بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي جعل الجنة دار كرامته، وجعل النار دار سطوته وعقابه. والصلاة والسلام على القائل: «أنذرتكم النار» وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
فبعد أن جمع الله الخلائق، وقررهم أعمالهم، وأقام الحجة عليهم، فرقهم عند الجزاء كما افترقوا في الدنيا بين مؤمن وكافر، والجزاء من جنس العمل. قال تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } .
* * *
أهل النار في الدنيا
ميز الله بني آدم عن غيرهم من خلقه بالعقل الذي يستطيعون به تمييز الخير من الشر، بل وصف المتفكرين المؤمنين بأصحاب العقول { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ } ، ووصف الكافرين بأنهم كالبهائم أو أشد ضلالة { أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ... } .
وقد بين الله لنا طريق الهداية وحذرنا من الغواية وهدانا إلى السبيل، فمنا شاكر ومنا كفور { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «كل الناس يغدوا، فبائع نفسه فموبقها أو معتقها».
لذا كانت هذه الدنيا دار اختبار وعمل، وقد تعجب إذا علمت أن هناك من يعيش على هذه البسيطة وقد حُكِم عليه بالنار لسوء عمله.(1/1)
ومن عجائب قصص القرآن والتي تعتبر بحق من الإعجاز: إخباره بأناس عاشوا بين ظهراني المسلمين قد حكم عليهم بالنار، وتحقق الإعجاز أنهم لم يؤمنوا ولو نفاقًا من باب تكذيب القرآن، منهم أبو لهب وزوجه { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } ، والوليد بن المغيرة الذي قال الله فيه: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل الذي قال الله فيه: { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } .
من أصناف أهل النار في الدنيا:
(1) الكافر بالله ورسوله:
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } ، لم ينفعه ماله ولا سلطانه ولا قلمه وبيانه { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } فما كان مصيره؟ { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ } ما السبب يا ترى؟ { إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ } .
(2) المكذب بالبعث والنشور:
قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } ، هذا لنعلم أن العدل من السمات الربانية؛ والجزاء من جنس العمل، فنسيانهم وكفرهم بيوم الحساب جزاؤه نسيانهم في ذلك اليوم وإيواؤهم النار حيث لا شفيع ولا ناصر.(1/2)
(3) المشاقُّ لله ورسوله:
قال تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فمن سلك غير الشريعة المحمدية عن عمد بعد ظهور الحق له واتبع سبيلاً غيرها فإن الله يكله لما اتبع ويزينه في نفسه استدراجًا له { فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } .
(4) المتخذ الشيطان وليا من دون الله والمتبع الهوى:
قال تعالى: { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } لماذا؟ لأن الشيطان: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } فما مآلهم؟ { أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا } فمن جعل الشيطان له هاديًا ودليلاً دله على هلاكه، ومن جعل الشيطان له مشرعًا فقد شرع لنفسه بابًا لجهنم، ومن ارتضى به إلهًا كان من أول المتبرئين منه يوم الفزع الأكبر.
(5) الساخر بالدين وأهله:(1/3)
قال تعالى: { ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } فهذا الذي اتخذ آيات الله وسنة نبيه واتباع ملته مجالاً للسخرية والتندر، فما رأى من اتباع للسنة أو إحياء لها إلا وسن قلمه وشحذ لسانه طعنًا ولمزًا وسخرية، هذا المسكين الذي ما أن يفتح بابًا من أبواب الخير إلا سعى في إغلاقه، وما رأى من خير إلا كان عنه مكابرًا، ولا رأى من شر إلا كان له مبادرًا، يفرح بما يسيء للدين وأهله، سلم منه أعداء الدين من يهود ونصارى ولم يسلم منه الصالحون، لم ينتقصهم لشخصهم لأنهم لو سلكوا ما سلك لكانوا من المحببين له، بل انتقاصه لهم لالتزامهم شرعة الله { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ } ، { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } ، ولكن العبرة بالنهاية، { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } بلى والله.
(6) المنافق:(1/4)
قال تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } فكما أن للجنة درجات فإن للنار دركات، والمنافقون في أسفل دركات جهنم، فبم استحقوا ذلك؟ ذلك بأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والفسوق والعصيان، يقولون الكلام المعسول وقد دسوا فيه السم الزعاف، تقرأ لهم وتسمع لقولهم من خوف على الدين والوطن والنشء وهم يريدون هدم ذلك { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } قد استعملهم أعداء الدين معاول للهدم فانطبق عليهم القول: { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } لذا فلينتظروا موعود الله { وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } .
أصناف تحت المشيئة
علمنا مما سبق أصناف من أهل الدنيا قد حكم الله عليهم بالنار لأسباب كثيرة، ولكن هناك أناس قد أسرفوا على أنفسهم بقبيح الفعال، والتي هي من أعمال أهل النار، فهؤلاء إن كانوا من الموحدين غير المشركين بالله فهم تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذبهم وإن شاء رحمهم. ومنهم:
(1) تاركو الزكاة:(1/5)
قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
(2) آكلو الربا:
وهي من الموبقات السبع، ومن الذنوب التي عدها الله حربًا عليه: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
(3) المتكبرون:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما أدخلته النار» وفي رواية: «أذقته النار» [مسلم].
(4) الكاسيات العاريات:(1/6)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» [مسلم] هذا الصنف من النساء اللاتي يخرجن للأسواق متعطرات متبرجات كاشفات عن بعض أجسامهن حاسرات عن وجوههن، إنما استعملهن الشيطان لإغواء عباد الله، ووعيدهن ما سبق.
(5) الزناة:
قال تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } .
(6) آكلو أموال الناس بالباطل:
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } .
(7) آكلو مال اليتيم:
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } .
(8) قاتلو النفس بغير حق:
قال تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } .
(9) الشاربون بآنية الذهب والفضة:
في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».
أهل النار عند قبض الأرواح(1/7)
لكل أجل كتاب، ولكل بداية نهاية، ولكل عمر أجل { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } ومع نهاية الآجال والاحتضار تجيء سكرة الموت بآلامها وأهوالها ومنغصاتها وشدائها { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } .
أحوال قبض الروح أحوال شديدة لم يسلم منها المعصوم إذ لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه الشريف ويقول: «سبحان الله، إن للموت لسكرات» هذا حال أفضل الخلق فكيف بمن هم دونه؟ وكيف حال المقصر؟ وكيف حال الفاجر؟ فضلاً عن المشرك والكافر؟
حال أهل النار عند قبض الأرواح يتضح من خلال هذا الوصف الرباني { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } ترى الملائكة قد نزلوا على هذه الروح الشريرة ليبشروها بالعذاب الشديد وبغضب الله! فتنتشر هذه الروح في أنحاء الجسد خوفًا وفزعًا، فيضربونها بالمقامع ضربًا شديدًا، وينتزعونها كما ينتزع السفود – الشوك – من الصوف المبلول، ينزع معها العروق والعصب.(1/8)
ولننتقل بأذهاننا مع هذا الحديث النبوي الذي تقشعر له الأبدان وترتجف منه القلوب، حيث يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الفاجر عند انتزاع روحه. فمن حديث البراء بن عازب الطويل: «... وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ } ، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا، ثم قرأ: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } ...» [الإمام أحمد].
أهل النار في القبر
القبر هو أولى منازل الآخرة، فإما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار – أعاذنا الله وإياكم منها – فما أن يفارق الإنسان منا هذه الدنيا إلا ويجتهد الأهل والأحباب في تجهيزه لهذه الحياة البرزخية، يشق له هذا القبر الموحش من الأرض، يزاحمه فيه الحشرات والديدان ويجاوره فيه الأموات، يصطحبه إليه ثلاث: ماله، وأهله، وعمله؛ فيرجع ماله ليتقاسمه أهله، ويبقى عمله ليحاسب عليه.(1/9)
هذا المال الذي تعب في جمعه – سرق ونهب واغتصب ورشا وزور وأكل مال اليتيم – عليه غرمه ولورثته غنمه، وهذه الزوجة التي قد يكون باع دينه وأهله من أجلها ستصير إلى غيره، وهذا العمل الصالح الذي أهمله من أجل لذة زائلة هو ما سيتحسر عليه.
لكن هل في القبر عذاب؟ هذا ما يثبته قول الحق عن حال آل فرعون: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } فيخبر الله عن آل فرعون في البرزخ أنهم يعرضون على الناس صباحًا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان قيام الساعة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور.
وفي الحديث الطويل الذي رواه البراء بن عازب في مسند الإمام أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» ثم يصف حال الكافر في القبر: «... فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ها ها! لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: ها ها! لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب فافرشوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة».
* * *
أهل النار في عرصات القيامة(1/10)
انتهت الحياة الفانية وبدأت الحياة الباقية الأبدية السرمدية، كل الخلق فنوا ولم يبقى إلا خالقهم { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، من حديث الصور: «.. إذا قبض جميع أرواح خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له، حينئذ يقول: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } ؟ ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه قائلاً: { للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } ».
