بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعد:
فإن فضل العلم وشرف أهله لا يخفي علي عاقل وقد وردت الآيات الكثيرة الدالة على ذلك مثل:
{ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ... } (1) .
وقوله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (2) .
وأما الأحاديث الصحيحة فكثيرة في هذا الباب ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
«من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله له به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العِلَم من أخذه أخذ بحظ وافر» (3) .
ولقد صنف كثير من الأئمة المتقدمين والمتأخرين كتبًا في فضل طلب العلم وآداب طالب العلم وما ينبغي أن يتحلى به من الأخلاق والصفات.
وهذه الرسالة التي لخصها وكتبها أخي في الله فيحان بن سليمان الغربي جزاه الله خيرًا.
رسالة صغيرة الحجم عظيمة الفائدة في موضوعها إذ أنها جمعت كثيرًا من الآداب التي ينبغي أن يتصف بها طالب العلم.
فجزاه الله خيرًا على ما صنع والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في العلم والعمل، إنه سميع مجيب.
كتبه الشيخ
عبد العزيز السدحان
* * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) سورة المجادلة، الآية رقم 11.
(2) سورة فاطر، الآية رقم 28.
(3) عن أبي الدرداء كما في مسند الإمام أحمد بن حنبل وقد رواه الأربعة وابن حبان في صحيحه وهو صحيح، وانظر صحيح الجامع الصغير تحقيق الألباني.(1/1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا إلى يوم الدين أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، عياذًا بالله من ذلك.
أخي الحبيب:(1/2)
عن تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (1) وهذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام ومعنى الحديث: (عماد الدين وقوامه النصيحة) (2) وقال النووي رحمه الله: (أما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر: فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم – قلت: وعالمهم – ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم وأنه يحب لهم ما يحب لنفسه (3) ، من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلف بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط همهم إلى الطاعات، وقد كان السلف - رضي الله عنهم - فيهم من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه. والله أعلم). انتهى كلامه رحمه الله
فانطلاقًا من هذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والتعليق عليه للإمام النووي -أردت أن أنصحك حبًا لك وإشفاقًا عليك، وحيث أنك سليم الصدر، طيب النفس، صحيح الفطرة، وقاف عند حدود الله، قابل للنصيحة، ممتثل لأمر الله؛ أردت لك النصيحة.
نصيحتي تتلخص في أمور،،،،،
الأول: احذر من التصدر قبل التأهل فهو آفة في العلم والعمل.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(2) ذكر ذلك النووي في شرحه لصحيح مسلم ص39 طبعة دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان.
(3) استنادًا على حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري.(1/3)
كما أحذرك من الرياء في طلب العلم والوعظ والدعوة وقصد التصدر والشهرة، وعلاج ذلك الصدق والإخلاص (1) .
الثاني: إياك والجدال، أحذرك من الجدال (2) وخصوصًا في المسائل التي يسع المسلم فيها السكوت من قلة علمه (3) .
الثالث: لا تتعجل فالشيطان يدخل مع العجلة، وعليك بالتأني في أمورك كلها؛ لأن الأناة خصلة يحبها الله عز وجل (4) لا تتعجل في الحكم على الأمور قبل أن تعرف حقيقتها، وقبل أن تعرف حكم الله ورسوله فيها، وقبل أن تعرف الراجح من المرجوح، والصحيح من الضعيف، والناسخ من المنسوخ، والجمع بين الأدلة.
الرابع: ينبغي لطالب العلم أن يقبل الحكمة ممن قالها؛ فالحكمة ضالة المؤمن مهما كان قائلها، فإن الشيطان علم أبا هريرة آية الكرسي فقبلها، وقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - «صدقك وهو كذوب» (5) .
__________
(1) من «حلية طالب العلم» لـ (بكر عبد الله أبو زيد)، ورسالة: «كيف تطلب العلم» للشيخ عائض القرني ص19.
(2) لعلك أن تحصل على بيت في ربض الجنة استنادًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الشيخ الألباني: حسن بشواهده.
