بسم الله الرحمن الرحيم
هيا بنا نؤمن ساعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء : 1 ] .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [ الأحزاب : 70-71 ] .
أما بعد :-
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
أحبتى فى الله …
(( هيا بنا نؤمن ساعة )) هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك .. وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى العناصر التالية :
أولاً : جدد إيمانك .
ثانياً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب .
ثالثاً : إلى أين المصير ؟!
وأخيراً : متى ستتوب ؟!!
فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .
أولاً : جدد إيمانك .(1/1)
أخى الحبيب : إن الإيمان قول وعمل ، الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان ، والإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان والزلات قال جل وعلا : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } [ الفتح : 4 ].
وفى الحديث الذى رواه (( ما من القلوب إلا وله سحابة كسحابة القمر مضىء إذ علته سحابة فأظلم فإذا تجلت عنه أضاء ))
فإذا تراكمت سحب المعاصى على القلب حجبت السحب نور الإيمان فى القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض ، فإذا انقسعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى كذلك إذا انقشعت سحب المعاصى والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان فى القلوب ، فلا بد من تعهد القلب ، ولابد من تجديد الإيمان فى القلب وزيادته من آن لآخر وذلك بتعويض القلب بمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا ، ومن هذه المواد المقوية للإيمان قراءة القرآن ، وذكر الرحمن ، والصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام ، والاستغفار ، وزيارة القبور ، وزيارة المرضى والمحافظة على الصلوات فى جماعة بالمساجد ، والإنفاق على الفقراء والمساكين ، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين .
هذه بعض الأعمال التى تقوى وتجدد الإيمان فى القلب فإن القلب هو الملك والأعضاء والجوارح هم جنوده ورعاياه ، فإن طاب الملك ، طابت الجنود والرعايا ، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا .
كما فى الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - قال (( …الا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ))(1)
__________
(1) رواه البخارى رقم ( 52 ) فى الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، ومسلم رقم ( 1599 )
فى المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات وأبو داود ( 3329 ، 3330 ) فى البيوع =
= و الترمذى رقم (1205 ) فى البيوع ، والنسائى ( 7/ 241 ) فى البيوع أيضاً .(1/2)
فلابد من تعهد حال الإيمان فى القلب .. ولابد من تجديد الإيمان فى القلب . ووالله الذى لا إله غيره ، لا أعلم زمان قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب ، وقل الخوف من علام الغيوب كهذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز .
ثانياً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب.
قال تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ].
ألم يأن لقلوب من وَحّدوُا الله وآمنوا برسوله - صلى الله عليه وسلم - أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى ، وأن تزعن لآمره ، وأن تجتنب نهيه ، وأن تقف عند حدوده تبارك وتعالى .
إخوتى الكرام : إن قلة الخوف من الله جل وعلا ثمرةٌ مرةٌ لقسوة القلب وظلمته ووحشته ، فمنا الآن من يستمع لكلام الرحمن يتلى ولا تدمع عينيه ، ولا يتحرك قلبه ، ولا تلين جوارحه ، ولايقشعر جلده !!! ذلك أن القلوب قست ، لأن القلوب فى وحشة وأن القلوب فى ظلمه ، فقلة الخوف من الله وإن الخوف من الرحمن ثمرة حلوة للإيمان ، فعلى قدر إيمانك بالله ، وعلى قدر حبك لله ، وعلى قدر علمك بالله ، وعلى قدر معرفتك بالله جل وعلا يكون حياؤك ، وخوفك ، ومراقبتك لله تبارك وتعالى ، قف على هذه القاعدة ليتبين كل واحد منا الآن : هل يحمل فى صدره قلباً رقيقاً أم قلباً قاسياً وهو لا يدرى ؟!!
قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }
[ فاطر : 28 ](1/3)
فعلى قدر علمك ومعرفتك بالله يكون خوفك من الله . فيا من تتجرأ على المعصية ، يا من ترخى الستور ، وتغلق الأبواب وتبارز الله جل وعلا بالمعصية ، وأنت تظن يا مسكين أنه لا يسمعك ولا يراك أحد ، فاعلم أيها المسكين وكن على يقين أنك لا تعرف الله جل وعلا ، وعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك منه كما قال أعرف الناس بالله رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
(( … أما والله ، إنى لأخشاكم لله ، وأتقاكم له … ))(1).
