وظيفة علماء الدين
بقلم فضيلة الأستاذ الشيخ
محمد البشير الإبراهيمي
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
ورئيس تحرير جريدة البصائر الغراء
اعتنى به
عبدالإله بن عثمان الشايع
سسس
مقدمة المعتني
الحمد لله القائل : +(((((((( (((( ((((((((( (((((((((( ((((((( ((((((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((( " [المجادلة : 11] ، وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير الذي لم يورث مالاً ولا درهماً ، وإنما ورّث العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر . أما بعد :
فقد أعلى الله منزلة العلماء بين العالَمين ، وقرن طاعته بطاعتهم ، قال تعالى : +((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((( ((((((( " [النساء : 59] .
وقال تعالى : +((((( (((((((( ((((((((((((( (((( (((( ( ((((((((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( (((((((( ((((( (((( ((((( ((((( (((((((( ( ((((( (((((((( (((( ((((((((( ((((((((((( " [آل عمران : 7] .
وقال تعالى : +(((((( (((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( (((((((((((((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((((((( ( (( ((((((( (((( (((( ((((((((((( ((((((((((( " [آل عمران : 18] .
وقال تعالى : +(((((( ((((((( ((((( (((((((((( (((((((( ((((((( (((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((((((((((((( (((((((( " [النساء : 83] .
وقال تعالى: +(((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( ((((( (((((((((((( (((( ((((((((((((((" [العنكبوت : 43] .
وقال تعالى : +((((((( ((((((( (((( (((( ((((((((( ((((((((((((((((" [فاطر : 28] .
وقال تعالى : +(((( (((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (( ((((((((((( ( ((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((((( " [الزمر : 9] .(1/1)
ثم إن هذه رسالة لطيفة جمعت مقالين(1) لعالم ربّاني وناصح مشفق على أُمَّته هو العلامة محمد البشير الإبراهيمي ، تحدث فيها عن " وظيفة علماء الدين " ، وبيَّن الدور الواجب على العلماء تجاه أمتهم ، وقارن بين علماء السلف وعلماء الخلف ، فجاءت هذه الرسالة جامعة بين أهمية الموضوع وروعة الأسلوب .
وكان الدافع لنشر هذين المقالين أهمية موضوعهما خاصة في هذا الوقت الذي كثر فيه أدعياء العلم والمتعالمون ، وقلَّ فيه العلماء الربانيون المصلحون ، إلا أنه لا يزال هناك بقيةٌ باقية من العلماء الصادقين الذين حملوا الأمانة بأمانة ونشرو العلمَ بعلم .
وهذه دعوة صادقة للشباب بلزوم العلماء الصادقين ، والأخذ عنهم، والتقرب إلى الله عز وجل بذلك .
ولم يكن لي جهدٌ في هذه الرسالة سوى اختيارها والتعليق باختصار على بعض المواضع فيها .
أسأل الله جل وعلا أن يعليَ مكانة العلماء ، وأن يوفق شباب الأمة للنهل من معينهم ، وأن يرحم كاتب هذه الرسالة وكل من سعى في نشرها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب
عبدالإله بن عثمان الشايع
1/4/1427هـ
ص.ب 382053
الرياض 11345
ترجمة العلامة محمد البشير الإبراهيمي (2)
كتب العلامة الإبراهيمي ترجمة ذاتية لنفسه في مجلة المجمع العلمي بدمشق ، ثم لخص هذه الترجمة فقال رحمه الله :
1- ولدتُ عند طلوع الشمس من يوم الخميس الثالث عشر من شهر شوال عام (1306هـ) الموافق للرابع عشر من شهر يونيو سنة (1889م) .
2- حفظتُ القرآن ومتون العلم الكثيرة وأنا ابن سبع سنين ، وتلقيت علوم الدين والعربية في بيت أسرتي على عمي القائم بتربيتي الشيخ محمد المكي الإبراهيمي ، وكان علاَّمة زمانه في العلوم العربية .
3- مات عمي وأنا ابن أربع عشرة سنة ، بعد أن أجازني في العلوم التي تلقيتها عليه .(1/2)
4- وهبني الله حافظة خارقة ، وذاكرة عجيبة ، تشهدان بصدق ما يحكى عن السلف(3) ، وكانتا معينتين لي في تحصيل العلوم في هذا السن .
5- بعد موت عمي خلفته في إلقاء الدروس على تلامذته وغيرهم إلى أن جاوزت العشرين سنة .
6- بيتنا عريق في العلم ، خرج منه أفذاذ في علوم الدين والعربية في الخمسة قرون الأخيرة ، بعد انحطاط عواصم العلم الشهيرة في المغرب .
7- رحلت إلى المدينة أنا ووالدي مهاجرين ؛ فراراً من الاستعمار الفرنسي ، فكنتُ من مدرسي الحرم النبوي الشريف، وتلقيتُ فيها علم التفسير وعلم الحديث رواية ودراية ، وعلم الرجال وأنساب العرب ، ومكثتُ في المدينة قريباً من عشر سنين.
8- ثم انتقلنا إلى دمشق أثناء الحرب العالمية الأولى فكنت من أساتذة العربية في المدرسة السلطانية بها مدة سنتين في عهد حكومة الاستقلال العربي .
9- بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى رجعتُ إلى بلدي الجزائر ، وبقيت فيها أنشر العلم في فترات متقطعة إلى سنة 1931 ميلادية، وكنت أحد اثنين يرجع لهما الفضلُ في تكوين جمعية العلماء ، أنا وعبدالحميد بن باديس ، وكنتُ في طليعة العاملين على إحياء العلوم الدينية والعربية بالجزائر من الابتدائية إلى العالية ، وكنت أبرز المشيدين لأربعمائة مدرسة في مدن القطر الجزائري وقُراه ، وفي طليعة المجاهدين في سبيل الإصلاح الديني وحرب التدجيل والابتداع في الدين ، وبث الوعي القومي ، و تصحيح الموازين الفكرية والعقلية في نفوس أفراد الشعب الجزائري .
10- بعد ظهور جمعية العلماء للوجود انغمستُ في أعمالها وتشكيلاتها ، وانقطعت إلى العلم ، وتأسيس مدارسه ، ووضع برامجه ، وكيلاً لها في حياة ابن باديس ، ورئيساً لها بعد موته ، على ما هو مفصل في الخلاصة .
11- سنة 1952 ميلادية رحلتُ إلى الشرق بتكليف من جمعيتي كان الباعث على هذه الرحلة أمران :
الأول : السعي لدى الحكومات العربية لتقبل لنا بعثات من أبناء الجزائر .(1/3)
الثاني : مخاطبة حكومات العرب والمسلمين في إعانتنا مالياً ، حتى تستطيع الجمعية أن تواصل أعمالها بقوة ؛ لأن الميدان اتسع أمامها ، والشعب الجزائري محدود القوة المالية ، فإذا لم يُعنّا إخوانُنا فربما تنتكس حركتنا ، وهذا ما ينتظره الاستعمار لنا ، وقد قدمتُ مصر ، ثم زرت باكستان ، والعراق ، وسورية ، والحجاز.
