وقد استدل ابن حجر بحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - ـ أن النبي × سأله رجل فقال : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال : (( افعل ولا حرج )). استدل به على وجوب اتباع أفعال النبي × ، لكون الذين خالفوه لما علموا سألوه عن حكم ذلك . (فتح الباري 3/669) .
وقفات مع كتاب (افعل ولا حرج )
تقديم /
معالي الشيخ / صالح بن فوزن الفوزان ... ... فضيلة الشيخ / عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
فضيلة الشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن السعد
تأليف /
فهد بن سعد أبا حسين
Fahad_a@islamway.net
وبذيله مقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في التيسير في الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد : فقد قرأت هذا الرد المسمى : ( كيف نفهم التيسير . وقفات مع كتاب : افعل ولا حرج ) تأليف الشيخ : فهد بن سعد أبا حسين . وهو رد على ما كتبه الشيخ سلمان بن فهد العودة بعنوان : ( افعل ولا حرج ) يريد به التيسير على الحجاج ولو حصل إخلال بمناسك الحج . مع أن التيسير فيما شرعه الله وبينه رسول الله لا باتباع الأقوال المخالفة لهدي الكتاب والسنة فجاء الرد المذكور وافيا ببيان الحق . والمؤمل من الشيخ سلمان أن يرجع إلى الصواب لأن قصده ـ إن شاء الله ـ إصابة الحق . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد :(1/1)
فقد قرأت هذا البحث الموسوم بـ ( كيف نفهم التيسير : وقفات مع كتاب افعل ولا حرج ) لفضيلة الشيخ : فهد بن سعد أبا حسين فألفيته بحثا قيما افتتح المؤلف هذا البحث بمقدمة بين فيها أن القلب لا يستقيم على الحق حتى يعظم الأمر والنهي ، وأن مناسك الحج من شعائر الله وتعظيمها من تقوى القلوب ، وأن علامة التعظيم للأوامر رعاية الأوقات والحدود والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحينها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها ونقل في هذا المعنى نقولا عن العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، وفضيلة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمهم الله تعالى ، ثم ناقش المؤلف طريقة الكتاب في تربية الناس في التعامل مع الحكم الشرعي .
ثم ناقش الشيخ عبدالله بن بيه في تقديمه للكتاب وأنه يورد كلام العلماء في غير ما أرادوه ، ووقف معه عدة وقفات .
ثم ناقش المؤلف الشيخ الدكتور سلمان العودة ووقف معه عدة وقفات :
منها أن النبي × يربي أصحابه على الأخذ بكلامه ويحض الناس على إتباعه في أحكام الحج وغيرها ويزرع في قلوب أصحابه تعظيم النصوص الشرعية .
ومنها أن الكتاب لا يوجد فيه ضوابط ، وفتح الباب في افعل ولا حرج يؤدي إلى انفلات الناس في أحكام الحج ، والنبي × ضبط الأمور فقال : خذوا عني مناسككم .
ومنها أن التحدث عن أحكام الشريعة فيما يحبه الناس ويشتهونه وتميل إليه أهواؤهم دون طرح المسائل الثقيلة على نفوسهم يؤدي إلى عدم التوازن وعدم الخروج بالروحانية والمقاصد الشرعية للحج بالوضع المطلوب ، فالوسطية مطلوبة ، والوسطية هي إتباع الكتاب والسنة .
ومنها أن النصوص الكثيرة جاءت في التحذير من التشديد فالتشديد لابد من إنكاره كما أن التيسير المصادم للشرع لابد من إنكاره .
ومنها أن المفتي ينبغي له أن ينظر إلى نجاة نفسه قبل أن يفتي للناس فإن الفتوى توقيع عن رب العالمين .(1/2)
ومنها أن المؤلف ربط بين الانهماك في ظاهر العبادة وبين الانقطاع عن روح العبادة ولبها .
ومنها أن من الخطأ الاهتمام بفقه المقصد دون الاهتمام بفقه العمل في المناسك .
ومنها : مناقشة المؤلف في قوله : وهكذا ينبغي أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه أو في جنس ما أفتى به النبي × : افعل ولا حرج بقوله : ولست أدري لماذا حكم المؤلف هذا النص على بقية النصوص ، ومن سبق المؤلف بهذا القول .
ومنها : مناقشة المؤلف في جواز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس وأن الوقوف بعرفة إلى الغروب واجب عند جماهير العلماء ، وركن عند بعضهم .
ومنها : مناقشة المؤلف في قوله : ( فما بال أقوام يغارون على فرعيات جرى الخلف فيها ) يعني رمي الجمار ، بأن هذا غيرة على شعيرة من شعائر الله وهي الرمي فهذا من تعظيمها .
ومنها مناقشة المؤلف في عيبه على الفقهاء الافتراضيات المقدرة بأن الفقهاء يذكرونها من أجل تنمية الملكة الفقهية حتى تنزل على المستجدات وتربي ذهن الطالب على المسائل الفقهية فيضبط الأمور ، لا أن يفتي في الوقائع المستجدة بغير ضوابط .
ومنها مناقشة الدكتور في جواز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال ، ونقل الشيخ فهد لكلام العلماء وترجيحه لمنع الرمي قبل الزوال ، وأطال في ذلك لأهمية البحث .
وهكذا ناقش الشيخ فهد الشيخ سلمان والقصد من ذلك الوصول إلى الحق ، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض كما قال الإمام مالك رحمه الله : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله × ، ولقد أجاد الشيخ فهد وأفاد في هذا الحوار العلمي مع الشيخ الدكتور سلمان ، فينبغي للدكتور سلمان تأمل هذه الوقفات والأخذ بأحسنها كما قال الله تعالى : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وألئك هم أولوا الألباب ) .(1/3)
أسأل الله للجميع التوفيق والسداد وصلاح النية والعمل ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، كما أسأله سبحانه أن يثبتنا على دينه القويم إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين .
كتبه
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقاً يقيناً، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً جسيماً، وذخر لمن وافاه به ثواباً جزيلاً، وفوزاً عظيماً، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراه وأسبابه، فرضاً أكيدا.
فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه، ولأنبيائه ورسله وملائكة قُدْسه، فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون، (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) [آل عمران: 83]، فلا يقبل من أحد ديناً سواه من الأولين والآخرين، (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران: 85].
وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قيلا، (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلا) [النساء: 125](1).
__________
(1) مستفاد من مقدمة هداية الحيارى (ص3).(1/4)
وكان من مقاصد شرعه وأصول دينه العظام: رفع الحرج عن العباد، والتيسير ودفع المشاق، ووضع الآصار والأغلال التي كانت على الأمم في سالف الأزمان، (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) [الأعراف: 157]، وكان من دعاء رسوله عليه أتم صلاة وأكمل سلام: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) [البقرة: 286]، وجاء في صحيح مسلم بن الحجاج (126) أن الله تعالى قال: (قد فعلت)، فله جل في علاه عظيم الحمد والثناء، ووافر الإحسان والجزاء.
والنصوص في هذا متظافرة، والأدلة فيه متكاثرة، حتى قال أبو إسحاق الشاطبي: «الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع»(1).
ولو ابتغينا تتبعها لطال بنا المقام، ولكن في الإشارة غنية عن العبارة.
قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة: 185]، وقال: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) [النساء: 28]، وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78]، وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286].
وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مواضع عديدة، ومواقف مختلفة، قولية وفعلية، تدل على هذا الأصل العظيم.
فجاء في صحيح مسلم (1478) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً).
وأخرج الشيخان: البخاري (3038)، ومسلم (1733)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا).
وأخرج البخاري (39) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).
__________
(1) الموافقات (1/340) ط.دراز.(1/5)
وأخرج الشيخان: البخاري (3560)، ومسلم (2327) من طريق الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: «ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً؛ كان أبعد الناس منه».
فهذا المقصد الشرعي العظيم، هو من سمات الشريعة المحمدية، ومن محاسن الحنيفية السمحة، بيد أن ذلك لا يسوّغ التساهل في أحكام الشريعة، وإسقاط التكاليف عن المكلفين، وتتبع الرخص، وإشاعتها بين العوام، والفتيا بشاذ الأقوال، ومستغرب الآراء، وغريب الكلام.
وإنما يكون تحقيق هذا المقصد باتباع الكتاب والسنة في هذا، وبذلك يحصل التيسير، ويرتفع الحرج، وتندفع المشقة بين الناس؛ كما يقول تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)(1)
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح معلقاً، وأخرجه أحمد (1/236)، والبخاري في الأدب المفرد (287) وعبد بن حميد (569)، والطبراني في الكبير (11/227) من طريق: محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، وفي رواية داود عن عكرمة مقال. وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (1/94).
وقال في تغليق التعليق (2/41-42): «ولم أره من حديثه إلا معنعناً، وله شاهد من مرسل صحيح الإسناد عند ابن سعد في الطبقات (3/395) من طريق: عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن معاوية بن عياش الجرمي عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون فذكره في قصة.
وله شاهد آخر صحيح مرسل أيضاً، من طريق عبد الرزاق عن معمر (في جامعه الذي طبع ملحقاً بالمصنف 11/194) عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به». اهـ كلام الحافظ بتصرف يسير.
قلت: وأخرج أحمد (6/116) عن سليمان بن داود عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة). وسليمان بن داود أظنه الهاشمي، وذهب محققوا المسند، وعامر حسن صبري في (شيوخ الإمام أحمد) إلى أنه: الطيالسي؛ وكلاهما يروي عن عبدالرحمن بن أبي الزناد.
وإذا كان الهاشمي فقد استثنى علي بن المديني حديثه عنه، حيث قال عن عبدالرحمن بن أبي الزناد: «ما حدث بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد، أفسده البغداديون». وقال: «حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب». وقال: «وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة». وقد ذكرت التفصيل في حديثه في شرح الترمذي قديماً، وينظر: التنكيل للمعلمي فقد أطال في تقسيم حديثه.
وهذا الحديث من هذا الطريق، أظن أن أصله ما جاء في الصحيحين: البخاري (في مواضع أولها: 454)، ومسلم (892) من طريق هشام بن عروة والزهري ومحمد بن عبدالرحمن؛ كلهم عن عروة، عن عائشة في قصة الجاريتين اللتين عند عائشة، تغنيان يوم العيد، وفيه: (دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد)، وفي رواية: (إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)، وفي بعض ألفاظه: قصة لعب الحبشة. وما في الصحيحين أصح. والله أعلم.
وكذا أخرج أحمد (5/266) ثنا أبو المغيرة ثنا معان بن رفاعة حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة -وفيه قصة- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة). ولا يصح؛ معان متكلم فيه، وعلي بن يزيد لا يحتج به.
وأخرج ابن سعد في الطبقات أيضاً (1/192) عن محمد بن عبيد عن برد الحريري عن حبيب بن أبي ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (بعثت بالحنيفية السمحة). وهذا إسناد صالح، ولكنه مرسل، وبرد ليس بالمشهور.
فبمجموع هذه الطرق يتقوى الخبر ويثبت، والله أعلم.(1/6)
.
وقد بوّب الإمام البخاري على ذلك فقال: كتاب الإيمان، باب الدين يسر.
قال أبو عبدالله ابن القيم: «فهي حنيفية في التوحيد وعدم الشرك، سمحة في العمل وعدم الآصار والأغلال بتحريم الطيبات والحلال، فيُعبد سبحانه بما أحبه، ويستعان على عبادته بما أحله»(1).
وقال أبو إسحاق الشاطبي: «وقد سمى هذا الدين الحنيفية السمحة؛ لما فيها من التسهيل والتيسير»(2).
وقال أبو محمد ابن حزم -في كلامٍ نفيسٍ له-: «كل أمر من الله تعالى لنا فهو يسر، وهو رفع الحرج، وهو التخفيف، ولا يسر ولا تخفيف ولا رفع حرج أعظم من: شيءٍ أدى إلى الجنة ونجّى من جهنم، وسواءً كان حظراً أو إباحة، ولو أنه قتل الأنفس والأبناء والآباء»(3).
وقال عبدالرحمن بن سعدي في التفسير: «فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح، ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحساناً، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل».
وعند استقراء جملة من نصوص الشريعة، وتقليب النظر وإمعان الفكر فيها، نعلم خطأ بعض الفضلاء في كيفية تطبيق هذا المقصد العظيم، على الأحكام الشرعية.
فقد أخرج الإمام مسلم (653) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له، فيصلي في بيته. فرخص له، فلما ولّى دعاه، فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) فقال: نعم. قال: (فأجب).
وفي رواية(4): إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يُلائمني.
__________
(1) ينظر: شفاء العليل (ص303) ط.الحسينية بمصر، بتصرف يسير.
(2) الموافقات (1/341) ط: دراز.
(3) الإحكام (2/176).
(4) عند أبي داود (552)، وابن ماجه (792)، وأحمد (3/423)؛ من طريق: عاصم بن بهدلة عن أبي رزين عن ابن أم مكتوم به.(1/7)
وفي رواية(1): إن المدينة كثيرة الهوام والسباع.
وفي رواية(2): إن بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائدٍ كل ساعة.
قلت: ومع كل ما قدمه هذا الضرير من الأعذار، لم يرخص له النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيءٍ من ذلك.
وأيضاً أخرج الشيخان: البخاري (5205، 5934)، ومسلم (2123)؛ كلاهما من طريق: الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمعّط شعرها فأرادوا أن يصِلوها فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة)(3).
... وهنا أيضاً لم يجوّز عليه الصلاة والسلام وصل الشعر لهذه الفتاة مع حداثة عهدها بعرس، وحاجتها لتزيّنها لزوجها.
... وأخرج الشيخان: البخاري (5336)، ومسلم (1488)؛ كلاهما من طريق: حميد بن نافع عن زينب عن أمها أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا) مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: (لا)، ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول).
... فهذا رسول الرحمة واليسر والهدى عليه الصلاة والسلام يمنع المحتدة من الاكتحال؛ لأنه من الزينة، مع أن استخدامه هنا ليس بغرض الزينة، بل بغرض التداوي، ولم يكن ذلك شافعاً لإباحته بحجة التيسير على المرأة.
__________
(1) عند أبي داود (553) من طريق: عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم به؛ وفي كلا الطريقين انقطاع مابين أبي رزين، وبن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم، وعاصم فيه مقال.
(2) عند أحمد (3/423)؛ من طريق: عبدالله بن شداد بن الهاد عن ابن أم مكتوم به؛ وهذا منقطع أيضاً.
(3) هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: (فاشتكت فتساقط شعرها).(1/8)
... قلت: فهذه الوقائع الثلاثة -وقد اخترتها على سبيل التمثيل كما تقدم- ربما لو عرضت على بعض الفضلاء لرخّص فيها؛ لتوسّعه في هذا الباب، وعدم مراعاته لضوابط التيسير والترخص ورفع الحرج.
هذا وقد حذر علماء السلف من تتبع الرخص، وشواذ المسائل، وزلات العلماء، وغريب الأقوال، فقد اشتد نكيرهم على من يسلك هذا المسلك.
قال سليمان التيمي: «إن أخذت برخصة كل عالم؛ اجتمع فيك الشر كله».
قال ابن عبد البر: «هذا إجماعٌ لا أعلم فيه خلافاً»(1).
وقال الأوزاعي: «من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام»(2).
وقال الحسن البصري: «شرار عباد الله: ينتقون شرار المسائل يُعمون بها عباد الله»(3).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: «لا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم»(4).
وأخرج البيهقي(5) : عن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال:
دخلت على المعتضد فدفع إليّ كتاباً نظرت فيه وكان قد جُمع له الرخص من زَلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه، فقلت له: «يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق». فقال: «لم تصح هذه الأحاديث؟»، قلت: «الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه»، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب.
وقد نصّ الإمام أحمد على من تتبع الرخص فأخذ بها؛ بأنه: فاسق(6).
بل حكى أبو محمد ابن حزم الإجماع على أن تتبعَ رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي، فسقٌ لا يحل(7).
__________
(1) ينظر: جامع بيان العلم وفضله (2/92).
(2) رواه البيهقي في الكبرى (10/211).
(3) نقله في الآداب الشرعية (2/77).
(4) رواه أبو نعيم في الحلية (9/4).
(5) في السنن الكبرى (10/211).
(6) نقله أبو الحسن المرداوي في الإنصاف (29/350-مع الشرح الكبير).
(7) نقله في الموافقات (4/134) ط.دراز، وينظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص175).(1/9)
... ولذا قيل: «من طلب الرخصة من الإخوان عند المشورة، ومن الفقهاء عند الشبهة، ومن الأطباء عند المرض؛ أخطأ الرأي، وحمل الوزر، وازداد مرضاً»(1).
... والواجب على المسلم ألا ينشر مثل هذه الأقوال الشاذة، فضلاً عن أن يتبناها أو يفتي بها.
... قال أبو العباس ابن تيمية -في ذلك-: «فالواجب على من شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلّدها، بل يسكت عن ذكرها إن تيقّن صحتها، وإلاّ توقّف في قبولها، فما أكثر ما يُحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له، وكثير من المسائل يخرّجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعِهِ، مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تُفضي إلى ذلك لما التزمها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، ومن علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين؛ لقطع بتحريمها من لم يقطع به أوّلاً»(2).
... والواجب على المستفتي أن يتحرّى من يوثق في علمه وديانته؛ حتى يسلم له دينه، ولذا يقول سفيان الثوري: «إنما الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد»(3).
... وانظر إلى هذا القيد المتين: (من ثقة)، وذلك في علمه وديانته وأمانته وخوفه من الله تعالى.
... قال سحنون وهو من أئمة المالكية -لما سئل عمّا يأتيه أهل الشام من الرخص في الفتيا-: «يُؤخذ هذا العلم من الموثوق بهم في دينهم، المحسوس بخيرهم، فإن أخذوا بالتشديد فعن علم، وإن أخذوا بالرخص فعن علم»(4).
... فينبغي على المسلم أن يخاف الله ويراقبه، ويتذكر موقفه بين يدي الله، ما يكون كفيلاً في ثنيه عن اتباع الرخص، والأخذ بالأيسر في مسائل الدين، فهذا باب عريض، يوشك من يدخله أن يكون ممن يتخذ آيات الله هزواً والعياذ بالله.
__________
(1) نقله في الآداب الشرعية (1/348).
(2) بيان الدليل (ص157).
(3) جامع بيان العلم وفضله (2/36).
(4) ترتيب المدارك وتقرب المسالك (1/344) ترجمة أبي داود العطار.(1/10)
وقد وضع أهل العلم(1) ضوابطَ وشروطاً للأخذ بمبدأ التيسير والترخص ورفع الحرج؛ منها:
تحقق العذر الداعي للأخذ بالرخصة يقيناً، لا ظناً.
قيام الدليل الشرعي على الأخذ بالرخصة:
فإن الحرج كل الحرج في مخالفة النصوص، واليسر كل اليسر في اتباعها، والتسليم والرضا التام بما جاء فيها من أوامر ونواهٍ.
الاقتصار على موضع الحاجة، وعدم مجاوزة النص الشرعي في ذلك:
وبما أن الحديث عن فريضة الحج، أذكر أمثلة تطبيقية من السنة على هذا الضابط الأخير، فأقول:
إنك تجد من يُجري قوله عليه الصلاة والسلام: (افعل ولا حرج) بعمومه على جميع مسائل الحج، وهذا غلط ظاهر، وخطأ كبير.
فعلى سبيل المثال ما جاء في السنن من حديث عروة بن المضرّس - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من حَبْلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتَمّ حجه وقضى تفثه). وهو حديثٌ صحيح(2).
__________
(1) وهي بالاستقراء، ينظر: قواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام (2/7) ط.الحلبي، الأشاه والنظائر للسيوطي (ص80-81) ط.الحلبي، الموافقات للشاطبي (1/301-303) ط.دراز، ضوابط المصلحة للبوطي (ص278)، رفع الحرج لابن حميد (ص143، 145-146)، منهج التيسير المعاصر للطويل (ص55-56).
(2) أخرجه: أبو داود (1950)، والترمذي (891) وقال: حسن صحيح، والنسائي (3039)، وابن ماجه (3016).
وصححه ابن خزيمة (4/255-256)، وابن حبان (9/162)، والدارقطني (كما في: الفتح 3/529، والتلخيص 2/256)، والحاكم (1/463)، وابن العربي (أحكام القرآن 1/136)، والنووي (المجموع 8/130)، وابن القيم (إعلام الموقعين 4/255).(1/11)
... قلت: فتأمل جوابه عليه الصلاة والسلام وما فيه من عدم الترخيص، لمن فعل بعض أعمال الحج دون البعض الآخر.
وكذلك قصة صفية رضي الله عنها، التي أخرجها الشيخان: البخاري (1757، 4401) ومسلم (1211) من حديث عائشة رضي الله عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أحابستنا هي؟) قالوا: إنها قد أفاضت. قال: (فلا إذاً).
... فانظر كيف كان سيُحبس المسلمون بهذا الجمع العظيم، والعدد الكبير، وما قد يلحقهم من المشقة في ذلك، من أجل عذر امرأة، ما مدته ستة أيام أو سبعة.
وهذا كله دليل بيّن على أن قوله: (افعل ولا حرج) ليس على عمومه كما فهمه بعض الأفاضل.
وينبغي للمشتغل بالعلم أن يعظم أوامر الله جل وعلا ونواهيه، عند السائل والمستفتي وعموم الناس، ويربيهم على ذلك، وبهذا تحصل الاستقامة على طاعة الله تعالى.
ومن المعلوم أن كثيراً من الناس إذا قيل لهم: هذا الأمر مختلف في وجوبه؛ تساهلوا في تركه، وإذا قيل لهم: إن هذا الشيء مختلف في حرمته، تساهلوا في فعله، دون مراعاة لاختلاف العلماء وما فيه من قوة أو ضعف.
قال بلال بن سعد رحمه الله تعالى –وهو من أفاضل التابعين-: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظم من عصيت.
وأنكر إسحاق بن راهويه تقسيم أجزاء الصلاة إلى سنة وواجب؛ فقال: «كل ما في الصلاة فهو واجب» وأشار إلى أن منه ما تعاد الصلاة بتركه، ومنه ما لا تعاد.
قال أبو الفرج ابن رجب معلقاً: «وسبب هذا والله أعلم: أن التعبير بلفظ السنة قد يفضي إلى التهاون بفعل ذلك، وإلى الزهد فيه وتركه، وهذا خلاف مقصود الشارع من الحث عليه والترغيب فيه بالطرق المؤدية إلى فعله وتحصيله، فإطلاق لفظ الواجب أدعى إلى الإتيان به والرغبة فيه.(1/12)
وقد ورد إطلاق الواجب في كلام الشارع على ما لا يأثم بتركه ولا يعاقب عليه عند الأكثرين ... وإنما المراد به المبالغة في الحث على فعله وتأكيده»(1).
ولذا بوب البخاري في كتاب العلم:باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه.
وقد نبه أبو عبدالله ابن القيم إلى أن من علامات تعظيم الأمر والنهي: عدم التوسع في الرخصة، حيث قال: «ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حدٍّ يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط»(2). ثم ذكر بعض الأمثلة على ذلك.
أقول: ما تقدم من الشروط هي ضوابط معتبرة، سار عليها أهل العلم، وسلكوا بها جادة مطروقة، أوصلتهم إلى وضع الأمر في نصابه.
إلا أنه مع تطاول الأزمان، وتباعد الأيام، لا سيما مع غربة الدين، وضعف بعض أهله، وقلة الذابين عن حياضه، ظهر جملة من الناس قد حادوا بهذا المقصد العظيم -في تحديد مفهوم السعة ورفع الحرج والتيسير- عن الطريق القويم، والمنهج المستقيم، وصار ذريعة للبعض إلى الانسلاخ من الأحكام، والابتعاد عن الدين، والتهاون في الحلال والحرام، في المطاعم والمشارب، والسلوك والتعامل.
بل وصل ببعضهم والعياذ بالله إلى هدم أركان الدين، من إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالولاء والبراء الذي كثر الحديث عنه، والتهوين من أمره، والتقليل من شأنه، مع أن الأمر كما قال حمد بن عتيق في سبيل النجاة والفكاك (ص31): «فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى: أوجب ذلك وأكّد إيجابه، وحرّم موالاتهم وشدّد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكمٌ فيه من الأدلة أكثرَ ولا أبينَ من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده» اهـ.
__________
(1) ينظر: جامع العلوم والحكم (ص525-526).
(2) الوابل الصيب (ص24).(1/13)
وقال عبدالعزيز بن باز في فتاواه (1/274): «وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من أنواع المساعدة فهو كافرٌ مثلهم» اهـ(1).
وكذلك دعوة بعضهم إلى إطلاق لقب (غير المسلم) على الكافر بدلاً من لقب (الكفر) عليه.
وكذا الإرجاء في العمل، وأيضاً ظهور من ينادي بتخفيف الحدود الشرعية، بل استبدالها، وجميع ذلك كله بحجة مواكبة العصر، والتماشي مع التطور، ومسايرة الواقع، والتيسير على الأنام.
وأما فيما يتعلق بالأحكام الشرعية التي يدندن عليها من يسلك هذا المنهج، فهي ما يتعلق بحلق اللحية، وسماع الموسيقى، وكشف وجه المرأة، ومصافحة المرأة الأجنبية، وسفرها بلا محرم، والتصوير، وغير ذلك.
ولكثرة الحديث عن مثل هذه المسائل، رأيت من المهم أن أتحدث عن بعضها بشيءٍ من التفصيل:
فأقول وبالله التوفيق:
فيما يتعلق بإعفاء اللحية: الأدلة فيه واضحة وصريحة بوجوبه، لأمره عليه الصلاة والسلام بإعفائها وتوفيرها، وأمره بمخالفة الكفار الذين يحلقونها.
فقد أخرج أحمد قال: ثنا زيد بن يحيى، ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، ثني القاسم، قال: سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مشيخة من الأنصار بيضٌ لحاهم، فقال: (يا معشر الأنصار حّمروا وصفّروا، وخالفوا أهل الكتاب).
قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تسرولوا وائتزروا، وخالفوا أهل الكتاب).
قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتخفّفون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فتخفّفوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب).
__________
(1) وهذه المسألة فيها تفصيل: فهناك فرقٌ بين الموالاة الكبرى وهي: (الموالاة المطلقة)، وما بين الموالاة الصغرى وهي: (مطلق الموالاة)، وليس هذا موطن تفصيل ذلك، وينظر في محله.(1/14)
قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يقصّون عثانينهم ويوفّرون سبالهم، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قصّوا سبالكم، ووفّروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب) (1)
__________
(1) أخرجه أحمد (5/264)، والطبراني في الكبير (8/236)، والبيهقي في شعب الإيمان (6405)؛ جميعهم من طريق: زيد بن يحيى عن عبد الله بن العلاء بن زبر عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبي أمامة به. تنبيه: في مطبوعة الشعب: (زيد بن عبيد). وهو: زيد بن يحيى بن عبيد، نُسب لجده.
ورمز له في كنز العمال لسعيد بن منصور، وأبي نعيم في الحلية، ويظهر أن نسبته لأبي نعيم وهم، وأما سنن سعيد فنصفها مفقود أو نحو ذلك.
ورواه حرب (كما في شرح العمدة لابن تيمية ص316- قسم الصلاة).
قال أبو حاتم الرازي (علل ابن أبي حاتم: 2208): «سألت شعيب بن شعيب -وكان ختن زيد بن يحيى على ابنته-، فسألته أن يُخرج إليّ كتاب عبدالله بن العلاء، فأخرج إليّ الكتاب، فطلبتُ هذا الحديث، وحديثاً آخر -عن أبي عبيدالله مُسلم بن مِشْكَم، عن أبي ثعلبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سأله عن الإثم والبر-، فلم أجد لهما أصلاً في كتابه، وليسَ هما بمُنكرين، يحتمل».
وسكت عليه ابن تيمية في شرح العمدة، ولم أقف عليه في (اقتضاء الصراط المستقيم) وهو على شرطه.
وسكت عليه ابن القيم في إعلام الموقعين (4/272) ط.منيرية.
وقال فيه ابن مُفلح في الفروع (2/80) ط.الرسالة: «حديثٌ جيد، والقاسم وثقه الأكثر، وحديثه حسن، وقول ابن حزم وابن الجوزي: «ضعيفٌ بمرة». فيه نظرٌ». وقريب منه قوله في الآداب الشرعية (3/495).
وحسنه ابن حجر في الفتح (10/354)، وتبعه في عمدة القاري (22/50)، وعون المعبود (11/178).
وقال أبو علي الشوكاني في نيل الأوطار (2/102): «أما حديث أبي أمامة فلم أقف فيه على كلامٍ لأحد؛ إلا ما ذكره في مجمع الزوائد».
والذي في مجمع الزوائد (5/131) قوله: «رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح؛ خلا القاسم وهو ثقةٌ، وفيه كلام لا يضر».
وقال في السيل الجرار (1/165): «رجاله ثقات». وذكره بعض فقهاء الحنابلة مستدلين به في كتبهم: كشرح المنتهى، وكشاف القناع، ومطالب أولي النهى.
والعثانين جمع عثنون وهي: اللحية. ينظر: النهاية لابن الأثير.
والكلام على هذا الحديث يطول، ولكن لعلي أُملي ما تيسّر من الكلام في الحكم على هذا الحديث، فأقول وبالله التوفيق:
هذا الحديث محفوظ ثابت، والكلام عليه من جهتين: من جهة الإسناد والمتن.
الجهة الأولى: فأما من جهة الإسناد:
هذا الإسناد حسن قوي، ورجاله كلهم ثقات.
فأما زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي، أبو عبدالله الدمشقي: ثقةٌ بالاتفاق، وثقه أحمد وغيره.
وقال أبو علي النيسابوري: «ثقة مأمون».
وقد كان فقيهاً، قال أبو زرعة: «كان من أهل الفتوى».
وقال ابن معين: «كتبت عنه، وكان صاحب رأي». والله أعلم.
وأما عبدالله بن العلاء بن زبر الربعي، أبو زبر، ويقال: أبو عبدالرحمن الدمشقي، من كبار أتباع التابعين أو من أواسطهم، فقد روى عن الطبقة الوسطى من التابعين: وثّقه الجمهور، منهم:
ابن معين -في أكثر من رواية-، ودحيم، وأبو داود، ومعاوية بن صالح، وهشام بن عمار، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني -وزاد: «يُجمع حديثه»-، والعجلي، وابن سعد -وقال: «ثقة إن شاء الله»-.
وقال عمرو بن علي: «حديث الشاميين كله ضعيف، إلا نفراً؛ منهم: عبدالله بن العلاء».
وقال أحمد: «مُقارب الحديث».
وقال النسائي: «ليس به بأس».
وكذا قال ابن معين -في رواية محمد بن عوف-.
وقال الدارمي: «سألت عبدالرحمن -يعني: دُحيماً- عنه فوثقه جداً».
وذكره ابن حبان في الثقات.
ومعنى قول أحمد -فيما يظهر-: أي مُقاربٌ لحديث الثقات؛ بدليل توثيق الجمهور له.
وأما قول ابن معين، فيُحمل على التوثيق؛ بدليل الروايات الأخرى عنه.
وكذا الحال بالنسبة لقول النسائي، فهو يصنع ذلك كثيراً.
وأما ما جاء عن أبي حاتم الرازي قوله: «يُكتب حديثه». وفي رواية: «هو أحب إليّ من أبي معين حفص بن غيلان».
فالجواب: أن هذا من تشدده رحمه الله، وهو معروفٌ بذلك، وقد قال عن حفص بن غيلان: «يُكتب حديثه، ولا يحتج به».
وأما قول أبي محمد ابن حزم: «ليس بالمشهور».
فالجواب: أن هذا بسبب عدم وقوفه على كلامٍ للحفاظ فيه، فيظهر أنه لم يعرفه لذلك، وقد جهّل -رحمه الله- جمعاً من الثقات كما هو مشهور.
ونقل الذهبي في الميزان عن ابن حزم أن ابن معين ضعّفه!.
