نعيم الجنة وعذاب النار
في القرآن والسنَّة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسُّنَّة
علي بن نايف الشحود
(( حقوق الطبع متاحة لجميع الهيئات العلمية والخيرية ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} [الحشر/18-20]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، وَأَنْ يَتْرُكُوا مَا نَهَاهُم عَنْهُ ، وَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحدٍ مِنْهُمْ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَل صَالِحٍ يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ يَوْمَ الحِسَابِ ، ثُمَّ يُؤْكِّدُ تَعَالى الأَمْرَ بِتَقْوَاهُ ، مُبَيِّناً أَنَّهُ عَلِيمٌ بِأْحْوالِ العِبَادِ ، جَمِيعِهَا ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا .
وَلاَ يَكُنْ حَالُكُمْ كَحَالِ قَوْمٍ نَسُوا ذِكْرَ اللهِ فَأَنْسَاهُمُ اللهُ العَمَلَ الصَّالِحَ الذِي يَنْفَعُهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ ، وَيُنْقِذُ أَنْفُسَهُمْ يَوْمَ الحِسَابِ مِنَ العَذَابِ . وَهَؤُلاَءِ الذِينَ نَسُوا اللهَ ذَكْرَهُ ، وَفِعْلَ الخَيْرِ ، هُمُ الفَاسِقُونَ الخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى .
وَلاَ يَسْتوِي فِي حُكْمِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الجَنَّةِ ، وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ بِرِضْوَانِ اللهِ وَجَنَّتِهِ .
وقد قابل تعالى بين الجنة والنار ، فقال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران/185]
وقال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد/15]
وقال تعالى :{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم/34-36]
هذا وقد منَّ الله تعالى عليَّ فكتبت كتابين مطوَّلين الأول حول هذا الموضوع
الأول- (( الخصال الموجبة لدخول الجنة في القرآن والسُّنَّة )).
والثاني (( الخِصالُ الموجبةُ لدخول النار في القرآن والسنة )) .
وفي هذا الكتاب قد تكلمت عن صفة الجنة ونعيمها الدائم ، وعن صفة النار وعذابها وسمومها ،بشكل مفصل ، فجمعت جلَّ ما ورد في القرآن والسنَّة النبوية ، وقد قسمته لبابين :
الباب الأول - نعيم الجنة في القرآن والسنَّة
وتحته اثنان وأربعون مبحثاً
الباب الثاني -عذاب النار في القرآن والسنَّة
وتحته ثلاثة وأربعون مبحثا
وقد قمت بشرح الآيات القرآنية بشكل مختصر ، وبشرح غريب الحديث ، والتعليق على بعض ما يلزم .
وقد سلكت فيه مسلك المعتدلين في قبول الأخبار ، وغالبها يدور بين الصحيح والحسن ، وفيه بعض الضعيف المتمم لهما ، واستبعدت الأحاديث الواهية والمنكرة فما دونهما ، والتي قد كثرت بها كتب الترغيب والترهيب .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة ،بمنِّه وكرمه، وأن يقينا عذاب النار . آمين.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ».أخرجه مسلم( 7266 )
وكتبه
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
في 8 رمضان 1429هـ الموافق 8/9/2008م
- - - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول
صفة نعيم الجنة في القرآن والسنَّة
وقد قسمته للمباحث التالية :
المبحث الأول -حُفَّت الجنة بالمكاره
المبحث الثاني -الترغيب في الجنة ونعيمها
المبحث الثالث-أسماءُ الجنَّة
المبحث الرابع-أول من يدخلون الجنة وصفاتهم ...
المبحث الخامس-آخر من يدخل الجنة من الموحدين
المبحث السادس-بعض من نص على أنهم من أهل الجنة
المبحث السابع-أسياد أهل الجنة
المبحث الثامن-في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ
المبحث التاسع-فيما لأدنى أهل الجنة فيها
المبحث العاشر-في درجات الجنة
المبحث الحادي عشر-أبوابُ الجنة
المبحث الثاني عشر-خزنة الجنة ...
المبحث الرابع عشر-في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك
المبحث الخامس -خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها
المبحث السادس عشر -نور الجنة
المبحث السابع عشر-ريح الجنة
المبحث الثامن عشر-أهل الجنة يرثون أهل النار
المبحث التاسع عشر -في أنهار الجنة
المبحث العشرون-في شجر الجنة وثمارها
المبحث الواحد والعشرون -في أكل أهل الجنة
المبحث الثاني والعشرون -شراب أهل الجنة
المبحث الثالث والعشرون -أنهار الجنة
المبحث الرابع والعشرون -عيون الجنة
المبحث الخامس والعشرون-آنية الجنة
المبحث السادس والعشرون -لباسُ أهل الجنة وحُليّهم
المبحث السابع والعشرون-أطفال المؤمنين في الجنة ...
المبحث الثامن والعشرون-أكثر أهل الجنة
المبحث التاسع والعشرون-مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة
المبحث الثلاثون-في فرش الجنة
المبحث الواحد والثلاثون-غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم
المبحث الثاني والثلاثون-في وصف نساء أهل الجنة
المبحث الثالث والثلاثون-نساء الدنيا
المبحث الرابع والثلاثون-العشرة المبشرون بالجنة
المبحث الخامس والثلاثون-في غناء الحور العين
المبحث السادس والثلاثون-في سوق الجنة
المبحث السابع والثلاثون-في تزاورهم ومراكبهم
المبحث الثامن والثلاثون-في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى
المبحث التاسع والثلاثون-في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى ...
المبحث الأربعون-أماني أهل الجنة
المبحث الواحد والأربعون-في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
المبحث الثاني والأربعون - في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها.
المبحث الأول
حُفَّت الجنة بالمكاره
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ».(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ ، إِلاَّ دَخَلَهَا ، فَحَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلُهَا أَحَدٌ ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ ، قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ ، فَيَدْخُلُهَا ، فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا.(2)
ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل-عليه السلام- عندما رأى ما أعده الله تعالى من النعيم المقيم لعباده في الجنة,ظنّ أن كل من يسمع بالجنة ونعيمها سيعمل من أجل أن يدخلها, لذا قال" فوعزتك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها".
بعد أن قال جبريل- عليه السلام- ذلك, أمر الله تعالى بالجنة فحفّت بالمكاره, ثمّ قال لجبريل:ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها, فرجع إليها,فإذا هي قد حفّت بالمكاره .فعلم بذلك أنّه لم يعد الطريق إليها سهلاً, بل هو طريق وعرٌ محفوف بالمتاعب والآلام والدموع والعرق والدم والتضحيات, وبذل كل ما في الوسع, ليس طريقًا مليئًا بالمتع والشهوات والنزوات, فمن أراد الجنة ونعيمها فليوطِّن نفسه لتحمل هذه المكاره التي حُفت بها الجنة- وهي الأمور التي تكرهها النفس لمشقتها- فلا يصل إلى الجنة أحدٌ إلا إذا تجرَّع من غصص هذه المكاره التي تحيط بها, ففي الحديث الشريف قد شبه حال التكاليف الشاقة على النفس-التي حُفت بها الجنة-والتي ينبغي على من يريد الجنة أن يؤديها ويقوم بها خير قيام كالصبر على المحن والبلايا والمصائب, والصبر على الطاعات التي تشق على النفس كالجهاد في سبيل الله وغير ذلك, شبّه كل ذلك بحال أسوار ٍكثيفةٍ من الأشواك التي يكمن فيها كل حيوان ضارٍّ من الوحوش والحيات والعقارب, وهذه الأسوار الكثيفة الكريهة محيطة ببستان ٍعظيم ٍتلتف به من كل مكان بحيث لا يستطيع أن يصل أحدٌ إلى هذا البستان ولا يحظى بالتنعم بما فيه إلا بعد أن يتخطى هذه الأسوار البغيضة, ويتجشم المشاق التي تلحقه حين سلوكه فيها,ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جهادٍ طويل شاق,وصبر ٍدائم, كذلك الجنة لا ينالها ويحظى بنعيمها الدائم إلا من تخطى شدائد دنياه, مجاهدًا نفسه,صابرًا على ما يصيبه, راضيًا بقضاء الله تعالى,قائمًا بتكاليف الإسلام خير قيام,مضحيًا بالنفس والمال في سبيل نيل مطلوبه,فالجنة هي الثمن الذي اشترى الله به نفوس المؤمنين وأموالهم, قال تعالى: ( إنّ اللهَ اشترى من المؤمنين أنفُسَهمْ وأموالَهمْ بأنَّ لهمُ الجنّة َيُقاتِلون في سبيل ِاللهِ فيَقتُلونَ ويُقتَلونَ وعْدًا عليهِ حقًا في التوراةِ والإنجيل ِوالقرآن ِومَنْ أَوْفَى بعهدِهِ مِنَ اللهِ فاسْتَبشِرُوا بِبَيْعكمُ الذي بايَعْتُمْ به وذلك هو الفوزُ العظيمُ) {التوبة:111} قال شمر بن عطية:ما من مسلم ٍإلا لله عزّ وجلّ في عنقه بيعة, وفَّّى بها أو مات عليها ثمّ تلا الآية السابقة(3).
بل أكدَّ الله تعالى الوعد الذي ذكره في هذه الآية وأخبر بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه العظيمة : التوراة والإنجيل والقرآن, ثمّ بشَّر من قام بمقتضى هذا العقد, ووفََّّى بهذا العهد بالفوز العظيم والنعيم المقيم.
ورحم الله من قال:
يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة ً......... بل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان ِ
يا سلعة الرحمن ليس ينالُها ......... في الألفِ إلا واحدٌ لا اثنان ِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري........ِ . فلقد عُرِضتِ بأيسر الأثمان ِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ٍ......... فالمهرُ قبل الموتِ ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لولا أنَّها ......... حُجِبَتْ بكلِّ مكاره ِالإنسان
ِما كان قطُّ من متخلفٍ ......... وتَعَلتْ دارُ الجزاءِ الثاني
لكنَّها حُجِبَتْ بكلِّ كريهةٍ.......... ليُصدَّ عنها المبطلُ المتواني
وتنالها الهممُ التي تَسْمُو ........ إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن ِ
فاتْعَبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى ......... تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني
ولنذكر- الآن- طرفًا من بعض التكاليف التي قد حُفَّت بها الجنة مع مشقتها على النفس:
1-الجهاد في سبيل الله:
وهو فرض كفاية على المسلمين ليكفُّوا شرَّ الأعداء عن حوزة الإسلام, ولنشر تعاليم الدين السمحة, وفضله عظيم،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ { مَعَ مَا نَالَ } مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ »(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَإِيمَانًا بِى وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِى فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ »(5). الكلم : الجرح
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ »(6).
وهو مع فرضيته وفضيلته إلا أنه مكروه على النفس, وذلك لأنَّ فيه مشقة وشدة, فإنَه إما أن يُقتل الإنسان أو يجرح, مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء, ومع أن النفس تكرهه إلا أنه خيرٌ لها, لذا قال تعالى: ( كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كُرْهٌ لَّكُم وعَسى أنْ تَكرهوا شَيْئًا وهو خَيرٌ لَّكم وعسى أنْ تُحبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون) {البقرة:216}.
كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِنْفَاقِ عَلَى اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ لِحِمَايَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ دَاخِلِهِ ، كَذلِكَ فَرَضَ اللهُ الجِهَادَ عَلَى المُسْلِمِينَ ، وَمُحَارَبَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ ، لِيَكُفُّوا عَنْ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ شَرَّ أَعْدَائِها . وَالجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الأُمَّةِ سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ ، وَالجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ غَزا أَوْ قَعَدَ ، فَالقَاعِدُ عَلَيهِ أَنْ يُعينَ إِذا اسْتَعَانَ بِهِ النَّاسُ ، وَأَنْ يُغيثَ إِذَا اسْتَغَاثُوا بِهِ ، وَأَنْ يَنْفِرَ إِذا اسُتُنْفِرَ .
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى : أَنَّ الجِهَادَ فِيهِ كُرْهٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الأَنْفُسِ ، مِنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ ، إِلَى مَخَاطِرِ الحُرُوبِ وَمَا فِيهَا مِنَ جَرْحٍ وَقَتْلٍ وَأَسْرٍ ، وَتَرْكٍ لِلْعِيَالِ ، وَتَرْكٍ لِلتِّجَارَةِ وَالصَّنْعَةِ وَالعَمَلِ . . إلخ ، وَلكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الخَيْرُ لأَنَّهُ قَدْ يَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِالأَعْدَاءِ ، وَالاستِيلاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَبِلاَدِهِمْ . وَقَدْ يُحِبُّ المَرْءُ شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَهُ ، وَمِنْهُ القُعُودُ عَنِ الجِهَادِ ، فَقَدْ يَعْقُبُهُ استِيلاءُ الأَعْدَاءِ عَلَى البِلادِ وَالحُكْمِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُها العِبَادُ .
2-الصبر على النوائب, والرضا بقضاء الله:
قال تعالى: (أَمْ حَسِبتمْ أن تَدْخلُوا الجنَّة َوَلَمَّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين){آل عمران:142}
وَلاَ تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَكُمُ اللهُ تَعَالَى وَيُمَحِّصَكُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالجِهَادِ لِيَرَى صِدْقَ إيمَانِكُمْ ، وَيَرَى مَنْ يَسْتَجِيبُ للهِ ، وَيُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ ، وَقِتَالِ أًَعْدَائِهِ ، وَيَصْبِرُ عَلَى مَكَارِهِ الحُرُوبِ .
وقال تعالى: (أَمْ حَسبْتُمْ أن تَدْخُلوا الجنَّة َوَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قبلِكم مَّسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضراءُ وزُلْزِلُوا حتى يقولَ الرسولُ والذين آمنُوا مَعَهُ مَتَى نصرُ اللهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللهِ قريبٌ){البقرة:214}
يُخَاطِبَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ هَدَاهُمْ إِلى السِّلْمِ ، وَإِلَى الخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الاخْتِلاَفِ ، إِلى نُورِ الوِفَاقِ ، بِاتِّبَاعِهِمْ هُدَى الكِتَابِ زَمَنَ التَّنْزيلِ ، الذِينَ يَظُنُّونَ مِنْهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ فِيهِ الكِفَايَةُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّدَائِدَ وَالأَذَى فِي سَبيلِ الحَقِّ ، وَهِدَايَةِ الخَلْقِ ، جَهْلاً مِنْهُمْ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الهُدَى مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُمْ . فَيَقُولُ لَهُمْ : هَلْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ تُبْتَلَوا وَتُخْتَبَرُوا كَمَا فُعِلَ بِالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ ابْتُلُوا بِالفَقْرِ ( البَأَسَاءُ ) ، وَبِالأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ ( الضَّرَّاءُ ) ، وَخُوِّفُوا وَهُدَّدُوا مِنَ الأَعْدَاءِ ( زُلْزِلُوا ) ، وَامتُحِنُوا امْتِحَاناً عَظِيماً ، وَاشْتَدَّتِ الأُمُورُ بِهِمْ حَتَّى تَسَاءَلَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ : مَتَى يَأْتِي نَصْرُ اللهِ .وَحِينَما تَثْبُتُ القُلُوبُ عَلَى مِثْلِ هذِهِ المِحَنِ المُزَلْزِلَةِ ، حِينَئِذٍ تَتِمُّ كَلِمَةُ اللهِ ، وَيَجِيءُ نَصْرُهُ الذِي يَدَّخِرُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنْ لاَ نَصْرَ إِلاَّ نَصْرُ اللهِ .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة .الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله ، وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها ، فهم يتطلعون فحسب إلى { نصر الله } ، لا إلى أي حل آخر ، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .بهذا يدخل المؤمنون الجنة ، مستحقين لها ، جديرين بها ، بعد الجهاد والامتحان ، والصبر والثبات ، والتجرد لله وحده ، والشعور به وحده ، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة ، ويرفعها على ذواتها ، ويطهرها في بوتقة الألم ، فيصفو عنصرها ويضيء ، ويهب العقيدة عمقاً وقوة وحيوية ، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجاً كما وقع ، وكما يقع في كل قضية حق ، يلقى أصحابها ما يلقون في أول الطريق ، حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم ، وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها ، وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة ، والحرص على الحياة نفسها في النهاية . . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها ، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون ، والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . . وهذا هو الطريق . .هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى ، وللجماعة المسلمة في كل جيل .
هذا هو الطريق : إيمان وجهاد . . ومحنة وابتلاء . وصبر وثبات . . وتوجه إلى الله وحده . ثم يجيء النصر . ثم يجيء النعيم . .وابتلاء الله تعالى للعباد وامتحانهم إنَّما يكون لتنقيتهم وترقيتهم وليميز الخبيث من الطيب, قال تعالى: (ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون*ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذين صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين) {العنكبوت:1-3}.
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر ، وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، وسنة جارية ، في ميزان الله سبحانه :
{ ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } . .والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله ، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب ، وعدل من جانب ، وتربية للناس من جانب ، فلا يأخذوا أحداً إلا بما استعلن من أمره ، وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين
__________
(1) - صحيح مسلم (7308 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 406)(7394) صحيح
(3) - تفسير ابن كثير(2/399)
(4) - صحيح البخارى(3123 ) ومسلم (4969 )
(5) - صحيح مسلم (4967 )
(6) - صحيح مسلم (5040 )(1/1)
إن الإيمان أمانة الله في الأرض ، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة ، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة ، وعلى الأمن والسلامة ، وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض ، وقيادة الناس إلى طريق الله ، وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة؛ وهي أمانة ثقيلة؛ وهي من أمر الله يضطلع بها الناس؛ ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله؛ ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه ، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة؛ ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة ، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى ، ربما كانت أمر وأدهى .
هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه ، وهو لا يملك عنهم دفعاً . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم؛ وينادونه باسم الحب والقرابة ، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين ، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين ، تهتف لهم الدنيا ، وتصفق لهم الجماهير ، وتتحطم في طريقهم العوائق ، وتصاغ لهم الأمجاد ، وتصفو لهم الحياة . وهو مهمل منكر لا يحس به أحد ، ولا يحامي عنه أحد ، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً .
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة ، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقاً في تيار الضلالة؛ وهو وحده موحش غريب طريد وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام . فتنة أن يجد المؤمن أمماً ودولاً غارقة في الرذيلة ، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها ، متحضرة في حياتها ، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان . ويجدها غنية قوية ، وهي مشاقة لله!
وهنالك الفتنة الكبرى . أكبر من هذا كله وأعنف . فتنة النفس والشهوة . وجاذبية الأرض ، وثقلة اللحم والدم ، والرغبة في المتاع والسلطان ، أو في الدعة والاطمئنان . وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه ، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس ، وفي ملابسات الحياة ، وفي منطق البيئة ، وفي تصورات أهل الزمان!
فإذا طال الأمد ، وأبطأ نصر الله ، كانت الفتنة أشد وأقسى . وكان الابتلاء أشد وأعنف . ولم يثبت إلا من عصم الله . وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان ، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى ، أمانة السماء في الأرض ، وأمانة الله في ضمير الإنسان .وما بالله حاشا لله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات ، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه ، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع . وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل . وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات ، فلا يبقى صامداً إلا أصلبها عوداً؛ وأقواها طبيعة ، وأشدها اتصالاً بالله ، وثقة فيما عنده من الحسنيين : النصر أو الأجر ، وهؤلاء هم الذين يسلَّمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار .وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن؛ وبما بذلوا لها من الصبر على المحن؛ وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات . والذي يبذل من دمه وأعصابه ، ومن راحته واطمئنانه ، ومن رغائبه ولذاته . ثم يصبر على الأذى والحرمان؛ يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل؛ فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام .فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله .وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة ، فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة ، ويقع عليهم البلاء ، أن يكونوا هم المختارين من الله ، ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء
قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ »(1).
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ.(2)
( فمن رضي فله الرضا ) أي رضا الله تعالى عنه جزاء لرضاه . أو فله جزاء رضاه . وكذلك قوله فله السخط . ثم الظاهر أنه تفصيل لمطلق المبتلين لالمن أحبهم فابتلاهم . إذ الظاهر أنه تعالى يوفقهم للرضا فلا يسخط منهم أحد
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"(3)
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ : سُئِلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ :« الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ صَلاَبَةً ، وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ، وَلاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى الأَرْضِ مَا لَهُ خَطِيئَةٌ ».(4)
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهي عبادة شاقة على النفس, وغالبًا ما يحدث للقائم بها شدائد ومشاكل وصعوبات كثيرة, لذا بعدما أوصى لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوصاه بالصبر لما سيقابله بسبب ذلك من إيذاء ومشقة,كما حكاه القرآن الكريم: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة َوَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) {لقمان:17}.
ثُمَّ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ ، يَا بُنَيَّ أَدِّ الصَّلاَة في أَوْقَاتِها ، وَأَتْمِمْهَا بِرُكُوعِها وَسُجُودِها وَخُشُوعِها ، لأَنَّ الصَّلاةَ تُذَكِّرُ العَبْدَ بِرَبِّهِ ، وَتَحْملُهُ عَلَى فِعْلِ المَعْرُوفِ ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ ، وإِذا فَعَلَ الإنسَانُ ذلِكَ تَصْفُو نَفْسُهُ وَتَسْمُو ، وَيَسْهُلُ عَلَيها احْتِمَالُ الصِّعَابِ في اللهِ ، ثمَّ حَثَّ لُقْمَانُ ابْنَهُ عَلَى احتِمَالِ أَذَى النَّاسِ إِذا قَابَلُوه بِالسُّوءِ والأَذى عَلَى حَثِّهِ إِيًَّاهُمْ عَلَى فِعْلِ الخَيرِ ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّ هذا الذي أَوْصَاهُ بِهِ هُوَ مِنَ الأمُورِ التي يَنْبَغِي الحِرْصُ عَليها ، والتَّمَسُّكُ بِهَا ( مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) .
4-وغير ذلك من تكاليف الإسلام:
فالصلاة- مثلاً- أثقل شيءٍ على المنافقين, وعلى النفوس الضعيفة قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ ) {البقرة:45}.
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالاسْتِعَانَةِ عَلَى أَدَاءِ التَّكَالِيفِ ، وَمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ ، بِالصَّبْرِ عَلَى الفَرَائِضِ ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنِ المَعَاصِي ، وَبِالصَّلاةِ ، لَعَلَّهُمْ يَبْلُغُونَ مَا يُؤمِّلُونَ مِنْ خَيْرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَيُنَبِّهُهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّ القِيَامَ بِهذِهِ الوَصِيَّةِ التِي يَطْلبُ مِنَ النَّاسِ الأَخْذَ بِهَا مِنْ صَبْرٍ وَصَلاةٍ . . . أَمْرٌ شَاقٌ ثَقِيلٌ عَلَى النُّفُوسِ ، إِلاَّ النُّفُوسَ المُؤْمِنَةَ الخَاشِعَةَ المُسْتَكِينَةَ لِطَاعَةِ اللهِ ، المُتَذَلِّلَةَ مِنْ مَخَافَتِهِ .
والزكاة والصدقة ثقيلتان وشاقتان على البخلاء والحريصين على جمع المال , ولا تخفى مشقة الحج وما يتطلبه من جهدٍ وسفر وصعوبات وإنفاق وصبر ٍوجَلَد, والصيام وما يتطلبه من صبر ٍعلى الجوع والعطش والشهوةِ نهارًا, وغير ذلك من المشقات.
ولعلي أكون قد بيَّنتُ جانبًا من المكاره التي حُفت بها الجنة, والتي على المسلم أن يتحمل ما يعرض له منها ويصبر على ذلك ليفوز بنعيم الجنة,وهي وإن كانت تكاليف شاقَّة إلا أنّه لا يُدرك الغالي إلا بالعمل الشاق, فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ »(5). أدلج : سار ليلا
ولعلَّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل-عليه السلام- بعدما رأى حقيقة الجنة وقد حُفت بالمكاره يخشى ألا يدخلها أحد, لذا قال لربّه تعالى: "وعزَّتك لقد خفتُ ألا يدخلها أحد".
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(5645 )
(2) - سنن ابن ماجه (4167) صحيح لغيره
(3) - المستدرك للحاكم (7879) صحيح
(4) - سنن الدارمى (2839) صحيح
(5) - سنن الترمذى(2638 ) صحيح(1/2)
المبحث الثاني
الترغيب في الجنة ونعيمها
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ..(1)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي عَهْدِهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ.(2)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُرِيدُ جَنَّةً دُونَ جَنَّةِ الْقَصْدِ مِنْهُ ، الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَرْفَعُ يُرِيدُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ ، أَوِ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، أَوْ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ الَّتِي يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ تِلْكَ الْخِصَالَ ، لأَنَّ الدَّرَجَاتِ فِي الْجِنَانِ يَنَالُهَا الْمَرْءُ بِالطَّاعَاتِ ، وَحَطُّهُ عَنْهَا يَكُونُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا.
وعَنْ عَطِيَّةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ ، فَقِيلَ لَهُ : لِتَنَمْ عَيْنُكَ وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلْيَعْقِلْ قَلْبِكَ ، قَالَ : فَنَامَتْ عَيْنِي وَسَمِعَتْ أُذُنِي وَعَقَلَ قَلْبِي ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : سَيِّدٌ بنى دَارًا وَصَنَعَ مَأْدُبَةً فَأَرْسَلَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ ، وَلَمْ يَنَلِ الْمَأْدُبَةَ ، وَسَخَطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ ، فَالسَّيِّدُ اللَّهُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ "(3)
قال تعالى : {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (25) سورة يونس
وعَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ هِيَ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ أَوْسَطُهَا وَأَحْسَنُهَا".
وعَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلاهَا وَأَوْسَطُهَا، وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ".(4)
وعَنْ عَلِيٍّ ؛ فِي هَذِهِ الآيَةِ : {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (85) سورة مريم ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُحْشَرُونَ ؟ أَمَا وَاللهِ مَا يُحْشَرُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ تَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ ، فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يُنْطَلَقُ بِهِمْ حَتَّى يَقْرَعُوا بَابَ الْجَنَّةِ.(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " سِرْتُ وَسَارَ مَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَتَيْنَا عَلَى وَادٍ ، فَوَجَدْتُ رِيحًا طَيِّبَةً وَوَجَدْتُ رِيحَ الْمِسْكِ ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الطَّيِّبَةُ , وَرِيحُ الْمِسْكِ ؟ ومَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَ : هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ : يَا رَبِّ أَهْنِنِي بِأَهْلِي وَمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ حَرِيرِي ، وَسُنْدُسِي ، وَإِسْتَبْرَقِي ، وَعَبْقَرِيِّي ، وَلُؤْلُؤِي ، وَمَرْجَانِي ، وَفِضَّتِي ، وَذَهَبِي وَأَبَارِيقِي ، وَفَوَاكِهِي ، وَعَسَلِي ، وَمَائِي ، فَآتِنِي مَا وَعَدْتَنِي قَالَ : لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا وَمَنْ خَشِيَنِي ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ ، أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، قَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ "(6).
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ.(7)
مشمر للجنة : ساع لها غاية السعي ، طالب لها عن صدق ورغبة -مطرد : جارٍ يتبع بعضه بعضا
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ : أَلَا مُشَمِّرٌ لَهَا ، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ رَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَنُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَزَوْجَةٌ لَا تَمُوتُ فِي خُلُودٍ ، وَنَعِيمٍ فِي مَقَامٍ آبِدٍ "(8)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا وَلاَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا ».(9)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ.(10)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا حَرِيصٌ عَلَيْهَا "(11)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا فِي الدُّنْيَا فَيُقَالُ : اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ قَالَ : فَيَنْغَمِسُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ : هَلْ رَأَيْتَ ضُرًّا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا "(12)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ..(13)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ كَانَ بَلاَءً فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ أَوْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْرَهُهُ قَطُّ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ، وَلاَ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ.(14)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ.(15).الشراك : أحد السيور من الجلد والتي تمسك بالنعل على ظهر القدم
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ ؛ أَنَّ مُوسَى ، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، قَالَ : يَا رَبِ ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا مِنْك ؟ أَوْلِيَاؤُك فِي الأَرْضِ خَائِفُونَ يُقْتَلُونَ ، وَيُطْلبُونَ وَيُقَّطَّعُون ، وَأَعْدَاؤُك يَأْكُلُونَ مَا شَاؤُوا ، وَيَشْرَبُونَ مَا شَاؤُوا ، وَنَحْوَ هَذَا ، فَقَالَ : انْطَلِقُوا بِعَبْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُ مَا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ قَطُّ ، إِلَى أَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ ، وَنَمَارِقَ مَصْفُوفَةٍ وَزَرَابِيِّ مَبْثُوثَةٍ ، وَإِلَى الْحُورِ الْعِينِ ، وَإِلَى الثِّمَارِ ، وَإِلَى الْخَدَمِ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ، فَقَالَ : مَا ضَرَّ أَوْلِيَائِي مَا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا كَانَ مَصِيرُهُمْ إِلَى هَذَا ؟ ثُمَّ قَالَ : انْطَلِقُوا بِعَبْدِي ، فَانْطَلِقْ بِهِ إِلَى النَّارِ ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ فَصُعِقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : مَا نَفَعَ أَعْدَائِي مَا أَعْطَيْتُهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا كَانَ مَصِيرُهُمْ إِلَى هَذَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ.(16)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ مُوسَى قَالَ : أَيْ رَبِّ ، إِنَّ عَبْدَكَ الْمُؤْمِنَ تَقْتُرُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ : يَا مُوسَى ، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ . فَيَقُولُ مُوسَى : وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، لَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ لَمْ يَرَ بُؤْسًا قَطُّ " . قَالَ : " ثُمَّ قَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ ، عَبْدُكَ الْكَافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ : يَا مُوسَى ، هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ . فَقَالَ مُوسَى : أَيْ وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ ، لَوْ كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ ، لَمْ يَرَ خَيْرًا قَطُّ "(17).قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ..(18)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِىَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. فَإِذَا هِىَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا ».(19)
وذلك من التمثيل الحسن , إذ جعل الجنة والنار محجوبتان بالمكاره والشهوات ,فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ,فهتك حجاب الجنة باقتحام بالمكاره-وهى العبادات الشاقة على النفس- وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات المحرمة
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَلَا إِنَّ الْخَيْرَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ ، أَلَا وَإِنَّ الْجَنَّةَ حَزْنَةٌ بِرَبْوَةٍ ، أَلَا وَإِنَّ النَّارَ سَهْلَةٌ بِشَهْوَةٍ فَمَتَى مَا يُكْشَفُ بِرَجُلٍ حِجَابُ شَهْوَةٍ وَهَوًى أَشْفَى عَلَى النَّارِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَمَتَى مَا يُكْشَفُ بِرَجُلٍ حِجَابُ صَبْرٍ وَكُرْهٍ أَشْفَى عَلَى الْجَنَّةِ ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، فَاعْمَلُوا بِالْحَقِّ تَنْزِلُوا بِالْحَقِّ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ لَا يُقْضَى إِلَّا بِالْحَقِّ "(20)
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : كَانَتْ خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَإِنَّ الآخِرَةَ وَعَدٌ صَادِقٌ يَقْضِى فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ ، أَلاَ وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِى الْجَنَّةِ ، أَلاَ وَإِنَّ الشَّرَ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِى النَّارِ ، وَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى حَذَرٍ ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَأَنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ رَبِّكُمْ لاَ بُدَّ مِنْهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) سورة الزلزلة ».(21)-أشفى : قارب
وعَنْ بُكَيْرُ بْنُ فَيْرُوزَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ "(22)
الإدلاج : السير في أول الليل والمراد التشمير والجد في الطاعة
وعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ، وَمَنْ أَدْلَجَ فَقَدْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ "(23)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 391)(7382) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 392)(7383) صحيح
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 455)(4463) حسن ، وربيعة مختلف في صحبته
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 353)(6742و6743 ) حسن
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 119)(35148) ضعيف
(6) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (22 ) حسن
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن
(8) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (25) حسن
(9) - سنن الترمذى (2805 ) والصحيحة (903) و جرجان 343 و 377 و صحيح الجامع (5622) صحيح لغيره
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 232)(35490) صحيح مرسل
(11) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (31 ) حسن
(12) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (32 ) حسن
(13) - صحيح مسلم (7266)
(14) - مسند أحمد(14010) صحيح
(15) - صحيح البخارى(6488)
(16) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 115)(35142) حسن مقطوع
(17) - مسند أحمد(12086) حسن
(18) - صحيح مسلم(7308 )
(19) - سنن الترمذى(2758 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(20) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ(42 ) حسن
(21) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 216)(6018) حسن لغيره
(22) - سنن الترمذى(2638 ) حسن
(23) - المستدرك للحاكم (7852) حسن(1/3)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ ، أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ، يُقَالُ لَهُ : نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ ، قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لاِنْسِلاَخِ رَجَبٍ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، أَلاَ لأُسْمِعَنَّكُمْ ، أَلاَ فَهَلْ مِنِ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ ؟ فَقَالُوا : اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَلاَ ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ ، أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ ، أَوْ يُلْهِيَهُ الضَّلاَلُ ، أَلاَ إِنِّي مَسْؤُولٌ ، هَلْ بَلَّغْتُ ؟ أَلاَ اسْمَعُوا تَعِيشُوا ، أَلاَ اجْلِسُوا ، أَلاَ اجْلِسُوا ، قَالَ : فَجَلَسَ النَّاسُ ، وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللهِ ، وَهَزَّ رَأْسَهُ ، وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقَطِهِ ، فَقَالَ : ضَنَّ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ ، قُلْتُ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : عِلْمُ الْمَنِيَّةِ ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلاَ تَعْلَمُونَهُ ، وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ ، قَدْ عَلِمَهُ وَلاَ تَعْلَمُونَهُ ، وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ ، وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلاَ تَعْلَمُهُ ، وَعِلْمُ يَوْمِ الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غِيَرَكُمْ إِلَى قُرْبٍ ، قَالَ لَقِيطٌ : قُلْتُ : لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا ، وَعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَةِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلِّمْنَا مِمَّا تُعَلِّمُ النَّاسَ وَمَا تَعْلَمُ ، فَإِنَّا مِنْ قَبِيلٍ لاَ يُصَدِّقُ تَصْدِيقَنَا أَحَدٌ ، مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِى تَرْبُو عَلَيْنَا ، وَخَثْعَمٍ الَّتِي تُوَالِينَا ، وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مَنْهَا ، قَالَ : تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ ، وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَصْبَحَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُطِيفُ فِي الأَرْضِ ، وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلاَدُ ، فَأَرْسَلَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، السَّمَاءَ بِهَضْبٍ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ ، وَلاَ مَدْفَنِ مَيِّتٍ ، إِلاَّ شَقَّتِ الْقَبْرَ عَنْهُ ، حَتَّى تَجْعَلَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ ، فَيَسْتَوِي جَالِسًا ، فَيَقُولُ رَبُّكَ : مَهْيَمْ ، لِمَا كَانَ فِيهِ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَمْسِ الْيَوْمَ ، وَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تُمَزِّقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ ؟ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلاَءِ اللهِ ، الأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ ، فَقُلْتَ : لاَ تَحْيَا أَبَدًا ، ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهَا السَّمَاءَ ، فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إِلاَّ أَيَّامًا ، حَتَّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ شَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ مِنَ الْمَاءِ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الأَرْضِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ الأَصْوَاءِ ، أَوْ مِنْ مَصَارِعِهِمْ ، فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلاَءِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ ، تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْ أَنْ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا لَقِينَاهُ ؟ قَالَ : تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُكُمْ ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ ، فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطُمُهُ بِمِثْلِ الْحَمِيمِ الأَسْوَدِ ، أَلاَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيَفْتَرِقُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ ، فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ ، فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَ، فَيَقُولُ : حَسِّ ، يَقُولُ رَبُّكَ ، عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنُّهُ ، أَلاَ فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَلَى أَظْمَإِ وَاللهِ نَاهِلَةٍ قَطُّ مَا رَأَيْتُهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلاَّ وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ ، يُطَهِّرُهُ مِنَ الطَّوْفِ وَالْبَوْلِ وَالأَذَى ، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَلاَ تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُبْصِرُ ؟ قَالَ : بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتْهُ الأَرْضُ ، وَأَجَهَتْ بِهِ الْجِبَالَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا وَحَسَنَاتِنَا ؟ قَالَ : الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمَّا الْجَنَّةُ ، أَمَّا النَّارُ؟ قَالَ : لَعَمْرُ إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ، وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لَثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَعَلَى مَا نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ ، مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ وَلاَ نَدَامَةٍ ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَبِفَاكِهَةٍ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ ، وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ ، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوَ لَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ ، أَوْ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ ؟ قَالَ : الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ ، تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَوَالُدَ ، قَالَ لَقِيطٌ : فَقُلْتُ : أَقُضِىَ مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلَى مَا أُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : فَبَسَطَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ ، وَقَالَ : عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ ، وَأَنْ لاَ تُشْرِكَ بِاللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ ، قُلْتُ : وَأَنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ؟ فَقَبَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ ، وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ ، وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ شَيْئًا لاَ يُعْطِينِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا ، وَلاَ يَجْنِي امْرُؤٌ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ ؟ فَبَسَطَ يَدَهُ، وَقَالَ : ذَلِكَ لَكَ ، تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ ، وَلاَ يَجْنِي عَلَيْكَ إِلاَّ نَفْسُكَ ، قَالَ : فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : هَا إِنَّ ذَيْنِ ، هَا إِنَّ ذَيْنِ ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ ابْنُ الْخُدَارِيَّةِ ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلاَبٍ ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَانْصَرَفْنَا ، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ لأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ؟ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ : وَاللهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ ، قَالَ : فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي ، مِمَّا قَالَ لأَبِي عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ : وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ إِذَا الأُخْرَى أَجْمَلُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَهْلُكَ ؟ قَالَ : وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللهِ ، مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ ، أَوْ قُرَشِيٍّ ، مِنْ مُشْرِكٍ ، فَقُلْ : أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ ، فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوؤُكَ : تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ ، وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لاَ يُحْسِنُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ، وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ؟ قَالَ : ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ ، يَعْنِى نَبِيًّا ، فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ.(1)
ـــــــــــــ
__________
(1) - المسند الجامع - (ج 15 / ص 15)(11297) ومسند أحمد (16635) حسن
الحميم : الماء الحار - تخطم : تسم -الريطة : الملاءة تكون من قطعة واحدة -الزيال : الفراق -الأصواء : القبور وأصلها من الصوى الأعلام فشبه القبور بها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -القبيل : الجماعة من الناس من قوم شتى أو من نحو واحد وربما كانوا من أب واحد -المدرة : الطين اليابس -مهيم : ما شأنك وما خبرك ؟ -الناهلة : التى شربت حتى رويت -تهضب : تمطر(1/4)
المبحث الثالث
أسماءُ الجنَّة
لبيان شرف الجنة فإنه قد ذُكِر لها عدة أسماء في القرآن الكريم باعتبار صفاتها،وإن كان مسماها واحداً باعتبار الذات,فالاسم العام المتناول لتلك الدار وما فيها من النعيم هو( الجنة), قال تعالى : ( تِلْكَ الجَنَّةُ الَتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِياًّ){مريم:63 } ،وقال تعالى : (وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ){الأعراف 43 }.
*ومن أسمائها(دار السلام) لقوله تعالى : (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) {الأنعام127}.
*ومنها(دار المقامة) ففي الآية الكريمة(الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) {فاطر35}.
*ومنها(جنة المأوى ) لقوله تعالى : (عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى ) {النجم 15 }.
*ومنها(جنات عدن) قال تعالى :( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ )
{مريم61 } . وقال بعض العلماء:هذا الاسم لجميع الجنان إذ معنى عدن "إقامة "
*ومنها(دار الحيوان) إذ هي دار الحياة الدائمة التي لا موت فيها قال تعالى: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ) {العنكبوت 64}.
ومنها(الفردوس) قال تعالى : (أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) {المؤمنون10-11}.
وفى صحيح البخارى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" ِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ(1)" .
*ومنها(المقام الأمين) قال تعالى : ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) {الدخان 51 }
*ومنها(مقعد صدق) قال تعالى: ( إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ *فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) {القمر54-55}
*ومنها(جنات النعيم) وهو اسمٌ جامع لجميع الجنات وما تشتمل عليه من النعيم الظاهر والباطن, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) { لقمان 8 }.
أَمَّا المُؤْمِنُونَ الأَبْرارُ الصَّالِحُونَ فإِنَّ الله تَعَالى سَيَجْزِيهِمْ بإِدْخَالِهِمْ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، فِي جَنَّاتٍ يَنْعَمُونَ فِيها .
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (2790 )(1/5)
المبحث الرابع
أول من يدخلون الجنة وصفاتهم
إن أول البشر دخولاً إلى الجنة على الإطلاق هو رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأول الأمم دخولا إلى الجنة هم أمته، وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه . وقد وردت الأحاديث في ذلك:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ».(2)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ »(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ - قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى ».(4)
فهذه الأمة المحمدية أسبق الأمم خروجاً من الأرض, وأسبقهم إلى أعلى مكان في الموقف, وأسبقهم إلى ظلّ العرش , وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم, وأسبقهم إلى جواز الصراط , وأسبقهم إلى دخول الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِى جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَرَانِى بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِى تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِى . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ وَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى.(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَخَذَ جِبْرِيلُ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَرَاهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ أُمَّتِي "(6)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلَقِ اللهِ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلَقِ اللهِ الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ ، وَتُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ ، وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ : إِيتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ ، فَيَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ : رَبَّنَا نَحْنُ سُكَّانُ سَمَاوَاتِكَ ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلاَءِ ، فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ، وَتُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ ، وَتُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ ، وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً ، قَالَ : فَتَأْتِيهِمُ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ : {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد].(7)
وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صفات أول من يدخلون الجنة ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، مِنَ الْحُسْنِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا »(8).
قَوْلُهُ : ( يُسَبِّحُونَ اللَّه بُكْرَة وَعَشِيًّا ) أَيْ قَدْرهمَا ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : هَذَا التَّسْبِيح لَيْسَ عَنْ تَكْلِيف وَإِلْزَام ، وَقَدْ فَسَّرَهُ جَابِر فِي حَدِيثه عِنْد مُسْلِم بِقَوْلِهِ : " يُلْهَمُونَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير كَمَا يُلْهَمُون النَّفَس " وَوَجْه التَّشْبِيه أَنَّ تَنَفُّس الْإِنْسَان لَا كُلْفَة عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا بُدّ لَهُ مِنْهُ ، فَجَعَلَ تَنَفُّسهمْ تَسْبِيحًا ، وَسَبَبه أَنَّ قُلُوبهمْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَةِ الرَّبّ سُبْحَانه وَامْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْره(9).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِى السَّمَاءِ »(10).
الألوة : العود الذى يتبخر به -المجامر : جمع مجمر وهو الذي يوضع فيه النار للبخور -الأنجوج : لغة فى العود الذي يتبخر به
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِى السَّمَاءِ إِضَاءَةً ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ لاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْزُقُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا »(11). الألوة :
ومعنى( رشحهم المسك) أي:عرقهم كالمسك في طيب رائحته,و(المجامر): جمع[مِجْمَر] و[مُجْمَر],والأول: هو الذي يوضع فيه النار للبخور, والثاني : هوالذي يُتبخر به وأُعدّ له الجمر.
ومعنى(الألوة):العود الهندي الذي يُتبخر به, وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: الألنجوج هو العود الذي يُتبخر به, ولفظ (الألنجوج) هنا تفسير ( الألوة), و(العود) تفسير التفسير وقوله(ستون ذراعًا في السماء)أي: في العلو والارتفاع"(12)
وَقَدْ يُقَال إِنَّ رَائِحَة الْعُود إِنَّمَا تَفُوح بِوَضْعِهِ فِي النَّار وَالْجَنَّة لَا نَار فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ بَعْد تَخْرِيج الْحَدِيث الْمَذْكُور : يُنْظَر هَلْ فِي الْجَنَّة نَار ؟ وَيُجَاب بِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْتَعِل بِغَيْرِ نَار بَلْ بِقَوْلِهِ : كُنْ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مِجْمَرَة بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الْأَصْل ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَشْتَعِل بِنَارٍ لَا ضَرَر فِيهَا وَلَا إِحْرَاق ، أَوْ يَفُوح بِغَيْرِ اِشْتِعَال
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ يُقَال أَيّ حَاجَة لَهُمْ إِلَى الْمُشْط وَهُمْ مُرْد وَشُعُورهمْ لَا تَتَّسِخ ؟ وَأَيّ حَاجَة لَهُمْ إِلَى الْبَخُور وَرِيحهمْ أَطْيَب مِنْ الْمِسْك ؟
قَالَ : وَيُجَاب بِأَنَّ نَعِيم أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَكْل وَشُرْب وَكِسْوَة وَطِيب وَلَيْسَ عَنْ أَلَم جُوع أَوْ ظَمَأ أَوْ عُرْي أَوْ نَتْن ، وَإِنَّمَا هِيَ لَذَّات مُتَتَالِيَة وَنِعَم مُتَوَالِيَة ، وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُنَعَّمُونَ بِنَوْعِ مَا كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ تَنَعُّم أَهْل الْجَنَّة عَلَى هَيْئَة تَنَعُّم أَهْل الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنهمَا مِنَ التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة ، وَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى أَنَّ نَعِيمهمْ لَا اِنْقِطَاع لَهُ(13).
وأول ثلاثة يدخلون الجنة بعد أولئك فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَهُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.(14)
وعن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَأَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : فَالشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عُبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ ، مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ : فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ ، وَفَقِيرٌ فَجُورٌ "(15)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (505 )
(2) - صحيح مسلم(507)
(3) - صحيح البخارى(876 ) ومسلم (2015 )
(4) - صحيح مسلم(2017 )
(5) - سنن أبى داود(4654 ) حسن
(6) - المستدرك للحاكم (4444) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 438)(7421) صحيح
(8) - صحيح البخارى(3245) ومسلم (7330)
(9) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 30)
(10) - صحيح البخارى(3327) وصحيح مسلم(7328 )
(11) - :صحيح مسلم(7329)
(12) - فتح الباري للحافظ ابن حجر(9/590)
(13) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 30)
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 151)(4312) حسن
(15) - المستدرك للحاكم(1429) حسن(1/6)
المبحث الخامس
آخر من يدخل الجنة من الموحدين
عَنْ الشَّعْبِيَّ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلْ ، وَقَدْ نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ ، قَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ ، قَالَ : فَيَقُولُ : رَضِيتُ أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَقَالَ مُوسَى : أَيْ رَبِّ ، فَأَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ: إِيَّاهَا أَرَدْتُ ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْهُمْ ، إِنِّي غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ : وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(1)
وعن الشَّعْبِيِّ ، قالَ : سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ مُوسَى ، قَالَ : رَبِّ ، أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أَدْخُلُ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ : تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ مِثْلَ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، فَيُقَالُ : لَكَ هَذَا وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ رَضِيتُ ، فَيُقَالُ لَهُ : إِنَّ لَكَ هَذَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ رَضِيتُ ، فَيُقَالُ لَهُ : لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ(2).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ فَقَالَ أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِى ظِلِّهَا ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُذْكُرْ « فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ ». إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ « وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ سَلْ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ - قَالَ - ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولاَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ ».(3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قَبْلَ الْجَنَّةَ ، وَمَثَلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، قَالَ اللَّهُ لَهُ : فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لا وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرَةٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لا وَعِزَّتِكَ ، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونُ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ ، فَأَنْظُرُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ سَلْ مِنْ كَذَا سَلْ مِنْ كَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ، قَالَ اللَّهُ لَهُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ تَبْدُرُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ ، فَتَقُولانِ لَهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا ، وَأَحْيَانَا لَكَ ، فَيَقُولُ : مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ "(4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ ، وَمُثِّلَ لَهُ شَجَرَةٌ ذَاتُ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا ، فَقَالَ اللَّهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَقَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَقَدَّمَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، وَمُثِّلَ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرَةٍ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَكُونَ فِي ظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثُمَّرِهَا ، فَقَالَ اللَّهُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتُك ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَقَالَ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدَّمَهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَتُمَثَّلُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى ذَاتُ ظِلٍّ وَثَمَرٍ وَمَاءٍ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، أَكُونُ فِي ظِلِّهَا ، وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُك غَيْرَهُ ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا.
قَالَ : فَيَبْرُزُ لَهُ بَابُ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَكُونُ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ وَأَنْظُرُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَيُقَدِّمُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا ، فَيَرَى أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : هَذَا لِي وَهَذَا لِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى ، وَيُذَكِّرُهُ اللَّهُ : سَلْ مِنْ كَذَا وَكَذَا ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِي ، قَالَ اللَّهُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فَتَقُولاَنِ لَهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اخْتَارَك لَنَا ، وَاخْتَارَنَا لَكَ ، فَيَقُولُ : مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ.(5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " آخِرُ رَجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنَ النَّارِ يَقُولُ اللَّهُ لِأَحَدِهِمَا : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ ؟ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَجَوْتَنِي ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ ، وَهُوَ أَشَدُّ حَسْرَةً . وَيَقُولُ لِلْآخَرِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ ؟ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ رَجَوْتَنِي ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ ، إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرْجُوكَ " . قَالَ : " فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَقِرَّنِي تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا ، وَآكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ، فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا ، ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى ، وَأَغْدَقُ مَاءً ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَقِرَّنِي تَحْتَهَا لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا [ وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا ] ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟[ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ] فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا ،[ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ] ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ ، هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ ، وَأَغْدَقُ مَاءً ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، هَذِهِ [ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَ ] أَقِرَّنِي تَحْتَهَا [ فَأَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَآكُلُّ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدُنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ] ، فَيُدْنِيهِ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَلَّا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا . فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلَا يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : سَلْ وَتَمَنَّ ، فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى ، فَإِذَا فَرَغَ قَالَ : [ ابْنَ آدَمَ ] لَكَ مَا سَأَلْتَ " . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : " وَمِثْلُهُ مَعَهُ " . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ " . فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ ، وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ .(6)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ رَجُلٍ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ خَرَجَ زَحْفًا ، فَقِيلَ لَهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَيَدْخُلُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : تَمَنَّهْ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ ، وَتَضَايَقُوا فِيهَا ، فَأَنَا أَسْأَلُكَ مِثْلَهَا ، فَيَقُولُ : لَكَ مِثْلَهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً.(7)
وعَنْ مَسْرُوقِ بن الأَجْدَعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ"، قَالَ:"وَيَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ نَاسٍ مِنْكُمْ مَا كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ وَيَعْبُدُونَ فِي الدِّينِ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلا مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى"، قَالَ:"فَلْيَنْطَلِقْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا"، قَالَ:"فَيَنْطَلِقُونَ وَيُمَثَّلُ لَهُمْ أَشْيَاءُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْقَمَرِ، وَإِلَى الأَوْثَانِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَشْبَاهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ"، قَالَ:"وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى، وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، وَيَبْقَى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمَّتُهُ"،قَالَ:"فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَيَأَتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟"، قَالَ:"فَيَقُولُونَ إِنَّ لَنَا لإِلَهًا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلامَةً إِذَا رَأَيْنَاهَا عَرَفْنَاهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: مَا هِي؟ فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ"، قَالَ:"فَعِنْدَ ذَلِكَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَيَخِرُّ كُلُّ مَنْ كَانَ بِظَهْرِهِ طَبَقٌ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَياصِيِّ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، وَقَدْ كَانَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ رَجُلا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِئُ مَرَّةً وَيَفِيءُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ فَمَشَى، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ"، قَالَ:"وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَمَامَهُمْ حَتَّى يَمُرَّ فِي النَّارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضُ مَزِلَّةٍ"، قَالَ:"وَيَقُولُ: مُرُّوا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَخِرُّ رِجْلُ، وَتَعْلَقُ رِجْلٌ، وَيُصِيبُ جَوَانُبَهُ النَّارُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا أَنْ نَجَّانِي مِنْهَا بَعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا"، قَالَ:"فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى غَدِيرٍ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَلْوَانِهُمْ، فَيَرَى مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ خِلالِ الْبَابِ فَيَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ، وَقَدْ نَجِّيتُكَ مِنَ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابًا لا أَسْمَعُ حَسِيسَهَا"، قَالَ:"فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ"، قَالَ:"فَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ كَأَنَّمَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ لَهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: وَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلٌ آخَرُ كَأَنَّمَا هُوَ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، قَالَ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُ غَيْرَهُ وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: فَيُعْطَاهُ فَيَنْزِلَهُ ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لَكَ لا تَسْأَلُ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ سَأَلْتُكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، وَأَقْسَمْتُ لَكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقْتُهَا إِلَى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِهِ؟ فَيَقُولُ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ، فَيَضْحَكُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِهِ"، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ إِذَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ سَمِعْتُكَ تُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ مِرَارًا كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ ضَحِكْتَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ مِرَارًا كُلَّمَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ حَتَّى تَبْدُوَ أَضْرَاسُهُ، قَالَ:"فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ، سَلْ، فَيَقُولُ: أَلْحِقْنِي بِالنَّاسِ، فَيَقُولُ: الْحَقِ النَّاسَ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ يَرْمُلُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ فَيَخِرُّ سَاجِدًا، فَيُقَالَ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ رَبِّي أَوْ تَرَاءَى لِي رَبِّي فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِكَ، قَالَ: ثُمَّ يَلْقَى رَجُلا فَيَتَهَيَّأُ لِلسُّجُودِ لَهُ فَيُقَالَ لَهُ: مَهْ، مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ: رَأَيْتُ أَنَّكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ، عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكَ تَحْتَ يَدِي أَلْفُ قَهْرَمَانٍ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ أَمَامَهُ حَتَّى يَفْتَحَ لَهُ الْقَصْرَ"، قَالَ:"وَهُوَ فِي دُرَّةٍ، مُجَوَّفَةٍ سَقَائِفُهَا، وَأَبْوَابُهَا، وَأَغْلاقُهَا، وَمَفَاتِيحُهَا مِنْهَا تَسْتَقْبِلُهُ جَوْهَرَةٌ خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْرَاءَ كُلُّ جَوْهَرَةٍ تُفْضِي إِلَى جَوْهَرَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ الأُخْرَى فِي كُلِّ جَوْهَرَةٍ سُرَرٌ وَأَزْوَاجٌ، وَوَصَائِفُ أَدْنَاهُنَّ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا، كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، إِذَا أَعْرَضَ عَنْهَا إِعْرَاضَةً ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْرَضَتْ عَنْهُ إِعْرَاضَةً ازْدَادَ فِي عَيْنِهَا سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ لَهَا: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا، وَتَقُولُ لَهُ: وَأَنْتَ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتَ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَشْرِفْ، قَالَ: فَيُشْرِفُ، فَيُقَالُ لَهُ: مُلْكُكَ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ يَنْفُذُهُ بَصَرُهُ".
__________
(1) - صحيح مسلم(485)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 446)(7426) صحيح
(3) - صحيح مسلم (482 )
(4) - مسند أبي عوانة(316 ) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 118)(35147) صحيح
(6) - مسند أحمد (12027) حسن
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 447)(7427) صحيح(1/7)
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَلا تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلا، فَكَيْفَ أَعْلاهُمْ، فَقَالَ كَعْبٌ:"يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ دَارًا فَجَعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنَ الأَزْوَاجِ، وَالثَّمَرَاتِ، وَالأَشْرِبَةِ، ثُمَّ أَطْبَقَهَا، ثُمَّ لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ مِنَ خَلْقِهِ، لا جِبْرِيلُ وَلا غَيْرُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ"، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ: "فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيَنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [السجدة: 17]، قَالَ:"وَخَلَقَ دُونَ ذَلِكَ جَنَّتَيْنِ وَزَيَّنَهُمَا بِمَا شَاءَ وَأَرَاهُمَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ،ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ كِتَابُهُ فِي عِلِّيِّينَ نَزَلَ تِلْكَ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيَخْرُجُ فَيَسِيرُ فِي مُلْكِهِ فَمَا تَبْقَى خَيْمَةٌ مِنْ خِيَمِ الْجَنَّةِ إِلا دَخَلَهَا مِنْ ضَوْءِ وَجْهِهِ فَيَسْتَبْشِرُونَ بِرِيحِهِ، فَيَقُولُونَ: وَاهًا لِهَذَا الرِّيحِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ، قَدْ خَرَجَ يَسِيرُ فِي مُلْكِهِ"، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ، إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ قَدِ اسْتَرْسَلَتْ وَاقْبِضْهَا، فَقَالَ كَعْبٌ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَزَفْرَةً مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبِ، وَلا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ إِلا يَخِرُّ لِرُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ لَيَقُولُ: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي، حَتَّى لَوْ كَانَ لَكَ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبِيًّا إِلَى عَمَلِكَ لَظَنَنْتَ أَنَّكَ لا تَنْجُو"(1)
- الغمام : السحاب - الأوثان : جمع وَثَن وهو الصنم، وقيل : الوَثَن كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد وقد يُطْلَق الوَثَن على غير الصُّورة، والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة - الدحض : الدحض والمزلة بمعنى واحد . وهو الموضع الذي تَزَلُّ فيه الأقدام ولا تستقر - مزلة : تنزلق فيه الأقدام - استحيا : انقبض وانزوى -القهرمان : الخازن الأمين المحافظ على ما في عهدته -مجوفة : مفرغة - الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد -الحلل : جمع الحُلَّة وهي ثوبَان من جنس واحد - الإعراض : الصد والانصراف - أشرف : أطل وأقبل واقترب وعلا ونظر وتطلع - عِلِّيُّون : اسم للسماء السابعة، وقيل : هو اسمٌ لدِيوَان الملائكة الحَفَظَة، تُرْفَع إليه أعمالُ الصالحين من العباد، وقيل : أراد أعْلَى الأمْكِنَة وأشْرَفَ المرَاتِب من اللّه في الدار الآخرة.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : « هذا الحديث مما تهيب القول فيه شيوخنا ، فأجروه على ظاهر لفظه ، ولم يكشفوا عن باطن معناه ، على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب ، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (42) سورة القلم، فروي عن ابن عباس أنه قال : عن شدة وكرب . قال أبو سليمان : فيحتمل أن يكون معنى قوله : » يوم يكشف ربنا عن ساقه « . أي عن قدرته التي تنكشف عن الشدة والمعرة(2)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً ، وَيَكْبُو أُخْرَى ، وَيَمْشِي مَرَّةً وَيَحْبُو أُخْرَى ، وَتَصْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً ، فَإِذَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَلَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا مِنَ الآخِرِينَ قَالَ : وَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا ،فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : بَلَى ، أَيْ رَبِّ ، وَلَكِنْ هَذِهِ فَأَدْنِنِي لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَلأَسْتَظِلَّ بِهَا وَأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ ، فَيَقُولُ : أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَلأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ، وَرَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا ، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَيَضْحَكُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ : أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّا ضَحِكْتُ ؟ قَالُوا : وَمِمَّ ضَحِكْتُ ؟ فَقَالَ : هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالُوا : وَمِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَقُولُ : إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ"(3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يُمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ ، فَهُوَ يَكْبُو مَرَّةً ، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ أُخْرَى حَتَّى إِذَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا ، فَيَقُولُ : تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْهَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لَعَلِّي أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، قَالَ : فَيَقُولُ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَاعِلُهُ لِمَا يَرَى مِمَّا لاَ صَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ ، مِنْهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا لِمَا يَرَى مَا لاَ صَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنْهَا لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا ، فَيَقُولُ : أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ، فَيَقُولُ : بَلَى يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ أَدْنِنِي مِنْهَا ، فَإِذَا دَنَا مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : أَيُرْضِيكَ يَا ابْنَ آدَمَ أَنْ أُعْطِيكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ، فَيَقُولُ : أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، وَلَكِنَّنِي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ، قَالَ : فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا ذَكَرَ قَوْلَهُ : أَتَسْتَهْزِئُ بِي ؟ ضَحِكَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلاَ تَسْأَلُونِي مِمَّا أَضْحَكُ ؟ فَقِيلَ : مِمَّ تَضْحَكُ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَحِكَ.(4)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، كَالْغُلامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ، وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: عَبْدِي إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ، أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ،يَا رَبِّ، وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ لَئِنْ تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ لأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، فَيَجُوزُ الْجِسْرَ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفَتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ لَيَرُدَّنِي إِلَى النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ، عَبْدِي، اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ، أَغْفِرُهَا لَكَ وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا، وَعِزَّتِكَ مَا أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَطُّ، وَلا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ، عَبْدِي إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً، فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِينًا وَشِمَالا فَلا يَرَى أَحَدًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، عِنْدِي وَعِزَّتِكَ الْعَظَائِمُ الْمُضْمَرَاتُ، فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ عَبْدِي، أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا، أَغْفِرُهَا لَكَ، وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةُ، ثُمَّ ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، يَقُولُ: هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟".(5)
"العظائم المضمرات" : الخفية التى لم يطلع عليها أحد غير الله .
قال الحافظ المنذري : ولا منافاة بين هذه الأحاديث ؛لأنه قال في حديث أبي سعيد أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم، وقال في حديث أنس من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، وفي حديث أبي هريرة من يغدوعليه ويروح خمسة عشر ألف خادم .
فيجوز أن يكون له ثمانون ألف خادم يقوم على رأسه منهم عشرة آلاف ويغدو عليه منهم كل يوم خمسة عشر ألفا والله سبحانه أعلم.
ـــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 305)(9647 و9648) صحيح
(2) - الأسماء والصفات للبيهقي - (ج 2 / ص 287)
(3) - الآحاد والمثاني (248) ومسلم(481 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 455)(7430) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 171)(7567 ) فيه مجاهيل(1/8)
المبحث السادس
بعض من نص على أنهم من أهل الجنة
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلائِكَةِ بِجَنَاحَيْنِ"(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَأَيْتُ جَعْفَرَ بن أَبِي طَالِبٍ ، مَلَكًا يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ ، ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا ، حَيْثُ يَشَاءُ مَقْصُوصَةٌ قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ"(2).
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ الْبَارِحَةَ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا جَعْفَرٌ يَطِيرُ مَعَ الْمَلائِكَةِ ، وَإِذَا حَمْزَةُ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ "(3)
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ "(4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، يَقُولُ : فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ حَمْزَةَ حِينَ فَاءَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكِ الشَّجَرَةِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا أَسَدُ اللَّهِ ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاءِ لأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ مِنِ انْهِزَامِهِمْ ، فَسَارِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ ، فَلَمَّا رَأَى جَبْهَتَهُ بَكَى ، وَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلا كُفِّنَ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَرَمَى بِثَوْبٍ ، قَالَ جَابِرٌ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ"(5)
عبد الله بن سلام رضي الله عنه ، فعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْصِنَا ، قَالَ : أَجْلِسُونِي ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَمَلَ وَالإِيمَانَ مَظَانَّهُمَا مَنِ الْتَمَسَهُمَا وَجَدَهُمَا ، وَالْعِلْمُ وَالإِيمَانُ مَكَانَهُمَا مَنِ الْتَمَسَهُمَا وَجَدَهُمَا ، فَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ : عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّهُ عَاشِرُ عَشْرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.(6)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَّمٍ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ.(7)
وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ قَيْسُ بن عَبَّادٍ: كُنْتُ فِي حَلَقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بن مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودًا وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا، وَفِي وَسَطِهَا عُرْوَةٌ، وَفِي أَسْفَلِهَا مَنْصَفٌ مِثْلُ مَنْصَفِ الْوَصِيفِ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهُ، فَرَقَيْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"(8)
وعَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بن عَبَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَتَجَوَّزَ فِيهِمَا عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنَ الْخُشُوعِ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَاتَّبَعْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكُ لِمَ ذَلِكَ،"إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، فَذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا، وَحُسْنِهَا، وَخَضَرِهَا، فِي وَسَطِهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي رَأْسِهِ عُرْوَةٌ، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: لا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي مُنْصِبٌ، فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَصِرْتُ فِي أَعْلاهَا، فَقَالَ: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"الرَّوْضَةُ: الإِسْلامُ، وَالْعَمُودُ: عَمُودُ الإِسْلامِ، وَالْعُرْوَةُ: الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ". فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ"(9)
وعَنْ خَرَشَةَ بن الْحُرِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَجَلَسْتُ إِلَى مَشْيَخَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ:"زَعَمَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَنَّكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: الْجَنَّةُ لِلَّهِ، يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ، وَإِنَّنِي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلا أَتَانِي، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ، فَذَهَبَ بِي، فَأَخَذَنِي مَنْهَجًا عَظِيمًا، فَعَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ عَنْ يَسَارِي، فَأَرَدْتُ أَسُلُكَها، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ يَمِينِي فَسَلَكْتُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ زَلِقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذِرْوَتِهِ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَلَّكْ، وَإِذَا أَنَا بِعَمُودٍ فِي أَعْلاهُ عُرْوَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَزَجَلَ بِي حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:"رَأَيْتَ خَيْرًا، أَمَّا الْمَنْهَجُ الْعَظِيمُ: فَالْمَحْشَرُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضِتْ لَكَ عَنْ يَسَارِكَ: فَطَرِيقُ أَهْلِ النَّارِ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عُرِضَتْ لَكَ عَنْ يَمِينِكَ:فَطَرِيقُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ الزَّلِقُ: فَمَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ الَّتِي اسْتَمْسَكْتَ بِهَا: فَعُرْوَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى تَمُوتَ". وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ.(10)
وعَنْ خَرَشَةَ بن الْحُرِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي حَلَقَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِيهَا شَيْخٌ حَسِنُ الْهَيْئَةِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلامٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لأَتْبَعَنَّهُ، فَلأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيْتِهِ، قَالَ: فَتَتَبَّعْتُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي، قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا، فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَلِكَ: إِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَإِذَا أَنَا بِجَوَادٍ عَلَى شِمَالِي، فَذَهَبْتُ لآخُذَ فِيهَا، فَقَالَ لِي: لا تَأْخُذْ فِيهَا، فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَإِذَا جَوَادٌ عَلَى يَمِينِي، فَقَالَ لِي: خُذْ هَاهُنَا، فَأَتَيْنَا جَبَلا، فَقَالَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا، فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى بِي عَمُودًا رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، فِي أَعْلاهُ حَلَقَةٌ، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ إِلَى فَوْقِ هَذَا، قُلْتُ: كَيْفَ أَصْعَدُ فَوْقَ هَذَا وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ بِي، فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلَقَةِ، ثُمَّ صَرَفَ الْعَمُودَ، فَخَرَّ، وَبَقِيتُ مُتَعَلِّقًا بِالْحَلَقَةِ حَتَّى الصُّبْحِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، قَالَ:"الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ، فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ، فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْجَبَلُ: فَهُوَ مَنْزِلَةُ الشُّهُدَاءِ، وَلَنْ تَنَالَهُ، وَأَمَّا الْعَمُودُ، فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ: فَهِيَ عُرْوَةُ الإِسْلامِ، وَلَنْ تَزَالَ مُتَمِسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ"(11)
زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ ؟ قَالَتْ : لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَبَشَّرَهُ بِهَا حِينَ أَصْبَحَ"(12)
قادة غزوة مؤتة الثلاث ،فعَنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدُ بني مُرَّةَ بن عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، قَالَ: وَاللَّهِ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، ثُمَّ عَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ، أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلنَّهْ لَتَنْزِلنَّهْ طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشدُّوُا الرَّنَّهْ
لَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ هَلْ أَنْتَ إِلا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ:
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ
يَعْنِي: صَاحِبَيْهِ زَيْدًا، وَجَعْفَرًا. ثُمَّ نَزَلَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ لَهُ بِعَظْمٍ مِنْ لَحْمٍ، فَقَالَ: اشْدُدْ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ أَيَّامَكَ هَذِهِ مَا قَدْ لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ فَانْتَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً، ثُمَّسَمِعَ الْحُطَمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ، حَتَّى قُتِلَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بن أَقْرَمَ أَحَدُ بَلْعَجْلانَ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بن الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، ثُمَّ انْحَازَ، حَتَّى انَصَرَفَ بِالنَّاسِ، وَلَمَّا أُصِيبُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا". ثُمَّ صَمَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ، قَالَ:"ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا"، ثُمَّ قَالَ:"لَقَدْ رُفِعُوا لِي فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمَ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: بِمَ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا، وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، وَمَضَى".(13)
الرجل الأسود ،فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلا أَسْوَدَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، قَبِيحُ الْوَجْهِ ، لاَ مَالَ لِي ، فَإِنْ أَنَا قَاتَلْتُ هَؤُلاءِ حَتَّى أُقْتَلَ ، فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ : فِي الْجَنَّةِ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ ، وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ : لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، نَازَعَتْهُ جُبَّةً لَهُ مِنْ صُوفٍ ، تَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُبَّتِهِ"(14)
عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، فعَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِى سَلَمَةَ قَالُوا : كَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنُونَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَجَّهُ إِلَى أُحُدٍ قَالَ لَهُ بَنُوهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً فَلَو قَعَدْتَ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ فَأَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِىَّ هَؤُلاَءِ يَمْنَعُونِى أَنْ أَخْرُجَ مَعَكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ أُسَتَشْهَدَ فَأَطَأَ بِعُرْجَتِى هَذِهِ فِى الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ ». وَقَالَ لِبَنِيهِ :« وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْعُوهُ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ؟ ». فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.(15)
وعَنْ أَبِى قَتَادَةَ، أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ، قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِى بِرِجْلِى هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ؟ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ، فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ، وَمَوْلًى لَهُمْ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِى بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِى الْجَنَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمَا وَبِمَوْلاهُمَا فَجُعِلُوا فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ.(16)
وعن جَابِر ، قالَ : جَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ. ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا عَمْرُو ، لاَ تَألَّ عَلَى اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَهْلاً يَا عُمَرُ ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ : مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، يَخُوضُ فِي الْجَنَّةِ بِعَرْجَتِهِ.(17)
زيد بن عمرو بن نفيل : روى ابن عساكر عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دَخلْتُ الْجَنَّة فَرأيتُ لِزَيدٍ بنِ عِمرو بنِ نُفَيلٍ دَرجتَينِ)(18)، وزيد هذا كان يدعو إلى التوحيد في الجاهلية ، وكان على الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام
الرميصاء أم أنس بن مالك ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً بَيْنَ يَدَىَّ فَإِذَا هِىَ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ »(19).
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ »(20).
بلال المؤذن ، فعَنْ بُرَيْدَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَمِعْتُ حَشَفَةً أَمَامِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : بِلالٌ ، فَأَخْبَرَهُ ، وَقَالَ : بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَحْدَثْتُ إِلا تَوَضَّأْتُ ، وَلا تَوَضَّأْتُ إِلا رَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَكْعَتَيْنِ أُصَلِّيهِمَا قَالَ : بِهَا "(21)
وعَنْ بُرَيْدَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَمِعْتُ خَشْفَةً أَمَامِي حِينَ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : بِلالٌ ، فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : بِمَ تَسْبِقُنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَحْدَثْتُ إِلا تَوَضَّأْتُ ، وَلا تَوَضَّأْتُ إِلا صَلَّيْتُ عَلَى أَثَرِ الْوُضُوءِ رَكْعَتَيْنِ.(22)
وعَنْ برَيْدَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إِلاَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : بِلاَلٌ ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِقَصْرٍ مُشَيَّدٍ بَدِيعٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ قَالُوا : لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ ، فَقُلْتُ : أَنَا عَرَبِيٌّ ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ قَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِبِلاَلٍ : بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : مَا أَحْدَثْتُ إِلاَّ تَوَضَّأْتُ ، وَمَا تَوَضَّأْتُ إِلاَّ صَلَّيْتُ ، وَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْلاَ غَيْرَتُكَ لَدَخَلْتُ الْقَصْرَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَمْ أَكُنْ لأَغَارَ عَلَيْكَ.(23)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً أَمَامِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : هَذَا بِلاَلٌ.(24)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (4935) صحيح لغيره
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 132)(1449) صحيح لغيره
(3) - المستدرك للحاكم (4890) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم (4884) صحيح لغيره
(5) - المستدرك للحاكم(4900) حسن
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 122)(7165) صحيح
(7) - مسند الشاميين(1637) صحيح
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 441)(154 ) صحيح
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 442)(155 ) صحيح
(10) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 445)(159 ) صحيح لغيره
(11) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 446)(160 ) صحيح
(12) - الآحاد والمثاني(256) صحيح
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 474)(196) حسن
(14) - المستدرك للحاكم(2463) صحيح
(15) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 24)(18277) حسن
(16) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3797 ) صحيح
(17) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 493)(7024) صحيح
(18) - أخرجه : ابن عساكر (19/512) والصحيحة (1406) وصحيح الجامع (3367) حسن
(19) - مسند أحمد (12279) صحيح -الخشخشة : صوت احتكاك الشىء اليابس
(20) - صحيح مسلم (6474 ) - الخشفة : حركة المشى وصوته
(21) - الآحاد والمثاني (263) صحيح
(22) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 435)(1005) صحيح
(23) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 561)(7086) صحيح
(24) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 559)(7084) صحيح(1/9)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعَ وَجْسًا ، فَقَالَ : " يَا جِبْرِيلُ ، مِنْ هَذَا ؟ " . قَالَ : هَذَا بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ حِينَ جَاءَ : " قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ ، رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا "(1).
حارثة بن النعمان ، فعَنْ عَائِشَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ ؟ قَالُوا : حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، كَذَاكُمُ الْبِرُّ ، وَكَانَ بَرًّا بِأُمِّهِ"(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « بينا أنا أمشي في الجنة سمعت صوت رجل بالقرآن فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا حارثة بن النعمان ، كذلكم البر كذلكم البر »(3)البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
أبو الدحداح :روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ ثُمَّ أُتِىَ بِفَرَسٍ عُرْىٍ فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ وَنَحْنُ نَتَّبِعُهُ نَسْعَى خَلْفَهُ - قَالَ - فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ - أَوْ مُدَلًّى - فِى الْجَنَّةِ لاِبْنِ الدَّحْدَاحِ ». أَوْ قَالَ شُعْبَةُ « لأَبِى الدَّحْدَاحِ »(4).
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلا أَتَى أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِفُلانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَأَمْرُهْ أَنْ يُعْطِينِي إِيَّاهَا حَتَّى أُقِيمَ بِهَا حَائِطِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَعْطِهَا إِيَّاهُ بنخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ الرَّجُلَ، فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي، فَفَعَلَ، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِإِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي، فَاجْعَلْهَا لَهُ وَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَمْ مِنْ عِذْقِ رَدَاحٍ لأَبِي الدَّحْدَاحِ مِرَارًا، فَأَتَى أَبُو الدَّحْدَاحِ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ فَقَدْ بِعْتُهُ بنخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.(5)
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا"[الحديد آية 11] ، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي، وَفِي حَائِطِي سِتَّ مِائَةٍ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْحَائِطِ فَنَادَى يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، وَهِيَ فِي الْحَائِطِ، فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي.(6)
ورقة بن نوفل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لاَ تَسُبُّوا وَرَقَةَ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ "(7)
وورقة بن نوفل آمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته خديجة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أول أمره ، وتمنى على الله أن يدرك ظهور أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لينصره.
ـــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (2366) والصحيحة (1405) والإتحاف 9/279 وصحيح الجامع (3372) صحيح لغيره
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(4425) و والحميدي (285) ومجمع 9/313 وصحيح الجامع (3371) صحيح
(3) - خلق أفعال العباد للبخاري(245 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم (2283 ) - العذق : غصن النخلة فيه التمر كالعنقود من العنب -العرى : لا سرج عليه -عَقل : أمسكه له وحبسه -يتوقص : يتوثب ويقارب الخطو
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 165)(18214 ) صحيح
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 165)(18215 ) ومجمع الزوائد ( 10870 و15792) صحيح لغيره
(7) - المستدرك للحاكم ( 4211) ومجمع 9/416 وفتح 8/720 والصحيحة ( 405) وصحيح الجامع ( 7320 ) صحيح(1/10)
المبحث السابع
أسياد أهل الجنة
سيدا كهول أهل الجنة، فعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.(1)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِىُّ مَا دَامَا حَيَّيْنِ »(2).
وعَنْ عَوْنِ بن أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَالأَخِرِينَ مَا خَلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.(3)
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ يَا عَلِىُّ لاَ تُخْبِرْهُمَا ».(4)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، يَا عَلِيُّ ، لا تُخْبِرْهُمَا"(5)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وَالآخِرِينَ ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ"(6)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : كُنْتُ مَعَهُ ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ،(7)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ « هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ».(8)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(9)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، فَقَالَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ.(10)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ « يَا عَلِىُّ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ »(11).
قال أبو جعفر : وأسنان الكهول يدخل في أسنان الشباب ، لأنه يقال : شاب كهل ، فيجعل كهلا وهو شاب ، ولا يقال شيخ كهل ، إنما يكون شيخا بعدما يخرج من التكهل ، والتكهل هو آخر مدة الشباب ، ومنه قالوا : قد اكتهل هذا الزرع ، يعنون : إذا بلغ الحال الذي يحصد مثله عليها ، والله نسأله التوفيق(12)
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ: الْكَهْلُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ ، وَقَدْ اُكْتُهِلَ الرَّجُلُ وَكَاهَلَ إِذَا بَلَغَ الْكُهُولَةَ فَصَارَ كَهْلًا ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْكَهْلِ هَهُنَا الْحَلِيمُ الْعَاقِلُ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ حُلَمَاءَ عُقَلَاءَ(13).
فَاعْتُبِرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } .
وَقِيلَ: سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ ،بَلْ مَنْ يَدْخُلُهَا اِبْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَإِذَا كَانَا سَيِّدَيْ الْكُهُولِ فَمِنْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا اِنْتَهَى . قُلْت وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ : هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ "(14)
سيدا شباب أهل الجنة ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ »(15).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلاَّ ابْنَيِ الْخَالَةِ"(16)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، إِلاَّ ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا.(17)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَائِهِمْ، إِلاَّ مَا كَانَ لِمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ.(18)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا"(19)
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(20)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ سَأَلَتْنِى أُمِّى مَتَى عَهْدُكَ - تَعْنِى - بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقُلْتُ مَا لِى بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. فَنَالَتْ مِنِّى فَقُلْتُ لَهَا دَعِينِى آتِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُصَلِّىَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِى وَلَكِ. فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِى فَقَالَ « مَنْ هَذَا حُذَيْفَةُ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « مَا حَاجَتُكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلأُمِّكَ ». قَالَ « إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَىَّ وَيُبَشِّرَنِى بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ »(21).
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَاتَّبَعْتُهُ ، فَقَالَ : عَرَضَ لِي مَلَكٌ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ ، وَبَشَّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(22)
وعَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْت مَعَهُ الْمَغْرِبَ , ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ , ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ , فَقَالَ : مَلَكٌ عَرَضَ لِي اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(23)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ تَبِعْتُهُ وَهُوَ يُرِيدُ يَدْخُلُ بَعْضَ حُجَرِهِ فَقَامَ وَأَنَا خَلْفَهُ كَأَنَّهُ يُكَلِّمُ أَحَداً - قَالَ - ثُمَّ قَالَ « مَنْ هَذَا ». قُلْتُ حُذَيْفَةُ.قَالَ « أَتَدْرِى مَنْ كَانَ مَعِى ». قُلْتُ لاَ. قَالَ « فَإِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ يُبَشِّرُنِى أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». قَالَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ فَاسْتَغْفِرْ لِى وَلأُمِّى. قَالَ « غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا حُذَيْفَةُ وَلأُمِّكَ ».(24)
وعَنْ عَلِيٍّ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(25)
وقد ورد من طرق كثيرة تبلغ مبلغ التواتر(26)
قال أبو جعفر فقال قائل كيف تقبلون هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علمكم أن هذا القول كان منه والحسن والحسين يومئذ طفلان ليسا بشابين وإنما هذا القول إخبار أنهما سيدا شباب أهل الجنة وليسا حينئذ من الشباب فكذا جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنهما قد كانا في الوقت الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول فيهما ليسا بشابين كما ذكرت، ولكن بمعنى أنهما سيكونان شابين سيدي شباب أهل الجنة، وكان منه - صلى الله عليه وسلم - علما من أعلام نبوته؛ لأنه أخبر أنهما يكونان شابين في المستأنف ،وذلك لا يكون منه إلا بإعلام الله عز وجل إياه أنه سيكون ويكونان به كما قال، ولولا ذلك لما قال فيهما ذلك القول، إذ كانا لولا ذلك القول قد يجوز عنده أن يموتا قبل أن يكونا شابين أو يموت أحدهما قبل ذلك، ولما كان له - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهما ذلك القول، فكان فيه حقيقة بلوغهما أن يكونا كما قال عقلنا أن ذلك إنما جاز له لإعلام الله عز وجل إياه أنه كائن فيهما ، فأما قوله عليه أفضل الصلاة والسلام إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى فلاستثنائه إياهما يومئذ من شباب أهل الجنة بتحقيقه الشباب لهما لأنهما خرجا من الدنيا وهما كذلك والله الموفق"(27)
سيدات نساء أهل الجنة، السيدة الفاضلة هي التي يرضى عنها ربها، ويتقبلها بقبول حسن، وأفضل النساء هن اللواتي يحزن جنات النعيم، ونساء أهل الجنة يتفاضلن ، وسيدات نساء أهل الجنة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية بنت مزاحم ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ خُطُوطٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مَعَ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهَا فِي الْقُرْآنِ ، قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "(28)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ، وَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ : وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ "(29)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَرْضِ خُطُوطًا أَرْبَعَةً ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(30)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: مَرْيَمُ بنتُ عِمْرَانَ، ثُمَّ فَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ خَدِيجَةُ، ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(31)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ ، فَبَشَّرَنِي ؛ أَنَّ فَاطِمةَ سِيِّدَةُ نِسَاءِ أمَّتِي ، وَأنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أهْلِ الْجَنَّة.(32)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ »(33).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ».وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.(34)
وعَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بنتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.(35)
وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ »(36).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زِيَادٍ الأَسَدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بن يَاسِرٍ، يَقُولُ:لَقَدْ سَارَتْ أُمُّنَا مَسِيرَهَا، وَأَنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلانَا لِيَعْلَمَ إِيَّاهَا نُطِيعُ أَوْ إِيَّاهُ.(37)
وعَنْ عَمْرِو بن غَالِبٍ، أَنَّ رَجُلا نَالَ مِنْ عَائِشَةَ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ:اسْكُتْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا، أَتُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .(38)
وعَنْ عَرِيبِ بن حُمَيْدٍ أَوْ حُمَيْدِ بن عَرِيبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ عَلِيٍّ فَتَنَاوَلَ عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ:مَنْ ذَا الَّذِي تَتَنَاوَلُ زَوْجَةَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنَّةِ؟ اسْكُتْ مَقْبُوحًا.(39)
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَهَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا ، فَسَأَلْنَهَا . فَقَالَتْ مَا قَالَ لِى شَيْئًا . فَقُلْنَ لَهَا فَكَلِّمِيهِ . قَالَتْ فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا ، فَسَأَلْنَهَا . فَقَالَتْ مَا قَالَ لِى شَيْئًا . فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ . فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ . فَقَالَ لَهَا « لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ ، فَإِنَّ الْوَحْىَ لَمْ يَأْتِنِى ، وَأَنَا فِى ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ » . قَالَتْ فَقَالَتْ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِى بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ . فَكَلَّمَتْهُ . فَقَالَ « يَا بُنَيَّةُ ، أَلاَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ » . قَالَتْ بَلَى . فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ . فَقُلْنَ ارْجِعِى إِلَيْهِ . فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ ، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ ، وَقَالَتْ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِى بِنْتِ ابْنِ أَبِى قُحَافَةَ .
فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا ، حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ . وَهْىَ قَاعِدَةٌ ، فَسَبَّتْهَا حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ قَالَ فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ ، حَتَّى أَسْكَتَتْهَا . قَالَتْ فَنَظَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ ، وَقَالَ « إِنَّهَا بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ »(40).
وعَنْ عروةَ، قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ ، فَمُرِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ ، قَالَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ فَأَعْرَضَ عَنِّى ، فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّى ، فَلَمَّا كَانَ فِى الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا » .(41)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 330)(6904) صحيح لغيره
(2) - سنن ابن ماجه(100 ) صحيح لغيره
(3) المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 478)(17717) صحيح لغيره
(4) - سنن الترمذى(4027 ) و(4028 ) صحيح لغيره
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي(533) صحيح
(6) - مسند أبي يعلى الموصلي (624) صحيح
(7) - مسند البزار (831) صحيح لغيره
(8) - سنن الترمذى(4026) ومسند البزار(7224) صحيح لغيره
(9) - المعجم الصغير للطبراني(976) صحيح لغيره
(10) - مسند البزار (490) صحيح
(11) - مسند أحمد (612) صحيح لغيره
(12) - مشكل الآثار للطحاوي(1680 )
(13) - تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 75)
(14) - تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 76)
(15) - سنن الترمذى(4136 ) صحيح
(16) - المستدرك للحاكم (4778) صحيح وقال : هَذَا حَدِيثٌ قَدْ صَحَّ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ، وَأَنَا أَتَعْجَبُ أَنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ
(17) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 411)(6959) صحيح
(18) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3724 ) صحيح لغيره
(19) - المستدرك للحاكم (4779) صحيح
(20) - المستدرك للحاكم(5630) صحيح
(21) - سنن الترمذى(4150 ) حسن
(22) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 413)(6960) صحيح
(23) مصنف ابن أبي شيبة(ج 12 / ص 96)(32841) صحيح
(24) - مسند أحمد(24034) صحيح
(25) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 12 / ص 97)(32843) صحيح لغيره
(26) - انظر :مجمع الزوائد ( 15082-15093 )
(27) - بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى - (ج 5 / ص 93)
(28) - المستدرك للحاكم (3836) صحيح
(29) المستدرك للحاكم(4852) صحيح
(30) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 470)(7010) صحيح
(31) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 314)(18536 ) صحيح
(32) - أخرجه النسائي في "الكبرى( 11949 ) صحيح
(33) - صحيح البخارى(3432 )
(34) - صحيح مسلم (6424 )
(35) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 314)(18537 ) صحيح
(36) - صحيح البخارى(5418)
(37) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18631 ) صحيح
(38) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18632 ) صحيح
(39) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 346)(18633 ) صحيح
(40) - صحيح البخارى(2581 )
(41) - صحيح البخارى(3775 )(1/11)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : كَلَّمْنَنِي صَوَاحِبِي أَنْ أُكَلِّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ فَيُهْدُوا لَهُ حَيْثُ كَانَ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ ، وَإِنَّا نُحِبُّ الْخَيْرَ كَمَا تُحِبُّ عَائِشَةَ ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَمْ يُرَاجِعْنِي ، فَجَاءَنِي صَوَاحِبِي ، فَأَخْبَرْتُهُنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْنِي ، فَقُلْنَ وَاللَّهِ لاَ نَدَعُهُ ، قَالَتْ : فَكَلَّمْتُهُ مِثْلَ الْمَقَالَةِ الْأُولَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيَّ وَأَنَا فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي غَيْرَ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَسُوءَكَ فِي عَائِشَةَ.(1)
وعن عائشة أنها قالت ما غرت على امرأة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما غرت لخديجة لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وثنائه عليها وقد أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبشرها ببيت في الجنة .(2)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ : إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ أَنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ"(3)
وعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : جَاءَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.(4)
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ فَاطِمَةَ ، قَالَتْ : فَتَكَلَّمْتُ أَنَا ، فَقَالُ : أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى وَاللَّهِ ، قَالَ : فَأَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.(5)
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أَزْوَاجُكَ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ ، قَالَتْ : فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرِي.(6)
وقال تعالى عن أسيا بنت مزاحم وعن مريم بنت عمران عليهما السلام :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) } [التحريم/11، 12]
وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ تَضُرُّهُمْ مُخَالَطَةُ الكَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِليهِمْ ، فَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنَةً مُخْلِصَةً للهِ ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيَةً جَبَّاراً ، فَمَا ضَرَّ امْرأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَادِلٌ ، لاَ يُؤَاخِذُ أَحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ . وَقَدْ سَأَلَت امْرأَةُ فِرْعَوْنَ رَبَّهَا أَنْ يَجْعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَنْ يَبْنِيَ لَهَا عِنْدَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ ، وَأَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الخَبِيثَةِ ، وَأَنْ يُنَجِّيهَا مِنْ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ .
وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً آخَرَ لِلَّذِينَ آمَنُوا حَالَ مَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ ، وَمَا أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فاصْطَفَاهَا اللهُ رَبُّهَا ، وَأَرْسَلَ إِليهَا مَلَكاً كَرِيماً مَنْ مَلاَئِكَتِهِ تَمَثَّلَ لَهَا فِي صَورَةِ بَشَرٍ دَخَلَ عَلَيهَا ، وَهِيَ فِي خَلْوَتِهَا ، فَاسْتَعَاذَتْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ ، فَبَشَّرَهَا بِأَنَّهَا سَيَكُونُ لَهَا وَلَدٌ يُولَدُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ، وَيَكُونَ نِبِيّاً كَرِيماً .
وَنَفَخَ فِيهَا المَلَكُ مِنْ رُوحِ اللهِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَصَدَّقَتْ مَرْيَمُ بِشَرَائِعِ اللهِ ، وَبِكُتُبِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ، وَكَانَتْ فِي عِدَادِ القَانِتِينَ العَابِدِينَ المُطِيعِينَ للهِ تَعَالَى .
وقال تعالى بحق مريم عليها السلام { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} [آل عمران/42-43]
ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها، وأن الملائكة خاطبتها بذلك فقالت { يا مريم إن الله اصطفاك } أي: اختارك { وطهّرك } من الآفات المنقصة { واصطفاك على نساء العالمين } الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السديدة، والاصطفاء الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على عالمي زمانها، أو مطلقا، وإن شاركها أفراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يناف الاصطفاء المذكور، فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: { يا مريم اقنتي لربك }
{ اقنتي لربك } القنوت دوام الطاعة في خضوع وخشوع، { واسجدي واركعي مع الراكعين } خص السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله، ففعلت مريم، ما أمرت به شكرا لله تعالى وطاعة، ولما أخبر الله نبيه بما أخبر به عن مريم، وكيف تنقلت بها الأحوال التي قيضها الله لها، وكان هذا من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا بالوحي.(7)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 43)(7109) صحيح
(2) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 5 / ص 274)(8303) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني (3008) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7094) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7095) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 6)(7096) صحيح
(7) - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 130)(1/12)
المبحث الثامن
في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ
عن علي ، قال : يُسَاقُ الَّذِينَ اتَّقُوا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا , وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ، فَعَمَدُوا إِلَى أَحَدِهِمَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذَرٍ وَأَذًى أَوْ بَأْسٍ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ ، فَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ تُغَيَّرْ أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَمْ تَشْعَثْ أَشْعَارَهُمْ كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى خَزَنَةِ الْجَنَّةِ فَقَالُوا: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73) سورة الزمر، قال : قَالَ : ثُمَّ تَلْقَاهُمْ أَوْ تَلَقَّتْهُمُ الْوِلْدَانُ يُطَيَّفُونَ بِهِمْ ، كَمَا يُطَيَّفُ وَلَدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ يَقْدَمُ مِنْ غَيْبَتِهِ يَقُولُونَ لَهُ : أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أَهْلِ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَيَقُولُ : قَدْ جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا رَأَيْتُهُ ، وَهُوَ ذَا يَأْتِي فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحَ حَتَّى تَقُومَ عَلَى بَابِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ فَوْقَهُ أَخْضَرُ ، وَأَصْفَرُ وَأَحْمَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِهِ فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ ، ثُمَّ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَى أَزْوَاجِهِ ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ ، مَصْفُوفَةٍ ، وَزَرَابِيٍّ مَبْثُوثَةٍ ، فَنَظَرَ إِلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ ، ثُمَّ اتَّكَوْا فَقَالُوا : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا ، وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا ، وَتَصِحُّونَ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا "(1)
أبشار : جمع بشرة وهي جلد الإنسان - الأسكفة : عتبة تكون تحت الباب - المرج : الأرض الواسعة ذات الكلأ والماء
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَويِّ ، قَالَ : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا ، لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا ، وَوَاللهِ لَتُمْلأَنَّ ، أَفَعَجبْتُمْ ، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ؛ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا ، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا.
وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا ، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ ، إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا ، وَعِنْدَ اللهِ صَغِيرًا ، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلاَّ تَنَاسَخَتْ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِهَا مُلْكًا ، فَسَتَخْبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدَنَا ".(2)
آذن : أعلم - حذاء : مسرعة الانقطاع - الأشداق : جوانب الفم -الصبابة : البقية اليسيرة من الشراب تبقى أسفل الإناء -الصرم : الانقطاع والذهاب -قرحت : خرجت بها قروح -الكظيظ : الممتلئ المزحوم
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ صَبَّهَا أَحَدُكُمْ ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا مَا بِحَضْرَتِكُمْ - يُرِيدُ مِنَ الْخَيْرِ - فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ ، فَمَا يَبْلُغُ لَهَا قَعْرًا سَبْعِينَ عَامًا ، وَايْمُ اللهِ لَتُمْلَأَنَّ ، أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ عَامًا ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ مِنْهُ أَشْدَاقُنَا ، وَلَقَدِ الْتَقَطْتُ بُرْدَةً ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا ، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا مَا مِنَّا أَحَدٌ الْيَوْمَ حَيٌّ إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ عَظِيمًا فِي نَفْسِي صَغِيرًا عِنْدَ اللهِ ، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلاَّ تَنَاسَخَتْ حَتَّى تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكًا سَتُبْلُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا.(3)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا بَيْنَ كُلِّ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ ، ثُمَّ تُشَقَّقُ مِنْهُ بَعْدُ الأَنْهَارُ"(4)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَاماً وَلَيَأْتِيَّنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ »(5). الكظيظ : الممتلئ المزحوم
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.(6)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - شَكَّ فِى أَحَدِهِمَا - مُتَمَاسِكِينَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ ، وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(7).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(8).
