وسائل تؤدي إلى الاتفاق ووحدة الصف
د. علي محمد علوان
الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والقرآنية
جامعة الرباط الوطني
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد.
مقدمة
إن الإسلام منهج ذو خصائص متميزة من ناحية التصور الاعتقادي، ومن ناحية الشريعة المنظمة لارتباطات الحياة كلها، ومن ناحية القواعد الأخلاقية التي تقوم عليها هذه الارتباطات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها، فلا بد أن تكون هنالك جماعة من الناس تحمل هذا المنهج لتقود به البشرية، وقيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي؛ فهي الوسط الذي يتنفس فيه هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية. هذا الوسط يتمثل في الجماعة المسلمة القائمة على ركيزتي الإيمان والأخوة، الإيمان بالله كي يتوحد تصورها للوجود والحياة، والقيم، والأعمال، والأحداث والأشياء والأشخاص، وترجع إلى ميزان واحد تقوم به كل ما يعرض لها في الحياة، وتتحاكم إلى شريعة واحدة من عند الله تعالى، وتتجه بولائها كله إلى القيادة القائمة على تحقيق منهج الله في الأرض، والأخوة في الله، كي يقوم كيانها على الحب والتكافل والتعاون.
توطئة
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)(1).
__________
(1) سورة آل عمران: 102 ــ 103.(1/1)
امتن الله تعالى على الجماعة الإسلامية الأولى بهذه النعمة: نعمة الأخوة المعتصمة بحبل الله تعالى، وما كان إلا حبل الله تعالى الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخواناً؛ فهي أخوة تنبثق من التقوى، وهي الركيزة الأولى، وعلى الأخوة في الله اعتصاماً بكتاب الله تعالى، هي الركيزة الثانية. وبلغت تلك الجماعة في ذلك مبلغاً، لولا أنه وقع لعُدَّ من أحلام الحالمين، وقصة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قصة من عالم الحقيقة، وهي قصة وقعت في هذه الأرض، ولكنها في طبيعتها من عالم الخلد والجنان(1)، وعلى ذات النهج يجب أن يرفع النداء عالياً لوحدة الصف، واتحاد الكلمة، وقيام الأخوة في الله تعالى.
وحدة الصف والتضامن الإسلامي فريضة دينية وضرورة إنسانية
إن الدعوة إلى الاتفاق ووحدة الصف لا تأتي تلبية للحاجة الملحة وللظروف المحيطة بالأمة الإسلامية فقط، وإنما هي استجابة لأمر إلهي، وتحقيق لمطلب ديني، قال الله تعالى: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)(2)، وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(2).
__________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق مصر، 1/442 ــ 445.
(2) سورة الأنفال: 63.(1/2)
هذه الآيات وأمثالها تحدد طبيعة المجتمع المسلم، والقاعدة التي يقوم عليها وينطلق منها، والعلاقات التي تسود بين أفراده، إنها ليست علاقة الدم، ولا علاقة الأرض، ولا علاقة الجنس والتاريخ واللغة والقرابة، وليست هي الوطنية والقومية والمصالح الاقتصادية، إنما هي علاقة الولاء القائمة على العقيدة، وعلاقة القيادة الربانية والتنظيم الحركي الذي ألف بين قلوب أعضائه وأفراده.
قيام هذا المجتمع الإسلامي الحركي، الذي ألف الله تعالي بين قلوب أفراده، ضرورة لازمة في مواجهة التجمع الجاهلي ــ تجمع الكافرين والمشركين ــ، فالتجمع الجاهلي لا يتحرك كأفراد، إنما يتحرك ككائن عضوي، يتدافع أعضاؤه بطبيعة وجوده وتكوينه للدفاع الذاتي عن وجوده وكيانه، فهم أولياء بعض طبعاً وحكماً. ومن ثم لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة تجمع آخر له خصائصه وذاتيته، فإذا لم يواجههم الإسلام بتجمع ولاؤه بعضه لبعض، وصفه متحد، وأخوته قائمة، فستقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام، ويقع الفساد في الأرض، ويقع الناس عبيداً للعباد مرة أخرى وهو أفسد الفساد(1).
