الشيخ أحمدو بن لمرابط
إمام الجامع الكبير بانواكشوط
أدين بحمد دائم متجدد
لربي على إنعامه المتعدد
وأهدي إلى خير الورى وصحابه
أتمَّ صلاة معْ سلام مؤبد
وبعد فإني قد قصدت قصيدة
وسيلة إيمان على نهج أحمد
فإن رمته آمن بربك أوَّلا
وبالرسْل والأملاك والكتْب والغد
وبالقدَر المقدور خيرا وضدِّه
فتلك أصول في الجواب المحمدي
عليها بنى إيمانه السلف الرضى
ونحن بهم -إن وفق الله- نقتدي
وسوف نسوق القول فيها مرتبا
على ذكرناها مفردا بعد مفرد
وبالله إخلاصي وبالله عصمتي
وبالله توفيقي وإكمال مقصدي
الإيمان بالله تعالى
إذا رمت إيمانا بربك كاملا
فدونك تفصيل المحقّ الموحد
فآمن به ربا ووحِّده عابدا
وأثبت له أوصافه غير معتد
وقل للذي التفصيلَ يبغي دليله
متى ما تدبَّرْ سورة الحمْد تحمد
الإيمان بربوبيته تعالى
فقل هو رب خالق ومدبر
جميعَ الأمور مالكُ الملك ترشد
... ... توحيده تعالى في العبادة
وإياك لا تصرف لغير الإله ما
يحق له –سبحانه- من تعبد
فلا تستغث إلا به ليس غيره
بجالب نفع أو بدافع مؤيد
ولا تدع ،لا تنذر لغير إلهنا
فما ذاك بالمدْني وليس بمبعد
فإنَّ دعاء الميت والغائب استوى
بدعوة أصنام لدى كل مرشد
بجامع أن لا يستجيبون إن دُعُوا
وتأصيل ذا في الذكر باد لمن هُدي
ولا تتمسَّحْ بالقبور ولا تطُفْ
وزرها لتذكير المواقف في الغد
ولا تشدُدَنْ رحلا لغير ثلاثة
كما جاء مرفوعا بإسنادِ مسنِدِ
ولا تحلفنْ إلا بربك صادقا
فمن بسوى الرحمن يحلِفُ معتد
ولله أخلِصْ في العبادة، إنه
لَيعلم منا كل غيب ومشهد
وبالجاه لا تسألْ فتلك مصيبة
(ألا ليتني أفديك منها وأفتدي)
فإن أبا حفص توسّل بالدعا
من العم لا بالجاه من عمِّ أحمد
كما بالدعا الأعمى توجه لا سوى
فحقق ولا تحفل بقول مفنِّد
ولكن توسل بالتقى منك ضارعا
إلى الله تظفر بالمراد فتسعد
إثبات الأسماء والصفات له تعالى
وأثبت له أسماءه وصفاته
كما أُثبتت في نوعي الوحي تهتد(1/1)
ولكن لدى إثبات ما هو مثبت
عن الكيف والتمثيل فابعد وأبعد
فقل إن مولانا على عرشه استوى
وأثبت لوصف الوجه والعين واليد
وما قد أتى من حبه أولياءه
ومن غضب منه على كل معتد
ومن كرهه كل الذي عنه قد نهي
ورضوانه عن شرعه للتعبد
وما جاء من إتيانه ومجيئه
وما من نزول في الرواية مسند
وقل إنه سبحانه متكلم
بما شا متى شا كيف شا غيرَ ملحد
وما كلمات الله تنفَدُ إن يكن
مدادا لها البحر الممدد ينفد
وقد كملت صدقا وعدلا وإنه
تكلم بالذكر المجيد الممجد
مع الخلق بالعلم المحيط وإنه
تنزّه عن قول الحلول المفند
إلى غير ذا مما به الوحي قد أتى
وندِّدْ بدعوى من يخالف، ندِّد
فمن يدعي الإيهام ثم فقل له
محال على الوحيين إيهام مفسد
فكم آية نصت على أن وحيه
شفاء بلا ريب وهاد به اهتدي
وذا يبطل التأويل إذ هو قرنه
"وكل قرين بالمقارن يقتدي"
فذا الحق لا تقبل سواه وإن يعب
عليك أخو التأويل فاردد وردد
وكم عائب قولا سليما لأجل ما
أصيب به من سقم فهم منكد
وما الله ينفي أو نفاه رسوله
