وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم من القرآن
إسلام منصور عبد الحميد
بسم الله الرحمن الرحيم
أوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين - الإنس والجن - الذين أدركتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما شهدت بذلك نصوص الكتاب العزيز.
كما أكد الله وجوب الإيمان بأن جعله مقترنا بالإيمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها:
قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}1 .
قال الطبري:
يقول تعالى ذكره: آمنوا بالله أيها الناس, فأقرّوا بوحدانيته وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدّقوه فيما جاءكم به من عند الله واتبعوه .
قال القرطبي:
قوله تعالى: "آمنوا بالله ورسوله" أي صدقوا أن الله واحد وأن محمدا رسوله .اهـ
قال ابن كثير :
أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل .اهـ
قال السعدي:
يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله ، وبما جاء به ....
وما الذي يمنعكم من الإيمان ، والحال أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم . فهذا مما يوجب المبادة إلى إجابة دعوته ، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به ، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان ، إن كنتم مؤمنين . ومع ذلك ، من لطفه وعنايته بكم ، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم ، بل أيده بالمعجزات ، ودلكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات .اهـ
قال سيد قطب :(1/1)
والمخاطبون هنا هم مسلمون , ولكنهم يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله . فهي إذن حقيقة الإيمان يدعون لتحقيقها في قلوبهم بمعناها . وهي لفتة دقيقة .اهـ
ومن ذلك قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}2.
قال الطبري :
يقول تعالى ذكره: فصدّقوا بالله ورسوله أيها المشركون المكذّبون ....وآمنوا بالنور الذي أنزلنا, وهو هذا القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . اهـ
قال السعدي :
أمر بما يعصم من الهلكة والشقاء ، وهو الإيمان به ، وبرسوله ، وبكتابه .اهـ
ومن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً}3 .
قال الطبري:
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا}: بمن قَبل محمد من الأنبياء والرسل, وصدّقوا بما جاءوهم به من عند الله. {آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ} يقول: صدّقوا بالله, وبمحمد رسوله, أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم. {والكِتابِ الّذِي نَزّلَ على رَسُولِهِ} يقول: وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه, وذلك القرآن. {وَالكِتابِ الّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} يقول: وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزّله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل......(1/2)
فقال جلّ ثناؤه لهم: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا} يعني: بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل, {آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم, {والكِتابِ الّذِين نَزّلَ على رَسُولِهِ} فإنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله تجدون صفته في كتبكم, {وَبالكِتابِ الّذِين أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} الذي تزعمون أنكم به مؤمنون, فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذّبون, لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به, فآمنوا بكتابكم في اتباعكم محمدا, وإلا فأنتم به كافرون. فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به, بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا}.
وأما قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ} فإن معناه: ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فيجحد نبوّته, فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر, لأن جحود الشيء من ذلك بمعنى جحوده جميعه وذلك لأنه لا يصحّ إيمان أحد من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به, والكفر بشيء منه كفر بجميعه, فلذلك قال: {وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ} بعقب خطابه أهل الكتاب, وأمره إياهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تهديدا منه لهم, وهم مقرّون بوحدانية الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الاَخر سوى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الفرقان. وأما قوله: {فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا} فإنه يعني: فقد ذهب عن قصد السبيل, وجار عن محجة الطريق إلى المهالك ذهابا وجورا بعيدا, لأن كفر من كفر بذلك خروج منه عن دين الله الذي شرعه لعباده, والخروج عن دين الله: الهلاك الذي فيه البوار, والضلال عن الهدى هو الضلال.اهـ
قال القرطبي :(1/3)
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا" الآية. نزلت في جميع المؤمنين؛ والمعنى: يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم وأثبتوا عليه. "والكتاب الذي نزل على رسوله "أي القرآن. "والكتاب الذي أنزل من قبل" أي كل كتاب أنزل على النبيين. وقيل: نزلت فيمن آمن بمن تقدم محمدا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام. وقيل: إنه خطاب للمنافقين؛ والمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله. وقيل: المراد المشركون؛ والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى والطاغوت آمنوا بالله؛ أي صدقوا بالله وبكتبه.اهـ
قال ابن كثير :
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه .....
وقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله} يعني القرآن {والكتاب الذي أنزل من قبل} وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة، وقال في القرآن {نزّل} لأنه نزل مفرقاً منجماً على الوقائع بحسب ما يحتج إليه العباد في معاشهم ومعادهم، وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة، لهذا قال تعالى: {والكتاب الذي أنزل من قبل}، ثم قال تعالى: {ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله اليوم الآخر فقد ضل صلالاً بعيداً} أي فقد خرج عن طريق الهدى، وبعد عن القصد كل البعد.اهـ
قال السعدي:
أمر هنا بالإيمان به ، وبرسله ، وبالقرآن ، وبالكتب المتقدمة . فهذا كله من الإيمان الواجب ، الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به ، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله ، وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل . فمن آمن هذا الإيمان المأمور به ، فقد اهتدى وأنجح . " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا " . وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم ، وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم ؟ واعلم أن الكفر بشيء من هذه الأمور المذكورة ، كالكفر بجميعها ، لتلازمها ، وامتناع وجود الإيمان ببعضها ، دون بعض . اهـ
إشكال وجوابه :(1/4)
فإن قال قائل: وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه وقد سماهم مؤمنين؟
قال الطبري :
قيل: إنه جلّ ثناؤه لم يسمهم مؤمنين, وإنما وصفهم بأنهم آمنوا, وذلك وصف لهم بخصوص من التصديق, وذلك أنهم كانوا صنفين: أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها, وهم مكذّبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما وصنف أهل إنجيل وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب, مكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان.اهـ
قال ابن كثير :
وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل هو من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته الاستمرار عليه، كما يقول المؤمن في كل صلاة {إهدنا الصراط المستقيم} أي بصّرنا وزدنا هدى، وثبتنا عليه، فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وآمنوا برسوله} .
