بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فلو صاحَ بك أحد الوالدين «هلمَّ عن النار، هلمَّ عن النار» لتملكك الرعب، وأخذ بك الهلع، ولانتفضت من فورك لتفر أو تتقي تلك النار، لأنك ما شككت في نُصح والديك لك، وخوفهم عليك، ولأنك تعلم جيدًا خطورة المحذر منه وهي النار، فما بالك وصاحب هذه النصيحة أشفق وأحرص عليك من والديك، بل أرأف بك من جميع أهلك وعشيرتك، بل أنصح لك من أهل الأرض جميعًا، وَصَفَ ذلك ربك بقوله سبحانه وتعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [التوبة: 128، 129].
فكيف كانت تلك الصيحة؟
وما صفة هذه النار التي حذرنا منها النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وكيف يكون حال أهلها؟ وما هو طعامهم وشرابهم ولباسهم؟ وماذا كان موقفنا من هذه الصيحة؟
روى مسلم رحمه الله في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثلي كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها» [صحيح مسلم (18/2284) باب شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم].
وفي رواية جابر لمسلم أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي» [صحيح مسلم (19/2285)].(1/1)
وفي "المعجم الأوسط" للطبراني: «وإني آخذ بحجزكم هلموا عن النار، هلموا عن النار، فتغلبوني فتقتحمون فيها» [المعجم الأوسط (3287)].
وفي "مصنف ابن أبي شيبة": «إني ممسك بحجزكم هلموا عن النار، وتغلبوني تقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب» [مصنف ابن أبي شيبة (40)].
وانظر إلي غاية الشفقة والحرص منه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «وأنا آخذ بحجزكم عن النار»، «وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي»، «وأنا ممسك بحجزكم هلموا عن النار» هل تجد أبلغ من هذا الحرص الذي بلغ منتهاه منه - صلى الله عليه وسلم - ، فالمحذر منه نار تلظي حرها شديد وقعرها بعيد.
فيا أيها الغافل عن نفسه، المغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدنيا المشرفة على الانقضاء والزوال، دع التفكير فيما أنت مرتحل عنه، واصرف الفكر إلى موردك، فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع، إذ قيل: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [مريم: 71، 72]، فأنت من الورود على يقين، ومن النجاة في شك، فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد، فعساك تستعد للنجاة منه.(1/2)
وتأمل في حال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا، فبينما هم في كربها وأهوالها وقوفًا ينتظرون حقيقة أنبائها وتشفيع شفعائها، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب، وأطلت عليهم نار ذات لهب، وسمعوا لها زفيرًا وجرجرة تفصح عن شدة الغيظ والغضب، فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب، وجثت الأمم على الركب، حتى أشفق البرءاء من سوء المنقلب، وخرج النادي من الزبانية قائلاً: أين فلان بن فلان المسوف نفسه في الدنيا بطول الأمل، المضيع عمره في سوء العمل، فيبادرونه بمقامع من حديد، ويستقبلونه بعظائم التهديد، ويسوقونه إلي العذاب الشديد، وينكسونه في قعر الجحيم، ويقولون له: { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } [الدخان: 49].
فأسكنوا دارًا ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، يخلد فيها الأسير، ويوقد فيها السعير، شرابهم فيها الحميم، ومستقرهم الجحيم، الزبانية تقمعهم، والهاوية تجمعهم، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم منها فكاك.
قد شدت أقدامهم إلي النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، ينادون من أكنافها ،ويصيحون في نواصيها وأطرافها، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود، فتقول الزبانية: هيهات لات حين أمان، ولا خروج لكم من دار الهوان، فاخسؤوا فيها ولا تكلمون، ولو أخرجتُم منها لكنتم إلي ما نهيتُم عنه تعودون.(1/3)
فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون، ولا ينجيهم الندم، ولا يغنيهم الأسف، بل يكبون على وجوهم مغلولين، النار من فوقهم، والنار من تحتهم، والنار عن أيمانهم، والنار عن شمائلهم، فهم غرقي في النار، طعامهم نار، وشرابهم نار، ولباسهم نار، ومهادهم نار، فهم بين مقطعات النيران، وسرابيل القطران، وضرب المقامع، وثقل السلاسل، فهم يتجلجلون في مضايقها، ويتحطمون في دركاتها، ويضربون بين غواشيها، تغلي بهم النار كغلي القدور، ويهتفون بالويل والعويل، ومهما دعوا بالثبور صُب من فوق رؤوسهم الحميم، يُصْهَر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مَقامع من حديد، تهشم بها جباههم فينفجر الصديد من أفواههم، وتتقطع من العطش أكبادهم، وتسيل على الخدود أحداقهم، ويسقط من الوجنات لحومها، وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون» [الإحياء للغزالي]. نسأل الله العفو والعافية.
