هدي السلف في الاتفاق
د. يوسف محمد صديق
أستاذ الحديث الشريف
جامعة أم القرى ــ مكة المكرمة
الحمد لله أهل الحمد والهادي إليه والمثيبِ به، أحمده بأرضى الحمد وأزكاه لديه، على تظاهر آلائه وجميل بلائه، حمداً يكافئ نعمه، ويوافي مِنَنَه ويوجب مزيده، وأسأله أن يُلْهِجَنا بشكره، وينفعنا بحب القرآن المرشد في آيه الكريم للاتفاق (وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)(1)، وقوله جل جلاله: (إنَّ اللَّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيانٌ مرصوص)(2)، وقوله جل جلاله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(3).
__________
(1) سور المؤمنون: 52.
(2) سورة الصف: 4.
(3) سورة آل عمران: 103.(1/1)
الناهي عن الفرقة والشقاق في قوله جل جلاله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(1)، وقوله جل جلاله: (وأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(2)، وقوله جل جلاله: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ)(3)، وقوله جل جلاله: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)(4).
كما نسأله اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في كل هديه، وفى جميع توجيهاته، ونخص منها دعوته للاتفاق والبعد عن الخلاف، كما نسأله أن يجعلنا ممن صمت ليسلم، وقال ليغنم، وكتب ليعلم، وعلم ليعمل،ونعوذ به جل جلاله من حيرة الجهل وفتنة العلم وإفراط التعمق، فكم من طالبٍ حظه العناء، وضاربٍ في الأرض غنيمته الإياب لا غيره، وقد جاب البلاد وفنى التِلاد، وقطع الرحم وضيع العيال على جفا الغربة وطول العزبة وخشونة المطعم.
فإن التقريب بين المسلمين والاتفاق عمل تعبدي بقوله جل جلاله: (ولا تنازعوا فتفشلوا)(5)، وإن وقع خلاف فهو سجال الإخوة وانجذاب المؤمنين.
__________
(1) سورة الأنعام: 153.
(2) سورة الأنفال: 46.
(3) سورة آل عمران: 105.
(4) سورة آل عمران: 7.
(5) سورة الأنفال: 46.(1/2)
من الخطأ افتراض أننا نعيش أوضاعاً ليس لها مثيل من قبل، ونخطئ ثانية حين نقترح البدائل من أنصاف الحلول والمواجهة، مقرين أنه يحب أن تختلف الطرق والأساليب، عما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح. وهذه النظرية ليس لها حظ من الصواب بل هي خطأ صراح، فلدينا سيرة نبوية عطرة أصل لحضارتنا وثقافتنا التي عايشت كل الظروف، مواكبة الحلو والمر منها، متجلية في فترة الضعف والتمكين، والكثرة والقلة، ومع الموافق والمخالف، وعايشت اليهود والمنافقين بالمدينة المنورة، والوثنيين بمكة المكرمة وجزيرة العرب، والنصارى في نجران وبلاد الشام، وضعفاء النفوس من المسلمين، كما عايشت الاختلاف في وجهات النظر منذ العهد النبوي الشريف ثم عصور بني أمية وبني العباس والدولة التركية حتى أسقطها كمال أتاتورك بخيانة عام 1924م.
والعبرة في مدارسة هدى السلف في الاتفاق، بشواهد وقواعد الثقافة الإسلامية العامة التي انطلق منها سلف الأمة مطبقين عليها مجمعين حولها، وليست بالاجتهاد الفردي غير الملزم، وإنما الملزم للناس هو الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع الثابت، وليس المدعى.
وليس ثمة حجر وابتداع أن يقع الاختلاف في النظر بين العلماء المجتهدين، مع رعاية أصول الاختلاف وأصول المناظرة والتنازع، فلا تأنيب ولا تدابر؛ وإنما خلاف يعقبه اتفاق، في أدب يكسو المعرفة جلاء ويزينها وضوحاً، يُبينُ عن طيب معدن المختلفين ويبرز مقاصدهم الحسنة، وحرصهم على الهداية، وبعدهم عن الهوى وحظوظ النفس، "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"(1).