(3) بعضها من رسالة: «كيف تطلب العلم» للشيخ: عائض القرني ص24.
(4) استنادًا على حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال للأشج -أشج عبد القيس-: «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناه» رواه مسلم.
(5) من رسالة: «كيف تطلب العلم» للشيخ: عائض القرني ص26.(1/4)
الخامس: كن صادقًا في حبك لأخيك المسلم ولا يكن تكلفًا أو تصنعًا منك، ولا تحمل في قلبك على أخيك المسلم شيئًا مهما كان الاختلاف بينكما سواء كان في الآراء أو في المسائل أو ما إلى ذلك، وليكن قلبك نظيفًا طاهرًا نقيًّا لا يحمل بين طياته الغش والحقد والحسد [ولا يكن قلبك مثل الإسفنجة يتشرب كل شيء، بل اجعله مثل الزجاجة ترى الحقائق من وراءها ولا يدخلها شيء؛ يأخذ ما ينفعه ويترك ما يضره يأخذ الصالح ويترك الفاسد] (1) .
السادس: أحسن الظن بإخوانك المسلمين القريب منهم والبعيد، واحمل الأمور على طبيعتها؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } الآية (2) .
وقال تعالى: { وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } (3) وأقبل عذر من اعتذر منك ولا تحرجه بكثرة الأسئلة عند الاعتذار، ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها.
السابع: احذر فبعض الفضوليين همهم تغليط العلماء وتعجيزهم بالأسئلة، وليس مقصودهم الاستفادة، وهؤلاء يظهر الله عوارهم للناس وعثراتهم، وعلمهم قليل البركة ضحل المنفعة؛ نسأل الله التوفيق (4) .
الثامن: احذر ذكر أسماء الناس في معرض الكلام والنقد: من الحكمة إبهام أسماء الناس وخاصة العلماء في معرض الرد أو الانتقاد إطفاءً للفتنة، وإنهاءً للتشويش، وسدًّا لباب التطفل على جلالة العلماء (5) .
__________
(1) من وصايا ابن تيمية لابن القيم رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.
(2) آية 12 سورة الحجرات.
(3) آية 28 سورة النجم.
(4) من رسالة الشيخ: عائض القرني «كيف تطلب العلم» ص44.
(5) من رسالة الشيخ: عائض القرني «كيف تطلب العلم» ص32.(1/5)
التاسع: بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح، بعض الناس لا تراه إلا منتقدًا دائمًا ينسى حسنات الطوائف والأجناس والأشخاص، ويذكر مثالبهم؛ فهو مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج (1) .
العاشر: يا طالب العلم تثبت، فالفتوى خطيرة جدًا ومحرجة، وهي توقيع عن رب العالمين فاحذر أن تقول على الله بغير علم، وحذاري حذاري من التسرع فيها، والتهالك منها، وعليك بكلمة لا أدري فهي عند أهل التقوى والورع كالماء البارد (2) .
الحادي عشر: احذر من الغضب (3) وكن ميزان حق تعطي الحق من نفسك حتى في ساعة غضبك.
الثاني عشر: إن أول ما يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة المقبولة، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على الجهل ضررها أكبر من نفعها؛ لأن هذا الداعية قد نصب نفسه موجهًا ومرشدًا فإذا كان جاهلاً فإنه بذلك يكون ضالاً مُضلاً -والعياذ بالله- ويكون جهله هذا جهلاً مركبًا، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط؛ يُمسك صاحبه ولا يتكلم، ويمكن دفعه بالتعلم، ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب إذ إن هذا الجاهل المركب لن يسكت، بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون مدمرًا أكثر مما يكون منورًا (4) .
__________
(1) من رسالة الشيخ: عائض القرني «كيف تطلب العلم» ص25.
(2) من رسالة الشيخ: عائض القرني «كيف تطلب العلم» ص21.
(3) استنادًا على حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أوصني، قال: «لا تغضب، فردد مرارًا قال: لا تغضب» صحيح البخاري.
