أحمد بن محمد السعيد العزيزى
الديباجة :
الحمد لله منزل الكتاب وهازم الأحزاب وباعث محمد باقومِ ملة وأنجى شريعة وأوضح سبيل وأقوم صراط , سبحانك يا من خضعت لك رقاب الجبابرة وأمتثلت لعظمتك النفوس الطاهرة . الحمد لك والشكر لك والتقديس لك والتنزيه لك .إليك نشكوا ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس .
إلهى يا أنيس المستوحشين ويا ملاذ الحائرين أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تصلى وتسلم على سيد ولد آدم الرحمة المهداة والبشير النذير وعلى الآل والصحب ومن سلك الدرب إلى يوم القيامة .
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
إن الله تعالى يثني على النبي صلى الله عليه وسلم عند الملائكة المقربين, وملائكته يثنون على النبي ويدعون له, يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, صلُّوا على رسول لله, وسلِّموا تسليمًا, تحية وتعظيمًا له. وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثبتت في السنة على أنواع, منها: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد".
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21
نداء من الله للبشر جميعًا: أن اعبدوا الله الذي ربَّاكم بنعمه, وخافوه ولا تخالفوا دينه; فقد أوجدكم من العدم, وأوجد الذين من قبلكم; لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.(1/1)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره, واجتنبوا نواهيه; فهو الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلام, وخلق منها زوجها وهي حواء, ونشر منهما في أنحاء الأرض رجالا كثيرًا ونساء كثيرات, وراقبوا الله الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا, واحذروا أن تقطعوا أرحامكم. إن الله مراقب لجميع أحوالكم.
ثم أما بعد .
هذا بحث كنت قد وعدت به عن آلِنا آل السنة والجماعة فى الباكستان وكيف نشأوا وتربوا على هذا المنهج القويم دين ربِ العالمين .
وكيف أقاموه فى حياتهم وعملوا على نشره وإلا لكنا جميعنا جاحدين لفضل الله رب العالمين على هؤلاء القوم ومن نشرهم لمعالم هذا الدين الحنيف فى المشارق والمغارب
أو هل ينسى أحدنا أن كل خيمة دعوية باكستانية فى فرنسا أُقيم مكانها مسجداً يوّحد فيه ربِ البرية .
ما حقيقة المدارس الإسلامية الباكستانية هذا هو شعار بحثنا وأسأل الله التوفيق والسداد بمنه وكرمه إنه ولىّ ذلك والقادر عليه .
سدرة المنتهى .. و .. عائشة اليوسف
آلمنا جميعاً مصابنا فى بلاد البنجاب والباكستان .
والعجب كل العجب أن العالم بأسره وكأنما أصابه الخرس !!!(1/2)
إذا قتل إسرائيلي واحد يهب العالم (المتمدن)بأسره مع منظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق حتى الحيوان.....للتنديد بما حدث,وبأن ذلك جريمة يجب أن يعاقب فاعلها.ونحن كل يوم تستباح حرماتنا وييتم أطفالنا وترمل نسائنا وتهدم مساجدنا من الفلوجة إلى القدس إلى باكستان وكأن لاشيء حدث. ترى بعد كل هذا... ألا يمكن أن نعتبر أن أحداث 11سبتمبر وتفجيرات مدريد ولندن وأعاصير جورج وكاترينا وأوبئة سارس.والجمرة الخبيثة وجنون البقر والإيبولا والإيدز وأنفلونزا الطيور.هي عقاب من الرب جل فى علاه لهذا الغرب المتوحش والمنافق , هذا الغرب الذى ولطالما رمانا بأشنع التهم وطالبنا بأقبح الرذائل .أين أنتم يا عقلاء العالم لتوقفوا أمريكا فى أكبر إرهاب حقيقى لها وأكبر مفاسدها فى الأرض وهى ظاهرة الاحتباس الحرارى . {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41
ظهر الفساد في البر والبحر, كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة; وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا; كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي, فتصلح أحوالهم, وتستقيم أمورهم.
{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ }هود116(1/3)
فهلاَّ وُجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلاح, ينهون أهل الكفر عن كفرهم, وعن الفساد في الأرض, لم يوجد من أولئك الأقوام إلا قليل ممن آمن, فنجَّاهم الله بسبب ذلك مِن عذابه حين أخذ الظالمين. واتَّبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما مُتِّعوا فيه من لذات الدنيا ونعيمها, وكانوا مجرمين ظالمين باتباعهم ما تنعموا فيه, فحقَّ عليهم العذاب.
هل رأيتهما وسمعتهما عبر شاشات القنوات ؟
هل شاهدت لقاء الجزيرة بهما ؟
هل عرفت لماذا هى مساعى أمريكا لهدم المسجد الأحمر ؟
لأن المسجد الأحمر هذا ربى , سدرة المنتهى وعائشة اليوسف
الله اكبر قالتا بالأوردية ما لا يقوى على قوله جهابذة العربية فى هذا الزمان .
قالتا الحق لما خرس لسان أهل هذا الكوكب حكام ومحكومين .
قالتا وما هآبتا أسر أو قتل أو تغييب عن بنى جنسهما خلف أسلاك الخوف فى جوانتانمو
قالتا وهن نسوة فما عذرنا معاشر الرجال أهل النخوة والقوامة والكرامة ؟
آهٍ لو سمعت سدرة وهى تقول أن كنتم هدمتم المسجد الأحمر وجامعة حفصة فبإذن الله تعالى سيكون مقر برلمانكم وقصر رئاستكم مسجداً أحمر وجامعة لحفصة ..الله أكبر
السؤال الذى يطرح نفسه هل هؤلاء الطلبة إرهابيين ؟ أم أن الجيش الباكستانى وقادته أصبحوا شُلة من المُرهبين ؟
لقد اعترفت سدرة المنتهى وبلسانها أنها إرهابية وترجوا الله وتسأله أن يميتها على هذه الحالة متحقق فيها وفى ذويها قول الحق تبارك وتعالى :
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60(1/4)
وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا, ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة, وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.
ألآ يذكرنا موقفهما بمواقف كثيرة خلدها التاريخ الإسلامى لنسوة هن خيرٌ من كثيرٍ من الرجال .
آهٍ منكما يا رئتا الحياة لنسوة الباكستان وبلاد الأفغان والبنجاب .
نعم والله إستشعرت قوة الحق على لسانكما وأنتما تسألان عن باقى الألف والخمسمائة أخت إللآئى كن أحياء ومتواجدات فى المسجد الأحمر قبل أن تحاصره قوى البغى الغشومة .
ألف وخمسمائة أخت ومعلمة من أصل سبعة ألاف وخمسمائة هن رواد هذه المدرسة المباركة بقين صمدن فى وجه البغى والطغيان الأمريكى المتمثل فى كلاب صيدهم ممن هم من بنى جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكن استحوذ عليهم الشيطان .
ألف وخمسمائة أخت لنا وقفن فى وجه الطغيان الكاسح لقوى البغى كجدار من جداران مدرستهم المباركة . لا تراجع لااستسلام لا مداهنة .
ألف وخمسمائة أخت وقفن فى الوغى جميعهن موقف خولة بنت الأزور رضوان الله تعالى عليها . ورضوان الله عليكن من متبعات .
إرهابية لكل العصور
يا خولة .. أقصد يا سدرة المنتهى ..
أُذكرك وأخواتك لكى لا تبتأسن بهذا الموقف المبارك
الذى أورده الواقدى فى فتوح الشام إذ يقول رحمه الله تعالى :
عسى أرى غدًا مقام من صدق ** في جنة الخلد وألقى من سبق(1/5)
فبينما خالد يترنم بهذه الأبيات إذ نظر إلى فارس على فرس طويل وبيده رمح طويل وهو لا يبين منه إلا الحدق والفروسية تلوح من شمائله وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته وقد خرم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره ومن ورائه وقد سبق أمام الناس كأنه نار فلما نظره خالد قال : ليت شعري من هذا الفارس وايم الله إنه لفارس شجاع ثم اتبعه خالد والناس وكان هذا الفارس أسبق الناس إلى المشركين .
قال وكان رافع بن عمير الطائي رضي الله عنه في قتال المشركين وقد صبر لهم هو ومن معه إذ نظر خالدًا ولد أنجده هو ومن معه من المسلمين ونظر إلى الفارس الذي وصفناه وقد حمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب في وسطهم فما كانت إلا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء من الروم وقد قتل رجالًا وجندل أبطالًا وقد عرض نفسه للهلاك ثم اخترق القوم غير مكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس الروم في الناس وكثر قلقهم عليه فأما رافع بن عميرة ومن معه فما ظنوا إلا أنه خالد وقالوا : ما هذه الحملات إلا لخالد فهم على ذلك إذ أشرف عليهم رضي الله عنه وهو في كبكبة من الخيل فقال رافع بن عميرة : من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته .
فقال خالد : والله إنني أشد إنكارًا منكم له ولقد أعجبني ما .
ظهر منه ومن شمائله .
فقال رافع : أيها الأمير إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يمينًا وشمالًا .
فقال خالد : معاشر المسلمين احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله .
قال فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم إذ نظر إلى الفارس وقد خرج من القلب كأنه شعلة نار والخيل في أثره وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فعند ذلك حمل خالد ومن معه ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين .(1/6)
قال فتأملوه فرأوه قد تخضب بالدماء فصاح خالد والمسلمون : لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء اكشف لنا عن لثامك .
قال فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا : أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعرض عنه اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيمًا فلم يرد عليهم جوابًا فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له : ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك من أنت .
قال فلما لج عليه خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال : إنني يا أمير لم أعرض عنك إلا حياء منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور وإنما حملني على ذلك أني محرقة الكبد زائدة الكمد .
فقال لها : من أنت .
قالت : أنا خولة بنت الأزور المأسور بيد المشركين أخي وهو ضرار وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن ضرار أسير فركبت وفعلت ما فعلت .
قال خالد : نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه .
قال عامر بن الطفيل : كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت خولة أمامه وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور وقالوا : إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم من طاقة .
ولما حمل خالد ومن معه إذا بالروم قد اضطربت جيوشهم ونظر وردان إليهم .
فقال لهم : اثبتوا للقوم فإذا رأوا ثباتكم ولوا عنكم ويخرج أهل دمشق يعينونكم على قتالهم .
قال فثبت المسلمون لقتال الروم وحمل خالد بالناس حملة منكرة وفرق القوم يمينًا وشمالًا وقصد خالد مكان صاحبهم وردان عند اشتباك الأعلام والصلبان وإذا حوله أصحاب الحديد والزرد النضيد وهم محدقون به فحمل خالد عليهم حملة منكرة واشتبك المسلمون بقتال الروم وكل فرقة مشغولة بقتال صاحبها .(1/7)
وأما خولة بنت الأزور فإنها جعلت تجول يمينًا وشمالًا وهي لا تطلب إلا أخاها وهي لا ترى له أثرًا ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر وافترق القوم بعضهم عن بعض وقد أظهر الله المسلمين على الكافرين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة .
قال وتراجعت كل فرقة إلى مكانها وقد كمدت أفئدة الروم ما ظهر لهم من المسلمين وقد هموا بالهزيمة وما يمسكهم إلا الخوف من صاحبهم وردان فلما رجع القوم إلى مكانهم أقبلت خولة بنت الأزور على المسلمين وجعلت تسألهم رجلًا رجلًا عن أخيها فلم تر من المسلمين من يخبرها أنه نظره أو رآه أسيرًا أو قتيلًا فلما يئست منه بكت بكاءًا شديدًا وجعلت تقول : يا ابن أمي ليت شعري في أي البيداء طرحوك أم بأي سنان طعنوك أم بالحسام قتلوك يا أخي أختك لك الفداء لو أني أراك أنقذتك من أيدي الأعداء ليت شعري أترى أني أراك بعدها أبدًا فقد تركت يا ابن أمي في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها ولا يطفأ ليت شعري لحقت بأبيك المقتول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعليك مني السلام إلى يوم اللقاء .
قال فبكى الناس من قولها وبكى خالد وهم أن يعاود بالحملة إذ نظر إلى كردوس من الروم قد خرج من ميمنة العقبان فتأهب الناس لحربهم وتقدم خالد وحوله أبطال المسلمين . فلما قربوا من القوم رموا رماحهم من أيديهم والسيوف وترجلوا ونادوا بالأمان .
فقال خالد : اقبلوا أمانهم وائتوني بهم فأتوا إليه .
فقال خالد : من أنتم .
فقالوا : نحن من جند هذا الرجل وردان ومقامنا بحمص وقد تحقق عندنا أنه ما يطيقكم ولا يستطيع حربكم فأعطونا الأمان واجعلونا من جملة من صالحتم من سائر المدن حتى نؤدي لكم المال الذي أردتم في كل سنة فكل من في حمص يرضى بقولنا .(1/8)
فقال خالد : إذا وصلت إلى بلادكم يكون الصلح إن شاء الله تعالى إن كان لكم فيه أرب ولكن نحن ههنا لا نصالحكم ولكن كونوا معنا إلى أن يقضي الله ما هو قاض ثم إن خالدًا قال لهم : هل عندكم علم عن صاحبنا الذي قتل ابن صاحبكم قالوا : لعله عاري الجسد الذي قتل منا مقتلة عظيمة وفجع صاحبنا في ولده .
قال خالد : عنه سألتكم .
قالوا : بعثه وردان عندنا أسيرًا على بغل .
ووكل به مائة فارس وأنفذه إلى حمص ليرسله إلى الملك ويخبره بما فعل .
قال ففرح خالد بقولهم ثم دعا برافع بن عميرة الطائي وقال : يا رافع ما أعلم أحدًا أخبر منكم بالمسالك وأنت الذي قطعت بنا المفازة من أرض السماوة وأعطشت الإبل وأوردتها الماء وأوردتنا أركة وما وطئها جيش قبلنا لمفازتها وأنت أوحد أهل الأرض في الحيل والتدبير فخذ معك من أحببت واقبع أثر القوم فلعلك أن تلحق بهم وتخلص صاحبنا من أيديهم فلئن فعلت ذلك لتكونن الفرحة الكبرى .
فقال رافع بن عميرة : حبًا وكرامة ثم إنه في الحال انتخب مائة فارس شدادًا من المسلمين وعزم على المسير فأتت البشارة إلى خولة بمسير رافع بن عميرة ومن معه في طلب أخيها ضرار فتهلل وجهها فرحًا وأسرعت إلى لبس سلاحها وركبت جوادها وأتت إلى خالد بن الوليد ثم قالت له : أيها الأمير سألتك بالله تعالى إلا ما سرحتني مع من سرحت فلعلي أن أكون مشاهدة لهم .
فقال خالد لرافع : أنت تعلم شجاعتها فخذها معك .
فقال له رافع : السمع والطاعة وارتحل رافع ومن معه وسارت خولة في أثر القوم ولم تختلط بهم وسار إلى أن قرب من سليمة .
قال فنظر رافع فلم يجد للقوم أثرًا .
فقال لأصحابه : أبشروا فإن القوم لم يصلوا إلى ههنا ثم إنه كمن بهم في وادي الحياة فبينما هم كامنون إذا بغبرة قد لاحت .(1/9)
فقال رافع لأصحابه : أيقظوا خواطركم وانتبهوا فأيقظ القوم هممهم وبقوا في انتظار العدو وإذا بهم قد أتوا وهم محدقون بضرار فلما رأى رافع ذلك كبر وكبر المسلمون معه وحملوا عليهم فلم يكن غير ساعة حتى خلص الله ضرارًا وقتلوهم جميعًا وأخذوا سلبهم .
قال وإذا بعساكر الروم قد أقبلت منهزمة وأولهم لا يلتفت إلى آخرهم فعلم رافع أن القوم انهزموا فأقبل يلتقطهم بمن معه .
قال وكان خالد لما أرسل رافع بن عميرة في طلب ضرار ليخلصه ومعه المائة فارس صدم وردان صدمة من يحب الشهادة ويبتغي دار السعادة وصدم المسلمون الروم فما لبثوا أن ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وكان أولهم وردان واتبعهم المسلمون وأخذوا أسلابهم وأموالهم ولم يزالوا في طلبهم إلى وادي الحياة فاجتمع المسلمون برافع بن عميرة الطائي وضرار بن الأزور وسلموا عليهم وفرحوا بضرار رضي الله عنه وهنأوه بالسلامة .
قال وأثنى خالد على رافع خيرًا ورجعوا إلى دمشق وفرح المسلمون بالنصر واتصل الخبر إلى الملك هرقل وأن وردان قد انهزم وقتل ولده همدان .
قال فأيقن بزوال ملكه من الشام فكتب إلى وردان كتابًا يقول فيه : أما بعد فإني قد بلغني جياع الأكباد عراة الأجساد قد هزموك وقتلوا ولدك رحمه المسيح ورحمك ولولا أني أعلم أنك فارس الحرب ومجيد الطعن والضرب وليس النصر آتيك لحل عليك سخطي والآن مضى ما مضى وقد بعثت إلى أجنادين تسعين ألفًا وقد أمرتك عليهم فسر نحوهم وانجد أهل دمشق وأنفذ بعضهم ليمنعوا من في فلسطين من العرب وحل بينهم وبين أصحابهم وانصر دينك وصاحبك .
قال وأنفذ إليه الكتاب مع خيل البريد فلما ورد عليه الكتاب وقرأه سرى عنه بعض ما كان يجده وأخذ الأهبة إلى أجنادين فسار فوجد الروم قد تجمعوا وأظهروا العدد والزرد وخرجوا إلى لقائه وسلموا عليه وتقدموا بين يديه وعزوه في ولده فلما استقر قراره قرأ عليهم منشور الملك فأجابوا بالسمع والطاعة وأخفوا على أنفسهم .(1/10)
قال : حدثني روح بن طريف قال : كنت مع خالد بن الوليد على باب شرقي حين رجعنا من هزيمة وردان وإذ قد ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصرى يعلم خالدًا بمسير الروم إليه من أجنادين في تسعين ألف فارس فخذ أهبتك للقائهم .
قال : فلما سمع خالد ذلك ركب إلى أبي عبيدة وقال له : يا أمين الأمة هذا عباد بن سعد الحضرمي قد بعث به شرحبيل بن حسنة يخبر أن طاغية الروم هرقل قد ولى وردان على من تجمع بأجنادين من الروم وهم تسعون ألفًا فما ترى من الرأي يا رسول الله .
فقال أبو عبيدة : اعلم يا أبا سليمان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقون مثل شرحبيل بأرض حسنة بأرض بصرى ومعاذ بن جبل بحوران وبزيد بن أبي سفيان بالبلقاء والنعمان بن المغيرة بأرض تدمر وأركة وعمرو بن العاص بأرض فلسطين والصواب أن تكتب إليهم ليقصدونا حتى نقصد العدو ومن الله نطلب المعونة والنصر .
قال فكتب خالد إلى عمرو بن العاص كتابًا يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم .
أما بعد فإن إخوانكم المسلمين قد عولوا على المسير إلى أجنادين فإن هناك تسعين ألفًا من الروم يريدون المسير إلينا {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8
يريد هؤلاء الظالمون أن يبطلوا الحق الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن- بأقوالهم الكاذبة, والله مظهر الحق بإتمام دينه ولو كره الجاحدون المكذِّبون.
فإذا وصل إليك كتابي هذا فاقدم علينا بمن معك إلى أجنادين تجدنا هناك إن شاء الله تعالى والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين ورحمة الله وبركاته وكتب نسخة الكتاب إلى جميع الأمراء الذين ذكرناهم ثم أمر الناس بالرحيل فرفعت القباب والهوادج على ظهور الجمال وساقوا الغنائم والأموال .(1/11)
فقال خالد لأبي عبيدة : قد رأيت رأيًا أن أكون على الساقة مع الغنائم والأموال والبنين والولدان وكن أنت على المقدمة مع خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال أبو عبيدة : بل أكون أنا على الساقة وأنت على المقدمة مع الجيش .
فإن وصل إليك جيش الروم مع وردان يجدوك على أهبة فتمنعهم من الوصول إلى الحريم والأولاد فلا يصلون إلينا إلا وأنت قتلت فيهم وإلا كنت أنا ومن معي غنيمة لهم إذا كنت أنا في المقدمة .
فقال خالد : لست أخالفك فيما ذكرت .