فالذى يعرف الله إن زلت قدمه فى المعصية وارتكب كبيرة من الكبائر فى حالة ضعف بشرى منه تجده سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم وهو الذى سرعان ما يطرح قلبه بين يدى الله بذل وانكسار وهو يعترف بفقره وعجزه وضعفه .
وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، وهو الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وفى الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : (( والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ))(2)، قال : فغطىَّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم ، ولهم خنين (( الخنين : شبيه بالبكاء مع مشاركة فى الصوت من الأنف )) .
__________
(1) البخارى رقم ( 5063 ) فى النكاح ، باب الترغيب فى النكاح ، ومسلم رقم ( 1401 )
فى النكاح ، باب استحباب النكاح ، والنسائى ( 6/ 60 ) فى النكاح أيضاً ، باب النهى عن التبتل .
(2) البخارى (4621 ) فى تفسير سورة المائدة ، باب قوله تعالى (( لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )) ، ومسلم ( 2359 ) فى الفضائل ، باب توقير ه - صلى الله عليه وسلم - والترمذى ( 3058 )
فى التفسير ، باب ومن سورة المائدة .(1/4)
ورد فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى بسند صحيح بالشواهد من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : (( كيف أنعم وقد التقم صاحب صاحب القرن القرن وحنا جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟ فكأن ذلك ثَقُلَ على أصحابه ، فقالوا : فكيف نفعل يا رسول الله أو نقول ؟ قال : قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا ، وربما قال : (( توكلنا على الله ))(1).
والله لو وقفت على خوف النبى - صلى الله عليه وسلم - من ربه وهو أعرف الناس به ، وأتقى الناس له ، وأخشى الناس منه ، لرأيت العجب العجاب .
وهذا فاروق الأمة الأواب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذى أجرى الله الحق على لسانه لما نام على فراش الموت دخل عليه شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك وصحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدمٍ فى الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة فقال عمر : وددت أن ذلك كفافٌ لا علىّ ولا لى .
وفى رواية : دخل عليه ابن عباس فقال : أليس قد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة ، فلما أسلمت كان إسلامك عزاً ، وظهر بك الإسلام ، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتال المشركين ، ثم قُبض وهو عنك راض ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربت من أدبر بمن أقبل ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راضٍ ، ثم وليت بخير ما ولى الناس : مصَّر الله بك الأمصار ، وجيَّا بك الأموال ونعى بك العدو وأدخل بك على أهل بيت من سيوسعهم دينهم وأرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئاً لك .
__________
(1) رواه البخارى رقم ( 3700 ) فى فضائل أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - ، باب قصة البيعة والاتفاق على
عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وفيه مقتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .(1/5)
فقال عمر : والله إن المغرور من تغرونه(1).
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال : ليتنى هذه التبنة ليتنى لم أك شيئاً ، ليت أمى لم تلدنى.
وهذا حب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل الذى أقسم له النبى فقال : (( يا معاذ والله إنى لأحبك ))(2).
يبتلى معاذ بطعون الشام وينام على فراش الموت وهو الشاب الذى لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره فيقول لأصحابه : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول أخرى : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول ثالثة : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول معاذ : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار !!!
وهذا سفيان الثورى إمام الدنيا فى الزهد والورع والحديث ، ينام على فراش الموت ويدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له : أبشر يا أبا عبد الله أنك مقبل على ما كنت ترجوه ، وهو أرحم الراحمين فيبكى سفيان ويقول: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلى ينجو من النار ؟ !!!
وهذا إمام الدنيا الشافعى يدخل عليه الإمام المزنى وهو على فراش الموت فيقول له : كيف أصبحت يا إمام فيقول : أصبحت من الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا ، ولعملى ملاقيا ، ولكأس المنى شاربا وعلى الله واردا ، ثم بكى وقال : فلا أدرى والله يا مُزنى أتصير روحى إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ؟!!!
__________
(1) سير الخلفاء للذهبى ص 83 ، وابن الجوزى فى المنتظم ( 4/ 141 ) بسند رجاله صحيح إلا
عاصم بن عبد الله بن عاصم ضعفوه .