فأما قبول البعثات فقد حصلت فيه على الغرض ، وأما الإعانة فقد كانت طفيفة ، وقامت الثورة الجزائرية المباركة سنة (1954) واستفحل أمرها ، فانقطعت عن الجزائر .
12- تركت مسودات مؤلفاتي كلها بالجزائر ، ولم أصحبها معي لتطبع ، أو يطبع بعضها هنا (4) كما كنت آمل ، لأني لم أشأ أن أخلط عملاً عمومياً للجزائر بعمل شخصي لنفسي .
وأنا أرجو للثورة الجزائرية التي شاركتُ في التمهيد لها ، وتهيئة أسبابها ختاماً جميلاً ، تنال الجزائر حريتها واستقلالها .
نفعنا الله بما علمنا وبما عملنا ، إنه مجازي العاملين المخلصين .
محمد البشير الإبراهيمي
قلت : وتوفي رحمه الله عام 1385هـ .
من كلماته رحمه الله(5)
* إذا فسد التصور فسد التصوير.
* إننا مرضى، ومن بلاء المريض رفق الطبيب به.
* خدّرنا الغرب بالوطنيات الضيّقة؛ فأصبح كل فريق قانعا بجحر الضبّ ، يناضل بمثل سلاح الضب. وهيهات إذا مزّقت الأطراف أن يُحفظ القلب.
* ضعف الضعيف لا يكون في سنة الله إلا زيادة في قوة القوي.
* العاقل من جارى العقلاء في أعمالهم في دائرة دينه ووجدانه.
* العالم الجبان في أمة عضو أشل، يؤود ولا يذود.
* العالم بمفهومه الديني في الإسلام قائد: ميدانه النفوس، وسلاحه الكتاب والسنة.
* علماء الخلف أقل من أن نسميهم علماء دين، وأقل من أن نسميهم علماء دنيا.
* علماء السلف كانوا دائما في أداء واجب يؤجرون عليه لا في أداء وظيفة ينتفعون بها.
* علماء السلف: كانوا يحكّمون دينهم في عقولهم، ويحكمون عقولهم في ألسنتهم، فلا تصدر الألسنة إلا بعد مؤامرة العقل.(1/4)
* علماء السلف: كانوا يزنون أنفسهم دائما بميزان الكتاب والسنة.. كما يفعل المفتونون بالجسمانيات في عصرنا هذا في وزن أبدانهم كل شهر.
* الفرق بين العرب وبين الغرب(نقطة)، وفيها كل السرّ، وفيها كل الشرّ.
* القبول جزاء من الله على الإخلاص يعجله لعباده المخلصين.
* كل نطقة تُمليها الظروف لا الضمائر تثمر سكتة عن الحق، ما من ذلك بُُد.
* كل نقش تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشا في نفوسكم فهو زائل.. رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة.
* لأن يسكت العاقل مختارا في وقت يحسن السكوت فيه خير من أن ينطق مختارا في وقت لا يحسن الكلام فيه.
* للآراء اقتتال يظهر فيه الشجاع القوي، كما للأناسي اقتتال يظفر فيه الشجاع القوي.
* لو تباهت الأبنية المشيّدة بغاياتها، وتفاخرت بمعانيها؛ لأخرست المدرسة كل منافس.
* ليس من سداد الرأي أن يضيّع الضعيف وقته في لوم الأقوياء.
* المال الذي تنفقه في المحرمات يسوقك إلى النار، والمال الذي تبدده في الشهوات يسوقك إلى العار، والمال الذي تدخره للورثة الجاهلين تهديه إلى الأشرار، وتبوء أنت بالتبار والخسار.
وظيفة علماء الدين
وظيفة علماء الدين
لا تُوجد في الإسلام وظيفةٌ أشرف قدراً، وأسمى منزلة، وأرحب أفقاً ، وأثقل تبعة ، وأوثق عهداً(6) ، وأعظم أجراً عند الله من وظيفة العالم الديني !
ذلك لأنه وارث لمقام النبوة(7) وآخذٌ بأهم تكاليفها وهو الدعوة(8) إلى الله ، وتوجيه خلقه إليه ، وتزكيتهم وتعليمهم ، وترويضهم على الحق حتى يفهموهم ويقبلوه ، ثم يعملوا به ، ويعملوا له .(1/5)
فالعالم بمفهومه الديني في الإسلام قائدٌ ، ميدانُه النفوس، وسلاحه الكتاب والسنة ، وتفسيرهما العملي من فعل النبي × وفعل أصحابه ، وعونه الأكبر على الانتصار في هذا الميدان أن ينسى نفسه ، ويذوب في المعاني السامية التي جاء بها الإسلام ، وأن يطرح حظوظها وشهواتها من الاعتبار ، وأن يكون حظه من ميراث النبوة أن يزكي ويُعلِّم ، وأن يقول الحق بلسانه ، ويحققه بجوارحه ، وأن ينصره إذا خذله الناس ، وأن يجاهد في سبيله بكل ما آتاه الله من قوة .
أما الوسيلة الكبرى في نجاحه في هذه القيادة فهي أن يبدأ بنفسه في نقطة الأمر والنهي(9) ، فلا يأمر بشيء مما أمر به اللهُ ورسوله حتى يكون أول فاعل له ، ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون أول تارك له ، كل ذلك ليأخذ عنه الناس بالقدوة والتأسي أكثر مما يأخذون عنه بوساطة الأقوال المجردة والنصوص اللفظية ؛ لأن تلاوة الأقوال والنصوص لا تعدو أن تكون تبليغاً ، والتبليغ لا يستلزم الاتباع، ولا يثمر الاهتداء ضربة لازب ، ولا يعدو أن يكون تذكيراً للناسي ، وتبكيتاً للقاسي، وتنبيهاً للخامل ، وتعليماً للجاهل ، وإيقاظاً للخامل ، وتحريكاً للجامد ، ودلالةً للضال .
أما جر الناس إلى الهداية بكيفية تشبه الإلزام فهو في التفسيرات العملية التي كان المرشد الأول يأتي بها في تربيته لأصحابه ، فيعلمهم بأعماله أكثر مما يعلمهم بأقواله ؛ لعلمه ـ وهو سيد المرسلين ـ بما للتربية العملية من الأثر في النفوس ، ومن الحفز إلى العمل بباعث فطري في الاقتداء، وقد رأى مصداق ذلك في واقعة الحديبية حين أمر أصحابه بالقول فترددوا(10) ؛ مع أنهم يعلمون أنه رسول الله ، وأنه لا ينطق عن الهوى ، ثم عمل فتتابعوا في العمل اقتداءً به وكأنهم غير من كانوا(11) .(1/6)
كان الصحابة لاستعدادهم القوي لتحمل الإسلام بقوة يحرصون على أخذ مهمات العبادات من فعله × ، كما يحرصون على التمثل بأخلاقه والتقليد له في معاملته لله ومعاملته لخلقه ، وعلى التأسي به في الأفعال والترك ، وفي شؤون الدين والدنيا ، لعلمهم أن الفعل هو المقصد والثمرة ، وأن الأقوال في معظم أحوالها إنما هي أدوات شرح ، وقوالب تبليغ ، وآلات أمر ونهي، ووسائل ترغيب وترهيب، وأن في قول قائلهم: " أنا أشبهكم صلاة برسول الله "(12) لدليلاً على تغلغل هذه النظرة في مستقر اليقين من بصائرهم ، وأنهم كانوا يتشددون في أخذ الصور العملية من أفعاله × كما هي ، ويتحرجون من التقصير فيها ، ومرماهم في ذلك أن العمليات المأخوذة من طريق العيان أقرب إلى اليقين وموافقة مراد الله منها ، وبذلك تتحقق آثارها في النفوس .