فما هي هذه النار التي أشفق علينا منها النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وما حال أهلها كما جاء في كتاب الله تعالي وسُنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أعاذنا الله منها بفضله ومنه وكرمه؟
مقياسها بنار الدنيا (1) :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من حر جهنم» قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلها مثل حرها» [متفق عليه].
عمقها وشدة حرها: عن عتبة بن غزوان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الصخرة العظيمة لتُلقي من شفير جهنم فتهوي فيها سبعين عامًا ما تفضي إلي قرارها» [مسند أحمد (4/174)، والترمذي (10/45، 46) وصححه الألباني].
__________
(1) نقلاً عن "البحر الرائق" للشيخ أحمد فريد – حفظه الله.(1/4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعنا وجبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفًا فالآن حين انتهي إلي قعرها»[صحيح مسلم (17/179)]. والوجبة هي صوت سقوط الشيء من مكان عال.
أبواب جهنم:
ولجهنم سبعة أبواب، قال الله عز وجل: { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [الحجر: 43، 44]. وقيل: المراد بالأبواب الأطباق طبق فوق طبق.
وقود جهنم:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالي: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [البقرة: 24] قال: هي حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين؟ وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العزة قدميه فيزوي بعضها إلي بعض، وتقول قط قط وعزتك» [متفق عليه].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } [المرسلات: 32] قال: أما إني لست أقول كالشجرة ولكن كالحصون والمدائن.
طعام أهلها:
قال الله تعالي: { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } [الغاشية: 6، 7].
الضريع نوع من الشوك لا تأكله الدواب لخباثته.
وقال الله تعالي: { إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } [المزمل: 12، 13] عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالي: { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } قال: شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج.(1/5)
وقال تعالي: { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } [الواقعة: 51، 56].
وقد وصف الله عز وجل شجرة الزقوم فقال: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ } [الصافات: 64، 68] والشوب هو الخلط والمزج، أي يخلط الزقوم المتناهي في القذارة والمرارة، والحميم المتناهي في اللهب والحرارة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 102] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه» [الترمذي (10/54) وقال: حسن صحيح].
وقال تعالي: { فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ } [الحاقة].
قال ابن عباس: الغسلين الدم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم.
والتوفيق بين ما ههنا وبين قوله: { إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } وقوله: { مِنْ زَقُّومٍ } وقوله: { مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } [البقرة: 174] أنه يجوز أن يكون طعامهم جميع ذلك أو أن العذاب أنواع والمعذبين طبقات، فمنهم أكلة الضريع، ومنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة النار، لكل منهم جزء مقسوم.
شراب أهلها:(1/6)
قال الله تعالي: { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم: 16، 17]. أي يستقي من ماء صديد شديد النتانة والكثافة ،فيتكرهه ،ولا يكاد يبتلعه من شدة نتانته وكثافته.
قال تعالى: { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محمد: 15] والحميم هو الماء الحار المغلي بنار جهنم يذاب بهذا الحميم ما في بطونهم وتسيل به أمعاؤهم وتتناثر جلودهم كما قال تعالي: { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } [الحج: 20، 22].
وقال تعالي: { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 29].
ملابس أهل النار:
قال الله عز وجل: { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } [إبراهيم: 49، 50] فقوله: { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل، وخص القطران لسرعة اشتعال النار فيه من نتن رائحته ووحشة لونه، والقطران قيل فيه ما يطلى به الجمل الأجرب. وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» [صحيح مسلم (6/23 – 236)].
وقال الله تعالي: { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } [الحج: 19].(1/7)
فقوله: { قُطِّعَتْ } أي قدرت لهم على قدر جثثهم لأن الثياب تقطع على مقدار بدن من يلبسها، وقيل إنها من نحاس قد أذيب فصار كالنار، والحق إجراء النظم القرآني على ظاهره.
