نظرة تطويرية للتنمية الذاتية للمعلمين
نموذج
" التعلم مدى الحياة للمعلمين "
إعداد
د. علي بن صالح الخبتي
الهدف : ضمان حصول كل الفصول الدراسية على معلمين قادرين بفاعلية على مواجهة احتياجات طلابهم الحالية والاستجابة إلى ما يستجد من متطلبات في المستقبل.
ملخص
يعتبر " التعلم مدى الحياة للمعلم" من المفاهيم الجديدة التي أدخلتها بعض دول العالم (دول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وماليزيا وكوريا وتايلاند) في نظامها التعليمي وذلك بهدف جعل المعلم مهنياً، منتجاً للمعرفة ومطوراً باستمرار لممارساته المهنية. ومن ضمن أسباب تبني هذا المفهوم عولمة الاقتصاد، واستمرار تقدم العلوم والتكنولوجيا والتغيرات في المجتمع. هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى إشكالات بارزة، وتحديات كبيرة. وسيكون دور المدرسة في هذا المفهوم دمج تقنية المعلومات في أنشطة التدريس والتعلم التي يقوم بها المعلمون والطلاب. والتركيز على نوعية التعلم، وتبني مبدأ الاستجابة المهنية، وتبني نظام إداري مدرسي جديد والتركيز على مبدأ "التعلم كاستثمار" وتوسيع دائرة مسؤولية المدرسة، وإضافة بعد جديد لعملها. ومن ضمن عوامل نجاح تطبيق هذا المفهوم عند تطبيقه وجود إدارة ـ وتعني القيادة ـ للارتقاء بمستويات المعلمين وتوزيع المسؤوليات داخل المدرسة، وإدارة الموارد المدرسية بنجاح وجعل التدريب ضمن أعمال المعلم في المدرسة، وكذلك مستوى الخدمات المدرسية المساندة والمصادر؛ ومنها تقنيات المعلومات والاتصال التي لها تأثير مهم على تنظيم عمل المدرسة.(1/1)
كما أن هناك متطلبات أخرى لتطبيق مبدأ "التعلم مدى الحياة للمعلم" مثل وجود سياسة جيدة لاستقطاب أفضل الأفراد لمهنة التدريس، والتعرف على العوامل المؤثرة على قرار المتميزين من الأفراد على دخولهم مهنة التدريس من عدمه لأن ذلك سيسلط مزيداً من الضوء على التعرف على أدوات السياسة التي بموجبها يتم بلورة سياسة محددة، وموجهة لاستقطاب المتميزين للمهنة.
وأخيرًا تدريب من هم على رأس العمل على كيفية تطوير أنفسهم بأنفسهم. والخلاصة أن هناك مشكلة في وضع المعلم بشكل عام. حيث أن هذا الوضع يعاني من تردٍ منذ فترة طويلة في معظم الأنظمة التعليمية. وقد يكون في تطبيق مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم " تحسين هذا الوضع وضمان استمرار تطور مهنة التدريس ومجاراتها للعصر السريع التغير بهدف تلبية احتياجات المجتمع وحل مشاكله الناجمة عن هذا التغير. ولهذا تقترح هذه الورقة تشكيل لجنة تدرس الجوانب المختلفة لهذا المفهوم وكيفية تطبيقه في نظامنا التعليمي.