وقد كانوا يفهمون العبادة بهذا المعنى : أن تعبد الله كما شرع على الوجه الذي شرع ؛ فالكيفيات داخلة في معنى التعبد ، لذلك لم يُحدث السلف زوائد على العبادات من أذكار وغيرها بدعوى أنها زيادة في الخير ، كما عمل الخلف؛ وكانوا يفهمون يسر الدين بمعناه السامي ، وهو أنه لا إرهاق فيه ولا إعنات ، وأنه ليس في المقادير الزائدة عن إقامة التكاليف أو في المعاذير الصحيحة العارضة للتكاليف، لا كما نفهمه نحن تساهلاً وتطفيفاً.(1/7)
فَهِم علماءُ السلف الإسلامَ كاملاً بعقائده وعباداته وأحكامه وأخلاقه، وفهموا ما بين هذه الأجزاء من الترابط والتماسك ووحدة الأثر والتأثير ، وأنها ـ في حقيقتها ـ شيء واحد ، هو الدين ، وهو الإسلام ، وأن ضياع بعضها مؤذن بضياع سائرها ، أو هو ذريعة له ، فلا يقوم دين الله في أرضه إلا بإقامة جميعها ، وإذا قال القرآن : +(((( (((((((((( ((((((((( (((( ((((((((((((( ((((( " [الشورى : 13]. فمعناه إقامة جميعها ، وأنه ليس من هذا الدين أن يصلي المسلم ثم يكذب ، ولا أن يذكر الله ثم يحلف به حانثاً باللسان الذي ذكره به متقرباً إليه ، ولا أن يمسك عن الطعام ثم يأكل لحوم الخلق، ولا أن يخاطب ربه +((((((( (((((((( ((((((((( (((((((((((" [الفاتحة : 5] ثم يتوجه إلى غيره عابداً ومستعيناً فيما هو من خصائص الألوهية ، ولا أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، ولا أن يأمر الناس بالجهاد ثم يرضى لنفسه بأن يكون مع الخوالف ، أو يبذل المال في سبيل العلم ثم يقبض يديه كأنه خارج من التكليف، أو بالبر وينسى نفسه ، ولا أن يترخص في الحق إرضاءً لغويٍّ أو غنيٍّ ، ولا أن يؤخر كلمة الحق عن ميقاتها حتى يضيع الحق.
وكان كل واحد منهم يرى أنه مُستحفَظ على كتاب الله ، ومؤتمن على سنة رسوله في العمل بها وتبليغها كما هي ؛ وحارس لهما أن يحرفهما الغالون ، أو يزيغ بهما عن حقيقتهما المبطلون؛ أو يعبث بهما المبتدعة ، فكل واحد منهم حذر أن يُؤتى الإسلام من قِبَله ، فهو ـ لذلك ـ يقظ الضمير، متأجج الشعور ، مضبوط الأنفاس ، دقيق الوزن، مرهف الحس ، متتبع لما يأتي الناس وما يذرون من قول وعمل ، سريع الاستجابة للحق إذا دعا داعيه ، وإلى نجدته ، إذا رِيع سرْبه أو طُرق بالسِّر حِماه .(1/8)
وكانوا يأخذون أنفسهم بالفزع لحرب الباطل لأول ما تنجم ناجمته ، فلا يهدأ لهم خاطر حتى يوسعوه إبطالاً ومحواً ، ولا يسكتون عليه حتى يستشري شره ، ويستفحل أمره ، فتستغلظ جذوره ، ويتبوأ من نفوس العامة مكاناً مطمئناً .
وكانوا يذكرون دائماً عهد الله ، وأنهم أَخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق(13) ، وإن الحق هو ما جاء به محمد عن ربه لهداية البشر وصلاح حالهم ، وكانوا يزِنُون أنفسهم دائماً بميزان الكتاب والسنة، فما وجدوا من زيغ أو عوج قوّموه في الحال بالرجوع والإنابة، كما يفعل المفتونون بالجسمانيات في عصرنا هذا في وزن أبدانهم كل شهر .
وكان العلماء يردون كل ما اختلفوا فيه من كل شيء إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لا إلى قول فلان ، ورأي فلان، فإذا هم متفقون على الحق الذي لا يتعدد(14) .
ولقد أنكر مالك على ابن مهدي ـ وهو قرينه في العلم والإمامة ـ عزمه على الإحرام من المسجد النبوي ، فقال ابن مهدي: إنما هي بضعة أميال أزيدها . فقال مالك : أوَما قرأت قوله تعالى : + " [النور : 63] وأية فتنة أعظم من أن تسول لك نفسك أنك جئت بأكمل مما جاء به رسول الله ×؟ أو كلاماً هذا معناه ... ثم تلا قوله تعالى: + " [المائدة : 3] الآية ، وقال كلمته الجامعة التي كأن عليها لألاء الوحي ، وهي قوله : " فما لم يكن يومئذٍ ديناً فليس اليومَ بدين " .(1/9)
وكانوا يحكِّمون دينهم في عقولهم ، ويحكِّمون عقولهم في ألسنتهم ، فلا تصدر الألسنة إلا بعد مؤامرة العقل ، ويعدون العقل مع النص أداة للفهم معزولة عن التصرف ، ومع المجملات ميزاناً للترجيح ، يدخل في حسابه المصلحة والضرورة والزمان والمكان والحال، ويميز بين الخير والشر، وبين خير الخيرين، وشر الشرين ، لذلك غلب صوابهم على خطئهم في الفهم وفي الاجتهاد ، ولذلك أصبحت فهومهم للدين وسائل للوصول إلى الحق ، وآراؤهم في الدنيا موازين للمصلحة ، وما هم بالمعصومين ، ولكنهم لوقوفهم عند الحدود ، وارتياض نفوسهم على إيثار رضى الله ، وشعورهم بثقل عهده ، وفقهم الله لإصابة الصواب .
وكانوا يزنون الشدائد التي تصيبهم في الطريق إلى إقامة دين الله بأجرها عنده، ومثوبتها في الدار الآخرة، لا بما يفوتهم من أعراض الدنيا، وسلامة البدن ، وخفض العيش ، وراحة البال ، فكل ما أصابهم من ذلك يعدونه طريقاً إلى الجنة ووسيلة إلى رضى الله .