ثم إن خالدًا قال : أيها الناس إنكم سائرون إلى جيش عظيم فأيقظوا هممكم وإن الله وعدكم النصر وقرأ عليهم قوله تعالى : {... قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249
ثم إن خالدًا أخذ الجيش وسار في المقدمة وبقي أبو عبيدة في ألف من المسلمين ونظر إلى ذلك أهل دمشق فعطفوا عليهم وأقبلوا بسيوفهم وهم يظنون أنهم منهزمون لأجل ما بلغهم من الجيش العظيم الذي هو بأجنادين .
فقال لهم عقلاؤهم : إن كانوا سائرين على طريق بعلبك فإنهم يريدون فتحها وفتح حمص وإن كانوا على طريق مرج راهط فالقوم لا شك هاربون إلى الحجاز ويتركون ما أخذوا من البلاد .
قال وكان بدمشق بطريق يقال له بولص وكان عظيمًا عند النصرانية وكان إذا قدم على الملك يعظمه وكان الملعون فارسًا وذلك أنهم كان عندهم شجرة فرماها بسهم فغاص السهم في الشجرة من قوة ساعده .
ثم إن من عجبه كتب عليها : إن كل من يدعي الشجاعة فليرم بسهمه إلى جانب سهمي وكان قد شاع ذكره بذلك ولم يحضر قتال المسلمين منذ دخلوا دمشق فلما اجتمعوا عليه قال لهم بولص : ما الذي حل بكم .(1/12)
فأعلموه بما جرى عليهم من المسلمين وقالوا له : إن كنت تريد حياة الأبد عند الملك وعند المسيح وعند أهل دين النصرانية فدونك والمسلمين فاخرج إليهم وأخطف كل من تخلف منهم وإن رأيت لنا فيهم مطمعًا قاتلناهم .
فقال بولص : إنما كان سبب تخلفي عن نصرتكم لأنكم قليلو الهمة لقتال عدوكم فتخلفت عنكم والآن لا حاجة لي في قتال العرب .
فقالوا : وحق المسيح والإنجيل الصحيح لئن سرت في مقدمتنا لنثبتن معك وما منا من يولي عنك وقد حكمناك فيمن ينهزم أن تضرب عنقه ولا يعارضك في ذلك أحد .
قال فلما استوثق منهم دخل إلى منزله ولبس لامته .
فقالت له زوجته : إلى أين عزمت .
قال : أخرج في أثر العرب فقد ولآني أهل دمشق عليهم .
فقالت : لا تفعل والزم بيتك ولا تطلب ما ليس لك به حاجة فإني رأيت لك في المنام رؤيا .
فقال لها : وما الذي رأيت .
قالت : رأيتك كأنك قابض قوسك وأنت ترمي طيورًا وقد سقط بعضها على بعض ثم عادت صاعدة فبينما أنا متعجبة إذ أقبلت نحوك سحابة من الجو فانقضت عليك من الهواء وعلى من معك فجعلت تضرب هاماتهم ثم وتيتم هاربين ورأيتها لا تضرب أحدًا إلا صرعته ثم إني انتبهت وأنا مذعورة باكية العين عليك .
فقال لها : ومع ذلك رأيتني فيمن صرع .
قالت : نعم وقد صرعك فارس عظيم .
قال : فلطم وجهها وقال : لا بشرك المسيح بخير لقد دخل رعب العرب في قلبك حتى صرت تحلمين بهم في النوم فلا بد أن اجعل لك أميرهم خادمًا وأجعل أصحابه رعاة الغنم والخنازير .
فقالت له زوجته : افعل ما تريد فقد نصحتك .
قال فلم يلتفت إلى كلامها وخرج من عندها وركب وسار معه من كان في دمشق من الروم فعرضهم فإذا هم ستة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل من أهل النجدة والحمية وسار يطلب القوم .
معركة حول دمشق وكان حنا أسد في المقدمة وأبو عبيدة يمشي مع الأموال والأغنام والجمال إذ نظر رجل من أصحابه وهو يتأمل الغبرة من ورائهم فسأله أبو عبيدة عن ذلك فقال : أظنها غبرة القوم .(1/13)
فقال أبو عبيدة : إن أهل الشام قد طمعوا فينا وهذا العدو قاصد إلينا .
قال فما استتم كلامه حتى بدت الخيل كأنها السيل وبولص في أوائلهم .
فلما نظر إلى أبي عبيدة قصد ومعه الفرسان وأخوه بطرس قصد الحريم والمال فاقتطعوا منها قطعة .
فلما احتوى عليها رجع بها بطرس نحو دمشق .
فلما بعد جلس هناك لينظر ما يكون من أمر أخيه .
وأما أبو عبيدة فإنه لما نظر إلى ما فاجأه من الروم .
قال : والله لقد كان الصواب مع خالد لما قال دعني في الساقة فلم أدعه وإنه قد وصل إليه بولص وقصده والأعلام والصلبان على رأسه مشتبكة والنساء يولولن والصبيان يصيحون والألف من المسلمين قد اشتغلوا بالقتال وقد قصد عدو الله بولص أبا عبيدة واشتد بينهم الحرب ووقع القتال من أصحابه والروم وارتفعت الغبرة عليهم وهم في كر وفر على أرض سحورًا .
قال وقد بلى أبو عبيدة بالقتال وصبر صبر الكرام قال سهيل بن صباح وكان تحتي جواد محجل من خيل اليمن شهدت عليه اليمامة فقومت السنان وأطلقت العنان فخرج كأنه الريح العاصف فما كان غير بعيد حتى لحقت بخالد بن الوليد والمسلمين فأقبلت إليهم صارخًا وقلت : أيها الأمير أدرك الأموال والحريم .
فقال خالد : ما وراءك يا ابن الصباح فقلت : أيها الأمير إلحق أبا عبيدة والحريم فإن نفير دمشق قد لحق بهم وقد اقتطعوا قطعة من النسوان والولدان وقد بلى أبو عبيدة بما لا طاقة لنا به .
قال فلما سمع خالد ذلك الكلام من سهل بن صباح قال : إنما لله وإنا إليه راجعون قد قلت لأبي عبيدة دعني أكون على الساقة فما طاوعني ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا ثم أمر رافع بن عميرة على ألف من الخيل .
وقال له : كن في المقدمة وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق على ألفين .
وقال له : أدرك العدو وسار خالد في أثره ببقية الجيش .(1/14)
قال : فبينما أبو عبيدة في القتال مع بولص لعنه الله إذ تلاحقت به جيوش المسلمين وحملوا على أعداء إلنه وداروا بهم من كل مكان فعند ذلك تنكست الصلبان وأيقن الروم بالهوان وتقدم الأمير ضرار بن الأزور كأنه شعله نار وقصد نحو بولص .
فلما رآه عدو الله تبلبل خاطره ووقعت الرعدة في فرائصه وقال لأبي عبيدة : يا عربي وحق دينك إلا ما قلت لهذا الشيطان يبعد عني وكان بولص قد سمع به ورآه من سور دمشق وما صنع بعسكر كلوس عزازير وسمع بفعاله في بيت لفيا فلما رآه مقبلًا إليه عرفه .
فقال لأبي عبيدة : قل لهذا الشيطان لا يقربني فسمعه ضرار رضي الله عنه فقال له : أنا شيطان إن قصرت عن طلبك ثم إنه فاجأه وطعنه فلما رأى بولص أن اللعنة واصلة إليه رمى نفسه عن جواده وطلب الهرب نحو أصحابه فسار ضرار في طلبه .
وقال له : أين تروح من الشيطان وهو في طلبك ولحقه وهم أن يعلوه بسيفه .
فقال بولص : يا بدوي إبق علي ففي بقائي بقاء أولادكم وأموالكم .
قال فلما سمع ضرار قوله أمسك عن قتله وأخذه أسير هذا والمسلمون قد قتلوا من الروم مقتلة عظيمة .
قال : حدثني أسلم بن مالك اليربوعي عن أبي رفاعة بن قيس .
قال : كنت يوم وقعة سحورًا مع المسلمين وكنت في خيل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
قال فسرنا بالروم من كل جانب وبدلنا أسيافنا في القوم وكانوا ستة كتائب في كل كتيبة ألف فارس قال رفاعة بن قيس : فوالله لقد حملنا يوم فتح دمشق وأنه ما رجع منهم فوق المائة ووجه خبر لضرار أن خولة مع النسوان المأسورات فعظم ذلك عليه وأقبل على خالد وأعلمه بذلك فقال له خالد : لا تجزع لقد أسرنا منهم خلقًا كثيرًا وقد أسرت أنت بولص صاحبهم وسوف نخلص من أسر من حريمنا ولا بد لنا من دمشق في طلبهم ثم أمر خالد أن يسيروا بالناس على مهل حتى ننظر ما يكون من أمر حريمنا .(1/15)
ثم إنه سار في ألف فارس جريدة وبعث العسكر كله إلى أبي عبيدة مخافة أن يلحقهم وردان بجيوشه فسار القوم وتوجه خالد بمن معه في طلب المأسورات وقد قال : حدثني سعيد بن عمر عن سنان بن عامر اليربوعي قال : سمعت حبيب بن مصعب يقول : لما اقتطعوا من ذكرنا من نساء العرب سار بهم بطرس أخو بولص إلى أن نزل بهم إلى النهر الذي ذكرناه ثم قال بطرس : أنا لا أبرح من ههنا حتى أنظر ما يكون من أمر أخي ثم إنه عرض عليه النساء المأسورات فلم يعجبه منهن إلا خولة بنت الأزور أخت ضرار .
قال بطرس : هذه لي وأنا لها لا يعارضني فيها أحد فقال له أصحابه : هي لك وأنت لها .
قال وكل من سبق إلى واحدة يقول هي لي حتى قسموا الغنيمة على ذلك ووقفوا ينتظرون ما يكون من أمر بولص وأصحابه وكان في النساء عجائز من حمير وتبع من نسل العمالقة والتتابعة وكن قد اعتدن ركوب الخيل فقالت لهن خولة بنت الأزور : يا بنات حمير بقية تبع أترضين بأنفسكن علوج الروم ويكون أولادكن عبيدًا لأهل الشرك فأين شجاعتكن وبراعتكن التي نتحدث بها عنكن في أحياء العرب ومحاضر الحضر ولا أراكن إلا بمعزل عن ذلك وإني أرى التقل عليكن أهون من هذه المصائب وما نزل بكن من خدمة الروم الكلاب .(1/16)
فقالت عفرة بنت غفار الحميرية : صدقت ووالله يا بنت الأزور نحن في الشجاعة كما ذكرت وفي البراعة كما وصفت لنا المشاهد العظام والمواقف الجسام ووالله لقد اعتدنا ركوب الخيل وهجوم الليل غير أن السيف يحسن فعله في مثل هذا الوقت وإنما دهمنا العدو على حين غفلة وما نحن إلا كالغنم فقالت خولة : يا بنات التبابعة والعمالقة خذوا أعمدة الخيام وأوتاد الأطناب ونحمل بها على هؤلاء اللئام فلعل الله ينصرنا عليهم أو نستريح من معرة العرب فقالت عفرة بنت غفار والله ما دعوت إلا ما هو أحب إلينا مما ذكرت ثم تناولت كل واحدة عمودًا من أعمدة الخيام وصحن صيحة واحدة وألقت خولة على عاتقها عمود الخيمة وسعت من ورائها عفرة وأم أبان بنت عتبة وسلمة بنت زارع ولبنى بنت حازم ومزروعة بنت عملوق وسلمة بنت النعمان ومثل هؤلاء رضي الله عنهن .
فقالت لهن خولة : لا ينفك بعضكن عن بعض وكن كالحلقة الدائرة ولا تتفرقن فتملكن فيقع بكن التشتيت وحطمن رماح القوم واكسرن سيوفهم .
قال فهجمت خولة أمامهن فأول ما ضربت رجلًا من القوم على هامته بالعمود فتجندل صريعًا والتفت الروم ينظرون ما الخبر فإذا هم بالنسوة وقد أقبلن والعمد بأيديهن فصاح بطريق : يا ويلكن ما هذا فقالت عفرة : هذه فعالنا فلنضربن القوم بهذه الأعمدة ولا بد من قطع أعماركم وانصرام آجالكم يا أهل الكفر .(1/17)
قال فجاء بطرس وقال : تفرقوا عن النسوة ولا تبذلوا فيهن السيوف ولا أحد منكم يقتل واحدة منهن وخذوهن أسارى ومن وقع منكم بصاحبتي فلا ينلها بمكروه فتفرق القوم عليهن وحدقوا بهن من كل جانب وراموا الوصول إليهن فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا ولم تزل النساء لا يدنو إليهن أحد من الروم إلا ضربن قوائم فرسه قال الواقدي : ولقد بلغني أن النسوة قتلن ثلاثين فارسًا من الروم فلما نظر بطرس إلى ذلك غضب غضبًا شديدًا وترتجل وترجلت أصحابه نحو النساء والنساء يحرض بعضهن بعضًا ويقلن متن كرامًا ولا تمتن لئامًا وأظهر بطرس رأسه وتلهفه عندما نظر إلى فعلهن ونظر إلى خولة بنت الأزور وهي تجول كالأسد وتقول : نحن بنات قبع وحمير وضربنا في القوم ليس ينكر لأننا في الحرب نار تسعر اليوم تسقون العذاب الأكبر قال : فلما سمع بطرس ذلك من قولها ورأى حسنها وجمالها قال لها : يا عربية أقصري عن فعالك فإني مكرمك بكل ما يسرك أما ترضين أن أكون أنا مولاك وأنا الذي تهابني أهل النصرانية ولي ضياع ورساتيق وأموال ومواش ومنزلة عند الملك هرقل وجميع ما أنا فيه مردود إليك أما ترضين أن تكوني سيدة أهل دمشق فلا تقتلي نفسك فقالت له : يا ملعون ويا ابن ألف ملعون والله لئن ظفرت بك لأقطعن رأسك والله ما أرضى بك أن ترعى لي الإبل فكيف أرضاك أن تكون لي كفؤا .
قال فلما سمع كلامها حرض أصحابه على القتال وقال : أترون عارًا أكبر من هذا في بلاد الشام أن النسوة غلبنكم فاتقوا غضب الملك قال فافترق القوم وحملوا حملة عظيمة وصبر النساء لهم صبر الكرام فبينما هم على ذلك إذ أقبل خالد بن الوليد رضي الله عنه ومن معه من المسلمين ونظروا إلى الغبار وبريق السيوف فقال لأصحابه : من يأتيني بخبر القوم فقال رافع بن عميرة الطائي : أنا آتيك به قال ثم أطلق جواده حتى أشرف على النسوة وهن يقاتلن قتال الموت .(1/18)
قال : فرجع وأخبر خالدًا بما رأى فقال خالد : لا أعجب من ذلك إنهن من بنات العمالقة ونسل التبابعة وما بينهن وبين تبع إلا قرن واحد وتبع بن بكر بن حسان الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره وشهد له بالرسالة قبل أن يبعث وقال :
شهدت بأحمد أنه رسول ** من الله بارئ كل النسم
وأمته سميت في الزبور ** بأمة أحمد خير الأمم
فلو مد عمري إلى عصره ** لكنت وزيرًا له وابن عم
قال الواقدي : قال خالد : لا تعجب يا رافع واعلم أن هؤلاء النسوة لهن الحروب المذكورات والمواقف المشهورات وإن يكن فعلهن ما ذكرت فلقد سدن على نساء العرب إلى آخر الأبد وأزلن عنهن العار فتهللت وجوه الناس فرحًا ووثب ضرار بن الأزور عندما سمع كلام رافع .
فقال خالد : مهلًا يا ضرار ولا تعجل فإنه من تأنى نال ما تمنى فقال ضرار : أيها الأمير لا صبر لي عن نصرة بنت أبي وأمي فقال خالد : قد قرب الفرج إن شاء الله تعالى ثم إن خالدًا وثب ووثب أصحابه وقال : معاشر الناس إذا وصلتم إلى القوم فتفرقوا عليهم وأحدقوا بهم فعسى أن يخلص حريمنا فقالوا : حبًا وكرامة .
ثم تقدم خالد .
قال فبينما القوم في قتال شديد مع النسوة إذ أشرفت عليهم المواكب والكتائب والأعلام والرايات فصاحت خولة : يا بنات التبابعة قد جاءكم الفرج ورب الكعبة .
ونظر بطرس إلى الكتائب المحمدية وقد أشرفت فخفق فؤاده وارتعدت فرائصه وأقبل القوم ينظر بعضهم بعضًا .
قال فصاح بطرس : يا معاشر النسوة إن الشفقة والرحمة قد دخلت في قلبي لأن لنا أخوات وبنات وأمهات وقد وهبتكن للصليب .
فإذا قدم رجالكن فأخبرنهم بذلك .
ثم عطف يريد الهرب إذ نظر إلى فارسين قد خرجا من قلب العسكر أحدهما قد تكمى في سلاحه والآخر عاري الجسد وقد أطلقا عنانهما كأنهما أسدان .
وكانا خالدًا وضرارًا فلما رأت خولة أخاها قالت له : إلى أين يا ابن أمي أقبل .
فصاح بها بطرس : انطلقي إلى أخيك فقد وهبتك له .
ثم ولى يطلب الهرب .(1/19)
فقالت له خولة وهي تهزأ به : ليس هذا من شيم الكرام تظهر لنا المحبة والقرب .
ثم تظهر الساعة الجفاء والتباعد وخطت نحوه .
فقال : قد زال عني ما كنت أجد من محبتك .
فقالت له خولة : لا بد لي منك على كل حال .
ثم أسرعت إليه وقد قصده ضرار .
فقال له بطوس : خذ أختك عني فهي مباركة عليك وهي هدية مني إليك .
فقال له الأمير ضرار : قد قبلت هديتك وشكرتها وإني لا أجد لك على ذلك إلا سنان رمحي فخذ هذه مني إليك .
ثم حمل عليه ضرار وهو يقول : {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86
ثم همهم إليه بالطعنة ووصلت إليه خولة فضربت قوائم فرسه فكبا به الجواد ووقع عدو الله إلى الأرض فأدركه ضرار قبل سقوطه وطعنه في خاصرته فأطلع السنان من الجانب الآخر فتجندل صريعًا إلى الأرض لصاح به خالد : لله درك يا ضرار هذه طعنة لا يخيب طاعنها .
ثم حملوا في أعراض القوم وجميع المسلمين معهم فما كانت إلا جولة جائل حتى قتل من الروم ثلاثة آلاف رجل .
قال حامد بن عامر اليربوعي : لقد عمدت لضرار بن الأزور في ذلك اليوم ثلاثين قتيلًا وقتلت خولة خمس وعفراء بنت غفار الحميرية أربعة .
قال وانهزم بقية القوم ولم يزالوا في أدبارهم والمسلمون على أثرهم إلى أن وصلوا إلى دمشق فلم يخرج إليهم أحد بل زاد فزعهم واشتد الأمر عليهم ورجع المسلمون وجمعوا الغنائم والخيل والسلاح والأموال ثم قال خالد : الحقوا بأبي عبيدة لئلا يكون وردان وجيوشه قد لحقوا به فسار ضرار والقوم وقيل : جعل ضرار رأس البطريق على سنان رمحه ولم يزل القوم سائرين إلى أن لحقوا بأبي عبيدة في مرج الصفر وقد تخفف أبو عبيدة حتى أشرف المسلمون عليه فكبر وكبر خالد بن الوليد رضي الله عنه ومعه المسلمون .(1/20)
فلما اجتمع الناس سلم بعضهم على بعض ورأوا المأسورات وقد خلصن وأخبر خالد أبا عبيدة بما فعلت خولة وعفرة وغيرهن من الصحابة فاستبشر بنصر الله وعلموا أن الشام لهم .
ثم دعا خالد ببولص فقال له : أسلم وإلا فعلت بك كما فعلت بأخيك .
فقال له : وما الذي صنعت بأخي قال : قتلته وهذه رأسه ورماها ضرار قدامه .
فلما رأى أخيه بكى وقال له : لا بقاء لي بعده حيا فألحقوني به قال فقام إليه المسيب بن يحيى الفزاري رضي الله عنه فضرب عنقه بأمر خالد ثم رحل القوم .
قال الواقدي : حدثنا سعيد بن مالك .
قال : لما بعث خالد الكتب إلى شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يزيد بن أبي سفيان وإلى عمرو بن العاص قرأ كل واحد من الأمراء كتابه .
