سلسلة الفوائد الحديثية (1)
هداية السالك
إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -
جمع وإعداد
ظافر بن حسن آل جَبْعَان
dhaferhasan@gawab.com
النشرة الأولى
رمضان - 1427هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف:111]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرص أشد الحرص على تربية أصحابه - رضي الله عنه - أفضل تربية، وتوجيههم أفضل توجيه، فهو - صلى الله عليه وسلم - معلمهم، ومربيهم، وقدوتهم، وإمامهم - صلى الله عليه وسلم - ، فكان من ذلك أن تخرج من تحت يده - صلى الله عليه وسلم - جيل رباني فريد.
ومن تلك المواقف التي ربى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه موقفه من كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم - ، ففي هذه القصة من العبر والعظات والفوائد العذاب الشيء الكثير، وقد أحببت أن أجمع تلك الفوائد وأرتبها حتى يُستفاد منها، فاستنبطت هذه الفوائد من هذه القصة.
وقد مضيت في هذه الرسالة على اعتماد نص القصة مما في الصحيحين فقط، ثم خرجتها من مواطنها في الصحيحين، ثم بينت غريب ألفاظها، ثم ترجمت بترجمة موجزة لكعب بن مالك - رضي الله عنه - ، ثم ذكرت فوائد القصة.
وقد سرت في استنباط فوائد هذه القصة على ترتيب السياق، فكلما مرت بي فائدة ذكرتها، ثم أنقل من القصة المقطع الذي استفدت منه الفائدة في الغالب؛ فاجتمت الفائدة مع مكان استنباطها، وذلك حتى يسهل الاستفادة منها.(1/1)
وبعد فراغي من استنباط الفوائد راجعت ما قاله الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في كتابه فتح الباري عن هذه القصة، وكذلك الإمام النووي- رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح الإمام مسلم، فأضفت من الفوائد ما فاتني إيراده، فاجتمعت هذه الفوائد.
وقد أسميت هذا الرسالة بـ(هداية السالك إلى فوائد قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه - )، أسأل الله الهداية والتسديد، والعون والتيسير لي ولجميع المسلمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
نص الحديث:(1/2)
قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّي بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ،(1/3)
وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفي لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ في نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ « مَا فَعَلَ كَعْبٌ ».(1/4)
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ؛ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .
قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا.(1/5)
وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلاَنِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ « تَعَالَ ». فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لي:« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ».(1/6)
فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفي.(1/7)
فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَليَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.(1/8)
فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ. فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هَذَا الأَمْرِ؛ قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَت امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ:« لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ »؛ قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا.(1/9)
فَقَالَ: لي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَملَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ.(1/10)
قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.(1/11)
قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ». قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ « لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ».(1/12)
قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ في صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - : { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ } إِلَى قَوْلِهِ: { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } .
فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ } إِلَى قَوْلِهِ: { فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } .(1/13)
قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ } وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ.
تخريج الحديث:
أخرجه الإمام البخاري في كتاب المغازي، باب: حديث كعب بن مالك وقول الله - عز وجل - : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ } (فتح8/452برقم:4418)، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه(4/2120برقم:2769)، وغيرهما، وهذا لفظ البخاري.
ترجمة كعب بن مالك - رضي الله عنه - :
كعب بن مالك بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سَوَاد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبدالله وقيل أبا عبدالرحمن، وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة أيضاً.(1/14)
لما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة آخى بينه وبين طلحة بن عبيدالله حين آخى بين المهاجرين والأنصار، كان أحد شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا يردون الأذى عنه، وكان قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعرف به، ثم أسلم وشهد العقبة، ولم يشهد بدراً وشهد أحداً والمشاهد كلها حاشا تبوك، فإنه تخلف عنها، وهو أحد الثلاثة الذين قال الله فيهم: { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ؛ وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة - رضي الله عنهم - ، تخلفوا عن غزوة تبوك فتاب الله عليهم وعذرهم وغفر لهم ونزل القرآن في شأنهم.
وفي يوم أحد لبس كعب - رضي الله عنه - لأمْةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت صفراء، ولبس النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمَتَهُ فجرح كعب بن مالك - رضي الله عنه - أحد عشر جرحاً.
