????هذا
الإخلاص
لمن أراد الخلاص
إعداد
سلطان بن سراي الشمري
bnsrray@naseej.com
مقدمة
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
والصلاة والسلام على محمد ? القائل :( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) أما بعد : أيها الأحبة
حديثي في هذه الكلمة إن شاء الله تعالى عن الأساس الأعظم في الدين .
حديثي عن ركن العمل وصلاحه في الدين .
حديثي عن مسك القلوب وماء الحياة .
حديثي عن السر الذي بين العبد وربه .
وبه تميز أهل الإيمان من أهل النفاق وسكان النيران من سكان الجنان .
فهاهي روح المتقين وتجارة الفائزين وغنيمة المخلصين ..
سلعة راجت عند الصالحين وكسدت في سوق الغافلين ..
فهي صفة من صفات عباد الله الصادقين و أهل الإيمان الراسخين .
وهو الباب الذي دخل منه الواصلون إلى ذي الجلال والإكرام .
إنه بداية الطريق أخي المبارك .. لمن أراد الحياة الطيبة السعيدة المباركة والخاتمة الحسنة والخلود في الجنة .
لهي هذه الكلمة العزيزة على النفوس وبكل ما تحويها من معاني, أعرفت ما أعني وأرمي إليه ؟
ألا وهو الإخلاص .. نعم الإخلاص .. هذا الموضوع الجليل الذي يستحق الاهتمام والتذكير وكم نفتقر إلى التذكير به وتعليمه !
فمن أراد الحياة الطيبة بلا إيمان وعمل الصالح فقد حاول المستحيل وطلب الممنوع .
وإن كنت من الذين لا يعرفون حدودها وشروطها ورابحها وخاسرها فها أنا أعرفك ذلك مسترشداً بالكتاب والسنة وبكلام المحققين وعبارات العارفين .
وإن تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهو اعتقاد بالجنان وقولٍ باللسان وعمل بالأركان ويزيد بطاعة الرحمن ، وينقص بالعصيان.
إ يمننا بالله بين ثلاثة : عمل،وقول،واعتقاد جنان
ويزيد بالتقوى وينقص بالردى وكلاهما في القلب يعتلجان
وأعلم أن الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان ، وأعظمها قدراً وشأنا .(1/1)
قال تعالى :(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ( قال الضحاك رحمه الله : (السليم الخالص) وعن قول الضحاك هذا قال القرطبي: (وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومة) وإن أعمال القلوب عموماً آكد وأهم من أعمال الجوارح ويقول ابن القيم في بيان عظم أعمال القلوب : (أعمال القلوب هي الأصل ، وأعمال الجوارح تبع ومكملة ، وإن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات ، فمعرفة أحكام القلوب ، أهم من معرفة أحكام الجوارح) [بدائع الفوائد].
وقال أيضاً : ( إن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح ) .
بهذا تدرك أهمية أعمال القلوب وعلو شأنها ووجوب تحقيقها ومن أهمها وأخصها الإخلاص .
لماذا الحديث عن الإخلاص
إننا بحاجة إلى هذا الموضوع كحاجتنا إلى الماء والطعام وأزيد وكما قيل في التوبة إنها بداية كل سالك ونهاية كل ناسك ، فكذلك الإخلاص يحتاج إليه أهل المنازل العالية في الإيمان ومن دونهم إلى أقل أهل الإيمان إيماناً .
نحتاج إلى الحديث عن الإخلاص لأننا ولله المشتكى قد أصابتنا جراحات الذنوب فمنا أسير ومنا كسير ومنا مقطوع ومنا مسحور ومنا مسموم .
كل لحق به ما لحقه من آثار الذنوب والمعاصي والآفات لهذا نجد أن السلف أنفع منا كلاماً قيل لحمدون بن أحمد (ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا ؟ قال لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطرب الدنيا ورضى الخلق ) فيا إخوان نحتاج إلى أن نراجع نياتنا فنصلح ما مزقته يد الغفلة والشهوة ونعمر منها ما خربته يد البطالة ، ونوقد فيها ما أطفأته أهوية النفوس ونلملم منها ما شعثته يد التفريط والإضاعة ونسترد من نوايانا ما نهبته أكف اللصوص والسراق.(1/2)
ونقلع ما وجدناه شوكاً وحنظلاً ، ونداوي منها الجراحات التي أصابتها من جنايات الرياء والشرك ونغسل منها الأوساخ التي أصابتها بسبب الخطايا والسيئات ونطهرها بالماء البارد من ينابيع الصدق الخالص من جميع المكدرات قبل أن يكون طهورها بالحميم والجحيم .