لا ملك ولا سلطان ولا جبار ولا قوي ولا غني ولا شريف { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } ، فيأمر بنفخ الصور ليبعث من في القبور { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } ، إلى يوم العرض، { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } هذا اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين { هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ } لكن ما هو يوم الفصل؟ { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ } هو يوم العرض يوم الحساب { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } .(1/11)
في هذا اليوم تعرض الخلائق على ربها حفاة عراة لا ينظرون إلى بعضهم من هول الموقف، كل يقول: نفسي نفسي { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، يالهول الموقف! ويالكربه! الصحف تتطاير فآخذ كتابه بيمنيه وآخذ كتابه بشماله، فمن أخذ كتابه بيمينه فقد زحزح عن النار، لكن ما موقف من أخذ كتابه بشماله؟ { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } يتضح من هذه الآيات حال الأشقياء في عرصات القيامة من حال الندم ولات ساعة مندم؛ عندما يتمنى أنه لم يعط كتابه، وأن ميتته كانت أبدية، ياللموقف! هذا الموت الذي كان يفر منه في الدنيا يتمناه في الآخرة! ويشتد كربه عندما لم يجد ما ينفعه مما كان يتقوى به في الدنيا من ملك وسلطان ومال { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } .
في هذا اليوم لا يسمح لهم بالكلام والاعتذار، هؤلاء المتكلمون، المتشدقون، المتفيهقون، الذين ملؤوا الدنيا بضجيجهم ونظرياتهم وأقوالهم وكتاباتهم، لا يستطيعون نطق كلمة { هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } عند ذلك تعرض الأعمال على الموازين، فمن خفت موازينه من الأعمال الصالحة { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي يهوى بأم رأسه في نار حامية.
في هذا اليوم يقرر الله الخلائق بذنوبهم، حتى يقتص من الشاة القرناء للجماء، وبعد ذلك يأمرهم أن يكونوا ترابا، وفي تلك الساعة يتمنى الكافر بقوله: { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } .(1/12)
من حديث أنس بن مالك الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : «أتدرون مم أضحك؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال - صلى الله عليه وسلم - : «من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى. فيقول: لا أجيز علي إلا شاهدًا من نفسي، فيقول: { كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } والكرام الكاتبين شهودًا. فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل» هذه الجوارح التي ما ترك من لذة محرمة إلا وأطعمها منها ستكون شاهدة عليه عند الله { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } فيا من أطلقت عينيك لرؤية ما حرم الله، وأصغيت أذنيك لسماع ما حرم الله، وأطلقت لسانك بما حرم الله، ومشت قدماك في معصية الله، وبطشت يداك في غير طاعة الله، اعلم أنها لذات زائلة تعقبها حسرات.
ما هي صفاتهم؟
قال تعالى: { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ } ، فكما أن أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - يعرفون بالغر والتحجيل من آثار الوضوء فلهؤلاء المجرمين صفات يعرفون بها من اسوداد الوجوه وزرقة العيون، حيث يبين الله أن الزبانية تعرفهم بسيماهم فيأخذونهم إلى النار، وذلك بأن يجمعوا نواصيهم بأقدامهم ويلقون في النار، قال ابن عباس: يؤخذ بناصيته وقدميه، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور.
كيفية حشرهم:(1/13)
يقول الله جل وعلا: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا... } قال الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك: قيل: يا رسول الله، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال: «الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» أخرجاه في الصحيحين.
مع من يحشرون؟
يقول الحق: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } يقول النعمان بن بشير: يعني بأشباههم وأمثالهم – فمن غره الملك حشر مع فرعون، ومن غره المنصب حشر مع قارون، ومن غره المال حشر مع هامان، وكل على شاكلته – فيحشرون معهم وآلهتهم التي يعبدون من دون الله، ثم يسألون ويناقشون الحساب – ومن نوقش الحساب عذب -.
ما هي حالهم يوم العرض؟
قال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يذكر الله تعالى حال الكفار إذ وقفوا على النار وشاهدوا ما فيها من الأهوال العظام والأغلال والسلاسل تمنوا في تلك الساعة أن يردوا إلى الدنيا لعلهم يعملون صالحًا! ولكن هيهات هيهات ولو ردوا لعادوا لما كانوا عليه. وفي موضع آخر يقول الله: { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } تراهم وقد كستهم الذلة والخوف، يسارقون النظر إلى النار إلى مصيرهم. قال مجاهد: وهذا الذي يخافونه واقع بهم لا محالة.