قال فساروا بأجمعهم إلى أجنادين لعون إخوانهم وجاءوا بعددهم وعديدهم .
قال سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت في خيل معاذ بن جبل فلما أشرفنا بأجمعنا على أجنادين كنا كلنا على سيارة واحدة في يوم واحد وذلك في شهر صفر سمنة 20 من الهجرة وتبادر المسلمون يسلم بعضهم على بعض قال ورأينا جيوش الروم في عدد لا يحصى .
فلما أشرفنا عليهم أظهروا لنا زينتهم وعددهم واصطفوا مواكب وكتائب ومدوا صفوفهم فكانوا ستين صفًا في كل صف ألف فارس قال الضحاك بن عروة : والله لقد دخلنا العراق ورأينا جنود كسرى فما رأينا أكثر من جنود الروم ولا أكثر من عددهم وسلاحهم .
قال فنزلنا بإزائهم .
قال فلما كان من الغد بادرت الروم نحونا .(1/21)
قال الضحاك : فلما رأيناهم وقد ركبوا أخذنا على أنفسنا وتأهبنا وأن خالدًا ركب وجعل يتخلل الصفوف : ويقول : اعلموا أنكم لستم ترون للروم جيشًا مثل هذا اليوم فإن هزمهم الله على أيديكم فما يقوم لهم بعدها قائمة أبدًا فأصدقوا في الجهاد وعليكم بنصر دينكم وإياكم أن تولوا الأدبار فيعقبكم ذلك دخول النار وأقرنوا المواكب ومكنوا المضارب ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة وأيقظوا هممكم .
قال الواقدي : ولقد بلغني ممن أثق به أن وردان لما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا وعولوا على حربهم جمع إليه الملوك والبطارقة وقال لهم : يا بني الأصفر اعلموا أن الملك يعول عليكم وإذا انكسرتم لا تقوم لكم بعدها قائمة أبدًا وتملك العرب بلادكم وتسبي حريمكم فعليكم بالصبر ولتكن حملتكم واحدة ولا تتفرقوا واعلموا أن كل ثلاثة منا بواحد منهم واستعينوا بالصليب ينصركم فهذا ما كان من هؤلاء .
وأما خالد رضي الله عنه فإنه مشى على أصحابه وقال : معاشر المسلمين من فيكما يحذر لنا القوم وينفرهم .
فقال ضرار بن الأزور : أنا أيها الأمير .(1/22)
فقال خالد : أنت لها والله ولكن يا ضرار إذا أشرفت على القوم فإياك أن تحمل نفسك ما لا تطيق وأن تغزر بنفسك وتحمل على القوم فما أمرك الله بذلك فقد قال الله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] . قال فأطلق ضرار عنان جواده حتى أشرف على جيش الروم فرأى أثاثهم وخيامهم وشعاع البيض والطوارق والرايات كأجنحة الطيور قال وكان وردان ينظر نحو جيش المسلمين إذ نظر إلى ضرار وهو مشرف على القوم فقال للبطارقة : إني أرى فارسًا قد أقبل ولست أشك أنه طليعة القوم فأيكم يأتيني به فانتدب من القوم ثلاثين فارسًا طلبوا ضرارًا كلما نظر إليهم ضرار ولى من بين أيديهما فتبعوه وظنوا أنه قد انهزم وإنما أراد بذلك أن يبعدهم عن أصحابهم فلما بعدوا علم أنه تمكن منهم فلوى رأس جواده إليهما وصوب السنان عليهم فأول من طعن فارسًا من القوم أرداه وثنى على الآخر فأعدمه الحياة وصال فيهم صولة الأسد على الغنم ودخل رعبه في قلوبهم فولوا منهزمين فتبعهم وهو يصرع منهم فارسًا بعد فارس إلى أن صرع منهم تسعة عشر فارسًا .
فلما رأوا ذلك وقرب هو من جيوش الروم لوى راجعًا إلى خالد ومعه أسلابهم وخيولهم وأعلمه بما كان فقال له خالد : ألم أقل لك لا تغزر بنفسك ولا تحمل عليهم فقال : إن القوم طلبوني فخفت أن يراني الله منهزمًا فجاهدت بإخلاص ولا جرم أن الله ينصرنا عليهم والله لولا خوفي من ملامك لأحملن على الجميع .
واعلم أن القوم غنيمة لنا .(1/23)
قال فرتب خالد عسكره ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين فجعل في القلب معاذ بن جبل وفي الميمنة عبد الرحمن بن أبي بكل الصديق وفي الميسرة سعيد بن عامر وفي الجناح الأيسر شرحبيل بن حسنة وفي الساقة يزيد بن أبي سفيان في أربعة آلاف فارس حول الحريم والبنات والأولاد ثم التفت إلى النسوة وهن عفراء بنت غفار الحميرية وأم أبان ابنة عتبة وكانت عروسًا قد تزوج بها في هذا اليوم أبان بن سعيد بن العاص والخضاب في يدها والعطر في رأسها وخولة بنت الأزور ومزروعة بنت عملوق وسلمة بنت زارع وغيرهن من النسوة ممن عرفن بالشجاعة والبراعة .
نصيحة خالد فقال لهن خالد : يا بنات العمالقة وبقية التبابعة قد فعلتن فعلًا أرضيتن به الله تعالى والمسلمين وقد بقي لكن الذكر الجميل وهذه أبواب الجنة قد فتحت لكن وأبواب النار قد أغلقت عنكن وفتحت لأعدائكن واعلمن أني أثق بكن .
فإن حملت طائفة من الروم عليكن فقاتلن عن أنفسكن وإن رأيتن أحدًا من المسلمين قد ولى هاربًا فدونكن وإياه بالأعمدة وأرمين بولده وقلن له : أين تولي عن أهلك ومالك وولدك وحريمك فإنكن ترضين بذلك الله تعالى .
فقالت عفراء بنت غفار : أيها الأمير والله لا يفرحنا إلا أن نموت أمامك فلنضربن وجوه الروم ولنقاتلن إلى أن لا تبقى لنا عين تطرف والله ما نبالي إذا رمينا الروم كله قال فجزاهن خيرًا .
ثم عاد إلى الصفوف فجعل يطوف بينهم بفرسه ويحرض الناس على القتال وهو ينادي برفيع صوته : يا معاشر المسلمين : انصروا الله ينصركم وقاتلوا في سبيل الله واحتسبوا نفوسكم في سبيل الله ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة ولتكن السهام إذا خرجت من كباد القسي كأنها من قوس واحدة .(1/24)
فإذا تلاصقت السهام رشقًا كالجراد لم يخل أن يكون منها سهم صائب {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران : 200 ] . واعلموا أنكم لم تلقوا بعد هذا عدوا مثله وأن هذه الفئة جملتهم وأبطالهم وملوكهم فجردوا السيوف وأوتروا القسي وفوقوا السهام .
ثم إن خالدًا أقبل ووقف في القلب مع عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وقيس بن هبيرة ورافع بن عميرة وذي الكلاع الحميري وربيعة بن عامر ونظائرهم .
قال فلما نظر وردان إلى جيش المسلمين قد زحف زحفوا وكانوا ملء تلك الأرض في الطول والعرض من كثرتهم فترامى الجمعان وتلاقى الفريقان وقد أظهر أعداء الله الصلبان والأعلام ورفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير .
فلما قرب القوم بعضهم من بعض خرج من علوج الروم شيخ كبير وعليه قلنسوة سوداء .
فلما قرب من المسلمين نادى بلسان عربي : أيكم المقدم فليخاطبني وليخرج إلي وعليه أمان .
قال فخر إليه خالد بن الوليد .
فقال له القس : أنت أمير القوم .
فقال خالد : كذلك يزعمون ما دمت على طاعة الله وسنة رسوله وإن أنا غيرت أو بذلت فلا إمارة لي عليهم ولا طاعة .
قال القس : بهذا نصرتم علينا ثم قال : اعلم أنك توسطت بلادًا ما جسر ملك من الملوك أن يتعرض لها ولا يدخلها وأن الفرس دخلوها ورجعوا خائبين وأن التبابعة أتوها وأفنوا أنفسهم عليها وما بلغوا ما أرادوا ولكنكم أنتم نصرتم علينا وإن النصر لا يدوم لكم وصاحبي وردان قد أشفق عليكم وقد بعثني إليكم وقال : إنه يعطي كل واحد منكم دينارًا وثوبًا وعمامة ولك أنت مائة دينارًا ومائة ثوب ومائة عمامة وارحل عنا بجيشكم فإن جيشنا على عدد الذر ولا تظن أن هؤلاء مثل من لقيت من جموعنا فإن الملك ما أنفذ في هذا الجيش إلا عظماء البطارقة والأساقفة .
قال خالد : والله ما نرجع إلا بإحدى ثلاث خصال : إما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو القتال .(1/25)
وأما ما ذكرت من أنكم عدد الذر فإن الله تعالى قد وعدنا النصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل ذلك في كتابه العزيز .
وأما ما ذكرت من أن صاحبكم يعطي كل واحد منا دينارًا وعمامة وثوبًا فعن قريب إن شاء الله نرى ثيابكم وبلادكم وعمائمكم كل ذلك في ملكنا وبأيدينا .
فقال الراهب : إني راجع إلى صاحبي أخبره بجوابك ثم لوى راجعًا وأخبر وردان بما كان من جواب خالد .
فقال وردان : أيظن أننا مثل من لقيه من قبل وإنما هؤلاء لحقهم الطمع إذ تقاصرنا عن قتالهم والملك قد أرسل إليهم أكابر البطارقة وما بيننا وبينهم إلا جولة الجائل ثم نتركهم صرعى ثم رتب أصحابه وزحف وقدم أمامه الرجالة صفا أمام القوم والخيالة وبأيديهم المزاريق والقسي .
قال فصاح معاذ بن جبل : معاشر الناس إن الجنة قد زخرفت لكم والنار قد فتحت لأعدائكم والملائكة عليكم قد أقبلت والحور العين قد تزينت للقائكم فابشروا بالجنة السرمدية ثم قرأ { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } [ التوبة : 111 ] . بارك الله فيكم الحملة .
فقال خالد : مهلا يا معاذ حتى أوصي الناس ومشى في الصفوف ورتبها وقال : اعلموا أن هؤلاء أضعافكم فطاولوهم إلى وقت العصر فإنها ساعة نرزق فيها النصر وإياكم أن تولوا الأدبار فيراكم الله منهزمين ازحفوا على بركة الله تعالى .
فلما تقارب الجمعان رمت الأروام سهامهم رمية واحدة .
قال فقتلوا رجالًا وجرحوا أناسًا وخالد قد منع الناس من الحملة .
فقال ضرار بن الأزور : وما لنا والوقوف والحق سبحانه وتعالى قد تجلى علينا والله ما يظن أعداء الله إلا أننا قد فشلنا عنهم وجزعنا فأمرنا بالحملة حتى نحمل معك .
قال : فأنت لها يا ضرار فخرج ضرار بن الأزور وقال : والله ما من شيء أشهى إلى قلبي من ذلك .(1/26)
ثم حمل ضرار وقد تدرع بدرع كان لبطرس أخي بولص وألقى الزرد على وجهه وركب جواده وكان عليه يومئذ جبتان من جلود الفيلة كان قد أخذهما أيضًا من بطرس وقد أخفى نفسه عن الروم بلباسه ذلك وقد أطلق عنانه وقوم سنانه وحمل في صفوف الروم فرشقوه بالسهام فلم يصل إليه منهم أذى وهو يخترق صفوفهم فما كان قدر ساعة حتى قتل من الروم عشرين فارسًا ومثلها رجالة .
قال عنان بن عوف النجبي : كنت ممن يعد قتلى ضرار بن الأزور وكنت كلما قتل فارسًا من الروم أعده فكان جملة قتل ضرار في حملته هذه فرسانًا ورجالًا ثلاثين فارسًا .
قال عمر بن سالم : هكذا حدثني نوفل بن زياد .
ثم إنه رمى البيضة عن رأسه والزرد عن وجهه ونادى بأعلى صوته : أنا الموت الأصفر أنا ضرار بن الأزور أنا صاحبكم أنا قاتل همدان بن وردان أنا البلاء المسقط عليكم وعلى من أشرك بالرحمن .
قال فلما سمعت الروم كلامه عرفوه وتقهقروا إلى ورائهم .
قال فطمع فيهم وحمل على أثرهم فعند ذلك انطبقت عليهم الروم .
فقال وردان : من هذا البدوي فقالوا : أيها الملك هذا الذي بقي طول عمره عاري الجسد ومرة برمح ومرة بنبل .
فلما سمع ذلك وبذكر ضرار بن الأزور تنفس الصعداء وقال : هذا قاتل ولدي ولقد اشتهيت من يأخذ منه بثأري وله مني ما يريد .
قال فبرز إليه بطريق وكان صاحب طبرية وقال لوردان : أنا آخذ لك بالثأر ثم لوى عنانه وحمل على ضرار فجالا أكثر من ساعة ثم طعنه ضرار طعنة صادقة خرق بها كبد عدو الله فتجندل صريعًا فقال وردان لهم : ما أتى به ولو أتى به عينا ما صدقته فإن هذا لا تطيق الإنس أن تقاتله وأنا ما أرى لهذا غيري ثم ترجل وغير لامته وألقى عليه درعًا وجعل على رأسه التاج وركب جوادًا من الخيول العربية وهم أن يخرج إلى ضرار بن الأزور فتقدم إليه بطريق اسمه اصطفان وهو صاحب عمان .(1/27)
قال وباس ركاب وردان وقال : أيها السيد إن آخذ بثأرك من هذا الذميم أو أسرته لك أتزوجني ابنتك فقال له وردان : هي لك وأشهد عليه من حضر من ملوك الشام .
فلما سمع اصطفان بذلك خرج كأنه شعلة نار وحمل على ضرار وقال له : ويلك قد نزل بك ما لا قدرة لك به .
قال فلم يدر ضرار ما يقول غير أنه أخذ حذره منه وقد أخرج اصطفان صليبًا من الذهب وجعله في عنقه في سلسلة من الفضة وجعل يقتله ويرفعه على رأسه فعلم ضرار أنه يستنصر به عليه فقال ضرار رضي الله عنه : إن كنت تستنصر علي به فأنا استنصر بالقريب المجيب الذي هو ممن دعاه قريب .
ثم حمل عليه وأربًا الناس أبوابًا من الحرب حتى ضج الناس من قتالهما فصاح خالد : يا ابن الأزور ما هذا التكاسل والتغافل والجنة قد فتحت لك والنار قد فتحت لأعدائك وإياك الكسل فإن الله عز وجل يعينك قال فأيقظ ضرار نفسه وانقض من سرجه وحمل على خصمه وتصايحت الروم بصاحبها تشجعه وكلاهما في ضرب عظيم ولد حميت الشمس وتعب الجوادان .
فأشار البطريق إلى ضرار أن ترجل حمى نتقابل فهم ضرار أن يترجل شفقة على الجواد وإذا بصفوف الروم قد خرجت ورجل يقود جنيبًا أمامهم وكان ذلك كلام البطريق فلما نظر إليه ضرار صاح في جواده وقال له : اجلد معي ساعة وإلا شكوتك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فحمحم الجواد وشمر أجنحته جريًا واستقبل ضرار غلام البطريق بطعنه فقتله وأخذ الجنيب فركبه وأطلق جواده نحو عساكر المسلمين فتناولوه وعاد ضرار نحو البطريق .
فلما رآه أقبل إليه بعد ما قتل غلامه وركب جواده أيقن عدو الله بالهلاك وعلم أنه إن ولى قتله بلا محالة وأن وقف أهلكه .
فلما نظر ضرار إلى عدو الله علم ما عنده فهجم عليه إذ نظر إلى الروم وقد خرج منهم كردوس وذلك أن وردان لما نظر إلى صاحبه وقد أشرف على الموت علم انه إن لم يدركه هلك فقال لقومه .(1/28)
يا قوم إن هذا الشيطان قد أكل من كبدي قطعة وإذا لم أقتله قتلت نفسي ولا بد لي من الخروج إليه .
قال فخرج في عشرة من البطارقة وهم مدرعون وفي أرجلهم أخفاف من الحديد وسواعد من الحديد وبأيديهم أعمدة من الحديد ووردان قد لبس لامته وعلى رأسه تاج عظيم فخرجوا ووردان أمامهم كأنه شعلة نار ونظر أصطفان إلى من خرج فصرخ بضرار فلم يلتفت إلى من خرج إليه إلا أنه تأهب .
فبينما هم كذلك إذ نظر خالد إلى القوم وخروجهم ونظر إلى التاج وهو يلمع على رأس صاحبهم .
فقال : إن التاج لا يكون إلا على رأس الملك ولا شك أنه صاحب القوم قد خرج إلى صاحبنا فما الذي يقعدنا عن نصرته ثم قال لأصحابه : لا يخرج إلا عشرة حتى نساوي القوم فخرج خالد في عشرة من أصحابه وأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة قال ووصل الروم إلى ضرار فاستقبلهم بقلب أقوى من الحجر الجلمود قال فناداه خالد : أبشر يا ضرار .
فقد أسعدك الجبار ولا تجزع من الكفار فقال ضرار رضي الله عنه : ما أقرب النصر من الله وجاء خالد ومن معه والتقت الرجال بالرجال وانفرد كل واحد بصاحبه وطلب خالد وردان ولم يبرح ضرار عن خصمه اصطفان وقد كل ساعة وارتعدت فرائصه عندما نظر إلى خالد ومن معه فنظر يمينًا وشمالًا ليطلب الهرب فعلم ضرار منه ذلك فهجم عليه بسنانه فلما أيقن بالموت ألقى نفسه إلى الأرض وولى هاربًا فبادر إليه ضرار وألقى نفسه عن جواده وطلب عدو الله حتى لحقه وتقابضا على وجه الأرض وكان عدو الله كالصخر الجلمود وكان ضرار نحيف الجسم غير أن الله تعالى أعطاه قوة الإيمان .(1/29)
فلما طال بهم العراك ضرب بيده إلى مراق بطنه وقلعه من الأرض بحيلة وجلد به الأرض فصاح عدو الله وجعل يستنجد بوردان وقال بالرومية : أيها السيد انجدني مما أنا فيه فقد هلكت فصاح وردان : يا ويلك ومن ينقذني أنا من هؤلاء السباع الكاسرة فسمع خالد ذلك فسمع فيه وحمل على وردان وهم ضرار بخصمه ونظر إليهما الفريقان وأقبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار فلم يمهل على خصمه دون أن برك على صدره وذبحه مثل البعير وكل واحد مشتغل عن نصرة صاحبه .
قال فأخذ ضرار رأس عدو الله وهو ملطخ بالدماء وركب جواده وحملت الروم على المسلمين ونادى سعيد بن زيد : يا معشر الناس اذكروا الوقوف بمن يدي الله الملك الجبار فإياكم أن تولوا الأدبار فتستوجبوا دخول النار يا أهل الإيمان يا حملة القرآن اصبروا .
قال فزاد الناس بقوله نشاطًا وتزاحم الفريقان .
قال : وجاء وقت العصر فافترقوا وقد قتل من الروم ثلاثة آلاف وعشرة من ملوكهم ومنهم رومان صاحب الأميرة ودمر صاحب نوى وكوكب صاحب أرض البلقاء ولاوي بن حنا صاحب غزة .
قال ثم افترق القوم ورجع وردان إلى مكانه وقد امتلأ قلبه رعبًا مما ظهر له من المسلمين من شدة صبرهم وقتالهم .
فجمع البطارقة وقال لهم : يا أهل دين النصرانية ما تقولون في هؤلاء العرب فإني أراهم غالبين علينا وقد رأيت أسيافهم قاطعة وخيلهم صابرة وسواعدكم بليدة وإن القوم أطوع منكم لربكم وما خذلتم إلا بالظلم والجور والغدر وما مرادي منكم إلا أن تتوبوا إلى ربكم فإن فعلتم ذلك رجوت لكم النصر من عدوكم وإن لم تفعلوا ذلك فأذنوا بحرب من المسيح وبهلاك أنفسكم فإن الله عاقبكم أشد عقوبة إذ سلط عليكم أقوامًا لا نفكر بهم ولا نعدهم لأن أكثرهم جياع وعبيد وعراة ومساكين أخرجهم إلينا قحط الحجاز وجوعه وشدة الضرر والبلاء والآن قد أكلوا من خبز بلادنا وفواكه أرضنا وأكلوا العسل والتين والعنب وأعظم ذلك سبي نسائكم وأموالكم .(1/30)
قال الواقدي : فلما سمع القوم ذلك بكوا وقالوا : نقتل عن آخرنا ولا يصل إلينا هؤلاء القوم وإنا نرى أن نقاتلهم بالرماح .