تمهيد(1/2)
هناك إجماع عالمي على أن المعلم هو الركيزة الأساسية في أي نظام تعليمي. وبدون معلم متعلم متدرب ذكي يعي دوره بشكل شمولي لا يستطيع أي نظام تعليمي تحقيق أهدافه. ومع تغير العصر ودخول العالم عصر العولمة والاتصالات والتقنية ازدادت الحاجة إلى معلم يتطور باستمرار مع تطور العصر؛ ليلبي حاجات الطالب والمجتمع. تلك الحاجات التي أصبح من سماتها التغير المستمر. ولهذا السبب نشأت الحاجة إلى أن يواكب المعلم تغيرات العصر ومستجداته. ونتيجة لكل ذلك ظهرت الحاجة إلى استراتيجية جديدة تضمن استمرار مجاراة المعلم للعصر الذي يعيش فيه . وتبنت بعض دول العالم مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم" ذلك المفهوم الذي يجعل المعلم مهنيا منتجا للمعرفة ومطوراً باستمرار لممارساته المهنية(1). هذا المفهوم الذي يغير بشكل جذري الرؤى التقليدية في التعليم والنظام المدرسي، ويقدم عملية الوعي بأن التعليم والتدريب هي عملية مستمرة (2). إن التحليل الذي تم في بعض الأنظمة التعليمية في بعض الدول، مثل دول الاتحاد الأوروبي للنواحي الثقافية والاجتماعية الآنية والمستقبلية أوضح بشكل جلي الحاجة الماسة إلى نوع من التعليم المستمر. كما أوضح أن هناك جهوداً للارتقاء بمستوى المعلم ضمن الخطاب المعروف: " تطوير المعلم". لكن العمومية التي يتسم بها هذا الخطاب لا تصل إلى عمق العملية الحقيقية المتعلقة بعمل المعلم اليومي، وتغيب مبدأ اعتماد تطوير المعلمين على الجهود التي يقوم بها المعلمون أنفسهم لتطوير أنفسهم. ذلك المبدأ الذي يؤدي إلى تغير المدارس إلى الأفضل وضمن مفهوم" التعلم مدى الحياة للمعلم ".
إن تطبيق " التعلم مدى الحياة للمعلم" يشكل التحدي المطلوب للمعلمين للارتقاء بالأساليب والطرق التي يستخدمونها للتدريس ويمنحهم دوراً مهماً(1/3)
في المجتمع ويؤدي ذلك إلى تحقيق إعادة هندسة(re-engineering ) مهنة التدريس برمتها ليفتح بذلك مجالات مهنية جديدة تدعم جهد المعلمين ليكونوا هم أنفسهم متعلمين مدى الحياة.(3)
إن مبررات تبني هذا المفهوم تأتي من حقيقة أن المعلمين داخل فصولهم يواجهون ضغوطاً كثيرة ومطالب متعددة نتيجة تغير المجتمع ويحاولون التعامل مع تلك المطالب بنجاح.
وقبل تحليل دور المدرسة ضمن مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم" لعل من المناسب التطرق إلى أهم ملامح التغيير في المجتمع الذي نعيشه وما يترتب على ذلك من تغيير في نظام التعليم الذي يتطلب بإلحاح تطبيق مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم".
إن من أهم تلك الملامح:
1- عولمة الاقتصاد التي لها تأثير كبير ومتعدد على حركة المال والعمالة والمعرفة. وهذا التأثير خلق تنافساً دولياً كبيراً، وخلق حاجةً ملحة إلى النمو البشري. وقد لوحظ الآن قبل أي وقت مضى أهمية اعتبار الثروة الحقيقية لأي أمة هم أفرادها. فالفرد المتعلم الذكي المبدع الواثق المتكيف مع الظروف هو المصدر الأساسي لتقدمها وتنافسها وبقائها. وقد أدى التأثير السريع والغير عادي لثورة تكنولوجيا المعلومات إلى اكتشاف طرق جديدة لتقديم المعلومة، وإلى خدمة و نشر المعلومة. وأدى كل ذلك إلى تغيير في كثير من مظاهر الحياة التي نعيشها بما في ذلك مهنة التدريس التي لها تأثير كبير على حياة أي أمة.
2- أدى استمرار تقدم العلوم والتكنولوجيا إلى اتساع نطاق المعرفة وبشكل سريع. وهذا التغير للمجتمعات في مجموعة أدى إلى ضرورة تغيير كنه العمل،
وإلى ضرورة تغيير الأنموذج المهني لأي مهنة في حياتنا. وهذا بدوره يتطلب
ما يأتي:
أولاً: إعادة التدريب.
ثانياً: إعادة التعلم.(1/4)
ثالثاً: المحافظة على مبدأ التطوير الذي يسير جنباً إلى جنب مع العمل. وكل ذلك يحقق النمو المهني المستمر. وهذا بدوره جعل الحاجة إلى تطوير كل العاملين في كثير من المهن؛ ومن أهمها وأولها مهنة التدريس أمراً ملحاً بحيث يتم التركيز على:
أولا: تعلم مهارات جديدة غير المهارات السابقة.
ثانياً: التركيز على تزويد المعلمين بقدرات جديدة.
ثالثاً: التشجيع على عدة أمور منها:
1 ـ تبنى الجديد.