فوحدة الصف المسلم لازم من لوازم عقيدة التوحيد، ودعامة من دعائمها لإيجاد الأمة المسلمة في مواجهة الملل الكافرة، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(2)، ووجود هذه الأمة وإخراجها لا يكون إلا بالأخوة الصادقة، وحدة الصف المخلص مهمة وضرورية أكثر من أي وقت مضى؛ حيث يترتب على وجودها فوائد ومنافع هي:
__________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن: 3/1555.
(2) سورة آل عمران: 110.(1/3)
أولاً: تجسيد الإيمان في تجمع حركي، يقوم على إمرة العقيدة دون أوامر الجنس، واللون، واللغة، والأرض، والمصالح القريبة، والحدود الإقليمية الشخصية! الأمر الذي يحيل سلوكها وقيمها إلى حضارة إسلامية متميزة لها فكرها، وثقافاتها ونظمها الاجتماعية وتطبيقاتها في ميادين السلوك والقيم الممتدة عبر الزمان والمكان.
الفائدة الثانية: هي الاستقرار السياسي والاجتماعي في مقابل الاضطراب والفوضى الإباحية التي صنعتها الصليبية واليهودية وملة الكفر قديماً وحديثاً، وكل من الاستقرار السياسي والاجتماعي مشار إليهما تلميحاً، والله أعلم، في قوله تعالى: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرةُ ورزقُ كريم)(1).
فالمغفرة في أبسط معانيها هي العفو من العقوبة، وعقوبات الأمم في القرآن، في الدنيا هي بث الاضطراب، وإشاعة الفتنة والحروب الداخلية، والتمزق في الداخل، وتسليط الغزاة من الخارج، قال تعالى:(قل هو القادر أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لقوم يفقهون)(2).
الفائدة الثالثة: هي الازدهار الاقتصادي المصحوب بالتماسك الاجتماعي والعلاقات الكريمة بين مختلف أفراد الأمة الإسلامية، والمحافظة على كرامة الأمة وعلى قيمها وأخلاقها في الداخل، وسمعتها والحضارية والتاريخية في الخارج.
فالأمة المسلمة رزقها (رزق كريم)، يحفظ كرامات الرجال والنساء، فلا تضطرهم لقمة العيش إلى التنازل عن حرياتهم وعقيدتهم وحرماتهم وأعراضهم، ولا إلى تجارة الفواحش والمنكر.
__________
(1) سورة الأنفال: 74.
(2) سورة الأنعام: 65.(1/4)
ووجود هذه الأمة ذات الصف المتحد، والأفكار المتوافقة ــ ووجود هذه الأمة المسلمة مهم جداً لسكان الكرة الأرضية لأنه في غياب هذه الأمة سوف يجتمع الكافرون ــ وقد اجتمعوا فعلاً لإخراج أمة الكفر التي يوالي بعضها بعضاً كما قال تعالى:(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(1)، وعندئذ سوف تتولى (أمة الكفر) القيادة في الأرض، وتهيمن على مقاليد التوجيه والثقافة والإعلام والاجتماع، وكل ما يتعلق بشؤون الحرب والسلم، وانتقال القيادة العالمية إلى أمة الكافرين سوف يؤدي إلى استغلال المقدرات البشرية استغلالاً خاطئاً، وتوجيه النشاطات توجيهاً سيئاً، ثم يكون من نتائج ذلك الخطأ والسوء أن تمتلئ الأرض جوراً وفتناً وفساداً كبيراً، فتن في ميادين الصراعات والحروب الإقليمية أو العالمية أو الداخلية، وفساد كبير تمثله الانهيارات الأخلاقية وشيوع التحلل والإباحية وانتشار الفلسفات الهدامة.