(4) من محاضرة الشيخ: محمد بن عثيمين -رحمه الله- (زاد الداعية إلى الله عز وجل) ص10.(1/6)
الثالث عشر: إياك أن تستأثر بالحديث في المجلس وتترك الآخرين؛ فهذا من قلة العلم وضحالة الفهم، والتبرع بالحديث وعدم إتاحة الفرصة للآخرين من الرعونة (1) .
الرابع عشر: لا تضيع الوقت فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وطالب العلم ليس لديه وقت كافٍ للبحث والمطالعة، فكيف يُضيع الوقت؟! فاحذر أن يضيع وقتك بدون فائدة أو في مسامرة أو مجالسة، وليكن في القراءة النافعة (2) ، وصلة الرحم، والزيارة لله وفي الله.
الخامس عشر: انتبه من الكبر واحذر منه أشد الحذر فإنه آفة العلم، واجعل التبسم في غالب أحوالك سلاحك لجذب قلوب الناس إليك.
السادس عشر: لا يمنعك الكبر عن سؤال أهل العلم فيما خفي حكمه، واحذر من الشيطان فإنه يدخل معك في هذه المسألة كأن يوسوس عليك ويقول لك مثلاً: أنت طالب علم، وعندك الكتب والمؤلفات والمصنفات؛ فلا تحتاج إذًا إلى سؤال الناس. فتقع في الخطأ، وتحيد عن الطريق.
السابع عشر: ارجع إلى الصواب وإلى الحق متى ما رأيت أنك مخطئ أو متى ما نبهك أحد لهذا – مهما قل علمه وتحصيله – فالرجوع إلى الحق فضيلة، ولا تأخذك العزة بالإثم أو يأخذك الكبر عن الرجوع إلى الحق.
__________
(1) من رسالة الشيخ: عائض القرني «كيف تطلب العلم» ص35.
(2) أنفع القراءة قراءة كتاب الله -عز وجل-، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ما يتيسر مما ينفعك في دنياك وأخراك.(1/7)
الثامن عشر: احرص أن تتلقى – ما استطعت – كل علم من أهله، فتتلقى مثلاً القرآن من القراء، والتفسير من المفسرين، والحديث من المحدثين، والفقه من الفقهاء، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: كل علم يُسأل عنه أهله (1) .
التاسع عشر: يا طاب العلم ارسم لنفسك كبر الهمة، فمن سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق ومهما بلغت من العلم فتذكر [كم ترك الأول للآخر] ولا تسمع لكلام العامة ما ترك الأول للآخر شيئًا، والصحيح أن الأول والآخر تركوا الشيء الكثير ولم يلموا بالعلوم كلها (2) .
العشرون: (تعاهد علمك الذي تعلمته وحفظته من وقت إلى آخر؛ فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب للعلم مهما كان) (3) .
الحادي والعشرون: ابذل الوسع في حفظ العلم، وليكن حفظك [حفظ رعاية] بالعمل والاتباع، وليجعل من حفظ الحديث حفظه حفظ رعاية لا حفظ رواية؛ فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء [وذلك من قلة العمل بما يعلم ومن قلة التطبيق بما علم وحفظ] (4) .
__________
(1) هذا إن توافر هؤلاء المتخصصون وهم أندر من الكبريت الأحمر، وذلك يكفي طالب العلم أن يظفر بعالم من الأكابر فيتلقى عليه سائر العلوم عند التأسيس؛ فإن الشأن في الأكابر [إتقانهم لكل هذه العلوم بمستوى يمكنهم من تأسيسها لدى طلاب العلم] أما عند التوسع والتخصص فلابد من تلقي كل علم من أهله. من رسالة الدكتوراة: عبد العزيز قارئ «برنامج عملي للمتفقهين» ص46، 48.
(2) من «حلية طالب العلم» للشيخ: بكر عبد الله أبو زيد.
(3) من «حلية طالب العلم» للشيخ: بكر عبد الله أبو زيد.
