{ فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } سورة الزمر آية 17 : 18
إهداء
* إلى أمى الحبيبة الغالية ..
أغلى الناس وأعز الناس ..
الى نهر الحب وفيض الحنان ..
إلى رمز الصبر والعطاء ..
أهديها ثمرة قلبى وجنانى وأفديها بنفسى وكيانى .
* أما أنت يا أبى ..
فعليك رحمات الله ، فقد افتقدتك يا أبى وأنا لا أزال صبيا فى السادسة من عمرى . ولكنى كلما شعرت بحبى لابنتي الصغيرة كلما ترحمت عليك وعلمت كم كنت تحبنى وترجو لى الخير .. فرحمك الله رحمة واسعة وأجزل لك العطاء وألحقنى بك فى جنات النعيم .
* إلى أخى الكبير الحبيب الذى كان أبى بعد فقد أبى فجزاك الله يا أخى الحبيب عنا خير الجزاء .. وجزي كل أخوتى الأحبة عنى خير الجزاء .
ولا أجد لكم جميعا - يا أمى ويا أبى ويا أخوتى - دعاء يوفيكم حقكم إلا أن يغمرنا الله برحمته وأن يعيذنا من عذابه .
اللهم آمين
مقدمة
الحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله الذى بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة .. وكان رحيمًا بأمته رحمةَ الوالد على ولده ..
وإذا رحمت فأنت أب أو أم ... هذان فى الدنيا هم الرحماء
وبعد ،
فهذه رسالة مختصرة عن ..
وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوقهما
والله أسأل أن ينفع بها فى الدنيا والآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
ففيهما فجاهد
* قال رسول الله ( لرجل استأذنه في الجهاد: ((أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد))1 .
* وفى رواية أنه قال ( له : " جئت تبتغى الأجر من الله ؟ قال : نعم . فقال النبى ( : ففيهما فجاهد " 2
يا لا ديننا الحنيف ..
يا لا ديننا المجيد !(1/1)
الذى يجعل بر الوالدين مقدمٌ على الجهاد فى سبيل الله - الذى هو يعنى الجهاد فى سبيل الله ذروة سنام الأمر وأعلى مراتبه - ومع ذلك يقدم الإسلام بر الوالدبن فى غير ما حديثٍ صحيحٍ على الجهاد فى سبيل الله ..
* فعن عبد الله بن مسعود ( قال: سألت رسول الله( : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله))3.
* وقد جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال رسول الله ( : " ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما "4 .
* و عن معاوية بن جاهمة السلمي أنه استأذن الرسول ( في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال ( : " ويحك 00 الزم رجلها 000 فثمّ الجنة ". 5
وبالوالدين إحسانا
* قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً 6 .
* وبالوالدين إحسانا ، ولم يقل " وبالوالدين فاعدل "
مع أن العدل درجة أقل من درجة الإحسان .
لأن العدل : أن تعطى من أعطاك مثلما أعطاك .
أما الإحسان : فهى درجة أعلى من العدل بأن تزيد عن العدل أو تعطى بلا مقابل .
ومع أننا لا نستطيع أن نعدل مع آبائنا ، فقد أمرنا الله معهم بما هو فوق العدل حتى نشعر دائما أننا مقصرون فى حقهما ، وأننا مهما فعلنا لهم من برٍ فلا يمكن أن نكافئهم .
موقف الرجل الذى يحمل أمه وابن عمر(1/2)
ولقد رأى ابن عمر رضى الله عنهما رجلا يحمل أمه فى الحج ويطوف بها فقال لابن عمر : يا صاحب رسول الله : هل ترانى وفيتُها حقها ؟ فقال ابن عمر : لا , ولو بطلقة واحدة ولو بزفرة واحدة . فإنها كانت تفعل ذلك وترجو حياتك ، أما أنت فتنتظر موتها .
فأنت لا تستطيع أن تكافئ أباك وأمك أبدا ، مهما فعلت لهما .
لنا فى أنبياء الله أسوة حسنة
? فهذا شيخ المرسلين " نوح عليه السلام " يدعو فيقول :
" رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا " 7
? وهذا نبى الله "إبراهيم عليه السلام" يدعو أباه الى دعوة التوحيد الخالص وظل يترقق له مع كفره ويقول " يا أبت .. يا أبت " فلما هدده أبوه وتأكد إبراهيم من تمام إعراض والده قال "سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا " 8
? وهذا نبى الله إسماعيل عليه السلام يقول لأبيه - وقد همّ أبوه بذبحه - فقال إسماعيل عليه السلام " ... يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين " 9
? وهذا نبى الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يصفه القرآن الكريم فيقول : " وبرًا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيا " 10
? وهذا نبى الله يوسف عليه السلام لما بلغ من أعلى الدرجات وأرقى المكانات يقص علينا الله حاله فيقول : " .. ورفع أبويه على العرش .. " 11
? وهذا نبى الله عيسى عليه السلام يقول عن نفسه وهو لا يزال فى المهد : " وبرًا بوالدتى ولم يجعلنى جبارًا شقيا " 12
ولنا فى أصحاب رسول الله ( وتابعيهم أسوة حسنة
( فها هو أبو هريرة ( :
كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.
كلما خرج وكلما دخل يفعل ذلك .