وعليه لابد من وحدة الصف، واتفاق الكلمة لهداية البشرية التائهة في بيداء النظام العالمي اليهودي، ودعوتها إلى الخير، وقيامها بأمر العبادة وعمارة الأرض تنفيذاً لأوامر الله تعالى في هذا الشأن.
الوسائل الذاتية لوحدة الصف والاتفاق
أولاً: وحدة العقيدة:
العقيدة مأخوذة من العقد، والعقد هو الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل، وعقد البناء، وتوسع استعمال العقد فاستعمل في المعاني كعقد البيع وعقد النكاح. والعقيدة الدينية هي ما يجب على المسلم الإيمان به، فكأن المؤمن المعتقد قد جمع أطراف قلبه وعقدها على ما صدق به(2).
__________
(1) سورة الأنفال: 72 ــ 73.
(2) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي الفيومي، مادة عقد 2/525.(1/5)
يقول سيد قطب: "والقاعدة التي يقوم عليها الإسلام على مدار التاريخ البشري هي قاعدة (شهادة أن لا إله إلا الله) أي إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية، والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية، إفراده بها اعتقاداً في الضمير، وعبادة في الشعائر، وشريعة في واقع الحياة. ومن ثم لم يكن بد أن تشتمل القاعدة للإسلام (أي العقيدة) في تجمع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى. وأن يكون محور هذا التجمع الجديد هو القيادة الجديدة المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده في كل قيادة إسلامية تستهدف رد الناس إلى ألوهية الله وحده، وربوبيته وقوامته وحاكميته وسلطانه وشريعته.
وبعد فإن الإسلام يبني الأمة المسلمة على هذه القاعدة وفق هذا المنهج، ويقيم وجودها على أساس التجمع العضوي الحركي، ويجعل آصرة هذا التجمع هي العقيدة لا آصرة النسب ولا الجنس ولا اللغة ولا الأرض ولا اللون ولا المصالح ولا المصير المشترك، فهذه أواصر يشترك فيها الحيوان مع الإنسان، وهي أشبه شيء وأقرب إلى أوامر القطيع! وإلى اهتمامات القطيع!
لقد اجتمع في المجتمع الإسلامي على هذه القاعدة: العربي والفارسي، والشامي والمصري، والمغربي والصيني، والتركي والهندي، والروماني والإغريقي، والأندونيسي والإفريقي... إلى آخر الأقوام والأجناس، لقد اجتمعوا كلهم على قدم المساواة وبأمر الحب، وبشعور التطلع إلى وجهة واحدة"(1).
لقد كانت العقيدة الإسلامية إيذانا بمولد مجتمع جديد يخالف المجتمعات الجاهلية السابقة التي جعلت أساس مجتمعاتها الجنس أو القبيلة أو الإقليم أو اللغة.
__________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن: 3/1556، 1557، 1562.(1/6)
فالعقيدة ضرورة لا غنى عنها للفرد والجماعة، ضرورة للفرد ليسعد وليطمئن، وتطهر نفسه ويتحرر من الخوف إلا من الله، ومن الرجاء إلا في الله، ومن التوكل إلا على الله، ومن التضرع واللجوء إلا إلى الله تعالى، وضرورة للمجتمع ليستقر ويتآخى، ويتعاون ويتماسك، ويتناصر وينهض. والعقيدة الإسلامية تربط بين قلوب معتنقيها برباط المحبة والإخاء والتراحم، ذلك الرباط الذي لا يساويه رباط الجنس أو اللغة أو الوطن أو القوم(1).
وقد اتسمت العقيدة الإسلامية بالوضوح والشمول. ويتبين وضوحها وشمولها في الآتي:
أولاً: هي عقيدة لا تقبل التجزئة والتقسيم، بل هي عقيدة التوحيد، كلُّ يجب الإيمان به؛ فمن آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر. قال تعالى:(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون)(2).