__________
(1) ينسب هذا القول لحكيم الفقهاء وتاجهم الإمام الشافعي رضي الله عنه.(1/3)
ليس من الفطرة السليمة أن تسعى البشرية إلى الله جل جلاله جادة على هذا الكوكب في تمزق متكئة على الخلاف متوكئة على الفرقة والتفكك والشتات،ولا من العقل الرشيد أن يشتهر علماؤها وعوامها بالتناحر والتناطح، وقد فضلهم الله جل جلاله وكرمهم وميزهم بالعقل وجعلهم من مصدر واحد ((كلكم لآدم))،أبيضهم وأسودهم،عربيهم وعجميهم،بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة،ويتعارض مع العقل، أن يوحد الله عباده في المنشأ والمصدر،ثم يفتعلون الفرقة في المرجع والمصير. ولعل من حكمة الله جل جلاله أن شمل القرآن الكثير من الأسس والأصول والقواعد التي تحمي هذا الكيان من التصدع،وتمكنه من أداء مهمته على الوجه الأمثل.
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ((ما أحب أن أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق))(1). أي الاختلاف الذي يتحرى الصواب ويرصده، ويتحسس الحق في غير مداهنة أو تلبيس، شعاره التسامح لا التعصب، ومرماه التكامل والتقدم ومركزه العلم والتقوى
__________
(1) ذكره صبحي الصّالح، المرجع المذكور ص 81، كذلك ورد في "الاعتصام" للشاطبي: 3/11.(1/4)
ويضرب الإمام الشافعي رضي الله عنه مثالاً رائعاًً في أدب الاختلاف الإيجابي البناء، فلم يستنكف أن يؤلف كتابه "اختلاف مالك"، يخالفه فيه ويرجح غير رأى شيخه الكبير إمام دار الهجرة، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "إني استخرت الله ونشرت الكتاب لما وجدت الناس افتتنت بمالك، وفضّلت حديثه على السنّة"(1). وإذا كان الإسلام الحنيف يحث على وحدة الأديان السماوية (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين)، فمن باب أولى أن تتداعى الدعاة من حملة الثقافة الإسلامية، إلى التقارب بينها، سعياً للاتفاق في مسيرتها إلى الله جل جلاله، وهم يحاضُّون على القرآن والسنة ويدافع عن هدى السلف الصالح، والحالة أنهم من الوارثين في الأصول والمبادئ العامة وإن اختلفوا في الفروع اختلاف رحمة بعيداً عن التأثيم.
ولعل مثل هذا المؤتمر المبارك الذي تشهده الساحة الفكرية والثقافية اليوم، أن يثمر الكثير لصالح الإسلام والمسلمين، أقله التحليل الموضوعي لنزعة الاختلاف وحجمه وموضوعاته وأنواعه. ومن المسلمات أن دراسة نزاعات الخلاف وأسبابه وأدبه في ديننا، يساعدان على التقريب المقصود والاتفاق المنشود المحمود، وما أحوج الأمة إليه وهي في عصر الثورة العلمية، التي لا تحتمل التعدد المذهبي المبنى على الاختلاف والعداوة الفكرية الفجة.