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً ».(9)
الجرد : جمع أجرد وهو الذى نزع عنه الشعر -المرد : جمع أمرد والمَرد نقاء الخدين من الشعر
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ "(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا ، مُرْدًا ، بيضًا ، جِعَادًا ، مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ.(11)
الجرد : جمع أجرد وهو الذى نزع عنه الشعر -الجعاد : جمع جعد وهو منقبض الشعر غير منبسطه -المرد : جمع أمرد والمَرد نقاء الخدين من الشعر
وعَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، أَنَّ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ - سَقَطًا وَلاَ هَرَمًا ، إِنَّمَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ - إِلاَّ بُعِثَ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ عَلَى مَسَحَةِ آدَمَ وَصُورَةِ يُوسُفَ وَقَلْبِ أَيُّوبَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عُظِّمُوا وَفُخِّمُوا كَالْجِبَالِ.(12)
وعن سُلَيْمَ بن عَامِرٍ الْكَلاعِيِّ، قَالَ: قُلْنَا لِلْمِقْدَامِ بن مَعْدِي كَرِبٍ الْكِنْدِيِّ: يَا أَبَا كَرِيمَةَ، إِنَّ النَّاسَ يَدَّعُونَ أَنَّكَ لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَلَقَدْ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي هَذِهِ وَإِنِّي لأَمْشِي مَعَ عَمٍّ لِي، ثُمَّ قَالَ لِعَمِّي:أَتَرَى أَنَّهُ يَذْكُرُهُ؟ قُلْنَا: يَا أَبَا كَرِيمَةَ. حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلَى الشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ، وَحُسْنِ يُوسُفَ مُرْدًا مُكَحَّلِينَ، قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالْكَافِرِ؟ قَالَ:يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَقَرِيضَةُ النابِ مِنْ أَسْنَانِهِ مِثْلُ أُحُدٍ.(13)-السقط : الذي لم يكتمل خلقه
ـــــــــــــ
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (295 ) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني(4725 ) هذا حديث صحيح وحكمه حكم المرفوع ، إذ لا مجال للرأي في مثل هذه الأمور .
(2) - صحيح مسلم (7625 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 60)(7121) صحيح
(4) - الآحاد والمثاني(1475) صحيح
(5) - مسند أحمد (20558) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 401)(7389) صحيح ورواه البخاري ومسلم مطولا
(7) - صحيح البخارى (6543 )
(8) - صحيح البخارى (6554) وحيح مسلم (548 )
(9) - سنن الترمذى (2742 ) حسن
(10) - سنن الترمذى(2735 ) حسن
(11) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 114)(35140) حسن
(12) - مسند الشاميين (ج 3 / ص 82)(1839) حسن
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 214)(17053 و 17054 ) حسن(1/13)
المبحث التاسع
فيما لأدنى أهل الجنة فيها
عَنْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، مَنْ يَتَمَنَّى عَلَى اللهِ ، فَيُقَالَ لَهُ : ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، وَيُلَقَّنُ كَذَا وَكَذَا ، فَيُقَالَ لَهُ : ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ.(1)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، لَرَجُلٌ لَهُ دَارٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا.(2)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ الْآفٍ ، بِيَدِي كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيفَتَانِ ، وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ ، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا ، يَجِدُ لِآخِرِهَا مِنَ الطِّيبِ وَاللَّذَّةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لِأَوَّلِهَا ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ ، لَا يَبُولُونَ ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ ، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ "(3).
-أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة - التغوُّط : التبرُّز - الامتخاط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف
وعن عبد الله بن عمر ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَسْفَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " رَجُلُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُهُ فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا بِسَيِّدِنَا قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا قَالَ : فَتُمَدُّ لَهُ الزَّرَابِيُّ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَيَرَى الْجِنَانَ فَيَقُولُ : لِمَنْ هَذَا ؟ فَيُقَالُ لَكَ حَتَّى إِذَا انْتَهَى رُفِعَتْ لَهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ وَزَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ لَهَا سَبْعُونَ شِعْبًا فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ غَرْفَةً فِي كُلِّ غَرْفَةٍ سَبْعُونَ بَابًا فَيَقُولُونَ اقْرَأْ وَارْقَهْ ، فَيَرْقَى حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ اتَّكَأَ عَلَيْهِ سَعَتُهُ مِيلٌ فِي مِيلٍ لَهُ فِيهِ فُصُولٌ فَيُسْعَى إِلَيْهِ بِسَبْعِينَ صُحْفَةً مِنْ ذَهَبٍ لَيْسَ فِيهَا صُحْفَةٌ مِنْ لَوْنِ أُخْتِهَا يَجِدُ لَذَّةَ آخِرِهَا كَمَا يَجِدُ لَذَّةَ أَوَّلِهَا ثُمَّ يُسْعَى عَلَيْهِ بِأَلْوَانِ الْأَشْرِبَةِ فَيَشْرَبُ مِنْهَا مَا اشْتَهَى ثُمَّ يَقُولُ الْغِلْمَانُ : اتْرُكُوهُ وَأَزْوَاجَهُ فَيَنْطَلِقُ الْغِلْمَانُ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا حَوْرَاءُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جَالِسَةٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ مِنْ لَوْنِ صَاحِبَتِهَا فَيَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالْعَظْمِ وَالْكِسْوَةُ فَوْقَ ذَلِكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ اللَّاتِي خُبِّئْنَ لَكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَصْرِفُ بَصَرَهُ ثُمَّ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى الْغُرَفِ فَوْقَهُ فَإِذَا أُخْرَى أَجْمَلُ مِنْهَا فَتَقُولُ : أَمَا آنَ لَكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيكَ نَصِيبٌ فَيَرْتَقِي إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ النَّعِيمُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ وَظَنُّوا أَنْ لَا نَعِيمَ أَفْضَلُ مِنْهُ تَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلِّلُونِي فَيَتَجَاوَبُونَ بِتَهْلِيلِ الرَّحْمَنِ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا دَاوُدُ قُمْ فَمَجِّدْنِي كَمَا كُنْتَ تُمَجِّدُنِي فِي الدُّنْيَا فَيُمَجِّدُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "(4)
وعَنْ ثُوَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).(5)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَرَى فِي مُلْكِهِ أَلْفَيْ سَنَةٍ ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ تَلا : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، قَالَ : الْبَيَاضُ وَالصَّفَاءُ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قَالَ : يَنْظُرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "(6)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ ، وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجًا ، وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ.(7)
نصب : أقام ورفع - الزبرجد : حجر كريم من الجواهر وهو الزمرد
وعن أبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَلَيْسَ فِيهِمْ لَمَنْ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَرُوحُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَادِمٍ ، لَيْسَ مِنْهُمْ خَادِمٌ إِلَّا مَعَهُ طُرْفَةٌ لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ "(8)
الدني : الخسيس الحقير - الغُدُو : السير أول النهار
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَمِائَةِ خَادِمٍ وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ كَلَّ يَوْمٍ ثَلاَثُمِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلاَ أَعْلَمُهُ إَلاَّ قَالَ مِنْ ذَهَبٍ - فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى وَإِنَّهُ لَيُلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يُلَذُّ آخِرَهُ وَإِنَّهُ لَيَقُولُ يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(9)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا مَنْ يَسْعَى إِلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ كُلُّ خَادِمٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " ، قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا } (19) سورة الإنسان(10)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ :{يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (71) سورة الزخرف، قَالَ : " مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ ، كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ "(11)
ـــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 110)(35133) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 110)(35131) صحيح مرسل
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(7889 ) ومجمع الزوائد(18670 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
(4) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (326 ) حسن
(5) - سنن الترمذى(2750 ) ضعيف
(6) - المستدرك للحاكم(3880) ضعيف
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 414)(7401) حسن
(8) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(202 ) فيه جهالة
(9) - مسند أحمد (11223) حسن
(10) - البعث والنشور للبيهقي(362 ) حسن
(11) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (354 ) والزُّهْدُ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ (171) صحيح موقوف(1/14)
المبحث العاشر
في درجات الجنة
قال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} (75) سورة طه، وقال سبحانه:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد ، وقال تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) [النساء/95-96] )، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20) سورة التوبة ، وقال تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.
ومن الذين وضحوا هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَةٌ تَفَاضُلًا عَظِيمًا، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَاتِ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ . قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) } [الإسراء/18-21] .
فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ يَمُدُّ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ مِنْ عَطَائِهِ ،وَأَنَّ عَطَاءَهُ مَا كَانَ مَحْظُورًا مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا }.
فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا ،وَأَنَّ دَرَجَاتِهَا أَكْبَرُ مِنْ دَرَجَاتِ الدُّنْيَا، وَقَدْ بَيَّنَ تَفَاضُلَ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَتَفَاضُلِ سَائِرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (253) سورة البقرة، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (55) سورة الإسراء.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »(1).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقُولُ « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ »(2). وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد، وَقَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) } [النساء/95، 96]، وَقَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) } [التوبة/19، 22]، وَقَالَ تَعَالَى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، وَقَالَ تَعَالَى : {.. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة(3).
قال القرطبي:( واعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال، فبعضها أعلى من بعض وارفع...... فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ فِى الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ »(4).
ولم يذكر عملا، ولا شيئا سوى الإيمان والتصديق للمرسلين، ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال تلك الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات و أرفع الدرجات ، و هذا محال ، و قد قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان ، والصبر بذل النفس الثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين . و قال في آية أخرى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (37) سورة سبأ ، فذكر شأن الغرفة و أنها لا تنال بالأموال والأولاد ، و إنما تنال بالإيمان والعمل الصالح ، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات ، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب مطمئناً به في كل ما نابه ، وبجميع أموره وأحكامه ، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد . فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره و أحكامه ، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا . فلهذا كانت منزلته دون غيره(5).
قلت: إنَّ درجاتِ الجنَّة كثيرةٌ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ جَلَسَ فِى أَرْضِهِ الَّتِى وُلِدَ فِيهَا . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ . قَالَ: « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ .(6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَهُوَ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ الْعَرْشُ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ.(7)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : فَهُوَ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فِي وَسَطِ الْجِنَّانِ ، فِي الْعَرْضِ ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ يُرِيدُ بِهِ : فِي الاِرْتِفَاعِ.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضب الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فِى الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ ».(8)
والحديثُ يدلُّ على أنها غاية في العلو والارتفاع , ولا ينفي أن يكون درج الجنة أكثر من مائة,إذ المراد منه الإخبار بأن هذه الدرجات المائة هي للمجاهدين في سبيل الله,لا الإخبار بحصر درجات الجنة,ويؤيد ذلك أن منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق هذا كله ,فهو فى درجة ليس فوقها درجة,أمَّا هذه الدرجات المائة ينالها آحاد أمته بالجهاد. ونظير ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ . "(9)
فالمراد من هذا الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصاء هذه الأسماء وحفظها ,لا الإخبار بحصر هذه الأسماء , ومما يؤيد أن لله تعالى أكثر من تسعة وتسعين اسمًا حديث ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ بَصَرِي ، وَجِلاَءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ , يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ.(10).
الناصية : مقدم الرأس ، والمراد أنه مالكه يتصرف فيه حيث شاء - الماضي : النافذ - الاستئثار : الانفراد بالشيء
وهذا حديث يؤيد ذلك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ "(11).
وأهل الجنَّة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في العمل والفضل حتى أن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم في السماء
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ ، أَوِ الْغَائِرُ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ، قَالَ : بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ..(12)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ فِيهَا » وفي رواية« لَيَتَرَاءَوْنَ فِيهَا كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِىَّ وَالْكَوْكُبَ الْغَرْبِىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ أَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ(13)
تراءى : نظر ورأى -الغرفة : العِلِّيَّةُ والحجرة مطلقا ، والجمع غرف وغرفات
وعَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ » وزاد عن أبي سعيد« كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ وَالْغَرْبِىِّ »(14).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ إتحاف اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ فِى السَّمَاءِ "(15).
وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ فَوْقَهُمْ، كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ وَالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ".(16)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِى الْغُرْفَةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِىَّ أَوِ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ أَوِ الطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ . قَالَ « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ».(17)
والكوكب الغربي أو الغارب على الشك الغابر بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به هنا هو الذاهب الذي تدلى للغروب
وفى الجنة جنانٌ كثيرة ، فعَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِى عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِى الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى »(18).
الغَرب : الذي لا يعرف راميه
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : انْطَلَقَ حَارِثَةُ بْنُ عَمَّتِي نَظَّارًا يَوْمَ بَدْرٍ مَا انْطَلَقَ لِقِتَالٍ ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ ، فَقَتَلَهُ ، فَجَاءَتْ عَمَّتِي أُمُّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ابْنِي حَارِثَةُ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ ، وَأَحْتَسِبْ ، وَإِلاَّ فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّ حَارِثَةَ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى.(19)
والجنانُ نوعان:من ذهب , ومن فضة,وتكون لمن خاف مقام ربه,وعلى قدر هذا الخوف ، قال تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) } [الرحمن/46-67]
وَمَنْ خَشِيَ ربَّهُ ، وَرَاقَبَهُ في أعْمَالِهِ ، واعْتَقَدَ أنَّهُ قَائِمٌ عَلَيهِ ، مُشْرِفٌ عَلَى أعْمالِِهِ ، عَارِفٌ بِمَا يُكِنُّهُ صَدْرُهُ ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْزِيهِ بِجِنَّتَيْنِ في الآخِرَةِ .فَبأيِّ أَنْعُمِ اللهِ السَّالِفَةِ تُكَذِّبُونَ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنّسِ؟
وَهَاتَانِ الجَنَّتَانِ اللَّتَانِ يَجْزِي اللهُ بِهِما عِبَادَهُ المُتَّقِينَ هُما ذَوَاتَا أنْواعٍ وَألوانٍ مِنَ الأشْجَارِ وَمِنَ الثِّمَارِ .فَبأيِّ أَنْعُمِ اللهِ السَّالِفِ ذِكْرُها تُكَذِّبُونَ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنّسِ؟
وَفي هَاتَينِ الجَنَّتَينِ تُوجَدُ عَيْنَا مَاءٍ تَجْرِيَانِ فِيهِمَا .
وَفِيهِما مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أنْواعِ الفَوَاكِهِ صِنْفَانِ :صِنْفٌ رَطْبٌ وَصِنْفٌ يَابِسٌ .( أوْ مَعْرُوفٌ وَغَرِيبٌ )
وَيَضْطَجِعُ هَؤُلاءِ الأبْرَارُ السُّعَداءُ ، الذِينَ أكْرَمَهُم اللهُ تَعَالى بِالجَنَّتَينِ ، عَلَى فُرُشٍ ، بَطَائنُها مِنْ غَلِيظِ الدِّيبَاجِ ( اسْتَبْرَقٍ ) ( وَلَم يَذْكُرِ اللهُ تَعَالى الظَّهَائِرَ لأنَّ البَطَائِنَ إذا كَانَتْ مِنَ الدِّيبَاجِ فإنَّ الظَّهَائِرَ سَتَكُونُ أهَمَّ وَأحْسَنَ ) ، وَتَكُونُ ثِمَارُ الجَنَّتَيْنِ دَانِيَةً مِنْهُمْ يَسْتَطِيعُونَ قِطَافَها وَهُمْ جُلُوسٌ حِينَما يُرِيدُونَ .
وَفي هَذِهِ الجَنَّاتِ نِسَاءٌ غَضِيضَاتُ البَصَرِ فَلاَ يَنْظُرْنَ إلى غَيْرِ أزْوَاجِهِنَّ ، فَلاَ يَريْنَ فِيهَا شَيْئاً أحْسَنَ مِنْهُم ، وَهُنَّ أبْكَارٌ لَمْ يَمْسَسْهُنَّ قَبْلَ أزْوَاجِهِنَّ أحَدٌ لا مِنَ الإِنْسِ وَلاَ مِنَ الجِنِّ .
__________
(1) - صحيح مسلم (6945 )
(2) - صحيح البخارى (7352 ) 133/9 ومسلم (4584 )
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 188) فما بعدها
(4) - صحيح البخارى(3256 ) -الغَابر : الذاهب الماشى
(5) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 101)
(6) - صحيح البخارى(2790 )
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 471)(4611) صحيح
(8) سنن الترمذى (2721 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(9) - صحيح البخارى(2736 )
(10) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 253)(972) صحيح لغيره
(11) - البعث لابن أبي داود السجستاني (62 ) والعظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(563 ) صحيح
(12) - صحيح مسلم (7322)
(13) - مسند أحمد(8647) صحيح
(14) - صحيح البخارى (6555 و6556)
(15) - سنن الدارمى(2886) وصحيح مسلم(7319 )
(16) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 416)(5644) صحيح لغيره
(17) - سنن الترمذى (2754 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(18) - صحيح البخارى(2809)
(19) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 520)(4664) صحيح(1/15)
وَهَؤُلاءِ النِّسْوَةُ الغَضِيضَاتُ الطَّرْفِ كَأنَّهُنَّ في جَمَالِهِنَّ ، وَبَهائِنَّ ، وَصَفَاءِ ألوانِهِنَّ : اليَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ .لَيْسَ لِمَنْ أحْسَنَ العَمَلَ في الدُّنيا إلا الجَزَاءُ الحَسَنُ عنْدَ اللهِ في الآخِرَةِ { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ }
وَمِنْ وَرَاءِ هَاتَيْنِ الجَنَّتَينِ ، السَّالِفِ وَصْفُهُمَا ، جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ أَقَلُّ مِنْهُما فَضْلاً وَصِفَةً ، أعَدَّهُما اللهُ تَعَالى لِلْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ ممَّنْ لاَ يَرْتَفِعُونَ بِأعْمالِهِمْ إلى مَرْتَبِةِ المُقَرَّبينَ .
وَتَنْبُتُ في هَاتَينِ الجَنَّتَيْنِ النَّبَاتَاتُ وَالرَّيَاحِينُ الخُضْرُ ، التِي يَضْرِبُ لَوْنُها إلى السَّوادِ ، مِنْ شِدَّةِ خُضْرَتِها .فيهما عَيْنَانِ تَفُورَانِ بالمَاءِ وَلاَ تَنْقَطِعَانِ
قال ابن شَوْذب، وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } في أبي بكر الصديق.
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره، يقول تعالى: ولمن خاف مقامه بين يدي الله، عز وجل، يوم القيامة، { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [ النازعات:40 ]، ولم يطغ، ولا آثر الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى، فأدى فرائض الله، واجتنب محارمه، فله يوم القيامة عند ربه جنتان، فعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ »(1)
وعن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، قال: حماد لا أعلمه إلا رفعه في قوله:( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: جنتان من ذهب للمقرّبين أو قال: للسابقين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين.(2)
وعن أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثَّانِيَةَ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثَّالِثَةَ : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ :" نَعَمْ ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ "(3)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ , قَالَ : فَكَرَّرْتُهَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ , وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُكَ يَا عُوَيْمِرُ.(4)
وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدلِّ دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا؛ ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
ثم نعت هاتين الجنتين فقال: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } أي: أغصان نَضِرَة حسنة، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة، { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . هكذا قال عطاء الخراساني وجماعة: إن الأفنان أغصان الشجَر يمس بعضُها بعضا.
وعن عكرِمة( ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ) قال: ظل الأغصان على الحيطان، قال: وقال الشاعر:
ما هاجَ شَوْقَكَ مِنْ هَدِيل حَمامَة تَدْعُو على فَنن الغُصُونِ حَماما
تَدْعُوا أبا فَرْخَين صَادَفَ ضاريا ذا مِخْلَبين مِنَ الصُّقُّورِ قَطاما(5)
وعن ابن عباس: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } : ذواتا ألوان. و قد روي عن سعيد بن جبير، والحسن، والسدي، وخُصَيف، والنضر بن عربي ، وأبي سِنَان مثل ذلك. ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ، واختاره ابن جرير.
وقال عطاء: كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة، وقال الربيع بن أنس:{ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} واسعتا الفناء.
وكل هذه الأقوال صحيحة، ولا منافاة بينها، والله أعلم. وقال قتادة: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ينبئ بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها.
وعَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، فَقَالَ : يَسِيرُ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا الرَّاكِبُ مِئَةَ سَنَةٍ ، وَيَسْتَظِلُّ بِالْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ ، فِيهَا فِرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلالُ"(6)
سِدْرَةُ المُنْتهى : شجرة في أقْصَى الجنة إليها يَنْتهي عِلُم الأولّين والآخِرين ولا يتعدَّاها.- القلال : جمع القلة وهي الجرة الكبيرة(7)
وفي قوله تعالى : "( وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ " قال ابن عباس:ومن دونهما فى الدَّرج ,
وقال ابن زيد:ومن دونهما فى الفضل,وهذا هو الراجح عند المفسِّرين, فالجنتان الأوليان:فيهما عينان تجريان ,أما الثانيتان :ففيهما عينان نضاختان,النضخ دون الجري ,والنضاخة:هي الفوارة,أما الجارية:فهي السارحة وهى أفضل من الفوارة لأنها تتضمن الفوران والجريان,وقال ابن جريج :هي أربع:جنتان منها للسابقين المقربين(فيهما من كل فاكهة زوجان) و(عينان تجريان),وجنتان لأصحاب اليمين (فيهما فاكهة ونخل ورمان) و(فيهما عينان نضاختان) وقال ابن زيد:إن الأوليين من ذهب للمقربين,والأُخريين من وَرِق ٍلأصحاب اليمين.(8)
قال القرطبي: فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حال في الخوف من الله تعالى. ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضة ، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين ، وقوله : {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي من أمامهما ومن قبلهما. وإلى هذا القول ذهب أبو عبدالله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" فقال : ومعنى {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي دون هذا إلى العرش ، أي أقرب وأدنى إلى العرش ، وأخذ يفضلهما على الأوليين ..، وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.(9)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (4878 ) وصحيح مسلم (466 )
(2) - تفسير الطبري - (ج 23 / ص 57) صحيح
(3) - مسند أحمد(8917) صحيح
(4) - مسند الشاميين(973) صحيح لغيره
(5) - تفسير الطبري - (ج 23 / ص 59)حسن مقطوع
(6) - الآحاد والمثاني(3141) والزهد لهناد بن السري(113 ) صحيح
(7) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 501) فما بعدها
(8) - تفسير القرطبي (17/140) , الوَرِق:الفضة.
(9) - تفسير القرطبي (ج 17 / ص 184)(1/16)
المبحث الحادي عشر
أبوابُ الجنة
قال تعالى:( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ ){ص:50}
وَهَذَا المآبُ الحَسَنُ هُوَ جَنّاَتُ اسْتِقْرَارٍ وَإِقَامَةٍ مُفَتَّحَةٌ أَبْوَابُهَا إِكْرَاماً لَهُمْ لِيَدْخُلُوهَا آمِنِينَ .
وعن الحسن، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فَتكلم وتَكلم، فتهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى ، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ . وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِى الْحَدِيثِ - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ، فَيَأْتُونَ مُوسَى ، فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّى قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ عِيسَى إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - نَفْسِى نَفْسِى نَفْسِى ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِى ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَرْفَعُ رَأْسِى ، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ ، أُمَّتِى يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى »(2).
نهس : قبض على اللحم وانتزعه بمقدم الأسنان
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.(3)
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ سَبْعِ سِنِينَ.(4)
وللجنة ثمانية أبواب ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فِى الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ »(5).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ نُودِىَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا خَيْرٌ . فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ « نَعَمْ . وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ »(6).
الضرورة : الضرر أى لا يزاحم بعضهم بعضا
وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللهِ ، هَذَا خَيْرٌ ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلُّ أَحَدٍ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ.(7)
وَقَوْله : ( فِي سَبِيل اللَّه ) قِيلَ : هُوَ عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع وُجُوه الْخَيْر ، وَقِيلَ : هُوَ مَخْصُوص بِالْجِهَادِ ، وَالْأَوَّل أَصَحّ وَأَظْهَر . هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( نُودِيَ فِي الْجَنَّة : يَا عَبْد اللَّه هَذَا خَيْر ) قِيلَ : مَعْنَاهُ : لَك هُنَا خَيْر وَثَوَاب وَغِبْطَة . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ هَذَا الْبَاب فِيمَا نَعْتَقِدهُ خَيْر لَك مِنْ غَيْره مِنَ الْأَبْوَاب لِكَثْرَةِ ثَوَابه وَنَعِيمه ، فَتَعَالَ فَادْخُلْ مِنْهُ ، وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ كُلّ مُنَادٍ يَعْتَقِد ذَلِكَ الْبَاب أَفْضَل مِنْ غَيْره . قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّلَاة دُعِيَ مِنْ بَاب الصَّلَاة ) وَذَكَرَ مِثْله فِي الصَّدَقَة وَالْجِهَاد وَالصِّيَام . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : مَنْ كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ فِي عَمَله وَطَاعَته ذَلِكَ .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي صَاحِب الصَّوْم : ( دُعِيَ مِنْ بَاب الرَّيَّان ) قَالَ الْعُلَمَاء : سُمِّيَ بَاب الرَّيَّان تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَطْشَان بِالصَّوْمِ فِي الْهَوَاجِر سَيُرْوَى وَعَاقِبَتُهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ(8).
قال الحافظ ابن حجر : " وَقَعَ فِي الْحَدِيث ذِكْر أَرْبَعَة أَبْوَاب مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْجِهَاد ، وَبَقِيَ مِنَ الْأَرْكَان الْحَجّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكّ ، وَأَمَّا الثَّلَاثَة الْأُخْرَى فَمِنْهَا بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاس رَوَاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ رَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ أَشْعَث عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا " إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّة لَا يَدْخُلهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلِمَة "(حسن مرسل)
وَمِنْهَا الْبَابُ الْأَيْمَن وَهُوَ بَاب الْمُتَوَكِّلِينَ الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ وَلَا عَذَاب ، وَأَمَّا الثَّالِث فَلَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْر فَإِنَّ عِنْد التِّرْمِذِيّ مَا يُومِئ إِلَيْهِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَاب الْعِلْم وَاَللَّه أَعْلَم ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالْأَبْوَابِ الَّتِي يُدْعَى مِنْهَا أَبْوَاب مِنْ دَاخِل أَبْوَاب الْجَنَّة الْأَصْلِيَّة لِأَنَّ الْأَعْمَال الصَّالِحَة أَكْثَر عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَة ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"(9).
قال القرطبي : " قلت : فذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله أبواب الجنة في نوادر الأصول فذكر باب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو باب الرحمة ، وهو باب التوبة ، فهو منذ خلقه الله مفتوح لا يغلق ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة ، وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر . فباب منها للصلاة ، وباب للصوم ، وباب للزكاة و الصدقة ، وباب للحج ، وباب للجهاد ، وباب للصلة ، وباب للعمرة ، فزاد باب الحج ، وباب العمرة ، و باب الصلة ، فعلى هذا أبواب الجنة أحد عشر باباً .
ثم قال : قلت : قد ذكرنا أنها أكثر من ثمانية و بالله توفيقنا ، و أما كون الواو في و فتحت أبوابها واو الثمانية ، و أن أبواب الجنة كذلك ثمانية أبواب ، فقد جاء ما يدل على أنها ليست كذلك في قوله تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، فخلو المتكبر وهو ثامن اسم من الواو يدلُّ على بطلان ذلك القول وتضعيفه .
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَويِّ ، قَالَ : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا ، لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا ، وَوَاللهِ لَتُمْلأَنَّ ، أَفَعَجبْتُمْ ، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ "(10)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ - مُتَمَاسِكُونَ ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ »(11).
فهذه الأحاديث مع صحتها تدلُّ على أنها أكثر من الثمانية إذ هي غير ما تقدم(12)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 221) حسن
(2) - صحيح البخارى(4712 ) وصحيح مسلم (501)
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 401)(7389) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 400)(7388) صحيح
(5) - صحيح البخارى(3257 )
(6) - صحيح البخارى(1897 ) ومسلم (2418)
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 206)(3418) صحيح
(8) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 475)
(9) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 464) والتذكرة للقرطبي: ص 487
(10) - صحيح مسلم (7625 )
(11) - صحيح البخارى(6554) ومسلم (548 )
(12) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 91) فما بعد(1/17)
المبحث الثاني عشر
خزنة الجنة
خزنة:جمع خازن , كحفظة :جمع حافظ
قال تعالى: (وَسِيقَ الَذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) {الزمر 73}
وَيُوِجَّهُ المُتَّقُونَ إِلَى الجَنَّةِ جَمَاعَاتٍ إِثْرَ جَمَاعَاتٍ : المُقَرَّبُونَ ، ثُمَّ الأَبْرَارُ ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ . . فَإِذَا وَصَلُوا الجَنَّةَ تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُهَا لاسْتِقْبَالِهِمْ ، وَيَسْتَقْبِلُهُمْ حُرَّاسُهَا ( خَزَنُتهَا ) بالتَّحِيَةِ وَالسَّلاَمِ ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ وَأَقْوَالُكُمْ ، وَطَابَ سَعْيُكُمْ وَجَزَاؤُكُمْ ، فَادْخُلُوا الجَنَّةَ لِتَمْكُثُوا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً .
وهذه الآية الكريمة تثبت وجود خزنة للجنة, وهم من الملائكة ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ »(1).
وهذا الحديث كما يثبت وجود خزنة للجنَّة, يثبت كذلك فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرامته.
وعن الْحَسَنَ ، قَالَ : قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَمُّ الأَحْنَفِ : أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا مَالُكَ ؟ قَالَ : مَالِي عَمَلِي ، فَقُلْتُ : حَدَّثَنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ابْتَدَرَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا زَوْجَانِ ؟ قَالَ : فَرْسَانِ مِنْ خَيْلِهِ بَعِيرَانِ مِنْ إِبِلِهِ ، عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا تُسَمِّي الْفَرْدَيْنِ الْمُتَلاَزِمَيْنِ زَوْجَيْنِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات].(2)
وعَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَقَدْ أَوْرَدَ رَوَاحِلَ لَهُ ، فَسَقَاهَا ، ثُمَّ أَصْدَرَهَا وَقَدْ عَلَّقَ قِرْبَةً فِي عُنُقِ رَاحِلَةٍ لَهُ مِنْهَا ، لِيَشْرَبَ مِنْهَا ، وَيَسْقِي أَصْحَابَهُ ، وَذَلِكَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلاَقِ الْعَرَبِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ : مَا مَالُكَ ؟ قَالَ : مَالِي عَمَلِي ، قُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ ابْتَدَرَتْهُ حَجَبَةُ الْجَنَّةِ ، قُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا هَذَانِ الزَّوْجَانِ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَ رِجَالاً فَرَجُلاَنِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَيْلاً فَفَرَسَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ إِبِلاً فَبَعِيرَانِ ، حَتَّى عَدَّ أَصْنَافَ الْمَالِ كُلَّهُ.قُلْتُ : إِيهٍ يَا أَبَا ذَرٍّ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ.(3)
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " ذَكَرَ النَّارَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا ذِكْرًا لَا أَحْفَظُهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبِّهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا ، وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا ، كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فَشَرِبُوا مِنْهَا ، فَأَذْهَبَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى أَوْ بَأْسٍ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ وَلَمْ تُغَيَّرْ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَلَا تَشْعَثُ رُءُوسُهُمْ أَبَدًا كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَقَالُوا : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ، ثُمَّ تَلْقَاهُمُ الْوِلْدَانُ يَطِيفُونَ كَمَا يَطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ يَقْدُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْبَتِهِ يَقُولُونَ لَهُ : أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا قَالَ : ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ ، فَيَقُولُ : قَدْ جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَتْ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ قَالَ : أنَا رَأَيْتُهُ وَهُوَ بِأَثَرِي فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ ، فَإِذَا جَنْدَلٌ اللُّؤْلُؤُ فَوْقَهُ ، صَرْحٌ أَخْضَرُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى سَقْفِهِ ، فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَهُ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَإِذَا أَزْوَاجُهُ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ، ثُمَّ اتَّكَئُوا فَقَالُوا : :( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) قال: فتناديهم الملائكة:( أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا وَتَصْحَوْنَ _ أُرَاهُ قَالَ _ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا "(4)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(507 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 502)( 4644) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 502)( 4645) صحيح
(4) - مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْدِ (2147 ) حسن موقوف(1/18)
المبحث الرابع عشر
في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك
عن أبي الَمُدِلَّةِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. قَالَ « لَوْ تَكُونُونَ - أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ - عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِى أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِى لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَىْ يَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ « لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَوَاتِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ »(1).
وملاطها المسك: أي طينها المسك. قال ابن القيم:والغالب أن تراب الجنة من الزعفران فإذا عُجِن بالماء الطيب صار مسكا(2)
وعن أبي الْمُدِلَّةِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ ، فَقَالَ : لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ ، وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ ، فَلاَ يَبْؤُسُ ، وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.(3)
الملاط : الطين الذى يطلى به الحائط -اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار -الرَّض : الدَّق الجَرِيشُ والكسر ، والرضاض صغار الحصى المنكسر
وعن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن حائط الجنة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة »(4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَنَّة : كَيْفَ هِيَ ؟ قَالَ : مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَى لاَ يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ ، وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يُبْلَى شَبَابُهُ ، قِيلَ : يَارَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، مِلاَطُهَا مِسْكٌ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ.(5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ ، ثُمَّ شَقَّقَ فِيهَا الْأَنْهَارَ ، وَغَرَسَ فِيهَا الْأَشْجَارَ ، فَلَمَّا نَظَرَ الْمَلَائِكَةُ إِلَى حُسْنِهَا ، وَزَهْرِهَا ، قَالَتْ : طُوبَاكَ فِي مَنَازِلِ الْمُلُوكِ "(6)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَغَرَسَ غَرْسَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : طُوبَاكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ "(7)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , يَرْفَعُهُ , قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ , وَدَلَّى فِيهَا ثِمَارَهَا , وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , فَقَالَ:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , قَالَ: وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بِخَيْلٌ.(8)
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَرَاغًا مِنْ مِسْكٍ مِثْلَ مَرَاغِ دَوَابِّكُمْ فِي الدُّنْيَا "(9).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْيَهُودِ : " إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ، وَهِيَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ". فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا : خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ "(10).
الخبزة : الخبز -الدرمك : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض -الدرمكة : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض أى أن تربة الجنة فى بياضه
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ.(11)
مشمر للجنة : ساع لها غاية السعي ، طالب لها عن صدق ورغبة - مطرد : جارٍ يتبع بعضه بعضا - نضيجة : مكتملة النمو - الحبرة : النعيم العظيم
قال أبو محمد رحمه الله : هذا أوجز ما يكون من الكلام وأحسنه ، وتقديره : إن ريحانتها نضرة أبدا غضة ، ونورها مشرق لا يتغاير ، وأنهارها جارية ، ولأهلها أزواج لا يموتون ، ولا يهرمون ، ولا ينفد نعيمهم ، وهم فيها خالدون(12)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قال : قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لابْنَ صَائِدٍ : ما تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ ، يا أَبَا القاسِمِ ، قَالَ : صَدَقْتَ.(13).
الدرمكة : الدقيق الخالص المنقَّى الأبيض أى أن تربة الجنة فى بياضه
ـــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (8264) صحيح لغيره
(2) - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم : ص 128
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 396)(7387) صحيح لغيره
(4) - البعث والنشور للبيهقي(246 ) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 95)(35087) صحيح لغيره
(6) - البعث والنشور للبيهقي(251 ) ضعيف والصواب وقفه
(7) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (242 ) صحيح موقوف
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 293)(12555 ) حسن
(9) - المعجم الأوسط للطبراني(1828 ) حسن
(10) - مسند أحمد (15264) حسن
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن لغيره
(12) - الأمثال للرامهرمزي(109)
(13) - صحيح مسلم(7535)(1/19)
المبحث الخامس عشر
خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها
قال تعالى: (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ){الرحمن:72}
وفي الجَنَّةِ نِسَاءٌ حِسَانُ الوُجُوهِ ، حُورُ العُيُونِ ، قَدْ قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَن النَّظَرِ إلى غَيرِ أزْواجِهِنَّ ، وَقَدْ لاَزَمْنَ بُيُوتَهُنَّ ، فَلَسْنَ بِطَوَّافَاتٍ في الطُّرُقَاتِ .
وهذه الخيام غير الغرف, فعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ »(1).
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عبد الله بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً ،لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ، فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا.(2)
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْخَيْمَةَ دُرَّةٌ ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ ، لاَ يَرَاهُمْ غَيْرُهُمْ.(3)
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيْلا ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لا يَرَاهُمُ الآخِرُونَ ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ "(4)
وقال تعالى: (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ *ٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) {الغاشية:13-16},
والنمارق:هي الوسائد,والزرابى:هي البُسُط.وتأمل كيف وصف الله تعالى الفُرش بأنها مرفوعة,والزرابى بأنها مبثوثة,والنمارق بأنها مصفوفة.فرفع الفرش دال ٌعلى سمكها ولينها, بثُّ الزرابِّي: دالٌ على كثرتها وانتشارها في كل موضع, وصفُّ المساند: دالٌ على أنها مهيأة للاستناد إليها دائماً وأنها ليست مخبأة تُصفُّ في وقتٍ دون وقت(5)
وقال تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ){الرحمن:76}, قال الحسن وغيره:الرفارف:البسط,وقال ابن كيسان:المرافق,وقال الزجاج:قالوا: الرفرف هنا رياض الجنة, وقالوا:الوسائد,وقالوا: المحابس, قال في الصحاح : الرفرف ثيابٌ خضر يُتخذ منها المحابس ,الواحدة:رفرفة.ومعنى العبقري:الزرابي, والطنافس الموشية الثمينة , قال أبو عبيدة: كل وشي من البسط عبقري, قال الجوهري: العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن,ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من حذقه وجودة صنعته وقوته فقالوا:عبقري,وهو واحد وجمع(6)
وفى الجنة غرف وقصور عظيمة , يدلُّ على ذلك قول الله تعالى: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (20) سورة الزمر، أَمَّا المُتَّقُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيهِمْ عَلَى إِيْمَانِهِمْ وَعَمَلِهِم الصَّالِحِ بِإِدْخَالِهِم الجَنَّةَ ، وَبِأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ فِيهَا دُوْراً شَاهِقَةً ( غُرَفٌ ) مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مُحْكَمةُ البُنْيَانِ ، وَتَجْرِي الأَنْهَارُ خِلاَلَ أَشْجَارِهَا ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ حَقٌّ لِلمُتَّقِينَ ، وَاللهُ لاَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ أبداً .
فأخبر تعالى أنها غُرف فوق غرف , وأنها مبنيةٌ, حتى لا تتوهم النفوس أن في ذلك تمثيل أو خيال,بل هو على الحقيقة .
وقال تعالى: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (37) سورة سبأ.
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : إِنَّ أمْوَالَكُمُ التي تُفَاخِرُونَ النَّاسَ بِها ، وَأَوْلادَكُم الذِينَ تَسْتَكْبِرُونَ بِهِمْ عَلَى النَّاسِ ، لا تُقرِّبُكُمْ مِنَ اللهِ ، وَليسَتْ دَليلاً عَلَى عِنَايَتِهِ بِكُمْ ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً جَزَاءَ عَمَلِهِ فَيَجْزِيهِ بِالحَسَنَةِ عَشَرَةَ أَمْثَالِها إِلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ ، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ ، وَيَجْعَلُ مَسْكَنَهُ فِي غُرُفَاتِها العَالِيَةِ ، وَهُوَ آمِنٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَشَرٍّ وَهَوْلٍ .
وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان
وهؤُلاءِ المؤمِنُونَ المُتَّصِفُون بالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ ، يُجْزَوْنَ ، يومَ القِيامةِ ، بالدَّرَجاتِ العَالية ، والمنَازِلِ الرَّفيعةِ ، في الجَنَّةِ ، لصَبْرِهِمْ على القِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ ، وتَتلقاهُمُ المَلائِكَةُ في الجَنَّةِ بالتَّحِيةِ والسَّلامِ ، فلهُمُ السَّلامُ ، وعليهمُ السَّلامُ .
وأخبر عن امرأة فرعون { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (11) سورة التحريم.
وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ تَضُرُّهُمْ مُخَالَطَةُ الكَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِليهِمْ ، فَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنَةً مُخْلِصَةً للهِ ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيَةً جَبَّاراً ، فَمَا ضَرَّ امْرأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَادِلٌ ، لاَ يُؤَاخِذُ أَحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ . وَقَدْ سَأَلَت امْرأَةُ فِرْعَوْنَ رَبَّهَا أَنْ يَجْعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَنْ يَبْنِيَ لَهَا عِنْدَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ ، وَأَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الخَبِيثَةِ ، وَأَنْ يُنَجِّيهَا مِنْ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِى الْجَنَّةِ , كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ.(7)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ ، مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ : بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.(8)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ أَوْ تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ وَالطَّالِعَ فِى تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ قَالَ بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.(9)
ويستفاد من هذا الحديث أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة, بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال, فبعضها أعلى من بعض وأرفع .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ . فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِى أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لاَ ،قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ . قَالَ « بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ »(10). القصب : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : أَتَى جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ سَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.(11).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاَ سَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ.(12)
قيل:لأنها حازت قصب السبق في التصديق بالرسالة فكان جزاؤها قصراً من قصب ..
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ . فَمَا مَنَعَنِى أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلاَّ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ » . قَالَ وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"(13)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ فَقَالُوا : لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِي ، قُلْتُ : مَنْ هُوَ ؟ قِيلَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا أَبَا حَفْصٍ لَوْلاَ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ لَدَخَلْتُهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ كُنْتُ أَغَارُ عَلَيْهِ ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَغَارُ عَلَيْكَ.(14)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ فِضَّةٍ وَجَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ ».
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ».(15)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَرَجُلٌ لَهُ دَارٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا . وَإِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ . مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاؤُهُ مِنْ جَنْبَيْهِ وَقَدَمَيْهِ , وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ يَفُورُ(16)
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَأَنَّهُ مِرْجَلٌ ، مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاءُ جَنْبَيْهِ مِنْ قَدَمَيْهِ ، وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ ، فَهُوَ يَفُورُ.(17)
المرجل : إناء يغلى فيه الماء ، سواء كان مِن نحاس وغيره ، وله صوت عند غليان الماء فيه
وعن عبد الله ، قال : لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب ، تدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ، ولا ذفرات ، ولا سخرات ، ولا طماحات حور عين كأنهن بيض مكنون "(18)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الْخَيْمَةُ لُؤْلُؤْة مُجَوَّفَةٌ ، فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، لَهَا أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ.(19)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ ، فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، فِيهِ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِصْرَاعٍ.(20)0 المصراع : جانب الباب
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(21)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ فِى الْجَنَّةِ غُرْفَاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا.فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ: لِمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(22)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ"(23)
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(24)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا , وَيُرَى مِنْ بَاطِنِهَا فِي ظَاهِرُهَا , قِيلَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَفْشَى السَّلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَبَاتَ بِاللَّيْلِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ "(25)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرُهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(26)
وعن علي ، رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا " ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلَامِ ، وَأَفْشَى السَّلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "(27)
وعن جابر بن عبد الله ، قَالَ : قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِغُرَفِ الْجَنَّةِ ؟ " ، قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأَمِّنَا ، قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَرِ كُلِّهِ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَالسَّرَفِ ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَنْ هَذِهِ الْغُرَفُ ؟ قَالَ : " لِمَنْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " أُمَّتِي تُطِيقُ ذَلِكَ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يُشْبِعَهُمْ ، فَقَدْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَقَدْ أَدَامَ الصِّيَامَ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، وَصَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، وَالْيَهُودُ ، وَالنَّصَارَى ، وَالْمَجُوسُ "(28)
وعَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، وأبي هريرة، قَالا: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ: "وَمَسَاكِنَ طَيْبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ"[الصف آية 12] قَالَ:"قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، فِيهَا سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَكُلُّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأَةٌ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيْفًا وَوَصِيفَةً، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ".(29)
واعلم أن أهل الجنة يعرفون غرفهم ومساكنهم حين دخولهم الجنة وإن لم يروها قبل ذلك , قال تعالى: ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) [محمد/4-7]) .
والذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم، سيوفقهم أيام حياتهم في الدنيا إلى طاعته ومرضاته، ويُصْلح حالهم وأمورهم وثوابهم في الدنيا والآخرة، ويدخلهم الجنة، عرَّفهم بها ونعتها لهم، ووفقهم للقيام بما أمرهم به -ومن جملته الشهادة في سبيله-، ثم عرَّفهم إذا دخلوا الجنة منازلهم بها. وعن مجاهد، في قوله( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا.(30)
وقال ابن زيد، في قوله( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) قال: بلغنا عن غير واحد قال: يدخل أهل الجنة الجنة، ولهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا; قال: فتلك قول الله جلّ ثناؤه( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ).(31)
وقال القرطبي :" قال أكثر أهل التفسير : إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم"(32).
__________
(1) - صحيح البخارى(4879 )
(2) - صحيح مسلم (7337 )
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 105)(35117) صحيح
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي(7331) صحيح
(5) - حادي الأرواح لابن القيم ص:198
(6) - تفسير فتح القدير للشوكانى (5/143)
(7) - صحيح البخارى(6555 ) ومسلم (7319 )
(8) - صحيح مسلم (7322)
(9) - مسند أحمد (8695) صحيح
(10) - صحيح البخارى(1791 ) ومسلم (6427)
(11) - صحيح مسلم (6426 ) وصحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 469)(7009)
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 466)(7005) صحيح
(13) - صحيح البخارى(7024 )
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 250)(54) صحيح
(15) - سنن الترمذى(2719و2620) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(16) - الزهد لأسد بن موسى (8 ) صحيح مرسل
(17) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 157)(35270) صحيح مرسل
(18) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (306) ضعيف
(19) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 133)(35193) صحيح ومثله لا يقال بالرأي
(20) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 135)(35197) صحيح لغيره
(21) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 262)(509) صحيح
(22) - غاية المقصد فى زوائد المسند(4018 ) صحيح لغيره
(23) - المستدرك للحاكم (270) صحيح
(24) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 262)(509) صحيح
(25) - مسند الشاميين(1247) صحيح لغيره
(26) - مسند البزار (702) صحيح لغيره
(27) - شعب الإيمان للبيهقي (3210 ) صحيح لغيره
(28) - البعث والنشور للبيهقي(243 ) حسن لغيره
(29) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 49)(14768 ) ضعيف
(30) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 160) حسن
(31) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 160) صحيح
(32) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 441)(1/20)
وعَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِى دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِى الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِى الدُّنْيَا »(1).
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَلَام أَنَّ الْمَلَائِكَة تَدُلُّهُمْ عَلَى طَرِيق الْجَنَّة يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يُحْبَسْ بِالْقَنْطَرَةِ أَوْ عَلَى الْجَمِيع ، وَالْمُرَاد أَنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول ذَلِكَ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَمَنْ دَخَلَ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِمَنْزِلِهِ فِيهَا كَمَعْرِفَتِهِ بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَوْل بَعْد الدُّخُول مُبَالَغَةٌ فِي التَّبْشِير وَالتَّكْرِيم ، وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَلَام الْمَذْكُور أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك فِي الزُّهْد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم .(2)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6535 )
(2) - فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 382)(1/21)
المبحث السادس عشر
نور الجنة
قال القرطبي : " قوله تعالى : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا؛ أي في قدر هذين الوقتين؛ إذ لا بكرة ثَمَّ ولا عشياً؛ كقوله تعالى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [ سبأ : 12 ] أي قدر شهر؛ قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما . وقيل : عرّفهم اعتدال أحوال أهل الجنة؛ وكان أهنأ النعمة عند العرب التمكين من المطعم والمشرب بكرة وعشيا . قال يحيى بن أبي كثير وقتادة : كانت العرب في زمانها من وجد غداء وعشاء معاً فذلك هو الناعم؛ فنزلت . وقيل : أي رزقهم فيها غير منقطع ، كما قال : " لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ " وهو كما تقول : أنا أصبح وأمسي في ذكرك . أي ذكري لك دائم . ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم ، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم؛ لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال . وهذا يرجع إلى القول الأوّل . وروى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس قال : قال مالك بن أنس : طعام المؤمنين في اليوم مرتان ، وتلا قول الله عز وجل : { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ثم قال : وعوّض الله عز وجل المؤمنين في الصيام السحور بدلاً من الغداء ليقووا به على عبادة ربهم . وقيل : إنما ذكر ذلك لأن صفة الغداء وهيئته غير صفة العشاء وهيئته؛ وهذا لا يعرفه إلا الملوك . وكذلك يكون في الجنة رزق الغداء غير رزق العشاء تتلون عليهم النعم ليزدادوا تنعماً وغبطة . وخرج الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» من حديث أبان(1)عن الحسن وأبي قِلابة قالا : " قال رجل : يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال : «وما هيّجك على هذا» قال : سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } فقلت : الليل بين البكرة والعشي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يردُّ الغدوّ على الرواح والرواح على الغدوّ وتأتيهم طُرَف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة» " وهذا في غاية البيان لمعنى الآية ، وقد ذكرناه في كتاب «التذكرة» . وقال العلماء : ليس في الجنة ليل ولا نهار ، وإنما هم في نور أبداً؛ إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب ، وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب . ذكره أبو الفرج الجوزيّ والمهدويّ وغيرهما .(2)
وقال الطبري(3): " وقوله( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) يقول: ولهم طعامهم وما يشتهون من المطاعم والمشارب في قدر وقت البُكرة ووقت العشيّ من نهار أيام الدنيا، وإنما يعني أن الذي بين غدائهم وعشائهم في الجنة قدر ما بين غداء احدنا في الدنيا وعشائه، وكذلك ما بين العشاء والغداء وذلك لأنه لا ليل في الجنة ولا نهار، وذلك كقوله( خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) و(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) يعني به: من أيام الدنيا.
كما حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت زهير بن محمد، عن قول الله:( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبد، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب.
حدثنا عليّ، قال: ثنا الوليد، عن خليد ، عن الحسن، وذكر أبواب الجنة، فقال: أبواب يُرى ظاهرها من باطنها، فَتكلم وتَكلم، فتهمهم انفتحي انغلقي، فتفعل.
حدثني ابن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا عامر بن يساف، عن يحيى، قال: كانت العرب في زمانهم من وجد منهم عشاء وغداء، فذاك الناعم في أنفسهم، فأنزل الله( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) : قدر ما بين غدائكم في الدنيا إلى عشائكم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله:( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) قال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء عجب له، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة بكرة وعشيا، قدر ذلك الغداء والعشاء.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، فال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال: ليس بكرة ولا عشيّ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادةقَوْله :{ وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } فِيهَا سَاعَتَانِ بُكْرَة وَعَشِيّ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمْ لَيْسَ ثَمَّ لَيْل , إِنَّمَا هُوَ ضَوْء وَنُور .(4)
وعن الحسن: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } قال: البكور يرد على العشي، والعشي يرد على البكور، ليس فيها ليل.(5)
وقال ابن كثير(6): " وقوله: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } أي: في مثل وقت البُكُرات ووقت العَشيّات، لا أن هناك ليلا أو نهارًا ولكنهم في أوقات تتعاقب، يعرفون مضيها بأضواء وأنوار،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بَكْرَةً وَعَشِيًّا.(7)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا.(8)
ويقول ابن تيمية في هذا الموضوع :" وَالْجَنَّةُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ وَلَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ لَكِنْ تُعْرَفُ الْبُكْرَةُ وَالْعَشِيَّةُ بِنُورِ يَظْهَرُ مِنْ قِبَلِ الْعَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "(9)
ـــــــــــــ
__________
(1) - أبان ضعيف
(2) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 3520) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 147)
(3) - وتفسير الطبري - (ج 18 / ص 220) وانظر تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 248)
(4) - تفسير الطبري (17944 ) صحيح مرسل
(5) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 248) صحيح مقطوع
(6) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 247)
(7) - مسلم (7330) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 463)(7436)
(8) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 515)(4658) صحيح
(9) - مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 312)(1/22)
المبحث السابع عشر
ريح الجنة
للجنة رائحةٌ عبقةٌ زكية تملأ جنباتها ، وهذه الرائحة يجدها المؤمنون من مسافات شاسعة,وجاءت السنة بإثبات ذلك,وأن بعض الذنوب تحرم صاحبها رائحة الجنة, فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.(1).
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين
وعَنْ ثَلاَثِينَ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا وَانْتَقَصَهُ وَكَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِصْبَعِهِ إِلَى صَدْرِهِ :« أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنْ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ».(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلا يَتَّبِعَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ ، أَلا وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لا يَرِيحَ رِيحَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(3)
الغداة : الصبح - الذمة والذمام : العَهْد، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ -ذمة الله : عهده وأمانه في الدنيا والآخرة - الخَرِيف : الزَّمَانُ المَعْرُوفُ من فصول السَّنّة ما بين الصَّيف والشتاء ويطلق على العام كله
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا.(4)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا »(6).
وعَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ "(7)
العقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما - المنان : الفخور على من أعطى حتى يُفسِدَ عطاءَهُ
َقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ لَا يَكُون الْعَدَد بِخُصُوصِهِ مَقْصُودًا بَلِ الْمَقْصُود الْمُبَالَغَة فِي التَّكْثِير ، وَلِهَذَا خَصَّ الْأَرْبَعِينَ وَالسَّبْعِينَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيع أَنْوَاع الْعَدَد لِأَنَّ فِيهِ الْآحَاد وَآحَاده عَشَرَة وَالْمِائَة عَشَرَات وَالْأَلْف مِئَات وَالسَّبْع عَدَد فَوْق الْعَدَد الْكَامِل وَهُوَ سِتَّة إِذْ أَجْزَاؤُهُ بِقَدْرِهِ وَهِيَ النِّصْف وَالثُّلُث وَالسُّدُس بِغَيْرِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان ، وَأَمَّا الْخَمْسمِائَةِ فَهِيَ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض .
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي فِي الْجَمْع أَنْ يُقَال : إِنَّ الْأَرْبَعِينَ أَقَلُّ زَمَن يُدْرِكُ بِهِ رِيح الْجَنَّة مَنْ فِي الْمَوْقِف ، وَالسَّبْعِينَ فَوْق ذَلِكَ أَوْ ذُكِرَتْ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَالْخَمْسمِائَةِ ثُمَّ الْأَلْف أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاص وَالْأَعْمَال ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَة الْبُعْدَى أَفْضَلُ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَة الْقُرْبَى وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ : الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاص بِتَفَاوُتِ مَنَازِلهمْ وَدَرَجَاتهمْ . ثُمَّ رَأَيْت نَحْوه فِي كَلَام اِبْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ : رِيحُ الْجَنَّة لَا يُدْرَك بِطَبِيعَةٍ وَلَا عَادَة وَإِنَّمَا يُدْرَك بِمَا يَخْلُق اللَّه مِنْ إِدْرَاكه فَتَارَة يُدْرِكهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَسِيرَة سَبْعِينَ وَتَارَة مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةٍ(8).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم ( 5704 ) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 500)(7461)
ذكر العلماء في معنى( كاسيات عاريات)أوجه:منها أن تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ومنها: أن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها.و(مميلات مائلات)أي:مميلات للرجال بزينتهن,مائلات إليهم وقيل:مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن,و(البخت)هى نوع من الإبل.والحديث من نبوءات النبي - صلى الله عليه وسلم -
(2) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 205)(19201) صحيح
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (6452) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 240)(4882) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 391)(7382) صحيح
(6) - صحيح البخارى (6914 )
(7) - تهذيب الآثار للطبري(1566 ) صحيح مرسل
(8) - فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 369)(1/23)
المبحث الثامن عشر
أهل الجنة يرثون أهل النار
جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين : منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار ، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة ، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) [المؤمنون/10-11] )
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ مَنْزِلاَنِ مَنْزِلٌ فِى الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِى النَّارِ فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) ».(1)
وعن أبي هريرة، في قوله،( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) قال: يرثون مساكنهم، ومساكن إخوانهم التي أعدّت لهم لو أطاعوا الله.(2)
وعن ابن جُرَيج، قال: الوارثون الجنة أورثتموها، والجنة التي نورث من عبادنا هن سواء، قال ابن جريج: قال مجاهد: يرث الذي من أهل الجنة أهله وأهل غيره، ومنزل الذين من أهل النار، هم يرثون أهل النار، فلهم منزلان في الجنة وأهلان، وذلك أنه منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فَيَبْنِي منزله الذي في الجنة، ويهدم منزله في النار. وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة. ويبني منزله الذي في النار.(3)
وقد قيل: إنّ معنى"خسارتهم أنفسهم"، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، [سورة المؤمنون: 11](4).
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له ، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة ، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له ، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضا ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ».(5)
وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ».(6)
وهذا الحديث كقوله تعالى {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم ، وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف ، فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان .(7)
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ تَفْسِيرًا لِحَدِيثِ الْفِدَاءِ ، وَالْكَافِرُ إِذَا أُورِثَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَالْمُؤْمِنُ إِذَا أُورِثَ عَلَى الْكَافِرِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ فُدِيَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ عَلَّلَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثَ الْفِدَاءِ بِرِوَايَةِ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، عَنْ أَبِيهِ وَبِرِوَايَةِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، وَبِرِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْهُ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَالَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الشَّفَاعَةِ ، وَأَنَّ قَوْمًا يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ أَكْثَرَ وَأَبَيْنَ . وَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا وَغَيْرِهَا وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْفِدَاءِ وَإِنْ وَرَدَ مَوْرِدَ الْعُمُومِ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ مُؤْمِنٍ قَدْ صَارَتْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَايَا فِي حَيَاتِهِ فَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ ، إِنَّ أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ جَعَلَ اللَّهُ عَذَابَهَا بِأَيْدِيهَا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ فَكَانَ فِدَاؤُهُ مِنَ النَّارِ ، وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ تَصِرْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً فِي حَيَاتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ لَهُمْ فِي حَدِيثِ الْفِدَاءِ بَعْدَ الشَّفَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ :أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ « عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ مِثْلِ الْجِبَالِ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى " " فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا قَالَهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ ، فَهَذَا حَدِيثٌ شَكٌّ فِيهِ رَاوِيهِ ، وَشَدَّادُ أَبُو طَلْحَةَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ اسْتَشْهَدَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فَلَيْسَ هُوَ مِمَنْ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ كيف ، وَالَّذِينَ خَالَفُوهُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ عَدَدٌ وَهُوَ وَاحِدٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ خَالَفَهُ أَحْفَظُ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِتَأْوِيلِ مَا رَوَاهُ مَعَ خِلَافِ ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْأُصُولَ الصَّحِيحَةَ الْمُمَهَّدَةَ فِي : وَاللَّهُ أَعْلَمُ "(8)
ـــــــــــــ
__________
(1) سنن ابن ماجه (4485) صحيح
(2) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 12) صحيح
(3) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 13) صحيح
(4) - تفسير الطبري - (ج 11 / ص 294)
(5) - صحيح مسلم (7190 )
(6) - صحيح مسلم(7187 )
(7) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 464) فما بعد
(8) - شعب الإيمان للبيهقي(402)(1/24)
المبحث التاسع عشر
في أنهار الجنة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِى الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ »(1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ , وَمَجْرَاهُ عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِ , تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْك , وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ.(2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِى الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَالْمَاءُ يَجْرِى عَلَى اللُّؤْلُؤِ وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ »(3).
الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
وعن ابن عباس ، في قوله عز وجل : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) سورة الكوثر، قال : هو :« نهر في الجنة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، شاطئاه اللؤلؤ ، والزبرجد والياقوت خص الله عز وجل به نبيه - صلى الله عليه وسلم - دون الأنبياء عليهم السلام »(4)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، أَحَدُ حَافَّتَيْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْأُخْرَى الْيَاقُوتُ وَطِينُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ " ، قُلْتُ : مَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ "(5)- أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا يُقَالُ لَهُ الْبَيْدَخُ عَلَيْهِ قِبَابُ الْيَاقُوتِ تَحْتَهُ جَوَارٍ نَابِتَاتٌ ، يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَيْدَخِ فَيَجِيئُونَ فَيَتَصَفَّحُونَ تِلْكَ الْجَوَارِيَ ، فَإِذَا أَعْجَبَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ جَارِيَةٌ مَسَّ مِعْصَمَهَا فَتَبِعَتْهُ وَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى(6)
البيدج والبيدخ : نهر في الجنة - القبة : الخيمة الصغيرة أو البناء المستدير المقوس المجوف
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي مَجْرَى الْمَاءِ ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ، أَوْ أَعْطَاكَ رَبُّكَ.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي ، بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي ، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ.
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : حَافَّتَاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، أَرَادَ بِهِ : قِبَابَ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ.
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عَرَضَ لِي نَهَرٌ ، حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ ، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعَهُ : أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِهِ ، فَأَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ الْمِسْكَ.(7)
الحَافة : ناحِية الموضع وجانبه - أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ « بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِى الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى أَعْطَاكَ رَبُّكَ . فَإِذَا طِينُهُ - أَوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أَذْفَرُ »(8).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ تِلاَلِ - أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ - مِسْكٍ.(9)
وعن زميل بن سماك ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ ، يَقُولُ : قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ ، كَأَنَّهَا مِرْآةٌ " . قُلْتُ : فَمَا نُورُهَا ؟ قَالَ : " أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ كَذَلِكَ نُورُهَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ ، وَلَا زَمْهَرِيرٌ " . قُلْتُ : فَمَا أَنْهَارُهَا ؟ أَفِي خُدَّةٍ ؟ قَالَ : " لَا ، وَلَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ مُنْسَكِبَةً ، لَا تَفِيضُ هَاهُنَا ، وَلَا هَاهُنَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا كُونِي "(10)
المَرْمَر : وهو نوعٌ من الرُّخامِ صُلْبٌ -الزَّمْهَرِير : شِدَّةُ البرْد وهو الذي أعدّه اللّه عَذاباً للكفَّار في الدَّار الآخرة
وعن زميل بن سماك ، أَنَّ سِمَاكًا سَمِعَ أَبَاهُ ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " مَرْمَرَةٌ كَأَنَّهَا مِرْآةٌ " قُلْتُ : مَا نُورُهَا ؟ قَالَ : " أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَذَلِكَ نُورُهَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرُ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَنْهَارُهَا ؟ أَفِي أُخْدُودٍ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ مُسْتَكِنَّةً لَا تُفِيضُ هَاهُنَا وَلَا هَاهُنَا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ " . قُلْتُ : فَمَا حُلَلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " شَجَرَةٌ فِيهَا ثَمَرٌ كَأَنَّهُ الرُّمَّانِ ، فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا كِسْوَةً انْحَدَرَتْ إِلَيْهِ مِنْ غُصْنِهَا فَانْفَلَقَتْ لَهُ عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً أَلْوَانًا بَعْدَ أَلْوَانٍ ثُمَّ تَنْطَبِقُ فَتَرْجِعُ كَمَا كَانَتْ "(11)
وعن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " فِي الْجَنَّةِ بَحْرٌ لِلْمَاءِ ، وَبَحْرٌ لِلَّبَنِ ، وَبَحْرٌ لِلْعَسَلِ ، وَبَحْرٌ لِلْخَمْرِ ، ثُمَّ تُشْتَقُّ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ " قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ فَقَالَ : لَمْ أَسْمَعْهُمَا(12)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، أَحَدُ حَافَّتَيْهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْأُخْرَى الْيَاقُوتُ وَطِينُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ " ، قُلْتُ : مَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ " "(13)- أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْكَوْثَرُ قَالَ « ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِى فِى الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ».(14)
الجزر : جمع جزور وهو البعير
ـــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(3686 ) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 440)(32319) صحيح
(3) - مسند أحمد (5479) صحيح
(4) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (141 ) فيه ضعف
(5) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (66 ) صحيح
(6) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (67 ) رجاله ثقات لكن الزهري لم يسمع من ابن عباس
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 390)(6472- 6474) صحيح
(8) - صحيح البخارى (6581 )
(9) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 423)(7408) صحيح لغيره
(10) - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(585) حسن
فيه زميل بن سماك الحنفي روى عن أبيه روى عنه عبد ربه بن بارق بن سماك الحنفي وزميل خاله سمعت أبي يقول ذلك الجرح والتعديل [ ج 3 -ص620 ]( 2807 )
(11) - صفة الجنة لا بن أبي الدنيا (140) حسن وحسنه المنذري في الترغيب
(12) - البعث والنشور للبيهقي(229) فيه ضعف
(13) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(337 ) وصفة الجنة(66 ) صحيح موقوف
(14) - سنن الترمذى (2738 ) حسن(1/25)
المبحث العشرون
في شجر الجنة وثمارها
قال الله تعالى-فى وصف الجنتين الأوليين,في سورة الرحمن: (ذَوَاتَا أَفْنَان) {آية48} أي:أغصان,وفي وصف الجنتين الثانيتين قال: (فِيهِمَا فَاكِهَة ٌوَنَخْلٌ وَرُمَّان){آية68}
وقال تعالى : (وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُود ٍ* وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ){الواقعة27-30} والسدر:شجر النبق,ووصفه بأنه مخضود:أي لا شوك فيه,وقيل:قطع شوكه وجعل مكانه ثمراًعظيماً ،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ يَنْفَعُنَا بِالأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُؤْذِي صَاحِبَهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : السِّدْرُ ، فَإِنَّ لَهَا شَوْكًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ يَخْضِدُ اللَّهُ شَوْكَهُ فَيُجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ ، فَإِنَّهَا تُنْبِتُ ثَمَرًا تُفْتَقُ الثَّمَرَةُ مَعَهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مَا مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الآخَرَ "(1)
.وقال أمية بن أبى الصلت-يصف الجنة-:
إن الحدائق في الجنان ظليلة. فيها الكواعب سدرها مخضود(2)
والطلح:هو شجر الموز,قاله أكثر المفسرين,وهو قول ابن عباس وعلى وأبوهريرة وأبو سعيد الخدرى-رضى الله عنهم-.
وأما الظل الممدود:فيفسره حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (30) سورة الواقعة»(3).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ ، لاَ يَقْطَعُهَا.(4)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ».
وزاد أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا ».(5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا طُوبَى ؟ قَالَ : شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا.(6)
المضمر : المعد للسباق بالعلف والتمرين
وعن عَامِرَ بْنِ زَيْدٍ الْبِكَالِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ ، يَقُولُ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا فَاكِهَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : فِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، فَقَالَ : أَيُّ شَجَرِنَا تُشْبِهُ ، قَالَ : لَيْسَ تُشْبِهُ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ ، وَلَكِنْ أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ قَالَ : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : وَإِنَّهَا شَجَرَةٌ بِالشَّامِ تُدْعَى الْجُمَيْزَةَ تَشْتَدُّ عَلَى سَاقٍ ، ثُمَّ يُنْشَرُ أَعْلاَهَا ، قَالَ : مَا عِظَمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ : لَوِ ارْتَحَلْتَ جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَطْتَ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تُرْقُوَتَاهَا هَرَمًا.(7)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَذُكِرَ لَهُ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى قَالَ « يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ شَكَّ يَحْيَى فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلاَلُ »(8).
الفنن : الغصن - القلال : جمع قلة أى كقلال هجر فى الكبر
وعَنْ زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ ، وَاقَرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} ، فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا ، فَقَالَ : صَدَقَ ، وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى ، وَالْفُرْقَانَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، لَوْ أَنَّ رَجُلاً رَكِبَ حِقَّةً ، أَوْ جَذَعَةً ، ثُمَّ أَدَارَ بِأَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ ، مَا بَلَغَهَا حَتَّى يَسْقُطَ هَرِمًا ، إِنَّ اللَّهَ غَرَسَهَا بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ ، وَإِنَّ أَفْنَانَهَا مِنْ وَرَاءِ سُوَرِ الْجَنَّةِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ نَهْرٌ إِلاَّ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ.(9)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ فِي كُلِّ نَوَاحِيهَا " . قَالَ : " فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ ، أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا ، فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا "(10)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(11).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.(12)
وقَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبَكَالِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ ، يَقُولُ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا حَوْضُكَ الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ : هُوَ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى ، ثُمَّ يُمِدُّنِي اللَّهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ لاَ يَدْرِي بَشَرٌ مِمَّنْ خُلِقَ أَيُّ طَرَفَيْهِ ، قَالَ : فَكَبَّرَ عُمَرُ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَّا الْحَوْضُ فَيَزْدَحِمُ عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ يُقْتُلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَيَمُوتُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ يُورِدَنِيَ اللَّهُ الْكُرَاعَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ.(13)
وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : مَا حَوْضُكَ الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ ؟ قَالَ : " كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى ، يُمِدُّنِي اللَّهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ ، لَا يَدْرِي إِنْسَانٌ [ مِمَّنْ ] خُلِقَ أَيْنَ طَرَفَاهُ ؟ " . فَكَبَّرَ عُمَرُ ، فَقَالَ : " أَمَّا الْحَوْضُ فَيَرِدُ عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَيَمُوتُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ يُورِدَنِي الْكُرَاعَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ " . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ يَشْفَعُ كُلُّ أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا ، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِكَفَّيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ " . فَكَبَّرَ عُمَرُ ، وَقَالَ : " إِنَّ السَّبْعِينَ الْأُولَى يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي آبَائِهِمْ ، وَأَبْنَائِهِمْ ، وَعَشَائِرِهِمْ ، وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ فِي إِحْدَى الْحَثَيَاتِ الْأَوَاخِرِ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فِيهَا فَاكِهَةٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ . وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، طَابِقُ الْفِرْدَوْسِ " ، فَقَالَ : أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ ؟ قَالَ : " لَيْسَ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ ، وَلَكِنْ أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ " . قَالَ : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَإِنَّهَا تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةَ ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ أَعْلَاهَا " . قَالَ : فَمَا عُظْمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ : " لَوِ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ لَمَا قَطَعَتْهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا " . قَالَ : فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : مَا عُظْمُ الْعُنْقُودِ فِيهَا ؟ . قَالَ : " مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ ، لَا يَنْثَنِي وَلَا يَفْتُرُ " . قَالَ : فَمَا عُظْمُ الْحَبَّةِ مِنْهُ ؟ قَالَ : " هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ عَظِيمًا ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَسَلَخَ إِهَابَهَا فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ ، فَقَالَ : ادْبَغِي هَذَا ، ثُمَّ أَفْرِي لَنَا مِنْهُ ذَنُوبًا نَرْوِي [ بِهِ ] مَاشِيَتَنَا ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ تُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي ؟ " . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ "(14).
الحوض : نهر الكوثر - الحثو والحثي : الاغتراف بملء الكفين ، وإلقاء ما فيهما
- التَرْقُوَة : عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان - الهرم : كِبر السّن وضعفه - الأبْقع : الذي فيه سواد وبياض - الإهاب : الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ
وعن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : كنا مع عبد الله بالشام أو بعمان ، فتذاكروا الجنة ، فقال : « إن العنقود من عناقيدها من هاهنا إلى صنعاء »(15)
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ فَذَهَبْتُ أَتَنَاوَلُ مِنْهَا قِطْفًا أُرِيكُمُوهُ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ " . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا مَثَلُ الْحَبَّةِ مِنَ الْعِنَبِ ؟ قَالَ : " كَأَعْظَمِ دَلْوٍ فَرَتْ أُمُّكَ قَطُّ "(16).
الدلو : إناء يُستقى به من البئر ونحوه - قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " نَزَلْنَا لِلصِّفَاحِ ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَبْلُغَهُ قَالَ : فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ : انْطَلِقْ بِهَذَا النِّطْعِ فَأَظِلَّهُ ، قَالَ : فَانْطَلَقَ فَأَظَلَّهُ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا هُوَ سَلْمَانُ ، فَأَتَيْتُهُ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا جَرِيرُ تَوَاضَعْ لِلَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا رَفَعَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَا جَرِيرُ هَلْ تَدْرِي مَا الظُّلُمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قُلْتُ : لَا أَدْرِي ، قَالَ : ظُلْمُ النَّاسِ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ أَخَذَ عُوَيْدًا لَا أَكَادُ أَرَاهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ ، فَقَالَ : يَا جَرِيرُ لَوْ طَلَبْتَ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ هَذَا لَمْ تَجِدْهُ ، قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَيْنَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ ؟ قَالَ : " أُصُولُهَا اللُّؤْلُؤُ ، وَالذَّهَبُ ، وَأَعْلَاهَا الثَّمَرُ(17)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، فِي قَوْلِهِ : {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} (14) سورة الإنسان، قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ قِيَامًا ، وَقُعُودًا ، وَمُضْطَجِعِينَ ، عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءُوا "(18)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (68) سورة الرحمن، قَالَ : " نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ "(19)
الكرب بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة هو أصول السعف الغلاظ العراض
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا طُوبَى ؟ قَالَ : شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا.(20)
ـــــــــــــ
__________
(1) - المستدرك للحاكم(3778) حسن
(2) - تفسير القرطبي (17/158)
(3) - صحيح البخارى (4881 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 428)(7412) صحيح
(5) - صحيح مسلم(7316و7317 )
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 429)(7413) حسن
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 430)(7414) حسن
(8) - سنن الترمذى(2737 ) صحيح لغيره
(9) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 105)(35116) حسن
(10) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (43 ) حسن
(11) - صحيح البخارى(3244 ) ومسلم (7310 )
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 91)(369) صحيح
(13) - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 361)(6450) حسن
(14) - المعجم الأوسط للطبراني(409 ) حسن
(15) - صفة الجنة لابن أبي الدنيا (44 ) حسن
(16) - مسند أبي يعلى الموصلي(1147) حسن
(17) - البعث والنشور للبيهقي(276 ) حسن
(18) - البعث والنشور للبيهقي(273 ) حسن
(19) - المستدرك للحاكم(3776) والبعث والنشور للبيهقي (271 ) حسن
(20) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 429)(7413) حسن(1/26)
المبحث الواحد والعشرون
في أكل أهل الجنة
ذكره الله-عز وجل- في قوله: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) [الواقعة/20، 21])
أي :وَيَطُوفُ الوِلْدَانُ المُخَلَّدُونَ عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ مِنَ السَّابِقِينَ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ ، فَيَخْتَارُونَ مِنْهَا مَا تَمِيلُ إِلَيهِ نُفُوسُهُمْ . وَيَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِأَصْنَافٍ مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا مَا يَشْتَهُونَ .
أما عن الفاكهة في الجنة: فقد وصفها الله تعالى بقوله: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة.
يُبَشِّرُ اللهُ تَعَالى الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ ، أَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ في الآخِرَةِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ في جَنَبَاتِهَا ، وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرةٌ مِنَ الدَّنَسِ وَالأَذى وَالآثامِ ومسَاوِئِ الأَخْلاَقِ ، كَالََكَيْدِ والمَكْرِ والخَدِيعَةِ . . وَتَأْتِيهِمُ الثِّمَارُ في الجَنَّةِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مِنَ الثِّمَارِ التِي عَرَفُوهَا في الدُّنيا ( أَوْ أَنَّهَا مِنَ الثِّمَارِ التِي أَتَتْهُمْ قَبْلَ ذلِكَ فِي الجَنَّةِ ، وَتَخْتَلفُ عَنْهَا طَعْماً مَعَ أَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي شَكْلِها وَمَنْظَرِهَا ) . وَكُلَّمَا رُزِقُوا مِنْها ثَمَرَةً قَالُوا : هذا مَا وُعِدْنا بِهِ في الدُّنيا جَزَاءً عَلَى الإِيمَان وَالعَمَلِ الصَّالِحِ . والذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً صَادِقاً ، وَعَملُوا عَمَلاً صَالِحاً يَبْقَوْوَ في الجَنَّةِ خَالِدينَ أبداً ، لاَ يَمُوتُونَ فِيها وَلا يَحُولُونَ عَنْها .
وقال القرطبي : " ومعنى {مِنْ قَبْلُ} يعني في الدنيا ، وفيه وجهان : أحدهما : أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا. والثاني : هذا الذي رزقنا في الدنيا ، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل : "من قبل" يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون ، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا في أول النهار ، لأن لونه يشبه ذلك ، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول.
قوله : {وَأُتُوا} فعلوا من أتيت. وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء. وقرأ هارون الأعور "وأتوا" بفتح الهمزة والتاء. فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة ، وفي الثانية للخدام. {بِهِ مُتَشَابِهاً} حال من الضمير في "به" ، أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم. قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم. وقال عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات. ابن عباس : هذا على وجه التعجب ، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء ، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها. وقال قتادة : خيارا لا رذل فيه ، كقوله تعالى : {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر : 23] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه ، لأن فيها خيارا وغير خيار.(1)
ووصف فاكهة الجنة-أيضاً- بأنها كثيرة ودائمة لا تنقطع , ولا ُتُمنع ممن أرادها,
فقال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) } [الواقعة/32-34].
وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ . لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ أَبَداً ، فَهُمْ يَجِدُونَهَا فِي كُلِّ حِينٍ .
قال ابن كثير : "وقوله: { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ } أي: وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } [البقرة: 25] أي: يشبه الشكلُ الشكلَ، ولكن الطعم غيرُ الطعم. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ "(2)
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رَكَبْتُ البُرَاقَ ثُمَّ ذُهِبَ بي إلى سدْرَة المُنتهَى، فَإِذَا وَرَقُها كآذَانِ الفِيلَةِ، وإذَا ثمَرُها كالقلال ; قال: فَلَمَّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ الله ما غَشيَها تَغَيَّرتْ، فَمَا أحَدٌ يَسْتَطيعُ أنْ يصِفَها مِنْ حُسْنها، قال: فأَوْحَى اللهُ إليّ ما أوْحَى".(3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِى مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ . قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » . قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « بِكُفْرِهِنَّ » . قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ »(4).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ، قَالَ : خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالنَّاسُ مَعَهُ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ. فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ، قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ - أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ - ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَرَأَيْتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.(5)-تكعكعت : تأخرت
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ صُفُوفٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ إِذْ رَأَيْنَاهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِيَأْخُذَهُ ثُمَّ يَتَنَاوَلَهُ لِيَأْخُذَهُ، ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرْنَا ثُمَّ تَأَخَّرَ الثَّانِيَةَ وَتَأَخَّرْنَا ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ الْيَوْمَ تَصْنَعُ فِي صَلَاتِكَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ : " إِنِّي عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ بِمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّضْرَةِ فَتَنَاوَلْتُ قِطْفًا مِنْهَا لِآتِيَكُمْ بِهِ ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَنْقُصُونَهُ فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَلَمَّا وَجَدْتُ حَرَّ شُعَاعِهَا تَأَخَّرْتُ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا النِّسَاءُ اللَّاتِي إِنِ ائْتُمِنَّ أَفْشَيْنَ ، [ وَإِنْ يُسْأَلْنَ بَخِلْنَ ] ، وَإِنْ سَأَلْنَ أَخْفَيْنَ - قَالَ زَكَرِيَّا : أَلْحَفْنَ - وَإِنْ أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا لِحَيَّ بْنَ عَمْرٍو يَجُرُّ قَصَبَهُ ، وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ " ، قَالَ مَعْبَدٌ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ يُخْشَى عَلَيَّ مِنْ شَبَهِهِ فَإِنَّهُ وَالِدٌ ؟ قَالَ : " لَا أَنْتَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ "(6).
ووصف ما يُقطف منها-وهي الثمار- بأنها دانية قريبة ممن يتناولها,فقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) [الحاقة/19-25])
وَيُعْطَى النَّاسُ صُحُفَ أَعْمَالِهِمْ ، فَمَنْ تَنَاوَلَ صَحِيفَةَ عَمَلِهِ بِيمِيِنِهِ فَيَقُولُ فَرِحاً مَسْرُوراً لِكُلِّ مَنْ يَلْقَاهُ : هَذِهِ هِيَ صَحِيفَةُ أَعْمَالِي ، خُذُوهَا فَاقْرَؤُوهَا ، لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِيهَا خَيرٌ وَحَسَنَاتٌ ، لأَنَّهُ مِمَّنْ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ .إِنَّنِي كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَعْتَقِدُ يَقِيناً بِأَنَّنِي سَأْحَاسَبُ أَمَامَ اللهِ فِي هَذَا اليَوْمِ ، فَعَمِلْتُ خَيْراً قَدْرَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَكُنْتُ أُؤَمِّلُ أَنْ يُحَاسِبَنِي اللهُ عَلَى أَعْمَالِي حِسَاباً يَسِيراً ، وَقَدْ صَدَقَ مَا اعْتَقَدْتُ وَمَا تَوَقَّعْتُ ، فَكَانَ حِسَابِي يَسِيراً .
فَهُوَ يَعِيشُ عِيشَةً رَاضِيَةً خَالِيَةً مِنَ الهُمُومِ والأَكْدَارِ . فِي جَنَّةٍ رَفِيعَةِ المَكَانِ والدَّرَجَاتِ ، فِيهَا الخُضْرَةُ وَالمِيَاهُ وَالظَّلاَلُ الوَارِفَةُ .فِيهَا أَشْجَارٌ ثِمَارُهَا دَانِيَةٌ مِمَّنْ يُرِيدُونَ قَطْفَهَا ، فَيَأْخُذُونَهَا بِدُونِ عَنَاءٍ .
وَيُقَالُ لَهُمْ : كُلُوا يَا أَيُّهَا الأَبْرَارُ مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ الجَنَّةِ هَنِيئاً ، وَاشْرَبُوا مِنْ خَمْرِهَا وَمِيَاهِهَا مَريئاً ، لاَ تَغَصُّونَ بِهِ ، وَلاَ تَتَأَذَّوْنَ ، وَذَلِكَ جَزَاءٌ مِنَ اللهِ لَكُمْ ، وَثَوَابٌ عَلَى مَا عَمِلْتُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ ، وَكَرِيمِ الطَّاعَاتِ الخَالِصَةِ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى .
وقال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} (14) سورة الإنسان.
وَتَدْنُو أَشْجَارُ الجَنَّةِ بِظِلالِهَا عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ السُّعَدَاءِ ، وَتُسَخِّرُ قُطُوفَهَا لأَمْرِهِمْ لِيَنَالُوا مِنْهَا مَا شَاؤُوا .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (68) سورة الرحمن، قَالَ : " نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ "(7)
وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ(8)
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً لَا أَعْلَمُ أَكْثَرَ شَوْكًا مِنْهَا - يَعْنِي الطَّلْحَ - . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِنْهَا خَصْوَةَ التَّيْسِ الْمَلْبُودِ - يَعْنِي الْخَصِيَّ - مِنْهَا سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ ، لَا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ "(9)
وعَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى.(10)
وعن مسروق، قال: نخل الجنة نَضيدٌ من أصْلها إلى فرعها، وثمرها أمثالُ القِلال، كلما نُزعت ثمرة عادتْ مكانها أخرى، وماؤها يَجري في غير أخدود(11).
وأهل الجنة يأكلون ويشربون ولايتغوطون,فعَنِ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ».(12)
الجشاء : تنفس المعدة من الامتلاء
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ ، وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْزُقُونَ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ طَعَامُهُمْ لَهُ جُشَاءٌ وَرِيحُهُمُ الْمِسْكُ.(13)
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَوَّلُ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ.(14)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ , قَالَ: لَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أُسْلِمَ ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : إِنِّي سَائِلُكَ . فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.(15)
زيادة كبد الحوت : القطعة المنفردة المتعلقة بكبد الحوت ، وهي أطيبها وألذها
وعَنْ زَيْدٍ - يَعْنِى أَخَاهُ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِىُّ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ لِمَ تَدْفَعُنِى فَقُلْتُ أَلاَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الْيَهُودِىُّ إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِى سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اسْمِى مُحَمَّدٌ الَّذِى سَمَّانِى بِهِ أَهْلِى ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ جِئْتُ أَسْأَلُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيَنْفَعُكَ شَىْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ مَعَهُ. فَقَالَ « سَلْ ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هُمْ فِى الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ». قَالَ فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً قَالَ « فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ». قَالَ الْيَهُودِىُّ فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ « زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ » قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا قَالَ « يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِى كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ».
قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ « مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَىْءٍ لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ. قَالَ « يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ.(16)
النون : الحوت - الجشاء: تنفس المعدة من الاٍمتلاء, أو هو صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ ، وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْزُقُونَ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ طَعَامُهُمْ لَهُ جُشَاءٌ وَرِيحُهُمُ الْمِسْكُ.(17)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ ، وَالْجِمَاعِ ، وَالشَّهْوَةِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حَاجَةُ أَحَدِكُمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ ، فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمُرَ.(18)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ : ثَعْلَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ : " وَعَلَيْكُمْ " . فَقَالَ الْيَهُودُ : تَزْعُمُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ طَعَامًا ، وَشَرَابًا ، وَأَزْوَاجًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ تُؤْمِنُ بِشَجَرَةِ الْمِسْكِ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " وَتَجِدُهَا فِي كِتَابِكُمْ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِنَّ الْبَوْلَ وَالْجَنَابَةَ عَرَقٌ يَسِيلُ مِنْ تَحْتِ ذَوَائِبِهِمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ مِسْكًا "(19).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلَ ، لاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَمَخَّطُون ، وَلاَ يَبْزُقُونَ ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَعْنِي الْعُوْدَ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، أَخْلاَقُهُمْ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُونَ ذِرَاعًا.(20)
__________
(1) - تفسير القرطبي (ج 1 / ص 240)
(2) - صحيح مسلم(429 )
(3) - تفسير الطبري - (ج 22 / ص 516) صحيح
(4) - صحيح البخارى(1052 ) ومسلم (2147)
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 72)(2832) صحيح
(6) - مسند أحمد(15180) حسن
(7) - المستدرك للحاكم (3776) صحيح
(8) - المجمع (18731 ) والصحيحة ( 1598) وصحيح الجامع ( 1617) صحيح
(9) - البعث لابن أبي داود السجستاني(70) صحيح
(10) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 124)(1431) صحيح لغيره
(11) - تفسير الطبري - (ج 1 / ص 384)(509) صحيح
(12) - صحيح مسلم(7333 )
(13) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 462)(7435) صحيح
(14) - مسند الطيالسي(2164) صحيح
(15) - مسند أحمد(12385) صحيح
(16) - صحيح مسلم (742)
(17) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 462)(7435) صحيح
(18) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 108)(35127) صحيح
(19) - المعجم الأوسط للطبراني(7957 ) حسن
(20) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 109)(35129) صحيح(1/27)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ الْآفٍ ، بِيَدِي كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيفَتَانِ ، وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ ، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا ، يَجِدُ لِآخِرِهَا مِنَ الطِّيبِ وَاللَّذَّةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لِأَوَّلِهَا ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ ، لَا يَبُولُونَ ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ ، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ "(1)
أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة - التغوُّط : التبرُّز -الامتخاط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَ مِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ بثَلاَثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ. وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذ مَقْعَدُتهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(2)
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ ، تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ " . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ ! فَقَالَ : " أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا - قَالَهَا ثَلَاثًا - وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا [ يَا أَبَا بَكْرٍ ] "(3)
البخت بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة هي الإبل الخراسانية
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَجِيءُ مَشْوِيًّا بَيْنَ يَدَيْكَ.(4)
وقال عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي الثَّمَرَةَ ، فَتَجِيءُ حَتَّى تَسِيلَ فِي فِيهِ ، وَإِنَّهَا فِي أَصْلِهَا فِي الشَّجَرَةِ.(5)
وعن بكر بن عبد الله المزني ، قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة ليشتهي اللحم ، فيجيء الطائر فيقع قدامه ، فيقول : يا ولي الله ، شربت من السلسبيل ، ورعيت من الزنجبيل ، ورتعت بين العرش والكرسي فكلني "(6)
وعَنْ مَيْمُونَةَ ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ فِي الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ مِثْلَ الْبُخْتِيِّ حَتَّى يَقَعَ عَلَى خِوَانِهِ لَمْ يُصِبْهُ دُخَانٌ وَلَمْ تَمَسَّهُ نَارٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ ثُمَّ يَطِيرُ "(7)
الخوان : ما يوضع عليه الطَّعام عند الأكل
وعَنْ كَعْب قَالَ : إِنَّ طَائِر الْجَنَّة أَمْثَال الْبُخْت يَأْكُل مِنْ ثَمَرَات الْجَنَّة وَيَشْرَب مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة فَيَصْطَفِفْنَ لَهُ فَإِذَا اِشْتَهَى مِنْهَا شَيْئًا أَتَى حَتَّى يَقَع بَيْن يَدَيْهِ فَيَأْكُل مِنْ خَارِجه وَدَاخِله ثُمَّ يَطِير لَمْ يَنْقُص مِنْهُ شَيْء "(8).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ يَنْفَعُنَا بِالأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ تُؤْذِي صَاحِبَهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : السِّدْرُ ، فَإِنَّ لَهَا شَوْكًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ يَخْضِدُ اللَّهُ شَوْكَهُ فَيُجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةٌ ، فَإِنَّهَا تُنْبِتُ ثَمَرًا تُفْتَقُ الثَّمَرَةُ مَعَهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مَا مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الآخَرَ "(9)
واعلم أن صفة طعام أهل الجنة الدوام وعدم النقصان , قال تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (35) سورة الرعد
صِفَةُ الجَنَّةِ التِي وَعَدَ اللهُ بِهَا المُتَّقِينَ ، وَنَعَتَهَا ، أَنَّهَا تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي أَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا ، وَحَيْثُ شَاءَ أَهْلُهَا يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِّيراً ، فِيهَا الفَوَاكِهُ وَالمَطَاعِمُ وَالمَشَارِبُ ، لاَ انْقِطَاعَ لَهَا وَلاَ فَنَاءَ ( أُكُلُها دَائِمٌ ) ، وَظِلُّهَا دَائِمٌ لاَ يَنْكَمِشُ وَلاَ يَزُولُ . وَهَذِهِ الجَنَّةُ التَي تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا ، هِيَ جَزَاءُ المُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ( عُقْبَى الذِينَ اتَّقَوا ) ، أَمَّا الكَافِرُونَ فَعُقْبَاهُمْ وَمَصِيرُهُمُ النَّارُ . وَلاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ الجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ .
وقال تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (108) سورة هود
أَمَّا السُّعَدَاءُ الذِينَ اتَّبَعُوا الرُّسُلَ ، وَآمَنُوا بِاللهِ ، وَعَمِلُوا صَالِحاً ، فَيَصِيرُونَ إِلى الجَنَّةِ ، وَيَمْكُثُونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبداً ، مَا دَامَتْ هُنَاكَ سَمَاوَاتٌ وَأَرْضٌ ، إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ .
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} (54) سورة ص
وَهَذَا النَّعِيمُ ، وَتِلْكَ الكَرَامَةُ ، عَطَاءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى ، لاَ يْنْفَدُ ، وَلاَ يَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
وقال تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) [الواقعة/32، 33]}
وَيَتَمَتَّعُونَ فِي الجَنَّةِ بِأَلْوانٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الفَاكِهَةِ ، لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ أَبَداً ، فَهُمْ يَجِدُونَهَا فِي كُلِّ حِينٍ
وقال النووي رحمه الله :" مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَعَامَّة الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، يَتَنَعَّمُونَ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ ، مِنْ مَلَاذّ وَأَنْوَاع نَعِيمهَا تَنَعُّمًا دَائِمًا لَا آخِر لَهُ ، وَلَا اِنْقِطَاع أَبَدًا ، وَإِنَّ تَنَعُّمهمْ بِذَلِكَ عَلَى هَيْئَة تَنَعُّم أَهْل الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنهمَا مِنَ التَّفَاضُل فِي اللَّذَّة وَالنَّفَاسَة ، الَّتِي لَا يُشَارِك نَعِيم الدُّنْيَا إِلَّا فِي التَّسْمِيَة ، وَأَصْل الْهَيْئَة ، وَإِلَّا فِي أَنَّهُمْ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ ، وَقَدْ دَلَّتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم وَغَيْره ، أَنَّ نَعِيم الْجَنَّة دَائِم لَا اِنْقِطَاع لَهُ أَبَدًا ."(10)
ـــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(7889 ) حسن
(2) - غاية المقصد فى زوائد المسند(5122 ) حسن
(3) - مسند أحمد (13657) صحيح
(4) - مسند البزار (2032) ضعيف
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 100)(35102) صحيح مقطوع
(6) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(291 ) حسن
(7) - صفة الجنة (119 ) فيه جهالة
(8) - ابن أبي حاتم تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 524) صحيح مقطوع
(9) - المستدرك للحاكم (3778) حسن
(10) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 219)(1/28)
المبحث الثاني والعشرون
شراب أهل الجنة
قال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) {الإنسان :5-6} .
إِنَّ الكرَامَ البَرَرَةَ الذِينَ أَطَاعُوا اللهَ ، يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ كَانَ مَا يُمْزَجُ بِهَا مَاءَ الكَافُورِ .وَهَذَا المِزَاجُ مِنْ عَيْنٍ يَشْرَبُ بِهَ عِبَادُ اللهِ المُتَّقُونَ ، وَهُمْ فِي الجَنَّاتِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاؤُوا ، وَيُجْرُونَها حَيْثُ أَرَادُوا مِنْ دُورِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ .
وقال مقاتل:ليس هو كافور الدنيا,وإنما سمَّى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب.
وقوله(يفجرونها تفجيرا)أي:يشقونها شقاًكما يفجر الرجل النهر هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد,وقال مجاهد:يقودونها حيث شاءوا,وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم(1).