ثانياً: إزالة الفوارق والطبقية من المجتمع الإسلامي وتثبيت مبدأ المساواة:
__________
(1) محمد أمين حسن، خصائص الدعوة الإسلامية، مكتبة المنار، الأردن، ط1، 1983م، ص 258.
(2) سورة البقرة: 85.(1/7)
لقد قام المجتمع الإسلامي الأول على قدم المساواة بآصرة الأخوة والصف الصادق، آصرة تتعلق بربهم الواحد، وتبرز فيها إنسانيتهم وحدها بلا عائق، وهذا ما لم يحصل قط لأي تجمع آخر على مدار التاريخ. لقد توطد في شعورهم المبدأ السامي: أن الناس أمة واحدة، كلهم لآدم، وآدم من تراب. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في تقرير هذا المبدأ في خطبة حجة الوداع: ((يأيها الناس ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ألا لا فضل لأحمر على أسود إلا بالتقوى، ألا قد بلغت؟ قالوا: نعم قال: ليبلغ الشاهد الغائب))(1)، بل إن اختلاف الألوان والأجناس واللغات آيات ناطقة ودالة على قدرة الله الخالق، قال تعالى:(ومن آياته أن خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)(2).
ثالثاً: عقيدة حاربت العصبيات وجعلتها من دعوة الجاهلية:
لقد وقف الإسلام من أول يوم في وجه العصبيات وشن عليها حرباً لا هوادة فيها، وجعلت العقيدة الأخوة في الله والدين ركناً ثابتاً يجب الإيمان به وليس أمراً ثانوياً.
قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية)).
وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم العصبية بالجيفة المنتنة؛ فقال لمن سمعه يذكرها وينادي بها: ((ما بال دعوى الجاهلية، دعوا هذه الكلمة فإنها منتنة))(3)، وجعل الإسلام التفاوت بين البشر بالتقوى، وليس باللون أو المولد أو الجنس أو النسب، قال صلى الله عليه وسلم: ((من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)).
ولقد حل محل العصبيات في المجتمع المسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)).
__________
(1) ابن الجوزي، الوفاء بأخبار المصطفى، دار الكتب الحديثة، بيروت، ط1، 1386هـ، 2/529.
(2) سورة الروم: 22.
(3) سنة أبي داؤود، كتاب الأدب، باب 121 ص 342، ط 1394هـ.(1/8)
فنصرة الظالم بمنعه عن ظلمه، ونصرة المظلوم بمساعدته للوصول إلى حقه، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
ثانياً: عقد الأخوة في الله تعالى:
الأخوة في الله تعالى عقد واجب الوفاء به. ولقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن عقد الأخوة هذا فقال: "إن الحقوق التي ينشئها إذا كانت من جنس ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، والتي تجب للمؤمن على المؤمن، فإنما هي حقوق واجبة بمقتضى الإيمان، والتزامها بمنزلة الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله"(1).
ولهذه الأخوة حقوق منها:
(
__________
(1) الشيخ جاسم مهلهل الياسين، رسائل شباب الدعوة 1/18.(1/9)
1) تعزيز حب المسلم لأخيه المسلم خالصاً لوجه الله تعالى، هذه العقيدة تهتف بالبشرية بنداء الحب في الله، إنها حين تخالط القلوب تستحيل إلى مزاج من الحب والألفة ومودات القلوب، التي تلين قاسيها، وترقق حواشيها، وتندي جفافها، وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق، فإذا نظرة العين، ولمسة اليد، ونطق الجارحة، وخفق القلب ترانيم من التعارف والتعاطف، والولاء والتناصر، والسماحة والهوادة لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب، ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بين قلوبهم)(1) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكان من الله تعالى، قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس))(2)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثُ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))(3).
__________
(1) سورة الأنفال: 62 ــ 63.
(2) سنن أبي داود.