وكان يدعو لنفسه ولأمه قائلا : " اللهم حببنى وأمى إلى عبادك المؤمنين " 13(1/3)
( وهذا ابن عمر رضى الله عنهما :
لقيهُ رجلٌ من الأعراب بطريق مكة فسلم عليه عبد الله ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقالوا له: أصلحك الله إنهم الأعراب ، وإنهم يرضون باليسير .
قال عبد الله : إن أباً هذا كان وُدّا لعُمر بن الخطاب ، وإنّي سمعتُ رسول الله ( يقول : إن أبرَّ البِرّ صلةُ الولد أهل وُدّ أبيه. 14
(أما عبد الله بن مسعود (
فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
( وها هو ابن الحسن التميمي رحمه الله
يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها.
( أما ابن عون المزني :
فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.
( وهذا حيوة بن شريح:
وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
بر الوالدين ينجينا من شدائد الحياة(1/4)
ومن أمثلة ذلك ما قاله رسول الله ( : ((انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي في طلب شيء يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج " 15 ثم دعا الثانى والثالث حتى انفرجت الصخرة .
* ملحوظة : على أن يبتغى الولد بذلك رضوان الله ووجه الله وليس من أجل الناس ولا الشهرة ولا دفع مظنة العقوق إنما لله .
لن تجد أحد يحبك مثل والديك
حب الوالدين للأولاد حب فطرى غريزى جعله الله فى نفوس العباد .. واليك هذه الصور :-
? قدم على رسول الله ( بسبى. فإذا امرأة من السبى، تبتغى، إذا وجدت صبيا فى السبى، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله ( "أترون هذه المرأة طارحة ولدها فى النار؟" قلنا: لا. والله! وهى تقدر على أن تطرحه. فقال رسول الله ( "لله أرحم بعباده من هذه بولدها". 16
? حتى الحيوانات فطرها الله على ذلك ، فقد سمعت أن أحد الفلاحين - رحمه الله رحمة واسعة - كان إذا شردت منه الحمارة كان يجرى فيمسك ابنتها الصغيرة أو ابنها الصغير فترجع الحمارة الكبيرة حرصًا على صغيرها .. فهى رحمة وضعها الله فى قلوب العبا بها يتراحمون .
? وتشاهد بكل تعجب وتسبح الله تعالى حين ترى قطة تقطع من قوتها لا لشئ إلا لتطعم صغارها .(1/5)
? ولذا جعل الله ثوابًا كبيرًا للوالدين إذا مات أحد أبنائهم وصبروا ابتغاء وجه الله تعالى ، فقد قال رسول الله ( : " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك و استرجع فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد . 17
قال المناوى فى فيض القدير عند شرح هذا الحديث :
موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب ، يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لا جرم أن الله تعالى حث فيه على الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل .
? ولو أن أحدنا فقد ابنه لظل حزينًا عليه عمره كله حتى يهلك وقد وصف الله حال نبى الله يعقوب عليه السلام عند فقد ابنه يوسف عليه السلام أنه ابيضت عيناه من الحزن ، بل كاد أن يموت همًا وحزنًا عليه .
" وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو وكظيم . قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين " 18
? و هذا أحد شعراء العرب وعقلائهم لما مرض ولزم الفراش رأى أمه حانية عليه ، مشفقة عليه ، وراجية لحياته وبقائه ، أما زوجته فقد ضجرت وتبرمت فقد جاءها سائل يسألها يقول لها : كيف حال عمرو ؟
فقالت : لا هو حى فيرجى ، ولا ميت فينسى !
فسمع مقالتها وحزن لذلك وقارن بين الموقفين موقف أمه "أم عمرو" وموقف زوجته "سليمى" .
ثم أنشد شعرًا يقول :
أرى أم عمرو لم تمل ولم تضق
وملت سُليمى مضجعى ومكانى .
فأى إمرى ساوى بأمٍ حليلةً
فلا عاش إلا فى أسىً وهوانِ
تالله قد نبهت من كان غافلاً
وأسمعت من كانت له أذنانِ(1/6)
? ولذا فلو أن إنسانا أوصل أمه أو أباه أن يدعو عليه فكيف تتصور هذه العقوق . لذا فإن الله يستجيب دعاء الوالد على ولده كما أخبر بذلك رسول الله ( فقال : " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن . دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " 19
? هذا جزاء الأم التي تحمل في جنباتها قلباً يشع بالرحمة والشفقة على أبنائها، وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى أمرؤ يوماً غلاماً جاهلاً…
بنقوده كي ما يحيق به الضرر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى …
ولك الجواهر والدراهم والدرر
فأتى فأغرز خنجراً في قلبها…
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المعفر بالأثر
ناداه قلب الأم وهو معفر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
بين الأب والأم
* وقد جاء رجل إلى رسول الله ( فقال: يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك". 20
وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية .
أن اشكر لى ولوالديك
قال تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير . وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون. 21
وقد فرض الله شكر الوالدين "سبب الوجود الظاهر" حتى لا يؤدى ذلك الى التجرؤ على الله " سبب الوجود الأعلى "
* لذا فإن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول : ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها..
1- الأولى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 22 فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.(1/7)
2- الثانية : وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ 23 فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه.