فإنه لا يجاور الرحمن قلب دنس فإن الجنة دار طيبة أعدت للطيبين وليس للدنس فيها مكان إنه لا يجاور الرحمن قلب دنس بأوساخ الشهوات والرياء أبداً.
ولابد من طهور إما هنا وإما هناك واللبيب يؤثر أسهل الطهورين وأنفعهما .
تعريف الإخلاص :
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن إخلاص العمل لله وحده لا شريك له شرط في قبول جميع الطاعات ومدار الفلاح كله عليها وإخلاص الدين هو النية كما نقل ذلك ابن تيمية رحمه الله .
والإخلاص : هو إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد ، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون شيء آخر ، من تصنع لمخلوق ، أو اكتساب صفة حميدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق ، أو أي معنى من المعاني ، سوى التقرب به إلى الله تعالى .
وقيل : الإخلاص : نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق .
وقال آخر : أن تكون حركة العبد وسكونه في سره وعلانيته لله وحده لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا .
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى * فقد عز في الدارين واستوجب الثنا
والصدق في الإخلاص: أن يكون باطنه أعمر من ظاهر .
فيا أخي في الله ما أشد الإخلاص على الصادقين وما أعزه عند العابدين .
فعليك بإخلاص النية وصدق الالتجاء إلى الله عز وجل فإن ذلك فلاح الدارين .
فلواحدٍ كن واحداً في واحدٍ * أعني سبيل الحقِ والإيمان
تنبيه :
ويظن كثير من الناس أن الإخلاص من الأمور السهلة التي يستطيع كل أحد تحقيقها دون أدنى مجاهدة .
والواقع خلاف ذلك ، فالإخلاص يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل .(1/3)
قبل العمل : بأن يقصد بعمله وجه الله عز وجل ويصفيه عن ملاحظة المخلوقين.
وأثناء العمل : تكون المجاهدة في الحفاظ على هذه النية الصادقة فإن الإنسان قد يكون مخلصاً في ابتداء العمل، فإذا دخل في العمل واستقر فيه ذلك جاءه الشيطان فوسوس له، وزين له إطلاع الخلق على عمله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وبعد العمل : تكون المجاهدة برؤية التقصير في العمل وعدم استحسانه والعجب به واستحقاقه الثواب عليه .
قال الله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (
وقد سئل سهل بن عبد الله التستري : أي شيء أشد على النفس ؟ فقال الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب ) يعني النفس ) .
وقال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي إنها تتقلب علي .
وقال نعيم بن حماد: ضرب السياط أهون علينا من النية الصالحة .
وقال يوسف بن الحسين الرازي : أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على ألوان أخر .
ولذا فإن النفس الأمارة بالسوء تشين الإخلاص في قلوب المكلفين إما رياءً وإما شركاً والعياذ بالله .
قال الفضيل : (ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما ) فمن أراد الخلاص فعليه بالإخلاص .
منزلة الإخلاص
أما منزلة الإخلاص - يارعاك الله - منزلة كبرى في الإسلام فهي حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام.(1/4)
وأن أخلص الناس لرب الناس هو رسول الله ( ثم أولو العزم من الرسول ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ( فبين تعالى أن أهم فرض هو الأمر بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول ( : ( إن الله لا ينظرإلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم .
وأدب الله الأمة الإسلامية في شخص رسولها الكريم، فقال سبحانه وتعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ( فالإخلاص منزلة رفيعة، ورتبة جليلة، وكان السلف رضي الله عنهم يحرصون كل الحرص على تربية أنفسهم على هذه المبادئ العظيمة، بل يذكر بعضهم بعضاً بها وهكذا دأبهم ، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوصي بعض أصحابه فيقول : ( من خلصت نيته لله كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس ) وقال ابن عباس : إنما يحفظ المرء على قدر نيته وكان السلف يحرصون على إخلاص النوايا في كل شيء يعملون به وعن زُبيد اليامي قال:( إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب ).