قال محمد بن سيرين – رحمه الله تعالى -:( كان شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك - رضي الله عنه - فكان كعب يخوفهم الحرب، وعبدالله يعيرهم بالكفر، وكان حسان يقبل على الأنساب، فبلغني أن دوساً إنما أسلمت فرقا من قول كعب بن مالك - رضي الله عنه - :
قضينا من تهامة كل وتر وخيبر ثم أغمدنا السيوفا
تُخَبِرنا ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفاً
فلما بلغ دوساً قالوا: خذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف).
توفي - رضي الله عنه - في زمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - سنة خمسين، وقيل سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن سبع وسبعين، وكان قد عمي وذهب بصره في آخر عمره - رضي الله عنه - .(1/15)
انظر ترجمته - رضي الله عنه - في: الإصابة في تمييز الصحابة (5/456برقم7448)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب(2/381برقم2231).
غريب الحديث:
تَوَاثَقْنَا: بمثلثة وقاف، أي أخذ بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الإسلام. (فتح الباري8/456).
المَفَاز: الصحراء البعيدة عن العمار، والماء، تفاؤلاً من الفوز بالنجاة منها.
فَجَلَّى: بالجيم وتشديد اللام أي أوضح. (فتح الباري8/457).
أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ: الأُهبة بضم الهمزة وسكون الهاء، أي ما يحتاج إليه في السفر والحرب. (فتح الباري8/457).
وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ: بالفاء والطاء المهملة، أي فات وسبق. (فتح الباري8/458).
المَغْمُوص: بالغين المعجمة، والصاد المهملة، أي مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق. (فتح الباري8/458).
يُؤَنِّبُونِي: بنون ثقيلة ثم موحدة، من اللوم والتعنيف. (فتح الباري8/460).
فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ: بالسين المهملة والقاف المعجمة، أي أنظر إليه في خفيه. (فتح الباري8/461).
حَتَّى تَسَوَّرْتُ: أي علوت سور الدار. (فتح الباري8/461).
إِذَا نَبَطِيٌّ: النبط نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه، وهم فلاحوا العجم، وهذا النبطي الذي جاء لكعب - رضي الله عنه - نصراني. (فتح الباري8/462).
نُوَاسِكَ: بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة. (فتح الباري8/462).
فَتَيَمَّمْتُ: أي قصدت. (فتح الباري8/462).
فَأَوْفى: أي أشرف واطلع. (فتح الباري8/462).
فَسَجَرْتُهُ: بسين مهملة، وجيم، أي أوقدته. (فتح الباري8/462).
الفوائد المنتقاة من هذه القصة:
1- هذه القصة صحيحة ثابتة بالكتاب كما في سورة التوبة، والسنة الصحيحة فهي في أصح الكتب بعد القرآن الكريم البخاري ومسلم.
2- جعلها الإمام البخاري في باب المغازي وهذا من فقهه – رحمه الله تعالى - فالقصة في باب الجهاد وخطورة التخلف عنه إذا استنفر الإمام له.(1/16)
3- أن الإمام مسلم جعلها في كتاب التوبة، وذلك من فقهه - رحمه الله تعالى – أيضاً، فقد تجلى في هذه القصة صدق التوبة والصبر عليها، وشدة البلاء الذي معه تضعف النفوس؛ وظهر ذلك في تعبير القرآن عن هؤلاء التائبين، فقال - عز وجل - : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } [التوبة:118] .
4- مشروعية إيراد قصص التائبين حتى يستفيد منها السامع، وهذا كثير في السنة، ومنه قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه - .
5- جواز تحدث العبد بما أنعم الله عليه من النعم بشرط أن يأمن الفتنة على نفسه، قال تعالى { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11]. من قول كعب - رضي الله عنه - :( لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ).
6- حرص الصحابة - رضي الله عنهم - في مشاركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومتابعته في كل أعماله، ومن أعظمها وأجلها الجهاد في سبيل الله - عز وجل - . من قول كعب - رضي الله عنه - :( لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ).
7- عدم تشبع العبد بما لم يعط، فلا يمدح نفسه بشيء ليس فيه فقد قال - صلى الله عليه وسلم - من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما - :« الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ » أخرجه البخاري(5219)، ومسلم(5707). من قول كعب - رضي الله عنه - :( غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ ).(1/17)
8- إباحة الغنائم لهذه الأمة، فقد أحلها الله يوم أن كانت محرمة على من قبلنا. من قول كعب - رضي الله عنه - :( إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ).
9- مشروعية الإغارة والمباغتة للعدو المحارب في ماله ونفسه. من قول كعب - رضي الله عنه - :( إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ).
10- مشروعية التعاهد والتعاقد على نصرة الدين. من قول كعب - رضي الله عنه - :( وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ).