وهذا فيما يبدو وهم، فالصحيح الثابت عن ابن معين توثيقه -كما تقدم-، قال العراقي: لم أجد ذلك عن ابن معين بعد البحث.
وكان عبدالله بن العلاء من أشراف الناس، قال دُحيم: «كان من أشراف البلد».
وأما القاسم بن عبدالرحمن فمن فضلاء التابعين.
قال الجوزجاني: كان خياراً فاضلاً.
وروى البخاري في التاريخ الكبير (7/159) بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: ما رأيت أحداً أفضل من القاسم أبي عبد الرحمن؛ كنا بالقسطنطينية وكان الناس يرزقون رغيفين في كل يوم فكان يتصدق برغيف ويصوم ويفطر على رغيف.
ولكن الخلاف في ضبطه؛ فوثقه جمعٌ من الأئمة، وتكلم فيه آخرون.
فأما الذين وثقوه أو قوّوه؛ فمنهم: ابن معين، والبخاري، والترمذي، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سفيان، وأبو إسحاق الحربي.
وتكلم فيه الإمام أحمد –وسيأتي كلامه-، والعجلي حيث قال: «ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي». والغلابي فقال: «منكر الحديث». والعقيلي ذكره في الضعفاء، وذكر له حديثاً. وابن حبان فقال: «ضعيف في الحديث جداً»، وقال: «يروي عن الصحابة المعضلات، ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها».
وسبب الخلاف والله تعالى أعلم: أن القاسم جاءت عنه أحاديث منكرة.
فاختلف الحفاظ: هل الحمل فيها عليه؟ أم على الرواة عنه؟ قولان:
القول الأول: أن الحمل عليه.
وذهب إليه الإمام أحمد حيث قال: «قال بعض الناس هذه الأحاديث المناكير التي يرويها عنه جعفر بن زبير، وبشر بن نمير، ومُطرّح». (تبيه: مطرح لا يروي عن القاسم، وإنما عن علي بن يزيد عن القاسم).
وقال أحمد: «علي بن يزيد من أهل دمشق، حدّث عنه مُطّرح، ولكن يقولون: هذه من قِبل القاسم، في حديث القاسم مناكير مما يرويها الثقات؛ يقولون من قبل القاسم».
وقال الأثرم: (سمعت أحمد وذُكر له حديث عن القاسم، فأنكره وحَمَل على القاسم، وقال: «يروي علي بن يزيد عنه أعاجيب، وتكلّم فيها». وقال: «ما أرى هذا إلا من قِبل القاسم». قال أحمد: «وإنما ذهبت رواية جعفر بن الزبير؛ لأنه إنما كانت روايته عن القاسم». قال أحمد: «لما حدّث بشر بن نمير عن القاسم، قال شعبة: ألحقوه به»). وقال جعفر بن محمد الحراني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «ما أرى البلاء إلا من القاسم».
القول الثاني: أن الحمل على الرواة عنه.
وذهب إليه: ابن معين، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، وأبو الحسن الدارقطني.
قال إبراهيم بن الجنيد -عن ابن معين-: «القاسم ثقة، والثقات يروون عنه هذه الأحاديث ولا يرفعونها». ثم قال: «يجيء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفهم ». وقال: «إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء ».
وقال البخاري: «القاسم ثقة». ينظر: جامع الترمذي (2731، 3195).
وقال: «روى عنه: العلاء بن الحارث، وابن جابر، وكثير بن الحارث، ويحيى بن الحارث، وسليمان بن عبد الرحمن؛ أحاديثُ مُقاربة، وأما من يُتكلم فيه مثل: جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير، وعلي بن يزيد، وغيرهم؛ ففي حديثهم عنه مناكير واضطراب».
وقال أبو حاتم: «حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإنما يُنكر عنه الضعفاء».
وقال الدارقطني في العلل (12/265): «والقاسم لا بأس به؛ إذا حدّث عنه الثقات، فهي مستقيمة».
قلت: وأنا أذهب إلى هذا القول؛ لأمرين:
أن القاسم روى عنه طائفتان من الناس: ثقاتٌ، وضعفاء.
فأما أحاديث الثقات عنه فهو مستقيم.
وأما أحاديث الضعفاء: كجعفر بن الزبير فهو: متروك، ومثله: بشر بن نمير، وعلي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف منكر الحديث.
ولا شك أن القاسم أقوى وأجل من جميع هؤلاء، فالعلة منهم لا منه؛ بدليل أن أحاديث الثقات عنه مستقيمة؛ كما تقدم من كلام ابن معين والبخاري وأبي حاتم والدارقطني.
وقد وقفت على جملة من أحاديثه المستقيمة، من رواية الثقات عنه، ينظر: مسند الشاميين للطبراني: (563-565)، (3124-3129)، (3447).
وأما الحديث الذي ذكره العقيلي، فقد رواه من طريق: عمرو بن واقد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة.
وعمرو بن واقد: متروك، وعلي بن يزيد تقدم؛ فالعلة إذن منهما.
ولذا الأحاديث التي أنكرها الإمام أحمد على القاسم هي من رواية: علي بن يزيد، وجعفر، وبشر بن نمير؛ وهؤلاء كلهم ضعفاء، والحمل عليهم أولى.
ومن الأحاديث التي أُنكرت عليه؛ ما قاله أبو زرعة الدمشقي: «ذكرت لأحمد حديثاً حدثنا به محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة عن عروة بن رويم عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قدم علينا سلمان الفارسي دمشق.
فأنكره أحمد؛ وقال لي: كيف يكون له هذا اللقاء وهو مولى خالد بن يزيد بن معاوية؟». وإلى هذا ذهب أبو حاتم الرازي فقال: «الذي عندي أن القاسم لم يدرك سلمان». المراسيل (ص176).
والجواب عن هذا: أن أبا زرعة قال: «فأخبرت عبد الرحمن بن إبراهيم بقول أبي عبد الله، فقال لي عبد الرحمن: كان القاسم مولى لجويرية بنت أبي سفيان فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه؛ فلذلك يقال: مولى بني يزيد بن معاوية.
قال أبو زرعة: وهذا أحب القولين إليّ».
فزال الإشكال الذي استشكله الإمام أحمد، وتبيّن مما تقدم أنه قديم، وأنه كان مولى لجويرية، فورثه بنو يزيد بن معاوية، وأهل الشام أعلم به من غيرهم؛ لأنه من بلدهم، ولذا ذهب أبو زرعة إلى ما قاله دحيم، وكلاهما من أهل الشام؛ فاحتمال سماعه من سلمان قوي، فقد قال القاسم: (زارنا سلمان الفارسي...) أخرجه ابن أبي عاصم في الجهاد (303) من طريق: عروة بن رويم عن القاسم به. (وينظر في الكلام على الحديث: تعليق المحقق وفقه الله تعالى).
أن هذا القول فصّل الحكم في حديث القاسم، والمُفصِّل معه مزيد إطلاع وعلم، فيُقدم على القول الآخر الذي فيه إطلاق الحكم بتضعيفه.
ومما يؤيد قوة القاسم بن عبدالرحمن، واستقامة حديثه:
- أن أبا عيسى الترمذي لم يذكر له في العلل الكبير حديثاً استنكر عليه؛ غير حديث واحد -والعلة ليست منه-، فرواه من طريق: معاوية بن صالح عن كثير بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الصدقة أفضل؟ فقال: (خدمة عبد في سبيل الله، أو ظل فسطاط، أو طروقة فحل في سبيل الله). ثم ذكر عن البخاري أن هذا الحديث جاء مرسلاً، وأنه اختلف على القاسم، ولم يتكلم على القاسم بشيء. ينظر: العلل الكبير (ص269).
- وأما ابن أبي حاتم فذكر له في العلل خمسة أحاديث -غير هذا الحديث- وهي: (601، 1646، 1667، 1682، 1872).
ولم ينقل عن أبيه أو أبي زرعة في شيء من هذه الأحاديث إلصاق الخطأ بالقاسم.
- وتقدم أن الدارقطني في العلل قوّى حديث القاسم من رواية الثقات عنه، وقال في موضعٍ آخر من العلل (2/114) عن حديث جاء بإسنادين أحدهما من طريق القاسم: ليس به بأس.
وممن صحح للقاسم بن عبدالرحمن:
أبو عيسى الترمذي (428، 1627).
وخرّج له أحاديث أخرى (1282، 2347، 2685، 2731، 3195) من طريق بعض الضعفاء عنه، وحكم عليها بالضعف، وبين أن العلّة منهم لا من القاسم.
وأخرج له الدارقطني في السنن (1/104) من طريق: جعفر بن الزبير، عنه، عن أبي أمامة. وقال: «جعفر بن الزبير متروك».
وحديثٌ آخر أخرجه في السنن (4/181) من طريق: معاوية بن يحيى الصدفي، عنه، عن أبي أمامة. وقال: «الصدفي ضعيف». قلت: ولم يُعلّها بالقاسم.
وممن صحح له: محمد بن يحيى الهمذاني، فقد أخرج له في صحيحه (كما في: نزهة الأسماع في مسألة السماع لابن رجب؛ ص44) من طريق: عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عنه، عن أبي أمامة. وقال: عبيد الله بن زحر قال أبو زرعة: «لا بأس به صدوق».
وهذا الإسناد ضعيف، بل هو ضعيف جداً، والشاهد من هذا أن الهمداني صحح للقاسم.
وقد قال ابن رجب عن الهمذاني: «وهو من أصحاب ابن خزيمة، وكان عالماً بأنواع العلوم، وهو أول من أظهر مذهب الشافعي بهمذان، واجتهد في ذلك بماله ونفسه، وكانت وفاته سنة 347 رحمه الله تعالى ». ينظر: (نزهة الأسماع ص47).
وممن صحح له: الحاكم؛ ينظر: إتحاف المهرة (6425، 6429).
وقال ابن حجر في الإتحاف (6426): لم يتكلم عليه الحاكم، وإسناده ضعيف جداً؛ من طريق: عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة.
وقال أيضاً (6427): أخرجه الحاكم من طريق: جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة. وقال: «لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، ولم نجد بُدّاً من إخراجه».
قال ابن حجر: «ما أدري أي شيءٍ أحوجه إلى إخراج رواية الكذابين في الصحيح؛ فجعفر: قد أجمعوا على تضعيفه».
وحسّن له: ابن القطان الفاسي؛ ينظر: إتحاف المهرة (6437).
- وينظر الأسانيد الضعيفة التي من رواية الضعفاء عنه؛ ومنهم علي بن يزيد، في:
إتحاف المهرة: (6430، 6440، 6446، 6448، 6449، 6454، 6456، 6458، 6469، 6470).
وينظر: مسند الشاميين فحديث القاسم هناك كثير؛ منها من رواية الثقات، ومنها من رواية الضعفاء.
ومن الرواة عن القاسم: الوليد بن جميل، وهو مختلف فيه، وتُكلّم في روايته عنه، قال أبو حاتم: «شيخٌ روى عن القاسم أحايثُ مُنكرة».
أقول: هذا؛ وقد وقفت على ثلاثة أحاديث للقاسم من رواية الثقات عنه، فيها ما يُستغرب:
منها ما أخرجه أحمد (5/261)، وأبو داود (3541) وغيرهما؛ من طريق: عبيد الله بن أبي جعفر عن خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا).
والكلام على هذا الحديث يطول، وقد تكلمت عليه بعض الشيء في موطنٍ آخر.
ومنها ما أخرجه النسائي (2254) من طريق: محمد بن شعيب عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن عقبة بن عامر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من صام يوماً في سبيل الله عز وجل باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام). وأخرجه ابن أبي عاصم في الجهاد (169)، والطبراني في الكبير (17/335)، ومسند الشاميين (896).
ووجه الإشكال في هذا الحديث أنه جاء في الصحيحين: البخاري (2840) ومسلم (1153) من حديث: النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري رفعه: (من صام يوماً في سبيل الله؛ باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً). فهنا (سبعين) وحديث عقبة: (مائة).
والجواب عن هذا الإشكال من جهتين: إسناداً ومتناً:
( أ ) من جهة الإسناد: فقد قيل: إن القاسم لم يسمع إلا من أبي أمامة. فعلى هذا يكون الإسناد منقطعاً.
وذهب آخرون إلى أن القاسم سمع من غير أبي أمامة: كعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم -، كما ذهب لهذا البخاري.
وهناك من ذهب إلى سماعه من سلمان كما تقدم.
وسماع القاسم من عقبة بن عامر مُحتمل؛ فقد أخرج الترمذي (2972) وصححه، والنسائي في الكبرى (6/299) وغيرهما، وصححه ابن حبان (11/9) والحاكم (2/275) من طريق: حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: (كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر...) الحديث، وهو عند أبي داود (2512) بدون الشاهد.
وثبت أن القاسم حضر غزو القسطنطينية كما تقدم، فاحتمال سماعه منه قوي.
(ب) من جهة المتن: فهذا الحديث في باب الفضائل، والأمر فيها أسهل من غيره، وفضل الله عز وجل واسع، فقد يكون زاد الثواب إلى (مائة)، فقد جاء في الصحيحين: البخاري (5705)، ومسلم (220) من حديث ابن عباس في من حقق التوحيد أن: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)، وجاء في حديثٍ آخر رواه أحمد (5/268) والترمذي (2437) وابن ماجه (4286) وغيرهم؛ من طريق: إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد عن أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (وعدني ربي سبحانه أن يُدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً، لا حساب عليهم ولاعذاب، مع كل ألفٍ سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل). ومثله في فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ فبعض الروايات: (خمس وعشرين) درجة، وبعضها: (سبع وعشرين)، وكلها في الصحيح. بل جاء في باب الأحكام: اختلاف العدد، كما في حديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب ففيه: (سبع مرات إحداهن بالتراب)، وفي حديث عبدالله بن مغفل: (ثمان مرات إحداهن بالتراب)، وكلاهما في مسلم.
ومن المعلوم أن العدد في لغة العرب -التي بها نزل الشرع- يكون أحياناً غير مراد، وإنما يُراد به التكثير والمبالغة.
ومنها ما أخرجه ابن أبي عاصم في الجهاد (303) من طريق: عروة بن رويم عن القاسم قال: زارنا سلمان الفارسي... إلى أن قال سلمان: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (رباط يوم: صيام شهرين، ومن مات مرابطاً أُجير من فتنة القبر، وأجري له صالح عمله إلى يوم القيامة). وأخرجه أبو زرعة في تاريخ دمشق وابن عساكر، ولفظه: (رباط يوم)، وفي رواية: (وليلة: كصيام شهر وقيامه).
ووجه الإشكال في هذا الحديث أنه جاء في صحيح مسلم (1913) عن سلمان مرفوعاً: (رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه وأمِن الفتّان). فهنا: (شهر)، ورواية القاسم: (شهرين). ولا شك أن ما في مسلم أصح.
والجواب عن هذا الإشكال من جهتين أيضاً: إسناداً ومتناً: (تنبيه: رواية ابن عساكر لا إشكال فيها؛ لأن فيها (شهر) فهي توافق ما في مسلم).
( أ ) من جهة الإسناد: فقد ذكر المزي (تهذيب الكمال 20/8) في ترجمة عروة بن رويم: أنه روى عن القاسم من طريقٍ ضعيف. فرواية عروة عن القاسم فيها نظر، وهو يرسل كثيراً، إلا أنه صرّح بالتحديث عن القاسم في بعض طرق هذا الخبر. (وينظر تعليق المحقق وفقه الله على هذا الحديث). وقد ذكر بعض أهل العلم أن أهل الشام يتساهلون في ألفاظ التحمّل من التحديث والسماع.
(ب) من جهة المتن: فليس هناك اختلاف إلا في لفظةٍ من الحديث وهي (شهر)، وهي خطأٌ إما من القاسم أو ممن دونه.
أما ما يتعلق بكون هذا الحديث فرد، وأنه ليس موجوداً في كتاب عبدالله بن العلاء بن زبر، فالجواب عن ذلك وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: ما يتعلق بالتفرد:
فأقول: لا شك أن التفرد أحياناً يكون علة يُرد من أجلها الخبر، وأحياناً لا يكون علّة. فهناك أحاديث غريبة، ولكنها صحيحة. وفي المقابل: هناك أحاديث لا تصح بسبب الغرابة والتفرد.
فالتفرد يكون علة، في الحالات التالية:
أن يتفرد أحد الرواة –وإن كان ثقة- عن إمام مشهور من الأئمة بالإكثار والحفظ، ولا يكون المتفرّد عنه مقدّماً فيه، أو لا يصل إلى درجة الحفاظ المتقنين؛ ووجه ذلك أن يقال: أين أصحابه الآخرون عن هذا الحديث؟ (ينظر: كلام الإمام مسلم في مقدمة الصحيح، وكلام العقيلي على أصحاب قتادة؛ وقد نقله ابن رجب في شرح العلل).
أن يكون هذا التفرد في الطبقات المتأخرة؛ لأن الأحاديث اشتهرت وانتشرت، وبالتالي يكون التفرد لا يُحتمل في مثل هذه الحالة، وقد نص أهل العلم على ذلك (ينظر: كلام الذهبي على هذه المسألة في الموقظة، وغير ذلك من الكتب الأخرى، فقد تكلم على هذا كثيراً).
أن يكون في متن الحديث غرابة، بحيث يُخالف الكتاب والسنة، فيكون هذا علة يردّ بها الخبر.
(وللتفصيل في مسألة الغرابة والتفرد، ينظر: شرح العلل لابن رجب وغيره، وقد توسعت في ذلك في شرحي المسجل على الموقظة للذهبي).
وهذا الحديث الذي معنا، ليس فيه شيء من هذه الأمور الثلاثة.
وكيف يُعرف أن هذا الحديث غريب من جهة الإسناد؟
أقول: يكون هذا بواحدٍ من أمرين:
أن ينصّ الحفاظ على أن هذا الحديث غريب، تفرد به فلان؛ وقد أكثر الحفاظ من ذلك، كعلي بن المديني فيما نقل عنه، ويعقوب بن شيبة (ينظر: مسند يعقوب بن شيبة، ومسند الفاروق لابن كثير)، وأبو عيسى الترمذي في جامعه، والطبراني في معجمه الأوسط.
وهذا هو: الأصل في معرفة الأحاديث الغريبة.
أن يُتتبع طرق الحديث، ومن خلال ذلك تُعرف طرقه، ومدى غرابته.
ولكن هذا لا يُعدّ كافياً في الحكم على الحديث بالغرابة؛ لأن هناك طرق يُحتمل أنها لم تصل إلينا.
وهذا الحديث الذي معنا، لم أقف على من نصّ على غرابته؛ لكن قد يكون في كلام أبي حاتم -المتقدم- إشارةً إلى هذا، وسيأتي التعليق عليه.
وهذا الحديث الذي معنا ليس غريباً، ولا يعد كذلك لما يأتي:
أما الأمر الأول، فليس موجوداً معنا في هذا الحديث:
فالقاسم بن عبدالرحمن: معروفٌ بالرواية عن أبي أمامة، مُكثرٌ عنه.
وعبدالله بن العلاء: معروفٌ بالرواية عن القاسم.
وزيد بن يحيى: معروفٌ بالرواية عن ابن العلاء.
وأما الأمر الثاني: فلا ينطبق على الحديث الذي معنا؛ لأمرين:
أن هذا الحديث إن كان فرداً، فليس هو في الطبقات المتأخرة، فطبقة أتباع التابعين قد يحصل فيها التفرد المقبول.
أن هذا الحديث شاميٌ، فرواته كلهم شاميون، من أبي أمامة إلى زيد بن يحيى، ومن المعلوم أن الغرابة في أحاديث الشاميين أكثر منها في حديث الحجازيين، والعراقيين؛ لاشتهار الرواية في العراق والحجاز أكثر منها في الشام، ولذا كانت طرق أسانيد أهل الشام أقل بكثير من أهل الحجاز والعراق.
وأما الأمر الثالث: فمتن هذا الحديث مستقيم، وسيأتي الكلام على ذلك.
ثانياً: ما يتعلق بكون هذا الحديث ليس موجوداً في كتاب عبدالله بن العلاء بن زبر:
فأقول: إن كون هذا الحديث لا يوجد في كتاب الشخص، لا شك أنها قرينة قوية على عدم صحته، وما زال الحفاظ يعلّون الأحاديث بذلك.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما جاء عن أبي حاتم الرازي؛ فقد قال عبدالرحمن بن أبي حاتم:
«سألت أبي عن حديثٍ رواه ابن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسّان بن بلال، عن عمّار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخليل اللحية؟.
قال أبي: لم يُحدّث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة.
قلت: هو صحيحٌ ؟
قال: لو كان صحيحاً لكان في مصنفات ابن أبي عروبة...». ينظر: علل بن أبي حاتم (60).
ولكن هذه القرينة ليست قاطعة، فأحياناً لا يوجد الحديث في كتب هذا الراوي، ومع ذلك يكون صحيحاً، كما هو الحال في الحديث الذي معنا، فتقدم قول أبي حاتم عنه: «وليس هما بمُنكرين، يحتمل».
فنفى أبو حاتم النكارة عن هذا الحديث، والحديث الآخر.
وقال: «يحتمل». أي: يُحتمل ألا يكون في كتابه، بل في كتاب آخر من كتبه، وأن هذا مما يُحتمل.
ولذا قال أبو حاتم الرازي عن قول يحيى بن معين عن حديثٍ، لما سأله عنه فقال:
حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق، عن شريك، عن بيان، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أبردوا بالظهر)، وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي، فحدثنا به، وحدثنا أيضاً عن إسحاق، عن شريك، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بمثله؟.
قال يحيى: ليس له أصلٌ؛ إنما نظرتُ في كتاب إسحاق، فليس فيه هذا.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم لأبيه: فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ الذي أنكره يحيى؟
قال أبو حاتم: هو عندي صحيحٌ، وحدثنا أحمد بن حنبل رحمه الله بالحديثين جميعاً عن إسحاق الأزرق.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم لأبيه: فما بالُ يحيى نَظَرَ في كتاب إسحاق فلم يجده؟
قال: كيف؟! نظر في كتبه كله؟! إنما نظر في بعضٍ، وربما كان في موضعٍ آخر. ينظر: علل ابن أبي حاتم (378).
وينظر أيضاً في هذا أن يحيى بن معين حدّث بحديث عن حفص بن غياث. فقال ابن أبي شيبة: ليس هذا الحديث موجوداً في كتب حفص بن غياث.
فلعل هذا في بعض كتبه التي لم يطلع عليها ابن أبي شيبة.
وقد ذكر هذه القصة ابن عدي في الكامل (2/368)، ولكنه تعقبها بعدم صحتها.
ينظر في هذه المسألة: قصص ونوادر لأئمة الحديث المتقدمين، لعلي بن عبدالله الصياح (ص79-83) فقد أجاد وأفاد في هذه المسألة.
الجهة الثانية: من جهة المتن:
أما من حيث المتن، فأقول وبالله تعالى التوفيق: هذا حديثٌ مستقيم، ومتنه محفوظ.
وقد جاءت أحاديث كثيرة بلفظه، أو معناه؛ وهو مشتمل على أربع فقرات:
أما الفقرة الأولى: (يا معشر الأنصار حّمروا وصفّروا، وخالفوا أهل الكتاب):
فقد جاء في الصحيحين: البخاري (5899)، ومسلم (2103) من طريق: الزهري، عن أبي سلمة وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم).
وأخرج البيهقي في الكبرى (1/151) بإسنادٍ جيد من طريق: إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: «رأيت خمسةً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصّون شواربهم، ويعفون لحاهم، ويصفّرونها: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معد يكرب الكندي؛ كانوا يقصّون شواربهم مع طرف الشفة».
وهذا أيضاً مما يؤيد أن الحديث محفوظٌ عن أبي أمامة؛ حيث عمل بمقتضاه.
وأما الفقرة الثانية: (تسرولوا وائتزروا، وخالفوا أهل الكتاب):
فقد أخرج أحمد (1/43) من طريق: عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال:
(اتّزروا وارتدوا، وانتعلوا وألقوا الخفاف والسراويلات، وألقوا الركب وانزوا نزوا، وعليكم بالمعدّية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عنه).
وأخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (995)، ومن طريقه: الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري (كما في الفتح10/286)، وأبو عوانة (5/233)، وأبو يعلى (1/189)، وابن حبان (12/268)، وابن أبي شيبة (12/513)، والبيهقي في الكبرى (10/14).
وأخرجه بنحوه معمر (في جامعه الذي طبع ملحقاً بالمصنف 11/84-85) عن أيوب عن ابن سيرين قال: جلس إلينا رجل ونحن غلمان فقال كتب إلينا عمر... ثم أخرجه عن قتادة أن عمر كتب إلى أبي موسى..
وصححه ابن مفلح في الفروع (2/87-88). وفيه: انزوا: ثِبوا وثباً، والمعدّية: اللّبسة الخشنة، إشارةً إلى معدّ بن عدنان.
وأصله في الصحيحين؛ البخاري (5828) قال: ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة به مختصراً ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير.. ثم أخرجه (5830) من طريق سليمان التيمي، وأخرجه هو (5829)، ومسلم (2069) من طريق عاصم؛ كلاهما (عاصم وسليمان) عن أبي عثمان به.
وأما الفقرة الثالثة: (فتخفّفوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب):
فقد جاءت في حديث عمر السابق الموقوف عليه.
وجاء في المرفوع من حديث شداد بن أوس: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم).
أخرجه أبو داود (652)، والبزار (8/405-406) -وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن شداد بن أوس إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد-، والطبراني في الكبير (7/290)، والبيهقي في الكبرى (2/432) من طريق الحاكم؛ جميعهم من طريق: مروان بن معاوية الفزاري عن هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه مرفوعاً.
وصححه ابن حبان (5/561)، والحاكم (1/260)، وحسن إسناده العراقي في شرح الترمذي (نقلاً من فيض القدير 3/431).
وعند ابن حبان: (خالفوا اليهود والنصارى). هذا من قوله.
ومن فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس النعال، ويصلي فيها، ففي الصحيحين البخاري (386) ومسلم (555) عن سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه؟ قال: نعم. وكذا حديث أبي سعيد الخدري المشهور، رواه أبو داود (650) وغيره، وإسناده قوي. وصححه ابن خزيمة (2/107)، وابن حبان (5/560).
وكان أحياناً يخلع نعليه كما في حديث عبدالله بن السائب عند أبي داود (648)، وعبدالله بن عمرو بن العاص عنده أيضاً (653).
وأما الفقرة الرابعة: (قصّوا سبالكم، ووفّروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب):
فهذا المعنى محفوظ له شواهد مشهورة:
فقد جاء في صحيح مسلم (260) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس).
وفي الصحيحين: البخاري (5892)، ومسلم (259) من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب).
وسبب هذا ما جاء عند ابن حبان (12/289) من حديث ابن عمر قال: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - المجوس فقال: (إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم).
وفي هذا الحديث الذي معنا عندما قيل له عليه الصلاة والسلام: إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم. فأمر بمخالفتهم، ونهاهم عن القص، كما هو منطوق الحديث.
ويُلاحظ في هذه الألفاظ: أنه ذكر المجوس بدلاً من الفرس، والمشركين واليهود بدلاً من نسبتهم إلى بلدانهم وقبائلهم، فذكرهم بأديانهم وعقائدهم.
وهذا دليلٌ على أن المسلم متعبدٌ بمخالفتهم ديناً وشرعاً، وأن المسألة ليست من قبيل العادات، أو معلقة بزمان معين، وإنما هي إلى قيام الساعة.
وقد أطال أبو العباس ابن تيمية الكلام على هذه المسألة، وبيّن الحكمة في مخالفة اليهود والنصارى وسائر الكفار، وأكثر الاستدلال من الكتاب والسنة، وذلك في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم).
فتبين مما تقدم أن هذا الحديث مستقيمٌ إسناداً ومتناً، ومحفوظٌ لفظاً ومعنىً. وبالله تعالى التوفيق.(1/15)
.
وقد حكى أبو محمد ابن حزم الاتفاق على أن حلق اللحية مُثلةٌ لا يجوز(1).
فإن قيل: قد جاء عن جمع من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحاهم، فقد أخرج البخاري (5892) أن ابن عمر كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه. وأخرج أبو داود (4201) عن جابر قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة. وأخرج ابن أبي شيبة (13/112) برقم (25992): كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فضل عن القبضة. وأخرج أيضاً (8/747) برقم (15917) عن ابن عباس قال: التفثُ: الرمي، والذبح، والحلق، والتقصير، والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.
وهذا يخالف ما جاء في حديث أبي أمامة من النهي عن قصها.
فأقول وبالله التوفيق: الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن هذا يخالف المرفوع، وهو مقدمٌ ولا شك على الموقوف، ولا يخفى أن كثيراً من المسائل يأتي فيها عن بعض الصحابة ما يخالف النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة، فالعمل على ما جاء في النصوص.
ومثال ذلك: ما جاء عن عمر وعثمان –ونُسب لأبي بكر- - رضي الله عنهم -، من النهي عن التمتع في الحج، وقد جاءت السنة بمشروعيته، ولذا في الصحيحين: البخاري (1563) ومسلم (1223) أن علياً قال لعثمان: ما كنت لأدع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد. ولبّى بالحج والعمرة معاً. والأمثلة على ذلك كثيرة.
قلت: وقد يكون هذا النص -وهو حديث أبي أمامة الذي فيه النهي عن القص- قد خفي عليهم، وربما يخفى على بعض الصحابة شيئاً من النصوص الشرعية، ومن المشهور في ذلك: مسألة إتيان المرء أهله ولا ينزل، فكان بعض الصحابة يرى عدم الغسل، ولم يبلغه النسخ.
__________
(1) مراتب الإجماع (ص157).(1/16)
الوجه الثاني: أنه لم ينقل عن كبار الصحابة وفضلائهم كالخلفاء الراشدين، وبقية العشرة؛ أخذُ شيءٍ من لحاهم، وهم أفضل وأجلّ وأعلم ممّن نُقل عنهم الأخذ، ولو كانوا يأخذون من لحاهم لنُقل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهو حديث صحيح، صححه جمع من الأئمة.
الوجه الثالث: أن الذين جاء عنهم الأخذ، الذي يظهر أنهم رأوا أن هذا من التفث، كما تقدم في قول ابن عباس، ويؤيد هذا أن ابن عمر لم يكن يأخذ إلا في حجٍ أو عمرة، وهذا ما نصّ عليه جابر، وما جاء عن أبي هريرة يحمل على ذلك، وإن لم يأت ما يقيّده.
قلت: فدلّ هذا على أنهم يرون الأخذ من التفث، والصواب على خلاف ذلك، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، ولم يأمر أمته به، ولو كان من التفث لبيّنه - صلى الله عليه وسلم -.
وعلى الذين يستدلون بما جاء عن هؤلاء الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أن يلتزموا بما جاء عنهم، فلا يزيدوا على القبضة، ولا يأخذوا هذا القدر إلا في النسك من حجٍ أو عمرة، فحسب. والله أعلم.
وأما فيما يتعلق بسماع الموسيقى والمعازف: فالأدلة على تحريمها كثيرة، أكتفي بدليلٍ واحدٍ صحيحٍ صريح فيها، فيه كفاية للمكتفي، وغُنية لطالب الحق، وقناعة للمتجرد، ولا تغني كثرة الأدلة المجادلَ بالباطل، المتعامي عن الحق، المتغافلَ عن الصواب؛ شيئاً.
فقد أخرج البخاري في صحيحه (5590) قال: قال هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثنا عطية بن قيس الكلابي ثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر -أو أبو مالك- الأشعري، والله ما كذبني: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلّون الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف).(1/17)
قال ابن القيم: «ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها، ولما قَرَن استحلالها باستحلال الخمر»(1)، والفرج المُحرّم، والحرير.
والحديث صحيحٌ متصلٌ، ولم يوفق للصواب من تكلم في انقطاعه؛ لوجوه:
الأول: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا قال: (قال هشام) فهو بمنزلة قوله: (عن هشام).
