقدم ، هو رقية الزنا ، هو رائد الزنا ، هو وسيلته العظمى ، وبالزنا كل محنة ، وشر وبلاء ، وبالزنا فساد الدين والدنيا ، وبه فساد الفرد والمجتمع .
قال ابن القيم بعد كلام سبق ، ولا ريب أن كل غيور يجنب أهله سماع الغناء ، كما يجنبهم أسباب الريب . ومن طرَّق أهله إلى سماع رقية الزنا ، فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه .(1/216)
ومن الأمر المعلوم عند القوم ؛ أن المرأة إذا استعصت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء . فحينئذٍ تعطى الليان ، وهذا لأن المرأة سريعة الإنفعال للأصوات جداً . فإذا كان الصوت بالغناء ، صار انفعالها من وجهين : من جهة الصوت ، ومن جهة معناه .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لأنجشه حاديه . يا أنجشة . رؤيدك . رفقاً بالقوارير )) يعنى النساء . فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية ، الدف والشبابة والرقص ، بالتخنث والتكسر ، فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء .
فلعمر الله ، كم من حُرةٍ صارت بالغناء من البغايا . وكم من حُرِّ أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا . وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا . وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض ، بعد المطارف والحشايا . وكم من معافاً تعرض له فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا . وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان ، فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا . وكم جرَّع من غصَّةٍ وأزال من نعمة ، وجلب من نقمة ، وذلك منه من إحدى العطايا . وكم خباًّ لأهله من آلام منتظرة ، وغموم متوقعة ، وهموم مستقبلة .(171)
فسل ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا
وحاذر إنْ شُغِفْتَ به سِهاما مُرَيَّشَةً بأهدب المنايا
إذا ما خالطت قلباً كئيباً تمزق بين أطباق الرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حراً عفيفَ الفرج عبداً للصَّبايا
( الدَّفُ فِي النِّكاح )(1/217)
اعلان النكاح بالمباح كالدِّف سنة ، أما إعلان النكاح بالأغانى الممنوعة شرعاً ، أو بشيءٍ من آلات اللهو والطرب ، فمثل ذلك حرام لا يجوز ، لما يترتب عليه من المحاذير والمفاسد ز فبعض الناس هدانا الله وإياهم لا يخافون اله ، ولا يستحون من خلق الله ، في حفلات الزواج يأتون بمغنين ومغنيات ، ومطربين ومطربات ، وبعض الناس يستعملون مكبرات الصوت ، وبذلك يشيعون المنكر ، ويجاهرون به ويقلقون راحة المواطنين ، بمزامير الشيطان ، والنغمات الموسيقية المحرمة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل أمتى معافاة إلا المجاهرين ) متفق عليه واللفظ لمسلم . فالذي يجاهر بأي معصية كانت ليس بمعافي ، بل هو جاهل ومغرور ، ومجرم وأثيم . نعم كما تقدم ، الدف في النكاح سنة للنسائ خاصة دون الرجال ، وهذا يعد من محاسن دين الإسلام ويسره .
عن محمد بن حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح )) . رواه الخمسة ، غلا أبا داود . ورواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والسيوطي ، في الجامع الصغير رمز له بالصحيح .
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (( اعلنوا النكاح )) . رواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
ورواه ابن ماجه من حديث ، رضي الله عنها ، ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، اعلنوا هذا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال .
وأخرجه الترمذي ، ولفظه ، أعلنوا هذا النكاح ، وأجعلوه في المساجد ، وأضربوا عليه بالدف . وقال الترمذي : هذا حديث غريب حسن ، وجزم البيهقي بصحته ، وقال ابن حجر في فتح الباري سنده ضعيف : والغربال والدف ، هو المعروف في اللغة العامية في نجد بالدمام .(1/218)
وعن عائشة رضي الله عنها ، أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : (( يا عائشة ما كان معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو )) . رواه أحمد والبخاري .
وفي رواية ( فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى ) قلت : ماذا تقول يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام : (( تقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ، ولو لا الذهب الأحمر ، ما حلت بواديكم ، ولولا الحنطة السمراء ، ما سمنت عذاريكم )) .
( إعْلانُ النِّكَاح )
إعلان النكاح مسنون بشرطين ، أن يكون في حق النساء ، و أن يكون بآلة مباحة كالدف ، وبصوت على غير طريقة الأغاني ، كما أرشد صلى الله عليه وسلم، بأن يقال في زفاف العروس ، ما تقدم بيانه من الكلام الجميل المباح اللائق بالحال والمال ، لا بآلات الطرب وآلات اللهو ، التي هي من أعظم دواعى الزنا والفجور ، ولا بالأغانى الماجنة التي تثير الغريزة الجنسية ، فكل ذلك حرام ما أباحه الإسلام لا في زواج ولا غيره .