وقال تعالى : (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً* عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً)
{الإنسان:17-18}
وَيُسْقَى هُؤَلاَءِ الأَبْرَارُ فِي الجَنَّةِ كَأْساً مِنْ خَمْرِ الجَنَّةِ مُزِجَتْ بِالزَّنْجِبِيلِ ( فَهُمْ يُمْزَجُ الشَّرَابُ لَهُمْ مَرَّةً بِالكَافُورِ وَمَرَّةً بِالزَّنْجَبِيلِ فَالكَافُورُ بَارِدٌ وَالزَّنْجَبِيلُ حَارٌّ ) .
وَيُسْقَونَ فِي الجَنَّةِ مِنْ عَيْنٍ غَايَةٍ فِي السَّلاَسَةِ وَالاسْتِسَاغَةِ .
أي أن أهل الجنة يُسقَوْن كأساً من خمر الجنة ممزوجة بالزنجبيل وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته .
وكلمة (سلسبيل) مأخوذة من السلاسة, والسلسبيل: هو الشراب اللذيذ(2).
ونجد مما سبق أن الله تعالى أخبر أن شراب أهل الجنة يمزج بشيئين: الكافور
والزنجبيل,فيمزج بالكافور لأنه يمتاز بالبرد وطيب الرائحة, ثم بالزنجبيل لأنه يمتاز بالحرارة وطي
وقال تعالى : (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ){الإنسان:21}
، وَيَسْقِيِهِمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً يُطَهِّرُ بَاطِنَ شَارِبِهِ مِنَ الحَسَدِ ، وَالحِقْدِ ، وَالغِلِّ ، وَرَدِيءِ الأَخْلاَقِ ،فوصف الشراب بأنه طهور وليس بنجس كخمر الدنيا.ب الرائحة, مما يحدث بذلك أكمل اللذة وأطيبها(3).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ أَحَدَهُمُ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِئَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : حَاجَتُهُمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ الْمِسْكِ ، فَإِذَا الْبَطْنُ قَدْ ضَمُرَ.(4)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُؤْتَى بِالْكَأْسِ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ زَوْجَتِهِ ، فَيَشْرَبُهَا ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى زَوْجَتِهِ فَيَقُولُ : قَدَ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفًا حُسْنًا.(5)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي الشَّرَابَ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ الْإِبْرِيقُ فَيَقَعُ فِي يَدِهِ فَيَشْرَبُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ "(6)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير القرطبي (19/96)
(2) - نفس المصدر(19/107)
(3) - حادي الأرواح لابن القيم (175 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 444)(7424) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 108)(35126) صحيح
(6) - صفة الجنة(128 ) حسن(1/29)
المبحث الثالث والعشرون
أنهار الجنة
فى الجنة أنهار كثيرة ذات أنواع متعددة,وقد جاء في القرآن في عدة مواضع قول الله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة
وقال تعالى :{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة
وقال تعالى : {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15) سورة آل عمران
وقال تعالى : {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (136) سورة آل عمران
وقال تعالى : {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (195) سورة آل عمران
وفى موضع آخر : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة
وفى موضع آخر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف
وهذا يدل على أمور:
أحدها: وجود الأنهار حقيقة.
ثانيها:أنها أنهار جارية لا واقفة .
ثالثها:أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم.
وقال تعالى: ( وَمَاء مَّسْكُوبٍ){الواقعة:31} قال مسروق:أنهار تجرى في غير أخدود.
وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد .
يَصِفُ اللهُ تَعَالى الجَنَّةَ التي وَعَدَ المُتَّقينَ بإدخَالِهم إليها ، فَيَقُولُ تَعَالى : إنَّها جَنَّةٌ تَجري فيها أنْهَارٌ مِنْ مِيَاهٍ غَيرِ مَتَغَيِّرةِ الطَعْمِ واللَّوِنِ والرَّائِحَةِ ، لطُولِ مُكْثِها وَرُكُودِها ، وَفيها أنْهَارٌ مِنْ لَبنٍ لم يَتَغيّرْ طَعْمُهُ وَلَمْ يَفْسُدْ ، وَفِيها أنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذِيذَةِ الطَّعْمِ وَالمَذَاقِ لِشَاربيها ، لاَ تَغْتَالُ العُقُولَ ، وَلا يُنْكِرُهَا الشَّارِبُون ، وَفِيها أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ قَدْ صُفِّي مِنَ الشَّمْعِ والفَضَلاتِ . ولِلْمُتَّقِينَ فِي الجَنَّةِ مِنْ جَميعِ الفَوَاكهِ المُخْتَلِفَةِ الأَنْواعِ والطُّعُومِ وَالمَذَاقِ والرَّائِحَةِ . وَلَهُمْ فَوْقَ ذلكَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى ، فَهُو يَتَقَّبَلُ مَا قَدَّمُوه مِنْ عَمَلٍ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ هَفَواتِهِمِ التِي اقْتَرَفُوهَا في الدُّنيا .
فَهَلْ يَتَسَاوى هَؤُلاءِ المُتَّقُونَ النَّاعِمُونَ في رِضْوانِ اللهِ ، وَجَنَّاتِهِ ، مَعَ الأشقِياءِ الذِين أدْخَلَهُمُ اللهُ النَّارَ لِيَبْقَوا فِيها خَالِدِينَ أبَداً ، جَزاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِم وتكْذِيبهِمُ رُسُلَ رَبِّهم ، وَأعْمَالِهم السَّيِّئَةِ؟ إِنَّهُمْ لاَ يَتَسَاوَوْنَ أبَداً . وَإذا طَلَبَ هَؤُلاءِ الأشقِيَاءُ ، وَهُمْ يُعَذَّبُونَ في نَارِ جَهَنَّمَ ، الماءَ لِيُطْفِئُوا ظَمَأهُم فَإنَّهُم يُسْقَوْنَ مَاءً شَدِيدَ الحَرَارةِ إذا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ .
وقد ذكر الله تعالى هذه الأجناس الأربعة, ونفى عن كل واحد منها آفاته التي تعرض له في الدنيا.فآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة, وآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه,وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها, وآفة العسل عدم تصفيته.
وهذا من آيات الله أن تجرى أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بجريانها.
ومجريها في غير أخدود, وينفى عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة,كما ينفي عن خمر الجنة جميع الآفات التي في خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والاٍنزاف وعدم اللذة, وهى رجس من عمل الشيطان : توقع العداوة والبغضاء بين الناس,وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة,وتدعو إلى الزنا والفجور,وتذهب الغيرة,وهي أم الخبائث ومنها يولد كل خبيث وقبيح , فنزَّه الله-عز وجل- خمر الجنة عن كل هذا.
وتأمل اجتماع هذه الأنهار التي هي أفضل أشربة الناس, فهذا لشربهم وطهورهم, وهذا لقوتهم وغذائهم, وهذا للذتهم وسرورهم,وهذا لشفائهم ومنفعتهم.(1)
وهذه الأنهار تنفجر من أعلى الجنة إلى أدناها ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ »(3).
أي أن هذه الأنهار أصلها من الجنة, كما أن أصل معظم الماء-المطر- من السماء,مع أنه يجرى في الأنهار.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْكَوْثَرُ قَالَ « ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِى فِى الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ».(4)-الجزر : جمع جزور وهو البعير
ـــــــــــــ
__________
(1) - حادي الأرواح للإمام ابن القيم(170-171) بتصرف.
(2) - صحيح البخارى(2790 )
(3) - صحيح مسلم (7340 )
(4) - سنن الترمذى (2738 ) صحيح لغيره(1/30)
المبحث الرابع والعشرون
عيون الجنة
أخبر الله تعالى بوجود العيون في الجنة فقال : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (45) سورة الحجر
ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الجَنِّةِ ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّقُوا رَبَّهُمْ ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ، وَتَنْبُعُ فِي أَرْضِهَا عُيُونُ المَاءِ .
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) [الذاريات/15-19])
وقال تعالى: (عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) {الإنسان18: }
يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
وقال: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) {الإنسان:6}
ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضيَّة، وأكواب الشراب من الزجاج، زجاج من فضة، قدَّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص، ويُسْقَى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسًا مملوءة خمرًا مزجت بالزنجبيل، يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
وقال الطبري : "وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله : { تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا } صِفَة لِلْعَيْنِ , وُصِفَتْ بِالسَّلَاسَةِ فِي الْحَلْق , وَفِي حَال الْجَرْي , وَانْقِيَادهَا لِأَهْلِ الْجَنَّة يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا , كَمَا قَالَ مُجَاهِد وقَتَادَة ،وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ { تُسَمَّى } تُوصَف .وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { سَلْسَبِيلَا } صِفَة لَا اِسْم .(1)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 32 / ص 31)(1/31)
المبحث الخامس والعشرون
آنية الجنة
ذكر الله تعالى الآنية التي يأكلون فيها ويشربون في قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (71) سورة الزخرف
وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرُّوا فِي الجَنَّةِ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَوَانٍ مِنْ ذَهَب عَلَيْهَا أَنْوَاعُ الطَّعَامِ ، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَكْوَابٍ لِلشَّرَابِ مِنْ ذَهَبٍ ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الأَوَانِي والأَكْوَابِ مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ ، وَتَتَلَذُّذُ بِهِ الأَعْيُنُ ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْعَمُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ ، وَيُقَالُ لَهُمْ إِكْمَالاً لِسُرُورِهِمْ : إِنَّهُمْ بَاقُونَ فِي هَذَا النَّعِيمِ فِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ أَبَداً .
وقوله تعالى : ( وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) [الإنسان/15، 16])
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ خَدَمُ الجَنَّةِ بِأَوَانِي الطَّعَامِ ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ ، وَبِأَكْوَابِ الشَّرَابِ ، وَهِيَ أَيْضاً مِنْ فِضَّةٍ ، وَقَدْ جُعِلَتْ هَذِهِ الأَكْوَابُ جَامِعَةً بَيَاضَ الفِضَّةِ ، وَصَفَاءَ الزُّجَاجِ وَشَفَافِيَّتَهُ . وَهذِهِ القَوَارِيرُ يَحْمِلُهَا إِلَيهِم السُّعَاةُ وَقَدْ قَدَّرُوا مَا صَبُّوهُ فِيهَا عَلَى قَدَرِ كِفَايَةِ الشَّارِبِينَ وَرَيهِّمْ ، لاَ تَزِيدُ وَلاَ تَنْقُصُ .والأكواب:هي الأباريق التى ليس لها خراطيم,وقيل:التي ليس لها آذان.
وإبريق: افعيل من البريق, وهو الصفاء, وأباريق الجنة من فضة صافية صفاء القوارير,يرى ما في باطنها من ظاهرها,والقوارير:الزجاج,شبه صفاءها بصفاء الزجاج- وهى ليست من الزجاج بل من فضة,لذا قال تعالى( قوارير من فضة) حتى لا يتوهم أحدٌ أنها من الزجاج.. وكل آنية الجنة من الذهب والفضة, فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ ، فَاسْتَسْقَى ، فَسقَاهُ مَجُوسِيٌّ ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ ، وَقَالَ : لَوْلاَ أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ (كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا) وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ، وَلاَ الدِّيبَاجَ ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَنَا فِي الآخِرَةِ.(1)
وعَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ تَشْرَبُوا فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ »(2).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(5426 ) ومسلم (5521 )
(2) - صحيح البخارى(5633 )(1/32)
المبحث السادس والعشرون
لباسُ أهل الجنة وحُليّهم
قال تعالى: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) [الدخان/51-58])
بَعدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الأَشْقِياءَ وَحَالَهم يَوْمَ القِيَامةِ ، وَمَا يُلاَقُونَهُ مِنْ أهوالٍ وعَذابٍ ، أَتبَع ذَلِكَ بِبيَانِ حَالِ المؤْمِنينَ الصَّالِحِينَ في ذَلِكَ اليَومِ الشَّدِيدِ الهَوْلِ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الذِينَ اتَّقُوا اللهَ في الدُّنيا سَيكُونُونَ في مَكَانٍ يُقِيمُونَ فيهِ ، وَيَأْمَنُونَ فيهِ المَوْتَ وَالهَمَّ والحُزْنَ والعَذَابَ .
وَسَيكُونُونَ في حَدَائِقَ وَارِفَةِ الظِّلاَلِ ، كَثِيرَةِ الفَواكِهِ ، كَثِيرةِ المِياهِ ، وَالأنهارُ تَسْرَحُ في أَرْجَائِها ، وَسَيكُونُ لَهُمْ حَقُّ التَّمتُّعِ بِجَميعِ ما فِيها منَ النَّعِيم بِدُونِ حِسَابٍ ولا تَحدِيدٍ
ويَلبَسُونَ ، وَهُم في هذا النَّعِيمِ ، ثِيَاباً مِنَ الحَريرِ الرَّفِيعِ ( سُنَدُسٍ ) ، وَثِيَاباً مِنْ قماشٍ مُزَيَّنٍ بأَشْياءَ ذَاتِ بَريقٍ وَلَمَعَانٍ ( إِستَبْرَقٍ ) ، وَيَجْلِسُونَ في الجَنَّةِ عَلَى سُرُرٍ وَهُمْ مُتَقَابِلُونَ شَأْنَ المُتَحَابِّينَ الذِينَ يُقْبِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الحَدِيثِ ، وَذلِكَ زِيَادَةً في الإِينَاسِ .
وَفَوْقَ هذا العَطَاءِ الكَرِيمِ فإِنَّ اللهَ تَعَالى مَنَحَهُمْ زَوْجَاتٍ حِسَاناً وَاسِعَاتِ العُيُون ( عِينٍ ) .
وَيَطلُبُونَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ أَنواعِ الفَاكِهَةِ وَهُمْ آمِنُونَ مِنْ أَنْ تَنْقَطِعَ عَنْهُم ،وَمِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْها أذًى .
وَلاَ يَخْشَوْنَ في الجَنَّةِ مَوْتاً أَبَداً ، بَعْدَ أَنْ ذَاقُوا ، طَعْمَ المَوْتَةِ الأُولى حِينَ انْقِضَاءِ آجَالِهمْ فِي الحِيَاةِ الدُّنيا ، وَقَدْ وَقَاهُمُ اللهُ وَنَجَّاهُمْ مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ الأَلِيمِ .
وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (31) سورة الكهف.
فَهؤُلاَءِ السُّعَدَاءُ الأَبْرَارُ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ لِيُقِيمُوا فِيهَا أَبَداً ، وَتَجْرِي الأَنْهَارُ وَالمِيَاهُ فِي جَنَبَاتِهَا ، وَيَلْبِسُونَ فِيهَا حُلِيّاً ، هِيَ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤٍ ، وَيَلْبَسُونَ فِيهَا ثِيَاباً مِنَ الحَرِيرِ خَضْرَاءَ اللَّوْنِ ( كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى ) ، مِنْهَا ثِيَابٌ رَقِيقَةٌ كَالقُمْصَانِ ، وَمَا مَاثَلَهَا ، ( مِنْ سُنْدُسٍ ) ، وَمِنْهَا ثِيَابٌ غَلِيظَةٌ ، كَالدِّيبَاجِ لَهُ بَرِيقٌ ( مَنْ إِسْتَبْرَقٍ ) ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى الأَرَائِكِ وَالأَسِرَّةِ مُسْتَنِدِينَ ( مُتَّكِئِينَ ) ، لِيَرْتَاحُوا فِي جَلْسَتِهِمْ . وَحَسُنَتِ الجَنَّةُ ثَوَاباً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، وَحَسُنَت مَنْزِلاً وَمَقِيلاً .
وقال تعالى : {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (33) سورة فاطر
وهؤلاءِ الكِرَامُ الذِينَ اصْطَفَاهُمْ اللهُ من عباده ، الذين أُوْرِثُوا القُرآنَ ، والكُتُبَ السَّابِقَةَ ، سَتَكُونُ جَنَّاتُ الإِقَامَةِ ( جَنَّاتُ عَدْنٍ ) هِيَ مأْوَاهُمْ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَيَلْبَسُونَ فِيها حَلِيّاً مِنْ ذَهَبٍ ، وَلُؤْلُؤٍ ، وَيَلْبَسُونَ فِيهَا ثِيَاباً مِنْ حَرِيرٍ ، وَهذِهِ الجَنَّاتُ هِيَ الفَضْلُ الكَبِيرُ الذِي مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْهِمْ .
وقال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (23) سورة الحج
لَمَّا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَا يُلاقُونَهُ مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالحَرِيقِ وَالأًَغْلالِ ، وَمَا أُعدَّ لَهُمْ منْ ثِيابٍ مِنْ نَارٍ ، ذَكَرَ حالَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ يُدْخِلُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ في أَرْجَائِها ، وَيُلْبِسُهُمْ رَبُّهُمْ فِيها حُلِيّاً : مِنْها أَسَاوِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمِنْها لُؤْلُؤْ .
والسندس :ما رق من الديباج(الحرير),والإستبرق أغلظ منه . وأحسن الألوان الأخضر وألين اللباس الحرير,لذا جمع الله لهم بين أحسن المناظر وألين الملابس.
فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أُهْدِىَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ ، وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا » . قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا »(1).
وعَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةَ حَرِيرٍ ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا ، فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذَا ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ أَلْيَنُ مِنْ هَذَا"(2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةً قَالَ سَعِيدٌ : أَحْسَبُهُ قَالَ : سُنْدُسٍ قَالَ : وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ قَالَ فَلَبِسَهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا »(3).
الجبة : ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب -السُّندس : ما رقَّ من الدِّيباج ورفع وإنَّما اختار المناديل لأنها أقل الأشياء قيمة ًعند الإنسان,فإذا كانت بهذا الحسن في الجنة فما بالك بما هو أعظم منها. وإنما حظي سعد بن معاذ- رضي الله عنه- بهذا التكريم لمكانته في الإسلام فهو في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين,واهتز لموته عرش الرحمن,وكان لا تأخذه في الله لومة لائم,وآثر رضا الله ورسوله على رضا قومه وعشيرته,ووافق حكمه الذي حكم به- في بني قريظة- حكم الله من فوق سبع سماوات,ونعاه جبريل-عليه السلام- إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم موته , فاستحق أن تكون مناديله في الجنة أحسن من حلل الملوك.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ».(4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْؤُسُ ، لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، فِى الْجَنَّةِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ »(5).
وعن أبي الْمُدِلَّةِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ ، فَقَالَ : لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ ، وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ ، فَلاَ يَبْؤُسُ ، وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ، ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.(6)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً،يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ لُحُومِهِمَا، وَحُلَلِهِمَا كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ.(7)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ ، وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بَكْرَةً وَعَشِيًّا.(8)
الألوة : العود الذى يتبخر به
وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَهَ فَإِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا فَقَالَ الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّسَاءِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ مِنْ أُمَّتِى تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا فِيهَا مِنْ أَعْزَبَ »(9).
الزمرة : الجماعة من الناس
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف(10)
وعَنْ أَبِي سَللَّام الْأَسْوَد قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ": مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا اِنْطُلِقَ بِهِ إِلَى طُوبَى فَتُفْتَح لَهُ أَكْمَامهَا فَيَأْخُذ مِنْ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ إِنْ شَاءَ أَبْيَض وَإِنْ شَاءَ أَحْمَر وَإِنْ شَاءَ أَصْفَر وَإِنْ شَاءَ أَسْوَد مِثْل شَقَائِق النُّعْمَان وَأَرَقّ وَأَحْسَن "(11)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (58) سورة الرحمن ، قَالَ : يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمَرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَإِنَّهَا يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ "(12)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ ، فَتَقْرُبُ مِنْهُ ، فَيَنْظُرُ فِي خَدَّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ ، وَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا ، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ عَلَيْهِنَّ التِّيجَانَ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.(13)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(14)
وعن شريح بن عبيد الحضري قال : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِكَعْبٍ : خَوِّفْنَا يَا ، فَقَالَ : " وَاللَّهِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً قِيَامًا مُنْذُ خَلَقَهُمُ اللَّهُ ، مَا ثَنَوْا أَصْلَابَهُمْ ، وَآخَرِينَ رُكُوعًا ، مَا رَفَعُوا أَصْلَابَهُمْ ، وَآخَرِينَ سُجُودًا ، مَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّوَرِ النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ ، فَيَقُولُونَ جَمِيعًا : سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، مَا عَبَدْنَاكَ كَكُنْهِ مَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُعْبَدَ " ، ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ يَوْمَئِذٍ كَعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا ، لَاسْتَقَلَّ عَمَلَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا يُرَى يَوْمَئِذٍ ، وَاللَّهِ لَوْ دُلِّيَ مِنْ غِسْلِينَ دَلْوٌ وَاحِدٌ فِي مَطْلَعِ الشَّمْسِ ، لَفُلَّتْ مِنْهُ جَمَاجِمُ قَوْمٍ فِي مَغْرِبِهَا ، وَاللَّهِ لَتَزْفُرَنَّ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا خَرَّ جَاذِيًا - أَوْ جَاثِيًا - عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَقُولُ : نَفْسِي نَفْسِي ، وَحَتَّى نَبِيِّنَا وَإِبْرَاهِيمَ ، وَإِسْحَاقَ ، يَقُولُ : رَبِّ أَنَا خَلِيلُكَ إِبْرَاهِيمَ " ، قَالَ : فَأَبْكَى الْقَوْمَ حَتَّى نَشَجُوا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ ، قَالَ : يَا كَعْبُ ، بَشِّرْنَا ، فَقَالَ : " أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَعَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ كُلَّ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَأَبْطَأْتُمْ فِي الْعَمَلِ ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ مِنْ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ مُغْدِرَةٍ ، لَأَضَاءَتْ لَهَا الْأَرْضُ أَفْضَلَ مِمَّا يُضِيءُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَلَوَجَدَ رِيحَ نَشْرِهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ نُشِرَ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا ، لَصَعِقَ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَمَا حَمَلَتْهُ أَبْصَارُهُمْ "(15)
الدلو : إناء يُستقى به من البئر ونحوه -خر : سقط وهوى بسرعة -الجثو : الجلوس على الركبتين -صعق : غشي عليه
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6640 )
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(1731) صحيح
(3) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 274)(6323) صحيح
(4) - صحيح مسلم (7335)
(5) - سنن الدارمى (2875) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 396)(7387) صحيح لغيره
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 2)(10168 ) حسن
(8) - سنن الترمذى(2733 ) وصحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 463)(7436) صحيح
(9) - مسند أحمد (10873) صحيح
(10) - صحيح مسلم(7336 )
(11) - صفة الجنة(142 ) ضعيف
(12) - المستدرك للحاكم(3774) حسن
(13) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 409)(7397) حسن
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)( 7398) صحيح
(15) - الزهد والرقائق لابن المبارك(225 ) فيه انقطاع(1/33)
المبحث السابع والعشرون
أطفال المؤمنين في الجنة
أطفال المؤمنين الذين لم يبلغوا الحلم هم في الجنة إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (21) سورة الطور .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى العِبَادَ عَمَّا يَتَفَضَّلُ بهِ عَلَى المُؤْمِنينَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ ، فَإِنَّهُ تَعَالى يُلحِقُ بِهِمْ مَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيتهِم ، في المَنْزِلةِ ، لِتَقرَّ بِهِمْ عُيونُهُمْ فِي الجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ هؤُلاءِ لا يُبَلِّغُهُمْ هذِهِ المَنْزِلَةَ ، فَيتَفَضَّلُ اللهُ تَعَالى بِرَفْعِ نَاقِصِي العَمَلِ إِلى مَرْتَبةِ الكَامِلي العَمَلِ ، تَكرُّماً مِنْهُ ، وَتَفَضُّلاً عَلَى هؤُلاءِ الكِرامِ البَرَرَةِ ، وَلاَ يُنْقِصُ اللهُ تَعَالى دَرجَاتِ الآباءِ بِسَببِ ذُنُوبِ أبْنَائِهِمْ بَلْ يَرْفَعُ مَنْزلةَ الأَبْنَاءِ .ثُمَّ يُخْبِرُ تَعَالى بِأَنَّ العَدْلَ يَقْضِي بِأَلاَّ يُؤاخَذَ بِذَنْبِ أَحَدٍ ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُرْتَهنٌ بِعَمَلِهِ ، وَلاَ يُحمَلُ عَليهِ ذَنْبُ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ .
وعَنْ أَبِي سَهْلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ، قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} . قَالَ : أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ.(1)
وعن علي رضي الله عنه في قوله عز وجل : كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين قال هم أطفال المسلمين"(2)،يعني أن أطفال المؤمنين في الجنة ، لأنهم لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم.
وقد جاءت نصوص صريحة في إدخال ذرية المؤمنين الجنة، فمن ذلك حديث عَلِىٍّ قَالَ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : هُمَا فِى النَّارِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِى وَجْهِهَا قَالَ: لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لأَبْغَضْتِهِمَا قَالَتْ [.....] يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَلَدِى مِنْكَ قَالَ: فِى الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ المسلمين وَأَوْلاَدَهُمْ فِى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلاَدَهُمْ فِى النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} [الطور: 21](3).
وقَالَ ابْنَ سِيرِينَ : حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ ، أَنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِنَّ ، فَقَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ، إِلا جِيءَ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُوقَفُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَلا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلْمَرْأَةِ : سَمِعْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ(4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْجَنَّةَ . وَقَالَ يُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. قَالَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَجِىءَ أَبَوَانَا - قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ »(5).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ وَأَبَوَيْهِمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ - قَالَ - وَيَكُونُونَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَجِىءَ أَبَوَانَا فَيُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَبَوَاكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ »(6).
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، إِلا أَدْخَلَ اللَّهُ وَالِدَيْهِمُا الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ"، قَالُوا: وَاثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"وَاثْنَيْنِ"، قَالُوا: وَوَاحِدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"وَوَاحِدٌ"، ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ:"السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ"(7)
وعَنْ أَبِى حَسَّانَ قَالَ قُلْتُ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِىَ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا قَالَ قَالَ نَعَمْ « صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِى - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ ».(8)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَعْلَمُ - مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ يَشُكُّ - قَالَ : " ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - " . رَوَاهُ أَحْمَدُ(9)
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة »(10)
ـــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 325)(35781) صحيح
(2) - المستدرك للحاكم (3874) صحيح
(3) - غاية المقصد فى زوائد المسند(3173 ) حسن
(4) - الآحاد والمثاني (3304) صحيح
(5) - مسند أحمد(10903) صحيح
(6) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 68)(7395) صحيح
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 67)(16720 ) صحيح لغيره
(8) - صحيح مسلم(6870 ) -الدعموص : جمع الدعموص وهو دويبة تكون فى الماء أى أنهم صغار الجنة لا يفارقونها -الصنفة : طرف الثوب
(9) - مسند أحمد(8547) حسن
(10) - أمالي ابن بشران(925) وأخبار أصبهان (1490) حسن وانظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 156)(1/34)
المبحث الثامن والعشرون
أكثر أهل الجنة
أكثر من يدخل الجنة الضعفاء الذين لا يأبه الناس لهم ، ولكنهم عند الله عظماء ، لإخباتهم لربهم ، وتذللهم له ، وقيامهم بحق العبودية لله ، روى البخاري ومسلم عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ »(1).
قال النووي في شرحه للحديث : "وَمَعْنَاهُ : يَسْتَضْعِفهُ النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَاله فِي الدُّنْيَا ، يُقَال : تَضَعَّفَه وَاسْتَضْعَفَهُ ، وَأَمَّا رِوَايَة الْكَسْر فَمَعْنَاهَا : مُتَوَاضِع مُتَذَلِّل خَامِل وَاضِع مِنْ نَفْسه ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَكُون الضَّعْف هُنَا : رِقَّة الْقُلُوب وَلِينهَا وَإِخْبَاتهَا لِلْإِيمَانِ ، وَالْمُرَاد أَنَّ أَغْلَب أَهْل الْجَنَّة هَؤُلَاءِ ، كَمَا أَنَّ مُعْظَم أَهْل النَّار الْقِسْم الْآخَر ، وَلَيْسَ الْمُرَاد الِاسْتِيعَاب فِي الطَّرَفَيْنِ"(2).
وفي صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ »(3).
وفي الصحيح عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ »(4).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءُ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا ثَلاَثَةً يُعَذَّبُونَ : امْرَأَةً مِنْ حِمْيَرَ طُوَالَةً رَبَطَتْ هِرَّةً لَهَا لَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَسْقِهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ، فَهِيَ تَنْهَشُ قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا وَرَأَيْتُ فِيهَا أَخَا بَنِي دَعْدَعٍ الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِذَا فُطِنَ لَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي ، وَالَّذِي سَرَقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(5)
وتخاصم الرجال والنساء زمن الصحابة في أكثر أهل الجنة ، هل هم الرجال أم النساء ؟
ففي صحيح مسلم عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(6)
وعن مُحَمَّدٍ قال : اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَأَتَوْا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ دُرِّيٍّ أَوْ دُرِّيءٍ - شَكَّ سُفْيَانُ - لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزُبُ.(7)
والحديث واضح الدلالة على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال ، وقد احتج بعضهم على أن الرجال أكثر بحديث (رأيتكن أكثر أهل النار ) ، والجواب أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة كما يقول ابن حجر العسقلاني ، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة ، وبذلك يكنَّ أكثر من الرجال وجودا في الخلق. ويمكن أن يقال : إن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يدلُّ على أن نوع النساء في الجنة أكثر سواء كن من نساء الدنيا أو من الحور العين ، والسؤال هو أيهما أكثر في الجنة : رجال الدنيا أم نساؤها ؟ وقد وفق القرطبي بين النصين بأن النساء يكن أكثر أهل النار قبل الشفاعة وخروج عصاة الموحدين من النار ، فإذا خرجوا منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين كن أكثر أهل الجنة.
وهناك ما يدلُّ على قلة النساء في الجنة وهو ما رواه أحمد عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي حَِجٍّ ، أَوْ عُمْرَةٍ ، فَقَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الشِّعْبِ ، إِذْ قَالَ : انْظُرُوا ، هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا ؟ فَقُلْنَا : نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ ، أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ ، إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فِي الْغِرْبَانِ"(8)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (4918 ) وصحيح مسلم(7366 )
الجواظ : الجموع المنوع الذى يجمع المال من أى جهة ويمنع صرفه فى سبيل الله -العتل : الشديد الجافى الغليظ من الناس
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 234)
(3) - صحيح البخارى(5196 ) -الجد : الحظ والسعادة والغنى
(4) - صحيح البخارى(3241 ) وصحيح مسلم(7114 ) عبن ابن عباس
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 534)(7489) صحيح
(6) - صحيح مسلم(7325 )
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 437)(7420) صحيح
(8) - مسند أحمد(18243) صحيح(1/35)
المبحث التاسع والعشرون
مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة
يدخل من هذه الأمة الجنة جموع كثيرة الله أعلم بعددهم ، ففي صحيح البخاري عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَأَخَذَ النَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاَءِ أُمَّتِى قَالَ لاَ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ . فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ . قَالَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ ، لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ . قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ . قَالَ « اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ » . ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ . قَالَ « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ »(1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى ، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ . فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لِى انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا . فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ » . فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِى الشِّرْكِ ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا ، فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ »(2).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ رَهْطٌ ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ قِيلَ لِي : انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي : أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ، ثُمَّ نَهَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ ، فَخَاضَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ؟ فَقَالَ : بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ قَطُّ ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَقَالَتِهِمْ ، فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ ، فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْتَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.(3).
وقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ ، قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِى هَذِهِ قِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ . فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِى آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ . فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ « سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ »(4).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قَالَ : ثُمَّ قِيلَ لِي : اُنْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقِ ، قَالَ : فَقِيلَ : هَذِهِ أُمَّتُكَ ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ سِوَاهَا سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ.
ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ ، فَقَالُوا : نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رُسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ ، أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : تَحَدَّثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أَكْثَرْنَا الْحَدِيثَ ثُمَّ تَرَاجَعْنَا إِلَى الْبُيُوتِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ اللَّيْلَةَ بِأَتْبَاعِهَا مِنْ أُمَمِهِمْ ، فَجَعَلَ يَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلاثَةُ مِنْ قَوْمهِ ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ النَّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ ، حَتَّى أُتِيَ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاءِ ؟ فَقَالَ : هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قُلْتُ : رَبِّ ، فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ ، فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاءِ ؟ فَقِيلَ : أُمَّتُكَ ، فَقِيلَ : هَلْ رَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : رَضِيتُ ، ثُمَّ قِيلَ : انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ ، فَإِذَا الأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ قِيلَ لِي : إِنَّ مَعَ هَؤُلاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ عَلَيْهِمْ قَالَ : فَأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ قَالَ : ثُمَّ أَنْشَأَ رَجُلٌ آخَرَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، ادْعُ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ : لَقَدْ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فِدَاءٌ لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي ، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا فَكُونُوا ،(6)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : تَحَدَّثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أَكْرَيْنَا الْحَدِيثَ ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عُرِضَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ الأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ وَأَتْبَاعُهَا مِنْ أُمَمِهَا ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ ، وَمَعَهُ الثَّلاَثَةُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ ، وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ الْوَاحِدُ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ ، حَتَّى مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ : يَا رَبِّ ، فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟ قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَمِينِكِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ ، قَدِ اسْوَدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، أَرَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، قَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : انْظُرْ عَنْ يَسَارِكِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فَقُلْتُ : يَا رَبِّ ، مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ ، أَرَضِيتَ ؟ فَقُلْتُ : رَبِّ رَضِيتُ ، قِيلَ : فَإِنَّ مَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعِينَ أَلْفًا بِلاَ حِسَابٍ ، قَالَ : فَأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مِنْهُمْ ، قَالَ : ثُمَّ أَنْشَأَ آخَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ.(7)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أُرِيتُ الأُمَمَ بِالْمَوْسِمِ فَرَأَيْتُ أُمَّتِي قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْأَتُهُمْ فَقِيلَ لِي : أَرَضِيتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.(8)
ولا شك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من بني إسرائيل بكثير ، ومن كل الأمم مجتمعة ، فعن عَطَاءَ بن يَسَارٍ أَنَّ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ ، جَعَلُوا يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهَالِيهِمْ ، فَيَأْذَنُ لَهُمْ ، فَقَالَ : مَا بَالُ شِقِّ الشَّجَرَةِ الَّتِي تَلِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْغَضُ إِلَيْكُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ ؟ فَلَمْ يُرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْمِ إِلا بَاكٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الَّذِي يَسْتَأْذِنُكَ بَعْدَ هَذَا لَسَفِيهٌ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ لا يَمُوتُ عَبْدٌ شَهِدَ شَهَادَةَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ ، ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلا سُلِكَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي أنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا تَدْخُلُوا حَتَّى تَتَبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ(9).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا , مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا , لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ ، وَلاَ عَذَابَ , وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي.(10)
حثيات : الحثيات جمع حثية ، وهي الغرفة بالكف ، يقال : حثا يحثو ويحثي.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَيْفَ أَنْتُمْ وَرُبُعُ الْجَنَّةِ , لَكُمْ رُبُعُهَا , وَلِسَائِرِ النَّاسِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهَا ، قَالَ : فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَثُلُثُهَا ، قَالُوا : فَذَاكَ كَثِيرٌ ، قَالَ : فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَالشَّطْرُ ، قَالُوا : فَذَاكَ أَكْثَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍ , أَنْتُمْ ثَمَانُونَ صَفًّا.(11)
وعَنْ كَعْبٍ ، قَالَ : أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ ، ثَمَانُونَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.(12)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ . فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ » . ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنِّى أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « مَا أَنْتُمْ فِى النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ »(13).
وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا.(14)
وعَنْ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا أُمَّتِي.(15)
وعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِى الْجَنَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ »(16).
وعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، قَالَ : قَالَ أَنَسٌ : بَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ نَذْكُرُ الأَنْبِيَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا ، وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ يَأْتِي اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَعَهُ مُصَدِّقٌ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ .(17)
والسِّرُّ في كثرة من آمن من هذه الأمة أن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكبرى كانت وحيا متلوًّا يخاطب العقول والقلوب ، وهي معجزة باقية محفوظة إلى قيام الساعة، ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِىٌّ إِلاَّ أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(18).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6541 )
(2) - صحيح البخارى(5752 )
(3) - صحيح مسلم(549 ) وصحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 339)(6430)
(4) - صحيح البخارى(5705 )
(5) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 7 / ص 425)(24088) صحيح
(6) - الآحاد والمثاني(250) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 341)(7346) صحيح
(8) - مسند الطيالسي(350) صحيح
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 436)(4429) صحيح
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 471)(32372) صحيح لغيره
(11) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 471)(32373) صحيح
(12) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 472)(32374) صحيح
(13) - صحيح البخارى(3348 )
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 498)(7459) صحيح
(15) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 156)(10534 ) صحيح لغيره
(16) - صحيح مسلم (506 )
(17) - مسند أبي عوانة (243) صحيح
(18) - صحيح البخارى(4981 ) وصحيح مسلم(402 )(1/36)
المبحث الثلاثون
في فرش الجنة
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى قَوْلِهِ {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} (34) سورة الواقعة، قَالَ: « ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ »(1).
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،قَالَ : ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِى الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَجَاتُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا لَكَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لِمَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.(2)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، عَنِ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ، فَقَالَ:"لَوْ طُرِحَ فِرَاشٌ مِنْ أَعْلاهَا لَهَوَى إِلَى قَرَارِهَا مِائَةَ خَرِيفٍ".(3)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله عز وجل: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} (54) سورة الرحمن ، قال: أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر؟ "(4)
ـــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(3605 ) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 418)(7405) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 278)(7874 ) وسنده واه وصوب المنذري وقفه
(4) - المستدرك للحاكم(3773) صحيح(1/37)
المبحث الواحد و الثلاثون
غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم
قال تعالى: ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) {الطور:24}
وَيَطُوفُ عَلَيهِمْ بِكُؤُوسِ الخَمْرِ هذِهِ غِلْمانٌ مُعَدُّونَ لِخدْمَتِهِمْ ، يَعْمَلُون بِأْمْرِهِمْ ، وَيَنْتَهُونَ بِنَهيِهِمْ ، وَهُمْ في حُسْنِهم وَبَهائِهم كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ نَاصِعُ الَبَيَاضِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أصْدافِهِ ، وَلَم يَتَعَرَّضْ لِلنُّورِ وَلَفْحِ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ .
وقال تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً) {الإنسان:19}
وَيَطُوفُ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ غِلْمَانٌ ( وِلْدَانٌ ) يَخْدِمُونَهُمْ ، وَهُمْ شَبَابٌ ، وُجُوهُهُمْ نَضِرَةٌ ، كَأَنَّهُمْ لِحُسْنِ أَلْوَانِهِمْ ، وَنَضْرَةِ وُجُوهِهِمْ ، وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهِمْ فِي قَضَاءِ الحَاجَاتِ ، اللًّؤْلُؤْ المَنْثُورُ ، وَهُمْ لاَ يَهْرَمُونَ وَلاَ يَشِيبُونَ ، وَلاَ تَتَبَدَّلُ أَحْوَالُهُمْ .
ومعنى(مخلدون):لا يهرمون ولا يتغيرون ولا يموتون. وقيل: مقرطون بالخلدة .وجمع قوم بين المعنيين فقالوا:لا يتغيرون ولا يهرمون وفي آذانهم القراطة .وقد شبَّههم الله تعالى باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلق.وفى كونه منثوراً فائدتان:
الأولى: تدل على أنهم مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم ,وغير معطلين .
الثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثوراً- لاسيما على بساطٍ من ذهب أو حرير - كان أحسن لمنظره من كونه مجموعاً في مكان ٍ واحد .وللعلماء في هؤلاء الغلمان قولان:الأول: أنهم أولاد المسلمين الذين يموتون بلا حسنة ولا سيئة ٍ, فيكونون من خدم أهل الجنة. ومنهم من قصر ذلك على أولاد المشركين.الثاني: أنهم مخلوقون في الجنة خدماً لأهلها , أنشأهم الله - عز وجل- كالحور العين,وهذا القول هو الأشبه - والله أعلم - لأن من تمام نعمة الله تعالى وكرامته لأهل الجنة أن يجعل أولادهم مخدومين معهم, لا غلماناً لهم يخدمونهم. قلت: وصح في بعض الأخبار أن أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة ، فلا مانع من الجمع بين القولين ، والله أعلم .(1)
وعن عبد الله بن عمرو قَالَ : " مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ ، كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُه "(2)
ـــــــــــــ
__________
(1) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 57) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 161)
(2) - الزهد والرقائق لابن المبارك (1560 ) و صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (354) صحيح(1/38)
المبحث الثاني و الثلاثون
في وصف نساء أهل الجنة
قد وصف الله تعالى نساء أهل الجنة- الحور العين- وحسنهن وجمالهن الظاهر والباطن في كتابه العزيز بأوصاف ٍعدة هي:
أولاً: قال تعالى: (وَزَوَجْنَاهُم بِِحُور ٍعِينٍ){الدخان:54}, والحور:جمع حوراء, وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين. وقال زيد بن أسلم:" الحوراء: التي يحار فيها الطرف".وقال مجاهد: يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن". ومعنى عين: أي حسان الأعين, قال القرطبي:العين جمع عيناء, وهي الواسعة العظيمة العينين(1).
وقوله(زوجناهم) يفهم منها معنيان:الأول:جعلناهم أزواجاً اثنين اثنين.
الثاني:قرناهم بهن, وليس من عقد التزويج ، لأن العرب تقول:تزوجتها , ولا تقول: تزوجت بها, وقيل: بل هي لغة تميم فهم يقولون : تزوجت بامرأة.
والظاهر- والله أعلم- أن الآية تحمل المعنيين معًا,فلفظ التزويج يدل على النكاح, و(الباء) تدلُّ على الاقتران والضم, وهذا أبلغ من حذفها.
ثانيًا:قال تعالى: (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ){البقرة:25} فقد وصفهن الله تعالى بأنهن مطهرات ,أي: من الحيض والنفاس والبول والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وأذى يكون من نساء الدنيا, فطهُر مع ذلك باطنهن من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة, وطهُرت ألسنتهن من الفحش والبذاءة , وطهُر طرفهن من أن تطمع به إلى غير زوجها, وهذا المعنى يظهر جليًا في الآتي:
ثالثًا:قال تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) {الرحمن:56} وقال تعالى: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ){الصافات:48}, فوصفهن بأنهن يقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يبغين غيرهنّ .
رابعًا: قال تعالى:( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً* حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً* وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً){النبأ:31-33 }
وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنِ السُّعَدَاءِ ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الكَرَامَةِ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الذِينَ يَتَّقُونَ رَبَّهُمْ جَنَّاتٍ وَمُتَنَزَّهَاتٍ نَضِرَةً ، وََفَوْزاً بِالنَّعِيمِ وَالثَّوَابِ ، وَبِالنِّجَاةِ مِنَ العِقَابِ .
وَلَهُمْ بَسَاتِينُ مُسَوَّرَةٌ ( حَدَائِقَ ) فِيهَا أَشْجَارُ النَّخَيلِ وَالأَعْنَابِ ، وَكُلِّ الثَّمَرَاتِ .
وَلَهُمْ فِيهَا حُورٌ حِسَانٌ صِبَاحُ الوُجُوهِ ، قَدْ تَكَعَّبَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ وَلَمْ تَتَرَهَّلْ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِنَّ ، وَهُنَّ أَبْكَارٌ مُتَمَاثِلاَتٌ فِي الأَعْمَارِ .
وقال تعالى: (عُرُبًا أَتْرَابًا){الواقعة:37}, فوصفهن-تبارك و تعالى- بأنهن أتراب: أي على سن ٍواحدة ٍ, بنات ثلاث وثلاثين سنة, وقال مجاهد: أتراب: أمثال , وقال أبو عبيدة: أقران. أما قوله (كواعب):جمع كاعب وهي الناهد, والمراد أن ثديهن نواهد مستديرة كالرمان ليست متدلية لأسفل. وأما قوله (عربًا) جمع :عروب , وهنَّ المتحببات إلى أزواجهن,وقال المبرد: العاشقة لزوجها, وقال أبو عبيدة: الحسنة التبعل.
خامسًا: وصفهن الله تعالى بالبكارة كما في قوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ ٌقَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) {الرحمن:56}أي:لم يطأهن ولم يجامعهن إنس ولا جان قبل أزواجهم.
سادسًا:وصفهن بالصفاء, فقال تعالى: (كَأَنَّهُنَّّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ){الرحمن:58} قال المفسرون:أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان. وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ - قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِى الْعُودَ - وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ »(2).
وعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(3)
سابعًا:قال تعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ){الرحمن:72} أي:محبوسات في الخيام, وقال أبو عبيدة: خدرن في الخيام. وقال عمر- رضي الله عنه:الخيمة درة مجوفة(4)
وفي الآية معنىً آخر:أنهن محبوسات على أزواجهن, قال قتادة:مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ.
ثامنًا:وصفهنّ بأنهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم, وحسان الوجوه, فقال تعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ){الرحمن:70}, قال سعيد بن عامر: لو أن خيرة من (خيرات حسان) اطلعت من السماء لأضاءت لها, ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر.(5)
تاسعًا:قال تعالى: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء *فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ً* عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ اليَمِينِ ) {الواقعة:35-38} وفي تفسيرها قولان:
الأول:أنها في الحور العين حيث أنشأهنّ الله وخلقهنّ خلقًا جديدًا من غير توالد.
والثاني:أنها في النساء الآدميات, حيث يخلقهنّ الله تعالى غير خلقهنّ الأول , ويصبحن أبكارًا, وهذا تفسير ابن عباس- رضي الله عنه-ويؤيده ما روي عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ " . فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا "(6).
وعَنْ سَلَمَة بْن يَزِيد , عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ الْآيَة { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء } قَالَ : " مِنْ الثَّيِّب وَالْأَبْكَار "(7). يعني من أهل الدنيا والله أعلم.
قال القرطبي: واختلف أيهما أكثر حسنًا وأبهر جمالاً: الحور أو الآدميات؟ فقيل:الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة ولقوله-عليه الصلاة والسلام- في دعائه على الميت في الجنازة: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ».(8)
وقيل :الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ...ثم ذكر قول حبان بن أبي جبلة:إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا"(9)
وعَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه : إِنَّ الْمَرْأَة مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة مِنْ حَرِير , فَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا وَحُسْنُهُ , وَمُخّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاء ذَلِكَ , وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه قَالَ : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوت وَالْمَرْجَان } أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَاقُوت حَجَر فَإِذَا أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا , رَأَيْت السِّلْك مِنْ وَرَاء الْحَجَر .(10)
وعَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : " إِنَّ الْمَرْأَة مِنَ الْحُور الْعِين لَتَلْبَس سَبْعِينَ حُلَّة , فَيُرَى مُخّ سَاقهَا كَمَا يُرَى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزُّجَاجَة الْبَيْضَاء "(11).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلاَثَ مِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ بثَلاَثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ. وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ فِى كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِى الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِى لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِى شَىْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذ مَقْعَدُتهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الأَرْضِ.(12)
وعن عبد الله بن أبي أوفى ، ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَ آلَافِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ ، يُعَانِقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ عُمْرِهِ فِي الدُّنْيَا"(13)
الثيّب : مَن ليس ببكر، ويقع علي الذكر والأنثى، رَجُل ثُيّب وامرأة ثيب، وقد يُطْلق على المرأة البالغة وإن كانت بكْرا، مجَازا واتّساعا.
وعن عبد الرحمن بن سابط ، قال : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَمِائَةِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ مَا مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ إِلَّا يُعَانِقُهَا عُمْرَ الدُّنْيَا كُلِّهَا ، لَا يَأْجَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنَّهُ لَتُوضَعُ مَائِدَتُهُ ، فَمَا تَنْقَضِي مِنْهَا عُمْرَ الدُّنْيَا كُلَّهُ ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ بِتَحِيَّةٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبَيْنَ أُصْبُعِهِ مِائَةٌ ، أَوْ سَبْعُونَ حُلَّةً ، فَيَقُولُ : مَا أَتَانِي مِنْ رَبِّي شَيْءٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ هَذَا ، فَيَقُولُ : أَيُعْجِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَيَقُولُ الْمَلَكُ شَجَرَةٍ : يَا شَجَرَةُ كُونِي لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ "(14)
الثيّب : مَن ليس ببكر، ويقع علي الذكر والأنثى، رَجُل ثُيّب وامرأة ثيب، وقد يُطْلق على المرأة البالغة وإن كانت بكْرا، مجَازا واتّساعا.- الأدنى : الأقرب
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى ، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلاَّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ . فَقَالَ لَهَا « هَبِلْتِ ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى ».
وَقَالَ: « غَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِى الْخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »(15).
والنصيف: هو الخمار(غطاء الرأس).
وعن يحيى بن أبي كثير " أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ ، يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُلْنَ طَالَمَا انْتَظَرْنَاكُمْ فَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ وَالْمُقِيماتُ فَلَا نَظْعَنُ ، وَالْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ ، بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سُمِعَتْ . وَتَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ لَيْسَ دُونَكَ قَصْدٌ وَلَا وَرَاءَكَ مَعْدًى "(16)- سخط : غضب
وقال مالك بن دينار:نمت ذات ليلة-ولم يقرأ حزبه- فإذا أنا في المنام بجاريةٍ ذات حسن ٍوجمال وبيدها رقعة, فقالت: أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم, فدفعت إليّ الرقعة فإذا مكتوبٌ فيها هذه الأبيات:
لَهَاكَ النومُ عن طلبِ الأماني.... وعن تلكَ الأَوانِس ِفي الجنانِ
تعيشُ مخلدًا لا موتَ فيها..... وتلهوُ في الخِيام ِمَعَ الحِسانِ
تنبَّهْ مِن منامك إنَّ خَيرًا..... مِن النَّومِ التهجد بالقُرَانِ(17)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(18)
النصيف : الخمار -والقاب: هو القدر، وقال أبو معمر قاب القوس من مقبضه إلى رأسه
وعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ فِى الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».(19)
وعن أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا ، يَقُولُ : اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَأَتَوْا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - : أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ دُرِّيٍّ أَوْ دُرِّيءٍ - شَكَّ سُفْيَانُ - لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزُبُ.(20)
الزمرة : الجماعة من الناس - الدري : الكوكب المتلألئ الضوء -مخ الشيء : خالصه
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَةً ، حَتَّى يُرَى مُخُّهَا ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (58) سورة الرحمن، فَأَمَّا الْيَاقُوتُ ، فَإِنَّهُ حَجَرٌ ، لَوْ أُدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ، ثُمَّ اسْتَصْْفَيْتَهُ لأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ.(21)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ سَبْعِينَ حُلَّةِ حَرِيرٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن] ، فَأَمَّا الْيَاقُوتُ ، فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَهُ سِلْكًا ثُمَّ اطَّلَعْتَ لَرَأَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ.(22)
وعَنْ سَعِيدِ بن عَامِرِ بن حِذْيَمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لَمَلأَتِ الأَرْضَ رِيحَ مِسْكٍ ، وَلأَذْهَبَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأَخْتَارَكِ عَلَيْهِنَّ ، وَدَفَعَ فِي صَدْرِهَا ، يَعْنِي امْرَأَتَهُ .(23)
وعن رَبِيعََ بْنِ كُلْثُومٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، لَمَلأَتِ الأَرْضَ مِنْ رِيحِ الْمِسْك ، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، هَلْ تَدْرُونَ مَا النَّصِيفُ ؟ هُوَ الْخِمَارُ.(24)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " حَدَّثَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : يَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى الْحَوْرَاءِ فَتَسْتَقْبِلُهُ بِالْمُعَانَقَةِ وَالْمُصَافَحَةِ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " فَبِأَيِّ بَنَانٍ تُعَاطِيهِ ! ، لَوْ أَنَّ بَعْضَ بَنَانِهَا بَدَا لَغَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَلَوْ أَنَّ طَاقَةً مِنْ شِعْرِهَا بَدَتْ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا ، فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلَى أَرِيكَةٍ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِ، فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَلْقِهِ ، فَإِذَا حَوْرَاءُ تُنَادِيهِ : يَا وَلِيَّ اللَّهِ أَمَا لَنَا فِيكَ مِنْ دُولَةٍ ؟ فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتِ يَا هَذِهِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (35) سورة ق، فَيَتَحَوَّلُ عِنْدَهَا ، فَإِذَا عِنْدَهَا مِنَ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ مَا لَيْسَ مَعَ الْأُولَى ، فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلَى أَرِيكَتِهِ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِ ، فَإِذَا حَوْرَاءُ أُخْرَى تُنَادِيهِ : يَا وَلِيَّ اللَّهِ أَمَا لَنَا فِيكَ مِنْ دُولَةٍ ؟ فَيَقُولُ : وَمَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة ، فَلَا يَزَالُ يَتَحَوَّلُ مِنْ زَوْجَةٍ إِلَى زَوْجَةٍ "(25).
البنان : أطراف الأصابع -بدا : وضح وظهر - الأريكة : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ، قَالَ : يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمَرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَإِنَّهَا يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ"(26)
وعن أنس بن مالك ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ، لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ بَصَقَتْ فِي سَبْعَةِ أَبْحُرٍ لَعَذُبَتِ الْبِحَارُ مِنْ عُذُوبَةِ رِيقِهَا ، وَيُخْلَقُ الْحَوْرَاءُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ(27)
__________
(1) - تفسير القرطبي: (16/120)
(2) - صحيح البخارى (3246 ) ومسلم (7325)
(3) - صحيح مسلم(7325 )
(4) - تفسير القرطبي: (17/144)
(5) - نفس المصدر (17/142) والحديث في الزهد والرقائق لابن المبارك(1872) صحيح
(6) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(416 ) والمعجم الأوسط للطبراني (5703) حسن لغيره
(7) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 319)(25847 ) ضعيف
(8) - صحيح مسلم(2276 ) - البرد : الماء الجامد ينزل من السماء قطعا صغارا -الدنس : الوسخ
(9) - تفسير القرطبي: (17/143) والحديث ضعيف
(10) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 249)(25646 ) صحيح
(11) - تفسير الطبري - (ج 29 / ص 249)(25647 ) صحيح مرسل
(12) - مسند أحمد(11223) وغاية المقصد فى زوائد المسند(5122 ) حسن
(13) - البعث والنشور للبيهقي (364 ) فيه مبهم
(14) - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني(575 ) فيه ضعف
(15) - صحيح البخارى(6567 و6568)
(16) - الزهد والرقائق لابن المبارك (2050 ) صحيح مقطوع
(17) - التذكرة للقرطبي:ص511
(18) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)(7398) صحيح
(19) - صحيح مسلم (7325 )
(20) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 437)(7420) صحيح
(21) - سنن الترمذى(2726) صحيح لغيره
(22) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 408)(7396) صحيح
(23) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 307)(5379) حسن
(24) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 122)(35156) صحيح مرسل
(25) - المعجم الأوسط للطبراني(9124 ) ضعيف
(26) - المستدرك للحاكم(3774) حسن
(27) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(410 ) ضعيف(1/39)
وعن أبي عياش قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ فَقَالَ : " لَوْ أَنَّ يَدًا مِنَ الْحَوْرَاءِ تُدْلِي بِبَيَاضِهَا وَخَوَاتِمِهَا دُلِّيَتْ ، لَأَضَاءَتْ لَهَا الْأَرْضُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا " ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّمَا قُلْتُ يَدَهَا ، فَكَيْفَ بِالْوَجْهِ بِبَيَاضِهِ ، وَحُسنِهِ وَجَمَالِهِ ، وَتَاجِهِ بِيَاقُوتِهِ وَلُؤْلُؤِهِ وَزَبرْجَدِهِ ؟ وَلَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غِسْلِينَ دُلِّيَتْ لَمَاتَ مِنْ رِيحِهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ "(1)
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : حُورٌ عِينٌ قَالَ : " حُورٌ : بِيضٌ ، عِينٌ : ضِخَامٌ، شَفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ قَالَ : " صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَا تَمَسُّهُ الْأَيْدِي " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ قَالَ : " خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ ، حِسَانُ الْوُجُوهِ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ قَالَ : " رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : عُرُبًا أَتْرَابًا ، قَالَ : " هُنَّ اللَّاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ ، رُمْصًا ، شُمْطًا ، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى " . قَالَ : " عُرُبًا : مُعَشَّقَاتٍ ، مُحَبَّبَاتٍ ، أَتْرَابًا : عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ الْعِينُ ؟ قَالَ : " نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَبِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : " بِصَلَاتِهِنَّ ، وَصِيَامِهِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَلْبَسَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وُجُوهَهُنَّ النُّورَ ،وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الْأَلْوَانِ ، خُضْرُ الثِّيَابِ ، صُفْرُ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ ، يَقُلْنَ : أَلَا نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا ، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا " . قُلْتُ : الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا ، مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " يَا أُمَّ سَلَمَةَ، [ إِنَّهَا ] تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا " . قَالَ : " فَتَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا فَزَوِّجْنِيهِ ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ(2)
ورحم الله من قال:
يا خاطبَ الحُور ِفي خِدْرها .... وطالبًا ذاك على قَدرِها
انْهضْ بجد ٍلا تَكُن وانيًا ..... وجاهدْ النفسَ على صَبرها
وقُمْ إذا الليلُ بَدَا وَجْهُه .... وصم نهارًا فهو من مهرها
ـــــــــــــ
__________
(1) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1867 ) حسن مقطوع
(2) - المعجم الأوسط للطبراني (3259) ومجمع الزوائد(18755) ضعيف(1/40)
المبحث الثالث و الثلاثون
نساء الدنيا
زوجة المؤمن في الدنيا تكون زوجته في الجنة أيضا إذا كانت مؤمنة ، قال تعالى { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) [الرعد/23-24] }
وَتِلْكَ العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ هِيَ دُخُولُ جَنَاتِ عَدْنٍ ، وَالإِقَامَةُ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً ، لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا . وَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ مِنَ الآبَاءِ وَالأَزْوَاجِ وَالأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ لِدُخُولِ الجَنَّةِ ، لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ؛ وَتَدْخُلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مُسْلِمِينَ مُهَنِّئِينَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، وَبِرِضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ .
وَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، وَأَمْنٌ دَائِمٌ لَكُمْ ، لَقَدْ صَبَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَاحْتَمَلْتُمُ المَشَاقَّ وَالآلاَمَ ، فَفُزْتُمْ بِرِضْوَانِ اللهِ ، فَنَعِمَتْ عَاقِبَتُكُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ .
وقال تعالى :{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) } [غافر/8، 9]
وَتُتَابعَ المَلاَئِكَةُ الأَطْهَارُ دُعَاءَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ ، فَيَسْأَلُونَ رَبَّهُم تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُم الجَنَّاتِ التِي وَعَدَهُمْ تَعَالَى بِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ ، وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُم الجَنَّاتِ الصَّالِحِينَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِيَّاتِهِمْ لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ ، فَإِن الاجْتِمَاعَ بِالأَهْلِ والعَشِيرَةِ فِي مَوَاضِعِ السُّرُورُ يَكُونَ أَكْمَلَ لِلْبَهْجَةِ والأُنْسِ ، فَأَنْتَ يَا رَبّ الغَالِبُ الذِي لاَ يُقَاوَمُ ، الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَفَعْلِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
وَاصْرِفْ عَنْهُمْ عَاقِبَةَ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ قَبْلَ تَوْبَتِهِمْ ( أَوِ اصْرِفْ عَنْهُمْ فِعْلَ السَّيِّئاتِ ) ، وَمَنْ تَصْرِفْ عَنْهُ عَاقِبَةَ مَا ارْتَكَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّكَ تَكُونَ قَدْ رَحِمْتَهُ ، وَنَجَّيْنَهُ مِنْ عَذَابِكَ ، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ الأَكْبَرُ الذِي لاَ يَعْدِلُهُ فَوْزٌ .
وَيَكُونُ أَصْحَابُ الجَنَّةِ فِي ذَلِكَ اليَومِ فَرحِينَ سُعَدَاءَ يَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّاتِهَا ، وَيَكُونُونَ فِي شُغَلٍ بِذَلِكَ النَّعِيمِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ .وَيَكُونُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ وَارِفَةٍ لاَ يُصِيبُهم فِيهَا لَفْحُ الشَّمْسِ ، وَهُمْ جَالِسُونَ عَلَى الأَرَائِكِ ، وَمُتَّكِئُونَ عَلَيْهَا فِي وَضْعِ المُنعَّمِ المُرْتَاحِ فِي جَلْسَتِهِ قال تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)[يس/55، 56]} ،
وقال تعالى : { الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) } [الزخرف/69-71]
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ صِفَةَ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الأَمْنَ مِنَ اللهِ ، وَالرِّضَا ، فَلاَ يَخَافُونَ العَذَابَ ، وَلاَ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيَا ، فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ هُمُ الذِينَ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَصَفَتْ نُفُوسُهُمْ ، وانْقَادَتْ لِشَرْعِ الله بَوَاطِنُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ .وَقَالَ لَهُمْ : ادْخُلُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ وَنُظَراؤُكُم الجَنَّةَ تَنْعَمُونَ فِيهَا وَتَسْعَدُونَ ( تُحْبَرُونَ ) بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرِ مَمْنُونٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ .
والمرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا ، فعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَ : خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ : سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ تُوَفِّي عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا " . وَمَا كُنْتُ لِأَخْتَارَ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ . فَكَتَبَ إِلَيْهَا مُعَاوِيَةُ : فَعَلَيْكِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهَا مَحْسَمَةٌ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَالْأَوْسَطِ(1)
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ : إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِى زَوْجَتِى فِى الْجَنَّةِ فَلاَ تَزَوَّجِى بَعْدِى فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِى الْجَنَّةِ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِى الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ حَرُمَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْكِحْنَ بَعْدَهُ لأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِى الْجَنَّةِ.(2)
وعَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَوْ غَيْرَهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْمَرْأَةُ يَمُوتُ زَوْجُهَا فَتَتَزَوَّجُ بَعْدَهُ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ يَمُوتُ ، لِمَنْ هِيَ ؟ قَالَ : لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا "(3)
وعَن أَنَسٍ ، قال : قالت أم حبيبة : يا رسول الله المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا ، يعني يكون زوجًا بعد زوج فيدخلون الجنة فلأيهما تكون ؟ قال : لأحسنهما خلقاً.(4)
وقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَة ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللهِ ، الْمَرْأَةُ مِنَّا يَكُونُ لَهَا فِي الدُّنْيَا زَوْجَانِ ، ثُمَّ تَمُوتُ ، فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ هِيَ وَزَوْجَاهَا ، لأَيِّهِمَا تَكُونُ ، لِلأَوَّلِ ، أَوْ لِلأَخِيرِ ؟ قَالَ : تُخَيَّرُ أَحْسَنُهُمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي الدُّنْيَا ، فَيَكُونُ زَوْجَهَا فِي الْجَنَّةِ ، يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ، ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا ، وَخَيْرِ الآخِرَةِ.(5)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ (الكلاباذي): يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ مِنَ السَّائِلَةِ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا كَانَتْ هِيَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ، وَأَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ ، أُرَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَكِلْتَاهُمَا كَانَتَا تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَعَسَى خَطَرَ بِبَالِ السَّائِلَةِ أَنَّ زَوْجَهَا لَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَتْ تَحْتَهُ أُخْرَى دَهْرَهَا ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ فَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَعَسَاهَا أَشْفَقَتْ أَنْ تَكُونَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ، أَعْنِي لَوْلَا الْمَوْتُ لَكَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ، فَاسْتَخْبَرَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُقَرِّرَ عِنْدَهَا أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَارَتْ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، فَأَخْبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِشَارَةً أَدْرَكَتِ الْمُرَادَ فِيهِ بِقَوْلِهِ : " لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا " وَأَحْسَنُ زَوْجِهَا خُلُقًا مَعَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَحْسَنُ خُلُقًا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ . فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِلسَّائِلَةِ : " لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا " أَيْ أَنْتِ لِي فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا أَنْتِ لِي فِي الدُّنْيَا ، وَلِلْأُخْرَى : " هِيَ لِآخِرِ زَوْجِهَا " كَذَلِكَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمَا : أَنْتِ لِي إِذِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخِرُ أَزْوَاجِ نِسَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ زَوْجًا سِوَاهُ ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ، فَإِذَا كَانَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا ، وَآخِرُ أَزْوَاجَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لَهُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - " الْمَرْأَةُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا " فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ لَا الْمَوْتُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بَأْسٍ فَهُوَ سُوءُ الْخُلُقِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ "(6)
وعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَتَاقِ ، وَلَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا أَبْغَضَ مِنَ الطَّلَاقِ "(7)
فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ مِمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكَادُ يَفْعَلُهُ إِلَّا عَنْ بَأْسٍ ، فَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ كَانَ ذَلِكَ لِسُوءِ خُلُقٍ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَقِلَّةِ مُدَارَاةٍ ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ الْخُلُقِ كَانَتْ فِيهِ مَرَارَةٌ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَيَتَحَمَّلُ سُوءَ خُلُقِهَا ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا روي وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ "(8)
فَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَسْتَمْتِعُ بِالْمَرْأَةِ يَتَحَمَّلُ مَا يَكُونُ مِنْهَا مِنَ الِاعْوِجَاجِ ، يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُدَارَاةِ ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ ، فَإِذَا حَسُنَ خُلُقُ الرَّجُلِ لَا يَكَادُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إِلَّا الْمَوْتُ ، أَنْ يَمُوتَ عَنْهَا فَيَكُونَ آخِرَ أَزْوَاجِهَا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا مَعَهَا فَيَتَّفِقُ الْخَبَرَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ"
ـــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(3248 ) حسن لغيره
(2) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 69)(13803) صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي
(3) - الكلاباذي (297) حسن
(4) - مسند البزار(6631) حسن
(5) - أخرجه عَبْد بن حُمَيْد (1212) حسن
(6) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ ( 298 )
(7) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (299 ) فيه انقطاع
(8) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (300 ) صحيح(1/41)
المبحث الرابع و الثلاثون
العشرة المبشرون بالجنة
نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصا صريحا على أن عشرة من أصحابه من أهل الجنة ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : عَشْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَابْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ.(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ فِى نَفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عَشَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ فِى الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِى الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ ». قَالَ فَعَدَّ هَؤُلاَءِ التِّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ فَقَالَ الْقَوْمُ نَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الأَعْوَرِ مَنِ الْعَاشِرُ قَالَ نَشَدْتُمُونِى بِاللَّهِ أَبُو الأَعْوَرِ فِى الْجَنَّةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى أَبُو الأَعْوَرِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ هُوَ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوَّلِ.(2)
وعن رباح بن الحارث أن سعيد بن زيد قَالَ : " أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي ، وَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأَرْوِيَ عَلَيْهِ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ أَنَّهُ قَالَ : " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ " وَتَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ فَرَجَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ، - صلى الله عليه وسلم - مَنِ التَّاسِعُ ؟ قَالَ : " نَاشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، أَنَا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَاشِرُ(3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَشَرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ"(4)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ ، فَقُلْتُ لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِى هَذَا . قَالَ فَجَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا ، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتَهُ ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، فَقُلْتُ لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ .
ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ ادْخُلْ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ فِى الْقُفِّ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، كَمَا صَنَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِى يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِى ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا - يُرِيدُ أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ . فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ . فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ » فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ . فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ . قَالَ شَرِيكٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ(5).
وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الْقائِمُ بعْدِى فِى الجنَّةِ ، والَّذِى يَقومُ بعْدهُ فى الجنَّةِ ، والثَّالِثُ والرَّابِعُ فِى الجنَّةِ )(6)- ومراده بالقائم بعده : الذي يلي الحكم بعد موته ، وهؤلاء الأربعة ، هم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم جميعا .
وعَنْ إِسْحَاقَ بن طَلْحَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ عَتِيقٌ مِنَ النَّارِ فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا(7).
وعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ فَسُمِّيَ عَتِيقًا.(8)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 463)(7002) صحيح
(2) - سنن الترمذى (4114 ) صحيح
(3) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 5 / ص 232)(8137) صحيح
(4) - المعجم الصغير للطبراني(62) صحيح
(5) - صحيح البخارى(3674 )
(6) - أخرجه ابن عساكر (39/108) وصحيح الجامع (4435) صحيح لغيره
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 5)(9) صحيح لغيره
(8) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 279) (6864) صحيح(1/42)
المبحث الخامس و الثلاثون
في غناء الحور العين
عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا مَا فِيهَا بَيْعٌ ، وَلاَ شِرَاءٌ ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يَرْفَعَنْ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(1)
الحور العين : نساء أهل الجنة - نبيد : نهلك أو نموت - سخط : غضب -طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ تُغَنِّيَانِهِ بِأَحْسَنِ صَوْتٍ سَمِعَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ , وَلَيْسَ بِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ , وَلَكِنْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ.(2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ : نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يُمِتْنَهْ ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّ "(3)
الظعن : الارتحال والسفر
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْحُورَ فِي الْجَنَّةِ يُغَنِّينَ يَقُلْنَ : نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانْ ، هُدِينَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامْ "(4).
عن ابن أبي أوفى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : ، يُزَوَّجُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةُ آلَافِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةُ آلَافِ ، وَمِائَةُ جَوَارٍ ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ مِثْلَهُنَّ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ "(5)
وعن عبد الرحمن بن سابط ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ ، تَعَالَى يُزَوِّجُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ ، وَأَرْبَعَةَ آلَافِ وَسِتَّةَ آلَافِ بِنْتٍ ، مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا يُعَانِقُهَا عُمْرَ الدُّنْيَا ، مَا تَأْجِمُهُ ، وَلَا يَأْجِمُهَا ، وَإِنَّهُ لَتُوضَعُ مَائِدَةٌ ، فَمَا يَنْقَضِي شِبَعُهُ مِقْدَارَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّهُ لَيُوضَعُ الْكَأْسُ فِي يَدِهِ ، فَمَا يَنْقَضِي رِيُّهُ مِقْدَارَ الدُّنْيَا مُذْ خُلِقَتْ إِلَى أَنْ تَبِيدَ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ بِمِائَةِ حُلَّةٍ هَدِيَّةً مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ : تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَنَا بِشَيْءٍ أُوتِيتُهُ بِأَشَدَّ عُجْبًا مِنِّي بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ ، قَالَ : فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : أَوَأَعْجَبَكَ ذَاكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ شَجَرَةٍ : أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكِ أَنْ تَقْطُرِي لِعَبْدِهِ فُلَانٍ مِنْ ضَرْبِ هَذِهِ الْحُلَلِ بِمَا ادَّعَى"(6)
وعن أبي هريرة ، قال : قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ ، الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا : ، قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ ؟ قَالَ : " إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّقْدِيسُ وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ "(7)- الحَافة : ناحِية الموضع وجانبه
ـــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 100)(35104) حسن لغيره
(2) - مسند الشاميين(1618) وصفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(465 ) حسن لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 364)(849) وصحيح الجامع ( 1561 ) صحيح
(4) - المعجم الأوسط للطبراني(6685 ) حسن
(5) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(402 ) فيه ضعف
(6) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (411 ) ضعيف
(7) - البعث والنشور للبيهقي(374 ) حسن(1/43)
المبحث السادس و الثلاثون
في سوق الجنة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً »(1).
الْمُرَاد بِالسُّوقِ مَجْمَع لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كَمَا يَجْتَمِع النَّاس فِي الدُّنْيَا فِي السُّوق ، وَمَعْنَى ( يَأْتُونَهَا كُلّ جُمُعَة ) أَيْ : فِي مِقْدَار كُلّ جُمْعَة أَيْ أُسْبُوع ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَة أُسْبُوع لِفَقْدِ الشَّمْس وَاللَّيْل وَالنَّهَار ، قَالَ الْقَاضِي : وَخَصَّ رِيح الْجَنَّة بِالشَّمَالِ لِأَنَّهَا رِيح الْمَطَر عِنْد الْعَرَب كَانَتْ تَهُبّ مِنْ جِهَة الشَّام ، وَبِهَا يَأْتِي سَحَاب الْمَطَر ، وَكَانُوا يَرْجُونَ السَّحَابَة الشَّامِيَّة ، وَجَاءَتْ فِي الْحَدِيث تَسْمِيَة هَذِهِ الرِّيح الْمُثِيرَة أَيْ الْمُحَرِّكَة ، لِأَنَّهَا تُثِير فِي وُجُوههمْ مَا تُثِيرهُ مِنْ مِسْك أَرْض الْجَنَّة وَغَيْره مِنْ نَعِيمهَا .(2)
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا يَأْتُونَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ فِيهِ كُثْبَانُ الْمِسْكِ ، فَتَهِيجُ رِيحُ شَمَالٍ فَتَحْثِي أَوْ فَتَسْفِي فِي وُجُوهِهِمُ الْمِسْكَ ، فَيَأْتُونَ أَهْلِيهِمْ ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ : قَدْ زَادَكُمُ اللَّهُ بَعْدَنَا أَوِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ : وَأَنْتُمْ قَدْ زَادَكُمُ اللَّهُ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً.(3)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، قَالَ سَعِيدٌ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيَزُورُونَ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ ، وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَيُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ - وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، وَالْكَافُورِ مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَهَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، قُلْنَا : لاَ قَالَ : كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، وَلاَ يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلاَّ حَاصَرَهُ اللَّهُ مُحَاصَرَةً ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ : يَا فُلاَنُ ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ يُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ ، قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ ،ثُمَّ يَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ ، قَالَ : فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حُفَّتْ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ ، وَلَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ ، قَالَ : فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ شَيْءٌ وَلاَ يُشْتَرَى ، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَ : فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ بِأَحْسَنَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا ، قَالَ : ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَتَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا ، فَيَقُلْنَ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِحِبِّنَا لَقَدْ جِئْتَ ، وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ وَيَحُقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا.(4)-الكثبان : جمع كثيب وهو الرمل المستطيل
وعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ : أُنْبِئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ . قَالَ : فَقَالَ سَعِيدٌ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَوَفِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا وَنَزَلُوهَا بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَزُورُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَبْدُو لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَيَضَعُ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَمَنَابِرَ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، قُلْنَا : لَا قَالَ : فَكَذَلِكَ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إِلَّا حَاضِرُهُ يَقُولُ : يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ هَلْ عَمِلْتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بِمَغْفِرَتِي لَكَ بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقَهِمْ وَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ مِسْكًا لَمْ يَجِدُوا رِيحَ شَيْءٍ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهُ . ؟ قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، قَالَ : فَيَأْتُونَ سُوقًا وَقَدْ حُفَّتْ بِهِمْ مَلَائِكَةٌ بِمَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ الْآذَانُ ، فَتَحْمِلُ وَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ وَلَا يَبْتَاعُ ، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ فِيمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّفَ فِيهِ ، قَالَ : ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَلْقَانَا أَحِبَّاؤُنَا فَيَقُولُونَ : لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مَا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ فَنَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْيَوْمَ وَنَحِقُّ أَنْ نَنْقَلِبَ بِمَا انْقَلَبْنَا بِهِ "(5)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : " جَمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ " قَالَ : قُلْتُ : أَوَ فِي الْجَنَّةِ سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ الْوَرَّاقُ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ أَبُو سُلَيْمٍ الْبَعْلَبَكِّيُّ ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا فَنَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيُرَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشُهُ ، وَيَتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(6)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ . فَقَالَ سَعِيدٌ : أَوَ فِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤَذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا 0 فَيَزُورُونَ اللَّهَ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ ، عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ ، وَمَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا " . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قُلْنَا : لَا . قَالَ : " فَكَذَلِكَ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً ، حَتَّى يَقُولَ : يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَيُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدْرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : بَلَى . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فِبِمَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ " . قَالَ : " فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ ، ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ " . قَالَ : " فَيَأْتُونَ سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرُ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ ، وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ ، وَلَمْ تَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ " . قَالَ : " فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَاهُ ، لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُشْتَرَى ، فِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا " . قَالَ : " فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ ، وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ ، فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا " . قَالَ : " ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِحِبِّنَا ، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلُ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَيَحِقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا " .(7)
الرياض : جمع الروضة وهي البستان - الزبرجد : الزمرد وهو حجر كريم - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب - الكافور : نبات طيب الرائحة مرّ الطعم -تمارون : تشكون - غشيتهم : غطتهم وأصابتهم - حف به : استدار حوله وأحدق به - ذو البزة : صاحب المنظر والهيئة الحسنة - الدني : الخسيس الحقير - الروع : الفزع - يتمثل : يصور عليه ويلبس - انقلب : عاد ورجع - الانقلاب : الرجوع أو الإياب
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا ، مَا فِيهَا شِرَاءٌ ، وَلاَ بَيْعٌ إِلاَّ الصُّوَرُ ، مَنْ أَحَبَّ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا أَوِ اشْتَهَى صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَلِلْحُورِ مَجْمَعٌ يَجْتَمِعْنَ فِيهِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَهُ أَحَدٌ ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا نَمُوتُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلا نَبْؤُسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلا نَسْخَطُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(8)
وعَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقًا مَا فِيهَا بَيْعٌ ، وَلاَ شِرَاءٌ ، إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يَرْفَعَنْ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَرَ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْؤُسُ ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا ، وَكُنَّا لَهُ.(9)
نبيد : نهلك أو نموت - طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
وعن أنس بن مالك قَالَ : " يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : انْطَلِقُوا إِلَى السُّوقِ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى ، أَوْ قَالَ : الْجِبَالِ ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى أَزْوَاجِهِمْ ، قَالُوا : إِنَّا لَنَجِدُ لَكُنَّ رِيحًا مَا كَانَتْ لَكُنَّ إِذْ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكُنَّ قَالَ : فَيَقُلْنَ : لَقَدْ رَجَعْتُمْ بِرِيحٍ مَا كَانَتْ لَكُمْ إِذْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا "(10)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ سُوقَ كُثْبَانِ مِسْكٍ يَخْرُجُونَ إِلَيْهَا وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا فَيُدْخِلُهَا بُيُوتَهُمْ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ : قَدِ ازْدَدْتُمْ حُسْنًا بَعْدَنَا فَيَقُولُونَ لِأَهْلِيهِمْ قَدِ ازْدَدْتُمْ أَيْضًا حُسْنًا عِنْدَنَا "(11)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (7324 )
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 215)
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 445)(7425) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 466)(7438) حسن
(5) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (245 ) حسن لغيره
(6) - فَوَائِدُ تَمَّامٍ(1393) حسن
(7) - السُّنَّةُ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (475 ) صحيح لغيره
(8) - مسند البزار (703) حسن لغيره
(9) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 100)(35104) حسن لغيره
(10) - الزهد والرقائق لابن المبارك (1852 ) صحيح موقوف
(11) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(247 ) صحيح(1/44)
المبحث السابع و الثلاثون
في تزاورهم ومراكبهم
إن أهل الجنة يتزاورون فيما بينهم, ويتذاكرون ما كان بينهم في الدنيا ويتحدثون, ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوال ٍكانت لهم في الدنيا, حتى تصل بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائلٌ منهم: إني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة, ثم يقول لإخوانه في الجنة:هل أنتم مطلعون في النار لننظر إلى منزلته وما صار إليه؟ فيطّلع فإذا بقرينه في وسط الجحيم قال تعالى:{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)[الصافات/50، 61]
وَيَأْخُذُ أَهْلُ الجِنَّةِ ، وَهُمْ فِي جلْسَتِهِمْ تِلْكَ ، فِي تَجَاذُبِ أَطْرَافِ الحَدِيثِ ، وَيَتَنَاوَلُونَ فِي أَحَادِيِثِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا .
قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ : إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ ( قَرِينٌ ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ .
وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ : هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟
وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً : هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً ، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً .
وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ : هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟
فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها . فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً : لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ .وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ . ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ : هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ ، مُنعَّمُونَ فِيهَا ، لاَ نَمُوتُ ، وَلاَ تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟
وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ : لاَ . فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ : إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم ، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى .
وعَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، ،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ " قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ : " انْظُرْ مَا تَقُولُ ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ " فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي ، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا ، فَقَالَ : " يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ " , ثَلاثًا.(1)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَصْبَحْت يَا عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً ، فَمَا ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَلَمْ أَظْلف نَفْسِي ، عَنِ الدُّنْيَا ، أسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت هَوَاجِرِي , وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغُونَ فِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَرَفْت أَوْ آمَنْت فَالْزَمْ.(2)
وعَنْ زُبَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كَيْفَ أَصْبَحْت يَا حَارِثَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا ، قَالَ : إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ ، قَالَ : أَصْبَحْت عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت نَهَارِي وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي قَدْ أُبْرِزَ لِلْحِسَابِ ، وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ ، وَلكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : عَبْدٌ نَوَّرَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ ، إذْ عَرَفْت فَالْزَمْ.(3)
وعن شفي بن ماتع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا وَالنُّجُبِ ، وَإِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخَيْلٍ مُسَوَّمَةٍ مُلْجَمَةٍ ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ ، فَيَركَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، فَيَأْتِيهِمْ مِثْلُ السَّحَابَةِ ، فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، فَيَقُولُونَ : أَمْطِرِي عَلَيْنَا ، فَمَا تَزَالُ تُمْطِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى فَوْقِ أَمَانِيهِمْ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا غَيْرَ مُؤْذِيَةٍ فَتَنْسِفُ كُثْبَانًا مِنْ مِسْكٍ عَلَى أَيْمَانِهِمْ ، وَعَلَى شَمَائِلِهِمْ ، فَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي نَوَاصِي خُيُولِهِمْ ، وَفِي مَعَارِفِهَا ، وَفِي رُءُوسِهَا ، وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جُمَّةٌ عَلَى مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ ، فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي تِلْكَ الْجِمَامِ ، وَفِي الْخَيْلِ ، وَفِي مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ ، ثُمَّ يُقْبِلُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولَئِكَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَمَا لَكَ فِينَا حَاجَةٌ ؟ فَيَقُولُ : مَا أَنْتِ ؟ وَمَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا زَوْجَتُكَ ، فَيَقُولُ : مَا كُنْتُ عَلِمْتُ مَكَانَكِ ، فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَوَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة ، فَيَقُولُ : بَلَى وَرَبِّي ، فَلَعَلَّهُ يُشْغَلُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَعُودُ ، مَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إِلَّا مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْكَرَامَةِ "(4)
المطايا : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ - الجمة : ما ترامى من شعر الرأس على المنكبين
وعن أنس بن مالك قال قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ اشْتَاقُوا إِلَى الْإِخْوَانِ ، فَيَسِيرُ سَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا ، وَسَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا حَتَّى يَلْتَقِيَا ، هَذَا ، وَيَتَّكِئُ هَذَا ، فَيُحَدِّثَانِ بِمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : تَدْرِي يَوْمَ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا يَوْمَ كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَدَعَوْنَا اللَّهَ فَغَفَرَ لَنَا "(5)
اتكأ : اضطجع متمكنا والاضطجاع الميل على أحد جنبيه
وعن أبي هريرة ، قال : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْجُونِ عَلَيْهَا رِحَالُ الْمِيسِ ، تُثِيرُ مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمِسْكِ ، خِطَامُ أَوْ زِمَامُ أَحَدِهِمَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(6)
العيس إبل بيض في بياضها ظلمة خفية
والمناسم بالنون والسين المهملة جمع منسم وهو باطن خف البعير
وعن أبي هريرة ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : مَنِ الَّذِي لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُصْعَقُوا ؟ قَالَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مُتَقَلِّدِينَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عَرْشِهِ تَتَلَقَّاهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنَ الْمَحْشَرِ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ ، الدُّرُّ الْأَبْيَضُ بِرِحَالِ الذَّهَبِ ، أَعِنَّتُهَا السُّنْدُسُ ، وَزِمَامُهَا أَلْيَنُ مِنَ الْحَرِيرِ ، مَدُّ خُطَاهَا مَدُّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى خُيُولٍ ، يَقُولُونَ عِنْدَ طُولِ النُّزْهَةِ : انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَنْظُرْ إِلَيْهِ كَيْفَ يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ ، يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ "(7)
الأزمة : جمع الزمام وهو الحبل الذي تقاد به الدابة - الإستبرق : نوع من الحرير السميك
وعن علي ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا حُلَلٌ ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ مِنْ يَاقُوتٍ وَدُرٍّ ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ ، لَهَا أَجْنِحَةٌ خَطْوُهَا مَدُّ بَصَرِهَا فَيَرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ، فَيَقُولُ الَّذِي أَسْفَلُ مِنْهُمْ دَرَجَةً : يَا رَبِّ مَا بَلَّغَ عِبَادَكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ اللَّيْلَ وَأَنْتُمْ تَنَامُونَ ، وَكَانُوا يَصُومُونَ وَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ "(8)
الحلل : جمع الحُلَّة وهي ثوبَان من جنس واحد - أسرج الدابة : شد عليها السرج
وعَنْ سَابِطٍ : قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ فَإِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ ؟ قَالَ : " إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَمَا تَشَاءُ أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لَهَا جَنَاحَانِ تَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ إِبِلٌ ؟ قَالَ : " يَا أَعْرَابِيُّ ، إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ "(9)
وعن عبد المؤمن بن عبيد الله ، قال : سمعت الحسن ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، هَلْ فِيهَا خَيْلٌ ؟ قَالَ لَهُمْ : فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ "(10)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : فِي الْجَنَّةِ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَكَرَائِمُ النَّجَائِبِ يَرْكَبُهَا أَهْلُهَا "(11)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى نَجَائِبَ بِيضٍ كَأَنَّهُمُ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا وَالطَّيْرُ "(12)
الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر -الإبل : الجمال والنوق ليس له مفرد من لفظه
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ : كُنْتُ أُحِبُّ الْخَيْلَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ ؟ فَقَالَ : " إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ لَكَ فِيهَا فَرَسٌ مِنْ يَاقُوتٍ ، لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ "(13).
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ ، قَالَ : إِنِ اللهُ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ ، فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ ، مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، يَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ ، إِلاَّ فَعَلْتَ ، قَالَ : وَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ ، قَالَ : إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الْجَنَّةَ ، يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ.(14)
وعَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُحِبُّ الْخَيْلَ أَفِى الْجَنَّةِ خَيْلٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ ».(15)
ـــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 430)(3289) صحيح لغيره
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 11 / ص 42)(31062) صحيح لغيره
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 43)(31064) صحيح لغيره
(4) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1850 ) وصفة الجنة(235 ) حسن مرسل
(5) - الضعفاء الكبير للعقيلي(657 ) ضعيف
(6) - صفة الجنة (236 ) ضعيف
(7) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (237 ) ضعيف
(8) - صفة الجنة(238 ) فيه ضعف
(9) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (239 ) حسن مرسل
(10) - صفة الجنة(240 ) صحيح مقطوع
(11) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (241 ) صحيح موقوف
(12) - صفة الجنة(243 ) ضعيف
(13) - البعث والنشور للبيهقي(385 ) صحيح لغيره
(14) - سنن الترمذى(2739) حسن
(15) - سنن الترمذى(2741 ) حسن لغيره(1/45)
المبحث الثامن و الثلاثون
في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى
عن علي ، قَالَ : " إِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، أَتَاهُمْ مَلَكٌ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَزُورُوهُ فَيَجْتَمِعُونَ ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ ، وَالتَّهْلِيلِ ، ثُمَّ تُوضَعُ مَائِدَةُ الْخُلْدِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا مَائِدَةُ الْخُلْدِ ؟ قَالَ : زَاوِيَةٌ مِنْ زَوَايَاهَا أَوْسَعُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَيَطْعَمُونَ ، ثُمَّ يُسْقَوْنَ ، ثُمَّ يُكْسَوْنَ ، فَيَقُولُونَ : لَمْ يَبْقَ إِلَّا النَّظَرُ فِي وَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ، لَهُمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فَيُقَالُ لَهُمْ : لَسْتُمْ فِي دَارِ عَمَلٍ ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي دَارِ جَزَاءٍ "(1)-يتجلى : يظهر
وعن صيفي اليماني ، قال : سألت عبد العزيز بن مروان ، عَنْ وَفْدِ ، أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ : إِنَّهُمْ يَفِدُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ فَيُوضَعُ لَهُمْ أَسِرَّةٌ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَعْرَفُ بِسَرِيرِهِ مِنْكَ بِسَرِيرِكَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَقْسَمَ صَيْفِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قَعَدُوا عَلَيْهِ وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عِبَادِي عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي أَطْعِمُوهُمْ قَالَ : فَيُؤْتَوْنَ بِطَيْرٍ بِيضٍ أَمْثَالِ الْبُخْتِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا اسْقُوهُمْ فَيُؤْتَوْنَ بِآنِيَةٍ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى مُخَتَّمَةً فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا فَكِّهُوهُمْ فَيَجِيءُ ثَمَرَاتُ شَجَرٍ مُدَلًّى فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا وَفَكِهُوا اكْسُوهُمْ فَتَجِيءُ ثَمَرَاتُ شَجَرٍ أَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَحْمَرَ وَكُلِّ لَوْنٍ لَمْ تُنْبِتْ إِلَّا الْحُلَلَ وَأَقْسَمَ صَيْفِيٌّ مَا أَنْبَتَتْ غَيْرَهَا فَتَنْشُرُ عَلَيْهِمْ حُلَلًا وَقُمُصًا ، ثُمَّ يَقُولُ : عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طَعِمُوا وَشَرِبُوا وَفَكِهُوا وَكُسُوا طَيِّبًا وَلَأَتَجَلَّيَنَّ لَهُمْ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيَّ فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ نَظَرْتْ وُجُوهَهُمْ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا فَيَقُولُونَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَلَّى لَنَا فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَنَظَرَتْ وُجُوهُنَا رواه ابن أبي الدنيا موقوفا(2)
وعن وهب بن منبه ، يقول : ، أَنَّهُ سَمِعَ ، يَقُولُ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا طُوبَى ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا ، زَهْرُهَا رِيَاطٌ ، وَوَرَقُهَا بُرُودٌ ، وَكُثْبَانُهَا عَنْبَرٌ ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ ، وَتُرَابُهَا كَافُورٌ ، وَوَحْلُهَا مِسْكٌ ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ الْخَمْرِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ ، وَهِيَ مَجْلِسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُتَحَدَّثُ بَيْنِهِمْ ، فَبَيْنَا هُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي مَجْلِسِهِمْ إِذْ أَتَتْهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ يَقُودُونُ نُجُبًا مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ وُجُوهُهَا كَالْمَصَابِيحِ مِنْ حُسْنِهَا ، وَوَبَرُهَا كَجَزَّةِ الْمَعِزَى مِنْ لِينِهِ ، عَلَيْهَا رِحَالٌ أَلْوَاحُهَا مِنْ يَاقُوتٍ ، وَدُفُوفُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَثِيَابُهَا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ، قَالَ : فَيُنِيخُونَهَا ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ رَبَّنَا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ لِتَزُورُوهُ وَتُسَلِّمُوا عَلَيْهِ ، قَالَ : فَيَرْكَبُونَهَا وَهِيَ أَسْرَعُ مِنَ الطَّائِرِ ، وَأَوْطَأُ مِنَ الْفَرَسِ الْمَفْرُوشِ ، نُجُبًا مِنْ غَيْرِ تَهْيِئَةٍ ، ذُلُلًا مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ ، يَسِيرُ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِ أَخِيهِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَيُنَاجِيهِ ، وَلَا تَسْبِقُ أُذُنُ رَاحِلَةٍ مِنْهَا أُذُنَ صَاحِبَتِهَا ، وَلَا رُكْبَةُ رَاحِلَةٍ مِنْهَا رُكْبَةَ صَاحِبَتِهَا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتُنَحَّى عَنْ طُرُقِهِمْ ؛ لِئَلَّا تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ، قَالَ : فَيَأْتُونَ إِلَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَيُسْفِرُ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَحَقَّ لَكَ الْجَلَالُ وَالْإِكْرَامُ ، قَالَ : فَيَقُولُ رَبُّنَا تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ : أَنَا السَّلَامُ وَمِنِّي السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي وَرَحْمَتِي ، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ خَشَوْنِي بِالْغَيْبِ وَأَطَاعُوا أَمْرِي ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا إِنَّا لَمْ نَعْبُدْكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ، وَلَمْ نَقْدُرْكَ حَقَّ قَدْرِكَ فَأْذَنْ لَنَا بِالسُّجُودِ قُدَّامَكَ ، فَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ نَصَبٍ وَلَا عِبَادَةٍ ، وَلَكِنَّهَا دَارُ مُلْكٍ وَنُعَيْمٍ ، وَإِنِّي قَدْ رَفَعْتُ عَنْكُمْ نَصَبَ الْعِبَادَةِ ، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ أُمْنِيَّتَهُ ، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى إِنَّ أَقْصَرَهُمْ أُمْنِيَّةً ، يَقُولُ : يَا رَبِّ تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَتَضَايَقُوا فِيهَا ، رَبِّ فَآتِنِي مِثْلَ كُلِّ مَا كَانُوا فِيهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهَا إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : لَقَدْ قَصُرَتْ بِكَ أُمْنِيَّتُكَ ، وَلَقَدْ سَأَلْتَ دُونَ مَنْزِلَتِكَ ، هَذَا لَكَ مِنِّي وَسَأُتْحِفُكَ بِمَنْزِلَتِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَطَائِي هَلَكٌ وَلَا تَصْرِيدٌ ، قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : اعْرِضُوا عَلَى عِبَادِي مَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَمَانِيُّهُمْ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ فَيُعْرَضُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقْصُرْ بِهِمْ أَمَانِيُّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، فَيَكُونُ فِيمَا يَعْرَضُونَ عَلَيْهِمْ بَرَاذِينُ مَقَرَّبَةٌ عَلَى كُلِّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا سَرِيرٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعَلَى كُلِّ سَرِيرٍ مِنْهَا قُبَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ مُفْرَغَةٌ فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا فَرْشٌ مِنْ فُرُشِ الْجَنَّةِ طَاهِرَةٌ ، فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا جَارِيَتَانِ مِنْ حُورِ الْعِينِ ، عَلَى كُلِّ جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ ثَوْبَانِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَوْنٌ إِلَّا أَنَّهُ فِيهَا وَلَا رِيحٌ طَيِّبٌ ، إِلَّا قَدْ عُبِّقَتَا بِهِ يَنْفُذُ ضَوْءُ وُجُوهِهِمَا غِلَظَ الْقُبَّةِ حَتَّى يَظُنَّ مَنْ يَرَاهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ دُونِ الْقُبَّةِ ، يُرَى مُخُّهَا مِنْ فَوْقِ سَاقِهَا كَالسِّلْكِ الْأَبْيَضِ فِي الْيَاقُوتَةِ الْحَمْرَاءِ ، تَرَيَانِ لِصَاحِبِهِمَا مِنَ الْفَضْلِ عَلَى صَاحِبَتَيْهِ كَفَضْلِ الدُّرِّ عَلَى الْحِجَارَةِ أَوْ أَفْضَلَ ، وَيَرَى هُوَ أَفْضَالَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَيْهِمَا فَيُحَيِّيَانِهِ ، وَتُقَبِّلَانِهِ ، وَتُعَانِقَانِهِ ، وَتَقُولَانِ لَهُ : وَاللَّهِ مَا ظَنَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مِثْلَكَ ، ثمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَيَسِيرُونَ بِهِمْ صَفًّا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُ "(3)
رياط : جمع الريطة ، الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة
وعن أبي أمامة قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا ، وَلَا وَلَا يُمْنُونَ وَلَا يَبْزُقُونَ ، إِنَّمَا نَعِيمُهُمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِسْكٌ يتَحَدَّرُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَالْجُمَانِ ، وَعَلَى أَبْوَابِهِمْ كُثْبَانٌ مِنَ الْمِسْكِ ، يَزُورُونَ اللَّهَ فِي الْجُمُعَةِ مَرَّتَيْنِ ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كَرَاسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ ، مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ ، ، وَالزَّبَرْجَدِ ، يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا قَامُوا انْقَلَبَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْغُرْفَةِ مِنْ غُرْفَةٍ لَهَا سَبْعُونَ بَابًا ، مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ ، وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ "(4)- التغوُّط : التبرُّز -امتخط : أخرج ما في أنفه من المخاط وألقى به
وعن أبي أمامة ، قال : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا وَلَا وَلَا يُمْنُونَ ، إِنَّمَا نَعِيمُهُمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِسْكٌ يَتَحَدَّرُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَالْجُمَانِ ، وَعَلَى أَلْوَانِهِمْ مِنْ مِسْكٍ يَزُورُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجُمُعَةِ مَرَّتَيْنِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى كَرَاسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا قَامُوا انْقَلَبَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْغُرْفَةِ مِنْ غُرْفَةٍ لَهَا سَبْعُونَ بَابًا مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ والياقوتِ "(5)
التغوُّط : التبرُّز - التمخط : الاستنثار وإلقاء مخاط الأنف -الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
ـــــــــــــ
__________
(1) - صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني(422 ) ضعيف
(2) - صفة الجنة(324 ) فيه ضعف
(3) - الإبانة الكبرى لابن بطة (2488 ) صحيح إلى وهب ومثله لا يقال بالرأي
(4) - الزهد والرقائق لابن المبارك(1853 ) ضعيف
(5) - صفة الجنة (95 ) ضعيف(1/46)
المبحث التاسع و الثلاثون
في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى
وهي غاية الحسنى , ونهاية النعمة, وكلّ نعمةٍ في الجنة وكلّ لذة من لذاتها يُنسى بالنسبة إلى لذة اللقاء والنظر إلى وجه الله تعالى- نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بذلك- قال تعالى: (وجُوهٌ يومئذٍ ناضرة ٌ*إِلََىَ رَبِّها نَاظِرَةٌ){القيامة:22-23}
وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنََى وَزِيادَةٌ){يونس:26}
قال المفسرون: الحسنى هي الجنة , والزيادة:هي النظر إلى وجه الله الكريم،فعَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (26) سورة يونس ».(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قِيلَ : أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ أُعْطُوا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ ، نُودُوا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الزِّيَادَةَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ " قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : " فَمَا ظَنُّكَ بِهِمْ حِينَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُمْ ، وَحِينَ صَارَتِ الصُّحُفُ فِي أَيْمَانِهِمْ ، وَحِينَ جَاوَزُوا جِسْرَ جَهَنَّمَ ، وَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ ، وَأُعْطُوا مَا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ ؟ كَانَ ذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا فِيمَا رَأَوْهُ "(2)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ».
قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ « فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ. فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِى صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِى جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِىَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ. فَيَقُولُ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لاَ تَسْأَلُنِى غَيْرَ الَّذِى أَعْطَيْتُكَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ.
فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِى رَبَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ تَمَنَّهْ. فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ». قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا. حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ.(3)
الحبة : بذور العشب البرية -الذكاء : لهب النار واشتعالها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -انفهقت : انفتحت واتسعت -قشبنى : سمنى وأهلكنى -امتحشوا : احترقت جلودهم حتى ظهرت العظام
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، كَمَا لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، فَيُلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، أَلَمْ أُسَوِّدْكَ ، أَلَمْ أُزَوِّجْكَ ، أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَتْرُكُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ، قَالَ : فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ ، قَالَ : لاَ يَا رَبِّ ، قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، قَالَ : ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُولُ : أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، أَلَمْ أُسَوِّدْكَ ، أَلَمْ أُزَوِّجْكَ ، أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَتْرُكَكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ، قَالَ : فَيَقُولُ بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ قَالَ : لاَ يَا رَبِّ ، قَالَ : فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، قَالَ : ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ : مَا أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَبْدُكَ آمَنْتُ بِكَ ، وَبِنَبِيِّكَ ، وَبِكِتَابِكَ ، وَصُمْتُ ، وَصَلَّيْتُ ، وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، قَالَ : فَيُقَالُ لَهُ : أَفَلاَ نَبْعَثَ عَلَيْكَ شَاهِدَنَا ؟ قَالَ : فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخْذِهِ : انْطِقِي ، قَالَ : فَتَنْطِقُ فَخْذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ ، فَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الَّذِي سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي أَلاَ اتَّبَعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، قَالَ : فَيَتْبَعُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينَ الشَّيَاطِينَ ، قَالَ : وَاتَّبَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ثُمَّ يَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَيَأْتِينَا رَبُّنَا وَهُوَ رَبُّنَا ، فَيَقُولُ : عَلَى مَا هَؤُلاَءِ قِيَامٌ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ عِبَادُ اللهِ الْمُؤْمِنُونَ وعَبَدْنَاهُ وَهُوَ رَبُّنَا وَهُوَ آتِينَا ، وَمُثِيبُنَا ، وَهَذَا مَقَامُنَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ فَامْضُوا ، قَالَ : فَيُوضَعُ الْجِسْرُ وَعَلَيْهِ كَلاَلِيبُ مِنْ نَارٍ تَخْطَفُ النَّاسَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ ، اللَّهُمَّ سَلِّمِ اللَّهُمَّ سَلِّمْ ، فَإِذَا جَاوَزَ الْجِسْرَ ، فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ تَدَعُوهُ يَا عَبْدَ اللهِ ، يَا مُسْلِمُ ، هَذَا خَيْرٌ ، فَيُقَالُ : يَا عَبْدَ اللهِ ، يَا مُسْلِمُ ، هَذَا خَيْرٌ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ ذَلِكَ لِعَبْدٍ لاَ تَوَى عَلَيْهِ يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ مِنْ آخَرَ ، قَالَ : فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ.(4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَ يَوْمَ صَحْوٍ ؟ قُلْنَا : لاَ ، قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ إِذَا كَانَ صَحْوًا ؟ قُلْنَا : لاَ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ ، إِلاَّ كَمَا لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا يُنَادِي مُنَادٍ ، فَيَقُولُ : لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، قَالَ : فَيَذْهَبُ أَهْلُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ ، وَأَهْلُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ ، وَيَبْقَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ اللهِ ، فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَةً ، وَلاَ وَلَدًا مَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا ، فَيُقَالُ : اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ ، فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ، وَلاَ وَلَدٌ مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا ، فَيُقَالُ : اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ : قَدْ فَارَقْنَاهُمْ ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فَيُقَالُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا ؟ فَيَقُولُونَ : السَّاقُ ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً ، فَيَذْهَبُ يَسْجُدُ ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِ الْجَسْرِ ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَانِي جَهَنَّمَ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ : مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ ، وَكَلاَلِيبُ ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ ، يُقَالُ لَهَا : السَّعْدَانُ ، يَجُوزُ الْمُؤْمِنُ كَالطَّرْفِ ، وَكَالْبَرْقِ ، وَكَالرِّيحِ ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ ، وَكَالرَّاكِبِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ ، وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا ، وَالْحَقُّ قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقِيَ إِخْوَانُهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ : اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيْهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ ثَانِيَةً ، فَيَقُولُ : اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ الثَّالِثَةَ ، فَيُقَالُ : اذْهَبُوا ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا قَوْلَ اللهِ : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء] ، فَتَشْفَعُ الْمَلاَئِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ : بَقِيَتْ شَفَاعَتِي ، فَيَقْبِضُ الْجَبَّارُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ ، يُقَالُ لَهُ : الْحَيَاةُ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ هَلْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ ، أَوْ جَانِبِ الشَّجَرَةِ ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ ، وَمَا كَانَ إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ ، فَيَخْرُجُونَ مَثْلَ اللُّؤْلُؤَةِ ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ : هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ ، وَلاَ قَدَمٍ قَدَّمُوهُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : لَكُمْ مَا رَأَيْتُمُوهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ(5).قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : السَّاقُ الشِّدَّةُ.
وقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِجُلَسَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : " هُمُ الْخَائِفُونَ ، الْخَاضِعُونَ ، الْمُتَوَاضِعُونَ ، الذَّاكِرُونَ لِلَّهِ كَثِيرًا " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " الْفُقَرَاءُ يَسْبِقُونَ النَّاسَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا مَلَائِكَةٌ ، فَيَقُولُونَ : ارْجِعُوا إِلَى الْحِسَابِ ، فَيَقُولُونَ : عَلَامَ نُحَاسَبُ ؟ وَاللَّهِ مَا أُفِيضَتْ عَلَيْنَا مِنَ الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا فَنَقْبِضَ فِيهَا وَنَبْسِطَ ، وَمَا كُنَّا أُمَرَاءَ نَعْدِلُ وَنَجُورُ ، وَلَكِنَّا . . . اللَّهُ فَعبَدْنَاهُ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ "(6)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.(7).
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً ، فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ »(8).
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ : ثِنْتَانِ آنِيَتُهُمَا وَحُلِيُّهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ ، وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحُلِيُّهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ، وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَشْخَبُ مِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ثُمَّ تَصَدَّعُ بَعْدُ أَنْهَارًا "(9)
__________
(1) - صحيح مسلم (467)
(2) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1894 ) صحيح ومثله لا يقال بالرأي
(3) - صحيح مسلم (469)
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 499)(4642) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 377)(7377) صحيح
(6) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1895 ) حسن
(7) - صحيح البخارى(4878 ) وصحيح مسلم(466)
(8) - صحيح البخارى (4879 )
(9) - مسند أبي عوانة (310) صحيح(1/47)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي يَدِهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا ، وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ ، وَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ ، قَالَ : مَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسَمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، وَلَيْسَ لَهُ بِقَسَمٍ إِلَّا دَخِرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرٍّ هُوَ مَكْتُوبٌ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ . قُلْتُ : مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيهَا ؟ قَالَ : هَذِهِ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ " . قَالَ : " قُلْتُ : لِمَ تَدْعُونَهُ يَوْمَ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : إِنَّ رَبَّكَ - عَزَّ وَجَلَّ - اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنَ الْمِسْكِ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ حَتَّى حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَجَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ حَفَّ الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، هَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي . فَيَسْأَلُوهُ الرِّضَا فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي . فَيَسْأَلُوهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ، فَيَفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَى كُرْسِيِّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ - أَحْسَبُهُ قَالَ : وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ ، دُرَّةٌ بَيْضَاءُ لَا قَصْمَ فِيهَا وَلَا فَصْمَ ، أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مُطَّرِدَةٌ ، فِيهَا أَنْهَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ ، فِيهَا ثِمَارُهَا ، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا ، فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً ، وَلِيَزْدَادُوا فِيهِ نَظَرًا إِلَى وَجْهِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ "(1).
النُكتة : النُقطة والعلامة والأثر، وأصله من النكت في الأرض وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره - الحف : الإحاطة - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِي جِبْرِيلُ ، وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ ، فِيهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِِيلُ ، مَا هَذِهِ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَة .
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا الْجُمُعَةُ ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى تَبَعًا لَكَ .
قَالَ : قُلْتُ : وَمَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ ، هُوَ لَهُ قَسَمٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقَسَمٍ إِلاَّ ذُخَرَ لَهُ عِنْدَهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ، أَوْ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنْ شَرٍّ ، هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِلاَّ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ الْبَلاَءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ .
قَالَ : قُلْتُ لَهُ : وَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ فِيهَا ؟ قَالَ : هِيَ السَّاعَةُ ، وَهِيَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَوْمَ الْمَزِيدِ .
قَالَ : قُلْتُ : مِمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ : لأَنَّ رَبَّك ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هَبَطَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، وَيَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُم ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، ثُمَّ يَقُولُ : سَلُونِي أُعْطِكُمْ ، قَالَ : فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَى ، فَيَقُولُ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وَأَنِالُكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ ، قَالَ : فَيَسْأَلُونَهُ الرَّضَى ، قَالَ : فَيُشْهِدُهُمْ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ ، قَالَ : فَيُفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، قَالَ : وَذَلِكُمْ مِقْدَارُ انْصِرَافِكُمْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ .
قال ثُمَّ يَرْتَفِعُ ، وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ ، وَالصِّدِّيقُونَ ، وَالشُّهَدَاءُ ، وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ ، وَهِيَ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ ، لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ ، وَلاَ فَصْمٌ ، أَوْ دُرَّةٌ حَمْرَاءُ ، أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ فِيهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مَطْرُورَةٌ ، وَفِيهَا أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ ، قَالَ : فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا إِلَى رَبِّهِمْ نَظَرًا ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً.(2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : عُرِضَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، جَاءَ جِبْرِيلُ فِي كَفِّهِ كَالْمِرَآةِ الْبَيْضَاءِ فِي وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ ، فَقَالَ : " مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلُ ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو أَحَدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ ، أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ ، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ ، وَجَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ فَجَلَسُوا عَلَيْهَا ، وَجَاءَ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ ، وَهُوَ كَثِيبٌ أَبْيَضُ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا ، فَيَقُولُ : رِضَايَ أُحِلُّكُمْ دَارِي ، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرِّضَا ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْجُمُعَةِ ، وَهِيَ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ ، مُطَّرَدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا ، مُتَدَلِّيَةٌ ، فِيهَا ثِمَارُهَا ، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا ، فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتِهِ ، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ "(3)
عِلِّيُّون : اسم للسماء السابعة، وقيل : هو اسمٌ لدِيوَان الملائكة الحَفَظَة، تُرْفَع إليه أعمالُ الصالحين من العباد، وقيل : أراد أعْلَى الأمْكِنَة وأشْرَفَ المرَاتِب من اللّه في الدار الآخرة. - الكَثِيب : الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب -أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة -الزبرجد : الزمرد وهو حجر كريم -الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَإِذَا فِي كَفِّهِ مَرْآةٌ كَأَصْفَى الْمَرَايَا وَأَحْسَنِهَا ، وَإِذَا فِي وَسَطِهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ " ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذِهِ ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : وَمَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ فِي وَسَطِهَا ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا الْجُمُعَةُ ؟ قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، وَسَأُخْبِرُكَ بِشَرَفِهِ ، وَفَضْلِهِ ، وَاسْمِهِ فِي الْآخِرَةِ ، أَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ جَمَعَ فِيهِ أَمْرَ الْخَلْقِ ، وَأَمَّا مَا يُرْجَى فَإِنَّ فِيهِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، أَوْ أَمَةٌ مَسْلَمَةٌ يَسْأَلَانِ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ ، وَأَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ وَاسْمُهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ ، وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُهَا وَسَاعَاتُهَا ، لَيْسَ بِهَا لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ إِلَّا قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَسَاعَتَهُ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْحِينِ الَّذِي يَبْرُزُ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ نَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ ، وَعَرْضَهُ ، وَطُولَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُثْبَانٍ مِنَ الْمِسْكِ " قَالَ " : فَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ يَاقُوتٍ " قَالَ : " فَإِذَا وُضِعَتْ لَهُمْ وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ تُثِيرُ عَلَيْهِمْ أَثَاثِيرَ الْمِسْكِ الْأَبْيَضِ ، تَدْخِلُهُ تَحْتَ ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ ، فَتِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنَ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا كُلُّ طِيبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضَ لَكَانَتْ تِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكَ مِنَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا ذَلِكَ الطِّيبُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، قَالَ : ثُمَّ يُوحِي اللَّهُ تَعَالَى إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ ، فَيُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْجَنَّةِ ، وَمَا فِيهَا أَسْفَلُ مِنْهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الْحُجُبُ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي ، فَصَدَّقُوا رُسُلِي ، وَاتَّبَعُوا أَمْرِي يَسْأَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : فَيُجْمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : رَبِّ رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا ، قَالَ : فَيَرْجِعُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِمْ : أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنِّي لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي ، فَسَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ قَالَ : فَيُجْمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ : رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا ، قَالَ : فَيَرْجِعُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ : أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ مَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، قَالَ : فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : رَبِّ وَجْهَكَ رَبِّ وَجْهَكَ أَرِنَا نَنْظُرُ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْحُجُبَ ، قَالَ : وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ شَيْءٌ لَوْلَا أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَحْتَرِقُوا لَاحْتَرَقُوا مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ " قَالَ : " ثُمَّ يُقَالُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ " قَالَ : " فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ، وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ يُزَادُ النُّورُ وَأَمْكَنَ ، وَيُزَادُ وَأَمْكَنَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى صُوَرِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا " قَالَ : " فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ ، وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا " قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَجَلَّى لَنَا ، فَنَظَرْنَا مِنْهُ إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ " قَالَ : " فَلَهُمْ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الضِّعْفُ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ " قَالَ : " وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ :ْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة .(4)
وعَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كَفِّهِ مِثْلُ الْمِرْآةِ فِي وَسَطِهَا لَمْعَةٌ سَوْدَاءُ ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا ، وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : مَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ السَّوْدَاءُ ؟ ، قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ ، قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، فَذَكَرَ شَرَفَهُ ، وَفَضْلَهُ ، وَاسْمَهُ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ ، وَلَا نَهَارٌ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَارَ تِلْكَ السَّاعَاتِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَخْرُجُ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، فَيَخْرُجُونَ فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ " " قَالَ حُذَيْفَةُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ دَقِيقِكُمْ فَإِذَا قَعَدُوا وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ عَلَيْهِمُ الْمِسْكَ الْأَبْيَضَ فَتُدْخِلُهُ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ مِنْ جُيُوبِهِمْ فَالرِّيحُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ الطِّيبِ مِنِ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا طِيبُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " " أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ ، وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَلَمْ يَرَوْنِي ؟ ، سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : إِنَّا قَدْ رَضِينَا فَارْضَ عَنَّا ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَرِنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْهِ قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحُجُبَ ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَمُوتُوا لَاحْتَرَقُوا ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ ، فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَا يَزَالُ النُّورُ يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى حَالِهِمْ أَوْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا بِصُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ إِلَيْنَا بِغَيْرِهَا ؟ ، فَيَقُولُونَ : تَجَلَّى لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرْنَا إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ قَالَ : فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مِسْكِ الْجَنَّةِ ، وَنَعِيمِهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ "(5)
وعَنْ ثُوَيْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ "(6)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ ؟ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالُوا : يَا رَبِّ ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا "(7)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَاسًا فِى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « نَعَمْ ». قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا تَبْغُونَ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. - قَالَ - فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِى أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا.
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني(6906 ) ومسند البزار (7527) ومجمع الزوائد(18771 ) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 132)(2291 ) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 150)(5560) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 132)(2291) صحيح لغيره
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(2165 ) حسن
(4) - الْإِبَانَةُ الْكُبْرَى لِابْنِ بَطَّةَ (2475) فيه ضعف ، ويشهد له ما قبله
(5) - مسند البزار(2881) ضعيف
(6) - سنن الترمذى(3649) ضعيف
(7) - صحيح البخارى(7518 ) ومسلم (7318 )(1/48)
قَالَ فَمَا تَنْتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِى الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لاَ نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِى صُورَتِهِ الَّتِى رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ « دَحْضٌ مَزِلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِى اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِى النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِىَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ». وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ يَقُولُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِى بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) « فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِى نَهْرٍ فِى أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ أَلاَ تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ قَالَ « فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِى رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ثُمَّ يَقُولُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ.
فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ يَا رَبَّنَا أَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُ رِضَاىَ فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا »(1).
الحبة : بذور العشب البرية -الحسك : جمع حسكة وهى الشوكة الصلبة -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -المكدوس : المدفوع من ورائه
وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا ، لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ »(2)
تضامُّون : تزدحمون -تضامُون : لا يحصل لكم ذلٌّ
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا »(3).
وعَنْ جَرِيرٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ ، فَقَالَ : « أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا ، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ، فَافْعَلُوا »(4)
وعَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ "(5).
" قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَوْلُهُ " رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ " هُوَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ إِرَادَةِ احْتِجَابِ الْأَعْيُنِ ، عَنْ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَ أَوْلِيَائِهِ بِهَا رَفَعَ ذَلِكَ الْحِجَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِخَلْقِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا لِيَرَوهُ بِلَا كَيْفٍ ، كَمَا عَرَفُوهُ بِلَا كَيْفٍ ، وَقَوْلُهُ " فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " يَعْنِي : وَالنَّاظِرُونَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " وَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامتِ ، وَجَابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَبُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِّينَا فِي إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَفْيُهَا ، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخْتَلِفِينَ لَنُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَيْنَا ، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا ، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَتِهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا فَلَمَّا نُقِلَتْ رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي الدُّنْيَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ مُتَّفِقِينَ مُجْتَمِعِينَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ(6).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(472 )
(2) - صحيح البخارى(7436 )
(3) - صحيح البخارى (7435 )
(4) - الرد على الجهمية للدارمي (81 ) صحيح
(5) - صحيح البخارى(4878 )
(6) - الاعتقاد للبيهقي(72 )(1/49)
المبحث الأربعون
أماني أهل الجنة
يتمنَّى بعض أهل الجنة فيها أماني عجيبة تتحقق على نحو عجيب ، لا تشبه حال ما يحدث في الدنيا فهذا واحد من أهل الجنة يستأذن ربه في الزرع فيأذن له ، فما يكاد يلقي البذر حتى يضرب بجذوره في الأرض ، ثم ينمو ويكتمل ، وينضج في نفس الوقت ، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ « أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِى الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ . قَالَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَىْءٌ » . فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ . فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - (1).
وروى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَشَبَابُهُ ، كَمَا يَشْتَهِي فِي سَاعَةٍ.(2)
قَالَ الترمذي : وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِى الْجَنَّةِ جِمَاعٌ وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ. هَكَذَا رُوِىَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ.،وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِى حَدِيثِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِى الْجَنَّةِ كَانَ فِى سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِى ». وَلَكِنْ لاَ يَشْتَهِى. قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ رُوِىَ عَنْ أَبِى رَزِينٍ الْعُقَيْلِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ »..(3)
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ أَيْ : لَا يَشْتَهُونَ الْوَلَدَ لِأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ ، عَنْ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا اشْتَهى أَحَدُكُمُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ " ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَشْتَهِيَ الْمُشْتَهِي فِي الْجَنَّةِ وَلَدًا فَلَا يُعْطَى شَهْوَتَهُ ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ ، وَالْأَوْلَادُ فِي الدُّنْيَا قَدْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ شَهْوَةِ الْوَالِدَيْنِ ، فَأَمَّا فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَدٌ إِلَّا أَنْ يَشْتَهِيَ فَيُعْطَى شَهْوَتَهُ عَلَى مَا قَدْ وَعَدَ رَبُّنَا أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُهُمْ "(4)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(2348 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 417)(7404) صحيح
(3) - سنن الترمذى(2762 )
(4) - التَّوْحِيدُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ (241 )(1/50)
المبحث الواحد والأربعون
في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة(1).
وعن سَهْلَ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ قالَ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: « فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) [السجدة/16-17](2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "(3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"(4)
وعن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ: لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِى الْجَنَّةِ بَدَا , لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ , فَبَدَا أسِاورُهُ , لَطَمَسَ ضَوْءُهُ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ.(5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , يَرْفَعُهُ , قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ , وَدَلَّى فِيهَا ثِمَارَهَا , وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , فَقَالَ:قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , قَالَ: وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بِخَيْلٌ.(6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا. وَلَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا . وَلَنَصيفُ امْرَأةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا, قال : قُلْتُ : يَا أبَا هُرَيْرَةَ ، مَا النَّصِيف ؟ قَالَ : الْخِمَار.(7)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لَقَابُ قَوْسٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ » . وَقَالَ : « لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ »(8).
وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:"غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(9).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقُولُ اللهِ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ مَالاَ عَيْنٌ رَأتْ ، وَلاَ أذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17) سورة السجدة.
وَفِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرًاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعهَا،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } (30) سورة الواقعة.
وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،وَاقْرَؤا إِنْ شِئْتُمْ : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا جَمِيعًا ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.(11)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(12)
وعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي ، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ ؟ فَقَالَ لَهَا : " هَبِلْتِ ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى "
وَقَالَ : " غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنَّةِ ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي الخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(13)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِدِّهِ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الدُّنْيَا لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "(14)
القاب هنا قيل هو القدر وقيل من مقبض القوس إلى سيته ولكل قوس قوبان
والقد بكسر القاف وتشديد الدال هو السوط ومعنى الحديث ولقدر قوس أحدكم أو قدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه خير من الدنيا وما فيها
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ ، مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ "(15)
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كَفِّهِ مِثْلُ الْمِرْآةِ فِي وَسَطِهَا لَمْعَةٌ سَوْدَاءُ ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا ، وَحُسْنُهَا ، قُلْتُ : مَا هَذِهِ اللَّمْعَةُ السَّوْدَاءُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ ، قُلْتُ : وَمَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكِ عَظِيمٌ ، فَذَكَرَ شَرَفَهُ ، وَفَضْلَهُ ، وَاسْمَهُ فِي الآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلَ النَّارِ إِلَى النَّارِ لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ ، وَلاَ نَهَارٌ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِقْدَارَ تِلْكَ السَّاعَاتِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَخْرُجُ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلَى جُمُعَتِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، اخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْمَزِيدِ ، فَيَخْرُجُونَ فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ دَقِيقِكُمْ فَإِذَا قَعَدُوا وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تُدْعَى الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ عَلَيْهِمُ الْمِسْكَ الأَبْيَضَ فَتُدْخِلُهُ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَتُخْرِجُهُ مِنْ جُيُوبِهِمْ فَالرِّيحُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ الطِّيبِ مِنِ امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا طِيبُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ ، وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَلَمْ يَرَوْنِي ؟ سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : إِنَّا قَدْ رَضِينَا فَارْضَ عَنَّا ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي ، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ فَسَلُونِي ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَرِنَا وَجْهَكَ نَنْظُرْ إِلَيْهِ قَالَ : فَيَكْشِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحُجُبَ ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لاَ يَمُوتُوا لاحْتَرَقُوا ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ ، فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ خَفَوْا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ، وَخَفَيْنَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلا يَزَالُ النُّورُ يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى حَالِهِمْ أَوْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ : لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا بِصُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ إِلَيْنَا بِغَيْرِهَا ؟ فَيَقُولُونَ : تَجَلَّى لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَنَظَرْنَا إِلَى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ قَالَ : فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مِسْكِ الْجَنَّةِ ، وَنَعِيمِهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ.(16)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(3244) ومسلم (7310 )
(2) - صحيح مسلم (7313 )
(3) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1697) صحيح
(4) - صِفَةُ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ (116 ) صحيح
(5) - سنن الترمذى (2734) حسن صحيح
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 293)(12555 ) حسن
(7) - مسند أحمد(10541) صحيح لغيره
(8) - صحيح البخارى(2793 )
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 437)(5703) صحيح
(10) - سنن الترمذى (3603 ) صحيح
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 433)(7417) صحيح
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 411)(7398) صحيح
(13) - صحيح البخارى (6567 و6568)
(14) - أحَادِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ (56 ) صحيح
(15) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (322 ) حسن
(16) - مسند البزار( 2881) ضعيف(1/51)
المبحث الثاني والأربعون
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها
قال تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) } [آل عمران/15]
وقال تعالى : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } [آل عمران/136]
وقال تعالى : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) } [آل عمران/198]
وقال تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء/13]
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) } [النساء/57]
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) } [النساء/122]
وقال تعالى : { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) } [المائدة/119]
وقال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود/108]......
وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره، وهم عصاة الموحدين، فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن، ثم يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته، ويعطي ربك هؤلاء السعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ، يُخْبِرُكُمْ"أَنَّ الْمَرَدَّ إِلَى اللَّهِ، إِلَى جُنَّةٍ أَوْ نَارٍ، خُلُودٌ وَلا مَوْتَ، وَإِقَامَةٌ وَلا ظَعْنَ"(1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ ، قَالَ : قَامَ فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَقَالَ : " يَا بَنِي أَوْدٍ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، تَعْلَمُونَ الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ ، ثُمَّ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ ، وَإِقَامَةٌ لَا ظَعْنَ فِيهِ ، وَخُلُودٌ لَا مَوْتٌ فِي أَجْسَادٍ لَا تَمُوتُ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا ، وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا ، وَشَمَمْنَا أَوْلَادَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمُ المَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ " "
قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قَالَ : " مِنَ المَاءِ " ، قُلْتُ : الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ "
ثُمَّ قَالَ : " " ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ ، الإِمَامُ العَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ "(3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رِضَى اللَّهُ عَنْهُمَا : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَنَّةِ فَقَالَ :" مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَا فِيهَا فَلَا يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ فِيهَا لَا يَبْؤُسُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ،مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ، تُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ،حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ "
بَلِيَ الثوب : قَدُمَ ورثَّ وتلف - اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار - الملاط : الطين الذي يكون بين اللبنتين ، أو التراب الذي يخالطه الماء - الأذفر : ذو الرائحة القوية الفواحة - الحصباء : الحجارة الصغيرة - الياقوت : حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس ، خاصة ذو اللون الأحمر
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا ،وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا ،وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف(4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، وَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، يُجَاءُ بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالَ : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْهُ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم، قَالَ : أَهْلُ الدُّنْيَا فِي غَفْلَةٍ(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ قَالَ : " يُنَادِي : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ ، وَيُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْتَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيُجَاءُ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُقَالُ : هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُقَدَّمُ فَيُذْبَحُ ، قَالَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ، وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ لَا مَوْتَ " قَالَ ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم(6).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، ثُمَّ قَرَأَ :{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم ، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ .(7)
يشرئب : يرفع رأسه ويمد عنقه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي هَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ : خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا "(8).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ أَعْفَرُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ , فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , فَيَرَوْنَ أَنَّ الْفَرَجَ قَدْ جَاءَ , فَيُدْعَى , فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهِ , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ فِيهِ " قَالَ إِسْحَاقُ : قَالَ النَّضْرُ : مَعْنَى أَعْفَرُ : الَّذِي مِنْهُ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ"(9).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ , فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ , تَعْرِفُونَ هَذَا : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا الْمَوْتُ , وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ تَعْرِفُونَ هَذَا : فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا الْمَوْتُ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } (39) سورة مريم ,(10)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ قَالَ : " يُؤْتَى بِالمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ ، وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ الجَنَّةِ الحَيَاةَ وَالبَقَاءَ ، لَمَاتُوا فَرَحًا ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ النَّارِ الحَيَاةَ فِيهَا وَالبَقَاءَ ، لَمَاتُوا تَرَحًا "(11)
يشرئبون بشين معجمة ساكنة ثم راء ثم همزة مكسورة ثم باء موحدة مشددة أي يمدون أعناقهم لينظروا
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَنْطَلِقُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَنْطَلِقُونَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبَّنَا هَذَا الْمَوْتُ ، فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلاَهُمَا : خُلُودٌ وَلاَ مَوْتَ فِيهِ أَبَدًا.(12)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ؟ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا ، قَالَ : فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبَّنَا ، هَذَا الْمَوْتُ ، فَيُذْبَحُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ ، فَيَأْمَنُ هَؤُلاءِ ، وَيَنْقَطِعُ رَجَاءُ هَؤُلاءِ "(13).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ ، جِىءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ ، يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ. وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ.(14)
وعَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ ».(15)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - قَالَ : أَظُنُّهُ رَفَعَهُ - قَالَ : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالْكَبْشِ الْأَمْلَحِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، هَذَا الْمَوْتُ ، يَا أَهْلَ النَّارِ ، هَذَا الْمَوْتُ قَالَ : فَيُذْبَحُ ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ فَرَحًا لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ حُزْنًا لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا "(16)
يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-(17):
فللَّه ما في حَشوها من مََسرَّةٍ .... وأصنافِ لذَّات ٍبها يُتَنَعََّمُ
ولله بردُ العيش ِبين خِيامها ... وروضاتِها والثَّغْرُ في الروض ِيَبسمُ
ولله واديها الذي هو موعدُ الْـ ..... مَزيدِ لوفدِ الحبِّ لو كنتَ منهمُ
ولله أبصارٌ ترى اللهَ جهرة ً..... فلا الضَّيْمُ يَغشاها ولا هي تَسأَََمُ
فيا نظرة ًأهدت إلى الوجه نضرة ً ..... أَمِنْ بعدها يَسْلُو المحبُّ المتَيَّمُ
ولله كَمْ مِن خيرة ٍإنْ تبَسّمتْ ..... أضاءَ لها نورٌ من الفجر ِأعظمُ
فيا لذةََ الأبصار ِإنْ هي أقْبَلتْ ..... ويا لذَّةَ الأسماع ِحينَ تَكَلَّمُ
ويا خَجْلَةَ الغصن ِالرطيبِ إذا انْثَنتْ ....... ويا خجْلَةَ الفجرين ِحين تَبَسَّمُ
فإن كنتَ ذا قلب ٍعليل ٍبحبِّها ...... فلمْ يَبْقَ إلا وصْلُها لكَ مَرْهمُ
فيا خاطبَ الحناءِ إنْ كنتَ راغبًا..... فهذا زمان المهر فهو المُقَدَمُ
وكنْ مُبغضًا للخائناتِ لِحُبِِّّها ..... فتحظى بها من دُونِهمْ وتُنَعَّمُ
وصُمْ يومَك الأدنى لعلَّك في غد ٍ ..... تفوزُ بعيدِ الفطرِ والناسُ صُوَّمُ
وإن ضاقت الدنيا عليك بأَسْرِها....... ولمْ يكُ فيها منزلٌ لكَ يُعْلَمُ
فحيِّ على جنَّات ِعَدْن ٍفإنََََّّّها ...... منازلُنا الأولى وفيها المخيَّّمُ
وحيِّ على السوق ِالذي فيه يَلْتَقي.......المُحِبُّون ذاك السوقُ للقومِ يعلمُ
فما شئتَ خُذْ منه بلا ثمن ٍله .... فقد أسلفَ التجارُ فيه وأَسْلَموا
وحيِّ على يوم المزيد الذي به .... زيارة ُربِّ العرش ِفاليومَ موسمُ
وحيِّ على واد ٍهنالك أَفْيَح ٍ .... وتربتُهُ من إذْفرِ ِالمسكِ أََعظمُ
منابرُ من نور ٍهُنالِكَ وفضة ٍ..... ومن خالص ِالعقْيان ِلا يتَقَسَّمُ
وكُثْبانُ مسكٍ قد جُعِلنَ مقاعدًا....... لمن دونَ أصحابِ المنابر ِيُعْلَمُ
فبيناهُمو في عَيْشِهم وسرورهمْ ....... وأرزاقهُمْ تجْري عليهِمْ وتُقْسُمُ
إذا هُم بنور ٍساطع ٍأَشْرقَتْ له....... بأَقْطَارها الجنَّاتُ لا يُتَوهَّمُ
تجلَّى لهُم ربُّّ السموات جهرة ً ..... فيضحكُ فَوقَ العرش ِثُمََََّّ يُكَلِّمُ
سلامٌ عليكُمْ يسمعون جميعُهُم ....... بأذانهم تَسْليمَهُ إذ يُسَّلِّمُ
يقلُ سَلُوني ما اشْتَهَيتُمْ فكُلَّما........ تُريدونَ عندي, إنني أنا أرحَمُ
فقالوا جميعًا نحن نسألك الرضا....... فأنْتَ الذي تُولي الجَميلَ وتَرحمُ
فَيُعطيهمُو هذا وَيشْهَدُ جَمْعُهُمْ........ عليه تعالى اللهُ, فاللهُ أَكْرَمُ
فيا بائعًا هذا ببخس ٍمُعَجَّل ٍ........ كأنَّك لا تَدْري, َبلى سَوفَ تَعْلَمُ
فإن كنتَ لا تدري فتلك مصيبة ٌ.......وإن كنتَ تَدري فالمصيبة ُأعَظمُ
- - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الثاني
صفة عذاب النار في القرآن والسُّنَّة
وفيه ثلاثة وأربعون مبحثا ، وهي :
المبحث الأول- الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار
المبحث الثاني-الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه
المبحث الثالث- الأعمال والأقوال التي تقي من النار
المبحث الرابع- خزنة النار
المبحث الخامس-أسماء النار
المبحث السادس-أبواب النار
المبحث السابع-وقود النار
المبحث الثامن-في شدة حرها وزمهريرها
المبحث التاسع-ملائكة النار وزبانيتها
المبحث العاشر-في ظلمتها وسوادها وشررها
المبحث الحادي عشر-في أوديتها وجبالها
المبحث الثاني عشر-سعة النار وبعد قعرها
المبحث الثالث عشر-دركات النار
المبحث الرابع عشر-في سلاسلها وغير ذلك
المبحث الخامس عشر-في ذكر حياتها وعقاربها
المبحث السادس عشر-في شراب أهل النار
المبحث السابع عشر-في طعام أهل النار ...
المبحث الثامن عشر-لباس أهل النار
المبحث التاسع عشر-النار تتكلم وتبصر
المبحث العشرون-تأثير النار على الدنيا وأهلها
المبحث الواحد والعشرون-هل ترى النار قبل يوم القيامة؟
المبحث الثاني والعشرون-فراش أهل النار, وغطاؤهم
المبحث الثالث والعشرون-في عظم أهل النار وقبحهم فيها
المبحث الرابع والعشرون-أصناف أخرى من العذاب
المبحث الخامس والعشرون -شدة ما يكابده أهل النار
المبحث السادس والعشرون-تفاوتهم في العذاب
المبحث السابع والعشرون-السِّرُّ في كثرة أهل النار
المبحث الثامن والعشرون-النساء أكثر أهل النار
المبحث التاسع والعشرون-ذكر الجهنميين
المبحث الثلاثون-تخاصم أهل النار
المبحث الواحد والثلاثون-في بكائهم وشهيقهم
المبحث الثاني والثلاثون-أعظمُ عذابِ أهل النَّار
المبحث الثالث والثلاثون-أهون أهل النار عذابا
المبحث الرابع والثلاثون-أشخاص بأعيانهم في النار
المبحث الخامس والثلاثون-أول من تسعر بهم النار
المبحث السادس والثلاثون-صبغُ أنعم أهل الدنيا من أهل في النار
المبحث السابع والثلاثون-جرائم الموحدين التي دخلوا بسببها النار
المبحث الثامن والثلاثون-من يخرج من النار وآخر هم خروجًا
المبحث التاسع والثلاثون-المخلدون في النار
المبحث الأربعون-أعظم جرائم الخالدين في النار
المبحث الواحد والأربعون-أهم الجرائم التي تدخل النار
المبحث الثاني والأربعون-نداء أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار
المبحث الثالث والأربعون-خلود أهل النار فيها
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 103)(16788 ) صحيح لغيره
(2) - المستدرك للحاكم (281) صحيح
(3) - سنن الترمذى (2717) صحيح لغيره
(4) - صحيح مسلم (7336 )
(5) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (جامع الحديث)(9942) صحيح
(6) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (9943 ) صحيح
(7) - صحيح البخارى(4730 )
(8) - مسند البزار(7957) والْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ(256 ) صحيح
(9) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ(929) صحيح
(10) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ(930) صحيح
(11) - سنن الترمذى(3450 ) وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " وهو كما قال
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 487)(7450) صحيح
(13) - مسند أبي يعلى الموصلي(2898) صحيح
(14) - صحيح البخارى (6548 )
(15) - صحيح مسلم(7362 )
(16) - الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (1893 ) صحيح لغيره
(17) - أنظر القصيدة بتمامها في كتاب حادي الأرواح لابن القيِّم:ص 7-9(1/52)
المبحث الأول
الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ».(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ(2).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِى بِزَوْجِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِأَبِى أَبِى سُفْيَانَ وَبِأَخِى مُعَاوِيَةَ. قَالَ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِى الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ».(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ ، إِلا قَالَتِ النَّارُ : يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ ، وَلا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ فِي يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، إِلا قَالَتِ الْجَنَّةُ : يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ "(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَنْ قَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ سَبْعًا ، قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنِ اسْتَعَاذَ مِنَ النَّارِ ، قَالَتِ النَّارَ : اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ النَّارِ.(5)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا سَأَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَلاَ اسْتَجَارَ مُسْلِمٌ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ ، قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ.(6)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ - قَالَ - فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِى الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ.
قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِى قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ. قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ. قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِى قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا لاَ. قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا - قَالَ - فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ »(7).
الفُضل : ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (1361)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 280)(999) صحيح
(3) - صحيح مسلم(6941)
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي (6192) ضعيف
(5) - مسند الطيالسي (2702) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 293)(1014) صحيح
(7) - صحيح مسلم (7015 )(1/53)
المبحث الثاني
الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه
عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ »(1).
قال تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} [البقرة/200-202]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُؤْمِنِينَ بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ بَعْدَ قَضَاءِ المَنَاسِكِ وَالفَرَاغِ مِنْهَا . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ العَرَبَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقِفُونَ فِي المَوْسِمِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمُ : كَانَ أَبِي يُطْعِمُ وَيَحْمِلُ الدِّيَاتِ . . . إِلخ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ غَيْرُ ذِكْرِ فِعَالِ آبَائِهِمْ فَأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيَةَ ، وَأَرْشَدَ المُسْلِمِينَ إِلَى دُعَائِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَثِيراً ، لِمَا فِي ذلِكَ مِنْ مَظنَّةٍ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَذَمَّ اللهُ الذِينَ لا يَسْأَلُونَ إِلاَّ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ أَمْرِ آخِرَتِِهِمْ ، غَيْر مُهْتَمِّينَ بِهِ .
وَهؤلاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مَضْمُونٌ مِمَّا كَسَبُوهُ بِالطَّلَبِ وَالرُّكُونِ إِلَى اللهِ ، لا يُبْطِئُ عَلَيْهِمْ ، فَاللهُ تَعَالَى سَرِيعُ الحِسَابِ ، وَهُوَ يَجْزِي كُلاً بِمَا يَسْتَحِقُّهُ .
وَإِلى جَانِبِ أُولَئِكَ المُهْتَمِّينَ بِأَمْرِ الدُّنْيا فَقَطْ ، آخَرُون يَهْتَمُونَ بِأَمْرِ الآخِرَةِ إِلى جَانِبِ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ الدُّنيا فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيا حَسَنَةً ( وَتَشْمَلُ كُلَّ مَطْلَبٍ دَنْيَويِّ ) وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ( وَتَشْمَلُ دُخُولَ الجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ) ، وَهَذا يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيا : مِنِ اجِتِنَابِ المَحَارِمِ وَالآثَامِ ، وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ .
وعَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(2).
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ذَكَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا ، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ - قَالَ شُعْبَةُ أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ - ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ »(3)
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ »(4).
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ قَالَ : ثُمَّ قَالَ : اتَّقُوا النَّارَ ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ يَرَاهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ، فَبِكَلِمَةٍ طَيْبَةٍ.(5)
أشاح بشين معجمة وحاء مهملة معناه حذر النار كأنه ينظر إليها وقال الفراء المشيح على معنيين المقبل إليك والمانع لما وراء ظهره قال وقوله أعرض وأشاح أي أقبل
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (214) سورة الشعراء، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ « يَا بَنِى كَعْبِ بْنِ لُؤَىٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا »(6). أبل : أصل
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ :« أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ». فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِى مَقَامِى هَذَا لَسَمِعَهُ أَهْلُ السُّوقِ وَحَتَّى سَقَطَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ رِجْلِيهِ.(7)
الخميصة : كساء أسود مربع له علمان فى طرفيه من صوف وغيره
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَقُولُ : أُنْذِرُكُمَ النَّارَ ، حَتَّى سَقَطَ أَحَدُ عِطْفَيْ رِدَائِهِ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أُنْذِرُكُمَ النَّارَ ، حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ مَكَانِي هَذَا لأَسْمَعَ أَهْلَ السُّوقِ ، أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ.(8)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ أُمَّتِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ »(9).
الحجز : جمع حجزة وهى معقد الإزار والسراويل -تقحمون : تقعون
وعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِى تَقَحَّمُونَ فِيهَا »(10).
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِى »(11).
الجنادب : جمع جندب وهو نوع من الجراد يقفز ويطير -الحجز : جمع حجزة وهى معقد الإزار والسراويل
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الْجَنَّةِ ، نَامَ طَالِبُهَا . وَلَا مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا "(12).
وعَنْ كُلَيْبِ بْنِ حَزْنٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " يَا قَوْمُ " اطْلُبُوا الْجَنَّةَ جَهْدَكُمْ ، وَاهْرَبُوا مِنَ النَّارِ جَهْدَكُمْ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَنَامُ طَالِبُهَا ، وَإِنَّ النَّارَ لَا يَنَامُ هَارِبُهَا ، أَلَا إِنَّ الْآخِرَةَ الْيَوْمَ مُحَفَّفَةٌ بِالْمَكَارِهِ ، وَإِنَّ الدُّنْيَا مُحَفَّفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ "(13)
وقَالَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، ارْغَبُوا فِيمَا رَغَبَّكُمُ اللَّهُ فِيهِ ، وَاحْذَرُوا مِمَّا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، وَخَافُوا مِمَّا خَوَّفَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ وَمِنْ جَهَنَّمَ ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَطْرَةً مِنَ الْجَنَّةِ مَعَكُمْ فِي دُنْيَاكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا حَلَّتْهَا لَكُمْ ، وَلَوْ كَانَتْ قَطْرَةٌ مِنَ النَّارِ مَعَكُمْ فِي دُنْيَاكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا خَبَّثَتْهَا عَلَيْكُمْ "(14)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى بِفَرَسٍ ، يَجْعَلُ كُلَّ خَطْوٍ مِنْهُ أَقْصَى بَصَرِهِ ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ ، وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ ، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إِلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ . قَالَ : مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِيجٌ ، وَلَحْمٌ آخَرُ نِيءٌ خَبِيثٌ ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ الْخَبِيثَ وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ يَقُومُ مِنْ عِنْدِ امْرَأَتِهِ حَلَالًا ، فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ ، فَيَبِيتُ مَعَهَا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا ، فَتَأْتِي الرَّجُلَ الْخَبِيثَ فَتَبِيتُ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْبِحَ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ ، لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ ، فَيُرِيدُ الثَّوْرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا ، فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَوَجَدَ رِيحَ مِسْكٍ مَعَ صَوْتٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ غَرْسِي ، وَحَرِيرِي ، وَسُنْدُسِي ، وَإِسْتَبْرَقِي ، وَعَبْقَرِيِّي ، وَمَرْجَانِي ، وَقَصَبِي ، وَذَهَبِي ، وَأَكْوَابِي ، وَصِحَافِي ، وَأَبَارِيقِي ، وَفَوَاكِهِي ، وَعَسَلِي ، وَثِيَابِي ، وَلَبَنِي ، وَخَمْرِي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ . وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي ، وَعَمِلَ صَالِحًا ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا ، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا - فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا خُلْفَ لِمِيعَادِي ، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فَقَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَ : هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ سَلَاسِلِي ، وَأَغْلَالِي ، وَسَعِيرِي ، وَحَمِيمِي ، وَغَسَّاقِي ، وَغِسْلِينِي ، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي ، وَاشْتَدَّ حَرِّي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ وَخَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ . قَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ .(15)
- الرَّضْخ : الشَّدْخ. والرَّضْخ أيضا : الدّقُّ والكسر - الأدبار : جمع الدبر ودبر كل شيء عقبه ومؤخره-الأنعام : الإبل والبقر والغنم- الضريع : نبات الشبرق لا تقربه دابة لخبثه- قصعته : ضربته وقمعته-قرض : قطع-المقاريض : جمع المقراض وهو المقص وكل ما يُقْطَع به الأشياء- قرضت : قطعت- العرف : الريح الطيبة- الأغلال جمع الغُل : وهو طوق من حديد أو جلد يجعل في عنق الأسيرأو المجرم أو في أيديهما - الغساق : بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم ، وقيل الزمهرير
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ». قَالُوا وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ». وَحَضَّهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَسْبِقُوهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْلَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاَةِ وَقَالَ « إِنِّى أَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِى وَمِنْ أَمَامِى »(16).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَوْمٍ يَضْحَكُونَ فَقَالَ : " تَضْحَكُونَ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ ! " . قَالَ : فَمَا رُئِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ ، قَالَ : وَنَزَلَتْ : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) [الحجر/49-51]"(17).
وعن عبد الله بن عمر : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " لَا تَنْسَوَا الْعَظِيمَيْنِ " . قُلْنَا : وَمَا الْعَظِيمَانِ ؟ قَالَ : " الْجَنَّةُ وَالنَّارُ " فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا ذَكَرَ ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَرَى أَوْ بَلَّ الدَّمْعُ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مِنَ الْأَمْرِ مَا أَعْلَمُ لَمَشَيْتُمْ إِلَى الصَّعِيدِ عَلَى رُءُوسِكُمُ التُّرَابَ "(18)
الحثو والحثي : الاغتراف بملء الكفين ، وإلقاء ما فيهما
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ». قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا ».(19)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَعَمْرٌو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ « إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لأَحَدٍ »(20).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ».(21)
قَالَ فِي اللَّمَعَاتِ : لَعَلَّ جَهَنَّمَ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَوْقِفِ لِيَرَاهَا النَّاسُ تَرْهِيبًا لَهُمْ(22).
والزمام: لغة ما يجعل في أنف البعير يشد عليه المقود فيحتمل أن يكون ذلك على حقيقته، وأن تكون تمثيلاً لعظمها وفرط كبرها بحيث إنها تحتاج في الإتيان بها إلى هذه الأزمة(23)
وهذا يدل على عظمة هذه النار نسأل الله أن يعيذنا والمسلمين منها ومن هول ذلك اليوم لأن الله تعالى جعل سبعين ألف ملك مع كل زمام من سبعين ألف زمام يجرون بها جهنم والعياذ بالله فهذا العدد الكبير من الملائكة يدل على أن الأمر عظيم والخطر جسيم(24)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6389 )
(2) - صحيح البخارى(1417)
(3) - صحيح البخارى(6023 )
(4) - صحيح البخارى(6540 ) وصحيح مسلم(2396 )
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 43)(2804) صحيح
(6) - صحيح مسلم(522 )
(7) - سنن الدارمى(2868) صحيح
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 158)(35273) صحيح
(9) - صحيح مسلم(6095 )
(10) - صحيح مسلم (6097 )
(11) - صحيح مسلم (6098 )
(12) - مجمع الزوائد (17709 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 81)(15779 ) ضعيف
(14) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ(532 ) فيه مجاهيل
(15) - تهذيب الآثار للطبري(2768) ودلائل النبوة للبيهقي(679 ) حسن
(16) - مسند أحمد (13875) صحيح
(17) - مسند البزار (2216) ضعيف
(18) - المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني (3392) حسن
(19) - سنن الترمذى(2792 ) صحيح
(20) - مسند أحمد (7529) صحيح
(21) - صحيح مسلم (7343 )
(22) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 367)
(23) - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 4 / ص 127)
(24) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 3 / ص 37)(1/54)
المبحث الثالث
الأعمال والأقوال التي تقي من النار
لما كان الكفر هو السبب في الخلود في النار فإن النجاة من النار تكون بالإيمان والعمل والصالح، ولذا فإن المسلمين يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار، قال تعالى : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) [آل عمران/16])
فعِبَادُ اللهِ المُتَّقُونَ الذِينَ يَسْتَحِقُونَ نَعِيمَ الآخِرَةِ ، وَرِضْوَانَ اللهِ ، هُمُ الذِينَ تَتَأَثَّرُ قُلُوبُهُمْ بِثَمَرَاتِ إِيمَانِهِمْ فَتَفِيضُ أَلْسِنَتُهُمْ بِالاعْتِرَافِ بِهَذَا الإِيمَانِ حِينَ الدُّعَاءِ وَالابْتِهَالِ إلى اللهِ فَيَقُولُونَ : رَبَّنا إنَّنا آمَنَّا بِكَ ، وَبِكُتُبِكَ ، وَبِرُسُلِكَ ، فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنا ، وَامْحُها بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَادْفَعْ عَنَّا عَذابَ النَّارِ ، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
وقال تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) [آل عمران/190-194]) ،
يَصِفُ اللهُ تَعَالَى أُوْلِي الأَلْبَابِ فَيَقُولُ عَنْهُمْ : إِنَّهُمُ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ ذِكْرَ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ ، بِسَرَائِرِهِمْ ، وَأَلْسِنَتِهِمْ . . . وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِيَفْهَمُوا مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ ، وَمِنْ حِكَمٍ وَعِبَرٍ وَعِظَاتٍ ، تَدُلُ عَلَى الخَالِقِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَحِكْمَتِهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا الخَلْقَ عَبَثاً وَبَاطِلاً ، رَبَّنَا تَنَزَّهْتَ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ ، وَإنَّمَا خَلَقْتَهُ بِالحَقِّ ، وَالإِنْسَانِ مِنْ بَعْضِ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقْهُ عَبَثاً ، وَإِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ . وَمَتَى حُشِرَ الخَلْقُ إلَيكَ حَاسَبْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَتَجْزِي الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا ، وَتَجْزِي الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى . ثُمَّ يُتِمُّونَ دُعَاءَهُمْ سَائِلِينَ رَبَّهُمْ أنْ يَقِيَهُمْ عَذابَ النَّارِ.
ثُمَّ يُتَابِعُونَ دُعَائَهُمْ وَرَجَاءَهُمْ لِرَبِّهِمْ قََائِلِينَ : رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلَهُ النَّارَ فَقَدْ أَهَنْتَهُ وَأَذْلَلْتَهُ ، وَأَظْهَرْتَ خِزْيَهُ لأَهْلِ الجَمْعِ يَوْمَ القِيَامَةَ ، وَالظَّالِمُونَ لاَ يَجِدُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللهِ .
وَبَعْدَ أَنْ عَرَفُوا اللهَ حَقَّ المَعْرِفَةِ بِالذِّكْرِ وَالفِكْرِ ، عَبَّرُوا عَنْ وُصُولِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ ، وَاسْتِجَابَتِهِمْ لِدَعْوَتِهِ سِرَاعاً ، فَقَالُوا : رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا دَاعِياً يَدْعُو النَّاسَ إلَى الإِيمَانِ بِكَ ( وَهُوَ الرَّسُولُ ) ، وَيَقُولُ : آمِنُوا بِرَبِّكُمْ ، فآمَنَّا مُسْتَجِيبِينَ لَهُ ، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِئَاتِنَا ، فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ ، وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارَ الصَّالِحِينَ وَأَلْحِقْنَا بِهِمْ .
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى لِسَانِ رُسُلِكَ ، وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ الخَلْقِ ، إنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيْعَادَ الذِي أَخْبَرَ عَنْهُ رُسُلُكَ الكِرَامُ ، وَهُوَ قِيَامُ الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَإنَّكَ تَجْزِي العَامِلِينَ الصَّالِحِينَ بِالخَيْرِ وَالحُسْنَى ، وَتَجْزِي الذِينَ أسَاؤُوا بِمَا يَسْتَحِقُونَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ .
وقد بينت النصوص الأعمال التي تقي من النار ، ومنها :
الشهادتان بإخلاص
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ ، فَأَسْتَأْذَنَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ ، فَقَالُوا : يُبْلِغُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ بِنَا نَحْنُ إِذَا لَقِينَا عَدُوَّنَا جِيَاعًا رِجَالا ، وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَدْعُو النَّاسَ بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ ، فَيَجْمَعُها ، ثُمَّ تَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُبَلِّغُنَا بِدَعْوَتِكَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجِيئُونَ بِالْحِفْنَةِ مِنَ الطَّعَامِ ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ،فَكَانَ أَعْلاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، فَجَمَعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ قَامَ ، فَدَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَدْعُوَ ، ثُمَّ دَعَا الْجَيْشَ بِأَوْعِيَتِهِمْ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْثُوا ، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلا مَلَؤُهُ ، وَبَقِيَ مِثْلُهُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِنِّي رَسُولُ اللهِ لا يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدٌ يُؤْمِنُ بِهَا إِلا حَجَبَهُ عَنِ النَّارِ"(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظَهْرِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا لَقِينَا عَدُوَّنَا جِيَاعًا رَجَّالَةً ؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَدْعُوَ النَّاسَ بِبَقِيَّةِ أَزْوِدَتِهِمْ. فَجَاؤُوا بِهِ ، يَجِيءُ الرَّجُلُ بِالْحِفْنَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ ، وَكَانَ أَعْلاَهُمُ الَّذِي جَاءَ بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ ، فَجَمَعَهُ عَلَى نِطَعٍ ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ بِأَوْعِيَتِهِمْ ، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلاَّ مَمْلُوءٌ وَبَقِيَ مِثْلُهُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ، وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللهِ لاَ يَلْقَاهُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهِمَا إِلاَّ حَجَبَتَاهُ عَنِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(2)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلاً لِمَ تَبْكِى فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنَّ لَكَ وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنَّكَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاَّ حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ »(3).
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ « يَا مُعَاذُ » . قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . ثَلاَثًا ،قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ « إِذًا يَتَّكِلُوا » . وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا(4).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْقَبْرَ بِـ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، خَلَّصَهُ اللهُ مِنَ النَّارِ.(5)
وعَنْ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ , قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِى سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ الله , - صلى الله عليه وسلم - , وَأَنَا رَدِيفُهُ , فَقَالَ رَسُولُ الله , - صلى الله عليه وسلم - : يَا سُهَيْلُ بْنَ الْبَيْضَاءِ , وَرَفَعَ صَوْتَهُ مَرَّتَيْنِ , أَوْ ثَلاَثًا , كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُهُ سُهَيْلٌ , فَسَمِعَ النَّاسُ صَوْتَ رَسُولِ الله , - صلى الله عليه وسلم - . فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُهُمْ , فَحُبِسَ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ , وَلَحِقَهُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ. حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا , قَالَ رَسُولُ الله , - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّهُ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله , حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ , وَأَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ.(6)
محبة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَصَبِيٌّ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الدَّوَابَّ ، خَشِيتَ عَلَى ابْنِهَا أَنْ يُوطَأَ ، فَسَعَتْ وَالِهَةً ، فَقَالَتِ : ابْنِي ابْنِي ، فَاحْتَمَلَتِ ابْنَهَا ، فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ وَاللَّهِ ، لاَ يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ ، قَالَ : فَخَصَمَهُمْ نَبِيُّ اللَّهُ - صلى الله عليه وسلم - "(7)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، فَمَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا ، فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ ، وَقَالَتْ : ابْنِي ابْنِي ، قَالَ : فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لَتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ ، ولاَ يُلْقِي اللهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ.(8).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَصَبِيٌّ فِي الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا رَأَتْ أَمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ : ابْنِي ، ابْنِي ، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ ، قَالَ : فَخَفَضَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ : " وَلَا اللَّهُ يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ(9)
وعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ « وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا » .
قَالَ لاَ شَىْءَ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَىْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّى إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ .(10)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » . قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . قَالَ « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ »(11).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ ، قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ سَاعَتِهِ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ شَيْءٍ ، وَلاَ صَلاَةٍ ، وَلاَ صِيَامٍ ، أَوْ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ عَمَلٍ ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، أَوْ قَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ : فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلاَمِ مِثْلَ فَرَحِهِمْ بِهَذَا.(12)
الصدقة
عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفْتِنَا عَنِ الصَّدَقَةِ قَالَ : إِنَّهَا حِجَابٌ عَنِ النَّارِ ، لِمَنِ احْتَسَبَهَا ، يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ قَالَتْ : أَفْتِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ قَالَ : طُعْمَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا قَالَتْ : وَأَفْتِنَا عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، فَقَالَ : مِنْ أَثَرِ الْبَوْلِ ، فَمَنْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَلْيَغْسِلْهُ بِمَاءٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً ، فَلْيَمْسَحْهُ بِتُرَابٍ طَّيِّبٍ"(13)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ : كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ ، وَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا ، وَيَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.(14)
كل معروف صدقة
عن عَائِشَةَ قالت قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثُلاَثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ ، فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ عَزَلَ شَوْكَةً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِ مِائَةٍ السُّلاَمَى فَإِنَّهُ يُمْسِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ(15)
وعن عَائِشَةَ ، قالتْ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ ، وَحَمِدَهُ ، وَهَلَّلَ اللَّهَ ، وَسَبِّحَ اللَّهَ ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ ، وَعَزَلَ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِهِمْ ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ ، وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِ مِائَةٍ ، فَإِنَّهُ يُمْسِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ.(16)
صيام التطوع
إذا كان الصوم في حال جهاد الأعداء فذاك الفوز العظيم ،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(17)
عَنْ عُثَامَةَ بْنِ قَيْسٍ أَبِي عَلِيٍّ ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسَدٍ حَدَّثَهُمْ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى بَاعَدْتُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِئَةِ سَنَةٍ"(18)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ"(19)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ، رَكْضَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضْمَرِ".(20)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".(21)
وعَنْ عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرِيضَةً بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا تَطَوُّعًا بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ".(22)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِى سَبِيلِ اللَّهِ ابْتَغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بَيْنَ وَجْهِهِ وَبَيْنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً ».(23)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ.(24)
__________
(1) - الآحاد والمثاني (2004) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 454)(221) حسن
(3) - صحيح مسلم (151)
(4) - البخاري(128 )
(5) - أخرجه النَّسَائِي ، في "عمل اليوم والليلة" (1111 ) صحيح
(6) - مسند أحمد (16151) فيه انقطاع
(7) - المستدرك للحاكم (7347) صحيح
(8) - مسند أحمد (13815) صحيح
(9) - مسند أحمد (12344) صحيح
(10) - صحيح البخارى(3688 ) وصحيح مسلم (6878)
فِيهِ فَضْل حُبّ اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ ، وَأَهْل الْخَيْر ، الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات . وَمِنْ فَضْل مَحَبَّة اللَّه وَرَسُوله اِمْتِثَال أَمْرهمَا ، وَاجْتِنَاب نَهْيهمَا ، وَالتَّأَدُّب بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّة . وَلَا يُشْتَرَط فِي الِانْتِفَاع بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَل عَمَلهمْ ؛ إِذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ وَمِثْلهمْ "شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 483)
(11) - صحيح البخارى (6171 )
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 308)(105) صحيح
(13) - الآحاد والمثاني(3449) حسن
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 174)(3381) صحيح
(15) - صحيح مسلم(2377) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 188)(8074)
(16) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 173)(3380) صحيح
(17) - صحيح مسلم (2769) و صحيح البخارى (2840)
(18) - الآحاد والمثاني(2742) حسن لغيره
(19) - المعجم الصغير للطبراني(449) حسن
(20) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 219)(7712 ) حسن لغيره
(21) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 269)(7846 ) حسن
(22) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 12 / ص 47)(13742) ضعيف
(23) - سنن الدارمى (2454) صحيح
(24) - مسند الشاميين (290) صحيح لغيره(1/55)
من يحب للناس ما يحب لنفسه
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ يَقُولُ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَمِنَّا مِنْ يَضْرِبُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِى جَشَرِهِ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ إِذْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ جَامِعَةً قَالَ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَقُولُ :« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ أَلاَ وَإِنَّ عَافِيَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَفِتَنٌ يُدَفِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجِىءُ الْفِتَنُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِى ثُمَّ تَنْكَشِفُ ثُمَّ تَجِىءُ فَيَقُولُ هَذِهِ هَذِهِ ثُمَّ تَجِىءُ فَيَقُولُ هَذِهِ هَذِهِ ثُمَّ تَنْكَشِفُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْتِى إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ». وَقَالَ مَرَّةً :« مَا اسْتَطَاعَ ». أَظُنُّهُ قَالَ: « فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخِرِ ». فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَدْخَلْتُ رَأْسِى بَيْنِ رَجُلَيْنِ فَقُلْتُ : إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَأَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) قَالَ : فَوَضَعَ جُمْعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ نَكَسَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَطِعْهُ فِى طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُلْتُ : أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : نَعَمْ سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى.رَوَاهُ مُسْلِمٌ(1)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو ، يُحَدِّثُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ ، فَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي مَجْشَرِهِ ، وَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ، إِذْ نُودِيَ بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعْنَا ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ قَبْلِي نَبِيٌّ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لَهُمْ ،وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ جُعِلَتْ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا ، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ ، فَتَجِيءُ فِتْنَةُ الْمُؤْمِنِ ، فَيَقُولُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تَجِيءُ فَيَقُولُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ ، قَالَ : قُلْتُ : هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ ، وَنُهْرِيقُ دِمَاءَنَا ، وَقَالَ اللَّهُ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء] ، وَقَالَ : {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء] قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ.(2)
الفجرُ في جماعة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِى جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ »(3).
وعن أنس بن مالك ، رفعه - قال : « من صلى الغداة ، والعشاء الآخرة أربعين ليلة في جماعة لا تفوته ركعة كتبت له براءتان ، براءة من النار ، وبراءة من النفاق »(4)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « مَنْ صَلَّى فِى مَسْجِدٍ جَمَاعَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِتْقًا مِنَ النَّارِ »(5).
وعَنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ». يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى(6).
الاستجارة من النار
ومما يقي العبد من النار استجارة العبد بالله من النار ، قال تعالى :( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) [الفرقان/65-66])
وهُمُ الذين يَغْلِبُ عليهِم الخَوفُ منَ اللهِ فيدْعُونهُ ، ويسأَلُونَهُ أَنْ يَصرِفَ عنهمْ عَذابَ جَهَّنمَ ، فإنَّ عذَابَها مؤلمٌ ملازمٌ للإِنسَانِ ، لا يَزولُ عنهُ ، ولا يَحُولُ ، ولا يُفارِقُهُ .وإنَّ جَهَنَّمَ بئسَ المنزلُ ، وَبئْسَ المَقِيلُ والمقَامُ .
وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاَثاً إِلاَّ قَالَتِ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ وَلاَ اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ اللَّهَ مِنَ النَّارِ ثَلاَثاً إِلاَّ قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ ».(7)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِلا قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِلا قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنِّي "(8)
الدعاء يعد الصلاة
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ الْكِنَانِىِّ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَارِثِ التَّمِيمِىَّ حَدَّثَهَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ جِوَاراً مِنَ النَّارِ وَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ جِوَاراً مِنَ النَّارِ ».(9)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ ، اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي ، فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي ، فَتَلَقَّانِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ ، فَقُلْتُ : قُولُوا : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُحَرَّزُوا ، فَقَالُوهَا ، فَلاَمَنِي أَصْحَابِي ، وَقَالُوا : حُرِمْنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ بِأَيْدِينَا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعْتُ ، فَدَعَانِي ، فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ ، وَقَالَ : أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِي : إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا ، وَأُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : فَكَتَبَ لِي كِتَابًا ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ : إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ قَالَ : فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ، أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْكِتَابِ ، فَفَضَّهُ ، فَقَرَأَهُ وَأَمَرَ لِي بِعَطَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ ، فَقَرَأَهُ ، وَأَمَرَ لِي ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُثْمَانَ ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.(10)
أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها
عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُخْتِى أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ »(11).
أربع ركعات قبل العصر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : جِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَدْرَكْتُ آخِرَ الْحَدِيثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ " ، فَقُلْتُ بِيَدِي هَكَذَا - يُحَرِّكُ بِيَدِهِ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَمَا فَاتَكَ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ أَجْوَدُ وَأَجْوَدُ . قُلْتُ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَهَاتِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "(12).
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ".(13)
ما يقول عند الصباح والمساء
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِى اللَّهُمَّ إِنِّى أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبْعَهُ مِنَ النَّارِ فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ وَمَنْ قَالَهَا ثَلاَثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ».(14)
اغبرار القدمين في سبيل الله
عن عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِى أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ »(15).
وعن يَزِيدَ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ: لَحِقَنِى عَبَايَةُ بْنُ رَافِعٍ وَأَنَا مَاشٍ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنَّ خُطَاكَ هَذِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا عَبْسٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(16).
وعَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْخَثْعَمِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.(17)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(18).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ"(19)
وعن ابْنِ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا الْمُصَبِّحِ الأَوْزَاعِىَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ : بَيْنَا نَسِيرُ فِى دَرْبِ قَلَمْيَةَ إِذْ نَادَى الأَمِيرُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِىُّ رَجُلاً يَقُودُ فَرَسَهُ فِى عِرَاضَ الْجَبَلِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلاَ تَرْكَبُ قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(20).
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ »(21)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : مَرَّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيُّ وهُوَ عَلَى النَّاسِ بِالصَّائِفِةِ بِأَرْضِ الرُّومِ ، قَالَ : وَرَجُلٌ يَقُودُ دَابَّتَهُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْكَبْ ، فَإِنِّي أَرَى دَابَّتَكَ ظَهِيرَةً ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا النَّارَ ، قَالَ : فَنَزَلَ مَالِكٌ وَنَزَلَ النَّاسُ يَمْشُونَ ، فَمَا رُئِيَ يَوْمٌ أَكْثَرُ مَاشِيًا مِنْهُ(22).
الخوف من الله والجهاد في سبيله
ومما ينجي من النار مخافة الله ، والجهاد في سبيل الله ، قال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) [الرحمن/46])
وَمَنْ خَشِيَ ربَّهُ ، وَرَاقَبَهُ في أعْمَالِهِ ، واعْتَقَدَ أنَّهُ قَائِمٌ عَلَيهِ ، مُشْرِفٌ عَلَى أعْمالِِهِ ، عَارِفٌ بِمَا يُكِنُّهُ صَدْرُهُ ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْزِيهِ بِجِنَّتَيْنِ في الآخِرَةِ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ ، وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخِرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا "(23)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ ، وَلاَ يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا.(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا: مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ سَدَّدَ الْمُسْلِمُ وَقَارَبَ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ عَبْدٍ: وغُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: الإِيمَانُ وَالشُّحُّ.(25)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ.(26)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي مَنْخَرَيْ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ.(27)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِى النَّارِ أَبَدًا ».(28)
اتقاء النار ولو بشق تمرة
عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(29)
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِىَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(30).
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ ، إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى شَيْئًا قَدَّمَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْسَرَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى شَيْئًا قَدَّمَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ.(31)
__________
(1) - صحيح مسلم (4882)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 294)(5961) صحيح
(3) - سنن الترمذى(241 ) حسن لغيره
(4) - شعب الإيمان للبيهقي(2747) حسن لغيره
(5) - سنن ابن ماجه (847 ) فيه ضعف
(6) - صحيح مسلم(1468 )
(7) - مسند أحمد (12774) صحيح
(8) - مسند أبي يعلى الموصلي(3683) صحيح
(9) - مسند أحمد (18541) وسنن أبي داود(5081) حسن
في سنده الحارث بن مسلم بن الحارث وثقه ابن حبان ولم يرو عنه سوى واحد من الثقات 6/176 وسكت عليه تخ2/282 وأبو حاتم الجرح 3/87، لكن رواية هؤلاء الأئمة لهذا الحديث وسكوتهم عليه كاف لتقويته.
(10) - صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 366)(2022) حسن
(11) - سنن الترمذى (430 ) صحيح
(12) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 143)(1530) ضعيف
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 113)(19105 ) ضعيف
(14) - سنن أبى داود (5071) حسن
(15) - صحيح البخارى(907)
(16) - سنن النسائى(3129) صحيح
(17) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 5 / ص 310)(19733) صحيح
(18) - مسند أحمد(15334) صحيح
(19) - مسند أبي يعلى الموصلي(2075) حسن
(20) - مسند أحمد (22605) صحيح
(21) - صحيح البخارى(2811 )
(22) - مسند أبي يعلى الموصلي(944) صحيح
(23) - شرح السنة للبغوي(4168) صحيح
(24) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 43)(3251) صحيح
(25) - مسند أبي عوانة(5957) صحيح
(26) - مسند البزار(2722) صحيح
(27) - مسند الشاميين(3446) صحيح
(28) - صحيح مسلم (5003)
قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَل أَنَّ هَذَا مُخْتَصّ بِمَنْ قَتَلَ كَافِرًا فِي الْجِهَاد ، فَيَكُون ذَلِكَ مُكَفِّرًا لِذُنُوبِهِ حَتَّى لَا يُعَاقَب عَلَيْهَا ، أَوْ يَكُون بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَة ، أَوْ حَالَة مَخْصُوصَة . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عِقَابه إِنْ عُوقِبَ بِغَيْرِ النَّار كَالْحَبْسِ فِي الْأَعْرَاف عَنْ دُخُول الْجَنَّة أَوَّلًا وَلَا يَدْخُل النَّار ، أَوْ يَكُون إِنْ عُوقِبَ بِهَا فِي غَيْر مَوْضِع عِقَاب الْكُفَّار ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي إِدْرَاكهَا" شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 368)
(29) - صحيح البخارى(1417)
(30) - صحيح البخارى(6539 )
(31) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 373)(7373) صحيح(1/56)
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ يَشْكُو أَحَدُهُمَا الْعَيْلَةَ ، وَيَشْكُو الآخَرُ قَطْعَ السَّبِيلِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ : فَلاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ : فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ ، فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لَيْسَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَهُ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ ، وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ ، فَيَقُولَنَّ لَهُ : أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً ؟ فَلَيَقُولَنَّ : بَلَى ، فَيَقُولُ : أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً ؟ فَلَيَقُولَنَّ : بَلَى ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ ، فَلْيَتَّقِ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.(1)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(2).
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا « يَا عَائِشَةُ اسْتَتِرِى مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهاَ مِنَ الشَّبْعَانِ »(3).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ فُلانٍ قَالَ : الْقَاضِي ذَهَبَ عَلَيَّ اسْمُ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مِخْمَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : احْتَجِبِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(4).
فضل الصلاة في المدينة المنورة و زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلَاةً لَا تَفُوتُهُ صَلَاةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَبَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ "(5).
وعَنْ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ زَارَ قَبْرِى أَوْ قَالَ مَنْ زَارَنِى كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا وَمَنْ مَاتَ فِى أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى الآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(6).
عينان لا تمسهما النار
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »(7).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا : عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ "(8).
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ : عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ كَفَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ "(9)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَطَوِّعاً لاَ يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنَيْهِ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) »(10).
وعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ ، فَأَوْفَيْنَا عَلَى شَرَفٍ ، فَأَصَابَنَا بَرْدٌ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا يَحْفِرُ الْحَفِيرَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ وَيُغَطِّي عَلَيْهِ بِحَجَفَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ ، قَالَ : أَلا رَجُلٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ بِدُعَاءٍ يُصِيبُ بِهِ فَضْلا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَدَعَا لَهُ ، قَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ : فَقُلْتُ : أَنَا ، فَدَعَا لِي بِدُعَاءٍ هُوَ دُونَ مَا دَعَا لِلأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ ، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ : وَسَمِعْتُ بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ : حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "(11).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِى الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ »(12).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ، مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ الْمُسْلِمُ وَقَارَبَ ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالشُّحُّ"(13).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَجْمَعُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي جَوْفِ رَجُلٍ غُبَارًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانَ جَهَنَّمَ ، وَمَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمُاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ سَائِرَ جَسَدِهِ عَلَى النَّارِ ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ النَّارَ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْتَعْجَلِ ، وَمَنْ جُرِحَ جِرَاحَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِخَاتَمِ الشُّهَدَاءِ ، لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْنُهَا مِثْلُ لَوْنِ الزَّعْفَرَانِ وَرِيحُهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ ، يُعْرِفُهُ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ : فُلَانٌ عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ ، وَمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ "(14).
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ مُكَاتَبًا لَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ مُكَاتَبَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ : مَا أَنْتَ بِدَاخِلٍ عَلَيَّ غَيْرَ مَرَّتِكَ هَذِهِ ، فَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : "مَا خَالَطَ قَلْبَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ رَهَجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ "(15)
عتق الرقاب
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ »(16).
وعن سَعِيدَ بْنِ مَرْجَانَةَ صَاحِبِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرْتُهُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلافٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ.(17)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى الْفَرَجَ بِالْفَرَجِ.(18)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إِرَبٍ مِنْهَا إِرَبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرَّجُلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرَجِ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: يَا سَعِيدُ بْنَ مَرْجَانَةَ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ. هَذَا لَفْظُ الزَّعْفَرَانِيِّ، قَالَ: ادْعُوا لِي أَحَدَ غِلْمَانِي مُطَرِّفًا، فَأَعْتَقَهُ فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.(19)
الذب عن عرض المسلم
عَنِ ابْنٍ لأَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ فِي رَجُلٍ فَرَدَّ عَنْهُ آخَرُ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ.(20)
وعَنْ أَسْمَاءَ بنتِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْمَغِيبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ.(21)
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(22).
الحمى حظ أمتي من النار
عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَهِيَ نَصِيبُ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ "(23).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ جَهَنَّمَ فَمَا أَصَابَ الْمُؤْمِنَ مِنْهَا كَانَ حَظَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ ».(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرِيضًا مِنْ وَعَكٍ كَانَ بِهِ ، وَمَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الآخِرَةِ"(25)
من قال لا إله إلا الله والله أكبر
عَنِ الأَغَرِّ أَبِى مُسْلِمٍ قَالَ : أشهد على أبي سعيد، وأبي هريرة أَنهما شهِدَا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «من قال: لا إله إِلا الله ، والله أَكبر، صدَّقه ربُّه ، وقال : لا إِله إِلا أَنا ، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إِله إلا الله وحده ، قال : يقول الله: لا إِله إِلا أنا وحدي، وإِذا قال : لا إِله إِلا الله وحدَهُ لا شريك له ، قال الله: لا إِله إِلا أَنا وحدي لا شريك لي، وإِذا قال : لا إِله إِلا الله ، له الملك وله الحمد، قال الله تعالى : لا إِله إلا أنا ، ليَ الملك ، وليَ الحمدُ ، وإذا قالَ : لا إِلهَ إِلا اللهُ ، ولا حولَ ولا قُوةَ إِلا باللهِ ، قال الله تعالى : لا إِلَهَ إِلا أنا ، ولا حَولَ ولا قُوةَ إِلا بي ، وكان يقول : من قالها في مرضٍ ، ومات منه لم تَطْعَمْهُ النارُ»(26)
تحرم النار على كل هين سهل
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ »(27).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ».(28)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ.(29)
أشياء عديدة تمنع دخول النار
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا ، رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلَائِكَةٌ ، فَجَاءَهُ وُضُوءُهُ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِ عَذَابُ الْقَبْرِ ، فَجَاءَتْهُ صِلَاتُهُ فَاسْتَنْقَذَتْهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ ، فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَخَلَّصَهُ مِنْهُمْ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ ، فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ ، وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ ، وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ ، وَمِنْ فَوْقِهِ ظُلْمَةٌ ، وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ ، فَجَاءَهُ حَجُّهُ ، وَعُمْرَتُهُ ، فَاسْتَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَجَاءَتْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ ، فَقَالَتْ : إِنَّ هَذَا كَانَ وَاصِلًا لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُمْ ، وَكَلَّمُوهُ وَصَارَ مَعَهُمْ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النَّارِ عَنْ وَجْهِهِ ، فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ ، فَصَارَتْ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْرًا عَنْ وَجْهِهِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ ، فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي هَوَى فِي النَّارِ ، فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَأَخْرَجَتْهُ مِنَ النَّارِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ إِلَى شِمَالِهِ ، فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فِي يَمِينِهِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ خَفَّ مِيزَانُهُ ، فَجَاءَهُ إِقْرَاضُهُ فَثَقُلَ مِيزَانُهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يُرْعِدُ كَمَا تُرْعِدُ الزَّعْفَةُ ، فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَّنَ رِعْدَتَهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً وَيَجْثُو مَرَّةً وَيَتَعَلَّقُ مَرَّةً ، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلَيَّ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ عَلَى الصِّرَاطِ حَتَّى جَاوَزَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَغُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ دُونَهُ ، فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ "(30)
تَقُولُ الْعَدْلَ ، وَتُعْطِي الْفَضْلَ
وَعَنْ كُدَيْرٍ الضَّبِّيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أَوَ هُمَا أَعْمَلَتَاكَ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " تَقُولُ الْعَدْلَ ، وَتُعْطِي الْفَضْلَ " . قَالَ : وَاللَّهِ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ الْعَدْلَ كُلَّ سَاعَةٍ ، وَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَ الْفَضْلَ . قَالَ : " فَتُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتُفْشِي السَّلَامَ " . قَالَ : هَذِهِ أَيْضًا شَدِيدَةٌ . قَالَ : " فَهَلْ لَكَ إِبِلٌ ؟ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَانْظُرْ إِلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِكَ وَسِقَاءٍ ، ثُمَّ اعْمَدْ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ لَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ إِلَّا غِبًّا فَاسْقِهِمْ ; فَلَعَلَّكَ لَا يَهْلِكُ بَعِيرُكَ وَلَا يَتَخَرَّقُ سِقَاؤُكَ حَتَّى تَجِبَ لَكَ الْجَنَّةُ " . فَانْطَلَقَ الْأَعْرَابِيُّ يُكَبِّرُ ، فَمَا انْخَرَقَ سِقَاؤُهُ ، وَلَا هَلَكَ بِعِيرُهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ(31)
اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ
عن الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَهُمْ فِي سَرِيَّةٍ قَالَ : فَلَمَّا بَلَغَنَا الْمُغَارَ اسْتَحْثَثْتُ فَرْسَى ، فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي ، فَاسْتَقْبَلَنِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ ، فَقُلْتُ : قُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُحْرِزُوا ، فَقَالَ : فَجَاءَ أَصْحَابِي فَلامُونِي ، وَقَالُوا : حَرَمْتَنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ بَرَدَتْ فِي أَيْدِينَا ، فَلَمَّا قَفَلْنَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَعَانِي فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ ، وَقَالَ لِي : أَمَا إِنَّهُ قَدْ كُتِبَ لَكَ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا كَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ أَنَا نَسِيتُهُ قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَا إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا أُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَتَبَ لَهُ ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ ، وَقَالَ : إِذَا صَلَّيْتَ الْغَدَاةَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ"(32)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 374)(7374) صحيح
(2) - مسند أحمد (3751) صحيح
(3) - مسند أحمد(25236) صحيح لغيره
(4) - الآحاد والمثاني (2644) صحيح لغيره
(5) - مسند أحمد (12919) حسن
(6) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 5 / ص 245)(10572) فيه جهالة
(7) - سنن الترمذى (1740 ) حسن
(8) - مسند أبي يعلى الموصلي(4346) صحيح لغيره
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 351)(16347 ) حسن لغيره
(10) - مسند أحمد (16017) ضعيف
(11) - المستدرك للحاكم (2432) حسن
(12) - سنن الترمذى(1733) صحيح
(13) - المستدرك للحاكم (2394) حسن
(14) - مسند أحمد(28267) فيه انقطاع
(15) - مسند أحمد(25285) حسن
(16) - صحيح البخارى (6715 ) وصحيح مسلم(3869)
(17) - مسند أبي عوانة ( 3908 ) صحيح
(18) - مسند أبي عوانة ( 3909 ) صحيح
(19) - مسند أبي عوانة ( 3911 ) صحيح
(20) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 388)(26052) حسن لغيره
(21) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 418)(19916 ) حسن
(22) - سنن الترمذى(2056 ) حسن لغيره
(23) - شعب الإيمان للبيهقي(9503 ) حسن
(24) - مسند أحمد (22934) حسن لغيره
(25) - المستدرك للحاكم (1277) صحيح
(26) - سنن الترمذى(3758 ) حسن
(27) - سنن الترمذى (2676 ) حسن صحيح
(28) - مسند أحمد (4017) صحيح لغيره
(29) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 215)(469) صحيح
(30) - مجمع الزوائد ( 11746 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ ، فِي أَحَدِهِمَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ، وَفِي الْآخَرِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ .
(31) - مجمع الزوائد(4729 ) وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
(32) - الآحاد والمثاني (1212) حسن(1/57)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ ، اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي ، فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي ، فَتَلَقَّانِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ ، فَقُلْتُ : قُولُوا : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُحَرَّزُوا ، فَقَالُوهَا ، فَلاَمَنِي أَصْحَابِي ، وَقَالُوا : حُرِمْنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ بِأَيْدِينَا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعْتُ ، فَدَعَانِي ، فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ ، وَقَالَ : أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِي : إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا ، وَأُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : فَكَتَبَ لِي كِتَابًا ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ : إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ قَالَ : فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ، أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْكِتَابِ ، فَفَضَّهُ ، فَقَرَأَهُ وَأَمَرَ لِي بِعَطَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ ، فَقَرَأَهُ ، وَأَمَرَ لِي ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُثْمَانَ ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.(1)
أداء الفرائض
عن سويد بن حجير، حَدَّثَنِي خَالِي قَالَ : لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ ، فَقُلْتُ : مَاذَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ ، أَقِمِ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَحُجَّ الْبَيْتَ ، وَمَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكَ النَّاسُ فَافْعَلْ بِهِمْ ، وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ إِلَيْكَ فَدَعِ النَّاسَ ، خَلِّ سَبِيلَ النَّاقَةِ"(2)
وعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ ؛أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ ، أَوْ بِزِمَامِهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوْ يَا مُحَمد ، أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَكَفَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ وُفِّقَ ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ ، قَالَ : كَيْفَ قُلْتَ ؟ قَالَ : فَأَعَادَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : تَعْبُدُ اللهَ ، لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، دَعِ النَّاقَةَ.(3)
وعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَوْ عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ ، فَأَخَذْتُ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ ، أَوْ بِخِطَامِهَا ، فَدُفِعْتُ عَنْهُ ، فَقَالَ : دَعُوهُ ، فَأَرَبٌ مَا جَاءَ بِهِ ، قُلْتُ : نَبِّئْنِي بِعَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيُبْعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الْخُطْبَةِ ، لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ ، تَعَبْد اللهِ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُؤْتُوهُ إِلَيْكَ ، وَمَا كَرِهْتَ لِنَفْسِكَ ، فَدَعِ النَّاسَ مِنْهُ ، خَلِّ عَنْ زِمَامِ النَّاقَةِ.(4)
الصيام جنة من النار
عن مُطَرِّفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ : أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَعَا لِي بِلَبَنٍ لِقْحَةً ، فَقُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ ، صِيَامٌ حَسَنٌ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ قَالَ : وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَمَّرَنِي عَلَى الطَّائِفِ ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ ، تَجَاوَزِ الصَّلاةَ ، وَاقْدُرِ النَّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، وَالسَّقِيمُ ، وَالْبَعِيدُ ، وَذَا الْحَاجَةِ"(5)
من مات له ثلاثة من الولد
عَنْ أَبِي النَّضْرِ السَّلَمِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لا يَمُوتُ لأَحَدٍ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ إِلا كُنَّ لَهُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ"(6)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : لَهُ : حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَيْسَ فِيهِ انْتِقَاصٌ ، وَلاَ وَهْمٌ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلاثَةُ أَوْلاَدٍ فِي الإِسْلاَمِ ، فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ، أَدْخَلَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بَلَغَ بِهِ الْعَدُوَّ ، أَصَابَ ، أَوْ أَخْطَأَ، كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ ، وَمنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً ، أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ ، مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ أَنْفَقَ زَوْجيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، يُدْخِلُهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ مِنْهَا الْجَنَّةَ.(7)
الصبر على موت الأولاد
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ,قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِىِّ , - صلى الله عليه وسلم - : غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ : مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ , فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : وَاثْنَيْنِ فَقَالَ : وَاثْنَيْنِ.(8)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ النِّسَاءُ : غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا ، فَجِئْنَ ، فَوَعَظَهُنَّ ، فَقَالَ لَهُنَّ فِيمَا قَالَ : مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ قَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَاثْنَيْنِ ؟ وَقَدْ مَاتَ لَهَا اثْنَانِ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : وَاثْنَانِ.(9)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَدَّمَ ثَلاَثَةً ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ، كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنَ النَّارِ . قَالَ أَبُو ذَرٍّ : قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ ؟ قَالَ : وَاثْنَيْنِ . فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ ، سَيِّدُ الْقُرَّاءِ : قَدَّمْتُ وَاحِدًا ؟ قَالَ : وَوَاحِدًا ، وَلَكِنْ إِنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى.(10)
وعَنْ أَبِي ظبية ، قَالَ : إِنَّ شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ دَعَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ السُّلَمِيَّ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ عَبَسَةَ ، هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَيْسَ فِيهِ تَزَيُّدٌ ، وَلاَ كَذِبٌ ، وَلاَ تُحَدِّثْنِيهِ عَنْ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْهُ غَيْرُكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ : قَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ مِنْ أَجْلِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَافُّونَ مِنْ أَجْلِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ مِنْ أَجْلِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَرُونَ مِنْ أَجْلِي.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَبَلَغَ مُخْطِئًا ، أَوْ مُصِيبًا ، فَلَهُ مِنَ الأَجْرِ كَرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَهِيَ لَهُ نُورٌ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلاً مُسْلِمًا ، فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقِ ، فِدَاءً لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً ، فَكُلُّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقَةِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقَةِ ، فِدَاءً لَهَا مِنَ النَّارِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدَّمَ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ صُلْبِهِ ثَلاَثَةً ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ، أَوِ امْرَأَةٍ ، فَهُمْ لَهُ سُتْرَةٌ مِنَ النَّارِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وَضُوءٍ ، يُرِيدُ الصَّلاَةَ ، فَأَحْصَى الْوَضُوءَ إِلَى أَمَاكِنِهِ ، سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، أَوْ خَطِيئَةٍ لَهُ ، فَإِنْ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ رَفَعَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِهَا دَرَجَةً ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا.فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَا ابْنَ عَبَسَةَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، لَوْ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ مَرَّةٍ ، أَوْ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثٍ ، أَوْ أَرْبَعٍ ، أَوْ خَمْسٍ ، أَوْ سِتٍّ ، أَوْ سَبْعٍ ، فَانْتَهَى عِنْدَ سَبْعٍ ، مَا حَلَفْتُ ، يَعْنِي مَا بَالَيْتُ ، أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنِّي وَاللهِ ، مَا أَدْرِي عَدَدَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(11)
وعَنْ أَبِي النَّضْرِ السَّلَمِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ ، إِلاَّ كَانُوا جُنَّةً مِنَ النَّارِ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوِ اثْنَانِ ؟ قَالَ : أَوِ اثْنَانِ.(12)
جنة : الجنة : الوقاية ،ومنه :المجن للترس ، ولأنه يقى صاحبه ويستره.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَلَدٍ لَهَا مَرِيضٍ يَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَدْ مَاتَ لِي ثَلاَثَةٌ ، قَالَ : فِي الإِسْلاَمِ ؟ قَالََتْ : فِي الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقَدِّمُ ثَلاَثَةً فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ يَحْتَسِبُهُمْ ، إِلاَّ احْتَظَرَ بِحَظِيرٍ مِنَ النَّارِ.(13)
الصبر على تربية البنات
عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ ، وَسَقَاهُنَّ ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النًّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(14)- الجدة : الغنى
وعَنْ عُرْوَةَ ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَاةٌ ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَسَالَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ . فَاعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا . فَاخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا . وَلَمْ تَاْكُلْ مِنْهَا شَيئًْا . ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا . فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا . فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ ابتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ ، فَاحْسَنَ الَيْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ.(15)
وعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ كَانَتْ لَهُ ثَلاثُ بناتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ فَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ".(16)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنَتَانِ ، أَوْ أُخْتَانِ ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ.(17)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٌ ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنَتَيْنِ ، أَوْ أُخْتَيْنِ ، اتَّقَى اللهَ فِيهِنَّ ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَبِنَّ ، أَوْ يَمُتْنَ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ.(18)
وعَنْ عَوْفِ بن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ لَهُ ثَلاثُ بناتٍ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ إِلا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ", فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَوِ اثْنَتَانِ؟ قَالَ:"وَثِنْتَانِ"(19).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ ابْتُلِىَ بِشَىْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ ».(20)
تمرة واحدة تعتق من النار
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ »(21).