نماذج من هدى السلف في الاتفاق
(1) هدى السلف واتفاقهم في فقه الخلافة والسياسية:
__________
(1) صبري الأشوح، التفكير عند أئمة الفكر الإسلامي، القاهرة، مكتبة وهبة، 1417هـ/1997، ص 187.(1/5)
تعد مسألة نصب أول خليفة، أول مسألة فقهية خلافية واجهت سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولا تُعرف مسألةٌ فقهية سالت فيها الدماء وحزت رقاب المسلمين وعلقت، إلا في مسألة الإمامة الكبرى، وهي أمضى سلاح في تفرقة المسلمين، فهلا من وقفاتٍ لنستشف كيف تجاوز سلف الأمة رحمهم الله هذه المسألة العصيبة؟ وكيف حصل لهم الاتفاق المبارك على أبى بكر الصديق رضي الله عنه أول خليفة راشد في أول بادرة للنظام السياسي والتراتيب الإدارية لإقامة ونصب الخليفة؟
يقص علينا تاريخ التشريع الإسلامي مسطراً أروع مواقف الاتفاق، على قواعد وثوابت منها: لم ينعزل فقهاء السلف عن الأحداث العظام، مؤثرين البعد والسلامة أو متنسكين متزهدين أو يائسين قانطين، لا بل كان شعارهم ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم))، ديدنهم النشاط والمشاركة والتفاعل سواءً في عهد أبى بكر رضي الله عنه أو في عهد بقية الخلفاء الراشدين, فالفرد منهم وإن لم ينصب في منصب إداري أو قضائي أو عسكري إلا أن هديه رضي الله عنه كان التفاعل مع الأحداث، والسهر بجانبها وبذل كل الجهد ليؤدي دوره في الإصلاح والتغيير وفي ترشيد المسيرة وتسديد الأعمال والممارسات، مؤدياً ما عليه من مسئوليات تجاه الدولة وتجاه الأمة. غير مبالٍ بمنصبٍ رفيع أو دونه لا يمنعه من التفاعل والمشاركة والتعاون البناء وفى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((.. وطوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله إن كان في المقدمة كان في المقدمة وإن كان في السَاقة كان في السَاقة إن استأذن لم يؤذن له وإن يشفع لم يشفع..))(1).
__________
(1) رواه البخاري.(1/6)
ومن الأصول والقواعد الثابتة في هديهم في جمع الكلمة ولمِّ الشتات أن المصلحة الإسلامية العليا هي الهم الأكبر والأصل الذي يجب أن تنحني إليه كل فروع المسائل الفقهية وغيرها، ويحرم أن ينطلق أي موقفٍ إلا من خلف مصلحة الإسلام والمسلمين الكبرى، فلا يتقدمها رأي ولا يُصغى لاجتهاد أو رأي لا حظ له ملموس في وحدة الدولة والأمة، وإزالة عوامل التوتر والتشنج في علاقات المسلمين وخصوصاً علاقات أهل الحكمة من العلماء أصحاب الدور الأكبر في تجاوز الأزمات وسكون الفتنة.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل تنصيب إمام على المسلمين وجد الصحابة أنهم أمام خلافٍ لا بد له من فقهٍ عميق، يواجه منهجاً ورأياً يهدد المصلحة الإسلامية العليا والوحدة الإسلامية، إنها الفتنه بين الخليفة والمعارضين , فقد خلق هذا الخلاف جواً من الاضطراب والتخلخل في تماسك ووحدة الكيان الإسلامي، وفي ظل هذه الأجواء المضطربة الحادة، يظهر فقه السلف في الاتفاق، وتتفتح الآفاق، وتنهض العزائم، ولم ينعزل فقيهٌ ولا عالمٌ عن الأحداث، ولم يفر أحد عن الميدان, وإنما قام كل بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأنه المعنيُّ الوحيد، حفاظاً علي تماسك الكيان الإسلامي، وعلي سلامة تطبيق منهجه الرباني في الاتفاق، من قبل الخليفة والولاة والأمة، فالكل يحاول تهدئة الأوضاع والعلاقات المتشنجة لكي لا تحدث الفتنة وتتوسع فيتمزق الكيان الإسلامي.(1/7)
ولنقف مع عبارة علي رضي الله عنه مصرحاً بأفصح عبارة في هذا الموقف العصيب مخاطباً خليفة المسلمين أفضل رجل في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها باباً وأسهل إليها سبيلاً, ولكني أنهاك عما ينهاك الله ورسوله عنه, وأهديك إلي رشدك, ألا تنتهي سفهاء بنى أمية عن أعراض المسلمين وأموالهم, والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركاً بينه وبينك"(1).
