بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة مهمة
لقادة الأمة وللأمة
أعطر هذه الرسالة بشيء من فتاوى
سماحة والدنا الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله
والشيخ/ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وكتبه/
أبو عبد الرحمن عايض بن علي بن حسين مسمار
جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1426هـ - 2005م
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة للشيخ صالح بن علي الوادعي حفظه الله
الحمد لله الحليم التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بشَّر وأنذر وأرشد وحذَّر، أوضح السبيل فلا يزيغ عنه إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)) [النور:15] قال الفخر الرازي: "نبه بقوله: ((وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا)) على أن عظم المعصية لا يختلف بظن فاعلها وحسبانه، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمها من حيث جهل كونها عظيماً.." ثم قال: "الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه، إذ لا يأمن أنه من الكبائر، وقيل: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار".
إن الناظر إلى حال الناس يجد أنهم قد استهانوا بالذنوب والمعاصي، وليس من شر وبلاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي، قال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى:30].
فبالمعصية تبدل إبليس بالإيمان كفراً، وبالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة وطرداً، وبالجنة ناراً تلظى.(1/1)
عم قوم نوح الغرق، وأهلكت عاد الريح العقيم، وأخذت ثمود الصيحة، وقُلِبَتْ على قوم لوط ديارهم، وجعل الله عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، فساء مطر المنذَرين.. ((فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) [العنكبوت:40].
إنها الحقيقة التي لا تتبدل ولا تتغير، تلكم الذنوب وتلك عواقبها، وما هي من الظالمين ببعيد، ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها.. ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها.. ولا فشت في أمة إلا أذلتها.. فلا تفارقها حتى تذر الديار خوالي بلاقع.
بالمعاصي يهون العبد على الله: ((وَمَنْ يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)) [الحج:18].
قال الحسن: "هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم" وعن جبير بن نفير لما فتحت قبرص: "رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة لعدوها ظاهرة لها الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى" رواه أحمد في الزهد بسند صحيح.
ومن مارس الذنوب تولَّد في قلبه الاستئناس بها، فتهون عليه وتصغر في عينيه، قال أنس: "إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) رواه البخاري.
قال ابن سيرين -كما عند الدارمي-: "أرى جر الإزار من ذلك"، وهذا بخلاف المؤمن فإن ذنوبه تعظم عنده كما قال ابن مسعود: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال بيده هكذا..." رواه البخاري.(1/2)
قال المحب الطبري: "إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله، ومن عقوبته، لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله، فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية).
وباستمرار المعصية والاستهانة بها يتمادى العبد حتى يجاهر بالمعاصي ويعلنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين... الحديث) متفق عليه.
وكم صور المجاهرة في واقعنا.. التاجر يجاهر بغشه وخداعه.. وأصحاب المجون يجاهرون بمجونهم.. كما ترى من صور خليعة فاضحة، قد علقت على المحلات التجارية، يستحيي المسلم أن ينظر إليها، كما ترى في الجرائد والمجلات من دعوات صريحة إلى الفسوق والانحلال، كل ذلك من المجاهرة.. وغير ذلك كثير حتى جاهر أقوام بالكفر والعياذ بالله.
إن من البلايا والمصائب أن يموت إحساس الناس بالمعصية، والأمر الأشد أن يفرح بها ويتبجح، ويسر بالاستكثار منها، فمن هذه حاله متى يفوز بالطاعة، إلا أن يتداركه الله برحمته.
الذنوب تقطع طريق الطاعة، وتصد عن سبيل الخيرات، فيقسو القلب، ويتحجر ويبتعد عن التوبة النصوح، كما جاء في الحديث: (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، وذلك الران الذي ذكر الله عز وجل: ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [المطففين:14]).