قال في زاد المستنقع : ويسن إعلان النكاح ، والدف فيه للنساء ، قال في الروض المربع شرح زاد المستنقع : وتحرم كل ملهاةٍ سوى الدف كمزمارٍ ، وطنبورٍ ، وجنك ، وعود .
وقال في التوضيح : ويسن إعلان نكاح ، وضرب بدف مباح فيه ، ويحرم كل ملهاة سواه كمزمار وطنبور ، ورباب ، وجنك ، ورقص .
وقال شارح المنتهى : وقال الموفق ضربا لدف مخصوص بالنساء ، وفي الرعاية ، يكره للرجال ، وتحرم كل ملهاة سوى الدف ، كمزمار ، وطنبور ، ورباب ، وجنك . قال فيا لمستوعب والترغيب : سواء استعمل لحزم أو سرور .
وقال في الإقناع وشرحه : ويكره الضرب بالدف للرجال مطلقاً .
ثم قال : ولا بأس بالغزل في العرس ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار (( أتيناكم فحيونا نحييكم ، لولا الذهب الأحمر لما حلت بواديكم ، ولولا الحبة السوداء ما سمنت عذاريكم )) . لا على ما يفعله الناس اليوم .(1/219)
ثم قال : وتحرم كل ملهاة سوى الدف ، كمزمارٍ ، وطنبورٍ ، وربابٍ ن وجنكٍ ، وناي ، ومعرفةٍ ، وجفانةٍ ، وعودٍ ، وزمارة الراعي ، ونحوها ، سواء استعملت لحزن أو سرور . وفي القضيب وجهان ، وفي المغنى لا يكره إلا مع تصفيق ، أو غناءٍ أو رقصٍ ونحوه ا هـ . قوله : وجنك ، قال في لسان العرب : الجنك مُعرَّب عود رقبته طويلة وهو الطنبور .
وقال الشوكاني في نيل الأوكار ، على حديث محمد بن حاطب الذي تقدم قريباً قوله : الدف والصوت ، أي ضرب الدف ورفع الصوت ، وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ، ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو أتيناكم أتيناكم ونحوه ، لا بالأعاني المهيجة للشرور ، المشتعملة على وصف الجمال والفجور ، ومعاقرة الخمور . فإن ذلك يحرم في النكاح ، كما يحرم في غيره وكذلك سائرا الملاهي المحرمة . قال في البحث : وما يحرم من الملاهي في غير النكاح ، ويحرم فيه لعموم النهى ا هـ .(172)
فعلماء الإسلام ومنهم الشوكاني والبيهقي صرحوا بتحريم الغناء في العرص وغيره ، والمباح في العرس كلام يشبه الغناء وليس هو أغانى .
وقال البيهقي في السنن الكرى ، على حديث محمد بن حاطب ، فصل بين الحلال والحرام ، الصوت وضرب الدف في النكاح . وأما قوله : الصوت فبعض الناس يذهب به إلى السَّماع ، وهذا خطأ وإنما معناه عندنا إعلان النكاح ، واضطراب الصوت به والذكر ف الناس . (173)
( وجوب العمل بالعلم )(1/220)
فمن فوائد العلم وثمراته العمل . وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم )9 . وقد أجاد من قال : العمل يهتف بالعمل فإن وجده وإلا ارتحل وقد تقدم من الأدلة من الكتاب والسنة ، ما يستفاد منها أن المغالاة في المهور مكروهة ، وقد تصل إلى التحريم ، وكذا الإسراف ، ومجاوزة المشروع في حفلات الزواج يكره ذلك ، وقد يصل إلى التحريم . وكما هو معروف المغالاة ، والبذخ والإسراف في المهور وفي حفلات الزواج كل ذلك ليس من صالح الزوج ، ولا من صالح الزوجة ولا من صالح الحياة الاجتماعية ، ولا من صالح الفرد والمجتمع ، ولا من صالح الدين والدنيا . فهل من سامع . وهل من مطيع . أم الجهل مخيم ، والغرور طبق الأجواء ، وبلغ منتهاها . اللهم ارزقنا البصيرة في الدين ، واجعلنا هداة مهتدين .
وأيضاً مما لا يجوز فعله في حفلات الزواج الغناء والأغاني ، واستعمال شيءٍ من آلاف اللهو والطرب . وجماهير العلماء قالوا بتحريم ذلك فيا لزواج ، وغيره . وما سقناه قريباً من أقوال بعض العلماء ، وهو قليل من كثير (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).
وهنا وهناك أشياء بدع ومنكرات تسربت إلينا من أعدائنا وأعداء ديننا . وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( من تشبه بقوم فهو منهم )) .