(4) من «حلية طالب العلم» للشيخ: بكر عبد الله أبو زيد.(1/8)
الثاني والعشرون: عليك باللجوء إلى الله تعالى، ومضاعفة الرغبة والفزع إلى الله في الدعاء إليه والانكسار بين يديه فبذلك يذلل الله لك العقبات، ويفتح عليك ما استعصى أمامك فقد تعاصت بعض العلوم على بعض الأعلام المشاهير، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كثيرًا ما يقول في دعائه إذا ما استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى: [اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، فيجد الفتح في ذلك] (1) .
الثالث والعشرون: جُنة العالم لا أدري، ويهتك حجابها الاستنكاف منها وقوله: يقال أو سمعت أو ما شابههمها، وإن كان نصف العلم لا أدري، فنصف الجهل يقال أو أظن فانتبه لهذا وفقك الله (2) .
الرابع والعشرون: احذر أن تكون أبا شبر، فقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، ومن دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه لا يعلم (3) .
الخامس والعشرون: من أراد أن يجمع في طلبه للعلم بين قصد الدنيا والآخرة فقد أراد الشطط وغلط أقبح الغلط، فإن طلب العلم من أشرف أنواع العبادة وأجلها وأعلاها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (4) فقيد أمر العبادة بالإخلاص الذي هو روحها (5) .
السادس والعشرون: قال ابن القيم رحمه الله: للعلم ست مراتب؛ أولها: حسن السؤال، والثانية: حسن الإنصات، والثالثة: حسن الفهم، والرابعة: الحفظ، والخامسة: التعليم، والسادسة وهي (ثمرته): العمل به ومراعاة حدوده (6) .
__________
(1) من «حلية طالب العلم» للشيخ: بكر عبد الله أبو زيد.
(2) من «حلية طالب العلم» للشيخ: بكر عبد الله أبو زيد.
(3) من «تذكرة السامع والمتكلم» لـ: ابن جماعة الكتاني ص65.
(4) سورة البينة آية رقم (5).
(5) من «أدب الطلب ومنتهى الأرب» للشوكاني ص28.
(6) من «مفتاح دار السعادة» لابن القيم.(1/9)
السابع والعشرون: احرص على سلم التعليم الذي اصطلح عليه العلماء، فالتدرج في سلم التعلم ضروري لكل متفقه، والعلم لا ينال قفزًا، فإذا قفزت من فوق الجدران فزلت بك قدمك وسقطت على أم رأسك في مجال التعلم فلا تلومن إلا نفسك؛ لأنك بدلاً من أن تأتي البيوت من أبوابها أردت أن تقفز من فوق الجدران (1) .
الثامن والعشرون: على طالب العلم أن يعزو الكلام إلى صاحبه والمقال إذا كتبه إلى مصدره، فإن هذا من الأمانة، ومخالفته من السرقة العلمية نسأل الله العافية من ذلك.
التاسع والعشرون: ينبغي لطالب العلم أن يتأدب مع أستاذه وشيخه ومعلمه، فلا يسمعه إلا ما يحب، ولا ينصرف عنه إلا بإذنه، ولا يكون متعقبًا منتقدًا يهمه تسجيل ما يرى من أخطاء وملاحظات، ولا بأس أن يحاور شيخه فيما يرى أنه خالف فيه قول من سبقه، ولكن يحاوره محاورة لطيفة ظريفة بالحكمة والأسلوب الحسن، محاورة تتسم بالأدب والاحترام والمحبة. ولا ينبغي له أن يغضب إذا لم يوافقه الشيخ بل يأخذ ما يقتنع به ويترك الذي لا يريد من غير تجريح ولا تعنيف، واعلم وفقك الله أن صفة الكمال لم يكتبها الله لأحد من العالمين، ومهما بحثت بين العلماء وطلبة العلم وغيرهم على كامل مكتمل فلن تجد أبدًا؛ لأن الكمال صفة من صفات الله التي لا يرضى أن يشاركه فيها أحد.
الثلاثون: لا تأخذ العلم والتوجيه والفتوى إلا مِنْ مَنْ يشهد له بصحة العقيدة وبتقوى الله والورع ومن من أنت على بينة من علمه وأمانته وصدقه ونزاهته.