(2) رواه أبو داود ( 1522 ) فى الصلاة ، باب الاستغفار ، والنسائى ( 3/ 53 ) فى السهو ،
باب نوع آخر من الدعاء والحاكم ( 3/ 273 – 274 ) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
ووافقه الذهبى وهو فى صحيح الجامع ( 7969 ) .(1/6)
وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيار كان يصلى للعزيزِ الغفار ويقبض على لحيته ويبكى ثم يقول : لقد علمت مساكن الجنة ومساكن النار ففى أى الدارين منزل مالك بن دينار ؟!!
فهل فكرت يا عبد الله فى هذا المصير ، أتصير إلى جنة أم إلى نار ؟!!
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء .
ثالثا : أين المصير ؟!!
وهذا سؤال يجب على كل واحد منا أن يسأله لنفسه فى الليل والنهار ، يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك أين المصير ؟!
يا من ذهب زَوجَكِ إلى بلاد الغربة ليوفر لَكِ وللأولادكِ المعيشة الطيبة الحلال فلم تحفظيه فى عرضه وماله قولى لنفسك أين المصير ؟!
يا من تلاعبت ببنات المسلمين وبارزت الله بالمعاصى قل لنفسك أين المصير ؟
يا من أكلت الربا قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من أكلت الحرام قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من تظلم الناس قل لنفسك أين المصير ؟!!
مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غداً فى النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا
ماذا تقول لربك غداً إذا وقفت بين يديه عارٍ: أين المنصب ؟!
أين الجاه ؟! أين السلطان ؟!! أين الأموال ؟!! أين القوة ؟!!
(( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))(1/7)
أين المصير ؟! وجه لنفسك اليوم هذا السؤال : هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر من الله الجنة أم أنك مصرف على نفسك بالمعصية ومع ذلك تتمنى على الله الأمانى وترجوا الجنة ما أقل حياء من طمع فى الجنة وهولم يعمل بالطاعة ولم يمتثل لأوامر الله .. إننا لا نقوى على النار ومن يقوى عليها ؟! ومن يقوى على نار الدنيا وهى (( ناركم هذه التى توقد ابن آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ))(1).
فاتقوا النار أيها المسلمون فإن حرها شديد ، وقعرها بعيد ، ومقامعها من حديد ، إن الطعام فى النار نار ، وإن الشراب فى النار نار ، وإن الثياب فى النار نار ، وطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع .
هل تعلم عن الزقوم والغسلين والضريع شىء ؟!!
الزقوم شجرة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين .
يقول ابن عباس رضى الله عنهما : لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه .
{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62)إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63)إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64)طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65)فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } [الصافات : 62-65]
أما الضريع !! فهو نوع من أنواع الشَّوْك ..
قال تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ(1)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3)تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4)تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ(5)لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ(6)لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } [ الغاشية : 1-7 ].
أما الغسلين !! فهو عصارة أهل النار من فيح وصديد .
__________
(1) رواه البخارى ( 3265 ) فى بدء الخلق ، باب صفة النار وأنها مخلوقه ، ومسلم ( 2843 )
فى الجنة وصفة نعيمها ، باب شدة حر نار جهنم .(1/8)
قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ لْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 25-36 ]
إذا استغاث أهل النار يغاثون بماء ولكن ما هذا الماء ؟
قال تعالى : { … وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [ محمد : 15 ]
وقال تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }
[ الكهف : 29 ]
وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [ غافر : 49 - 50]
فإن يئس أهل النار من خزنة جهنم نادو على رئيس الخزنة { وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ](1/9)
فيتذكرأهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يعرفونهم فى الدنيا فينادونهم ليغيثونهم بشىء من الماء أو مما رزقهم الله { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }
[ الأعراف : 50-51 ]
فإن يأس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم .
قال تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنين : 106-108 ]
الطعام نار ، والشراب نار ، والثياب من نار .
قال تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } [ الحج : 19-21 ]
أما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين .. جنة لا يعلم ما أُعِدَّ فيها من كرامة لأوليائه - إلا العزيز الغفار . (( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))(1).