المشهد الأخير في المحشر:(1/14)
بعد هذه الأحداث الجسام وما حوت من مواقف مهولة وخوف وفزع وفصل؛ يفصل الله بين العباد { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } ، يأتي المشهد الأخير والذي بنهايته يسدل الستار عن يوم القيامة، وتبدأ بنهايته الحياة البرزخية، أهل الجنة خلود فلا موت، وأهل النار خلود فلا موت، إلا من شاء، يصورها لنا الرب جل وعلا في هذه الآيات الكريمات: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } .
هذا الفريق المكذب المعاند المكابر يساق بالسياط والمقامع من الملائكة الشداد الغلاظ كما وصفهم الله { عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ويقذفون بهم في نار جهنم { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } وهم عطشى وظمأى، يساقون جماعات كل جماعة بما يناسب من عملها يلعنون بعضهم بعضا { ...كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا... } حتى إذا وصلوا إليها فتحت أبوابها السبعة وبسرعة لتعجل لهم العقوبة، فيستقبلهم خزنة جهنم بالسؤال: ألم يأتكم رسل من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم وتتمكنون من التلقي عنهم؟ فيجيبون بالإيجاب – وهذا التقريب من زيادة العذاب – ثم يقال لهم على وجه الإذلال والمهانة: { ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ } لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون.
* * *
هذه النار(1/15)
بعد الفصل وذهاب كل أمة إلى مصيرها، فأهل الجنة في الجنة يحبرون، وأهل النار في النار يسجرون، لكن هل يتصور أحدنا ماهية النار؟ وكينونتها. وما تحويه وكيفيته؟ للإجابة على ما سبق علينا الرجوع إلى وصف خالقها وموجدها، ولنستمع لحال النار في يوم القيامة وكيف هيجانها وانتظارها لساكنيها، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» [رواه مسلم] تريد أن تنفلت على أهل الموقف من غضبها وأكل بعضها بعضًا، فيمسك بها هذا الكم من الملائكة لمنعها { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } وقوله تعالى: { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } أي تكاد تنشق نصفين من شدة غيظها.
ولنصاحب آيات الله في وصف النار؛ فما أسماؤها؟ وما أبوابها؟ وما دركاتها؟ ومن هم خزنتها؟ وما وقودها؟ وما هو مقدار سعتها؟ وما كيفية أجسام أهلها؟ وما أنفاسها؟ وما فرشهم؟ وما لباسهم؟ وما طعامهم وشرابهم؟ كل هذه التساؤلات تتضح من خلال التصوير الرباني.
أسماء النار:
* لظى: قال تعالى: { كَلا إِنَّهَا لَظَى } أي النار التي تتلظى وتتلهب.
* سقر: قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } وهي التي تأكل اللحوم والعروق والعصب والجلود.
* الهاوية: قال تعالى: { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها.
* الحطمة: قال تعالى: { كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ } تحطم العظام وتحرق الأفئدة.
* الجحيم: قال تعالى: { فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ } أي عظيم الجمرة وهو وسط جهنم.
* السعير: قال تعالى: { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } سعير النار أي لهبها وهذه السعير لم تطفأ منذ أشعلت.(1/16)
* جهنم: قال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } وهي المتجهمة في وجوه الناس فتأكل لحومهم.
* النار: قال تعالى: { هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } .
أبواب النار:
قال تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } ، وقال تعالى: { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } ، ولنعلم أن بين الباب والآخر مسيرة خمسمائة عام.
مما سبق يتضح أن لجهنم سبعة أبواب، كلٌّ يدخل من باب بحسب عمله، فعن سمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: { لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } قال: «إن من أهل النار من تأخذه النار إلى كعبيه، وإن منهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى تراقيه، منازل بأعمالهم، فذلك قوله: { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } ».
دركات النار:
يقال دركات لاستعمال العرب لكل ما تسافل درك، ولما تعالى درج؛ لذا يقال: درجات الجنة، ودركات النار. وأعلى دركات النار جهنم وهي أهون عذابًا من غيرها – وليس بها هين – ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية وهي الدرك الأسفل من النار التي أعدها الله للمنافقين { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } .
خزنة النار:(1/17)
يقول تعالى عن خزنة النار: { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قيل: عليها تسعة عشر ملك، وقيل: تسعة عشر صنفًا من الملائكة، ولما سمع هذا المأفون أبو جهل هذه الآية، قال: أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر؟ أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار؟ فأجاب رب العزة والجلال { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً... } ومعلوم ماهية الملائكة! { عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ملائكة جهنم ذوو طباع غليظة، قد نزعت الرحمة من قلوبهم، عن عكرمة أنه قال: إذا وصل أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم، سود وجوههم، كالحة أنيابهم، قد نزع الله الرحمة من قلوبهم.
وقود النار:
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } ، وقود هذه النار من جثث بني آدم والحجارة من الأصنام التي تعبد { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } .
سعة النار:
شاسعة، بعيدة القعر، مترامية الأطراف. عن أبي هريرة في صحيح مسلم، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ سمع وجبة – أي سقطة – فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال - صلى الله عليه وسلم - : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار إلى الآن» وروى الحاكم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أن حجرًا مثل سبع خلفات، ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفًا لا يبلغ قعرها» ولتنظر إلى عظم الشمس والقمر في الدنيا، ما يكون حالهما في النار، ففي حديث أبي هريرة عن(1/18)
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة» ومع هذه السعة والعظمة فقد وعدت النار بأن تملأ { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
أجسام أهل النار:
من حكمة الله جل وعلا أن جعل لأهل النار أجسامًا ضخامًا حتى إن ضرس أحدهم يبلغ مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعًا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة» حديث حسن صحيح، ومن حديث ابن عباس: «... أن بين شحمة أذن أحدهما وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفًا، تجري منها أودية القيح والدم..» حسنه الترمذي.
والحكمة بعلم الله في ضخامة هذه الأجسام، أن ينال كل جزء وحاسة قدره من العذاب.
نفس جهنم:
روى الأئمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضًا، فجعل لها نفسين: نفسَا في الشتاء ونفسًا في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، وأشد ما تجدون من الحر من سمومها» [رواه الشيخان].
فرش أهل النار:
قال تعالى: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } والمهاد هي الفرش، والغواش: اللحف، أي أن النيران تغشاهم من فوقهم كالأغطية.
ثياب أهل النار:(1/19)
قال تعالى: { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ } ، أرأيت هذه الثياب التي نلبسها وننعم بملمسها، بأفخم الأقمشة، هؤلاء ستفصل لهم ثياب على مقاس أجسامهم، لكن ما هي خامة هذه الثياب؟ إنها من نحاس! وستكون بمقاس الجسم وجعلت من النحاس؛ لأنها أشد الأشياء حرارة إذا حميت، ويقول تعالى: { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي: أن ثيابهم من قطران تطلى به جلودهم، فالقطران يطلى به الجسم والنحاس يفصل منه الثوب - فلا حول ولا قوة إلا بالله -.
طعام وشراب أهل النار:(1/20)
قال تعالى: { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ } الزقوم وما أدراك ما الزقوم؟ شجرة لها ثمر مر كريه، يكره أهل النار على تناوله فهم يتزقمونه، وهو نزلهم وضيافتهم، وقد سمى الله هذه الشجرة بالشجرة الملعونة { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ... } ، وهي طعامهم إذا جاعوا، فما تكون بعد أكلهم لها، تغلي في بطونهم كغلي الحميم وهو الماء الشديد الحرارة، وقال تعالى: { لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } أي: لا يجدون في جهنم بردًا لقلوبهم، ولا شرابًا طيبًّا يتغذون به، إلا الحميم الحار الذي قد انتهى حره وحموه، وغساق وهو ما اجتمع من صديد أهل النار، وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا ستطاع من برده، ولا يواجه من نتنه، وقال تعالى: { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } يصف الله حال أهل جهنم في حال استغاثتهم من حرها، أنهم يغاثوا بماء كالمهل وهو كل ما أذيب بالنار من معادن الأرض ورصاص ونحاس، وقال تعالى: { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } وهو نوع من الشوك اليابس، ويتصف بأنه لا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور، وقال تعالى: { وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ } وهو ما ينغسل من أبدانهم من القيح والصديد.
أهل النار في النار
لما تفاوت الناس في أعمالهم، كان جزاؤهم متفاوتًا على قدر أعمالهم { جَزَاءً وِفَاقًا } ولذا جعلت النار دركات كل يحاسب على قدر ما أسرف وطغى.
قال ابن عباس: «ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك» وهذا من العدل الرباني.
وأحوال أهل النار في النار كثيرة منها:(1/21)
الحالة الأولى: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } وقد سبق أن مر بنا عظم جسم الكافر وسماكة جلده في النار، وبما أن الجلد المحترق يفقد الإحساس، فقد توعد اله الكفار باستبدال جلودهم كلما نضجت زيادة في العذاب، حتى قيل: إنها تبدل في الساعة مائة مرة.