فيا أخي المبارك فليكن لسان حالي وحالك قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(
فصلاتي وعبادتي وإخلاصي أصرفها لله عز وجل لا لغيره فهذا منهجي وهذا سبيلي .(1/5)
وأخبر سبحانه عن حسن عباده المخلصين فقال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ( قال ابن القيم: فإسلام الوجه:إخلاص القصد والعمل لله ،والإحسان فيه متابعة رسول الله ( وسنته .
قال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( .
سئل الفضيل عن قوله(أحسن عملا)؟
قال: هو أخلصه وأصوبه .
قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟
فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.
قال:والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( سئل رسول الله ( عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله ( : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليه فبين في هذا الحديث أن الجهاد لا يكون مقبولاً إلا إذا كان الباعث عليه الإخلاص لله عز وجل .
قال ابن القيم:( العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه)
قال تعالى:( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا( فالإخلاص حصن حصين للمؤمنين .. ولذلك قال الكرخي رحمه الله (يا نفس أخلصي تتخلصي) وقال تعالى :( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( والإخلاص يعظم العمل.
قال ابن المبارك : " رب عمل صغير تكثره النية ورب عمل كثير تصغره النية "
وقيل لنافع بن جبير : ألا تشهد الجنازة ؟ قال : ففكر هُنية ثم، قال امض .(1/6)
يقول ابن القيم (على قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في معالي الأمور يكون توفيقه سبحانه وإعانته ) .
فالإخلاص شرط قبول في الأعمال عند الله لهذا قال المعصوم ( : (إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً ويبتغى به وجهه ) رواه النسائي ، لهذا قال يحيى بن أبي كثير ( تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل ) . فيا أخي : ما أسعد أهل النيات الصادقة وما أطيب عيشتهم بالإخلاص أيعجزك أخي أن تعقد قلبك على فعل الصالحات والقربات حتى تقبل عند رب البريات ؟!
ولم أرى في عيوب الناس عيباً * كنقص القادرين على التمام
فها هو النبي ( يرجع من غزوة والصحابة حوله فيقول وقتها ( : ( إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم ) .
قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟!قال : وهم بالمدينة حبسهم العذر ) رواه البخاري . وفي رواية مسلم (إلا شركوكم في الأجر)
قال ابن تيميه رحمه الله ( النية المجردة عن العمل يثاب عليها والعمل المجرد في النية لا يثاب عليه ومن نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر عامل ) .
أخي : إنها نيات الصالحين وإخلاص الصادقين وزفرات المنيبين بلغوا درجات المجاهدين وارتقوا بها أعالي الجنان .(1/7)
ومما ينبغي التذكير به أن الإخلاص إذا تمكن من الطاعة فكانت هذه الطاعة خالصة لوجه الله الكريم فإن الله تعالى يجزي الجزاء العظيم والعطاء الكبير لهؤلاء المخلصين وإن كانت الطاعة في ظاهرها يسيره أو قليلة يقول ابن تيمية: " والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله ، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة ، فهذا حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص ثم ذكر ابن تيمية حديث البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها ، والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له ثم قال : " فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها ، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يغفر لها .. فالأعمال تتفاضل بحسب ما في القلوب من الإيمان والإجلال " [منهاج السنة]
وتأمل في حال من أخلص لله قلبه وتوجه بقلبه لله عز وجل يقول العلامة ابن القيم (وقد جرت عادة الله التي لا تتبدل وسنته التي لا تتحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي _ ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغض وما هو اللائق به .
فاعلم يا رعاك الله أن صلاح القلوب بالإخلاص كصلاح الأرض بالغيث لا يدرك ذلك إلا أهل الإخلاص وقد وعد الله المخلصين الصادقين بالجنة قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا(.
وقد يقول قائل : كيف أعرف أن إخلاصي ضعيف أو قوي ؟
فأقول :
من مظاهر ضعف الإخلاص أو انعدامه والعياذ بالله ما يلي :
1- الرياء والسمعة : يحب أن يرى الناس عمله أو يسمعوا به .
2- طلب رضى المخلوقين وتقديمه على رضى الخالق .
3- طلب العوض من المخلوقين ولو عوضاً معنوياً كالمدح والإعجاب .
4- النشاط إذا كان هناك ثناء ومدح ، والكسل والتقصير إذا كان هناك عيب وذم .(1/8)
5- ينشط عند رؤية الناس ويكسل عند عدم رؤية الناس .