الثاني: أنه لو لم يسمع منه، فهو لم يستجز الجزم به عنه، إلا وقد صحّ عنه أنه حدّث به، وهذا كثيراً ما يكون لكثرة من رواه عنه عن ذلك الشيخ وشهرته، فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس.
الثالث: أنه أدخله في كتابه الصحيح مُحتجاً به، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل.
الرابع: أنه علّقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض، فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه؛ يقول: (ويُروى عن رسول الله) و(يُذكر عنه) ونحو ذلك، فإذا قال: (قال رسول الله) فقد جزم وقطع بإضافته إليه.
الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحاً، فالحديث صحيح متصل عند غيره بأسانيد متعددة(2)، فقد رواه جمع عن هشام بن عمار موصولاً، وقد توبع هشام وكذا شيخه صدقة بن خالد؛ فقد أخرج أبو بكر الإسماعيلي ومن طريقه البيهقي في الكبرى (3/272) قال: أخبرني الحسن عن عبد الرحمن بن إبراهيم عن بشر بن بكر عن ابن جابر به. وهذا إسناد صحيح؛ وقد جاء من وجه آخر عن بشر بن بكر به. بل جاء بنحوه من وجه آخر عن عبدالرحمن بن غنم به؛ وتوبع ابن غنم فقال البخاري في التاريخ الكبير (1/304): قال لي سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا الجراح بن مليح الحمصي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر والمعازف.
__________
(1) إغاثة اللهفان (1/260) ط.الفقي.
(2) ينظر: إغاثة اللهفان (1/260) بتصرف.(1/18)
وفيما يتعلق بمصافحة المرأة الأجنبية، فقد أخرج الشيخان: البخاري (2713، 4891) ومسلم (1866) -واللفظ له-: من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «والله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مسّت كفّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفّ امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: (قد بايعتكن كلاماً)».
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لا أصافح النساء)(1).
وأما فيما يتعلق بسفر المرأة بلا محرم، فالأدلة الصحيحة الإسناد، الصريحة الدلالة، قائمة على المنع من ذلك، وكيف يفتي أحدٌ بجواز ذلك أمام هذه الأدلة، بحجة تباين الأزمنة، واختلاف وسائل السفر في الوقت الحاضر عنها في عهد النبوة.
فقد أخرج الشيخان: البخاري (1088) ومسلم (1339) -واللفظ له- من طريق: سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تُسافر مسيرة يوم وليلة؛ إلا مع ذي مَحْرَم).
قال أبو العباس ابن تيمية: «وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر؛ إلا على وجهٍ يُؤمن فيه البلاء، ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظاً لها وصائناً؛ كنسوة ثقات، ورجال مأمونين، ومَنَعها أن تسافر بدون ذلك.
__________
(1) أخرجه الترمذي (1597) وقال: حسن صحيح، والنسائي (4181)، وابن ماجه (2874)، وأحمد (6/357)، وصححه ابن حبان (10/417).(1/19)
فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق، وحكمته ظاهرة (فإن النساء لحمٌ على وضم، إلا ما ذُبّ عنه)(1)، والمرأة مُعرضة في السفر للصعود والنزول، والبروز، محتاجة إلى من يعالجها ويمس بدنها، تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيّم يقوم عليهن، وغير المحرم لا يؤمن، ولو كان أتقى الناس، فإن القلوب سريعة التقلّب والشيطان بالمرصاد... وأمر النساء صعبٌ جداً لأن النساء بمنزلة الشيء الذي يُذب عنه، وكيف تستطيع المرأة أن تحج بغير محرم؟ فكيف بالضيعة وما يخاف عليها من الحوادث؟.
ولا يجوز لها أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة؛ لأن الذي تهرب منه شر من الذي تخافه على نفسها، وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وغيرها من المهاجرات بغير محرم»(2).
وأين أمن البلاء على المرأة في هذه الأزمنة في سفرها لوحدها في الطائرة، الذي يعتريه التأخر، والتعطل، والهبوط في غير بلد القدوم؛ لظروف الأجواء -كما يحصل أحياناً- مع ما فيه من دخولها وجلوسها بجوار الرجال الأجانب.
__________
(1) ذكره في مختصر الفتاوى المصرية (ص629)، والفتاوى (34/130) على أنه حديث، وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (3/337):«غريبٌ مرفوعاً، ورواه ابن المبارك موقوفاً على عمر».
(2) شرح العمدة (1/175-177) قسم الحج. وهذا رأي ابن تيمية من كلامه، وذكر عنه تلميذه ابن مفلح في الفروع (5/245) قولاً يختلف عن ما هنا، فقال: «وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم. وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة. كذا قال ». ونقله عنه، كلٌ من:
البعلي في الاختيارات (ص115)، والمرداوي في الإنصاف (8/79-مع الشرح الكبير)، وابن مفلح صاحب المبدع (3/100).(1/20)
وبذلك يُعلم أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة ما لا يحتاج له غيرها، كما قاله أبو العباس ابن تيمية، وذكر له شواهد من الشريعة تدل على ذلك(1)، وإن فطرتها التي خُلقت عليها لأظهر دليلٍ على هذا.
وأخيراً ما يتعلق بكشف الوجه للمرأة، فالله تبارك وتعالى قد نهى المرأة أن تبدي زينتها للرجال الأجانب، إلا ما ظهر منها، وأمرها بالاحتجاب عنهم.
ولا تكون المرأة محتجبة عن الرجال الأجانب إلا بأن تستر جميع جسمها، ومن ذلك الوجه، والأدلة على وجوب ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) [الأحزاب: 53]، وهذه الآية الكريمة وإن كانت في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسبب نزولها في ذلك؛ كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، إلا أنها عامة في جميع النساء، والدليل على ذلك:
(1) ما جاء في الآية من تعليل الحكم: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، فيحمل على العموم؛ لأنه حكمٌ مرتبٌ على وصفٍ مناسبٍ له، فيقتضي كون هذا الحكم مُعللاً بذلك الوصف، فوجب أن يَعُم؛ لعموم العلة، كما هو مقرر في الأصول.
قال القاضي أبو يعلى: « إذا ورد النص بحكمٍ شرعي معللاً، وجب الحكم في غير المنصوص عليه، إذا وجدت فيه العلة المذكورة »(2).
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وصورتها: أنه عندما ينص الله عز وجل على العلة في واقعة ما، وتحققت هذه العلة بعينها في واقعة أخرى، فهل إلحاق هذه الواقعة الجديدة بالأولى المنصوص عليها، يكون من قبيل النص؛ فيكون الحكم عاماً لغير محل التنصيص؟ أم تكون ملحقة بها على سبيل القياس؟ قولان؛ والأقرب في هذا التفصيل، وذلك أن هذه المسألة على ثلاث صور:
__________
(1) ينظر: الفتاوى (34/129)، ومختصر الفتاوى المصرية (ص628).
(2) العدة في أصول الفقه (4/1372)، وينظر: المحصول (2/602)، والبحر المحيط (4/30).(1/21)
الصورة الأولى: أن تكون العلة في الواقعة الجديدة أكبر وأظهر منها في الواقعة الأولى، فلا شك أن حكمها مثل الأولى، فيكون منصوصاً عليها، وليست ملحقة بها على سبيل القياس.
والخلاف في هذه الصورة ضعيف، وإنما يخالف في هذا أبو محمد ابن حزم وأمثاله.
ومثال ذلك: أن الله عز وجل نهى أن يقول الإنسان لوالديه كلمة (أف) كما في قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما)، فمن ضربهما والعياذ بالله فيكون داخلاً في نص النهي من باب أولى.
ومثاله أيضاً: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الراكد، فمن تغوط فيه فإنه يكون داخلاً في نص النهي من باب أولى.
ومثاله أيضاً: هذه المسألة التي معنا، فإنه إذا كان في الحجاب طهارة لقلوب الصحابة - رضي الله عنهم - -وهم من هم في الفضل وعلو المكانة-، ولقلوب زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - -وهنّ من هنّ في الطهارة والعفة-، فكيف بمن جاء بعدهم وبعدهن، ممن هو دونهم ودونهن بكثير، فمن باب أولى أن يعمهم الحكم.
الصورة الثانية: أن تكون العلة في الواقعة الجديدة مثلها في الواقعة الأولى، فهذه فيها الخلاف السابق.
وهو خلافٌ صوري، إذ نتيجة الحكم واحدة (وهو أن حكم الواقعة الجديدة كالأولى)، إلا أن بعضهم يراه من قبيل العموم، وبعضهم يراه من قبيل القياس. والله أعلم.
الصورة الثالثة: أن تكون العلة في الواقعة الجديدة أقل منها في الواقعة الأولى، فهذه لا تلحق بها في الحكم.
(2) أن الله تعالى لم يفرق بين نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن، فقال: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما) [الأحزاب: 59].
قال ابن جرير في تفسيره (22/39): «وإذا سألتم أزواجَ رسول الله، ونساءَ المؤمنين -اللواتي لسن لكم بأزواج- متاعاً (فاسألوهن من وراء حجاب) يقول: من وراء سترٍ بينكم وبينهن».(1/22)
وقال القرطبي في تفسيره (14/227): «ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة؛ من أن المرأة كلها عورة».
وإدناء الجلباب في لغة العرب مستخدم عادة في الوجه، يُقال -إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة-: أدنِ ثوبكِ على وجهكِ. اهـ من الكشاف (3/569).
(3) ومما يؤكد عموم الحكم: ما جاء في قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً. وقرْن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الأحزاب: 32-33].
فهل يقول أحد: إن غير نساء النبي يجوز لهن الخضوع بالقول -وغيره مما نهين عنه- رضي الله عنهن؟!
لم يقل بذلك أحدٌ من المسلمين.
ما رواه نافع -مولى ابن عمر- عن صفية بنت أبي عبيد؛ أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت، حين ذُكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: (تُرخيه شبراً). قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها. قال: (فذراعاً، لا تزيد عليه). وفي لفظٍ عند أحمد: أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذيول النساء؟ فقال: (شبراً)، فقلت: إذاً تخرج أقدامهن يا رسول الله. قال: (فذراعٌ، لا تزدن عليه).
وهذا حديثٌ صحيح، صححه الترمذي وابن حبان، ووقع في إسناده اختلافٌ لا يضُر(1)
__________
(1) هذا الحديث رواه نافع، ورواه عنه ستة؛ وقد اختلفوا عليه:
أولهم: أيوب بن موسى -وهو ثقة خرج له الجماعة، وقال ابن عبدالبر: وكان حافظاً- عند النسائي (5338)، والطبراني (13/416-417)، وأبو يعلى (12/316)؛ فرواه عنه عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة به.
الثاني: وتابعه ابن إسحاق -وهو صدوق لا بأس به له بعض الوهام، وهو مدلس ولم أقف على تصريح له بالسماع في هذا الخبر- عند النسائي في الكبرى (5/495)، وأحمد (6/295، 309) ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (24/148)، والدارمي (2644)، والبيهقي في الكبرى (2/233)، والطبراني (23/358).
الثالث: أبو بكر بن نافع –وهو صدوق- عن أبيه فأرسله (وسيأتي تفصيل روايته).
الرابع: عبيد الله بن عمر –وهو ثقة حافظ- فوصله؛ عند أحمد (6/293، 315)، وأبي داود (4118)، والنسائي (5339)، وابن ماجه (3580)، وابن أبي شيبة (12/519)، والطبراني (23/384)، والبيهقي في الشعب (6142)؛ ولكنه خالفهم في شيخ نافع، فقال: عنه عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به.
وهذا الاختلاف لا يضر؛ لأن الإسناد أينما دار فإنما يدور على ثقة؛ لأن سليمان بن يسار وصفية بنت أبي عبيد كلاهما من الثقات. ويحتمل أن نافعاً رواه عن كليهما؛ لأن كلا الوجهين ثابت عن نافع. وأما من حيث الترجيح فرواية الجماعة أولى.
الخامس: يحيى بن أبي كثير –وهو ثقة مشهور- فوصله بذكر أم سلمة ولكنه منقطع حيث أسقط الواسطة بينها وبين نافع، عند النسائي (5337)؛ فقال: عن نافع عن أم سلمة. ورواية الجماعة أولى؛ لأنهم أكثر، وقد زادوا، والزيادة منهم مقبولة؛ لاجتماعهم.
السادس: محمد بن عجلان –وهو صدوق له أوهام- فرواه عنه عن عبد الله بن عمر أن أم سلمة فذكره. عند ابن عبدالبر في التمهيد (24/148) من طريق: ابن لهيعة. وهذا خطأ كما أشار له ابن عبدالبر؛ لأمور:
1) أن الراوي عنه ابن لهيعة وهو لا يحتج.
2) أنه مخالف لكل الروايات المتقدمة.
3) أنه سلك الجادة في حديث نافع، وهم قد خالفوها، فيقدمون عليه؛ لأن معهم زيادة ضبط.
تنبيه: تقدم أن أبا بكر بن نافع رواه عن أبيه عن صفية مرسلاً؛ ورواية الوصل أرجح؛ لأن أيوب بن موسى أوثق من أبي بكر بن نافع، وقد وصله، وتابعه على ذلك محمد بن إسحاق، فيزداد الوصل قوة.
وتابعهما عبيدالله بن عمر على وصله بذكر أم سلمة في الإسناد، وإن كان خالفهما في شيخ نافع وقد تقدم الكلام على ذلك، ويمكن أن نعتبر رواية يحيى بن أبي كثير مُعضدة لروايتهم؛ لأنه اتفق معهم على ذكر أم سلمة في الإسناد، وإن كان خالفهما من وجهٍ آخر بإسقاط شيخ نافع.
فتبين مما تقدم أن هذا الحديث صحيح وقد صححه كبار الحفاظ كأبي عيسى الترمذي (1734) وأبي حاتم ابن حبان.
تنبيه آخر: الراوي عن أبي بكر بن نافع في هذا الحديث هو مالك، وقد اختلف عليه:
فوصله: يحيى الليثي (في الموطأ بروايته: 2658) عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية عن أم سلمة به؛ موصولاً.
وخالفه الجماعة: عبدالله القعنبي (ومن طريقه أبو داود في سننه: 4117، والجوهري في مسند الموطأ: 843، والبيهقي في الشعب: 6143 )، وأبو مصعب الزهري (في الموطأ بروايته: 1917؛ ومن طريقه: ابن حبان: 12/265، والبغوي في شرح السنة: 12/13)، وسويد بن سعيد (في الموطأ بروايته: 691)، ويحيى بن بكير، وعبدالأعلى بن حماد (ومن طريقهما ابن عدي في الكامل 7/298)؛ خمستهم رووه عن: مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أن أم سلمة.. به، مرسلاً.
والصواب عن مالك الإرسال؛ لاجتماع هؤلاء الخمسة على ذلك، وفيهم ثقةٌ حافظٌ مقدمٌ في مالك: كالقعنبي، وأبي مصعب.
على أن صفية بنت أبي عبيد تابعية كبيرة، وقيل: إنها صحابية؛ والصحيح الأول.
وقد وقع خلافٌ: هل أدركت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ ذهب ابن منده إلى الأول، وذهب الدارقطني إلى الثاني.
وإدراكها لعهد النبوة مُحتملٌ احتمالاً كبيراً، ويؤيد ذلك: ما رواه الواقدي عن موسى بن ضمرة بن سعيد المازني عن أبيه أنها تزوجت عبد الله بن عمر في خلافة أبيه عمر. (ينظر: تهذيب ابن حجر 4/679 ط.الرسالة). وهذا يرجّح كلام ابن منده -المتقدم- حيث يغلب على الظن أنها حين تزوجت ابن عمر، كان عمرها نحو 15 سنة أقل أو أكثر بقليل، وخلافة الصديق سنتين وأشهر، وخلافة عمر عشر سنوات، فإدراكها لعهد النبوة متّجه. والله أعلم.
ونخلص من هذا إلى قوّة هذا المرسل، وأنها أخذته من أم سلمة رضي الله عنها.
ويؤيد هذا: ما تقدم من رواية محمد بن إسحاق، وأيوب بن موسى؛ كلاهما عن نافع عن صفية عن أم سلمة موصولاً.
تنبيه أخير: روى النسائي في الكبرى (5/496) عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار أن أم سلمة؛ مرسلاً. والصواب الوصل، فقد رواه جمعٌ عن عبيدالله موصولاً كما تقدم.(1/23)
.
ووجه الدلالة من هذا: أن قدم المرأة عورة يجب ستره، وقد أباح الشارع للمرأة الإسبال -وهو مُحرّم- وذلك لئلا تتكشف قدماها الواجب سترها.
قال البيهقي في الكبرى (2/233) عند هذا الحديث: «وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها».
وقال ابن عبدالبر في التمهيد (24/148-149) عند هذا الحديث أيضاً: « وفي ذلك دليل على أن ظهور قدم المرأة عورة لا يجوز كشفه في الصلاة... وجرّ ذيل الحرة معروف في السنة، مشهور عند الأمة، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أبيات له:
كُتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جرّ الذيول».
قلت: وليس معنى كلام ابن عبدالبر أن قدم المرأة عورة في الصلاة فقط، بل معناه -والله أعلم- أن هذا الحديث دليل على أن قدم المرأة عورة مطلقاً، وبالتالي لا يجوز كشفه في الصلاة.
فإذا تقرر هذا: فَسِتْرُ وجه المرأة من باب أولى؛ لأنه مجمع الزينة، ولا يتصوّر من الشارع الحكيم أن يأمر المرأة بستر قدميها، ثم يبيح لها كشف وجهها!.
قوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) [النور: 31].
قال أبو الفداء ابن كثير في تفسيره (6/49): «كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوته ضربت برجلها الأرض فيسمع الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذا إذا كان شيءٌ من زينتها مستوراً فتحركت بحركة لتظهر ما هو مخفيٌ؛ دخل في هذا النهي».
وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى (3/217) على هذه الآية: « نصٌ على أن الرجلين والساقين مما يُخفى ولا يَحِلُ إبداؤه ».
قلت: فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالرجل؛ لئلا تُعْلم الزينة المخفية كالخلخال، فمن باب أولى ستر الوجه؛ لأنه مجمع الزينة كما تقدم، وهو أعظم فتنة من الخلخال بالنسبة للرجال.
فهذه الأدلة وغيرها تدل على وجوب ستر المرأة لجميع جسمها، ومن ذلك الوجه.(1/24)
وفي هذا الحكمة البالغة، والمصلحة التامة، من صيانة المرأة والحفاظ عليها، وفيه الحفاظ على الرجال من الوقوع في الفتنة، وهذا بدوره يؤدي إلى حفظ المجتمع وصيانته، فعلى المرأة التزام هذا والعمل به، وعلى وليها أمرها بذلك.
ثم أين هؤلاء الذين يفتون بجواز كشف الوجه في هذا الوقت، من النظر في الواقع، والتأمل في تصرفات النساء اليوم من كشفهن لوجههنّ، وتساهلهنّ بشروط ذلك.
وإذا أخذ العالم والمفتي في اعتباره مواطن الاتفاق التالية:
أن تغطية الوجه هو الأفضل، فهو يدور بين الوجوب والاستحباب.
إذا صاحب كشف الوجه فتنة، فإن كشف الوجه محرم، ومن الفتنة: كون المرأة شابة جميلة.
عند فساد الزمان وكثرة الفساق، حرُم كشف الوجه.
إذا صاحب كشف الوجه: تبرجٌ بزينة؛ حرُم.
لا يجوز إخراج شيء غير حدود الوجه الشرعية، فالشعر والنحر لا يجوز كشفهما بحال.
فقد حكى ابن رسلان: اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق. ينظر: نيل الأوطار (6/245).
أقول: إذا نظر العاقل في مواطن الاتفاق هذه، وتأمل واقع النساء اليوم، علِم -ضرورةً- أن المنع من كشف وجه المرأة في هذا الوقت هو المتعيّن، إذ إن النساء المتقيدات بهذه الشروط: نُدرة، وأحكام الشريعة تناط بالأعم الأغلب، والنادر ينسحب عليه حكم الغالب؛ مما يتعيّن أمرها بتغطية وجهها.
وقريب من هذا ويشبهه ما ذكره أبو العباس ابن تيمية مراعياً -في الفتيا- واقع الناس وأحوالهم، فقال: «وقد كان الإماء على عهد الصحابة - رضي الله عنهم - يمشين في الطرقات مكشوفات الوجوه، ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب، فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في هذه البلاد والأوقات لكان من باب الفساد»(1). اهـ
__________
(1) مختصر الفتاوى المصرية (ص30)، الفتاوى (15/418؛ 21/250).(1/25)
وأما التصوير فقد تكلم عليه أهل العلم، وألفت فيه رسائل خاصة، وفيه نحواً من ثلاثين حديثاً بالمنع من تصوير ذوات الأرواح، وقد تكلمت عنه بتفصيلٍ في موطن آخر، بما يغني عن إعادته هنا.
والذي أريد أن أتساءل عنه: أنه قبل عشرين سنة لم نكن نسمع من يهوّن أمر التصوير، فضلاً عن أن يجيزه، أو يتوسع فيه توسعاً غير مقبول كما هو حاصلٌ الآن، فهل هذا راجع إلى تغيّر اجتهاد؟ أم هو استسلام لضغط الواقع؟!. والله المستعان.
وعوداً على ما تقدم(1)، فإن من أهم الأسباب التي جعلت البعض يترخص في مثل هذه المسائل هو:
انتشار مثل هذه المنكرات بين عموم الناس، مع ضغط جماهير العوام عليهم، ولا أدل على هذا من قصة عن بعض أهل العلم حين قال عن حلق اللحية:
"ولما عمت البلوى بحلقها في البلاد المشرقية، حتى إن كثيراً من أهل الديانة قلّد فيه غيره خوفاً من ضحك العامة منه، لاعتبارهم حلقها في عرفهم، فبحثتُ غاية البحث عن أصل أخرّج عليه جواز حلقها؛ حتى يكون لبعض الأفاضل مندوحة عن ارتكاب المحرم باتفاق..."الخ ما قاله(2).
فانظر كيف اعتقد ثم استدل، وبذا تعرف خطورة مثل هذا المسلك: (التقرير ثم الاستدلال)، الذي يجبر المرء على دخول باب التأويل، واجترار النصوص، ودلالاتها تأبى الانقياد، حتى يصل به الأمر إلى تأويلٍ بعيدٍ تنبو عن قبوله الأفهام ، وكل ذلك إما إرضاءً لأشخاص، أو مجاراةً لواقعٍ وحال.
وقد عقد أبو محمد ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية، فصلاً نفيساً في هذا أنقله على طوله:
"فصلٌ: ينبغي الإنكار على الفعل غير المشروع وإن كثُر فاعلوه:
__________
(1) ص (8).
(2) ينظر: منهج التيسير المعاصر (ص 64)، الدعوة إلى الله لتقي الدين الهلالي (ص162).(1/26)
وينبغي أن يُعرف أن كثيراً من الأمور يفعل فيها كثير من الناس خلاف الأمر الشرعي، ويشتهر ذلك بينهم، ويقتدي كثير من الناس بهم في فعلهم، والذي يتعيّن على العارف مخالفتهم في ذلك قولاً وفعلاً، ولا يثبطه عن ذلك وحدته وقلة الرفيق.
وقد قال النووي: ولا يغتر الإنسان بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممن لا يراعي هذه الآداب، وامتثِل ما قاله الفضيل بن عياض: لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وقال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون: من صدر اعتقاده عن برهان لم يبق عنده تلوّن يراعي به أحوال الرجال، (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم).
وكان الصديق - رضي الله عنه - ممن يثبت على اختلاف الأحوال، فلم تتقلب به الأحوال في كل مقام زلت به الأقدام". اهـ(1).
وهذا منحىً خطير، ومنهج ضعيف، مبني على أصل مغلوط، إذ يصير بهذا التوسع سيالاً لا ينضبط، مؤدٍّ إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة، فإن التكاليف كلها لا تخلو من مشقة، وإن كانت محتملة، ولذلك سميت تكليفاً؛ من الكلفة: وهي المشقة، فإذا كانت المشقة حيث لحقت في التكليف تقتضي التخفيف بهذا، لزم ذلك في الطهارات والصلوات والزكوات والحج والجهاد وغير ذلك، ولا يقف عند ذلك حد إلا إذا لم يبق على العبد تكليف!(2).
فهو يقوم على تطويع الدين للواقع والرغبات والأهواء، والواجب تطويع الواقع للدين، بل قد جاءت الشريعة بمخالفة الهوى، وحذر الشارع الحكيم في غير ما موضع من اتباع الهوى، بل جعل اتخاذ الهوى شركاً، يقول تعالى: (أفرأيت من اتخذ إله هواه) [الجاثية: 23].
__________
(1) ينظر: الآداب الشرعية (1/280-281) بتصرف.
(2) ينظر: الموافقات للشاطبي (4/147-149) ط.دراز.(1/27)
قال أبو إسحاق الشاطبي عن هذه الشريعة المحمدية: «إنما أتى فيها السماح مقيداً بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها.. ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى»(1).
... وما نتج هذا إلا من التجرؤ على مقام ميراث الأنبياء: الاجتهاد والإفتاء، والتوقيع عن رب الأرض والسماء، ولا شك أن الاجتهاد فريضة وضرورة إذا كان صادراً من أهله.
ولذا اشترط بعض العلماء في المفتي ألا يكون متساهلاً؛ قال أبو المظفر السمعاني: « المفتي من استكمل فيه ثلاثة شرائط:
الاجتهاد.
والعدالة.
والكف عن الترخيص والتساهل.
وللمتساهل حالتان:
إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر وهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي، ولا يجوز أن يستفتى.
والثانية: أن يتساهل في طلب الرخص وتأوّل السنة فهذا متجوّز في دينه وهو آثَمُ من الأول»(2).
فأين هذا من فعل بعض المعاصرين اليوم من الدعوة إلى التيسير، وهم في الحقيقة يعنون بذلك التساهل.
... وقد يكون منشأ هذا: التسرع في الفتوى، وعدم استكمال النظر في أدلة المسائل، كما يجري اليوم من انتشار برامج (الفتوى) المباشرة في الإذاعات والقنوات، وما يحصل في بعضها من استعجالٍ غير محمود، حتى وصل الأمر إلى الفتيا في وقائع قضائية تحتاج إلى سماع كلا الطرفين، كالطلاق مثلاً؛ فتجد أحدهم يكتفي بالسماع من طرفٍ دون الآخر، ويفتي في الحال!، حتى إن المذيع أحياناً لا يمكّن السائل من التفصيل في مسألته، ولا يتمكن المفتي من الاستفصال من السائل، وذلك بحجة كثرة المتصلين وضيق وقت البرنامج.
__________
(1) الموافقات (4/145) ط.دراز.
(2) نقله في صفة الفتوى لابن حمدان (ص22).(1/28)
... وقارن بين هذا وقول أبي عمرو ابن الصلاح رحمه الله: «لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عُرف بذلك لم يَجُز أن يُستفتى، وذلك قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى، قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة، والإبطاء عجز ومنقصة، وذلك جهل، ولئن يبطىء ولا يخطىء أكمل به من أن يعجل فيَضل ويُضل»(1).
وأحب أن أنبه إلى أمور:
الأمر الأول: ينبغي على طالب العلم أن يدرك مكانته، ويتحمل مسؤوليته، ويراقب الله تعالى، ويتجرد للحق والصواب، وهو ما كان على وفق الدليل من الكتاب والسنة، ولا يتبع أهواء العامة، ويجري وراء إرضائهم بالتساهل والتيسير، فإن هذا من اتباع الهوى المضل عن الحق؛ يقول تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) [الجاثية: 18]، ويقول تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك) [المائدة: 49].
قال أبو عبدالله ابن القيم: «قد تكرر لكثير من أهل الإفتاء الإمساك عما يفتون به مما يعلمون أنه الحق إذا خالف غرض السائل ولم يوافقه، وكثير منهم يسأله عن غرضه، فإن صادفه عنده كتب له، وإلا دلّه على مفتٍ أو مذهبٍ يكون غرضه عنده، وهذا غيرُ جائزٍ على الإطلاق... فإن عرفه المفتي أفتاه به سواءً وافق غرضه أو خالفه»(2).
__________
(1) أدب المفتي والمستفتي (ص111).
(2) إعلام الموقعين (4/224) ط.منيرية.(1/29)
وقال أبو إسحاق الشاطبي: «وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد فلا يجعل بينهما وسطاً، وهذا غلط، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب، ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك، وأكثرُ من هذا شأنُهُ -من أهل الانتماء إلى العلم- يتعلق بالخلاف الوارد في المسائل العلمية، بحيث يتحرى الفتوى بالقول الذي يوافق هوى المستفتي بناءً منه على أن الفتوى بالقول المخالف لهواه تشديدٌ عليه، وحرج في حقه، وأن الخلاف إنما كان رحمة لهذا المعنى، وليس بين التشديد والتخفيف واسطة، وهذا قلبٌ للمعنى المقصود في الشريعة»(1).
... الأمر الثاني: لا بد للمفتي عند الإفتاء أن يقدر مآلات فتواه وآثارها، ومقاصد الشريعة، والتنبه للوازم القول، والتبصر بواقع المسائل، فإن لم يفعل فهو عن درجة الاجتهاد: إما قاصِرٌ أو مُقصّر.
... الأمر الثالث: ينبغي عدم إدخال العامة في تفاصيل بعض المسائل الخلافية مما يشوّش أذهانهم، ويُحيّر ألبابهم، ويشتت عقولهم، بل يجعلهم يظنون أنهم بالخيار بين هذه الأقوال، فصاروا يبحثون عن القول الأسهل بزعمهم، ويتركون ما دل عليه الدليل.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله»(2).
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»(3).
وقال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون: «حرامٌ على عالِمٍ أدرك عِلماً أطاقه فحمله، أن يرشح به إلى ضعيفٍ لا يَحْمِله ولا يَحْتمِله؛ فإنه يُفسده»(4).
__________
(1) الموافقات (4/259).
(2) رواه البخاري (127).
(3) رواه مسلم في المقدمة (1/11- مع شرح النووي).
(4) نقله في الآداب الشرعية (2/149) بتصرف يسير.(1/30)
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: «لا ينبغي للعالم أن يخاطب العوام بكل علم، فينبغي أن يخص الخواص بأسرار العلم؛ لاحتمال هؤلاء ما لا يحتمله أولئك، وقد عُلم تفاوت الأفهام»(1).
وقال أبو العباس ابن تيمية: «والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله»(2).
وقال في معرض كلامٍ له: «..وكذلك لا يفاتحوا فيها عوام المسلمين الذين هم في عافية وسلام عن الفتن، ولكن إذا سئل الرجل عنها أو رأى من هو أهل لتعريفه ذلك ألقى إليه مما عنده من العلم ما يرجو النفع به»(3).
... وقبل أن أختم: أشير إلى أن الشارع الحكيم لم يقصد في تكليفه مشقة العباد، وإن كان ثمة مشقة فهي مشقة محتملة معتادة، مأجور عليها.
... قال أبو العباس ابن تيمية: «فالله سبحانه أمرنا بالأعمال الصالحة؛ لما فيها من المنفعة والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة، كالجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم، فيحتمل تلك المشقة، ويثاب عليها؛ لما يعقبه من المنفعة»(4).
... فمن وجد من نفسه ضيقاً وحرجاً من بعض التكاليف الشرعية، والأوامر الإلهية؛ فليتهم نفسه، وليتفقد أمره، وليراجع حاله، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإن الذي لا يسلّم أمره كلّه لله، صدقاً من قلبه، ويتبع هواه سيثقل عليه الأمر الشرعي، ولا شك.
__________
(1) نقله في الآداب الشرعية (2/88).
(2) الفتاوى (12/237).
(3) الفتاوى (6/504).