فمنها بعض الناس إذا تزوج أو أراد الزواج لبس ما يسمى الدبلة فتخة من ذهب ولبس شيءٍ من الذهب حرام على الذكور . ودليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم : أخذ شيئاً من الحرير ، وقطعة من الذهب ، ورفعهما بيده ، وقال : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حل لإناثها )) .
ومن المحرمات التي تفعل في بعض حفلات الزواج ، التصوير . وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: التي فيها الوعيد الأكيد ؛ وفيها النهى عن التصوير أكثر من عشرة أحاديث .(1/221)
ومنها ما يفعله البعض ، يُلبسُ العريسُ العروس فتخةُ من الذهب أو غيرها بحضرة الأجانب من الرجال أو النساء ، وهذا الفعل من البدع المحرمة .
ومنها ما يسمى بالتشريعة ، والتشريعة كما هي معروفة ، ثوب أبيض كبير جداً ، وفيه عدة محاذير . أولاً : ليس ذلك من عادات المسلمين ، بل هو من عادت البعض من الكافرين . و
وثانياً : فيه إسراف ، وبذخ ، وفخفخة ، ورياء وسمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( من سمع سمع الله به . ومن يرائي يرائي الله به )) . متفق عليه من حديث ابن عباس .
وثالثاً : فيه إسراف وتبدير ، فالتشريعة تشترى بمبلغ من المال كثير ، وهي لا تلبس إلا مرةً واحدة ، وإذا عُرف ذلك فالتشريعة لا تجوز لما فيها من الإسراف .
والله تعالى يقول : (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) وتبذير المال بلا فائدة ولا منفعة حرام .
ومن ذلك التشريعة ، قال تعالى (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) .
ومن الأدلة الدالة على تحريم التشريعة ، لما في لبسها من المرح والخيلاء ، قال تعالى (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً).
فالتشريعة ثوب أبيض كبير إذا لبسته المرأة لا تستطيع المشى حتى يجمله معها عدد من النساء .
سوالمرأة التي تلبس التشريعة ، تلبس معها شراباً بيضاً ، وقفازين أبيضين . والرسول صلى الله عليه وسلم ((لعن المتشبهات من النساء بالرجال)) .
وايضاً من الأشياء التي لا يجوز اعتقادها ، ولا ينبغي العمل بها ما يسمونه الشبكة ، شيء من الحلى يقدم للزوجة ، قبل الدخول .
فيجب على كل مسلم ، وعلى كل مسلمة ، يجب على الجميع أن يحذروا ويحذَّروا عن كل منكرٍ ، وكلِّ بدعدةٍ . والله الموفق ، والهادي إلى الصوات ، وإليه المرجع والمآب .(1/222)
وبعد ما ذكرنا أشياء من أحكام الزواج فإتماماً لفائدة يناسب أن نذكر مسألة تعدد الزوجات وجواز الطلاق .
( تَعَدُّدُ الزَّوْجات )
الله تعالى حكيم وعليم بمصالح عباده ، قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) .(174)
فمن محاسن دينِ الإسلام وأحكامه الحكيمة ، يجوز للمسلم أن يتزوج بأربع بدون زيادة . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : أسلم غيلان الثقفي ، وتحته عشر نسوة ، في الجاهلية ، فأسلمن معه . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم : أن يختار منهن أربعاً . رواه أحمد والترمزي ، والنسائي ، وابن ماجة والبيهقي . وحديث غيلان لا يخلو من مقال ولكنه يتقوى بشواهده .
عن قيس بن الحارث قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له . فقال : (( أختر منهن أربعاً )) . رواه أبو داود ، وابن ماجة .
وفي مسند الشافعي ، من حديث نوفل بن معاوية الديلي ، قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى )) .
وروي البيهقي ، وابن أبي شيبة ، من طريق الحكم بن عتيبة أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من اثنتين ، فمفهومه أن الحر له أن ينكح أربعاً .
وقال ابن كثير في تفسيره : قال الشافعي ، وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبيِّنةِ عن الله ، أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ، وهذا الذي قاله الشافعي ، مجمع عليه بين العلماء ، إلا ما حكى عن طائفة من الشيعة ، أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع اهـ .
( مَحاسِنُ الشَّرِيْعَةِ الإسْلامِيَّة )(1/223)
محاسن الشريعة الإسلامية ، وأحكامُها الحكيمة ، لا تحصى كثرة وكلها في صالح البشرية ، وخاصةً المسلمين . فمنها جوازُ الطلاق ، فإذا لم يحصل وفاقٌ ، وانسجام وتكدرت المياه وتعكر الجو وساءت العشرة بين الزوجين ، فالطلاق جائز والحمد لله رب العالمين .
وإذا عرف الرجل من نفسه أنه يعدل بين زوجاته ، ويقوم بما يجب لهن ، جاز تعدد الزوجات ، لما في ذلك من المصلحة للرجال والنساءٍ ، وللفرد والمجتمع ، مصلحةٍ خاصة ، ومصلحةٍ عامة . وجوازُ تعدد الزوجات حكم من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم ( وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُون ) .