3- الثالثة : أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ 24 فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ويبين الله سبحانه أنك مأمور ببر الوالدين مهما فعلا من ذنوب حتى لو أشركا . بل لو جاهداك على الشرك فأنت مأمور بإحسان الصحبة إليهما ، ولكن لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق . واختار الله الشرك والدعوة إليه لأنه أعلى الذنوب وأكبر الكبائر فمهما كان الأب أو الأم على انغماس فى المعاصى والشهوات فأنت مأمور ببرهما وإحسان الصحبة لهما ، ومأمور بعدم طاعتهما طالما يدعواك الى باطل . فما بالنا ونحن نرى غالب آبائنا مسلمين أتقياء لله تعالى، ومع ذلك نقدم لهما العقوق والجحود .
معك ثروة فلا تهدرها
قال رسول الله ( : ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)). 25
وعن جابر ( قال : رقى النبى ( المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال آمين ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين. قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاث مرات قال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءنى جبريل فقال شقى عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له، فقلت آمين. ثم قال: شقى عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قلت آمين. ثم قال: شقى عبد ذكرت عنده ولم يصل
عليك، فقلت آمين. 26
صور من العقوق
? ذكر أحد بائعي الجواهر فقال :(1/8)
يقول: دخل عليّ رجل ومعه زوجته، ومعهم عجوز تحمل ابنهما الصغير، أخذ الزوج يضاحك زوجته ويعرض عليها أفخر أنواع المجوهرات يشتري ما تشتهي، فلما راق لها نوع من المجوهرات، دفع الزوج المبلغ، فقال له البائع: بقي ثمانون ريالاً، وكانت الأم الرحيمة التي تحمل طفلهما قد رأت خاتما فأعجبها لكي تلبسه في هذا العيد، فقال: ولماذا الثمانون ريالا؟ قال: لهذه المرأة؛ قد أخذت خاتماً، فصرخ بأعلى صوته وقال: العجوز لا تحتاج إلى الذهب، فألقت الأم الخاتم وانطلقت إلى السيارة تبكي من عقوق ولدها، فعاتبته الزوجة قائلة: لماذا أغضبت أمك، فمن يحمل ولدنا بعد اليوم؟ ذهب الابن إلى أمه، وعرض عليها الخاتم فقالت: والله ما ألبس الذهب حتى أموت، ولك يا بني مثله، ولك يا بني مثله.
? وهذه قصة حصلت في إحدى دول الخليج وقد تناقلتها الأخبار، قال راوي القصة: خرجت لنزهة مع أهلي على شاطئ البحر، ومنذ أن جئنا هناك، وامرأة عجوز جالسة على بساط صغير كأنها تنتظر أحداً، قال: فمكثنا طويلاً، حتى إذا أردنا الرجوع إلى دارنا وفي ساعة متأخرة من الليل سألت العجوز، فقلت لها: ما أجلسك هنا يا خالة؟ فقالت: إن ولدي تركني هنا وسوف ينهي عملاً له، وسوف يأتي، فقلت لها: لكن يا خالة الساعة متأخرة، ولن يأتي ولدك بعد هذه الساعة، قالت: دعني وشأني، وسأنتظر ولدي إلى أن يأتي، وبينما هي ترفض الذهاب إذا بها تحرك ورقة في يدها، فقال لها: يا خالة هل تسمحين لي بهذه الورقة؟ يقول في نفسه: علَّني أجد رقم الهاتف أو عنوان المنزل، فإذا هو مكتوب: إلى من يعثر على هذه العجوز نرجو تسليمها لدار العجزة عاجلاً.
? وكثير من الشباب حين يكبرون يقولون لآبائهم بكل جحود : "هل أنت عمرك عملت لنا حاجة "؟!(1/9)
وهو الذى بذل حياته كلها من أجله ، ووفى النهاية يقول له ذلك. ولو أن الأب تركه وهو صغير لما قبل أحد أن يأخذه ليربيه أبدا . إذ أن الولد عبء ثقيل على أى إنسان . والولد لو ضل عن أبيه وتاه عنه لظل الوالدان أو أحدهما يبحث عنه عمره كله وربما مات كمدًا وحزنًا عليه .
? قال الأصمعى : " حدثنى رجلٌ من الأعراب قال : خرجت أطوف بالأحياء ، حتى انتهيتُ إلى شيخٍ فى عنقه حبل يستقى بدلو لا تطيقه الإبل فى الهاجرة والحر شديد وخلفه شاب فى يده رشاء (حبل) من قدٍ (سوط - سير جلد) ملوى يضربه به ، قد شق ظهره بذلك الحبل ، فقلت : أما تتقى الله فى هذا الشيخ الضعيف ؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه ؟ قال : إنه مع هذا أبى . قلت : فلا جزاك الله خيرًا .