2 ـ المرونة.
3 ـ الاعتماد على النفس.
4 ـ العمل الجماعي.
5 ـ الابتكار والإبداع.
هذه الأمور الخمسة تؤدي إلى الارتقاء بمكان العمل( المدرسة) إلى مستوى العصر الذي نعيشه.. ويقول جون نيسبت مؤلف كتاب mega trend التحول الكبير.. " إنه من غير المعقول ألا نعيش عصر المعلومات في عصر المعلومات ".(4)
3- ومن ضمن التغيرات في المجتمع التي تتطلب تبني نموذج "التعلم مدى الحياة للمعلم " أن عصرنا الحاضر يتميز بكثير من الإنجازات الهامة، لكنه وللأسف الشديد يواجه إشكالات بارزة، وتحديات كبيرة يُظن أنها ستؤدي إلى
وجود فجوة كبيرة بين أفراد عاملين وأفراد عالة على المجتمع.. وينظر إلى
النظام التعليمي في أي مجتمع كملاذ للخلاص من هذه المشكلات، وكوسيلة هامة تضمن مواجهة التحدي والخلاص من هذه الإشكالات.
المدرسة في عصر " التعلم مدى الحياة للمعلم " :(1/5)
ينظر إلى النظام التعليمي كمصدر أساسي لتلبية احتياجات المجتمع عندما يواجه ذلك المجتمع تغيرات عميقة وسريعة. وتأتي المشكلة من أهمية محاولة إحداث توازن بين النظام التعليمي وحاجة المجتمع.(5) ثم تأتي مهنة التدريس لتؤدي دور الوسيط لمحاولة مواجهة وتلبية تلك الاحتياجات . لكن بشروط من أهمها أن تحصل هذه المهنة على التدريب الحقيقي الصحيح الموجه لمتطلبات العصر، وأن تحصل على التجهيزات ليكون لديها القدرة على مواجهة التغيرات العديدة، والتحديات التي تواجهها وتقف أمامها، ولتتمكن مهنة التدريس من الفوز بثقة المجتمع والمحافظة عليه بشكل بناء وفاعل في عصر يتغير بشكل يصعب اللحاق به. المجتمع له مطالب كثيرة من نظامه التعليمي ومن المدرسة.. للتغيير الكبير الذي يطرأ عليه والذي سيطرأ عليه بشكل أكبر كلما مر بنا الوقت. ولتحقيق تلك المطالب لابد من تطوير مهنة التدريس في ظل مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم " الذي يتطلب فهماً عميقاً لحقيقة التغيير الذي يطرأ على المجتمع.. وفهماً حقيقياً لدور المدرسة في ظل هذا التغيير. وأهم دور للمدرسة في هذا الإطار وضمن نموذج " التعلم مدى الحياة للمعلم" هو ما يأتي:
1- دمج تقنية المعلومات في أنشطة التدريس والتعلم التي يقوم بها المعلمون والطلاب.. لتحقيق ذلك لابد من تضمين هذه التقنيات في صلب النظام التعليمي .
2- التركيز على نوعية التعلم على أمل بذر مفهوم الاعتماد على النفس بين المتعلمين. ويأتي ذلك بأن يتبنى المعلمون طريقة " تعليم كيفية التعلم، أو تعلم كيف تتعلم" وحفز المعلمين على مواصلة استخدام المهارات التي اكتسبوها في حياتهم المهنية قبل الخدمة وأثناءها.(1/6)
3- تبني مبدأ الاستجابة المهنية: وذلك بتكريس وتشجيع مبدأ" من القاعدة إلى القمة" التي تعني تعاون جميع العاملين في المدرسة من معلمين وإدارة لتحقيق هدف " تطوير المدرسة الكلي ". وهو مبدأ جديد يحتاج تفاعل المعلمين واستجابتهم لمهام لم يتعودوا عليها. مثل الاشتراك في التقويم، وكتابة التقارير، وإعداد الخطط التطويرية، وتحديد السلبيات، وبرامج التدريب التي يحتاجونها هم أنفسهم في المدرسة، وذلك ضمن نظام تحقيق الشفافية وتبني المحاسبة(6).