11- وفيه أيضاً فضل نصرة الإسلام، وأنه من أعظم القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله - عز وجل - ، ويرجو ثوابها عند الله - عز وجل - .
12- فضل أهل بدر والعقبة. من قوله - رضي الله عنه - :( وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا).
13- قول الحق ولو على النفس، بدون زيادة ولا نقصان وهذا من التجرد الذي نحن بحاجة إليه وخاصة في هذا الزمن. من قول كعب - رضي الله عنه - :( كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ).
14- وفيه أيضاً جواز الحلف عند الحاجة. من قوله - رضي الله عنه - :( وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ ).(1/18)
15- جواز التورية للحاجة، وهي أن يقول القائل كلاماً يقصد به شيئاً ويفهم السامع منه شيئاً آخر. من قوله - رضي الله عنه - :( وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّي بِغَيْرِهَا).
16- الحنكة العسكرية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمتع بها، فهو يوري لأجل أن لا يصل الخبر إلى العدو فيأخذ أهبته واستعداده، بل كان يحافظ على أسرار سير جيشه - صلى الله عليه وسلم - حتى يباغت عدوه، وينال ما يريد. من قوله - رضي الله عنه - :( وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّي بِغَيْرِهَا).
17- أسلوب التصريح في معالجة الأخطاء، أشبه ما يكون بالعلاج فلا يستخدم إلا عند الحاجة إليه، لكن بعض الناس يظن بأنه لابد من التصريح دائماً في علاج الأخطاء، وما علم أن من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعالج بالتلميح، حفاظاً على مودة أصحابه. من قوله - رضي الله عنه - :(حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ).
18- يجب الجهاد وجوباً عينياً إذا استنفر الإمام الناس للجهاد، وهذه حالة من حالات وجوب الجهاد العيني. من قوله - رضي الله عنه - :( فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ) أي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فتجليتها لهم أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بالاستعداد والتأهب للخروج فيها.
19- وفيه أيضاً مشروعية الإعداد للجهاد وأخذ الحيطة في ذلك.(1/19)
20- تربية الأتباع على المراقبة الدائمة لله - عز وجل - في السر والعلن، أسلوب ناجع لحل كثير من أمراض الأمة صغرت أم كبرت. من قول كعب - رضي الله عنه - :( فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفي لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ).
21- على القائد والمربي أن يكون قدوة للأتباع في كل عمل، فهذا رسول البرية - صلى الله عليه وسلم - يتقدمهم في هذه الغزوة العظيمة. من قوله - رضي الله عنه - :( وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ).
22- تقديم ما يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما تحب النفس من قوله:( وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ).
23- الحرص والاجتهاد على تهيئة النفس على العبادة، فكثير من العبادات يشرع أن يتهيأ لها العبد فالصلاة بالطهارة، والصيام بالسحور وغيرها، فإذا جاءت العبادة كانت النفس مستعدة للإتيان بها على أكمل وجه. من قوله - رضي الله عنه - :( وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ).(1/20)
24- خطورة التسويف وأنه يفسد على العبد أمر دينه ودنياه؛ يقول ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في صيد خاطره:( إياك والتسويف فإنه أعظم جنود إبليس)، ويقول أبو حامد الغزالي كما في الإحياء:(إن التسويف يسبب أربعة أشياء: ترك الطاعة والكسل فيها، وترك التوبة وتأخيرها، والحرص على الدنيا والاشتغال بها، وقسوة القلب ونسيان الآخرة). من قوله - رضي الله عنه - :(فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ في نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ).
25- على المسلم أن يسارع في الطاعات، ويحرص على أدائها بدون تردد. من قوله - رضي الله عنه - :( وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ).
26- الاحتجاج بالقدر يكون في المصائب لا في المعائب، فإذا أصيب العبد بمصيبة فيجوز له أن يحتج بالقدر عليها، أم الاحتجاج بالقدر على الذنوب والمعاصي فلا. من قوله - رضي الله عنه - :( فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ).
27- التحسر على ترك الطاعات، ولوم النفس عليها يدل على صحة القلب. من قوله - رضي الله عنه - :( فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّى لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ).(1/21)
28- أزهد الناس في الطاعات والقربات هم أهل النفاق، الذين يلقون المعاذير كذباً وزوراً. من قوله - رضي الله عنه - :( أَحْزَنَنِي أَنِّى لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ).
29- إعذار الله - عز وجل - للضعفاء عن الجهاد في سبيله. من قوله - رضي الله عنه - :( أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ).