6- انتهاك حرمات الله في الخلوة مع إظهار تعظيمها أمام الناس .
7- طلب الشهرة .
8- يعمل إذا صدر ويقف إذا أهمل .
9- رفض النصيحة وعدم تقبل النقد الهادف .
10- أتباع الهوى .
11- حسد إخوته الذين فاقوه فيما يقربهم إلى الله ، كحفظ القرآن أو القيام بمشروع خيري أو طلب علم.
12- الشح وعدم البذل للدعوة.
13- ذم النفس في العلانية ليظهر أنه متواضع
وأما مظاهر قوة الإخلاص فهي :
1- يقصد وجه الله في كل دقيقة وجليلة .
2-أن يكون عمل الخلوة أحب إليه من عمل الجلوة .
3-عمله في السر مثل عمله في العلن أو أفضل .
4-يعمل في أي مكان وأي زمان وعلى أية حال .
5-يقدم الحق على كل شيء ولو خالف هواه .
6- يعمل ومع ذلك يخشى عدم القبول كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت النبي ( عن هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ( قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر ويسرقون .
قال : "لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات " وهذا بشر صلى فأطال صلاته ورجل وراءه ينظر ففطن له فلما انصرف أي سلم قال : لا يعجبك ما رأيت مني فإن إبليس قد عبد الله دهراً مع الملائكة.
نماذج وصور مشرفة :
والحكايات عن سلفنا الصالح كثيره ولله الحمد وهي جند من جند لله تعالى يثبت لله بها قلوب أوليائه وقال الجنيد:الحكايات جند لله عزوجل يقوي بها إيمان المريدن ،فقيل:هل لهذا من شاهد؟قال:قوله تعالى(وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) وإليك بعض منها:(1/9)
هذا محمد بن أسلم قال خادمه أبو عبدا لله : صحبت محمد بن أسلم نيفاً وعشرين سنة لم أره يصلي حيث أراه من التطوع إلا يوم الجمعة ولا يسبح ولا يقرأ حيث أراه ولم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته مني ، وسمعته يحلف مرة لو أن قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت ولكن لا أستطيع ذلك ، خوفاً من الرياء ,قال الحسن : ( يؤتون الإخلاص يخافون ألا يقبل منهم ) .
وبعض الشباب يقف عن العمل إذا كان بعيداً عن زملائه ويجتهد في العمل إذا كان عندهم فأقول لهذا وأمثاله كما قال بعض السلف:(جاهد نفسك في دفع أسباب الرياء عنك وأحرص على أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان , ولا تفرق في عبادتك بين وجودهم من عدمه واقنع بعلم الله وحدة( .
هذا أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
بالله عليك انظر إلى الفرق الشاسع والبون الواسع بين هذا وبين من يحب الحديث عن نفسه ويتغنى بما فعل حتى ولو كان في الماضي فيقول بعضهم الله أكبر يوم كنا كذا وكذا تغيرت الأحوال الله المستعان .
قال ابن القيم:( من تزين بما ليس فيه شانه الله) ولا حول ولا قوة إلا بالله فياأخي اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك .
وهذا حسان بن أبي سنان تقول عنه زوجته : كان يجيء فيدخل فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها قالت ، فقلت له : يا أبا عبدا لله كم تعذب نفسك، أرفق بنفسك فقال اسكتي ، ويحك ، فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زماناً .(1/10)
وانظر إلى إخلاص زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه ظل فقراء المدينة عشرة سنوات يجدون طعامهم أمام بيوتهم ولا يعرفون من الذي يطعمهم وما عرفوا إلا يوم موت زين العابدين حيث انقطع الطعام كما انقطع الأكل علموا أن من كان يطعمهم هو زين العابدين " فلما أرادوا أن يغسلوا زين العابدين وجدوا في ظهره أثر سواد فقالوا : ما هذا السواد ؟ فاكتشفوا أنه من أثر حمل العجين والطحين على ظهره إلى بيوت الفقراء ليلاً .