وكانوا ملوكا على الملوك ، واقفين لهم بالمرصاد ، لا يقرونهم على باطل ولا منكر ، ولا يسكتون لهم على مخالفة صريحة للدين، ولا يتساهلون معهم في حق الله ، ولا يترضونهم فيما يسخط الله .
بتلك الخلال التي دللنا القارئ عليها باللمحة المنبهة قادوا الأمة المحمدية إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة .. وبِسَير الأمراء المصلحين على هداهم سادوا أغلب الجزء المعمور من هذه الأرض بالعدل والإحسان، إذ كان الأمير في السلم لا يصدر إلا عن رأيهم ، والقائد في الحرب لا يسكن ولا يحرك إلا بإشارتهم في كل ما يرجع إلى الدين ، فجماع أمر العلماء إذ ذاك أنهم كانوا يقودون القادة ، وما رفعهم إلى تلك المنزلة بعد العلم والإخلاص إلا أنهم كانوا حاضرين غير غائبين.(1/10)
كانوا يحضرون مجالس الرأي مبشرين شاهدين ، وميادين الحرب مغيرين مجاهدين، طَبَعهم الإسلام على الشجاعة بقسميها: شجاعة الرأي وشجاعة اللقاء ، فكانوا يلقون الرأي شجاعاً فيقهر الآراء ، ويخوضون الميادين شجعاناً فيقهرون الأعداء.. وللآراء اقتتال يظفر فيه الشجاع القوي ، كما للأناسي اقتتال يظفر فيه الشجاع القوي .
والعالم الجبان في أمة عضو أشلّ ، يؤود ولا يذود ، ولعمري إن في اتحاد صف الصلاة وصف القتال في الاسم والاتجاه والشرائط لموقف عبرة للمتوسمين .
صدق أولئك العلماء ما عاهدوا الله عليه ، وفهموا الجهاد الواسع فجاهدوا في جميع ميادينه ، فوضع الله القبول في كلامهم عند الخاصة والعامة ، وإن القبول جزاء من الله على الإخلاص يعجله لعباده المخلصين ، وهو السر الإلهي في نفع العالم والانتفاع به ، وهو السائق الذي يَدُعُّ النفوسَ المدبرة عن الحق إلى الإقبال عليه ، ونفوذ الرأي ، وقبول الكلام من العالِم الديني الذي لا يملك إلا السلاح الروحي ، هو الفارق الأكبر بين صولة العلم وصولة الملك ، وهو الذي أخضع صولة الخلافة في عنفوانها لأحمد بن حنبل ، وأخضع صولة الملك في رعونتها لأحمد بن عبدالسلام(15) ، وإن موقف هذين الإمامين من الباطل لعبرة للعلماء لو كانوا يعتبرون ، وإن في عاقبتهما الحميدة لآية من الله على تحقيق وعده بالنصر لمن ينصره .(1/11)
نضَّر اللهُ أولئك الرجال الذين كانوا يوم الرأي صدور محافل ، ويوم الروع قادة جحافل ، وفي التاريخ محققين لنقطة الاقتراب ، بين الحرب والمحراب ، فلقد كانوا يقذفون بكلمة الحق مجلجلة على الباطل، فإذا الحق ظافرٌ ، وإذا الباطل نافرٌ ، ويقذفون بعزائمهم في مزدحم الإيمان والكفر؛ فإذا الإيمان منصور ، وإذا الكفر مكسور ؛ ووصل الله ما انقطع منا بهم ، بإحياء تلك الخلال، فما لنا من فائت نتمنى ارتجاعه أعظم من بعث تلك الشجاعة ، فهي أعظم ما أضعنا من خصالهم ، وحرمناه ـ بسوء تربيتنا ـ من خلالهم .. ولعمري إن تلك القوى لم تمت ، وإنما هي كامنة ، وإن تلك الشعل لم تنطفئ ، فهي في كنف القرآن آمنة؛ وما دامت نفحات القرآن تلامس العقول الصافية ، وتلابس النفوس الزكية، فلابد من يوم يتحرك فيه العلماء فيأتون بالأعاجيب .
وما زلنا نلمح وراء كل داجية في تاريخ الإسلام نجماً يشرق ، ونسمع بعد كل خفتة فيه صوتاً يخرق ، من عالم يعيش شاهداً ، ويموت شهيداً ، ويترك بعده ما تتركه الشمس من شفق يهدي السارين المدلجين إلى حين .
وما علمنا فيمن قرأنا أخبارهم ، وتقفينا آثارهم من علماء الإسلام، مثلاً شروداً في شجاعة النزال بعد الحافظ الربيع بن سالم عالم الأندلس ، بل أعلم علمائها في فقه السنة لعصره ؛ فقد شهد وقعة تعد من حوامد الأعمار ، فبذَّ الأبطال المناعير(16) ، وتقدم الصفوف مجلياً ومحرضاً ، والحرب تقذف تياراً بتيار ، حتى لقي ربه من أقرب طريق .
ولا علمنا فيهم مثالاً في شجاعة الرأي العام أكمل من الإمام أحمد بن تيمية ـ وعصراهما متقاربان ـ فقد شنَّها حرباً شعواء على البدع والضلالات ، أقوى ما كانت رسوخاً وشموخاً ، وأكثر اتباعاً وشيوخاً، يظاهرها الولاة الفاسقون ، ويؤازرها العلماء المتساهلون المتأولون .(1/12)
وقد ادخر الله لهذا العصر الذي تأذن فجر الإسلام فيه بالانبلاج الواحد الذي بذَّ الجميع في شجاعة الرأي والفكر ، وقوة العلم والعقل، وجرأة اللسان والقلب ، وهو محمد عبده(17)، فهزَّ النفوس الجامدة ، وحرّك العقول الراكدة ، وترك دوياً ملأ سمع الزمان، وسيكون له شأن .
أما علماء الخلف فهم أقل من أن تسميهم علماء دين ، وأقل من أن تسميهم علماء دنيا .
أما الدين فإنهم لم يفهموه على أنه نصوص قطعية من كلام الله ، وأعمال وأقوال تشرح تلك النصوص من كلام رسول الله × ، وفعله ، ومقاصد عامة تؤخذ من مجموع ذلك ويرجع إليها فيما لم تفصح عنه النصوص ، وفيما يتجدد بتجدد الزمان ؛ لم يفهموه على أنه عقائد يتبع العقل فيها النقل ، وعبادات كملت بكمال الدين فالزيادة فيها كالنقص منها ، وأحوال نفسية صالحة هي أثر تلك العقائد والعبادات ، وآداب تُصلِح المعاملة وتصححها بين الله وبين عباده ، وبين العباد بعضهم مع بعض ؛ بل فهموا الدين وأفهموه على أنه صور مجردة خالية من الحكمة ، وحكموا فيه الآراء المتعاكسة والأنظار المتباينة من مشايخهم ، حتى انتهى بهم الأمر إلى اطراح النصوص القطعية إلىكلام المشايخ ، وإلى سد باب الفكر بإقليد التقليد ، وتناول حقائق الدين بالنظر الخاطئ والفهم البعيد .