30- على القادة والمربين أن يجالسوا الناس ويخالطوهم ويسألوا عن حالهم، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس مع أصحابه ويحدثهم ويسأل عن حالهم. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ).
31- تفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، ومنه مشروعية متابعة الداعية للمدعويين، والسؤال عنهم وتفقد حالهم. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكَ « مَا فَعَلَ كَعْبٌ »).
32- على المسلم أن يحرص أن لا يجعل نفسه في مواطن التُهم، فهذا الرجل لما علم من كعب - رضي الله عنه - أنه ليس من أهل الأعذار اتهمه بالتخلف، وتعلقه بالدنيا. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ).
33- وفيه أيضاً عدم إساءة الظن بالناس، وإلصاق التهم بهم بدون بينة.
34- خطورة الغيبة، وأنها كبيرة من كبائر الذنوب كما ذكر الله - عز وجل - ، وبين خطرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . من قول الرجل عن كعب - رضي الله عنه - :( حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ).(1/22)
35- الذب والرد عن أعراض المسلمين من أسباب رد الله النار عن وجه العبد يوم القيامة؛ فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » أخرجه الإمام أحمد(6/449)، والترمذي (1931) وقال عنه :(هذا حديث حسن)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(11207). وهذا ظاهر من فعل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما قال:( بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا).
36- إحسان الظن بالمسلمين – وهو الأصل -، ومنه قول معاذ - رضي الله عنه - : (وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا).
37- إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - بأنه لا يعلم عن كعب - رضي الله عنه - إلا خيراً. من قوله - رضي الله عنه - :( فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ).
38- وفيه أيضاً إغلاق باب الجدال والنقاش إذا كانت المصلحة تقتضيه، ومن ذلك سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد يكون للرجل مقالاً، وقول معاذ - رضي الله عنه - حق، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إغلاق باب الجدال والنقاش. من قوله - رضي الله عنه - :(فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ).
39- إن النظر في العواقب يقي الإنسان من الوقوع في كثير من الأخطاء الدينية، والدنيوية، فلو نظر القاتل في عاقبة القتل، وأنه سيقتل لما أقدم على فعله ذاك. من قوله - رضي الله عنه - :( فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا).(1/23)
40- أهمية الشورى في الإسلام، بشرط أن يكون المستشار أميناً، وناصحاً، وذو رأي. من قوله - رضي الله عنه - :(وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي).
41- العزم على قول الصدق في كل الأحوال، فالصدق منجاة، وحبل الكذب قصير – كما قيل -. من قوله - رضي الله عنه - :( فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّى الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ).
42- السنة أن الإنسان لا يطرق أهله ليلاً، فعن جابر - رضي الله عنهم - قال:( نَهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلاً) أخرجه البخاري(1801)، ومسلم(5078). من قوله - رضي الله عنه - :( وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا).
43- السنة للقادم من سفر أن يبدأ بمسجد محلته فيصلي فيه ركعتين ثم يذهب إلى أهله بعد ذلك. من قوله - رضي الله عنه - :( وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ).
44- يستحب لمن كان ذو هيئة أن يجلس للناس حال قدومه من سفر حتى يُسلَّم عليه، ويتفقد حالهم، فتقديم المصالح العامة أولى من المصالح الخاصة. من قوله - رضي الله عنه - :( ثُمَّ جَلَسَ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ).
45- على الإنسان إذا فعل ما يعاب عليه أن يبين مراده من فعله، أو يعتذر عنه بشرط الصدق. من قوله - رضي الله عنه - عمن تخلف عن الغزوة:( فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ).
46- الجهاد واجب على الرجال دون النساء، فالنساء عليهن جهاد لا قتال فيه ألا وهو الحج والعمرة كما ثبت ذلك عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -. من قوله - رضي الله عنه - :( وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً ).(1/24)
47- قبول معاذير المنافقين ونحوهم ما لم يترتب على ذلك مفسدة. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ).
48- الأصل في التعامل مع الناس أن يعاملوا بظواهرهم، وتوكل سرائرهم إلى الله - عز وجل - . من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلاَنِيَتَهُمْ).
49- إن التدخل في النيات واتهامها لهو من الافتراء والكذب والظلم، والله - عز وجل - لم يأمرنا بالتعامل مع البواطن والنيات، بل أمرنا بمعاملة الظواهر والأعمال، وتوكل النيات إلى عالمها – سبحانه -. من قوله - رضي الله عنه - :(َبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ).