قال : اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه . وهكذا يصنع أبوه بجدة. فقلت : هذا أعق الناس " 27
? عتب أمية بن أبى الصلت على ابنه يومًا وقد ضن عليه فى الإنفاق بعدما هرم وشاخ فقال له :
غذوتك مولودًا وعُلتك يافعًا
تُعلُ بما أُوتى إليك وتنهلُ
إلى أن قال :
فليتك إذ لم ترع حق أبوتى
فعلت كما الجار المجاور يفعلُ 28
? ذكر الأصمعى قال : أخبرنى بعض العرب أن رجلاً كان فى زمن عبد الملك بن مروان يقال له : " مُنازل " وكان له أب كبير يقال له " فَرْعان " وكان الشاب عاقًا لأبيه . فقال الشيخ :
جَزَتْ رحمٌ بينى وبين مُنازل
جزاءً كما سينجز الدين طالبه
ثم ابتُلى (مُنازل) بابن يقال له ( جُليح) عقه فى عمره فقال :
تَظَلَّمنى ما لى جُليح وعقنى
على حين كانت كَالجَنِىِ عظامى
فأراد الوالى ضربه ، فقال الابن للوالى : لا تعجل علىّ هذا مُنازل بن فَرْعان الذى يقول فيه أبوه :
جَزَتْ رحمٌ بينى وبين مُنازل
جزاءً كما سينجز الدين طالبه
فقال الوالى : يا هذا عَققت وعُققت " 29
مواقف مشرفة(1/10)
? أعرف رجلا كبيرًا فى السن لزم الفراش فى آخر حياته وكان قلما يخرج بسبب مرضه هذا . لكنه كان يخرج أحيانًا فكان يخرج جلبابه منظم ومرتب ومكوى . وكذلك غطاء رأسه "الطاقية" ويخرج معطرًا بروائح طيبة . إضافة إلى ذلك كان يخرج معه شاب من أحفاده يلازمه حيثما ذهب يقدم له كرسى أو يأخذ بيده ..الخ
مازال أبناؤه أحمل لهم فى صدرى احترامًا شديدًا لإكرامهم لأبيهم.
? فى يوم كنت عائدًا من عملى إذ بأولاد صغار ينادون علىّ قائلين : أدرك سيدة عجوز وقعت. فذهبت الى البالكون التى أشار عندها الأولاد ، فوجدتها فعلا فأخذت بيدها ثم ناديت على من بالبيت فأتت امرأة وأخذتها منى .. وبعدها ما مررت على المنزل فى ليل أو نهار إلا وجدت أحد أولادها أو أكثر يجلسون بالبالكون بجوار حجرة أمهم أسابيع عديدة وهم على ذلك "قسموا أنفسهم ورديات" لخدمة أمهم. وتشعر وأنت ترى هذا المنظر أنهم يملكون كنزًا ثمينا يحافظون عليه . هنا فى هذا الحجرة يرقد بها أغلى الناس.
أما أنت أيها العاق
فلا مكان لك بيننا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة .
? أما فى الدنيا : فإن لك العقوبة العاجلة فيها على عقوق أبيك أو عقوق أمك .
* ذكر العلماء أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الحجرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.
? وأما فى الآخرة : فإليك هذا الحديث :-
* قال رسول الله (: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى " 30
إياك ومصاحبة العاق
قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - لابن مهران : "
* لا تأتين أبواب السلاطين وإن أمرتهم بمعروف أو نهيتهم عن منكر،(1/11)
* لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن ،
* ولا تصحبن عاقًا ، فإنه لن يقبلك وقد عق والديه " 31
بر الوالدين غير الطاعة
* وقد أوصى رسول الله ( معاذ بن جبل ( فقال: " لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك 00" 32
فأنت تبر والديك على كل حال ، ولكن لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وفى ظل هذا المعنى نفهم موقف سعد بن أبى وقاص ( حين رفض أن يرجع عن دينه لما تركت أمه الطعام .
بدعة عيد الأم
ليس فى الإسلام يومًا محددًا يُسمى باسم " عيد الأم " ، بل إن الاحتفال بهذا اليوم بصفة خاصة بدعة منكرة ، انتقلت الى بلاد الإسلام من الغرب الكافر . وذلك لأن الكثير منهم يهجر أمه بالسنوات لا يسأل عنها ولا يتذكرها ، فأرادوا أن يجعلوا يومًا يذكرون فيه الأم ويزورونها أو يتصلون بها تليفونيًا .
فأين هذا من الإسلام العظيم الذى جعل أيام السنة كلها أيام بر ووفاء للأم والأب .
والذى يحتفل بهذا اليوم لا يفعل ذلك لأن الله أمره بذلك أو رسوله، وإنما تقليدا وتشبهًا بهؤلاء الكافرين .
وقد نهانا الإسلام أن نتشبه بالكفار أو اليهود أو النصارى . فقد قال ( " من تشبه بقوم فهو منهم " 33
ليس من العقوق 34
1- شهادة الحق على الوالدين : فهذا ليس من العقوق في شيء ، بل هي عين البر .
2- ترك التعصب الجاهلي والجدال عن الآباء بالباطل .. وليتذكر المؤمن أن هذه العصبيات تنقطع يوم يقوم الأشهاد ..
3- عدم الحلف بالآباء ، فليس من البر أن تحلف بهما .
4- عفو الولد عن قاتل أبيه ، خاصة القتل الخطأ .. اللهم إن كان القاتل من المفسدين في الأرض ..
5- تحاكم الولد مع والده : فإنه إذا ظلم الوالد والده فرفعه الولد إلى قاضٍ أو حاكم ، فهذا ليس من العقوق إذا كان لرفع ظلم أو لإثبات حق أو لفض نزاع .. أما إذا كان ذلك لإهانة الوالد أو للتشهير به أو لابتزازه بلا سبب فهذا حرام وهذا عقوق وهو من الكبائر .(1/12)
6- إذا أعضل الرجل ابنته فأبى أن يزوجها مطلقاً ، وهي تخشى الفتنة على نفسها .. فابتداءاً الله لا يحب الفساد ، فعليه يجوز أن ترفع أمرها إلى السلطان ، فإن السلطان ولي من لا ولي له .