4- تبني نظام إداري مدرسي جديد يتضمن استجابات جديدة من المعلمين يحقق هدف وجود علاقة متميزة وفاعلة مع أولياء الأمور، ويكون هذا الهدف أحد مسؤوليات المعلمين. لأن دور الآباء أصبح مهماً في النظام التعليمي لنجاح النظام التعليمي نفسه. وهذا يتطلب مزيداً من الوقت الذي يبذله المعلم، ومزيداّ من المهارات التي يجب أن يتعلمها و يمتلكها.
5- التركيز على مبدأ "التعلم كاستثمار" في ظل التغير الذي يطرأ على المجتمعات. الاستثمار في الأفراد يعتبر الأمر الطبيعي.. وإنفاذ هذا التوجه حكمة في المجتمعات التي تريد أن تتطور. وذلك لعدة أسباب من أهمها: أن رعاية وتشجيع المواهب وقدرات الأفراد يعد أساسياً في الوصول إلى هدف تعرف الفرد على قدراته واستثمارها جميعها.. كما يؤدي إلى دفع التقدم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وتماسك أفراد المجتمع.
6- إن تبني مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم " يؤدي إلى توسيع دائرة مسؤولية المدرسة وإضافة بعد جديد لعملها؛ وذلك بأن تقوم المدرسة نفسها بتعريف دورها بنفسها. وهذا يضيف مسؤوليات أخرى ويزيد من الضغوط التي تعاني منها المدرسة والتي يجب أن تستجيب لها والتي سبق ذكرها آنفاً..
وإذ أريد لمفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم “ أن يتحقق فمن المهم جداً أن يتم عمل الآتي:(1/7)
1) وضع رؤية واضحة للتعلم والتدريب في النظام التعليمي بحيث يعمل كل قطاع من قطاعاته على تعضيد كل القطاعات. وألا يعمل كل قطاع بشكل منعزل. وألا يكون التطوير خطوات منفصلة ومنعزلة لا رابط بينها.
2) أن تدعم كل خطوة وكل مرحلة المرحلة التي تليها بحيث يؤدي ذلك إلى تجهيز الدارس بحيث يضمن تقدمه وتطوير قدراته خلال هذا النظام، وخلال البيئة التي يتعلم فيها.
3) إعداد نظام اتصالات جيد بين القطاعات يحفزه الهم المناط بالنظام التعليمي. وذلك بمد جسور متينة بين القطاعات وعمل شراكات بين النظام التعليمي ومؤسسات التعليم الأخرى.
4) إعداد نظام لتقويم واعتماد مؤسسات إعداد المعلم؛ يقوم باستقلالية تامة بحصر سلبيات هذه المؤسسات لعلاجها، وإيجابياتها لتعزيزها.
عوامل نجاح "التعلم مدى الحياة للمعلم" عند تطبيقه :
1- الإدارة وتعني القيادة للارتقاء بمستويات المعلمين وتوزيع المسؤوليات
داخل المدرسة وإدارة الموارد المدرسية بنجاح. إن أهم عوامل نجاح المعلم؛
وجود قيادة ماهرة داعمة تشرك المعلمين في
المسؤوليات، وتوفر لهم المصادر اللازمة، وتعطيهم الاستقلالية مع وجود
الشفافية والمحاسبة الدقيقة غير المتسلطة.
2- إن من ضمن أعمال المعلم في المدرسة التدريب، والتدريب على كل جديد
بهدف تطوير نفسه، وتطوير زملائه بما يخدم عمله الأساسي (التدريس).
3 - تفاعل المجتمع وأولياء الأمور مع المدرسة.. إن إيجاد شراكة بين
المدارس، والعائلات، ورجال الأعمال مطلب أساسي يسهل من عمل
المعلم ويجعل دوره مؤثراً في المدرسة.
4 - بيئة التعلم: السلامة المدرسية ـ سلوك الطلاب ـ البنية التحتية
والمصادر. أثبتت الدراسات والبحوث أن من ضمن العوامل المؤثرة في
أداء المعلم ورضاه الوظيفي شعوره بالأمان داخل المدرسة، والانضباط
الذي يعتبر عاملاً مهماً. وكذلك مستوى الخدمات المدرسية المساندة
والمصادر؛ ومنها تقنيات المعلومات والاتصال التي لها تأثير مهم على(1/8)
تنظيم عمل المدرسة وتحديد نوع المهارات والمعارف التي يحتاجها المعلم.