قال فلما سمع وردان ذلك منهم صاح بالبطارقة وقال لهم : ما عندكم من الرأي .
فقال رجل منهم : يا وردان اعلم أنك قد بليت بقوم لا تقوم لقتالهم وقد رأيت الواحد منهم يحمل على عسكرنا ولا يبالي من أحد ولا يرجع حتى يقتل منهم وقد قال لهم نبيهم إن من قتل منكم صار إلى الجنة .
ومن قتل من الروم صار إلى النار والموت والحياة عندهم سواء وما أرى لكم من القوم مطمعًا إلا أن نتحيل على صاحبهم فنقتله فإن قتلتموه ينهزم القوم وإنك لا تصل إليه إلا بحيلة توقعه فيها .
فقال وردان : وأي حيلة ندخل بها على القوم والحيل والخداع والمكر منهم .
.
فقال له البطريق : أنا أقول لك شيئًا إن صنعته وصلت به إلى أمير العرب من حيث لا يصل إليك شيء ولا أذى وذلك أنك تنتخب عشرة من الفرسان من ذوي الشدة والبأس ويكمنون في مكمن من جهة العسكر قبل خروجك إليه وبعد ذلك تخرج إليه وتشاغله بالحديث ثم اهجم عليه وأخرج قومك يبادرون من المكمن ويقطعونه إربًا إربًا وتستريح منه وبعد ذلك تتفرق أصحابه ولا يجتمع منهم أحد .
قال فلما سمع وردان ذلك من البطريق فرح فرحًا عظيمًا .
وقال : ما هذا إلا رأي سديد فنعم ما أشرت به وقد أصبت فيما ذكرت غير أن هذا الأمر يعمل في جنح الليل ولا يأتي الصباح إلا وقد فرغنا مما نريد ثم إن وردان دعا برجل من العرب المتنصرة اسمه داود وكان في سكنه .
وقال له : يا داود أنا أعلم أنك فصيح اللسان وإني أريد أن تخرج إلى هؤلاء العرب وتسألهم أن يقطعوا الحرب بيننا وبينهم وقل لهم لا يخرجون لنا بكرة النهار حتى أخرج بنفسي إليهم منفردًا عن قومي ولعلنا نصطلح مع العرب .(1/31)
فقال داود : ويحك وتخالف أمر الملك هرقل فيما أمرك به من الحرب وتصطلح أنت والعرب فإن الملك ينسبك إلى الجزع والفزع وما كنت بالذي أخاطب العرب في ذلك أبدًا فيبلغ الملك أني كنت السبب في ذلك فيقتلني .
فقال له وردان : يا ويلك إنما دبرت حيلة على أمير العرب حتى أصل بها إليه فأقتله وتتفرق هؤلاء العرب عنا ثم إنه حدثه بما عزم عليه من المكر بخالد بن الوليد .
فقال لوردان : إن الباغي مخول في كل فعل فالق الجمع بالجمع واترك ما عزمت عليه فقال وردان وقد غضب : ويلك أنت تعاندني فيما أمرتك به دع عنك المحاججة .
فقال : حبًا وكرامة ثم إنه مضى وقال في نفسه : إن وردان قد عزم أن يلحق بولده ثم أقبل حتى إنه وقف قريبًا من المسلمين ونادى برفيع صوته وقال : يا معاشر العرب حسبكم من القتل وسفك الدماء فإن الله تعالى يسألكم عن سفكها وأريد أن يخرج إلي أمير العرب حتى أخاطبه بما أرسلت به .
قال فما استتم كلامه حتى خرج إليه خالد رضي الله عنه وهو كأنه شعلة نار .
فلما نظر إليه داود النصراني قال له : يا عربي على رسلك فما خرجت أحارب ولا أنا من رجال الحرب وما أنا إلا رسول .
فلما سمع خالد مقالته قرب منه .
وقال : أذكر مسألتك واستعمل الصدق تنج فمن صدق نجا ومن كذب هلك فقال : صدقت يا عربي إن أميرنا وردان كاره سفك الدماء وقد رأى شدتكم ولا يريد حربكم وقد نظر إلى من قتل من جماعته فكره أن يحاربكم وقد رأى أن يدفع لكم مالًا ويحقن به دماء الناس لكن بشرط أن يكون بينك وبينه كتاب وتشهد عليك كبراء قومك أنك لا تتعرض له ولا لأحد من أصحابه ولا لحصن من حصونه فإن فعلت ذلك وثق بقولك وهو يسألك أن تقطع الحرب بقية يومك فإذا أصبحت فاخرج بنفسك ولا يكن معك أحد ويخرج هو أيضًا منفردًا فننظر ما تتفقان عليه عسى أن تحقنا دماء الناس بيننا وبينكم .(1/32)
قال فلما سمع خالد ما نطق به داود قال له : إن كان ما أخبر به صاحبكم يريد به حيلة أو مكيدة فنحن والله جرثومة الخداع وما مثلنا يأتي بحيلة ولا بخديعة فإن كان ذلك ضميره واعتقاده فما هو إلا قرب أجله وانقطاع عمره وهلاك جموعكم والانفصال بيننا وبينكم وإن كان ذلك حقًا من قوله فلست أصالحه إلا إذا أدى الجزية عن جماعته .
وأما المال فلست براغب فيه إلا على ما ذكرته لكم وعن قريب نأخذ أموالكم ونملك بلادكم .
فقال داود وقد عظم عليه كلام خالد : ما يكون الأمر إلا كما ذكرت فإذا توافقتم كان الانفصال بيننا وها أنا راجع فأذكر له ما ذكرت ثم لوى راجعًا وقد امتلأ قلبه رعبًا من خالد وفزع منه فزعًا شديدًا ثم قال في نفسه : صدق والله أمير العرب وأنا أعلم والله أن وردان أول مقتول ونحن من بعده وما لي إلا أن أصدق أمير العرب وآخذ لي ولأهلي منه أمانًا ثم رجع إلى خالد وقال له : يا أمير إني قد أضمرت على سر وأريد أن أبديه لك لأني أعلم أن البلاد لكم إن وردان قد نوى على شيء فقال خالد : وما هو فقال : خذ لنفسك الحذر وكن مستيقظًا فإنه قد أضمر لك كيدًا ثم أخبره بالقصة من أولها إلى آخرها ثم قال لخالد : أريد منك الأمان لي ولأهلي .
فقال خالد : الأمان لك ولأهلك ولأولادك إن أنت لم تخبر القوم ولم تغدر قال داود : لو أردت أن أغدر لما حدثتك .
فقال خالد : وأين كمين القوم .
.
قال : عند كثيب عن يمين عسكرهم ثم إنه خلاه ورجع وأعلم وردان ففرح وقال : الآن أرجو أن يظفرني الصليب بهم ثم إنه دعا بعشرة من الأبطال وقال لهم : امضوا رجالة وأكمنوا وأمرهم أن يفعلوا ما دبروه .
وأما خالد فإنه رجع فلقيه أمين الأمة أبو عبيدة فرآه ضاحكًا .
فقال : يا أبا سليمان أضحك الله سنك ما الخبر فحدثه بما جرى .
فقال أبو عبيدة : على ماذا عزمت قال : عزمت أن أخرج إلى القوم وحدي .(1/33)
فقال : يا أبا سليمان لعمرك إنك لكفء ولكن ما أمرك الله أن تلقي بنفسك إلى التهلكة والله تعالى يقول : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } [ الأنفال : 60 ] . وقد أعد لك عشرة وهو حادي عشر وما آمن عليك من اللعين ولكن اندب له رجالة كما ندب لك رجالة ويكمنون قريبًا من القوم فإذا صرخ اللعين بقومه فاصرخ أنت بقومك ونكون نحن متأهبين على خيولنا فإذا فرغت من عدو الله حملنا جميعًا ونرجو من الله النصر ثم قال : والمسلمون هم رافع بن عميرة الطائي ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وسعيد بن زيد وقيس بن هبيرة وميسرة بن مسروق العبسي وعدي بن حاتم حتى استتم العشرة وأخبرهم خالد بما قد عزم عليه الروم من الحيلة والمكيدة التي قد دبرها وردان .
وقال : اخرجوا رجالة بحيث لا يدري بكم أحد حتى إنكم تأتون الكثيب الذي عن يمين العسكر فأكمنوا هناك فإذا صرخت بكم فبادروا وانفروا للقوم كل واحد لواحد واتركوني لعدو الله فإنني إن شاء الله تعالى كفء له فقال ضرار : أيها الأمير أخاف أن يكثر عليك الجمع الكثير فلا نأمن أن يصلوا بشرهم إليك وقد كنت أدبر لك حيلة أننا نسير من وقتنا هذا إلى مكمن القوم فإذا وجدناهم رقودًا قتلناهم وفرغنا منهم قبل الصباح ونكمن نحن في مواضعهم فإذا خلوت أنت بعدو الله خرجنا عليكم بغير مقالة .
فقال خالد : افعل يا أبا الأزور ما ذكرت إن وجدت إلى ذلك سبيلًا وخذ معك هؤلاء الذين ندبتهم وأنت الأمير عليهم وأرجو أن الله يبلغك ما تطلبه وخرج هو وأصحابه في جنح الليل رجالة وبأيديهم أسلحتهم وودعوا الناس وكان وقت خروجهم قد مضى ثلث الليل ثم سار ضرار حتى وصل الكثيب فأوقف أصحابه وقال : على رسلكم حتى أستخبر لكم خبر القوم .
فلما أشرف عليهم من بعيد سمع غطيطهم وهم نيام سكرى غرقوا في النوم لما نالهم من التعب والنصب وقد أمنوا من أحد ينظرهم .(1/34)
فقال ضرار في نفسه : إن أنا دنوت من القوم لأقتلهم خشيت أن يوقظ بعضهم بعضًا .
قال فرجع إلى أصحابه وقال لهم : أبشروا فقد أتاكم الله بما تريدون وأذهب عنكم ما تحذرون فجردوا سيوفكم وسيروا إلى القوم فاقتلوهم كيف شئتم ثم تقدم ضرار أمامهم وهم في أثره إلى أن وصل بهم إليهم فوجدهم نيامًا كل واحد منهم سلاحه عند رأسه فانفرد كل واحد منهم بواحد فلم يلبثوا إلا وقد فرغوا منهم عن آخرهم وأخذ كل واحد سلاح غريمه وأخذوا كل ما معهم من الزاد وغيره فقال لهم ضرارًا : أبشروا فإن هذا أول النصر إن شاء الله تعالى وأقبلوا بقية ليلتهم يصلون ويدكون الله أن ينصرهم على عدوهم ولم يزل كل واحد منم في مصلاه إلى أن أضاء الفجر فصلوا صلاة الفجر .
فلما فرغوا من الصلاة لبس كل واحد ثياب غريمه ولباسه وغيبوا القتلى مخافة أن يرسل إليهم وردان خبرًا .
معركة أجنادين
قال الواقدي : فلما أصبح الصباح صلى خالد بالناس ورتب أصحابه لأهبة الحرب فبينما هم كذلك إذ خرج من القلب فارس وقال : يا معاشر العرب أريد أميركم ليخرج إلى صاحبنا وردان لننظر ما يتفقان عليه من أمر الجيشين وحقق الدماء بينهما .
قال فخرج إليه خالد بن الوليد .
فقال له الفارس : إن وردان يريد أن تنتظره حتى تتكلم معه .
فقال خالد : السمع والطاعة ارجع وأخبره فعند ذلك خرج وردان وقد تزين بقلادة جوهر وعلى رأسه تاج .
فقال خالد عندما رآه : هذه غنيمة للمسلمين إن شاء الله تعالى .
قال فلما نظر عدو الله إلى خالد ترجل عن جواده وكذلك خالد وجلس كلاهما وقد جعل عدو الله سيفه على فخذه فقال له خالد : قل ما تشاء واستعمل الصدق والزم طريق الحق وأعلم أنكجالس بين يدي رجل لا يعرف الحيل .
فقل : ما تريد .(1/35)
فقال وردان : يا خالد اذكر لي ما الذي تريدون وقرب الأمر بيني وبينكم فإن كنت تطلب منا شيئًا فلا نبخل به عليك صدقة منا عليكم لأننا ليس عندنا أمة أضعف منكم وقد علما أنكم كنتم في بلاد قحط وجوع تموتون جوعًا فاقنع منا بالقليل وارحل عنا .
فلما سمع منه خالد هذا الكلام قال له : يا كلب الروم إن الله عز وجل أغنانا عن صدقاتكم وأموالكم وجعل أموالكم نتقاسمهما بيننا وأحل لنا نساءكم وأولادكم إلا أن تقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وإن أبيتم فالحرب بيننا وبينكم أو الجزية عند يد وأنتم صاغرون وبالله أقسم إن الحرب أشهى لنا من الصلح .
وأما قولك يا عدو الله لم لكن أمة أضعف منا عندكم فأنتم عندنا بمنزلة الكلاب وإن الواحد منا يلقي ألفًا منكم بعون الله تعالى وما هذا خطاب من يطلب الصلح فإن كنت ترجو أن تصل إلي بانفرادي عن قومي وقومك فدونك وما تريد .
قال : فلما سمع وردان مقالات خالد وثب من مكانه من غير أن يجرد سيفه وتشابكا وتقابضا وتعانقا .
قال : فصاح عدو الله عندما وثق من خالد وقال لأصحابه : بادروا الآن الصليب قد مكنني من أمير العرب فما استتم كلامه حتى بادر إليه الصحابة كأنهم عقبان يتقدمهم ضرار بن الأزور وقد رموا النشاب عنهم وجردوا سيوفهم وضرار عاري الجسد بسراويله قابض على سيفه وهو يزأر كالأسد وأصحابه من ورائه فالتفت عدو الله ونظر إلى القوم وهم يتسابقون إليه وهو يظن أنهم قومه حتى أنهم وصلوا إليه ونظر في أوائلهم ضرار بن الأزور .
فقال لخالد : سألتك بحق معبودك أن تقتلني أنت بيدك ولا تدع هذا الشيطان يقتلني .
فقال خالد : هو قاتلك لا محالة فهز ضرار سيفه وقال : يا عدو الله أين خديعتك من خديعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/36)
فقال خالد : اصبر يا ضرار حتى آمرك بقتله ثم وصل إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزوا سيوفهم في وجهه ومرادهم أن يقتلوه ونظر عدو الله إلى ما دهمه فوقع إلى الأرض وهو يشير بإصبعه الأمان الأمان .
فقال خالد : يا عدو الله لا نعطي الأمان إلا لأهل الأمان وأنت أظهرت لنا المكر والخديعة { والله خير الماكرين } [ آل عمران : 4 5] . فلما سمع ضرار كلام خالد لم يمهله دون أن ضربه على عاتقه فخرج السيف يلمع من علائقه ثم أخذ التاج من على رأسه .
وقال : من سبق إلى شيء كان أولى به ولد أدركته سيوف المجاهدين فقطعوه إربًا إربًا وتبادروا إلى سيفه فأخذوه ثم إن خالدًا قال لأصحابه : إني أريد أن تحملوا على الروم لأنهم مشتاقون إلى أصحابهم .
قال فأخذوا رأس عدو الله وردان وتوجهوا نحو عسكر الروم .
فلما وصل خالد الصفوف نادى : يا أعداء الله هذا رأس صاحبكم وردان .
.
أنا خالد بن الوليد أنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه رمى الرأس وحمل عليهم وحمل المسلمون .
فلما رأى الروم رأس وردان ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار ولم يزل السيف يعمل فيهم من وقت الصباح إلى الغروب .(1/37)
قال عامر بن الطفيل الدوسي : كنت مع أبي عبيدة ونحن نتبع المنهزمين إلى طريق غزة إذ أشرف علينا خيل فظننا أنها نجدة من عند الملك هرقل فأخفنا على أنفسنا وإذا بالغبرة قد قربت منا فإذا هي عسكر قد أرسلها أبو بكر قال الواقدي : وكان الروم بأجنادين تسعين ألفًا فقتل منهم في ذلك اليوم خمسون ألفًا وتفرق من بقي منهم فمنهم من انهزم إلى دمشق ومنهم من انهزم إلى قيسارية وغنم المسلمون غنيمة لم يغنم مثلها وأخذوا منهم صلبان الذهب والفضة فجمع خالد ذلك كله مع تاج وردان إلى وقت القسمة وقال خالد : لست أقسم عليكم شيئًا إلا بعد فتح دمشق إن شاء الله تعالى وكانت الوقعة بأجنادين لليلة ست خلت من جمادى الأول سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية وذلك قبل وفاة أبي بكر بثلاث وعشرين ليلة ثم إن خالدًا رضي الله عنه كتب كتابًا إلى أبي بكر يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد المخزومي إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام عليك .
أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأزيد حمدًا وشكرًا على المسلمين ودمارًا على المتكبرين المشركين وانصداع بيعتهم وإنا لقينا جموعهم بأجنادين وقد رفعوا صلبانهم وتقاسموا بدينهم أن لا يفروا ولا ينهزموا .
.
.(1/38)
فخرجنا إليهم واستعنا بالله عز وجل متوكلين على الله خالقنا فرزقنا الله الصبر والنصر وكتب الله على أعدائنا القهر فقاتلناهم في كل واد وسبسب وجملة من أحصيناهم ممن قتل من المشركون خمسون ألفًا وقتل من المسلمين في اليوم الأول والثاني أربعمائة وخمسون رجلًا ختم الله لهم بالشهادة منهم عشرون رجلًا من الأنصار ومن أهل مكة ثلاثون رجلًا ومن حمير عشرون والباقي من أخلاط الناس ويوم كتبت لك الكتاب كان يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخر ونحن راجعون إلى دمشق إن شاء الله تعالى فادع لنا بالنصر والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وسلمه إلى عبد الرحمن بن حميد وأمره بالمسير إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وسار خالد بالمسلمين طالب دمشق .
قال الواقدي رحمة الله عليه : ولقد بلغني أن أبا بكر الصديق كان يخرج كل يوم بعد صلاة الفجر إذ أقبل عبد الرحمن بن حميد .(1/39)
فلما رآه تسابقت إليه أصحابه وقالوا له : من أين أقبلت قال : من الشام وإن الله قد نصر المسلمين فسجد أبو بكر الصديق لله شكرًا وأقبل عبد الرحمن ابن حميد إلى أبي بكر وقال : يا خليفة رسول الله ارفع رأسك فقد أقر الله عينك بالمسلمين فرفع أبو بكر رأسه وقرأ الكتاب سرًا فلما فهم ما فيه قرأه على المسلمين جهرًا فتزاحم الناس يسمعون قراءة الكتاب فشاع الخبر في المدينة فهرعت الناس من كل مكان فقرأه أبو بكر ثاني مرة وتسامع الناس من أهل مكة والحجاز واليمن بما فتح الله على أيدي المسلمين وما ملكوا من أموال الروم فتسابقوا بالخروج إلى الشام ورغبوا في الثواب والأجر وأقبل إلى المدينة من أهل مكة وأكابرهم بالخيل والرماح وفي أوائلهم أبو سفيان والغيداق بن وائل وأقبلوا يستأذنون أبا بكر في الخروج إلى الشام فكره عمر بن الخطاب خروجهم إلى الشام وقال لأبي بكر : لا تأذن للقوم فإن في قلوبهم حقائد وضغائن والحمد لله الذي كانت كلمته هي العليا وكلمتهم هي السفلى وهم على كفرهم وأرادوا أن يطفوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ونحن مع ذلك نقول : ليس مع الله غالب .
فلما أن أعز الله ليننا ونصر شريعتنا أسلموا خوفًا من السيف فلما سمعوا أن جند الله قد نصروا على الروم أتونا لنبعث بهم إلى الأعداء ليقاسموا السابقين الأولين والصواب أن لا نقربهم .