(2) هدي السلف واتفاقهم على تعيين بعض الولاة أو بعض قادة الجيش:
لم يحدثنا التاريخ أن السلف كانوا يعترضون علي تعيين الولاة أو قادة الجيش أو المحصلين والجباة، وخصوصا الذين لا يرونهم أهلاً للمسئولية, ولم يتدخلوا في تبديلهم أو عزلهم, ولم يقترحوا تعيين البعض دون البعض الآخر، وحديث ابن اللتبية خير شاهد على ذلك، فقد صبر الصحابة على تعيينه جابياً للزكاة حتى إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عبارته المشهورة "هذا لكم وهذا أهدي لي" مما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((هلا جلست في بيت أمك فيهدى لك))، فأين نحن من هذا الهدي في الاتفاق والبعد عن القيل والقَال، والهمز واللمز بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديم النصح. وتبرئة الذمة؟ وفى حقيقة الأمر هو نوع من التشويش والفوضى الفقهية، ولقد استمسكنا بهذه المقولة لأنها كانت المخدرة للضمائر والمضللة والمشعرة بعدم التقصير.
(3) هدى السلف واتفاقهم في قتال مانعي الزكاة:
كالتي حدثت مع مالك بن نويرة؛ حيث غلط في فقه الزكاة مع إقراره بالشهادتين وبالصلاة والحج والصوم والجهاد، ودبَّ الخلاف بين الفاروق عمر رضي الله عنه والخليفة الراشد الصديق رضي الله عنه، ولم تمض لحظات حتى وفق الجميع وجمع كلمتهم واتفقوا نابذين الفرقة والشقاق بعيداً.
(
__________
(1) البداية والنهاية: 7/55، ابن كثير، دار الفكر، بيروت.(1/8)
4) هدى السلف واتفاقهم فيما ارتكب من أخطاء في حرب مانعي الزكاة:
ولم يغفل سلف الأمة إنكار بعض الأخطاء التي ارتكبت, في حروب مانعي الزكاة، حيث سبيت النساء المسلمات وتزوج خالد بن الوليد رضي الله عنه زوجة مالك بن نويرة بعد أن استبرأها بحيضة واحدة، لقد تجاوز السلف هذه المحنة الفقهية، ولم تنقل كتب السير والمغازى إلا اعتذار خالد بأنه فهم من قول جماعة مالك ابن نويرة أنهم كفروا فقد كانوا يصرخون "صبأنا.. صبأنا" يريدون أننا على دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان المشركون يسمون المسلم بالصابئ، وانتهى الخلاف وحل محله الاتفاق وسارت سفينة الإيمان بالمؤمنين لا تعرف تعثراً ولا توقفاً عن نشر الدين الحق.
(5) هدى السلف في الاتفاق في مسألة كتابة التاريخ:
كان رأي بعض الصحابة أن يكتب من تاريخ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رأي عمر رضي الله عنه أن يكتب من تاريخ المبعث, وكان رأي علي رضي الله عنه أن يكتب من يوم الهجرة إلى المدينة, واستقر الأمر على رأي الإمام علي رضي الله عنه, كما هو مشهور في التاريخ(1).
(6) هدي السلف في الاتفاق على فقه النظام المالي والاقتصادي:
وحينما وضع عمر رضي الله عنه الدواوين ودوَّنها في سجلاتها وفرق رضي الله عنه بين المسلمين بالعطاء على أساس السبق في الإيمان والهجرة؛ لم يعترض الصحابة عليه خاصة من قلَّ عطاؤه، أو من كان يرى التسوية بين من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربه وبين من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الإسلام، وكان رأي علي رضي الله عنه التسوية في التوزيع. ولما آلت إليه السلطة وأصبح خليفة للمسلمين، ساوي في العطاء في وقت خلافته كما يذكر جميع المؤرخين, فقد يكون مراعياً للظروف الموضوعية في ذلك, أو عدم رغبته في مخالفة الخليفة أو الصحابة.