وقد اطلعت على رسالة مفيدة في التحذير من المعاصي والذنوب، لشيخنا ووالدنا الشيخ الفاضل/ عائض بن علي مسمار، فوجدتها نافعة في هذا الباب، مبينة لكثير من المعاصي التي فشت وانتشرت، فجزاه الله خيراً على ما نصح وبيَّن، وأسأل الله أن ينفع بكلماته المسلمين، فيقلعوا عن كثير من المعاصي التي وقعوا فيها لعل الله تعالى أن يرحمنا وأن يغفر لنا.(1/3)
اللهم أقل العثرة.. واغفر الزلة.. وجد بحلمك على من لم يرج غيرك.. اللهم تولنا برحمتك.. وجنبا الفواحش والفتن.. ما ظهر منها وما بطن.. وأصلح ذات بيننا.. وأخرجنا من الظلمات إلى النور.. برحمتك يا أرحم الراحمين
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين
وعلى آله وصحبه والتابعين
كتبه/ صالح بن علي بن حاتم الوادعي
(20-ربيع الثاني-1426هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، هدى الله به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يستقيم عليها إلا راشدٌ حَذِرٌ سالك، وأنذر وبشر ويسر، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وعلى صحابته الراشدين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا فيهم ومعهم يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين، آمين.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، واجعلنا هداةً مهتدين، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وقوِّ بصائرنا وبصيرتنا، ولا تجعل الحق ملتبساً علينا، واهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين.
ونعوذ بالله أن نكون من المنحرفين المتنكرين لدين الله رب العالمين، الذين فسدت فطرهم، وضلت عقولهم، فاستحسنوا القبيح، وتركوا الاتباع، وأحبوا الابتداع، وقلدوا من لا دين لهم ولا اتباع.(1/4)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [النساء:1].
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، نعوذ بالله من النار، ومن كل قول أو فعل أو عمل أو اعتقاد يجر إلى النار.
أما بعد:
…
آيات بينات في التحذير من عذاب الله تعالى ونقمته
يقول تعالى في كتابه الكريم: ((فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:34-41]. أقول وبالله التوفيق:
هذا حكم الله الذي لا يتغير ولا يتبدل، ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].(1/5)
ويشبه هذه الآية الكريمة قوله تعالى في سورة طه: ((إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى)) [طه:74-76].
يقول ابن كثير رحمه الله : "الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرةُ فرعون، يحذرونه من نقمة الله، وعذابه الدائم السرمدي، ويرغبونه في ثوابه الأبدي".
اللهم اعصمنا من الكفر، اللهم أعذنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نحمدك ونشكرك ونذكرك حيث مننت علينا بالإسلام، ووفقتنا لاتباع النبي العدنان صلى الله عليه وآله وسلم .
نستعين بالله تعالى في تفسير وتوضيح الآيات الكريمات السابقة الذكر، وما تدل عليه، وما تحمله من المعاني والأحكام والدلالات الواضحة، حسبما يتيسر، وما يحتمله المقام من الإيجاز، وسهولة الألفاظ، وأقرب المعاني، التي تؤدي الغرض من هذه النصيحة الموجزة، التي أرجو لها القبول عند الخاصة والعامة، بعد القبول عند الله سبحانه وتعالى .
الطامة: اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تطم، أي تعم الناس بأهوالها وما يقع فيها من الأحداث العظيمة الهائلة التي ذكرت في هذه السورة، وفي سورة التكوير والانفطار والغاشية والزلزلة والقارعة، وغيرها من سور القرآن الكريم، التي تحدثت عن نسف الجبال، وانفطار السماء، وتناثر الكواكب، وتكوير الشمس والقمر، وتبعثر القبور، وخروج الناس منها حفاة عراة مدهوشين فزعين، يقول قائلهم: ((يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)) [يس:52]؟؟ الجواب: ((هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)) [يس:52].(1/6)
ويساق الجميع إلى المحشر، وقد طوقوا وأحيطوا بالملائكة، وجاء الجبار للحكم والفصل بين عباده، كما قال تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)) [الفجر:22-23].
فما هو الذي سيجري على الناس؟ وما هي النهاية؟ وما هو المصير؟ وما هي ثمرة الحياة التي عاشها الإنسان في هذه الدنيا؟
الجواب: هو ما ذكره الله تعالى في هذه الآية الكريمة على إيجازها وقلة ألفاظها، ولكنها بلاغة القرآن العظيم المعجز، كيف لا وهو كلام الله رب العالمين، قال تعالى: ((فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:37-39].