(4) ينظر: الفتاوى (25/282-283) بتصرف يسير.(1/31)
... قال أبو إسحاق الشاطبي: «وكثيراً ما تدخل المشقات وتتزايد من جهة مخالفة الهوى، واتباع الهوى ضد اتباع الشريعة، فالمتبع لهواه يشق عليه كل شيء، سواءً أكان في نفسه شاقاً أم لم يكن؛ لأنه يصده عن مراده ويحول بينه وبين مقصوده، فإذا كان المكلف قد ألقى هواه ونهى نفسه عنه وتوجه إلى العمل بما كلف به خف عليه؛ ولا يزال بحكم الاعتياد يداخله حُبّه، ويحلو له مُرّه، حتى يصير ضده ثقيلاً عليه، بعد ما كان الأمر بخلاف ذلك، فصارت المشقة وعدمها إضافية تابعة لغرض المكلف، فرب صعب يسهل لموافقة الغرض وسهل يصعب لمخالفته»(1).
... وأخيراً: ليعلم من حاك في صدره، أو زوّر في نفسه، أن هذه الشريعة في حاجة إلى تهذيب أو تخفيف؛ لتوافق حاجات الناس حتى يألفوها، أن هذه الشريعة «مؤتلفة النظام، متعادلة الأقسام، مبرأة من كل نقص، مطهرة من كل دنس، مسلمة لا شية فيها، مؤسسة على العدل والحكمة والمصلحة والرحمة، قواعدها ومبانيها، إذا حرّمت فساداً حرّمت ما هو أولى منه أو نظيره، وإذا رعت صلاحاً رعت ما هو فوقه أو شبهه، فهي صراطه المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حرج، بل هي حنيفية التوحيد، سمحة العمل، لم تأمر بشيء فيقول العقل: لو نهت عنه لكان أوفق. ولم تنه عن شيء فيقول الحجى: لو أباحته لكان أرفق. بل أمرت بكل صلاح ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيّب، وحرمت كل خبيث، فأوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة، وظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها، شعارها الصدق، وقوامها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفصل.
__________
(1) الموافقات (1/332) ط. دراز.(1/32)
لا حاجة بها ألبتة إلى أن تُكمّل بسياسة ملك، أو رأي ذي رأي، أو قياس فقيه، أو ذوق ذي رياضة، أو منام ذي دين وصلاح»(1)، أو تخفيف متساهل، أو تيسير صاحب هوى، أو تتبع لشواذ العلم(2).
هذا وقد اطلعت على ما كتبه الابن الشيخ: فهد بن سعد أبا حسين، في كتابه: (كيف نفهم التيسير)، فقد أجاد وأفاد، فجزاه الله خيراً، وبارك الله فيه، ونفع بما كتبه.
هذا وبالله تعالى التوفيق.
أملاه:
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد
الرياض- 10/7/1428
الحمد لله القائل + - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنهم -( - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - قرآن كريم ( { - - ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - (((( "
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل (( خذوا عني مناسككم )) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . ... ...
أما بعد :
فإن القلب لا يستقيم على الحق حتى يعظم الأمر والنهي .
قال ابن القيم رحمه الله : وما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعظيم الأمر والنهي : (( هو أن لا يعارضها بترخّصٍ جافٍ ولا يُعارضها بتشديدٍ غالٍ ، ولا يحملا على علةٍ توهن الانقياد ...)) (3)
__________
(1) إعلام الموقعين (3/180-181) ط.منيرية.
(2) ومن الكتب المفيدة في هذا الجانب: كتاب: (رفع الحرج في الشريعة الإسلامية) للشيخ صالح بن حميد، وكذلك كتاب: (منهج التيسير المعاصر) لمؤلفه: عبدالله بن إبراهيم الطويل، وهو كتاب قيم جداً، ونفيس في بابه، وقد أفاض في الكلام على هذه القضايا والمسائل. فجزاهم الله خيراً.
(3) الوابل الصيب لابن القيم ص21.(1/33)
ومناسك الحج من الواجبات التي أمر الله بالقيام بها . وهي من شعائر الله التي من عظمها فإنها من تقوى القلوب، وتعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد .
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : + - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنهم -( - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - قرآن كريم ( { - - ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - (((( " .
والمراد بالشعائر أعلام الدين الظاهرة ، ومنها : المناسك كلها كما قال تعالى : + - } تمت ( { - - ( - ( - - - فهرس - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - (( - - - رضي الله عنهم -( - { ( - - - } " ، ومنها الهدايا والقربات ، وتقدم أن معنى تعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد ... الخ.(1) أ ـ هـ
وفي تفسير قوله تعالى : + ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه "
قال القرطبي رحمه الله في التفسير: الحرمات هنا هي أفعال الحج .(2) أ ـ هـ
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في التفسير: وحرمات الله كلُّ ماله حرمةٌ وأمَرَ باحترامه من عبادة أو غيرها . كالمناسك كلها . وكالحرم والإحرام وكالهدايا ، وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها ، فتعظيمها إجلالاً بالقلب ومحبّتها وتكميلُ العبودية فيها غير متهاون ولا متكاسل ولا متثاقل .(3) أ ـ هـ
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن ( 3/1099).
(2) الجامع لأحكام القرآن (12/37) .
(3) تيسير الكريم الرحمن ( 3/1098) .(1/34)
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن استقامة القلب بأمرين :
أحدهما : تقديم محبة الله على جميع المحاب ...
الثاني : الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي ، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي ، فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه . قال سبحانه : + - } تم بحمد الله ( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - - ( - - - جل جلاله - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( " …… ثم قال : فعلامة التعظيم للأوامر : رعاية أوقاتها وحدودها ، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها ، والحرص على تحينها في أوقاتها ، والمسارعة إليها عند وجوبها ، والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها ... الخ )(1) .
فكان حريًّا أن يكون شعار التأليف .. ومجمل ما يُطرح متناسقاً مع هذا الأصل العظيم وهو تعظيم شعائر الله .
وحينما تضعف هذه الشعائر في القلوب ويضعف العمل ويُنسى العلم يكثر الاختلاف .
فإن من أعظم أسباب الخلاف نسيان العلم .
__________
(1) الوابل الصيب لابن القيم ص20 .(1/35)
كما قال الله جل وعلا عن النصارى : + - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - الله أكبر - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - { ( - الله - ( تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - جل جلاله - - ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - مقدمة - - - ( } تم بحمد الله } - - صلى الله عليه وسلم -( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - (( مقدمة ( - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - فهرس - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -( - - - (((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ( { ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - ... " .
فنسيان العلم .. والتساهل به .. وعدم تعظيمه حين بيانه له آثاره الوخيمة .
ومن أسباب الاختلاف البغي بين العلماء والدعاة .(1/36)
كما قال سبحانه + ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( ((( - - رضي الله عنه - - - - - (((- رضي الله عنه - - ( - ( { - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - { قرآن كريم ( - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( تمهيد (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - { ( - - - ( - ( } ( - - جل جلاله -( - - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - (((( تمهيد ( - ( - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - جل جلاله -( } - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - } - - } - - رضي الله عنهم - - - ( } - ( قرآن كريم (( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - - - - - - ((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - ".
فالبغي والتحامل وتحميل المتحدث والمؤلف ما لم يقله من الظلم ومن أسباب الاختلاف .(1/37)
وليس معنى ذلك السكوت عن المخالف . فإن بيان الحق واجب ، وإيضاح الحق في أي قضية من القضايا ليس من أسباب الاختلاف وإنما هو من أسباب ظهور العلم ، قال الذهبي رحمه الله : وما زال العلماء قديمًا وحديثًا يرد بعضهم على بعض في البحث والتواليف وبمثل ذلك يتفقه العالم وتتبرهن له المشكلات .(1)
ولذلك كان السلف رحمهم الله يردُّ بعضهم على بعض في أقوالهم .. وكتاباتهم .. ومؤلفاتهم ..
والدكتور سلمان العودة خطَّأ الشيخ صديق حسن خان رحمه الله كما في ص80 ، وذكر رأيًا للشيخ الألباني رحمه الله ولم يوافقه عليه كما في ص75 .
والحافظ ابن رجب عدّ الرد على المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية إذا صلح القصد من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم .(2)
وعندما ألف الشيخ عبدالله بن محمود رحمه الله كتابًا في الحج قد جمع فيه تيسيرات في الحج . رد عليه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله بكتاب (تحذير الناسك عما أحدثه ابن محمود في المناسك).
ورد عليه أيضًا الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله في كتاب سماه (( الرد على صاحب يسر الإسلام )).
وقد راجت في هذه السنوات حملة تدعو إلى التساهل في شتى الأحكام وخاصة عبادة الحج .
وكان من أعجب ما رأيت . أنني ألقيت محاضرة في إحدى الحملات فجاءني سؤالٌ من امرأة يقول :
هل يجوز التوكيل للمرأة في الرمي فلما فصَّلت في المسألة ، قال لي مرشد الحملة : انتبه ! فإن النساء يوكلن في لرمي ويذهبن إلى السوق .. سبحان الله !!
ويقابلني أحد الشباب من هذه البلاد في اليوم الحادي عشر قائلاً : سأرمي اليوم أنا وأمي وأختي وأنطلق إلى بلدي .. (( في اليوم الحادي عشر )) فقلت له : اتق الله . لا يجوز لك ذلك ... لابد أن ترمي اليوم الثاني عشر ثم تطوف الوداع ثم تذهب إلى أهلك . فقال لي : أذبح عن كل واجب ذبيحة !!!
__________
(1) سير أعلام النبلاء (12/500)
(2) الفرق بين النصيحة والتعيير ص16.(1/38)
وهكذا في قصصٍ للحج تنبئ بتهاون البعض في هذه الشعيرة العظيمة .. وتؤرِّق علماء وحرّاس الشريعة.
وقد وقفت في حج هذا العام 1427هـ على كتاب للدكتور سلمان العودة بعنوان : (( افعل ولا حرج )) . وقرأت مقدمة للكتاب كتبها الشيخ عبدالله بن بيه والكتاب جمع فيه مؤلفه أحكامًا يريد فيها تيسيراً على الناس .(1)
فرأيت في الكتاب دعوة إلى التساهل ببعض مناسك الحج ... ورفع شعار مقصد التيسير دون شعار (( خذوا عني مناسككم )) .
ومن أهم ما ينتقد على الكتاب طريقته في تربية الناس في التعامل مع الحكم الشرعي .. وبعبارة أدق في التعامل مع النص الشرعي سواءٌ في مجمل طرح الكتاب .. أو شعاره .. أو في بعض عباراته .
ورأيت في مقدمة الشيخ عبدالله بن بيه أنه يورد كلام العلماء في غير ما أرادوه ، ودعا إلى معرفة الخلاف من أجل التيسير .
وهذه طريقة حذر منها السلف رحمهم الله وكانت دعوة السلف إلى معرفة الخلاف والأدلة حتى يكون اختيار القول في المسألة مبنيا على الأصول الصحيحة وعلى الدليل.
ورأيت توسعًا في فهم التيسير للشريعة .. وكأن الأحكام الشرعية بنيت على هذا الفهم الواسع للتيسير ولم تبن على موافقة الأدلة .
ورأيت الكتاب فيه تربية لعقول عامة الناس للعمل بأحكام الشريعة بعموميات القواعد الفقهية التي تختلف فيها أفهام العلماء وآرائهم .. فضلاً عن العامة .
ورأيت إجمالاً في مواطن تحتاج إلى تفصيل .. إذ لابد من التفريق بين مشروعية الرخصة وبين تتبع الرخص . وهكذا في القول بالأخف فلابد من التفريق بين الأخذ بالأيسر مع مصادمة الدليل . وبين مسألة أخرى تساوت فيها الأدلة ، فصار التيسير والأخذ بالأخف من مرجحات أحد القولين .
__________
(1) التيسير مقصد من مقاصد الشريعة لا شك في ذلك لكن الإشكال كيف نفهم التيسير فلابد أن نفرق بين التيسير الحقيقي الجاري على أصول الشريعة وبين التيسير الموهوم ..... لابد أن نفرق بين التساهل والتيسير .(1/39)
كما أن الكتاب فيه توجيه بعبارات قاسية للعلماء . كنت أتمنى من د. سلمان العودة أنه ترك تلك العبارات .
ورأيت دعوة من المؤلف إلى تحقيق المقاصد .. مع أن هذا الكتاب من أخذ بأقواله وعمل بها فإنه لا يحقق المقاصد بالوضع المطلوب لأنه يأخذ بأدنى الكمال . وقد بيّنا أن من تعظيم شعائر الحج إتمام وإكمال المناسك .
وناقشته في بعض المسائل الفقهية التي تتسع الصدور للخلاف فيها .
ولم أركِّز على نقاش المسائل الفقهية كالتركيز على التأصيل ومنهج المؤلف . ولم أقصد في هذا الكتاب إلا الإشارة والتوضيح تبرئة للذمة فقد تركت كثيرًا من المسائل .. وكثيراً من النقول خشية الإطالة فلعل فيما ذكرته كفاية .
فما كان من صواب فمن توفيق الله . وما كان غير ذلك فأستغفر الله منه .
وأشكر الله جل وعلا أولاً وأخيراً فوالله ما كان لهذا القلم أن يكتب إلا بفضل من الله سبحانه ، فالحول والقوة بيده سبحانه .
ثم أشكر معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي وفضلية الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد على ملاحظاتهم وتوجيهاتهم وتقديمهم للكتاب ، فأسأل الله جل وعلا أن يجزيهم خير الجزاء وأن يزيدهم من فضله في الدنيا والآخرة وأن يجعلهم ذخراً للإسلام والمسلمين .
كما أنني أسأله سبحانه أن يوفقني ويوفق الدكتور الشيخ سلمان بن فهد العودة والشيخ الدكتور عبدالله بن بيه إلى ما يحب ويرضى ، وأن يجمع قلوبنا على الحق ... وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
فهد بن سعد أبا حسين
لعشر بقين من شهر صفر 1428هـ
الوقفة الأولى :(1/40)
ذكر الشيخ عبدالله بن بيه ص28 مطلبا كاملاً سماه: توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة .
وذكر فيه أن للاختلاف أسبابه المشروعة، وأن معرفة الاختلاف ضرورية للفقيه حتى يتسع صدره وينفسح فقهه . ثم ذكر آثار السلف في ضرورة معرفة الاختلاف كقول قتادة : ( من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه... ) وغيره من الآثار ، إلى أن قال : ويراجع الشاطبي في الموافقات فقد عدَّ معرفة الاختلاف من المزايا التي على المجتهد أن يتصف بها.
ثم قال الشيخ عبدالله بن بيه : إذا تقرر ما تقدم من جواز الاختلاف بين أهل الحق ، فاعلم أن هذا الاختلاف قد يكون سبباً للتيسير والتسهيل ، والتيسير مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب والسنة . كما مر عن الشاطبي وغيره . أ ـ هـ
الجواب :
أن الشاطبي رحمه الله لم يدعُ إلى معرفة الاختلاف فقط . وإنما دعا إلى معرفة الاختلاف ومعرفة مواقع الاختلاف حتى يُعرف القولُ الصحيح .. ويعرف ما الذي يُرجحُ من الأقوال .
فبعدما ذكر الشاطبي رحمه الله الآثار التي ذكرها الشيخ عبدالله بن بيه ومنها أثر قتادة . قال الشاطبي بعد ذلك : وكلام الناس هنا كثير، وحاصله معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف ومعرفة ذلك إنما تحصل بما تقدم من النظر ، فلابد منه لكل مجتهد .. الخ . (1)
وكلام الشاطبي رحمه الله يفيد بأن اختلاف العلماء لا يوظَّف لاختيار أيسر الأقوال . إذ إنَّ العبرة عند الشاطبي معرفة مواقع الخلاف لا حفظ مجرد الخلاف ولذلك فإن معرفة الأقوال بدون معرفة أدلة الترجيح ومواقع الخلاف قد لا تزيد صاحبها إلا شتاتا ، وكيف سيرجح من عرف الخلاف دون الأدلة .
__________
(1) الموافقات (5/123).(1/41)
قال ابن القيم : ( ولا يجوز للمفتي أن يعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح ، ولا يعتد به بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قولاً قاله إمام ، أو وجهاً ذهب إليه جماعة فيعمل بما شاء من الوجوه والأقوال حيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح ، وهذا حرام باتفاق العلماء )(1).
وبهذا يتبين خطأ من اعتقد أن الخلاف ومعرفته يوظف للتيسير على الناس .
وما أجمل كلمة الشاطبي رحمه الله حين قال : فإذا عرض العامي نازلته على المفتي ، فهو قائل له : ( أخرجني عن هواي ودلني على اتباع الحق ) فلا يمكن والحال هذه أن يقول له : ( في مسألتك قولان ، فاختر لشهوتك أيهما شئت ) فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع ... الخ . (2)
الوقفة الثانية :
ذكر الشيخ عبدالله بن بيه ص25 مطلبًا في توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة وذلك معنى كون الاختلاف رحمة . ثم قال : فقد فسر الشاطبي رحمة الخلاف بقوله : ( إن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة ، وإذا كان من جملة الرحمة ، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجاً من قسم أهل الرحمة .
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة : ما رُوي عن القاسم بن محمد قال : ( لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ).
وعن ضمرة عن رجاء قال : ( اجتمع عمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد ، فجعلا يتذاكران الحديث ، قال : فجعل عمر يجيءُ بالشيء يخالف فيه القاسم ، قال: وجعل القاسم يشق ذلك عليه ، حتى تبين فيه ، فقال له عمر : لا تفعل ، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم ).
__________
(1) إعلام الموقعين (4/265) .
(2) الموافقات (5/97)(1/42)
وروى ابن وهب عن القاسم أيضاً ، قال : ( لقد أعجبني قول عمر بن عبدالعزيز : ما أحب أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون ؛ لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق ، وإنهم أئمة يقتدى بهم ، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة ).
ومعنى هذا : أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه ، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق ؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة ـ كما تقدم ـ فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم ، وهو نوع من تكليف ما لا يطاق ، وذلك من أعظم الضيق . فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم ، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة ، فكيف لا يدخلون في قسم + صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - تمهيد ( مقدمة { - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - "(1) ، فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها ، والحمد لله .... ) أ ـ هـ ما نقله عن الشاطبي ثم قال الشيخ عبدالله بن بيه ص29 أن ما تقدم من جواز الاختلاف بين أهل الحق . قد يكون سببًا للتيسير والتسهيل .
والجواب على هذا من وجوه :
أولا : ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي . لا يناسب المطلب المذكور . وهو مطلب [ توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة . وذلك كون معنى الاختلاف رحمة ] .
بل إن الشاطبي رحمه الله في مواطن أخرى يردُّ على ما فهمه الشيخ عبدالله بن بيه . .
حيث يقول الشاطبي رحمه الله :
__________
(1) سورة هود : 119.(1/43)
ومن هذا أيضاً جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال وعدم التحجير على رأي واحد ويحتج في ذلك بما روي عن القاسم بن محمد وعمر بن عبدالعزيز(1) وغيرهما مما تقدم ذكره ويقول : إن الاختلاف رحمة وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي عليه أكثر المسلمين ، ويقول له : لقد حجرت واسعاً ، ومِلْت بالناس إلى الحرج ، وما في الدين من حرج وما أشبه ذلك ، وهذا القول خطأ كله ، وجهل بما وضعت له الشريعة ) أ ـ هـ .(2)
وقال الشاطبي في كتاب الاعتصام: ( الثامن : رأى قوم ممن تقدم زماننا هذا ـ فضلاً عن زماننا ـ اتخذوا الرجال ذريعة لأهوائهم وأهواء من داناهم ، ومن رغب إليهم في ذلك ؛ فإذا عرفوا غرض بعض هؤلاء في حكم حاكم أو فتيا تعبداً(3) أو غير ذلك ؛ بحثوا عن أقوال العلماء في المسألة المسئول عنها حتى يجدوا القول الموافق للسائل فأفتوا به، زاعمين أن الحجة في ذلك لهم قول من قال: ( اختلاف العلماء رحمة ) ، ثم ما زال هذا الشر يستطير في الأتباع وأتباعهم ، حتى لقد حكى الخطابي عن بعضهم أنه يقول : ( كل مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز شذ عن الجماعة أو لا ، فالمسألة جائزة )(4) .أ ـ هـ كلام الشاطبي رحمه الله
__________
(1) وهما الأثران اللذان ذكرهما الشيخ عبدالله بن بيه في نقله السابق .
(2) الموافقات (5/94) .
(3) هكذا في كتاب الاعتصام .
(4) الاعتصام (2/353) .(1/44)
وكلام الشاطبي في هذا كثير . وإنما أردت الإشارة فقط . (1)
والعلماء قد تتابعوا في الرد على ما فهمه الشيخ عبدالله بن بيه من أثر عمر بن عبدالعزيز رحمه الله . وحذروا من توظيف الخلاف لاختيار أيسر الأقوال ... وأن يُجعل الخلاف دليلاً وممن حذر من ذلك ابن عبدالبر رحمه الله .
فبعد ما ذكر ابن عبدالبر رحمه الله الآثار التي ذكرها الشيخ عبدالله بن بيه في أن الاختلاف رحمه . أثر القاسم ، وقول عمر بن عبدالعزيز وغيرها قال ابن عبدالبر بعد صفحات : ( الاختلاف ليس بحجة عند أحدٍ علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له ، ولا معرفة عنده ، ولا حجة في قوله ) (2).
__________
(1) ومما قاله الشاطبي : وقد زاد الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدوداً في حجج الإباحة ، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم ، لا بمعنى مراعاة الخلاف فإن له نظرًا آخر ، بل في غير ذلك ، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع ؛ فيقال : لم تمنع والمسألة مختلف فيها ؟ لا لدليل يدل على صحة الجواز ، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس معتمداً معتمداً، وما ليس بحجة حجة ..... إلى أن قال عن الخطابي أنه قال : وليس الاختلاف حجَّة وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين .
ثم قال الشاطبي : والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه ويجعل القول الموافق حجة له ، ويدرأ بها عن نفسه فهو آخذ القول وسيلة إلى إتباع هواه ، لا وسيلة إلى تقواه ، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلاً لأمر الشارع ، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه . أ ـ هـ . الموافقات (5/94).
وانظر الموافقات (5/75) ـ (5/278) .
(2) جامع بيان العلم وفضله (2/922) .(1/45)
وقال ابن عبدالبر: ( وقد قال مالك والليث في اختلاف أصحاب رسول الله ×: ليس كما قال ناس فيه توسعة ، ليس كذلك ، إنما هو خطأ وصواب )(1).
قال القاضي إسماعيل : ( إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله × توسعة في اجتهاد الرأي ، فأما أن يكون توسعة أن يقول الإنسان بقول واحدٍ منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا . ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا )
قال ابن عبدالبر : كلام إسماعيل هذا حسنٌ جدًّا . أ ـ هـ .(2)
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/906) .
(2) جامع بيان العلم وفضله ( 2/906) ، الموافقات (5/75) .(1/46)
ونقل ابن عبدالبر عن المزني أنه قال : ( قال الله تعالى : + ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - (( ( - ( - - ( ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام - قرآن كريم - - ( مقدمة - (( - - (( فهرس - ( - ( - - - - - - - ( الله - - (((( "(1) ، فذم الاختلاف . وقال : + - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - } - قرآن كريم ( - { - - ( - - } - قرآن كريم (( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - " الآية(2). وقال : + تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت ( { ( - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - (((( "(3)....
قال المزني : فذم الله الاختلاف ، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه ، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة . (4)
__________
(1) النساء : 82 .
(2) آل عمران : 105 .
(3) النساء : 59.
(4) جامع بيان العلم وفضله 2/910 .(1/47)
ومن الأدلة التي تبين خطأ ما ذكره الشيخ عبدالله بن بيه . أن السلف رحمهم الله حذروا من زلة العالم وتخوفوا منها . كما جاء عن عمر ومعاذ وسلمان رضي الله عنهم .
وقد نقل ذلك ابن عبدالبر رحمه الله ثم قال : وقد اختلف أصحاب رسول الله × ، فخطأ بعضهم بعضاً ، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقبها ، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم لما فعلوا ذلك . أ ـ هـ .(1)
ومن الاختلاف الذي حصل بين الصحابة ما ذكره الدكتور سلمان ص72 من الاختلاف بين المسور بن مخرمة وابن عباس رضي الله عنهم في غسل المحرم رأسه فأخذوا بقول الرسول × .(2)
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/911) .
(2) ذكر المؤلف ص72 حديث عبدالله بن حنين عن ابن عباس والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنهما اختلفا بالأبواء ، فقال عبدالله بن عباس : يغسل المحرم رأسه . وقال المسور : لا يغسل المحرم رأسه . فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أسأله عن ذلك ، فوجدته يغتسل بين القرنين ، وهو يستتر بثوب . قال : فسلمت عليه ، فقال : من هذا ؟ فقلت أنا عبدالله بن حنين ، أرسلني إليك ابن عباس ، أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب رضي الله عنه يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ، ثم قال لإنسان يصب : اصبب ! فصب على رأسه ، ثم حرك رأسه بيده ، فأقبل بهما وأدبر ، ثم قال : (هكذا رأيته × يفعل ) . رواه البخاري (1840) ، قال ابن عبدالبر ـ الاستذكار 11/15 : وفيه من الفقه أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن في قول واحدٍ منهم حجة على غيره إلا بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة ، ألا ترى أن ابن عباس والمسور لما اختلفا لم يكن لواحدٍ منهما حجةً على صاحبه حتى أدلى ابنُ عباس بالحجة بالسنة ففلج . أ ـ هـ(1/48)
فتبين بما ذُكِر من النصوص أن الخلاف لا يهوِّن من الحكم الشرعي في قلب العالم وطالب العلم وغيرهم. سواءٌ في العمل بهذا القول أم الفتوى به .(1)
وليس معنى ذلك معاداة من خالفه .فإن الصدور تتسع للخلاف في كثير من مسائل الفقه . إلا إذا اتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق .
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مسألة زكاة الحلي ـ قال :
الجواب : هذه المسألة كغيرها من مسائل الخلاف المعول فيها وفي غيرها على الدليل ، فمتى وجد الدليل الذي يفصل النزاع وجب الأخذ به ، لقول الله سبحانه : + يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " [ سور النساء : 59 ] وقوله عز وجل : + وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " [ الشورى :10] ، إلى أن قال رحمه الله : وهذه المسألة قد اختلف فيها العلماء من الصحابة ومن بعدهم ، كغيرها من مسائل الخلاف ، فالواجب على أهل العلم فيها وفي غيرها بذل الوسع في معرفة الحق بدليله . ولا يضر من أصاب الحق من خالفه في ذلك . وعلى كل واحد من أهل العلم أن يحسن الظن بأخيه ، وأن يحمله على أحسن المحامل ، وإن خالفه في الرأي ما لم يتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق ، والله ولي التوفيق . (2)
ثانيًا : أن ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي إنما يدل على جواز الاختلاف في الاجتهاد ، وليس جواز اختيار القول بلا دليل وبلا حجة . فالخلاف يعدُّ توسعةً في مجال الاجتهاد، ووجوده يدل على أن الأمر معروض للنقاش والتدليل والترجيح .
__________
(1) وانظر ما نقله البعلي في كتابه شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل لشيخ الإسلام ابن تيمية في إبطال قول من قال إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ص81 .
(2) فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله 5/67 .(1/49)
ولو كان الاختلاف محرمًا في المسائل الفقهية ، لضاق الأمر على العلماء .
لكنهم لم يفتحوا الحرية للمفتي بأن يختار بحسب ما يشتهي ... وبحسب ما تهوى النفوس ... وأن يختار أيسر الأقوال .
وقد نقل ابن حزم اتفاق العلماء على أنه لا يحل لأحد أن يقول في دين الله بالهوى والتشهي ، ولا أن يعمل بما شاء دون الرجوع إلى دليل شرعي . أ ـ هـ . (1)
ونقل الإجماع ابن عبدالبر (2) وابن الصلاح (3) وغيرهم . فالعلماء وظيفتهم بيان معاني الكتاب والسنة ... وليس لهم التشريع للناس .
واختيار أيسر الأقوال عند الاختلاف حتى لو خالف النص . هذا تنحيةٌ لنصوص الشريعة ... وإتباع لآراء الرجال .
ثم أختم هذه الوقفة بتحذير العلماء من تتبع الرخص ...
فقد قال الأوزاعي : ( من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ...) .(4)
وقال مالك : ( ليس كل ما قال رجل قولاً وإن كان له فضل يتابع عليه لقوله عز وجل : + - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( تمهيد ( - - عليه السلام - - - ( ((( مقدمة - عليه السلام - - - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - " )(5) .
ونقل الشاطبي عن ابن حزم الإجماع على أن تتبع الرخص بلا دليل شرعي فسق لا يحل (6).
وقال ابن عبدالبر : ( قال سليمان التيمي : إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله )(7) .
__________
(1) مراتب الإجماع ص84 .
(2) جامع بيان العلم وفضله (2/927) .
(3) آداب المفتي ص87.
(4) سنن البيهقي (10/211).
(5) الاعتصام للشاطبي (2/362) .
(6) الموافقات للشاطبي (5/82).
(7) جامع بيان العلم وفضله (2/927).(1/50)
قال إسماعيل بن إسحاق : ( دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً نظرت فيه ، وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء ، وما احتج به كل منهم لنفسه ، فقلت له : يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق ، فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت : الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر ، وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه . فأمر المعتضد ؛ فأحرق الكتاب )(1).
وقال ابن حزم : ( وطبقة أخرى ، وهم قوم بلغت بهم رقة الدين ، وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل ، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسول الله × )(2).
وقد ذكر الشاطبي مفاسد تتبع الرخص فمن تلك المفاسد :
ـ الانسلاخ من الدين بترك إتباع الدليل إلى إتباع الخلاف .
ـ الاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالاً لا ينضبط .
ـ ترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم .
ـ وانخرام قانون السياسة الشرعية .
إلى غير ذلك من المفاسد التي ذكرها رحمه الله .(3)
الوقفة الثالثة :
نقل الشيخ عبدالله بن بيه ص27 حديث ( اختلاف أمتي رحمة ) ومما نقله عن بعض أهل العلم : أن هذا الحديث لعلَّه خُرِّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا . أ ـ هـ ؟؟؟
الجواب :
ذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة عن المناوي أنه نقل عن السبكي في هذا الحديث أنه قال : ( وليس بمعروف عن المحدثين ، ولم أقف على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ) أ ـ هـ .
وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على ( تفسير البيضاوي )(4). أ ـ هـ كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
__________
(1) سنن البيهقي (10/211) .
(2) الإحكام لابن حزم (5/68) .
(3) في الموافقات (5/102) .
(4) السلسلة الضعيفة (1/57) .(1/51)
وأما قوله عن هذا الحديث : فقد يكون في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا .أ ـ هـ
فلست أدري ما فائدة تصنيف الأحاديث إلى صحيح وضعيف وموضوع وما فائدة وجود المحدثين ؟ وما هو عملهم .
ولو قلنا بذلك . لاستدل أهل الباطل على باطلهم بنصوص لعلها في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا بعد ؟
فلٍم الحرص على تصحيح الحديث ؟؟
الوقفة الرابعة :
ذكر الشيخ عبدالله بن بيه ص18 ـ قوله :
وليس التيسير ورفع الحرج قاعدة فقهية فقط عبر عنها الفقهاء بقولهم : ( المشقة تجلب التيسير ) وقول الشافعي رحمه الله : ( الأمر إذا ضاق اتسع ) . إلى غير ذلك من العبارات التي تصب في هذا الجدول بل رفع الحرج والتيسير مقصد أعلى من مقاصد الشريعة . أ ـ هـ .
الجواب :
أولاً : لا شك أن التيسير مقصد من مقاصد الشريعة ومن أدلة ذلك : قول الله تعالى + ( - - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - ((( - - - " .
وقوله سبحانه : + - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( - ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ( - المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة " وقوله : + - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - (( (((( - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة " .(1/52)
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ))(1) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الدين يسر ... ))(2)، وقول عائشة رضي الله عنها : (( ما خيّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ))(3).
وقال البخاري رحمه الله : باب الدين يسر . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ))(4).
والأدلة في ذلك كثيرة .
ومن مظاهر التيسير في هذه الشريعة المباركة أن الله جل وعلا لم يكلفنا إلا بما نطيق .
ووضع عن هذه الأمة الإصر والأغلال .