فتعدد الزوجات عند بعض الناس له حاجة ماسة وضرورة ملحة ، فحيث أن شريعة الإسلام شريعة خالدة ، وشريعة شرعها حكيم ، وعليم بمصالح عباده ، فلابد أن يكون في نصوصها التوسعة ، وعدم الحجر والتضييق ، وقد قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ ) .
( الْحِكَمُ الْحَكِيْمَةُ )
الحِكَمُ التي من أجلها أباحَ الله تعددَ الزوجات كثيرة ليس بالإمكان حصرها .
منها : أن كثرةَ الذرية ، وتعددَ الأولاد وكثرة الأمةِ الإسلامية مطلوبٌ ذلك شرعاً ، ومن أسباب ذلك تعدد الزوجات ، وحينئذٍ يكون تعدد الزوجات أقل أحواله الجواز.
و منها : أن المرأة بطبيعة الحال يعتريها الحيض كل شهر ، ويعتريها النفاس ، وقد يكون زوجها في عنفوان شبابه . فقرانه بزوجة أخرى لا مانع منه ، خوفاً من الشذوذ الجنسي الذي به فساد الفرد والمجتمع ، وبه المحن والبلايا والرزايا .
ومنها : إذا مرضت الزوجة مرضاً مزمناً مستعصياً ، وهذا يقع كثيراً . وإذا حصل ذلك أو ما يماثله لحق الزوج الضَّناءُ والعناءُ وضاع البيتً وتعطلت منافعه ، فأصبح الزوج مدفوعاً ومضطراً لزوجة أخرى . وحينئذٍ يجد شريعةً سمحةً تبيح له ذلك ، شريعة ليس فيها أغلال ولا آصار ، ولا ضيق ولا حرج ، شريعة الخير والسعادة .(1/224)
ومنها : أن تكون الزوجة شاذةً في طبعها ، لا ميول لها ، ولا رغبة عندها في الملامسة الجنسية ، فكون زوجها يتزوج بأخرى ، خير لها من طلاقها .
ومنها : زوج تزوج زوجة ، فأصبحت عقيماً . فهل من المستحسن ، ومن المصلحة أن يبقى محروماً من البنين والبنات ، الذين هم نعمة من الله ، وقرة عين . وهل من المستحسن أن يطلق زوجته العقيم التي تسرب إليها شيء من الهموم والأحزان ، ثم بعد طلاقها تبقى أيماً مدى الدهر . لاشك بأنه خير لها أن تبقى مع زوجها ، ولو تزوج بأخرى .
ومنها : ما وقع ويقع من الحروب التي تحصد الرجال . وحينئذٍ تبقى النساء لا عائل لهن ، وتتعطل كثير من المصانع والمتاجر والأعمال ، وعليه فلابد من تعويض ولابد من بديل ، والبديل لا يوجد إلا من الله ، ثم من تعدد الزوجات .
ومنها : متا جرت به العادة ، فقد تكون المرأة كبيرةً السن ، أو ثيباً ، أو دميمةً ، أو فيها شيء من العيوب ومن هذه صفتها لا يرغب فيها غالباً إلا من معه زوجة غيرها .
وبما ذكرناه يتضح بأن تعدد الزوجات ، وكون الذكر في الميراث يأخذ ضعفى المرأة ، كل ذلك من محاسن شريعة الإسلام . وإن رغمت أنوف أعداء الإسلام من المستشرقين ، والزنادقة والملحدين الذين يعيبون الإسلام بذلك . فكون الذكر في الإرث يأخذ سهمين والأنثى سهماً . وجواز الطلاق ، وتعدد الزوجات كل ذلك في غاية من الحكمة الآلهية ، ولا اعتراض على الله في أحكامه وقضائه .
ومما كتبه الشيخ على الطوبجي الأسيوطي في نسخة لطيفة أسماها حكم الشريعة في تعدد الزوجات ، قال في صفحة 10 وكتب الشيخ رشيد رضا : طالما انتقد الأوربيون على الإسلام نفسه مشروعية الطلاق ، وتعدد الزوجات ، وإنما جاء هذا من ضروريات الاجتماع كما بيَّنا ذلك غير مرة . فقد ظهر لهم تأويل ذلك في الطلاق فشرعوه وأن لم يشرعه لهم كتابهم الإنجيل إلا لعلة الزنا .(1/225)
وأما تعدد الزوجات ، فقد تعرض الضرورة له فيكون في مصلحة النساء أنفسهن ، كأن تغتال الحرب كثيراً من الرجال ، فيكثر من لا كافل له من النساء ، فيكون الخير لهن أن يكن ضرائر ، ولا يكن فواجر يأكلن بأغراضهن أنفسهن لمصائب يرزحن تحت أثقالها . وقد أنشأ القوم يعرفون وجه الحاجة ، بل الضرورة إلى تعدد الزوجات , كما عرفوا وجه ذلك في الطلاق .