50- استعمال بعض الإشارات، وبعض حركات الجوارح دون الكلام في علاج بعض الأخطاء أسلوب نبوي رائع. من قوله - رضي الله عنه - :( فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ)، وفيه أن التبسم قد يكون عن غضب، كما قد يكون عن تعجب.
51- من آداب المحادثة أن تستقبل من تحدثه بكليتك، ولا تلتفت عنه يمنة ويسره وهو يحدثك. من قوله - رضي الله عنه - :(فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ).
52- من آداب المناصحة والمصارحة أن تكون على خلوة من الناس، إلا إذا اقتضت المصلحة غير ذلك؛ فهذا كعب بن مالك - رضي الله عنه - جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بحضرة الصحابة، لأنهم - رضي الله عنهم - يعلمون تخلفه عن الغزوة. من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لي:« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ »).(1/25)
53- الاستيضاح والمصارحة منهج نبوي مع المخالف، دون تعنيف ولا تجريح، فبالاستيضاح يظهر للإنسان حقيقة الأمر، وبالمصارحة تُحلُ جميع الإشكالات. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَالَ لي - صلى الله عليه وسلم - :« مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ». فَقُلْتُ: بَلَى).
54- الإجابة تكون دائماً على قدر السؤال، ثم يبين الإنسان ما يريد بعد ذلك، إلا إذا اقتضت المصلحة خلاف ذلك. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقُلْتُ: بَلَى).
55- إن استقطاع الحقوق والخلوص من الخلق بالحجة والجدل الكاذب لا ينفع العبد بل هو مما يضره، ومنه ما جاء من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:« إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي نَحْوَ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ » أخرجه البخاري(7169)، ومسلم(4570).من قوله - رضي الله عنه - :( وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً).
56- من طلب رضا الناس بسخط الله - عز وجل - سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. من قوله - رضي الله عنه - :(َلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ).
57- الرجاء ركيزة من ركائز العبودية التي لا يصح سير العبد إلى الله – تعالى – إلا به مع الخوف والمحبة. من قوله - رضي الله عنه - :( إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّه).(1/26)
58- تزكية النبي - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن مالك - رضي الله عنه - . من قوله - صلى الله عليه وسلم - :« أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ».
59- الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراء، ويتلقى أوامره ونواهيه من ربه - عز وجل - . من قوله - صلى الله عليه وسلم - :«فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ».
60- جواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن عليه الفتنة. من قول قوم كعب - رضي الله عنه - له:( َقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا).
61- وفيه أيضاً عدم الاستهانة بالذنوب، ولو كان ذنباً واحداً، فإن بعض الذنوب تكون هلكة العبد – والعياذ بالله – فيها.
62- على المسلم أن لا يجالس من يزين له المعصية، أو من يزين له الباطل، ولو كان أقرب قريب، فإنهم قد يكونوا سبباً في إضلاله وإغوائه. من قوله - رضي الله عنه - :( فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي ).
63- التأسي بالصالحين، وسلوك سبيل المؤمنين من أعظم ما يعن العبد على الثبات على دين الله - عز وجل - ، والبعد سبيل المجرمين.من قوله - رضي الله عنه - :( فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ).
64- إذا تيقن العبد أنه على الطريق الحق، والصراط المستقيم، وأنه قد سبق فعليه أن يمضي ولا يلتفت للصوارف والعوارض الأرضية. من قوله - رضي الله عنه - :( فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي).
65- الهجر أسلوب نبوي، وتربوي ناجع، فيستخدم إذا اقتضته المصلحة، وليس على الإطلاق، من قوله - رضي الله عنه - :( وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ).(1/27)
66- مشروعية هجران أهل البدع، والمعاصي الظاهرة أكثر من ثلاث إذا كان فيه مصلحة شرعية، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر كعب بن مالك وصاحبيه أكثر من ثلاث، لكن كان لمصلحة شرعية. من قوله - رضي الله عنه - :(وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ).
67- الاستجابة التامة لأمر الله - عز وجل - ، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فالصحابة - رضي الله عنهم - ما إن سمعوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهجر هؤلاء الثلاثة حتى استجابوا لذلك استجابة تامة. من قوله - رضي الله عنه - :( فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا).
68- عِظَمُ البلاء الذي أصاب كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم - . من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً).
69- إذا وجد العبد من أصحابه وإخوانه جفوة، وصدود فلا يحملنَّه ذلك على ترك الحقوق والواجبات. من قوله - رضي الله عنه - :( فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ).