الحالة الثانية: قال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا } ، وقال تعالى: { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ } في هذه الآيات الكريمة يصف الله ما أعده للكافرين في النار من سلاسل تغل بها أيديهم إلى أعناقهم، حتى قال سفيان في الآية الأخيرة: بلغنا أنها تدخل في دبره حتى نخرج من فيه.
الحالة الثالثة: قال تعالى: { يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ } أي: يصب على رؤوسهم الحميم وهو الماء الحار، وقيل: النحاس المذاب، يذيب ما في بطونهم والأمعاء.
عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان» [حسن صحيح].
الحالة الرابعة: قال تعالى: { وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } هذه المقامع لو ضربت بها الجبال لتفتت.
من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو ضرب الجبل بمقمع من حديث لتفتت ثم عاد كما كان، ولو أن دلوًا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا».(1/22)
وقال ابن عباس عن المقامع: «يضربون بها فيقع كل عضو على حياله، فيدعون بالثبور».
وعن الخروج يقول الفضيل بن عياض: «والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة، وإن الأيدي لموثقة، ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها».
الحالة الخامسة: قال تعالى: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } ويزيد من آلامهم حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والأغلال { إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } هذه الأغلال يسحبون بها تارة في الجحيم وتارة في الحميم ثم توقد بهم النار فهم وقودها.
الحالة السادسة: قال تعالى: { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } فكما أن الخطايا والذنوب قد أحاطت بالكافر إحاطة السوار بالمعصم، فالجزاء من جنس العمل، قال تعالى: { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } وقال تعالى: { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } ، وقال تعالى: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } .
الحالة السابعة: الحسرة والندامة، قال تعالى: { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ... } ، وقال تعالى: { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } ، وقال تعالى: { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } .
الأمنيات والرغبات!!
بعد دخول أهل النار النار، ومسهم بصنوف العذاب، يبدؤون برفع أصواتهم مقرين معترفين بذنوبهم طالبين العودة إلى الدنيا لعمل الصالحات، ثم يسألون الله المسائل ويتمنون على الله الأماني، فما هي أمنياتهم؟(1/23)
الأمنية الأولى: الخروج من النار والعودة إلى الدنيا { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } .
الأمنية الثانية: تخفيف العذاب، فبعد اليأس من الخروج يرضون بحالهم، ولكن يسألون تخفيف العذاب { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } .
الأمنية الثالثة: الموت الأبدي، فبعد يأسهم من الخروج، ويأسهم من تخفيف العذاب، يكون الموت الذي كانوا يخافونه في الدنيا أغلى أمانيهم { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } .
النتيجة النهائية:
ما هي نتيجة أمنياتهم ورغباتهم، { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ } منتهى الإذلال والتبكيت، وكل الأماني صارت سرابًا، لا خروج ولا تخفيف ولا موت، { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } ، والنتيجة النهائية: { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } .
مشاهد وحوارات نارية
المشهد الأول: تخاصم أهل النار:(1/24)
الأرض مستوية بارزة، والمحشر قد حوى البشرية جمعاء، لا يحجبهم حجاب، ولا يسترهم ساتر، برزوا لله جميعًا، ورفع الستار عن مشهد وصفه رب العزة والجلال في كتابه الكريم، مشهد تخاصم أهل النار فيما بينهم، فريقان؛ المستكبرون وهم القلة، والمستضعفون وهم الكثرة، هؤلاء المستضعفون رضوا بالذل في الدنيا والآخرة، مكنوا طغاتهم منهم لضعف حيلتهم وسقوط همتهم، وتنازلهم عن كرامتهم، فلم يكن الضعف حجة لبليد؛ لأن الله منحنا القوة والعقل والروح لنستمد قوتنا منه – فهذا بلال وعمار وسلمان والقائمة تطول، أسترقوا في الدنيا لدى أسيادهم الذين ملكوا أجسادهم، لكنهم لم يملكوا عقولهم وقلوبهم وأنفسهم التواقة لما عند الله، همم عالية، انتصرت على الطغاة فكان لها الفخر بأن تسجل في سجل السعداء.
أما هؤلاء البليدون الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا إليها فقد استظلوا بظل أسيادهم وعصوا ربهم فكيف هو حالهم مع أسيادهم في الآخرة؟ لنستمع بهذا الحوار..