وقام غير واحدة من نساء الانكليز الكاتبات يطالبن ف الجرائد بإباحة تعدد الزوجات ، رحمة بالعاملات الفقيرات ، وبالبغايا المضطربات كتبت إنكليزية في جريدة ، تروت مستحسنة رأي العالم تومس ، في أنه لا علاج لتقليل البنات الشاردات ، إلا تعدد الزوجات .
وكتبت انكليزية في سنة 1901 قالت في جريدة ( لاغوص ) : لقد كثرت الشاردات من بناتنا ، وعم البلاء ، وقل الباحثون عن أسباب ذلك . وإذا كنت امرأة ترانى أنظر إلى هاتيك البنات ، وقلبي يتقطع شفقةً عليهن وحزناً . وماذا عسى يفيدهن بثى وحزني وتوجعي وتفجعي ، وإن شاركني فيه النساء جميعاً ، ولا فائدة إلا بالعمل بما يمنع هذه الحالة السيئة . ولله در العالم الفاضل تومس ، فله رأي أبداه ، ووصف الدواء الكافل للشفاء ، وهو الإباح للرجل بالعقد على أكثر من واحدة . وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة ، وتصبح بناتنا رباب بيوت .
فالبلاء كل البلاء لا محالة في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بواحدة . فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد ، وقذف بهن على التماس أعمال الرجال . ولابد من تفاقم الشر للعالم إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة ، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني . فلو كان التعدد مباحاً لما لحق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب الهون ، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن .(1/226)
فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدار ، ألم تروا أن حال خلقتها تنادى بأن عليها ما ليس على الرجل ، وعليه ما ليس عليها . وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين .
ونشرت الكاتبة الشهيرة مس إيلي رود ، مقالةً مفيدة في جريدة ( الغسترن ميل ) في العدد الصادر منها سنة1901 نقتطف منه الآتي :
لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم ، أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنتُ ملوثةً بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد .
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمةُ ن والعفاف ، والطهارة ، وحتى الخادمة ، والرقيق ، يتنعمان بأرغد عيش ، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء . نعم إنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال .
فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها . وليس تعدد الزوجات ضاراً ما دام في النفوس الخلقُ في كل من الزوجين . فلو تربَّتِ النفوسُ على تعاليم الإسلام لقل الشر اهـ .
فلتعتبر بناتنا بما قالته هؤلاء الكاتبات من نساء الإنكليز ، وليس من جرب كمن لم يجرب . فمخالطة المرأة الرجالً في ذلك الشرور ، والفتن ، والمحن ، والكوارث ، والمصائب ، والرزايا ، والبلايا ، في ذلك فساد الفرد ، والمجتمع .
سواء كان الإختلاط في دائرة حكوميةٍ ، أو مدرسةٍ ، أو متجرٍ أو مصنع . كل ذلك حرام لا يجوز ، والحق شهدت به الأعداء ، وسعيد من وعظ بغيره ، وشقى من وعظ به غيره .
أما من خصوص تعدد الزوجات ، فجوازة من محاسن شريعة الإسلام ، وإن عاب ذك البعض من زنادقة النصارى ، فالسحاب لا يضره نباح الكلاب ، وكذلك جواز الطلاق حتى لا تبقى الزوجةُ غِلاً في رقبة زوجها ، ولا يبقى الزوجُ غلاً في رقبة زوجته ، إذا ما حصل بينهما انسجام .(1/227)
وعلى حسب ما جاء في الأخبار أن جواز الطلاق ، وجواز تعدد الزوجات جائز في جميع الشرائع والديانات إلا أن بعض طوائف من النصارى بعدما بدلوا وغيروا الإنجيل حرموا تعدد الزوجات ، وحرموا الطلاق .
وكذا من محاسن دين الإسلام ، يفضل الذكر على الأنثى في مسألة الإرث ، لأن الذكر عليه واجبات ، والتزامات أكثر من الأنثى بكثير . نبهنا على هذه المسائل الثلاث ، لأن البعض من الزنادقة ، والملاحدة يعيبون الإسلام بها ، وهم المعيبون ، وكل العيب بهم .
أما أحكام الشريعة الإسلامية ، فهي أحكام حكيمة ، هي في صالح الفرد والمجتمع ، وفي صالح البشرية جمعاء .