__________
(1) الكامل في التاريخ: 2/526، وتاريخ المدينة المنورة: 2/758.(1/9)
وأول بادرة للاستشارة حينما أراد الخليفة معرفة حقه في بيت المال, قال فريق من الصحابة: "ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف, وليس لك من هذا المال غيره"، فقال الصحابة المخالفون: القول قولك واندمل الخلاف(1).
مجال الثروة:
وشاور عمر رضي الله عنه الصحابة في سواد الكوفة, فقالوا له: نقسمها بيننا, فشاور علياً رضي الله عنه فقال: "إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجئ بعدنا شيء, ولكن تقرها في أيديهم يعملونها, فتكون لنا ولمن بعدنا"(2).
المجال القضائي:
(7) هدي السلف في الاتفاق في فقه القضاء والحدود:
أراد عمر رضي الله عنه رجم امرأة ولدت لستة أشهر فمنعه علي رضي الله عنه فرجع عن قراره.
وارتاعت المرأة من عمر وسقط جنينها فأشارت عليه الصحابة أن يضمن الدية, فقال عمر ((صدقتني))(3).
(8) هدي السلف في الاتفاق في فقه المجال العسكري:
__________
(1) تاريخ الطبري: 2/453، والمنتظم: 4/197.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2/152.
(3) انساب الأشراف: 2/178.(1/10)
وحينما أراد عمر رضي الله عنه غزو نهاوند نصحه عدد من الصحابة بالبقاء في المدينة المنورة, وقال له علي رضي الله عنه: "أما بعد يا أمير المؤمنين, فأنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلي ذراريهم, وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلي ذراريهم, وإنك إن أشخصت من هذه الأرض انتفضت عليك الأرض من أطرافها وأقطارها.. أقرر هؤلاء في أمصارهم, واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق.. ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم)"(1)، وحصل الاتفاق بعد الخلاف، وينقلب الأمر والخلاف في واقعة أخرى فيشير فريق على عمر رضي الله عنه بالخروج بنفسه, وفريق من الصحابة يرى عدم خروجه، وذلك حينما تحصن المشركون ببيت المقدس وأجابوا إلى الصلح بشرط قدوم الخليفة عمر رضي الله عنه عليهم، فأشار عليه علي رضي الله عنه بالمسير إليهم "ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم"(2).
وقال له:"إن القوم قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذل والصغار، ونزولهم على حكمك عز لك وفتح للمسلمين.. حتى تقدم على أصحابك وجنودك, فإذا قدمت عليهم كان الأمر والعافية والصلح والفتح إن شاء الله"، فأخذ عمر بمشورته(3).
(9) هدى السلف في الاتفاق في مسائل الحلال والحرام:
لقد كان لنكاح المتعة، المنسوخ حكمه مثالاً لاتفاق السلف رضي الله عنهم، وأنموذجاً يحتذى به في تجاوز الخلاف بأقل قدر من المشورة والمعالجة المبنية على الدليل الشرعي من الأصلين الكتاب والسنة، فقد أفتى ابن عباس بجوازه، بيد أنه سرعان ما رجع عنه لما ناظرته الصحابة فيه وأبانوا له الدليل، وبعد أن سرت بفتواه العامة، ورجز بها فحول الشعراء:
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ... ... هل لك في رخصة الأطراف آنسة
__________
(1) تاريخ الطبري: 2/524، والمنتظم: 4/273.
(2) البداية والنهاية: 7/55.
(3) الفتوح: 1/225.(1/11)
وما كان لينتهي أمر هذا المسألة التي تبيح الفروج والعروض وتصبح في قاموس التاريخ، لولا رغبة السلف في الاتفاق المبني على الدليل، والمستند إلى الفقه المستنير، بعيداً عن الممارسات المتشنجة والداعية إلى التباغض والعداء, والمشجعة علي التمرد والعصيان، ولاشك أن أكبر أسباب الاختلاف المبررات المبنية على رمال التأويل والتفسير بالرأي المذموم.