وشرع الفطر والقصر للمسافر . . . ووضع الكفارات لبعض الخطايا ككفارة الحلف وغيرها .
وأبدل الغسل والوضوء بالتيمم إذا عُدم الماء .. أو عند مرض الإنسان ، والمريض إن لم يستطع القيام صلى قاعدًا .. فإن لم يستطع فيصلي على جنب ، وأسقط الجمعة والحج والعمرة والجهاد بالأعذار .. .
فالدين يسر .. لا إشكال في ذلك ، وإنما الإشكال في كيفية فهمنا لهذا التيسير .
ثانيًا : حينما نفهم التيسير الذي جاءت به الشريعة فلابد أن نفهمه بفهم الشريعة وليس بفهم آخر ...
فمخالفة الهوى مثلاً فيها مشقة على النفوس ... والصلاة إذا قام إليها المنافقون قاموا كسالى بخلاف المؤمنين الخاشعين + - { - } - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - - - ( - - - - - - صدق الله العظيم ( { - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((((((( - - ( - - - " فلابد أن يكون التيسير جاريًا مع الأصول الشرعية .. وليس بحسب ما يهوى السائل والمفتي .
__________
(1) رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فتح الباري (1/386) برقم (220) .
(2) رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - برقم (39).
(3) رواه البخاري برقم (3560)
(4) فتح الباري (1/116).(1/53)
ولذلك كان من الخطأ أن يكون التيسير فيه مجاوزة للنصوص الشرعية . لأن الأخذ بالأيسر مع مصادمة النصوص تحكيمٌ للهوى على الأدلة فتكون الأدلة تابعة لا متبوعة قال تعالى: + - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - - { ( - - رضي الله عنه -(((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } ".
والشارع إنما قصد بوضع الشريعة إخراج المكلف عن اتباع هواه حتى يكون عبدًا لله .
والعالم والداعية من وظيفتهم توجيه الناس إلى حقيقة العبودية ونهي الناس عن اتباع أهوائهم .
ومن الخطأ أيضاً أن نجعل التيسير هو مقصد المقاصد في الحج أو في الأحكام الشرعية ولا مقصد وراءه .
ومن الخطأ أيضًا أن يكون التيسير مصادمًا لأصول ومقاصد شرعية أخرى .
فإذا كان التيسير مقصدًا من مقاصد الشريعة . فلابد أن يكون هذا التيسير قد توفرت شروطه . فالتيسير مقصد شرعي عام . لكنه كغيره من المبادئ لابد له من شروط .(1/54)
ففي قوله تعالى : + } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - - - (( ( - - { - رضي الله عنه -( - - - - ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - الله أكبر - بسم الله الرحمن الرحيم } - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - { - صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة لو كانوا يفقهون " فقد يسبق إلى الوهم أن شدة الحر قد تسبب التخفيف إن وقعت ، والحقيقة ليست كذلك ؛ لأن التخفيف هنا يتنافى مع مقصد من أهم مقاصد الشريعة، وهو سيادة الإسلام ، ولن تكون له سيادة مع الركون إلى الدعة والتخفيف ، والتيسير المطلق من كل القيود .
ثالثاً : ومن الخطأ أن نحصر التيسير في الحل والإباحة .. وأن نظن بأن التيسير إنما هو في قولنا هذا حلال . . هذا ليس بواجب . فمن حصر التيسير في ذلك فإنه لم يفهم التيسير على أصوله الشرعية .
لأن الأحكام التي شُرِعت . لها حِكمٌ قد نعلمها وقد لا نعلمها .. قد تعود بالمصلحة للفرد المكلف بهذا العمل .. وقد تعود بالمصلحة للمجتمع والأمة .. وقد تعود بالمصلحة لهما جميعًا .
ففي الزكاة مثلاً حينما نأخذ بالأيسر .. فنقول لا تجب عليك الزكاة في مسألة الحلي .. ولا في البهيمة غير السائمة(1) .. ففي هذا تيسير على صاحب المال . ولكنه تشديدٌ على الفقير .. لأننا منعنا عنه الزكاة .
وهكذا في أكل الربا .. فمن الحِكمِ العظيمة في تحريم الربا وجود الضرر على الفقير فحينما نفتي بالأيسر الذي نراه فنقول للفقير لا بأس بالربا فنحن قد أفتيناه بالضرر والأشد .
__________
(1) وأنا لا أقرر الحكم في هذه المسائل وإنما من باب ضرب المثال فقط .(1/55)
وحينما نقول فيمن سرق لا تُقطع يده لأنه الأيسر فهذا فيه حماية للجريمة .. وترك تحقيق مقصد العدل في الشريعة.. وسماح بالفوضى في المجتمع فيسرق السارق ويقتل القاتل ونحن نأخذ بالأيسر الذي نراه نحن . وليس الأيسر الذي تراه الشريعة . فالدين يسر في أحكامه للفرد والمجتمع ....
ولا يعقل أن رجلا في بلدٍ ظهر فيه الطاعون فيقالُ له الأيسر لك أن تخرج من هذا البلد .. لأن هذا الأيسر سيضر بالمجتمع ، وسينقل الطاعون إلى بلدان أخرى .
وهكذا في صلاة الجماعة .. فلا يعقل أن يقال المسألة فيها خلاف فنختار أيسر الأقوال بأنه لا تجب الصلاة في المسجد فتفوته منفعة اجتماعه مع المسلمين .... ويتفكك اجتماع المسلمين في المساجد .. فالمسلم قوي بإخوانه ضعيف بنفسه ....
وهكذا في الصلاة ذاتها فإن منافعها عظيمة لا ندرك كثيراً منها فمنفعتها للقلب والإيمان أكبر من أن توصف ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ... ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ...
وهكذا في أعمال القلوب التي أمرنا بها كالتوكل والصبر ... وأعمال القلوب التي نهينا عنها كالكبر والحسد .
فإذا نظرنا إلى الأحكام الشرعية فلا ننظر هل هذا أشد أو أيسر وما هي المنافع والمفاسد والنصوص ظاهرة في هذا الأمر .
كما أننا لا نأخذ بالإطلاقات العامة مع ترك نصوص خاصة ومفصلة في هذا الحكم الشرعي .
كما أن من الخطأ أن ننظر إلى المصالح الدنيوية ونغلبها على المصالح الأخروية فإن في الأعمال الصالحة منافع عظيمة للقلوب وصلاحها ، وأجور كبيرة في الآخرة ينبغي أن لا يغفل عنها .
والحِكم قد تظهر في مثل العادات والمعاملات . وقد تخفى في مثل العبادات .
ولذلك فإن الشارع لم يقصد من الأحكام المشقة بالناس .
ولم يقصد أيضًا رفع المشقة المعتادة على الناس .
وإنما قصد في التشريع ما فيه مصلحة للعباد في الدنيا والآخرة .
وهذه المصلحة قد لا تحصل إلا بأعمال شاقة مثل الجهاد والحج .(1/56)
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث لما فيها من المضرة والفساد ، وأمرنا بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة والصلاح لنا . وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة : كالجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم فيحتمل تلك المشقة ، ويثاب عليها لما يعقبها من المنفعة كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة لما اعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع (( أجرك على قدر نصبك )) وأما إذا كانت فائدة العمل منفعة لا تقاوم مشقته ، فهذا فساد ، والله لا يحب الفساد ... الخ .(1)
قال قتادة رحمه الله : إن الله سبحانه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم ، ولا نهاهم عنه بخلاً منه . بل أمرهم بما فيه صلاحهم ، ونهاهم عما فيه فسادهم .(2).
وقال الشاطبي رحمه الله : وإذا تقرر هذا فما تضمن التكليف الثابت على العباد من المشقة المعتادة أيضا ليس بمقصود الطلب للشارع من جهة نفس المشقة بل من جهة ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف ... الخ. أـ هـ .(3)
وعلى هذا فلابد أن يكون التيسير مقيد بمقاصد الشريعة داخلاً ضمن ما جاء الشرع لتحقيقه والشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح الخلق .
فتحقيق المصلحة يستلزم بعض الأحكام الثقيلة على النفوس .
ولذلك بيّن الشاطبي رحمه الله بأن الطبيب يسقي المريض الدواء المرَّ لنفعه .(4)
وهكذا إذا قطع رِجلُ من أُصيب بالآكلة .. فالمقصود هو المصلحة .
رابعاً : من الخطأ أخذ القواعد على إطلاقها دون مراعاة ما فيها من تقييد وضوابط .
فعدم فهم ضوابط المشقة المؤثرة في التخفيف سيؤدي بنا إلى الترخيص في مواضع ليست محلاً للترخيص .
__________
(1) الفتاوى (25/282).
(2) قاعدة في المحبة للشيخ تقي الدين ابن تيمية ص183.
(3) الموافقات (2/215) .
(4) الموافقات (2/219).(1/57)
فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت (( جاءت امرأة إلى رسول الله ×، فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال رسول الله × : لا مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: لا إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول ))(1) فلم يسمح عليه الصلاة والسلام للحادة بالاكتحال لمجرد التداوي ، لأن ذلك قد يتخذ ذريعة من بعض النساء للتزين للخطاب قبل انقضاء العدة .
وعن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوَّجت ، وأنها مرضت فتمعطَ شعرها(2) فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي × فقال : لعن الله الواصلة والمستوصلة ) (3).
ففرق بين مشقة متوهمة ومشقة متحققة ، فلابد من تحقق المشقة .. والتحقق من تأثيرها .
ولابد من معرفة منشأ المشقة هل هي من الحكم الشرعي أو أن الناس ضيقوا على أنفسهم في ذلك الحكم الشرعي ، ولابد من تحقق تلافي الضرر والمشقة .
فالرمي قبل الزوال مثلاً يجب أن يُنظر فيه إلى جوانب :
الجانب الأول : أن وقت الرمي من الزوال حتى الغروب للمتعجل . فإذا ضيق الناس على أنفسهم واختاروا وقت الزوال . فالناس هم الذين جلبوا المشقة على أنفسهم .. وأما الحكم الشرعي فوقته واسع .. وكلنا يعلم أن بعد ساعة أو ساعتين يسهُلُ الرمي ويخف الزحام .
فالناس هم الذين جلبوا على أنفسهم المشقة ، وليست المشقة في الحكم الشرعي .
يبين ذلك أنه لو كان الحجاج قليلاً ، مائة ألف مثلاً، لكن كلهم يريدون السكن بجوار الجمرات فازدحم السكن بجوار الجمرات ، فقال لنا الناس : يسروا علينا .. أفتونا بالسكن خلف الجمرة الكبرى بقليل خارج منى من جهة الجمرات .. منى زحام !
__________
(1) رواه البخاري (6/185 ).
(2) فتمعط : يعني تساقط .
(3) فتح الباري 10/ برقم 5934 .(1/58)
قلنا لهم : مِنى واسعة وأنتم الذين ضيقتم على أنفسكم بالسكن بجوار الجمرات لكن إذا سُكنت منى كلها كما هو الواقع المعاصر قلنا لا بأس بالسكن خارج منى لأن المشقة متحققة .. .
وهكذا في الرمي . فلو كان الزحام الذي عند الزوال يكون بهذه الصورة الموجودة اليوم إلى أذان المغرب .أو تكرر عدة مرات في أوقات متفاوتة إلى المغرب لوُجِدت المشقة وتحققت . ففرق بين الأمرين
الجانب الثاني : إذا تحققنا من وجود المشقة فلابد في الفتوى من حصول التيسير والتخفيف .
فهل في الفتوى بالرمي قبل الزوال يحصل التيسير في الواقع المعاصر ؟
الجواب : لا . وإنما سننقل ساعة الزحام والشدة من الزوال إلى قبل الزوال . وسيأتي عوام الناس في السنوات القادمة يسألون عن أول الوقت .. هل هو طلوع الشمس أو أذان الفجر ؟ وستكون ساعة الزحام عند أذان الفجر أو عند طلوع الشمس .
الوقفة الخامسة :
أن العلماء والدعاة لا يربون عامة الناس على الاجتهاد في المسائل ولا يفتحون لهم باب الاجتهاد ، وإنما يوجهونهم لسؤال أهل العلم .
فإذا فتح للعامة باب الاجتهاد فكيف سيفرقون بين التيسير وبين إتباع الهوى .
كيف سيفرقون بين التيسير وبين الانسلاخ من أحكام الحج .
خاصة إذا كانت هذه التربية تُبنى على قواعد فقهية عامة مع إغفال نصوص أخرى وقواعد فقهية أخرى كقاعدة (( منع وسائل الفساد وسد الذرائع )) وقاعدة (( لا اجتهاد مع النص)) وغيرها .
الوقفة السادسة :
ذكر الشيخ عبدالله بن بيه ص18 المطلب الأول الذي بعنوان ( مقصد التيسير في الشريعة الغراء ) . ثم نقل عن الشاطبي فقال : وهذه فقرات لأبي المقاصد أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله تبين ذلك ، حيث يقول : ( المسألة السادسة : فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه ، والدليل على ذلك أمور :(1/59)
أحدها : النصوص الدالة على ذلك ، كقوله تعالى : + (( - (- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ((( { - - ( فهرس - (( - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - { - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - "(1) وقوله: + - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - - - - عليه السلام - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - ((( { - - رضي الله عنهم - - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - مقدمة - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( تمهيد - - "(2) وفي الحديث : (( قال الله تعالى : قد فعلت )) وقد جاء : + - صدق الله العظيم ( - ( - - - - ( - ( - - - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - (- صلى الله عليه وسلم - - "(3) ،و+ ( - - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - ((( - - - "(4)، و+ - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - (( (((( - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة "(5) ، و + ( - - ( - ( - ( - - - تمت -
__________
(1) الأعراف:157 .
(2) البقرة:286 .
(3) البقرة:286.
(4) البقرة : 185 .
(5) الحج : 78 .(1/60)
صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( المحتويات ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - - الله أكبر تمهيد { - - - - ( - (( - ( (((( "(1)، و+ - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( - ( - ( - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ( - المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( - ( - { المحتويات ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم -( - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( فهرس - ((( "(2) وفي الحديث : (( بعثت بالحنيفية السمحة )) وحديث: (( ما خير رسول الله × بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه )). وإنما قال : (( ما لم يكن إثما )) لأن ترك الإثم لا مشقة فيه من حيث كان مجرد ترك . إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى .
ولو كان قاصداً للمشقة لما كان مريداً لليسر ولا التخفيف ولكان مريداً للحرج والعسر وذلك باطل.
والثاني : ما ثبت أيضاً من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة ، كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار ، فإن هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقة ، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال .
__________
(1) النساء:28 .
(2) المائدة: 6 .(1/61)
ولو كان الشارع قاصداً للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف )أ ـ هـ ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي .
وأود أن أنبه إلى أمرين :
أولاً : أنه كما أن الشارع لم يقصد في التكليف المشقة فإنه لم يقصد أيضا رفع المشقة .
قال الشاطبي رحمه الله : ( لما تحدث عن المشقة المعتادة ) قال : وأما إذا لم تكن خارجة عن المعتاد ، وإنما وقعت على نحو ما تقع المشقة في مثلها من الأعمال العادية ، فالشارع وإن لم يقصد وقوعها فليس بقاصد لرفعها أيضًا. والدليل على ذلك أنه لو كان قاصدًا لرفعها لم يكن بقاء التكليف معها . لأن كل عمل عادي أو غير عادي يستلزم تعبًا وتكليفًا على قدره ... الخ . (1)
فما نقله عن الشاطبي بأن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه ...
ليس معنى ذلك أنه لا مشقة في الأحكام الشرعية .
وإنما نفى الشاطبي أن يكون قصد الشارع من الأحكام المشقة . لأن الشارع قصد في التشريع المصلحة وقد يلحق هذه المصلحة مشقة كالجهاد في سبيل الله والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فالشاطبي لا يريد بذلك نفي المشقة في الأحكام . وإنما ينفي قصد الشارع في الأحكام .
وقد أطال النفس رحمه الله في الحديث عن أنواع المشقة والتفصيل فيها كما في الموافقات الجزء الثاني .
ثانيا : في النقل السابق قول الشاطبي رحمه الله :
الثاني : ما ثبت من مشروعية الرخص ، وهو أمر مقطوع به ، ومما علم من دين الأمة بالضرورة .. فإن هذا نمط يدل قطعًا على مطلق رفع الحرج والمشقة .. الخ .
والجواب مشروعية الرخص لا تدل بحال على جواز تتبع الرخص . لأن تتبع الرخص أمره خطير وكتاب ( افعل ولا حرج ) جُمِع فيه التيسير ..
والشاطبي رحمه الله لا يعني بمشروعية الرخص جواز تتبع الرخص .
__________
(1) الموافقات (2/269) .(1/62)
قال الشاطبي رحمه الله وهو يرد على من يتبع رخص المذاهب : وأنهم يقولون قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( بعثت بالحنيفية السمحة )) يقتضي جواز ذلك ؛ لأنه نوع من اللطف بالعبد والشريعة لم ترد بقصد مشاق العباد ، بل بتحصيل المصالح، وأنت تعلم بما تقدم ما في هذا الكلام؛ لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابتٍ من أصولها ؛ فما قاله عين الدعوى .
ثم نقول : تتبع الرخص ميلٌ مع أهواء النفوس ، والشرعُ جاء بالنهي عن اتباع الهوى ؛ فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه ، ومضاد أيضاً لقوله تعالى : + تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - " [ النساء : 59 ] ، وموضع الخلاف موضع تنازع ؛ فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس ، وإنما يرد إلى الشريعة ، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه ، لا الموافق للغرض . أ ـ هـ (1)
ولذلك فإن وجود التيسير .. ووجود اختلاف العلماء لا يكون طريقًا للبحث عن الأقوال البعيدة .. أو الشاذة .. وتتبع الرخص .. والتساهل في الفتوى .
الوقفة السابعة :
ـ بعد النقل السابق ـ نقل الشيخ عبدالله بن بيه ص20 عن الشاطبي فقال : وقال الشاطبي أيضا : ( فالنصوص سالفة الذكر عامة في المشقة بنوعيها الشديد والمتوسط ، وإذا فرضنا أن رفع الحرج مفقود فيه صيغة عموم ، فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج ، كما إذا وجدنا التيمم شرع عند مشقة طلب الماء ، والصلاة قاعداً عند مشقة طلب القيام ، والقصر والفطر في السفر، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر ، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل ... ) .أ ـ هـ
__________
(1) الموافقات (5/98) .(1/63)
هذا ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي وأحال إلى كتاب الموافقات للشاطبي 2/299 وقد راجعت كتاب الموافقات للشاطبي 2/399 فلم أجد أول الكلام عند الشاطبي رغم أهمية نسبته إلى الشاطبي .
فقوله : ( وإذا فرضنا أن رفع الحرج مفقود فيه صيغة عموم ... إلى قوله عند مشقة القتل ) هذا موجود عند الشاطبي .
أما قوله في بداية النقل : ( فالنصوص سالفة الذكر عامة في المشقة بنوعيها الشديد والمتوسط ) فهذا لم أجده عند الشاطبي .
وعدم وجود هذه العبارة يغير في المعنى والله أعلم .(1)
الوقفة الثامنة :
ذكر الشيخ عبدالله بن بيه ص 21 ـ الأخذ بالأخف وذكر كلام العلماء في ذلك .
فالجواب :
أما مسألة الأخذ بالأخف . فهذه على قسمين :
القسم الأول : إذا كان الأخذ بالأخف معارضًا ومصادمًا لنصوص الشريعة فهنا لا يجوز الأخذ بالأخف . ومن أخذ هنا بالأخف من أجل التيسير فإن هذا التيسير على غير الأصول الشرعية .
وقد بين ذلك الشاطبي رحمه الله فقال : أن الذين يتبعون رخص المذاهب بنوا على ذلك مسألة : هل يجب الأخذ بأخف القولين أو بأثقلهما . ورد على من قال بالأخذ بالأخف هنا . (2)
فالقول بالأخف وما يقابله لا يصحان . لأن الواجب الأخذ بالدليل الشرعي سواءٌ قضى الدليل بالأخف أم بالأثقل .
القسم الثاني : إذا تعارضت الأدلة . ولا مرجح بينها . واحتار المفتي والفقيه لتعارض الأدلة أمامه . فما الذي يأخذ به . على خلاف بين أهل العلم . فمنهم من قال : يأخذ بالأخف . ومنهم من قال يأخذ بالأحوط ومنهم من قال : يخير المستفتي . ورجح ابن القيم أن المفتي في مثل هذه الحال يتوقف . وهو ظاهر ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية .
__________
(1) انظر الموافقات للشاطبي 4/58 ـ تحقيق الشيخ مشهور .
(2) الموافقات (5/104) .(1/64)
والخلاف في هذا القسم خلاف سائغ . فمن أخذ بالأخف فهذا اجتهاده ولا يجوز اتهامه بالتساهل المخالف للشريعة . ومن أخذ بالأحوط فهذا اجتهاده ولا يجوز اتهامه بالتشدد . فالخلاف هنا سائغ . بخلاف القسم الأول .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا كما إذا تعارضت أدلة ( المسألة الشرعية ) عند الناظر المجتهد ، وعند المقلد ، فإنه لا يرجح شيئًا ... الخ . (1)
قال ابن القيم رحمه الله ـ : الفائدة الحادية والخمسون : إذا اعتدل عند المفتي قولان ولم يترجح له أحدهما على الآخر ، فقال القاضي أبو يعلى : له أن يفتي بأيهما شاء ، كما يجوز له أن يعمل بأيهما شاء . وقيل : بل يخير المستفتي فيقول له : أنت مخير بينهما ؛ لأنه إنما يفتي بما يراه ، والذي يراه هو التخيير ، وقيل : بل يفتيه بالأحوط من القولين .
قلت : الأظهر أنه يتوقف ، ولا يفتيه بشيء حتى يتبين له الراجح منهما ؛ لأن أحدهما خطأ ، فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب ، وليس له أن يخيره بين الخطأ والصواب ، وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران خطأ وصواب، ولم يتبين له أحدهم لم يكن له أن يقدم على أحدهما، ولا يخيره ، وكما لو استشاره في أمر ، فتعارض عنده الخطأ والصواب من غير ترجيح لم يكن له أن يشير بأحدهما ولا يخيره ، وكما لو تعارض عنده طريقان مهلكة وموصِّلة ولم يتبين له طريق الصواب لم يكن له الإقدام ولا التخيير ، فمسائل الحلال والحرام أولى بالتوقف ، والله أعلم أ ـ هـ (2)
الوقفة التاسعة :
قال الشيخ عبدالله بن بيه ص34 ـ (مقصد التيسير في الحج بخصوصه وفتاوى بعض العلماء ) .
1ـ إن التصريح برفع الحرج من الشارع فيمن خالف أفعاله في الحج بقوله : ( افعل ولا حرج ) دليل لملاحظة مقصد التيسير في الحج بالإضافة إلى كونه مقصدًا عامًا في كل مناحي التشريع الإسلامي بالنصوص التي ذكرناها سلفًا ... الخ .
__________
(1) الفتاوى (10/472).
(2) إعلام الموقعين (4/297) .(1/65)
وقال ص35 : إن بعض أفعال الحج المختلف فيها بالتقديم والتأخير كالرمي لا يوجد بخصوصها دليل قولي من الشارع وإنما تدخل تحت دلالة الفعل ، ودلالة الفعل دلالة ضعيفة ، وإن كان مستنداً إلى قوله× : ( خذوا عني مناسككم ) .. الخ .
الجواب :
أولاً : أن قول النبي × ( افعل ولا حرج ) في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. استدل به ابن حجر على وجوب اتباع أفعال النبي × لكون الذين خالفوا النبي × لما علموا أنهم مخالفين له سألوه عن حكم هذه المخالفة .(1)
ومن أدلة ابن حجر قول الصحابة رضي الله عنهم في سؤالهم ( لم أشعر فقدمت كذا على كذا ) فقوله ( لم أشعر ) تفيد بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل لا بمن تعمد(2) ولذلك لما قيل للإمام أحمد في هذا الحديث: يا أبا عبدالله سفيان بن عيينة لم يذكر في هذا الحديث لفظ (( لم أشعر )) فقال الإمام أحمد : ولكن مالك والناس عن الزهري : (( لم أشعر )) (3).
ومن الأدلة على أن أفعال النبي × في الحج على الوجوب قوله × : (( خذوا عني مناسككم )) .
وأما قول الشيخ عبدالله بن بيه ص36 ـ وقد سمح النبي × لذوي أعذار خفيفة بترك المبيت في منى ، وبجمع الرمي في يوم واحد . أ ـ هـ كلامه
فالجواب : أن الأحاديث جاءت بأن النبي × ( رخص لرعاة الإبل في البيتوتة خارج منى . ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين )(4) .
فهذه الرخصة لا تكون إلا من واجب . فالرسول × لم يرخص لأي حاج . وإنما رخص لصاحب عذر . فترخيص النبي × لرعاة الإبل يدل على أن الواجب أصلاً البيات في منى .
__________
(1) انظر فتح الباري لابن حجر ( 3/669) .
(2) وسيأتي إيضاح للمسألة قريباً إن شاء الله ص .
(3) الشرح الكبير 9/221 .
(4) رواه أحمد (5/450 ) وأبو داود ( 1975) والترمذي (955) وغيرهم .(1/66)
وهكذا لما استأذن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - . استأذن رسول الله × أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية فأذِن له )(1) فالعباس - رضي الله عنه - لم يستأذن إلا لأن المبيت في منى واجب .
وهكذا النبي × لم يرم حتى زالت الشمس . ولم يصح عن أحدٍ كان معه أنه رمى قبله .
وكل من خالف هدي النبي × في الحج . سواء كان هذا المخالف لضرورة أم لحاجة أو لجهل .
وسواءٌ كانت المخالفة في ترك شيءٍ فعله النبي × أو في فعل محظور أو في تقديم نسك على نسك ، يأتي فيسأل النبي × .
فالصحيح أن أفعال النبي × في الحج من ناحية الأصل تدل على الوجوب ما لم يأتِ صارف . لقوله × (( خذوا عني مناسككم )) .
ثانيًا : التيسير مقصد من مقاصد الشريعة لكن ليس معنى ذلك أن تجري الأمور كلها على التيسير وأن يعامل الناس في كل الظروف بالتيسير الذي نراه وأن نتوسع في فهم التيسير في الحج أو في الأحكام الشرعية عمومًا فنرخص في ترك أفعال الحج على غير الأصول الشرعية فأحكام الحج تكاليف شرعية . والتكاليف لابد فيها من مشقة .
وقد رخص النبي × للبعض ولم يرخص لآخرين . فليس كل إنسان يرخص له . وليس كل عذر يرخص لصاحبه فالرسول × أسقط طواف الوداع عن الحائض ، ولم يسقط طواف الوداع عن أم سلمة رضي الله عنها لما اشتكت(2). ولم يسقط طواف الإفاضة عن أحدِ مطلقا.
والحج بخصوصه فيه مشقة كالجهاد . والرسول - صلى الله عليه وسلم - جعله من الجهاد فقال كما في حديث عائشة رضي الله عنها : (( أفضل الجهاد حج مبرور ))(3).
وقال عمر - رضي الله عنه -: ( شدوا الرحال في الحج ، فإنه أحد الجهادين ).
قال ابن حجر معلقًا : ( وتسمية الحج جهادًا إما من باب التغليب أو على الحقيقة والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على المال والبدن )(4). أ ـ هـ .
__________
(1) رواه البخاري (3/1745) .
(2) رواه البخاري ( الفتح 3/573 ) .
(3) رواه البخاري (1/26 ) .
(4) رواه البخاري الفتح (3/1516) .(1/67)
وفي صحيح البخاري عن الأسود - رضي الله عنه - في قصة عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة بعد الحج قال : ( أجرك على قدر نفقتك أو نصبك ) (1).
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه فقال : باب أجر العمرة على قدر النصب .
وقد استحب بعض العلماء إفراد سفرة للعمرة وإفراد سفرة أخرى للحج فهو أفضل من أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحد . مع أن السفر فيه مشقة .(2)
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : وكذلك لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة وهذا أفضل من المتعة المجردة .(3)
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن سبب وجوب الهدي على المتمتع أنه جمع بين نسكين ـ العمرة والحج ـ في سفرة واحدة . (4)
فالحج عبادة عظيمة ولا يعني ذلك أنه شرِع من أجل المشقة ، وإنما شُرِع لحكمة من الله سبحانه وتعالى .
وإذا كانت العبادة يلزم من وراءها مشقة ، فإن هذه المشقة تزيد في الأجر .
لا لأن المشقة مقصودة وإنما لأن هذا العمل بخصوصه مستلزم للمشقة والتعب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فأما كونه ـ أي العمل ـ مشقاً فليس هو سبباً لفضل العمل ورجحانه ، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقًا ففضله لمعنى غير مشقته ، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره ، فيزداد الثواب بالمشقة ، كما أن من كان بُعْده عن البيت في الحج والعمرة أكثر : يكون أجره أعظم من القريب ، كما قال النبي × لعائشة في العمرة : (( أجرك على قدر نصبك )) لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة ، وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر ، وكذلك الجهاد ، وقوله × : (( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )) .
__________
(1) انظر فتح الباري (3/1787) .
(2) وممن ذكر استحباب إفراد سفرة للعمرة وسفرة للحج المؤلف ص .
(3) الفتاوى (26/276 ) .
(4) الفتاوى ( 26/93 ).(1/68)
فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب ، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب ، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ، ولم يجعل علينا فيه حرج ، ولا أريد فيه بنا العسر ، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم ، ... أ ـ هـ . (1)
ولذلك حينما نتحدث عن الحج وحِكمِهِ ومقاصده فحريٌ بنا أن لا نحمل الناس على جانب واحد من جوانب مقاصد الحج . وإنما نربيهم على استشعار هذه المعاني وأن الحج من الجهاد .
الوقفة العاشرة :
لقد كان النبي × يربي أصحابه على الأخذ بكلامه ... ويزرع في قلوب أصحابه تعظيم النصوص الشرعية .. ومن ذلك أحكام الحج .
كان يقول لأصحابه : (( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ))(2) .. كان يقول لهم : ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ))(3).
كان يعظم الحج في قلوبهم .. + - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنهم -( - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - قرآن كريم ( { - - ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - (((( " .
والعلماء والدعاة يدعون الناس إلى خير الهدي وهو هدي محمد × .
يرشدون إلى هديه في القضايا كلها .. فضلاً عن الأحكام التي خصصها النبي × وأكد عليها كقوله ×: (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))(4) ،(( خذوا عني مناسككم))(5).
والناس اليوم يبحثون عن الرخص والتخلص من الأحكام الشرعية . وما ذاك إلا لضعف الدعوة إلى التمسك بالأحكام الشرعية وتعظيمها .
__________
(1) الفتاوى (10/622) .
(2) رواه البخاري (3/1521 ).
(3) رواه البخاري (3/1773) .
(4) رواه البخاري (10/6008) .
(5) رواه مسلم (3/1297 ) .(1/69)
فكان حريا أن يكون شعار الكتاب كشعار النبي × في الحج (( خذوا عني مناسككم )) .
وهذا هو الطريق الصحيح في التربية .. وهو اتباع النبي × في أقواله وأفعاله واعتقاده .
يُربَّى الناس على الحج المبرور .. الحج البعيد عن تعدي الحدود الشرعية ... بعيد عن ترك بعض الأحكام الشرعية .. بعيد عن مشابهة المشركين ...
يُربَّى الناس على الاستفادة من هذه الرحلة العميقة .. رحلة الحج .. التي قد تكون مرة واحدة في العمر .. فيرجع الحجيج من الحج وقد ظهرت عليهم آثار هذه الشعيرة العظيمة .. التي لا تنسى في حياتهم .
ومن الخطأ الفادح أن يُربى الناس على محاولة التخلص من هذه الشعيرة .
أو يربى الناس على أن الحج مشكلة لابد من التخلص منها بأي طريق .. وبأيسر طريق .
وأن نرفع مقصد وشعار التيسير ونغفل عن كثير من مقاصد وحِكم وأحكام الحج .