والفكر كالعقل نعمة من نعم الله على هذا الصنف البشري ، فالذي يعطله أو يحجر عليه جانٍ مُجرم، كالذي يعطل نعمة العقل ، ولعمري أن سد باب الاجتهاد لأعظم نكبة أصابت الفكر الإسلامي، وأشنع جريمة ارتكبها المتعصبون للنزعات المذهبية.
وأما الدنيا فليسوا علماء دنيا بالمعنى الأعلى لهذه الكلمة(18) ؛ وهو أن يعالجوا الكسب بطرق علمية ، ويدرسوا وسائل الثراء بعزائم صادقة ، ويضربوا في الأرض لجمع المال بكد اليمين ، وعرق الجبين.(1/13)
أما المعنى السخيف لهذه الكلمة فهم أوفر الناس حظاً منه ؛ فهم يطلبون المعيشة بأخس وسائلها ، فيحصلون منها على فتات الموائد يشترونه بدينهم وماء وجوههم ، هانوا على أنفسهم فهانوا على الله وعلى الناس ، فرضوا بالدُّونِ والهون .
نعني بعلماء الخلف هذه العصابة التي نشهد آثارها ونسمع أخبارها، ونحددها تحديدها زمنياً بمبدأ المائة العاشرة للهجرة من يوم بدأت الشعوب الإسلامية في التفكك والانهيار ، ولم يظهر لهؤلاء العلماء أثر في دفع البلاء ، قبل إعضاله ، بل كانوا أعواناً له وكانوا بعض أسبابه .
وإنما نحدد هذا التحديد متساهلين .. وإن كان المرض ممدود الجذور إلى ما قبل ذلك الحد من القرون(19) ؛ ولكن المرض لم يصل إلى درجة الإعضال إلا في المائة العاشرة وما بعدها ، أما عصرنا فهو آخر الدَّنِ ، وآخر الدَّن دُرْديّ(20) كما في المثل .
وإن الناظر في تاريخ العلم الديني الإسلامي يرى أن طوره الأول كان علماً متيناً ، وعملاً متيناً، وأن طوره الوسط كان علماً سميناً وعملاً هزيلاً ، أما طوره الثالث والأخير فلا علم ولا عمل، إنما هو تقليد أعمى ، ونقل أبكم ، وحكاية صماء ، وجفاف جاف ، وجمود جامد ، وخلاف لا يثبت به حق ، ولا ينفى به باطل ، ولا تتمكن به عقيدة ، ولا تثبت عليه عزيمة ، ولا تقوى عليه إرادة ، ولا تجتمع معه كلمة ، ولا ينتج فيه فكر، ولا تستيقظ معه عزة ، ولا تثور كرامة ، ولا تتنبَّه رجولة ولا نخوة ؛ لأن الشخصية فيه موؤدة ، والروح المستقلة معه مفقودة ، إنما هو تواكل يسمونه توكلاً ، وتخاذل يسكنونه بالحوقلة والاسترجاع ، وخلاف ممزق لأوصال الدين يسمونه رحمة .(1/14)
وإننا لا نعني بالعمل الذي جرى في كلامنا ما يفهمه المتخلفون الفارغون ، ولكننا نعني به العمل لإعزاز الدين واعتزاز أهله به ، والأمر بالمعروف حتى يتمكن ، والنهي عن المنكر حتى لا يكون له بين المسلمين قرار ، وحراسة المجتمع الإسلامي أن يطرقه طارق الاختلال ، أو يطوف به طائف الضلال ، وجمع المسلمين على هداية القرآن .
أذلَّ الطمعُ أعناقَ علماء الخلف ، وملكت الوظيفة عليهم أمرَهم ، وجرَّتْ عليهم الأوقاف المذهبية كل شر ، فهي التي مكنت لنزعة التقليد في نفوسهم ، وهي التي قضت على ملكة النبوغ واستقلال الفكر فيهم ، وهي التي طبعتهم على هذه الحالة الذميمة ، وهي معرفة الحق بالرجال ، وهي التي ربطتهم حتى في أحكام الدنيا وأوجه الحياة ـ بالقرن الثاني لا في قوته وعزته وصولته بل في حبس ركاب عنده ، وتعطيل دوران الفلك العقلي بعده ، ولذلك لم يسايروا الزمن ، ولم يربطوا بين حلقاته ، فعاشوا بأبدانهم في زمن ، وبأذهانهم في زمن ، وبين الزمنين أزمنة تحركت ، وهم ساكنون، ونطقت ، وهم ساكتون .(1/15)
لو أن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان مصلحاً اجتماعياً أو دينياً مع ما تهيَّأ له من القيمة الحربية ـ لما نقل حالة الأزهر من مذهب واحد إلى مذاهب أربعة(21) ، بل كان ينقله من ذلك المذهب الواحد الفرعي إلى أصل الأصول وهو الكتاب والسنة ، ولو فعل لأراح المسلمين من شرور الخلافات المذهبية ، ولوجد جميع ملابساته أعواناً له على ذلك ؛ لأن مصر كانت بمكان صلاح الدين فيها هي كل شيء ، وقد سئمت من المذهب الشيعي لغموضه وتناقضه(22) ، ولما تكشف عنه الحاكم من سوءات ، ولأن بغداد كانت مشغولة بنفسها عن نفسها ، ولأن الشام وعواصمها كانت مغمورة بالحملات الصليبية ، ولأن الأندلس والمغرب لم يتغلغل فيهما التعصب المذهبي كما تغلغل في الشرق ، فلو أن صلاح الدين ضرب الضربة القاضية ورجع بالناس إلى المذهب الجامع ثم جاءت انتصاراته المدهشة على الصليبيين لأصبح بذلك صاحب مذهب متبع في الإسلام ، ولكنه ـ عفا الله عنه ـ لم يكن رجل هذا الميدان فلم يزد على أن وسع التكيَّة(23) للقعدة ، وشيد الضريح للفكر ، وأبعد القافلة عن صراط السنة السوي ، ومكن للخلاف ، وأنقذ الأزهر من شيعة ليسلط عليه شيعاً ، ويا ليت كاتبه ووزيره القاضي الفاضل المفتون بالتجنيسات والمزاوجات والمطابقات أشار عليه بما يشبه مذهبه في الأدب، وهو أن ينقل الأزهر من الباطنية إلى الظاهرية.