فلاحظ الفرق بين هذا وبين من إذا تصدق قال لزملائه هناك أ ناس محتاجون ذهبت إليهم ورأيت حالهم وأعطيتهم المقسوم؛ وهو يريد إخبار الآخرين بعطائه يا أخي ألا يكفي أن الله يراك ولكن ما أتعس المرائين وما أبعد سعيهم وما أضل أعمالهم ؟! تعبوا في غير تحصيل، وسقوا من غير تأجيل لكن هنا انتبه إذا كان قصدك أن يقتدى بك وترفع من همم إخوانك فأنت على خير عظيم فمن سن سنة حسنة في الإسلام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة والدال على الخير كفاعله ولكن إذا كانت الأخرى فهذا الخسران المبين ولاحول ولا قوة إلا بالله .
واسمع إلى هذه القصة العجيبة التقى سفيان الثوري وفضيل بن عياض فتذاكرا،فبكيا،فقال سفيان:إني لأرجوا أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلسٍ جلسناه بركةً.
قال فضيل:ترجوا،لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه علينا شؤماً،أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي،وتزينت لك به،فعبدتني وعبدتك ؛قال فبكى سفيان حتى علا نحيبه، ثم قال:أحياك لله كما أحييتني.
أخي إذا لم تخلص فلا تتعب ، وكم بذل نفسه المرء ليمدحه الخلق فذهبت نفسه فانقلب المدح ذماً !! ولو بذلها لله لبقيت ما بقي الدهر, واسمع هذا النموذج صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد وكان خزازاً يحمل معه غداءه من عندهم ليتصدق به في الطريق ويرجع عشياً فيفطر معهم فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق .(1/11)
انظر إليهم كانوا يسترون أعمالهم الصالحة لخوفهم من تطلع القلب إلى حب مدح الناس وثنائهم وهذا مما ينافي الإخلاص كما قال ابن القيم رحمه الله:(لا يجتمع في القلب الإخلاص ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت ) انتهى ( تهذيب المدارج )
واسمع إلى إخلاصهم في الجهاد فعن عبده بن سليمان قال : " كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادمنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر وطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل ، فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبدا لله بن المبارك؟ فقال " وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا ؟!" .
قال الإمام ابن لجوزي : " فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاصه برؤية الناس له ومدحهم له فستر نفسه " .
ولذا قال الإمام أحمد بن حنبل : ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له .
واسمع إلى البراء بن مالك وهو الذي قال فيه رسول? (كم من أشعث أغبر ذي طمرين،لا يؤبه له، لو أقسم على لله لأبره؛منهم البراء بن مالك)جسن صحيح أخرجه الترمذي؛وقد لقي البراء المشركين وقد أوجع المشركين في المسلمين فقالوا له يا براء،إن رسول? قال:إنك لو أقسمت على لله لأبرك،فأقسم على ربك.
قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ....وذكر الحديث وأنتصر المسلمون في هذه المعركة بإخلاص البراء ودعائه.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا أخي المجامع
أخي في الله قل معي رحم الله تعالى أولئك الصادقين المخلصين وأجزل لهم من عظيم إحسانه ثواب المتقين وحشرهم في زمرة الناجين .. يوم يكون الملك لرب العالمين وسلكنا معهم آمين .. آمين .. آمين .
من ثمرات الإخلاص(1/12)
1- قبول الأعمال
قال ? :( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه ) رواه النسائي وقال الألباني إسناده جيد .
2- النصرة والتمكين على الأعداء
قال ? :( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ) رواه النسائي وغيره وهو في البخاري دون ذكر الإخلاص .
3- نقاء القلب من الحقد والغل والخيانة
قال ? في حجة الوداع:(ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مؤمن إخلاص العمل لله والنيصحة للأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم يحيط وراءهم) رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني,والغل هو الحقد والشحناء أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق.
4- مغفرة الذنوب من علام الغيوب
هذه تقدم ذكرها في البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له .
5- تحول المباحات إلى قربات لله عز وجل
قال ?: ( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال:أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) رواه مسلم
6- إجابة الدعاء وتنفيس الكروب الهموم
هذا ظاهر في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فكان كل واحد منهم بعد أن يذكر عملا صالحا قام به "يقول اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفجرت الصخرة وخرجوا يمشون"الحديث أصله في الصحيحين .