فلابد من المحافظة على الأحكام الشرعية ، قبل النظر إلى التيسير .
فهذه هي أحكام الحج ، وتلك أحكام الشريعة ، فيجب على العلماء والدعاة وطلبة العلم . أن يضعوا لها سياجاً وحمايةً حتى لا يتلاعب الناس بها ، وتربية الناس على طلب الأجر من الله مع تحمل الحكم الشرعي حتى لو كان فيه مشقة خير من تربيتهم على الأخذ بأيسر الأقوال بلا دليل .
وحينما نتأمل في منهج النبي × نجد أن النبي × حضَّ الناس على اتباعه في أحكام الحج فقال : (( خذوا عني مناسككم )) فكان الذين يخالفونه × يشعرون بألم المخالفة فيذهبون ليسألوه × عن صحة فعلهم وحجهم ، فلم يكن النبي × يربيهم ابتداءً على مخالفة فعله × .
وقد كان العلماء يحرصون على هذا الأمر . ويفرقون بين الفتوى قبل وقوع الشيء والفتوى بعد وقوعه .(1/70)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( لأني أرى أن مجرد مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى في الأمر المكروه غلط . وأنا قلت لكم هذا مراراً . قلت : ليس من الأدب مع الله ورسوله إذا أمر الله بشيء تقول هو للوجوب أو الاستحباب ، أو نهى الله عن شيء تقول : هو للكراهة أو التحريم . وهكذا الرسول هل كان الصحابة يقولون هذا ، هل يقولون إذا أمر الرسول . أنت عازم ؟؟ ولكن عند وقوع المخالفة حينئذ ينظر الإنسان هل الأمر للوجوب أو الاستحباب . هل النهي للكراهة أو التحريم . وهذه مسألة مهمة . تمام التعبد أنك إذا سمعت الله يأمرك تقول سمعنا وأطعنا . ما تقول هذا أمر وجوب أو استحباب )(1). أ ـ هـ
وهذا هو الطريق لحراسة أحكام الشريعة وضبط الناس من التفلت في الأحكام .
ولذلك كان طريق أهل العلم هو حمل الناس على إتباع النبي × وإعانة الناس على ذلك ، وتعظيم السنة في قلوبهم ، ويعلمون الناس الاستبراء لدينهم ويخافون أشد الخوف من انفراط العامة وتساهلهم في الأحكام .
فإذا جاء المخالف بعد ذلك نظروا في أمره . بخلاف طرح هذه الفتاوى ابتداءً .
الوقفة الحادية عشر :
ذكر المؤلف التيسير في أركان الحج ومنه التيسير في الطواف ، والتيسير في موضع الرمي والتيسير في وقت الرمي والخروج من عرفة قبل الغروب ... الخ التيسيرات .
وقرر المقدم الشيخ عبدالله بن بيه ص35 أن دلالة الفعل على الوجوب دلالة ضعيفة . يعني في أفعال النبي × في الحج فلا تدل على الوجوب .
فإذا كان الأمر كذلك . فما المانع من الاكتفاء في الطواف بشوط واحد . والاكتفاء في السعي بشوطين فقط .
ولماذا نأمر الناس في الطواف أن يجعلوا الكعبة عن يسارهم . ما المانع من الطواف بالعكس .
وما المانع من أن نفتي الناس أن يرموا في أول يوم لكل أيام التشريق قياسًا على الرمي آخر أيام التشريق ... وهكذا ...
__________
(1) شرح الكافي شريط رقم 7/أ ـ في آخره .(1/71)
والكتاب لا يوجد فيه ضوابط ... وإذا لم توجد الضوابط وفُتِح الباب على مصراعيه ـ افعل ولا حرج ـ انفلت الناس في أحكام الحج وتلاعبوا بها .
ورسول الله × ضبط الأمور فقال : (( خذوا عني مناسككم )) ، وقد قال الراغب الأصفهاني رحمه الله : ( إن للعبادات فرائض معلومة ، وحدودًا مرسومة وتاركها يصير ظالمًا متعديًا )(1) .
الوقفة الثانية عشرة :
حينما نتحدث عن أحكام الشريعة فمن الخطأ أن يكون الحديث للناس فيما يحبونه ويشتهونه .. وفيما تميل إليه أهواؤهم .
مع الإعراض عن طرح المسائل الثقيلة على نفوسهم .
كما أن من الخطأ أن يكون الحديث عن القضايا الشرعية الثقيلة على النفوس دون اليسيرة .. فالتوازن مطلوب .
ولذلك حينما ننظر إلى كتب السلف .. فإنها تتكلم عن الأحكام الشرعية بدون النظر هل هو ثقيل على الناس أو يسيرٌ عليهم مع مراعاة الحكمة في ذلك .
ولا أعرف أنهم كانوا يجمعون ما اختاروه من أيسر الأقوال في كتاب واحد .. ويخاطبون به عقول الناس .
ومن قرأ كتاب (افعل ولا حرج ) يتبين له أن المؤلف لم يأتِ في كتابه إلا بأيسر الأقوال في المسائل التي تحدث عنها.
ولا أتصور أن من قرأ هذا الكتاب ومشى على أقواله وتيسيراته أنه يخرج بالروحانية والمقاصد الشرعية للحج بالوضع المطلوب .. وإن كان المؤلف ينادي بذلك . (2)
إذْ إنَّ الكتاب يحاوِل أن يخلِّص الحاج من حجه بأدنى الكمال . وبأقرب وأيسر طريق .
واجتهاد العالم في مسائل الحج أو غيرها من المسائل العلمية . هذا عائدٌ إلى اجتهاده ، بحسب ما يترجح له ، فلا يُعابُ اختياره لقول رأى أن الدليل دلّ عليه .
ولكن الذي يعاب : أن يُواجه المؤلف الناس بما يراه من أيسر الأقوال ، دون ما يراه من الأقوال الثقيلة .
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص94.
(2) سبق في ص الكلام عن معنى تعظيم شعائر الله .(1/72)
وهذه مشكلة خطيرة تربي الناس على طرح الأحكام الشرعية بحسب ما يشتهون ويريدون ... وتجعل الناس ينتظرون من الدعاة طرح ما يتماشى مع رغباتهم ومتطلباتهم . بل إن نفوسهم ستكون غير مهيأة لتلقي الأحكام الشرعية إذا كانت ثقيلة على نفوسهم
بل إن جمع ما يراه العالم من أيسر الأقوال في أي باب من أبواب الفقه ، وإصداره كفتوى للناس يُضعِفُ ذلك الباب الفقهي في قلوب الناس . ويُشعِرُ بفقدان هيبة الدين ، والاستخفاف بأحكام الشريعة .
وكان الأحرى أن نتكلم في القضايا بكلام متوازن .
فالوسطية مطلوبة، والوسطية هي اتباع الكتاب والسنة ، وليست الوسطية أن ننظر إلى واقع الناس .. أو عامتهم .. فنحكم بالنظرة المتوسطة عند المجتمع .
وإنما الوسطية هي حكم الكتاب والسنة . وتربية الناس على اتباع الكتاب والسنة أيًّا كانت تلك الأحكام ثقيلة على النفوس أو يسيرة سهلة .
وحينما ننتهج إظهار أيسر الأقوال ، ونغفل عن الأحكام الثقيلة على النفوس ، فهذا يصير بسببه فهمٌ معوج للشريعة في عقول الناس .
ومن ذلك من يتكلم عن المرأة فلا يتكلم عنها شرعاً إلا ما يوافق رغبات الناس ورغبات الضغوط الإعلامية ويسكت عن ما يواجه ذلك .
فتجد أنه يتكلم عن ظلم المرأة.. وتعطيلها .. والجمال .. وحمايتها .. وخطر عضل المرأة وغير ذلك .
ويترك الحديث عن قرارها في البيت .. وضرورة الحجاب .. وخطر الاختلاط .. وضرورة صيانة عرض المرأة . مع أن ذلك كله مما جاء به الشرع .
وأخطر من ذلك حينما يكون ذلك المتحدث يختار أيسر الأقوال في قضية المرأة فيخرُج في أطروحة أو محاضرة أو يُخرِجُ مؤلفاً عن المرأة يختار فيها أيسر الأقوال . فيرى جواز كشف المرأة لوجهها .. وجواز خلوتها بالسائق في السيارة ، وما المانع من اختلاطها بالرجال في العمل وفي غيره .. وجواز سفرها بلا محرم لتقارب العالم باسم التيسير .(1/73)
ولا بأس بمصافحة المرأة .. وهكذا .. حتى تضيع الأحكام الشرعية حكماً حكماً وتنقضُ عرى الإسلام عروةً عروةً بلا نكيرٍ من أهل العلم ولا جهاد إلا القليل منهم ؟؟.
وهذا ليس من التيسير ، وإنما هو انهزام في المبدأ ، وترك مواجهة الناس في شهواتهم وباطلهم بالعلم والحكمة ، وعدم حملهم على القيام بأحكام الشريعة .
وهذا من أعظم الأسباب في فساد هذا الزمان وهو عرض ما يريده الناس وترك ما لا يريدونه .
ومن ذلك عرض ما يتفق عليه الدين اليهودي والنصراني والإسلامي .
من قضايا بر الوالدين والإحسان للآخرين والإغاثة .. والوقف .. والصلة الاجتماعية .. ولاشك أن هذه قضايا جاءت بها شريعتنا فلابد أن تعرض ، لكن المشكلة في ترك ما تميزت به شريعة الإسلام من المعتقد وأحكام البراءة من الشرك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها .
فالإنسان الذي يعرض ما يتفق عليه الناس ويترك عرض عموم الشريعة إنسان ضعيف يعيش تحت ضغط الواقع.
بخلاف صاحب المبدأ الذي يعرض الشريعة كما أرادها الله جل وعلا .. بدون النظر إلى ضغوط الواقع .. وإنما يعرض الشريعة مع توخي الحكمة الشرعية .
ومن ذلك أيضاً اعتقاد البعض بأن الاهتمام بالسنن . إنما يكون بالاهتمام بالسنن التي يرون أنها تواكب العصر كالنظافة والتطيب وما شابه ذلك .
ولا يهتمون ولا ينشرون السنن الباقية كالصلاة إلى سترة .. وما الذي يقرأ في ركعتي الطواف .. وأنواع أدعية استفتاح الصلاة . وكل ذلك بسبب ضغط الواقع .. والنظر للقضايا الشرعية بنظرة متأثرة بالغرب . وقد سُئل الشافعي عن رفع اليدين في الصلاة فقال : ( فعلته إعظامًا لجلال الله ، وإتباعًا لسنة رسول الله ورجاءً لثواب الله )(1) .
فالواجب النظر إلى السنن ونشرها بالنظرة الشرعية . فتنشر الأحكام والسنن كلها بالحكمة والموعظة الحسنة .
__________
(1) فتح الباري لابن رجب 6/334 .(1/74)
وكل ذلك مع مراعاة النصوص في كيفية بيان الأحكام الشرعية والاهتمام بالأهم فالأهم .. مع عدم إغفال شيء من الأحكام .
وطريقة جذب الناس وتأليف قلوبهم لا تكون باختيار أيسر الأقوال في المسائل . فهذا تغيير لأحكام الشريعة . لأن الاختيار يبنى على غير ما بنيت عليه الشريعة .
وإنما يكون بذكر ما وُضِع عن هذه الأمة من التكاليف والأعمال الشاقة . التي كانت مفروضة على الأمم السابقة. كقرض موضع النجاسة في الثوب ، واشتراط قتل النفس في صحة التوبة ، وكون الواجب من الصلوات أكثر من خمس فخفف علينا ... وهكذا .
طريقة جذب الناس .. بالتدرج معهم في الدعوة إلى الله والبداءَةِ بالأهم فالأهم .
طريقة جذب الناس تكون بالقول الحسن ولين الجانب ، وحسن الخلق في التعامل والرأفة بالناس وعدم تنفيرهم. + ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد - جل جلاله -( - - درهم ( - ( - ( - ( - - ( ( - ( - - { ( - - - } - قرآن كريم - ( - ( الله أكبر { صدق الله العظيم ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - مقدمة } " ولا تكون بالتنازل في الشريعة .. واختيار ما يرغبه الناس .
ومتى ما كان الطريق لجذب الناس طريقًا غير شرعي فإن لذلك آثار وخيمة .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الحيل والتحايل على الشريعة منع كثيراً من أهل الكتاب من الدخول في الإسلام. وقالوا لأهل الإسلام كيف يأتي رسول بمثل هذا ... ؟(1).
الوقفة الثالثة عشر :
لقد جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من التشديد ... فقال × في حديث عائشة رضي الله عنها (( ما نزع الرفق من شيءٍ إلا شانه ))(2).
__________
(1) إعلام الموقعين (3/320).
(2) مسند الإمام أحمد (6/58) وغيره .(1/75)
وكان النبي × يخشى أن يكون شق على أمته ... وكان ينكر على بعض الصحابة تشديدهم وقال لمعاذ - رضي الله عنه - (( أفتانٌ أنت يا معاذ )) .(1)
وقال × في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (( هلك المتنطعون )) قالها ثلاثًا (2) .
والآثار في هذا كثيرة فالمقصود أن التشديد لابد من إنكاره كما أن التيسير المصادم للشرع لابد من إنكاره .
ولكن يجب أن نعرف ما هو التشديد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( التشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ، ولا مستحب ، بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات ، وتارةً باتخاذ ما ليس بمحرَّم ، ولا مكروه ، بمنزلة المحرم والمكروه في الطيبات ، وعلِّل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى ، شدّد الله عليهم لذلك ، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة ، وفي هذا تنبيه على كراهة النبي × لمثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة ، وإن كان كثير من عُبّادنا قد وقعوا في بعض ذلك ، متأولين معذورين ، أو غير متأولين ولا معذورين ) ، ثم ذكر ابن تيمية خطر التشديد على النفس وأنه سببٌ لتشديد آخر يفعله الله إما بالشرع وإما بالقدر ... الخ .
ثم ذكر ابن تيمية أن سنة النبي × هي الاقتصادُ في العبادة وفي ترك الشهوات خير من رهبانية النصارى التي هي ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره ، والغلو في العبادات ...
والنصارى أكثر غلوًا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن في قوله + - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - - - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ( - (( - - - (( ( المحتويات ( تمهيد ( - - ( - " .(3)
__________
(1) رواه مسلم (1/465) من حديث جابر - رضي الله عنه - .
(2) رواه مسلم (5/2670) .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (1/288) .(1/76)
قال ابن القيم رحمه الله : ( نهى النبي × عن التشديد في الدين ، وذلك بالزيادة على المشروع ، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه ؛ إما بالقدر ، وإما بالشرع ؛ فالتشديد بالشرع كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل ، فيلزمه الوفاء به ، وبالقدر كفعل أهل الوساوس ، فإنهم شدّدوا على أنفسهم ، فشُدِّد عليهم القدر ، حتى استحكم ذلك ، وصار صفةً لازمة لهم ) (1).
ومن الاعتقادات الخاطئة أيضًا اعتقاد بعض الناس أن رضا الله ومحبته في مجرد تعذيب النفس وحملها على المشقة . ويعتقد أن العمل كل ما كان أشق كان أفضل . فيحمل نفسه على المشقة . وهذا اعتقاد خاطئ لأن الأحكام شُرِعت للمصلحة سواء كانت المصلحة فيها مشقة أم تيسير .
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : (ولهذا لما نذرت أخت عقبة أن تحج ماشية حافية ، قال النبي × : (( إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها ، مرها فلتركب )) وروي ((أنه أمرها بالهدي )) وروي (( بالصوم)) ... الخ )(2).
فإذا كان التيسير المصادم للشريعة ممنوعًا فكذلك التشديد ممنوع . وقد كان النبي × يشتد إنكاره على المشددين كما في قصة الثلاثة الذين قال أحدهم إنه لا يفطر أبدًا ، والثاني قال إنه يقوم فلا ينام ، والثالث قال إنه يعتزل النساء فقال لهم النبي × : (( فمن رغب عن سنتي فليس مني ))(3).
فالمفتي والعالم والداعية كما قال الشاطبي رحمه الله يحمِلُ الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور ، فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال .
__________
(1) إغاثة اللهفان (1/207) .
(2) مجموع الفتاوى (25/282) ، وانظر من أنواع التشديد مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (10/622).
(3) رواه البخاري (9/5063) .(1/77)
فمقصود الشارع من المكلف الحملُ على التوسط من غير إفراط ولا تفريط فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع . وكان خروجه عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين .
والخروج إلى الأطراف خارجٌ عن العدل ، ولا تقوم به مصلحة الخلق أما في طرف التشديد فإنه مهلكة ، وأما في طرف الانحلال فكذلك أيضا لأن المستفتي إذا ذُهِب به مذهب العنَتِ والحرج بُغِّض إليه الدين . وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة . وهو مشاهد . وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة والشرعُ إنما جاء بالنهي عن الهوى . وإتباع الهوى مهلك .(1) أ ـ هـ بتصرف .
الوقفة الرابعة عشر :
أنه ينبغي على المفتي قبل أن يفتي الناس أن ينظر إلى نجاة نفسه . فإن الأمر عظيم . والفتوى بالحكم الشرعي توقيع عن رب العالمين .
قال ابن القيم رحمه الله : ( وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره ، وهو من أعلى المراتب السنيات ، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات ؟ ... وليوقن المفتي أنه مسؤولٌ غداً وموقوف بين يدي الله )(2) أ ـ هـ.
وقد قال سبحانه + - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - ( قرآن كريم ( - ( - ( - - - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنه - الله أكبر .. " .
قال مالك رحمه الله : ( من أجاب في مسألة فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب فيها )(3). أ ـ هـ
الوقفة الخامسة عشر :
__________
(1) الموافقات (5/278) .
(2) إعلام الموقعين ( 1/38) .
(3) أدب الفتوى ص31 .(1/78)
قال المؤلف الشيخ سلمان وفقه الله ص45 : وحين يطول الأمد وتقسو القلوب تتحول العبادات عند بعض المؤمنين إلى رسوم وعادات يؤدونها بمظاهرها وصورها،ولا يتحسسون قلوبهم إثرها،بل يغرقون في دقائقها وتفصيلاتها ، ثم تأتي مرحلة أخرى جرت على أهل الكتب كلهم بسبب الغفلة عن المقاصد الشرعية ، وهي أن يضاف إلى العبادة ما ليس منها مما أوحاه إليهم الانهماك في ظاهرها والانقطاع عن روحها ولبها ومقاصدها . أ ـ هـ
الجواب :
أولاً : لست أدري لماذا ربط المؤلف بين الانهماك في ظاهر العبادة وبين الانقطاع عن روح العبادة ولبها .
ثم هل يقصد المؤلف بهذه العبارة أن البحث العلمي الدقيق والمفصَّل وتحري اتباع النبي × في أفعاله يسبب غفلة عن المقاصد الشرعية .. ويسبب الانقطاع عن روح العبادة ولبها ؟؟؟
فإن كان يقصد ذلك فلا شك أن البحث العلمي الدقيق وتحري اتباع النبي × في أفعاله أمرٌ مطلوب .
إذ لابد من الاهتمام بالمقاصد وروح العبادة ... والاهتمام بالبحث العلمي الدقيق حتى لا يزاد في الدين ما ليس منه .. وحتى لا تنقص العبادة وإنما يؤتى بها على التمام كما أمر الله جل وعلا .
فالاهتمام بصورة الفعل في العبادة مطلوب ، ولذلك فإن النصارى لهم صلاة واليهود لهم صلاة ونحن لنا صلاة ، لكن الهيئة وصورة العمل تختلف . فصلاتنا تختلف عن صلاتهم .
واختيار نوع هذه الحركات للصلاة في ديننا له حكمة عظيمة . والذي دلّنا على ذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم . فيجب علينا أن نفعل كما فعل النبي × في حركاته . وأن نحقق مع ذلك روح العبادة .(1/79)
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية : ( فأما القسم الأول : وهو ما كان مشروعاً في الشريعتين ، أو ما كان مشروعا لنا وهم يفعلونه ، فهذا كصوم عاشوراء ، أو كأصل الصلاة والصيام ، فهنا تقع المخالفة في صفة ذلك العمل ، كما سن لنا صوم تاسوعاء وعاشوراء ، وكما أمرنا بتعجيل الفطور والمغرب ؛ مخالفة لأهل الكتاب ، وبتأخير السحور ، مخالفة لأهل الكتاب . وكما أمرنا بالصلاة في النعلين مخالفة لليهود ، وهذا كثير في العبادات ، وكذلك في العادات . قال × : (( اللحد لنا والشق لغيرنا )) . وسن توجيه قبور المسلمين إلى الكعبة ؛ تمييزا لها عن مقابر الكافرين . فإن أصل الدفن من الأمور المشروعة في الأمور العادية،ثم قد اختلفت الشرائع في صفته ، وهو أيضا فيه عبادات ، ولباس النعل في الصلاة فيه عبادة وعادة ، ونزع النعل في الصلاة شريعة كانت لموسى عليه السلام . وكذلك اعتزال الحيض . ونحو ذلك من الشرائع التي جامعناهم في أصلها ، وخالفناهم في وصفها )(1). أ ـ هـ
والله جل وعلا قال : + لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ".
وهكذا المناسك .. المشركون لهم منسك .. ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - منسك . فيجب أن نعظم هذا المنسك .. وتعظيم الشعائر لا يكون بالنظر إليها مع استحضار التقوى ... لا يكون بالنظر إلى الجمرات وأرض عرفات والصفا والمروة مع استحضار التقوى فقط ... وإنما يكون بإتمام المناسك في الأفعال والأقوال البدنية والقلبية .. وأن نهتم بالمقاصد .. وأثر العبادة على القلب .
ومن الخطأ الاهتمام بفقه المقصد دون الاهتمام بفقه العمل في المناسك . فالاهتمام بأثر العبادة على القلب والاهتمام بروح العبادة . دون فقه وعلم هو طريق النصارى الضالين الذين عبدوا الله على جهل .
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم 1/423 .(1/80)
وقد قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ( من عبد الله بجهل أفسد أكثر مما يصلح )(1).فما أجمل أن نرى اهتمام المؤلف بصورة الفعل كما أظهر الاهتمام بالمقصد وأثر العبادة على القلب .
وقد كان الصحابة والسلف رضي الله عنهم يحرصون كل الحرص على معرفة أفعال النبي × ويهتمون بتفاصيل ذلك ودقائقها .
فقد روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : ( سُئل أسامة بن زيد ، وأنا جالسٌ معه . كيف كان يسيرُ رسول الله × في حجَّة الوداع ، حين دفع ؟ قال: كان يسيرُ العَنَقَ ، فإذا وجد فجوةً نص ).
والعنق : هو أدنى المشي .
فانظر كيف سأل عن صفة مشي النبي × من المشاعر . وتأمل في دقةِ الجواب ، بل تتعجب من دقتهم حينما يذكرون كيف يمشي النبي × عموماً . وسرعة مشي النبي × في وادي محسر خصوصاً .
حينما قال جابر رضي الله عنه : (( أن النبي × أوضع في وادي محسر ))(2) يعني : أسرع السير .
ثانياً : في قول المؤلف : ثم تأتي مرحلة أخرى جرت على أهل الكتب كلهم بسبب الغفلة عن المقاصد الشرعية وهي أن يضاف إلى العبادة ما ليس منها مما أوحاه إليهم الانهماك في ظاهرها والانقطاع عن روحها ولبها ومقاصدها.أـ هـ
لابد أن نعلم أن إضافة عبادة حادثة لم يأتِ بها النبي × بأن هذا بدعة حذر منه النبي × وحذر منه العلماء قديماً وحديثاً .
وهكذا الزيادة على القدر المشروع في العبادة فهو مذموم وهو التنطع والغلو .
أما رسالة المؤلف في الغالب فإنها تدعو إلى الترخيص في ترك ما فعله النبي × .
ففرق بين ترك عبادة ليست من الدين . وبين ترك عبادة فعلها النبي × وحث عليها .
ثالثًا : أن من أسباب قسوة القلب الغفلة وترك الإتباع وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من أسباب قسوة القلب الذنوب والمعاصي وترك ما أمر به النبي × .(3) والله أعلم .
الوقفة السادسة عشر :
__________
(1) الفتاوى لابن تيمية 25/281.
(2) رواه الترمذي (2/886) وقال حديث حسن صحيح .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم 1/292.(1/81)
قال المؤلف ص49 : ولقد رُوي عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله : ( قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ) .
ويقول بعض الضرفاء : حري بأمثالنا أن نقول : قولنا خطأ يحتمل الصواب !
والجواب :
أما ما نقل عن الشافعي فهذا لا يكون في المعتقد .. والمسائل المعلومة من الدين بالضرورة وما شابهها .
وأما العبارة الأخرى : ( قولنا خطأ يحتمل الصواب ) فهي عبارة خاطئة .
لأن القول إذا كان خطأ عند صاحبه . فلماذا يقول به .
واعتقاد الإنسان أن قوله خطأ يحتمل الصواب . هذا ضعف في ذلك القول وقد يكون ضعفًا في ثبات ذلك الإنسان على مبادئه .
وتهيئةٌ للنفس بأن تتلقى أي شبهة على هذا القول بخلاف (قولي صواب يحتمل الخطأ ) الذي لا يغير صاحبه هذا الرأي حتى يرى الأدلة الشرعية الواضحة المخالفة لرأيه .
الوقفة السابعة عشر :
قال المؤلف ص51 : ولقد يطول عجب المرء من غفلة كثير من المسلمين الصلحاء عن قيم الحج ومراميه وآثاره في النفس والسلوك والحياة ، ولو سألوا عن هذا المعنى كما يسألون عن تفصيلات ما يعرض لهم من الأحكام لكان هذا خيراً لهم وأقوم . أ ـ هـ
الجواب :
أولاً : لاشك أن هناك من غفل عن آثار الحج على النفس والسلوك والحياة .
وفي المقابل هناك من غفل عن أحكام الحج وشعائره والتأسي بالنبي ×.
وضعف في قلبه تعظيم هذه الأعمال .
وكيف تحدث التقوى ويظهر أثر العمل على القلب ، والعمل ناقص لم يكمله صاحبه ولم يأتمر بأمر النبي × لما قال : (( خذوا عني مناسككم )) ؛ وقد ذكر العلماء بأن التقيد بأفعال وحركات الصلاة مسقط للواجب الشرعي ولو لم يقارنه خشوع . بينما حكموا ببطلان صلاة الخاشع إذا لم يتقيد بأركان وواجبات الصلاة . رغم أن الخشوع مقصد من أعظم مقاصد الصلاة .والخاشع في صلاته . إذا أتم أفعال وأعمال الصلاة أثّر ذلك على مقاصد الصلاة .(1/82)
كما أنه إذا أتى بأفعال الصلاة بأدنى الكمال . ضعف تأثير ذلك على مقاصد الصلاة . فالخشوع وإتمام أفعال الصلاة مطلوب .
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقول تعالى : + - - ( { فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - - - - - ( - - - ((- رضي الله عنه -( (( - - - رضي الله عنه -(( - - (( - - - ( - - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ": ( ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر : أن العبد المقيم لها المتمّم لأركانها وشروطها وخشوعها يستنير قلبه ويتطهر فؤاده ويزداد إيمانه وتقوى رغبته في الخير وتقل أو تعدم رغبته في الشر؛ فبالضرورة مداومتها ، والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛ فهذا من أعظم مقاصد الصلاة وثمراتها . وثم في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن ؛ فإن الله تعالى إنما خلق العباد لعبادته،وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة،وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها ... الخ)(1).أ ـ هـ
فالبحث عن إتمام الأعمال وإكمالها في الحج مطلوب كما أن البحث عن مقاصد الحج وآثاره في النفس والسلوك والحياة.. والتخشع مطلوب .
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله في المحرِم: ( ويلازم الخشوع والاخشيشان، ويقصد بيت الله أشعث أغبر)(2). أـ هـ
ثانيًا : ذكر المؤلف وفقه الله جملة من مقاصد الحج .
وأود أن أنبه أن مما قصده النبي × في الحج مخالفة المشركين . وذلك في النفرة من عرفة بعد ما غربت الشمس خلافًا للمشركين الذين ينفرون قبل الغروب .(3)
والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس يوم العيد ، خلافًا للمشركين الذي يدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس.
الوقفة الثامنة عشر :
__________
(1) التفسير3/1316.
(2) شرح العمدة 2/208.
(3) سيأتي نقاش رأي المؤلف في جوازه النفرة من عرفة قبل الغروب ص .(1/83)
قال المؤلف ص64بعد ما ذكر حديث عبدا لله بن عمرو بن العاص (( أن رسول الله × .. ما سئل عن شيء قُدِّم ولا أخر إلا قال : ( افعل ولا حرج ) )).
قال : وهكذا يحسن أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه ، أو في جنس ما أفتى به النبي × :((افعل ولا حرج)).أ ـ هـ .
ولست أدري لماذا حكّم المؤلف هذا النص على بقية النصوص .
وعلى كل حال فنتحدث عن كلام المؤلف هذا في نقاط :
أولاً : من سبق المؤلف بهذا القول ! أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه من العبادات في الحج ( افعل ولا حرج ) ففرق بين ( افعل ولا حرج ) عند تقديم نسك على نسك وبين أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه (افعل ولا حرج ).
ثانيًا : أن النبي × لم يقل (( اترك ولا حرج )) وإنما قال (( افعل ولا حرج )) .
فاختيار شعار ( افعل ولا حرج ) للفتوى غير صحيح لأن مخالفة هدي النبي × في الحج على أنواع ولم يحكم فيها النبي × بـ (( افعل ولا حرج )) وإنما اختلف حكمه × بحسب الأحوال .
فمن مخالفة النبي × أولاً : ترك الأفعال الواجبة في الحج .
فالنبي × لم يرخص في ترك طواف الإفاضة . فقال في شأن صفية رضي الله عنها (( أحابستنا هي )) .
ولم يرخص لأم سلمة في ترك طواف الوداع لما اشتكت ، ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : (( شكوت إلى رسول الله × أني أشتكي . فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة )) (1) .
قال ابن القيم رحمه الله في طواف أم سلمة أنه طواف الوداع بلا ريب .أ ـ هـ (2)
__________
(1) رواه البخاري ـ الفتح (3/573).
(2) زاد المعاد (2/299) .(1/84)
وهكذا من لم يجد الهدي فقد أُرشِد إلى البدل + صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( المحتويات { - ( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - (( - ( ( { - الله ( فهرس - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - (( ( - - { - رضي الله عنه -( - - - - { - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( { ( المحتويات ( - ((- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه -( ( - - - ( تم بحمد الله - - - - " (1) .
وتارة رخص النبي × في ترك بعض الفعل . كما رخص للضعفة أن ينفروا من مزدلفة قبل الفجر .
وتارة رخص في تأخير الفعل عن وقته . لا تقديمه كما رخص للرعاة في تأخير رمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر . ولم يرخص لهم في تأخير رمي اليوم الأول . وتارة أسقط الفعل بالكامل كما أسقط طواف الوداع عن الحائض . وأسقط المبيت عن السقاة .
فالرسول × فرَّق بين الأعذار . فأسقط طواف الوداع عن الحائض ولم يسقطه عن أم سلمة لما اشتكت . فلم يرخص لكل أصحاب الأعذار .
وفرَّق بين فعل وفعل . ففرَّق بين طواف الإفاضة وبين طواف الوداع . فأسقط طواف الوداع عن الحائض ولم يسقط طواف الإفاضة عنها . كما في قصة صفية .
ولذلك ليس كل فعل يرخص فيه .. وليس كل عذرٍ يُسقِط الفعل فالرسول × فرَّق بين الأمور .
والمؤلف رخص في ترك بعض الأفعال وأدخلها تحت هذا الشعار ( افعل ولا حرج ) ففرقٌ بين الرخصة في الفعل، وبين الرخصة في الترك .
ومن مخالفة النبي × ثانيًا : ارتكاب المحظور . وهو فعل ما نهى عنه النبي × من المحظورات . فهذه لم يرخص فيها النبي × حتى في حالات الضرورة إلا بالفدية كما في حديث كعب بن عجرة . فقال له : (( احلق وافدي )).