70- إن مسارقة النظر في الصلاة لا يقدح في صحتها، لكنه ينقصها. من قوله - رضي الله عنه - :( ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ).(1/28)
71- لابد للداعية من الحزم في التعامل مع المدعوين وخاصة في القضايا المهمة، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل مع كعب - رضي الله عنه - بحزم، فكان لا يرد عليه السلام، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن من طبعه مثل هذا التعامل. من قوله - رضي الله عنه - :(َآتِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَليَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ).
72- على الداعية والمربي أن يهتم بإخوانه ويرحمهم، ويتفقد أحوالهم حتى وإن كانوا في فترة التربية، التي هي فترة الإعداد الديني والثقافي والتربوي، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أقبل كعب على صلاته التفت إليه الرحمة المسداه - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا أقبل عليه كعب أعرض عنه. من قوله - رضي الله عنه - :(َإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي).
73- إن من لوازم التربية أن المربي قد يحتاج إلى القسوة أحياناً على من يحب، وصدق القائل:
قسا ليزدجروا، ومن كان محباً *** فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع محبته لكعب بن مالك - رضي الله عنه - إلا أنه يعرض عنه. من قوله - رضي الله عنه - :( وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي).
74- جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه، ومن غير الباب إذا تيقن رضاه، وأمن أن ترى عينه ما حرم الله - عز وجل - . من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ).(1/29)
75- الإكثار من سؤال الله - عز وجل - العافية، فهذا كعب - رضي الله عنه - بلغ به البلاء مبلغه حتى أنه تسور حائط لأبي قتادة - رضي الله عنه - . وقد كان النبي يوصي أقرب الناس له وهو عمه العباس - رضي الله عنه - بسؤال الله العافية، فقد جاء من حديث العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله - عز وجل - قال:« سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي:« يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » أخرجه الإمام أحمد (1/209)، والترمذي(3514) وقال عنه:(هذا حديث صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7938). من قوله - رضي الله عنه - :(حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِى قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ).(1/30)
76- من أعظم صفات أهل الإيمان الحب في الله والبغض فيه، وموالاة المؤمنين وبغض الكافرين، فمع ما بين كعب وأبي قتادة من المحبة، والأخوة إلا أنه لما صار فيه ولاءٌ وبراء، لم يكلم أبو قتادة كعب - رضي الله عنه - ، بل انصرف عنه. من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).
77- جواز الذهاب إلى الأسواق، والمشي فيها حتى لو لم يكن لحاجة، مع العلم أنها من أبغض الأراضي إلى الله - عز وجل - ، وأماكن الفتن فيحذر المسلم منها. من قوله - رضي الله عنه - :( فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ).
78- الأصل في التعامل مع الكفار في البيع والشراء الجواز. من قوله - رضي الله عنه - :(إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ).
79- إن أعداء الله من الكفار والمنافقين لا يألون جهداً في استغلال الفرص في حرب الإسلام والمسلمين والنيل منهم. من قوله - رضي الله عنه - :(حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِليَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ).(1/31)
80- على المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد، وأن يستعين بالله على تحمله، فقد يكون البلاء بالضراء، وقد يكون بالسراء، فهذا كعب - رضي الله عنه - تأتيه رسالة من مالك غسان، فأصبح الملوك يرسلونه، ومع ذلك يعد ذلك من البلاء، ويصبر على اللأواء، مع أنه - رضي الله عنه - في زمن هجر. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ).
81- إن من أعظم أسباب الثبات على هذا الدين المفاصلة مع الباطل، وأهله. من قوله - رضي الله عنه - :(فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا).
82- وفيه أيضاً جواز إحراق ما فيه اسم الله للمصلحة.
83- سرعة الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أحرج المواقف، فهذا كعب مع ما هو فيه من البلاء، يأتيه الأمر باعتزال أهله، فيسارع في الاستجابة، بل ويسأل هل يطلقها؟ فلو أمر بذلك لكان من أسرع الناس للاستجابة، فيُؤمر باعتزالها دون طلاق. من قوله - رضي الله عنه - :(حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا).
84- إن قوله - رضي الله عنه - لامرأته:( الْحَقِي بِأَهْلِكِ) من ألفاظ الطلاق غير الصريح، فهو من ألفاظ الكناية، لكنه هنا لا يقع لأنه لم ينو به الطلاق.
85- جواز خدمة المرأة زوجها برضاها. من قول امرأة هلال بن أمية – رضي الله عنها - :( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ:« لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ»).(1/32)
86- عدم التصريح بألفاظ الجماع أدب قرآني ونبوي، فينبغي للمسلم أن يستخدم الكنايات دون التصريح في هذا الباب، ويتأدب بأدب القرآن والسنة. من قوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة هلال:( « لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ »؛ قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ).