من أطعم أخاه حتى يشبعه
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ خُبْزًا حَتَّى يُشْبِعَهُ، وَسَقَاهُ حَتَّى يَرْوِيَهُ بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ".(22)
مَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ
عَنْ مَالِكِ بن مَرْثَدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ بِاللَّهِ ، قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمِلٌ ، قَالَ : يُرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا ، لا يَجِدُ مَا يُرْضَخُ بِهِ ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَيِيًّا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : يَصْنَعُ لأَخْرَقَ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا ؟ قَالَ : يُعِينُ مَغْلُوبًا ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا ؟ فَقَالَ : مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ فِي صَاحِبِكَ ، مِنْ خَيْرٍ تُمْسِكُ الأَذَى ، عَنِ النَّاسِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَفْعَلُ خَصْلَةً مِنْ هَؤُلاءِ ، إِلا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.(23)
وعن أبي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ ، قُلْتُ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ : يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمَلاً ؟ قَالَ : يَرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لاَ شَيْءَ لَهُ ؟ قَالَ : يَقُولُ مَعْرُوفًا بِلِسَانِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ عَيِيًّا لاَ يُبْلِغُ عَنْهُ لِسَانُهُ ؟ قَالَ : فَيُعِينُ مَغْلُوبًا قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لاَ قُدْرَةَ لَهُ ؟ قَالَ : فَلْيَصْنَعْ لأَخْرَقَ قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ أَخْرَقَ ؟ قَالَ : فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَ ، قَالَ : مَا تُرِيدُ أَنْ تَدَعَ فِي صَاحِبِكَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ ، فَلْيَدَعِ النَّاسَ مِنْ أَذَاهُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ تَيْسِيرٍ ؟ فقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا ، يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللهِ ، إِلاَّ أَخَذَتْ بِيَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.(24)
الإكثار من ذكر الله
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَقَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"(25)
وعَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"، قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ:"وَلا، إِلا أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ"ثَلاثَ مَرَّاتٍ .(26)
َعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِى مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ قَالَ « لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَا وَاحِدًا قَالَ « لاَ عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِى ثَمَنِهَا وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ وَالْفَىْءُ عَلَى ذِى الرَّحِمِ الظَّالِمِ فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ »(27).
الوكوف : الغزيرة اللبن وقيل التى لا ينقطع لبنها سنتها جميعها -الفىء : الظل
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 366)(2022) حسن
(2) - الآحاد والمثاني (1259) صحيح لغيره
(3) - صحيح مسلم(113 )
(4) - مسند أحمد (17160) حسن
(5) - الآحاد والمثاني(1542) صحيح
(6) - الآحاد والمثاني(2166) صحيح
(7) - مسند أحمد (19965) صحيح لغيره
(8) - صحيح البخارى (101 )
(9) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 206)(2944) صحيح
(10) - مسند أحمد(4158) صحيح لغيره
(11) - مسند أحمد(19966) حسن
(12) - موطأ مالك(561 ) صحيح
(13) - مسند أحمد (11212) صحيح
(14) - الأدب المفرد ( 76 ) صحيح
(15) - صحيح البخارى(1418) ومسلم (6862)
(16) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 12 / ص 266)(14244) صحيح
(17) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 189)(446) حسن
(18) - مسند أحمد (24718) صحيح
(19) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 12 / ص 423)(14529 ) صحيح لغيره
(20) - سنن الترمذى(2037 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(21) - صحيح مسلم(6863)
(22) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 126)(1498) وشعب الإيمان للبيهقي (3218 ) حسن لغيره
(23) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 2 / ص 213)(1627) صحيح لغيره
(24) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 96)(373) صحيح
(25) - المستدرك للحاكم(1825) حسن
(26) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 92)(16765 ) حسن لغيره
(27) - سنن الدارقطنى (2079) صحيح لغيره(1/58)
من حافظ على الصلوات الخمس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا فَقَالَ : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُرْهَانٌ وَلاَ نُورٌ وَلاَ نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَهَامَانَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ.(1)
التي شربت بول النبي - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ أُمَيْمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، كَانَ لَهُ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ يَبُولُ فِيهِ ، ثُمَّ يُوضَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ ، يُقَالُ لَهَا : بَرَكَةُ ، جَاءَتْ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنَ الْحَبَشَةِ ، فَشَرِبَتْهُ ، فَطَلَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا : شَرِبَتْهُ بَرَكَةُ ، فَسَأَلَهَا ، فَقَالَتْ : شَرِبْتُهُ ، فَقَالَ : لَقَدِ احْتَضَرْتِي مِنَ النَّارِ بِحِضَارٍ ، أَوْ قَالَ : جُنَّةٍ أَوْ ، هَذَا مَعْنَاهُ"(2)
مجالس الذكر
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِى الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِى قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ .
قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِى قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ . قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِى قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا ، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا . قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِى قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا ، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً . قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا ، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ . قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ . قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ »(3).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّارَةً ، وَفُضَلاءَ يَلْتَمِسُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فِي الأَرْضِ ، فَإِذَا أَتَوْا عَلَى مَجْلِسِ ذِكْرٍ حَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ ، فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادِكَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ وَيَسْتَجِيرُونَكَ فَيَقُولُ : مَا يَسْأَلُونَنِي ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لاَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ : كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُونَ : مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لاَ فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ ثُمَّ يَقُولُ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُونِي ، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُونِي ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا إِنَّ فِيهِمْ عَبْدًا خَطَّاءً جَلَسَ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ فَيَقُولُ : وَهُوَ أَيْضًا قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ، هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ"(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: إن ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضُلاً يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، فَحَضَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا ، أَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَل رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : لاَ ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ قَدْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِم فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ.(5)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَلاَئِكَةً فُضُلاً يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا مَرُّوا بِمَجْلِسٍ عَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَبْلُغُوا الْعَرْشَ ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ : مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مِنْ عِنْدِ عَبِيدٍ لَكَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ، وَيَتَعَوَّذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ ، وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، فَيَقُولُ : يَسْأَلُونِي جَنَّتِي ، هَلْ رَأَوْهَا ؟ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ وَيَتَعَوَّذُونَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا إِنَّ فِيهِمْ عَبْدَكَ الْخَطَّاءَ فُلاَنًا ، مَرَّ بِهِمْ لِحَاجَةٍ لَهُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : أُولَئِكَ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ.(6)
من قال هذا الدعاء ثلاثاً
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَأُشْهِدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَيْهِ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ كُلَّهُ مِنَ النَّارِ"(7)
التعوذ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ثَلاثًا
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاثًا قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ثَلاثًا قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ النَّارِ"(8)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا سَأَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَلاَ اسْتَجَارَ مُسْلِمٌ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ ، قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ.(9)
الباقيات الصالحات جنة من النار
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : خُذُوا جُنَّتَكُمْ ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟ قَالَ : لاَ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ ، قُولُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، فَإِنَّهَا يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنْجِيَاتٍ وَمُقَدَّمَاتٍ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ"(10)
العمل الذي يقرب من الجنة ويباعد من النار
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَقَدْ أَصَابَ الْحَرُّ ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ حَتَّى نَظَرْتُ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَبُهُمْ مِنِّي ، قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، قَالَ : وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِأَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، قُلْتُ : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ ، قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، قَالَ : وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَمَّا رَأْسُ الأَمْرِ فَالإِسْلامُ ، وَأَمَّا عَمُودُهُ فَالصَّلاةُ ، وَأَمَّا ذِرْوَةُ سَنَامِهِ فَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَسَكَتَ ، فَإِذَا رَاكِبَانِ يُوضِعَانَ قِبَلَنَا ، فَخَشِيتُ أَنْ يَشْغَلاهُ عَنْ حَاجَتِي ، قَالَ : فَقُلْتُ : مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : فَأَهْوَى بِإِصْبَعِهِ إِلَى فِيهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَنُؤَاخَذُ بِمَا نَقُولُ بِأَلْسِنَتِنَا ؟ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ابْنَ جَبَلٍ هَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟"(11)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ ، وَنَحْنُ نَسِيرُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ.ى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ.يْهِ ، تَعْبُدُ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ.ى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَالَ ثُمَّ تَلاَ : "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ : "يَعْمَلُونَ) ثُمَّ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ ، وَعَمُودِهِ ، وَذُِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ ، وَذُِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ، قَالَ : كُفَّ.يْكَ هَذَا ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ.على وُجُوهِهِمْ ، أَوْ.على مَنَاخِرِهِمْ ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.(12)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ الْيَشْكُرِىُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ انْطَلَقْتُ إِلَى الْكُوفَةِ لأَجْلِبَ بِغَالاً - قَالَ - فَأَتَيْتُ السُّوقَ وَلَمْ تُقَمْ . قَالَ قُلْتُ لِصَاحِبٍ لِى لَوْ دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ وَمَوْضِعُهُ يَوْمَئِذٍ فِى أَصْحَابِ التَّمْرِ فَإِذَا فِيهِ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ المُنْتَفِقِ وَهُوَ يَقُولُ : وُصِفَ لِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحُلِّىَ فَطَلَبْتُهُ بِمَكَّةَ فَقِيلَ لِى هُوَ بِمِنًى فَطَلَبْتُهُ بِمِنًى فَقِيلَ لِى هُوَ بِعَرَفَاتٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَزَاحَمْتُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لِى إِلَيْكَ عَنْ طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ دَعُوا الرَّجُلَ أَرِبَ مَا لَهُ . قَالَ فَزَاحَمْتُ عَلَيْهِ حَتَّى خَلَصْتُ إِلَيْهِ - قَالَ - فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ زِمَامِهَا . هَكَذَا حَدَّثَ مُحَمَّدٌ - حَتَّى اخْتَلَفَتْ أعْنَاقُ رَاحِلَتَيْنَا - قَالَ - فَمَا يَزَعُنِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . أَوْ قَالَ مَا غَيَّرَ عَلَىَّ . هَكَذَا حَدَّثَ مُحَمَّدٌ . قَالَ قُلْتُ ثِنْتَانِ أَسْأَلُكَ عَنْهُمَا مَا يُنَجِّينِى مِنَ النَّارِ وَمَا يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ نَكَسَ رَأْسَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَىَّ بِوَجْهِهِ قَالَ لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِى الْمَسْأَلَةِ لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ فَاعْقِلْ عَنِّى إِذًا اعْبُدِ اللَّهَ لاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَأَقِمِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَصُمْ رَمَضَانَ وَمَا تُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكَ النَّاسُ فَافْعَلْهُ بِهِمْ وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَأْتِىَ إِلَيْكَ النَّاسُ فَذَرِ النَّاسَ مِنْهُ .ثُمَّ قَالَ خَلِّ سَبِيلَ الرَّاحِلَةِ.(13)
كلمة التوحيد آخر الزمان
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَدْرُسُ الإِسْلامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ ، حَتَّى لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ ، وَلا صَدَقَةٌ ، وَلا نُسُكٌ ، وَيُسَرَّى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ ، فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ ، وَيَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ ، وَالْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ ، يَقُولُونَ : أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا قَالَ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ لِحُذَيْفَةَ : فَمَا تُغْنِي عَنْهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صِيَامٌ ، وَلا صَدَقَةٌ ، وَلا نُسُكٌ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، فَرَدَّدَهَا عَلَيْهِ ثَلاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : يَا صِلَةُ ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ"(14)
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَدْرُسُ الإِسْلامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ ، لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ ، وَلا صَدَقَةٌ ، وَلا نُسُكٌ ، وَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ ، فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ ، وَيَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ : الشَّيْخُ الْكَبِيرُ ، وَالْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ ، يَقُولُونَ : أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا فَقَالَ صِلَةُ : فَمَا تُغْنِي عَنْهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، لاَ يَدْرُونَ مَا صِيَامٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا نُسُكٌ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَرَدَّدَ عَلَيْهِ ثَلاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : يَا صِلَةُ ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ"(15)
الأذان لصلاة الفجر
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَكَانَ يَتَسَمَّعُ الأَذَانَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِلاَّ أَغَارَ ، فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلَى الْفِطْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ. فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى.(16)
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، كَانَ يُغِيرُ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَيَتَسَمَّعُ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ ، قَالَ فَاسْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ : الْفِطْرَةُ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَقَالَ : خَرَجَ مِنَ النَّارِ.(17)
مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ ...
عن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَمَلاَئِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ النَّارِ ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، أَعْتَقَهُ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ النَّارِ."(18)
وعن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنَّا أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ ، وَنُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَمَلاَئِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، إِلاَّ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ ، أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ."(19)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي : اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ , وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ , أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ , وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ , وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ مِنَ النَّارِ , وَمَنْ قَالَهَا ثَلاَثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ , فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.(20)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 329)(1467) صحيح
(2) - الآحاد والمثاني (3342) حسن
(3) - صحيح البخارى 108/8(6408 )
(4) - المستدرك للحاكم (1821) صحيح
(5) - مسند أحمد (9208) صحيح
(6) - مسند أحمد(8938) صحيح
(7) - المستدرك للحاكم(1920) صحيح
(8) - المستدرك للحاكم (1960) صحيح
(9) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 293)(1014) صحيح
(10) - المستدرك للحاكم(1985) حسن
(11) - المستدرك للحاكم (3548) صحيح لغيره
(12) - سنن الترمذى(2825 ) صحيح لغيره
(13) - مسند أحمد(27915) حسن
(14) - المستدرك للحاكم (8460) صحيح
(15) - المستدرك للحاكم (8636) صحيح
(16) - صحيح مسلم(873 )
(17) - صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 61)(4753) صحيح
(18) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 162)(9753) حسن
(19) - الأدب المفرد ( 1201 ) حسن
(20) - مسند الشاميين(1542) صحيح لغيره(1/59)
المبحث الرابع
خزنة النار
يقوم على النار ملائكة خلقهم عظيم ، وبأسهم شديد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَاتَّقُوا مَعْصَيَتَهُ ، وَأمُرُوا أَهْلَكُمْ بِالذّكْرِ والتَّقْوَى ، وَعَلِّمُوهُمْ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيهِمْ ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، وَأمُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ لِتُنقِذُوهُمْ وَأَنْفُسَكُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، التِي يَكُونُ وَقُودُهَا النَّاسُ مِنَ الكَفَرَةِ ، وَالحِجَارَةُ ، وَتَقُومُ عَلَيهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ ، أَشِدَّاءُ َعَلَيهِمْ ، لاَ يُخَالِفُونَ رَبَّهُمْ فِي أَمْرٍ بِهِ ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ .
وعدتهم تسعة عشر ملكا ، كما قال تعالى: ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) [المدثر/26-31] )
سَأْدْخِلُهُ جَهَنَّمَ ، وأَغْمُرُهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ نَارُ جَهَنَّمَ؟ إِنَّهَا بَلَغَتْ فِي الغَرَابَةِ حَدّاً لاَ يُمْكِنُ إِحَاطَةُ الوَصْفِ بِهِ .لا تُبْقِي لَحْماً ، وَلاَ تَذَرُ عَظْماً ، وَإِنَّمَا تَأْتي عَلَيْهِ جَمِيعاً . تُلَوِّحُ الجِلْدَ فَتحْرِقُهُ وَتُغَيِّرُ لَوْنَهُ . وَعَلَى النَّارِ خَزَنَةٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ ، عِدَّتُهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكاً يَلُونَ أَمْرَهَا .
( وَرُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ نَفَراً مِنَ اليَهُودِ سَأَلُوا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ، فَقَالَ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ ) .
لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قوْلَهُ الكَرِيمَ ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُسْتَهْزِئاً : أَيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطُشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ رَدّاً عَلَى هَؤُلاَءِ السَّاخِرِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ حَرَسَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً ، وَمَنْ يُطِيقُ مُغَالَبَةَ مَلاَئِكَةِ اللهِ تَعَالَى؟ وَمَا جَعَلَ عَدَدَهُمْ ( تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، إِلاَّ لِيَقُولَ الكَافِرُونَ مَا قَالُوا ، لِيَتَضَاعَفَ غَضَبُ اللهِ وَنَقْمَتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَقَدِ اسْتَقَلُّوا العَدَدَ ، وَقَالُوا كَيْفَ يَتَوَلَّى مِثْلُ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ تَعْذِيبَ خَلْقِ اللهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى العَدَدَ لِرَسُولِهِ لِيَحْصُلَ اليَقِينُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِأَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَأَنَّ القُرْآنَ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَلِيَزْدَادَ المُؤْمِنُونَ إِيْمَاناً ، حِينَمَا يَرَوْنَ تَسْلِيمَ أَهْلِ الكِتَابِ ، وَتَصْدِيقَهُمْ لِمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ ، فَلاَ يَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ شَكًّ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَلِكَيْلاَ يَشُكَّ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ، وَالمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، مِنَ المُنَافِقِينَ ، وَالكَافِرِينَ بِرِسَالَتِهِ : مَا الذِي أَرَادَهُ اللهُ بِذِكْرِ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ المُسْتَغْرَبِ ، وَمَا الحِكْمَةُ فِيهِ؟
وَكَمَا أَضَلَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ العَدَدِ ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيَصْرِفُهُ عَنِ الحَقِّ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُوفِّقُهُ لِلْهُدَى ، وَالخَيْرِ ، والصَّوَابِ . وَمَا يَعْلَمُ عَدَدَ خَلْقِ اللهِ ، وَمِقْدَارَ جُمُوعِهِ ، التِي مِنْهَا المَلاَئِكَةُ ، إِلاَّ اللهُ تَعَالَى ، لِكَيْلاَ يَتَوَهَّمَ مُتَوهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ ، وَمَا سَقَرُ ولاَ صِفَتُهَا إِلاَّ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ يَتَّعَظُ مِنَ البَشَرِ ، وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ .
وقد فتن الكفار بهذا العدد ، فقد ظنوا أنه يمكن التغلب على هذا العدد القليل ، وغاب عنهم أن الواحد من هؤلاء يملك من القوة ما يواجه به البشر جميعا، ولذلك عقب الحق على ما سبق بقوله ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا )، قال ابن رجب: [والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقتلهم وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم عنه ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته ،ولهذا قال الله تعالى وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا إلى قوله وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر 31 ]](1)
وهؤلاء الملائكة هم الذين سماهم الله " بخزنة جهنم " في قوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) [غافر/49] )
لَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ .
ـــــــــــــ
__________
(1) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 160)(1/60)
المبحث الخامس
أسماء النار
ذكر اللهُ تعالى في كتابه النارَ بعدة أسماء وهي:
•جهنم: قال تعالى: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعاًّ ){الطور:13}.
وفي ذلِكَ اليَوْمِ يُدفَعُ هؤلاءِ المُكَِذِّبُونَ ، الخَائِضُونَ في البَاطِل ، إِلى جَهَنَّم دَفْعاً عَنيفاً ، وَيُسَاقُونَ إليها سَوْقاً
•لظى: قال تعالى: ( كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى ) {المعارج:15-16}.
كَلاَّ لاَ يُقْبَلُ فِدَاءٌ مِنَ الكَافِرِ ، وَلَوْ أَنَّهُ افْتَدَى بِجَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَبِجَمِيعِ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ وَمَالٍ ، إِنَّهَا النَّارُ الشَّدِيدَةُ الحَرَارَةِ .
تَحْرُقُ كُلَّ شَيءٍ بَارِزٍ مِنْ جِسْمِ الإِنْسَانِ فَتُزِيلُهُ وَكَأَنَّهَا تَنْزِعُهُ انْتِزَاعاً .
•الحُطَمة:قال تعالى: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)){الهمزة:4-9}.
كَلاَّ إِنَّ مَالَهُ لَنْ يُخَلِّدَهُ ، وَلَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَسَيُطْرَحُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ كَمَا تُطْرَحُ النَّوَاهُ .
( وَسُميتِ النَّارُ حُطَمَةً لأَنَّهَا تُحَطِّمُ كُلَّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَلاَ تُبْقِي مِنْهُ عَلَى شَيءٍ ) .
يُنْبَذَنَّ - يُقْذَفَنَ قَذْفاً كَمَا تُقْذفُ النَّوَاةُ . وَهَذِهِ الحُطَمَةُ لَيْسَتْ مِمّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُكَ .
إِنَّهَا نَارُ اللهِ المُشْتَعِلَةِ التِي أَعَدَّهَا اللهُ لِعَذَابِ الكَفَرَةِ العُصَاةِ .
وَإِنَّهَا لَتَبلُغُ فِي عَذَابَهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فَتَنْهَشُهَا نَهْشاً ، وَالقَلْبُ أَكْثَرُ الأَعْضَاءِ تَأَلماً ، فَإٍذَا نَهَشَتْهُ النَّارُ بَلَغَ العَذَابُ بِالإِنْسَانِ أَقْصَاهُ .
وَتُطْبِقُ النَّارُ عَلَيْهِمْ إِطْبَاقاً شَدِيداً ، وَتُغْلَقُ عَلَيْهِمْ أَبْوَابُهَا ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ مِنْهَا خَلاَصاً .
وَأَبْوَابُ النَّارِ تُطْبَقُ عَلَيْهِمْ ، وَتُشَدُّ بِأَعْمِدَةٍ مُمَدَّدةٍ مِنْ حَدِيدٍ فَلاَ يُفْتَحُ عَلَيْهِمْ بَابٌ .
( أَوْ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ مُوثَقِينَ فِي النَّارِ ، وَمَشْدُودِينَ إِلَى أَعْمدةٍ مُمَدَّدَةٍ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ حَرَاكاً وَلاَ خَلاَصاً )
•السعير:قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) {الشورى:7}.
وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ ، وَأَرْسَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِ لِيَسْتَطِيعَ دَعْوَتَهُمْ إِلَى اللهِ بِلُغَتِهِمْ وَلِسَانِهِمْ ، وَلِيَفْهَمُوا مِنْهُ مَعَانِي مَا يُرِيدُ إِبْلاَغَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ، كَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً وَاضِحاً جَلِيّاً مُنَزَّلاً بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ ، لُغَةِ قَوْمِكَ لِتُنْذِرَ أَهْلَ مَكَةَ ( أُمَّ القُرَى ) ، وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ النَّاسِ ، وَتُحَذِّرَهُمْ عِقَابَ اللهِ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الخَلاَئِقَ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، وَهُوَ يَوْمٌ وَاقِعٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَلاَ رَيْبَ ، فَيجْزِي الكَافِرِينَ الظَّالِمِينَ بِمَا اجْتَرَحُوا مِنَ الإِثْمِ والسَّيِّئَاتِ ، وَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُقْذَفُونَ فِيهَا قَذْفاً ، وَيَجْزِي المُحْسِنِينَ بِالجَنَّةِ .
•سقر: قال تعالى: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) {القمر:48}.
وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ في النَّارِ ، وَيُجرُّونَ فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ ، وَيُقَالُ لَهُمْ تَقْريعاً وَتَوْبِيخاً : ذُوقوا حَرَّ نَارِ جَهَنَّمَ وآلامَها جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رُسُلَ رَبِّكمْ وَجَحْدِكُمْ بآياتِه .
وقال تعالى { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) } [المدثر/26-30]
سَأْدْخِلُهُ جَهَنَّمَ ، وأَغْمُرُهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ نَارُ جَهَنَّمَ؟ إِنَّهَا بَلَغَتْ فِي الغَرَابَةِ حَدّاً لاَ يُمْكِنُ إِحَاطَةُ الوَصْفِ بِهِ .لا تُبْقِي لَحْماً ، وَلاَ تَذَرُ عَظْماً ، وَإِنَّمَا تَأْتي عَلَيْهِ جَمِيعاً . تُلَوِّحُ الجِلْدَ فَتحْرِقُهُ وَتُغَيِّرُ لَوْنَهُ . وَعَلَى النَّارِ خَزَنَةٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ ، عِدَّتُهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكاً يَلُونَ أَمْرَهَا .
وقال تعالى :{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } [المدثر/38-47]
كُلُّ نَفْسٍ مُرْتَهَنَةٌ بِعَمَلِهَا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ . إِلاَّ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ ، الذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَ أًَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الحِسَابِ فَيَتَنَاوَلُونَهَا بِأَيْمَانِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ فَكُّوا رَهْنَ أَنْفُسِهِمْ بِحُسْنِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا .وَيَكُونُ أَصْحَابُ اليَمِينِ هَؤُلاَءِ فِي الجَنَّاتِ يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ . وَيَسْأَلُونَ عَنِ المُجْرِمِينَ الذِينَ يَكُونُونَ فِي دَرَكَاتِ النَّارِ . ثُمَّ يَسْأَلُونَ المُجْرِمِينَ وَهُمْ فِي النَّارِ : مَا الذِي أَدْخَلَكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ؟
وَيَرُدُّ المُجْرِمُونَ عَلَى سُؤَالِ الأَبْرَارِ أَهْلِ الجَنَّاتِ قَائِلِينَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلَواتِ .وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِ اللهِ الفُقَرَاءِ ، وَلَمْ يَكُونُوا يُطْعِمُونَ المَسَاكِينَ .وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُشَارِكُونَ أَهْلَ البَاطِلِ فَيَخُوضُونَ مَعَهُمْ فِيمَا يَخُوضُونَ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ والاسْتِهْزَاءِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ . وَإِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يُؤْمِنُونَ بِحَشْرٍ وَلاَ نَشْرٍ وَلاَ بَعْثٍ وَلاَ حِسَابٍ ، وَلاَ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ . حَتَّى جَاءَهُمْ المَوْتُ ، وَرَجَعُوا إِلَى اللهِ فِي الآخِرَةِ ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ .
•الجحيم: قال تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ) {الحاقة:30-31}.
يقال لخزنة جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم، فاجمعوا يديه إلى عنقه بالأغلال، ثم أدخلوه الجحيم ليقاسي حرها
•الهاوية: قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ) {القارعة:8-11}.
وَأَمَّا مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ ، فَثَقُلَتْ كَفَّةُ أَعْمَالِهِ السَّيِئَةِ ، وَخَفَّتْ كَفَّةُ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ . فَإِنَّهُ يَأْوِي إِلَى مَهْوَاةٍ سَحِيقَةٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهَا كَمَا يَأْوِي الوَلَدُ إِلى أُمِّهِ .وَأَيُّ شَيءٍ يُدْرِيكَ وَيُعَرِّفُكَ بِمَا هِيَ تِلْكَ الهَاوِيَةُ؟
ـــــــــــــ(1/61)
المبحث السادس
أبواب النار
للنار سبعة أبواب يدخل أهلها منها, وذلك لكثرة أهلها, ولكلِّ باب ٍمن الأتباع الغواة قدر معلومٌ متميز عن غيره, قال تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ){الحجر:43-44}
وَإِنَّ جَهَنَّمَ هِيَ مَكَانُ اللّقَاءِ وَالاجْتِمَاعِ ( مَوْعِدُهُمْ ) لِجَمِيعِ مَنِ اتَّبَعُوا إِبْلِيسَ وَهِيَ مَقَرُّهُمْ وَبِئْسَ المِهَادُ .وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ ، وَقَدْ قَدَّرَ اللهُ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ هَذِهِ الأَبْوَابِ السَّبْعَةِ نَصِيباً مُعَيّناً مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ إِلَى جَهَنَّمَ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ .(1)
وعندما يرد الكفار النار تفتح أبوابها ، ثم يدخلونها خالدين فيها : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) [الزمر/71-72] ) ،
وهذه الأبواب تغلق على المجرمين فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) [البلد/19، 20])
أَمَّا الذِينَ كَفُروا بآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَهُمْ أَصْحَابُ الشَّمِالِ الذِينَ يُؤْتَوْنَ كِتَابَ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشِمَالِهِمْ ، وَهُمُ الذِينَ عَنَاهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ : { وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال فِي سَمُومٍ وَحَمِيم ٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ }
وَيدْخُلُونَ النَّار فتُوصدُ أَبْوَابُهَا عَلَيْهِمْ ، وَيْطبقْ عَلَيِهِمْ العَذابُ فَلا يَسْتَطِيعُونَ مِنْهُ فكاكاً .
قال ابن عباس: ( مؤصدة ) مغلقة الأبواب ، وقال مجاهد أصد الباب بلغة قريش أي أغلقه . وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أبواب النار تفتح وتغلق قبل يوم القيامة، فعن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ » .(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ »(3). - صفدت : قيدت
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَنَادَى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ"(4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِى أَوْ قَالَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - - »(5).
ويُفهم من هذا الحديث أن كلَّ بابٍ من هذه الأبواب لعملٍ من الأعمال السيئة, كما أنَّ كل ّبابٍ من أبواب الجنة الثمانية لعملٍ من الأعمال الصالحة.
فعن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : الْقَتْلَى ثَلاَثَةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُمْتَحَنُ ، فِي خَيْمَةِ اللهِ ، تَحْتَ عَرْشِهِ ، وَلاَ يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلاَّ بِفَضْلِ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى ، إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، فَتِلْكَ مَصْمَصَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا ، وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ ، فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ فِي النَّارِ ، إِنَّ السَّيْفَ لاَ يَمْحُو النِّفَاقَ"(6).
وقيل: الأبواب:الأطباق, طبقٌ فوق طبق. فعَنْ عَلِيّ , قَالَ : أَبْوَاب جَهَنَّم سَبْعَة بَعْضهَا فَوْق بَعْض , فَيَمْتَلِئ الْأَوَّل , ثُمَّ الثَّانِي , ثُمَّ الثَّالِث , ثُمَّ تَمْتَلِئ كُلّهَا(7).
وعَنْ هُبَيْرَة بْن مَرْيَم , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : إِنَّ أَبْوَاب جَهَنَّم بَعْضهَا فَوْق بَعْض , فَيُمْلَأ الْأَوَّل ثُمَّ الَّذِي يَلِيه , إِلَى آخِرهَا(8).
وعَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب } قَالَ : أَوَّلهَا جَهَنَّم , ثُمَّ لَظَى , ثُمَّ الْحُطَمَة , ثُمَّ السَّعِير , ثُمَّ سَقَر , ثُمَّ الْجَحِيم , ثُمَّ الْهَاوِيَة .(9)
ـــــــــــــ
__________
(1) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 536)
(2) - صحيح البخارى(3277 )
(3) - صحيح مسلم (2547 )
(4) - المستدرك للحاكم(1532) صحيح
(5) - سنن الترمذى(3414 ) فيه انقطاع وأوله صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 519)(4663) حسن
(7) - تفسير الطبري - (ج 16 / ص 93)(16016 ) حسن
(8) - المصدر السابق
(9) - تفسير الطبري - (ج 16 / ص 93)(16018 ) صحيح(1/62)
المبحث السابع
وقود النار
الأحجار والفجرة الكفار هم وقود النار، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) {التحريم:6}
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَاتَّقُوا مَعْصَيَتَهُ ، وَأمُرُوا أَهْلَكُمْ بِالذّكْرِ والتَّقْوَى ، وَعَلِّمُوهُمْ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيهِمْ ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، وَأمُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ لِتُنقِذُوهُمْ وَأَنْفُسَكُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، التِي يَكُونُ وَقُودُهَا النَّاسُ مِنَ الكَفَرَةِ ، وَالحِجَارَةُ ، وَتَقُومُ عَلَيهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ ، أَشِدَّاءُ َعَلَيهِمْ ، لاَ يُخَالِفُونَ رَبَّهُمْ فِي أَمْرٍ بِهِ ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ .
وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} {البقرة:24}
فَإِنْ لَم يَسْتَطِيعُوا هُمْ وِشُرَكَاؤهُمْ وَشُهَداؤهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ ( وَهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ أَبَداً مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ ) فَلْيَعْلَمُوا أَنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْ وَحيِ المُكَابِرِينَ المُعانِدِينَ المُكَذِّبينَ بِالحَقِّ ، وَفِيما يُبَلِّغُهُ عَنْ رَبِّهِ ، وَيَكُونُونَ هُمُ المُكَابِرِينَ المُعَانِدِينَ المُكَذِّبينَ بِالحَقِّ ، وَعَلَيهِمْ أَنْ يَخْشَوْا عَذَابَ اللهِ وَنَارَهُ التِي يَكُونُ النَّاسُ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ أَصْنَامٍ وَحِجَارَةٍ . . . مِنَ الوَقُودِ الذِي تَشْتَعِلُ بِهِ ، وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِتَعْذِيبِ الكَافِرِينَ الجَاحِدِينَ المُعَانِدِينَ .
ولا يخفى ما في هذا من التهويل إذ أنَّ هذه النار توقد بنفس ما يراد إحراقه بها.
والمراد بالناس هم الكفرة المشركون ، وأما الحجارة التي تكون وقودا للنار فالله أعلم بحقيقتها ،وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذه الحجارة من كبريت فعَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة } قَالَ : هِيَ حِجَارَة مِنْ كِبْرِيت خَلَقَهَا اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي السَّمَاء الدُّنْيَا يُعِدّهَا لِلْكَافِرِينَ.وعَنْ ابْن مَسْعُود فِي قَوْله : { وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة } قَالَ : حِجَارَة الْكِبْرِيت جَعَلَهَا اللَّه كَمَا شَاءَ .
وعَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم : { اتَّقُوا النَّار الَّتِي وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة } أَمَّا الْحِجَارَة فَهِيَ حِجَارَة فِي النَّار مِنْ كِبْرِيت أَسْوَد يُعَذَّبُونَ بِهِ مَعَ النَّار
وعَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله :{ وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة }قَالَ :حِجَارَة مِنْ كِبْرِيت أَسْوَد فِي النَّار .(1)
قال القرطبي: هي حجارة الكبريت الأسود- عن ابن مسعود والفرَّاء- وخصّت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمة أنواع ٍمن العذاب: سرعة الاتقاد, نتن الرائحة, كثرة الدخان, شدة الالتصاق بالأبدان, قوة حرِّها إذا حَمِيت"(2).
[وقيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الآية [الأنبياء: 98]، حكاه القرطبي وفخر الدين ورجحه على الأول؛ قال: لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمنكر فجعلها هذه الحجارة أولى، وهذا الذي قاله ليس بقوي،؛ وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك، ثم إن أخذ النار في هذه الحجارة -أيضا-مشاهد، وهذا الجص يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها. وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها، وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [الإسراء: 97]. وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمى ويشتد لهبها قال: ليكون ذلك أشد عذابًا لأهلها،(3)
فإن كان أمرا اجتهاديا مبنيا على العلم بطبائع الحجارة وخصائصها فهذا القول غير مسلم ، فإن من الحجارة ما يفوق الكبريت قوة واشتعالا . والأوائل رأوا أن حجارة الكبريت لها خصائص ليست لغيرها من الحجارة فقالوا أنها مادة وقود النار ، يقول ابن رجب ( وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار ، ويقال: إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها : سرعة الإيقاد ، ونتن الرائحة ، وكثرة الدخان ، وشدة الالتصاق بالأبدان ، وقوة حرها إذا حميت )(4).
وقد يوجد الله من أنواع الحجارة ما يفوق ما في الكبريت من خصائص . ومما توقد به النار الآلهة التي كانت تعبد من دون الله، قال تعالى : ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) [الأنبياء/98-100]) ،
أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي: وقودها وحطبها { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وأصنامكم.
والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: { لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا } وهذا كقوله تعالى: { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ } وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.
{ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } من شدة العذاب { وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ } صم بكم عمي، أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.
ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.
وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى }(5)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 1 / ص 189)(420 - 423) حسن صحيح
(2) - تفسير القرطبي (10/25)
(3) - تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 201) فما بعد
(4) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 101)
(5) - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 531)(1/63)
المبحث الثامن
في شدة حرها وزمهريرها
قال الله تعالى: ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) [الواقعة/41-44])
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ الذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ ، وَيَقِفُونَ فِي المَحْشَرِ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَمَا يُدْرِيكَ مَا يَكُونُ عَلَيهِ حَالُهُمْ؟
فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ يَنْفذُ مِنَ المَسَامِّ ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ مَاءٍ مُتَنَاهٍ فِي الحَرَارَةِ .وَيَكُونُ الظِّلُّ الذِي يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ دُخَانٍ حَارٍّ أَسْوَدَ .وَهَذَا الدُّخَانُ الأَسْوَدُ لَيسَ بِطَيِّبِ الهَوَاءِ ، وَلاَ بِبَارِدِهِ ، وَلاَبِحَسَنِهِ وَلاَ كَرِيمِهِ .
وقد تضمنت هذه الآية ذكر ما يتبرد به الناس في الدنيا من الكرب والحر وهو ثلاثة : الماء والهواء والظل، وذكرت الاية أن هذه لا تغني عن أهل النار شيئا ، فهواء جهنم : السموم وهو الريح الحارة الشديدة الحر ، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره ، وظلها اليحموم وهو قطع دخانها .
وذكر سبحانه هول النار في آية أخرى ، فقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) [القارعة/8-11]).
وَأَمَّا مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ ، فَثَقُلَتْ كَفَّةُ أَعْمَالِهِ السَّيِئَةِ ، وَخَفَّتْ كَفَّةُ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ . فَإِنَّهُ يَأْوِي إِلَى مَهْوَاةٍ سَحِيقَةٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهَا كَمَا يَأْوِي الوَلَدُ إِلى أُمِّهِ .
وَأَيُّ شَيءٍ يُدْرِيكَ وَيُعَرِّفُكَ بِمَا هِيَ تِلْكَ الهَاوِيَةُ؟
إِنَّهَا نَارٌ مُلْتَهِبَةٌ شَدِيدَةُ الحَرِّ ، يَهْوِي فِيهَا المُجْرِمُ الظَّالِمُ لِيَبْقَى فِيهَا خَالِداً ، جَزَاءً لَهُ عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ سَيِّئَاتٍ .
وأمَّا الظلُّ الذي اشارت إليه الآية ( وظل من يحموم ) ، هو ظل دخان النار ، والظل يشعر عادة بالنداوة والبرودة ، كما أن النفس تحبُّه وتستريح إليه ،
أما هذا الظل فإنه ليس بارد المدخل ولا بكريم المنظر ، إنه ظل من يحموم. وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الظل الذي هو دخان جهنم الذي يعلو النار ، فقال: ( اانْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) [المرسلات/30-33]) ،
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلِّ دُخَانِ نَارِ جَهَنَّمَ المُتَشَعِّبِ إِلَى ثَلاَثِ شُعَبٍ : شُعْبَةٍ عَنْ يَمِينِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ عَنْ شِمَالِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ . أَيْ إِنَّ الدُّخَانَ مُحِيطٌ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها . وَهَذَا الظِّلُّ لَيْسَ بِظَلِيلٍ ، أَيْ إِنَّهُ لاَ يُعْطِي ظِلاًّ يَقِي مِنْ حَرِّ ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهُمْ حَرَّ لَهَبِ جَهَنَّمَ ، الذِي هُمْ مُقِيمُونَ فِيهِ .
وَنَارُ جَهَنَّمَ ، التِي تُحْدِثُ هَذَا الظِّلَّ مِنَ الدُّخَانِ ، يَتَطَايَرُ مِنْهَا شَرَرٌ مُتَفَرِّقٌ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَأَنَّهُ القَصْرُ عِظَما وَارْتِفَاعاً .وَكَأَنَّهُ الجِمَالُ الصُّفْرُ لَوْناً وَكَثرَةً .وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ مَعْنَى ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) هُوَ حِبَالُ السُّفُنِ الغَلِيظَةِ .
فالآية تقسم هذا الدخان إلى ثلاثة أقسام . وأخبر الحق سبحانه عن قوة النار ومدى تأثيرها في المعذبين فقال : ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) [المدثر/26-29]) إنها تأكل شيء ، وتدمر كل شيء ، لا تبقي ولا تذر ، تحرق الجلود وتصل إلى العظام وتصهر ما في البطون، وتطلع على الأفئدة .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ». قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : نَارُكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ضُرِبَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لأَحَدٍ.(2)
وعن أبي هريرة ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " تَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ ، هِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ ، هِيَ جُزْءٌ مِنْ بَضْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا مِنْهَا ، أَوْ نَيِّفٌ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا "(3)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " هَذِهِ النَّارُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ "(4).
وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمان ، ومرور الأيام قال تعالى : { فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (30) سورة النبأ.
وقال تعالى :{ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (97) سورة الإسراء .
ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة ، ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (86) سورة البقرة، وقال تعالى :{خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } (162) سورة البقرة
والنار تسعرُ كل يوم كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِىُّ كُنْتُ وَأَنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِى فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ قَالَ « أَنَا نَبِىٌّ ». فَقُلْتُ وَمَا نَبِىٌّ قَالَ « أَرْسَلَنِى اللَّهُ ». فَقُلْتُ وَبِأَىِّ شَىْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ « أَرْسَلَنِى بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَىْءٌ ». وفيه :أَخْبِرْنِى عَنِ الصَّلاَةِ قَالَ « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَىْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّىَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ »(5)
وفي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ »(6).
وتسعر النار يوم القيامة عندما تستقبل أهلها ( وإذا الجحيم سعرت ) ، أي : أوقدت وأحميت
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا كَانَ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. وَذُكِرَ : أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ : نَفْسٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ.(7)
وقال تعالى: (وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَراًّ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) {التوبة:81}
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، إِغْرَاءً لَهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى المُنْكَرِ ، وَتَثْبِيطاً لِعَزَائِمِ الْمُؤْمِنِينَ : لاَ تَخْرُجُوا إِلَى الجِهَادِ فِي الحَرِّ . فَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ : إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ الَّتِي سَيَصِيرُونَ إِلَيْهَا ، هِيَ أَشَدُّ حَرّاً مِنْ قَيْظِ الصَّحْرَاءِ الذِي فَرُّوا مِنْهُ . وَلَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُدْرِكُونَ وَيَعْقِلُونَ لَمَا خَالَفُوا وَقَعَدُوا ، وَلَمَا فَرِحُوا بِقُعُودِهِمْ .
وعن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى كَعْبِ الأَحْبَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُحَدِّثُ ، فَجَاءَ عُمَرُ ، فَجَلَسَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ ، فَنَادَاهُ ، فَقَالَ : وَيْحُك يَا كَعْبُ ، خُوِّفْنَا ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ النَّارَ لَتُقَرَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ، حَتَّى إِذَا أُدْنِيَتْ وَقُرِّبَتْ ، زَفَرَتْ زَفْرَةً مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ ، وَلاَ صِدِّيقٍ ، وَلاَ شَهِيدٍ ، إِلاَّ وَجَثَا لِرُكْبَتَيْهِ سَاقِطًا ، حَتَّى يَقُولَ كُلُّ نَبِيٍّ ، وَكُلُّ صِدِّيقٍ ، وَكُلُّ شَهِيدٍ : اللَّهُمَّ لاَ أُكَلِّفُك الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِي ، وَلَوْ كَانَ لَكَ يَابْنَ الْخَطَّابِ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبِيًّا ، لَظَنَنْت أَنْ لاَ تَنْجُوَ ، قَالَ عُمَرُ : وَاللهِ إِنَّ الأَمْرَ لَشَدِيدٌ.(8)
وعن كعب قال : قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ : " يَا كَعْبُ خَوِّفْنَا " قَالَ : فَقُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوَلَيْسَ فِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَحِكْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ " قَالَ : " بَلَى ، وَلَكِنْ يَا كَعْبُ خَوِّفْنَا " قَالَ : قُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ لَوْ وَافَيْتَ الْقِيَامَةَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَازْدَرَأْتَ عَمَلَكَ مِمَّا تَرَى " قَالَ : فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَأَنْكَسَ وَنَكَّسَ قَالَ : ثُمَّ أَفَاقَ قَالَ : " زِدْنَا يَا كَعْبُ زِدْنَا " قَالَ : قُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَوْ فُتِحَ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْرُ مِنْخَرِ ثَوْرٍ بِالْمَشْرِقِ وَرَجُلٌ بِالْمَغْرِبِ لَغَلَا دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ حَرِّهَا " قَالَ : فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَنُكِّسَ قَالَ : ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : " زِدْنَا يَا كَعْبُ " قَالَ : قُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَتَزْفُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَفْرَةً مَا بَقِيَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُصْطَفًى إِلَّا عَلَى رُكْبَتَيْهِ " قَالَ : " وَيَقُولُ : رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي " قَالَ : عُمَرُ قَالَ : قُلْتُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوَلَيْسَ تَجِدُونَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ " قَالَ : " كَيْفَ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : " قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ "(9)
-مليا : وقتا طويلا -خر : سقط وهوى بسرعة - الجثو : الجلوس على الركبتين - أطرق : أمال رأسه إلى صدره وسكت فلم يتكلم
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةٌ أَوْ يَزِيدُونَ ، وَفِيهِ رَجُلٌ مِنَ النَّارِ ، فَتَنَفَّسَ ، فَأَصَابَ نَفَسُهُ ، لاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ وَمَنْ فِيهِ"(10)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِىَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. فَإِذَا هِىَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا »(11).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا "(12)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ». قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا »(13).
وعَنِ أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِى الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ »(14).
وعن ابن مسعود قال: الزمهرير: لون من العذاب(15), وعن عكرمة قال:هو البرد الشديد. وعن ابن عباس ٍقال: يستغيثُ أهل النار من الحرِّ, فيغاثون بريحٍ باردةٍ,يصدع العظامَ بردُها,فيسألون الحرَّ(16).
وقال تعالى: (لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً* إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً) {النبأ:24-25}
وَلاَ يَذُوِقُ المُجْرِمُونَ فِي جَهَنَّمَ بَرْداً يُبَرِّدُ حَرَّ السَّعِيرِ ، وَلاَ شَرَاباً يَرْويهِمْ مِنَ العَطَشِ . وَلاَ يَذُوقُونَ فِي النَّارِ إِلاَّ الحَمِيمَ ( وَهُوَ المَاءُ المُتَناهِي فِي الحَرَارَةِ ) ، والغَسَّاقَ ( وَهُوَ القَيْحُ والصَّدِيدُ المُنْتِنُ والعَرَقُ الذِي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ ) .
فاستثنى الله تعالى من البرد :الغسَّاق وهو صديد أهل النار وقَيْحُهم, واستثنى من الشراب:الحميم وهو الماء الحار الذي بلغ النهاية في الحرِّ, نسأل الله السلامة.
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(7344 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 504)(7463) صحيح
(3) - البعث والنشور للبيهقي (484 ) حسن
(4) - مسند أحمد(9158) صحيح
(5) - صحيح مسلم ( 1967 )
(6) - صحيح البخارى(536 ) ومسلم (1426)
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 377)(1510) صحيح
(8) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 154)(35265) صحيح مقطوع
(9) - الزهد لأحمد بن حنبل (647 ) حسن مقطوع
(10) - مسند أبي يعلى الموصلي (6670) حسن
(11) - سنن الترمذى(2758 ) صحيح
(12) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 39)(10276) حسن
(13) - صحيح مسلم (7344)
(14) - صحيح البخارى(3260 ) ومسلم (1432 )
(15) - جزء يحيى بن معين (125 ) حسن
(16) - صفة النار لابن أبي الدنيا (153) حسن(1/64)
المبحث التاسع
ملائكة النار وزبانيتها
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم .
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَاتَّقُوا مَعْصَيَتَهُ ، وَأمُرُوا أَهْلَكُمْ بِالذّكْرِ والتَّقْوَى ، وَعَلِّمُوهُمْ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيهِمْ ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، وَأمُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ لِتُنقِذُوهُمْ وَأَنْفُسَكُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، التِي يَكُونُ وَقُودُهَا النَّاسُ مِنَ الكَفَرَةِ ، وَالحِجَارَةُ ، وَتَقُومُ عَلَيهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ ، أَشِدَّاءُ َعَلَيهِمْ ، لاَ يُخَالِفُونَ رَبَّهُمْ فِي أَمْرٍ بِهِ ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ .
أي: على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها, وتعذيب أهلها, غلاظ ٌعلى أهل النار, شدادٌ عليهم إذا استرحموهم,لأنَّ الله عزَّ وجلَّ خلقهم من غضبه وحبَّب إليهم تعذيب خلقه.
وقيل: المراد:غلاظ القلوب,شداد الأبدان, وقيل: الغلاظ :ضخام الأجسام, والشداد: الأقوياء. وليس في قلوبهم رحمة,إنَّما خُلقوا للعذاب.
وقال تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) {العلق:17-18} قال أبو هريرة: الزبانية: الملائكة, وقال عطاء: هم الملائكة الغلاظ الشداد.
وخرَّج ابن أبي حاتم- بإسناده- عن المنهال بن عمرو قال: إذا قال الله تعالى (خُذُوهُ فَغُلُّوه) {الحاقة:30} ابتدره سبعون ألف مَلَك, وإنَّ الملك منهم ليقول هكذا- يعني: يفتح يديه- فيلقي سبعين ألفًا في النار.(1)
وكبير خزنة جهنم ورئيسهم هو مالك,كما في قول الله تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) {الزخرف:77}
وَحِينَمَا يَشْتَدُّ العَذَابُ بِالمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ يَضجُّونَ فِي النَّارِ ، وَيُنَادُونَ : يَا مَالِكُ ( وَهُوَ خَازِنُ النَّارِ ) ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا لِيُرِيحَنا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ . فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَالِكٌ قَائِلاً لَهُمْ : إِنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ أَبَداً ، وَلاَ مَجَالَ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى خُرُوجِهِمْ مِنْهَا .
وقد رآه - صلى الله عليه وسلم - في المنام ، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » . قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا ، فَقَالَ « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا » . قُلْنَا لاَ . قَالَ « لَكِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَأَخَذَا بِيَدِى ، فَأَخْرَجَانِى إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ - قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ - يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى شِدْقِهِ ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ . قُلْتُ مَا هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ ، قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا ، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِى فِى النَّهَرِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِى فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِى فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ . فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِى فِى الشَّجَرَةِ ، وَأَدْخَلاَنِى دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ . قُلْتُ طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ . قَالاَ نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَالَّذِى رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا . وَالشَّيْخُ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ ، وَالَّذِى يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ . وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِى دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا فَوْقِى مِثْلُ السَّحَابِ . قَالاَ ذَاكَ مَنْزِلُكَ . قُلْتُ دَعَانِى أَدْخُلْ مَنْزِلِى . قَالاَ إِنَّهُ بَقِىَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ »(2).
تدهده : تدحرج -يشدخ : يكسر -الشدق : جانب الفم
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَقُولُ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْ رُؤْيَا ؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُمَا ، قَالاَ لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ ، فَتُدَهْدِهَهُ الصَّخْرَةُ هَا هُنَا ، فَيَقُومُ إِلَى الْحَجَرِ فَيَأْخُذُهُ فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ أَحْسِبُهُ ، قَالَ : حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، فَإِذَا هُوَ يَأْتِيَ أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمِنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ الْجَانِبُ الأَوَّلُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ، مَا هَذَانِ ؟ قَالاَ : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، قَالَ عَوْفٌ : أَحْسِبُ أَنَّهُ ، قَالَ : فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا بِنَهْرٍ لَهِيبٍ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ تَضَوْضَوْا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ ، قَالَ : أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عِنْدَ شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي جَمَعَ الْحِجَارَةَ ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآهُ ، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ نَارٍ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَذَا ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ قَائِمٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ ، وأَرَى حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ وَأَحْسَنَهُ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَأَتَيْنَا دَوْحَةً عَظِيمَةً لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ ، قَالاَ لِي : ارْقَ فِيهَا ، قَالَ : فَارْتَقَيْنَا فِيهَا ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَفْتَحْنَا ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَقُلْنَا : مَا مِنْهَا رِجَالٌ ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، قَالَ : قَالاَ لَهُمُ : اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ ، فَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، وَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، قَالَ : قَالاَ : لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ ، قَالَ : فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا ، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ ، قَالَ : قَالاَ لِي : هَذَاكَ مَنْزِلُكَ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ، ذَرَانِي أَدْخُلْهُ ، قَالَ : قَالاَ لِي : أَمَّا الآنَ فَلاَ ، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ ، قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا ، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ ؟ قَالَ : قَالاَ لِي : أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ.
أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ فَتَبْلُغُ الآفَاقَ.
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ ، فَيَلْتَقِمُ الْحِجَارَةَ ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
قَالَ : فقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ ، فَهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ.(3)
ورآه-أيضًا- ليلة المعراج. قال: ثم انحدر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: "ما لي لم آت على سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إليّ، غير رجل واحد، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فرحب بي ولم يضحك إليّ. قال: يا محمد، ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك".(4)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 216) صحيح مقطوع
(2) - صحيح البخارى(1386 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 427)(655) صحيح
(4) - تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 14) ضعيف(1/65)
المبحث العاشر
في ظلمتها وسوادها وشررها
عن ابن مسعود ، : {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} (32) سورة المرسلات: أما إني لست أقول كالشجر ، ولكن كالحصون والمدائن "(1)
وعَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ : النَّارُ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ، لاَ يُضِيءُ جَمْرُهَا ، وَلاَ يَطْفَأُ لَهَبُهَا ، ثُمَّ قَرَأَ : { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } (22) سورة الحج(2)
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ - رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُنْشِئُ اللَّهُ - [ عَزَّ وَجَلَّ ] - سَحَابَةً لِأَهْلِ النَّارِ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، أَيَّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَ ؟ فَيَذْكُرُونَ بِهَا سَحَابَةَ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا ، الشَّرَابَ . فَيُمْطِرُهُمْ أَغْلَالًا [ تَزِيدُ فِي أَغْلَالِهِمْ ] ، وَسَلَاسِلَ فِي سَلَاسِلِهِمْ ، وَجَمْرًا يُلْهِبُ عَلَيْهِمْ "(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِىَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ».(4)
ـــــــــــــ
__________
(1) - البعث والنشور للبيهقي(506 ) حسن
(2) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 152)(35257) والبعث والنشور للبيهقي(561 ) حسن
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(4253 ) ضعيف
(4) - سنن الترمذى (2794و2795) صحيح ورجح وقفه ، ولكن مثله لا يقال بالرأي(1/66)
المبحث الحادي عشر
في أوديتها وجبالها
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ ، وَالصَّعُودُ جَبَلٌ فِي النَّارِ فَيَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، ثُمَّ يَهْوِي وَهُوَ كَذَلِكَ "(1)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَيَهْوِى فِيهِ كَذَلِكَ مِنْهُ أَبَدًا »(2).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي بِهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا.(3)
وعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ أَنَّ حَجَرًا يُقْذَفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ هَوَى سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا.(4)
وعن أبي سعيد الخدري ، {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (1) سورة الهمزة ، قال : الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ(5)
الخَرِيف : الزَّمَانُ المَعْرُوفُ من فصول السَّنّة ما بين الصَّيف والشتاء ويطلق على العام كله
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (17) سورة المدثر ، قَالَ : " جَبَلٌ مِنْ نَارٍ فِي النَّارِ ، يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ ، فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ ، وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ "(6).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: 59]، قَالَ:"نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"الْغَيُّ نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ يُقْذَفُ فِيهِ الَّذِينَ اتَّبِعُوا الشَّهَوَاتِ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: 59]، قَالَ:"وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: 59]، قَالَ:"نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ وَوَادٍ فِي جَهَنَّمَ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: 59]، قَالَ:"وَادٍ فِي جَهَنَّمَ بَعِيدُ الْقَعْرِ، خَبِيثُ الْمَطْعَمِ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: 59]، قَالَ:"نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: غَيٌّ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ".(7)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحُزْنِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا جُبُّ الْحُزْنِ قَالَ « وَادٍ فِى جَهَنَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَدْخُلُهُ قَالَ « أُعِدَّ لِلْقُرَّاءِ الْمُرَائِينَ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْقُرَّاءِ إِلَى اللَّهِ الَّذِينَ يَزُورُونَ الأُمَرَاءَ ».(8)
وعن علي ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحُزْنِ ، أَوْ وَادِي الْحُزْنِ " ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا جُبُّ الْحُزْنِ ، أَوْ وَادِي الْحُزْنِ ؟ قَالَ : " وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا ، أَعَدَّهُ اللَّهُ الْمُرَائِينَ "(9)- القراء : من يجيدون قراءة القرآن وحفظه
وعن علي ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحُزْنِ - أَوْ الْحُزْنِ - قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا جُبُّ الْحُزْنِ ؟ قَالَ : " جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةٍ ، أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقُرَّاءِ ، وَإِنَّ مِنْ شِرَارَ مَنْ يَزُورُ الْأُمَرَاءَ "(10)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ:إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِ يَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَ مِائَةِ مَرَّةٍ , أُعِدَّ ذَلِكَ الْوَادِي لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - : لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ , وَلِلْمُصَّدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ , وَلِلْحُجَّاجِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ , وَلِلْخَارِجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.(11)
وعن شفي الأصبحي قال : « إن في جهنم جبلا يدعى صعودا ، يطلع فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يرقاه قال الله عز وجل : {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (17) سورة المدثر، قال : وإن في جهنم قصرا يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفا قبل أن يبلغ أصله ، قال الله : {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (81) سورة طه ، وإن في جهنم واديا يدعى أثاما ، فيه حيات وعقارب ، في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة سم ، والعقرب منهن مثل البغلة المؤكفة ، تلدغ الرجل فلا تلهيه عما يجد من حر جهنم حموة لدغتها فهو لما خلق له ، وإن في جهنم سبعين داء لأهلها ، كل داء مثل جزء من أجزاء جهنم ، وإن في جهنم واديا يدعى غيا يسيل قيحا ودما ، فهو لما خلق له ، قال الله : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم»(12)
- الخَرِيف : الزَّمَانُ المَعْرُوفُ من فصول السَّنّة ما بين الصَّيف والشتاء ويطلق على العام كله
وعن أبي سلام ، قال : حدثني الحجاج بن عبد الله الثمالي - وَكَانَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَجَّ مَعَهُ حِجَّةَ الْوَدَاعِ - أَنَّ حَدَّثَهُ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقُدَمَائِهِمْ - : " أَنَّ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ فِي كُلِّ وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ، فِي كُلِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِقٍّ ، فِي كُلِّ شِقٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ ثُعْبَانٍ ، فِي شِدْقِ كُلِّ ثُعْبَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ عَقْرَبٍ ، لَا يَنْتَهِي الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ حَتَّى يُوَاقِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ "(13)
الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
وعن عطاء بن يسار ، قال : « إن في النار سبعين ألف واد ، في كل واد سبعون ألف شعب ، في كل شعب سبعون ألف جحر ، في كل جحر حية تأكل وجوه أهل النار »(14)
وعَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : إِنَّ لِجَهَنَّم جِبَابًا فِيهَا حَيَّات أَمْثَال الْبُخْت وَعَقَارِب أَمْثَال الْبِغَال الدُّهْم , يَسْتَغِيث أَهْل النَّار إِلَى تِلْكَ الْجِبَاب أَوْ السَّاحِل , فَتَثِب إِلَيْهِمْ فَتَأْخُذ بِشِفَاهِهِمْ وَشِفَارهمْ إِلَى أَقْدَامهمْ , فَيَسْتَغِيثُونَ مِنْهَا إِلَى النَّار , فَيَقُولُونَ : النَّار النَّار ! فَتَتْبَعهُمْ حَتَّى تَجِد حَرّهَا فَتَرْجِع , قَالَ : وَهِيَ فِي أَسْرَاب .(15)
ـــــــــــــ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3873) حسن
(2) - سنن الترمذى(2777 ) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 508)( 7467) حسن
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 509)(7468) صحيح
(5) - البعث والنشور للبيهقي (448 ) حسن
(6) - المعجم الأوسط للطبراني(5731 ) ضعيف
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 154)(9008-9015 ) حسن
(8) - سنن ابن ماجه(265 ) ضعيف
(9) - البعث والنشور للبيهقي(464) حسن
(10) - الدعاء للطبراني -العلمية - (ج 1 / ص 411)( 1390 ) حسن
(11) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 319)(12632 ) فيه جهالة
(12) - الزهد والرقائق لابن المبارك (1950 ) حسن مرسل
(13) - صفة النار لابن أبي الدنيا(98 ) ضعيف
(14) - صفة النار لابن أبي الدنيا (46) فسه ضعف
(15) - تفسير الطبري - (ج 16 / ص 381)(16492 ) صحيح(1/67)
المبحث الثاني عشر
سعة النار وبعد قعرها
النار شاسعة واسعة ، بعيد قعرها ، مترامية أطرافها ، يدلنا على هذا أمور :
الأول : الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى ، ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكون ضرسه في النار مثل جبل أحد ، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام ، ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم ، ويبقى فيها متسع لغيرهم، وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة فقال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (30) سورة ق.
هَلِ امْتلأت بِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ أفْوَاجِ الكُفَّارِ والمُجْرِمِينَ وَالعُصَاةِ؟ وَتَرُدُّ جَهَنَّمُ قَائِلَةً : وَهَلْ بقِيَ شَيءٌ تَزِيدُونَنِي بِهِ مِنْ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ .
إن النار مثل الطاحونة التي ينحدر إليها ألوف وألوف من أطنان الحبوب فتدور بذلك كله لا تكلُّ ولا تملُّ ، وينتهي الحبُّ والطاحونة تدور انتظارا للمزيد .
وقد جاء في حديث احتجاج الجنة والنار عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ . وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِى لاَ يَدْخُلُنِى إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى . وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى . وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا ، فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطٍ قَطٍ . فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا » رواه البخاري ومسلم.(1)
وعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُلْقَى فِى النَّارِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ . حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطِ قَطِ »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ « يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطِ قَطِ »(3).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يُلْقَى فِي النَّارِ فَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ قَدَمَهُ فِيهَا ، فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ.(4)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هَذَا الْخَبَرُ مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِي أُطْلِقَتْ بِتَمْثِيلِ الْمُجَاوَرَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الْأُمَمِ وَالأَمْكِنَةِ الَّتِي عُصِيَ اللَّهُ عَلَيْهَا ، فَلاَ تَزَالُ تَسْتَزِيدُ حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ مَوْضِعًا مِنَ الْكُفَّارِ وَالأَمْكِنَةِ فِي النَّارِ ، فَتَمْتَلِئُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ ، تُرِيدُ : حَسْبِي حَسْبِي ، لأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ فِي لُغَتِهَا اسْمَ الْقَدَمِ عَلَى الْمَوْضِعِ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : {لَهُمْ قَدَمُ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس : ] ، يُرِيدُ : مَوْضِعَ صِدْقٍ ، لاَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يَضَعُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ.(5)
وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ . حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ فَيَنْزَوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ تَقُولُ قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ . وَلاَ تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ » .(6)
الثاني : يدلُّ على بعد قعرها أيضا أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « تَدْرُونَ مَا هَذَا ». قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِى النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ».(7)-الوجبة : صوت وقع القدم على الأرض
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتًا هَالَهُ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ ؟ " . فَقَالَ : هَذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مِنْ سَبْعِينَ عَامًا ، فَهَذَا حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا ، فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ أُسْمِعَكَ صَوْتَهَا . فَمَا رُؤِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَاحِكًا مِلْءَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ(8). - الشفير : الحرف والجانب والناحية
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ أَنَّ حَجَرًا مِثْلَ سَبْعِ خَلِفَاتٍ أُلْقِيَ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ أَهوَى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا ، لاَ يَبْلُغُ قَعْرَهَا.(9)
وعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ صَبَّهَا أَحَدُكُمْ ، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا ، فَانْتَقِلُوا مَا بِحَضْرَتِكُمْ - يُرِيدُ مِنَ الْخَيْرِ - فَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ ، فَمَا يَبْلُغُ لَهَا قَعْرًا سَبْعِينَ عَامًا ، وَايْمُ اللهِ لَتُمْلَأَنَّ ، أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ عَامًا ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ مِنْهُ أَشْدَاقُنَا ، وَلَقَدِ الْتَقَطْتُ بُرْدَةً ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا ، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا مَا مِنَّا أَحَدٌ الْيَوْمَ حَيٌّ إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ عَظِيمًا فِي نَفْسِي صَغِيرًا عِنْدَ اللهِ ، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلاَّ تَنَاسَخَتْ حَتَّى تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكًا سَتُبْلُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا..(10)
الصبابة : البقية اليسيرة من الشراب تبقى أسفل الإناء -الكظيظ : الممتلئ المزحوم
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِى فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا وَمَا تُفْضِى إِلَى قَرَارِهَا ». قَالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ.(11)
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ أَنَّ حَجَرًا يُقْذَفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ هَوَى سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا. "(12)
وعَنْ لُقْمَانَ بن عَامِرٍ، قَالَ: جِئْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، فَقُلْتُ حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَوْ أَنَّ صَخْرَةً وَزَنَتْ عَشْرَ خَلِفَاتٍ، قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى غَيٍّ، وَأَثَامٍ"، قِيلَ: وَمَا غَيٌّ، وَأَثَامٌ؟ قَالَ:"بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ مِنْهُمْا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ"وَهُمْا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ "أَضَاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا" [مريم: 59].(13)-الخلفات جمع خلفة وهي الناقة الحامل
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ قَدْرَ مَا بَيْنَ شَفِيرِ النَّارِ وَقَعْرِهَا ، كَصَخْرَةٍ زِنَتُهَا سَبْعَ خَلِفَاتٍ بِشُحُومِهِنَّ ، وَلُحُومِهِنَّ ، وَأَوْلادِهِنَّ ، تَهْوِي فِيمَا بَيْنَ شَفِيرِ النَّارِ وَقَعْرِهَا ، إِلَى أَنْ تَقَعَ قَعْرَهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا"(14)
- الشفير : الحرف والجانب والناحية - الخلفة : الناقة الحامل العشراء - الشفة : الحرف أو الجانب
وعن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لسُرادِقُ النَّارِ أربَعَةُ جُدُرٍ ، كِثَفُ كُلِّ جدَارٍ مَسيرَةٌ أربعينَ سنَةً »(15)--السرادق : كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء أو خيمة - الجدر : الحوائط - كثف : غلظ
الثالث: كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة ، فقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجيئ النار يوم القيامة ، الذي يقول الله فيه : {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (23) سورة الفجر ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ».(16)
ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى
الرابع : قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّار"(17)
فتأمل رعاك الله حال مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر كيف يكونان كثورين مكورين في النار
وأما عن سعة جهنم طولاً وعرضاً فعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَدْرِى مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ قُلْتُ لاَ. قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِى. حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ){الزمر:67} قَالَتْ قُلْتُ فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ »(18).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (4850 ) ومسلم (7351 )
(2) - صحيح البخارى (4848 )
(3) - صحيح البخارى (4849 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 501)(268) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 502)
(6) - صحيح البخارى(7384 ) وصحيح مسلم(7358 )
هَذَا الْحَدِيث مِنْ مَشَاهِير أَحَادِيث الصِّفَات ، وَقَدْ سَبَقَ مَرَّات بَيَان اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِيهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ :
أَحَدهمَا : وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف وَطَائِفَة مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ : أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّم فِي تَأْوِيلهَا بَلْ نُؤْمِن أَنَّهَا حَقّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّه ، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيق بِهَا ، وَظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد .
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّل بِحَسَبِ مَا يَلِيق بِهَا ، فَعَلَى هَذَا اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث ، فَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّم ، وَهُوَ شَائِع فِي اللُّغَة وَمَعْنَاهُ : حَتَّى يَضَع اللَّه تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمه لَهَا مِنْ أَهْل الْعَذَاب ، قَالَ الْمَازِرِيّ وَالْقَاضِي : هَذَا تَأْوِيل النَّضْر بْن شُمَيْلٍ ، وَنَحْوه عَنِ اِبْن الْأَعْرَابِيّ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَاد قَدَم بَعْض الْمَخْلُوقِينَ ، فَيَعُود الضَّمِير فِي قَدَمه إِلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوق الْمَعْلُوم .
الثَّالِث : أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَات مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَة ، وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ( يَضَع اللَّه فِيهَا رِجْله ) فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَام أَبُو بَكْر بْن فَوْرك أَنَّهَا غَيْر ثَابِتَة عِنْد أَهْل النَّقْل ، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِم وَغَيْره فَهِيَ صَحِيحَة وَتَأْوِيلهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَم ، وَيَجُوز أَيْضًا أَنْ يُرَاد بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَة مِنَ النَّاس ، كَمَا يُقَال : رِجْل مِنْ جَرَاد ، أَيْ : قِطْعَة مِنْهُ ، قَالَ الْقَاضِي : أَظْهَر التَّأْوِيلَات أَنَّهُمْ قَوْم اِسْتَحَقُّوهَا ، وَخُلِقُوا لَهَا ، قَالُوا : وَلَا بُدّ مِنْ صَرْفه عَنْ ظَاهِره ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيل الْقَطْعِيّ الْعَقْلِيّ عَلَى اِسْتِحَالَة الْجَارِحَة عَلَى اللَّه تَعَالَى . شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 230)
(7) - صحيح مسلم(7346 )
(8) - المعجم الأوسط للطبراني(827 ) ضعيف
(9) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 161)(35284) حسن لغيره
(10) - مسند أحمد (18041) و صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 60)(7121) صحيح
(11) - سنن الترمذى(2776 ) وصحيح الجامع ( 1662) والصحيحة ( 1611) صحيح لغيره
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 509)(7468) حسن
(13) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 193)(7633 ) ضعيف وصوبوا وقفه
(14) - المستدرك للحاكم(8767) حسن
(15) - صفة النار لابن أبي الدنيا (6 ) حسن
(16) - صحيح مسلم (7343 )
(17) - مسند أبي يعلى الموصلي(4116) ومسند البزار(8696) ومشكل الآثار للطحاوي (160 ) صحيح لغيره
ليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن البعض أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما ، كلا فإن الله عز و جل لا يعذب من أطاعه من خلقه ومن ذلك الشمس والقمر كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء*} (18) سورة الحج.
فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا ، كما قال الطحاوي ، وعليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين :
الأول : أنهما من وقود النار ،قال الإسماعيلي : " لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما ، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب ، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة " .
والثاني : أنهما يلقيان فيها تبكيتا لعبادهما . قال الخطابي :" ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك ، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا " .
قلت : وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى -
كما في " الفتح " ( 6 / 214 ) : " ليراهما من عبدهما " . و لم أرها في " مسنده " والله تعالى أعلم . وانظر السلسلة الصحيحة - (ج 1 / ص 123) (124)
(18) - سنن الترمذى(3549 ) صحيح(1/68)
المبحث الثالث عشر
دركات النار
النار متفاوتة في شدة حرها ، وما أعده الله من العذاب لأهلها ، قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (145) سورة النساء . والعرب تطلق ( الدرك ) على كل ما تسافل ، كما تطلق ( الدرج ) على كل ما تعالى، فيقال للجنة درجات وللنار دركات، وكلما ذهبت النار سفلا كلما علا حرها واشتد لهيبها ، والمنافقون لهم النصيب الأوفر من العذاب لذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار .
وقد تسمَّى النار درجات أيضا ، ففي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار ثم قال : {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (132) سورة الأنعام.
وقال تعالى : ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) [آل عمران/162-163].) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( درجات الجنة تذهب علوا ، ودرجات النار تذهب سفلا )(1)
ـــــــــــــ
__________
(1) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 50)(1/69)
المبحث الرابع عشر
في سلاسلها وغير ذلك
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى رضي الله عنهما ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ أَنَّ رُصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَهِىَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَصَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا »(1).
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ - رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُنْشِئُ اللَّهُ - [ عَزَّ وَجَلَّ ] - سَحَابَةً لِأَهْلِ النَّارِ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ ، أَيَّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَ ؟ فَيَذْكُرُونَ بِهَا سَحَابَةَ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا ، الشَّرَابَ . فَيُمْطِرُهُمْ أَغْلَالًا [ تَزِيدُ فِي أَغْلَالِهِمْ ] ، وَسَلَاسِلَ فِي سَلَاسِلِهِمْ ، وَجَمْرًا يُلْهِبُ عَلَيْهِمْ "(2).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَوْ أَنَّ مِقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلانِ ، مَا أَقَلُّوهُ مِنَ الأَرْضِ"(3)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ،رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لو أن مقمعًا من حديد، لَوْ ضُرِبَ الْجَبَلُ بِقَمْعٍ مِنْ حَدِيدٍ، لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ كَمَا كَانَ وَلَوْ أَنَّ دَلْواً مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِى الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا »(4)
الغساق : ما يسيل من صديد أهل النار وقيل ما يسيل من دموعهم وقيل الزمهرير
المقمع المطرق وقيل السوط
وعن عبد الله بن مسعود ، قال : « إن الحجارة التي سمى الله تعالى في القرآن { فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) سورة البقرة ، حجارة من كبريت ، خلقها الله عنده عز وجل كيف شاء أو كما شاء »(5)
ـــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(2791) حسن
(2) - المعجم الأوسط للطبراني (4253) فيه ضعف
(3) - المستدرك للحاكم (8773) حسن
(4) - غاية المقصد فى زوائد المسند (5087 ) ومسند أحمد(12106) حسن
(5) - البعث والنشور للبيهقي (486) صحيح(1/70)
المبحث الخامس عشر
في ذكر حياتها وعقاربها
عَنْ دَرَّاجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِىَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ فِى النَّارِ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ أعْنَاقِ الْبُخْتِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفاً وَإِنَّ فِى النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً »(1).
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين -الموكفة : المحملة
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ فِي النَّارِ لَحَيَّاتٍ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ تَلْسَعُ أَحَدَهُمُ اللَّسْعَةَ ، فَيَجِدُ حُمُوَّتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.(2)
وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : إِنَّ لِجَهَنَّمَ جِبَابًا ، فِيهَا حَيَّاتٌ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ ، وَعَقَارِبَ كَالْبِغَالِ الدُّلْمِ ، قَالَ : فَيَهْرُبُ أَهْل جَهَنَّمُ إِلَى تِلْكَ الْجِبَاب : قَالَ : فَتَأْخُذ تِلْكَ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ بِشِفَاهِهِمْ فَتَنْشِطُ مَا بَيْنَ الشَّفْرِ إِلَى الظُّفْرِ ، قَالَ : فَمَا يُنَجِّيهِم إِلاَ هَرَبٌ إِلَى النَّارِ.(3)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : إِذَا قُتِلَ الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَوَّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَمِهِ يُكَفِّرُ اللَّهُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا ، ثُمَّ يُرْسِلُ لَهُ اللَّهُ بِرَيْطَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَتُقْبَضُ فِيهَا نَفْسُهُ وَيُجَسَّدُ مِنَ الْجَنَّةِ حَتَّى تُرَكَّبَ فِيهِ رُوحُهُ ثُمَّ يُعَرِّجُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ الرَّحْمَنُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ تَسْجُدُ الْمَلَائِكَةُ بَعْدَهُ ، ثُمَّ يُغْفَرُ لَهُ وَيُطَهَّرُ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الشُّهَدَاءِ فَيَجِدُهُمْ فِي رِيَاضٍ خُضْرٍ وَثِيَابٍ مِنْ حَرِيرٍ عِنْدَهُمْ ثَوْرٌ وَحُوتٌ يُلَغِثَانِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ لَمْ يُلْغَثَاهُ بِالْأَمْسِ يَظَلُّ الْحُوتُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ مَنْ كُلِّ رَائِحَةٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَإِذَا أَمْسَى وَكَزَهُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ فَذَكَاهُ فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ فَوَجَدُوا فِي طَعْمِ لَحْمِهِ كُلَّ رَائِحَةٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَيَلْبَثُ الثَّوْرُ نَافِشًا فِي الْجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَصْبَحَ عَدَا عَلَيْهِ الْحُوتُ فَذَكَاهُ بِذَنَبِهِ فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ فَوَجَدُوا فِي طَعْمِ لَحْمِهِ كُلَّ ثَمَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ ، يَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ يَدْعُونَ اللَّهَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ فَإِذَا تَوَفَّى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ بِخِرْقَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَرَيْحَانٍ مِنْ رَيْحَانِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، اخْرُجِي فَنِعْمَ مَا قَدَّمْتِ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رَائِحَةِ مِسْكٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ بِأَنْفِهِ وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ يَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ جَاءَ مِنَ الْأَرْضِ الْيَوْمَ رُوحٌ طَيِّبَةٌ فَلَا يَمُرُّ بِبَابٍ إِلَّا فَتَحَ لَهُ وَلَا مَلَكٍ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ وَيَشْفَعُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَتَسْجُدُ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَهُ ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا هَذَا عَبْدُكَ فُلَانٌ تَوَفَّيْنَاهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ فَيَقُولُ : مُرُوهُ بِالسُّجُودِ فَيَسْجُدُ النَّسَمَةُ ثُمَّ يُدْعَى مِيكَائِيلُ فَيُقَالُ : اجْعَلْ هَذِهِ النَّسَمَةَ مَعَ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُؤْمَرُ بِجَسَدِهِ فَيُوَسِّعُ لَهُ ، طُولُهُ سَبْعُونَ وَعَرْضُهُ سَبْعُونَ وَيَنْبِذُ فِيهِ الرَّيْحَانَ وَيَبْسُطُ لَهُ الْحَرِيرَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ نَوَّرَهُ وَإِلَّا جُعِلَ لَهُ نُورًا مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى مَقْعَدِهِ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا . وَإِذَا تَوَفَّى اللَّهُ الْعَبْدَ الْكَافِرَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِقِطْعَةٍ بِجَادٍ أَنْتَنُ مِنْ كُلِّ نَتَنٍ وَأَخْشَنُ مَنْ كُلِّ خَشِنٍ فَقَالَ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى جَهَنَّمَ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ وَرَبٍّ عَلَيْكِ سَاخِطٍ ، اخْرُجِي فَسَاءَ مَا قَدَّمْتِ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ جِيفَةٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ بِأَنْفِهِ قَطُّ ، وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ يَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ جَاءَ مِنَ الْأَرْضِ جِيفَةٌ وَنَسَمَةٌ خَبِيثَةٌ لَا يُفْتَحُ لَهُ بَابُ السَّمَاءِ فَيُؤْمَرُ بِجَسَدِهِ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ وَيُمْلَأُ حَيَّاتٌ مِثْلُ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ تَأْكُلُ لَحْمَهُ فَلَا يَدَعَنَّ مِنْ عِظَامِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ يُرْسَلُ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ صُمٌّ عُمْيٌ مَعَهُمْ فَطَاطِيسُ مِنْ حَدِيدٍ لَا يُبْصِرُونَهُ فَيَرْحَمُونَهُ وَلَا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَيَرْحَمُونَهُ فَيَضْرِبُونَهُ وَيَخْبِطُونَهُ ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ نَارٍ فَيَنْظُرُ إِلَى مَقْعَدِهِ مِنَ النَّارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِلُ إِلَى مَا وَرَاءَهُ مِنَ النَّارِ .(4)
وعن يزيد بن شجرة قال : كَانَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ رَجُلًا مِنْ رَهَاءَ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْجُيُوشِ ، فَخَطَبَنَا يَوْمًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مَا أَحْسَنَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، لَوْ تَرَوْنَ مَا أَرَى مِنْ بَيْنِ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ ، وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، وَفِي الرِّجَالِ مَا فِيهَا أَنَّهُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَأَبْوَابُ الْجَنَّةَ ، وَأَبْوَابُ النَّارِ ، وَإِذَا التَقَى الصَّفَّانِ ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَأَبْوَابُ الْجَنَّةَ ، وَأَبْوَابُ النَّارِ ، وَزُيِّنَ الْعِينُ ، فَيَطَّلِعْنَ ، فَإِذَا أَقْبَلَ أَحَدُكُمْ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِتَالِ قُلْنَ : اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُ ، وَإِذَا أَدْبَرَ احْتَجَبْنَ عَنْهُ وَقُلْنَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، وَانْتَهِكُوا وُجُوهَ الْقَوْمِ ، فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِ أَحَدِكُمْ يَحُطُّ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا الْغُصْنُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرَةِ ، وَتَبْتَدِرُهُ اثْنَتَانِ مِنْ حُورِ الْعِينِ ، وَيَمْسَحَانِ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولَانِ : فِدَانَا لَكَ ، وَيَقُولُ : أَنَا لَكُمَا ، فَيُكْسَى مِائَةَ لَوْ وُضِعَتْ بَيْنَ أُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ لَوَسَعَتَاهُمَا ، لَيْسَتْ مِنْ نَسْجِ بَنِي آدَمَ ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ ؛ إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ ، وَسِمَاتِكُمْ ، وَنَجْوَاكُمْ ، وَخِلَالِكُمْ ، وَمَحَاسِنِكُمْ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ : يَا فُلَانُ ، هَذَا نُورُكَ ، يَا فُلَانُ ، لَا نُورَ لَكَ ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ جِبَابًا مِنْ سَاحِلٍ كَسَاحِلِ الْبَحْرِ فِيهِ هَوَامٌّ ، حَيَّاتٌ كَالْبَخَاتِيِّ ، وَعَقَارِبُ كَالْبِغَالِ الدَّلِّ أَوْ كَالدَّلِّ الْبِغَالِ ، فَإِذَا سَأَلَ أَهْلُ النَّارِ التَّخْفِيفَ قِيلَ : اخْرُجُوا إِلَى السَّاحِلِ ، فَتَأْخُذُهُمْ تِلْكَ بِشِفَاهِهِمْ وَجُنُوبِهِمْ ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَتَكْشِطُهَا ، فَيَرْجِعُونَ فَيُنَادَوْنَ إِلَى مُعْظَمِ النَّارِ ، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمُ الْجَرَبُ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحُكُّ جِلْدَهُ ، حَتَّى يَبْدُو الْعَظْمُ ، فَيُقَالُ : يَا فُلَانُ ، هَلْ يُؤْذِيكَ هَذَا ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ ، فَيُقَالُ لَهُ : بِمَا كُنْتَ تُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ "(5)
الهوام : جمع هامَّة وهي كل ذات سم يقتل ، وأيضا هي ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، قَالَ:"عَقَارِبُ أَنْيَابُهَا كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ",(6)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ ، لَهُ زَبِيبَتَانِ ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِى شِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ » ثمَّ تلا الآية: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ){آل عمران:180}(7)
اللهزم : الشدق
ـــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (18184) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 512)(7471) حسن
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 160)(35279) صحيح مرسل
(4) - مجمع الزوائد (3932 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ . وفي موضع آخر (9540) قال : رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ . قلت : وابن البيلماني ضعيف تقريب التهذيب(3819)
(5) - البعث والنشور للبيهقي(548 ) صحيح مرسل
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 154)(9006 ) صحيح
(7) - صحيح البخارى(1403 )(1/71)
المبحث السادس عشر
في شراب أهل النار
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أربعة أنواع من شراب أهل النار :
الأول: الحميم, وهو الماء الحار الذي تناهى حرُّه، قال تعالى: ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ){محمد:15}. والحميم:هو الماء الحار المغلي بنار جهنم, يُذاب بهذا الحميم ما في بطونهم, وتسيل به أمعاؤهم, وتتناثر جلودهم, كما في قوله تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ *يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ*وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيد* كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ ){الحج:19-22}.
تَجَادَلَ أهْلُ الأَدْيَانِ فِي دِينِ اللهِ فَكُلُّ فَرِيقٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا هُوَ عَلَيهِ هُوَ الحَقُّ ، وأَنَّ مَا عَليهِ خَصْمُهُ هُوَ البَاطِلُ ، وَبَنَى عَلى ذلِكَ جَميعَ أَقْوَالِهِ وَأَفْغَالِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ نَوعاًَ مِنَ الخُصُومَةِ ، واللهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَومَ القِيَامَةِ ، وَيَجْزِيهِمْ عَلى إِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِما يَسْتَحِقُّونَ ، وَلا يَظْلِمُ أحَداً مِنْهُمْ شَيئاً ، فَأَمَّا الكَافِرُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أُعِدَّتْ لهُمْ نِيرانٌ تُحيطُ بِهِمْ وَكَأَنَّها مُقَطَّعَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ قُدَّتْ عَلَى قَدْرِ أَجْسَادِهِمْ ، وَيُصَبُّ المَاءُ الشَّدِيدُ الحَرَارَةِ فَوْقَ رُؤُسِهِمْ فَيَشْوِي وُجُوهَهُمْ
وَيُضْرَبُ هؤلاءِ الكَافِرُونَ بالسِّياطِ وَالمَطَارِقِ ( مَقَامِعُ ) مِنَ الحَدِيدِ المُحَمَّى فَتَتَنَاثَرُ أَعْضَاؤُهُمْ .
فلا يفتر عنهم العذاب، ولا هم ينظرون، ويقال لهم توبيخا: { ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } أي: المحرق للقلوب والأبدان(1)
الثاني: الغسَّاق ,قال تعالى: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) {ص:57} قال ابن عباس ٍ:الغسَّاق ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه. وقال: الزمهرير البارد الذي يحرق الجلد. وقال مجاهد:غساق,لا يستطيعون أن يذوقوه من شدة برده.(2)
الثالث: الصديد وهو ما يسيل من لحم الكافر، وجلده, قال تعالى: (مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِه عَذَابٌ غَلِيظٌ) {إبراهيم:16-17}
أي: يسقى من ماءٍ صديد شديد النتانة والكثافة فيتجرعه ولا يكاد يبتلعه من شدة نتانته وكثافته.وقال مجاهد: (ماء صديد) يعني: القيح والدم.
فَقَدْ حَلَّتِ الهَزِيمَةُ بِهَذَا الجَبَّارِ العَنِيدِ فِي الدُّنْيا ، وَأَمَامَهُ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمُ تَنْتَظِرُهُ ، فَهِيَ لَهُ بِالمِرْصَادِ ، وَسَيَكُونُ خَالِداً فِيهَا ، وَيُسْقَى فِي النَّارِ مِنَ الصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ المُحْتَرِقَيْن . ( وَوَرَاءُ ، هُنا ، مَعْنَاهَا أَمَامُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى { وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }أَيْ كَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ )
يَشْرَبُهُ قَسْراً وَقَهْراً ، جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ ، وَلاَ يَكَادُ يَبْتَلِعُهُ لِسُوءِ طَعْمِهِ ، وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ ، وَحَرَارَتِهِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ ، وَيَأْتِيهِ العَذَابُ بِأَنْوَاعِهِ ، لَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلاَّ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَمُوتُ لِيَخْلُدَ فِي النَّارِ وَالعَذَابِ ، وَلَهُ بْعَدَ هَذِهِ الحَالَةِ عَذَابٌ آخَرَ شَدِيدٌ غَلِيظٌ أَدْهَى مِنَ الذِي قَبْلَهُ وَأَمَرُّ .
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَمُسْكِرٌ هُوَ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ « عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ »(3).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ.(4)
الرابع:الماء الذي كالمهل,قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف/29])
وسُئل ابن عباس عن قوله تعالى(كالمهل) فقال:غليظ كدردي الزيت, وعنه قال: أسود كمهل الزيت. عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَذَابَ فِضَّةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمُهْلِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ،(5).
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ : إِنَّ هَذا الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ رَبِّكُمْ هُوَ الحَقُّ الَّذِي لاَ مِرْيَةَ فِيهِ ، وَلاَ شَكَّ ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ، فَقَدْ أَعْدَدْنَا وَأَرْصَدْنَا لِلكَافِرِينَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ ، نَاراً لَهَا سُورٌ يُحِيطُ بِمَنْ يَدْخُلُونَهَا ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) . وَإِذَا اسْتَغَاثَ أَهْلُ النَّارِ لِيُطْفِئُوا عَطَشَهُمْ يُغَاثُونَ بِمَاءٍ شَدِيدِ الحَرَارَةِ ، فَإِذَا قَرَّبُوهُ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ اشْتَوَتْ وُجُوهَهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ ، وَبِئْسَ هَذا الشَّرَابُ شَرَاباً ، وَسَاءَتِ النَّارُ مَنْزِلاً لِلارْتِفَاقِ ، وَالاتِّكَاءِ لِلرَّاحَةِ ، وَسَاءَتْ مَقِيلاً .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : { كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} (45) سورة الدخان ، قَالَ : كَعَكَرِ الزَّيْتِ ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ ، وَلَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غِسْلِينَ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأَنْتَنَ بِأَهْلِ الدُّنْيَا "(6)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ (كَالْمُهْلِ) قَالَ « كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرُبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ »(7).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتَ مَا فِى جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ »(8).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَتَلا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ف{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} (19) سورة الحج ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُمَزِّقَ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ "(9)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ، قَالَ : يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ ، فَإِذَا شَرِبَ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ ، يَقُولُ اللَّهُ : وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ"(10)
قال تعالى :{ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) [إبراهيم/15-17]
وَاسْتَنْصَرَ الرُّسُلُ بِرَبِّهِمْ عَلَى أَقْوَامِهِمْ ، لَمَّا يَئِسُوا مِنْ إِيمَانِهِمْ ، وَطَلَبُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى النَّصْرَ عَلَى الكَافِرِينَ فَنَصَرَهُمُ اللهُ ، فَرَبِحُوا ، وَخَسِرَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ عَنْ طَاعَةِ اللهِ ، شَدِيدِ العِنَادِ لِلْحَقِّ .
فَقَدْ حَلَّتِ الهَزِيمَةُ بِهَذَا الجَبَّارِ العَنِيدِ فِي الدُّنْيا ، وَأَمَامَهُ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمُ تَنْتَظِرُهُ ، فَهِيَ لَهُ بِالمِرْصَادِ ، وَسَيَكُونُ خَالِداً فِيهَا ، وَيُسْقَى فِي النَّارِ مِنَ الصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ المُحْتَرِقَيْن .
يَشْرَبُهُ قَسْراً وَقَهْراً ، جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ ، وَلاَ يَكَادُ يَبْتَلِعُهُ لِسُوءِ طَعْمِهِ ، وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ ، وَحَرَارَتِهِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ ، وَيَأْتِيهِ العَذَابُ بِأَنْوَاعِهِ ، لَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلاَّ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَمُوتُ لِيَخْلُدَ فِي النَّارِ وَالعَذَابِ ، وَلَهُ بْعَدَ هَذِهِ الحَالَةِ عَذَابٌ آخَرَ شَدِيدٌ غَلِيظٌ أَدْهَى مِنَ الذِي قَبْلَهُ وَأَمَرُّ .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَوْ أَنَّ دَلْوَ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا ، لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا "(11)
قال تعالى : { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) } [ص/55-58]
هَذَا الذِي تَقَدَّمَ هُوَ جَزَاءُ المُؤْمِنِينَ الأَخْيَارِ ، عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَطَاعَةٍ لِرَبِّهِمْ . أَمَّا الكَافِرُونَ الخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَالمُكَذِبُّونَ رُسُلَهُ الكِرَامَ ، فَلَهُمْ سُوءُ المُنْقَلَبِ ، وَشَرُّ العَاقِبَةِ
إِذْ تَكُونُ عَاقِبَتُهُم العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيُقَاسُونَ حَرَّهَا الشَّدِيدَ ، وَسَاءَتْ جَهَنَّمُ مَهْداً وَفِراشاً .
وَهَذَا العَذَابُ هُوَ جَزَاؤُهُمْ فِي الآخِرَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَسُوءِ أَعْمَالِهِمْ . فَلْيَذُوقُوهُ فَهْوَ مَاءٌ حَارٌّ ، مَتَنَاهٍ فِي شِدَّةِ حَرَارَتِهِ ، وَقَدْ مُزِجَ بالصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِهِم المُحْتَرِقَةِ فِي النَّارِ ( غَسَّاقٌ ) .
حَمِيمٌ - مَاءٌ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي الحَرَارَةِ .
غَسَّاقٌ - الصَّدِيدُ الذِي يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ المُحْتَرِقَةِ . وَقِيلَ إِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ العَذَابِ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهَ تَعَالَى .
وَلَهُمْ صُنُوفٌ أُخْرَى مِنَ العَذَابِ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا العَذَابِ يُعَذِّبُونَ بِهَا ، كَالزَّمْهَرِيرِ ، والسَّمُومِ ، وَشُرْبِ الحَمِيمِ والغَسَّاقِ ، وَأَكْلِ الزَّقومِ .