متطلبات أخرى لنجاح مفهوم "التعلم مدى الحياة للمعلم":
1- سياسة جيدة لاستقطاب أفضل الأفراد لمهنة التدريس:
ما هي السياسات والظروف التي تضمن استقطاب أفضل الأفراد
للمهنة؟ . تقول بعض الدراسات إن مؤشر الجذب لمهنة التدريس ينسحب
على بقية المهن. والسبب في ذلك يعود لعامل دخل المهنة - قد لا
ينطبق على وضعنا - وظروف مكان العمل والوضع الاجتماعي.
ولجذب أفضل الأفراد للمهنة يجب دراسة العوامل التي تؤثر على
اختيار الأفراد لأي مهنة(7) . وعلى ضوء ذلك ترسم سياسة تضمن
جذب أفضل الأفراد للمهنة وهذا التحليل يتطلب أمرين:
أ- التعرف على العوامل المؤثرة على قرار المتميزين من الأفراد على دخولهم
مهنة التدريس من عدمه، سيسلط مزيداً من الضوء على التعرف على
أدوات السياسة التي بموجبها يتم بلورة سياسة محددة وموجهه
لاستقطاب المتميزين للمهنة.
ب- السياسات التي تسير إعداد المعلم وتأهيله.
إن من أهم المؤثرات على القوى العاملة في مجال التدريس هي: تعليم
المعلم، ومتطلبات منحه رخصة مزاولة المهنة.
ولهذا يجب أن يكون برنامج إعداد المعلم وشروط منحه رخصة المهنة
ومتطلبات التدريب عوامل طاردة لمن لا يملكون المهارات المطلوبة
للتدريس الفعال المؤثر. يجب أن يُعد برنامج إعداد المعلمين ممن
يتوقع التحاقهم بالمهنة بمعارف ومهارات جديدة لتمكنهم من التعامل
مع مختلف القضايا والمشكلات ومعالجة ضعف الطلاب. الطالب الذي
يٌعد لمهنة التدريس يحتاج أن يزود بالمعرفة لاستخدام تقنيات المعلومات
والاتصالات بفاعلية في التدريس.. ولهذا يجب أن يكون برنامج الإعداد
ومدته مستجيبين للنوعية المطلوبة للتدريس في المدرسة.
كما يجب ألا يقتصر الحصول على رخصة التدريس على الحصول
على مؤهل تربوي، بل يتعدى ذلك إلى تمتع المعلم بالمهارات الأساسية
والعمق المعرفي في تخصصه. ولعل اختبار مميز لقدرات المعلم يكون(1/9)
الفيصل في هذه القضية، ويكون شرطاً لحصوله على الرخصة.(8)
2 - تدريب من هم على رأس العمل على كيفية تطوير أنفسهم بأنفسهم.
إن الحاجة إلى تعليم وتدريب من هم على رأس العمل من المعلمين
أصبح أمراً هاماً في سياق مفهوم " التعليم مدى الحياة للمعلم". وأدرك
القائمون على أنظمة التعليم أن الحاجة تزداد لاستمرارية تجديد "
مهنة التدريس " وذلك ضمن برامج إصلاح التعليم التي يتم تبنيها.