وهذا هو آخر ما يسره الله وأعان عليه ، والهدف والمقصود من الكتابة في المواضيع المتقدمة ، نصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين وعامتهم . فما كان فيه من حق وصواب فالله تعالى هو المتفضل به والموفق له . وما كان فيه من خطأ فمنى وأستفغر الله العظيم . وكل إنسان يخطئ وينسى ، فالعصمة لرسول الله الكرام ، والكمال لله جل شأنه ، والنقص والعيب في بنى آدم موجود ، والتسامح من أخلاق الكرام ، والعيب من عادة اللئام . وقد أجاد من قال :
وإن تجد عيباًً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا
وأسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعل جميع أقوالي وأعمالي خالصةً لوجهه الكريم ، لا رياء فيها ولا سمعة . وأساله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب من قرأه أو سمعه . كما أساله جل شأنه أن يغفر لي ولوالدي ووالديهما ، ولمشائخى وأخواني ، ولجميع المسلمين والمسلمات . إنه تعالى مغيث اللهفات ، ومجيب الدعوات . لا إله غيره ولا رب سواه . والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
(1) سورة الأحزاب آية 33
(2) سورة الأحزاب آية 53
(3) سورة الأحزاب آية 59
(4) الحديث : رواه مسلم , من حديث جرير بن عبد الله
(5) سورة :الأنعام آية 116
(6) سورة : يوسف آية 103(1/228)
(7) سورة : الزخرف آية 78
(8) سورة االإسراء : آية 89
(9) سورة الفرقان : آية 50
(10) سورة سبحان : آية 99
(11) سورة الأعراف : آية 102
(12) سورة القصص : آية 50
(13) سورة الفرقان : آية 43
(14) تنبيه : ليس كل شرطي مذموماً , إنما المراد بعض الشرط الذين يضربون الناس ظلماً وعدواناً , يضربونهم بغير حق , فهؤلاء ظلمة أعوان للظلمة
(15) سورة القلم : آية 4
(16) سورة الأحزاب : آية 59
(17) رسالة التبرج ص185وص186و ص 187 و ص188 و ص 189 للسيدة نعمت صدقي أثابنا الله وإياها ثواب المحسنين والناصحين.
(18) سورة الأحزاب : آية 59
(19) سورة الأحزاب :آية32
(20) سورة الأحزاب : آية 59
(21) هذه الكاتبة .هليسيان أفادت ونصحت كل مسلم ومسلمة . وحيث أنها كافرة , ولا تعرف الإسلام , ولا شيئاً من محاسن الإسلام , قالت إن القيود التي يفرضها المجتمع العربي على الفتاة , والذي ينبغي أن يقال إن القيود التي يفرضها الإسلام , فالمجتمعات العربية وغير العربية ليس لها من الأمر شيء إنما الأحكام , والتحليل , والتحريم , مرجعه ومصدره إلى كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(22) سورة الأحراب : آية 33
(23) المغيبة هي التي غاب عنها زوجها .
(24) سورة النور:آية 19
(25) سورة البقرة آية 12
(26) سورة فاطر : آية 43
(27) وأمر الله هو الريح التي تأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة , وذلك قرب قيام الساعة , كما صح بذلك الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
(28) سورة الروم :آية47
(29) سورة محمد : آية 7
(30) سورة النساء : آية 19
(31) سورة البقرة:آية 231
(32) سورة البقرة: آية 232
(33) سورة البقرة:آية 229
(34) سورة البقرة : آية 228
(35) سورة المؤمن : آية 40
(36) سورة : آية التوبة: آية71
(37) سورة الفتح :آية 5
(38) سورة غافر: آية 40.
(39) سورة النور : آية 4.
(40) سورة النور: آية 30.
(41) سورة النحل : آية 98.
(42) سورة النور : آية 23(1/229)
(43) سورة النساء : آية 21.
(44) سورة الأحزاب : آية 58.
(45) سورة الأحزاب :آية 35
(46) سورة التوبة : آية 72
(47) هذا النقد من الصابوني موجه إلى الشيخ الألباني حيث قال الحجاب لا يجب إلا على أمهات المؤمنين.
(48) محمد بن علي الصابوني جزء2ص171 . وقد أجاد أصابوني . في رده على الألباني .هذا الرد الاذع . غير أنه لم يصرح باسمه.
(49) المرأة المسلمة للشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني .ص208.
(50) تفسير آيات الأحكام محمد الصابوني جزء2 ص157
(51) غاية المنتهى . في الجمع بين الإقناع والمنتهى . مرعي بن يوسف جلد 3 ص6.
(52) عباس محمود العقاد في كتابه (المرأة في القرآن ) صفحة 87.
(53) سورة النور :آية30
(54) سورةالنور:آية 31.
(55) أنظر المرأة في القرآن للعقاد.
(56) المرأة ص 185 وهبي سليمان غاوجي.
(57) أنظر مؤامرة ضد المرأة المسلمة . للأستاذ عطية خميس.