7- الحجر على الأب السفيه أو على الأم السفيهة : ويوجد من النصوص كم هائل ينهى عن الفساد في الأرض ويأمر بإصلاحها .. وهي نصوص تعم القريب والبعيد وتنسحب على الوالدين وغيرهما .. ولا تنافي بين هذه النصوص ولا تعارض بينها وبين الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما .. فأي بر أعظم من بر تصحبه إلى الجنة ويؤول بالشخص إلى الجنة ويقوده إليها .. فإذا كان الوالد من المفسدين في الأرض ويريد إجبار ولده على السير في طريق الفساد ، فلا طاعة حينئذ .. وينبغي أن يصاحب عدم الطاعة هذا بالحكمة والموعظة الحسنة ..
8- الاستدراك على الوالدين ، أو اختيار رأي غير رأيهما : خاصة إذا كان في استدراكه صواب وخير ومعروف .. وليبرز ذلك بطريقة حسنة مكللة بالوقار والخلق الرفيع والأدب الحسن .
9- الاستفسار من الوالد عن الأمر الغامض : بسبب تصرف سلكه الوالد معه فضايقه أو آذاه .. وكل ذلك بأسلوب حسن .(1/13)
10- ترك التسمية بأسماء الآباء أو الأجداد : لاشك أن من البر أحياناً أن يسمي الرجل ولده باسم أبيه ، فإذا كان الوالد من الصالحين واسمه اسم طيب له مدلوله الطيب الحسن واسم من الأسماء التي حض عليها رسول الله ( ، فالتسمية باسمه حينئذ فيها بر وإحسان ، خاصة إذا كان ذلك يسعده .. أما إذا كان الوالد من الغواة الآثمين ، فالتسمية باسمه يكون فيها إحياء لذكره ولمآثره السيئة بما يحمل على إتباعه فيها ، فحينئذ قطع دابره بترك التسمية باسمه أولى .. وكذلك إذا كان الاسم ليس له مدلول طيب، فتركه أولى كما فعل النبي ( . أما إذا كان اسم الوالد أو الوالدة لا يحمل مدلولاً طيباً ولا خبيثاً ، وأراد الوالد أو الوالدة أن يتسمى به الحفيد، وأراد ابنهما أن يتسمى ولده باسم له مدلول طيب ، فلا يجبر الابن على أن يسمي ولده باسم أبيه أو أمه ، وذلك لأن المولود أيضاً له حق في أن يحظى بطيب الأسماء والله أعلم .
11- إذا طلق الرجل امرأته وكان له منها ولد ، وكان هذا الولد مع أحدهما فأمره بعدم زيارة الآخر وعدم بره .. فلا طاعة له حينئذ، لأنه يدعو لقطع الرحم والطاعة إنما تكون في المعروف .
12- التفدية بالأب أو الأم لفظاً ، كقول القائل : فداك أبي وأمي، فهذا جائز والأدلة في هذا الباب كثيرة كقول النبي ( لسعد : ( يا سعد ارم فداك أبي وأمي ). 35
13- عدم طاعة الوالدين في تطليق الزوجة : الأصل في المسألة أن الوالدين إذا كانا صالحين ولا يأمران بظلم ولا بجور وكان سبب الطلاق له وجه شرعي .. لزم الولد أن يطلق زوجته وإن كان يحبها ، كما ثبت ذلك عن النبي ( .. أما إذا كان الوالدان أو أحدهما من السفاهة والطيش بمكان ، وكانا من البعد عن الدين أيضاً .. فحينئذ فأمرهما ليس برشيد ، وما أمرنا الله بطاعة السفهاء الذي يفسدون في الأرض ولا يصلحون .. فلم يقل أحد بطاعة السفيه فيما يدعو إليه من تشتيت الأولاد وتدمير الأسر.(1/14)
14- للفتاة أن تعرض عن رأي والدها إذا أجبرها على الزواج من شخص لا ترضاه ، وكان الإعراض له وجه شرعي .. كأن يكون المتقدم فاسقاً .. ومعروف عنه الشر والفساد .. لا أن ترفضه وتعارض بحجة إكمال الدراسة أو لم يئن الأوان بعد ..