(10) هدى السلف في الاتفاق في مسائل العبادات:
صلاة عثمان رضي الله عنه في حجه بمنى أربع ركعات وقول ابن مسعود: ((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع وأبى بكر وعمر فصلوا ركعتين))، ثم عمد فصلى بجماعته كصلاة عثمان فلما سئل قال: ((الخلاف أشد)).
مبادئ وضوابط هدي السلف في الاتفاق
من أهم مبادئ سلف الأمة في الاتفاق وإقامة الوحدة وتعزيز أواصر صفها، وامتصاص عوامل الخلاف والقضاء عليها:
(1) مبدأ الحق:
إن قيام العمل الإسلامي على ميزان الحق، وتوازن العلاقات بين الفرد والمجتمع يضمن سلامة الاتفاق والوحدة. أما إذا اختل الميزان؛ فإن كافة العلاقات تتدهور، ويشيع الاختلاف والحقد والفساد. ومن الطبيعي أن يلتزم المؤمن بميزان الحق في كافة تصرفاته ومعاملاته، وأن يتجاوز المنافق ذلك ويقيم علاقاته على أساس من الهوى والمصلحة غير آبه لسخط الله.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((قل الحق وإن كان مراً))، ومن الواضح أن لقول الحق دوراً بيناً في إطفاء نيران المشاكل والخلافات، والقضاء على جذور الصراع؛ فإن من يقول الحق ولو كان على نفسه لا يرتكب الظلم أي أحد، وبالتالي فإنه يحافظ على علاقاته متوازنة عادلة مع الآخرين.
(2) مبدأ المشاركة والبعد عن الاستبداد بالرأي:(1/12)
الناظر فيما يكتب اليوم في الإنترنت؛ يلحظ جرأة محمودة في الطرح والتناول للقضايا؛ تؤذن بانقراض زمن الصمت, وميلاد عصر المشاركة, والمصارحة, وحوار الآراء. ومن أقوال السلف وتوجيهاتهم في ذلك "من استبد برأيه هلك"(1)، "من شاور الرجال شاركها في عقولها، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ"(2).
(3) مبدأ محاربة القطيعة والدعوة إلى المحبة والصلة والحوار والوحدة:
__________
(1) أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
(2) أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.(1/13)
وللمتحابّين في الله أجر عظيم، منها: أن الله تعالى يقول يوم القيامة: (أينَ المُتحابّون بِجَلالي، اليومَ أُظِلُّهُم في ظِلِّي، يومَ لا ظلَّ إلا ظِلّي)(1)، ومنها دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لا تَدْخُلوا الجَنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تَحابّوا، أوَلا أَدُلُّكم على شَيْءٍ إذا فَعَلْتُموهُ تَحابَبْتُم؟ أَفْشوا السَّلامَ بَيْنَكُم))(2)، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عزّ وجلّ: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نورٍ، يَغْبِطُهم النَّبِيُّونَ والشُّهَداءُ))(3)، وقال معاذ رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: وَجَبَتْ محبَّتي للمتحابّين فيَّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذِلين فيّ)). ومرّةَ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد معاذ وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبّكَ في الله، ثم أوصيكَ يا مُعاذ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلَ صَلاة تقول: اللّهمَّ أَعِنّي على ذَِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادَتِكَ))(4)، ومن وصايا السلف في ذلك: "لا تطلبن مجازاة أخيك وإن حثا التراب بفيك، ولا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب، ولِنْ لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك".
(4) مبدأ محاربة الجدل:
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رياض الصالحين 178.
(4) رياض الصالحين 179.(1/14)
ومن الأمور التي تمزق الوحدة وتزرع البغضاء: المراء والجدال والخصومة وسرعة اللوم، فهذه البلايا التي تمرض القلوب وتشحنها على الإخوان وينبت عليها النفاق. وإذا ما اضطر المؤمن إلى الافتراق والاختلاف مع أخيه وعدم التعاون معه وجب عليه أن يحافظ على لسانه، بل يفارق بحسن، ويخالف بحسن، ولا يتورط في الجدل والمهاترات الإعلامية التي توسع من خندق الشقاق، وتزيد في العداء والتفرقة.و السباب واللعن، والله جل جلاله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بشراركم؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، وإذا ذكروه لعنوه)).