(3) رواه الشيخان.(1/10)
وتأكيداً لمعنى الحب في الله ــ الذي يؤكد على معنى الأخوة، والتي تجعل من الجماعة المسلمة حية صامدة قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية ــ تأكيداً لهذا المعنى جعل الإمام حسن البنا رحمه الله الأخوة الركن التاسع من أركان البيعة لدى جماعته حين قال: "أريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها، الأخوة أخت الإيمان، والتفرقة أخت الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار"(1) (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(2)، والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(3)، وهكذا يجب أن تكون.
فالمسلم قوي بجماعته، عزيز بإخوانه، وقد سأل موسى عليه السلام ربه ذلك واستجاب له في قوله تعالى: (وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون)(4).
(2) ومن حقوق هذه الأخوة: أن يوالي المسلم أخاه المسلم، فقد أملت علينا عقيدتنا أن نوالي بعضنا بعضاً على قاعدة الحب في الله والتآلف، وعلى أنبل مظاهر الأخوة والتعارف؛ حتى نكون رجلاً واحداً، وقلباً واحداً، ويداً واحدة. قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(5).
__________
(1) مصطفى محمد الطحان، الفكر الإسلامي المعاصر، دراسة في فكر الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، ط 2002، ص 238.
(2) سورة الحشر: 9.
(3) سورة التوبة: 71.
(4) سورة القصص: 34 ــ 35.
(5) سورة التوبة: 71.(1/11)
لقد صنع نبينا صلى الله عليه وسلم أمة بهذا القرآن لم نجد مثيلاتها في الأمم التي سبقتها، وصنع جيلاً لم يتكرر في التاريخ البشري، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، كل ذلك على قاعدة الولاء العقدي، والتآخي النبيل، والمناظر الجليلة التي لم تعهد البشرية لها شبيهاً عبر تاريخها الطويل، وقد اعترف بذلك العمل كبار مفكري أروبا، شهد بذلك الكاتب الروسي (تولستوي) بقوله: "مما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلامة وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة.. ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام"(1).
وقد وصف (وليم موير) ذلك بقوله:
"امتاز محمد بوضوح كلامه ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يشهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل محمد"(2).
(3) ومن حقوق الأخوة الموصلة إلى وحدة الصف: أن يستشعر المسلم هذا الرباط الوثيق مع من سبقه من المؤمنين، والدعاء لإخوانه والاعتراف بفضل من سبقه في العلم والعبادة والجهاد في سبيل الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا)(3).
(
__________
(1) عبد الرازق نوفل،القرآن والمجتمع الحديث، ص 23.
(2) المرجع السابق ص 29.
(3) سورة الحشر: 10.(1/12)
4) ومن هذه الحقوق أن يكرم المسلم إخوانه المسلمين، يتألم لآلامهم، ويحزن لأحزانهم، ويسر لأفراحهم، فهو معهم وبهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))(1). بالرغم من أن العمل الإسلامي اجتمعت نحوه مجموعة من المضاعفات فتت في عضده، ونخرت في عظامه، أقلها أنه أصبح في أودية متقطعة، لكن كل هذا لا يحول دون شعور أهله وإحساسهم بآلام بعضهم وأحزانهم، وأن يسعوا في حاجات بعضهم البعض ما وسعهم إلى ذلك سبيل.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل وسلم وجلس، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئباً حزيناً؟ قال: نعم لفلان عليّ حق ولاء ما أقدر عليه! قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك؟ قال: إن أحببت، قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا. ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين))(2).
وتطبيق ذلك في عصرنا يكون إما بالزيارات المتبادلة أو الرسائل المتتابعة، أو البرقيات العاجلة، أو الندوات والاجتماعات المبرمجة حتى ولو كانت من قبيل التحية والمجاملة.
ثالثاً: الإيثار:
لقد مدح الله تعالى الأنصار في أخوتهم الصادقة للمهاجرين في قوله تعالى: (والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قلوبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(3).
__________
(1) صحيح مسلم، دار الحديث القاهرة ط 1994، كتاب البر والصلة والآداب، باب 27، 4/2000، حديث رقم 2586.