(58) هذا ما قاله وهبي سليمان غاوجي الألباني في كتابه : ( المرأة المسلمة). ص188و 189 و190 و191.
(59) سورة التوبة :آية65.
(60) حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة : لشيخ الإسلام ابن تيمية .ص6.
(61) التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله . للشيخ عبد العزيز بن باز ص 5.
(62) الحجاب : ص 300 لأبي الأعلىالمودودي . رحمنا الله وإياه.
(63) كتاب تفسير آيات الحجاب لأبي الأعلى المودودي ص 4.
(64) الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف .ص19: للجزائري.
(65) جلد 4 جزء 6 ص80 طبع بمطبعة مصطفى الحلبي عام 1347 هـ .
(66) رسالة الخليج في منع الإختلاط وما ينجم عنه من مساوي الأخلاق .ص 24.
(67) أضواء البيان . في إيضاح القرآن بالقرآن . المجلد السادس ص 584.
(68) رسالة الحجاب . ص 3.
(69) المرأة المسلمة . الطبعة الأولى 1395هـ وهبي سليمان الألباني.
(70) سورة الأحزاب : آية 59.(1/230)
(71) تفسير آيات الأحكام , محمد الصابوني , المجلد الثاني سورة ص 171 , وفي سورة الأحزاب , ص 384 .
(72) حبل الشرع المتين وعروة الدين المبين و ص232 .
(73) المجلد العاشر جزء أول ص 92 .
(74) سورة الأحزاب : آية 59
(75) أحكام القرآن , محمد الطبري المعروف بالكيا الهراس , المتوفي 504 هـ الجزء الرابع ص 354 .
(76) أحكام القرآن : لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي , المجلد الثالث ص 1574 .
(77) مطالب أولي النهى , في شرح غاية المنتهى , المجلد الخامس ص 18 للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني , الفقيه الحنبلي .
(78) كفاية الأخيار , مجلد 2 ص 75 .
(79) سورة الأحزاب : آية 59 .
(80) تفسير القرطبي : مجلد 14 , ص 243 .
(81) تفسير أبي السعود : مجلد 4 ص 433 .
(82) تفسير الشوكاني : مجلد 4 ص 304 .
(83) تفسير النسفي : مجلد 3 ص 313
(84) تفسير البغوي : مجلد 6 ص 612 .
(85) تفسير البيضاوي : مجلد كبير ص 357 .
(86) تفسير الخازن : مجلد 5 ص 276 .
(87) تفسير ابن السعدي : مجلد خامس , جزء سادس ص 122 , المطبعة السلفية .
(88) زاد المسير : مجلد 6 ص 422 .
(89) تفسير الشنقيطي : الجزء السادس ص 586 مطبعة على صبح المدني .
(90) تفسير ابن كثير مجلد 3 ص 518 , مطبعة مصطفى محمد , عام 1356 هـ .
(91) تفسير ابن حيان : مجلد 7 ص 249 .
(92) تفسير ابن جرير .
(93) أحكام القرآن للجصاص : مجلد 3 ص 458 .
(94) تفسير الجلالين : ص 113 .
(95) سورة الأحزاب : آية 33
(96) تفسير آيات الأحكام محمد الصابوني جزء2 ص 204 .
(97) سورة النور : آية 60 .
(98) أضواء البيان : المجلد السادس , ص 591 .
(99) ص 208 .
(100) سورة النور : آية 31 .
(101) تفسير ابن كثير : المجلد الثالث ص 283 .
(102) تفسير القرطبي : مجلد 12 ص 229 .
(103) تفسير الشوكاني : مجلد 4 ص 23 .
(104) تفسير الشنقيطي : أضواء البيان المجلد السادس ص 197 .
(105) الكشاف : مجلد 3 ص 230 .(1/231)
(106) تفسير آيات الحجاب , لأبي الأعلى المودودي ,ص 40 .
(107) نيل المرام : تفسير آيات الأحكام , محمد صديق حسن خان ص 298 .
(تنبيه ) أقوال علماء التفسير التي تقدمت , كلها صريحة بأن وجوب الحجاب ليس خاصاً بأمهات المؤمنين بل هو عام لجميع المسلمات , في كل زمان وكل مكان , ومن قال : إن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد سلك بُنيَّاتِ الطريق , وشط به المزار وتباعد عن طريق الحق والصواب .
(108) بذل المجهود في حل أبي داود , الجزء السادس عشر , ص 439 .
(109) سورة الأحزاب : آية 59 , وقيل آية الحجاب آية 53 من سورة الأحزاب .
(110) حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة ص 17 .
(111) قال ابن الأثير في النهاية : الجزع بالفتح الخرز اليماني الواحدة جَزَعَة , وقال في المباح المنير : والجزع بالفتح خرز فيه بياض وسواد الواحدة جزعة اهـ . وقوله أظفار نسبة لبلد باليمن قرب صنعاء , ذكر ذلك في القاموس .