فقال أبو بكر : لا أخالف لك قولًا ولا أعصي لك أمرًا .(1/40)
قال وبلغ أهل مكة ما تكلم به عمر بن الخطاب فأقبلوا جمعهم إلى أبي بكر الصديق في المسجد فوجدوا حوله جماعة من المسلمين وهم يتذاكرون ما فتح الله على المسلمين وعمر بن الخطاب عن يساره وعلي بن أبي طالب عن يمينه والناس حوله فأقبلت قريش إلى أبي بكر فسلموا عليه وجلسوا بين يديه وتشاوروا فيمن يكون أولهم كلامًا فكان أول من تكلم أبو سفيان بن حرب فأقبل على عمر بن الخطاب وقال : يا عمر كنت لنا مبغضًا في الجاهلية فلما هدانا الله تعالى إلى الإسلام هدمنا ما كان في قلوبنا لأن الإيمان يهدم الشرك وأنت بعد اليوم تبغضنا فما هذه العداوة يا ابن الخطاب قديمًا وحديثًا أما آن لك أن تغسل ما بقلبك من الحقد والتنافر وإنا لنعلم أنك أفضل منا وأسبق في الإيمان والجهاد ونحن عارفون بمرتبتكم غير منكرين .
قال : فسكت عمر رضي الله عنه واستحى من هذا الكلام .
فقال أبو سفيان : إني أشهدكم أني قد حبست نفسي في سبيل الله وكذلك تكلم سادات مكة .
فقال أبو بكرة اللهم بلغهم أفضل ما يؤملون واجزهم بأحسن ما يعملون وارزقهم النصر على عدوهم ولا تمكن عدوهم فيهم { إنك على كل شيء قدير } [ آل عمران : 26 ] .
قال الواقدي : فما تقدمت أيام قلائل حتى جاء جمع من اليمن وعليهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه يريد الشام فما لبثوا حتى أقبل مالك بن الأشتر النخعي رضي الله عنه فنزل عند الإمام علي رضي الله عنه بأهله وكان مالك يحب سيدنا عليًا وقد شهد معه الوقائع وخاض المعامع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عوم على الخروج مع الناس إلى الشام .
كتاب أبو بكر إلى خالد قال الواقدي : واجتمع بالمدينة نحو تسعة آلاف فلما تم أمرهم كتب أبو بكر كتابًا إلى خالد بن الوليد يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر خليفة رسول الله إلى خالد بن الوليد ومن معه عن المسلمين .(1/41)
أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأوصيكم وآمركم بتقوى الله في السر والعلانية وقد فرحت بما أفاء الله على المسلمين من النصر وهلاك الكافرين وأخبرك أن تنزل إلى دمشق إلى أن يأذن الله بفتحها على يدك فإذا تم لك ذلك فسر إلى حمص وأنطاكية والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين ورحمة الله وبركاته وقد تقدم إليك أبطال اليمن وأبطال مكة ويكفيك ابن معد يكرب الزبيدي ومالك بن الأشتر وانزل على المدينة العظمى أنطاكية فإن بها الملك هرقل فإن صالحك فصالحه وإن حاربك فحاربه ولا تدخل الدروب وأقول هذا وإن الأجل قد قرب ثم كتب : {كل نفس ذائقة الموت } [ آل عمران : 185 ] . ثم ختم الكتاب وطواه ودفعه إلى عبد الرحمن وقال له : أنت كنت الرسول من الشام وأنت ترد الجواب فأخذه عبد الرحمن وسار على مطيته يطوي المنازل والمناهل إلى أن وصل إلى دمشق .
يا إخوتى ما حدث فى المسجد الأحمر ومن قبله سبع مساجد أخرى ما هوى إلا مخطط أمريكى سالف الإعداد لمحاربة الإسلام فى بلاد الأعاجم .
فمالنا تمالئنا عن نصرتهم ولو بالكلمة
ونحن ولو حتى بالكلمة أفلا ننتصر لهم ؟ أفلا نؤازرهم ؟ أفلا نتوجع لمصابهم ؟
{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38(1/42)
ها أنتم -أيها المؤمنون- تُدْعَون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه, فمنكم مَن يَبْخَلُ بالنفقة في سبيل الله, ومَن يَبْخَلْ فإنما يبخل عن نفسه, والله تعالى هو الغنيُّ عنكم وأنتم الفقراء إليه, وإن تتولوا عن الإيمان بالله وامتثال أمره يهلكُّم, ويأت بقوم آخرين, ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي عن أمر الله, بل يطيعونه ويطيعون رسوله, ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم.
نعم والله لما تولينا عن نصرة دين الله أنتصروا له هم
لما فُتنا بالدنيا وبها إنشغلنا نبذوها هم
وأقسم برب العالمين ما تقوى دولة من الدول العربية على إقامة مدرسة تعادل هذه المدارس التى يسعون فى هدمها . بل والله ولا تقوى على عشرها
أفلا أنتصرنا لهذه المدارس مثل إنتصارنا للمؤشر
أعنى مؤشر البورصة وهموم الكثيرين معه كلما إرتفع وانخفض
فارتفاعه هموم وانخفاضه غموم
والذى هو نافع ومفيد...
ألا إجتمعنا جميعنا على توجيه السؤال المحير لأشباه المسلمين فى باكستان ممن إستعملتهم أمريكا لتقويض الإسلام ...
أين ذهبت ألف وخمسمائة أخت لنا هن جميعهن أغلى وأثمن أعراضنا ؟
يا كلاب الصيد أستحللتم الدياثة على أعراض أخواتكم ؟
كان بالمدرسة أربعة ألآف وخمسمائة أخت لا يردن الردة ولا يردن التولى والفرار .
إستطاعت المعلمات ان تقنع ثلاث الآف منهن بالذهاب لبيوتهن وبقى ألف وخمسمائة أخت أبتن إلا الشهادة .
ما أبرز كلاب الصيد الأمريكى إلا ثلاث وعشرون جسد مسجى لأخواتنا فأين ألف واربعمائة وسبعة وسبعون أخت لنا عرض لنا شرف لنا .فضلاً عن الرجال ؟
والله لشرفٌ لنا أن نتحد جميعاً فى السؤال عنهن وعما جرى لهن
أشهيدات فنفرح .. أم أسيرات فنترحم على رجولة الحاكم الباكستانى .
المدارس الإسلامية وتاريخ نشأتها ومناهجها
المساجد في باكستان تختلف عما هو معروف في العالم العربي، لأنه -في العادة والأغلب- كل مسجد تلحق به مدرسة خاصة لتعليم القرآن أو العلوم الدينية،(1/43)
هل تتصورون أزهر فى كل قرية باكستانية ؟!!
وتعترف الحكومة بالشهادات الصادرة عنها بما يساوي بينها وبين المدارس والجامعات الأخرى، وذلك في تواصل مع ظروف إنشاء الدولة الإسلامية وتحاكمها المبدئي للشريعة الإسلامية.
مما أعطى المساجد وأئمتها واقعيا صلاحيات تتجاوز الوعظ الديني إلى التدخل المباشر في كل القضايا العامة سواء كانت قضائية أو قانونية أو سياسية وما سواها، وبرزت أسماء عدد من العلماء في مواجهة السلطات في أكثر من مرحلة وفي أكثر من منطقة.
ومن ثمرات هذه المدارس دعاة وعلماء جابوا الأرض فى سبيل الله لنشر دينه وسنة رسوله
وصلت جماعة للدعوة إلى القطب الشمالى فوجدا مساجد قائمة على أعمال الدعوة فى هذه الأنحاء وعندما سئلوهم كيف جاء الإسلام إلى بلادكم قالوا عن طريق جماعات باكستانية وهندية أتت إلى هنا وهدانا الله على أيديهم .
هل تتصوروا إجتماع به أكثر من خمسة ملايين داعى إلى الله تعالى من جميع الأنحاء يقوم على خدمتهم أكثر من عشرة ألاف طالب علم من حفظة كتاب الله تعالى وهم من طلبة هذه المدارس .. إذا حدثك فبالأدب والتواضع وليس لهم توجه حقيقى إلا لله تبارك وتعالى
سؤالهم لله إستعانتهم بالله لا يرجون جزاءاً إلا منه سبحانه 0
إذا سألت عن عمر إلتحاق الطفل بهذه المدارس فمن الخامسة يبدأ فى تعلم القرآن ومبادئ الحساب والعربية وعندما يكون قد بلغ العاشرة من عمره يكون قد ختم كتاب الله تعالى حفظاً وتلاوة ثم تبدأ معه المرحلة الأخرى وهى الدراسة العملية التطبيقية لمائة وعشرون ألف هدى للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أعنى بهذا دراستهم لأحاديث الرسول من الصحاح حفظاً ودراية ومعايشة بيئية قد لا تتوفر فى بلاد مهبط الوحى الله اكبر
أستبان لكم الأن لماذا تريد أمريكا القضاء على هذه المدارس ؟ ولماذا تعاونها الحاكمية الباكستانية المرتجفة من هول أمريكا ..(1/44)
{وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }آل عمران167
وليعلم المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال المؤمنون لهم: تعالوا قاتلوا معنا في سبيل الله, أو كونوا عونًا لنا بتكثيركم سوادنا, فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم عليهم, هم للكفر في هذا اليوم أقرب منهم للإيمان; لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. والله أعلم بما يُخفون في صدورهم.
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41(1/45)
يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه, فإني ناصرك عليهم. ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك, فإنهم قوم يستمعون للكذب, ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم, ويستجيبون لقوم آخرين لا يحضرون مجلسك, وهؤلاء الآخرون يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه, ويقولون: إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به, وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله, والعمل به. ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع -أيها الرسول- دَفْعَ ذلك عنه, ولا تقدر على هدايته. وإنَّ هؤلاء المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر, لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
لهذه المدارس عشرات السنين ما رهِبها أحد وما روعت أحد أرتعت منها الأن وجيشك يا مخرف ؟ أم روعوك سادتك الأمريكان وصوروا لك أن هذه المدارس هى الخطر المحدق بكرسيك ؟
تزكية سماحة الوالد بقية السلف عبد العزيز بن باز رحمه الله
تقرير عن اجتماع أهل الدعوة في الباكستان
كتبه الشيخ صالح بن علي الشويمان حفظه الله تعالى
المؤرخ 1407هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الوالد الكريم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد . حفظه الله من كل سوء
ووفقه وسدد خطاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أما بعد:
فقد بدأت اجازتي في 1/3/1407هـ وسافرت إلى باكستان في 3/3/1407هـ مع مجموعة من
العلماء وطلاب العلم من مختلف الجامعات، من الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود وغيرها، فشاهدنا العجب العجاب، فبعد
وصولنا مطار لاهور استقبلنا جماعة من الشباب الصالحين الذين يشرق نور العلم
والإيمان من لحاهم ووجوههم واتجهنا إلى مسجد المطار فأدينا فيه السنة ثم جلسنا(1/46)
حول بعضنا ونحن من بلاد مختلفة، فقام واحد منهم يتكلم بكلام عجيب يأخذ بمجامع
القلوب.
ثم جاءت السيارات ونقلتنا إلى مقر الاجتماع في رائيوند ذلك الاجتماع الجميل
الذي تخشع بسببه القلوب وتذرف منه العيون وابل دموع الفزع والسرور والخوف من
الله، يشبه اجتماع أهل الجنة، لا صخب ولا نصب، ولا لغو ولا فوضى ولا كذب.
نظيف جداً لا روائح ولا أوساخ، ومرتب ترتيب دقيق، فلا مرور ولا شرطة ولا نجدة
ولا حراس، مع العلم أنه يفوق المليون.
حياة طبيعية فطرية يحوطها ذكر الله، علم ومحاضرات ودروس وحلق ذكر ليلا
ونهاراً، فوالله إنه اجتماع تحيى به القلوب وينصقل به الإيمان ويزداد.
فما أروعه وما أجمله يعطيك صورة ناطقة عن حياة الصحابة والتابعين واتباعهم
رضوان الله عليهم، جهد وعلم وذكر، كلام جميل، أفعال جميلة، حركات إسلامية
رائعة، ووجوه مشرقة بنور الإيمان والعلم.
فلا تسمع إلا كلام التوحيد والذكر، والتسبيح والتحميد، والتحليل والتكبير
وقراءة القرآن والسلام وعليكم السلام ورحمة الله، وجزاكم الله خيراً.
ولا ترى إلا ما يسرك ويبهج قلبك من إحياء سنن المصطفى طرية تتمتع
بها في كل لحظة، ما أجمله وما أحلاه من اجتماع إسلامي عظيم.
وبالجملة تطبيق عملي لكتاب الله وسنة رسوله فيا لها من حياة طيبة
سعيدة، كم تمنيت من قلبي أن يكون هذا الاجتماع في ربوع المملكة العربية
السعودية، لأنها جديرة بكل خير، ولأنها سباقة إلى كل خير منذ فجر عهد الملك
عبد العزيز المشرق غفر الله له وقدس روحه في جنات النعيم وجمعنا وإياكم به في
الفردوس الأعلى.
وأفراد هذا الاجتماع أشخاص من جميع جهات العالم على شكل واحد وطبع واحد وكلام
واحد وهدف واحد وكأنهم أبناء رجل واحد أو كان الله سبحانه خلق قلباً واحداً
فوزعه على هؤلاء.
ليس لهم مطامع ولا مآرب غير التمسك بأهداب الدين وإصلاح شباب المسلمين وهداية
غير المسلمين إلى صراط الله الحميد، فكيف يجرؤ المرجفون على النيل من هؤلاء(1/47)
الصالحين؟
وقد قال فيهم الشيخ عبد المجيد الزنداني:
(هؤلاء أهل السماء يمشون على الأرض)
فأي قلب يجترئ على سبهم أو اتهامهم بما ليس فيهم.
أنني أزعم أن هدف هذه الجماعة هو هدف حكومة المملكة العربية السعودية، وهو
إصلاح الناس في جميع العالم ونشر الأمن والأمان في جميع المعمورة، فأى مدخل
على هؤلاء الجماعة؟
وإذا إنتهت المحاضرات بعد العشاء وسرحت طرفك يمنة ويسرة رايتهم وروداً علمية
تتفكه فيها حيثما شئت فأي حلقة تجلس فيها لا بد أن تخرج منها بفائدة.
وإذا هدأت الرجل ونامت العين رايتهم كالأعمدة يصلون قبل النوم.
فإذا كان آخر الليل سمعتهم وكأنهم خلية نحل بكاء، ونحيب وابتهال إلى الله بأن
يغفر الله ذنوبهم وذنوب المسلمين وأن ينجيهم الله وإخوانهم المسلمين من النار،
وأن يهدي الناس جميعاً إلى إحياء سنة المصطفى .
وقصارى القول أنه اجتماع جدير بأن يحضره كل عالم طالب علم، بل وكل مسلم يخاف
الله ويرجو الدار الآخرة. فجزا الله القائمين عليه خير الجزاء وثبتهم وأعانهم
ونفع بهم المسلمين إنه سميع مجيب.
أما القائمون على الخدمة فكلهم من حفظه القرآن الكريم، فصاحب المطحنة يطحن
باسم الله وبالتكبير والتسبيح، وصاحب المعجنة يعجن باسم الله والله أكبر
وسبحان الله والحمد لله، والخبازين يخبزون بإسم الله وبذكر الله والتسبيح
والتحميد والتكبير أيضاً، وقد شاهدناهم وسمعناهم وهم لا يشعرون. فسبحان من فتح
بصائرهم ووفقهم لذكره ودلهم على الطريق الصحيح الذي يتمناه كل مسلم.
والحقيقة يا سماحة الشيخ أن كل من صحبهم لا بد أن يكون داعية إلى الله
بالتمرين ، وطول الصحبة، فيا ليتني عرفتهم منذ أن كنت طالباً في الجامعة لكنت
اليوم علامة في الدعوة وسائر العلوم.
وهذا! والله ما أدين الله به، وسيسألني الجبار سبحانه عن ذلك يوم لا ينفع مال
ولا بنون ولا يغني أحد عن أحد.
ويا ليت جميع الدعاة التابعين لرئاستكم المباركة يشتركون في هذا الاجتماع(1/48)
ويخرجون مع هذه الجماعة ليتعلموا الإخلاص وأسلوب الدعوة، وأخلاق الصحابة
والتابعين واتباعهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وختاماً أسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يلهمنا
رشدنا ويوفقنا للإخلاص والصواب وأن يكفينا شرور أنفسنا والهوى والشيطان وأن
ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يعز حكومتنا بالإسلام ويعز الإسلام بها إنه ولي ذلك
والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
كاتبه ابنكم صالح بن علي الشويمان
مندوب الدعوة والإرشاد بمنطقة عنيزة
خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى إلى الشيخ
إبراهيم عبد الرحمن الحصين حفظه الله تعالى بالمدينة المنورة
المؤرخ 27/1/1407هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. أما بعد:
فأخبركم أني لا زلت على رأيي في الجماعة المذكورة فيما كتبته عنهم قديماً
وحديثاً من الكتابات الكثيرة، وما كتبه سلفي شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل
الشيخ قدس الله روحه ونور ضريحه وما كتبه غيرنا من العلماء.
وأيده جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله وجلالة الملك فهد وفقه الله فيما كتبه
إليّ لأنهم قد نفع الله بهم نفعاً كبيراً وهدى بهم جمعاً غفيراً، فالواجب
شكرهم على عملهم وتشجيعهم وتنبيههم على ما قد يخفى عليهم، وذلك من باب التعاون
على البر والتقوى والتناصح بين المسلمين إلا أني أنصحهم وجميع المسلمين لا
سيما الشباب أن لا يسافر منهم إلى بلاد الكفار إلا أهل العلم والبصيرة، لما في
ذلك من الخطر العظيم على كل من ليس له علم بالشريعة الإسلامية والعقيدة
الصحيحة التي بعث الله نبيه محمداً ودرج عليها سلف الأمة.
أما ما نسبه المعارضون لهم عني من الرجوع عن رأيي فيهم فهو كذب علي، بل إني
نصحتهم ووبّختهم على عملهم، وقلت لهم فيما قلت متمثلاً بقول الشاعر :
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو من اللوم أو سُدّوا المكان الذي سَدُّوا(1/49)
وحرّضتُهم على كثرة الاجتماع بهم والخروج معهم، وأوضحتُ لهم ما فيه من
الفوائد، وطلبتُ منهم أن يتهموا الرأي وينظروا في العواقب، وبينتُ لهم ما في
إنشقاقهم وخلافهم من الشر العظيم وسوء العواقب في الدنيا والآخرة، وأن ذلك من
الشيطان، أعاذنا الله منه ليصرف الناس عن الدعوة إلى الله ويشغلهم عنها بفساد
ذات البين وكثرة القيل والقال.
هذا ما أدين الله به وأعتقده وأسأل الله أن يرينا أحق حقاً ويمنحنا الثبات
عليه والباطل باطلاً ويمن علينا بإجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل، إنه
ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الذي بعثه رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
27/1/1407هـ
خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى إلى فضيلة
الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن فنتوخ حفظه الله
الرقم 820/خ المؤرخ 27/1/1407هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة مدير إدارة الدعوة في الداخل ودول الجزيرة العربية الشيخ عبد الله بن
إبراهيم بن فنتوخ وفقه الله للخير آمين...
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
لا يخفى على فضيلتكم ما كتبنا وكتب غيرنا من العلماء وولاة الأمر عن جماعة
التبليغ، وأن الواجب على أهل العلم مشاركتهم في الدعوة إلى الله، وأنهم لا
يمنعون ولا يهجرون ولكن يُساعدون ويُشجّعون ويُعلّمون ما قد يجهلون، وأن
يتعاون الجميع على البر والتقوى والدعوة إلى الله عز وجل.
وقد بلغني أن بعض منسوبي المراكز التابعين لإدارتكم يبالغون في جفوتهم
والتحذير منهم والتشويش عليهم، ورميهم بالعظائم.
ولا شك أن هذا من الشيطان أعاذنا الله منه.. يريد به إيقاع العداوة والبغضاء
بين المسلمين وإيقاظ الفتنة، وهذا شيء لا يُرضينا ولا نقر المنسوبين إلينا ولا(1/50)
غيرهم عليه ...
فاعتدّوا التنبيه على جميع المراكز بما ذكرنا، وأن لا يشغلوا أنفسهم بسبِّ
إخوانهم من جماعة التبليغ أو التنفير منهم، وأن يبذلوا جهدهم في الدعوة إلى
الله والكف عن التشويش، لأن الواجب كما ذكرنا هو التعاون معهم في الخير
والتنبيه على ما قد يقع من الخطأ منهم أو من غيرهم بالحكمة والأسلوب الحسن،
وما يُنقل عن بعض قدمائهم من الأخطاء لا يجوز أن يؤخذ بها من لم يظهر منهم إلا
الخير كما قال الله سبحانه ولا تزر وازرة وز أخرى .