(2) البيهقي، الآداب.
(3) سورة الحشر: 9.(1/13)
والإيثار نعني به هنا أن يقدم أصحاب العمل الإسلامي ــ الواحد منهم ــ أخاه على نفسه في كل ما يحب، فهو يسهر ويجتهد ليرتاح إخوانه ويجوع ليشبع أخوه ويظمأ ليرتوي، ويعرض صدره للرصاص ليفدي أخاه المسلم. يفوت العاملون في الحقل الإسلامي مصالحهم لإقامة مصالح إخوانهم المستضعفين في العراق وفلسطين وأفغانستان وباكستان والشيشان وفي كل مكان. وهنا يجب أن نتفق على القيام بالآتي:
(أ) تقديم حقوق الجماعة على حقوق الأفراد، ومن ثم إيثار حق الأمة على حق الفرد بما يحقق مصلحة كبرى في دفع مفسدة عظمى.
(ب) تقديم أولوية الولاء لله وللرسول وللجماعة على الولاء للون أو الجنس أو القبيلة أو الفرد.
(ج) تصويب العزائم والهمم نحو القضايا الكبيرة عالمياً وإقليميا بدلاً من الانغلاق في حدود المحلي والوطني.
(د) توطيد العلاقات بين الجماعات الإسلامية جلباً للتعاطف والتناصر مع تقوية خطوات النفوس وذوات أفراد العمل الإسلامي.
رابعاً: خفض الجناح وسلامة الصدر مع العاملين لخدمة الإسلام.
إذا كان التواضع وخفض الجناح ولين الجانب قيماً مطلوبة من أفراد المجتمع الإسلامي لمكانتها في توطيد العلاقات، ورد الخصومات وردم هوة النزاعات، فهي أوجب بين أصحاب العمل الإسلامي وأفراد الجماعات العاملة للإسلام، فإن ما يناقض ويضادّ هذه القيم مثل الكبر والخيلاء، والعجب بالرأي، والاستبداد بالفكر، تغرس الفرقة والعداوة فضلاً عن أنها تحول دون إصلاح الصف الإسلامي، والله تعالى يقول: (واخفض جناحك للمؤمنين)(1) ويقول: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً)(2).
__________
(1) سورة الحجر: 88.
(2) سورة الأعراف: 146.(1/14)
من خصائص بعض العاملين في الحقل الإسلامي الاعتزاز بالذات اعتزازاً يؤدي إلى نزعة الاستعلاء على الجميع مع سوء الظن بالآخرين، يضاف إليها ضيق الأفق في فهم الدين وفهم الواقع وفهم السنن الكونية والاجتماعية، مع استعجال الأشياء قبل أوانها، كل هذا يولد جفوة منه تجاه إخوانه الآخرين، ورفضاً لأفكارهم وآرائهم، الأمر الذي يحدث خصومة بين العاملين في الحقل الإسلامي، وفراغاً يستغله الآخرون فيعملون في عقول أبناء الأمة ما لا تفعله آلاف المدافع في بلاد المسلمين، وعليه فليترك العاملون في الحقل الإسلامي صراعاتهم الفكرية جانباً، وليخفضوا الجناح لإخوانهم جميعاً، وليتصفوا بسلامة الصدور ولين الجانب، وليُعملوا فقه الاختلاف وأدبه على قاعدة التعاون في المتفق عليه، والتسامح في المختلف فيه(1).
وليكن تركيز العاملين للإسلام على المبادئ التالية:
(1) فقه الدين فقهاً يتميز بالشمول والاتزان والعمق.
(2) فقه واقع الحياة دون تهوين ولا تهويل واقع المسلمين وواقع أعدائهم.
(3) فقه سنن الله وقوانينه التي لا تتبدل.
(4) فقه مقاصد الشريعة، وعدم الجمود على ظواهرها.