عاقبة التمادي في الطغيان:
سؤال: ما معنى طغى؟
الجواب: تجاوز الحد وتعداه إلى غيره، إما بالإفراط أو التفريط، سواء بالقول أو بالفعل أو الاعتقاد، فمن فعل ذلك وتمرد على الله وطغى وبغى: ((فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:39]، والجحيم اسم من أسماء النار -عياذاً بالله منها- التي لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم، نعوذ بالله منها ومن قربها ومقاربتها، ومن مقاربة أهلها، ومن أقوالهم وأفعالهم واعتقاداتهم ومن التشبه بهم في أخلاقهم وأفعالهم وعاداتهم وأعيادهم وحياتهم ومماتهم، وحشرهم ونشرهم، وجميع ما هم عليه، ولا غرابة فإنهم كفار لا دين لهم إلا ما يخططه لهم الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) [سورة الكافرون].(1/7)
وأما التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى فقد كفروا بذلك كله، وقد نسخ القرآن الكريم كل ما سبقه من الأديان ولا يقبل من أحد ديناً إلا دين الإسلام كما قال تعالى: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [آل عمران:85]، وقبل هذه الآية الكريمة: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ)) [آل عمران:19]، كلاهما في آل عمران، هذا وقد جاء النص عام في الطغيان فكل بحسبه، فالطغيان يحصل من الكافر كما يحصل من المسلم، فالكافر مستحل لجميع ما يفعله، فأفعاله كفر، أما المسلم فتكون أفعاله التي طغى وبغى فيها تكون معاصٍ وفسق ما دام على الإسلام ومحافظاً على أركانه وواجباته، فإن تاب تاب الله عليه سواء في حق الله أو في حق المخلوق.
والتوبة لها شروط يسأل فيها أهل العلم، وإن مات -أي المسلم- على الذنوب والمعاصي والبغي والطغيان، فكما قال تعالى: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)) [الزلزلة:7-8].. وقوله تعالى: ((فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:39] هذه عاقبة أمر الطغيان، ومأواه ومثواه ومقره ومسكنه ومرجعه ليلاً ونهاراً صباحاً ومساءً -عياذاً بالله- ولو تمنى الخروج لحظة واحدة ليتنفس من غمها وحرها وضيقها وما فيها من العذاب لما أُجيب إلى ذلك، بل لو تمنى الموت أو يكون تراباً لما كان الجواب إلا التوبيخ والتقريع والمكث الأبدي كما هو ظاهر القرآن الكريم، هذا بالنسبة لمن مات على الكفر.(1/8)
والكفر ملل كثيرة ومتعددة وخصوصاً في هذا الزمان فما أكثر النواقض والملل والنحل التي يسلكها من خرج عن منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما المسلم الذي يدخل النار بذنوبه ومعاصيه التي لم يتب منها ولم يتخلص منها قبل موته فإنه قد يدوم في النار المئات من السنين أو الشهور أو الأيام، وقد يغمس كله أو بعضه عياذاً بالله، ومن الذي يطيق هذا: ((رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)) [آل عمران:192]، ثم يخرج من النار بعد أن يتخلص من ذنوبه ومعاصيه، يعني تأكله النار بقدر ذنوبه، هذا إذا كان مؤمناً موحداً ومات على ذلك، أما من دخل النار بذنب عظيم هو الشرك فكما قال تعالى: ((إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:48] الآية، وقال تعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة:72].
فالواجب على المسلم الذي أكرمه الله بالإسلام أن يتقي الله، وأن يقف عند حدوده، ولا يتعدى شرع الله لا بالإفراط ولا بالتفريط، ولا يداهن ولا يجامل على حساب دينه، ونجاته وفوزه ونجاحه وخلاصه بل يقف مع شرع الله في جميع أحواله وأقواله وأفعاله ومدخله ومخرجه ومأكله ومشربه وهيئته وملبسه، ولا يتشبه باليهود ولا بالنصارى ولا بالملحدين اللادينيين الذين سلكوا طرقاً عديدة ومذاهب شتى خرجوا بها من منهج الإسلام، وفارقوا دين محمد عليه الصلاة والسلام، ومنهج الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، بل يجب على المسلم أن يحمد الله ويبالغ في حمده وشكره وحسن عبادته على نعمة الإسلام.(1/9)
((فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى)) [النازعات:34-36] يتذكر الإنسان في ذلك اليوم كل حياته وما فعل فيها حين يرى الحسنات والسيئات، اللتين عليهما الجزاء والربح أو الخسارة، وكيف لا يتذكر ما سعى؟ هذا أمر لا بد منه.
((وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى)) [النازعات:36]، أي: ظهرت وتجلَّت للناظرين ينظرون إليها بأم أعينهم ويشاهدونها بأبصارهم كما في قوله تعالى: ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)) [التكاثر:1-2] إلى قوله: ((لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)) [التكاثر:6-7] وكيف صفتها حين يرونها ولها زفير وشهيق تكاد تميز من الغيظ على أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر والإلحاد، الذين ماتوا على الكفر أعاذنا الله من ذلك، قال تعالى: ((وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)) [الملك:6-8].(1/10)
((فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [النازعات:37-38] الإيثار هو ترك شيء لشيء أو تفضيل شيء على شيء كما في قصة الأنصاري الذي أضاف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد عجب الله من صنيعكم البارحة" والقصة مشهورة ثم أنزل الله القرآن: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9] الحياة الدنيا سميت دنيا لدناءتها وحقارتها وسرعة زوالها وانقطاعها، كما في قوله تعالى: ((لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) [البقرة:219-220] أي سرعة زوال الدنيا وانقطاعها وقرب الآخرة.
ولو تفكر الإنسان في حياته اليومية وأن كل يوم يمر عليه وينقضي فإنه لن يعود، وما أكله أو شربه وتمتع به لن ينفعه في اليوم الثاني وهكذا... وفي الحديث: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء"، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً"، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب.. " الحديث.
الخوف من الله سبحانه وتعالى:(1/11)
((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:40-41] هذا هو الفريق الآخر، الموفق المسدد المؤمن الخائف الراجي المتواضع الملتزم بشرع الله، فلا بغي ولا طغيان ولا إفراط ولا تفريط، وسرعان ما يندم ويتحسر ويتوب ويصيبه الهم والغم حينما يقع في زلة أو هفوة أو غفلة، والخوف من الله عبادة عظيمة تدل على تعظيم الله وإجلاله وتقواه ومراقبته والحياء منه، بل إن الخوف من الله من أخص أوصاف المؤمنين كما قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)) [الأنفال:2] وقال تعالى: ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)) [الرحمن:46]، وقال سبحانه: ((رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)) [البينة:8] وقال تعالى عن أنبيائه ورسله: ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) [الأنبياء:90]، وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)) [المؤمنون:57] إلى قوله: ((وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)) [المؤمنون:60].(1/12)
فالخوف من الله عبادة عظيمة وحصانة ربانية يعتصم بها المسلم من الوقوع في المعاصي والذنوب والمخالفات، فلا يستطيع أن يكذب ولا يغش ولا يخدع ولا يسرق، ولا يأكل الحرام ولا الرشوة ولا الربا، ولا يشرب المسكر ولا ما فيه شبهة، ولا يظلم ولا يتكبر ولا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يقرب الفواحش كالزنا واللواط والغيبة والنميمة والحيلة والاحتيال والمغالطة والخيانة، ولا يستطيع أن يشهد الزور، ولا يؤذي جيرانه وكذلك سائر المسلمين، ولا يعصي والديه ولا يقطع أرحامه، ولا يجامل، ولا يداهن في دين الله، ولا يفرط في الواجبات، ولا يبتدع في دين الله، بل يقف عند حدود الله ويلتزم بشرعه، ويصاحب الأخيار، قال تعالى: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) [الكهف:28] ولا يصاحب الأشرار، ويكرم الضيف، ويغيث الملهوف ويعين على نوائب الدهر، كل ذلك لأنه يخاف الله ويخاف مقامه بين يدي الله عز وجل، وهو المقام والموقف والمقابلة والمواجهة لله رب العالمين، والذي هو بالنسبة للمؤمن الطائع الخائف من الله الراجي عفو الله مقام فرح وسرور وأنس وأمن وأمان ونعيم لا ينقطع، أما من كان على عداوة مع الله، ومحارباً لدين الله ولرسوله وللمؤمنين فإنها مواجهة خزي وعار وفضيحة وذل ومهانة وتقريع وتوبيخ، وما بعد ذلك أعظم وأدوم للحسرة والندامة والعياذ بالله، وفي الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة" وفي لفظ: "ما منكم(1/13)
من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب يحجبه" أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة من طرق عن الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عدي بن حاتم به.