(5) مبدأ التواضع:
الاتفاق من الأمور المهمة التي تتأثر بالتواضع، وغني عن القول أن مبدأ التواضع يقلب حياة الإنسان إلى الأفضل ويجعلها أكثر ليونة وتالفاً واتحاداً مع الآخرين ((لينوا بأيدي أصحابكم))، فإذا كان الداعية متواضعاً اتسم بحب الآخرين والخجل من مدح الذات، والابتعاد عن الرياء والتفاخر والمباهاة وتضخيم الأعمال. يقول الإمام الصادق رضي الله عنه: "لا يصير العبد عبداً خالصاً لله عز وجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لأن الممدوح عند الله عز وجل لا يصير مذموماً بذمهم وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد فانه لا يزيد في منزلتك عند الله ولا يغنيك عن المحكوم والمقدور عليك ولا تحزن أيضاً بذم أحد فأنه لا ينقصك عنك به ذرة، ولا يحط عن درجة خيرك شيئاً، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك، قال الله عز وجل: (وكفى بالله شهيداً)". ومن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه ولا يستطيع على تحقيق المدح له كيف يرجى مدحه؟ ويخشى ذمه؟ واجعل وجه مدحك وذمك واحداً، وقف في مقام تغتنم به مدح الله عز وجل لك ورضاه.
(4) مبدأ العفو والحلم:(1/15)
ويلعب الحلم دوراً كبيراً في امتصاص عوامل الفرقة والتوتر والصراع بين الدعاة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله)).
ولا يزيد الحلمُ المسلمَ إلا عزاً، وعلماء الدين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوة يتأسى بها الناس من حولهم، هل يتسامحون ويعذر كل منهم الآخر في حالة الاختلاف، أم يلجأ كل واحد منهم لسلاح التشهير والإسقاط؟ فلأننا نفتقد للقدوات التي تمتلك لهذه الروح في مجتمعاتنا أصبحنا غير متسامحين، ومن المسلمات أن النتيجة تتبع أخس المقدمات! وأنك لا تجني من الشوك العنب! فكيف نطلب من الطالب أن يكون متسامحاً وهو يرى بأم عينه، أباه متعصباً؟ كيف نريد منه أن يكون متسامحاً وهو يرى مدرسيه وقد أصبحوا أعداءً؟ فلكي نعيش هذه المفردة الجملية في حياتنا نحتاج إلى ممارستها عملياً طوال الأوقات، في البيت، في المدرسة، في المتجر، في المصنع، وليجعل كل شخصٍ منا من نفسه قدوة في التسامح، مع زوجته، مع أولاده، مع أصدقائه، وأخيراً، ينبغي أن نؤمن بالتسامح كقيمة داخل ذواتنا لا أن نحمله كشعار أجوف فوق صدورنا، وبهذه الكيفية ربما نتفيأ من ظلال هذه الشجرة الباسقة الوارفة الظلال. نعم، قد نكون قاب قوسين أو أدنى من أولئك الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، بقوله جل جلاله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)(1).
(4) مبدأ الانطلاق من معين الإيمان والثقة بالله:
فيزرع الداعية في قلوب المؤمنين الود والمحبة، ويقتلع من طريقهم أشواك الحسد والبغضاء من القلب. بعض الناس يقيمون علاقاتهم على أساس المادة والدنيا والمصلحة.. فإذا كان ثمة شيء من ذلك فإنهم يجاملون ويبتسمون ويظهرون الود والملق.. وإذا لم يكن شيء من ذلك.. فإن علاقاتهم يسودها العبوس والتجهم والاحتقار.