__________
(1) سورة البقرة : 196 .(1/85)
وارتكاب المحظور كفارته تختلف . فتارة تجب فيه الكفارة وتارة لا تجب فيه الكفارة كالنكاح ، وتارة يبطل الحج بهذا المحظور كالجماع قبل التحلل الأول كما أفتى بذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم . وكل ذلك بحسب المحظور الذي يفعله الحاج .
ومن مخالفة النبي × ثالثًا : التقديم والتأخير بين أفعال الحج ، فهذا لا يصح أن يقال فيه بإطلاق ( افعل ولا حرج ) .
فلا يقدم سعي الحج للمتمتع على الوقوف بعرفة .
أما بالنسبة لتقديم أفعال يوم النحر وهي الرمي والنحر والحلق والطواف فهذه فيها خلاف طويل كما سنذكره إن شاء الله والصحيح الجواز .
وكل من خالف هدي النبي × في الحج سواءًا كان هذا المخالف لضرورة أم لحاجة أم لجهل.
وسواءٌ كانت المخالفة في ترك ما فعله النبي × أم في تقديم نسك على نسك يأتي فيسأل النبي × . فكانت إجابات النبي × تختلف .
ثالثاً : خلاف العلماء في تقديم نسك على نسك يوم العيد !
اختلف أهل العلم في تقديم نسك على نسك يوم العيد ، وخلافهم قديم ، وقد ساق الخلاف أبو الفرج عبدالرحمن بن محمد المقدسي في الشرح الكبير(1). وفرق بين الجاهل والناسي وبين العامد العالم .
وبوب البخاري رحمه الله : ( باب إذا رمى بعد ما أمسى ، أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلاً )
قال ابن حجر : ( ولم يبين ((البخاري)) الحكم في الترجمة . إشارةً منه إلى أن الحكم برفع الحرج مقيد بالجاهل أو الناسي فيحتمل اختصاصها بذلك ).(2)
وقد ساق ابن عبدالبر رحمه الله الخلاف وأطال في ذلك . وفصل في تقديم الأنساك بعضها على بعض . فذكر الخلاف في تقديم الحلق على الرمي . والخلاف في تقديم الحلق قبل الذبح . والخلاف فيمن طاف قبل أن يحلق .
__________
(1) الشرح الكبير ( 9/220).
(2) فتح الباري لابن حجر (3/664) وقد أطال ابن حجر البحث في ذلك . انظر أيضًا ( 3/668 ـ 669) .(1/86)
وذكر عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقول : فيمن طاف قبل أن يحلق بعد الرمي أنه يرجع فيحلق أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض .
وأطال ابن عبدالبر في ذلك .(1)
ونقل في الشرح الكبير أن من قدم نسكًا على نسك عامدًا فإنه لا دم عليه في إحدى الروايتين عن أحمد ، وهو قول عطاء وإسحاق لإطلاق حديث ابن عباس . والرواية الأخرى أن عليه دمًا . (2) أ ـ هـ
والصحيح في ذلك كله جواز التقديم والتأخير بين الأنساك التي تفعلُ يوم العيد . لعموم حديث عبدالله بن عمرو : (( ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : (افعل ولا حرج ) )) ، فجعل الحكم مرتبطًا بتقديم نسك على نسك. ولاشك أن ترتيب النبي × أفضل وأولى .
رابعًا : أن الكتاب وزع بكميات كبيرة على العامة .. فكان هذا الشعار وهذه العبارة قاعدة عريضة لهم في أعمال الحج .
فقول المؤلف فينبغي أن يكون شعار المفتي .. هذا يوجه للعلماء والدعاة في الخطاب الخاص. لا يكون بتوزيعه على العامة بتلك الكميات فالعامة إذا قرؤا مثل هذه العبارة وهو ما يراه المؤلف من أن شعار المفتي فيما لا نص فيه (افعل ولا حرج) أفتوا أنفسهم في قضايا الحج بدون نصوص ؛ ورأوا أن كل مفتي يفتيهم بشيء ثقيل على نفوسهم أو مخالف لما يراه المؤلف أنه تشدد .
الوقفة التاسعة عشر :
قال المؤلف ص64 :
والسنة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه فإن من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة ولا يأخذ بالأخرى ، ومنهم من يأخذ بغيرها ويدع هذه . بينما السنة وسعت ذلك كله .(3) أ ـ هـ
الجواب :
__________
(1) التمهيد لابن عبدالبر (7/263 ـ 280) وقول ابن عمر رضي الله عنه (7/279).
(2) الشرح الكبير 9/220 .
(3) قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي ـ حفظه الله ووفقه ـ معلقًا على هذه العبارة : جعل المؤلف السنة تجمع التيسيرات في كتب الفقه بينما الأصل أن يقال إن كتب الفقه هي التي جمعت التيسيرات من السنة .(1/87)
هل يرى المؤلف أن أقوال العلماء الثقيلة على النفوس لم تستوعبها السنة ؟؟
وهل يفهم من ذلك أن السنة المحمدية شملت الأقوال البعيدة والشاذة ؟؟
هل يريد المؤلف بهذه العبارة اختيار أيسر الأقوال ولا حرج في ذلك ، بدلالة اختيار أحد أهل العلم لهذا القول حتى لو كان معارضاً لدليل ؟؟؟
وقد قال الإمام أحمد : ( سمعت يحيى القطان يقول : لو أن رجلاً عمل بكل رخصة : بقول أهل المدينة في السماع ، يعني في الغناء ، وبقول أهل الكوفة في النبيذ ، وبقول أهل مكة في المتعة . لكان فاسقًا ) (1). أ ـ هـ
الوقفة العشرون :
قال المؤلف ص76 :
وقد ذهب الألباني رحمه الله إلى وجوب التمتع ونسبه لابن عباس - رضي الله عنه - وغيره ، ولا أراه يصح عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن يقول بالتحريم على وجه الإطلاق، وهو لا يرى العمرة للمكي ومعناه أن المكي لا يتمتع.
وقال قوم : إن الأنساك الثلاثة سواء في الفضيلة .
والأجود : أن القران أفضل لمن ساق الهدي ، وأن من أدى العمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله فالأفضل في حقه الإفراد .
وهذا خلاصة ما قرره جمع من أهل العلم .أ ـ هـ
الجواب :
أولاً: أن شيخ الإسلام ابن تيمية(2) رحمه الله نسب القول بالوجوب إلى ابن عباس - رضي الله عنه - .
ومع أن ابن تيمية نسب القول بوجوب التمتع لابن عباس، إلا أنه أيضاً نسب إلى ابن عباس بأن أهل مكة ليس لهم عمرة.
وكان يقول : ( يا أهل مكة ليس عليكم عمرة ... )(3).
فمسألة وجوب التمتع على غير المكي تختلف عن مسألة العمرة للمكي .
وعدم قول ابن عباس بعمرة المكي لا يدل على أنه لا يرى وجوب التمتع على غير المكي .
__________
(1) المسودة ص518 وانظر ص فقد سبق الكلام عن تتبع الرخص .
(2) مجموع الفتاوى (26/49 ).
(3) مجموع الفتاوى لابن تيمية (26/44).(1/88)
فنسبة الألباني القول بالوجوب لابن عباس نسبة صحيحة . قال أبو جمرة : (( تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني))(1) .
وممن سبق الألباني بوجوب التمتع ابن القيم رحمه الله حيث قال : ( ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج ، لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة تفادياً من غضب رسول الله × . وإتباعاً لأمره ... الخ )(2).
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الأنساك الثلاثة وذلك بحسب الأحوال . خلافاً لابن القيم .
ثانياً : أما قول المؤلف أن من أدى العمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله فالأفضل في حقه الإفراد .
فالصواب أن الأفضل في حقه التمتع . لأن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا قد اعتمروا قبل ذلك . ومع ذلك فأمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد .
وقد فهم بعض أهل العلم والفضل من كتاب منسك شيخ الإسلام ابن تيمية أن ابن تيمية رحمه الله يرى أن من أتى بالعمرة ثم رجع إلى أهله فالأفضل في حقه الإفراد .
ولكن الصحيح أنه يرى في مثل هذه الحال . أن التمتع أفضل . لأن المتمتع يكون قد جمع بين عمرتين وحجة وهدي . قال رحمه الله: (من سافر سفرة واحدة واعتمر فيها ، ثم أراد أن يسافر أخرى للحج ، فتمتعه أيضاً أفضل له من الحج ، فإن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع النبي × كانوا قد اعتمروا قبل ذلك ، ومع هذا فأمرهم بالتمتع ، لم يأمرهم بالإفراد.
ولأن هذا يجمع بين عمرتين وحجة وهدي ، وهذا أفضل من عمرة وحجة .
وكذلك لو تمتع ثم سافر من دويرة أهله للمتعة ، فهذا أفضل من سفرة بعمرة وسفره بحجة مفردة ، وهذا المفرد أفضل من سفرة واحدة يتمتع فيها .
__________
(1) رواه البخاري في الصحيح (3/برقم 1567 ). وانظر آثار ابن عباس في الأمر بالتمتع في صحيح مسلم (3/برقم 1244ـ 1245) .
(2) زاد المعاد 2/182.(1/89)
وأما إذا أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة ، ويسوق الهدي ، فالقران أفضل ، اقتداءً برسول الله × حيث قرن وساق الهدي ... الخ)(1).
وقال أيضًا الشيخ تقي الدين بن تيمية : ( فصل في الأفضل من ذلك : فالتحقيق في ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج فإن كان يسافر سفرة للعمرة ، وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ، ويعتمر ويقيم بها حتى يحج، فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة . والإحرام قبل أشهر الحج ليس مسنوناً . بل مكروه وإذا فعله فهل يصير محرماً بعمرة ، أو الحج فيه نزاع .
وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس. وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة ويقدم مكة في أشهر الحج : وهن شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة ، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له ، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل ... الخ )(2).
الوقفة الحادية والعشرون :
قال الدكتور سلمان ص76 :
كما أن على المفتي أن يدرك اختلاف الناس وتنوع مشاربهم ومذاهبهم وأقوال المفتين لديهم ، وحملهم على قول واحد أو مذهب واحد مُتعسر بل متعذر،وسعة الشريعة لا تحكم بضيق هذا المذهب أو ذاك في بعض الفروع والمسائل.أـ هـ
الجواب :
إدراك المفتي اختلاف الناس وتنوع مشاربهم لا يجعله يفتي بغير ما يراه من الحق . لكن لابد للمفتي أن يعذر المجتهدين في اجتهادهم . في المسائل الخلافية ومن الخطأ أن يفتي بغير الحق الذي يراه .
__________
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (26/88) .
(2) مجموع الفتاوى (26/101) .(1/90)
قال ابن القيم رحمه الله : ( ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه ، وأصح دليلا ، فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه ، فيكون خائنًا لله ورسوله وللسائل وغاشًّا له ، والله لا يهدي كيد الخائنين ، وحرم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله ، والدين النصيحة ، والغش مضادٌّ للدين كمضادَّة الكذب للصدق ، والباطل للحق ، وكثيراً ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب . فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده ، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه ونقول : هذا هو الصواب ، وهو أولى أن يؤخذ به )(1) أ ـ هـ
الوقفة الثانية والعشرون :
قال المؤلف ص77 في الوقوف بعرفة:ولو دفع قبل الغروب ـ من عرفة ـ أجزأه عند الأئمة ، خلافاً لمالك ، قال ابن عبدالبر : لا نعلم أحداً من أهل العلم وافق مالكاً على هذا . وبعضهم يقول : عليه دم ، والأقرب أن لا شيء عليه .
والدليل حديث عروة بن مضرس أن النبي × قال : (( من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً ، فقد تم حجه وقضى تفثه )) .
الجواب :
أولاً : أن الأئمة الأربعة مُجمعون على أنه يجب على الحاج الوقوف بعرفة إلى الغروب .(2)
ونقل ابن عبدالبر رحمه الله أنه قول عطاء وأبو ثور وإسحاق وداود والطبري .(3)
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: ( ولهذا صار الوقوف إلى ما بعد الغروب واجباً عند جماهير العلماء . وركناً عند بعضهم)(4)أ ـ هـ
لكنهم اختلفوا في بطلان حجه . فصحح حجه الأئمة الثلاثة . وأبطل حجه الإمام مالك رحمه الله.(5)
__________
(1) إعلام الموقعين (4/225 ).
(2) انظر مفيد الأنام لابن جاسر رحمه الله (ص316).
(3) الاستذكار (13/30).
(4) اقتضاء الصراط المستقيم (1/321).
(5) الاستذكار (13/29) .(1/91)
والمؤلف خالف في هذا ويرى أن الوقوف إلى الغروب لا يجب . فله أن ينفر من عرفة قبل الغروب . واستدل بحديث عروة بن المضرس السابق .
والرد على ذلك من وجوه :
أولاً : أن المشركين كانوا ينفرون من عرفة قبل الغروب فالنبي صلى الله عليه وسلم خالف هديهم قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله : ( وكذلك كانوا يفيضون من عرفات قبل الغروب ، فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإفاضة بعد الغروب ، ولهذا صار الوقوف إلى ما بعد الغروب واجباً عند جماهير العلماء ، وركناً عند بعضهم )(1).أ ـ هـ
ثانيًا : أن الله جل وعلا أمر بالإفاضة من حيث أفاض الناس . كما قال سبحانه وتعالى : + - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( { ( - - رضي الله عنهم - مقدمة - عليه السلام -( - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( } - } - جل جلاله - - - - " .
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله : ( فإن قيل : لم ذكر لفظ الإفاضة دون الوقوف ؟ ، قيل : لأنه لو قال : ثم قفوا حيث وقف الناس : لظن أن الوقوف بعرفة يجزئ في كل وقت بحيث يجوز تقديمه ، وأما الإفاضة : فإنها الدفع بعد تمام الوقوف ، وقد علموا أن وقت الدفع هو آخر يوم عرفة ، فإذا أمروا بالإفاضة منها : علم أنه يجب أن يقفوا بها إلى وقت الإفاضة ، وأنها غاية السير الذي ينتهي إليه الحاج، فلا تتجاوز ولا يقصر عنها؛ لأن المقصر والمجاوز لا يفيضان منها)(2).
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/319).
(2) شرح العمدة 3/574.(1/92)
ثالثاً : قال ابن عبدالبر : ( وقال إسماعيل بن إسحاق : إنما في حديث عروة بن مضرس إعلام منه صلى الله عليه وسلم أن الوقوف بالنهار لا يضره إن فاته ، لأنه لما قيل : ليلاً أو نهاراً ، والسائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل ، فأعْلَم أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره ، وأنه قد تم حجه لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل .
قال : ولو حُمِل هذا الحديث على ظاهره ، كان من لم يدرك الصلاة في جمع قد فاته الحج )(1). أ ـ هـ
وظاهر حديث عروة بن المضرس أيضاً . أن من وقف ساعة في عرفة وصلى الفجر في مزدلفة فقد تم حجه وقضى تفثه ، فالحج إذاً قد كمل ، فلماذا نوجب على الناس طواف الإفاضة والوداع والسعي والحلق ... والرمي .
فإذا قال قائل جاءت النصوص الأخرى بوجوب تلك المناسك وهي الطواف والرمي وغيرها قلنا له جاءت نصوص أخرى في الوقوف بعرفة إلى الغروب وهي أن النبي × وقف بعرفة إلى الغروب هو وأصحابه ولم يخرج أحدٌ قبل الغروب وقال : (( خذو عني مناسككم )) . وخالف النبي × المشركين كما ذكرنا وأمر الله بالإفاضة من حيث أفاض الناس وليس الوقوف حيث وقف الناس !
رابعاً : لو كان الدفع من عرفة قبل الغروب جائزًا لرخص × للضعفة أن يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل الغروب خوفاً من الزحام الذي لا نظير له في سائر المشاعر . كما رخص للضغفة في الدفع من مزدلفة بليل.
وهذا يوم عبادة وهو من أعظم أركان الحج أفطر فيه النبي × ليفطر الحجاج معه فيتقووا على دعاءِ الله وذكره إلى غروب الشمس فكيف يُرخَّصُ بالنفرة من عرفة قبل الغروب .
خامسًا: أن عروة بن مضرس - رضي الله عنه - وقف ليلاً لأنه لو كان وقف نهاراً لما سأل النبي × فقال : فهل لي من حج ؟
__________
(1) الاستذكار 19/33 .(1/93)
فهذا الحديث لا يدل على جواز الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس ... ولا يدل على الإذن لأحد بالانصراف من عرفة قبل الغروب . وإنما يدل على الحج المجزئ ولا يدل على الحج الكامل .
فهو يدل على أن حجه صحيح وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة إلا مالكًا . ولا يدل على أن حجه كامل بل مجزئ.
وهذا كما لو ترك الإحرام من الميقات فإنه يحرُم عليه وحجه صحيح وعليه دم .
سادسًا : لقد مُلئ كتاب (افعل ولا حرج) بالاهتمام بالمقاصد وأثر العبادة على القلب ... فما هي المقاصد والسلوك التي يجنيها من خرج من عرفة قبل الغروب ؟؟؟
كيف يستطيع أن يخرج من عرفات ... وهو في تلك الساعات المهيبة وبين جموع الحجيج .. وقد امتلأ ذلك الفضاء بالدعوات .. وكثر الضجيج .. وسكبت العبرات .. وخشعت القلوب .
فكم من دعوةٍ تستجاب .. وكم من عثرة تقال .. وكم من البركات تنزل .. وكم من الحاجات تقضى .
وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله × قال : (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول . ما أراد هؤلاء ))(1).
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية : ( فمن لم يقف إلى العشية لم يباه الله به فلا يكون من الحاج )(2) أـ هـ .
فأي خيرٍ ترك.. وأي مقاصدٍ ضيع حينما ضيع تلك الساعات العظيمة بدون سؤالٍ ولا ذكرٍ ولا دعاء .
فترك الوقوف بعرفات إلى الغروب يضيع معه كثير من آثار العبادة في الحج! كيف لا؟ والحج عرفة .. ؟
الوقفة الثالثة والعشرون :
قال المؤلف ص85 :
ـ في رمي الجمار ـ وهو واجب عند الجمهور لفعل النبي × . وقوله : (( خذوا عني مناسككم )) ...
وهو سنة مؤكدة في إحدى الروايات عن مالك. وقول لعائشة رضي الله عنها ، والراجح الوجوب . أ ـ هـ ثم قال في الحاشية : ينظر المجموع للنووي 8/138 ، وفتح الباري 3/579 .
الجواب :
__________
(1) رواه مسلم برقم 1348.
(2) شرح العمدة (3/580) .(1/94)
هذا ما نقله المؤلف عن الإمام مالك من المجموع للنووي وفتح الباري لابن حجر .
والذي وجدته عند ابن حجر أن الجمهور على أن رمي الجمار واجب يجبر تركه بدم .
وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر ، وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه .أ ـ هـ (1)
ثم وجدت بعد هذا النقل بصفحتين(2) نقلاً لابن حجر عن الإمام مالك أن من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم .
وأما بالنسبة لكتاب المجموع فإن النووي رحمه الله لما ذكر مذاهب العلماء في رمي جمرة العقبة (3) ذكر أن الإمام مالكًا يرى أن الرمي واجب .
ونقل النووي عن الإمام مالك أن من ترك ثلاث حصيات من جمرة لزمه دم .(4)
ونقل النووي عن الإمام مالك أن من ترك حصاة واحدة فعليه دم .(5)
والله أعلم .
الوقفة الرابعة والعشرون :
قال المؤلف ص86 : وهو يتكلم عن موضع الرمي :
وهنا يقول الإمام السرخسي الحنفي : ( فإن رماها من بعيد ، فلم تقع الحصاة عند الجمرة ، فإن وقعت قريباً منها أجزأه ؛ لأن هذا القدر مما لا يتأتى التحرز عنه ، خصوصاً عند كثرة الزحام ، وإن وقعت بعيداً منها لم يجزه ) .
ثم علَّق الدكتور سلمان فقال : وهذا كلام نفيس ؛ خصوصاً في هذه الأيام التي تحول رمي الجمار فيها إلى مشكلة عويصة ، وقلّ عام إلا ويسقط العشرات، بل المئات تحت الأقدام صرعى ، وينقلون جثثاً هامدة !
وهذا عار يلحقنا جميعاً نحن المسلمون ، ويجب علينا حكاماً وعلماء وعامة أن نجاهد في سبيل تلافيه وتداركه .
ولست أدري كم يلزم أن يموت من المسلمين حتى نستيقظ ونتفطن ونغار على أرواحهم ونضع الأمر في نصابه .
فما بال أقوام يغارون على فرعيات جرى الخلف فيها ، ويغمضون عن كليات جرى الجور عليها .
__________
(1) فتح الباري 3/677 الطبعة السلفية ط/الثالثة.
(2) فتح الباري 3/679 .
(3) المجموع للنووي 8/177 تحقيق المطيعي نشر مكتبة الإرشاد .
(4) المجموع 8/269 .
(5) المجموع 8/270 .(1/95)
إن موت المسلم عند الله عظيم ، فكيف في مثل هذه المواضع المباركة التي يأمن فيها الطير ! أ ـ هـ
الجواب:
أولاً : قول المؤلف : ( فما بال أقوام يغارون على فرعيات جرى الخلف فيها... )
هذه غيرة على شعيرة من شعائر الله وهي الرمي وهذا من تعظيمها فيغارون حتى يؤديها الحجاج بما تبرأ به ذممهم. + - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام - - ((((- رضي الله عنهم -( - { ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - قرآن كريم ( { - - ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - (((( ".
ثانياً : أن من غار على ما سماه المؤلف فرعيات . لا يلزم أن يكون مغمضاً عن الكليات فنحن لم نكشف عن قلبه .. بل إن الذي نظن فيمن يغار على الفرعيات أنه أقرب من غيره على الغيرة على الكليات .
وليس له أن يتهم من يخالفه . في قضية الحوض بأن المخالف لا يغار على الكليات ... ولا على قتل المسلمين في الحج أو في غيره .
وأما قوله ولست أدري كم يلزم أن يموت من المسلمين حتى نستيقظ ونتفطن . فالعلماء لم يفتوا في هذه المسألة بجهل وغفلة وإنما أفتوا بعلمٍ وفطنة ، ووضعوا الأمر في نصابه وإذا كان المؤلف يرى رأيًا فليس له أن يُلزم غيره برأيه .
فهذه العبارة من المؤلف كان الأحرى ألا تُذكر والله أعلم .
الوقفة الخامسة والعشرون :
قال المؤلف ص89 :
والتأكيد في بعض هذه الفروع قد يسبب الوسواس ؛ فيشك الحاج هل رمى ستًّا أو سبعاً ، هل سقطت في الحوض أو لا ؟
وربما أرهقه ما يسمع من التشديد إلى التردد على المرمى؛ لأنه شك في حصاة هل وصلت أو نقصت.(1/96)
وقد أخرج النسائي وغيره عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: (( رجعنا في الحجة مع النبي × ، وبعضنا يقول : رميت بسبع حصيات . وبعضنا يقول : رميت بست . فلم يعب بعضهم على بعض )) .
الجواب :
أولاً : من تعظيم شعائر الله وشعيرة الرمي التأكيد على إتمام الرمي . وهذه طريقة العلماء والمصلحين على اختلافٍ بينهم في القدر المجزئ من الرمي هل هو ست أو سبع حصيات . فمن كان يرى الرمي بست حصيات أكد على ذلك , ومن كان يرى سبع حصيات أكد على ذلك .
فالتأكيد على إتمام الشعيرة مطلوب. سواء كان العالم يرى أنه يكفي ست حصيات أم سبع حصيات.
وممن يرى الاكتفاء بست حصيات مجاهد(1) وإسحاق ورواية عن الإمام أحمد (2) واستدلوا بحديث سعد بن أبي وقاص السابق .(3)
وممن ذهب إلى وجوب الرمي بسبع حصيات طاووس والشافعي وأصحاب الرأي ورواية عن الإمام أحمد(4) واستدلوا بأن النبي × رمى بسبع حصيات .
__________
(1) الاستذكار لابن عبدالبر (13/224).
(2) الشرح الكبير (9/243).
(3) وهو قوله - رضي الله عنه - : (( رجعنا في الحجة مع النبي × ، وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات . وبعضنا يقول: رميت بست . فلم يعب بعضهم على بعض )) رواه الإمام أحمد في المسند برقم 1439 ورواه النسائي (5/275) والبيهقي (5/149) وهذا الحديث يرويه مجاهد عن سعد - رضي الله عنه - وفيه انقطاع . قال ابن القطان رحمه الله : لا أعلم لمجاهد سماع من سعد وقال الطحاوي : حديث منقطع لا يثبت أهل الإسناد مثله ( انظر : الجوهر النقي لابن التركماني (5/149) .
(4) الشرح الكبير (9/243) .(1/97)
فقد روى الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما (( أن رسول الله × كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف . ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي ، فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو . ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر عند كل حصاة ، ثم ينصرف ولا يقف عندها ))(1).
وفي حديث جابر رضي الله عنه قال : (( ثم سلك × الطريق الوسطى التي تخرجُ على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة . فرماها بسبع حصيات . يكبر مع كل حصاة ...)) الحديث .
ثانياً : من الخطأ أن يعيب أحدٌ على أحد في هذا . كما قال الراوي فلم يعب بعضنا على بعض .
فلا يعيب من أفتى بسبع على من أفتى بست حصيات . ولا يعيب من أفتى بست على من أفتى بسبع .
فمن كان يرمي بالست حصيات ، فإنه لا يصف من يرى الرمي بسبع حصيات بالتشدد .
فقول المؤلف ( وربما أرهقه ما يسمع من التشديد إلى التردد على المرمى ) ينبغي أن لا نعيب على من يرى الرمي بسبع حصيات .
وأخطر من ذلك أن نعيب من يدعو العباد إلى إتمام شعيرة الرمي .. ويؤكد على ذلك .
ومن الخطأ الفادح أن نهون من هذه الشعيرة في قلوب الناس .
الخطأ أن تكون فتاوانا فيها تساهل في الأحكام التي أمر الله بتطبيقها .
الخطأ أن لا تقوم فتاوانا على ضبط الناس في عبادتهم لربهم .. وأن تكون قائمة على الانفلات .. وأن الحاج يفعل ما يشاء .
ولابد أن نعرف الطريق الصحيح للتيسير على الناس . وأن نفرق بين التيسير الصحيح وبين المجازفة بعقول العلماء. الذين هم حرّاس الشريعة .
__________
(1) صحيح البخاري (3/1753).(1/98)
ثالثاً : كان السلف يؤكدون على قضية الرمي .. ويهتمون بها ، فمن ذلك ما نقله ابن عبدالبر أن مالكاً قال : لو ترك الجمار كلها ، أو ترك جمرة منها ، أو ترك حصاة من جمرة ، حتى خرجت أيام منى ، فعليه دم .
وجاء عن أبي حنيفة أن من ترك حصاة واحدة يطعم مسكين.
وقال الأوزاعي : إن ترك حصاة تصدق بشيء .
وقال الثوري : يطعم في الحصاة والحصاتين والثلاث ، فإن ترك أربعاً فصاعداً ، فعليه دم .
وقال الليث : عليه في الحصاة الواحدة دم .
وقال الشافعي : في الحصاة الواحدة مد من طعام،وفي حصاتين مدان،وفي ثلاث حصيات دم والقول الآخر مثل قول الليث،والأول أشهر عنه. أ ـ هـ(1)
فلست أدري هل شدد السلف على الناس أو تساهلنا ؟؟؟ .
ويقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز : ( لابد أن يعلم الحاج أن الحصى سقط في الحوض أو يغلب على ظنه ذلك .
أما إذا كان لا يعلم ولا يغلب على ظنه فإن عليه الإعادة في وقت الرمي وإذا مضى وقت الرمي ولم يُعد فعليه دم يذبحه في مكة للفقراء ... الخ )(2).
وسُئل رحمه الله : ما حكم من حصل عنده شك بأن بعض الحصى لم يسقط في الحوض ؟
ج : من شك فعليه التكميل ، يأخذ من الحصى الذي عنده في منى من الأرض ويكمل بها . أ ـ هـ
رابعاً : أننا نعلم أن مع اختلاف الصحابة . فمنهم من رمى بست ، ومنهم من رمى بسبع حصيات إلا أن الأتم والأفضل الرمي كما رمى النبي × بسبع حصيات .(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن يرميها بسبع حصيات وهذا من العلم العام الذي توراثته الأمة خلفًا عن سلف .(4)
الوقفة السادسة والعشرون :
قال المؤلف ص89 :
في حين نجد من المصنفين في الفقه من قال : لو خطفها طائر ... فما هذا الطائر الحاذق يخطف حصاة في الهواء ؟
__________
(1) التمهيد لابن عبدالبر (17/255) وانظر الاستذكار (13/223).
(2) فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز 17/379 .
(3) فتاوى الحج والعمرة ص113.
(4) شرح العمدة (3/258).(1/99)
ومنهم من يقرر : لو وقعت الحصاة على الأرض ، فضربت حصاة أخرى فطارت الأخرى ووقعت في المرمى !!
إلى غير ذلك من الافتراضات والتشقيقات التي لم ترد في كتاب ولا سنة ولا هدي صاحب . أ ـ هـ
الجواب :
هذه الافتراضات التي يفترضها بعض الفقهاء . من أجل تنمية الملكة الفقهية حتى تنزَّل عليها المستجدات ويتربى ذهن الطالب على المسائل الفقهية فيضبط الأمور . لا أن يفتي في الوقائع المستجدة بغير ضوابط .
فينبغي علينا أن نعرف قدرهم وأن نعلم أن هذا اجتهادٌ منهم .. وأن نترحم عليهم .
وأن نجعل هذه الافتراضات الفقهية بقدر ما يربي الطالب على ضبط المسائل الفقهية.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن بعض الفقهاء يقدرون مسائل يعلم أنها لا تقع لتحرير القواعد وتمرين الأذهان لضبطها(1) فالفقهاء لا يعاب عليهم استقصائهم في البحث والتماسهم الحلول للنوازل وإنما العيب في الدعوة إلى التساهل بهذه العبادة العظيمة والله أعلم .
الوقفة السابعة والعشرون :
يرى المؤلف الرمي قبل الزوال ص90 وذكر مسوغات ذلك .
الجواب عن ذلك :
أولاً : هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم .
والمؤلف له اجتهاده في هذه المسألة ، وقد ذكر ما يرى أنه من الأدلة على رأيه، وإن كان الصحيح خلاف ما قال .
لكن من الخطأ حينما نتحدث عن الرمي عموماً أن نخاطب العلماء والدعاة من خلف الصفوف .
فلا يصح بتاتاً إثارة العامة والغوغاء .. بالضغط على العالم حتى يفتي بما يرى غيره لا بما يرى هو ؟
ثانياً : ذكر المؤلف أقوالاً لعلماء يرون الرمي قبل الزوال . وبعض هؤلاء العلماء لهم رأي آخر بوجوب الرمي بعد الزوال.
ومن ذلك :
1ـ عطاء : فله قول آخر ، قال ابن جريج : سمعت عطاء يقول : لا ترم الجمرة حتى تزول الشمس. فعاودته في ذلك . فقال ذلك .
__________
(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (24/257) وانظر كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله كذلك في الممتع (12/484).(1/100)
وتأمل في قول ابن جريج : فعاودته في ذلك فقال ذلك . (1)
وله قول بالرمي قبل الزوال كما ذكر المؤلف .(2)
2ـ كلام الشيخ صالح البليهي رحمه الله وجعل الجنة مأواه . فقد ذكر المؤلف أن الشيخ صالح البليهي يقول بالرمي قبل الزوال ولعل المؤلف وقف على كلام للشيخ صالح . لكن الذي نعرفه من تقرير الشيخ صالح البليهي في كتاب السلسبيل عدم جواز الرمي قبل الزوال قال : وهو اختيار الشيخ وابن القيم لفعله × ، وفعل أصحابه رضي الله عنهم ، وهو قول الأئمة الثلاثة . والجماهير من العلماء خلفاً وسلفاً فلا يجوز الرمي قبل الزوال .