وقال النبي "ولا يجني جانٍ إلا على نفسه" وإليكم برفقه صوراً من بعض
ما صدر منا ومن سماحة شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الثناء على
المذكورين .
وفّق الله الجميع لما يرضيه وأصلح للجميع النية والعمل، إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
صورة مع التحية لفضيلة مدير إدارة الدعوة في الخارج لإبلاغ المراكز التابعة
لكم بما ذكرنا.
خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى إلى فضيلة
الشيخ عبد العزيز بن يوسف بهزاد حفظه الله
الرقم 251/خ
المؤرخ 25/2/1408هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الابن المكرم فضيلة الشيخ عبد
العزيز بن يوسف بهزاد زاده الله من العلم والإيمان، وجعله مباركاً أينما كان،
آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 11/12/1407هـ وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق،
وأحطتُ علماً بما تضمّنه من الأخبار السارة عن خروجكم أنتم والوالد والأخ
محمود مع جماعة الدعوة ، وأنكم منذ تخرّجتم من الجامعة الإسلامية بالمدينة عام
1393هـ. وأنتم تخرجون معهم في كل إجازة وتتجولون في أنحاء العالم في الباكستان
والهند ولندن، والبرازيل، وسيلان، وأمريكا، وأندونيسيا، وسنغافورا، وتايلند،
والسودان، والأردن، وسوريا، ولبنان، والإمارات وغيرها. وأن جماعة من الإخوان(1/51)
ذهبوا إلى الصين مدة أربعين يوماً وجماعة أخرى ذهبت إلى روسيا مدة أربعة أشهر،
وأن مركز الدعوة في (رائيوند) مفتوح 24 ساعة، وجماعات تخرج وجماعات تأتي..
متحملين في ذلك المشاق محتسبين الأجر عند الله، وأن الله قد نفع بذلك وحصل به
خير كثير، وأن هذا كله بتوفيق الله ثم بالتعاون بين الجميع.
ولقد سرني كثيراً ما ذكرتم وحمدت الله على ذلك، وأسأل الله للجميع التوفيق
والسداد ،وأن نكون جميعاً من الهداة المهتدين الداعين إلى الله على بصيرة.
وإني بهذه المناسبة، أوصيك أنت والوالد والأخ محمود بالاستمرار في الخروج مع
الجماعة للدعوة إلى الله كلما سنحت لكم الفرصة، وأن تجتهدوا في إرشاد من
تخرجون إليهم إلى العقيدة الصحيحة وتوصوا إخوانكم الدعاة بذلك، وأن تُحرّضوا
إخوانكم طلبة العلم على الخروج معهم ومشاركتهم في أعمالهم ونشاطهم وتنبيههم
على ما قد يقع من بعضهم من الخطأ بالرفق واللين كما هي طريقة الرسل عليهم
الصلاة والسلام وأتباعهم، جعلنا الله وإياكم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما ما أشرتم إليه من رغبتكم في تزويدكم بما صدر أخيراً من الكتابات في موضوع
الجماعة المذكورة فإليكم برفقه جملة مما طلبتم ومنه رسالة كتبها فضيلة الشيخ
أبو بكر الجزائري ورسالة كتبها فضيلة الشيخ يوسف الملاحي ذكراً فيها ما
للجماعة وما عليها.
ونسأل الله أن ينفع بالجميع وأرجو إبلاغ السلام الوالد والأخ محمود وخواص
المشايخ والإخوان ، كما هو لكم من المشايخ والإخوان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى إلى فضيلة
الشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصين حفظه الله تعالى
برقم 414/خ المؤرخ 11/4/1408هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ سعد بن(1/52)
عبد الرحمن الحصين وفقه الله لكلمته الحق في الغضب والرضا وأعاذنا وإياه من
شرور النفس والهوى أمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أما بعد:
فقد وصلني كتابك المؤرخ 3/3/1408هـ، ومشفوعاته كتابك لفضيلة الشيخ أبي بكر
الجزائري وفضيلة الشيخ يوسف الملاحي وما أرفقت بهما، واطلعت عليها كلها.
ولا أكتمك سراً إذا قلت إني لم ارتح لها ولم ينشرح لها صدري، لأن هذه الطريقة
التي سلكت لا تفيد الدعوة شيئاً، لأنها تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح، وضرها
اقرب من نفعها ولم يعد ضررها إلا على الدعوة وعلى إخوانك في الله من خيرة
المشايخ وطلبة العلم نشأوا على التوحيد والعقيدة الصحيحة علماً وتعليماً ودعوى
وإرشاد وقد استغلها من لا بصيرة له في مناصبتهم العداء وتكفير بعضهم لهم،
واستباحة بعضهم لدمائهم، والعياذ باللهّ مع الوشاية بهم واستعداء المسئولين
عليهم وتهويل أمرهم عندهم وتخويفهم منهم ورميهم بالعظائم، وإلصاق التهم بهم
مما هم برآء منه، حتى حصل على الدعوة والدعاة من الضرر ما الله به عليهم، أما
من أقمتم الدنيا أقعدتموها من أجلهم فينطبق عليكم قول الشاعر:
وناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرّها وأوى قرنه الوعل
لكونهم بمنأى عنكم في بلادهم سائرين في دعوتهم في حماية من دولتهم لاحترامها
لهمن لأنك ذكرت في بعض كتابتك لنا أن رئيس الحكومة يحضر اجتماعاتهم ويشجعهم.
كما ذكر لنا هذه الأيام بعض أبنائنا المتخرجين من كلية الشريعة بالجامعة
الإسلامية ممن شاركهم في الدعوة سنين طويلة، أن مركزهم في رائيوند مفتوح 24
ساعة، وجماعات تخرج في سبيل الله، وجماعات ترجع.
فما دام الأمر هكذا فلن تخضعهم كتاباتك وكتابات أمثالك المشتملة على الفظاظة
والغلظة والسب والشتم بل أن هذه الكتابات ستكون سببا في نفرتهم من الحق وبعدهم
عنه، لقول الله سبحانه لنبيه محمد رسول الله الذي أدبه ربه فأحسن
تأديبه:(1/53)
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك
.
وقول النبي :
"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" "وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه
ولا ينزع من شيء إلا شأنه" "وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطى على النف ولا
على ما سواه".
والله سبحانه وتعالى نهى عن سب الكفار إذا كان يفضي إلى سب الله، فكيف بسب
المسلمين إذا كان يفضي إلى تنفيرهم من الحق وبعدهم عنه وعن الداعين إليه؟
فالواجب أن تسعوا في الإصلاح، لا في الإفساد وأن تخالطوهم وتنبهوهم على ما قد
يقع من بعضهم من الخطأ بالرفق واللين، لا بالعنف والقسوة.
أما تشديدك في إنكار البيعة على التوبة فقد اقترحت على قادتهم لما اجتمعت بهم
في موسم الحج الماضي بمكة، وحصل بيني وبينهم من التفاهم ما نرجو فيه الفائدة،
أن يكون عهداً بدل بيعة، فقبلوا ذلك ولعلهم تعلقوا بما قرره شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله في الجزء 28 ص21 من الفتاوى من عدم إنكار ذلك.
وكذلك تشديدك النكير عليهم في إبقائهم أحد الدعاة في المسجد للدعاء لهم، ولعل
قصدهم الاقتداء بالنبي حين بقي في العريش يوم بدر مع الصديق يناشد ربه
النصر حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده الصديق وقال: يا رسول الله !
"كفاك مناشدتك ربك، فإن الله سنجز لم ما وعدم".
وقد تمنيت أنك قبلت نصيحتي المتكررة لك، وما أشرت به عليك سابقاً ولاحقاً في
كتبي المرفق بعضها مع بعض صور، مما صدر منك في الموضوع لأني كتبتها عن بصيرة
وتأني ونظر في العواقب وموازنة بين جلب المصالح ودفع المضار، وخبرة تامة بهم
لتكرر اجتماعي بهم في مكة والمدينة والرياض مع ما استفدته من ثقات المشائخ
الذين سافروا إليهم وحضروا اجتماعاتهم واطلعوا عليها عن كثب واعجبوا بها.
وكنت نصحتك بما نصحت به محمود إستانبولي لما تهجم عليهم على غير بصيرة كحال
أكثر من شن عليهم الغارة في هذا الوقت بدافع الجهل والهوى، نعوذ بالله من
ذلك.(1/54)
وقد قلت في رسالتك المذكورة لمحمود:
"وصلتني رسالة منك حول جماعة التبليغ ويؤسفني أن ينهج أحد الدعاة إلى الله هذا
المنهج المخالف، لشرع الله في سب أقرانه في الدعوة إلى الله وشتمهم وتضليلهم
واتهامهم بتنفيذ مخططات أعداء الله في الكيد للإسلام والمسلمين.
كل ما في الأمر من أن جماعة التبليغ نهجت في الدعوة إلى الله منهجاً، أخطأت
(فيما نرى) في بعض جوانب منه، ونرى من الواجب أن ننبههم على هذا الخطأ، كما
نرى من الواجب الاعتراف بما في منهجهم من صواب.
وليت أخي ! يخرج معهم ليتعلم منهم اللين بدل القسوة، والدعاء للمسلمين بدل
الدعاء عليهم، والجدل بالتي هي احسن بدل الجهر بالسوء، وكلنا محتاج لتفقد نفسه
وتصحيح منهجه والرجوع إلى الله وإلى سنة رسوله في طاعة الله والدعوة إليه".
انتهى كتابك بحروفه.
وقد كتبته بعد اختلافك معهم في الرأي ولكن الله أنطقك بالحق فالحمد لله على
ذلك. وإليك رسالتك المذكورة مع شكرنا لك عليها برفقه، وربما اغتر بكتاباتك
القاسية ثق بك، من لم يخالطهم في عمره ولم يخرج معهم ولم يعرف عنهم شيئاً إلا
من كلامك فيكون عليك وزرك ومثل أوزار من انخدع بما كتبت إلى يوم القيامة.
فاتهم الرأي يا بني! وأعلم أن الله عند لسان كل قائل وقلبه، وأن الله سيحاسب
الإنسان عما يلفظ به أو يعمله، والجأ إلى ربك واضرع إليه أن لا يجعلك سبباً في
الصد عن سبيله وأذية المسلمين.
وأسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك لما هو الأحب إليه والأنفع لعباده وأن يختم لي
ولك بالخاتمة الحسنة إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
المسجد الأحمر
المسجد الأحمر أو (لال مسجد) بالأردية هو مسجد بإسلام آباد وملحق به مدرسة دينية بني عام 1965 وكان يعد أكبر مسجد في إسلام آباد إلى ما قبل تشييد مسجد فيصل(1/55)
ولال مسجد أي المسجد الأحمر بالعربية، ليس استثناء مما سبق إلا أنه حظي بأهمية أكبر بسبب موقعه في العاصمة إسلام آباد، وفي منطقة تكثر فيها المراكز الأمنية والسياسية الحساسة للدولة فضلا عن السفارات.
فالمسجد يعد مركزا دينيا متقدما، وساعد على ذلك إمام المسجد وخطيبه الشيخ محمد عبد الله غازي الذي كانت تربطه علاقة جيدة بالرئيس ضياء الحق، وكان دور المسجد آنذاك منسجما مع توجهات الدولة خاصة في الثمانينيات بالتحريض على الجهاد في أفغانستان ودعم "المجاهدين الأفغان" في حربهم ضد الروس.
وتراجع دور المسجد الرسمي بالنسبة للدولة ببناء "مسجد فيصل " الذي هو أحد أهم معالم المدينة حتى الآن، وتراجعت العلاقة بين إمام المسجد الشيخ عبد الله والحكومات المتعاقبة شيئا فشيئا بعد مقتل الرئيس ضياء الحق عام 1988، وساءت أكثر مع تصاعد جهود السلطات لمحاصرة الظاهرة الدينية "الجهادية" المرتبطة بالحالة الأفغانية.
وبلغ الأمر مرحلة جديدة من التوتر بمقتل الشيخ عبد الله أواخر التسعينيات واستلام ابنه عبد العزيز ومساعده (أخيه) عبد الرشيد زمام القيادة، وتعددت التحليلات وراء الجهة التي اغتالته، ولكن القيادة الجديدة للمسجد وجهت الاتهام المباشر لأجهزة الحكومة الأمنية بأنها وراء العملية وأنها تأتي في سياق إذعان الحكومة لإملاءات أميركا.
ومع البداية المتعثرة في العلاقة بين الشيخ عبد العزيز والسلطات فإن المواجهة السياسية استمرت بين الطرفين، ودخلت مرحلة متقدمة مع الحرب الأميركية على تنظيم القاعدة وأفغانستان والتي شاركت فيها إسلام آباد إلى جانب واشنطن .
فصول المواجهة الدامية :-(1/56)
وتعود فصول المواجه الدامية الأخيرة التي انتهت إليها أزمة "لال مسجد" ويعني بالعربية المسجد الأحمر في العاصمة الباكستانية إسلام آباد إلى مطلع العام الحالي، عقب الإعلان عن خطط حكومية لهدم مساجد في العاصمة بينها المسجد الأحمر بدعوى بنائها بطريقة غير قانونية على أراض مملوكة للدولة.
لكن جذور الأزمة بين الحكومة الباكستانية والمسجد الأحمر تبدأ بدخوله في مواجهة مع الحكومة بعد انضمام باكستان إلى ما يسمى الحرب الأميركية على الإرهاب أواخر 2001 التي بدأت بإسقاط نظام حركة طالبان في أفغانستان المجاورة وكانت المدارس الدينية منطلقا لها.
وبلغ التوتر ذروته عام 2005 إثر طرد وزارة الأوقاف لإمام المسجد الأحمر مولانا عبد العزيز غازي بعد إصداره فتواه الشهيرة المثيرة للجدل ضد الجيش الباكستاني الذي يقاتل حركة طالبان ورجال القبائل في المناطق الحدودية مع أفغانستان.
وقال غازي في فتواه تلك إن "ضباط الجيش الباكستاني الذين يقتلون في الإشتباكات مع طالبان ورجال القبائل ليسوا شهداء، ولا يجب تكفينهم شرعا"، ما أثار غضبا حكوميا وإعلان أحد المسئولين حينها بأن مولانا عبد العزيز "يحتل" المسجد الأحمر بالقوة، وهو ما دفع إمام المسجد لعدم مغادرته لمعرفته بتعرضه للاعتقال على خلفية فتواه النارية.
وعاد التوتر بين الحكومة والمسجد الأحمر للظهور على الساحة مجددا، بعد إقدام طالبات يدرسن بمدرسة حفصة التابعة للمسجد الأحمر مسلحات بالعصي لاقتحام مكتبة عامة للأطفال قريبة والسيطرة عليها في يناير الماضي احتجاجا على خطط الحكومة لهدم مساجد بينها المسجد الأحمر.
وبعد أيام من التوتر تراجعت الحكومة وتخلت عن خطط هدم المساجد، كما نشرت السلطات قوات من الأمن في محيط منطقة المسجد.(1/57)
وعقب نحو ثلاثة أشهر من هذا الحادث بدأ طلاب وطالبات المسجد الأحمر في 27 مارس الماضي ما أسموها حملة "توعية أخلاقية" في المنطقة نددت بها وسائل الإعلام الباكستانية، معتبرة أنها تندرج في إطار " طلبنة " باكستان.
محكمة شرعية :-
ودخلت الأزمة منعطفا جديدا في السادس من أبريل الماضي مع إعلان إمام المسجد الأحمر إنشاء محكمة شرعية، وحذر مولانا عبد العزيز غازي السلطات من أي تحرك ضد المسجد أو اقتحامه، مهددا بهجمات انتحارية. وأكد وجود عشرات آلاف المتطوعين لتنفيذها. وأوضح أن حملته ستمتد إلى جميع أنحاء باكستان.
وهدد الرئيس الباكستاني برويز مشرف عقب إقامة محكمة المسجد الأحمر بعدم التساهل مع أي جهة تلجأ إلى العنف. وقال في إشارة إلى طلاب المدارس الدينية "يجب آلا يحققوا العدل بأنفسهم لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى ولن نسمح بذلك".
وبعد أيام من تأسيسها أي في التاسع من نفس الشهر أصدرت المحكمة الشرعية للمسجد الأحمر فتوى تدعو لمعاقبة وإقالة وزيرة السياحة الباكستانية نيلوفار بختيار لظهورها "بشكل غير لائق" مع مظليين فرنسيين.
ولم تقف الحكومة مكتوفة اليدين فأدانت الفتوى وأغلقت موقع المسجد على الإنترنت ومحطة إذاعية تابعة له.
وفي استعراض آخر للقوة اعتقلت السلطات في 19 مايو الماضي 10 من أنصار المسجد، لكن الطلاب اختطفوا أربعة من عناصر الشرطة وانتهت الأزمة بإفراج متبادل.
أعقب هذا الحادث في 23 يونيو الماضي اختطاف تسعة أشخاص بينهم ستة صينيين (رجال نساء) يعملون في عيادة اعتبرها مسئولو المسجد بيت دعارة.
أقتحام الجيش الباكستانى للمسجد الأحمر
اقتحام المسجد :-
لكن التوتر تصاعد فجأة يوم الثالث من يوليو الحالي لدوافع يحمل كل طرف مسؤوليتها للطرف الآخر، ما دفع السلطات إلى حصار المسجد واتهام المتحصنين فيه باحتجاز مئات الرهائن من الأطفال والنساء. وهو ما نفاه نائب الإمام وشقيقه عبد الرشيد غازي.…(1/58)
كما خير الرئيس برويز مشرف المتحصنين بين الاستسلام والموت. وهو ما رفضه أيضا غازي، مشيرا إلى أنه يفضل "الشهادة" على الاستسلام، وتوعد بالقتال مع رجاله حتى النهاية، وأكد أنه يستطيع الصمود أمام أي هجوم شهرا.
وقد فشلت جهود وساطة في الساعات الأخيرة لاحتواء الأزمة، حيث أعلن الجيش الباكستاني شن عملية لاقتحام المسجد الأحمر فجر الثلاثاء 10/7/2007، و التي أسفرت عن 40 قتيلاً بينهم نائب الإمام وشقيقه عبد الرشيد غازي و اعتقال 50 من أنصار المسجد
و لقد لاقى هجوم السلطات الباكستانية على المسجد الأحمر رفضاً شعبياً و استنكاراً عارماً حيث خرج آلاف الباكستانيين في مظاهرات بمدينة بيشاور والعاصمة إسلام آباد ومدن وبلدات أخرى في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي (سرحد).
وردد المشاركون هتافات مناهضة للرئيس الباكستاني برويز مشرف وتتعهد بالسير على خطى نائب إمام المسجد الأحمر وزعيم المتحصنين عبد الرشيد غازي الذي قتل برصاص الجيش الباكستاني، في حين أقيمت صلاة الجنازة في العديد من المساجد على أرواح القتلى .
ومما يبين منه كذب السلطات الباكستانية فى كل بياناتها حول إستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية عدم ظهور اي امرأة او طفل من ضمن القتلى يبرهن على ان الحكومة الباكستانية كاذبة في ادعائها من ان الاسلاميين في المسجد الاحمر يتخذون من النساء والاطفال دروعا بشرية وهذا مايؤكده المتحدث باسم وزارة الداخليه الذي قال بان زعيم المتمردين خرج مع اربعة مسلحين فقط بعد ان اصيبت والدته ....( العجب العجاب ان الحكومة الباكستانية تكذب الكذبه وتصدقها) لكن الله لهم بالمرصاد فمن انفسهم من يكشف سرهم ...ونقول لبرويز مخرف ومن حوله من المنافقين (اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله) حيث تكشف عوراتكم ولا تستطيعون التزييف واختراع الاكاذيب لكي ترضوا اسيادكم ملة الكفر(1/59)
وقد أيد مجلس العمل المتحد –الذي يضم ستة أحزاب إسلامية- دعوة 13 ألف مدرسة دينية للتظاهر، وسط تزايد انتقادات المعارضة للحكومة بالإفراط في استخدام القوة في اقتحام المسجد ومدرسة حفصة للبنات الملحقة به .