__________
(1) رواه البخارى رقم ( 3244 ) فى بدء الخلق ، باب ما جاء فى صفة الجنة ، مسلم رقم
( 2845 ) فى الجنة فى فاتحته ، والترمذى رقم ( 3195 ) فى التفسير .(1/10)
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب ذُرِّى السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة – عود الطيب – أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون دراعاً فى السماء ))(1).
ويكفى أخى الكريم : أن تقف على أدنى أهل الجنة منزلة لتعلم قدر أعلى أهل الجنة ففى صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : (( سأل موسى ربه جل وعلا فقال : يارب ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ فقال هو : رجل يجىء بعد أُُدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أى رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟! فيقال : له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول رضيت رب ، فيقال : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ، فيقول فى الخامسة : رضيت رب ، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك .
فيقول موسى : يا رب هذا أدنى أهل الجنة منزلة فما أعلاهم منزلا قال الله : ذلك الذى أردت غرست كرامتهم بيدى وختمت عليهم فلم ترى عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ))(2)
أيها المسلمون : إن أعلى نعيم أهل الجنة هو النظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))
[ القيامة : 22-23 ]
__________
(1) رواه البخارى رقم ( 3245 ) فى بدء الخلق ، باب أول ما جاء فى صفة الجنة ، ومسلم
( 2834 ) فى الجنة ، باب أول زمرة يدخلون الجنة على صورة ليلة القمر البدر ، و الترمذى
( 2540 ) فى صفة الجنة .
(2) رواه مسلم رقم ( 189 ) فى الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها والترمذى رقم
( 3196 ) فى التفسير ، باب ومن سورة السجدة .(1/11)
ففى صحيح مسلم من حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك ،فيقول : هل رضيتم ؟! فيقولون : يا ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك ، وما لنا لا نرضى ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : أى شىء أفضل من ذلك ، فيقول : أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا ))(1).
وفى رواية أبى سعيد : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله عز وجل : قال تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ))
والزيادة هى النظر إلى وجه الله تعالى .
والسؤال الأخير : إذا كان الأمر كذلك فمتى ستتوب ؟!!
والجواب : بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه و أتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها الأحبة الكرام أيها الآباء الفضلاء .. وأيها الأخوات الفضليات وأيها الشباب متى سنتوب ؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب ؟!
__________
(1) رواه البخارى ( 6549 ) فى الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، ومسلم رقم ( 2829 ) فى
صفة الجنة ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة ، والترمذى ، ( 2558 ) فى صفة الجنة(1/12)
أما آن لقلوبنا أن تخشع ، وأن ترجع وأن تخضع لله رب العالمين إن الموت يأتى بغته ، وإن أقرب غائب ننتظره هو الموت فلا تسوف التوبة ، وعاهد الله من الآن أن تقف عند حدوده وأن تراقبه فى سرك وعلانيتك .. فى خلوتك وجلوتك ، وأن تحرص على مجالس العلم وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال فإن مجالس العلم تجدد الإيمان فى القلب ، وتحول بينك وبين معصية الله عز وجل لأن مجلس العلم طريق إلى الجنة وطريق يبعدك عن النار كما قال نبيك المختار : (( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ))(1).
أحبتى فى الله …
فلنرجع ونتوب من الآن إلى الله تعالى توبة صادقة مهما بلغت ذنوبنا ونعاهد الله تعالى من الآن على أن نعود إليه و أن نجدد التوبة والأوبة ونحن على يقين أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغنى عنا الذى لا ينفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى : { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ]
وأذكركم أحبتى فى الله أن التوبة لها شروط حتى يقبلها الله تبارك وتعالى وأول شرط فيها : أن تقلع عن الذنب ثم الندم على ما مضى ، ولا تباهى لا وتتفاخر أنك فعلت وفعلت ثم تعمل الصالحات .
قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [ الفرقان : 70 ]
__________
(1) رواه مسلم رقم ( 2699 ) فى الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن
وعلى الذكر ، وأبو داود رقم ( 4946 ) فى الأدب باب فى المعونة للمسلم ، والترمذى
رقم ( 1425 ) فى الحدود ، باب ما جاء فى الستر على المسلم .(1/13)
وفى الحديث القدسى الذى رواه الترمذى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى : (( يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى يتراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ))(1)
00000 الدعاء
__________
(1) الترمذى رقم ( 3534 ) فى الدعوات ، باب رقم ( 106 )(1/14)