(112) الموطء لمالك : الجزء الأول ص 140 , صحيح الحاكم جلد أول ص 454 .
(113) مختصر صحيح مسلم للمنذري , جزء 2 ص 118
والحلة السيراء نوع من البرود , والمانع من لبسها للرجال لما فيها من الحرير .
(114) أي حمقاء لئيمة , وقد قال كثير من العلماء : إن الأمة إذا كان فيها جمال , وجب أ تحتجب لوجود الفتنة .
(115) ابن تيمية حجاب المرأة المسلمة ,ص 17 .
(116) قوله : يا لَكَاع أي حمقاء لئيمة .
(117) أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي , تالايخ مكة , الطبعة الرابعة ص 350 , الجزء الأول
(118) الطبعة الرابعة : ص14 الجزء الثاني .
(119) أحكام القرآن , لمحمد بن عبد الله , المعروف بان العربي المالكي , مجلد 3 ص 1361, الطبعة الثانية .
(120) المراد بأم المؤمنين هي عائشة رضي الله عنها .
(121) تفسير آيات الحجاب ص 27 , لأبي الأعلى المودودي .
(122) سورة النساء : آية 59 .
(123) أضواء البيان , مجلد 6 ص 198 .(1/232)
(124) خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال , ص 116 , الطبعة الأولى عام 1333 .
(125) تقريب التهذيب , مجلد أول ص 292 .
(126) سورة النور : آية 70 .
(127) آية الحجاب نزلت في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ,وقال البيهقي في السنن الكبرى , وغزوة بني قريظة كانت عقيب الخندق سنة خمس , فنزول الحجاب كان بعده , المجلد السابع ص 93 .
(128) سورة الممتحنة : آية 1 .
(129) سورة المائدة : آية 51 .
(130) سورة التوبة : آية 23 .
(131) سورة ألنبياء : آية 23 .
(132) كتاب الإختبارات ص 28 .
(133) المغني للشيخ ابن قدامة , المجلد الأول ص 407 من مطبوعات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن , مطبعة المنار بمصر عام 1346 هـ .
(134) سورة البقرة : آية 222 .
(135) والدنيار هو الدنيار الإسلامي , ومقداره على سبيل التقريب أربعة أسباع جنيه سعودي , فمن وطء في الحيض فعليه أن يتصدق بهذا المقدار أو بقيمةته من الوَرقِ , أي الفضة , أو من الوَرقِ المتعامل به .
(136) سورة الطلاق : آية 4 .
(137) سورة النساء : آية 45 .
(138) سورة الشعراء : آية 133 .
(139) سورة المدثر : آية 13 .
(140) سورة الطلاق : آية 4 .
(141) سورة البقرة : آية 234 .
(142) سورة البقرة : آية 228 .
(143) سورة الطلاق : آية 4 .
(144) سورة البقرة : آية 229 .
(145) سورة البقرة : آية 237 .
(146) سورة البقرة : آية 236 .
(147) سورة الأحزاب : آية 49 .
(148) سورة البقرة : آية 234 .
(149) سورة الفرقان : آية 74 .
(150) سورة الرعد : آية 38 .
(151) سورة النحل : آية 72 .
(152) سورة الروم : آية 21 .
(153) البداية والنهاية لابن كثير مجلد 6 ص 100 .
(154) سورة الفرقان : آية 67 .
(155) سورة الأعراف : آية 31 .
(156) إغاثة اللهفان مجلد أول ص 228 .
(157) الإغاثة مجلد أول ص 224 .
(158) الإغاثة ........ ص 230 .
(159) إغاثة اللهفان مجلد أول ص 237 .
(160) سورة لقمان : آية 6 .(1/233)
(161) سورة الإسراء : آية 81 .
(162) الإغاثة مجلد أول ص 243 .
(163) السنن الكبرى للبيهقي مجلد عاشر ص 224 .
(164) الإغاثة مجلد أول ص 243 .
(165) سورة الفرقان : آية 72 .
(166) سورة النجم : آية 61 .
(167) إغاثة اللهفان , مجلد 1 ص 257 .
(168) السنن لبيهقي , مجلد 10ص 223
(169) السنن للبيهقي , مجلد 10 ص 222
(170) تبرئة العادل ص 17 .
(171) إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية ,مجلد 1 ص 247
(172) نيل الأوطار , مجلد 3 جزء 6 ص 160 .
(173) سنن البيهقي , مجلد7ص290
(174) سورة النساء : آية 3 .
??
??
??
??
يا فتاة الإسلام اقرأي حتى لا تُخدعي تأليف الشيخ : صالح بن إبراهيم البليهي
10(1/234)