87- شدة الندم على الذنب دليل على صدق التوبة. من قول زوجة هلال بن أمية - رضي الله عنه - :( وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا).
88- على المسلم أن يجتنب كل ما هو سبب ووسيلة للوقوع في المحذور. من قوله - رضي الله عنه - لما قال له بعض أهله استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك أن تخدمك كما فعلت امرأة هلال - رضي الله عنه - فقال:( وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ).
89- من عوقب بالهجر يعذر في التخلف عن صلاة الجماعة. من قوله - رضي الله عنه - :( فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا).
90- إن عظم الأجر على عظم البلاء، ويبتلى المرء على قدر إيمانه، فإن صبر ورضي فله الرضا، وإن سخط فعليه السخط. من قوله - رضي الله عنه - :( فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ).(1/33)
91- إن اشتداد البلاء دليل على قرب الفرج، فما بعد الليل إلا الفجر، ولا بعد العسر إلا اليسر، ولا بعد الضيق إلا الفرج. من قوله - رضي الله عنه - :( فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ).
92- إن من أساسات الرحمة والمحبة بين المسلمين سرور تدخله على قلب أخيك المسلم، بل هو من أعظم القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله ـ تعالى ـ في تعامله مع المسلمين. من قوله - رضي الله عنه - :( سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفي عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ).
93- مشروعية سجود الشكر، وذلك عند حصول النعم وتجددها. من قوله - رضي الله عنه - :( فَخَرَرْتُ سَاجِدًا).
94- عدم اليأس من روح الله، فإن اليأس من أعظم أسباب البعد عن رحمة الله - عز وجل - ، قال تعالى على لسان يعقوب - عليه السلام - بعد ما أصابه من البلاء ما أصابه من فقد يوسف وأخيه: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف:87]. من قوله - رضي الله عنه - :( وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ).
95- من آداب الحديث مع الناس أن يخفض الإنسان صوته، ولا يرفعه إلا للحاجة. من قوله - رضي الله عنه - :( سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ).(1/34)
96- استحباب إعطاء المُبشِّر بشارة لنقله للخبر السَّار، فنقل الخبر السَّار من صنع المعروف للناس، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:« وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ » أخرجه الإمام أحمد(2/68)، وأبو داود(1674)، والنسائي(2579)، وصححه الألباني كما في الإرواء(1617). من قوله - رضي الله عنه - :(فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ).
97- تخصيص اليمين بالنية. من قوله - رضي الله عنه - :( وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ) مع أنه يملك مالاً فهو تصدق به، لكنه يريد من الثياب ونحوها مما يخلع، ويليق بالتبشير.
98- استحباب العارية، وهي أن يعطي شخصٌ آخر شيئاً ينتفع به، ويرده من غير مقابل.من قوله - رضي الله عنه - :( وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا).
99- استحباب التبشير والتهنئة لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك. من قوله - رضي الله عنه - :( فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ).
100- مشروعية التهنئة بالتوبة، وأي شيء أعظم من التوبة. من قوله - رضي الله عنه - :( فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ).
101- استحباب اجتماع الناس عند إمامهم وكبيرهم في الأمور المهمة، من بشارة، ومشورة وغيرهما. من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ).(1/35)
102- لا بأس من القيام لمن تجددت له نعمة دينية أو دنيوية لتهنئته بذلك، وكذلك القيام للسلام، أو لإجلاسه مكانه، أو غير ذلك من غير تعظيم. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ يُهَرْوِلُ).
103- استحباب المصافحة عند التلاقي، وهي سنة بلا خلاف. من قوله - رضي الله عنه - :( حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي).
104- عدم نسيان إحسان الخلق، وفضائل الناس، وخاصة من تربطك بهم صلة الإخوة في الله - عز وجل - ، فهذا كعب - رضي الله عنه - لم ينس لطلحة - رضي الله عنه - قيامه له وفرحته بما أنعم الله به على كعب من التوبة، وتهنئته بذلك. من قوله - رضي الله عنه - :( فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ).
105- وفيه أيضاً فن استغلال الفرص، فعلى المسلم أن يستغل كل فرصة تسنح له، فهذا طلحة انتهز هذه الفرصة وكان من كعب بمنزلة عظيمة.