هذا وقد علق الدكتور / جمال حشمت .. على الأحداث بالمسجد الأحمر لمراسل موقع (( أمل الأمة )) قائلاً :-
المسجد الأحمر لم يلق أي اهتمام عالمي أو إسلامي مثلما لاقت تماثيل بوذا ولم ينشغل أحد بقتل الأبرياء داخل المسجد رغم الاهتمام العالمي بالممرضات البلغاريات الذين ثبت في حقهم قتل أطفالنا بنشر الإيدز بينهم وهى رسائل شاركت فيها أنظمة الحكم العميلة في بلاد العرب والمسلمين التي استباحت أرواح أبناء الوطن فلم تغار على أرواح أبناء الأمة وهم يفعلون مثلما يفعل برويز مشرف أمريكي الهوى والفكر تلك الرسائل تريد أن تقذف في قلوب المسلمين أن دمائهم وأرواحهم أرخص ما في الوجود وطالما اقتربوا من الإسلام أكثر فإن ثمن ذلك قد تكون حرمانهم من حريتهم بل ومن حياتهم وكل جريمة المسجد الأحمر ومن فيه هي المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية بصورة سلمية في مواجهة الخلاعة والمجون الذي ترعاه الدولة ونظام الحكم ذو التوجه الأمريكي ثم تحولت هذه الدعوة في عرف حكام آخر الزمان إلى دعوة للإرهاب ومن ثم تحولت المواجهة لها إلى تهديد واقتحام وقتل ...
وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن تولى أمر المسلمين وحرمهم من الاحتكام إلى دينهم وشريعة ربهم .
من خلف النقاب
هل حقاً أراد الشيخ عبد العزيز غازى الهروب ؟
يكون حالنا كحال حركة فتح الفلسطينية تماماً لو صدقنا هذه الإفتراءات
لأن حركة فتح لما كثر كذبها ولغطها رضيت عنها سيدتها الأمريكية وكذلك تعاطفت معها حكومة الموامرات حكومة أولمرت . وصار التعاون الفتحاوى الإسرائيلى وبالأشراف الأمريكى مضرب المثل .
وأصبحت حركة فتح الأن مدعومة بمصدقيات أمريكا لها .
إنها ألعاب المخابرات النارية .(1/60)
المخابرات ستكون المتهم الأول فى زعزعة الإستقرار فى الباكستان بهذه الفعلة الدنيئة القذرة لما أظهرت مولانا عبد العزيز بملابس النساء على شاشات الفضاحيات
بفعلها هذا إستفزت كل رجال الدين فى الباكستان والبشتون وبيشاور وما أدراكم أن يستفز البشتونيين .
نبدأ قصة النقاب برواية عن شاهدة عيان لهذه الواقعة وهى عائشة اليوسف أحدى طالبات جامعة حفصة والتى قالت : أتى إلينا مولانا عبد الرشيد غازى وأخبرنا جميعاً وكنا أربعة ألاف وخمسمائة طالبة ومعلمة متحصنات بجامعتنا لا نريد تسليمها للطاغوت المتمثل فى الجبش وقياداته العميلة .
قال لنا الشيخ عبد العزيز الجيش والمخابرات يريدون التفاوض وسمحوا لنا بأخراج الراغبات فى الخروج من النساء وأرى أن تذهبوا جميعكن لبيوتكن وأن تدعوا الله لنا أن يثبتنا وسوف نتشاور أنا وأخى عبد الرشيد وطلبة السنة النهائية بالمسجد فى أمر التفاوض ولكن إن كنتن حريصات على نصرتنا فاذهبن لبيوتكن فخرجت ثلاث ألاف طالبة ومعلمة من المسجد على دفعات . وعندما تشاور مولانا عبد العزيز مع نائبه مولانا عبد الرشيد على من يخرج للتفاوض مع الجيش إستقروا على خروج مولانا عبد العزيز للتفاوض وأعلموا الجيش بهذا
فطلب الجيش من مولانا عبد العزيز أن يخرج لهم فى زى النساء متعللين بأن لا تصيبه رصاصات القناصين الرابضين عن بعد وإنصاع مولانا عبد العزيز للأوامر وما أن خرج عليهم إلا وأحكموا قبضتهم عليه وسلموه للمخابرات والتى أظهرته على شاشات التلفزيون والتى إدعت أنه حاول الهروب فى ملابس إمرأة .
وبمجرد ظهوره بهذه الهيئة تحركت كل القرى الباكستانية حنقاً وغضبا .
وأقول والله خدعتكم هذه لا تنطلى على طفل صغير وللأسباب الآتية :(1/61)
باكستان حالها حكال أغلب الدول الإسلامية التى تحكمها أنظمة علمانية لا دينية فتكاد تكون باكستان الدولة الوحيدة في القرن الماضي التي قامت على أساس عقدي – بخلاف إسرائيل- فالمسلمون انفصلوا عن الوطن الأم بتوافق دولي وإقليمي فقد كانوا يخشون من هيمنة هندوسية عليهم ويرون دائماً أن الهند لم تتقبل قط وجودهم ومن ثم كانت باكستان ترى أن الهند عازمة على إنهاء تقسيم شبه القارة مما يعني ضمناً وضع نهاية لاستقلال باكستان ففي عام 1964م صرح نهرو رئيس وزراء الهند حينذاك لصحيفة الواشنطن بوست أن هدف الهند النهائي هو قيام اتحاد هندي باكستاني مما يعني دخول باكستان مرة أخرى تحت الهيمنة الهندوسية وعليه فقد كان الهدف الجوهري لإستراتيجية باكستان الرئيسية هو مجرد البقاء في وجه منافستها الهند الأكبر منها حجماً والأكثر قدرة والتي تريد بوضوح تصحيح الوضع القائم مع الحفاظ على سلامة استقلاليتها قدر الإمكان.
لذلك استقر في الوعي الباكستاني العام أن الإسلام والجيش هما العاملان الوحيدان اللذان يستطيعان المحافظة على كيان هذا البلد.
ولكن لأن القائمين على تأسيس باكستان كانوا علمانيين طغت الروح العسكرية فقط على هذا البلد وتراجع العامل العقدي في السياسة والعسكرية وأدت الهزائم المتتالية المهينة للجيش الباكستاني على أيدي الهنود وما تبعها من هزائم إستراتيجية تمثلت في اقتطاع أجزاء ضخمة من باكستان في كشمير والهند إلى إعادة الاعتبار للعامل العقدي مرة أخرى للحياة السياسية والعسكرية لباكستان.(1/62)
ويعتبر تولي الجنرال ضياء الحق مقاليد الحكم بانقلاب ضد رئيس الوزراء العلماني ذو الفقار بوتو نقطة فاصلة في العلاقة بين النظام الباكستاني عموما والجيش خاصة بالإسلاميين ذلك لأن ضياء الحق أدرك استراتيجيا وليس بالضرورة عقديا ضرورة وجود هذين العاملين لكي تتقدم باكستان وتخرج من عنق زجاجة الهزائم المتوالية وهما: الإسلام والقوة العسكرية وإن كان ذو الفقار بوتو يحسب له أنه قد عمل وسعى إلى البدء في تطوير البرنامج النووي الباكستاني إلا أنه عجز نتيجة علمانيته عن إدراك الدور الحيوي للإسلام في إحياء الشعب الباكستاني وبالتالي الإبقاء على الدولة.
ثمة عامل مهم لكي يعزز النظام الباكستاني دعمه للإسلام وهو الإسلام هو الوحيد الذي يستطيع جمع شتات الشعب الباكستاني فباكستان خليط من الأعراق والقوميات المتناقضة وهي تنقسم عموماً إلى أربع أقاليم رئيسة: بلوشستان الشمالية والغربية والبنجاب والسند. وتختلط فيه الأجناس وتتفشى الروح القبلية. هذا الخليط من المقاطعات الجغرافية يعاني مفارقات كثيرة فهناك مفارقة اللغة إذ يتحدث 65% من السكان البنجابية ( لغة إقليم البنجاب ) ويتحدث الأردية 20 % من مجموع السكان ويتحدث السندية 12% ( لغة إقليم السند ) وتتوزع النسب الباقية على الباشتونية والبلوشية. بينما تتحدث النخب اللغة العربية إلى جانب الإنكليزية.
وهناك مفارقة الأقاليم وتعداد سكانها:فالقوة القومية الأولى هي البنجاب إذ تشكل أكثرية قومية ( 60% من السكان ) وتسيطر على 65 في المائة من الإنتاج الزراعي إضافة إلى احتلالها
معظم المواقع السياسية والاقتصادية ولكنها تعيش في إقليم مساحته ضيقة جغرافياً.والقوة القومية الثانية هي السند وتسيطر على التجارة القديمة وبعض الصناعات الموجودة في كراتشي وتعاني مشكلة المهاجرين المسلمين الهنود الذين يشكلون الآن 50% من سكان عاصمة الإقليم.(1/63)
والباشتون هم القوة القومية ( القبلية ) الثالثة وهم يعيشون على تجارة الجوار الأفغاني وتعتبر عاصمتهم بيشاور من المعابر الإستراتيجية بين البلدين.ويعتبر البلوش القوة القومية ( القبلية ) الرابعة وهم على قلّتهم ينتشرون على مساحة تمتد علي 50% من جغرافية دولة باكستان. وتعاني الأقلية البلوشية أوضاعاً اقتصادية بالغة السوء انعكست على ضعف تمثيلها السياسي في إدارات الدولة وأجهزتها ومجالسها التمثيلية والتنفيذية.ولا يوجد غير الإسلام للسيطرة على هذا المزيج المكون من مائة وأربعين مليوناً من السكان.
الدور الأمريكي:
يعتبر الدور الأمريكي في باكستان عاملا مؤثرا على السياسات الداخلية وسلوك النظام الباكستاني وأي تحليل يغفل أهمية هذا الدور لا يستطيع إيجاد تفسير حقيقي وشامل لما يدور في هذا البلد.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 رفعت أمريكا على لسان رئيسها بوش شعار: ( من لم يكن معنا فهو ضدنا ) وأصبح القضاء على الإسلام الجهادي هو هاجس أمريكا الأكبر وإن تبعه بعض الأهداف الأخرى وهي: احتواء الصين والهيمنة على منطقة آسيا الوسطى ووضع اليد على نفط بحر قزوين.وكان لا بد من إستراتيجية جديدة في التعامل مع المنطقة وتلخصت هذه
السياسة في الضغط على باكستان لتبذل أقصى ما تستطيع للقضاء على المنظمات الجهادية في المنطقة وعلى رأسها طالبان والقاعدة والمنظمات الإسلامية الجهادية في كل من باكستان وكشمير واتبعت الولايات المتحدة في سبيل بلوغ هذا الهدف عدة سياسات:
· استخدام الورقة الهندية والتلويح بها كلما بدا من النظام الباكستاني النكوص أو التهاون في ملاحقة الجماعات الجهادية وخاصة زعماء طالبان والقاعدة والذين بالقبض عليهم أو بقتلهم ينتهي الإحساس بالكرامة المجروحة لدى الشعب الأمريكي.(1/64)
· التحذير من الاستيلاء على السلاح النووي الباكستاني عبر تسريب الأنباء في الصحف الأمريكية عن وجود قوات خاصة أمريكية تتدرب للسيطرة على مجمع كهوتا الذي يضم المفاعل النووي الباكستاني.
· التهديد بإطلاق يد إسرائيل في المنطقة.
· استخدام ورقة المساعدات الاقتصادية للضغط على باكستان.
ويبدو من هذه السياسات أن الضغط استهدف في المقام الأول باكستان باعتبارها حجر العثرة في سبيل تحقيق أمريكا لأهدافها في المنطقة ولذلك فإن افتتاحية الواشنطن بوست ( 20/12/2001م ) ترى أن الخطوة القادمة في الحرب على الإرهاب يجب أن تكون في باكستان قبل العراق والصومال لمواجهة جماعات الإرهاب الباكستانية التي تتهمها الهند بالاعتداء على برلمانها. كما ترى الصحيفة
أن الهند مارست ضبط النفس بدرجة تدعو للإعجاب وينبغي ألا يُحظر عليها ممارسة حق الدفاع عن النفس كما تمارسه أمريكا وإسرائيل.
وفي نفس الوقت اتهم مسئولون أمريكيون المخابرات الباكستانية بأنها على صلة غير مباشرة ولكنها قديمة بتنظيم القاعدة وأن المخابرات الباكستانية استخدمت معسكرات القاعدة في أفغانستان لتدريب عملاء سريين لاستخدامهم في حرب الإرهاب ضد الهند.(1/65)
كذلك يعتقد فريق في الإدارة الأمريكية وفي الكونجرس أن النظام الباكستاني يمارس دوراً مزدوجاً في التعامل مع الولايات المتحدة فهو من جهة يريد إظهار نفسه داعماً للسياسة الأمريكية تجاه ما تسميه أمريكا إرهاباً وأنه في إمكانه أن يذهب معها إلى أقصى ما تريده الولايات المتحدة منه وفي نفس الوقت فإن النظام يدرك جيداً أن مصلحته الإستراتيجية في وجود طالبان والقاعدة وأنها هي الورقة التي يلعب بها فإذا فقدها فإن أمريكا وحليفتها سوف تستدير عليه لتقضي على قدراته النووية وفي هذا السياق نجد أنه في أعقاب تصريحات قادة التحالف الشمالي بأن قادة طالبان والقاعدة هربوا إلى باكستان وسارع قائد القوات الأمريكية بزيارة باكستان ليتعرف على الوضع أطلقت الهند تهديداتها وحركت جيوشها.
العلاقة بين الجيش الباكستاني والجماعات الإسلامية:(1/66)
عندما سعت القيادة الباكستانية مع مجيء ضياء الحق إلى إحياء دور الإسلام في شتى مناحي الحياة في باكستان تزامن هذا مع بدايات المد الإسلامي في المنطقة وتزامن أيضا مع الغزو السوفيتي لأفغانستان واستعدادات الحركات الجهادية للقدوم إلى باكستان حيث وفرت القيادات الباكستانية المنطلق لهذه الحركات بتوافق وبدعم إقليمي أمريكي ملحوظ ومن هنا يمكن تأريخ العلاقة الجدية بين الحركات الإسلامية الباكستانية والنظام الباكستاني وخاصة الجيش الباكستاني وخاصة المخابرات العسكرية الباكستانية ويكفي أن نعلم أنه عندما تولى الجنرال ضياء الحق زمام الأمور في باكستان في عام 1977م توطدت علاقاته بالشيخ محمد عبد الله وهو والد الشيخين اللذان يتزعمان الطلاب داخل المسجد الأحمر الآن لأن الظروف كانت مهيأة لتلك العلاقات واستمرت هذه العلاقات إلى وفاة الجنرال محمد ضياء الحق عام 1988م. واستفاد الشيخ محمد عبد الله من هذه العلاقات الوطيدة مع ضياء الحق ومن توجهاته الدينية في مجالات مختلفة وبقي طول حكم الجنرال ضياء الحق رئيسًا للجنة رؤية الهلال المركزية وأنشأ مدرستين كبيرتين في إسلام آباد:
1 - الجامعة الفريدية وهي تقع في الغابة قرب مسجد الملك فيصل وتعتبر تلك المنطقة من أرقى مناطق إسلام آباد.
2 - جامعة حفصة للبنات وهي تعتبر من كبريات المدارس للبنات في باكستان وتقع في حي (G|6|4) وهي منطقة حساسة جدًّا لقربها من وزارة الخارجية الباكستانية ومحطة الإذاعة والتلفزيون وأغلب السفارات الغربية.
و بعد الانسحاب السوفيتي توافقت مصالح الطرفين على هذه العلاقة من عدة وجوه:
فالجيش الباكستاني استخدم ورقة الإسلاميين في عدة مجالات:
محليا: في وجه القوى العلمانية المنافسة مثل حزب الشعب بزعامة بناظير بوتو وفي وجه الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف.(1/67)
إقليميا: في تعزيز موقف الدولة في نزاعها حول كشمير وبرز هنا ما حدث في كارجيل والتي تعاونت فيها الجماعات الإسلامية الكشميرية مع الجيش الباكستاني في الاستيلاء على تلال كارجيل في كشمير.
دوليا: كورقة مع الأمريكيين في محاولة وقف التحالف الصليبي اليهودي الهندوسي ودعم البرنامج النووي الباكستاني ومحاولة لمد الرقعة الأمن الإستراتيجي الباكستاني إلى أفغانستان.
أما الإسلاميون فكان تحالفهم مع الجيش لتحقيق عدة انجازات منها: زيادة مساحة انتشارهم داخل المجتمع الباكستاني والسماح بزيادة عدد المدارس الدينية والتغلغل داخل المجالس النيابية ومحاولة المشاركة في صنع القرار السياسي الباكستاني.
بمرور الوقت انحصر الصراع إلى سلسلة ذات ثلاث حلقات:
الحلقة الأولى: أمريكية وترمي إلى تحييد الجيش الباكستاني في الصراع الدائر بينها وبين ما تطلق عليه الإرهابيين وتقصد به الإسلاميين الذين يربكون الخطط الأمريكية للمنطقة وووصل نفوذهم إلى داخل بريطانيا والولايات المتحدة نفسها وهي تشك بمساعدة الجيش الباكستاني أو أجنحة فيه للإسلاميين.
الحلقة الثانية: الجيش الباكستاني وهدفه تثبيت حكمه لباكستان حيث ترى قياداته وعلى رأسها برويز مخرف أنها هي الأقدر على إدارة دفة البلاد في هذه الفترة العصيبة ويرى الجيش أنه محصور بين مطرقة الولايات المتحدة وسندان الإسلاميين حيث أنه في حاجة إلى الطرفين.
الحلقة الثالثة: الإسلاميون وهؤلاء لهم مشروعهم الذين يرون أن باكستان إنما أنشئت من أجله وهو تطبيق الإسلام في شتى مناحي الحياة ولكن يبرز داخلهم انقسامات عديدة في المسارات التي ينبغي المسير فيها لتحقيق ذلك الهدف ويعتبر الإسلاميون الحلقة الأضعف في هذه السلسلة ويعيبهم عدم تقديرهم لقوتهم وقصور نظرهم للواقع المحيط بهم جيدا وهذه من أكثر المشاكل التي يعاني منها الجسد الإسلامي ليس في باكستان فحسب ولكن في سائر أنحاء العالم الإسلامي.(1/68)
لذلك قامت الولايات المتحدة الشهر الماضي بقصف هذه المدارس فقد قال مسئول مخابراتي في منطقة شمال وزيرستان رفض الكشف عن اسمه إن تسعة صواريخ أطلقت من مروحيتين أمريكيتين اخترقتا الأجواء الباكستانية علي الحدود مع أفغانستان دمرت مدرسة دينية وأدت لقتل 30 شخصًا وإصابة العشرات وزعم مسئول المخابرات الباكستانية أن ذلك المدرسة الدينية كانت مركزًا لتدريب مقاتلين محليين تابعين لطالبان في قرية مامي روجا الحدودية على مسافة حوالي 25 ميلاً غرب بلدة ميران شاه البلدة الرئيسة في منطقة شمال وزيرستان.
ومن هنا نفهم تحرك الجيش الباكستاني لقمع انتفاضة المسجد الأحمر حتى لا يعطي تبريرا للقوات الأمريكية للتدخل مرة أخرى.
الصيد الثمين
وأعجبنى ما قالته سدرة المنتهى إحدى طالبات جامعة حفصة التابعة للمسجد الأحمر لما سؤلت أنكم أردت إحداث الفوضى بالبلاد عندما قمتم بمظاهرات فى العاصمة إسلام أباد فأجابت قائلة حفظها الله تعالى :
نعم لقد قمنا بمظاهرات ولكن أسألكم بالله ألا ترون بأم أعينكم ما يحدث فى أغلب التظاهرات الحزبية من تخريب وتفجير سيارات وتكسير محلات ونحن لما تظاهرنا ضد مكتبة تقدم المفاسد متنوعة واقتحمنا هذه المكتبة أمرنا مولانا عبد العزيز بأن لا نرفع حتى الكتاب من مكانه أو نحرك كرسى ولكن أخذنا المجلات والإسطوانات وأحرقناها كما شاهدها العالم بأسره نحن لا نرتضى بمثل هذا فى بلادنا ونقوى بفضل الله تعالى على دفع هذه المفسدات عن شبابنا يعنى تظاهراتنا إيجابية لا كالتظاهرات التى يحدثونها أتباع الأحزاب السياسية نحن غيرنا منكر فى بلادنا أفايكون هذا جزاءنا أم هو التعلل لأجل إرضاء أمريكا من إخواننا المدافعين عن أعراضنا من شباب وأفراد وقادة جيشنا إنا لفى عجب هل إخواننا من يحبسونا ويهتكوا عوراتنا ؟
يقولون أن مولآنا عبد الرشيد غازى كان يتدرع بالنساء والأطفال فماذا كان يخرجنا نحن ونحن كنا أدرع له ومن معه .(1/69)
ولماذا ما احتجز مفاوضه شودرى شجاعات حسين رئيس الوزراء السابق وهو كان يمثل له صيد ثمين فاتفاوض وأثيرك وزارى سابق غير التفاوض وأسراك من الأطفال كما لفق خبرهم الذى كتب بمداد شيطانى ووحىّ أبليسىّ .