نقرأ في سير العلماء من السلف أن فلاناً عرض عليه الخليفة أو الأمير منصب القضاء فأبى وألح في الإباء ، فلجّ الوالي في العرض فلجَّ العالم في الإباء حتى ينتهي به إلى غضب الخليفة ، وما يتبع الغضب من آثار منها الضرب والحبس ، أو ينتهي به الحال إلى الفرار والاختفاء ، يأتي كل ذلك فراراً من فتن الولاية ولوازمها ، كالتردد على أبواب السلاطين ، وتعريض سلطان العلم لسلطان الحكم ، وفراراً من المطاعم الخبيثة التي مهما تتسع لها دائرة الإباحة فإنها لا تطهرها من شوب الشبهات .(1/16)
فهل من يدلنا اليوم على عالم تُعرض عليه ولاية القضاء أو ما دونها في المنزلة فيأباها تعففاً وتحوباً مسوقاً إلى ذلك بخوف الله وخشيته ، أو بالترفع عن الشبهات؟
كلا ؛ إنهم لا ينتظرون عرض الولاية عليهم ، بل يخطبونها ويبذلون فيها الغالي من المهور ، وهو الدين والشرف والكرامة ، ويتوسلون إلى نيلها بالدنيء من الوسائل، كالتوجه بالكافر والفاجر، والتشفع بالمهين والعاهر ، ودفع الرشى ، وهي أشنع الجميع ؛ لأنها شهادة مقدمة على أنه سيرتشي ليسدد الدَّين .
ونقرأ في سيرهم أيضاً أنهم كان حين يتولون الولاية يؤدونها كما أمر الله أن تؤدى ، ويوفون بعهد الله فيها من العدل والتحري في الحق ، وكانوا لا يقبلون الولاية إلا على اعتقاد أن قبولهم إياها واجب متعين شرعاً لإقامة القسط بين الناس ، وإنصاف الضعفاء من الأقوياء ، فهم دائماً في أداء واجب يؤجرون عليه لا في أداء وظيفة ينتفعون بها .
وارجع إلى وظائف العالم الديني الأخرى غير الولاية ، فلتجدنهم فرطوا فيها وأضاعوها ، معتذرين بتأويلات ما جاء بها الدين ولا عذر بها(24) ، فهم قد هدموا ركناً من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، راضين لأنفسهم بأضعف الإيمان .
وأنا لا أصدقهم حتى في هذه ، إذ لا يخطر الباطل ولا المنكر لهم على بال حتى يغيروه بقلوبهم ، وكيف يخطر المنكر ببالهم ، وقد أصبح المنكر عندهم معروفاً ، والباطل حقاً، والشرك توحيداً ، والبدعة سنة ، وعميت عليهم السبل ، واختلطت الحقائق .(1/17)
هم لا يذكِّرون أمةَ محمد ، وإذا ذكّروها لا يذكّرونها بالقرآن كما أمر الله نبيه ، بل يذكرونها بمرغبات ومرهبات لم تأت على لسان صاحب الشريعة ، ولم تتفق مع مقاصد شريعته ، يزهدونها في العمل للآخرة بما شرعوه لها من أعمال بدعية ، ويزهدونها في العمل للدنيا بما يفترون على رسول الله من أحاديث في ذم الدنيا وبما أثر عن شواذ الصوفية الهادمين لحقائق الدين ببدع التبتل الدَّعيِّ، والانقطاع الكاذب عن الدنيا ، وبذاك أضاعوا على الأمة دينها ودنياها ، وأوصلوها إلى هذه الحالة التي نشاهدها اليوم ، وما زال كثير منهم مصراً على تذكير الأمة بما ينسيها الله ، وعلى علاج حُمَّاها بالطاعون .
أرأيت لو كان علماء الدين قائمين بواجب التذكير بالقرآن ، مؤدِّين لأمانة الله ، راعين لعهده في أمة محمد ، أكانت الأمة الإسلامية تصل إلى هذه الدركة التي لم تصل إليها أمة؟ فهي كثيرة العدد تبلغ مئات الملايين ، ولكنها غثاء كغثاء السيل .
واجب العالم الديني أن ينشط إلى الهداية كلما نشط الضلال ، وأن يسارع إلى نصرة الحق كلما رأى الباطل يصارعه ، وأن يحارب البدعة والشر والفساد ، قبل أن تمد مدها ، وتبلغ أشدها ، وقبل أن يتعودها الناس فترسخ جذورها في النفوس ويعسر اقتلاعها .
وواجبه أن ينغمس في الصفوف مجاهداً ولا يكون مع الخوالف والقَعَدة ، وأن يفعل ما يفعله الأطباء الناصحون من غشيان مواطن المرض ، لإنقاد الناس منه ، وأن يغشى مجامع الشرور لا ليركبها مع الراكبين بل ليفرق اجتماعهم عليها .
وواجبه أن يطهِّر نفسه قبل ذلك كله من خلق الخضوع للحكام والأغنياء وتملقهم طمعاً فيما بأيديهم ، فإن العفة هي رأس العالم فإذا خسرها فقد خسر كل شيء ، وخلفها الطمع فأرداه .(1/18)
إن علماء القرون المتأخرة ركبتهم عادة من الزهو الكاذب والدعوى الفارغة ، فجرّتهم إلى آداب خصوصية ، منها أنهم يلزمون بيوتهم أو مساجدهم كما يلزم التاجر متجره ، وينتظرون أن يأتيهم الناس فيعلّموهم ، فإذا لم يأتهم أحدٌ تسخطوا على الزمان وعلى الناس ، ويتوكؤون في ذلك بكلمة إن صدقت في زمان فإنها لا تصدق في كل زمان وهي : " إن العلم يُؤتى ولا يأتي " .
وإنما تصدق هذه الكلمة في علم غير علم الدين ، وإنما تصدق بالنسبة إليه في جيل عرف قيمة العلم فهو يسعى إليه ، أما في زمننا وما قبله بقرون فإن التعليم والإرشاد والتذكير أصبحت باباً من أبواب الجهاد، والجهاد لا يكون في البيوت وزوايا المساجد ، وإنما يكون في الميادين، حيث يلتقي العدو بالعدو كفاحاً ، وقد قال لي بعض هؤلاء وأنا أحاوره في هذا النوع من الجهاد ، وأعتب عليه تقصيره فيه : إن هذه الكلمة قالها مالكٌ للرشيد .
فقلت له : إن هذا قياس مع الفارق في الزمان والعالم والمتعلم ، أما زمانك هذا فإن هذه الخلة منك ومن مشائخك(25) ومشائخهم أدت بالإسلام إلى الضياع وبالمسلمين إلى الهلاك .(1/19)
فالشبهات التي ترد على العوام لا تجد من يطردها عن عقولهم ما دام القسيسون والأحبار أقرب إليهم منكم، وأكثر اختلاطاً بهم منكم ، والأقاليم الأفرنجية تغزو كل يوم أبنائي وأبناءك بفتنة لا يبقى معها إيمان ولا إصلاح ، ففي هذا الزمن يجب علي و عليك وعلى أفراد هذا الصنف أن نتجند لدفع العوادي على الإسلام والمسلمين، حتى يأتينا الناس ، فإنهم لا يأتوننا وقد انصرفوا عنا وليسوا براجعين ، وإذا كان المرابطون في الثغور يقفون أنفسهم لصد الجنود العدوة العدوة المغيرة على الأوطان الإسلامية ، فإن وظيفة العلماء المسلمين أن يقفوا أنفسهم لصد المعاني المغيرة على الإسلام وعقائده وأحكامه ، وهي أفتك من الجنود ؛ لأنها خفية المسارب ، غرارة الظواهر ، سهلة المداخل إلى النفوس ، تأتي في صورة الضيف فلا تلبث أن تطرد رب الدار .