106- الفرح للمؤمنين بما أنعم الله عليهم به من النعم، والحزن على ما أصابهم من المصائب من صفات أهل الإيمان. من قوله - رضي الله عنه - :(فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ) فهذه رحمته - صلى الله عليه وسلم - وشفقته بأمته، فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم.
107- من صفاته - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا سُّر استنار وجهه. من قوله - رضي الله عنه - :(َكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ).(1/36)
108- مشروعية تقديم أعمال البر بين يدي التوبة. من قوله - رضي الله عنه - :( إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ).
109- وفيه أيضاً استحباب الصدقة شكراً للنعم المتجددة، لا سيما ما عظم منها.
110- على المسلم أن لا يكلف نفسه ما لا طاقة له به. من قوله - صلى الله عليه وسلم - :(« أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ »).
111- خطورة الكذب، وأنه من الكبائر التي قد تردي العبد – والعياذ بالله –، وإن من أعظم الكذب، الكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال - عز وجل - : { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [يونس:69]. من قوله - رضي الله عنه - :( إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ).
112- وفيه أيضاً أنه يستحب لمن تاب بسبب من الخير أن يحافظ على ذلك السبب. من قوله - رضي الله عنه - :( وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ).
113- أن من نذر أن يتصدق بكل ماله لم يلزمه إخراجه جميعه. من قوله - رضي الله عنه - :(إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ).
114- وفيه أيضاً أنه يستحب لمن رأى من يريد أن يتصدق بكل ماله، ويخاف عليه أن لا يصبر على ذلك أن ينهاه عن ذلك، ويشير عليه أن يبقي شيئاً له ولأهله.
115- إحسان الظن بالله مع العمل، فالله - عز وجل - عند حسن ظن عبده المؤمن به. من قوله - رضي الله عنه - :( وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ).(1/37)
116- الاعتماد على الله - عز وجل - في جميع الأعمال، وطلب العون منه في صلاحها. من قوله - رضي الله عنه - :( وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ).
117- إن هذه القصة هي سبب نزول قوله تعالى: { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } إلى قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } كما ذكر ذلك كعب بن مالك - رضي الله عنه - .
118- إن من أعظم النِّعم على الإطلاق التي يمتن الله بها على العبد هي الهداية لهذا الدين، فلهذا ينبغي للمسلم أن يكثر من دعاء الله أن يثبته على الدين، ويشكر الله - عز وجل - عليها. من قوله - رضي الله عنه - :( فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ).
119- إن من أعظم أسباب الهلاك الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياً كان أو ميتاً. من قوله - رضي الله عنه - :( فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ).(1/38)
120- على المسلم أن يتمسك بالحق ولو كان وحده، ولا يغتر بكثرة الهالكين، ولينظر إلى الناجي كيف نجا، ولا ينظر لمن هلك كيف هلك، فهذا كعب وصاحباه - رضي الله عنهم - تمسكوا بالصدق، يوم أن كثير ممن تخلف أعتذر كذباً وزوراً، وظن الناس نجاتهم، فكانت العاقبة للمتقين. من قوله - رضي الله عنه - :( وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ).
121- معنى التخلف في قوله - عز وجل - : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ } ليس المراد به التخلف عن الغزوة، والمراد كما قال كعب - رضي الله عنه - :( لَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ).
تمت بِحَمْدِ اللهِ وَحْدَه
- - -
الخاتمة
وفي الختام أحمد الله وحده على ما من به من هذه الفوائد التي فتح بها، ولولاه لما استطاع العبد فك كلمة، فله الحمد والشكر، والثناء الحسن.
كما لا ادعي أني استنبطت كل ما في القصة من الفوائد لكن حسبي أني اجتهدت في ذلك، فإن أصبت فمن الله المنان، وإن أخطأت فمن نفسي الظالمة الجهولة.
وأقول أخيرا:ً يا من اطلع على هذه الفوائد لا تحرم كاتبها من النصيحة، ونفسك من العمل، وغيرك من الفائدة، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
كان الختام من هذه الفوائد الحسان في ليلة
الخامس عشر من شهر رمضان من
عام سبعة وعشرين وأربع مئة
وألف من هجرة سيد
ولد عدنان - عليه السلام - .
- - -
محتويات رسالة الفوائد العذاب من قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه -
الموضوع ... ... رقم الصفحة
المقدمة......................................................................6(1/39)
نص الحديث.......................................................................7
تخريج الحديث....................................................................11
غريب الحديث...................................................................11
ترجمة كعب بن مالك - رضي الله عنه - .........................................................12
الفوائد المنتقاة من القصة......................................................... 13
الفهرس........................................................................30
- - -(1/40)