(5) مبدأ اعتزل الهوى فيما يريد إصابة الحق فيه:
__________
(1) سورة آل عمران:134.(1/16)
وأن يعتزل الهوى فيما يريد إصابة الحق فيه، فإن الله جل جلاله يقول: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)، ويقول جل جلاله: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)(1).
(6) مبدأ الاعتراض السلمي علي آراء الباحثين في المسألة:
وتلعب الأخلاق الحسنة دوراً مهماً في تمشيط الأضغان من القلوب ونثر ورود المحبة على طريق الوحدة، حيث إن الأخلاق الحسنة تنبع من الحب.. فإذا كره المؤمن أخاه غطى الكره ملامح وجهه وعقد لسانه، وخطف البسمة من شفتيه. ولذلك يدعو الإسلام إلى كنس الحقد من القلب، والتصميم على الحب والمبادرة إليه، ولا يسمح للحقد أو الكراهية أن يعشعشا في قلبه.
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى ... وفارق ولكن بالتي هي أحسن
سامح صديقك إن زلت به قدمُ ... فليس يسلمُ إنسان من الزللِ
(7) مبدأ إعمال الحكمة:
تجاوز الخلاف بالحكمة والنظرة إلى مصلحة الإسلام في تحليل للمواقف بفطنة وذكاء هو طريق السلف في تفسير الأحداث المفضية للاتفاق: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(2)، ولما دخل عمر على معاوية ابن أبى سفيان رضي الله عنه وكان والياً لعمر على الشام، قال له عمر رضي الله عنه أراك قد بدنت ولبست زي العجم! فقال له معاوية يا خليفة رسول الله علِّمني فإنني جاهلٌ. فسكت عنه عمر رضي الله عنه وخرج معاوية من الخلاف بالحكمة والفطنة.
(8) مبدأ التحكم في الأمور من منطلقات اللامذهبية:
__________
(1) سورة النساء: 83.
(2) سورة النحل: 125.(1/17)
العصبية المنتنة التي تغلب على مستعملها فتبعده عن الحق وتصده عنه، قد كان موقف السلف منها جلياً، وحربهم عليها كمجاهدتهم للمشركين؛ لذا كان لهم الحظ الأوفر في الاتفاق والبعد عن الخلاف (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين)(1).
(9) مبدأ الانقياد والطاعة للمصلحة الإسلامية العليا:
تواترت الروايات أن السلف لم يمنعوا الخوارج من الاجتماعات داخل المسجد، ولم يحرموهم من العطاء، ما داموا غير متمردين عسكرياً, وكانت آخر وصايا علي رضي الله عنه: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي, فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه"(2)، وبذلك تمت المحافظة علي وحدة الصف الإسلامي وحرمة وقدسية الخلافة, وللحيلولة دون حدوث تصدع في الجبهة الداخلية ودون حدوث خلل واضطراب في العلاقات بين المسلمين.
الخاتمة
الحمد لله، به تتم الصالحات وتكتمل النعم، ونسأله أن ينفعنا بما كتبنا، وينفع به عامة المسلمين، ويجعلنا ممن قال ــ تعالى ــ فيهم: (إنَّ الْمُتَّقينَ في جَنّاتٍ وعُيونٍ اُدْخُلوها بِسَلامٍ آمِنينَ وَنَزَعْنا ما في صُدورِهِم مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ لا يَمَسُّهُم فيها نَصَبٌ وما هُمْ عَنها بِمُخْرَجينَ)(3). نسأل المولى عزّ وجلّ أن يهديَنا وإخواننا إلى الحق المبين، وأن يصلح أحوالنا، وينصرنا على أنفسنا وأعدائنا، وأن يتولانا برحمته الواسعة، إنه سميع مجيب.. (رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوانِنا الّذينَ سَبَقونا بالإيمانِ ولا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلاَّ لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ)(4).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________
(1) سورة القصص: 55.
(2) البداية والنهاية: 7/288.
(3) سورة الحجر: 45 ــ 48.
(4) سورة الحشر: 10.(1/18)