فَقَدَ علماءُ الدين مركزَهم يوم أضاعوا الفضائل التي هي سلاح العالم الديني ، وأمهاتها الشجاعة والقناعة والعفة والصبر .
وإن تجردهم من هذه الفضائل ليرجع في مبدأ أمره إلى خدعة من أمراء السوء المتسلطين حينما ثقلت عليهم وطأة العلماء وقيامهم بالواجب الديني في الأمر والنهي ، وعلموا أن العامة تبع للعلماء ، وأن سلطان العلماء أقوى من سلطانهم ، وأن كلمة مؤثرة من عالم مخلص تقع في مستقر التصديق من العامة قد تأتي على سلطان الحاكم المتسلط ، فسولت لهم أنفسهم أن يحدوا من هذا التأثير الواسع القوي ، فأخذوا يُروِّضون علماءَ الدين على المهانة، وألصقوا بهم الحاجة إلى ما في أيديهم من متاع الدنيا ، ليجعلوا من ذلك مقادة يقودونهم بها إلى ما يهوون ، ثم ربوهم على الطمع والتطلع إلى الاستزادة ، ومد الأعين إلى زهرة الحياة الدنيا ، فزلُّوا ثم ضلُّوا ثم ذلُّوا .(1/20)
وتعاقبت الأجيال وتقلبت الأحوال ، فإذا العالم الديني تابع لا متبوع ، ومقود بشهواته لا قائد ، يراد على العظائم فيأتيها طائعاً ، يتحيل على دين الله إرضاءً للمخلوق ، ويحلل ما حرم الله من دماء وأموال وأعراض وأبشار، يشتري بذلك جاهاً زائلاً ، وحائلاً حائلاً، ودراهم معدودة .
ومن الكيد الكُبّار الذي رمى به الأمراءُ المستبدون هؤلاء العلماء الضعفاء في العصور الأخيرة أنهم يعفونهم من الجندية التي هي حلية الرجال .
وإن في قبول العلماء لهذا الإعفاء ، وسعيهم له لشهادة يسجلونها على أنفسهم بفقد الرجولة ؛ وقد استطابوا هذا الإعفاء ، وأصبحوا يعدونه تشريفاً لهم ، وتنويهاً بمكانتهم ، ومعجزة خصوا بها ، ودليلاً تقيمه الحكومات الإسلامية على احترامها للعلماء !!!
فهل يعلمون أن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الملوك الصالحين ما كانوا ليُعفوا عالماً من بعوث الجهاد والفتح؟ وما كان مسلم فضلاً عن عالم ليطلب الإعفاء أو يتسبب له أو يرضى به لو عرض عليه ، بل كانوا يتسابقون إلى ميادين الجهاد ، والعالم الديني ـ دائماً ـ في المقدمة لا في الساقة ، ولقد كانوا يعدون الاعتذار عن الخروج من سمات المنافقين .
أيها العلماء :
هذا قليل من مساوينا ، فلا تظنوا أني متجنٍ أو متزيد ، كونوا منصفين للدين من أنفسكم ، إني أحاكمكم إلى ضمائركم حين تستيقظ فيها معاني الإرث النبوي والاستخلاف المحمدي .
أليس من الحق أن هذه المساوئ ومثالها معها مجتمعة فينا؟
ألسنا نأمر الناس بالجهاد ثم نكون مع الخوالف ؟
ونأمرهم ببذل المال في سبيل البر ثم نقبض أيدينا ؟
كأن الجهاد بالنفس و المال ـ وهو ثمن الجنة ـ لم يكتب علينا .
إنني ـ يا قوم ـ أعتقد أن أقسى عقوبة عاقبنا بها الله على خذلنا لدينه هي أنه جرد كلامنا من القبول والتأثير ، فأصبح كلامنا في أسماع الجيل القديم مستثقلاً ، وفي أسماع الجيل الجديد مسترذلاً ، ومن ظن خلاف هذا فهو غِرٌّ أو مغرورٌ أو هما معاً .(1/21)
أصبحنا في أمتنا غرباء تزدرينا العيون ، وتتقاذفنا الظنون ؛ لأننا أصبحنا كالدراهم الزيوف ، فيها من الدراهم استدارتها ونقوشها ، وليس فيها جوهرها ومعدنها .
محمد البشير الإبراهيمي
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
مقدمة المعتني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
3
الدافع لنشر هذين المقالين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
4
ترجمة العلامة محمد البشير الإبراهيمي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
7
من كلماته رحمه الله . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
11
وظيفة علماء الدين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
15
فهم علماء السلف للإسلام . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
19
شجاعة شيخ الإسلام ابن تيمية وحربه على أهل البدع . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
28
علماء الخلف وصفاتهم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
26
أثر الطمع والوظيفة على علماء الخلف . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
29
انتشار المدارس المذهبية في عهد صلاح الدين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
30
تورّع علماء السلف عن قبول منصب القضاء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
31
حرص علماء الخلف على الولاية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
32
لابد للعلماء أن يذكّروا بالقرآن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
33
أهمية نزول العالِم للميدان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
35(1/22)
تسلط أمراء السوء على العلماء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
36
أيها العلماء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
38
* * *
(1)…كان الفضل للأستاذ محمد خير رمضان يوسف في تنبيهي على هذين المقالين ، وذلك في كتابه " معجم المؤلفين المعاصرين " 2/551.
(2)…مصادر ترجمته :
…مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 21/135-154 بقلمه . وترجمة بقلم الدكتور إبراهيم مدكور 21/129 ، ومجلة مجمع اللغة بدمشق 43/454 ، والمجمعيون 156 ، ودليل مؤرخ المغرب 1/232 ، والإمام الرائد محمد البشير الإبراهيمي لمحمد الطاهر فضلاء ، والأعلام للزركلي 6/54 ، وترتيب الأعلام على الأعوام 2/862 ، ومعجم المؤلفين المعاصرين 2/550 ، وجمعت رسائله وكتاباته ومقالاته في كتاب " آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي " جمع وتقديم نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في خمسة مجلدات من إصدار دار الغرب الإسلامي ببيروت عام 1997م .
(3)…يعني ما يحكى عن الكثير منهم من سرعة الحفظ ، وسعة المحفوظ ، والروايات في ذلك كثيرة قد يظن بها المبالغة من قِبل الجهّال . ومن جهل شيئاً عاداه .
(4)…يعني في مصر .
(1) من كتاب: (موسوعة أطايب الكلم و أجمل التوقيعات) لفتحي بن فتحي الجندي. تحت الطبع.
(6) قال الله تعالى : +(((((( (((((( (((( (((((((( ((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( (((((((( (((( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((( ((((((( ((((((( ( (((((((( ((( ((((((((((( " [آل عمران :187] .(1/23)
قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسير هذه الآية : " الميثاق : هو العهد الثقيل المؤكد ، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب ، وعلَّمه العلمَ أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ، ولا يكتمهم ذلك ، ويبخل عليهم به ، خصوصاً إذا سألوه ، أو وقع ما يوجب ذلك ، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يُبيِّنه ويوضح الحق من الباطل .