الضعفاء لأسيادهم وهم في حالة من الخوف والهلع: ألم نكن لكم تبعًا؟ ألم نسمع لقولكم؟ ألم نشرك بالله من أجل سلطانكم؟ ألم تعدونا بالمنعة؟ ألم نسع في تقويض هذا الدين بالكتابات والمقالات والخطب الرنانة؟ أين نصرتكم لنا؟ أين وعودكم لنا؟ هل ستغنون عنا من عذاب الله شيئًا؟ أسئلة متتالية كالحمم تنتظر الإجابة من الذين وعدوا واستوعدوا، ورغبوا واسترهبوا، فما كانت الإجابة؟ وهل سيغنون عنهم من عذاب الله من شيء؟(1/25)
الجواب: { لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } ! يُشْدَه الضعفاء ويقولون: لمَ لم يكن هذا جوابكم في الدنيا؟ لمَ زينتم لنا المنكر والمعاصي؟ لا ينفع الندم! إذًا { رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ } فما كان الجواب الرباني؟ { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ } ، ونشاهد تصوير الله للحدث: { وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } ، وقال تعالى: { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ * وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } .
المشهد الثاني: إبليس خطيبًا:(1/26)
بعد أن انتهى جدل أهل النار، وسكتت حواراتهم، وقف قائدهم وزعيمهم وموردهم النار، ذاك الذي ما فتئ ولا كلَّ في هداية كل ضال إلى طريق الهلاك، ذاك الذي زين كل معصية لأتباعه، فقال لهم: { لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ } ، الذي أعلنها صراحة عداوته لبني آدم، وأن أبرز مهامه هي غوايتهم، ومصاحبتهم له إلى النار، يقف في جهنم خطيبًا، ليزيدهم غمًّا إلى غمهم، يرى الشيطان – هاتف الغواية – وحادي الغواة – وقد لبس مسوح الناصحين وهو يلوم أتباعه، رافعًا صوته قائلاً لهم: إن الله وعدكم وعد الحق على لسان أنبيائه ورسله ولم تتبعوهم، أما أنا فقد وعدتكم وعودًا شتى وأخلفتكم { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } ، يا للمصيبة! أين كانت هذه الصراحة في ساعة الإمهال؟ ألم تزين الباطل في العيون وتجعله حقًا؟.. فهل يكفيه هذا القول من التبكيت؟ كلا، بل يعود هذا العدو قائلاً: إنه لم يكن لي عليكم من قوة ولا سلطان حتى أجبركم على اتباعي، بل اتبعتموني برغبتكم، لذا عليكم لوم أنفسكم بدلاً من إلقاء اللائمة عليَّ! أما والله فقد صدق في هذه الساعة وهو كذوب، فاللوم كل اللوم على من تبعه، على من جعله وليًّا، إذ يعلم أنه عدو له ولا يريد به خيرًا ومع ذلك ينضم إلى لوائه { أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } .(1/27)
ففي هذه الساعة لا يستطيع الشيطان أن ينفع نفسه فضلاً عن أن ينفع غيره، فهل انتهى هذا التقريع والتبكيت الشيطاني؟ كلا، بل ينهي الشيطان خطبته بالقاصمة التي يقصم بها ظهور أوليائه بقوله: إن الظالمين لهم عذاب أليم!! قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
المشهد الثالث: حوار أهل الجنة مع أهل النار:
بعد أن رأينا دخول كل أمة إلى مستقرها، واستمعنا إلى خطيب أهل النار، دعونا نستمع إلى الحوار الذي وصفه رب العزة والجلال بين فريقين طالما كان التنافس في الدنيا ديدنهما، فريقًا أحبوا ما عند الله ورغبوا فيه، نشروا ما فيه خير، ونصحوا لكل أحد، لا يريدون منهم جزاءً ولا شكورًا { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا } وصفوا بأبشع الصفات، حوربوا على جميع الأصعدة، حتى إنهم لم يسلموا من بني جلدتهم ممن يخالفونهم الفكر، ومع ذلك صبروا وصابروا، شعارهم { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، أما الفريق الآخر الذين استعجلوا نعيمهم في الدنيا، وركنوا لهذه الدنيا واطمئنوا بها، ظنوا أن الدنيا باقية لهم، وأنهم مخلدون، نسوا الله فنسيهم، اتكلوا على أنفسهم وجهدهم وفكرهم فوكلوا إليها.(1/28)
الكل اتخذ دارًا له، والفاصل بينهم جدار كما هو حال الدور، لكن هذا الجدار ليس كالجدر بل هو كما وصفه رب العزة { بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } ، يا للعجب، الفاصل بين الدارين المتباينتين في كل شيء جدار، يسمع بعضهم صوت بعض ليزداد حنق الكافرين، ويزداد شكر الشاكرين.