عن الله ينفى عند كل موحد
الإيمان بالرسل
ولله رسل جاء أسماءُ خمسة
وعشرين منهم في الكتاب الممجد
كما جاء إجمال التفاضل بينهم
وفضِّلْ عليهم واختتم بمحمد
بعصمته قد خصهم ليبلّغوا
بتبليغ كل للرسالة فاشهد
أولو العزم قيل المصطفى فخليلهم
فموسى فنوح قبل عيسى المؤيد
فصل
وعادتهم في الباب أن يتكلموا
على فضل هذي الأمة المتمدد
ففي الذكر(كنتم خير أمة أخرجت(
وقد أسندوا: "خير القرون" لأحمد
وطائفة منها على الحق لم تزل
مؤمنة من صولة المتهدد
وللخلفا في الفضل جاء ترتب
وهو بترتيب الخلافة يقتدي
ومفضولهم يختص طورا بخصلة
فيعلو على الأعلى بفضل مقيد
وما قد جرى بين الصحابة كله
يكون عن التأويل لا عن تعمد
قد اجتهدوا فيه فأجران للذي
أصاب ومن أخطا له الأجرَ أفرد
ولا تعنهم إلا بخير فإنهم
إليهم تناهى كل فضل وسؤدد
لقد رضي الرحمن عنهم وعنه قد
رضوا فالرضى عنهم على كل مقتد(1/2)
ولله قوم صالحون تهذبوا
كراماتهم شاعت لدى كل مشهد
بنور التقى تقوى الفراسة منهمُ
فيغدو لهم بعض الخفي كأن قد
أتى في حديث في البخاري أنهم
إذا سألوا المولى حباهم بمقصد
لذلك يبغى صالح من دعائهم
وسائلهم عن أمر غيب هو الردي
كما جاء في ذاك الحديث وعيد من
يعادي وليا بالشريعة يقتدي
فَدِنْ بولاء للإله وحزبه
وَدِنْ ببراء من كفور حقلَّد
وليس ينافي للبراء من العدا
مجاملةٌ يدعو لها حالُ مُجْهَد
إذا ما تحفظنا، فهم ينفقون كي
يصدوا عن النهج القويم المحمدي
يريدون منا أن نداهن فاحذروا
ولا تخدعوا من برهم والتودد
الإيمان بالملائكة
ولله أملاك يطيعون أمره
تقاصر عنهم غيرهم في التعبُّد
بتدبيرهم للأمر كلّفهم فهم
جنود عظام فوق كل مجند
فمنهم ثلاثُ وكِّلوا بحياتنا
فجبريلهم بالوحي أحيى الحجا الصدي
وميكال أحيى الأرض بالقطر والذي
يسمى بإسرافيل بالنفخ يبتدي
فتحيى به الموتى وهم رؤساؤهم
فراجع نصوص الوحي في العد تزدد
الإيمان بالكتب
وقد أنزلت كُتْبٌ على الرسْل حجة
وكل رسول ذو كتاب مؤيِّد
ونعلم منها بالخصوص كتابَنا
زبورا وتوراة وإنجيلا أسرد
وصحْفا لإبراهيم غير كتابنا
تطرقه التحريف من أيِّ مفسد
الإيمان باليوم الآخر
وأثبِتْ سؤالَ المرْء من بعد موته
فينعَم أَو يشقى وللبعث أكِّد
وصَدِّق بأشراط القيامة كلها
ووقْتُ تجلِّيها لنا لم يحدد
ويوم يقوم الناس يعطون كتبَهم
فذو الأخذ باليمنى إلى جنة هُدِي
وذو الأخذ باليسرى- نعوذ بربنا-
يسربل من نار الجحيم ويرتدي
وتوزن أعمال العباد ففرقة
متى ثقل الميزان بالخير تسعد
وأما التي خفت موازينها غدا
فتعسا لها في النار تردى مع الردي
وأما التي ميزانها ثَمَّ مستو
فترجو على الأعراف رجْوَ موحد
ويشفع إذ ذاك النبيُّ شفاعة
يُخص بها عن كل أوْجَهَ منجد
ليقضي بين الخلق خالقهم وقد
أصيبوا بكرب في المواقف مُجْهد
ويشفع في أهل الجنان ليدخلوا
فبان له فضل على كل سيِّد
ويشفع معْه الغير في مسلمين قد(1/3)
عصوا فاستحقوا ذوق نار الموحِّد
ومن دونها قد يخرج الله بعضهم