وفي ظل كل ذلك لا بد أن نعرف أنه من الخطورة بمكان أن يطلب
الكثير من المدرسة في وقت قصير بدون تركيز كافٍ، وأخذٍ في الاعتبار
التغيير الطارئ في المدرسة، وبدون وضع أولويات في خضم المطالب
الكثيرة، والمهام العديدة ، والضغوط المختلفة على المدرسة. بمعنى آخر
يجب ألا تحمل المدرسة أكثر من طاقتها ، وأن يكون طموح المجتمع
ومتطلباته من المدرسة واقعية .. معظم المعلمين يشعرون بأن التغيير(1/10)
الحاصل في المدرسة فوق طاقاتهم وأنه ليس هناك تفهم من المجتمع حول الدور المتعدد لعملهم في ظروف بالغة الصعوبة من حيث المعاناة وقلة المصادر(9). وأكد تقرير الاتحاد الأوروبي ( ما هو مستقبل مدارسنا؟ (10) على أهمية توفير مصادر التعلم وتعاون المجتمع إلى ما إلى ذلك من الأمور. وعندئذ يمكن للمعلم أن يطور نفسه . وفي دراسة قام بها فولن(11) وجد أن هناك الكثير من التعقيدات عند محاولة التوسع الكبير في مجال الإصلاح في زمن قصير ، ودون تعاون المجتمع ، وعدم توفر الإمكانيات ، ودون الاعتماد على المعلم . وفي دراسة قام بها مركز البحوث للإبداع التعليمي (12) وجد " أن نوعية التعلم ونجاح الإصلاح والإبداع تتوقف بشكل كبير على المعلمين .. وفيما إذا كانت المدارس قادرة بشكل حقيقي على التوجه نحو مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلمين " فإن ذلك متوقف عليهم ص(48). إن سياسة التعلم مدى الحياة تهدف إلى البحث عن المعلم بشكل استراتيجي ضمن برنامج التطوير الإصلاحي لتوجه إليه تركيزها. ولهذا فإن التشاور والحوار والدعم من المشرفين للمعلمين أمور مهمة. ومطلوب من هؤلاء المشرفين دعم حقيقي إذا أريد لهذا المفهوم أن يأخذ طريقه في النظام التعليمي . ويجب أن يكون هناك خطة مدعومة برؤية مستقبلية تطبق على أرض الواقع لضمان أن المجتمع سيكون لديه معلمون ذوو قيمة يعتد بهم وقادرين على مواجهة التحديات التي يتطلبها تغيير الدور المناط بهم . والسؤال المطروح هنا : ما نوع المعلم في مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم " ؟ .
لقد أشارت بعض الدراسات العالمية إلى أن محور الارتكاز في التغيير الحقيقي العميق في المجتمعات هو القوى العاملة ذات المستوى المتميز في مجال التدريس. وبعبارة أخرى" المعلمون المتميزون. (13)" وقد أشارت مجموعة الدراسات الأوروبية(14) European commission Study Group(1/11)
إلى ما يأتي: " إن المعلمين يقومون بدور أساسي لأنهم هم الذين يقدمون خدمة واضحة وذات أبعاد عديدة في مجتمعنا . والتوجهات العصرية تبين أن دور المعلم سيزداد أهمية واتساعاً لسبب أنه سيتضمن أبعاداً اجتماعية وسلوكية ومدنية واقتصادية وتقنية " ص(131). وأشار تقرير اليونسكو المعنونان بـ " التعليم في القرن الواحد والعشرين" و"معلمون لمدارس الغد" إلى " أن أهمية دور المعلم كعماد للتغيير، وكداعم لمفهوم التفهم والتسامح لم تبدُ أكثر وضوحاً منها اليوم. وستكون هذه الأهمية أكثر إلحاحا في القرن الواحد والعشرين. وإن أهمية النوعية في التدريس، وكذلك نوعية المعلم لا تحتاج إلى تأكيد. (15) (16) "
عدد من الحكومات الآسيوية قامت بتبني مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم" كاستراتيجية أساسية لمواجهة تحديات العولمة. ودول مثل الصين وماليزيا وتايلاند تطبق الآن هذا المفهوم تحت شعار " اقتصاد التعليم"(17). وكوريا تريد تطبيق هذا المفهوم للتخلص من الضغوط على المؤسسات الأكاديمية ومنح الشهادات(18). واليابان تهدف منه إلى الاستمرار في بناء مجتمع متعلم مدى الحياة. أما الصين وتايلاند فتهدف من جعل مفهوم "التعلم مدى الحياة للمعلم" حقيقة، إلى تحقيق أهداف الإصلاح التعليمي(19).
وبدون الإغراق في التنظير فان هناك سمات شخصية مطلوبة في معلم مدرسة اليوم ومدرسة الغد. وهذه السمات هي كما يأتي:
1 - العمق المعرفي مادة تخصصه.
2 - العمق المهني في مجال التربية.
3- أن يكون متمتعاً بالعديد من الصفات المهنية مثل مهارات المهنة التدريسية، والإعداد والتقويم، وبناء العلاقات المتميزة مع الآخرين.
4 - أن يكون لديه المرونة والانفتاح على كل جديد، وأن يكون متعلماً مدى الحياة.
5 - أن يكون متمكناً من مادته العلمية، وأن تكون لديه الاستعدادات للتعاون كفرد في فريق.(1/12)
6- يحتاج المعلم إلى ذخيرة وافرة من المهارات للتعرف على مختلف الصعوبات التي يواجهها الطلاب في التعلم.