7- قلة الوساوس والأوهام
قال تعالى عن الشيطان:(قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ( قال أبو سليمان الدراني:( إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء)
8- إدراك الأجور من رب غفور وإن عجز عن العمل(1/13)
وقد سبق ذكره في غزوة العسرة أن تقدم إلى رسول الله ? رجال يريدون أن يقاتلوا الكفار معه وأن يجودوا بأنفسهم في سبيل الله غير أن رسول الله ? لم يستطع تجنيدهم فعادوا وفي حلوقهم غصة لتخلفهم عن الميدان وفيهم نزل قوله تعالى:(وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ( فقال للجيش السائر:إن أقواما خلفنا في المدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا هم معنا حبسهم العذر) رواه البخاري ورواية لمسلم :(إلا شركوكم في الأجر ) يدل على ذلك أيضا قوله ?: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم .
9- النجاة من مضلات الفتن
قال تعالى عن النبي يوسف عليه السلام: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين( فيا سبحان الله ما أحوجنا إلى الإخلاص في هذا الزمان .
10- الإظلال في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله
كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
11- مضاعفة الحسنات والدرجات .
روى البخاري عن رسول? (إنك لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك )
12- تثبيت الله المخلصين الصادقين
وقد روي أنه حصل لرسولنا ?عندما قال لعمه:(والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)
13- محبة الله عز وجل للمخبتين والمخلصين
قال ? : ( إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي )(1/14)
14-النجاة يوم الدين من عذاب الله العظيم… فقد أخبرنا? (عن أول خلق لله تسعر بهم النار يوم القيامة وهم متصدق أنفق ليقال جواد ،وقاري تعلم العلم وعلمه ليقال عالم , ومجاهد قاتل ليقال جري) رواه مسلم وهذا الحديث حدث به أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحدث به.
15- الفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم
قال تعالى: (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ( فيا له من الثواب جليل ونعيم عظيم .
تنبيهات ومزالق
1- سرور العبد عند ثناء الناس عليه وهو لا يقصد ذلك هذا لا يقدح في إخلاصه ما دام بدأه بإخلاص وخرج منه مخلصاً, قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قيل : يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال( " تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم .
فأما إذا عمل العمل ليعلم الناس منه الخير ويكرموه عليه فهذا هو الرياء .
2- وليس المقصود ياإخوه أن نستصعب الإخلاص وإنما المراد من هذا كله الحرص على صلاح النيات وأن لا نغفل عن ذلك وقد يقول قائل : لن أعمل خوف من الرياء وبهذا وقع بما هو أكبر من ذلك وهو لا يدري وهو الشرك والعياذ بالله وهذا من تلبيس إبليس فليس هناك حل إلا أن تجاهد نفسك على ذلك وتدعو أن يرزقك الله الإخلاص وتذكر قول الفضيل بن عياض رحمه الله وقد كشف عن ذلك بقوله : ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما " قال النووي موضحاً ذلك : ومعنى كلامه رحمه الله أن من عزم على العبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراء لأنه ترك العمل لأجل الناس أما لو تركها ليصليهما في الخلوة فهذا مستحب إلا أن تكون فريضة أو زكاة واجبة أو يكون عالماً يقتدى به " .(1/15)
3-وأن لا يسيء الظن بالناس قال الرسول ( " إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم " كما حصل لأصحابه من المنافقين فهذه من صفاتهم كذلك لا نسوغ إلى أهل الشرك والفساد أن ينكرون على أهل الخير والدين فيترك أهل الصدق إظهار الأمور المشروعة حذراً من لمزهم قال تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( .
4- نشاط العبد وعمل الخير عند رؤية الصالحين هنا ينظر إلى قصده الباطن ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان لكي تعرف هل هو رياء افترض نفسك في مكان تراهم ولا يرونك فإن تنشطت للعباده فليس رياء وإن لم تنشط فهو رياء .
فتذكر يا أخي قول إبراهيم النخعي رحمه الله : إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال: إنك مراء فزدها طولاً .
5-كتمان الذنوب "إخفاؤها ليس من الرياء ، بل هو واجب شرعي إذ ورد النهي عن التحديث بالذنوب وبعض الناس يذم نفسه فيقع في الرياء قال مطرف بن عبدا لله الشخير : كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه " .
6-لا ينبغي أن تسأل أخاك عن عمله كم تحفظ ؟ كم تصلي ؟ وهل تقوم الليل ؟ لأنك تحرجه بذلك فهو إن أجابك خلاف الواقع كذب وإن أجابك بالواقع إن كان جيداً خشي الرياء وإن كان سيئاً ربما سقط من عينك يقول إبراهيم بن أدهم لا تسأل أخاك عن صيامه فإن قال أنا صائم فرحت نفسه بذلك , وإن قال أنا غير صائم حزنت نفسه وكلاهما من علامات الرياء وفي ذلك فضيحة للمسئول وإطلاع على عوراته من السائل " .
7-العمل علانية لاينافي الإخلاص إذا كان قصده التعليم أو ليقتدي به كما قال الرسول ? لصحابه ( صلو كما رأيتموني أصلي)
وقد يقول قائل أيهما أفضل في العمل:أن يكون في السر أو العلانية؟(1/16)
ذكر ابن عثيمين رحمه الله في هذا تفصيل: إذا كان إظهارك للتقوى يحصل به التأسي والاتباع لما أنت عليه فهنا إعلانها أحسن وأفضل ,ولهذا مدح الله الذين ينفقون سرا وعلانية وقال النبي ? (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة )
أما إذا كان لا يحصل با لإظهار فائدة فالإسرار أفضل ,لقول النبي? فيمن يظلهم الله في ظله:(رجل تصدق بصدقه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)
هل الأفضل في ترك المعاصي إعلانه أو أسراره؟
يقال فيه ما قيل في الأوامر.وقد تقدم التنبيه عليه ولكن لأهميته ناسب ذكره هنا.
وأخيراً علاج الرياء والطريقة إلى الإخلاص بإذن الله
وحيث إن لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله :
1- أن تعلم أنك عبدً لله عز وجل .
2- مشاهدة منة الله عليه وفضله وتوفيقه وأنه بالله لا بنفسه .
3- مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه .
4- خوف مقت الله تعالى وقلبه مطوي ٍعلى الرياء .
5- الإكثار من العبادات غير المشاهدة وإخفاؤها كقيام الليل وصدقة السر والبكاء من خشية الله في الخلوات قال السلف أنهم كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها .
6- تحقيق تعظيم الله تعالى وذلك بتحقيق التوحيد والتعبد لله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا .
7- معرفة ثمرات الإخلاص , وقد تقدم ذكره .
8- تذكر الموت وسكراته ، والقبر وأهواله واليوم الآخر بأحواله التي تشيب لها الولدان .
9- معرفة الرياء ومداخله وخفاياه حتى يتم الاحتراز منه :
عرفت الشر لا للشر و لكن لتوقيه
ولمن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
10- النظر في عاقبة الرياء في الدنيا والآخرة .
11- تذكر أن أول أناس تسعر بهم نار جهنم هم المرائيين كما في الحديث القارئ والكريم والشجاع.
12- الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ من الرياء, قال ? :( قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه) .(1/17)
13- صحبة المخلصين وعباد الله الصالحين, قال ? :( المرء على دين خليله) .
14- محاولة البعد عن الشهرة يقول إبراهيم بن أدهم : ما صدق الله عبد أحب الشهرة .
15- الزهد بما عند الناس .
16- محاسبة النفس دائماً والمجاهدة على ذلك قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(
17- قراءة السيرة النبوية وسير السلف الصالح .
18- الدعاء والتضرع إلى الله أن يعافيك من الرياء ويرزقك الإخلاص .
فبعد هذه الأدلة يكون الإخلاص أمراً يسيراً .
لا والله .. بل هو أمر عظيم ومنزلة عظيمة وشرط في قبول الأعمال فهو والإتباع طريق الجنة بإذن الله عز وجل .
وأخيراً أقول أيها الأحبه من وجد الله فماذا فقد!! ومن فقد الله فماذا وجد!!
متى صح منك الود فالكل هين * وكل الذي فوق التراب تراب
فشمر يارعاك الله وجد السير ولا تكسل فأن الطريق يسير بأذن لله عز وجل.
والله اسأل أن يرزقنا الإخلاص وأن يصلح بواطننا وظواهرنا وأن يزيننا بزينة الأيمان ويقينا الشرك كبيرة وصغيرة كما اسأله جل وعلا أن يختم لنا بكلمة الإخلاص إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
* * * * * * * *
إعداد
سلطان بن سراي الشمري
bnsrray@naseej.com
??
??
??
??
12
…(1/18)