برحمته وفضله المتعوَّد
هنالك حوض عند أحمد ماؤُه
شديد بياض طعْمُه طعْمُ صرخد
يحلَّأ عنه المحْدِثون فويل من
يحلَّأ عن حوض النبي محمد
لكل نبي ثَمَّ حوض يخصه
ولكنَّ حوض المصطفى خير مورد
وثَمَّ صراط فوق متن جهنِّمٍ
مَمَرُّ الورى ما بين ناج ومبعد
وجنته للمتقين أعدها
أعد لظى للكافر المتمرد
وتَمْلأُ كل منهما ولقد رووا
مقالة نار وهي -قد ملئت- قد
وكلتاهما موجودة مالها فنا
وما شهد النص الصحيح به اشهد
الإيمان بالقدر
على قدَر تجري الأمورُ جميعها
إليه تعالى الخلق بالقدْر أسند
فمهما يكن شيء فذلك قد جرى
به قلمٌ في اللوح بادئ ذي بدي
أتاح اختيارا واقتدارا لخلقه
ولا شيء إلا بالمشيئة مقتد
ومن قال دل الذكر أن إلهنا
إرادته نوعان غيرُ مفنَّد
فإحداهما كونيِّة قدريِّةٌ
وليس يرى عما قضت أي عُندد
وليس بحتم أن يكون قضاءها
إلى الله محبوبا لدى كل مهتد
وأخراهما شرعية ليس لازما
وقوع اقتضاها بل بها تيك تقتدي
وليس بها ما لا يحب بواقع
له جلَّ سرٌّ من يسل عنه يعتدي
ونفس قضاء الله لا شرِّ فيه بل
إلى ما قضى تنميه دعوة أحمد
وذلك أن الخير بالمدِّ حاصل
وشرٌّ بعدْم المدّ يحصل فأجهد
ودع ما تعاصى فهمه وخذ الذي
فهمت ولا تسلك سبيل التمرد
وما رمته بالنظم تّمَّ لعلَّه
لقاصد إيمان وسيلة مقصد
صلاة وتسليم على خير مرسل
أجيء بها عند الختام وأبتدي
بمناسبة الاطلاع على كتاب :"القول المبين في التوسل والإستعانة بالأنبياء والصالحين" وطلب مؤلفه منا إبداء ما نراه في الموضوع نقول وبالله التوفيق:
توسَّلْ إلى المولى بأسمائه الحسنى
يُتح لك ما ترجو وبالعمل الأسنى
وبالدعوات الصالحات توسّلنْ
فتلك ثلاث في توسلها استِغنا
أدلتها الإجماع منعقد على
سلامتها لا لَبس فيها ولا طعنا
ولا تستغثْ إلا به ليس غيره
لنا جالباً كَلاّ ولا دافعاً عنا
نعم جائز أن نستغيث بحاضر(1/4)
إذا كان في مقدوره ماله رُمنا
ومن يستغيث الميْت والغائب انهَهُ
وقل ذاك أمر منه بالله قد عذنا
على ذلكم قام الدليل صريحه
لدى البحث يُلفى "قاب قوسين أو أدنى"
ومن رام بالجاه التوسل عزَّه
صحيح صريح لا احتمال به يعنى
فإن قيل للأعمى حديث مصحَّح
فقل باحتمال في دلالته عنا
فثمَّ احتمال كونه متوجهاً
بدعوة خير الخلق لله يُستدنى
فأصحابه عنهم أتى في توسل
بدعواه ما لا لُبس فيه ولا وهنا
وحيث دليل الحكم عنَّ احتماله
فليس إلى استدلال مورده يُرنى
ونفيُك عن هذا الدليل احتماله
مكابرة في الحق منها تعوَّذنا
ونجل حنيف فهمه ليس رافعاً
لمحتمل يبدو من اللفظ في المعنى
أبو بصرةٍ قد خالف الجلَّ فهمُه
ففي ابن حنيف سُنَّ ما فيه قد سُنا
وأما سوى ذاك الحديث فلم يكن
يصح دليلا عند من عرفوا الفنَّا
فكن بالذي لا خلف فيه عن الذي
به خلفهم مستغنياً، إنه أغنى
وقل للذي أبدى النصيحة راجياً
تقبلها من كل مستمع حسنا
أشرتُ بما يكفي لمن كان منصفاً
وإلا فبسط القول يعيي بلا إغنا
على قائل: "دع ما يريبك" صلِّينْ
صلاةً حلتْ من يستجيب له أمنا(1/5)