أهل الجنة يتنعمون بنعيم الجنة من كل ما سألوه أو تمنوه، بينما أهل النار في حال لا يعلم بها إلا الله، ومع ازدياد العذاب يصل إلى مسامع أهل الجنة صراخهم؛ فيحمدون الله على أن منَّ عليهم بالهداية ومن ثمَّ الجنة، ويسألونه أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين.
ومع زيادة العذاب وازدياد الجوع والظمأ لدى أهل النار مع ما يأكلون ويشربون بما يوافق أعمالهم طعام { لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } عند ذلك يسمع صوت ملؤه الرجاء والاستجداء من أهل النار: أن أعطونا مما أعطاكم الله من الطعام والشراب. فيرد عليه صوت قادم من الجنة ونعيمها فيه من التبكيت والتقريع ما يزيد به الألم لدى أهل النار { إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } لماذا؟ { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } ، ثم إذا صوت البشر يتوارى، لينطق رب العزة والجلال وصاحب الملك والحكم { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } هنا ينتهي كل شيء، ينتهي هذا المشهد الكبير، لينعم أهل الجنة بنعيمهم، ويتجرع أهل النار بغصصهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.(1/29)
قال تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } .
* * *
{ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
بعد هذه الرحلة مع حال أهل النار في جميع محطاتهم، نتوقف مع الأسباب المعينة على الفوز برضوان الله والنجاة من غضبه وأليم عقابه { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
ومن الأسباب المنجية بإذن الله من النار:
(1) الإيمان بالله، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
(2) الاستقامة على الإيمان، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
(3) الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا } .
(4) الصيام: روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: الصيام جنة يستجن بها من النار».
(5) الخوف من الله، قال تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } .(1/30)
(6) كثرة الدعاء لله بدخول الجنة والنجاة من النار: روى أحمد عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما سأل أحد الله الجنة ثلاثًا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثًا، إلا قالت النار: اللهم أجره مني».
(7) الصابرون والمتوكلون، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .
(8) الأعمال الصالحة: قال تعالى: { الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } .
وختامًا: { مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } .
* * *
الفهرس
المقدمة ... 5
أهل النار في الدنيا ... 6
من أصناف أهل النار في الدنيا: ... 6
(1) الكافر بالله ورسوله: ... 6
(2) المكذب بالبعث والنشور: ... 6
(3) المشاقُّ لله ورسوله: ... 6
(4) المتخذ الشيطان وليا من دون الله والمتبع الهوى: ... 6
(5) الساخر بالدين وأهله: ... 6
(6) المنافق: ... 6
أصناف تحت المشيئة ... 6
(1) تاركو الزكاة: ... 6
(2) آكلو الربا: ... 6
(3) المتكبرون: ... 6
(4) الكاسيات العاريات: ... 6
(5) الزناة: ... 6
(6) آكلو أموال الناس بالباطل: ... 6
(7) آكلو مال اليتيم: ... 6
(8) قاتلو النفس بغير حق: ... 6
(9) الشاربون بآنية الذهب والفضة: ... 6
أهل النار عند قبض الأرواح ... 6
أهل النار في القبر ... 6
أهل النار في عرصات القيامة ... 6
ما هي صفاتهم؟ ... 6
كيفية حشرهم: ... 6(1/31)
مع من يحشرون؟ ... 6
ما هي حالهم يوم العرض؟ ... 6
المشهد الأخير في المحشر: ... 6
هذه النار ... 6
أسماء النار: ... 6
أبواب النار: ... 6
دركات النار: ... 6
خزنة النار: ... 6
وقود النار: ... 6
سعة النار: ... 6
أجسام أهل النار: ... 6
نفس جهنم: ... 6
فرش أهل النار: ... 6
ثياب أهل النار: ... 6
طعام وشراب أهل النار: ... 6
أهل النار في النار ... 6
الأمنيات والرغبات!! ... 6
النتيجة النهائية: ... 6
مشاهد وحوارات نارية ... 6
المشهد الأول: تخاصم أهل النار: ... 6
المشهد الثاني: إبليس خطيبًا: ... 6
المشهد الثالث: حوار أهل الجنة مع أهل النار: ... 6
{ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } ... 6
ومن الأسباب المنجية بإذن الله من النار: ... 6
الفهرس ... 6(1/32)