7- كما يحتاج المعلم إلى مهارات لتطبيق تقنيات المعلومات والاتصالات في التعليم.
8- أن يكون لدى المعلم الوعي الكامل بالعوامل السياسية والثقافية والاجتماعية التي تؤثر على عمله.
9- أن يكون لدى المعلم المهارات اللازمة لخلق علاقات قوية من أولياء الأمور وأصحاب العلاقة بالمدرسة.
10- هناك حاجة لزيادة التركيز على خبرات في مجالات متعددة لخدمة الحياة وأعيد تعريف مراحل الحياة الإنسانية بالتأكيد على مفهوم أن البشر هم "كائنات متعلمة " طوال الحياة(20). وكمطلب أساسي للوصول إلى المجتمع المعتمد على المعرفة فإن الأمر يحتاج إلى: الذكاء ـ تبني الجديدـ المرونة ـ الإبداع ـ ومختلف القدرات الاجتماعية والمهنية(21).
ولهذا فلا بد من إفساح المجال للإفراد ليطوروا معارفهم ومواقفهم ومهاراتهم التي يتطلبها المجتمع المتعلم.
يقول كالاهان (22) “ إن من المهم أن تكون نظرتنا لمهنة التدريس الآن وبشكل منتظم من خلال الدور المناط بها والعبء الذي يحمله إياها مجتمع متغير وبيئة مدرسية مختلفة، وهناك حاجة ملحة لتفهم العناصر المتداخلة للمهنة بما في ذلك الإعداد الأولي للمعلم ، واستقراء حاجاته التطويرية، وراتبه ، وظروف عمله ، وترقيته ، وتخصصه ، وكيفية ، تمكينه من البحث . إن تبني(1/13)
سياسة "التعلم مدى الحياة للمعلم" تشكل واقعاً قوياً للعديد من مناحي التطوير والتحسين التي تؤثر في مهنة التدريس." وتخلص البحوث والدراسات: إلى أن هذا المفهوم لا يشكل المحور الأساسي في خطط التطوير والتغيير الحالية في معظم دول العالم لكنه بدأ يدخل في تلك الخطط بشكل تدريجي في أنظمة التعليم تلك. وتضيف تلك الدراسات أنه عندما يتم تبني هذا المفهوم سيضيف ديناميكية جديدة تجعل مهنة التدريس في موضع يمكنها من أداء خدمة أفضل لمجتمع متعلم. إن مفهوم التعلم مدى الحياة سيكون الإطار المرجعي الذي سيعمل على زلزلة المهنة وإعادة وضعها في المجتمع.
النتيجة:
والخلاصة أن التوجه الذي تشير إليه أبحاث التدريس في المستقبل "أن هناك مشكلة في وضع المعلم بشكل عام. حيث إن هذا الوضع يعاني من تردي منذ فترة طويلة في معظم الأنظمة التعليمية" (23). وقد دعمت البحوث الفرضية التي تقول إن المعلمين هم الذين يصنعون الفرق، وأن نوعية تعليم المعلم هي التي تعمل الفرق في إعداده. حيث قال دار لنق هاموند(24) (25) في أبحاث ودراسات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية " أن هناك ارتباط وثيق بين عوامل المستوى النوعي للمعلم والتحصيل الطلابي حتى عندما تم التحكم في عامل الفقر بالنسبة لبعض الطلاب." ولأن دور المعلمين سيتغير في المستقبل فإن هذا الدور سيبقى أساسيا. ويقول كل من بروك(26) وبيدل و جود سون(27) " إن القاعدة المعرفية التي ُتبنى عليها مهنة التدريس قد تعمقت. وتبعاً لذلك كان لزاماً على المعلمين أن يرتبطوا بهذه القاعدة بشكل مستمر في ظل مفهوم التعلم مدى الحياة للمعلمين.