وعن سَمُرَة بن جندب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «منهم من تأخذه النار إلي ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلي حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلي عنقه، ومنهم من تأخذه النار إلي ترقوته» [صحيح مسلم 17/ 180)].
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» [صحيح مسلم (3/85)].
أسرة أهل النار:
قال تعالى: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41].
أي فرش من النار ويلتحفون بألحفة من النار عياذًا بالله من حالهم.
وقال تعالي: { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16] أي أطباق وفراش ومهاد وسرادقات، وإطلاق الظلل عليها تهكمًا، وإلا فهي محرقة، والظلة تقي من النار كما قال تعالي: { انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ } [المرسلات: 30، 31].
عظم أهل النار وبشاعة منظرهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع» [متفق عليه]. والمنكب هو الكتف. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ضرس الكافر- أي ناب الكافر – مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث» [صحيح مسلم (17/186)].
قال النووي رحمة الله: هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه وكل هذا مقدور لله تعالي يجب الإيمان به لإخبار الصادق به - صلى الله عليه وسلم - .(1/8)
قال الحافظ المنذري: وقد ورد أن من هذه الأمة من يعظم في النار كما يعظم فيها الكفار، فروى ابن ماجة والحاكم وغيرهم من حديث عبد الله بن قيس قال: كنت عند أبي يريدة ذات ليلة فدخل علينا الحارث بن أقيش رضي الله عنه، فحدثنا الحارث ليلتئذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من مضر، وإن من أمتي من يعظم للنار حتى يكون أحد زواياها» [ابن ماجة (4323) وصححه الألباني].
بعض ألوان عذاب أهل النار:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يؤتى بأنعم الناس يوم القيامة من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط» [صحيح مسلم (17/149)]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك أنا كنزك» [البخاري (683)]، واللهزمة عظم ناتئ في اللحى، وفي رواية: «يفر منه ويتبعه، ويتقي منه فيلقم يده ثم يطوقه» وقرأ هذه الآية: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران: 180].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهون أهل النار عذابًا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم» [متفق عليه].(1/9)
وعن الحسن البصري في قوله تعالي: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ٍ } ، [النساء: 56]، قال: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم قيل لهم: "عودوا" فيعودون كما كانوا.
عذاب أهل النار المعنوي:
من عذاب أهل النار المعنوي أن الملائكة تبكتهم قبل أن يدخلوا منازلهم في النار كما قال تعالى: { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } [الملك: 8، 9].
ومن عذابهم المعنوي أنهم يلعن بعضهم بعضًا، ويسب بعضهم بعضًا قال تعالي: { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]ويتبرأ الكبراء من المستضعفين ويقول المستضعفون: { لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [البقرة: 157].
ومن عذابهم المعنوي أنهم يرون الذين كانوا يسخرون منهم ويستهزؤون بهم من أهل الإيمان قد فازوا بالرضا والرضوان ونجوا من غضب الملك الديان كما قال تعالي: { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ } [ص: 62، 63].(1/10)
ومن عذابهم المعنوي كذلك أنهم يمنعون من الكلام قال محمد بن كعب: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدًا يقولون: { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } [غافر: 11] فيقول الله تعالى مجيبًا لهم: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [غافر: 12] ثم يقول: { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا } [السجدة: 12] فيجيبهم الله تعالي: { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } [إبراهيم: 44] فيقولون: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالي: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [فاطر: 37] ثم يقولون: { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [المؤمنون: 106، 107] فيجيبهم الله تعالي: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]فلا يتكلمون بعدها أبدًا، وذلك غاية شدة العذاب.(1/11)
قال مالك بن أنس: قال زيد بن أسلم في قوله تعالي: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } [إبراهيم: 21]قال: صبروا مائة سنة، ثم جزعوا مائة سنة، ثم صبروا مائة سنة، ثم قالوا: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يؤتي بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت» [البخاري (11/415)، ومسلم (17/ 186)].
تلكم كانت أوصاف النار، وهذا هو حال أهلها، صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث النعمان بن بشير أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: «أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار» فمازال يقولها حتى لو كان في مقامي هذا لسمعه أهل السوق حتى سقطت خميصة كانت عليه عند رجليه. [مستدرك الحاكم (1058) وأحمد والدارمي]. ولقد توعد الله – عز وجل من عصاه وتعد حدوده بدخول هذه النار فقال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } [النساء: 14].
فهل استجاب لصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الشرك من عباد القبور وغيرهم، وقد كتب الله على نفسه: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } [المائدة: 72].