((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)) [النازعات:40] فما هو مقام ربه؟ هو حين يقوم ويقف بين يديه يوم القيامة ويشاهده بأم عينيه وقد سبق حديث عدي بن حاتم، ((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)) [النازعات:40] هذا هو العدو الأقرب الملاصق للإنسان، وكيف يتحرز الإنسان من عدو هو بين جنبيه لا يفارقه وهو دائما يأمره بالسوء كما قال تعالى: ((إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)) [يوسف:53] فنسأله تعالى أن يجعلنا من المرحومين وأن تصاحبنا رحمته ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك حتى نقوى على المراقبة والمجاهدة والمحاسبة لهذه النفس.
((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)) وهو الميل إلى الشهوات والملذات وأعظم ما يهلك الناس فيه هي الشهوات والشبهات، فبالإيمان واليقين والمجاهدة ينجو الإنسان من الشهوات، وبالعلم والنظر والتحقيق في العلوم الشرعية وسيرة السلف الصالح وصحبة الأخيار والزهد ينجو الإنسان من الشبهات، وتكون النتيجة: ((فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:41] وهذا حكم الله ووعده وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، والجنة هي دار السلام والأمان والخلد والسرور والحبور، كما وصف الله في كتابه العزيز ووصفها رسوله عليه الصلاة والسلام فقال: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" من دخلها ينعم ولا يبأس، ولا يجوع ولا يعرى، ولا يموت ولا يهرم، ولا يسقم ولا يبول ولا يتغوط، ولا ينام ولا يملَّ ولا يسأم، ولا يحزن ولا تصيبه المخاوف ولا يخطر بباله أي كدر.(1/14)
فاللهم إنا نسألك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، إنك على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على محمد النبي الكريم، وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم يا رب العالمين، آمين.
التحذير مما يقع فيه بعض المسلمين في الدفن والتشييع
وبعد: فلقد بدا لي أن أتكلم في مسألة هي من الأهمية بمكان، ألا وهي: ما يتعلق بآخر اللحظات من حياة هذا الإنسان المسلم على وجه الأرض وحين يودع الحياة، وكيف يقدم على ربه، وما هو المشروع في دفنه وتشييعه، وحاجته إلى الترحم عليه والدعاء له والصلاة عليه والإحسان إليه في كل هذه اللحظات، وفي كل هذا ينظر ويتحرى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة رضي الله عنهم.
ومن هو هذا الميت الذي يعتنى به هذا الاعتناء؟
الجواب: هو المسلم لا فرق بين شريف ووضيع ولا بين غني وفقير، ولا بين رئيس ومرءوس، ولا بين حر وعبد، ولا بين ذكر وأنثى، الكل عبيد الله ومحتاجون إلى رحمة الله وعفوه سبحانه وتعالى: فالواجب كما ذكر أهل العلم أن على المسلم إذا أحس بمرض الموت أن عليه أن يحسن الظن بربه وأن يرجح جانب الرجاء في هذه الحالة، وأن يوصي بما له وما عليه، وأن يوصي أهله وجميع المسلمين بتقوى الله عز وجل والتمسك بالإسلام على هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هدي الصحابة رضي الله عنهم كما عليه أن يوصي بأن يشيع ويدفن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما استمر عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأن يحذر في وصيته من البدع والمحدثات، ومن نعي الجاهلية، ومن البدع العصرية التي استحسنها بعض الناس بحيث أصبحت المقابر وكأنها منتزهات للتسلي والتلهي، وهذا مناف للاتعاظ والاعتبار بالموت.(1/15)
وبهذا الخصوص جاء قرار هيئة كبار العلماء في كتاب توضيح الأحكام من شرح بلوغ المرام لصاحبه عبد الرحمن البسام رقم (49) وتاريخ: (30/ 8/1396هـ) بما يلي:
"نظراً إلى أن المقابر محل للاعتبار والاتعاظ وتذكر الآخرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت".