15- وللولد أن يرفض الزواج من فتاة لا يريدها وكان ملزماً من أحد الأبوين .. وأنه إذا امتنع لم يكن عاقاً . 36
احذر من ترويج الأحاديث المكذوبة
( قصة علقمة
ينتشر بين عامة الخطباء - وللأسف الشديد - حديث منكر باطل
وقد جاء فى ذلك الأثر : أن رجلا من أصحاب النبى ( كان عاقًا لوالديه يقال له "علقمة" فقيل له عند الموت : قل لا إله إلا الله فلم يقدر على ذلك حتى جاءته أمه فرضيت عنه . 37
* ونص هذا الحديث جاء فى كتاب الكبائر للذهبى قوله :(1/15)
حُكى أن فى زمن النبى ( شاب يُسمى علقمة وكان كثير الاجتهاد فى طاعة الله فى الصلاة والصوم والصدقة فمرض واشتد مرضه فأرسلت امرأته الى رسول الله ( إن زوجى علقمة فى النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول اله بحاله فأرسل النبى ( عمارًا وصهيبًا وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه فى النزع الأخير فجعلوا يلقنونه (لا إله إلا الله ) ولسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله ( يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبى ( هل من أبويه أحد حى ؟ قيل يا رسول الله أم كبيرة السن فأرسل إليها رسول الله ( وقال للرسول قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله ( وإلا فقرى فى المنزل حتى يأتيك قال فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله ( فقالت نفسى لنفسه فداء أنا أحق بإتيانه فتوكأت وقانت على عصى وأتت رسول الله ( فسلمت فرد عليها السلام وقال يا أم علقمة أصدقينى وإن كذبتنى جاء الوحى من الله تعالى : كيف حال ولدك علقمة ؟ قالت يا رسول الله كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة. قال رسول الله ( : فما حالك ؟ قالت يا رسول الله أنا عليه ساخطة . قال : ولم ؟ قالت يا رسول الله كان يؤثر علىّ زوجته ويعصينى . فقال رسول الله ( إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال : يا بلال انطلق واجمع لى حطبا كثيرا ، قالت يا رسول الله وما تصنع ؟ قال : أحرقه بالنار بين يديك . قالت يا رسول الله ولدى لا يحتمل قلبى أن تحرقه بالنار بين يدى . قال يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى فإن سرك أن يغفر الله له فارضى عنه فوالذى نفسى بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله إنى أشهد الله تعالى ملائكته ومن حضرنى من المسلمين أنى رضيت عن ولدى علقمة . فقال رسول الله ( انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول (لا إله إلا الله) أم لا فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس فى قلبها(1/16)
حياء منى . فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول (لا إله إلا الله) فدخل بلال فقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه فحضره رسول الله ( فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه ثم قام على شفير قبره . وقال يا معشر المهاجرين والأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها فرضى الله فى رضاها وسخط الله فى سخطها.
* ولها رواية أخرى فى كتب أخرى مثل ما جاء فى كتاب الترغيب والترهيب للمنذرى وإليك نصها كما جاءت فيه :-
وروى عن عبد الله بن أبى أوفى ( قال : " كنا عند النبى ( فأتاه آت فقال شاب يجود بنفسه فقيل له قل (لا إله إلا الله) فلم يستطع فقال كان يصلى ؟ فقال نعم فنهض رسول الله ( ونهضنا معه فدخل على الشاب فقال له قل (لا إله إلا الله) فقال لا أستطيع قال لم ؟ قال كان يعق والدته . فقال النبى ( أحية والدته ؟ قالوا : نعم. قال : ادعوها فدعوها فجاءت فقال هذا ابنك فقالت : نعم . فقال لها أرأيت لو أججت نارًا ضخمة فقيل لك ان شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذه النار أمنت تشفعين له . قالت يا رسول الله إذًا أشفع قال فأشهدى الله وأشهدينى أنك قد رضيت عنه قالت اللهم انى أشهدك وأشهد رسولك أنى رضيت عن ابنى فقال له رسول الله ( يا غلام قل (لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) فقالها فقال رسول الله ( الحمد لله الذى أنقذه بى من النار " رواه الطبرانى وأحمد مختصرًا
ملحوظات حول القصة
1- ذكرها الحافظ الذهبى فى كتاب الكبائر بلفظ "حُكى" وأوردها الحافظ المنذرى فى كتاب الترغيب والترهيب بلفظ "رُوى" وهى من صيغ التمريض والتضعيف لدى المحدثين والمشتغلين بعلم الحديث ولكن العامة ومن لا دراية له لا يدرى .(1/17)
2- ذكرها الإمام ابن الجوزى فى كتاب الموضوعات ( وهو كتاب ألفه ابن الجوزى يحتوى على الأحاديث المكذوبة على الرسول ( ) بدون تسمية الشاب ثم قال لا يصح "فائد بن عبد الرحمن" متروك.
3- كل الروايات التى تتناول هذه القصة المنكرة مدارها على رجل يسمى " فائد بن عبد الرحمن العطار " وتعال لنرى رأى أئمة الجرح والتعديل فيه :
أ) قال الهيثمى : فيه فائد أبو الورقاء متروك .
…نقلا عن المجمع 8/148 .
ب) ونقلا عن الذهبى فى ميزان الاعتدال باب الفاء :
فائدة بن عبد الرحمن أبو الورقاء :
* تركه الإمام أحمد والناس .
* قال يحيى بن معين : ضعيف ؟.
* قال ابن عدى : مع ضعفه يكتب حديثه !
* قال البخارى : فائد منكر الحديث .
والخلاصة حول هذه القصة :
أنها قصة منكرة لا تصح ، وقد نبهنا عليها لأن كثير من خطباء المساجد ينسجون عليها خطبة كاملة ، وهى قصة واهية منكرة لا يصح الاستدلال بها لعدة أمور :
1- أن فى الآيات وفى الآثار الصحيحة غنى عن مثل هذه المكذوبات.
2- قد يُقال هذه قصة تحض على عدم العقوق ، فيُقال أن أئمة الحديث الذين أجازوا رواية الحديث الضعيف اشترطوا شروطًا لا تنطبق على حالة هذا الحديث ، وهذه الشروط هى :-
أولا : أن يبين أنه ضعيف . وقد كان معلوما قبل ذلك أن لفظ (حُكى أو رُوى من صيغ التمريض والتضعيف ) لكن اليوم لا يُعلم أن هذه الصيغ تضعيف للحديث . لذا إذا أورد أحد العلماء قصة ضعيفة يجب أن يقول هذه رواية ضعيفة . فهل أحد من الخطباء يذكر للناس أنها قصة ضعيفة ؟!