هل استجاب لصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - من قطع أقوى صلة بينه وبين ربه – عز وجل – بترك الصلاة! وقد توعد – سبحانه – من يؤخرها عن وقتها بقوله: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4، 5].(1/12)
قال أهل العلم: "ويل" هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذاب من شدة حره، وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرط.
هل استجاب لصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - من شحت نفسه وبخلت عن إخراج زكاة المال المفروضة وقد قال تعالي: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران: 180] وقال سبحانه: { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [فصلت: 6، 7] فسماهم مشركين وقال: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 34، 35] وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبيته وجنباه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس.....» [مسلم (987)] قال ابن مسعود: «لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته».(1/13)
هل استجاب لصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - الوالغون في الأعراض المحرمة أهل الزنا، وقد قال تعالي: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ } [الفرقان: 68، 70].
وفي "صحيح البخاري" من حديث سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى عذاب أهل الزنا من أمته فقال: «فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات ، قال :فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – أي صاحوا من شدة حره – فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني يعني من الرجال والنساء فهذا عذابهم إلي يوم القيامة» [البخاري (7047)].
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» [مسلم (107)].
هل استجاب لصيحة النبي - صلى الله عليه وسلم - من تجرأ على الخمر ليشربها و«إن على الله عهدًا لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار» [صحيح مسلم (2002)].(1/14)
هل استجابت نساء زماننا هذا لصيحته - صلى الله عليه وسلم - وقد قال: «اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» [البخاري (3241)] هل استجبن لصيحته - صلى الله عليه وسلم - «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولايجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [صحيح مسلم (2128)] بل أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنهم أحد صنفي أهل النار ممن لم يرهم - صلى الله عليه وسلم - في حياته وأنهم سيأتون بعده وسيكونون من أشد الفتن كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» [صحيح البخاري (5096)].
هل استجاب لصيحته - صلى الله عليه وسلم - الذين يحتالون في أكل أموال العباد والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أناسًا يتخوضون في مال الله بغير حق لهم النار يوم القيامة» [البخاري].
هل استجاب أكَلَة الربا ومرتكبو جريمة اللواط والمسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالأيمان الكاذبة.وهل، وهل... حتى تعلم لماذا صارت أمة الإسلام وهي «خير أمة أخرجت للناس» في ذيل الأمم! لقد كان سلفنا رحمهم الله يعلمون جيدًا ما هي الجنة وما هي النار فهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله يبكي ليلة فيطيل البكاء, فيسأل عن سبب بكائه، فيقول: ذكرت مصير القوم بين يدي الله – عز وجل-: { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشورى: 7] ثم يصرخ ويسقط مغشيًا عليه.(1/15)
والحسن رضي الله عنه يقول: «إن لله تعالى عبادًا كمن رأي أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أيامًا قصارًا تعقب راحة طويلة، أما الليل فصافة أقدامهم تسيل دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى ربهم – عز وجل – ربنا ربنا، وأما النهار فعلماء حلماء أتقياء ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى أو قد خولطوا، وما بهم من مرض ولكن خالطهم أمر عظيم».
فانظر – رحمك الله – إلى عاقبة الذنب فإن اللذة تفني، ويبقى العيب، واحذر المعاصي فبئس المطلب، واعلم أنه سوف يأتي أقوام يوم القيامة يردون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول أحدهم: «يا رسول الله أغثني (فيقول له - صلى الله عليه وسلم - ): «لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك» [البخاري (2908)].
ونشهد أنه بلغ ونصح - صلى الله عليه وسلم - ، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه» [مصنف ابن أبي شيبة (31)، وشعب الإيمان (10376)].(1/16)
وفي "الصحيحين" أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم،فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق» [متفق عليه]. وعند البخاري أنه قال: «ليلقين الله أحدكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه ترجمان، يترجم له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلي، فيقول: ألم أعطك مالاً وولدًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلي، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم» قال عدي: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة» [البخاري (3400)]. وفي الحديث القدسي:«يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها،فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» [صحيح مسلم]
فاللهم أجرنا من النار ومن عذاب النار ومن فتنة القبر ومن عذاب القبر، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وصلى الله على محمد وعلى آلة وصحبه وسلم.
أبو المنذر
خليل بن إبراهيم أمين(1/17)