وهذه بعض أخبار وردت فى هذه المفاوضات :
اسلام اباد: اعلن مصدر رسمي صباح الثلاثاء ان المحادثات بين الحكومة الباكستانية واحد زعماء الاسلاميين المتحصنين داخل المسجد الاحمر في اسلام اباد فشلت بعد رفض هذا الاخير اطلاق سراح النساء والاطفال المحتجزين كرهائن في المبنى. واعلن كبير المفاوضين شودري شجاعة حسين عن فشل الوساطة بعد 11 ساعة من المفاوضات اعقبها تبادل غزير لاطلاق النار وانفجارين كبيرين. وقال شودري خلال مؤتمر صحافي بالقرب من المسجد الاحمر "بعد 11 ساعة من المفاوضات نحن محبطون جدا لكون المفاوضات قد فشلت".
وكان الرئيس مشرف قد كلف فريقا من المفاوضين بقيادة رئيس الوزراء الاسبق شودري شجاعت حسين باجراء محادثات لانهاء ازمة المسجد، في محاولة اخيرة لاقناع الطلبة المتشددين داخل المسجد بالاستسلام للسلطات. وكانت تقارير قد قالت في وقت سابق إن وفدا من رجال الدين يحاول التوسط لتفادي شن هجوم على المتشددين المتحصنين داخل المسجد الأحمر فيما وصفوه بمحاولة اخيرة بعد ان اصدرت السلطات ما وصفته بآخر انذار لهم من اجل الاستسلام، حسب رويترز.
وقال قاري حنيف جالوندري وهو مسؤول كبير في المؤسسة الباكستانية التي تشرف على المدارس الدينية "نبذل اقصى جهودنا لتفادي اراقة الدماء ولاسيما النساء والاطفال الابرياء." وكان جالوندري يشير بذلك الى مئات من النساء والاطفال الموجودين داخل المجمع والذين تقول الحكومة انه يتم استعمالهم كدروع بشرية. يذكر ان حصيلة المواجهة بين القوات الباكستانية والطلبة بلغت حتى الان 21 قتيلا.(1/70)
وكان وزير الشؤون الدينية الباكستاني اعجاز الحق قد قال الاحد ان الاطفال والنساء المحتجزين داخل المسجد هم رهائن لدى "ارهابيين متشددين". وكشف ان مسلحين اجانب يقاتلون الى جانب الطلبة الإسلاميين المتشددين داخل المسجد المحاصر منذ يوم الثلاثاء الماضي. واضاف اعجاز الحق ان هناك "اكثر من 250 مسلحا داخل المسجد، ومن بينهم عدد من المقاتلين الاجانب الذين يقودون المواجهة مع القوات الباكستانية".
وقال اعجاز الحق ان هناك بين صفوف الطلبة "بعض الارهابيين المطلوبين للسلطات الباكستانية ودول اخرى". وصرح الوزير لـ بي بي سي "ان هناك ما بين 2 الى 5 من المسلحين داخل المسجد مطلوبين للسلطات الباكستانية بخصوص قضايا كبرى وان المسلحين يسيطرون على المسجد بشكل كامل"، وعبد الرشيد غازي الذي يقود العملية ليس سوى واجهة لهم".
واضاف ان الحكومة علمت بوجود هؤلاء المسلحين داخل المسجد بعد مقتل مقصود احمد في اليوم الاول من الحصار، والذي ينتمي الى حركة "جيش محمد " التي تتهمها الحكومة بالارتباط بتنظيم القاعدة.
وكان مقصود مطلوبا للسلطات الباكستانية لتورطه في محاولة لاغتيال رئيس الوزراء شوكت عزيز شمال باكستان عام 2004. وكان عبد الرشيد غازي الذي يتزعم المتحصنين داخل المسجد قد نفى وجود عناصر متطرفة من المنظمات المحظورة داخل المسجد مشيرا الى ان المتحصنين داخل المسجد هم طلبة المدرسة الاسلامية التابعة للمسجد، والتي يتولى ادارتها،مضيفا ان هؤلاء "مستعدون للموت وليس للاستسلام".
وقال لـ بي بي سي في وقت سابق إنه لن يقبل أي شروط تجعله يبدو كمن خضع لضغوط الحكومة الباكستانية، وقال إن هناك ألفا وثمانمائة شخص داخل المسجد.(1/71)
على صعيد آخر، تشير تكهنات بأن أزمة المسجد الأحمر على ارتباط بحادث مقتل عدد من الصينيين بالرصاص يوم الأحد في مدينة بيشاور الباكستانية. وبدأت أزمة المسجد الأحمر بقيام الطلاب فيه باحتجاز عدد من النساء الصينيات بزعم أنهن يمارسن الدعارة. ولم يتم إطلاق سراحهن إلا بعد أن تعهدت الحكومة بإغلاق عدد من المراكز التي تقدم خدمات التدليك وفنون الطب الصيني.
هل رايتم كيف تعالج العلمانية إدارة شئون محكوميها ؟
الإستسلام أو القتل !!!
هذا بيان خادم باكستان لهذا الزمان
برواز أمريكى مخرف
إختل عنده ميزان الضبط فأصبح يخرف
المرهوب (( مخرف ))
أكثر كلمة يستعملها كأقرانه الإرهاب
وإنى لسائله ممن أنت مرهب يا صاحب القنبلة النووية !!!
ممن أنت مرهب يا من فوت على نفسه أروع فرص السيادة على الأرض بفطرة أقوام لو إستعملتهم لفتحت البلاد وقلوب العباد بعد توفيق الله جل فى علاه
ممن أنت مرهب وقد سخر الله لك من سبل التفوق البشرية والتقنية الكثير ولكن صرفتك من إستعملتك إلى ما يشغلها ويؤرق حياتها وهو دين محمددين المحجة البيضاء التى تخشاها أمريكا وترهبها لأنهم سادة الدجل والغدر والخيانة وفى هذا لا نعجب لأنهم أعداء الله بشهادة جميع عقلاء أهل الأرض ولكن ممن أنت مرهب ؟
وأنت تملك إرهابهم بل والله عندك من قوة الإعتقاد فى أبناء قومك ما تقوى به على تركيع أمريكا وسائر الأرض لعبودية الله وحده .
عندك مدارس تربى أبناءها على منهجية . من حرمها لم يعرف طعم الراحة والحرية فى حياةٍ أو ممات
عندك مدارس أُسس بنيانها على تقوى تحقق الفوز والنجاة
عندك مدارس تربى أبناءها بعلومٍ من علمها لم يكن من الضالين
وأنت تشهر فى وجه هذا المدارس سيف الإلحاد يا لئيم
تستعملك أمريكا لطمس معالم الشريعة
فعاديت الله تعالى فأصبحت
مرهوب مخرف
أفلا تأملت من المرهوبين فى هذا الآية فخالفت سبيلهم
ولحقت بسبيل من خلقك وشق سمعك وبصرك(1/72)
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60
وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا, ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة, وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.
وهذه بعض أخبار يحتم على وأنا أتناول الحديث عن المسجد الأحمر أن أذكر بها لأن المواقف تستدعى بعضها البعض ...
شهدت ساحة المسجد الأحمر استشهاد زعيم المتحصنين بداخله عبدالرشيد غازي ، نائب امام المسجد ، و50 من طلابه برصاص قوات الجيش الباكستاني اثر عملية اقتحام واسعة للمسجد المحاصر منذ سبعة أيام
لم تكن عملية اقتحام المسجد مجرد انتهاكاً لحرمته فقط ، بل كانت ردا انتقاميا توعد به الرئيس الباكستاني برويز مشرف عقب تعرضة لمحاولة اغتيال في روالبندي الجمعة الماضية .
وكان مشرف قد هدد في مقابلة تلفزيونية أول أمس الأحد بقتل طلاب الجماعات الإسلامية المحاصرين داخل المسجد الأحمر إذا أصروا على رفض الاستسلام .. حيث شهد محيط المسجد مواجهات عنيفة بين قوات الجيش والإسلاميين المتحصنين بداخله(1/73)
وفشلت المحاولات التي قام بها وفد من علماء المسلمين لإنهاء الأزمة بين الحكومة والمسجد بسبب عدم تمكنهم من الوصول إلي المسجد ( كأنه كان مقصودا أن يصير الحال إلي ما صار إليه ‘ لعلها تكون نهاية المسجد الأحمر ) الذي عاني طوال فترة الحصار من اطلاق نار كثيف وانفجارات متتالية بمجمعه ، بالإضافة إلي قطع امدادات المياه والغاز والكهرباء وعدم توافر الطعام .
وباستشهاد عبدالرشيد وطلابه الخمسين يرتفع عدد ضحايا المسجد إلي 121 ، بحسب آخر احصائية متوافرة .
كانت حدة التوتر قد تصاعدت بين السلطات والزعماء الدينيين في المسجد منذ يناير الماضي عندما شن طلاب المسجد والمدارس الدينية التابعة له حملة لتطبيق الشريعة الإسلامية وشجب الرذائل التي تزداد وتيرتها في المجتمع .. وأعلن إمام المسجد في أبريل الماضي إنشاء محكمة اسلامية في المسجد وبدء تطبيق الشريعة الاسلامية ، وحذر السلطات من أي تحرك ضد المسجد ، ومنحها مهلة شهرا لإغلاق المواخير ومواقع بيع الخمر ولعب القمار .. بعدها يتولى الطلبة القيام بهذا العمل.
وكان الرئيس الباكستاني قد تعرض لمحاولة اغتيال الجمعة الماضية ، حيث استهدف مسلحون طائرته اثناء إقلاعها من مدينة " روالبندي " ، كما قُتل ستة جنود باكستانيين شمال غرب باكستان ، حيث يوجد حلفاء للجماعة الإسلامية المتحصنة داخل المسجد الأحمر.
ونفت السلطات اي علاقة لحادث الطائرة بالمسجد .. فيما أكد غازي أنه تلقى مكالمة هاتفية من مجهول يعلن فيها مسئوليته عن محاولة اغتيال الرئيس انتقاما من اعتداءات قوات الأمن على المسجد الأحمر، بحسب قناة الجزيرة الفضائية.
ونجا مشرف وهو حليف للولايات المتحدة تولى السلطة في انقلاب عسكري عام 1999 من محاولتي اغتيال عام 2003 .(1/74)
من جانبه قال عبد الرشيد في آخر تصريحاته لمحطة "جيو" التليفزيونية الباكستانية " إن والدته أصيبت في اقتحام المسجد الأحمر ".. واضاف " هذا اعتداء صارخ .. إن استشهادي أمر محتوم الآن."
وكانت رويترز قد نقلت عن غازي السبت 7 يوليو قوله : " يمكن ان نموت ولكن لن نستسلم. لسنا إرهابيين".
وعبر غازي في اليوم نفسه عن استعداده والطلبة للإستسلام في حديثه لتلفزيون "جيو " على أن يسمح لاتباعه بالذهاب إلى حال سبيلهم اذا لم تستطع السلطات ان تثبت انهم ينتمون لأي جماعات محظورة أو لم يكونوا مطلوبين في أي جريمة .. مؤكدا ان هناك حملة تشويه لاقناع الناس بأن هناك جماعات متشددة بين الطلبة".
ورفضت الحكومة شروط غازي للإستسلام ، خاصة توفير ممر آمن للخروج واصرت على ان يستسلم بلا شروط. خاصة بعد القبض على شقيق عبد الرشيد غازي ويدعى عبد العزيز ، أمام المسجد الأحمر ، يوم الاربعاء وهو يحاول الهرب متخفيا في نقاب امرأة .
وقالت " باربرا بليت " مراسلة بي بي سي في إسلام آباد إن الحكومة عملت على تصعيد الضغط النفسي على من بداخل المسجد من خلال استعراض ضخم للقوة لإجبارهم على الاستسلام غير المشروط .
ومن جانبها عبرت النائبة سامية راحل العضو في اتحاد المعارضة الباكستانية عن اسفها لما يحدث ، وطالبت الاتحاد بالضغط على الحكومة وسلطات المسجد لإنهاء هذا العمل.
وحث السياسيون المعتدلون ووسائل الإعلام الرئيس مشرف على سرعة التحرك لإنقاذ الموقف ، لكن الرئيس نفذ تهديده بالقتل لجميع من يتحصنون داخل المسجد إذا لم يستسلموا .(1/75)
وتعتبر هذه العملية العسكرية الدموية بمثابة مقامرة للرئيس الباكستاني الذي أصبح في مواجهة حقيقية مع الإسلاميين في باكستان ، خاصة مع قيام الجيش في الأيام القليلة الماضية بنشر الآلاف من الجنود في شمال غربي باكستان حيث يتركز أنصار المسجد المعارضين للرئيس ، وحيث تم تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد الجيش الباكستاني علي خلفية احداث المسجد من بينها محاولة لقتل مشرف نفسه.
"مشرف".. أشعل الثورة الإسلامية
لو كان الرئيس الباكستاني يقرأ الغيب أو يملك من يحسن قراءة الأحداث من حوله ، ما تجرأ علي اقتحام المسجد الأحمر ، بل كان يفضل حصاره إلي يوم الدين أو يرتد تاركا المسجد علي حاله بدلا من أن يكون سببا في اشعال ثورة إسلامية قد تطيح به في القريب العاجل.. لقد أخرج المارد من القمقم ولن يستطيع السيطرة عليه.
يعتبر الهجوم الذي تعرض له الجيش الباكستاني في منطقة القبائل في 14 يوليو وأسفر عن مقتل 23 جنديا وإصابة 27 آخرين تحولا خطيرا في تداعيات أزمة المسجد الأحمر لم يسبق ان تعرض لها الجيش .
فقد صاحب خروج المظاهرات الحاشدة بقيادة الشيوخ والشباب من طلاب المدارس الإسلامية والجمعيات الدينية التي تعلن رفضها للطريقة التى أنهى بها الجيش أزمة المسجد الأحمر مما أدى إلى مقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب المسلم الذين كانوا متواجدين داخل المسجد ، خاصة أن الدولة لم تعط فرصة لجهود الوساطة الأخيرة لإنهاء الأزمة دون إراقة دماء.
كما تناولت وسائل الإعلام الباكستانية الأنباء عن وجود قبور جماعية للطلاب خلال العملية العدوانية التي نفذها الجيش ، ولم تسمح قوات الأمن للصحفيين بدخول المسجد حتى الآن ، وسط تكهنات بأنها تحاول إخفاء "جريمة كبيرة" نفذتها داخل المسجد .(1/76)
فيما يؤكد مراقبون للشأن الباكستاني إلى أن جوا من الحزن يلف البلاد إثر العدوان على المسجد الأحمر ، مؤكدين أن ثناء القوى الغربية على أداء مشرف جاء ثمنا لحزن وأسى الباكستانيين ، الذي قد يساهم بشكل كبير في التأسيس لثورة ضد مشرف.
وخلال أحداث "المسجد الأحمر" - تم تنفيذ عدة هجمات ضد عناصر الأمن رداً على حصار الأمن للمسجد الأحمر .. ففي منطقة "سرحد" القبلية في شمال غربي باكستان - شهدت هجمات "انتقامية" استهدفت الجيش والشرطة ومؤسسات حكومية ، مما أسفر عن مقتل شرطي وجرح 17 آخرين، بالإضافة لمحاولة اغتيال الرئيس برويز مشرف الجمعة الماضية قبل ان تأخذ المظاهرات سياق احتجاج شعبي واسع ومسلح للتنديد بعمليات الجيش في " المسجد الأحمر" كان آخرها مقتل 23 جنديا حكوميا واصابة 27 في منطقة القبائل .
وكان الشيخ عبد الرشيد غازى ـ الذى استشهد أثناء المواجهات مع الجيش الباكستانى الثلاثاء الماضي ـ قد أوصى فى آخر تصريحاته بالقيام بثورة أسلامية فى باكستان تنطلق من المدارس الإسلامية.. حيث نشرت له صحيفة "جانج" - أكبر صحيفة باكستانية تصدر باللغة الأردية – قوله : "ستكون الثورة الإسلامية هي مصير الأمة إن شاء الله".. ودعا فيها جميع المدارس الإسلامية في باكستان إلى الثورة على نظام الحكم.
وكانت حركة المقاومة الاسلامية في افغانستان " طالبان " قد وجهت إنذارا للرئيس الباكستاني قبل يومين بشن حرب عصابات وأعطته مهلة 3 أيام للانسحاب من منطقة القبائل الباكستانية.. حيث قتل 5 جنود باكستانيين يوم الخميس الماضي في هجوم استهدف مركبتهم بمنطقة "سوات" الواقعة شمال غرب البلاد، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من تصريح للرجل الثاني في تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري) والتي دعا فيها الباكستانيين للانتقام من رئيسهم بعد مهاجمة قوات الأمن للمسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد مما أدى لمقتل مئات الطلاب الإسلاميين مع نائب إمام المسجد.(1/77)
ويبدو ان الرئيس الباكستاني يأبى الإستمرار في السلطة لأنه يجهل مقومات الثورة الكامنة في أرض باكستان والتي تزداد فيها عن غيرها من الدول الإسلامية لوجود القاعدة وطالبان وهي قوى لا يمكن الإستهانة بها وبقدراتها علي التغيير ، والمنطقة اعتادت علي الثورات التي لا تهدأ ابدا ، وإلا كانت أفغانستان قد هدأت.
من هو عبد الرشيد غازى رحمه الله
النشأة
حفظ القرآن في صغره، وأكمل الثانوية في المدارس الحكومية.
ترجمة الشخصية
التحق "عبد الرشيد" بجامعة قائد أعظم الحكومية وهي من كبريات الجامعات في العاصمة الباكستانية، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ، وأتقن الإنجليزية، وحصل على وظيفة حكومية في وزارة التعليم عام 1989م، ثم انتدب للعمل في مكتب إسلام آباد "اليونسكو" التابع للأمم المتحدة، وعمل في المكتب المذكور مستشارًا للشئون التعليمية لعدة سنوات، واستغني عنه بعد أحداث سبتمبر.
وجاء مقتل والده محطة حاسمة في حياته، فقد تغير عبد الرشيد غازي تمامًا، وأطلق لحيته، وبدأ يهتم بأمور المدرسة وخطابة المسجد فرحّب به أخوه الكبير الشيخ "عبد العزيز" وعيّنه نائبًا له في خطابة المسجد الأحمر، لكنه استمر في الوظيفة الحكومية.
وكان أول ظهور لـ"عبد الرشيد غازي" على الساحة الإعلامية والسياسية عام 2001م عندما شكلت الجماعات الدينية "حركة الدفاع عن أفغانستان" أثناء الهجوم الأمريكي على أفغانستان لإسقاط حركة طالبان، وكان يعتبر من الشخصيات المهمة أثناء المظاهرات والمسيرات التي كانت تخرج للاحتجاج على العدوان الأمريكي على أفغانستان في تلك الفترة، وكان ذلك على خلفية علاقات والده الوطيدة بحركة طالبان، فإنه كان قد زارهم في مقر خلافتهم! قندهار أكثر من مرة.
****(1/78)
هذا عرض موجز وتبسيط لمفاهيم أحداث تلاحقت تباعاً والعواقب نخشها فلا يعلم الغيب إلا الله ولكن مرادنا من هذا البحث الوقوف على الأحداث ولا أدرى لعل للبحث جزء آخر ولكن أسأل الله تعالى أن يصلح ذات بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا إنه ولى ذلك والقادر عليه فمالنا إلا سبيل واحد للنجاة ألآ وهو تعبيد النفس لله لا للعبيد .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
كاتبه من يرجو عفو ربه
السبط أبوكفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
مصر حرسها الله ووفق أهلها لمواطن رضاه
يوم السبت الموافق :
14 من رجب سنة 1428 من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
28 يولية سنه 2007 من ميلاد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام(1/79)