إن مفهوم " التعلم مدى الحياة للمعلم " مفهوم جديد وجدير بأن يكون جزءاً من نظامنا التعليمي. وذلك لضمان استمرار تطور مهنة التدريس ومجاراتها(1/14)
للعصر السريع التغير بهدف تلبية احتياجات المجتمع وحل مشاكله الناجمة عن هذا التغير. ولهذا تقترح هذه الورقة تشكيل لجنة تدرس الجوانب المختلفة لهذا المفهوم وكيفية تطبيقه في نظامنا التعليمي بالسرعة الممكنة. " التعلم مدى الحياة للمعلم" توجه عالمي جديد أثبت جدواه في بعض الدول الأوروبية وانتقل تطبيقه مؤخراً إلى بعض دول شرق آسيا مثل الصين واليابان وماليزيا وكوريا وتايلاند كاستراتيجية أساسية لمواجهة تحدي العولمة. وترى فيه الدراسات التي تم استعراضها في هذه الورقة المركبة التي يمتطيها المعلم لتحقيق غاية مهنة التدريس التي يرى فيها المجتمع أملاً في تحقيق أهدافه وملاذاً للخلاص من مشكلاته.
المراجع
1- الشيخ عمر." المعلم الذي نريد للقرن الحادي والعشرين" " في: "المدرسة الأردنية وتحديات القرن ا لواحد والعشرين" مؤسسة عبدا لحميد شومان، ( 2002 ) ص 99.
2-Directorate for Education ,Employment, Labor and Social Affairs.” Teacher Education and the Teaching Career in an Era of Lifelong Learning. “DELAS/ED. Paris(2001).
3- المرجع السابق.
4- Naisbitt, Joh. “ The Mega Trend" .New York(1984).
5- OECD. "Attracting ,Developing, and Retaining Effective Teachers."OECD country Representatives .Paris.March,2002.
6- وزارة المعارف. (الإطار والدليل العام للتقويم الشامل للمدرسة: مقاييس جودة المدرسة بكامل عناصرها" التقويم الشامل للمدرسة، وزارة المعارف .2001م
7- شاهين، عزمي. " مداخلة " في: "المدرسة الأردنية وتحديات القرن الواحد والعشرين" مؤسسة عبدالحميد شومان، ( 2002 ) ص 102.
8- وزارة المعارف " اختبار كفايات المعلمين "الإدارة العامة للقياس والتقويم، وزارة المعارف.(2002).
9- Directorate for Education ,Employment, Labor and Social Affairs.”
10- OECD. "Attracting ,Developing, and Retaining Effective Teachers."(1/15)
11- Fullan, M. "Change Forces the Sequel."(1999).
12- CERI/OECD. Conclusions of Rotterdam Conference on “Schooling for Tomorrow” DEELSA.ED/CERI/CD(200)p49
13- المرجع السابق.
14 - المرجع السابق.
15- UNESCO." Learning: The Treasure Within." Paris,1996.
16- UNESCO."Teachers for Tomorrow's Schools: Analysis of the World Education Indicators." Paris(2001).
17- Atchoarena, David. and Sawano, Yukiko." Lifelong Learning in Asia: Reconciling work, Society." Paris. News Letter Community and School for the Knowledge of International Institute for EducationalPlanning,vol.20,no.4December,2002.
18- المرجع السابق.
19- المرجع السابق.
20- Directorate for Education ,Employment, Labor and Social Affairs.”
21- المرجع السابق.
22- Coolahan, J." Teacher Education and Teaching Profession in The west European Region." in Michaelsson, P.E.(ed)op.cit.,pp44-52.
23- CERI/OECD. Conclusions of Rotterdam Conference on “Schooling for Tomorrow” DEELSA.ED/CERI/CD(200)p49.
24-Darling-Hammond,L. "Teachers and Teaching: Testing Policy hypotheses From a National Commission Report." Educational Researcher,vol.27.No.1,pp5-15. (1998).
25- Darling-Hammond, L. " Teacher Quality and Students Achievment: A review of State Policy Evidence." Education Policy Analysis Archives,vol.8,no.1.p.25.(2000).
26- Bruke,A." Teaching: Retrospect and Prospect." Oideas,vol.39,pp5-254.(1992).
27- God ,T.L,Biddle,B.T,and goodson,I.F." TheStudy of Teaching Modern and Emerging Conceptions ,," in Biddle,B.j., Good ,T.L and Goodson,I.F.(eds)International Handbook of Teachers and Teaching.vol.1,pp.1-10.(1997).(1/16)
http://www.informatics.gov.sa/ebook/book/teacherimprove.doc(1/17)