(5) فقه الأولويات وهو مرتبط بفقه الموازنات.
(6) تقديم الإسلام مشروعاً حضارياً متكاملاً لبعث الأمة وإنقاذ البشرية من الفلسفات المادية المعاصرة.
(7) اتخاذ منهج التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة.
(8) اتخاذ الجهاد سبيلاً للدفاع عن حرمات وديار المسلمين(2).
لا بد من بذل الجهد لجمع صف العاملين لخدمة الإسلام ونصرة عقيدته وتحكيم شريعته، ولا بد من تلازم الجهد الفكري والجهد العلمي لإزالة الجفوة بين فئات العمل الإسلامي، وغرس روح التسامح وحسن الظن بين صفوفهم، وإبعاد الغرور والاستبداد بالرأي واحتقار الآخرين.
__________
(1) د. يوسف القرضاوي، في فقه الأولويات: دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة، مكتبة هبة، القاهرة، ط 1965م، ص 223.
(2) د. يوسف القرضاوي، مصدر سابق، ص 223. بتصرف.(1/15)
وإذا كنا لا نملك اليوم القدرة على تجميع قوى أمتنا الكبرى من المحيط إلى المحيط، فلنجتهد على الأقل في تجميع قوى الفصائل الكبرى في الصحوة الإسلامية القابلة للحوار والتفاهم، وذلك بإزالة النتوءات، وتقليص التطرفات، وتقريب المفاهيم، وتنسيق المواقف، والوقوف صفاً واحداً في القضايا المصيرية، ويتعاون الجميع في المتفق عليه، ويتسامحون في المختلف فيه، فهذا التفاهم والتعاون والتجمع فريضة دينية وضرورة حيوية(1).
خامساً: التكافل الاجتماعي بين العاملين في الصحوة الإسلامية
والتكافل له جانبان: جانب مادي وآخر، والذي نقصد به هنا:
التكافل المعنوي بين الجماعات العاملة لخدمة الإسلام.
ويتمثل في التعاون الدعوي والإصلاح الفكري بين العاملين للإسلام لإحقاق الحق وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يتمثل بالإرشاد والتوجيه والنصح بين العاملين في الحقل الإسلامي، وقد جعل الإسلام هذا النوع من التكافل فريضة على كل مسلم، فقال الله تعالى: (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(2)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))(3).
يقوم هذا التكافل عملياً على الآتي:
(1) الاستفادة من ذوي الخبرات العالية والكفاءات العلمية عند بعض منسوبي العمل الإسلامي من قبل قليلي الدراية في الصف الإسلامي.
(2) تقديم النصح والإرشاد عند ظهور بوادر الخلاف بين العاملين لخدمة الإسلام.
(3) عقد الاجتماعات الدورية والمؤتمرات الفصلية لمراجعة العمل الإسلامي وتطوير أداء العاملين للإسلام وتحديد مواثيق اللقاء والاتفاق وأدب الاختلاف بين الجماعات الإسلامية.
سادساً: ضبط النفس:
__________
(1) د. يوسف القرضاوي، مصدر سابق، ص 227.
(2) سورة آل عمران: 104.
(3) رواه البخاري والترمذي والنسائي.(1/16)
ومن الوسائل التي تعين على الاتفاق، ووحدة الصف المسلم ضبط النفس عند حدوث الخلاف بين الجماعات العاملة لخدمة الإسلام، فهو يمنع العاملين للإسلام من القطيعة والجفوة، كما أن ضبط النفس دليل اكتمال العقل الإسلامي، وصفة أهل التقوى. قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )(1). وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)).
ومن فوائد ضبط النفس الآتي:
أولاً: التسامي فوق الصراعات الداخلية بين أفراد العمل الإسلامي، والابتعاد عن مواطن الخلاف، وردم الفجوات التي ينفذ من خلالها أعداء الأمة الإسلامية.
ثانياً: التنزه عن اللغو والثرثرة الجالبين لغضب الله، ومحق بركة العمل الإسلامي.