__________
(1) من رسالة: «برنامج عملي للمتفقهين» للدكتور/ عبد العزيز قارئ.(1/10)
الواحد الثلاثون: على طالب العلم أن يقدم من هو أولى منه، فلا يتصدى للعلم بحضرتهم وهم أحياء، ولا يغمطهم حقهم بعد الممات؛ بل يرشد إلى الأخذ عنهم وقراءة كتبهم وقيل لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - : (أللرجل العالم أن يقول ومعه عداده من الناس في الأمر لابد منه؟ قال: إن شاء قال، وإن شاء أمسك؛ حتى يكفيه أصحابه ذلك أحب إلي) (1) .
آخر المسائل: أرجو منك أخي الحبيب أن تتقبل نصيحتي لأنني أعتقد أن فيها النجاة بإذن الله.
أخي الحبيب: لا تؤاخذني ولا تتضجر مني إن كان في هذه النصيحة شيئًا يمس شعورك النبيل، والله سبحانه وتعالى يعلم أني لا أريد إلا إصلاحًا وتوفيقًا، والله إني أحبك في الله ولله، ولكن الحق أحب إلى من كل شيء.
أخي الحبيب: هذه نصيحتي لك فإن قبلتها فالحمد لله، وإن لم تقبلها فأسأل الله أن يشرح صدرك لقبولها.
أخي الحبيب: لا يخفى عليك أنني كتبتها راجيًا ثوابها من الله عز وجل مع قلة علمي وكثرة إسرافي على نفسي، أسأل الله لي ولك التوبة النصوح وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجعلني وإياك وجميع المسلمين من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي طالب العلم بعد قراءتك لهذه الآداب ينبغي أن تعرف ما يخالفها ويكدر صفوها، وقد نفلت لك بعض الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يحذر منها، وإليك هذه الأمور ليستقيم لك الطريق في طلب العلم.
* * * *
كلمة طيبة قيمة في الفوضى
لطلبة العلم
للشيخ
عبد العزيز السدحان (حفظه الله)
الحمد لله رب العالمين
أما بعد:
فإن كلمة (فوضى) لها معان عدة منها: أنها تدل على الأمور المتداخلة غير المرتبة، والتي تأخذ جهدًا من الوقت لإعادة الأمور إلى مجاريها.
__________
(1) من «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر.(1/11)
جاء في لسان العرب عن أبي زيد قوله: القوم في فيضوضا أمرهم، وفي فيضوضا فيما بينهم؛ إذا كانوا مختلطين فيلبس هذا ثوب هذا. ويأكل هذا طعام هذا. لا يأمر واحد منهم صاحبه فيما يفعل في أمره. انتهى مختصرًا.
- وفي ذم الفوضى قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ومن أعظم الفوضى الفوضى في طلب العلم. ففيها إضاعة للجهد وإضاعة للوقت والمال. فيقرأ كل ما يقع في يده، وقد يكون إثمه أكبر من نفعه بل قد يكون لا نفع فيه. ويضيع ساعات بل أيامًا في جهدٍ لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة.
وينفق أمواله على كل كتاب تقع عليه عيناه، فتتراكم عليه الكتب وتزداد فيعجز عن تمييز غثها من سمينها.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(ومن أعماه الله لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالا) فتجد بعض طلاب العلم يحفظ عشرات بل مئات الأبيات في كل يوم أو أسبوع ويمر عليه الشهر والشهران، ولا يحفظ منه آية أو حديثًا.
ولذلك فعلى طالب العلم الحذر من تلك الفوضى التي تقتل الجهد والوقت والمال.
الأسباب التي تعين على التخلص من الفوضى:
1- الصدق والإخلاص في طلب العلم. وأن يوافق فعله قوله.
2- الإكثار من دعاء الله والإلحاح عليه في أن يرزقه البصيرة في علمه وعمله.
3- عدم شراء أي كتاب حتى يستشير من يثق في علمه.