وعَنْ أَبِي يَحْيَى عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ ، أَنَّ كَعْبًا ، كَانَ يَقُولُ : " هَلْ تَدْرُونَ مَا وَغَسَّاقٍ ؟ " قَالُوا : لَا . قَالَ : " عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَّةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَّةٍ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَيُسْتَنْقَعُ ، فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ فَيُغْمَسُ فِيهِ غَمْسَةً وَاحِدَةً ، فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ عَنِ الْعِظَامِ ، وَتَعَلَّقَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي كَعْبَيْهِ ، فَيَجُرُّ لَحْمَهُ كَمَا يَجُرُّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ "(12)
وعن عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ ، أَنَّ كَعْبًا ، كَانَ يَقُولُ : " هَلْ تَدْرُونَ مَا غَسَّاقٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاللَّهِ ، قَالَ : عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِهَا ، فَيُسْتَنْقَعُ فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً وَاحِدَةً ، فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ عَنِ الْعِظَامِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ جِلْدُهُ فِي كَعْبَيْهِ وَعَقِبَيْهِ ، وَيُنْجَرَ لَحْمُهُ كَجَرِّ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ " وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْبَارِدُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ بُرْدِهِ "(13)
-الحُمَةُ أو الحُمَّة : السُّمُّ -غمس : غمر وأدخل
وعَنْ أَبِي مُوسَى ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنًا لِلْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ قِيلَ : وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِنَّ.(14)
المومسات بضم الميم الأولى وكسر الثانية هن الزانيات
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ.(15)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ». قِيلَ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لاَ يَعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ »(16)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِراً وَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ « صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ ».(17)
الخبال : عصارة أهل النار
ـــــــــــــ
__________
(1) - انظر تفسير السعدي - (ج 1 / ص 535)
(2) - تفسير الطبري - (ج 21 / ص 226)
(3) - صحيح مسلم(5335 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 180)(5357) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 150) (8985 ) وَفِيهِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
(6) - المستدرك للحاكم(3850) حسن
(7) - مسند أحمد (11990) حسن
(8) - سنن الترمذى (2783 ) حسن
(9) - المستدرك للحاكم (3458) حسن
(10) - المستدرك للحاكم (3339) حسن
(11) - المستدرك للحاكم(8779) حسن
(12) - صِفَةُ النَّارِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(92 ) حسن مقطوع
(13) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (27613 ) حسن مقطوع
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 165)(5346) صحيح
(15) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 180)(5357) صحيح
(16) - سنن أبى داود (3682 ) صحيح
(17) - مسند أحمد (28370) حسن(1/72)
المبحث السابع عشر
في طعام أهل النار
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) [البقرة/174، 175])
يَقُولُ تَعَالَى إِنَّ الذِينَ يُخْفُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ وَحْيِهِ عَلَى رُسُلِهِ ، أَوْ يُؤَوِّلُونَهُ أَوْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَضَعُونَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، بِرَأْيِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ ، فِي مُقَابِلِ الثَّمَنِ الحَقِيرِ مِنْ حُطَامِ الدُّنيا ، كَالرَّشْوَةِ عَلَى ذلِكَ ، وَالجُعْلِ ( الأجْرِ عَلَى الفَتَاوَى البَاطِلَةِ ) وَنَحْوِ ذَلِكَ . . . وَالذِينَ يَكْتُمُونَ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ صِفَاتِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ( وَهُمُ اليَهُودُ ) ، وَعَنْ رِسَالَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ لِئَلاَ تَذْهَبَ زَعَامَاتِِهِمْ ، وَرِيَاسَاتُهُمْ إِنْ صَدَّقُوا مُحَمَّداً ، وَآمَنُوا بِهِ ، وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ ، وَلِئَلاَّ يَخْسَرُوا مَا كَانَ يَصِلُ إِليهِمْ مِنْ أَموالٍ وَهَدَايَا ، وَهُوَ شَيءٌ تَافِهٌ يَسِيرٌ إِذا مَا قُورِنَ بِمَا وَعَدَ اللهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مِنْ جَزيلِ الثَّوَابِ . . فَهؤُلاءِ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي مُقَابِلِ كِتْمَانِ الحَقِّ نَاراً تَتَأَجَّجُ فِي بُطُونِهِمْ يَومَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لغَضَبِهِ عَلَيهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهم ، وَلا يَمْدَحُهُمْ وَلا يُثْنِي عَلَيهِمْ ، وَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً .
وَقِيلَ أَيْضاً في تَفْسِيرِ : مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ : إِنَّهُمْ لاَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَنِهِ إِلاَّ مَا يَكُونُ سَبَباً لِدُخُولِهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ .
وقال تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ* لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ){الغاشية:6-7}.والضريع:نوعٌ من الشوك لا تأكله الدوابُّ لخبثه.
وَإِذَا طَلَبُوا الطَّعَامَ جَيئَ لَهُمْ بِالضَّرِيعِ ، وَهُوَ نَبَاتٌ كَالشَّوْكِ مُرٌّ مُنْتِنٌ ، لاَ يُشْبعُ مِنْ جُوعٍ ، وَلاَ يُسْمِنُ.وَعَرَّفَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الضَّرِيعَ بِأَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ ، وَلاَ فَائِدَةَ مِنْهُ ، فَهُوَ لاَ يُسْمِنُ ، وَلاَ يُغْنِي ، وَلاَ يُشْبعُ مِنْ جُوعٍ .
وقال تعالى : ( فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ){الحاقة:35-37} قال ابن عباس: الغسلين:الدم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ اليَوْمَ هُنَا فِي الآخِرَةِ قَرِيباً وَدُوداً ، وَلاَ صَدِيقاً حَمِيماً مُخْلِصاً ، يُنْقِذُهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْشَغِلٌ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بِنَفْسِهِ . وَلاَ يَجْدُ لَهُ طَعَاماً فِي النَّارِ إِلاَّ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الدَّمِ والصَّدِيدِ .وَالصَّدِيدُ شَيْءٌ كَرِيهُ المَذَاقِ لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ أَهْلُ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا ، الذِينَ مَرَنُوا عَلَى اجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا .
وقال تعالى: ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً* وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً( {المزمل:12-13} ومعنى (طعاماً ذا غصة) قال ابن عباس:شوكٌ يأخذ بالحلق,لا يدخل ولا يخرج.
إِنَّ لَدَيْنَا لِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ فِي الآخِرَةِ قُيُوداً ثَقِيلَةً تُوضَعُ فِي أَرْجُلِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ ، إِذْلاَلاً لَهُمْ ، وَلَهُمْ نَارٌ مُسْتَعِرَةٌ يَصْلَوْنَهَا . وَلِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ أَيْضاً طَعَامٌ لاَ يُسْتَسَاغُ كَالزَّقُومِ وَالضَّرِيعِ . . وَلَهُمْ أَلْوَانٌ أُخْرَى مِنَ العَذَابِ المُؤْلِمِ .
وقال تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُون َ* لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ) {الواقعة:51-52}.ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى ، وَالصَّوَابِ ، المُكَذِّبُونَ بِكُتُبِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَآيَاتِهِ ، وَبِالبَعْثِ وَالحِسَابِ .سَتَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ الذِي يَنْبُتُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ ، وَكَأَنَّ طَلْعَهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ . وَأَهْلُ النَّارِ يَأْكُلُونَ الزَّقُّومَ عَلَى كَرَاهِيةِ مَذَاقِهِ لأَنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ غَيْرَهُ وَغَيْرَ الضَّرِيعِ شَيئاً يَأْكُلُونَهُ .
وقد وصف الله تعالى شجرة الزقوم في قوله تعالى : ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ({الصافات:64-66}.
حِينَمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ مِنْ وَسَطِ نَارِ جَهَنَّمَ ، قَالَ الكَافِرُونَ : كَيْفَ يَكُونُ هَذَا والنَّارُ تَحْرُقُ الشَّجَرَ؟
كَأَنَّ ثَمَرَهَا ( طَلْعِهَا ) ، فِي قُبْحِ مَنْظَرِهِ ، رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ : ( وَالعَرَبُ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ قَبِيحَةُ المَنْظَرِ ، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى تَقْبِيحَ شَجَرَةِ الزُّقُّومِ ، وَتَكْرِيهَ السَّامِعِينَ بِهَا ) .
وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الكُفَّارَ الظَالِمِينَ ، لاَ يَجِدُونَ فِي النَّارِ طَعَاماً غَيْرَ الزَّقُّومِ الكَرِيهِ الطَّعْمِ ، وَالمَنْظَرِ ، والرِّيحِ ، فَيُضْطَرُّونَ إِلَى الأَكْلِ مِنْهُ لِيَمْلَؤوا بَطُونَهُم الجَائِعَةَ .
وهذا الطعام الذي يأكله أهل النار لا يفيدهم ، فلا يجدون له لذة ، ولا تنتفع به أجسادهم ، فأكلهم له نوع من أنواع العذاب، وقال تعالى :( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) [الدخان/43-50]) ،
الزَّقُومُ ثَمَرُ شَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ تَخرُجُ في أَصْلِ النَّارِ وَثَمَرُهَا كَريهٌ ، وَلكِنَّ أَهْلَ النَّارِ لاَ يَجِدُونَ مَا يَأَكُلُونَ غَيرَه لذلِكَ فإِنَّهمُ يضْطَرُّونَ إِلى أَكْلِهِ وَهُمْ كَارِهُونَ .
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى إِنَّ مَصِيرَ الكَافِرِ الكَثيرِ الذُّنُوبِ والآثَامِ ( الأَثِيمِ ) يَكُونَ إِلى نَارِ جَهَنَّم ، وَإِنَّ طَعَامَه سَيَكُونُ مِنْ شَجَرةِ الزُّقُّومِ .
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالى إِنَّ ثَمرَ الزَّقُّومِ يَكُونُ كَعَكَرِ الزِّيتِ الأَسْوَدِ ، وَهُوَ يَغْلي فِي بُطُونِ آكِليهِ بِفِعلِ حَرَارةِ الجَحِيمِ .
كَمَا يَغْلِي المَاءُ الشَّدِيدُ الحَرَارةِ الذِي بَلَغَ النِّهَايَةَ في الغَلَيانِ .
وَيُقَالُ للزِّبَانِيةِ مِنْ حَرَسِ جَهَنَّمَ : خُذَوا هذا المُجْرِمَ الأَثِيمَ فَادْفَعُوهُ دَفْعاً بِغلْظَةٍ وَعُنْفٍ إِلى وَسَطِ نَارِ جَهَنَّمَ لِينَالَ جَزَاءَهُ عَلَى كُفْرِهِ وَآثامِهِ . وَيُقَالُ لِحَرَسِ جَهَنَّمَ مِنَ المَلاَئِكَةِ : بَعْدَ أَنّْ تُدْخِلُوهُ وَسَطَ الجَحِيمِ ، صُبُّوا فَوْقَ رَأسِهِ مِنَ الماءِ الشَّديدِ الحَرَارَةِ زِيَادَةً في العَذَابِ الحَمِيمِ - المَاءِ الذِي بَلَغَ النِّهايَةَ فِي الحَرَارةِ .وَبَعْدَ إِدخَالِهِ إِلى سَوَاءِ الجَحِيمِ ، وَصَبِّ الحَمِيمِ فَوْقَ رَأْسِهِ ، يُقَالُ لَهُ عَلَى سَبيلِ التَّقرِيعِ والاسْتِهزاءِ بِهِ : ذُقْ هذا العَذَابَ المُذِلَّ المُهِينَ اليَومَ ، فإِنَّكَ كُنْتَ فِي الدُّنيا تَزْعُمُ أَنَّكَ العَزِيزُ في قَومِكَ ، الكَريمُ في حَسَبِكَ .وهذا العَذَابُ المُذِلُّ المُهِينُ ، الذِي تَتَذَوَّقُونَ طَعْمَهُ اليَوْمَ ، هُوَ العَذَابُ الذِي كُنتُم تَتَشَكَّكُونَ فِيهِ يَوْمَ كُنتُم في الدُّنيا ، ولا تَعْتَقِدُونَ أَنَّ المُكَذِّبِينَ سَيُلاَقُونَ شيئاً مِنْهُ ، فَهَا أَنتُمْ قَدْ لَقيتُمُوهُ اليَوْمَ فَذُوقُوهُ .
وقال في موضع آخر: ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) [الصافات/62-70])
أَذَلِكَ الرِّزْقُ الكَرِيمُ الوَفِيرُ الذِي مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَهَذَا المَنْزِلُ الطَّيِّبُ الذِي أَنْزَلَهُم اللهُ فِيهِ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ خَيْرٌ ، أمْ مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ أَهْلَ النَّارِ مِنَ الأَكْلِ مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ ، ذَاتِ الثَّمْرِ الكَرِيهِ المَذَاقِ؟
وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمَ عَنْ وُجُودِ شَجَرَةِ الزُّقُومِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، ابْتِلاَءً مِنْهُ واخْتِبَاراً لِيَرَى مَنْ يُصَدِّقُ بِهَا ، مِمَّنْ يُكَذِّبُ ، وَجَعَلَهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ الكَافِرِينَ .
حِينَمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ مِنْ وَسَطِ نَارِ جَهَنَّمَ ، قَالَ الكَافِرُونَ : كَيْفَ يَكُونُ هَذَا والنَّارُ تَحْرُقُ الشَّجَرَ؟
كَأَنَّ ثَمَرَهَا ( طَلْعِهَا ) ، فِي قُبْحِ مَنْظَرِهِ ، رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ : ( وَالعَرَبُ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ قَبِيحَةُ المَنْظَرِ ، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى تَقْبِيحَ شَجَرَةِ الزُّقُّومِ ، وَتَكْرِيهَ السَّامِعِينَ بِهَا ) .
وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الكُفَّارَ الظَالِمِينَ ، لاَ يَجِدُونَ فِي النَّارِ طَعَاماً غَيْرَ الزَّقُّومِ الكَرِيهِ الطَّعْمِ ، وَالمَنْظَرِ ، والرِّيحِ ، فَيُضْطَرُّونَ إِلَى الأَكْلِ مِنْهُ لِيَمْلَؤوا بَطُونَهُم الجَائِعَةَ .
وَإِنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ مَا يَشْرَبُونَ إِلاَّ المَاءَ الشَّدِيدَ الحَرَارَةِ ، المَمْزُوجَ بِالصَّدِيدِ والغَسَّاقِ .
ثُمَّ يَكُونُ مَصِيرُهُمْ بَعْدَ هَذَا المأكَلِ والمَشْرَبِ إِلَى نَارٍ تَتَأَجَّجُ ، وَجَحِيمٍ تَتَوَقَّدُ ، فَهُمْ فِي عَذَابٍ دَائِمٍ .
إِنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ عَلَى الضَّلاَلَةِ فَتَابَعُوهُمْ .فَأَسْرَعُوا فِي تَقْلِيدِهِمْ ، وَاتِّبَاعِهِمْ بِلاَ تَدَبُّرٍ وَلاَ تَرَوٍّ .
وقال في موضع آخر: ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) [الواقعة/51-56])
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى ، وَالصَّوَابِ ، المُكَذِّبُونَ بِكُتُبِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَآيَاتِهِ ، وَبِالبَعْثِ وَالحِسَابِ . سَتَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ الذِي يَنْبُتُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ ، وَكَأَنَّ طَلْعَهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ .وَأَهْلُ النَّارِ يَأْكُلُونَ الزَّقُّومَ عَلَى كَرَاهِيةِ مَذَاقِهِ لأَنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ غَيْرَهُ وَغَيْرَ الضَّرِيعِ شَيئاً يَأْكُلُونَهُ .
وَإِنَّكُمْ سَتَأْكُلُونَ مِنْهُ حَتَّى تَمْتَلِئَ بُطُونُكُمْ .وَإِذَا أَكَلْتُمْ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ ، وَمَلأَتُمْ بُطُونَكُمْ مِنْهُ ، فَسَتَشْعُرُونَ بِالعَطَشِ فَلاَ تَجِدُونَ غَيْرَ المَاءِ الشَّدِيدِ الحَرَارَةِ ( الحَمِيمِ ) .
وَإِنَّكُمْ سَتَشْرَبُونَ شُرْباً لاَ يَرْوِي غُلَّةً ، وَكَأَنَّكُم الإِبِلُ التِي أَصَابَهَا دَاءُ الهُيَامِ فَلاَ يَرْوِي المَاءُ لَهَا غَلِيلاً ، وَلاَ يُطْفِىءُ لَهَا ظَمَأً .
وَهَذَا الذِي تَقَدَّمَ وَصْفُهُ مِنَ العَذَابِ بِالنَّارِ ، وَأَكْلِ الزَّقُّومِ ، وَشُرْبِ الحَمِيمِ ، هوَ مَا يَلْقَاهُ هَؤُلاَءِ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ ، المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ وَالنُّشُّورِ عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنَ الضِّيَافَةِ يَوْمَ الحِسَابِ وَالجَزَاء . ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة ، جذورها تضرب في قعر النار ، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمرها قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين ، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها ، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع ، بحيث لا يجدون مفرا من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك آلاما مبرحة، فإذا بلغت بهم الحال هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم وهو الماء الحار الذي تناهى حره ، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب ولا تروى لمض أصابها وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم: ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) [محمد/15])، هذه هي ضيافتهم في ذلك اليوم العظيم ، أعاذنا الله من حال أهل النار بمنه وكرمه .
وإذا أكل أهل النار من هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه: ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) [المزمل/12-13] )
إِنَّ لَدَيْنَا لِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ فِي الآخِرَةِ قُيُوداً ثَقِيلَةً تُوضَعُ فِي أَرْجُلِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ ، إِذْلاَلاً لَهُمْ ، وَلَهُمْ نَارٌ مُسْتَعِرَةٌ يَصْلَوْنَهَا .وَلِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ أَيْضاً طَعَامٌ لاَ يُسْتَسَاغُ كَالزَّقُومِ وَالضَّرِيعِ . . وَلَهُمْ أَلْوَانٌ أُخْرَى مِنَ العَذَابِ المُؤْلِمِ .
وقد صور الرسول - صلى الله عليه وسلم - شناعة الزقوم وفظاعته ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَن ّرَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَلا هَذِهِ الآيَةَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي بِحَارِ الأَرْضِ لَفَسَدَتْ ، وَفِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ : لأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ طَعَامَهُ ؟(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الأَرْضِ لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَائِشَهُمْ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ ؟ هَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَبُو يَعْقُوبَ الْحَنْظَلِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ "(2)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ ، حَتَّى يَعْدِلَ عِنْدَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ ، قَالَ : فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ ، لاَ يُسْمِنُ ، وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغَصَصَ بِالشَّرَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِمَاءٍ مِنْ حَمِيمٍ فِي كَلاَلِيبَ مِنْ حَدِيدٍ ، فَإِذَا أَدْنَوْهُ إِلَى وُجُوهِهِمْ شَوَى وُجُوهَهُمْ فَإِذَا أَدْخَلُوهُ بُطُونَهُمْ قَطَّعَ مَا فِي بُطُونِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادُونَ : {اُدْعُوَا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} ، قَالَ : فَيُجَابُونَ : {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ، قَالُوا بَلَى ، قَالُوا فَادْعُوَا ، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : نَادُوْا مَالِكًا ، فَيُنَادُونَ : {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك} ، قَالَ : فَأَجَابَهُمْ : {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} قَالَ : فَيَقُولُونَ : اُدْعُوَا رَبَّكُمْ ، فَلاَ شَيْءَ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ، قَالَ : فَيُجِيبُهُمْ : {اِخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونَ} ، قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَيَأْخُذُونَ فِي الْوَيْلِ ، وَالشَّهِيقِ ، وَالثُّبُورِ. "(3)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ ، حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانَ يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ ، فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي بُطُونِهِمْ قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ " ، قَالَ : " فَيَدْعُونَ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ : أَنِ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ، فَيَقُولُونَ : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالُوا : فَادْعُوا ، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " ، قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ادْعُوا مَالِكًا ، فَيَدْعُونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ : يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ " ، قَالَ : " فَيُجِيبُهُمْ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ " قَالَ الْأَعْمَشُ : أُنْبِئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ ، قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ادْعُوا رَبَّكُمْ ، فَلَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ، وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ، فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " ، قَالَ : " فَيُجِيبُهُمْ : اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " ، قَالَ : " فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذُوا مِنَ الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ "(4)-الغصة : ما اعترض في الحلق من طعام أو شراب - الحميم : الماء الحار - الكلّوب : حديدة معوجة الرأس ، والجمع كلاليب
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} (13) سورة المزمل، قَالَ : شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ ، لَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ ، وَفِي قَوْلِهِ : {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا} (14) سورة المزمل، قَالَ : الْمَهِيلُ الَّذِي إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ شَيْئًا تَبِعَكَ آخِرُهُ ، وَالْكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ "(5).
وأهل النار قد يكون طعامهم ما ذكر في الآيات السابقة:الضريع والغسلين والزقوم والنار جميعًا,وقد يكون المعذبون طبقات فمنهم من يأكل الضريع ومنهم من يأكل الغسلين ومنهم من يأكل الزقوم, كلٌّ بحسب حاله ومنزلته.
ومن طعام أهل النار الغسلين ، قال تعالى : ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) [الحاقة/35-37]) ،وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ اليَوْمَ هُنَا فِي الآخِرَةِ قَرِيباً وَدُوداً ، وَلاَ صَدِيقاً حَمِيماً مُخْلِصاً ، يُنْقِذُهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْشَغِلٌ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بِنَفْسِهِ . وَلاَ يَجْدُ لَهُ طَعَاماً فِي النَّارِ إِلاَّ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الدَّمِ والصَّدِيدِ . وَالصَّدِيدُ شَيْءٌ كَرِيهُ المَذَاقِ لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ أَهْلُ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا ، الذِينَ مَرَنُوا عَلَى اجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا .
وقال تعالى: ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) [ص/57-58])
__________
(1) - المستدرك للحاكم (3158) صحيح
(2) - المستدرك للحاكم (3686) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 155)(35266) حسن
(4) - البعث والنشور للبيهقي(533) حسن وصحح الترمذي وقفه
(5) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (536 ) حسن(1/73)
وَهَذَا العَذَابُ هُوَ جَزَاؤُهُمْ فِي الآخِرَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَسُوءِ أَعْمَالِهِمْ . فَلْيَذُوقُوهُ فَهْوَ مَاءٌ حَارٌّ ، مَتَنَاهٍ فِي شِدَّةِ حَرَارَتِهِ ، وَقَدْ مُزِجَ بالصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِهِم المُحْتَرِقَةِ فِي النَّارِ ( غَسَّاقٌ ) .وَلَهُمْ صُنُوفٌ أُخْرَى مِنَ العَذَابِ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا العَذَابِ يُعَذِّبُونَ بِهَا ، كَالزَّمْهَرِيرِ ، والسَّمُومِ ، وَشُرْبِ الحَمِيمِ والغَسَّاقِ ، وَأَكْلِ الزَّقومِ . والغسلين والغساق بمعنى وحد ، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد ، وقيل ما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم.
ومن أصحاب الذنوب من يطعمه الله جمر جهنم جزاء وفاقا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) [النساء/10])
يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى بِدُونِ سَبَبٍ مَشْرُوعٍ ، وَعَلَى سَبِيلِ الهَضْمِ وَالظُّلْمِ ، وَيَقُولُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَكُون سَبَباً فِي إِيصَالِهِمْ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، أَوْ إنَّهُمْ إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً تَتَأجَّجُ . وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - : " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ : الشِّرْكَ بِاللهِ ، وَالسِّحْرَ ، وَقَتْلَ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ ، وَأَكْلَ الرِّبا ، وَأَكْلَ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِنَاتِ "(صحيح)
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) [البقرة/174، 175] )
يَقُولُ تَعَالَى إِنَّ الذِينَ يُخْفُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ وَحْيِهِ عَلَى رُسُلِهِ ، أَوْ يُؤَوِّلُونَهُ أَوْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَضَعُونَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، بِرَأْيِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ ، فِي مُقَابِلِ الثَّمَنِ الحَقِيرِ مِنْ حُطَامِ الدُّنيا ، كَالرَّشْوَةِ عَلَى ذلِكَ ، وَالجُعْلِ ( الأجْرِ عَلَى الفَتَاوَى البَاطِلَةِ ) وَنَحْوِ ذَلِكَ . . . وَالذِينَ يَكْتُمُونَ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ صِفَاتِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ( وَهُمُ اليَهُودُ ) ، وَعَنْ رِسَالَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ لِئَلاَ تَذْهَبَ زَعَامَاتِِهِمْ ، وَرِيَاسَاتُهُمْ إِنْ صَدَّقُوا مُحَمَّداً ، وَآمَنُوا بِهِ ، وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ ، وَلِئَلاَّ يَخْسَرُوا مَا كَانَ يَصِلُ إِليهِمْ مِنْ أَموالٍ وَهَدَايَا ، وَهُوَ شَيءٌ تَافِهٌ يَسِيرٌ إِذا مَا قُورِنَ بِمَا وَعَدَ اللهُ بِهِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مِنْ جَزيلِ الثَّوَابِ . . فَهؤُلاءِ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي مُقَابِلِ كِتْمَانِ الحَقِّ نَاراً تَتَأَجَّجُ فِي بُطُونِهِمْ يَومَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لغَضَبِهِ عَلَيهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهم ، وَلا يَمْدَحُهُمْ وَلا يُثْنِي عَلَيهِمْ ، وَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . ( وَقِيلَ أَيْضاً في تَفْسِيرِ : مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ : إِنَّهُمْ لاَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَنِهِ إِلاَّ مَا يَكُونُ سَبَباً لِدُخُولِهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ ) . وَهؤُلاءِ الآثِمُونَ الذِينَ أَنْذَرَهُمُ اللهُ بِالعَذَابِ ، اعْتَاضُوا عَنِ الهُدَى الذِي يَقْتَضِيهِمْ نَشْرَ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ، وَذِكْرِ مَبْعَثِهِ ، وَوُجُوبِ اتِّباعِهِ وَتَصْدِيقِهِ ، بِالضَّلاَلِ وَهُوَ تَكْذِيبُهُ ، وَالكُفْرُ بِهِ ، وَكِتْمَانُ صِفَاتِهِ ، وَاعْتَاضُوا عَنِ المَغْفِرَةِ ، التِي وَعَدَ اللهُ بِها المُؤْمِنينَ العَامِلِينَ السَّاعِينَ فِي الخَيْراتِ ، بِالعَذَابِ الذِي سَيحِلُّ بِهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، وَكِتْمَانِ مَا وَرَدَ في كُتُبِهِمْ . فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( أَيْ إِنَّ مَنْ يَرَاهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَعَجَّبُ مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى احتِمَالِها ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ العَذَابِ ) .
أَوْ إِنَّ المَعْنَى هُوَ : ( أَنَّ انْهِمَاكَهُمْ فِي العَمَلِ الذِي يُوصِلُهُمْ إِلى النَّار هُوَ مَثَارُ العَجَبِ ، فَسَيْرُهُمْ فِي الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِليها ، وَعَدَمُ مُبَالاتِهِمْ بِمَآلِ أَْعْمَالِهِمْ هُوَ مَثَارُ العَجَبِ ) .
ـــــــــــــ(1/74)
المبحث الثامن عشر
لباس أهل النار
أخبر الحق سبحانه وتعالى أنه يفصل لأهل النار حلل من النار ، قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ) {الحج:19}
فَأَمَّا الكَافِرُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أُعِدَّتْ لهُمْ نِيرانٌ تُحيطُ بِهِمْ وَكَأَنَّها مُقَطَّعَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ قُدَّتْ عَلَى قَدْرِ أَجْسَادِهِمْ ، وَيُصَبُّ المَاءُ الشَّدِيدُ الحَرَارَةِ فَوْقَ رُؤُسِهِمْ فَيَشْوِي وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ ، وَيُذِيبُ أَمْعَاءَهُم.
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ »(1).
الحجزة : معقد الإزار والسراويل
وعَنْ هُبَيْبٍ الْغِفَارِىِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ وَطِئَ عَلَى إِزَارِهِ خُيَلاَءَ وَطِئَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ »(2).
وهذا الحديث يبين معنى ما رواه البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ »(3).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ , يَقُولُ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُبْطِيَّةً , وَكَسَى أُسَامَةَ بن زَيْدٍ حُلَّةً سِيَرَاءَ , فَنَظَرَ فَرَآنِي أَسْبَلْتُ فَجَاءَ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِي , فَقَالَ:يَا ابْنَ عُمَرَ كُلُّ شَيْءٍ يَمَسُّ الأَرْضَ مِنَ الثِّيَابِ فِي النَّارِ, فَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَأْتَزِرُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ .(4)
فَعَلَى هَذَا لَا مَانِع مِنْ حَمْل الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره ، وَيَكُون مِنْ وَادِي ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم ) ، أَوْ يَكُون فِي الْوَعِيد لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَة إِشَارَة إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَة أَحَقّ بِذَلِكَ(5).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إِبْلِيسُ فَيَضَعُهَا عَلَى حَاجِبِهِ وَيَسْحَبُهَا وَهُوَ يَقُولُ يَا ثُبُورَاهُ وَذُرِّيَّتُهُ خَلْفَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا ثُبُورَهُمْ حَتَّى يَقِفَ عَلَى النَّارِ وَيَقُولُ يَا ثُبُورَاهُ وَيَقُولُونَ يَا ثُبُورَهُمْ فَيُقَالُ {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} (14) سورة الفرقان »(6). الثبور : الهلاك
وقد وصف الله تعالى سرابيل أهل النار في قوله تعالى : ( وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجُوهَهُمُ النَّارُ){ابراهيم:49-50}.
قال ابن عباس-في قوله تعالى (قطران)-:هو النحاس المذاب. وقال الحسن:قطران الإبل, يعنى: ما يُطلى به الجمل الأجرب, فيكون المعنى- على ذلك- أنَّ قمصانهم (ملابسهم) من قطران تُطلى به جلودهم حتى يعود هذا الطلاء كالسرابيل, وخصَّ القطران لسرعة اشتعال النار فيه, مع نتن رائحته ووحشة لونه(7)
أي : وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ الذِي تَتَبَدَّلُ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضِ ، وَتَبْرُزُ الخَلاَئِقُ للهِ ، تَرَى يَوْمَئِذٍ يَا مُحَمَّدُ الذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ ، مُقْرِنِينَ ( مَجْمُوعِينَ ) بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي القُيُودِ ، فَيَجْتَمِعُ النُّظَرَاءُ فِي الكُفْرِ وَالإِجْرَامِ ، كُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفِهِ .
وَتَكُونُ ثِيَابُهُمُ التِي يَلْبَسُونَها مِن قَطِرَانٍ ( وَالقَطِرَانُ مَادَّةٌ سَائِلَةٌ تُطْلَى بِهَا الإِبْلُ الجَرْبَاءُ ، وَهُوَ أَلصَقُ شَيءٍ بِالنَّارِ ) ، وَتَلْفَحُ النَّارَ وُجُوهَهُمْ .
وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ »(8).
وعَنْ أَبِي سَلامٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ فِي أُمَّتِي أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَيْسُوا بِتَارِكِيهِنَّ : الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ، فَإِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ ، فَإِنَّهَا تَقُومُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهَا سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ ، ثُمَّ يَغْلِي عَلَيْهِنَّ دُرُوعٌ مِنْ لَهَبِ النَّارِ"(9)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (7349 )
(2) - مسند أحمد ( 16011) صحيح لغيره
(3) - صحيح البخارى(5787 )
وَهَذَا الْإِطْلَاق مَحْمُول عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ قَيْد الْخُيَلَاء ، فَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد بِالِاتِّفَاقِ
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 19)(13252 ) حسن
(5) - فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 331)
(6) - مسند أحمد(13953) حسن
(7) - تفسير( فتح القدير) للشوكاني(3/118-119)
(8) - صحيح مسلم(2203 )
وفِيهِ دَلِيل عَلَى تَحْرِيم النِّيَاحَة وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ ، وَفِيهِ صِحَّة التَّوْبَة مَا لَمْ يَمُتْ الْمُكَلَّف وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَة .شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 347)
(9) - المستدرك للحاكم (1413) صحيح(1/75)
المبحث التاسع عشر
النار تتكلم وتبصر
قال تعالى : ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) [الفرقان/12 ] )
وإذَا أصْبَحَتْ جَهَنَّمُ مِنْهُمْ عَلَى مَرَأى النَّظَرِ ، وَهُمْ فِي المحشَرِ ، بَعِيدُونَ عَنْهَا ، سَمِعُوا لَهَا صَوْتاً يُشْبِهُ صَوْتَ المَغِيظِ المُحْنَقِ ، لِشِدَّةِ تَوقُّدِهَا ، وَيُشْبِهُ صَوْتَ الزَّفِيرِ الذي يَخْرُجحُ مِنْ فَمِ الحزِينِ المَكْرُوبِ المُتَحَسِّرِ .
وقال ابن كثير : "عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله -يعني: ابن مسعود -ومعنا الربيع بن خُثَيْم فمروا على حداد، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار، ونظر الربيع بن خثيم إليها فتمايل ليسقط، فمر عبد الله على أتّون على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } فصعق -يعني: الربيع بن خُثَيْم -فحملوه إلى أهل بيته ورابطه عبد الله إلى الظُّهر فلم يفق، رضي الله عنه.( صحيح موقوف)
وعن ابن عباس قال: إن العبد ليجر إلى النار، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف.
وعن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ قالت: إنه يستجير مني. فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليُجَرّ إلى النار، فيقول: يا رب، ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: فما كان ظنك؟ فيقول: أن تَسَعني رحمتك. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح !!.
وعن عُبَيد بن عُمَيْر في قوله: { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } قال: إن جهنم تزفر زفرة، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خَرّ تَرْعَد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام، ليجثو على ركبتيه ويقول: رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي ( صحيح مقطوع).(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّى وُكِّلْتُ بِثَلاَثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ »(2). عنق من النار : طائفة منها
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَخْرُجُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ لَهَا لِسَانٌ تَتَكَلَّمُ ، فَتَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلاثَةٍ : مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، وَبِكُلِّ جُبَارٍ عَنْيدٍ وَلَمْ يُسَمِّ الثَّالِثَةَ ، فَتَنْطَوِي عَلَيْهِمْ فَتَطْرَحُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ"(3)
ـــــــــــــ
__________
(1) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 96-97)
(2) - سنن الترمذى(2775 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(1146) حسن لغيره(1/76)
المبحث العشرون
تأثير النار على الدنيا وأهلها
عَنِ أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِى الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ »(1).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « قَالَتِ النَّارُ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا فَأْذَنْ لِى أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ ».(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَبِّ ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَنَفِّسْنِي ، فَجَعَلَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسَيْنِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَشِدَّةُ الْبَرْدِ الَّذِي تَجِدُونَ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا ، وَشِدَّةُ الْحَرِّ الَّذِي تَجِدُونَ مِنْ حُرِّ جَهَنَّمَ.(3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ »(4).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ »(5).
قَوْله ( مِنْ فَيْح جَهَنَّم ) أَيْ مِنْ سِعَةِ اِنْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا ، وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحُ أَيْ مُتَّسِع ، وَهَذَا كِنَايَة عَنْ شِدَّةِ اِسْتِْعَارِهَا ، وَظَاهَرَهُ أَنَّ مَثَار وَهَجِ الْحَرُّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْح جَهَنَّم حَقِيقَة ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَاز التَّشْبِيه ، أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ ، وَالْأَوَّل أَوْلَى "(6)
وقال النووي :" قَالَ الْقَاضِي : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ ، فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عَلَى ظَاهِره ، وَاشْتَكَتْ حَقِيقَة ، وَشِدَّة الْحَرّ مِنْ وَهَجهَا وَفَيْحهَا وَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا إِدْرَاكًا وَتَمْيِيزًا بِحَيْثُ تَكَلَّمَتْ بِهَذَا . وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة ، أَنَّ النَّار مَخْلُوقَة، قَالَ : وَقِيلَ : لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِره ، بَلْ هُوَ عَلَى وَجْه التَّشْبِيه وَالِاسْتِعَارَة وَالتَّقْرِيب ، وَتَقْدِيره : أَنَّ شِدَّة الْحَرّ يُشْبِه نَار جَهَنَّم فَاحْذَرُوهُ وَاجْتَنِبُوا حُرُوره . قَالَ : وَالْأَوَّل أَظْهَر .
قُلْت : وَالصَّوَاب الْأَوَّل ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِر الْحَدِيث ، وَلَا مَانِع مِنْ حَمْله عَلَى حَقِيقَته ، فَوَجَبَ الْحُكْم بِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِره . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاد إِنَّمَا يُشْرَع فِي الظُّهْر ، وَلَا يُشْرَع فِي الْعَصْر عِنْد أَحَد مِنَ الْعُلَمَاء إِلَّا أَشْهَب الْمَالِكِيّ ، وَلَا يُشْرَع فِي صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد الْجُمْهُور . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : يُشْرَع فِيهَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .(7)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(3260 ) ومسلم (1432)
(2) - صحيح مسلم (1434 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 507)(7466) صحيح
(4) - صحيح البخارى(536 )
(5) - صحيح البخارى(538 ) وهو متواتر
(6) - فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 304)
(7) - شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 406)(1/77)
المبحث الواحد والعشرون
هل ترى النار قبل يوم القيامة؟
الذي نعلمه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رأى النار كما رأى الجنة في حياته ، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِى مَقَامِكَ ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ . قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » . قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « بِكُفْرِهِنَّ » . قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ »(1). -تكعكعت : تأخرت
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ، قَالَ : خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالنَّاسُ مَعَهُ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَفَعَ ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوْلِ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوْلِ ، ثُمَّ سَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ. فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ ، قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ - أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ - ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَرَأَيْتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.(2)
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ، ثُمَّ رَفَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ، ثُمَّ رَفَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ « قَدْ دَنَتْ مِنِّى الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا ، وَدَنَتْ مِنِّى النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَىْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ، لاَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ » . قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ « مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ »(3). الخشاش : هوام الأرض وحشراتها واحده خَشَاشَة
وعَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : كَسَفَتِ الشَّمْسُ ضَحْوَةً ، حَتَّى اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهَا، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَقَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنَ الْمَثَانِي ، ثُمَّ رَكَعَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ رَكَعَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَكَعَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّ الشَّمْسَ تَجَلَّتْ ، فَسَجَدَ ، ثُمَّ قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِذَا انْكَسَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ ، ثُمَّ نَزَلَ فَحَدَّثَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي الصَّلاَةِ ، فَجَعَلَ يَنْفُخُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ مَدَّ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ : إِنَّ النَّارَ أُدْنِيَتْ مِنِّي حَتَّى نَفَخْتُ حَرَّهَا عَنْ وَجْهِي ، فَرَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ، وَالَّذِي بَحَرَ الْبَحِيرَةَ ، وَصَاحِبَةَ حِمْيَرَ صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ.(4)
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ ، فَلاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا » . فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِى الْبُكَاءِ ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ « سَلُونِى » . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِىُّ فَقَالَ مَنْ أَبِى قَالَ « أَبُوكَ حُذَافَةُ » . ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ « سَلُونِى » . فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا . فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ »(5).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يُصَلِّي حَتَّى لَمْ يَكَدْ أَنْ يَرْكَعَ ، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى لَمْ يَكَدْ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَجَعَلَ يَتَضَرَّعُ ، وَيَبْكِي ، وَيَقُولُ : رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ ، وَأَنَا فِيهِمْ ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْجَلَتِ الشَّمْسُ ، فَقَامَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ ، فَإِذَا انْكَسَفَا ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ. ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ شِئْتُ لَتَعَاطَيْتُ قِطْفًا مِنْ قُطُوفِهَا ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ ، حَتَّى جَعَلْتُ أَتَّقِيهَا حَتَّى خَشِيتُ أَنْ تَغْشَاكُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ : أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ ، رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرِونَكَ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ فِيهَا الْحَمَيرِيَةَ السَّوْدَاءَ صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ كَانَتْ حَبَسَتْهَا ، فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا ، وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ، فَرَأَيْتُهَا كُلَّمَا أَدْبَرَتْ نُهِشَتْ فِي النَّارِ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَخَا دَعْدَعٍ ، يُدْفَعُ فِي النَّارِ بِقَضِيبَيْنِ ذِي شُعْبَتَيْنِ ، وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْمِحْجَنِ ، فَرَأَيْتُهُ فِي النَّارِ عَلَى مِحْجَنِهِ مُتَوَكِّئًا.(6)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَجَعَلَ يَتَقَدَّمُ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ يَتَأَخَّرُ فِي صَلاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقُرِّبَ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مَا قُصَرَتْ يَدِي عَنْهُ، أَوْ قَالَ: نِلْتُهُ، شَكَّ هِشَامٌ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَجَعَلْتُ أَتَأَخَّرُ رَهْبَةً أَنْ تَغْشَاكُمْ، وَرَأَيْتُ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَبَا ثُمَامَةَ، وَقَالَ وَهْبٌ: أَبَا أُمَامَةَ، عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا تَنْكَسِفَانِ، قَالَ وَهْبٌ: تُخْسَفَانِ، إِلا لِمَوْتِ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهَا اللَّهُ، فَإِذَا انْكَسَفَتَا فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ.(7)
وقد رآها ابن عمر رضي الله عنهما ،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِى الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ ، فَقُلْتُ فِى نَفْسِى لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ. فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِىَّ خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا. فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِى مَلَكَانِ فِى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، يُقْبِلاَ بِى إِلَى جَهَنَّمَ ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ. ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِى مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَنْ تُرَاعَ ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفُوا بِى عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ ، فَانْصَرَفُوا بِى عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ.قَالَ نَافِعٌ لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ.(8)
وبعد أن يموت العباد تعرض عليهم في البرزخ مقاعدهم في الجنة إن كانوا مؤمنين ، ومقاعدهم في النار إن كانوا كافرين ، فعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ ، وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى ، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ »(9)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا ، كَانَتِ الصَّلاَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.
فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، فَتَقُولُ الصَّلاَةُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : اجْلِسْ فَيَجْلِسُ ، وَقَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّكَ سَتَفْعَلُ ، أَخْبَرَنِي عَمَّا نَسْأَلُكُ عَنْهُ ، أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ، وَيُعَادُ الْجَسَدُ لِمَا بَدَأَ مِنْهُ ، فَتَجْعَلُ نَسْمَتُهُ فِي النَّسَمِ الطِّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَ :وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمِينِهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ شِمَالِهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : اجْلِسْ ، فَيَجْلِسُ خَائِفًا مَرْعُوبًا ، فَيُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ ؟ وَمَاذَا تَشَهَّدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : أَيُّ رَجُلٍ ؟ فَيُقَالُ : الَّذِي كَانَ فِيكُمْ ، فَلاَ يَهْتَدِي لاِسْمِهِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : مَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ قَالُوا قَوْلاً ، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ النَّاسُ ، فَيُقَالُ لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ ، وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنَ النَّارِ ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : ذَلِكَ مَقْعَدُكَ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهِ لَوْ أَطَعْتَهُ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، فَتِلْكَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ : {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه].(10).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(1052 ) ومسلم (2147)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 72)(2832) صحيح
(3) - صحيح البخارى (745 )
(4) - مسند أحمد (18632) والمسند الجامع - (ج 15 / ص 617)(11750) صحيح لغيره
(5) - صحيح البخارى(540) وصحيح مسلم (6268 )
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 79)(2838) حسن
(7) - مسند أبي عوانة (1965 ) صحيح
(8) - صحيح البخارى(7028) وانظر الروايات في المسند الجامع - (ج 10 / ص 1323)(8215)
(9) - صحيح البخارى(1338 ) وصحيح مسلم(7395 )
(10) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 380) (3113) صحيح(1/78)
المبحث الثاني والعشرون
فراش أهل النار, وغطاؤهم
قال تعالى : (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) {الأعراف:41}.
وَلَهُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فُرُشٌ مِنْ تَحْتِهِمْ ( مِهَادٌ ) ، وَلَهُمْ مِنْهَا أَغْطِيَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ تُغَطِّيهِمْ ( غَوَاشٍ ) . وَبِمِثْلِ هَذَا الجَزَاءِ يَجْزِي اللهُ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ ، المُضِلِّينَ لِلْنَّاسِ .
ومقصود الآية:أنهم يفترشون النار, ويلتحفون بألحفةٍ من النار,والعياذ بالله.
وقال تعالى: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) {الزمر:16}
يَصِفُ اللهُ تَعَالَى حَالَ هَؤُلاَءِ الخَاسِرِينَ وَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيَقُولُ : إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِيهَا ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ طَبَقَاتٌ مُتَرَاكِمَةٌ مِنَ النَّارِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَكَأَنَّهَا الظُّلَلُ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ طَبَقَاتٌ مِثْلُهَا ، فَتَغْمُرُهُمْ النَّارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ مَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالُ الكُفَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُخَوِّفَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ اليومِ ، فَيَزْدَجِرَ العُقَلاَءُ عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَيَعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ ، فَيَا عِبَادَ الله اتَّقُوا رَبَّكُمْ تَعَالَى ، وَبَالِغُوا فِي الخَوْفِ والحَذَرِ ، وَلاَ تَرْتَكِبُوا مَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ .
وحتى لا يتوهم أحدٌ أنَّ هذه الظلل المذكورة تقي من الحر والعذاب قال(ظللٌ من النار) فهي ظللٌ مُحرِِقة ,كما في قوله تعالى: (انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) {المرسلات:30-31}
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلِّ دُخَانِ نَارِ جَهَنَّمَ المُتَشَعِّبِ إِلَى ثَلاَثِ شُعَبٍ : شُعْبَةٍ عَنْ يَمِينِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ عَنْ شِمَالِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ .وَهَذَا الظِّلُّ لَيْسَ بِظَلِيلٍ ، أَيْ إِنَّهُ لاَ يُعْطِي ظِلاًّ يَقِي مِنْ حَرِّ ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهُمْ حَرَّ لَهَبِ جَهَنَّمَ ، الذِي هُمْ مُقِيمُونَ فِيهِ . وَنَارُ جَهَنَّمَ ، التِي تُحْدِثُ هَذَا الظِّلَّ مِنَ الدُّخَانِ ، يَتَطَايَرُ مِنْهَا شَرَرٌ مُتَفَرِّقٌ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَأَنَّهُ القَصْرُ عِظَما وَارْتِفَاعاً . وَكَأَنَّهُ الجِمَالُ الصُّفْرُ لَوْناً وَكَثرَةً . ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ مَعْنَى ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) هُوَ حِبَالُ السُّفُنِ الغَلِيظَةِ ) .
ـــــــــــــ(1/79)
المبحث الثالث والعشرون
في عظم أهل النار وقبحهم فيها
يدخل أهل الجحيم النار على صورة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم ،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ »(1).
المنكب مجتمع رأس الكتف والعضد
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ »(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ »(4).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : غِلَظُ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ.(5)-الْجَبَّارُ مَلِكٌ بِالْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ : الْجَبَّارُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ "(6).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه ، قَالَ : " أَهْلُ النَّارِ مُكَبَّلُونَ بِأَصْفَادِ النَّارِ ، مُعَلَّقُونَ بِشَجَرٍ فِي النَّارِ ، مُنَكَّسُونَ الْحَمِيمُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ ، وَيَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَعُيُونِهِمْ ، وَإِنَّ جُلُودَهُمْ لَتُقَطَّرُ بِصُهَارَةِ الْحَمِيمِ ، خَالِدِينَ فِيهَا ، لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أُخْرِجَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الدُّنْيَا ، لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ وَحْشَةِ مَنْظَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ " ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بُكَاءً شَدِيدًا "(7)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ.(8)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْكَافِرَ لَيَجُرُّ لِسَانَهُ فِي سِجِّينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ "(9)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُعَظَّمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ ، حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ ، وَإِنَّ عِظَمَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَإِنَّ جِلْدَهُ مِثْلُ أُحُدٍ "(10).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن ِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، قَالَ : يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، قَالَ : وَيُبَيِّضُ وَجْهُهُ ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلأْلأُ ، قَالَ : فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، قَالَ : فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ ، فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرُوا ، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا ، اللَّهُمَّ لاَ تَأْتِنَا بِهِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمْ ، فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ ، قَالَ : فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا "(11)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَقْعَدُ الْكَافِرِ فِى النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَكُلُّ ضِرْسٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ وَجِلْدُهُ سِوَى لَحْمِهِ وَعِظَامِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً. »(12).
وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي أَنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ ، وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا أَوْدِيَةَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ ، قُلْتُ لَهُ : أَنْهَارٌ ؟ قَالَ : لاَ ، بَلْ أَوْدِيَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، قُلْتُ : فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ "(13).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ، قَالَ : تَشْوِيهِ النَّارُ ، فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا ، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّتَهُ "(14).
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ أُقَيْشٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَعْظُمُ لِلنَّارِ ، حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ.(15)
وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الضَّبِيِّ قَالَ : خَرَجْتُ أَمْشِي مَعَ أَبَى بِظَهْرِ الْحَرَّةِ ، فَلَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَبِي . قَالَ : لَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَكِنِ امْشِ خَلْفَهُ أَوْ إِلَى جَانِبِهِ ، وَلَا تَدَعْ أَحَدًا يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، وَلَا تَمْشِ فَوْقَ إِجَارٍ أَبُوكَ تَحْتَهُ ، وَلَا تَأْكُلْ مَا قَدْ نَظَرَ أَبُوكَ إِلَيْهِ لَعَلَّهُ قَدِ اشْتَهَاهُ . ثُمَّ قَالَ : أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خِدَاشٍ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " فَخَدُّهُ فِي جَهَنَّمَ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ " . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ "(16).
بظهر البلدة أو المكان : على أطرافه -الإجار : السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه - العقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما
وعَن يَزَيْدَ بْنِ حَيان التيمى، قَالَ: انطلقت أَنا وَحُسَيْنٌ بن سَبْرَةَ، وعُمَرَ بْنِ مُسلم، إلى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَحَدَّثَنَاه زَيْدٌ فِى مَجْلِسِهِ ذلك قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَيَعْظُمُ لِلنَّارِ، حَتَّى يَكُونَ الضِّرْسُ مِنْ أَضْرَاسِهِ كَأُحُدٍ.(17)
وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه ، يقول النووي في شرح مسلم في هذا الباب : "هَذَا كُلّه لِكَوْنِهِ أَبْلَغ فِي إِيلَامه ، وَكُلّ هَذَا مَقْدُور لِلَّهِ تَعَالَى يَجِب الْإِيمَان بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِق بِهِ"(18)
وقال ابن كثير :" يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا] } الآية، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم، وأجزائهم. ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم، فقال: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال [الأعمش، عن ابن عمر] إذا أحرقت جلودهم بدلوا جلودًا بيضا أمثال القراطيس. رواه ابن أبي حاتم.
وقال يحيى بن يزيد الحضرمي إنه بلغه في قول الله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال: يجعل للكافر مائة جلد، بين كل جلدين لون من العذاب. رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا] } الآية. قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن: كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم: عودوا فعادوا.(صحيح مقطوع)(19)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6551 ) وصحيح مسلم(7365 )
(2) - سنن الترمذى(2779 ) حسن
(3) - صحيح مسلم (7364 )
(4) - سنن الترمذى(2778) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 531)(7486) صحيح
(6) - مسند أحمد (8567) صحيح
(7) - صِفَةُ النَّارِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (123) حسن
(8) - سنن الترمذى(2781 ) ضعيف
(9) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (553) فيه ضعف
(10) - مسند أحمد (4904) فيه ضعف
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 346)(7349) والمستدرك للحاكم (2955) حسن
(12) - مسند أحمد (11536) حسن
(13) - المستدرك للحاكم (3630) حسن
(14) - المستدرك للحاكم(2971) حسن
(15) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 162)(35287) فيه جهالة
(16) - المعجم الأوسط للطبراني(7049 ) فيه ضعف
(17) - غاية المقصد فى زوائد المسند (5105 ) صحيح - وهو مرفوع، ولكن زيدا لم يصرح برفعه
(18) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 232)
(19) - تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 337)(1/80)
المبحث الرابع والعشرون
أصناف أخرى من العذاب
يوجد للمعذبين في النار أصناف متعددة من العذاب-غير ما ذكرنا- ومنها:
*تبديل جلودهم كلما نضجت.
إن نار الجبار سبحانه وتعالى تحرق جلود أهل النار ، والجلد موضع الإحساس بألم الاحتراق ، ولذلك فإن الله يبدل لهم جلودا أخرى غير تلك التي احترقت ، لتحترق من جديد ، وهكذا دواليك
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) {النساء:56}.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ ، وَاللهُ عَزِيزٌ لاَ يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ .
قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم ٍسبعين ألف مرةٍ , كلما أكلتهم قيل لهم:عودوا, فيعودون كما كانوا.(1)
* يضربون بمطارق من حديد, فتتفتت أبدانهم, ثم يعودون
قال تعالى: (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) {الحج:21}.
وَيُضْرَبُ هؤلاءِ الكَافِرُونَ بالسِّياطِ وَالمَطَارِقِ ( مَقَامِعُ ) مِنَ الحَدِيدِ المُحَمَّى فَتَتَنَاثَرُ أَعْضَاؤُهُمْ .
* تقييدهم بالقيود والأغلال, وسحبهم على وجوههم.
أعد الله لأهل النار سلاسلا وأغلالا وقيودا ومطارق ، قال تعالى : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) [الإنسان/4] ) ،
إِنَّا أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا لِمَنْ كَفَرَ بِنِعْمَتِنَا ، وَخَالَفَ أَمْرَنَا ، سَلاَسِلَ يُقَادُ بِهَا إِلَى الجَحِيمِ ، وَأَغْلاَلاً تُشَدُّ بِهَا أَيْدِيهِ إِلَى عُنُقِهِ ، وَنَاراً يُعَذَّبُ فِيهَا .
وقال تعالى : ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) [المزمل/12-14]) إِنَّ لَدَيْنَا لِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ فِي الآخِرَةِ قُيُوداً ثَقِيلَةً تُوضَعُ فِي أَرْجُلِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ ، إِذْلاَلاً لَهُمْ ، وَلَهُمْ نَارٌ مُسْتَعِرَةٌ يَصْلَوْنَهَا .وَلِهَؤُلاَءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ أَيْضاً طَعَامٌ لاَ يُسْتَسَاغُ كَالزَّقُومِ وَالضَّرِيعِ . . وَلَهُمْ أَلْوَانٌ أُخْرَى مِنَ العَذَابِ المُؤْلِمِ .
والأغلال توضع في الأعناق قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) [سبأ/33])، ثُمَّ تُوضَعُ الأَغْلالُ وَسِلاسِلُ الحَدِيدِ فِي أَعْنَاقِ هؤلاءِ ، وَهُمْ في النَّارِ .والعَذَابُ الذِي يَلْقَوْنَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنذَما هُوَ الجَزَاءُ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عَلى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ الكُفْرِ وَالآثامِ والسَّيِّئَاتِ فِي الدُّنيا .
وقال تعالى: (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) {غافر:71-72}.
إِذ تُجْعَلُ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَيُسْحَبُونَ بِهَا يُسْحَبُونَ - يُجَرُّونَ . وَيُسْحَبُونَ بالسَّلاَسِلِ فِي النَّارِ ، والأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، ثُمَّ تُمْلأُ بِهِم النَّارُ لِيَكُونُوا وَقُوداً لَهَا .
والأنكال : القيود ، سميت أنكالا لأن الله يعذبهم وينكل بهم بها ، ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) [المزمل/12]) .
والسلاسل نوع آخر من ألوان العذاب التي يقيد بها المجرمون كما يقيد المجرمون في الدنيا ، وانظر إلى هذه الصورة في كتاب الله ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) [الحاقة/30-32]) .
وأعد الله لهؤلاء مقامع من حديد وهي المطارق التي تهوي على المجرمين وهم يحاولون الخروج من النار ، فإذا بها تطيح بهم مرة أخرى إلى سواء الجحيم قال تعالى: ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) [الحج/21، 22])
*الصهر :
من ألوان العذاب صب الحميم فوق رؤوسهم ، والحميم هو ذلك الماء الذي انتهى حره، فلشدة حره تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم قال تعالى : ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) [الحج/19-21]) ،
فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها، فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط، وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد. كلما حاولوا الخروج من النار -لشدة غمِّهم وكربهم- أعيدوا للعذاب فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار المحرق.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَتَلا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُمَزِّقَ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ "(2)
*اللفح :
أكرم ما في الإنسان وجهه ، ولذلك نهانا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب الوجه ، ومن إهانة الله لأهل النار ، أنهم يحشرون يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ، قال تعالى : ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) [الإسراء/97] )
يَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ يَحْشُرُ الكَافِرِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُمْ يَسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، عُمْياً لاَ يُبْصِرُونَ ، وَبُكْماً لاَ يَنْطِقُونَ ، وَصُمّاً لاَ يَسْمَعُونَ . وَذَلِكَ جَزَاءٌ لَهُمْ لِمَا كَانُوا عَلَيهِ فِي الدُّنْيا مِنَ العَمَى وَالصَمَّمِ وَالبَكَمِ ، لاَ يُبْصِرُونَ الحَقَّ ، وَلاَ يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ . وَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ التِي يُعَذَّبُونَ فِيهَا كُلَّمَا سَكَنَتْ وَخَفَّ لَهِيبُهَا ( خَبَتْ ) ، زَادَ اللهُ فِي تَأَجُّجِهَا وَسَعِيرَهَا عَلَيْهِمْ ، لِيَزْدَادَ أَلَمُهُمْ وَعَذَابُهُمْ .
ويلقون في النار على وجوههم ، قال تعالى : ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) [النمل/90])
وَمَنْ جَاءَ رَبَّهُ في ذلِكَ اليَومِ قَدْ أَشْرَكَ به وَعَصَاهُ ، وَمَاتَ عَلى ذَلِكَ ، فَهِؤُلاَءِ يَكُبُّهُمْ اللهُ تَعَالَى عَلَى وُجُوهِهِمْ في نَارِ جَهَنَّمْ ، واللهُ يَجْزِيِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَيُنزِلُ بِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِم السَّيِّئَةِ . ( أَوْ يُقَال لَهُمْ : هَلْ تُجْزَونَ إِلا بِمَا كَنْتُم تَعْمَلُونَ في الدُّنيا مِمَّا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ؟ ) .
ثم إن النار تلفح وجوههم وتغشاها أبدا لا يجدون حائلا يحول بينهم وبينها، قال تعالى : ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) [الأنبياء/39 ])
لَوْ يَعْلَمُ هَؤُلاَء الكُفَّارُ المُسْتَعْجِلُونَ بِالعَذَابِ مَاذَا أَعَدَّ لَهُمْ رَبُّهُم مِنْ أَلِيم العَذَابِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَمَا قَالُوا هَذَا القَوْلَ ، وَلَمَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَلَمَا اسْتَعْجَلُوا لأَنْفُسِهِم النّكَالَ والوَبَالَ ، فَنَارُ جَهَنَّمَ سَتُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُم ، وَتَكْوِي ظُهُورَهُمْ ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ، وَلاَ دَفْعَها عَنْ أَنْفُسِهِم ، وَلاَ يَجِِدُون نَاصِراً لَهُمْ يَنْصُرُهُم مِن عَذَابِ اللهِ .
وقال تعالى : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) [المؤمنون/104])
تَلْفَحُ النَّارُ وُجُوهَهُم فَتَشْوِيها ، وَتَتَقَلَّصُ شِفَاهُهُمْ ، وَتَتَغَيَّرُ مَلاَمِحُهُمْ .
وقال تعالى : ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) [إبراهيم/50 ] )
وَتَكُونُ ثِيَابُهُمُ التِي يَلْبَسُونَها مِن قَطِرَانٍ ( وَالقَطِرَانُ مَادَّةٌ سَائِلَةٌ تُطْلَى بِهَا الإِبْلُ الجَرْبَاءُ ، وَهُوَ أَلصَقُ شَيءٍ بِالنَّارِ ) ، وَتَلْفَحُ النَّارَ وُجُوهَهُمْ .
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) [الزمر/24 ] )
لاَ يَسْتَوِي المُجْرِمُونَ وَالمُتَّقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَالمُجْرِمُونَ الكَافِرُونَ يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ وأَيْدِيهِمْ مَغْلُولَةٌ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَدْفَعُوا بِهَا سُوءَ العَذَابِ عَنْ وُجُوهِهِمْ ، وَيُضْطَرُّونَ إِلَى تَلَقِّي العَذَابِ بِوُجُوهِهِمْ ، وَيُقَالُ لَهُمْ تَبكيتاً وَتَقْرِيعاً : ذُوقُوا العَذَابَ الأَلِيمَ جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَإِجْرَامِكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا .
أَمَّا المُؤْمِنُونَ المُتَّقُونَ فَيَأْتُونَ يَومَ القِيَامَةِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ ، لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى اتِّقَاءِ مَحْظُورٍ مَخُوفٍ .
وقال تعالى : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) [الأحزاب/66])
يوم تُقَلَّب وجوه الكافرين في النار يقولون نادمين متحيِّرين: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا رسوله في الدنيا، فكنا من أهل الجنة.
أرأيت كيف يقلب اللحم على النار ، والسمك في المقلى ، كذلك تقلب وجوههم في النار ، نعوذ بالله من عذاب أهل النار
* السحب :
ومن أنواع العذاب الأليم سحب الكفار على وجوههم في النار، قال تعالى : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) [القمر/47-48])،
إِنَّ المُشْرِكِينَ لَفي ضَلاَلٍ عَنِ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ ، وَلَفِي عمَايَةٍ عَنِ الهُدى في الدُّنيا ، وَسَيكُونُ مَصِيرَهُمُ العَذَابُ في نَارِ جَهَنَّمَ المُسْتَعِرَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ .وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ في النَّارِ ، وَيُجرُّونَ فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ ، وَيُقَالُ لَهُمْ تَقْريعاً وَتَوْبِيخاً : ذُوقوا حَرَّ نَارِ جَهَنَّمَ وآلامَها جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رُسُلَ رَبِّكمْ وَجَحْدِكُمْ بآياتِه .
ويزيد من آلامهم حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والأغلال والسلاسل، قال تعالى :(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) [الرعد/5]
وَإِنْ تَعْجَبْ مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ مَا لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ ، بَعْدَ أَنْ قَامَتِ الحُجَّةُ وَالأَدِلَّةُ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ ، وَعَظَمَتِهِ ، فَأَعْجَبُ مِنْهُ تَكْذِيبُهُمْ بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَاسْتِبْعَادُهُمْ وُقُوعَهُ ، وَقَوْلُهُمْ : أَبَعْدَ أَنْ نَمُوتَ ، وَتُصْبِحَ عِظَامُنَا رُفَاتاً وَتُرَاباً ، هَلْ سُيُعِيدُنَا اللهُ إِلَى الحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَيَخْلُقُنَا خَلْقاً جَدِيداً؟ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ إِعَادَةَ الشَّيءِ أَسْهَلُ مِنِ ابْتِدَائِهِ ، وَأَنَّ خَلْقَ الكَوْنِ العَظِيمِ أَصْعَبُ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ . فَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَقُولُونَ هَذا القَوْلَ إِنْكَاراً لِلْبَعْثِ وَالمَعَادِ ، هُمُ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، وَأُولَئِكَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يُسْحَبُونَ فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ ، وَالسَّلاَسِلُ وَالأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، وَيَبْقَوْنَ فِي النَّارِ خَالِدِينَ أَبَداً .
وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) [غافر/69-72])
أَلاَ تَعْجَبُ يَا مُحَمَّدُ مِنْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللهِ ، والَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الحَقِّ بِالبَاطِلِ ، كَيْفَ تُصْرَفُ عُقُولُهُمْ عَنْ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ؟
وَهَؤُلاَءِ المُبْطِلُونَ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الحَقِّ بِالبَاطِلِ هُمُ الذِينَ كَذَّبُوا بِالقُرْآنِ ، وَبِجَمِيعِ مَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا مِنْ إِخْلاَصِ العِبَادَةِ للهِ ، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ مَا يَكُونَ عَلَيْهِ مَصِيرُهُمْ فِي الآخِرَةِ . إِذ تُجْعَلُ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَيُسْحَبُونَ بِهَا يُسْحَبُونَ - يُجَرُّونَ . وَيُسْحَبُونَ بالسَّلاَسِلِ فِي النَّارِ ، والأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، ثُمَّ تُمْلأُ بِهِم النَّارُ لِيَكُونُوا وَقُوداً لَهَا .
* تسويد الوجوه :
يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار، قال تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) [آل عمران/106])
وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ تَبْيَضُ وُجُوهُ المُؤْمِنِينَ ، وَيُسَرُّونَ لِمَا يَعْمَلُونَهُ مِنْ حُسْنِ العَاقِبَةِ . وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أهْلِ الكُفْرِ وَالضَّلاَلَةِ وَالاخْتِلافِ ، لِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ ، وَمَا يَحِلُّ بِهَا مِنَ النَّكَالِ وَالوَبَالِ . وَيَسْألُ الذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أهْلِ النِّفَاقِ وَالاخْتِلاَفِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ : أَكَفَرْتُمْ بِاللهِ ، وَخَالَفْتُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللهِ ، وَبِالوِفَاقِ وَاتِّحَادِ الكَلِمَةِ؟ فَذُوقُوا العَذَابَ الذِي تَسْتَحِقُونَهُ بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ .
وهو سواد شديد ، كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) [يونس/27] )
أَمَّا المُجْرِمُونَ الذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى سَيَجْزِيهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا مِنْ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ ، دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ مُضَاعَفَةٍ ، وَتَعْتَرِيهِمْ ( تَرْهَقُهُمْ ) ذِلَّةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمْ ، وَيَعْلُوهُمُ الخَوْفُ مِنْهَا ، وَلَنْ يَجِدُوا ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، مَنْ يَعْصِمُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَتُصْبِحُ وُجُوهُهُمْ سُوداً مِنَ الغَمِّ وَالكَآبَةِ ، كَأَنَّمَا عَلَتْهَا قِطَعٌ مِنْ ظَلاَمِ الَّلْيِل الحَالِكِ ، وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يَدْخُلُونَهَا وَيَخْلُدُونَ فِيهَا أَبَداً .
* إحاطة النار بالكفار :
أهل النار هم الكفار الذين أحاطت بهم ذنوبهم ومعاصيهم فلم تبق لهم حسنة ، كما قال تعلى في الرد على اليهود الذين قالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة :( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) [البقرة/81 ])
وَيَقُولُ تَعَالَى لِلْيَهُود : لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا تَمَنَّيتُم ، وَلاَ كَمَا تَشْتَهُونَ ، بَلِ الأَمْرُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ قَضَى بِأَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً ، وَأَتَى رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَقَدْ أَثْقَلَتْهُ خَطَايَاهُ وَآثَامُهُ ، وَلَيْسَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، وَلاَ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ خَطَايَاهُ إِلَى اللهِ ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَيَبْقَى فِيهَا خَالِداً .
ولا يكون المرء كذلك إلا إذا كان كافرا مشركا، يقول صديق خان : ( المراد بالسيئة هنا الجنس ، ولا بد أن يكون سببها محيطا به من جميع جوانبه ، فلا تبقي له حسنة ، وسدت عليه مسالك النجاة ، والخلود في النار هو للكفار المشركين ، فيتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية بالكفر والشرك ، وبهذا يبطل تشبث المعتزلة والخوارج لما ثبت في السنَّة متواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ) .
ولما كانت الخطايا والذنوب تحيط بالكافر من كل جهه ، كما قال تعالى : ( لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) [الأعراف/41] )
وَلَهُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فُرُشٌ مِنْ تَحْتِهِمْ ( مِهَادٌ ) ، وَلَهُمْ مِنْهَا أَغْطِيَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ تُغَطِّيهِمْ ( غَوَاشٍ ) . وَبِمِثْلِ هَذَا الجَزَاءِ يَجْزِي اللهُ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ ، المُضِلِّينَ لِلْنَّاسِ .
والمراد أن النيران تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم ، كما قال تعالى: ( يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) [العنكبوت/55])
وفي يَومِ القِيَامَةِ يَغْشَاهُمُ العَذَابُ ، وَيُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِب : مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُِلِهِمْ ، وَعَنْ مَيَامِنِهِمْ ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ، وَيقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبيلِ التَّقْرِيعِ : ذُوقُوا العَذَابَ الذِي أَوْصَلَكُمْ إِليه سُوءُ عَمَلِكُمْ .
وقال في موضع آخر : ( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) [الزمر/16] )
يَصِفُ اللهُ تَعَالَى حَالَ هَؤُلاَءِ الخَاسِرِينَ وَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيَقُولُ : إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِيهَا ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ طَبَقَاتٌ مُتَرَاكِمَةٌ مِنَ النَّارِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَكَأَنَّهَا الظُّلَلُ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ طَبَقَاتٌ مِثْلُهَا ، فَتَغْمُرُهُمْ النَّارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ مَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالُ الكُفَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُخَوِّفَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ اليومِ ، فَيَزْدَجِرَ العُقَلاَءُ عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَيَعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ ، فَيَا عِبَادَ الله اتَّقُوا رَبَّكُمْ تَعَالَى ، وَبَالِغُوا فِي الخَوْفِ والحَذَرِ ، وَلاَ تَرْتَكِبُوا مَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ .
وقد صرح بالإحاطة في موضع آخر، قال تعالى : ( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) [العنكبوت/54 ])
يَسْتعَجِلُونَكَ بإِنزَالِ العَذَابِ بِهِم ، وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ ، لاَ مَحَالَةَ ، ولو عَلِمُوا مَا هُم صَائِرونَ إِليهِ لَمَا تَمَنَّوا اسْتِعْجَالَ العَذابِ ، وَلَعَمِلُوا جُهْدَهُمْ لِلخَلاَصِ مِنْهُ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ سَتُحِيطُ يَوْمَ القِيامَةِ بِالكافِرِينَ المُسْتَعْجِلِينَ بالعَذَابِ .
وقد فسر بعض السلف المهاد بالفرش ، والغواش باللحف . وتأتي الإحاطة من ناحية أخرى ذلك أن للنار سورا يحيط بالكافرين ، فلا يستطيع الكفار مغادرتها أو الخروج منها ، كما قال تعالى: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) [الكهف/29])
فَقَدْ أَعْدَدْنَا وَأَرْصَدْنَا لِلكَافِرِينَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ ، نَاراً لَهَا سُورٌ يُحِيطُ بِمَنْ يَدْخُلُونَهَا ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) . وَإِذَا اسْتَغَاثَ أَهْلُ النَّارِ لِيُطْفِئُوا عَطَشَهُمْ يُغَاثُونَ بِمَاءٍ شَدِيدِ الحَرَارَةِ ، فَإِذَا قَرَّبُوهُ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ اشْتَوَتْ وُجُوهَهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ ، وَبِئْسَ هَذا الشَّرَابُ شَرَاباً ، وَسَاءَتِ النَّارُ مَنْزِلاً لِلارْتِفَاقِ ، وَالاتِّكَاءِ لِلرَّاحَةِ ، وَسَاءَتْ مَقِيلاً .
*اطلاع النار على الأفئدة :
بالإضافة إلى أن أهل النار يضخم خلقهم في النار شيئا عظيما ، فإنه مع ذلك تدخل النار في أجسادهم حتى تصل إلى أعمق شيء فيهم ، قال تعالى : ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) [المدثر/26-29])
__________
(1) - البعث والنشور للبيهقي(564 ) والزهد لأسد بن موسى(37 ) صحيح مقطوع
(2) - المستدرك للحاكم(3458) حسن(1/81)
سأدخله جهنم؛ كي يصلى حرَّها ويحترق بنارها وما أعلمك أيُّ شيء جهنم؟ لا تبقي لحمًا ولا تترك عظمًا إلا أحرقته، مغيِّرة للبشرة، مسوِّدة للجلود، محرقة لها، يلي أمرها ويتسلط على أهلها بالعذاب تسعة عشر ملكًا من الزبانية الأشداء.
قال بعض أهل السلف في قوله ( لا تبقي ولا تذر ) ، قال : تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك )
وقال تبارك وتعالى: ( كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) [الهمزة/4-7])
كَلاَّ إِنَّ مَالَهُ لَنْ يُخَلِّدَهُ ، وَلَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَسَيُطْرَحُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ كَمَا تُطْرَحُ النَّوَاهُ . ( وَسُميتِ النَّارُ حُطَمَةً لأَنَّهَا تُحَطِّمُ كُلَّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَلاَ تُبْقِي مِنْهُ عَلَى شَيءٍ ) .
وَهَذِهِ الحُطَمَةُ لَيْسَتْ مِمّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُكَ . إِنَّهَا نَارُ اللهِ المُشْتَعِلَةِ التِي أَعَدَّهَا اللهُ لِعَذَابِ الكَفَرَةِ العُصَاةِ .وَإِنَّهَا لَتَبلُغُ فِي عَذَابَهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فَتَنْهَشُهَا نَهْشاً ، وَالقَلْبُ أَكْثَرُ الأَعْضَاءِ تَأَلماً ، فَإٍذَا نَهَشَتْهُ النَّارُ بَلَغَ العَذَابُ بِالإِنْسَانِ أَقْصَاهُ .
عن موسى بن عبيدة الربذي ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي ، في قوله عز وجل : ( التي تطلع على الأفئدة ) يقول : « الحطمة يقول : تأكله النار إلى فؤاده ، فإذا بلغت فؤاده أنشأ خلقه »(1)
*ومنهم من يعذبُ بالصعود إلى أعلى النار, ثم يهوي فيها
قال تعالى: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودا) {المدثر:17}.سُنُنْزِلُ بِهِ عَذَاباً شَاقّاً ، يُرهِقُهُ وَلاَ يُطِيقُهُ ، فَيَكُونُ حَالُهُ حَالَ مَنْ يُكَلَّفُ صُعُودَ جَبَلٍ وَعْرٍ شَائِكٍ .وَقِيلَ إِنَّهُ سَيُكَلِّفُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صُعُودَ جَبَلٍ مِنْ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »(2).يتحسى : يشرب ويتجرع -يتوجأ : يطعن
* ومنهم من يدور في النار,ويجر أمعاءه معه.
فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتُرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ».(3)-الأَقتاب : جمع القتب وهو الأمعاء.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِىَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ(4)القُصب : الأمعاء
* قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار :
كان الكفار والمشركون يعظمون الآلهة التي يعبدونها من دون الله ويدافعون عنها ويبذلون في سبيل ذلك النفس والمال ، وفي يوم القيامة يدخل الحق تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله النار إهانة لعابديها وإذلالاً لهم ، ليعلموا أنهم كانوا ضالين، قال تعالى:( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) [الأنبياء/98، 99])
إنكم - أيها الكفار - وما كنتم تعبدون من دون الله من الأصنام ومَن رضي بعبادتكم إياه من الجن والإنس، وقود جهنم وحطبها، أنتم وهم فيها داخلون.
لو كان هؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله تعالى آلهة تستحق العبادة ما دخلوا نار جهنم معكم أيها المشركون، إنَّ كلا من العابدين والمعبودين خالدون في نار جهنم.
يقول ابن رجب :( فإن الإنسان إذا قرن في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشد في ألمه وحسرته)(5)
ومن أجل ذلك يقذف في يوم القيامة بالشمس والقمر ليكونا مما توقد به النار ، يقول القرطبي ( وقد يجمعان في نار جهنم؛ لأنهما قد عبِدَا من دون الله ولا تكون النار عذاباً لهما لأنهما جماد ، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم )(6)
* حسرتهم وندمهم ودعاؤهم :
عندما يرى الكفار النار يندمون أشد الندم، ولات ساعة مندم ، قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) [يونس/54] )
وَحِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَيُحْشَرُ الكَافِرُونَ إِلَى اللهِ ، يُدْرِكُونَ ، حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ ، أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ لا مَحَالَةَ ، حِينَئِذٍ تَتَمَنَّى كُلُّ نَفْسٍ ظَالِمَةٍ لَوْ أَنَّهَا تَمْلِكُ جَمِيعَ مَا فِي الأَرْضِ لِتُقَدِّمَهُ فِدَاءً لَهَا مِنَ العَذَابِ ، وَلَكِنْ أَنَّى لَهَا ذَلِكَ .وَحِينَئِذٍ تَتَرَدَّدُ النَّدَامَةَ وَالحَسْرَةَ فِي سَرَائِرِ المُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ ، عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْبِ اللهِ ، وَمَا كَفَرُوا بِآيَاتِهِ ، وَيَقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَيْنَ العِبَادِ ، بِالعَدْلِ وَالقِسْطِ وَلاَ يَظْلِمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ شَيْئاً .
وقال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) [سبأ/33]
وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلال: بل تدبيركم الشر لنا في الليل والنهار هو الذي أوقعنا في التهلكة، فكنتم تطلبون منا أن نكفر بالله، ونجعل له شركاء في العبادة، وأسرَّ كُلٌّ من الفريقين الحسرة حين رأوا العذاب الذي أُعدَّ لهم، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، لا يعاقَبون بهذا العقاب إلا بسبب كفرهم بالله وعملهم السيئات في الدنيا. وفي الآية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلال وأئمة الطغيان.
وعندما يطلع الكافر على صحيفة أعماله ، فيرى كفره وشركه الذي يؤهله للخلود في النار ، فإنه يدعو بالثبور والهلاك ، قال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِ [الإنشقاق/10-12])
وَأَمَّا الذِي ارْتَكَبَ المَعَاصِي ، وَاجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ ، فَيُؤْتَى كَتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تَحْقِيراً لَهُ ، وَيَتَنَاوَلُهُ بِشِمَالِهِ .فَيُدْرِكُ أَنَّهُ هَالِكٌ فَيَدْعُو هَلاَكاً وَخَسَاراً وَيَقُولُ : وَاثُبُورَاهْ .وَيُقَذَفُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِيَصْلَى سَعِيرَهَا
وهناك يعلو صراخهم ويشتد عويلهم ويدعون ربهم آملين أن يخرجهم من النار، قال تعالى : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) [فاطر/37 ])
وَفِي النَّارِ يَذُوقُ الكَافِرُونَ المُجْرِمُونَ حَرَّ النَّارِ وَلَهيبَها ، فَيَأْخَذُونَ فِي الاسْتِغَاثَةِ والاصْطِرَاخِ والضَّجِيجِ وَيَقُولونَ : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِن النَّارِ ، وَأَعِدْنا إلى الدُّنيا ، لِنَعْمَلَ صَالِحاً ، وَنَتَّبعَ الرُّسُلَ ، وَنُقْلِعَ عَمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي وَالإِجْرَامِ . وَلكِنَّ الله تَعَالى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنْ عَادُوا إِلى الدًُّنيا عَادُوا إِلى ما كَانُوا عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَلِذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيهِمْ قَائِلاً وَمُقَرِّعاً ( أَوْ تَرُدُّ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى ) : أَلَمْ نَجْعَلْكُمْ تَعِيشُونَ فِي الدُّنيا أَعْماراً؟ وَلَوْ كُنْتُم مِمَّنْ يَنْتَفِعُونَ بِالحَقِّ لانْتَفَعْتُمْ بِهِ مَدَّةَ عُمْركُمْ في الدُّنيا . وَجَاءَكُمُ الرَّسُولُ وَمَعَهُ كِتَابٌ يُنْذِرُكُمْ بِالعِقَابِ إِنْ خَالَفْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ، وَتَرَكْتُمْ طَاعَتَهُ ، فَلَمْ تَعْتَبِرُوا ، وَلَمْ تَتَّعِظُوا ، وَلِذلِكَ فَلاَ سَبيلَ لَكُمْ إِلى الخُرُوجِ مِمَّا أَنْتُم فِيهِ مِنَ العَذَابِ ، فَذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ عِقَاباً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ ومُخَالَفَتِكُمْ الأَنْبِياءَ ، وَلَنْ تَجِدُوا لَكُمْ نَاصِراً يَنْصُرُكُمْ مِنْ بأسِ اللهِ ، وَلاَ مُنْقِذاً يُنْقِذُكُمْ مِمّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذابِ .
وهم في ذلك الوقت يعترفون بضلالهم وكفرهم، قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) [الملك/10، 11] )
وَقَالُوا مُبْدِينَ أَسَفَهُمْ وَنَدَمَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ ، فِي وَقْتٍ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ النَّدَمُ : لَوْ كَانَتْ لَنَا آذَانٌ تَسْمَعُ ، أَوْ عُقُولٌ تُدْرِكُ ، وَنَعِي بِهَا مَا أَنْزَلَ اللهُ ، لَمَا كُنَّا أَقْمْنَا عَلَى الكُفْرِ بِاللهِ ، وَالاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ، وَلَمَا صِرْنَا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ اليَوْمَ مِنَ الخَزْيِ والعَذَابِ الأَلِيمِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .
فَاعْتَرَفُوا بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرِ وَتَكْذِيبٍ لِلرُّسُلِ ، وَمِنْ انْهِمَاكٍ فِي مَلَذَّاتِ الدُّنْيَا ، وَلَكِنَّ هَذَا الاعْتِرَافَ لَنْ يُفِيدَهُمْ شَيئاً فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، فَسُحْقاً وَبُعداً مِنْ رَحْمَةِ اللهِ لِلَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ نَارِ جَهَنَّمَ المُسْتَعِرَةِ .
وقال تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) [غافر/11، 12])
يَقُولُ الكَافِرُونَ : رَبَّنَا خَلَقْتَنَا مِنْ عَدَمٍ وَلَمْ تَكُنْ لَنَا حَيَاةٌ ، وَأَمَتَّنَا حِينَ انْقَضَتْ آجَالُنَا ، وَأَحْيَيْتَنا أَوَلاً بِنَفْخِ الأَرْوَاحِ فِينَا وَنَحْنُ فِي الأَرْحَامِ ، وَأَحْيَيْتَنَا بِإِعَادَةِ أَرْوَاحِنَا إِلَى أَبْدَانِنَا يَوْمَ البَعْثِ ، والنُّشُورِ ، فَاْعْتَرَفْنَا بِأَنَّنَا كُنَّا أَنْكَرْنَا البَعْثَ فَكَفَرْنَا ، وَاجْتَرَحْنَا السَّيِّئَاتِ ، فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى إِخْرَاجِنَا مِنَ النَّارِ ، وَإِعَادَتِنَا إِلَى الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ غَيَرَ الذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟ فَأَنْتَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ .
فَيُجَابُونَ عَلَى سَؤَالِهِمْ هَذَا أَنْ لاَ سَبِيلَ إِلَى الرَّجعَةِ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلاَ إِلَى الخُرُوجِ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ إِذَا ذَكِرَ اللهُ العَلِيُّ القَدِيرُ وَحْدَهُ كَفرْتُمْ وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الألوهِيَّةُ خَالِصَةً للهِ وحدَهُ ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مُشْرِكٌ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ . وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِفَسَادِ طِبَاعِكُمْ ، وَرَفْضِهَا لِلْحَقِّ ، فَإِذَا عُدْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا عُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيِهِ مِنْ فَسَادٍ وَكُفْرٍ وَإِفْسَادٍ فِي الأَرْضِ ، فَالحُكْمُ اليَوْمَ للهِ ، وَهُوَ لا يَحْكُمُ إِلاَ بِالحَقِّ ، وَهُوَ ذُو الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَةِ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ، وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ خُلُودَ الكَافِرِينَ فِي النَّارِ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الخُرُوجِ مِنْهَا .
ولكن طلبهم يرفض بشدة ، ويجابون بما تستحق أن تجاب به الأنعام، قال تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) [المؤمنون/106-108] ) .
وَيَرُدُّونَ قَائِلِينَ : يَا رَبِّ لَقد كَثُرَتْ مَعَاصِينَا التي أَوْرَثَتْنَا الشَّقَاءَ وَقَدْ قَامَتْ عَلَيْنَا الحُجَّةُ وَلِكِنَّنَا كُنَّا أَشْقَى مِنْ أَنْ نَنْقَادَ لَهَا ، وَكُنَّا بِذَلِكَ ضَالِّينَ عَنْ طَرِيقِ الثَّوَابِ .
ثُمَّ يَقُولُونَ لِرَبِهِّمْ : رَبَّنَا أَخْرَجْنَا مِنَ النَّارِ ، وَرُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا ، فَإِنْ عُدْنَا إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وارْتِكَابِ الآثامِ ، فَنَحْنُ ظَالِمُونَ لأَنْفُسِنَا مُسْتَحِقُّونَ للْعُقُوبَةِ .
وَيَرُّدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى الكُفَّارِ إِذَا سَأَلُوا الخُرُوجَ مِنَ النَّارِ ، والرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا ، وَيَقُولُ لَهُمْ : امْكُثُوا فِيها صَاغِرِينَ مُهَانِينَ أَذِلاَّءَ واسْكُتُوا ( اخْسَؤُوا ) وَلاَ تَعُودُوا إِلَى سُؤَالِكُم ، هَذَا ، فَإِنَّهُ لاَ رَجْعَةَ لَكُمْ إِلَى الدُّنْيَا
ويتوجه أهل النار بعد ذلك بالنداء إلى خزنة النار ، يطلبون منهم أن يشفعوا لهم كي يخفف الله عنهم العذاب، قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) [غافر/49-50] )
وَلَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ يُقَرِّعُونَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُ رَبِّكُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيهِ؟ وَيَقُولُ المُسْتَضْعَفُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِالحُجَجِ والبَيِّنَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزنَةُ جَهَنَّمَ : إِذاً فَادْعُوا أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ . وَلكِنَّ دُعَاءَ الكَافِرِينَ لاَ يُفِيدُ ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ ، وَيَذْهَبُ سُدًى .
وعند ذلك يسألون الشفاعة كي يهلكهم ربهم، قال تعالى : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) [الزخرف/77-78])،
وَحِينَمَا يَشْتَدُّ العَذَابُ بِالمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ يَضجُّونَ فِي النَّارِ ، وَيُنَادُونَ : يَا مَالِكُ ( وَهُوَ خَازِنُ النَّارِ ) ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا لِيُرِيحَنا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ . فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَالِكٌ قَائِلاً لَهُمْ : إِنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ أَبَداً ، وَلاَ مَجَالَ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى خُرُوجِهِمْ مِنْهَا .
وَيُذَكِّرُهُمْ اللهُ تَعَالَى - أَوْ يُذَكِّرُهُمْ مَالِكٌ بِأَمْرِ رَبِّهِ الكَرِيمِ - بِسَبَبِ شَقَائِهِمْ ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ أَرْسَلَ إِلَيهِم الرُّسُلَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الحَقِّ والهُدَى فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَبَوْا وَاسْتَكَبَرُوْا فَأَوْصَلَهُمْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ .
ويقال لهم آن ذلك: ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) [الطور/16])
فَادْخُلُوا الآنَ نَارَ جَهَنَّمَ لِتَصْطَلُوا بِنَارِها التِي تَغْمُرُكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِب ، وَسواءٌ عَليكُم أَصَبَرتُمْ عَلَى عَذَابِها وَنَكَالِها ، أمْ لَمْ تَصْبِروا فَلاَ مَحِيدَ لُكُم عَنْها ، وَلا خَلاَصَ لَكُم مِنْها ، وَهذا الذِي نَزَلَ بِكُمْ مِنَ العَذَابِ هُوَ مَا تَسْتَحِقُّونَه جَزَاءً لَكُم عَلَى أَعْمَالِكُمْ في الحَيَاةِ الدُّنيا .
هناك يشتد نحيبهم وتفيض دموعهم ، ويطول بكاؤهم: ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) [التوبة/82])
لِيَضْحَكُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيا الفَانِيَةِ قَلِيلاً ، لأَنَّ الدُّنْيَا نَفْسَهَا شَيْءٌ قَلِيلٌ ، فَإِذَا انْقَطَعَتِ الدُّنْيَا ، وَصَارُوا إِلَى اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، اسْتَأْنَفُوا بُكَاءً لاَ يَنْقَطِعُ أَبَداً بِسَبَبِ مَا اكْتَسَبُوهُ مِنْ كُفْرٍ وَآثَامٍ ، وَعَلَى مَا فَوَّتُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ فُرَصِ اكْتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، وَعَمَلِ مَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ .
إنهم يبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم يبكون دما ، وتؤثر دموعهم في وجوههم كما يؤثر السيل في الصخر ، ففي مستدرك الحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ يَعْنِي مَكَانَ الدَّمْعِ"(7)
لقد خسر هؤلاء الظالمون أنفسهم وأهليهم عندما استحبوا الكفر على الإيمان ، واستمع إلى عويلهم وهم يرددون حال العذاب: ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) [الأحزاب/66-68]).
وتأمل قوله تعالى يصف حالهم ، ونعوذ بالله من حالهم : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) [هود/106-107]) ، قال الزجاج : الزفير من شدة الأنين وهو المرتفع جدا . وقيل الزفير : ترديد النفس في الصدر من شدة الخوف حتى تنتفخ منه الأضلاع ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، أو رد النفس إلى الصدر ،
فأما الذين شَقُوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم، فالنار مستقرهم، لهم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفير وشهيق، وهما أشنع الأصوات وأقبحها، ماكثين في النار أبدًا ما دامت السموات والأرض، فلا ينقطع عذابهم ولا ينتهي، بل هو دائم مؤكَّد، إلا ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد مدَّة من مكثهم في النار. إن ربك -أيها الرسول- فعَّال لما يريد.
* ومنهم من يُلقى في مكانٍ ضيق ٍلا يتمكن فيه من الحركة:
قال تعالى : (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) [الفرقان/12-14])
وإذَا أصْبَحَتْ جَهَنَّمُ مِنْهُمْ عَلَى مَرَأى النَّظَرِ ، وَهُمْ فِي المحشَرِ ، بَعِيدُونَ عَنْهَا ، سَمِعُوا لَهَا صَوْتاً يُشْبِهُ صَوْتَ المَغِيظِ المُحْنَقِ ، لِشِدَّةِ تَوقُّدِهَا ، وَيُشْبِهُ صَوْتَ الزَّفِيرِ الذي يَخْرُجحُ مِنْ فَمِ الحزِينِ المَكْرُوبِ المُتَحَسِّرِ .
وَإِذَا أُلُقوا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ مِنْهَا ، وَأَيْدِيهِم مَجْمُوعَةٌ إِلى أَعْنَاقِهِمْ بالقُيُودِ والأَغْلاَلِ ، نَادُوْا هُنَالِكَ طَالِبِينَ تَعْجِيلَ هَلاَكِهِمْ لِيَسْتِريحُوا مِنْ هَوْلِ العَذَابِ .
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ : " إِنَّ المُجْرِمِينَ لَيُسْتَكْرَهُونَ فِي النَّارِ كَمَا ُسْتَكْرَهُ الوَتَدُ فِي الحَائِطِ "(8).
فَيُقَالَ لَهُمْ تَوْبِيخاً وَتَقْرِيعاً : لاَ تَطْلبُوا اليومَ هَلاَكاً وَاحِداً بَلِ اطْلبُوهُ مِرَاراً ، فَلَنْ تَجِدُوا لَكُمْ خَلاَصاً مِمّا أَنْتُمْ فِيهِ .
__________
(1) - تفسير مجاهد (2068 ) فيه لين
(2) - صحيح مسلم(313 )
(3) - صحيح مسلم(7674)
(4) - صحيح البخارى(4623)
(5) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 99)
(6) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 5895) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 12)
(7) - المستدرك للحاكم(8791) صحيح
(8) - تفسير ابن أبي حاتم(13965) وهو معضل(1/82)
* ومنهم من يتأذى أهل النار من نتن رائحتهم, وهم الزناة:
فعَنْ بُرَيْدَةَ : أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَتَلْعَنُ الشَّيْخَ الزَّانِيَ ، وَإِنَّ فُرُوجَ الزُّنَاةِ لَيُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ نَتَنُ رِيحِهَا(1). وغير ذلك كثير, نسأل الله تعالى السلامة.
ـــــــــــــ
__________
(1) - مجمع الزوائد ( 10541) رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَفِي إِسْنَادَهِ صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .(1/83)
المبحث الخامس والعشرون
شدة ما يكابده أهل النار
النار عذابها شديد ، وفيها من الأهوال وألوان العذاب ما يجعل الإنسان يبذل في سبيل الخلاص منها نفائس الأموال ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) [آل عمران/91] )
إن الذين جحدوا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وماتوا على الكفر بالله ورسوله، فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الأرض ذهبًا; ليفتدي به نفسه من عذاب الله، ولو افتدى به نفسه فِعْلا. أولئك لهم عذاب موجع، وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله.
وقال الحق في هذا المعنى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) [المائدة/36] )
إِنَّ الذِينَ كَفَروا بِرَبِّهِمْ ، وَعَبَدُوا غَيْرَهُ ، أوْ أشْرَكُوا مَعَهُ فِي الألُوهِيَّةِ غَيْرَهُ ، وَمَاتوا قَبْلَ أنْ يَتُوبُوا ، فَإنَّهُم لاَ نَجَاةَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَلَوْ أنَّ أحَدَهُمْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمِلْءِ الأرْضِ ذَهَباً ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ ، لِيَفْتَدِيَ بِذَلِكَ الذَّهَبِ مِنْ عَذابِ اللهِ الذِي قَدْ أَحَاطَ بِهِ ، لَمَا تُقُبِّلَ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَلاَ مَنْدُوحَةَ عَنْ عَذَابِهِ ، وَلا مَحِيصَ لَهُ مِنْ أنْ يُلاَقِيَ جَزَاءَهُ العَادِلَ مِنَ العَذَابِ ، وَهُوَ عَذَابٌ مُوجِعٌ ألِيمٌ .
وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ »(1).
إنها لحظات قليلة تنسي أكثر الكفار نعيما كل أوقات السعادة والهناء. وفي الصحيحين
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ « يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيُقَالُ لَهُ قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ »(2)
وعَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يُقَالُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَالُ : قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ.(3)
إن شدة النار وهولها تفقد الإنسان صوابه ، وتجعله يجود بكل أحبابه لينجو من النار وأنى له النجاة : ( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) [المعارج/11-18])
وَيُبْصِرُ الأَقَارِبُ بَعْضَهُمْ بَعْضاً ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَيَتَعَارَفُونَ ، ثُمَّ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَيَتَمَنَّى الكَافِرُ لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ ذَلِكَ اليَوْمِ بِأبْنَائِهِ ، وَهُمْ أَعَزُّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، فَيْدْفَعُ بِهِمْ إِلَى العَذَابِ لِيَنْجُوَ هُوَ مِنْهُ . أَوْ أَنْ يُقَدِّم فِدَاءً عَنْهُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَخَاهُ . أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ أَفْرَادِ عَشِيرَتِهِ التِي تَضُمُّهُ إِلَيْهَا . أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ أَهْلِ الأَرْضِ فِدَاءً لَهُ لِيَخْلُصَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ العَذَابِ .
كَلاَّ لاَ يُقْبَلُ فِدَاءٌ مِنَ الكَافِرِ ، وَلَوْ أَنَّهُ افْتَدَى بِجَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَبِجَمِيعِ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ وَمَالٍ ، إِنَّهَا النَّارُ الشَّدِيدَةُ الحَرَارَةِ تَحْرُقُ كُلَّ شَيءٍ بَارِزٍ مِنْ جِسْمِ الإِنْسَانِ فَتُزِيلُهُ وَكَأَنَّهَا تَنْزِعُهُ انْتِزَاعاً .
إِنَّهَا النَّارُ المُحْرِقَةُ تُنَادِي إِلَيهَا أَصْحَابَهَا مِنَ الكَفَرَةِ الذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ لَهَا ، وَهُمُ الذِينَ تَوَلَّوْا حِينَمَا دَعَاهُمْ رُسُلَهُمْ إِلَى الإيْمَانِ بِاللهِ ، وَوَلّوْا مُدْبِرِينَ .وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الذِي جَمَعَ المَالَ وَأَوْدَعَهُ فِي الأَوْعِيَةِ كَانِزاً لَهُ ، وَلَمْ يُنْفِقْهُ فِي وُجُوهِ البِرِّ والطَّاعَاتِ والخَيْرِ .