ثانيًا : ألا تكون شديدة الضعف . وهذه القصة شديدة الضعف بل منكرة وواهية كما قدمنا من قول أئمة هذا العلم .
ثالثًا : ألا ينبنى عليها حكم فقهى . 38
( حديث : الجنة تحت أقدام الأمهات
تحقيق الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم (2666) في ضعيف الجامع .
والبديل لهذا الحديث الضعيف هذه الرواية التالية :(1/18)
* عن معاوية بن جاهمة السلمي أنه استأذن الرسول ( في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال ( : " ويحك 00 الزم رجلها 000 فثمّ الجنة ". 39
ولا ينبغى للمسلم أن يتعمد نقل ما عَلَمَ ضَعْفَه ثم ينسبه للنبى ( . وقد نبهنا على قصة علقمة وحديث الجنة تحت أقدام الأمهات لشهرتهما .
خاص بمن مات والداه
* جاء رجل من بني سلمة الى رسول الله ( فقال : يا رسول الله ، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال ( : نعم .
الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ،
وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما40
و من جملة النصوص الواردة نلخص هذه الأمور :-
1- الدعاء لهما ، والاستغفار لهما .
2- أداء الدّين عنهما : خاصة إذا كانت لهما تركة فقد وجب القضاء من تركتهما قبل قسمة الميراث ، وإن لم يكن لهما مال فسارع إلى تسديد هذا الدين عنهما براً لهما وإحساناً ..
3- إنفاذ الوعود التي وعدها أبواك ، فيستحب لك أن تفي وتنجز لهما ما وعدا وفاءً لهما وابتغاء الأجر من الله تعالى.
4- ترك النياحة عليهما إذا ماتا : لأن النياحة لا تفيد بل تضر . 41
5- صلاة الولد على والديه بعد مماتهما .
6- الصدقة الجارية : فهي تفيد الميت مما يصل ثوابها إليه .. 42
7- أن تصل أهل ود أبيك أو أمك : وذلك لقول رسول الله ( : ( إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه )43 .
8- إن كان والدك يعطي الفقراء والمساكين ، فواصل العطاء .
9- إن كان والدك قد اقترف سوءاً أو جره إلى مسلم أو ظلم شخصاً .. الخ ، فعليك بالإصلاح .. واطلب العفو عنهما .
10- الصيام عنهما إذا ماتا وعليهما صوم .. مصداقاً لقوله ( :
( من مات وعليه صيام، صام عنه وليه).44 والحج عنهما إذا ماتا ولم يحجا. لقوله ( للمرأة سألت عن أمها، فقال: (حجي عنها)45
وأخيرًا .. ردد معى هذا الدعاء :(1/19)
رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 46
من معانى الاحسان
? ألا تحد النظر إليهما .
? ألا ترفع صوتك عليهما .
? ألا تسبقهما بحديث .
? أعمل ما يسرهما ولو من غير أمرهما، كالخدمة وشراء اللوازم.
? ألا تؤثر نفسك عليهما بطعام ولا بشراب .
? طلب الاستغفار من الوالدين .
? ألا تسب والديك 47 ولا تجلب لهما السباب . 48
? حافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما .
? ساعد أمك في البيت، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله.
? انهض إلى والديك إذا دخلا عليك وقبل رأسيهما وأيديهما.
ادعوهم لآبائهم
* من صور العقوق الظاهرة فى هذا العصر تسمية الولد نفسه لغير أبيه كأن يكون ممثلا أو مطربا أو ما شابه ذلك .
ومن ذلك أن تدعى المرأة لزوجها وليس لأبيها وهذه عادة غريبة على مجتمعات المسلمين نقلوها عن الغرب مثل أن يقال : "صفية زغلول " زوجة سعد زغلول رحمه الله أو يقال "جيهان السادات " نسبة إلى الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله .
وكان الأَوْلَى أن تُنادَى المرأةُ باسم أبيها ، قال تعالى : " ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله ... " 49
وكان النبى ( متزوجًا بنساء كثيرات لم تُدعى واحدةٌ منهن باسمه ( أبدًا ، فلم يقال خديجة محمد ، ولا صفية محمد . إنما قيل "خديجة بنت خويلد " وكذلك "صفية بنت حيى " رغم أن حيى هذا كان يهوديًا .. وهكذا كل واحدة من زوجاته ( دُعيت إلى أبيها .
وأين تكريم المرأة الذى يطنطن به الغرب من حين لآخر ؟!
الى أمى الحبيبة
شهادة الأم المثالية
نظرًا لأنه ليس هناك شئ فى العالم يمكن أن يُعد بديلاً للرقة والعاطفة والحب التى طالما أبديتها ..
ونظرًا لأنك كنت دائمًا حاضرةً فى أصعب لحظات الحياة تسمعين وتفهمين وتشجعين .
وأيضًا لأنك أروع صديق يمكن دومًا أن نعتمد عليه .
من أجلك أيتها الأم أهدى إليك هذه الشهادة اليوم .
لذا ومع خالص آيات العرفان وقعت هذه الشهادة بدمى .
التوقيع(1/20)
منير عرفه
مراجع البحث
1- القرآن الكريم .
2- تفسير القرطبى .
2- الصحيحان " فتح الباري - النووي على مسلم " .
3- السنن الأربعة .