فأما الموفقون : فقاموا بهذا أتم القيام ، وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضاة ربهم ، وشفقة على الخلق ، وخوفاً من إثم الكتمان .
وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم : فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها ، فكتموا الحق ، وأظهروا الباطل تجرؤاً على محارم الله ، وتهاوناً بحقوقه تعالى وحقوق الخلق ، واشتروا بذلك الكتمان +((((((( ((((((( " وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات والأموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين أهواءهم المقدمين شهواتهم على الحق +(((((((( ((( ((((((((((( " ؛ لأنه أخس العِوض والذي رغبوا عنه - وهو بيان الحق الذي فيه السعادة الأبدية والمصالح الدينية والدنيوية - أعظم المطالب وأجلُّها ، فلَمْ يختاروا الدني الخسيس، ويتركوا العالي النفيس إلا لسوء حظهم وهوانهم ، وكونهم لا يصلحون لغير ما خُلقوا له " . انتهى. تيسير الكريم الرحمن (1/268) ط. دار ابن الجوزي ، تحقيق سعد الصامل.
(7) يشير المؤلف ـ رحمه الله ـ إلى قول النبي × : " العلماء ورثة الأنبياء " . رواه أبوداود (3157) ، والترمذي (2606) ، وابن ماجه (219) ، وأحمد (5/196) وغيرهم .
(8) قال تعالى : + (((( (((((((( ((((((((( (((((((((( ((((( (((( ( (((((( ((((((((( (((((( (((((( ((((((((((( ( ((((((((((( (((( (((((( (((((( (((( (((((((((((((((" [يوسف :108] .(1/24)
(9) +(((((( ((((((( (((( ((((((((((((( (((((( (((( ((((((((((( ((((((" [هود : 88] ، ولقول الرسول × : "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فيدور فيها كما يدور الحمار برحله فيقول له أناس ..." . رواه البخاري (3027) ، ومسلم (5305) .
(10) تردد الصحابة رضي الله عنهم لم يكن رداً للأمر وحاشاهم. وإنما كان من باب التماس حكم مغاير إذا كان ذلك ممكناً ، أما إذا حُسم الأمر، ولم تكن هناك مندوحة عن الإذعان والانقياد فلا مفرّ من ذلك. وليس كما زعمت الروافض أن الصحابة كانوا يجتهدون مع النص، ويردون أمر النبي ×. وما مثلهم رضي الله عنهم في ذلك إلا كمثل رجل مع أولاده المخلصين ، قد يأمرهم بأمر خلاف ما يتمنون ، فيبكون أو يتباكون بغية أن يغير رأيه ، فإن غيره فبها ونعمت ، وإلا فليس أمامهم إلا السمع والطاعة والتسليم. وهذا ما كان منهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
(11) رواه البخاري (2731، 2732) مطولا في شأن الحديبية. وفيه:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ × لأَصْحَابِهِ : " قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا " قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ، نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضاً غَمَّاً.
(12) مثال ذلك: حديث أبي هريرة عند البخاري (743)، ومسلم (590،591).(1/25)
(13) قال تعالى : + (((((( (((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((( (( (((((((((( ((((( (((( (((( (((((((( " [الأعراف : 169] .
(14) قال تعالى : + ((((( ((((((((((((( ((( (((((( ((((((((( ((((( (((( (((((((((((( ((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( " [النساء : 59] .
(15) المقصود هو: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني.
(16)… من نعر نعيراً : صاح وصوّت. انظر القاموس ص 624.
(17) محمد عبده : مفتي الديار المصرية ، من آل التركماني ، ولد عام 1266 ، كان له فضائل في مقاومة التصوف الخرافي والتقليد المقيت، كما أن له معايب في اتجاهه إلى المذهب العقلاني الذي يعارض النصوص الصحيحة الصريحة بآراء العقول وأهوائها ، وقد كان له تساهل مع المستعمر ، وتأثر بالنموذج الغربي ، مما سهل لمن تبعه وقلده التشبه بالغربيين وتقليدهم في كثير من الأمور التي تخالف الشرع الحنيف . توفي في الإسكندرية عام 1323هـ . انظر الأعلام 6/252 .
(18) قال العلامة طه الساكت رحمه الله : " لا تُسمِّ هؤلاء علماء الدين ؛ لأنهم لا يعلمون ظاهراً منها ـ كما يعلم المخترعون المستكشفون ـ ولكن سمِّهم عُبَّادها ، لأنهم أحرص الناس عليها ؛ وأشدهم خشوعاً لها . وحسبهم من مقت الله لهم ، أن صرف القلوب عنهم ، لما انصرفت عن قلوبهم ! وهم يوم القيامة أشدّ مقتاً وخزياً ... إلخ " من ذخائر السنة النبوية 1/53 .
(19) لعله يشير إلى الفترات التي سيطر فيها التصوف القبورية والإرجاء على كثير ممن ينتسب إلى العلم في أمور العقائد ، والتقليد المقيت لآراء الفقهاء المتأخرين التي لم تستنير بنور الوحيين .(1/26)
(20) يعني : أن العكر يكون في آخر الشيء . انظر : المحيط في اللغة (1/29)، الصحاح في اللغة (1 /488) ، مختار الصحاح (1 /213) ، المحكم والمحيط الأعظم (1/92) ، تهذيب اللغة (1/89) ، المغرب (4/1) ، لسان العرب (4/ 599)، تاج العروس (1/3234).
(21) في عهد صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ بنى مدرسة للشافعية بجوار مسجد عمرو ومدرسة أخرى للمالكية عرفت باسم (دار الغزل) ثم عرفت بالمدرسة القمحية ، ثم بنى مدرسة ثالثة للفقهاء الحنفية سماها (المدرسة السيوفية) كما أنشئت مدارس أخرى لفقهاء المذهب الشافعي خاصة ، وهو المذهب الذي كان عليه أكثر أفراد البيت الأيوبي . انظر : الأزهر في ألف عام ، للدكتور محمد خفاجي 1/83-84.
(22) وخرافيته وخروجه عن حقيقة الإسلام والإيمان .
(23) مكان للصوفية يمارسون فيه بدعهم .
(24) انظر: في ظلال القرآن (1/68) في تفسير قوله تعالى : + (((( ((((((((((( (((((((( (((((((((((((" .
(25) مشايخك هي الصواب ، ومشايخهم كذلك دون همز . والظن بالشيخ أنه قصد همزهم ولمزهم قصداً نظراً لواقع الحال لا نظراً إلى اللغة . وكما قيل : المشايخ الربانيون لا يهمزون حساً ولا معنى . أما مشايخ الضلالة فيهمزون ، بل ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
…وقد تقدم استعمال الكلمة على الصواب ص22 (مشايخهم .. المشايخ) . وانظر ترجمته المتقدمة ص8، 9 لتعلم أين هو من علم العربية .
??
??
??
??
14
…
15
103(1/27)