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(7266 )
(2) - صحيح البخارى(6538 ) ومسلم (7263 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 348)(7351) صحيح(1/84)
المبحث السادس والعشرون
تفاوتهم في العذاب
لما كانت النار دركات بعضها أشد عذابا وهولا من بعض كان أهلها متفاوتون في العذاب، فعَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ »(1). الحجزة : معقد الإزار والسراويل
وأما أخف أهل النار عذابا،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ مُتَنَعِّلٌ بِنَعْلَيْنِ مَنْ نَارٍ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَى أَرْدِيَتِهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتُمِرَ فِيهَا "(2).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، رَجُلٌ فِى رِجْلَيْهِ نَعْلاَنِ ، يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، وَمِنْهُمْ فِى النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِى النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنِ اغْتُمِرَ فِى النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِى النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتُمِرَ فِى النَّارِ.(3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ انْغَمَسَ فِيهَا "(4).
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَأَنَّهُ مِرْجَلٌ ، مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاءُ جَنْبَيْهِ مِنْ قَدَمَيْهِ ، وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ ، فَهُوَ يَفُورُ.(5)
وعَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ »(6).
الحجزة : معقد الإزار والسراويل
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ »(7)
الأخمص : باطن القدم الذى يتجافى عن الأرض عند الوطء -المرجل : القِدر من النحاس أو الحجارة -القمقم : ما يسخن فيه من نحاس وغيره
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَّا سِيقَ إِلَيْهَا أَهْلُهَا، تَلَقَّتْهُمْ، فَلَفَحَتْهُمْ لَفْحَةً، لَمْ تَدَعْ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إِلا أَلْقَتْهُ عَلَى الْعُرْقُوبِ"(8).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا الَّذِي يُجْعَلُ لَهُ نَعْلاَنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ.(9)
وعَنِ الْحَسَنِ ؛ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (56) سورة النساء ، قَالَ : بَلَغَنِي ، أَنَّهُ يُحْرَقُ أَحَدُهُمْ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ.(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : يُعَظَّمُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَصِيرَ شِفَاهُهُمْ إِلَى سُرَرَهُم ، مَقْبُوحُونَ ، يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ.(11)
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثْتُ نَعِيمًا ، بِحَدِيثِ شَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ ، فِي الْقَبْرِ ، فَقَالَ لِي : أَلَا أُحَدِّثُكَ بِمَا أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ ثنا سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ قَالَ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنَسَّى أَهْلَ النَّارِ جَعَلَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ صُنْدُوقًا عَلَى قَدْرِهِ مِنَ النَّارِ لَا يَنْبُضُ فِيهِ عِرْقٌ إِلَّا فِيهِ مِسْمَارٌ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُضْرَمُ فِيهِ النَّارُ ، ثُمَّ يُقْفَلُ بِقُفْلٍ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ الصُّنْدُوقُ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُضْرَمُ فِيهَا نَارٌ ، ثُمَّ يُقْفَلُ ، ثُمَّ يُلْقَى أَوْ يُطْرَحُ فِي النَّارِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ، قَالَ : فَمَا يَرَى أَنَّ فِي النَّارِ أَحَدًا غَيْرَهُ "(12)
وعن أبي هريرة في حديث المعراج الطويل ،، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ ، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إِلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ . قَالَ : مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِيجٌ ، وَلَحْمٌ آخَرُ نِيءٌ خَبِيثٌ ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ الْخَبِيثَ وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ يَقُومُ مِنْ عِنْدِ امْرَأَتِهِ حَلَالًا ، فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ ، فَيَبِيتُ مَعَهَا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا ، فَتَأْتِي الرَّجُلَ الْخَبِيثَ فَتَبِيتُ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْبِحَ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ ، لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ ، فَيُرِيدُ الثَّوْرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا ، فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَوَجَدَ رِيحَ مِسْكٍ مَعَ صَوْتٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ غَرْسِي ، وَحَرِيرِي ، وَسُنْدُسِي ، وَإِسْتَبْرَقِي ، وَعَبْقَرِيِّي ، وَمَرْجَانِي ، وَقَصَبِي ، وَذَهَبِي ، وَأَكْوَابِي ، وَصِحَافِي ، وَأَبَارِيقِي ، وَفَوَاكِهِي ، وَعَسَلِي ، وَثِيَابِي ، وَلَبَنِي ، وَخَمْرِي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ . وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي ، وَعَمِلَ صَالِحًا ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا ، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا - فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا خُلْفَ لِمِيعَادِي ، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فَقَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَ : هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ سَلَاسِلِي ، وَأَغْلَالِي ، وَسَعِيرِي ، وَحَمِيمِي ، وَغَسَّاقِي ، وَغِسْلِينِي ، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي ، وَاشْتَدَّ حَرِّي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ وَخَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ . قَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ ..."(13)
الرَّضْخ : الشَّدْخ. والرَّضْخ أيضا : الدّقُّ والكسر - الأدبار : جمع الدبر ودبر كل شيء عقبه ومؤخره - الضريع : نبات الشبرق لا تقربه دابة لخبثه - النضيج : ما اكتمل طهوه -- العرف : الريح الطيبة
وقد جاءت النصوص القرآنية مصدقة لتفاوت أصحاب أهل النار في العذاب كقوله تعالى: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) [النساء/145] ) ، وقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) [غافر/46 ) ، وقوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) [النحل/88]) .
يقول القرطبي في هذا الموضوع : " هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط ، ليس ككفر من طغى وكفر وتمرد وعصى، ولا شك أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون ، كما قد علم من الكتاب والسنة ، ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر ، مساويا لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ضحضاح لنصرته إياه ، وذبه عنه وإحسانه إليه ؟ "(14)
وقال ابن رجب : " واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي أدخلوا بها النار " ثم ساق الأدلة على ذلك ، وساق قول ابن عباس " ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ، ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك " ، ثم قال ابن رجب: " وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم ، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار "(15)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(7348 )
(2) - المستدرك للحاكم (8734) صحيح
(3) - مسند أحمد(11398) صحيح
(4) - مجمع الزوائد ( 18628 ) رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 157)(35270) صحيح
(6) - صحيح مسلم(7348)
(7) - صحيح البخارى (6562 ) ومسلم(538 )
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 116)(264 ) ضعيف والصحيح وقفه لكن مثله لا يقال بالرأى
(9) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 513) (7472) صحيح
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 163) (35288) صحيح
(11) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 163) (35289) صحيح
(12) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (524) حسن موقوف
(13) - تهذيب الآثار للطبري (2768) ودَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ(679 ) حسن
(14) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 2 / ص 35)
(15) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 132)(1/85)
المبحث السابع والعشرون
السِّرُّ في كثرة أهل النار
جاءت النصوص كثيرة وافرة دالة على كثرة من يدخل النار من بني آدم وقلة من يدخل الجنة منهم . قال تعالى: ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف/103]) . ويدلُّ على كثرة الكفرة والمشركين الذين رفضوا دعوة الرسل أن النبي يأتي في يوم القيامة ومعه الرهط ، وهم الجماعة دون العشرة ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، بل إن بعض الأنبياء يأتي وحيدا لم يؤمن به أحد ، ففي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِىَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ وَالنَّبِىَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِى فَقِيلَ لِى هَذَا مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْمُهُ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِى انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِى هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ». ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ. وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَا الَّذِى تَخُوضُونَ فِيهِ ». فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ». فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ « أَنْتَ مِنْهُمْ » ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ « سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ »(1).
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ رَهْطٌ ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ رَجُلٌ ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : هَذِهِ أُمَّتِي ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ قِيلَ لِي : انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي : أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ، ثُمَّ نَهَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَخَلَ ، فَخَاضَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ؟ فَقَالَ : بَعْضُهُمْ لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ ، وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ قَطُّ ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَقَالَتِهِمْ ، فَقَالَ : هُمُ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ ، فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْتَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : أَنَا مِنْهُمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.(2)
وجاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ .قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولُ اللَّهِ أَيُّنَا الرَّجُلُ قَالَ « أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ رَجُلٌ - ثُمَّ قَالَ - وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قَالَ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ، ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِى الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوِ الرَّقْمَةِ فِى ذِرَاعِ الْحِمَارِ » . الرقمة : الدائرة(3)
وليس السبب في كثرة أهل النار هو عدم بلوغ الحق إلى البشر على اختلاف أزمانهم ، فإن الله لا يؤاخذ العباد إذا لم تبلغهم دعوته: ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) [الإسراء/15]) ، ولذلك فإن الله أرسل في كل أمة نذيرا: ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) [فاطر/24])، ولكن السبب في ذلك يعود إلى قلَّة الذين استجابوا للرسل وكثرة الذين كفروا بهم ،وكثير من الذين استجابوا لم يكن إيمانهم خالصا نقيا .
وقد تعرض ابن رجب في كتابه ( التخويف من النار ) إلى السبب في قلة أهل الجنة ، وكثرة أهل النار فقال: ( فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار ، وتدلُّ أيضا على أن اتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم ، وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيه من الاختلاف، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل وهم أيضا من أهل النار كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود/17]) ، وأما المنتسبون إلى الكتاب والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضا ، وهم المنافقين الذين هم في الدرك السفل من النار ، وأما المنتسبون إليه ظاهرا وباطنا فكثير منهم فتن بالشبهات ، وهم أهل البدع والضلال ، وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النارإلا فرقة واحدة، وكثير منها أيضا فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار - وإن لم يقتض الخلود فيها - فلم ينج من الوعيد بالنار ، ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة، وهو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ظاهرا وباطنا وسلم من فتنة الشهوات والشبهات ، وهؤلاء قليل جدا لاسيما في الأزمان المتأخرة)(4)
ولعل السبب الأعظم هو اتباع الشهوات ، ذلك أن حب الشهوات مغروس في أعماق النفس البشرية قال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) [آل عمران/14]) ، وكثير من الناس يريد الوصول إلى هذه الشهوات عن الطريق التي تهواها نفسه ويحبها قلبه ، ولا يراعي في ذلك شرع الله المنزل ، أضف إلى هذا تمسك الأبناء بميراث الآباء المناقض لشرع الله، قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) [الزخرف/23]) .
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ »(5).
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(549 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 339)(6430) صحيح
(3) - صحيح البخارى (6530 ) و صحيح مسلم (554)
(4) - التخويف من النار - (ج 1 / ص 193)
(5) - صحيح البخارى (6487 )(1/86)
المبحث الثامن والعشرون
النساء أكثر أهل النار
أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ » . قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ »(1).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ، وَأُرِيتُ النَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » . قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « بِكُفْرِهِنَّ » . قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ « يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ »(2).
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ »(3).
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَظَرْتُ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينُ ، وَنَظَرْتُ فِي النَّارِ ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، وَإِذَا أَهْلُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، وَإِذَا الْكُفَّارُ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ.(4)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى أَضْحًى - أَوْ فِطْرٍ - إِلَى الْمُصَلَّى ، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ » . فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ » . قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ » . قُلْنَ بَلَى . قَالَ « فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ » . قُلْنَ بَلَى . قَالَ « فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا »(5). الحازم : الضابط لأمره -اللب : العقل
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحًى ، أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ، فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَقَامَ ، فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ ، قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، تَصَدَّقُوا ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي أَرَاكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، فَقُلْنَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنَ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، فَقُلْنَ لَهُ : مَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟ قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : فَذَاكَ نُقْصَانُ عَقْلِهَا ، أَوَ لَيْسَتْ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ؟ قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : فَذَاكَ نُقْصَانُ دِينِهَا"(6)
وعَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَتْ : وَكَانَ عَبْدُ اللهِ رَجُلاً خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ ، فَقَالَتْ : سَلْ لِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتُجْزِئُ عَنِّي مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي ؟ قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ ، فَقَالَ : لاَ بَلْ سَلِيهِ أَنْتِ ، قَالَتْ : فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا عَلَى الْبَابِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَاجَتُهَا حَاجَتِي اسْمُهَا زَيْنَبُ ، قَالَتْ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : سَلْ لَنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُجْزِئُ عَنَّا مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا ، قَالَتْ : فَدَخَلَ بِلاَلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلَى الْبَابِ زَيْنَبُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ : زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ ، وَزَيْنَبُ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، تَسْأَلاَنِ عَنِ النَّفَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا أَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمَا مِنَ الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ لَهُمَا أَجْرَانِ : أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ.(7)
وفي الصحيحين عَنْ أُسَامَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ.(8)
وعَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ كَانَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَتَانِ فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتِ الأُخْرَى جِئْتَ مِنْ عِنْدِ فُلاَنَةَ فَقَالَ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِى الْجَنَّةِ النِّسَاءُ ».(9)
قال ابن القيم: فهذا يدل على أنه إنما يكنّ في الجنة أكثر بالحور وأما نساء أهل الدنيا فأقل أهل الجنة قال السمهودي: وفيه نظر لإمكان الجمع بأن المراد أن منكن في الجنة ليسير بالنسبة لمن يدخل النار منكن لأنهن أكثر أهل النار ويحمل عليه خبر عائشة أقل ساكني الجنة النساء يعني بالنسبة لمن يسكن منهن النار "(10)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(29 )
(2) - صحيح البخارى(1052 )
(3) - صحيح البخارى(3241 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 494)(7456) صحيح
(5) - صحيح البخارى(304 )
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 54) (5744) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 58) (4248) حسن
(8) - صحيح البخارى(5196 ) ومسلم (7113)
(9) - صحيح مسلم (7118 )
(10) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير(ج 2 / ص 68)(1/87)
المبحث التاسع والعشرون
ذكر الجهنميين
قال الطبري : " قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس وَأَنَس بْن مَالِك يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الْآيَة : { رُبَّمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَا : ذَلِكَ يَوْم يَجْمَع اللَّه أَهْل الْخَطَايَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي النَّار حِين يُحْبَس أَهْل الْخَطَايَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ - فَيَقُول الْمُشْرِكُونَ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ! قَدْ جَمَعَنَا وَإِيَّاكُمْ ; و فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَته ; فَيُخْرِجهُمْ اللَّه , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
و عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : يُدْخِل الْجَنَّة وَيَرْحَم حَتَّى يَقُول فِي آخِر ذَلِكَ : مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّة ! قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
و عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة يَتَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُوَحِّدِينَ.
و عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : هَذَا فِي الْجَهَنَّمِيِّينَ إِذَا رَأَوْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار.
وقَالَ اِبْن أَبِي فَرْوَة الْعَبْدِيّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس وَأَنَس بْن مَالِك كَانَا يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الْآيَة : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } يَتَأَوَّلَانِهَا يَوْم يَحْبِس اللَّه أَهْل الْخَطَايَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّار , قَالَ : فَيَقُول لَهُمْ الْمُشْرِكُونَ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا , قَالَ : فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَته , فَيُخْرِجهُمْ , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
و عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا يَزَال اللَّه يُدْخِل الْجَنَّة , وَيَرْحَم وَيَشْفَع حَتَّى يَقُول : مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّة ! فَذَلِكَ قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وقال حَمَّاد : سَأَلْت إِبْرَاهِيم عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : حُدِّثْت أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِمَنْ دَخَلَ النَّار مِنْ الْمُسْلِمِينَ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالَ : فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ , فَيَقُول لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ : اِشْفَعُوا ! فَيَشْفَعُونَ , فَيُخْرِجُونَ مِنْ النَّار , حَتَّى إِنَّ إِبْلِيس لَيَتَطَاوَل رَجَاء أَنْ يُخْرَج مَعَهُمْ ،قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
وعَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : يَقُول مَنْ فِي النَّار مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ : مَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " ؟ قَالَ فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ , فَيَقُول : مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَخْرُجْ مِنْ النَّار ! قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ : { يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وعَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : إِنَّ أَهْل النَّار يَقُولُونَ : كُنَّا أَهْل شِرْك وَكُفْر , فَمَا شَأْن هَؤُلَاءِ الْمُوَحِّدِينَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ ؟ قَالَ : فَيَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ .قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ { يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وعَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يَقُول أَهْل النَّار لِلْمُوَحِّدِينَ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانكُمْ ؟ قَالَ : فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , قَالَ : أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة ! فَعِنْد ذَلِكَ { يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وعَنْ حَمَّاد , قَالَ : سَأَلْت إِبْرَاهِيم عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : الْكُفَّار يُعَيِّرُونَ أَهْل التَّوْحِيد : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ؟ فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ , فَيَأْمُر النَّبِيِّينَ وَالْمَلَائِكَة فَيَشْفَعُونَ , فَيُخْرَج أَهْل التَّوْحِيد , حَتَّى إِنَّ إِبْلِيس لَيَتَطَاوَل رَجَاء أَنْ يُخْرَج , فَذَلِكَ قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وعَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِذَا فَرَغَ اللَّه مِنْ الْقَضَاء بَيْن خَلْقه , قَالَ : مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّة ! فَعِنْد ذَلِكَ { يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وَيَقُول آخَرُونَ : بَلْ يُعَذِّب اللَّه نَاسًا مِنْ أَهْل التَّوْحِيد فِي النَّار بِذُنُوبِهِمْ , فَيَعْرِفهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَيَقُولُونَ : مَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ عِبَادَة رَبّكُمْ وَقَدْ أَلْقَاكُمْ فِي النَّار ؟ فَيَغْضَب لَهُمْ فَيُخْرِجهُمْ , فَيَقُول : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وعَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّار .
وعَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } وَذَلِكَ وَاَللَّه يَوْم الْقِيَامَة , وَدُّوا لَوْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُسْلِمِينَ .
وعَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا يَزَال اللَّه يُدْخِل الْجَنَّة وَيَشْفَع حَتَّى يَقُول : مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّة ! فَذَلِكَ حِين يَقُول : { رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }(1)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ اللَّاتِ وَالْعُزَّى : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ قَوْلُكُمْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ ، فَيُخْرِجُهُمْ ( فَيَقْذِفُ بِهِمْ ) فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ ، فَيَبْرَءُونَ مِنْ حَرْقِهِمْ كَمَا يَبْرَأُ الْقَمَرُ مِنْ كُسُوفِهِ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ : الْجَهَنَّمِيِّينَ " . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا أَنَسُ ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ أَنَسٌ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " . أَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ هَذَا . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ،(2)
وعَنْ أَبِي رَوْقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي طَرِيفٍ ، قَالَ : قُلْتُ لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ : {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنَ} [الحجر] ؟ فَقَالَ : نَعَمْ سَمِعْتُهُ ، يَقُولُ : يُخْرِجُ اللَّهُ أُنَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ ، قَالَ : لَمَّا أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ : أَلَيْسَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ فَمَا لَكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ، فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ ، فَيَتَشَفَّعُ لَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللهِ ، فَلَمَّا أُخْرِجُوا ، قَالُوا : يَا لَيْتَنَا كُنَّا مَثَلَهُمْ ، فَتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ ، فَنُخْرَجُ مِنَ النَّارِ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ : {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمَيْنِ} [الحجر] ، قَالَ : فَيُسَمَّوْنَ فِي الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الاِسْمَ ، قَالَ : فَيَأْمُرُهُمْ فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ مِنْهُمْ.(3)
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَن ِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ ، وَمَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالُوا : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلامُكُمْ ، وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ قَالُوا : كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ ، فَأُخِذْنَا بِهَا ، فَسَمِعَ اللَّهُ مَا قَالُوا ، قَالَ : فَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا ، فَيَقُولُ الْكُفَّارُ : يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمَيْنِ ، فَنُخْرَجُ كَمَا أُخْرِجُوا ، قَالَ : وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ : {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) [الحجر/1-3] "(4)
وعَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ إِلَى حُجْزَته وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّار إِلَى عُنُقه عَلَى قَدْر ذُنُوبهمْ وَأَعْمَالهمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُث فِيهَا شَهْرًا ثُمَّ يَخْرُج مِنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُث فِيهَا سَنَة ثُمَّ يَخْرُج مِنْهَا وَأَطْوَلهمْ فِيهَا مُكْثًا بِقَدْرِ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خُلِقَتْ إِلَى أَنْ تَفْنَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُخْرِجهُمْ مِنْهَا قَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَنْ فِي النَّار مِنْ أَهْل الْأَدْيَان وَالْأَوْثَان لِمَنْ فِي النَّار مِنْ أَهْل التَّوْحِيد آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَكُتُبه وَرُسُله فَنَحْنُ وَأَنْتُمْ الْيَوْم فِي النَّار سَوَاء فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبهُ لِشَيْءٍ فِيمَا مَضَى فَيُخْرِجهُمْ إِلَى عَيْن فِي الْجَنَّة وَهُوَ قَوْله " رُبَمَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ"(5).
ـــــــــــــ
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 16 / ص 18)(15878 -15889 ) وهي أسانيد تقوي بعضها البعض
(2) - مجمع الزوائد(18533 ) وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُمْ .
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 458)(7432) حسن
(4) - المستدرك للحاكم(2954) وصححه ووافقه الذهبي !! ضعيف
(5) - أخرجه ابن أبي حاتم وفيه مجاهيل، تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 526)(1/88)
المبحث الثلاثون
تخاصم أهل النار
قال تعالى : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) } [ص/59-63]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عَنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَكَيْفَ يَتَنَكَّرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، وَكَيْفَ يَتَشَاتَمُونَ وَيَتَلاَعَنُونَ ، وَيُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَحِينَمَا يَرَى جَمَاعَةُ الكُبَرَاءِ ، الذِينَ دَخَلُوا النَّارَ ، فَوْجاً يَدْخُلُهَا مِنَ الأَتْبَاعِ الذِينَ يَعْرِفُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَذَا فَوْجٌ مِنَ الكَفَرَةِ الضَّالينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ مَعَكُمْ ، فَلاَ مَرْحَباً بِهِمْ ، إِنَّهُمْ َسَيَذُوقُونَ عَذَابَ النَّارِ ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرَهَا .
فَيَردُّ عَلَيْهِمُ الأَتْبَاعُ الدَّاخِلُونَ قَائِلِينَ لَهُمْ ، وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ : بَلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ فَأَنْتُمْ الذِينَ أَضْلَلْتُمُونَا وَدَعَوْتُمُونَا إِلَى مَا أَفْضَى بِنَا إِلَى هَذَا
فَيَقُولُ الأَتباعُ دَاعِينَ عَلَى رُؤُوسِ الضَّلاَلَةِ : رَبَّنَا عَذِّبْ مَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي وُصُولِنَا إِلَى هَذَا العَذَابِ وأذِقْهُ عَذَاباً مُضَاعَفاً فِي النَّارِ : عَذَاباً لِضَلاَلِهِ ، وَعَذَاباً آخَرَ لإِضْلاَلِهِ غَيْرَهُ .
ثُمَّ يَلْتَفِتُ أَهْلُ النَّارِ لِيَبْحَثُوا بِأنْظَارِهِمْ فِي النَّارِ عَنْ فُقَرَاءِ المُؤْمِنِينَ ، وَضُعَفَائِهِمْ ، الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيَعُدُّونَهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ، فَلاَ يَرَوْنَهُمْ فِي النَّارِ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : لِمَاذَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ أَشْرَاراً فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا نَسْخَرُ مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِيَّانَا إِلى الإِيْمَانِ؟ ( وَهُمْ يَقْصِدُونَ فَقَرَاءَ المُؤْمِنِينَ ) .
ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَلِ اتَّخَذْنَاهُمْ مَوْضُوعاً لِلْهُزْءِ والسُّخْرِيَةِ ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلاً لِذَلِكَ ، فَكَانُوا عَلَى حَقٍّ ، وَكُنَّا عَلَى بَاطِلٍ ، فَفَازُوا بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا النَّارَ مَعَنَا ، أَمْ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ مَعَنَا وَلَكِنَّ أَبْصَارَنَا زَاغَتْ عَنْهُمْ ، فَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِمْ؟
وَهَذَا الذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ النَّارِ وَتَخَاصُمِهِمْ وَتَلاَعُنِهِمْ ، لَحَقٌّ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَع
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) }[الأحزاب/64-68]
إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة، ماكثين فيها أبدًا، لا يجدون وليًّا يتولاهم ويدافع عنهم، ولا نصيرًا ينصرهم، فيخرجهم من النار. يوم تُقَلَّب وجوه الكافرين في النار يقولون نادمين متحيِّرين: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا رسوله في الدنيا، فكنا من أهل الجنة.
وقال الكافرون يوم القيامة: ربنا إنا أطَعْنا أئمتنا في الضلال وكبراءنا في الشرك، فأزالونا عن طريق الهُدى والإيمان. ربنا عذِّبهم من العذاب مثلَيْ عذابنا الذي تعذبنا به، واطردهم من رحمتك طردًا شديدًا. وفي هذا دليل على أن طاعة غير الله في مخالفة أمره وأمر رسوله، موجبة لسخط الله وعقابه، وأن التابع والمتبوع في العذاب مشتركون، فليحذر المسلم ذلك.
وقال تعالى : { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } [إبراهيم/21 ]
وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَبْرُزُ الخَلاَئِقُ كُلُّهَا لِلوَاحِدِ القَهَّارِ ، وَتَجْتَمِعُ فِي بَرَازٍ وَاحِدٍ ( وَهُوَ المَكَانُ الوَاسِعُ الخَالِي الذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ ) ، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ ( الضُّعَفَاءُ ) لِلقَادَةِ الذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ : لَقَدْ كُنَّا تَابِعِينَ لَكُمْ نَأْتَمِرُ بِأَمْرِكُمْ ، وَقَدْ فَعَلْنَا مَا أَمَرْتُمُونَا بِهِ ، فَهَلْ تَدْفَعُونَ عَنَّا اليَوْمَ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } ؟ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ القَادَةُ الكُبَرَاءُ قَائِلِينَ : لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانَا لَهَدَيْنَاكُمْ مَعَنَا ، وَلَكِنَّنَا ضَلَلْنَا فَضَلَلْتُمْ مَعَنَا ، فَحَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ لأنَّ الجَزَعَ لاَ يُفِيدُ ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا فَلاَ نَجَاةَ لَنَا مِنَ النَّارِ ، وَلاَ مَصْرِفَ لَنَا عَنْهَا .
وقال تعالى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) }[غافر/47-50]
وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ أَهْلُ النَّارِ فِي الحِجَاجِ وَالخِصَامِ ، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ : إِنَّا أَطَعْنَاكُمْ فِيمَا دَعَوْتُمُونَا إِلَيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الكُفْرِ والضَّلاَلِ ، فَهَلْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا عَنَّا قِسْطاً مِنَ العَذَابِ فَتُخَفِّفُوهُ عَنَّا؟ فَقَدْ كُنَا لَكُمْ أَتْبَاعاً ، وَإِنَّمَا دَخَلْنَا النَّارَ بِسَبَبِ إِطَاعَتِنَا لَكُمْ .
وَيَقُولُ الكُبَرَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ : إِنَّهُمْ جَمِيعاً فِي النَّارِ يَذُوقُونَ العَذَابَ ، وَقَدْ فَصَلَ اللهُ بِقَضَائِهِ بَيْنَ العِبَادِ ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ ، فَلاَ يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِذَنْبِهِ ، وَإِنَّهُمْ جَمِيعاً كَافِرُونَ وَقَدِ اسْتَحَقُّوا العَذَابَ بِسَبَبِ كُفِرِهِمْ .
وَلَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ يُقَرِّعُونَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُ رَبِّكُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيهِ؟ وَيَقُولُ المُسْتَضْعَفُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِالحُجَجِ والبَيِّنَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزنَةُ جَهَنَّمَ : إِذاً فَادْعُوا أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ . وَلكِنَّ دُعَاءَ الكَافِرِينَ لاَ يُفِيدُ ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ ، وَيَذْهَبُ سُدًى .
وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } [الزخرف/36-38]
وَمَنْ يَتَغَافَلْ وَيَتَعَامَ عَنِ القُرْآنِ ، وَعَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى ، وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي ، وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا . . فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ فَيَكُونُونَ لَهُ قُرْنَاءَ ، يُزَيِّنُونَ لَهُ ارْتِكَابَ المَعَاصِي ، وَالاشْتِغَالَ بِاللَّذَّاتِ ، فَيَسْتَرْسِلُ فِيهَا فَيَحِقُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابُهُ .
وَهَؤُلاَءِ القُرنَاءُ مِن شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ ، الذِينَ يُقَيِّضُهُم اللهُ لِكُلِّ مَنْ يَعْشُوا عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ، يُحَاوِلُونَ صَرْفَهُ عَنِ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ ، وَيُوسْوِسُونَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى جَادَّةِ الهُدَى والحَقِّ والصَّوَابِ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ عَلَى البَاطِلِ ، وَيُكَرِّهُونَ إِلَيهِ الإِيْمَانَ فَيُطِيعُهُمْ .
وَحِينَ يُوَافِي هَذَا الغَافِلُ ، الذِي تَسَلّطَتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ ، رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَتَبَرَّمُ بالشَّيْطَانِ الذِي وُكِّلَ بِهِ ، وَيَقُولُ لَهُ : يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ مَا بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ، فَبِئْسَ القَرِينُ أَنْتَ ، لأَنَّكَ أَضْلَلْتَنِي ، وَأَوْصَلْتَنِي إِلَى مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الخِزْيِ والعَذَابِ المُهِينِ .
وَيُقَالُ لِهَذَا الغَافِلِ الجَاهِلِ وَأَمْثَالِهِ ، وَشَيَاطِينِهِمْ تَقْرِيعاً وَتَوْبِيخاً : لَنْ يَنْفَعَكُمْ ، وَلَنْ يُغَنِيَ عَنْكُم اجْتَمَاعُكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ وَقرنَاؤُكُمْ ، وَلاَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي العَذَابِ الأَلِيمِ ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعَانِي مِنَ العَذَابِ مَا يَكْفِيهِ .
وقال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) } [سبأ/31-33]
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ : لَنْ نُؤْمِنَ بِهذا القُرْآنِ ، وَلاَ بِالكُتُبِ التِي تَقَدَّمَتْهُ ، وَلاَ بِمَا اشْتَملَتْ عَليهِ مِنْ أُمورِ الغَيْبِ ، وَالبَعْثِ ، وَالنُّشُورِ ، وَالحِسَابِ ، وَالجَزَاءِ ، وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَليهم ، قَائِلاً لرَسُولِهِ الكَرِيمِ : لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ حَالَ أُولئِكَ الكُفَّارِ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُمْ وَقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ ، لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ ، وَقَدْ عَلَتْهُمُ الذِّلَّةُ والمَهَانَةُ . . إذاً لَرَأَيْتَ أَمراً عَجَباً ، إِذْ يَقُولُ الأتْبَاعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ المُسْتَكْبِرِينَ الذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلى اتِّبَاعِ سَبيلِ الغَيِّ والضَّلاَلةِ : لَولا أَنَّكُم صَدَدْتُمُونا عَنِ الهُدَى ، وَحَمَلْتُمُونَا عَلى اتِّبَاعِكُمْ حَمْلاً لَكُنّا آمَنَّا بِرَبِّنا ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ .
فَيَرُدُّ السَّادةُ المُسْتَكْبِرُونَ عَلَى المُستَضْعَفِينَ قَائِلِينَ : هَلْ نَحْنُ الذِينَ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ الذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ؟ لَيْسَ هذا حَقَّاً ، إِنَّكُمْ الذِينَ مَنَعْتُمْ الذِينَ مَنَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ حَظَّهَا مِنِ اتِّبَاعِ الهُدَى لإِجْرَامِكُمْ وَإِيثارِكُمُ الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ .
فَقَالَ الأَتباعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ : بَلْ أَنْتُمُ الذِينَ كُنْتُمْ تُوَسْوِسُونَ لَنَا بِالكُفْرِ لَيلاً وَنَهَاراً ، وَتُغُونَنا بِالّّثَّبَاتِ عَلَى الكًُفْرِ ، وَالإِقَامَةِ عَلَيهِ ، وَتُخْبِرُونَنا أَنَّنا عَلَى هُدىً فِيمَا نَعْبُدُهُ مِنْ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ وَأَندَادٍ .
وَيَتَوَقَّفُ الحِوَارُ بَيْنَ الأَتْبَاعِ المُسْتَضْعَفِينَ وَبَينَ السَّادَةِ المَتْبُوعِينَ ، وَيُسِرُّ كُلُّ فَرِيقٍ في نَفْسِهِ ما يَشْعُرُ بِهِ مِنْ حَسْرَةٍ وَنَدَمٍ عَلَى ما فَرَّطَ في جَنْبِ اللهِ ، وَمَا قَصَّرَ في طَاعَتِهِ ، حِينَ يَرَى العَذابَ الذِي أَعَدَّهُ اللهُ لِلْكَفَرةِ المُجْرِمينَ . ثُمَّ تُوضَعُ الأَغْلالُ وَسِلاسِلُ الحَدِيدِ فِي أَعْنَاقِ هؤلاءِ ، وَهُمْ في النَّارِ .
والعَذَابُ الذِي يَلْقَوْنَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنَما هُوَ الجَزَاءُ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عَلى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ الكُفْرِ وَالآثامِ والسَّيِّئَاتِ فِي الدُّنيا .
ـــــــــــــ(1/89)
المبحث الواحد والثلاثون
في بكائهم وشهيقهم
َعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : َّ إِن أَهْلُ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلَا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا ، ثُمَّ يَقُولُ : { إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} (77) سورة الزخرف . ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (107) سورة المؤمنون ، فَلَا يُجِيبُهُمْ مِثْلَ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقُولُ : { اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (108) سورة المؤمنون . ثُمَّ يَيْأَسُ الْقَوْمُ فَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ ، وَالشَّهِيقُ تُشْبِهُ أَصْوَاتُهُمْ أَصْوَاتَ الْحَمِيرِ ، أَوَّلُهَا شَهِيقٌ وَآخِرُهَا زَفِيرٌ .(1)
الشهيق في الصدر -والزفير في الحلق وقال ابن فارس الشهيق ضد الزفير لأن الشهيق رد النفس والزفير إخراج النفس
وعَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَشَهِيق } يَقُول : صَوْت شَدِيد وَصَوْت ضَعِيف"(2)
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِنْ جُوعٍ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِى غُصَّةٍ فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِى الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلاَلِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِى بُطُونِهِمْ فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى. قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ. قَالَ فَيَقُولُونَ ادْعُوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قَالَ فَيُجِيبُهُمْ (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) ». قَالَ الأَعْمَشُ نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ. قَالَ « فَيَقُولُونَ ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلاَ أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَيَقُولُونَ (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) قَالَ فَيُجِيبُهُمْ ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ) قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ فِى الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ »(3).
الضريع : نبت بالحجاز له شوك كبار
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ فِى وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُنُ لَجَرَتْ ».(4)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ابْكُوا ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا ، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ ، فَتَسِيلَ يَعْنِي الدِّمَاءَ فَتُقَرِّحَ الْعُيُونَ ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ"(5)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ يَعْنِي مَكَانَ الدَّمْعِ "(6)
وعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ فِي النَّارِ ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ بَعْدَ الدُّمُوعِ ، وَلِمِثْلِ مَا هُمْ فِيهِ يُبْكَى لَهُ.(7)
الأخدود بالضم هو الشق العظيم في الأرض
ـــــــــــــ
__________
(1) - مجمع الزوائد (18636 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ والمستدرك(3492 ) صحيح
(2) - تفسير الطبري - (ج 14 / ص 399)(14306) صحيح
(3) - سنن الترمذى(2789 ) ورجح وقفه
(4) - سنن ابن ماجه (4467 ) ضعيف
(5) - مسند أبي يعلى الموصلي(4134) ضعيف
(6) - المستدرك للحاكم(8791) صحيح
(7) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 156)(35268) صحيح(1/90)
المبحث الثاني والثلاثون
أعظمُ عذابِ أهل النَّار
كما أنَّ رضوان الله تعالى على أهل الجنة وتجلِّيه لهم أعظم من كلِّ نعيم الجنة, فإنَّ أعظم عذاب أهل النار هو حجابهم عن الله عزَّ وجلَّ وإبعادهم عنه,وإعراضه عنهم, وسخطه عليهم, قال تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) {المطففين:14-17}.
وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمُو مِنْ أَنَّ هَذَا القُرْآنَ هُوَ مِنْ أَسَاطِيرِ الأَوَّلِينَ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَكِنَّ الذِي حَجَبَ عَنْ قُلُوبِهِمْ الإِيْمَانَ هُوَ مَا عَلاَ قُلُوبَهُمْ وَغَطَّاهَا مِنْ تَرَاكُمْ الذُّنُوبِ ، وَتَوَالِي الإِقْدَامِ عَلَى مُنْكَرِ الأَعْمَالِ ، حَتَّى اعْتَادُوهَا ، وَصَارَتْ سَبَباً لَهُمْ لِحُصُولِ الرِّيْن عَلَى قُلُوبِهِمْ ، الأُمُورِ عَلَيْهِمْ .
يَزْجُرُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ ، الذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ القُرْآنَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ، والذِينَ يَدَّعُوْنَ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ عِنْدَ اللهِ مِنَ المُقَرَّبِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ لَهُمْ : لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا ، فَهُمْ سَيُطْرَدُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، وَسَيُحْجَبُونَ عَنْ رُؤْيَتِهِ .
وَبَعْدَ أَنْ يُحْجَبُوا يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ ، يُقْذَفُ بِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَيَصْلَونَ سَعِيرَهَا ، وَيُقَاسُونَ حَرَّهَا .
فذكر الله تعالى ثلاثة أنواع ٍمن العذاب: حجابهم عن الله,ثمَّ صليهم الجحيم, ثمَّ توبيخهم بتكذيبهم به في الدنيا. وذلك بعد أن وصفهم بالرَّان على قلوبهم-وهو الصدأ- بسبب المعاصي والذنوب.
وعن أبي عمران الجوني، قال: لم ينظر الله تعالى إلى إنسان قط إلا رحمه، ولو نظر إلى أهل النار لرحمهم، ولكنه قضى أنه لا ينظر إليهم.(1)
ـــــــــــــ
__________
(1) - حلية الأولياء - (ج 1 / ص 1)(1/91)
المبحث الثالث والثلاثون
أهون أهل النار عذابا
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا الَّذِي يُجْعَلُ لَهُ نَعْلاَنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ.(2)
وعَن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِكَ ، قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ "(3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ يَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ تَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ "(4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ،(5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ نَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ »(6).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ »(7).
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ. ،(8)
الأخمص : باطن القدم الذى يتجافى عن الأرض عند الوطء -المرجل : القِدر من النحاس أو الحجارة -القمقم : ما يسخن فيه من نحاس وغيره
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدَّ عَذَابًا مِنْهُ وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا .(9)
أَمَّا الضَّحْضَاح فَهُوَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ، وَالضَّحْضَاح : مَا رَقّ مِنْ الْمَاء عَلَى وَجْه الْأَرْض إِلَى نَحْو الْكَعْبَيْنِ ، وَاسْتُعِيرَ فِي النَّار . وَأَمَّا الْغَمَرَات فَبِفَتْحِ الْغَيْن وَالْمِيم وَاحِدَتهَا غَمْرَة بِإِسْكَانِ الْمِيم وَهِيَ الْمُعْظَم مِنْ الشَّيْء .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : جَمْع ( الدَّرَك ) بِالْفَتْحِ أَدْرَاك كَجَمَلٍ وَأَجْمَال وَفَرَس وَأَفْرَاس ، وَجَمْع ( الدَّرْك ) بِالْإِسْكَانِ أَدْرُكٌ كَفَلْسٍ وَأَفْلُس . وَأَمَّا مَعْنَاهُ : فَقَالَ جَمِيع أَهْل اللُّغَة وَالْمَعَانِي وَالْغَرِيب وَجَمَاهِير الْمُفَسِّرِينَ : الدَّرْك الْأَسْفَل قَعْر جَهَنَّم . وَأَقْصَى أَسْفَلهَا ، قَالُوا : وَلِجَهَنَّمَ أَدْرَاك ، فَكُلّ طَبَقَة مِنْ أَطْبَاقهَا تُسَمَّى دَرْكًا . وَاَللَّهُ أَعْلَم .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث وَمَا أَشْبَهَهُ تَصْرِيح بِتَفَاوُتِ عَذَاب أَهْل النَّار كَمَا أَنَّ نَعِيمَ أَهْل الْجَنَّة مُتَفَاوِت . وَاَللَّه أَعْلَم .
وعَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ « أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى . فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ »(10)
وعَنْ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيَقُولُ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِى »(11)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(536 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 513)(7472) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة ( 209) صحيح
(4) - مسند أبي عوانة ( 210) صحيح
(5) - مسند أبي عوانة ( 212) و صحيح مسلم (537)
(6) - مسند أحمد (2688) صحيح
(7) - صحيح مسلم (537)
(8) - مسند أبي عوانة ( 213) و صحيح البخارى(6561 و 6562) ومسلم (538 )
(9) - مسند أبي عوانة ( 214) و صحيح مسلم (539)
(10) - صحيح البخارى(3334 )
(11) - صحيح البخارى(6557 )(1/92)
المبحث الرابع والثلاثون
أشخاص بأعيانهم في النار
الكفار والمشركون في النار لا شك في ذلك ، ولكن القرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبرا أن أشخاصا بأعيانهم في النار فمن هؤلاء:
فرعون موسى : قال تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) [هود/96، 99])
يُخْبِرُ اللهُ عَنْ إِرْسَالِهِ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، إِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ ، وَكِبَارِ رِجَالِ دَوْلَتِهِ ( مَلَئِهِ ) ، مُؤَيَّداً بِآيَاتِ اللهِ البَيِّنَاتِ ، الدَّالاَّتِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ ، وَفِيهَا السُلْطَانُ المُبِينُ ، وَالحُجَجُ الوَاضِحَةُ الدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ .
لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَكِبَارَ رِجَالِ دَوْلَتِهِ ( مَلَئِهِ ) مِنَ القِبْطِ ، فَكَفَرَ فِرْعَوْنَ بِمَا جَاءَهُ بِهِ مُوسَى ، وَأَمَرَ قَوْمَهُ بِأَنْ يَتَّبِعُوهُ فِي الكُفْرِ ، فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ، وَمَسْلَكَهُ وَطَرِيقَتَهُ فِي الغَيِّ وَالضَّلاَلِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَسْلَكُ فِرْعَوْنَ مهْدِياً رَشِيداً حَتَّى يُتْبَّعَ . ( وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى المَلأَ بِالذِّكْرِ ، لأَنَّهُمُ الكُبَرَاءُ وَالعَامَّةُ تَبَعٌ لَهُمْ ) .
وَكَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ مَلِكَ قَوْمِهِ وَقَائِدَهُمْ فِي الدُّنْيا ، كَذَلِكَ يَتَقَدَّمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، وَبِئْسَ المَوْرِدُ الذِي يَرِدُونَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لإِطْفَاءِ ظَمَئِهِمْ ، وَهُوَ المَاءُ الحَمِيمُ .
وَلَحِقَتْ بِهِمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةٌ مِنَ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ ، وَمِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنَ الأُمَمِ ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَلْعَنُهُمْ أَهْلُ المَوْقِفِ جَمِيعاً فَتَكُونُ اللعْنَةُ تَابِعَةً لَهُمْ حَيْثُمَا سَارُوا ، وَبِئْسَتْ هذِهِ اللَّعَنَاتُ عَطَاءً وَرِفْداً يُعْطَوْنَهُ وَيَتْبَعُهُمْ فِي الدُّنِيا وَالآخِرَةِ
أوردهم كما يورد الراعي قطيع الغنم . ألم يكونوا قطيعاً يسير بدون تفكير؟ ألم يتنازلوا عن أخص خصائص الآدمية وهي حرية الإرادة والاختيار؟ فأوردهم النار . ويا بئساه من ورد لا يروي غلة ، ولا يشفي صدى ، إنما يشوي البطون والقلوب : { وبئس الورد المورود! } .
وإذا ذلك كله . قيادة فرعون لهم ، وإيرادهم موردهم . . إذا ذلك كله حكاية تروى ، ويُعلق عليها : { وأُتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة } . .
ويُسخر منها ويُتهكم عليها : { بئس الرفد المرفود } . .فهذه النار هي الرفد والعطاء والمنة التي رفد بها فرعون قومه!!! ألم يعد السحرة عطاء جزيلاً ورفداً مرفوداً . . فها هو ذا رفده لمن اتبعه . . النار . . وبئس الورد المورود . وبئس الرفد المرفود!
000000000000000000
امرأة نوح وامرأة لوط : قال تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (10) سورة التحريم
يَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً لِحَالِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ الذِينَ يُخالِطُونَ المُسْلِمِينَ ، وَيُعَاشِرُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ مِنَ العِظَاتِ والدَّلاَئِلِ وَالبَرَاهِينِ ، بِحَالِ امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَةِ لُوطٍ ، فَقَدْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا زَوْجَةً لِنَبِّيٍّ صَالِحٍ مِنْ أَنْبِياءِ اللهِ ، وَلَكِنَّهُمَا لَمْ تَنْفِعَا بِمَا كَانَا يَدْعُوَانِ إِليْهِ مِنَ الخَيْرِ وَالهُدَى وَالإِيْمَانِ بِاللهِ تَعَالَى ، وَعَمِلَتَا أَعْمَالاً تَدُلُّ على الخِيَانَةِ وَالكُفْرِ ، فَاتَّهَمَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ زَوجَهَا بِالجُنُونِ ، وَكَانَتْ إمْرَأَةُ لُوطٍ تُرْشِدُ قَوْمَهَا إِلَى ضُيُوفِ زَوْجِهَا لِيَفْعَلُوا مَعَهُمْ الخَبَائِثَ ، فَأَهْلَكَهُمَا اللهُ مَعَ قَوْمِهِمَا ، وَسَيَكُونُ مَصِيرُهُمَا النَّارَ فِي الآخِرَةِ ، وَلَنْ يَنْفَعَهُمَا قُرْبُهُمَا مِنْ نَبِيَّينِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ ، وَلاَ انْتِسَابُهُمَا إِليهِمَا ، وَيُقَالُ لَهُمَا : ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ إِليهَا .
إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا ، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار . كما يراد أن يقال لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواج المؤمنين كذلك : إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء .
فهن مسؤولات عن ذواتهن , ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين !
وها هي ذي امرأة نوح . وكذلك امرأة لوط . (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) . .(فخانتاهما) . . (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا) . . (وقيل:ادخلا النار مع الداخلين) . .
فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان . وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء !
000000000000000
أبو لهب وامرأته : قال تعالى: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) [المسد/1-5] )
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى البَطْحَاءِ يَوْماً فَصَعِدَ الجَبَلَ ، وَنَادَى وَاصَبَاحَاهْ . فَاجْتَمَعَتْ قُرَيشٌ ، فَقَالَ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا نَعَمْ : قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ إِلَيْكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ . فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ تَبّاً لَكَ .
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ .
وَمَعْنَى الآيَةِ : الخُسْرَانُ وَالهَلاَكُ وَالتَّبَاتُ لأَبِي لَهَبٍ ( وَأَبُو لَهَبٍ عَمُّ الرَّسُولِ ) ، وَقَدْ نَسَبَ تَعَالَى الخُسْرَانَ وَالتَّبَابَ لِيَدَي أَبِي لَهَبٍ لأَنَّهُمَا أَدَاةُ العَمَلِ وَالبَطْشِ ، وَقَدْ تَبَّ وَهََلَكَ . ( فَالجُمْلَةُ الأُولى دُعَاءٌ ، وَالجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِخْبَارٌ بِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ ، وَأَنَّ أَبَا لَهَبٍ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ) .
وَفِي الآخِرَةِ لاَ يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ وَلاَ عَمَلُهُ الذِي كَانَ يَقُومُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُعَادَاةِ الرَّسُولِ وَإِيذَائِهِ .وَسَيَذُوقُ فِي الآخِرَةِ حَرَّ النَّارِ ، وَسَيُعَذَّبُ فِي لَظَاهَا .
وَسَتُعَذَّبُ فِي هَذِهِ النَّارِ أَيْضاً زَوْجَتُهُ لِسَعْيِهَا فِي الفِتْنَةِ والنَّمِيمَةِ لإِطْفَاءِ نُورِ الدَّعْوَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ ، وَإِيذَاءِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ .
وَفِي عُنُقِهَأ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ غَلِيظٌ أُحْكِمَ فَتْلُهُ ، وَهِيَ تَرْبُطُ بِهِ حُزْمَةَ حَطَبٍ إِلَى جِيدِهَا مِثْلَ الحَطَّابَاتِ المُمْتَهِنَاتِ .وَقَدْ صَوَّرَهَا تَعَالَى بِهَذِهِ الصُّورَةِ المُزْرِيَةِ احْتِقَاراً لَهَا وَلَزِوْجِهَا .
ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها ، قد سجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها صفحات الوجود أيضاً تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة الله في الدنيا ، والنار في الآخرة جزاء وفاقاً ، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعاً . .
00000000000000000
عمرو بن عامر الخزاعي : فقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجر أمعاءه في النار، فعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ الظُّهْرِ ، وَالنَّاسُ فِي الصُّفُوفِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَاوَلُ شَيْئًا ، فَجَعَلَ يَتَنَاوَلُهُ ، فَتَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَ النَّاسُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الثَّانِيَةَ ، فَتَأَخَّرَ النَّاسُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ فِي الصَّلاةِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ بِمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّضْرَةِ ، فَتَنَاوَلْتُ قِطْفًا مِنْ عِنَبِهَا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يُنْقِصُونَهُ ، فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ ، فَلَمَّا وَجَدْتُ سَفْعَتَهَا ، تَأَخَّرْتُ عَنْهَا ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ ، إِنِ ائْتُمِنَّ أَفْشَيْنَ ، وَإِنْ سَأَلْنَ أَلْحَفْنَ ، وَإِذَا سُئِلْنَ بَخِلْنَ ، وَإِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ الْخُزَاعِيُّ ، فَقَالَ مَعْبَدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَخْشَى عَلَيَّ مِنْ شَبَهِهِ ، فَإِنَّهُ وَالِدِي ؟ فَقَالَ : لاَ ، أَنْتَ مُؤْمِنٌ ، وَهُوَ كَافِرٌ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ"(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَىِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبَا بَنِى كَعْبٍ هَؤُلاَءِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ »(2).القُصب : الأمعاء
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ ، فَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ عَهْدَ إِبْرَاهِيمَ ، وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ ، وَكَانَ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِأَكْثَمَ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ ، فَقَالَ الأَكْثَمُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ مُسْلِمٌ وَهُوَ كَافِرٌ.(3)
قاتل عمار بن ياسر وسالبه : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَسَلَبِهِ ، فَقَالَ عَمْرٌو : خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ أُولِعَتْ قُرَيْشٌ بِعَمَّارٍ ، إِنَّ قَاتِلَ عَمَّارٍ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ "(4)
رأى عصاة المؤمنين، فعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلاَنِ ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ ، فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا ، فَقَالاَ لِي : اصْعَدْ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ ، فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ ؟ قَالَ : هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي ، فَإِذَا بِقَوْمٍ أَشَدِّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا ، وَأَنْتَنِهِ رِيحًا ، وَأَسْوَئِهِ مَنْظَرًا ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ ، قِيلَ : الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي ، فَإِذَا بِنِسَاءٍ تَنْهَشُ ثَدْيَهُنَّ الْحَيَّاتُ ، قُلْتُ : مَا بَالُ هَؤُلاَءِ ؟ قِيلَ : هَؤُلاَءِ اللاَّتِي يَمْنَعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي ، فَإِذَا أَنَا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ : هَؤُلاَءِ ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ شَرَفَ بِي شَرَفًا ، فَإِذَا أَنَا بِثَلاَثَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ لَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالُوا : هَذَا إِبْرَاهِيمُ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ.(5)
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَقُولُ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْ رُؤْيَا ؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُمَا ، قَالاَ لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ ، فَتُدَهْدِهَهُ الصَّخْرَةُ هَا هُنَا ، فَيَقُومُ إِلَى الْحَجَرِ فَيَأْخُذُهُ فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ أَحْسِبُهُ ، قَالَ : حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، فَإِذَا هُوَ يَأْتِيَ أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمِنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ الْجَانِبُ الأَوَّلُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ، مَا هَذَانِ ؟ قَالاَ : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، قَالَ عَوْفٌ : أَحْسِبُ أَنَّهُ ، قَالَ : فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا بِنَهْرٍ لَهِيبٍ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ تَضَوْضَوْا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ ، قَالَ : أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عِنْدَ شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي جَمَعَ الْحِجَارَةَ ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآهُ ، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ نَارٍ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَذَا ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ قَائِمٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ ، وأَرَى حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ وَأَحْسَنَهُ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلاَءِ ؟ قَالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَأَتَيْنَا دَوْحَةً عَظِيمَةً لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ ، قَالاَ لِي : ارْقَ فِيهَا ، قَالَ : فَارْتَقَيْنَا فِيهَا ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَفْتَحْنَا ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَقُلْنَا : مَا مِنْهَا رِجَالٌ ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، قَالَ : قَالاَ لَهُمُ : اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ ، فَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، وَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، قَالَ : قَالاَ : لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ ، قَالَ : فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا ، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ ، قَالَ : قَالاَ لِي : هَذَاكَ مَنْزِلُكَ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ، ذَرَانِي أَدْخُلْهُ ، قَالَ : قَالاَ لِي : أَمَّا الآنَ فَلاَ ، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ ، قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا ، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ ؟ قَالَ : قَالاَ لِي : أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ.
أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ فَتَبْلُغُ الآفَاقَ.
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ ، فَيَلْتَقِمُ الْحِجَارَةَ ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
قَالَ : فقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ ، فَهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ.(6)
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8788) حسن
(2) - صحيح مسلم (7371 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 535)(7490) صحيح
(4) - المستدرك للحاكم(5661) صحيح
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 536)(7491) صحيح
(6) - صحيح البخارى(7047 ) و صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 427)(655)(1/93)
وفي حديث الإسراء والمعراج الطويل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً ، وفيه : ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَقَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْإِبِلُ وَالنَّعَمُ ، وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ وَرَضْفَ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتَهَا ، قَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ شَيْئًا وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ نَضِيجٌ فِي قِدْرٍ ، وَلَحْمٌ آخِرُ نَيِّئٌ قَذِرٌ خَبِيثٌ ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ النَّيِّئِ الْخَبِيثِ وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ ، فَقَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ ، فَيَأْتِي امْرَأَةً خَبِيثَةً فَيَبِيتُ عِنْدَهَا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا ، فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى تُصْبِحَ ، قَالَ : ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ ، قَالَ : " مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، قَالَ : هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهُ ، ثُمَّ تَلَا : وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حِزْمَةَ حَطَبٍ عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، فَقَالَ : هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِنْدَهُ أَمَانَاتُ النَّاسِ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهَا ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُمُ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، قَالَ : " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ " قَالَ : هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ ، فَجَعَلَ الثَّوْرُ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ ، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ " ، قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ ، ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّهَا ،(1)
ـــــــــــــ
__________
(1) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ(2768 ) ودلائل النبوة للبيهقي (679 ) حسن(1/94)
المبحث الخامس والثلاثون
أول من تسعر بهم النار
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ.
ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ ».(1)
وعن سُفْيَانَ ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلا ، قُلْتُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ بِحَقٍّ ، وَحَقٍّ لَمَا حَدَّثَتْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلِمْتَهُ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَفْعَلُ ، لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً ، فَمَكَثَ قَلِيلا ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى فَمَكَثَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ ، فَقَالَ : أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ وَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلا ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَزَلَ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعَلِمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ : كَذَبْتَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ ، فَيَقُولُ : أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعَكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ، وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ الَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُ : فِيمَ قُتِلْتَ ؟ فَيَقُولُ : أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رُكْبَتِي ، فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(2)
وعن شُفَيّ الأَصْبَحِيِّ ، أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلاَ ، قُلْتُ لَهُ : أَنْشُدُكَ بِحَقِّي لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ.فقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْعَلُ ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلاً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فقَالَ : لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ ، فقَالَ : أَفْعَلُ ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ ، وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلاً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ. فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ ، وَرَجُلٌ ، يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ : كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلاَنٌ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ , وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْيُ ، قَالَ : فُلاَنٌ جَوَادٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ.وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقَالُ لَهُ : فِي مَاذَا قُتِلْتَ ؟ فَيَقُولُ : أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلاَنٌ جَرِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُكْبَتِي ، فقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ : فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْوَلِيدُ وَحَدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فقَالَ مُعَاوِيَةُ : قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلاَءِ مِثْلُ هَذَا ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ ؟
ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ ، وَقُلْنَا : قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ ، وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ ، فقَالَ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ، وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ، وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود : ](3).
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلْفَاظُ الْوَعِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ كُلُّهَا مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ : إِلاَّ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ عَلَى مُرْتَكِبِ تِلْكَ الْخِصَالِ بِالْعَفْوِ وَغُفْرَانِ تِلْكَ الْخِصَالِ ، دُونَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَعْدِ مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ : إِلاَّ أَنْ يَرْتَكِبَ عَامِلُهَا مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ، حَتَّى يُعَاقَبَ ، إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ ، ثُمَّ يُعْطَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الَّذِي وُعِدَ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (5032 )
(2) - المستدرك للحاكم (1527) وسنن الترمذى (2557 ) حسن
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 135)(408) صحيح(1/95)
المبحث السادس والثلاثون
صبغُ أنعم أهل الدنيا من أهل في النار
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.(1)
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ كَانَ بَلاَءً فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ أَوْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْرَهُهُ قَطُّ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ، وَلاَ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ.(2)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (7266 )
(2) - مسند أحمد (14010) صحيح(1/96)
المبحث السابع والثلاثون
جرائم الموحدين التي دخلوا بسببها النار
الذين يدخلون النار ، ثم يخرجون منها هم أهل التوحيد الذين لم بشركوا بالله شيئا ولكن لهم ذنوب كثيرة ، فخفَّت موازينهم ، فهؤلاء يدخلون النار مُددا يعلمها الله تبارك وتعالى، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، ويُخرج اللهُ برحمته أقواما لم يعملوا خيرا قط
الذنوب المتوعد عليها بالنار :
الفرقُ المخالفة للسنة :
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِينَا فَقَالَ « أَلاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَةُ ». زَادَ ابْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو فِى حَدِيثَيْهِمَا « وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ ».
وَقَالَ عَمْرٌو « الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لاَ يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلاَ مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ »(1).
الممتنعون من الهجرة :
لا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر إذا وجدت ديار الإسلام خاصة إذا كان مكثه في ديار الكفر يعرضه للفتنة ، ولم يقبل الله عذر الذين تخلفوا عن الهجرة ، فقد أخبر الحق أن الملائكة تبكت هذا الصنف من الناس حال الموت ولا تعذرهم عندما يدَّعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) [النساء/97-99]) ،
كَانَ فِي مَكَّةَ قَوْمٌ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَأَخْفُوا إِسْلاَمَهُمْ ، فَأَخْرَجَهُمُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ إلى قِتَالِ المُسْلِمِينَ ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ كَانَ أَصْحَابُنا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ ، وَأُكرْهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ . فَكَتَبَ المُسْلِمُونَ إلى مَنْ بَقِيَ مِنَ المُسْلِمِينَ المُسْتَخْفِينَ فِي مَكَّةَ : أَنَّهُمْ لاَ عُذْرَ لَهُمْ ، وَأَنَّ عَلَيْهِم الهِجْرَةَ .
والآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ أقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الهِجْرَةِ ، وَلَيسَ مُتَمكِّناً فِي مَوطِنِهِ مِنْ إقَامَةِ أمُورِ دِينِهِ ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، مُرْتَكِبٌ حَرَاماً بِالإجْمَاعِ . وَظُلْمُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ هُوَ تَرْكُهُمُ العَمَلَ بِالحَقِّ خَوْفاً مِنَ الأَذَى ، وَفَقْدِ الكَرَامَةِ عِنْدَ ذَوِي قُرْبَاهُمْ مِنَ المُبْطِلِينَ ، وَهَذا الاعْتِذَارُ مِمَّا يَعْتَذِرُ بِهِ الذِينَ يُسَايِرُونَ أَصْحَابَ البِدَعِ بِحُجَّةِ دَفْعِ الأذَى عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمُدَارَاةِ المُبْطِلِينَ ، وَهَذَا لا يُعْتَدُّ بِهِ ، لأنَّ الوَاجِبَ يَقْضِي عَلَيهِمْ بِإقَامَةِ الحَقِّ مَعَ احْتِمَالِ الأَذَى فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَوِ الهِجْرَةِ إلى حَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ
وَمَعْنَى الآيةِ : إَّن الذِينَ تَحْضُرُهُمُ الوَفَاةُ ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةِ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ ، وَلاَ إِظْهَارَهَا ( وَقَدْ عَدّ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ إلى دَارِ الأمْنِ وَالإسْلاَمِ ) ، فَتَسْألُهُمُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ : لِمَ لِبِثْتُمْ مُقِيمِينَ فِي أَرْضِ الكُفْرِ ، وَتَرَكْتُمُ الهِجْرَةَ؟ فَيُجِيبُونَ : إِنَّهُم كُانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ ، لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ ، وَلا الذَّهَابِ فِي الأَرْضِ . فَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ : أَلَيْسَتْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إلى حَيْثُ الأَمْنِ وَالحُرِّيَّةُ ، وَالقُدْرَةُ عَلَى إِظْهَارِ الإِيمَانِ؟ وَيَقَولُ تَعَالَى : إنَّ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ، وَسَاءَتْ مَصِيراً .
وَاسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ سُوءِ المَصِيرِ ، الذِي يَنْتَظِرُ القَاعِدِينَ عَنِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ - وَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةَ شَعَائِرِ دِينِهِمِ - المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَيْدِي المُشْرِكِينَ ، وَالذِينَ لَوْ قَدِرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ لَمَا اسْتَطَاعُوا الاهْتِدَاءَ إلى سُلُوكِ الطَّرِيق ، وَإيجَادِ السَّبِيلِ ، كَالعَجَزَةِ وَالمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالمُرَاهِقِينَ الذِين عَقَلُوا .
فَهَؤُلاءِ المَعْذُورُونَ قَدْ يَتَجَاوَزُ اللهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الكُفْرِ ، وَاللهُ كَثيرُ العَفْوِ وَالغُفْرَانِ(2).
الجائرون في الحكم :
أنزل الله الشريعة ليقوم الناس بالقسط ، وأمر الله عباده بالعدل ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) [النحل/90] )
إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ فِي كِتَابِهِ الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعَدْلِ وَالإِنْصَافِ ، وَيَنْدُبُ إِلَى الإِحْسَانِ وَالفَضْلِ ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحْمِ وَإِعْطَاءِ ذَوِي القُرْبَى مَا هُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ ، وَيَنْهَى عَنِ ارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ وَالمُنْكَرَاتِ وَالفَوَاحِشِ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، مِمَّا يَأْتِيهِ العَبْدُ سِرّاً وَخِفْيَةً وَاللهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالخَيْرِ ، وَيَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَالشَّرِّ ، لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ مَا أَوْدَعَهُ اللهُ فِي الفِطْرَةِ مِنْ وَحْيٍ قَوِيمٍ أَصِيلٍ ، فَتَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ .
لقد جاء هذا الكتاب لينشئ أمة وينظم مجتمعاً ، ثم لينشئ عالماً ويقيم نظاماً . جاء دعوة عالمية إنسانية لا تعصب فيها لقبيلة أو أمة أو جنس؛ إنما العقيدة وحدها هي الآصرة والرابطة والقومية والعصبية .
ومن ثم جاء بالمبادئ التي تكفل تماسك الجماعة والجماعات ، واطمئنان الأفراد والأمم والشعوب ، والثقة بالمعاملات والوعود والعهود :
جاء { بالعدل } الذي يكفل لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم قاعدة ثابتة للتعامل ، لا تميل مع الهوى ، ولا تتأثر بالود والبغض ، ولا تتبدل مجاراة للصهر والنسب ، والغنى والفقر ، والقوة والضعف . إنما تمضي في طريقها تكيل بمكيال واحد للجميع ، وتزن بميزان واحد للجميع .
وإلى جوار العدل . . { الإحسان } . . يلطف من حدة العدل الصارم الجازم ، ويدع الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه إيثاراً لود القلوب ، وشفاء لغل الصدور . ولمن يريد أن ينهض بما فوق العدل الواجب عليه ليداوي جرحاً أو يكسب فضلاً . والإحسان أوسع مدلولاً ، فكل عمل طيب إحسان ، والأمر بالإحسان يشمل كل عمل وكل تعامل ، فيشمل محيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه ، وعلاقاته بأسرته ، وعلاقاته بالجماعة ، وعلاقاته بالبشرية جميعاً .
ومن الإحسان { إيتاء ذي القربى } إنما يبرز الأمر به تعظيماً لشأنه ، وتوكيداً عليه . وما يبني هذا على عصبية الأسرة ، إنما يبنيه على مبدأ التكافل الذي يتدرج به الإسلام من المحيط المحلي إلى المحيط العام . وفق نظريته التنظيمية لهذا التكافل .
{ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } . . والفحشاء كل أمر يفحش أي يتجاوز الحد . ومنه ما خصص به غالباً وهو فاحشة الاعتداء على العرض ، لأنه فعل فاحش فيه اعتداء وفيه تجاوز للحد حتى ليدل على الفحشاء ويختص بها . والمنكر كل فعل تنكره الفطرة ومن ثم تنكره الشريعة فهي شريعة الفطرة . وقد تنحرف الفطرة أحياناً فتبقى الشريعة ثابتة تشير إلى أصل الفطرة قبل انحرافها . والبغي الظلم وتجاوز الحق والعدل .
وما من مجتمع يمكن أن يقوم على الفحشاء والمنكر والبغي . . ما من مجتمع تشيع فيه الفاحشة بكل مدلولاتها ، والمنكر بكل مغرراته ، والبغي بكل معقباته ، ثم يقوم . .
والفطرة البشرية تنتفض بعد فترة معينة ضد هذه العوامل الهدامة ، مهما تبلغ قوتها ، ومهما يستخدم الطغاة من الوسائل لحمايتها . وتاريخ البشرية كله انتفاضات وانتفاضات ضد الفحشاء والمنكر والبغي . فلا يهم أن تقوم عهود وأن تقوم دول عليها حيناً من الدهر ، فالانتقاض عليها دليل على أنها عناصر غريبة على جسم الحياة ، فهي تنتفض لطردها ، كما ينتفض الحي ضد أي جسم غريب يدخل إليه . وأمر الله بالعدل والإحسان ونهيه عن الفحشاء والمنكر والبغي يوافق الفطرة السليمة الصحيحة ، ويقويها ويدفعها للمقاومة باسم الله . لذلك يجيء التعقيب :{ يعظكم لعلكم تذكرون} فهي عظة للتذكر تذكر وحي الفطرة الأصيل القويم(3).
وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) [النساء/58] )
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِأَدَاءِ الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا . وَأَدَاءِ الأَمَانَاتِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ عَلى الإِنْسَانِ : مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ( مِنْ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ . . . ) وَمِنْ حُقُوقِ العِبَادِ ( كَالوَدَائِعِ وَغَيرَ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتَمَنُ الإِنْسَانُ عَلَيهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَصْحَابِهَا وَثَائِقَ وَبَيَنَاتٍ عَلَيهَا ) . هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، فَقَدْ كَانَتْ لَهُ حِجَابَةُ الكَعْبَةِ . وَلَمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - طَافَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بِالكَعْبَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَأَخَذَ مِنْهُ مُفْتَاحَ الكَعْبَةِ وَدَخَلَها . فَجَاءَهُ العَبَّاسُ ( وَقِيلَ بَلْ جَاءَهُ عَلِي ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اجْمَعْ لَنَا حَجَابَةَ الكَعْبَةِ مَعَ السِّقَايَةِ . فَدَعَا رَسُولَ اللهِ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَدَفَعَ إِلَيهِ المُفْتَاحَ ، وَخَرَجَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ .
وَيَأْمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالعَدْلِ ، وَأَنْ يَكُونَ العَدْلُ عَاماً لِلْبَرِّ وَالفَاجِرِ ، وَلِكُلِّ أحَدٍ ، وَأنْ لاَ يَمْنَعَهُمْ مِنْ إِقَامَةِ العَدْلِ حِقْدٌ أَوْ كَرَاهِيَةٌ أوْ عَدَاؤةٌ .
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ ، وَيَعِظُ بِهِ المُؤْمِنِينَ ، هُوَ الشَّرْعُ الكَامِلُ ، وَفِيهِ خَيْرُهُمْ ، وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ ، بَصِيرٌ بِأَفْعَالِهِمْ ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ .
وقد تهدد الحق الذين لا يحكمون بالحق بالنار ، فعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ فَأَمَّا الَّذِى فِى الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا أَصَحُّ شَىْءٍ فِيهِ يَعْنِى حَدِيثَ ابْنِ بُرَيْدَةَ « الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ »(4).
الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
عن رِبْعِىَّ بْنِ حِرَاشٍ قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ »(5).
وعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّى لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ . قَالَ أَمَا إِنِّى لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(6). -يتبوأ : يتخذ منزله
وعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِى أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ تَعَمَّدَ عَلَىَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(7).
وعَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ يَقُلْ عَلَىَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(8).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَسَمَّوْا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى ، وَمَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِى صُورَتِى ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(9).
وعَنِ الْمُغِيرَةِ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(10).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَالَ : عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.(11)والأحاديث بذلك متواترة
الكبر من الذنوب الكبار :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِيمَا يَحْكِي عَنِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ ، قَالَ : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ، وَمَنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا ، اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ، وَمَنِ اقْتَرَبَ مِنِّي ذِرَاعًا ، اقْتَرَبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَمَنْ جَاءَنِي يَمْشِي ، جِئْتُهُ أُهَرْوِلُ ، وَمَنْ جَاءَنِي يُهَرْوِلُ ، جِئْتُهُ أَسْعَى ، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَطْيَبَ.(12)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلاَ : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ.(13)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَدْخَلْتُهُ فِي النَّارِ.(14)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِى وَالْعَظَمَةُ إِزَارِى فَمَنْ نَازَعَنِى وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِى النَّارِ ».(15)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ.(16)
وعَنْ أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : الْتَقَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو ، وَابْنُ عُمَرَ فَانْتَجَيَا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ انْصَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَصْحَابِهِ فَانْصَرَفَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يَبْكِي ، فَقَالُوا لَهُ : مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ : أَبْكَانِي الَّذِي زَعَمَ هَذَا ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ.(17)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَجِيءُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَرًّا مِثْلَ صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ ، قَالَ : ثُمَّ يُسَاقُونَ إلَى سِجْنِ في جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسَ , تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ , يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ , عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ.(18)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ »(19).
البطر : التكبر على الحق فلا يقبله -الغمط : الاحتقار والاستهانة
قاتل النفس بغير حق :
قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) [النساء/93)
وَإذا عَرَفَ الرَّجُلُ الإِسْلاَمَ وَشَرَائِعِهِ ، ثُمَّ قَتَلَ رَجُلاً مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً قَتْلَهُ ، مُسْتَحِلاً ذَلِكَ القَتْلَ ، فَجَزَاؤُهُ عِنْدَ اللهِ جَهَنَّمَ يَبْقَى مُخَلَّداً فِيهَا ، وَيَلْعَنُهُ اللهُ ، وَيُبْعِدُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَيَجْعَلُهُ فِي النَّارِ فِي عَذَابٍ أَليمٍ .
وَلِلْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ فِي تَوْبَةِ قَاتِلِ المُؤْمِنِ عَمْداً :
1- ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَرِيقٍ مِنَ السَّلَفِ - يَرَوْنَ أنَّ قَاتِلَ المُؤْمِنِ لاَ تَوْبَةَ لَهُ إِطْلاقاً ، وَيَبْقَى فِي النَّارِ خَالِداً . وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ إلى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إلاَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ كَافِراً ، أَوْ الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً " وَإلَى قَوْلِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - :
" مَنْ أعَانَ عَلى قَتْلِ امرىءٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ : آيس مِنْ رَحْمَةِ اللهِ "
وَإلى قَوْلِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - :
" لَوْ أنَّ الثَقَلَيْنِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ لأًكَبَّهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الجَنَّةَ عَلَى القَاتِلِ وَالآمِرِ بِهِ "
2- وَيَرَى فَرِيقٌ آخَرُ أنَّ الخُلُودَ يَعْنِي المُكْثَ الطَّوِيلَ لاَ الدَّوَامَ ، لِظَاهِرِ النُّصُوصِ القَاطِعَةِ عَلَى أنَّ عُصَاةَ المُؤْمِنِينَ لاَ يَدُومُ عَذَابُهُمْ . وَمَا فِي الآيَةِ إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ أنَّ جَزَاءَهُ ذَلِكَ ، لاَ أنَّهُ يَجْزِيهِ بِذَلِكَ حَتْماً ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } فَلَوْ كَانَ المُرَادُ أنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي كُلَّ سَيِّئَةٍ بِمْثِلِهَا لَعَارَضَهُ قَوْلُهُ جَلَّ شَأنُهُ : { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } فَالمُرَادُ بِذَلِكَ أنَّ هَذا هُوَ جَزَاؤُهُ إنْ أَرَادَ اللهُ مُجَازَاتَهُ .
3- وَيَرى فَرِيقٌ ثَالِثٌ أنَّ حُكْمَ الآيَةِ يَتَعَلَّقُ بِالقَاتِلِ المُسْتَحِلِّ لِلْقَتْلِ ، وَحُكْمُهُ مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ .
وَقَدْ فَسَّرَ عكْرَمَةُ وَابْنُ جُرَيجٍ ( مُتَعَمِّداً ) ب ( مُسْتَحِلاً ) فِي الآيَةِ .
__________
(1) - سنن أبى داود(4599) صحيح لغيره ، وقال شيخ الاسلام ابن تيمية فيه ( هو حديث صحيح مشهور ) ، وصححه الشاطبي في " الاعتصام " وقد جمع الشيخ ناصر الدين الألباني طرقه وتكلم على أسانيده وبين أنه حديث صحيح لا شك في صحته في الصحيحة ( 204) والإتحاف 8/140 وصحيح الجامع ( 2641 )
(2) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 592) ، وانظر كتابي ( المفصل في أحكام الهجرة ) صيد الفوائد
(3) - في ظلال القرآن - (ج 4 / ص 484)
(4) - سنن أبى داود(3575) صحيح
(5) - صحيح البخارى (106 ) ومسلم(2)
(6) - صحيح البخارى(107 )
(7) - صحيح البخارى(108)
(8) - صحيح البخارى(109 )
(9) - صحيح البخارى(110 )
(10) - صحيح البخارى(1291 )
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 210)(28) صحيح
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 35) (328) صحيح
(13) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 486)(5671) صحيح
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 487)(5672) صحيح
(15) - سنن أبى داود (4092 ) صحيح
(16) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 460) (224) صحيح
(17) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 9 / ص 89) (27113) صحيح
(18) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 9 / ص 90) (27114) حسن
(19) - صحيح مسلم(275 )(1/97)
ولا يجوز في دين الله قتل النفس المسلمة إلا بإحدى ثلاث ،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ».(1)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ ، لاَ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلاَّ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ : التَّارِكُ لِلإِسْلاَمِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ.(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ »(3).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا »(4).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِى لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا ، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ(5).
وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يقاتل بعضهم بعضا وأخبر أن القاتل والمقتول في النار ، فعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ قَالَ قُلْتُ أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - يَعْنِى عَلِيًّا - قَالَ فَقَالَ لِى يَا أَحْنَفُ ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ ». قَالَ فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ ».(6).
قال النووي : " وَأَمَّا كَوْن الْقَاتِل وَالْمَقْتُول مِنْ أَهْل النَّار فَمَحْمُول عَلَى مَنْ لَا تَأْوِيل لَهُ ، وَيَكُون قِتَالهمَا عَصَبِيَّة وَنَحْوهَا - ثُمَّ كَوْنه فِي النَّار مَعْنَاهُ مُسْتَحِقّ لَهَا ، وَقَدْ يُجَازَى بِذَلِكَ ، وَقَدْ يَعْفُو اللَّه تَعَالَى عَنْهُ . هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ ، وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّل كُلّ مَا جَاءَ مِنْ نَظَائِره .
وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّمَاء الَّتِي جَرَتْ بَيْن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي هَذَا الْوَعِيد ، وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَالْحَقّ إِحْسَان الظَّنّ بِهِمْ ، وَالْإِمْسَاك عَمَّا شَجَرَ بَيْنهمْ ، وَتَأْوِيل قِتَالهمْ ، وَأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُتَأَوِّلُونَ لَمْ يَقْصِدُوا مَعْصِيَة وَلَا مَحْض الدُّنْيَا ، بَلِ اِعْتَقَدَ كُلّ فَرِيق أَنَّهُ الْمُحِقّ ، وَمُخَالِفه بَاغٍ ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِتَاله لِيَرْجِع إِلَى أَمْر اللَّه . وَكَانَ بَعْضهمْ مُصِيبًا ، وَبَعْضهمْ مُخْطِئًا مَعْذُورًا فِي الْخَطَأ ؛ لِأَنَّهُ لِاجْتِهَادٍ ، وَالْمُجْتَهِد إِذَا أَخْطَأَ لَا إِثْم عَلَيْهِ ، وَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هُوَ الْمُحِقّ الْمُصِيب فِي تِلْك الْحُرُوب . هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة ، وَكَانَتْ الْقَضَايَا مُشْتَبِهَة حَتَّى إِنَّ جَمَاعَة مِنَ الصَّحَابَة تَحَيَّرُوا فِيهَا فَاعْتَزَلُوا الطَّائِفَتَيْنِ ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا ، وَلَمْ يَتَيَقَّنُوا الصَّوَاب ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا عَنْ مُسَاعَدَته مِنْهُمْ(7).
أكلة الربا :
من الذنوب التي توبق صاحبها الربا ، وقد قال الحق في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له :( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) [البقرة/275])
بَعْدَ أنْ ذَكَر اللهُ تَعَالَى الإِنفَاقَ فِي سَبيلِ اللهِ ، وَالتَّصَدُّقَ عَلَى عِبَادِهِ ، وَإخْراجَ الزَّكَاةِ ، شَرَعَ فِي عَرْضِ حَالِ أكِلِي الرِّبا ، وَأمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، وَأَنْوَاعِ الشُّبُهَاتِ ، فَأخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ ، يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ ، فَقَالَ عَنْهُم : إنَّهُم لاَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلاّ قِياماً مُنْكَراً ، كَمَا يَقُومُ المَصْرُوعُ حَالَ صَرَعِهِ وَأكْلُهُمُ الرِّبَا هَذا قائِمٌ عَلى اسْتِحلاَلِهِمْ لَهُ ، وَجَعْلِهِ كَالبَيْعِ ، فَيَقُولُونَ : كَمَا يَجُوزُ أنْ يَبيعَ الإِنْسَانُ سِلعَتَهُ التِي ثَمَنُهَا عَشَرَةُ دَراهِمَ عَلَى أنْ يَرُدَّهَا عَلَيهِ عِشْرِينَ دِرْهَماً بَعْدَ سَنَةٍ ، فَالسَّبَبُ فِي رَأيِهِمْ وَاحِدٌ فِي كُلٍّ مِنَ الزِّيَادَتَيْنِ ، وَهُوَ الأجَلُ .
هَذِهِ هِيَ حُجَّةُ آكِلِي الرِّبا وَهُمْ وَاهِمُونَ فِيمَا قَالُوهُ ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ ، لأنَّ البَيْعَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حِلَّهُ لأَنَّهُ يُلاحَظُ فِيهِ انْتِفاعُ المُشْتَرِي بِالشَّيْءِ انْتِفَاعاً حَقِيقيّاً .
أمَّا الرِّبا فَهُوَ إعْطَاءُ الدَّراهِم وَالْمِثْلِيَّاتِ وَأخْذُها مُضَاعَفَةً فِي وَقْتٍ آخَرَ . فَمَا يُؤخَذُ مِنَ المَدِينِ زِيَادَةً في رَأسِ المَالِ لاَ مُقَابِلَ لَهُ مِنْ عَيْنٍ وَلاَ عَمَل . فَمَنْ بَلَغَهُ نَهْيُ اللهِ عَنِ الرِّبا ، فَانْتَهى عَنِ الرِّبا فَلَهُ مَا سَلَفَ مِمَّا أكَلَهُ مِنَ الرِّبا قَبْلَ التَّحْرِيم ، وَمَا سَبَقَ لَهُ أنْ أخَذَهُ أَيَّامَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَأمْرُه مَرْدُودٌ إلى اللهِ . وَمَنْ عَادَ إلى الرِّبا ، بَعْدَ أنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ عَنْهُ ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ العُقُوبَةَ مِنَ اللهِ ، وَالخُلُودَ في نَارِ جَهَنَّمَ .
الذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ - أي المَصْرُوعُ . وَكَانَتِ العَرَبُ تَعْتَقِدُ أنَّ الشَيْطَانَ يَخْبِطُ الإِنْسَانَ فَيَصْرَعُهُ .
جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ - بَلَغَهُ أمْرُ نَهْيِ اللهِ عَنْ أكْلِ الرِّبا .
المَسِّ - الجُنُونِ وَالخَبَلِ .
مَرَاحِلُ تَحْرِيمِ الرِّبا فِي القُرْآنِ :
كَمَا مَرَّ تَحْرِيمُ الخَمْرِ فِي مَرَاحِلَ ، كَذَلِكَ مَرَّ تَحْرِيمُ الرِّبا فِي أرْبَعِ مَرَاحِلَ مُتَدَرِّجَةٍ :
1- فِي المَرْحَلَةِ الأولى - قَالَ الله تَعَالَى فِي الآيةِ المَكِّيَّةِ { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله } أيْ إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيةِ إنَّ الرِّبا لاَ ثَوَابَ فِيهِ عِنْدَ اللهِ .
2- وَفِي المَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ - ألْقىَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُسْلِمِينَ دَرْساً وَعِبْرَةً مِنْ سِيرَةِ اليَهُودِ الذِينَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمْ أكْلَ الرِّبَا فَأكَلُوهُ ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ بِمَعْصِيَتِهِمْ .
فَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً . } كَمَا جَاءَ بَعْدَهَا { وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . } وَهَذِهِ العِبْرَةُ لاَ يَكُونُ لَهَا أثَرٌ إلاَّ إذَا كَانَ مِنْ وَرَائِهَا نَوْعٌ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبا عَلَى المُسْلِمينَ . وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذا المَوْضِعِ نَهْيٌ صَرِيحٌ عَنِ الرِّبا ، وَلكِنَّهُ أُلْمِحَ إلَيهِ .
3- المَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَلَمْ يَجِيءِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ إلاَّ فِي المَرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ إلاَّ نَهْياً جزْئِياً عَنِ الرِّبا الفَاحِشِ الذِي يَتَزَايَدُ حَتَّى يَصِيرَ أضْعَافاً مُضَاعَفَةً .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) [آل عمران/130] ) .
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا ، وَالتَّعَامُلِ بِهِ ، بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ، وَهُدَى اللهِ لَهُمْ ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، إذْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلمَدِينِ إذَا حَلَّ أجَلُ الدَّيْنِ : إمّا أنْ تَقْضِيَ دَيْنَكَ وَإمَّا أنْ تُرٍبيَ . فَإِنْ قَضَاهُ فِبِهَا ، وَإلاَّ زَادَهُ فِي المُدَّةِ وَزَادَهُ فِي المِقْدارِ ، وَهَكَذَا كُلَّ عَامٍ ، فَرُبَّما تَضَاعَفَ القَلِيلُ حَتَّى يَصِيرَ كَثِيراً مُضَاعَفاً . وَيَأمُرُ اللهُ عِبَادَهُ بِالتَّقْوَى لَعَلَّهُمْ يُفْلِحُونَ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ .
وقد عده النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا من سبعة ذنوب توبق صاحبها ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »(8)
أكلة أموال الناس بالباطل :
من الظلم العظيم الذي يستحق به صاحبه النار أكل أموال الناس بالباطل ، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) [النساء/29-30]).
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَنْ أنْ يَأكُلَ بَعْضَهُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالبَاطِلِ ، أيْ أنْ يَأخُذَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ شَرْعيِّ : كَالقِمَارِ وَالرِّبَا وَالحِيَلِ وَغَيْرِها . . وَإنْ ظَهَرَتْ فِي قَالِبِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، مِمّا يَعْلَمُ اللهُ أنَّ مَتَعَاطِيهَا إنَّمَا يُرِيدُ الحِيلَةَ لأكْلِ الرِّبا . فَاللهُ تَعَالَى يُحَرِّمُ عَلى النَّاسَ تَعَاطِي الأَسْبَابِ المُحَرَّمَةِ فِي اكْتِسَابِ الأَمْوَالِ ، وَاسْتَثْنَى مِنَ التَّحْرِيمِ المُتَاجَرَةَ المَشْرُوعَةِ التِي تَتِمُّ عَنْ تَرَاضٍ بَينَ البَائِعِ وَالمُشْتَرِي ، فَسَمَحَ اللهُ لِلمُؤْمِنِينَ بِتَعَاطِيهَا ، وَالتَّسَبُّبِ فِي كَسْبِ الأَمْوَالِ بِهَا . وَيَنْهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ بِارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ ، وَأكْلِ الأَمْوَالِ بِالبَاطِلِ ، فَإنَّ اللهَ كَانَ رَحِيماً بِهِمْ فِيمَا أمَرَهُمْ بِهِ ، وَنَهَاهُمْ عَنْهُ ، لأنَّ فِيهِ صَلاَحَهُمْ .
وَهذِهِ الآيَةُ تَشْمَلُ أَيْضاً مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ قَتْلاً حَقِيقاً وَأَعْدَمَها الحَيَاةَ بِحَديدٍ أَوْ بِسُمٍّ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ . وَجَعَلَ اللهُ جِنَايَةَ الإِنسَانِ عَلى غَيْرِهِ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ .
وَمَنْ تَعَاطَى مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مُعْتَدِياً فِيهِ عَلَى الحَقِّ ، وَظَالِماً فِي تَعَاطِيهِ ، وَعَارِفاً بَتَحْرِيمِهِ ، وَمُتَجَاسِراً عَلَى انْتِهَاكِهِ ، فَإنَّ اللهَ سَوْفَ يُعَذِّبُهُ فِي نَارِ جَهَّنَم ، وَذَلِكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَليهِ .
ومن أكل أموال الناس بالباطل أكل أموال اليتامى ظلما ، وقد خص الحق أموالهم بالذكر لضعفهم وسهولة أكل أموالهم ، ولشناعة هذه الجريمة: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) [النساء/10])
يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى بِدُونِ سَبَبٍ مَشْرُوعٍ ، وَعَلَى سَبِيلِ الهَضْمِ وَالظُّلْمِ ، وَيَقُولُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَكُون سَبَباً فِي إِيصَالِهِمْ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، أَوْ إنَّهُمْ إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً تَتَأجَّجُ
المصورون :
أشدُّ الناس عذابا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون خلق الله ،فعن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قالت: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِى عَلَى سَهْوَةٍ لِى فِيهَا تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَتَكَهُ وَقَالَ « أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ » . قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ(9). -يضاهون : يشابهون
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِى الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ ، وَقَالَتْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ »(10).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُتَسَتِّرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ »(11). القرام : الستر من صوف ذى ألوان
وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَهْوَى إِلَى الْقِرَامِ ، فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ.(12)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِى بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ هَذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَى. فَقُلْتُ لاَ هَذَا تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ».(13)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى الْحَسَنِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ إِنِّى رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِى فِيهَا. فَقَالَ لَهُ ادْنُ مِنِّى. فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ ادْنُ مِنِّى. فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّ مُصَوِّرٍ فِى النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِى جَهَنَّمَ ». وَقَالَ إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ(14).
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَعَرَفْتُ فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ » . قَالَتْ فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . وَقَالَ « إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ »(15). النمرقة : الوسادة
وعن أبي زُرْعَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى ، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً ، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً »(16). .
الركون إلى الظالمين :
ومن الأسباب التي تدخل النار الركون إلى الظالمين أعداء الله وموالاتهم : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) [هود/113] )
وَلاَ تَسْتَعِينُوا بِالظَّالِمِينَ ، وَلاَ تَعْتَمِدُوا عَلَيْهِمْ ، وَلاَ تَعْتَزُّوا بِهِمْ ، وَلاَ تَسْتَحْسِنُوا طَرِيقَتَهُمْ ( لاَ تَرْكَنُوا ) فَتَكُونُوا كَأَنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَتْكُمُ النَّارُ التِي هِيَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ، وَلَنْ تَجِدُوا يَوْمَئِذٍ مَنْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ .
لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا . إلى الجبارين الطغاة الظالمين ، أصحاب القوة في الأرض ، الذين يقهرون العباد بقوتهم ويعبّدونهم لغير الله من العبيد . . لا تركنوا إليهم فإن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه ، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير .
والركون إلى الشئك الميل إليه . يقال ركن فلان إلى فلان ، إذا مال إليه بقلبه ، واعتمد عليه فى قضاء مصالحه .والمراد بالذين ظلموا هنا : ما يتناول المشركين وغيرهم من الظالمين الذين يعتدون على حقوق الغير ، ويستحلون من محارم الله .والمعنى : واحذروا - أيها المؤمنون - أن تميلوا إلى الظالمين ، أو تسكنوا إليهم؛ لأن ذلك يؤدى إلى تقوية جانبهم . وإضعاف جانب الحق والعدل .قال بعض العلماء : ويستثنى من ذلك للضرورة صحبة الظالم على التقية مع حرمة الميل القلبى إليه .وقوله { فَتَمَسَّكُمُ النار } أى فتصيبكم النار بسبب ميلكم إليهم ، والاعتماد عليهم ، والرضا بأفعالهم .وقوله { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ } فى موضع الحال من ضمير { تمسكم } .
أى : والحال أنه ليس لكم من غير الله من نصراء ينصرونكم من العذاب النازل بكم ، بسبب ركونكم إلى الذين ظملوا ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم .وثم فى قوله { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } للتراخى الرتبى . أى ثم لا تجدون بعد ذلك من ينصركم بأى حال من الأحوال ، لأن الظالمين ما لهم من أنصار .قال بعض العلماء : الآية أبلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم ، والتهديد عليه ، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى الذين ظلموا فكيف يكون حال من ينغمس فى حمأته؟!!
ثم قال : وقد وسع العلماء في ذلك وشددوا ، والحق أن الحالات تختلف ، والأعمال بالنيات ، والتفصيل أولى .فإن كانت المخالطة لدفع منكر ، أو للاستعانة على إحقاق الحق ، أو الخير . فلا حرج في ذلك . وإن كانت لإِيناسهم وإقرارهم على ظلمهم فلا .
الكاسيات العاريات:
من الأصناف التي تصلَى في النار الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتنَّ عباد الله ، ولا يستقمن على طاعة الله ، فقد روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا »(17). البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين
__________
(1) - صحيح مسلم(4468 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 255) (4407) صحيح
(3) - صحيح البخارى (6878)
(4) - صحيح البخارى(6862 )
(5) - البخاري (6863 )
(6) - صحيح البخارى(7083 ) وصحيح مسلم (7434 ) وهذا لفظه
(7) - شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 265)
(8) - صحيح البخارى(2766 ) ومسلم (272)
(9) - صحيح البخارى(5954 )
(10) - صحيح البخارى(6109 )
(11) - صحيح مسلم (5647 )
(12) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 158) (5847) صحيح
(13) - صحيح مسلم (5661 )
(14) - صحيح مسلم(5662 )
(15) - صحيح البخارى(5181 ) ومسلم (5655)
(16) - صحيح البخارى(5953 )
(17) - صحيح مسلم (5704 )(1/98)
قوله (قَومٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأذنابِ البَقرِ يَضربونَ بِها النَّاسَ) قال العلماء: وهؤلاء هم الشرط الذين يضربون الناس بغير حق ، معهم سياط كأذناب البقر يعني سوط طويل وله ريشة يضربون بها الناس بغير حق، أما بحق فإنه يضرب المعتدي {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} لا ترأفوا بهما اجلدوهما تماما لكن من ضرب الناس بغير حق فهو من أصناف أهل النار والعياذ بالله .