قال السعدي :
اعلم أن الأمر ، إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه . فهذا يكون أمرا له ، في الدخول فيه . وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان كقوله تعالى : " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم " الآية . وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء ، فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد . ومنه ما ذكره الله في هذه الآية ، من أمر المؤمنين بالإيمان . فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم ، من الإخلاص والصدق ، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات . ويقتضي أيضا ، الأمر بما لم يوجد من المؤمن ، من علوم الإيمان وأعماله . فإنه كما وصل إليه نص ، وفهم معناه ، واعتقده ، فإن ذلك من المأمور به . وكذلك سائر الأعمال الظاهرة ، والباطنة ، كلها من الإيمان ، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، وأجمع عليه سلف الأمة . ثم الاستمرار على ذلك ، والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ".اهـ(1/5)
ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}4 .
قال الطبري :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنّا أرْسَلْناكَ يا محمد شاهِدا على أمتك بما أجابوك فيما دعوَتهم إليه, مما أرسلتك به إليهم من الرسالة, ومُبَشّرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيّم, ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولّوْا عما جئتهم به من عند ربك.اهـ
قال القرطبي :
قوله تعالى: "إنا أرسلناك شاهدا" قال قتادة: على أمتك بالبلاغ. وقيل: شاهدا عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية. وقيل: مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم. وقيل: شاهدا عليهم يوم القيامة. فهو شاهد أفعالهم اليوم، والشهيد عليهم يوم القيامة. وقد مضى في "النساء" عن سعيد بن جبير هذا المعنى مبينا. "ومبشرا" لمن أطاعه بالجنة. "ونذيرا" من النار لمن عصى، قاله قتادة وغيره.اهـ
قال السعدي:
....أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله ، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور . .... فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله ، وهو الإيمان بهما ، والمختص بالرسول ، وهو : التعزير والتوقير ، والمختص بالله ، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها .اهـ
ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}5 .
قال الطبري :(1/6)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس كلهم: إنّي رَسولُ الله إليْكمْ جَمِيعا لا إلى بعضكم دون بعض, كما كان من قبلي من الرسل, مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض, فمن كان منهم أرسل كذلك, فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض ولكنها إلى جميعكم .اهـ
قال القرطبي :
يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم : {قل} يا محمد {يا أيها الناس} وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي {إني رسول اللّه إليكم جميعا} أي جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته صلى اللّه عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، وقال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}، وقال تعالى: {فإن أسلموا واهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}، والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام بالضرورة أنه صلوات اللّه عليه رسول اللّه إلى الناس كلهم.
قال البخاري في تفسير هذه الآية، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: كانت بين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا فقد غامر" أي غاضب وحاقد، قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقص على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: واللّه يا رسول اللّه لأنا كنت أظلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ إني قلت يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت".(1/7)
وقال الإمام أحمد عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً: بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة، فهي لمن لا يشرك باللّه شيئاً".
وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" (رواه أحمد في المسند ومسلم في صحيحه واللفظ لأحمد).
وعن جابر بن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبل: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة" (رواه الشيخان عن جابر بن عبد اللّه مرفوعاً). وقوله: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} أخبرهم أنه رسول اللّه إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به.اهـ
قال السعدي :
" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي "
احتراز عن سائر الأنبياء ، فإن المقصود بهذا ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم . والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، شرط في دخولهم في الإيمان ، وأن المؤمنين به ، المتبعين ، هم أهل الرحمة المطلقة ، التي كتبها الله لهم ، ووصفه بالأمي ، لأنه من العرب ، الأمة الأمية ، التي لا تقرأ ولا تكتب ، وليس عندها قبل القرآن كتاب .اهـ
قال الشنقيطي:(1/8)
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم رسول إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَـ?كَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} ، وقوله: {تَبَارَكَ ?لَّذِى نَزَّلَ ?لْفُرْقَانَ عَلَى? عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـ?لَمِينَ نَذِيراً} وقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ?لاٌّحْزَابِ فَ?لنَّارُ مَوْعِدُهُ} ، وقيد في موضع آخر: عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى: {وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـ?ذَا ?لْقُرْءَانُ لاٌّنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} ، وصرح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله: {وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ?لْكِتَـ?بَ وَ?لاٍّمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ?هْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ?لْبَلَـ?غُ وَ?للَّهُ بَصِيرٌ بِ?لْعِبَادِ} إلى غير ذلك من الآيات .اهـ
ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}6.
قال الطبري :
يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدّقوا الله ورسوله, ثم لم يرتابوا, يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله, ولا في نبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم, وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله, والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شكّ منه في وجوب ذلك عليه وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم, وبذل مُهَجِهم في جهادهم, على ما أمرهم الله به من جهادهم, وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا, وكلمة الذين كفروا السفَلى.(1/9)
وقوله: أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون, لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله.اهـ
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
1 الآيتان (7-8) من سورة الحديد.
2 الآية (8) من سورة التغابن.
3 الآية (136) من سورة النساء.
4 الآية (8) ، (9) من سورة الفتح.
5 الآية (158) من سورة الأعراف.
6 الآية (15) من سورة الحجرات.
??
??
??
??
12(1/10)