4- ترتيب الوقت فيجعل وقتًا للحفظ، ووقتًا للقراءة في المنزل، ووقتًا لحضور درس عند أهل العلم الذين يدرسون في حلقاتهم ما يفهم ويعود عليهم بالنفع.
- قال ابن جماعة الكناني في كتابه «تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم»:
(وأجود الأوقات للحفظ الأسحار. وللبحث الأبكار وللكتابة وسط النهار وللمطالعة والمذاكرة الليل).
- ثم نقل عن الخطيب البغدادي كلامًا وفيه:-
وأجود أماكن الحفظ الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات.(1/12)
5- إذا عزم على قراءة كتاب فليحذر أن يخلل قراءته تلك كُتبًا أخرى لغير حاجة ماسة فإن ذلك من أسباب تشتيت الفهم وضياع الوقت. قال ابن جماعة في سياق كلام له: يعطي الكتاب الذي يقرؤه والعلم الذي يأخذه كليته حتى يتقنه، وكذلك يحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب من غير موجب فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح.
6- أن يحرص طالب العلم على قراءة كتب أدب طلب العلم التي صنفها السلف الصالح، فإنه سيقرأ عجبًا من سير السلف الصالح في حرصهم على طلب العلم.
7- أن يستشير من يثق في علمه وورعه فيما أشكل عليه من خلال قراءته.
8- أن يحرص على تقييد الفوائد التي تمر به في أثناء قراءته للكتاب، وأنه عندما ينتهي من قراءته للكتاب الذي بين يديه سيرى أنه حصل كنزًا عظيمًا في وقت يسير.
9- أن يحاسب طالب العلم نفسه كل يوم بحسبه، فيرى ماذا قدم وماذا أخر.
المراجع
1- القرآن الكريم.
2- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد عبد الباقي.
3- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف لجماعة من المستشرقين.
4- صحيح البخاري.
5- صحيح مسلم.
6- صحيح سنن أبو داود للألباني.
7- سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله.
8- شرح صحيح مسلم للنووي.
9- محاضرة الشيخ العلامة محمد صالح بن عثيمين زاد الداعية إلى الله عز وجل رحمه الله.
10- رسالة كيف تطلب العلم للشيخ عائض القرني وفقه الله.
11- حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله.
12- برنامج عملي للمتفقهين للدكتور عبد العزيز قارئ وفقه الله.
13- تذكرة السامع والمتكلم. لابن جماعة الكناني رحمه الله.
14- مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله.
15- أدب الطلب ومنتهى الأرب للإمام العلامة الشوكاني رحمه الله.
16- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر رحمه الله.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * * *(1/13)
الفهرس
المقدمة فضيلة الشيخ عبد العزيز السدحان ... 5
نصيحتي تتلخص في أمور،،،،، ... 6
الأول: ... 6
الثاني: ... 6
الثالث: ... 6
الرابع: ... 6
الخامس: ... 6
السادس: ... 6
السابع: ... 6
الثامن: ... 6
التاسع: ... 6
العاشر: ... 6
الحادي عشر: ... 6
الثاني عشر: ... 6
الثالث عشر: ... 6
الرابع عشر: ... 6
الخامس عشر: ... 6
السادس عشر: ... 6
السابع عشر: ... 6
الثامن عشر: ... 6
التاسع عشر: ... 6
العشرون: ... 6
الحادي والعشرون: ... 6
الثاني والعشرون: ... 6
الثالث والعشرون: ... 6
الرابع والعشرون: ... 6
الخامس والعشرون: ... 6
السادس والعشرون: ... 6
السابع والعشرون: ... 6
الثامن والعشرون: ... 6
التاسع والعشرون: ... 6
الثلاثون: ... 6
الواحد الثلاثون: ... 6
آخر المسائل: ... 6
أخي الحبيب: ... 6
كلمة طيبة قيمة في الفوضى لطلب العلم للشيخ عبد العزيز السدحان ... 6
الأسباب التي تعين على التخلص من الفوضى: ... 6
المراجع ... 6
الفهرس ... 6
* * * *(1/14)