4- صحيح الجامع للألباني .
5- ضعيف الجامع للألباني .
6- موسوعة نضرة النعيم .
7 - الأدب المفرد للبخاري .
8- الكبائر للإمام الذهبي .
9- الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى .
10- ميزان الاعتدال للإمام الذهبي .
11- الموضوعات للإمام ابن الجوزى .
12- تيسير مصطلح الحديث للطحان .
13- رسالة بر الوالدين آداب وفقه. لصاحبها/ أبو عبد الله الذهبي.
الفهرس
صفحة
الموضوع
3
إهداء
4
مقدمة
5
ففيهما فجاهد
6
وبالوالدين إحسانا
9
مواقف مع أنبياء الله
11
مواقف مع أصحاب رسول الله ( وتابعيهم
11
بر الوالدين و شدائد الحياة
12
لن تجد أحد يحبك مثل والديك
19
أن اشكر لي ولوالديك
19
معك ثروة فلا تهدرها
20
صور من العقوق
24
مواقف مشرفة
25
أما أنت أيها العاق
26
إياك ومصاحبة العاق
26
بر الوالدين غير الطاعة
27
بدعة عيد الأم
28
ليس من العقوق
32
احذر ..
39
خاص بمن مات والداه
41
من معانى الإحسان
42
ادعوهم لآبائهم
43
شهادة الأم المثالية
44
مراجع البحث
45
الفهرس
1 ) صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
2 ) صحيح مسلم .
3 ) متفق عليه .
4 ) أهل السنن إلا الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما .
5 ) (حسن) أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة فى سننه - واللفظ له - . وحسنه الألبانى حديث رقم ( 1248 ) في صحيح الجامع .
6 ) سورة الإسراء آية 23 : 24
7 ) سورة نوح آية 28
8 ) سورة مريم آية 47
9 ) سورة الصافات آية 102
10 ) سورة مريم آية 14
11 ) سورة يوسف آية 100
12 ) سورة مريم آية 32
13 ) صحيح البخارى
14 ) رواه مسلم.
15 ) صحيح البخارى من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
16 ) صحيح مسلم -كتاب التوبة باب 4 بترقيم (6775) من حديث عمر بن الخطاب ((1/21)
17 ) ( حسن ) انظر حديث رقم : 795 في صحيح الجامع للألبانى وأخرجه الترمذى . وقال الترمذى حسن غريب .
18 ) سورة يوسف آية 84 - 85
19 ) رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجة وحسنه الألبانى فى صحيح ابن ماجة (3116)
20 ) أخرجه فى الصحيحين عن أبي هريرة (
21 ) سورة لقمان آية 14 : 15
22 ) سورة التغابن آية 12
23 ) سورة البقرة آية 43
24 ) سورة لقمان آية 14
25 ) صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (
26 ) أخرجه البخارى فى الأدب ، وقال الحاكم صحيح الإسناد .
27 ) موسوعة نضرة النعيم ج10 / 5017 عقوق الوالدين - نقلا من كتاب مساوئ الأخلاق للخرائطى ص 252
28 ) موسوعة نضرة النعيم ج10 /5016 عقوق الوالدين- من كتاب الأغانى ج3/191
29 ) موسوعة نضرة النعيم ج10 / 5017 عقوق الوالدين - نقلا من كتاب عيون الأخبار ج3/86
30 ) رواه النسائي وأحمد والحاكم بسند صحيح
31) موسوعة نضرة النعيم ج10 / 5016 عقوق الوالدين - نقلا من كتاب المستطرف ج2/256
32 ) أخرجه الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل ( .
33 ) ( صحيح ) أخرجه أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر . وصححه الألبانى حديث رقم (6149) في صحيح الجامع .
34 ) استفدنا من "رسالة بر الوالدين آداب وفقه " لصاحبها الفاضل / أبو عبد الله الذهبي .
35 ) صحيح البخارى - كتاب المغازى - كتاب المغازى حديث رقم 3211
36 ) كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ( 32 / 30 )
37 ) تفسير القرطبى ج4 ص 202
38 ) استفدناه من كتب مصطلح الحديث وخاصة كتاب تيسير مصطلح الحديث د. الطحان بتصرف فى العبارة .
39 ) (حسن) أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة فى سننه - واللفظ له - . وحسنه الألبانى حديث رقم ( 1248 ) في صحيح الجامع .
40 ) رواه أبو داود من حديث أبي أسيد الساعدي ( . ومعنى الصلاة عليهما : الدعاء لهما أما إنفاذ عهدهما فيعنى: تنفيذ الوصية .(1/22)
41 ) أما مجرد البكاء مع دمع العين وحزن القلب فلا جناح على من صدر منه ذلك .
42 ) وقد نقل الإمام النووي رحمه الله الإجماع على ذلك . شرح صحيح مسلم (4/167 )
43 ) صحيح مسلم برقم (2552 )
44 ) متفق عليه .
45 ) الحديث في الصحيحين .
46 ) سورة نوح آية 28
47 ) كما فى صحيح مسلم من حديث على بن أبى طالب ( - كتاب الأضاحى - باب 8 حديث رقم (4941) أن رسول الله ( قال : (لعن الله من لعن والده )
48 ) .. كما في الحديث الصحيح الذى رواه مسلم برقم (92) : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قيل يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " .
49 ) سورة الأحزاب آية 5
??
??
??
??
- 13 -(1/23)