لما روى أحمد ومسلم والنسائي من حديث جابر أنه × قال عند رمي جمرة العقبة : (( لتأخذوا عني مناسككم )).
وقال × : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )).
وعن أحمد يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث خاصة .
وهو قول الحنفية وقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جابر بن عبدالله قال : رأيت رسول الله × يرمي يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : رمى رسول الله × الجمار حين زالت الشمس رواه أحمد والترمذي وابن ماجه .
وعن عائشة قالت : أفاض رسول الله × يوم النحر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم ... وعن ابن عمر قال : (( كنا نتحين زوال الشمس . فإذا زالت الشمس رمينا )) ، وأخرج البيهقي عن عمر - رضي الله عنه - قال : (( لا ترمي الجمرة حتى يميل النهار )) )أ ـ هـ (3) كلام الشيخ صالح البليهي.
ثالثاً : وممن قال لا يرمي إلا بعد الزوال . مالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .(4)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (3/319).
(2) التمهيد لابن عبدالبر (7/272).
(3) كتاب السلسبيل (1/410).
(4) الشرح الكبير 9/240 .(1/101)
وهو قول ابن عمر كما ذكرنا والحسن وأبو يوسف وابن المنذر .(1)
وهو رأي الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبدالله بن حميد وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله على الجميع .
رابعًا : الأدلة على وجوب الرمي بعد الزوال .
قد ذكرنا شيئًا من الأدلة على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال في أيام التشريق. حينما نقلنا كلام الشيخ صالح البليهي رحمه الله، ومن الأدلة أيضًا :
(1) ما رواه مالك عن نافع أن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول : ( لا ترمِ الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس...)(2).
(2) لم يُرخَّص للضعفة والنساء أن يرموا قبل الزوال ، مع أنه رُخِّص لهم يوم العيد أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ويرموا حينما وصلوا إلى منى .
فلماذا رخص لهم قبل الزحام يوم العيد ولم يرخص لهم في اليوم الثاني عشر .
(3) يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ( في أثر ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نتحين ـ أي ننتظر ـ فإذا زالت الشمس رمينا ، وقول الصحابي : كنا نفعل ، (( كنا )) قيل : إنه إجماع ، وقيل : إنه مرفوع حكماً ، على كل حال فهذا هدي الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عبرة بقول من خالف ذلك ، لأنه يجب على المسلمين عند النزاع أن يردوا ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله × )(3). أ ـ هـ
ونقل ابن عبدالبر الإجماع على أن الرمي بعد الزوال . (4)
وقد بينت أن المسألة فيها خلاف . وممن قال بالرمي قبل الزوال طاووس وقول آخر لعطاء .
ونقل هذه الأقوال ابن عبدالبر .(5)
__________
(1) المجموع 8/269 .
(2) رواه مالك في الموطأ في الحج باب رمي الجمار (1/4-8 ورقم 217) ـ والبيهقي في السنن (5/149).
(3) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين (23/293) .
(4) التمهيد لابن عبدالبر (17/254).
(5) انظر التمهيد لابن عبدالبر (7/272).(1/102)
(4) وقال الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ : لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً ، لكان النبي × يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهل . والنبي × ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فكونه لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدل على أنه إثم . أ ـ هـ (1).
(5) أن النبي × كان يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلي الظهر فكأنه يترقب الزوال ليبادر بالرمي . ولهذا أخر صلاة الظهر مع أن الأفضل تقديمها في أول الوقت . كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال .(2)
خامساً : أما اشتداد الزحام الذي تكلم عنه المؤلف في عدد من المواطن فقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : ( لا يسلم لهذا الرجل ـ ويعني الشيخ ابن محمود ـ ما زعمه من بعد الزحام عن مقاصد الدين ؛ بل البعيد عن مقاصد الدين هو ما كان من ذلك مقصودًا بذاته لمن يرمون الجمار ، وما كان زائدًا على الزحام من ضرب أو دفع ونحو ذلك ، أما ما هو من الزحام من لوازم وضروريات الاجتماع على هذه العبادة والحرص على أدائها ليخرج من العهدة بيقين ، مما لا يؤذي به أحدًا ، فإن ذلك ينسب إلى الدين ، ولا حرج ولا عار على من زاحم على واجب العبادة ... وبكل حال ففي الشريعة السمحة مما يُتخلص به من الزحام الشديد بترك مباشرة الرمي للعذر الشرعي بالعدول إلى الاستنابة الشرعية ، وهذا من الرحب والسعة التي اشتملت عليها الشريعة .
__________
(1) فتاوى الحج والعمرة ص111 .
(2) انظر فتاوى الحج والعمرة ( فتوى الشيخ ابن عثيمين ) (ص111).(1/103)
ولكن هذا الرجل يأبى قبول سعة الشريعة التي هي سعتها على الحقيقة مما لا يكون ناقضًا لأصل العبادة ، ويدعو إلى سعة مزعومة مفتراه مزيفة فيها من تفويت شرط صحة العبادة ما يعرفه أهل العلم بدليل الكتاب والسنة والإجماع ، فلو لم يكن على الرخصة الشرعية في جواز الاستنابة في الرمي دليل شرعي معين لكانت أولى بالأخذ بها ، وسلوك سبيلها في التسهيل ودفع المشقة من رخصة قد استوت مع هذه الرخصة في عدم الدليل مثلاً؛إذ رخصته بالتجويز قبل الوقت مع فقدها الدليل مصادمة للدليل،ورخصة المسلمين بجواز الاستنابة في الرمي مع استنادها إلى الدليل لم تصادم الدليل)(1). أ ـ هـ .
ولابد أن نعلم أن هذا الزحام وهذا الموت كان موجوداً في وقت أئمة مثل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله.. وحصل الموت في عدد من السنوات ومع ذلك لم تتغير الفتوى وبقوا على فتواهم .
ووُضِع دور ثانٍ للرمي . واليوم من فضل الله يوضع ستة أدوار للرمي .
وكما ذكرت سابقاً في الرد على الشيخ عبدالله بن بيه بأن الناس هم الذين زحموا أنفسهم .
والقول بالرمي قبل الزوال كما ذكرت سينقل الزحام من ساعة إلى ساعة قبلها فمشكلة الزحام علاجها تنظيمي . وليس بتغيير دلالة الحكم الشرعي بدليل أنه يقل عدد الوفيات مع وجود التنظيمات الحديثة .(2)
سادساً : مناقشة أدلة المؤلف :
أولاً : ذكر المؤلف أن الرمي قبل الزوال منقول عن ابن عباس - رضي الله عنه - .
الجواب :
أما ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - من قوله بالرمي قبل الزوال فقد رواه البيهقي بسندٍ ضعيف .(3)
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (6/112) .
وممن رد على الشيخ عبدالله بن محمود رحمه الله الشيخ عبدالله بن حميد فقد كتب رسالة سماها الرد (على صاحب يسر الإسلام ) وبين الشيخ عبدالله صحة القول بأن الرمي بعد الزوال .
(2) انظر الكلام على الرمي قبل الزوال ص .
(3) سنن البيهقي (5/152) .(1/104)
وأما ما روي من فعل ابن عباس - رضي الله عنه - فقد رواه ابن أبي شيبة من طريق وكيع عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال : رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة قبل أن تزول .(1)
لكن لم يصرح ابن أبي مليكة وهو الراوي عن ابن عباس . في أي يومٍ كان يرمي هذه الجمرة . فيحتمل أنه رماها يوم العيد ، ويحتمل أنه رماها أيام التشريق .
وتبويب ابن أبي شيبة رحمه الله يدل على أن أثر ابن عباس هذا في أيام التشريق . لأنه قال ( باب الجمار متى ترمى) وذكر فيه هذا الأثر . ثم ذكر باب آخر وهو باب ( في رمي جمرة العقبة )(2) وهذا الأثر يبقى أنه مُحتمل .
ومع التأمل أيضًا فإننا نتساءل كيف ينتظر ابن عباس - رضي الله عنه - إلى الظهيرة قبيل الزوال ولم ينتظر الزوال . لأنه لم يبق على الزوال إلا وقت يسير كما يُفهم من كلام ابن أبي مليكة رحمه الله .
وقد نقل ابن عبدالبر قولاً آخر لابن عباس - رضي الله عنه - بأن الرمي قبل الزوال لا يجزئ ، نقله بدون إسناد حيث قال :
وقال مالك وغيره لا يجزئ الرمي في غير يوم النحر إلا بعد الزوال وقال أبو حنيفة إن فعله أحد قبل الزوال أجزأه . وعن عطاء وطاووس وعكرمة مثل قول أبي حنيفة ... وعن عمر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين مثل قول مالك في ذلك . أ ـ هـ(3) والله أعلم .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (3/319) .
(2) قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان (2/87 ـ 92) : فإن الحجة ليست في الترجمة وإنما الاعتبار بما يروى في أثناء الترجمة ، ولاسيما المتقدمين كابن أبي شيبة وعبدالرزاق ووكيع وغيرهم فإنهم يذكرون في أثناء الترجمة آثاراً لا تطابق الترجمة وإن كان لها بها نوع تعلق ، وهذا في كتبهم لمن تأمله أكثر وأشهر من أن يخفى وهو في صحيح البخاري وغيره وفي كتب الفقهاء وسائر المصنفين ثم لو فهم عبدالرزاق هذا وأنه في يمين المكره لم تكن الحجة في فهمه بل الأخذ بروايته . أ ـ هـ
(3) التمهيد لابن عبدالبر (7/272) .(1/105)
ثانيًا : قال المؤلف ص91 . واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - ، أن النبي × رخص للرعاء أن يرموا بالليل ، وأي ساعة من النهار شاءوا .
قال ابن قدامة في الكافي : ( وكل ذي عذر من مرض أو خوفٍ على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا ، لأنهم في معناهم ) .(1) أ ـ هـ .
الجواب :
(1) أود أن أنبه إلى أن ابن قدامة يرى الرمي بعد الزوال .
فقد ذكر ابن قدامة أن الرعاة وأهل السقاية يرمون كل يوم في الليلة المستقبلة .(2)
وقال ابن قدامة أيضًا ـ فيمن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل ـ قال : ( فإن أخرها إلى الليل ، لم يرمها حتى تزول الشمسُ من الغد )(3)(4) .
(2) أما أثر عمرو بن شعيب فقد ضعفه المؤلف .
ثالثاً : أما الاستدلال بحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - : أن رسول الله × قال : (( افعل ولا حرج )) فهذا في تقديم الأنساك بعضها على بعض يوم العيد وقد سبق الكلام عنه .(5)
رابعًا : قال المؤلف ص92 :
ومن أدلتهم : عدم وجود دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال ، لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من الإجماع ، ولا من القياس .
وأما رمي الرسول × بعد الزوال ، فهو بمثابة وقوفه بعرفة بعد الزوال إلى الغروب ، ومن المعلوم أن الوقوف لا ينتهي بذلك الحد ، بل الليل كله وقت وقوف أيضًا .
الجواب :
أن يقال لكن الصباح ليس وقتًا للوقوف .
فبداية الوقوف في عرفة من الزوال . أما قبل الزوال فليس وقتًا للوقوف . ثم كيف يقال ذلك والرسول × كان ينتظر الزوال في غير يوم العيد فإذا زالت الشمس رمى ، وقد قال (( خذوا عني مناسككم )).
خامسًا : قال المؤلف ص92 :
__________
(1) الكافي 1/195 .
(2) الكافي 2/451 .
(3) المغني 5/295 .
(4) ونحن لا نمانع من فعل الرخصة الثابتة عن النبي × لكن الرخصة محدودة بوجود سببها فقط وليس في الحديث أنه رخص لهم أن يرموا قبل الزوال بل فيه تأخير الرمي في وقته .
(5) كما في ص .(1/106)
ولو كان الرمي قبل الزوال منهيًّا عنه لبينه النبي × بيانًا شافيًا صريحًا حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى . وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . أ ـ هـ .
الجواب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وإنما وقف بعد الزوال كما رمى جمار أيام منى بعد الزوال ، وكما صلى الظهر وغيرها من العبادات في مواقيتها ، والعبادة المفعولة قبل وقتها لا تصح بخلاف المفعولة بعد وقتها ...
ولأن الرمي المشروع بعد الزوال لا يجوز تقديمه على وقته ، وإن جاز التأخير عنه )(1).أ ـ هـ
والمتأمل في رمي النبي × يجد أن النبي × كان يبادر لعمل المناسك في أول وقتها . كالوقوف بعرفة بعد الزوال . فلم يصحح جماهير العلماء الوقوف قبل الزوال وصححوا حج من وقف وتأخر إلى الليل ، وبادر النبي × بالدفع إلى مزدلفة بعد الغروب وصحح العلماء حج من تأخر في النفرة من عرفة . بشرط أن يصل قبل الفجر لكن لم يصححوا الجلوس في مزدلفة قبل الغروب ... وهكذا .
فلما جاء في اليوم الحادي عشر والثاني عشر . جلس النبي × ولم يبادر لعملٍ في الصباح حتى زالت الشمس فذهب في شدة الحر فرمى . فصحح جمع من العلماء الرمي في الليل . وجماهير العلماء على النهي عن الرمي قبل الزوال .
ففرق بين عمل العبادة قبل وقتها . وبين عملها بعد وقتها .
__________
(1) شرح العمدة 3/580 .(1/107)
سادسًا : وأما قول المؤلف : ومن الأدلة قوله تعالى : + - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - ( - (( - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - المحتويات (- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم -( - (( } تم بحمد الله " والرمي من الذكر . كما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ). فجعل اليوم كله محلاً للذكر ، ومنه الرمي . وهذا يشبه أن يكون كالنص في المسألة عند التأمل ، وبه استدل الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله وغيره . أ ـ هـ.
والجواب :
ـ أن هذه الآية مجملة بينتها سنة الرسول × بأن الرمي يكون بعد الزوال .
ـ ولو كان الأمر كذلك لجاز تقديم رمي اليوم الثاني عشر والثالث عشر إلى اليوم الحادي عشر . لأن الله جل وعلا جعل الأيام المعدودات كلها محلاً للذكر .
ـ ولو كان الأمر كذلك لجاز تأخير رمي جمرة العقبة إلى أيام التشريق . لأن أيام التشريق أيام ذكر . والرمي ما شُرِع إلا لإقامة الذكر .
ثم لو كان الاستدلال الذي ذكره المؤلف صحيحًا لفهمه الصحابة رضي الله عنهم . ولم يأمروا بالرمي بعد الزوال. كما ذكرنا عنهم رضي الله عنهم .
ـ ولو كان الاستدلال بذلك صحيحًا لما اختار النبي × وقت اشتداد الحر للرمي . لأن الرمي في الصباح أيسر من الرمي وقت اشتداد الحر فالرمي عبادة فعلية . وهذا الفعل محدد بوقت معين فلابد من تأديته فيه. فما ذكره المؤلف بعيد كل البعد . مع أنه يقول في هذا الدليل ( كالنص في المسألة ) .
سابعًا : ومن أدلة المؤلف قوله : وكذلك قول ابن عمر - رضي الله عنه - في رواية البخاري وغيره لمن سأله عن وقت الرمي : ( إذا رمى إمامُك فارمِ ) . ولو كان المتعين عند الرمي بعد الزوال لبينه للسائل . أ ـ هـ
والجواب :(1/108)
أن المؤلف ذكر شطر الحديث . ولو ذكر الشطر الآخر لوضح قول ابن عمر - رضي الله عنه - قال : إذا رمى إمامك فارمه ، فأعاد عليه المسألة ، فقال ابن عمر : ( كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا )(1).. وقد ذكرنا رأي ابن عمر وأنه كان ينهى عن الرمي قبل الزوال كما في موطأ الإمام مالك.(2)
هذا ما تيسر بيانه حول هذا الكتاب .. ولم أقصد تتبع كل مسألة وكل عبارةٍ ذكرها المؤلف .. وإنما أردت الإشارة إلى شيء من مخالفات هذا الكتاب .
سائلاً المولى جل وعلا أن يوفقني ويوفق الدكتور سلمان إلى ما يحب ويرضى وأن يجمع قلوبنا على الحق .. وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
مقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان الذي بعنوان ( التيسير في الحج )
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) رواه البخاري ـ الفتح (3/1746) .
(2) كما في ص .(1/109)
الحمد لله الذي شرع فيسر . ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : فإن التيسير في الحج وغيره من أحكام الدين يكون حسب الأدلة الصحيحة مع التقيد بأداء الأحكام كما شرع الله سبحانه وتعالى ومن ذلك عبادة الحج والعمرة قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وإتمامهما يكون بأداء مناسكهما على الوجه الذي أداهما به رسول الله × لقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وقوله × : ( خذوا عني مناسككم ) أي أدوها على الصفة التي أديتها بها لا على الرخص التي قال بها بعض العلماء من غير دليل من كتاب أو سنة وتلقفها بعض الكتاب والمنتحلين للفتوى ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) ففي هذا الآية الكريمة أنه يجب علينا أن نأخذ من أقوال العلماء ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله × لا ما يوافق أهواءنا ورغباتنا من أقوال العلماء التي لا مستند لها من الأدلة الصحيحة ولا أن تستعمل الأدلة الشرعية على غير مدلولها ، وفي غير مواضعها كمن يستدل بقوله × لمن سأله عن تقديم أعمال يوم العيد بعضها على بعض : ( افعل ولا حر ج) على كل تقديم وتأخير وترك لبعض واجبات الحج وأفعاله فاستعمل هذا الدليل في غير محله ونسي قول الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ولا يحصل إتمام الحج والعمرة الذي أمر الله به في هذه الآية الكريمة إلا بأداء كل منسك من مناسكهما في زمانه ومكانه كما حدده الله ورسوله لا كما يقوله فلان أو يفتي به فلان من غير دليل وإنما تحت مظلة : ( افعل ولا حرج ) وفي غير الزمان والمكان والأفعال التي وردت فيها هذه الكلمة النبوية . هل قال الرسول × لمن انصرف من عرفة قبل الغروب : ( افعل ولا حرج ) هل قالها لمن يرمي قبل(1/110)
الزوال في أيام التشريق هل قالها لمن وقف بنمرة ووادي عرنة ولم يقف بعرفة ، هل قالها لمن ينصرف من مزدلفة قبل منتصف الليل ، هل قالها لمن لم يبيت في مزدلفة في ليلتها وفي منى ليالي أيام التشريق وهو يقدر على المبيت في مزدلفة وفي منى ، هل قالها لمن طاف بالبيت من غير طهارة ، إنه لابد أن توضع الأمور في مواضعها والأدلة في أماكنها ولابد أن يبين الإطلاق والإجمال كما قال العلامة ابن القيم :
وعليك بالتفصيل فالإ ... ... جمال والإطلاق دون بيان
قد خبطا هذا الوجود وشو ... شا الأذهان والأفهام كل أوان
ولا ننسى أن الحج جهاد والجهاد لابد فيه من مشقة وليس هو رحلة ترفيهية ، وقد وسع الله الزمان والمكان لأداء المناسك ، أما المكان فقال رسول الله × في عرفة : ( وقفت ههنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة ) وقال في مزدلفة : ( وقفت ههنا وجمع كلها موقف ) وطاف × بالبيت ماشيا وراكبا يستلم الحجر بمحجن ، ووقت طواف الإفاضة والسعي يبدأ من منتصف الليل ليلة العيد ولا حد لنهايتها ، ووقت رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدأ من منتصف ليلة العاشر إلى آخر المساء من ليلة الحادي عشر ، ووقت رمي الجمرات الثلاث يبدأ من الزوال إلى آخر المساء من ليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر لمن تعجل وغروب الشمس من اليوم الثالث عشر لمن تأخر وفج منى كله مكان للمبيت وهو فج واسع لولا تصرفات الناس واتباع أطماعهم فإنه لا يضيق بالحجاج لو استغل استغلالا صحيحا واقتصر كل على ما يكفيه وترك الباقي لإخوانه وإلا فإنه سيتحمل إثم من أخرجه من منى باستيلائه على اكثر من حاجته :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ... ولكن أخلاق الرجال تضيق(1/111)
إن الذي يجب إعلانه للناس هو قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وقوله × : ( خذوا عني مناسككم ) أما قوله × : ( افعل ولا حرج ) فإنما يقال لمن وقع منه تقديم وتأخير في المناسك التي تفعل في يوم العيد حيث قاله الرسول × في هذا اليوم لمن حصل منه تقديم وتأخير في المناسك الأربعة : الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف والسعي ولم يقله ابتداء فكل شيء يوضع في مواضعه . وأما إعلان : ( افعل ولا حرج ) لكل الناس وقبل حصول الخلل فهذا يحدث تساهلا وبلبلة في أعمال الحج ـ نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجهه الكريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
بقلم صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
الفهرس
رقم الصفحة
تقديم معالي الشيخ صالح الفوزان
تقديم فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
تقديم فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السعد
مقدمة الكتاب
القلب لا يستقيم على الحق حتى يعظم الأمر والنهي
نسيان العلم من أسباب الخلاف
مازال أهل العلم قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض
صور من تهاون بعض المسلمين بشعيرة الحج
الوقفة الأولى : مناقشة الشيخ عبدالله بن بيه في مطلب سماه : ( توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة . وذلك معنى كون الاختلاف رحمة ).
الشاطبي رحمه الله لم يدع إلى معرفة الاختلاف فقط وإنما دعا إلى معرفة الاختلاف ومعرفة مواقع الاختلاف
تحذير الشاطبي وابن القيم للمفتي من اختيار الأقوال بالتشهي
الوقفة الثانية : مناقشة الشيخ عبدالله بن بيه في استدلاله بأثر القاسم بن محمد وعمر بن عبدالعزيز رحمهما الله
أولا : ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي لا يناسب المطلب المذكور وهو مطلب ( توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة وذلك معنى كون الاختلاف رحمة )
رد الشاطبي وابن عبدالبر وغيرهم على ما فهمه الشيخ عبدالله بن بيه(1/112)
الخلاف لا يهون من الحكم الشرعي في قلب العالم وطالب العلم وغيرهم سواءٌ في العمل بهذا القول أو الفتوى به
اختيار العالم وطالب العلم أحد الأقوال في المسألة . لا يسوِّغ له معاداة من خالفه . إلا إذا اتضح من المخالف تعمده مخالفة الحق
ثانياً : فرق بين جواز الاختلاف في الاجتهاد . وبين جواز اختيار القول بلا دليل ولا بينة
إجماع أهل العلم على تحريم اختيار القول في دين الله بالهوى والتشهي
تحذير العلماء من تتبع الرخص
الوقفة الثالثة : مناقشة الشيخ عبدالله بن بيه في حديث ( اختلاف أمتي رحمة ) وما نقله عن بعض أهل العلم من أن هذا الحديث لعله في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا ؟؟؟
الوقفة الرابعة :
أولاً : الدين يسر لا إشكال في ذلك . وإنما الإشكال في كيفية فهمنا لهذا التيسير
ثانيا : التيسير لابد أن نفهمه بفهم الشريعة وليس بفهم آخر
ثالثاً : من الخطأ أن نحصر التيسير في الحلِّ والإباحة ... أو أن نتخطى مقاصد شرعية أخرى
الشارع لم يقصد من الأحكام المشقة بالناس . ولا رفع المشقة المعتادة . وإنما قصد في التشريع ما فيه مصلحة للعباد في الدنيا والآخرة
تحقيق المصلحة يستلزم بعض الأحكام الثقيلة على النفوس
رابعاً : من الخطأ أخذ القواعد على إطلاقها دون مراعاة ما فيها من تقييد وضوابط
الرمي قبل الزوال يجب أن يُنظر فيه إلى جوانب
الجانب الأول : هل وقت الرمي ضيق على الناس . أم أن الناس ضيقوا على أنفسهم باختيار الساعة الأولى في الرمي
الجانب الثاني : إذا تحققنا من وجود المشقة . فهل في الفتوى بالرمي قبل الزوال يحصل التيسير في الواقع المعاصر
الوقفة الخامسة : العلماء والدعاة لا يربون عامة الناس على الاجتهاد في المسائل وإنما يوجهونهم لسؤال أهل العلم
الوقفة السادسة : وفيها تنبيهات على ما نقله الشيخ عبدالله بن بيه عن الشاطبي
الأول : كما أن الشارع لم يقصد في التكليف المشقة ، فإنه لم يقصد رفع المشقة المعتادة(1/113)
الثاني : مشروعية الرخص لا تدل بحال على جواز تتبع الرخص
الوقفة السابعة : وجود خطأ في نقل الشيخ عبدالله بين بيه عن الشاطبي
الوقفة الثامنة : مناقشة الشيخ عبدالله بن بيه في الأخذ بالأخف
أولاً : إذا كان الأخذ بالأخف معارضاً ومصادمًا للنصوص الشرعية فلا يجوز الأخذ به
ثانياً : إذا تعارضت الأدلة ولا مرجح فهل يؤخذ بالأخف ؟
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في القسم الثاني التوقف .
الوقفة التاسعة : مناقشة الشيخ عبدالله بن بيه في مطلب : ( مقصد التيسير في الحج بخصوصه وفتاوى بعض العلماء )
أولاً : استدلال ابن حجر بقوله - صلى الله عليه وسلم - ( افعل ولا حرج ) على وجوب اتباع أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج
رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - لذوي الأعذار بترك المبيت في منى ، وبجمع الرمي ، يدل على وجوب هذه الأفعال . لأن هذه الرخصة لا تكون إلا من واجب
ثانيا : التيسير مقصد من مقاصد الشريعة لكن من الخطأ التوسع في فهم التيسير وإجراءه على غير الأصول الشرعية
الحج فيه مشقة كالجهاد . والرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمر - رضي الله عنه - جعلوه من الجهاد
الحج لم يشرع من أجل المشقة على الناس . وإنما شُرع لحكمة من الله
الوقفة العاشرة : ينبغي على العلماء أن يعظِّموا شعائر الحج في قلوب الناس ، وأن يذكروهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - ( خذوا عني مناسككم )
تفريق العلماء بين الفتوى قبل وقوع الشيء والفتوى بعد وقوعه
الطريق لحراسة أحكام الشريعة
الوقفة الحادية عشر : إذا لم توجد ضوابط أمام الناس وفُتحَ الباب على مصراعيه انفلت الناس في أحكام الحج وتلاعبوا بها
الوقفة الثانية عشرة : ضرورة التوازن في مخاطبتنا للناس عن أحكام الشريعة فمن الخطأ أن يكون الحديث فيما يحبه الناس ويشتهونه مع الإعراض عن طرح المسائل الثقيلة على نفوسهم
اجتهاد العالم في مسائل الحج هذا عائدٌ إلى حسب اجتهاده(1/114)
آثار مواجهة الناس بأيسر الأقوال دون الأقوال الثقيلة على النفوس
صور من مواجهة الناس بما يريدون . وترك ما لا يريدون
الطريق الصحيح لتأليف قلوب الناس وجذبهم إلى الدين
الوقفة الثالثة عشر : تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشديد
تحذير العلماء من التشديد
نقل للشاطبي رحمه الله بضرورة حمل الناس على التوسط من غير إفراط ولا تفريط
الوقفة الرابعة عشر : لابد للمفتي قبل أن يفتي الناس أن ينظر إلى نجاة نفسه
الوقفة الخامسة عشر : مناقشة فضيلة الشيخ سلمان بضرورة الاهتمام بأعمال الحج ومقاصد الحج جميعاً . فمن الخطأ الاهتمام بفقه المقصد دون الاهتمام بفقه العمل في المناسك أو الاهتمام بالعمل دون المقصد
اختيار الحركات في الصلاة وأفعال الحج في ديننا له حكمٌ عظيمة من الله فلابد من الاهتمام بتطبيق هذه الأفعال
حرص الصحابة والسلف على معرفة أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - واهتمامهم بتفاصيل ذلك ودقائقها
فضيلة الشيخ سلمان وفقه الله حذر من أن يضاف للعبادة ما ليس منها لكن كتاب ( افعل ولا حرج ) يدعو إلى الترخيص في ترك ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرق بين الأمرين
الوقفة السادسة عشر : مناقشة فضيلة الشيخ سلمان وفقه الله في عبارة ( قولنا خطأ يحتمل الصواب )
الوقفة السابعة عشر : ينبغي أن لا نغفل عن آثار الحج على النفس والسلوك . ولا نغفل عن أحكام الحج وشعائره والتأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
مما قصده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج مخالفة المشركين
الوقفة الثامنة عشر : مناقشة الشيخ سلمان وفقه الله في قوله : ( وهكذا يحسن أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه ، أو في جنس ما أفتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - : (افعل ولا حرج)
أولاً : من سبق المؤلف بهذا القول
ثانياً : مخالفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج على أنواع ..(1/115)
في ترك الأفعال الواجبة لم يكن شعار النبي - صلى الله عليه وسلم - ( اترك ولا حرج ) وإنما فرّق بين فعل وفعل وبين عذر وعذر
في ارتكاب المحظور لم يكن الشعار ( افعل ولا حرج )
ذكر الخلاف في جواز تقديم نسك على نسك يوم العيد وترجيح جواز تقديم نسك على نسك في يوم العيد
الوقفة التاسعة عشر : مناقشة المؤلف الشيخ سلمان في قوله : ( والسنة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه . فإن من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة ولا يأخذ بالأخرى . ومنهم من يأخذ بغيرها ويدع هذه . بينما السنة وسعت ذلك كله . أ ـ هـ
هل يفهم من ذلك أن أقوال العلماء الثقيلة على النفوس لم تستوعبها السنة ؟
الوقفة العشرون : نقاش رأي الشيخ سلمان في أثر ابن عباس - رضي الله عنه - في وجوب التمتع
من أدى العمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله فالأفضل في حقه التمتع عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
الوقفة الحادية والعشرون : إدراك المفتي اختلاف الناس وتنوع مشاربهم لا يجعله يفتي بغير ما يراه من الحق
الوقفة الثانية والعشرون : نقاش المؤلف في حكم الدفع من عرفة قبل الغروب
الوقفة الثالثة والعشرون : نقاش المؤلف في رأي الإمام مالك في الرمي
الوقفة الرابعة والعشرون : نقاش الشيخ سلمان في موقفه من مخالفيه في موضع الرمي
الوقفة الخامسة والعشرون : مناقشة الشيخ سلمان في قوله ( والتأكيد في بعض هذه الفروع ( عدد الحصى في الرمي ) قد يسبب الوسواس ...)
أولاً : من تعظيم شعائر الله وشعيرة الرمي التأكيد على إتمام الرمي
من الخطأ أن يعيب أحدٌ على أحد . فلا يعيب من يرى الرمي بست حصيات على من يرى الرمي بسبع . ولا من يرى الرمي بسبع على من يرى الرمي بست
السلف كانوا يؤكدون على إتمام الرمي ..
الوقفة السادسة والعشرون : الافتراضات التي يفترضها بعض الفقهاء من أجل تنمية الملكة الفقهية . حتى تنزَّل عليها المستجدات . فينبغي أن نعرف قدرهم ونترحم عليهم(1/116)
الوقفة السابعة والعشرون : مناقشة المؤلف في رأيه بجواز الرمي قبل الزوال
أولاً : هذه المسألة من المسائل المختلف فيها . فلا يثرِّب عالمٌ على آخر
ثانياً : مناقشة الشيخ سلمان وفقه الله ـ في الأقوال التي نقلها عن العلماء في الرمي قبل الزوال
(1) رأي عطاء في الرمي
(2 ) لعل الشيخ سلمان وفقه الله وقف على رأي للشيخ صالح البليهي بجواز الرمي قبل الزوال . والذي وجدته في كتاب السلسبيل مخالف لما ذكره المؤلف وفقه الله
ثالثا : أقوال العلماء الذين يرون أن الرمي يجزئ قبل الزوال
رابعاً : الأدلة على أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ
خامساً : الكلام على اشتداد الزحام عند الرمي
سادساً : مناقشة أدلة المؤلف وفقه الله في جواز الرمي قبل الزوال
مقال معالي الشيخ صالح الفوزان بعنوان ـ التيسير في الحج ـ(1/117)