والثاني: ( نساء كاسيات عاريات مميلات...) هؤلاء أيضا النساء كاسيات عاريات قيل كاسيات بثيابهن كسوة حسية عاريات من التقوى لأن الله تعالى قال: { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ } وعلى هذا فيشمل هذا الحديث كل امرأة فاسقة فاجرة ،وإن كان عليها ثياب فضفاضة ، لأن المراد بالكسوة الكسوة الظاهرة كسوة الثياب ،عاريات من التقوى لأن العاري من التقوى لا شك أنه عار كما قال تعالى :{ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } وقيل كاسيات عاريات أي عليهن كسوة حسية لكن لا تستر إما لضيقها وإما لخفتها تكون رقيقة ما تستر، وإما لقصرها، كل هذا يقال للمرأة التي تلبس ذلك إنها كاسية عارية، مميلة مائلة مميلة يعني تميل المشطة كما فسرها بعضهم بأنها المشطة المائلة التي تجعل المشطة على جانب، فإن هذا من الميل لأنها مميلات بمشطتهن، ولا سيما أن هذا الميل الذي جاءنا إنما وردنا من النساء الكفار ،وهذا والعياذ بالله ابتلى به بعض النساء فصارت تفرق ما بين الشعر من جانب واحد فتكون هذه مميلة أي قد أمالت مشطتها ،وقيل مميلات أي فاتنات غيرهن لما يخرجن به من التبرج والطيب وما أشبه ذلك، فهن مميلات لغيرهن، ولعل اللفظ يشمل المعنيين؛ لأن القاعدة أن النص إذا كان يحتمل معنيين ولا مرجح لأحدهما فإنه يحمل عليهما جميعا ،وهنا لا مرجح ولا منافاة لاجتماع المعنيين فيكون شاملا لهذا وهذا ، وأما قوله مائلات: فمعناه منحرفات عن الحق وعما يجب عليهن من الحياء والحشمة ، تجدها في السوق تمشي مشية الرجل بقوة وجلد ،حتى إن بعض الرجال لا يستطيع أن يمشي هذه المشية، لكنها هي تمشي كأنها جندي من شدة مشيتها وضربها بالأرض وعدم مبالاتها، كذلك أيضا تضحك إلى زميلتها معها تضحك وترفع صوتها على وجه يثير الفتنة ،وكذلك تقف على صاحب الدكان تماكثه في البيع والشراء وتضحك معه وربما تمد يدها إليه ،لأجل يضع عليها ساعة اليد وما أشبه ذلك من المفاسد والبلاء ،وهؤلاء مائلات لا شك أنهن مائلات عن الحق نسأل الله العافية، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ،البخت نوع من الإبل لها سنام طويل ينضجع يمينا أو شمالا هذه ترفع شعر رأسها حتى يكون مائلا يمينا أو يسارا كأسنمة البخت المائلة ،وقال بعض العلماء: بل هذه المرأة تضع على رأسها عمامة كعمامة الرجل حتى يرتفع الخمار ويكون كأنه سنام إبل من البخت، وعلى كل حال فهذه تجمل رأسها بتجميل يفتن، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، نعوذ بالله يعني لا يدخلن الجنة ولا يقربنها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا من مسيرة سبعين عاما أو أكثر ومع ذلك لا تقرب هذه المرأة الجنة والعياذ بالله؛ لأنها خرجت عن الصراط ،فهي كاسية عارية مميلة مائلة على رأسها ما يدعو إلى الفتنة والزينة ،وفي هذا دليل على تحريم هذا النوع من اللباس لأنه توعد عليه بالحرمان من الجنة، وهذا يدل على أنه من الكبائر ،وكذلك المتشبهات من النساء بالرجال تشبههن من كبائر الذنوب ،وكذلك المتشبهون من الرجال بالنساء تشبههم من كبائر الذنوب"(1)
الذين يعذبون الحيوان :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِى هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا ، فَلَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ »(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِىَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ »(3). الخشاش : هوام الأرض وحشراتها واحده خَشَاشَة
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ لَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ »(4).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : دَخَلْتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا ، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ.(5)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءُ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا ثَلاَثَةً يُعَذَّبُونَ : امْرَأَةً مِنْ حِمْيَرَ طُوَالَةً رَبَطَتْ هِرَّةً لَهَا لَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَسْقِهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ، فَهِيَ تَنْهَشُ قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا وَرَأَيْتُ فِيهَا أَخَا بَنِي دَعْدَعٍ الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِذَا فُطِنَ لَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي ، وَالَّذِي سَرَقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(6)
إذا كان هذا حال من يعذب هرة ، فكيف بمن يتفنن في تعذيب العباد؟ وكيف إذا كان التعذيب للصالحين منهم بسبب إيمانهم وإسلامهم؟ !!
عدم الإخلاص في طلب العلم:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(7). يَعْنِى رِيحَهَا. العرف : الرائحة
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ، وَلاَ تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارَ النَّارَ.(8)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ »(9).
الذين يشربون في آنية الذهب والفضة :
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ.(10)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الَّذِى يَشْرَبُ فِى إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ »(11). يجرجر : يحدر فيه
وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِىٌّ . فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِى يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ لَوْلاَ أَنِّى نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ . كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا ، وَلَكِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ وَلاَ تَشْرَبُوا فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِى صِحَافِهَا ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَنَا فِى الآخِرَةِ »(12).
الذي يقطع السدر الذي يظل الناس :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِى النَّارِ ».(13)السدرة : شجرة النبق
سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْنِى مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِى فَلاَةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِى النَّارِ.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِى النَّارِ »(14).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ السِّدْرَ يُصَبُّونَ فِى النَّارِ عَلَى رُءُوسِهِمْ صَبًّا »(15).
جزاء الانتحار :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهْوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسَمُّهُ فِى يَدِهِ ، يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ ، يَجَأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »(16).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا "(17)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »(18). يتحسى : يشرب ويتجرع -يتوجأ : يطعن
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ خَنَقَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا فَقَتَلَهَا خَنَقَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ ، وَمَنْ طَعَنَ نَفْسَهُ طَعَنَهَا فِي النَّارِ ، وَمَنِ اقْتَحَمَ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ اقْتَحَمَ فِي النَّارِ.(19)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ ، يَهْوِي فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ مُتَعَمِّدًا ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.(20)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ خَنَقَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا فَقَتَلَهَا خَنَقَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ ، وَمَنْ طَعَنَ نَفْسَهُ طَعَنَهَا فِي النَّارِ ، وَمَنِ اقْتَحَمَ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ اقْتَحَمَ فِي النَّارِ.(21)
وعن الْحَسَنَ ، قال: حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، فَمَا نَسِينَا مِنْهُ ، حَدَّثَنَا وَلاَ نَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خَرَجَ بِرَجُلٍ خُرَّاجٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَوْجَأَ بِهَا ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ.(22)
قال النووي : " أَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) : فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَال :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا مَعَ عِلْمه بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا كَافِرٌ ، وَهَذِهِ عُقُوبَتُهُ .
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد بِالْخُلُودِ طُول الْمُدَّة وَالْإِقَامَة الْمُتَطَاوِلَة لَا حَقِيقَة الدَّوَام كَمَا يُقَال : خَلَّدَ اللَّهُ مُلْك السُّلْطَان .
وَالثَّالِث : أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَلَكِنْ تَكَرَّمَ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّد فِي النَّار مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا .(23)
ـــــــــــــ
__________
(1) - انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 5 / ص 350) وشرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 244) والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (ج 17 / ص 122)
(2) صحيح البخارى(3318 )
(3) - صحيح البخارى(3482 ) وصحيح مسلم (5989 )
(4) - صحيح مسلم(5992)
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 438) (5621) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 534) (7489) صحيح
(7) سنن أبى داود (3666 ) صحيح
(8) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 278) (77) صحيح
(9) - سنن الترمذى(2867) حسن لغيره
(10) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 161) (5342) صحيح
(11) صحيح البخارى(5634 ) وصحيح مسلم(5506 )
(12) - صحيح البخارى(5426 ) ومسلم (5521)
(13) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 139) (12099) وسنن أبى داود(5241 ) صحيح
(14) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 139) (12101) صحيح لغيره
(15) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 140) (12105) صحيح لغيره
(16) - صحيح البخارى(5778 )
(17) الْإِيمَانُ لِابْنِ مَنْدَهْ (634 ) صحيح
(18) - صحيح مسلم (313 )
(19) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 327) (5987) حسن
(20) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 325) (5986) صحيح
(21) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 327) (5987) صحيح
(22) - صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 328) (5988) صحيح
(23) - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 221)(1/99)
المبحث الثامن والثلاثون
من يخرج من النار وآخر هم خروجًا
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ » . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ » . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ ، بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا ، فَاصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ . فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ . فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ . فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلْنِى غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ . فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو . فَيَقُولُ لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ . فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَيُعْطِى اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ . ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ . فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ تَمَنَّ مِنْ كَذَا . فَيَتَمَنَّى ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا . فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِىُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً .(1)
الذكاء : لهب النار واشتعالها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -قشبنى : سمنى وأهلكنى -امتحشوا : احترقت جلودهم حتى ظهرت العظام
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَقَامُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ، وَيُضْرَبُ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُهُ ، وَدَعْوَةُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ تَدْرُونَ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ ، مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، قَالَ : وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، قَالَ : فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ ، يُقَالُ لَهُ : مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، قَالَ : وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : فَلَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : يَا رَبِّ ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، وَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَلَمَّا قَرَّبَهُ مِنْهَا انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، قَالَ : فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ جَلَّ وَعَلاَ ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا دَخَلَ قِيلَ لَهُ : تَمَنَّ كَذَا وَتَمَنَّ كَذَا ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : هُوَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : حَفِظْتُ : هُوَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً.(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا ، فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى . فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا . أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا . فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّى ، أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَأَنْتَ الْمَلِكُ » . فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً .(3)-الكبو : الحبو -النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا رَبَّاهُ ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ : يَا لَبَّيْكَاهُ ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : يَا رَبِّ حَرَّقْتَ بَنِيَّ ، فَيَقُولُ : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ أَوْ شَعِيرَةٌ مِنْ إِيمَانٍ.(4)
وعن مَعْبَدَ بْنِ هِلالٍ ، قَالَ : اجْتَمَعْنَا نَاسُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَقَالَ : خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا : لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُسْتَخْفِي فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ ، فَقَالَ : قَدْ حَدَّثَنَاهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَمْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا ، قُلْنَا لَهُ : حَدَّثَنَا ، فَقَالَ : قال يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - : ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ ، وَقُلْ تُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ لَكَ أَوْ قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ(5).
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً .(6)
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ"(7)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، ثُمَّ يَقُولُ : انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ ، أَوْ نَهَرِ الْحَيَا ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ : أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً "(8)
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا ، أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ.(9)
وعَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ ، أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَعَهُ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي ذُخِرَ لِلْأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ فَقَالَ : قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ "
قال الطحاوي : فَكَانَ مِنْ جَوَابِنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا فَعَلَ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ عِلَاجٌ تَبْقَى بِهِ بَقِيَّةُ يَدَيْهِ فَفَعَلَ مَا فَعَلَ لِتَسْلَمَ لَهُ نَفْسُهُ وَتَبْقَى لَهُ بَقِيَّةُ يَدَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا وَكَانَ كَرَجُلٍ أَصَابَهُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَخَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا أَنْ يَذْهَبَ بِهَا سَائِرُ بَدَنِهِ وَيُتْلِفَ بِهَا نَفْسَهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا , وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ بِذَلِكَ يَسْلَمُ لَهُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ بَدَنِهِ وَيَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ , ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا أَنَّهُ غَيْرُ مَلُومٍ فِي ذَلِكَ وَلَا مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا فَعَلَ بِبَرَاجِمِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ فِعْلِهِ تَلَفُ نَفْسِهِ , وَهُوَ خِلَافُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ طَاعِنًا لَهَا أَوْ مُتَرَدِّيًا مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ لِيُتْلِفَ نَفْسَهُ أَوْ مُتَحَسِّيًا لِسُمٍّ لِيَقْتُلَ بِهِ نَفْسَهُ فَلَمْ يَبِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَضَادٌّ وَلَا اخْتِلَافٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَدَيْ هَذَا الرَّجُلِ بِالْغُفْرَانِ وَدُعَاؤُهُ لِيَدَيْهِ بِذَلِكَ دُعَاءٌ لَهُ , وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ اسْتَحَقَّ بِهَا الْعُقُوبَةَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْغُفْرَانِ لِيَدَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ غُفْرَانًا لَهُ قِيلَ لَهُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءِ لِيَدَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَ لِإِشْفَاقِهِ عَلَيْهِ وَلِعَمَلِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ كَانَ فِي قَلْبِهِ فَدَعَا لَهُ بِذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِمَا سِوَاهُ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا عَلَّمَهُ حُصَيْنًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ ،فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَ أَبَاهُ حُصَيْنًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ فَقَالَ : " قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ وَمَا جَهِلْتُ وَمَا عَلِمْتُ " فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُصَيْنًا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا أَخْطَأَ يَعْنِي الْخَطَأَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ , وَذَلِكَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَا مُعَذَّبٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ فَكَانَ الْخَطَأُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ تَعَمُّدُ الْقُلُوبِ مَعْفُوًّا عَنْهُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِهِ صَاحِبُهُ وَكَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُصَيْنًا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِغُفْرَانِهِ إيَّاهُ لَهُ عَلَى الرَّهْبَةِ مِنَ اللَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ وَالْخَوْفِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ يُخَالِطُ قَلْبَ الْمُخْطِئِ فِي حَالِ خَطَئِهِ مِنْ مَيْلٍ إلَى مَا أَخْطَأَ بِهِ , وَكَذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْغُفْرَانِ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ هَذَا أَيْضًا وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ "(10)
قلت : ولا يدخل تحت هذه الأحاديث العمليات الاستشهادية ، التي يقوم بها بعض المجاهدين في سبيل الله ، فليست انتحاراً ،بل قتل في سبيل الله ، بل أعلى قتل في سبيل الله ، لقد تبين لنا من خلال كلام الأئمة رضي الله عنهم أن ذلك جائز إذا كان فيه نكاية بالعدو أو تشجيع المسلمين على القتال ونحو ذلك من مصالح شرعية معتبرة ... ولا علاقة له بالانتحار الذي حرمه الله تعالى
وقد فصلتُ القول فيها ورددت على المانعين في كتابي (( الخلاصة في أحكام الشهيد ))(11)
ـــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6573)
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 450)(7429) صحيح
(3) - صحيح البخارى(6571 ) وصحيح مسلم(479 )
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 382)(7378) ومسند أبي عوانة(330) صحيح
(5) - مسند أبي عوانة (337) صحيح
(6) - مسند أبي عوانة (338) صحيح
(7) - مسند أبي عوانة (339) صحيح
(8) - مسند أبي عوانة (340) صحيح
(9) - سنن الترمذى(2798) وقال : هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(10) - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (172 و173) صحيح
(11) - انظره في مكتبة صيد الفوائد(1/100)
المبحث التاسع والثلاثون
المخلدون في النار
أهل النار الخالدون فيها الذين لا يرحلون ولا يبيدون هم الكفرة والمشركون ، قال تعالى :( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) [الأعراف/36] ) ،
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ المُنَزَّلَةِ عَلَى أَحَدِ رُسُلِهِ ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ قَبُولِها ، وَعَنِ اتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهَا ، وَعَنِ العَمَلِ بِمَا فِيهَا . . . فَهَؤُلاَءِ سَيَكُونُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَبداً ، لاَ يَمُوتُونَ وَلاَ يَحْيَونَ ( خَالِدِينَ أَبَداً ) .
وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) [فاطر/36])
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، فَعِقَابُهُمْ سَيَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ فِيها بِمَوتٍ فَيَسْتَرِيحُوا مِنَ العَذابِ وَالآلاَمِ ، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ وَلا يُفَتَّرُ . وَكُلَّما خَبَتْ نَارُ جَهَنَّمَ زَادَهَا اللهُ سَعِيراً ، لِيَسْتَمِرَّ عَذَابُهُم شَدِيداً أليماً . وَمِثْلُ هذا الجَزاءِ يَجْزِي اللهُ بِهِ كُلَّ كَافِرٍ بِاللهِ ، جَاحِدٍ بِأَنْعُمِهِ ، مُكَذِّبٍ لِرُسُلِهِ .
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) [البقرة/39] )
أَمَّا الذِينَ سَيَكْفُرونَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الكُتُبِ ، وَبِمَنْ بَعَثَهُمْ مِنَ الرُّسُلِ فَهؤُلاءِ سَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَيَخْلُدُونَ فِيها أَبَداً ، لاَ يَمُوتُونَ فِيها وَلا يَحُولُونَ عَنْهَا أَبَداً .
واستلزم كونهم خالدين فيها دوام العذاب وعدم انقطاعه ، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) [المائدة/36-37])
إِنَّ الذِينَ كَفَروا بِرَبِّهِمْ ، وَعَبَدُوا غَيْرَهُ ، أوْ أشْرَكُوا مَعَهُ فِي الألُوهِيَّةِ غَيْرَهُ ، وَمَاتوا قَبْلَ أنْ يَتُوبُوا ، فَإنَّهُم لاَ نَجَاةَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَلَوْ أنَّ أحَدَهُمْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمِلْءِ الأرْضِ ذَهَباً ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ ، لِيَفْتَدِيَ بِذَلِكَ الذَّهَبِ مِنْ عَذابِ اللهِ الذِي قَدْ أَحَاطَ بِهِ ، لَمَا تُقُبِّلَ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَلاَ مَنْدُوحَةَ عَنْ عَذَابِهِ ، وَلا مَحِيصَ لَهُ مِنْ أنْ يُلاَقِيَ جَزَاءَهُ العَادِلَ مِنَ العَذَابِ ، وَهُوَ عَذَابٌ مُوجِعٌ ألِيمٌ .
وَحِنَما يُحِسُّ المُجْرِمُونَ بِثِقَلِ العَذَابِ فِي النَّارِ يُحَاوِلُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَها ، وَلَكِنْ لاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ ، وَلَهُمْ عَذابٌ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌ .
وتطلب هذا أن تكون النار مأوى لهم ، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) [يونس/7، 8])
إِنَّ الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ وَلِقَاءِ اللهِ فِي الآخِرَةِ ، وَاعْتَقَدُوا وَاهِمِينَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا هِيَ مُنْتَهَاهُمْ ، وَلَيْسَ بَعْدَهَا حَيَاةٌ ، فَاطْمَأَنُّوا بِهَا ، وَلَم يَعْمَلُوا لِمَا بَعْدَهَا ، وَغَفَلُوا عَنْ آيَاتِ اللهِ الدَّالَةِ عَلَى البَعْثِ وَالحِسَابِ. .
فَهَؤُلاَءِ سَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، لِيَصْلِيَهُمْ بِنِيرَانِهَا ، وَسَيَجْعَلُهَا مَأْوًى لَهُمْ وَمَنْزِلاً ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ، وَعَلَى مَا اكْتَسَبُوا فِي دُنْيَاهُمْ مِنَ المَعَاصِي وَالآثَامِ وَالخَطَايَا وَالإِجْرَامِ .
وقال تعالى : ( فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) [الحديد/15]) .
فَاليَوْمَ لاَ مَهْرَبَ لَكُمْ ، وَلاَ لِلْكَافِرِينَ ، مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَلاَ سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الافْتِدَاءِ مِنْهُ وَلَوْ جَاءَ أَحدُكُمْ بِمِثْلِ الأَرْضِ ذَهَباً ، وَسَتَصِيرُونَ جَمِيعاً إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، وَسَتَكُونُ هِيَ مَأْوَاكُمْ وَمَثْوَاكُمْ وَمُتَقَلَّبَكُمْ ، وَهِيَ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ كُلِّ مَنْزِلٍ آخَرَ ، وَسَاءَتْ مَصِيراً
كما أن أصحاب المبادئ الضالة والمذاهب الباطلة المخالفون لشرع الله هم دعاة النار كما قال تعالى: ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) [البقرة/221 ) ،
يُحَرِّمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ الْلَوَاتي لاَ كِتَابَ لَهُنَّ ، طَمَعاً فِي مَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ وَحَسَبِهِنَّ ، مَا دًمْنَ عَلَى شِرْكِهِنَّ ، لأنَّ المُشْرِكَةَ لاَ دِينَ لَهَا يُحَرِّمُ عَلَيهَا الخِيَانَةَ ، وَيَأْمُرُهَا بِالخَيْرِ ، وَيَنْهَاهَا عَنِ الشَّرِّ ، وَقَدْ تُفسِدُ عَقِيدَةَ أَوْلاَدِها . وَقيلَ : إنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَواحَة ، الأنْصَارِيِّ ، فَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ سَوْدَاءُ فَغَضِبَ عَلَيهَا يَوْماً فَلَطَمَهَا ، ثًمَّ جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَذِرُ ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لأُعْتِقَنَّها وَلأَتَزَوَّجَنَّها . فَعَابَ عَلَيهِ أنَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ذلِكَ . وَقَالُوا : نَكَحَ أَمَتَهُ . وَكَانُوا يُفَضِلُونَ نِكَاحَ المُشْرِكَاتِ ، وَإنكَاحَ المُشْرِكِينَ بَنَاتِهِمْ طَمَعاً فِي أَحْسَابِهِمْ . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ .
وَكَذَلِكَ مَنَعَ اللهُ المُسْلِمينَ مِنْ أَنْ يُزوِّجُوا بَنَاتِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى شِرْكِهِمْ .
أَمّا زَوَاجُ الكِتَابِيِّ بِمُسْلِمَةٍ فَحَرَامٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ ، وإجماعِ المُسْلِمِينَ عَلَى ذلِكَ ، إِذْ يُخْشَى أنْ يُزيغَها عَنْ دِينِها بِمَا لَهُ عَلَيهَا مِنْ سُلْطانٍ . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ مُعَاشَرَةَ المُشْرِكِينَ تَدْعُو إلى حُبِّ الدُّنْيَا وَالافْتِتَانِ بِها ، وَإلى التَّقْصِيرِ في أدَاءِ الوَاجِبَاتِ الدِّينِيةِ ، وَعَاقِبةُ ذلِكَ وَخَيمَةٌ . وَاللهُ يَدْعُو إِلَى المَغْفِرَةِ بِمَا أمَرَ بِهِ فِي شَرْعِهِ ، وَبِمَا نَهَى عَنْهُ . وَهُوَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَ صَلاحَهُمْ وَرَشَادَهُمْ .
وقال تعالى : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) [القصص/38-42]) ،
كَانَ فِرعَوْنُ يَدَّعِي الأُلُوهِيَّةَ ، وَقَدْ حَمَلَ قَومَهُ عَلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا جَاءَهُ مُوسَى وَهَارُونُ يَدْعُوَانِهِ إِلى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالى ، وَيُحَذِّرَانِهِ عِقَابَهُ وَعَذَابَهُ إِنِّ استَمَرَّ في كُفْرِهِ وطُغَيانِهِ ، َخَذَ في المَكَابَرَةِ والمُعَانَدَةِ ، وَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ كِبَارِ رِجَالِ دَولتِهِ : إِنَّهُ لاَ يَعرفُ لقومِهِ إِلهاً غيرَهُ هُوَ . وَقَالَ لِمُوسَى فِي آيةٍ أُخْرى : { لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين } ثُمَّ أَمرَ وَزيرَهُ هَامَانَ بأنْ يُوقِدَ النَّارَ لِيَشْوِيَ الطِّينَ ، وَيَجْعَلَ مِنْهُ آجُرّاً لإِشَادَةِ قَصْرٍ شَامِخٍ لَهُ ( صَرْحاً ) ، يَصْعَدُ إليهِ فِرْعَونُ لِيَرى إِلهَ مُوسَى . ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ يَعْتَقِد أَنَّ موسَى مِنَ الكَاذِبينَ فِيما يدِّعِيهِ مِنْ أًَنَّ له إلهاً فِي السَّمَاءِ يَنْصُرُهُ ويُؤَيِّدُهُ ، وَهُوَ الذي أَرْسَلَهُ إليهِ . وَكَانَ فِرْعَونُ يَرْمِي مِنْ هذا القَوْلِ إِلى تَخفِيفِ أَثَرِ الآياتِ التي جَاءَ بِها مُوسىَ وَهارُونَ ، في نُفُوسِ رَعِيَّتِهِ
وَطَغَى فِرْعَونُ وَمَلَؤُهُ وَجُنُودَهُ في أَرْضِ مِصْرَ ، وَتَجَبَّروا ، وَأَكْثَروا فِيها الفَسَادَ ، واعتَقَدُوا أَنَّهُ لا قِيَامَةَ وَلاَ حَشْرَ وَلاَ مَعَادَ ، وَلاَ رَجْعَةَ إِلى اللهِ ، وَلا حِسَابَ لَهُمْ عَلى عَمَلِهِم السَّيءِ ، واعتِقادِهِم الفَاسِدِ .
فَجَمَعَ اللهُ تَعَالَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ ، وأَغْرَقَهُمْ في البَحْرِ في صَبيحَةِ وَاحِدَةٍ ، وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أًحَداً . فانظُرْ أَيُّها المُعْتَبِرُ بالآيَاتِ كَيفَ كَانَ أَمرُ هؤلاءِ الذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَهذِهِ هِيَ عَاقِبَةُ الكُفرِ والبَغْيِ والظُّلْمِ .
وَجَعَلَ اللهُ فِرْعَونَ وَقَوْمَهُ أَئِمَّةً ، يَقْتَدِي بِهِمْ أهلُ العُتُوِّ والكُفْرِ والضَّلاَلِ ، فَهُمْ يَبْحَثُونَ عَن الشُّرُورِ والمَعَاصِي ، التي تُلقِي بِصَاحِبهِا في النَّارِ ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعَالى مَصِيرَ مَنْ يَتْبَعُهُمْ ، وَيَقْتَدِي بِهِمْ في الكُفْرِ ، وتَكْذِيبِ الرُّسُل مِثْل مَصيرِهِمْ في نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلا يَجِدُونَ أَحَداً يَنْصُرُهُمْ يومَ القِيَامَةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيِهِمْ خِزْيُ الدُّنيا ، مُتَّصِلاً بِذُلِّ الآخِرَةِ .
وأَلْزَمَ اللهُ تَعَالَى فِرْعَونَ وَقَومَهُ في هذِهِ الدُّنيا خِزْياً وَطَرداً مِنْ رَحْمَتِهِ ( لَعْنَةً ) ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالبَوارِ والهَلاَكِ ، وسُوء الأُحْدُوثَةِ ، وسَيُتْبِعُهُمْ لَعنَةً أُخْرى يَومَ القِيَامَةِ ، وَيُذِلُّهُم ويُخْزِيهِمْ خِزْياً دَائماً مُسْتَمِرّاً لا فكَاكَ لَهُمْ مِنْهُ .
وفي مقدمة هؤلاء الشيطان، قال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) [فاطر/6 ])
إن الشَّيطَانَ عَدُوٌّ لَكُمْ يَا أَيَّها النَّاسُ ، وَهُوَ يُوَسْوِسُ لَكُمْ لِيُضِلَّكُمْ وَيَدْفَعَ بِكُمْ إِلى هَاوِيةِ الجَحِيمِ ، فَاحْذَرُوا مِنْهُ وَكُونُوا أَنْتُمْ أَعْدَاءَهُ ، وَخَالِفُوهُ وَكَذِّبُوهُ فِيما يَغُرَّكُمْ بِهِ ، وَهُوَ يَدْعُو حِزْبَهُ وَأَوْليَاءَهُ وَشِيعَتَهُ ، إِلى اتِّبَاعِ الهَوى ، والرُّكُونِ إِلى اللذَّاتِ ، وَالتَّسْوِيفِ بِالتَّوْبَةِ ، لِيُضِلهُمْ وَيُلْقِيَهمْ فِي العَذَابِ الدَّائِمِ ، فِي سَعيرِ جَهَنَّمَ .
ـــــــــــــ(1/101)
المبحث الأربعون
أعظم جرائم الخالدين في النار
1) الكفر والشرك : وقد أخبر الحق سبحانه أن الذين كفروا ينادون عندما يكونون في النار ، فيقال لهم : إن مقت الله لكم أعظم من مقتكم أنفسكم بسبب كفركم بالإيمان ، وبين أن خلودهم في النار بسبب كفرهم وشركهم ، قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) [غافر/10-12])
وَحِينَمَا يُلْقَلى الكَافِرُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، لِيَذوقُوا العَذَاب الأَلِيمَ ، يَمْقُتُونَ أَنْفُسَهَمْ ، وَيَكْرَهُونَهَا أَشَدَّ الكُرْهِ ، بِسَبَبِ مَا أَسْلَفُوا فِي الدُّنْيا مِنَ عَمِلٍ سَيِّئٍ أَوْصَلَهُمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، فَتُنَادِيِهم المَلاَئِكَةُ وَيَقُولُونَ لَهُمْ : إِنَّ مَقْتَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حِينَ كَانَ الإِيْمَانُ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ فَيَكْفرُونَ ، كَانَ أَشَدَّ مِنْ مَقْتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتَلَظُّوْنَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .
فَيَقُولُ الكَافِرُونَ : رَبَّنَا خَلَقْتَنَا مِنْ عَدَمٍ وَلَمْ تَكُنْ لَنَا حَيَاةٌ ، وَأَمَتَّنَا حِينَ انْقَضَتْ آجَالُنَا ، وَأَحْيَيْتَنا أَوَلاً بِنَفْخِ الأَرْوَاحِ فِينَا وَنَحْنُ فِي الأَرْحَامِ ، وَأَحْيَيْتَنَا بِإِعَادَةِ أَرْوَاحِنَا إِلَى أَبْدَانِنَا يَوْمَ البَعْثِ ، والنُّشُورِ ، فَاْعْتَرَفْنَا بِأَنَّنَا كُنَّا أَنْكَرْنَا البَعْثَ فَكَفَرْنَا ، وَاجْتَرَحْنَا السَّيِّئَاتِ ، فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى إِخْرَاجِنَا مِنَ النَّارِ ، وَإِعَادَتِنَا إِلَى الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ غَيَرَ الذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟ فَأَنْتَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ .
فَيُجَابُونَ عَلَى سَؤَالِهِمْ هَذَا أَنْ لاَ سَبِيلَ إِلَى الرَّجعَةِ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلاَ إِلَى الخُرُوجِ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ إِذَا ذَكِرَ اللهُ العَلِيُّ القَدِيرُ وَحْدَهُ كَفرْتُمْ وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الألوهِيَّةُ خَالِصَةً للهِ وحدَهُ ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مُشْرِكٌ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ . وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِفَسَادِ طِبَاعِكُمْ ، وَرَفْضِهَا لِلْحَقِّ ، فَإِذَا عُدْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا عُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيِهِ مِنْ فَسَادٍ وَكُفْرٍ وَإِفْسَادٍ فِي الأَرْضِ ، فَالحُكْمُ اليَوْمَ للهِ ، وَهُوَ لا يَحْكُمُ إِلاَ بِالحَقِّ ، وَهُوَ ذُو الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَةِ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ، وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ خُلُودَ الكَافِرِينَ فِي النَّارِ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الخُرُوجِ مِنْهَا .
وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) [غافر/49-50]
وَلَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ يُقَرِّعُونَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُ رَبِّكُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيهِ؟ وَيَقُولُ المُسْتَضْعَفُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِالحُجَجِ والبَيِّنَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزنَةُ جَهَنَّمَ : إِذاً فَادْعُوا أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ . وَلكِنَّ دُعَاءَ الكَافِرِينَ لاَ يُفِيدُ ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ ، وَيَذْهَبُ سُدًى .
وقال فيمن كذب بالكتاب: ( الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) [غافر/70-76]) ،
هؤلاء المشركون الذين كذَّبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس، فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم حين تُجعل الأغلال في أعناقهم، والسلاسل في أرجلهم، وتسحبهم زبانية العذاب في الماء الحار الذي اشتدَّ غليانه وحرُّه، ثم في نار جهنم يوقد بهم.
ثم قيل لهم توبيخًا، وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم؛ لينقذوكم من هذا البلاء الذي حلَّ بكم إن استطاعوا، قال المكذبون: غابوا عن عيوننا، فلم ينفعونا بشيء، ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم، وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئًا، كما أضل الله هؤلاء الذين ضلَّ عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله، يضل الله الكافرين به.
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة، حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام، وبما أنتم عليه من الأشَر والبَطَر والبغي على عباد الله.
ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها، فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.
وقال في الكفرة المشركين المسوين آلهتهم برب العالمين: ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) [الشعراء/91-99]) ،
وأُبْرِزَتْ جَهنَّمُ ، وأُظْهِرَتْ لأهْلِها الكَفَرةِ الطُّغَاةِ الغَاوِينَ ، لتكون بِمَرْأى العينِ مِنْهُمْ ، وفي ذلكَ تَعجِيلٌ لِحَسْرَتِهِمْ وغَمِّهِمْ .
وقِيلَ لأهْلِ النَّارِ تَقْرِيعاً وتَوْبِيخاً : أَينَ الآلهةُ الذينَ كُنتمْ تَعْبُدُونَهُمْ منْ دونِ اللهِ مِنْ أصْنَامٍ وأنْدَادٍ؟
لقَدْ كُنْتُمْ أنْتُمْ تَعْبُدُونَهُمْ في الدُّنْيا من دونِ اللهِ تَعالى ، وتَعْتَقِدُونَ أنَّهُمْ سَيَشْفَعُون لَكُمْ عندَ اللهِ ، فهَلْ يَسْتَطِيعونَ اليومَ نَصْرَكُمْ أو نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ؟ وهَلْ يستطيعونَ أن يَدْفَعُوا عَذابَ اللهِ عنكُمْ أو عَنْ أنفُسِهِمْ؟
فأَلْقُوا في جَهَنَّمَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، بعْضُهُم فَوقَ بَعضٍ ( كُبْكِبُوا ) هُمْ وقَادَتُهُمْ وكُبَراؤُهُمْ ، الذِينَ دَعَوْهُمْ إِلى الشِّرْكِ .وقُذِفَ في النَّارِ مَعَهُمْ جنودُ إبْلِيسَ الذينَ كانُوا يُزِيِّنُون لَهُمُ الشِّرْكَ وَالمَعَاصِيَ ، فَصَارُوا جَمِيعاً في النَّارِ .فَيقُولُونَ مُعْتَرِفِينَ بِخَطًَئِهِمْ ، وهُمْ يَتَخَاصَمُونَ في النَّارِ مَعَ مَنْ أَضَلُّوهُمْ مِنْ مَعْبُودَاتِهِم .واللهِ لَقَدْ كُنَّا ضَالِّينَ بِصُورَةٍ جَلِيَّةٍ وَاضِحَةٍ ، إذِ اسْتَجَبْنَا لَكُمْ أيُّهَا المَعْبُودُونَ ، وعظَّمْنَاكُمْ تَعْظِيمَ المَعْبُودِ الحَقِّ ، وسَوِّيْنَاكُمْ بِرَبِّ العَالَمِينَ في اسْتِحَاقِ العِبَادَةِ .
وقال فيمن كذب بيوم الدين: ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) [الفرقان/11-14] )
وما كذبوك؛ لأنك تأكل الطعام، وتمشي في الأسواق، بل كذَّبوا بيوم القيامة وما فيه من جزاء، وأعتدنا لمن كذب بالساعة نارًا حارة تُسَعَّر بهم.إذا رأت النار هؤلاء المكذبين يوم القيامة من مكان بعيد، سمعوا صوت غليانها وزفيرها، من شدة تغيظها منهم.وإذا أُلقوا في مكان شديد الضيق من جهنم- وقد قُرِنت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم- دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك للخلاص منها.فيقال لهم تيئيسًا، لا تَدْعوا اليوم بالهلاك مرة واحدة، بل مرات كثيرة، فلن يزيدكم ذلك إلا غمًّا، فلا خلاص لكم.
2) عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين وترك الالتزام بالضوابط الشرعية ، وقد بين سبحانه هذه الصورة في حوار أهل الجنة مع أهل النار فقال سبحانه على لسان أهل الجنة: ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) [المدثر/42-48])
ثُمَّ يَسْأَلُونَ المُجْرِمِينَ وَهُمْ فِي النَّارِ : مَا الذِي أَدْخَلَكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ؟
وَيَرُدُّ المُجْرِمُونَ عَلَى سُؤَالِ الأَبْرَارِ أَهْلِ الجَنَّاتِ قَائِلِينَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلَواتِ . وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِ اللهِ الفُقَرَاءِ ، وَلَمْ يَكُونُوا يُطْعِمُونَ المَسَاكِينَ . وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُشَارِكُونَ أَهْلَ البَاطِلِ فَيَخُوضُونَ مَعَهُمْ فِيمَا يَخُوضُونَ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ والاسْتِهْزَاءِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ . وَإِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يُؤْمِنُونَ بِحَشْرٍ وَلاَ نَشْرٍ وَلاَ بَعْثٍ وَلاَ حِسَابٍ ، وَلاَ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ . حَتَّى جَاءَهُمْ المَوْتُ ، وَرَجَعُوا إِلَى اللهِ فِي الآخِرَةِ ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ . وَمَنْ كَانَ مُتْصِفاً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ لاَ تَنْفَعُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَفَاعَةُ شَافِعٍ فِيهِ ، لأَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِراً فَجَزَاؤُهُ النَّارُ ، وَيَبْقَى خَالِداً فِيهَا .
3) طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال وخطوات الكفر التي تصدُّ عن دين الله ومتابعة المرسلين، قال تعالى في هؤلاء: ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) [فصلت/25-28] )
وَيَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ أَخْدَاناً وَأَقْرَاناً مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنْسِ ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَينَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِنَ الضَّلاَلَةِ وَالكُفْرِ واتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ ، وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ ، فَحَسَّنُوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلاَ مُحْسِنِينَ ، وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ إِنَّهُ لاَ جَنَّةَ وَلاَ نَارَ وَلاَ حِسَابَ ، فَوَجَبَ عَلَيهِمْ مِنَ العَذَابِ مَا وَجَبَ عَلَى الذِينَ كَفَرُوا مِنْ ٌَقَبْلِهِمْ مِمَّنْ فَعَلُوا مِثْلَ أَفْعَالِِهِمْ ، فَكَانُوا جَمِيعاً فِي الخَسَارِ والدَّمَارِ ، وَاسْتَحَقُّوا اللَّعْنَ والخِزْيَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ .
وَتَوَاصَى الذِينَ كَفَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَلاَ يُؤْمِنُوا بِالقُرْآنِ ، وَأَلاَ يَنْقَادُوا إِلَيهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِذَا تُلِيَ القُرْآنُ لاَ تُنْصِتُوا لَهُ ، وَعَارِضُوهُ بِاللَّغْوِ والبَاطِلِ بِرْفْعِ الصَّوْتِ بِالْشِّعْرِ ، أَوِ الكَلاَمِ أَوِ الصَّفِيرِ . . لَعَلَّكُمْ تَكُونُونَ أَنْتُمْ الغَالِبينَ .
وَيَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ بِأَنَّهُ سَيُذِيقُهُمْ عَذَاباً لاَ تُمْكِنُ الإِحَاطَةُ بِوَصْفِهِ ، وَسَيَجْزِيهِمْ بِأَسْوَأِ أَعْمَالِهِمْ ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ الصَّالِحَةَ فِي الدُّنْيَا أَحْبَطَهَا الشِّرْكُ وَأَهْلَكَهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ إِلاَّ القَبِيحُ السَّيِّئُ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجَازَوْنَ إِلاَّ عَلَى السَّيِّئَاتِ .
وَذَلِكَ الجَزَاءُ الشَّدِيدُ ، الذِي أَعَدَّهُ اللهُ لأَعْدَائِهِ ، هُوِ النَّارُ يُعَذَّبُونَ فِيهَا ، وَيَبْقَوْنَ فِي العَذَابِ خَالِدِينَ أَبَداً ، وَهِيَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَجُحُودِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ ، وَاسْتِكْبَارِهِمْ عَنْ سَمَاعِهَا .
وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) [الأحزاب/64-68])
إِنَّ اللهَ تَعَالى لَعَنَ الكَافِرِينَ ، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ كُلِّ خيرٍ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَعدّ لَهُم فِي الآخِرَةِ نَاراً تَتَّقِدُ وَتَتَسَعَّرُ .وَيَبْقَوْنَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ أَبَداً ، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلاَ يَزُولُونَ ، وَلا يَجِدُونَ لَهُم نَاصِراً مِنْ بَأْسِ اللهَ وَعَذَابِِهِ .وَهُمْ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً يَنْصُرهُم ، وَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، حِين تُقَلَّبُ وُجُوهُهُم فِي النَّارِ مِنْ جَانِبٍ إِلى جَانِبٍ آخَرَ ، كَمَا يُقَلَّبُ اللَّحْمُ فَوْقَ النَّارِ ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ مُتَحَسِّرِينَ : يَا لِيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا جَاءَنا بهِ في حَيَاتنا الدُّنْيا ، مِنْ دَعْوةٍ إِلى اللهِ ، وَتَحْذِيرٍ مِنْ عَذَابِهِ ، وَلَوْ أَنّنا أَطْعْنا اللهَ وَرَسُولَهُ لَمَا كُنّا اليَوْمَ نَتَقَلَّبُ في نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلا نَجِدُ لَنَا سمَنْ يُنْقِذُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ ، وَلاَ مَنْ يُجِيرُنا مِنْ عَذَابِهِ.
وَقَالَ الكَافِرُونَ ، وَهُمْ يُقَاسُونَ شِدَّةَ العَذَابِ في نَارِ جَهَنَّمَ : رَبَّنا إِننا أَطَعْنا أَئِمَّتَنا في الضَّلاَلةِ ، وَكُبَرَاءَنا ، وَأَشْرَافَ قَوْمِنا ، فَجَعَلُونا نَضِلُّ طَرِيقَ الهُدَى وَالحَقِّ الذِي يُؤَدِّي إلى الإِيمَانِ بِكَ وَإِلى الإِقْرَارِ بِوحْدَانِيِّتِكَ . رَبَّنا وَأَضْعِفْ لَهُمُ العَذابَ مَرَّتِينِ : مَرَّةً لِكُفِرِهِمْ بِكَ ، وَمَرَّةً لإِضْلالِهِمْ إِيَّانا ، اللهُمَّ وَاخْزِهِمْ وَاطْرُدْهُمْ مِنْ رَحْمَتِكَ .
4) النفاق : وعد الله المنافقين النار ، وهو وعد قطعه على نفسه لا يخلفه، قال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) [التوبة/68])
وَقَدَ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارِ نَارَ جَهَنَّمَ ، وَوَعَدَهُمْ بِهَا عَلَى سُوْءِ صَنِيعِهِمْ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَسَيَمْكُثُونَ فِيهَا مُخَلَّدِينَ أَبَداً ، وَلَهُمْ فِيهَا مِنَ الجَزَاءِ وَالعَذَابِ مَا يَكْفِيهِمْ ( حَسْبُهُمْ ) ، وَلَعَنَهُمْ اللهُ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَلَهُمْ عَذَابُ مُقِيمٌ دَائِمٌ غَيْرَ عَذَابِ جَهَنَّمَ : كَالسَّمُومِ يَلْفَحَ وَجوهَهُمْ ، وَالحَمِيمِ يَصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ .
وبين سبحانه موقعهم في النار وهو الدرك الأسفل من النار وهو أكثر الدركات عذابا وحرا: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) [النساء/145])
يَقُولُ تَعَالَى إنَّ المُنَافِقِينَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي أَسْفَلِ طَبَقَاتِ ( دَرَكَاتِ ) نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلَنْ يَنْصُرَهُمْ أَحَدٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ .
إنه مصير يتفق مع ثقلة الأرض التي تلصقهم بالتراب ، فلا ينطلقون ولا يرتفعون ، ثقلة المطامع والرغائب ، والحرص والحذر ، والضعف والخور! الثقلة التي تهبط بهم إلى موالاة الكافرين ومداراة المؤمنين . والوقوف في الحياة ذلك الموقف المهين : { مذبذبين بين ذلك . لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } . .فهم كانوا في الحياة الدنيا يزاولون تهيئة أنفسهم وإعدادها لذلك المصير المهين في { الدرك الأسفل من النار } . . بلا أعوان هنالك ولا أنصار . . وهم كانوا يوالون الكفار في الدنيا ، فأنى ينصرهم الكفار؟
5) الكبر : وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) [الأعراف/36])
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ المُنَزَّلَةِ عَلَى أَحَدِ رُسُلِهِ ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنْ قَبُولِها ، وَعَنِ اتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهَا ، وَعَنِ العَمَلِ بِمَا فِيهَا . . . فَهَؤُلاَءِ سَيَكُونُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَبداً ، لاَ يَمُوتُونَ وَلاَ يَحْيَونَ ( خَالِدِينَ أَبَداً ) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِى الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِى الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ أَنْتِ عَذَابِى أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - وَرُبَّمَا قَالَ أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - وَقَالَ لِهَذِهِ أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ».(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتِ النَّارُ : يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : يَدْخُلُنِي ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَأَسْقَاطُهُمْ ، فَقَالَ اللَّهُ لِلنَّارِ : أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِلْجَنَّةِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ : مَا بَالِي يَدْخُلُنِي الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ ؟ وَقَالَتِ النَّارُ : مَا بَالِي يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ ؟ فَقَالَ اللَّهُ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِلنَّارِ : أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِلْؤُهَا.(3)
وعَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبِّرٍ »(4).
الجواظ : الجموع المنوع الذى يجمع المال من أى جهة ويمنع صرفه فى سبيل الله -الزنيم : دعى النسب الملحق بهم
وهذا مصداق قوله تعالى: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) [الزمر/60])
__________
(1) - صحيح مسلم (7351 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 518)(7476) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 519) (7477) صحيح
(4) - صحيح مسلم (7368 )(1/102)
وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، الذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ ، فَزَعَمُوا أَنْ لَهُ وَلَداً أَوْ صَاحِبَةً أَوْ شَرِيكاً ، أَوْ عَبَدُوا مَعَ اللهِ شُرَكَاءَ . . الخ قَدْ اسَوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ مِنَ الخزْيِ والحَزْنِ والكَآبَةِ ، ثُمَّ يَدخُلُونَ النَّارَ لِيَلْقَوا فِيهَا العَذَابَ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ . أَوَ لَيْسَتْ جَهَنَّمُ كَافِيةً سِجْناًَ وَمَوْئِلاً لِلْمُتَكَبِّرينَ فَيَرَوْا فِيهَا الخِزْيَ والهَوَانَ بِسَبَبِ تَكَبُّرِهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ . وَاسْتِعْلاَئِهِمْ عَنِ الانْقِيَادِ لِلحَقِّ .
ـــــــــــــ(1/103)
المبحث الواحد والأربعون
أهم الجرائم التي تدخل النار
سُئِلَ ابن تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ - : مَا عَمَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ وَمَا عَمَلُ أَهْلِ النَّارِ ؟ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، " عَمَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ " الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى ، وَعَمَلُ أَهْلِ النَّارِ الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ، فَأَعْمَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَالشَّهَادَتَانِ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ .
وَأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك .
وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " : صِدْقُ الْحَدِيثِ ،وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ، وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ وَالْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَالْمَمْلُوكِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ .
وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ،وَالْمَحَبَّةُ لَهُ وَلِرَسُولِهِ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَرَجَاءُ رَحْمَتِهِ، وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى حُكْمِهِ ،وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ .
وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ ،وَمَسْأَلَتُهُ وَالرَّغْبَةُ إلَيْهِ . وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " : الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك ،وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّها { لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) }[آل عمران/133، 134].
وَمِنْ " أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " : الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ حَتَّى الْكُفَّارِ . وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ .
وَأَمَّا " عَمَلُ أَهْلِ النَّارِ " : فَمِثْلُ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالرُّسُلِ وَالْكُفْرِ وَالْحَسَدِ وَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْغَدْرِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْجُبْنِ عَنِ الْجِهَادِ وَالْبُخْلِ ،وَاخْتِلَافِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ،وَالْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْجَزَعِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، وَالْفَخْرِ وَالْبَطَرِ عِنْدَ النِّعَمِ ، وَتَرْكِ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَاعْتِدَاءِ حُدُودِهِ وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ ،وَخَوْفِ الْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ، وَرَجَاءِ الْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى الْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ، وَالْعَمَلِ رِيَاءً وَسُمْعَةً ،وَمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَطَاعَةِ الْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَالتَّعَصُّبِ بِالْبَاطِلِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَجَحْدِ الْحَقِّ، وَالْكِتْمَانِ لِمَا يَجِبُ إظْهَارُهُ مِنْ عِلْمٍ وَشَهَادَةٍ .
وَمِنْ " عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ " السِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ،وَأَكْلُ الرِّبَا ،وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ . وَتَفْصِيلُ " الْجُمْلَتَيْنِ " لَا يُمْكِنُ ؛ لَكِنَّ " أَعْمَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ " كُلَّهَا تَدْخُلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ و" أَعْمَالَ أَهْلِ النَّارِ " كُلَّهَا تَدْخُلُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) [النساء/13-14] } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(1).
وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - جماع الذنوب التي تدخل النار ، ففي صحيح مسلم
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِى خُطْبَتِهِ « أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِى يَوْمِى هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِى أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِى فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً قَالَ اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. قَالَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ - قَالَ - وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِى لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لاَ يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً وَالْخَائِنُ الَّذِى لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِى إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ »(2).
يثلغ : يكسر -اجتال : أضل -الزبر : العقل -الشنظير : سيئ الخلق -نغزك : نعينك
وعَنْ عِيَاضِ بن حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، وَإِنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَغْزُوَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُمْ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً، فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، فَاغْزُهُمْ يُعِزَّكَ اللَّهُ وَأَنْفِقْ يُنْفَقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نُمِدَّكَ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ، وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لا زَبَرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ أَهْلا وَلا مَالا، وَرَجُلٌ إِنْ أَصْبَحَ أَصْبَحَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَرَجُلٌ لا يَخْفَي لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلا ذَهَبَ بِهِ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَاحِشُ"قَالَ: وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ .(3)
ـــــــــــــ
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 422) فما بعدها
(2) - صحيح مسلم(7386 )
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 12 / ص 332)(14397) صحيح(1/104)
المبحث الثاني والأربعون
نداء أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار
قال الله تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) } [الأعراف/44-51]
وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرَّ أَهْلَ الجَنَّةِ فِيهَا ، وَيَحْمَدُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى النَّعِيمِ الذِي أَسْبَغَهُ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ، يَطَّلِعُونَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَيَرَوْنَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ وَالنَّصَبِ ، وَيَرَوْنَ قَوْماً مِمَّنْ عَرَفُوهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللهِ ، وَيَكْفُرُونَ بِهَا ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ، وَيُشَكِّكُونَ فِي صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ عَنْ ثَوَابِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَاعِلِي الخَيْرِ ، وَعَنِ العَذَابِ الذِي يَنْتَظِرُ المُكَذِّبِينَ المُجْرِمينَ ، فَيُخَاطِبُونَهُمْ قَائِلِينَ : لَقَدْ وَجَدْنَا نَحْنُ مَا وَعَدَنَا رَبُّنا مِنْ نَعِيمٍ ، وَجَنَّاتٍ ، حَقّاً ، جَزَاءً عَلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ النَّارِ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ عَذَابٍ وَنَكَالٍ حَقّاً؟ فَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ النَّارِ : أَنْ نَعَمْ ، لَقَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ . وَبَعْدَ أَنْ يُقِروا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ ، يُعْلِنُ مُعْلِنٌ : أَنْ لَعْنَةَ اللهِ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ وَالمَعَاصِي .
وَيُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ فَيَقُولُ : إِنَّهُمُ الذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ اللهُ مِنَ الهُدَى ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتَ ، وَيَبْغُونَ أَنْ تَكُونَ سَبيلُ اللهِ مُعْوَجَّةً غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ حَتَّى لاَ يَسْلُكَهَا أَحَدٌ ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ اللهِ فِي الآخِرَةِ ، لاَ يُصَدِّقُونَ وَلاَ يُؤْمِنُونَ ، وَلِذَلِكَ فَإنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِمَا يَأْتُونَ مِنْ مُنْكَرِ القَوْلِ وَالفِعْلِ ، لأنَّهُمْ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللهِ وَحِسَابَهُ .
وَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَأَهْلِ النَّارِ حِاجَزاً ( حِجَاباً ) يَمْنَعُ وُصُولَ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الجَنَّةِ ، وَهُوَ السُّورُ الذِي قَالَ عَنْهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أَخْرَى { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ } وَهُوَ الأَعْرَافُ .
وَيَقُولُ المُفسِّرُونَ : يَقِفُ عَلَى الأَعْرَافِ أُنَاسٌ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ مَعْ سَيِّئَاتِهِمْ ، فَلاَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَلا هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيهِمْ ، وَلكِنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي أَنْ يُدْخِلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ .
وَأَهْلُ الأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ كُلاًّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الجَنَّةِ بِسِيمَاهُمُ التِي وَصَفَهُمُ اللهُ بِهَا ( وَهِيَ بَيَاضُ الوَجْهِ ، وَنَضْرَةُ النَّعِيمِ التِي تَعْلُو وُجُوهَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَسَوادُ الوَجْهِ وَالقَتَرَةُ التِي تَرْهَقُ وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ ) . وَيَتَوَجَّهُ أَهْلُ الأَعْرَافِ إلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بِالسَّلاَمِ قَائِلِينَ لَهُمْ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، يَقُولُونَهَا مُهَنِّئِينَ بِالفَوْزِ بِالحِسَابِ ، طَامِعِينَ فِي أَنْ يُدِخِلََهُمُ اللهُ الجَنَّةَ مَعَهُمْ .
وَقَالَ مُفَسِّرُونَ آخَرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) إِنَّ أَهْلَ الأَعْرَافِ يُسَلِّمُونَ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَجْتَازُوا الحِسَابَ ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ ، إِذْ يَكُونُونَ طَامِعِينَ فِي دُخُولِهَا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ يُسْرِ الحِسَابِ .وَكُلَّمَا اتَّجَهَتْ أَبْصَارُهُمْ إلَى جِهَةِ أَهْلِ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ ، وَقَالُوا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ .
وَيَعْرِفُ أَهْلُ الأَعْرَافِ رُؤُوسَ الكُفْرِ ، وَقَادَةَ الشِّرْكِ ، وَهُمْ فِي النَّارِ ، بِسِيمَاهُمْ ( أَيْ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ ) فَيُقَرِّعُونَهُمْ قَائِلِينَ : لَمْ تَنْفَعْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ، وَجَمْعُكُمُ المَالَ ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْكُمُ اسْتِكْبَارُكُمْ ، مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ صِرْتُمْ إلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ العَذَابِ ، وَسُوءِ المَصِيرِ .
ثُمَّ يَقُولُونَ لَهُمْ مُوَبِّخِينَ مُقَرِّعِينَ ، وَهُمْ يَلْفِتُونَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، وَيَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ : أَهَؤُلاَءِ الذِينَ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَنْ يَرْحَمَهُمْ؟ ألاَ تَرَوْنَ مَا قِيلَ لَهُمْ بِأَمْرِ اللهِ : ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ، لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِكُمْ ، وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ وَرَاءَكُمْ فِي الدُّنْيَا .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ ذِلَّةِ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيمِ ، وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الجَنَّةِ أَنْ يُعْطُوهُمْ شَيْئاً مِنْ شَرَابِهِمْ وَطَعَامِهِمْ ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ : إِنَّ اللهَ حَرَّم ذَلِكَ عَلَى الكَافِرِينَ .
وَوَصَفَ أَهْلُ الجَنَّةِ هَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ ، الذِينَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ المَاءَ وَالطَّعَامَ ، بِأَنَّهُمْ : الذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ لَهْواً وَلَعِباً ، وَاغْتَرُّوا بِالدُّنيا وَزِينَتِهَا وَزُخْرُفِها ، فَانْصَرَفُوا إِليها ، وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ العَمَلِ لِلآخِرَةِ .
وَكَمَا نَسِيَ هَؤُلاَءِ دِينَهُمْ وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَجَحَدُوا بِهَا ، فَإِنَّ اللهَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الشَّيءِ المَنْسِيِّ ، الذِي لاَ يَبْحَثُ عَنْهُ أَحَدٌ ، وَيَنْسَاهُمْ فَلا يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ ، وَيَتْرُكُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يُعَذَّبُونَ .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} الآيَةُ ، قَالَ : يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ ، وَيُنَادِي الرَّجُل الرَّجُلَ فَيَقُولُ : إنِّي قَدَ احْتَرَقْت فَأَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ ، قَالَ : فَيُقَالَ له : أَجِبْهُ ، فَيَقُولُ : إنَّ اللَّهَ حرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ.(1)
وعن أبي بكر بن عبد الله، قال: ينادي أهلُ النار أهلَ الجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله، ثم يقال: أجيبوهم، وقد قطع الرَّحم والرحمة، فيقول أهل الجنة: يا أهل النار، عليكم غضب الله، يا أهل النار، عليكم لعنة الله، يا أهل النار، لا لبَّيْكم ولا سَعْدَيْكُم، ماذا تقولون؟ فيقولون: ألم نك في الدنيا آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم، فيقولون: بلى، فيقولون:( أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ).(2)
و قال الله عز وجل : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) [الصافات/50، 60]
وَيَأْخُذُ أَهْلُ الجِنَّةِ ، وَهُمْ فِي جلْسَتِهِمْ تِلْكَ ، فِي تَجَاذُبِ أَطْرَافِ الحَدِيثِ ، وَيَتَنَاوَلُونَ فِي أَحَادِيِثِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا .
قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ : إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ ( قَرِينٌ ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ . وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ : هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟
وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً : هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً ، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً .
وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ : هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟
فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها . فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً : لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ .
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ .
ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ : هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ ، مُنعَّمُونَ فِيهَا ، لاَ نَمُوتُ ، وَلاَ تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟
وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ : لاَ . فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ : إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم ، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى .
وعن خليد العصري، قال: لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه، لقد تغير حبره وسبرة بعده، وذُكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم، فقال:( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ )(3)
وعن مطرف بن عبد الله، في قوله( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) قال: والله لولا أنه عرفه ما عرفه، لقد غيرت النار حِبْره وسِبْره ( الحسن والبهاء)(4).
وقال تعالى :{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } [المدثر/38-47]
كل نفس بما كسبت من أعمال الشر والسوء محبوسة مرهونة بكسبها، لا تُفَكُّ حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات، إلا المسلمين المخلصين أصحاب اليمين الذين فكُّوا رقابهم بالطاعة، هم في جنات لا يُدْرَك وصفها، يسأل بعضهم بعضًا عن الكافرين الذين أجرموا في حق أنفسهم: ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون سعيرها؟ قال المجرمون: لم نكن من المصلِّين في الدنيا، ولم نكن نتصدق ونحسن للفقراء والمساكين، وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغَواية والضلالة، وكنا نكذب بيوم الحساب والجزاء، حتى جاءنا الموت، ونحن في تلك الضلالات والمنكرات.
وعَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : يَشْرُفُ قَوْمٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَوْمٍ فِي النَّارِ فَيَقُولُونَ : مَا لَكُمْ فِي النَّارِ , وَإِنَّمَا كُنَّا نَعْمَلُ بِمَا تُعَلِّمُونَا ، قَالُوا : كُنَّا نُعَلِّمُكُمْ ، وَلاَ نَعْمَلُ بِهِ.(5)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيُنَادِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ : يَا فُلانُ ، أَمَا تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : لا ، وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ ، مَنْ أَنْتَ وَيْحَكَ ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي مَرَرْتُ بِي فِي الدُّنْيَا فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةَ مَاءٍ فَسَقَيْتُكَ ، فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكَ ، قَالَ : فَدَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى اللَّهِ فِي زُوَّرِهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، إِنِّي أَشْرَفَتُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَنَادَى : يَا فُلانُ ، أَمَا تَعْرِفُنِي ؟ فَقُلْتُ : لا ، وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ ، وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي الدُّنْيَا فَاسْتَسْقَيْتَنِي فَسَقَيْتُكَ ، فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكِ ، يَا رَبِّ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيهِ ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ النَّارِ "(6)
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} [المطففين/29-36]
إِنَّ المُجْرِمِينَ الذِينَ يُعَانُونَ سُوء العَذَابِ ، فِي الآخِرَةِ ، كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَسْخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الذِينَ أَكْرَمَهُم اللهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ ، حِينَمَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا .
وَكَانُوا إِذَا مَرُّوا بِالمُؤْمِنِينَ يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ وَيَتَغَامَزونَ عَلَيْهِمْ بِالعُيُونِ ، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ .
وَإِذَا رَجَعُوا إِلَى جَمَاعَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ والضَّلاَلِ ، رَجَعُوا مُعْجَبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لِمَا فَعَلُوهُ بِالمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالإِيْذَاءِ .
وَإِذَا رَأَى هَؤُلاَءِ المُجْرِمُونَ المُؤْمِنِينَ قَالُوا : إِنَّهُمْ ضَالُّونَ إِذْ بَدَّلُوا دِينَهُمْ ، وَتَرَكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آباؤُهُمْ ، وَاتَّبَعُوا مُحَمَّداً وَدِينَهُ . وَاللهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرْسِلِ الكُفَارَ رُقَبَاءَ عَلَى المُؤْمِنِينَ ، وَلَمْ يَعْهَدْ إِلَيْهِمْ بمُحَاسَبَتِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَلاَ يَحقُّ لَهُمْ أَنْ يَعِيبُوا عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعْمَالَهُمْ .وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ الذِي يُكَرِّمُ فِيهِ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ ، وَيُخزِي الكَافِرِينَ المُجْرِمِينَ ، فَإِنَّ المُؤْمِنِينَ هُمُ الذِينَ يَضْحَكُونَ مِنَ الكُفَّارِ ، وَمَا صَارُوا إِلَيهِ مِنَ الخَزْيِ والذَّلِّ وَالعَذَابِ .وَيَكُونُ المُؤْمِنُونَ المَكَرَّمُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ جَالِسِينَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . لِيَرَوا إِنْ كَانَ هَؤُلاَءِ الكُفَّارُ قَدْ لَقُوا الجَزَاءَ الأَوْفَى ، الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عََلَى كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِم المُجْرِمَةِ ، فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا .وعن قتادة( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه:( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.وعن قتادة، قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كوى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلا فعل.وعبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ ) كان ابن عباس يقول: السور بين أهل الجنة والنار، فيفتح لأهل الجنة أبواب، فينظرون وهم على السُّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، ويكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.(7)
ـــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 369)(35918) صحيح
(2) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 75) معضل
(3) - تفسير الطبري - (ج 21 / ص 48) صحيح مرسل
(4) - تفسير الطبري - (ج 21 / ص 48) صحيح مرسل
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 554)(36554) صحيح مرسل
(6) - مسند أبي يعلى الموصلي(3490) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني (4712 ) ضعيف
(7) - تفسير الطبري - (ج 24 / ص 304) فيه انقطاع(1/105)
المبحث الثالث والأربعون
خلود أهل النار فيها
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) } [البقرة/161-162]
إِنَّ الذِينَ كَفَروا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَكَتَمُوا الحَقَّ وَلَمْ يُظْهِرُوهُ وَمَاتُوا وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الحَالِ مِنَ الكُفْرِ وَالظُّلْمِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لَعْنََةَ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِيَخْلُدُوا فِيهَا أَبَداً .
وَيَبْقُونَ خَالِدينَ فِي هذِهِ الَّلعْنَةِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَتُصَاحِبُهُمُ الَّلعَنَةُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ شَيءٌ مِنَ العَذَابِ الذِي هُمْ فِيهِ ، وَلا يُغَيَّرُ عَنْهُمْ سَاعَة وَاحِدَة ، وَلا يُفَتَّرُ بَلْ يَكُونُ مُتَواصِلاً ، وَإِذا طَلَبُوا الإِمْهَالَ وَالتَّأْخِيرَ لَمْ يُجَابُوا إِليهِ .
وقال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)} [آل عمران/85-88]
مَنِ ابْتَغَى دِيناً لاَ يَقُودُهُُ إلَى الإسْلاَمِ الكَامِلِ للهِ ، وَالخُضُوعِ التَّامِّ لَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ هَذا الدِّينُ ، وَيَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ، لأنَّهُ يَكُونُ قَدْ سَلَكَ طَريقاً غَيْرَ مَا شَرَعَهُ اللهُ . وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ : " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ أنْ اسْأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَعَادَ إلى الإِسْلاَمِ .
فَالذِينَ يَرْتَدُّونَ عَنِ الإِسْلاَمِ بَعْدَ أنَ تَبَّينَ لَهُمْ هُدَاهُ ، وَقَامَتَ لَدَيْهِمِ البَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِهِ ، وَصِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ ، كَيْفَ يَسْتَحِقُونَ الهِدَايَةَ؟ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَالِمِينَ أنْفُسَهُمْ ، الجَانِينَ عَلَيهَا ، لأَنَّهُمْ تَنَكَّبُوا عَنِ الطَّرِيقِ القَوِيمِ ، وَتَرَكُوا هِدَايَةَ العَقْلِ ، بَعْدَ أنْ ظَهَرَ نُورُ النُّبُوَّةِ ، وَعَرَفُوهُ بِالبَيِّنَاتِ . وَهَؤُلاَءِ يَسْتَحِقُونَ سَخَطَ اللهِ وَغَضَبَهُ ، وَسَخَطَ المَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ جَمِيعاً ، إِذْ أَنَّهُمْ مَتَى عَرَفُوا حَقِيقَةَ حَالِهِمْ لَعَنُوهُمْ .
وَمَنْ لَعَنَهُمُ اللهُ تَعَالَى كَانَ جَزَاؤُهُمُ العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ ، وَيَبْقَوْنَ خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَالعَذَابِ مَسْخُوطاً عَلَيْهِمْ إلَى الأبَدِ . وَلاَ يُفَتَّر عَنْهُمُ العَذَابُ ، وَلاَ يُخَفَّفُ سَاعَةً وَاحِدَةً ، وَلاَ يُمْهَلُونَ لِمَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ بِهَا .
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) }[النساء/168، 168]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ عَلَى الكَافِرِينَ بِكِتَابِهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهمْ بِذَلِكَ ، وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَبِارْتِكَابِ المَآثِمِ ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِ اللهِ ، بِأنَّهُمْ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ ، وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً إلَى الخَيْرِ وَالرَّشَادِ ( طَرِيقاً ) . وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : أنَّهُ لَنْ يَهْدِيَهُمْ إلى طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ التِي تُوصِلُهُمْ إلى جَهَنَّمَ ، لِيَبْقَوْا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَسِيرٌ عَلَى اللهِ .
وقال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)} [الأنعام/128]
وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ، فِيمَا تَقُصُّهُ عَلى هَؤُلاَءِ ، وَتُنْذِرُهُمْ بِهِ ، مَا يَجْرِي يَوْمَ القِيَامَةِ ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللهُ الجِنَّ وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الإِنْسِ الذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيا ، وَيَعُوذُونَ بِهِمْ ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ : يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِغْوَاءِ الإِنْسِ وَإِضْلاَلِهِمْ ، فَأَوْرَدْتُمُوهُمُ النَّارَ . وَقَالَ أَوْلِيَاءُ الجِنِّ مِنَ الإِنْسِ يُجِيبُونَ اللهَ تَعَالَى : رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ، بِمَا كَانَ لِلْجِنِّ مِنَ اللذَّةِ فِي إِغْوَائِنا بِالأَبَاطِيلِ ، وَأَهْوَاءِ الأَنْفُسِ وَشَهَوَاتِهَا ، وَبِمَا كَانَ لَنَا فِي طَاعَتِهِمْ وَوَسْوَسَتِهِمْ مِنَ المُتْعَةِ ، وَاتِّبَاعِ الهَوَى ، وَالانْغَمَاسِ فِي اللَّذَّاتِ ، وَبَلَغْنَا ، بَعْدَ اسْتِمْتَاعِ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ ، إلَى الأَجَلِ الذِي قَدَّرْتَهُ لَنَا وَهُوَ المَوْتُ ( أَوْ هُوَ يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ ) .فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : النَّارُ مَثْوَاكُمْ وَمَنْزِلُكُمْ ، أَنْتُمْ وَأَوْلِيَاؤُكُمْ ، مَاكِثِينَ فِيهَا سَرْمَداً ، إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُنْقِذَهُ ، وَاللهُ حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَحُكْمِهِ ، عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُ النَّاسُ .
وقال تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) } [التوبة/67، 68]
إِنَّ أَهْلَ النِفَاقِ رِجَالاً وَنِسَاءاً ، يَتَشَابَهُونَ فِي صِفَاتِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِفِعْلِ المُنْكَرِ ، كَالكَذِبِ وَالخِيَانَةِ ، وَإِخْلافِ الوَعْدِ ، وَنَقْضِ العَهْدِ . . وَيَنْهَوْنَ عَنْ فِعْلِ الخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ : كَالجِهَادِ ، وَبِذْلِ المَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَيَضِنُّونَ بِالإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ البِرِّ وَالطَّاعَاتِ وَالإِحْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ . . وَقَدْ نَسُوا أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ ، وَاتَّبَعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ ، فَجَازَاهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ لُطْفِهِ وَتَوْفِيِقِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَمِنَ الثَّوَابِ فِي الآخِرَةِ .وَالمُنَافِقُونَ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ فُسُوقاً ، وَخُرُوجاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ ، وَانْسِلاَخاً مِنَ الفَضَائِلِ الفِطْريَّةِ السَّلِيمَةِ .
وَقَدَ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارِ نَارَ جَهَنَّمَ ، وَوَعَدَهُمْ بِهَا عَلَى سُوْءِ صَنِيعِهِمْ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَسَيَمْكُثُونَ فِيهَا مُخَلَّدِينَ أَبَداً ، وَلَهُمْ فِيهَا مِنَ الجَزَاءِ وَالعَذَابِ مَا يَكْفِيهِمْ ( حَسْبُهُمْ ) ، وَلَعَنَهُمْ اللهُ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَلَهُمْ عَذَابُ مُقِيمٌ دَائِمٌ غَيْرَ عَذَابِ جَهَنَّمَ : كَالسَّمُومِ يَلْفَحَ وَجوهَهُمْ ، وَالحَمِيمِ يَصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ .
وقال تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود/106، 107]
أَمَّا الأَشْقِيَاءُ ، الذِينَ شَقُوا بِمَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ العَذَابِ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ فِي الدُّنْيا ، فَيَصِيرُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، وَتَضِيقُ صُدُورُهُمْ بِثِقْلِ العَذَابِ ، فَيُصْبِحُ تَنَفُّسُهُمْ زَفِيراً ، وَأَخْذُهُمُ النَّفَسَ شَهِيقاً .
وَيَبْقُونَ فِي النَّارِ خَالِدِينَ ، مَا دَامَتْ هُنَاكَ سَمَاوَاتٌ تُظِلُّ المَخْلُوقَاتِ ، وَأَرْضٌ يَقِفُونَ عَلَيها ، إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ، إِذْ يُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ العُصَاةَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ يَمْتَنُّ عَلَى الآخَرِينَ فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَهُوَ القَادِرُ والفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ .
وقال تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) }[النحل/28، 29]
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الكَافِرِينَ ، الذِينَ يَسْتَحِقُونَ العَذَابَ ، هُمُ الذِينَ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى أَنْ جَاءَتْهُمْ مَلاَئِكَةُ المَوْتِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِتَعْرِيضِهَا لِلْعَذَابِ المُخَلَّدِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، يَسْتَسْلِمُونَ حِينَئِذٍ ، وَيَنْقَادُونَ حِينَ يُعَايِنُونَ العَذَابَ قَائِلِينَ : مَا كُنَّا نُشْرِكُ بِرَبِّنَا أَحَداً ، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا . وَيُكَذِّبُهُمْ تَعَالَى فِيمَا يَقُولُونَ وَيَقُولُ لَهُمْ : بَلْ كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَتُشْرِكُونَ وَتَرْتَكِبُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ ، فَلاَ فَائِدَةَ اليَوْمَ مِنَ الإِنْكَارِ ، وَاللهُ مُجَازِيكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ .
وَيَأْمُرُهُمُ اللهُ بِدُخُولِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ لِيَبْقَوْا فِيهَا ، وَلْيَذُوقُوا أَلْوَاناً مِنَ العَذَابِ ، جَزَاءً لَهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَارْتَكَبُوا مِنَ المَعَاصِي ، وَلَبِئْسَ جَهَنَّمَ مَقِيلاً وَمَقَاماً لِلذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ ، وَالاهْتِدَاءِ بِالآيَاتِ التِي أُنْزِلَتْ إِلَيْهِمْ .
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) } [الأحزاب/64-65]
إِنَّ اللهَ تَعَالى لَعَنَ الكَافِرِينَ ، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ كُلِّ خيرٍ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَعدّ لَهُم فِي الآخِرَةِ نَاراً تَتَّقِدُ وَتَتَسَعَّرُ . وَيَبْقَوْنَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ أَبَداً ، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلاَ يَزُولُونَ ، وَلا يَجِدُونَ لَهُم نَاصِراً مِنْ بَأْسِ اللهَ وَعَذَابِِهِ .
وقال تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) } [الزمر/71-72]
وَيُسَاقُ الذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ جَمَاعَاتٍ ( زُمَراً ) سَوْقاً عَنِيفاً بِزَجْرٍ وَتَهْدِيدٍ ، وَحِينَمَا يَصِلُونَ إِلَيها ، تَفْتَحُ لَهُمْ جَهَنَّمُ أَبُوَابَهَا ، وَيَقُولُ لَهُمْ حُرَاسُ جَهَنَّمَ ( خَزَنَتُهَا ) : أَلَمْ يَأْتِكُم فِي الدُّنْيَا رُسُلٌ مِن جِنْسِكُمْ يُحَذِّرُونَكُمْ مِنَ هَوْلِ هَذَا اليَوْمِ؟ فَيُجِيبُونَ مَعْتَرِفِينَ ، وَيَقُولُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَدَعَوْهُم إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ والإِقْلاَعِ عَنِ الكُفْرِ . . وََلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ ، وَخَالَفُوهُمْ ، وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِمْ لِمَا سََبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ والضَّلاَلَةِ ، فَعَدَلُوا بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ عَنِ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ فَاسْتَحَقُّوا هَذَا المَصِيرَ . وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ : ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ لِتَبْقَوْا فِيهَا خَالِدِينَ أَبداً ، وَبِئْسَتْ جَهَنَّمُ مَصِيراً وَمَقِيلاً لِمَنْ كَانُوا يَتَكَبَّرُونَ فِي الدُّنْيَا بِغَيِرِ حَقٍّ ، وَيَرْفضُونَ اتِّبَاعَ الحَقِّ ، فَبِئْسَ الحَالُ ، وَبِئْسَ المَآلُ .
وقال تعالى : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)} [الحشر/16-17]
وَمَثَلُ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ الذِينَ وَعَدُوا اليَهُودَ بِالنُّصْرَةِ إِنْ قُوتِلُوا وَبِالخُرُوجِ مَعَهُمْ إِنْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ، كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ الذِي غَرَّ الإِنْسَانَ ، وَوَعَدَهُ بِالنَّصْرِ عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيهِ ، إِذَا أَطَاعَهُ وَكَفَرَ بِاللهِ ، فَلَمَّا احْتَاجَ الإِنْسَانُ إِليهِ ، وَطَلَبَ مِنْهُ النُّصْرَةَ ، تَبَرَّأَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ، وَخَذَلَهُ وَتَرَكَهُ لِمَصْيرِهِ ، وَقَالَ لَهُ : إِنِّي أَخَافُ اللهَ إِنْ نَصْرْتُكَ أَنْ يُشْرِكَنِي رَبُّ العَالَمِينَ مَعَكَ فِي العَذَابِ . فَكَانَ عَاقِبَةَ الأَمْرِ بِالكُفْرِ أَنْ صَارَ الشَّيْطَانُ وَمَنْ أَغْرَاهُ بِالكُفْرِ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، جَزَاءُ كُلِّ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِالكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ
وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر/36-37]
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، فَعِقَابُهُمْ سَيَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ فِيها بِمَوتٍ فَيَسْتَرِيحُوا مِنَ العَذابِ وَالآلاَمِ ، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ وَلا يُفَتَّرُ . وَكُلَّما خَبَتْ نَارُ جَهَنَّمَ زَادَهَا اللهُ سَعِيراً ، لِيَسْتَمِرَّ عَذَابُهُم شَدِيداً أليماً . وَمِثْلُ هذا الجَزاءِ يَجْزِي اللهُ بِهِ كُلَّ كَافِرٍ بِاللهِ ، جَاحِدٍ بِأَنْعُمِهِ ، مُكَذِّبٍ لِرُسُلِهِ ،وَفِي النَّارِ يَذُوقُ الكَافِرُونَ المُجْرِمُونَ حَرَّ النَّارِ وَلَهيبَها ، فَيَأْخَذُونَ فِي الاسْتِغَاثَةِ والاصْطِرَاخِ والضَّجِيجِ وَيَقُولونَ : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِن النَّارِ ، وَأَعِدْنا إلى الدُّنيا ، لِنَعْمَلَ صَالِحاً ، وَنَتَّبعَ الرُّسُلَ ، وَنُقْلِعَ عَمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي وَالإِجْرَامِ . وَلكِنَّ الله تَعَالى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنْ عَادُوا إِلى الدًُّنيا عَادُوا إِلى ما كَانُوا عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَلِذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيهِمْ قَائِلاً وَمُقَرِّعاً ( أَوْ تَرُدُّ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى ) : أَلَمْ نَجْعَلْكُمْ تَعِيشُونَ فِي الدُّنيا أَعْماراً؟ وَلَوْ كُنْتُم مِمَّنْ يَنْتَفِعُونَ بِالحَقِّ لانْتَفَعْتُمْ بِهِ مَدَّةَ عُمْركُمْ في الدُّنيا . وَجَاءَكُمُ الرَّسُولُ وَمَعَهُ كِتَابٌ يُنْذِرُكُمْ بِالعِقَابِ إِنْ خَالَفْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ، وَتَرَكْتُمْ طَاعَتَهُ ، فَلَمْ تَعْتَبِرُوا ، وَلَمْ تَتَّعِظُوا ، وَلِذلِكَ فَلاَ سَبيلَ لَكُمْ إِلى الخُرُوجِ مِمَّا أَنْتُم فِيهِ مِنَ العَذَابِ ، فَذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ عِقَاباً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ ومُخَالَفَتِكُمْ الأَنْبِياءَ ، وَلَنْ تَجِدُوا لَكُمْ نَاصِراً يَنْصُرُكُمْ مِنْ بأسِ اللهِ ، وَلاَ مُنْقِذاً يُنْقِذُكُمْ مِمّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذابِ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ . وَلأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ »(1).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِى النَّارِ جِىءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ فَازْدَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ وَازْدَادَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ »(2).
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُجاءُ بالمَوْتِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُوقَفُ بينَ الجَنَّةِ والنَّار كأنَّه كَبْشٌ أمْلَح،ُ قال: فَيُقَالُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُون، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، فَيُقَالُ: يا أهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فيقُولُونَ نَعَمْ هَذَا المَوْتُ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، قال: فَيَقُول: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ ، قال: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) وأشار بيده في الدنيا".(3)
وعن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: "يُنَادَى: يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُونَ، فَيَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُنَادَى: يا أهْلَ النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ، فَيُقالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ المَوْتَ ؟ قال: فَيَقُولُونَ: لا قال: فَيُجَاءُ بِالمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُقالُ: هَذَا المَوْتُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ، قالَ: ثُمَّ يُنَادِي يا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ"، قال: ثم قرأ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ).(4)
وقال ابن عباس، في قوله( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: يصور الله الموت في صورة كبش أملح، فيذبح، قال: فييأس أهل النار من الموت، فلا يرجونه، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار، وفيها أيضًا الفزع الأكبر، ويأمل أهل الجنة الموت، فلا يخشونه، وأمنوا الموت ، وهو الفزع الأكبر، لأنهم يخلدون في الجنة،(5)
- - - - - - - - - - - - - - -
أهم المصادر والمراجع
1. تفسير الطبري الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. زهرة التفاسير أبو زهرة - الشاملة 2
6. تفسير أضواء البيان للشنقيطي الشاملة 3
7. محاسن التأويل تفسير القاسمي - المطبوع
8. أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير
9. التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير
10. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
11. تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير
12. في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير
13. الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير
14. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية الشاملة 2 = دار عالم الكتب
15. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2
16. الصارم المسلول ابن تيمية= الشاملة 2= دار ابن حزم - بيروت
17. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
18. موطأ مالك المكنز
19. صحيح البخارى المكنز
20. صحيح مسلم المكنز
21. سنن أبى داود المطنز
22. سنن الترمذى المكنز
23. سنن النسائى المكنز
24. سنن ابن ماجه الكننز
25. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
26. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
27. مسند أحمد الكنز + الشاملة 2
28. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
29. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
30. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
__________
(1) - صحيح البخارى (6545 )
(2) - مسند أحمد(6136) صحيح
(3) - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 201) صحيح
(4) - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 202) صحيح
(5) - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 202) حسن لغيره(1/106)
31. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
32. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
33. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
34. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. تفسير ابن أبي حاتم الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي
38. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
41. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
42. غاية المقصد فى زوائد المسند للهيثمي الشاملة 2
43. التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. المسند للشاشي الشاملة 2
45. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. مسند الروياني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
52. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
53. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
56. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
62. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
63. موسوعة السنة النبوية – للمؤلف مخطوط
64. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
65. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
66. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
67. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
68. جامع الأصول لابن الأثير ت – عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
69. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
70. الترغيب والترهيب للمنذري+ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
71. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
75. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
77. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
78. صفة الجنة لأبي نعيم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
79. صفة النار لأبي نعيم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
80. صِفَةُ الْجَنَّةِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
81. البعث والنشور للبيهقي الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
82. البعث لابن أبي داود السجستاني الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
83. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. الدعاء للمحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. الزهد لأبي حاتم الرازي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. الزهد لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن بشر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. السنَّة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
101. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. فوائد تمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
105. قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
106. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
107. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2
108. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
109. روضة المحدثين الشاملة 2
110. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
111. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
112. تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2
113. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
114. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
115. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
116. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
117. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
118. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
119. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
120. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
121. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
122. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
123. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
124. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
125. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
126. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
127. الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
128. علل الدارقطني الشاملة 2
129. تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2
130. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
131. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
132. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
133. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
134. فتح الباري لابن رجب الشاملة 2
135. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
136. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
137. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
138. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
139. شُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ الشاملة 2
140. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
141. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
142. التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى الشاملة 2
143. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
144. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
145. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
146. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
147. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
148. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
149. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
150. فتاوى الأزهر الشاملة 2
151. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
152. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
153. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
154. فتاوى السبكي الشاملة 2
155. فتاوى الرملي الشاملة 2
156. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
157. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
158. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
159. دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2
160. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
161. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
162. فتاوى يسألونك الشاملة 2
163. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
164. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
165. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
166. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة الشاملة 2
167. الدرر السنية في الأجوبة النجدية – الرقمية الشاملة 2
168. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
169. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع الإسلام
170. المحلى لابن حزم الشاملة 2
171. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
172. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
173. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2
174. بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2
175. روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2
176. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
177. الحاوي في فقه الشافعي – الماوردي الشاملة 2
178. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
179. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
180. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
181. المحصول للرازي الشاملة 2
182. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
183. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
184. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
185. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
186. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
187. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
188. تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
189. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
190. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
191. نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2
192. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
193. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
194. الأذكار للنووي الشاملة 2
195. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
196. المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
197. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
198. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
199. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
200. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام
201. رياض الصالحين للنووي –ت الألباني – الفحل
202. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
203. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
204. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
205. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
206. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
207. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة + الشاملة 2
208. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر – العتر + الشاملة 2
209. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
210. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
211. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
212. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
213. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
214. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
215. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
216. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2
217. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
218. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
219. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
220. ثقات ابن حبان + الشاملة 2
221. المجروحين ابن حبان + الشاملة 2
222. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
223. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
224. تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2
225. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
226. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
227. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
228. الكامل لابن عدي + الشاملة 2
229. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
230. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
231. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
232. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
233. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
234. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
235. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
236. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
237. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
238. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
239. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
240. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
241. الكليات لأبي البقاء
242. الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري
243. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
244. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
245. المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2
246. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
247. الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب – للمؤلف
248. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني – الأردن
249. الإِْيمَانُ لاِبْنِ تَيْمِيَّةَ الشاملة 2
250. الدفاع عن كتاب رياض الصالحين للمؤلف
الفهرس العام
الباب الأول ... 4
صفة نعيم الجنة في القرآن والسنَّة ... 4
المبحث الأول ... 6
حُفَّت الجنة بالمكاره ... 6
1-الجهاد في سبيل الله: ... 7
2-الصبر على النوائب, والرضا بقضاء الله: ... 9
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ... 12
4-وغير ذلك من تكاليف الإسلام: ... 13
المبحث الثاني ... 14
الترغيب في الجنة ونعيمها ... 14
المبحث الثالث ... 21
أسماءُ الجنَّة ... 21
المبحث الرابع ... 22
أول من يدخلون الجنة وصفاتهم ... 22
المبحث الخامس ... 26
آخر من يدخل الجنة من الموحدين ... 26
المبحث السادس ... 34
بعض من نص على أنهم من أهل الجنة ... 34
المبحث السابع ... 41
أسياد أهل الجنة ... 41
المبحث الثامن ... 50
في صفة دخول أهل الجنة الجنَّةَ ... 50
المبحث التاسع ... 54
فيما لأدنى أهل الجنة فيها ... 54
المبحث العاشر ... 57
في درجات الجنة ... 57
المبحث الحادي عشر ... 67
أبوابُ الجنة ... 67
المبحث الثاني عشر ... 71
خزنة الجنة ... 71
المبحث الرابع عشر ... 73
في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك ... 73
المبحث الخامس عشر ... 76
خيامُ الجنة وأسرَّتها وأرائكها ... 76
المبحث السادس عشر ... 83
نور الجنة ... 83
المبحث السابع عشر ... 86
ريح الجنة ... 86
المبحث الثامن عشر ... 88
أهل الجنة يرثون أهل النار ... 88
المبحث التاسع عشر ... 91
في أنهار الجنة ... 91
المبحث العشرون ... 94
في شجر الجنة وثمارها ... 94
في أكل أهل الجنة ... 99
المبحث الثاني والعشرون ... 108
شراب أهل الجنة ... 108
المبحث الثالث والعشرون ... 110
أنهار الجنة ... 110
المبحث الرابع والعشرون ... 113
عيون الجنة ... 113
المبحث الخامس والعشرون ... 114
آنية الجنة ... 114
المبحث السادس والعشرون ... 115
لباسُ أهل الجنة وحُليّهم ... 115
المبحث السابع والعشرون ... 120
أطفال المؤمنين في الجنة ... 120
المبحث الثامن والعشرون ... 122
أكثر أهل الجنة ... 122
المبحث التاسع والعشرون ... 124
مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة ... 124
المبحث الثلاثون ... 129
في فرش الجنة ... 129
المبحث الواحد و الثلاثون ... 130
غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم ... 130
المبحث الثاني و الثلاثون ... 131
في وصف نساء أهل الجنة ... 131
المبحث الثالث و الثلاثون ... 139
نساء الدنيا ... 139
المبحث الرابع و الثلاثون ... 142
العشرة المبشرون بالجنة ... 142
المبحث الخامس و الثلاثون ... 145
في غناء الحور العين ... 145
المبحث السادس و الثلاثون ... 147
في سوق الجنة ... 147
المبحث السابع و الثلاثون ... 152
في تزاورهم ومراكبهم ... 152
المبحث الثامن و الثلاثون ... 157
في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى ... 157
المبحث التاسع و الثلاثون ... 160
في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى ... 160
المبحث الأربعون ... 173
أماني أهل الجنة ... 173
المبحث الواحد والأربعون ... 174
في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... 174
المبحث الثاني والأربعون ... 178
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها ... 178
الباب الثاني ... 184
صفة عذاب النار في القرآن والسُّنَّة ... 184
الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار ... 186
المبحث الثاني ... 188
الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه ... 188
المبحث الثالث ... 194
الأعمال والأقوال التي تقي من النار ... 194
وقد بينت النصوص الأعمال التي تقي من النار ، ومنها : ... 195
الشهادتان بإخلاص ... 195
محبة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ... 196
كل معروف صدقة ... 198
صيام التطوع ... 198
من يحب للناس ما يحب لنفسه ... 199
الفجرُ في جماعة ... 201
الاستجارة من النار ... 201
الدعاء يعد الصلاة ... 202
أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها ... 202
أربع ركعات قبل العصر ... 203
ما يقول عند الصباح والمساء ... 203
اغبرار القدمين في سبيل الله ... 203
الخوف من الله والجهاد في سبيله ... 204
اتقاء النار ولو بشق تمرة ... 205
فضل الصلاة في المدينة المنورة و زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 206
عينان لا تمسهما النار ... 206
عتق الرقاب ... 208
الذب عن عرض المسلم ... 209
الحمى حظ أمتي من النار ... 209
من قال لا إله إلا الله والله أكبر ... 209
تحرم النار على كل هين سهل ... 210
أشياء عديدة تمنع دخول النار ... 210
تَقُولُ الْعَدْلَ ، وَتُعْطِي الْفَضْلَ ... 211
اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ ، سَبْعَ مَرَّاتٍ ... 211
أداء الفرائض ... 212
الصيام جنة من النار ... 213
من مات له ثلاثة من الولد ... 213
الصبر على موت الأولاد ... 213
الصبر على تربية البنات ... 215
تمرة واحدة تعتق من النار ... 216
من أطعم أخاه حتى يشبعه ... 216
مَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ ... 216
الإكثار من ذكر الله ... 217
َعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ ... 217
من حافظ على الصلوات الخمس ... 217
مجالس الذكر ... 218
من قال هذا الدعاء ثلاثاً ... 219
التعوذ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ثَلاثًا ... 220
الباقيات الصالحات جنة من النار ... 220
العمل الذي يقرب من الجنة ويباعد من النار ... 220
كلمة التوحيد آخر الزمان ... 221
الأذان لصلاة الفجر ... 222
مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ ... ... 222
المبحث الرابع ... 224
خزنة النار ... 224
المبحث الخامس ... 226
أسماء النار ... 226
المبحث السادس ... 229
أبواب النار ... 229
المبحث السابع ... 231
وقود النار ... 231
المبحث الثامن ... 234
في شدة حرها وزمهريرها ... 234
المبحث التاسع ... 239
ملائكة النار وزبانيتها ... 239
المبحث العاشر ... 243
في ظلمتها وسوادها وشررها ... 243
المبحث الحادي عشر ... 244
في أوديتها وجبالها ... 244
المبحث الثاني عشر ... 247
سعة النار وبعد قعرها ... 247
المبحث الثالث عشر ... 252
دركات النار ... 252
المبحث الرابع عشر ... 253
في سلاسلها وغير ذلك ... 253
المبحث الخامس عشر ... 254
في ذكر حياتها وعقاربها ... 254
المبحث السادس عشر ... 257
في شراب أهل النار ... 257
المبحث السابع عشر ... 263
في طعام أهل النار ... 263
المبحث الثامن عشر ... 270
لباس أهل النار ... 270
المبحث التاسع عشر ... 273
النار تتكلم وتبصر ... 273
المبحث العشرون ... 275
تأثير النار على الدنيا وأهلها ... 275
المبحث الواحد والعشرون ... 277
هل ترى النار قبل يوم القيامة؟ ... 277
المبحث الثاني والعشرون ... 282
فراش أهل النار, وغطاؤهم ... 282
المبحث الثالث والعشرون ... 283
في عظم أهل النار وقبحهم فيها ... 283
المبحث الرابع والعشرون ... 287
أصناف أخرى من العذاب ... 287
*تبديل جلودهم كلما نضجت. ... 287
* يضربون بمطارق من حديد, فتتفتت أبدانهم, ثم يعودون ... 287
* تقييدهم بالقيود والأغلال, وسحبهم على وجوههم. ... 287
*الصهر : ... 288
*اللفح : ... 289
* السحب : ... 290
* تسويد الوجوه : ... 291
* إحاطة النار بالكفار : ... 292
*اطلاع النار على الأفئدة : ... 293
*ومنهم من يعذبُ بالصعود إلى أعلى النار, ثم يهوي فيها ... 294
* ومنهم من يدور في النار,ويجر أمعاءه معه. ... 294
* قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار : ... 295
* حسرتهم وندمهم ودعاؤهم : ... 295
* ومنهم من يُلقى في مكانٍ ضيق ٍلا يتمكن فيه من الحركة: ... 299
* ومنهم من يتأذى أهل النار من نتن رائحتهم, وهم الزناة: ... 300
المبحث الخامس والعشرون ... 301
شدة ما يكابده أهل النار ... 301
المبحث السادس والعشرون ... 303
تفاوتهم في العذاب ... 303
المبحث السابع والعشرون ... 307
السِّرُّ في كثرة أهل النار ... 307
المبحث الثامن والعشرون ... 310
النساء أكثر أهل النار ... 310
المبحث التاسع والعشرون ... 313
ذكر الجهنميين ... 313
المبحث الثلاثون ... 317
تخاصم أهل النار ... 317
المبحث الواحد والثلاثون ... 320
في بكائهم وشهيقهم ... 320
المبحث الثاني والثلاثون ... 323
أعظمُ عذابِ أهل النَّار ... 323
المبحث الثالث والثلاثون ... 324
أهون أهل النار عذابا ... 324
المبحث الرابع والثلاثون ... 326
أشخاص بأعيانهم في النار ... 326
المبحث الخامس والثلاثون ... 333
أول من تسعر بهم النار ... 333
المبحث السادس والثلاثون ... 336
صبغُ أنعم أهل الدنيا من أهل في النار ... 336
المبحث السابع والثلاثون ... 337
جرائم الموحدين التي دخلوا بسببها النار ... 337
الذنوب المتوعد عليها بالنار : ... 337
الفرقُ المخالفة للسنة : ... 337
الممتنعون من الهجرة : ... 337
الجائرون في الحكم : ... 338
الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ... 340
الكبر من الذنوب الكبار : ... 341
قاتل النفس بغير حق : ... 343
أكلة الربا : ... 345
أكلة أموال الناس بالباطل : ... 346
المصورون : ... 347
الركون إلى الظالمين : ... 348
الكاسيات العاريات: ... 349
الذين يعذبون الحيوان : ... 351(1/107)
عدم الإخلاص في طلب العلم: ... 352
الذين يشربون في آنية الذهب والفضة : ... 352
الذي يقطع السدر الذي يظل الناس : ... 353
جزاء الانتحار : ... 353
المبحث الثامن والثلاثون ... 355
من يخرج من النار وآخر هم خروجًا ... 355
المبحث التاسع والثلاثون ... 361
المخلدون في النار ... 361
المبحث الأربعون ... 365
أعظم جرائم الخالدين في النار ... 365
المبحث الواحد والأربعون ... 372
أهم الجرائم التي تدخل النار ... 372
المبحث الثاني والأربعون ... 375
نداء أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار ... 375
المبحث الثالث والأربعون ... 381
خلود أهل النار فيها ... 381
أهم المصادر والمراجع ... 387(1/108)