ثالثاً: تجاوز حظوظ النفس القاعدة بالعاملين لخدمة الإسلام عن مواجهة التحديات العقدية والفكرية المفروضة من قبل النظام العالمي الجديد.
رابعاً: توجيه الطاقات الفكرية والدعوية إلى البناء والتكتل ضد الهجمة الصليبية اليهودية التي تخطط لتحرير شهادة وفاة جماعة المسلمين في كل مكان.
سابعاً: إصلاح ذات البين:
لا تقل أهمية المسارعة في إصلاح ذات البين بين الجماعات العمل الإسلامي عن أهمية المسارعة إلى الصلاة وغيرها من العبادات. ولأهمية إصلاح ذات البين وفعاليتها في تقوية الروابط الأخوية، جوّز بل أوجب الإسلام استخدام القوة في المحافظة على الكيان العام للجماعة المسلمة، وإبقاءً لعلاقات المودة والإخاء. يقول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)(2).
__________
(1) سورة آل عمران: 133، 134.
(2) سورة الحجرات: 9.(1/17)
إن ديننا جعل الكلمة الطيبة صدقة، فهي توحِّد شتات الأمة، وتجمع صفهم، وترأب الصدع، وفوق ذلك فهي من الخير الذي يتقرب به إلى الله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)(1).
إن الإسلام أعلن براءته من المفرقين؛ لأن الفرقة قاضية على الدين والدنيا معاً، قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)(2)، وقال تعالى: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون)(3).
وعملاً بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بإصلاح ذات البين، وأهميتها في تأليف القلوب، وتوحيد الصفوف نرى الآتي:
(1) قيام الهيئة العليا لرأب الصدع من بين أعضاء المؤتمر، أو حسب ما يراه المؤتمرون العاملون في مجالات الإسلام المختلفة.
(2) صياغة دستور الوحدة الفكرية والدعوية بين جماعات العمل الإسلامي.
(3) التأكيد على الأصول الجامعة والمبادئ الأصلية التي تمثل الحد الأدنى للاتفاق بين جميع العاملين للإسلام في مجالات الحياة المتعددة.
(4) التأكيد على أهمية الشورى باعتبار أنها تمثل ركيزة من ركائز تماسك الأمة، وتعاون أفرادها بالأخص القائمين على أمر العمل الإسلامي في أقطار العالم ودوله. ففي الشورى تتلاقح الآراء وتظهر المواهب، وتسمو الأفكار، وفي القرآن الكريم سورة كاملة تعرف باسم سورة الشورى.
خاتمة
هذه بعض الوسائل التي اجتهدنا في تقريرها، بالرجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه سلم، وهي وسائل موضوعية، أهم ما تتناوله:
(1) التأكيد على وحدة الصف المسلم، وتقويته أمام الزحف الصليبي اليهودي.
(2) إقامة علاقات الجماعات الإسلامية على أصول جامعة, ومبادئ سامية، وقواعد متينة.
(
__________
(1) سورة النساء: 114.
(2) سورة الأنعام: 159.
(3) سورة الروم: 32.(1/18)
3) معالجة أوضاع المسلمين، اليوم والتي تبرز فيها صفات الجفوة، والقطيعة، وفي بعضها الفجور في الخصومة، ومجاوزة الحد إلى حيث ردم الفجوات، وسد الثغرات التي ينفذ منها عدو الأمة الإسلامية لبث سمومه وتفريخ أجياله.
(4) تذكير الأمة والجماعات الإسلامية بالقبلة الواحدة، والعقيدة الواحدة، والعبادة الواحدة، والشريعة الواحدة، لكي تصبح الأمة كتلة واحدة، يداً واحدة، وفي وجه الزحف التتري الجديد.
(5) أي صدع في وحدة العاملين لخدمة الإسلام، وأي هزة في هذا الكيان يعتبر جريمة ما بعدها جريمة فالله تعالى يقول: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).(1/19)