وحيث إن تجميلها بفرش الأشجار وتبليط ممراتها وإنارتها بالكهرباء وغير ذلك من أنواع التجميل لا يتفق مع الحكمة الشرعية في زيارة القبور وتذكر الآخرة بها؛ حيث إن تجميل المقابر بما ذكر يصرف عن الاتعاظ والاعتبار ويقوي جانب الاغترار بالحياة ونسيان الآخرة، فضلاً عما في ذلك من تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من إنارة القبور ولعن فاعل ذلك، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، ولما فيه من مشابهة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في تشجير مقابرهم وتزيينها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، ولما في ذلك من تعريض القبور للامتهان بابتذالها والمشي عليها والجلوس فوقها ونحو ذلك، مما لا يتفق مع حرمة الأموات، وعليه فإن المجلس يقرر بإجماع تحريم التعرض للمقابر لا بتشجيرها ولا بإنارتها ولا بشيء من أنواع التجميل للإبقاء على ما كان عليه السلف الصالح، ولتكون المقابر مصدر عظة وعبرة وادكار وبالله والتوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" هيئة كبار العلماء.(1/16)
هذا وقد نظرت في عدد من كتب الفقه المؤلفة في أحكام الجنائز وفتاوى أهل العلم وردودهم على من سأل حول مواضيع شتى فيما يتعلق بهذا الموضوع، وكلها ترشد إلى الاتباع وتنهى عن الابتداع، ومشابهة أهل الكتاب في دفنهم وتشييعهم جنائزهم، مستدلين بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التحذير والتنفير من طرق أهل الملل والنحل المخالفة لشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ورأيت أنه لا حاجة للتطويل بنقل النصوص في هذا الموضوع، وأن الوصول إلى الغرض من أقرب الطرق هو المطلوب والمقصود، وذلك بالتنبيه والتبيين إلى أن الطريقة التي يشيع بها الموتى من كبار القادة العسكريين والزعماء ورجال الدولة هذه الطريقة غير شرعية، فلا حاجة لنا بها، وإنما حاجتنا في البقاء والاستمرار على أصول ديننا، وشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي نلقى الله به ونرجو به رحمة الله ورضوانه ومغفرته ودخول الجنة والنجاة من النار، هذا هو مطلوب كل مسلم ومسلمة وغاية كل من يموت على دين الإسلام.
فالواجب التمسك بدين الله وشرعه، فهو شرفنا العالي ومقامنا الغالي، ولا شيء غير ذلك، هذا وقد أزعجني وأثار ما عندي ما حدث للشيخ مجاهد أبو شوارب يرحمه الله، حيث إنه ما إن وقع الحادث وعلم الناس بموته إلا هبوا من كل مكان وخصوصاً قبيلة حاشد بغية الصلاة عليه والدعاء والترحم والابتهال إلى الله العزيز الغفار أن يغفر له ويرحمه، ولكن بلغني أنه حيل بينهم وبينه وأخذ إلى العرضي وصلي عليه هناك فلم يفجأهم إلا خروج جنازته محاطة بالهالة العسكرية على تلك الطريقة والهيئة المخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافية للخشوع والانكسار والتذلل بين يدي الله عز وجل، والاتعاظ والاعتبار بالموت الذي هو أكبر واعظ وأكبر معتبر.(1/17)
وقد يظن بعض من يظن أن هذه الطريقة التي يتميز بها الزعماء والقادة على غيرهم من الناس أنها شرف وأنها من خصوصياتهم، وهيهات هيهات، إن الشرف كل الشرف هو الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا)) [الأحزاب:21].. ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا)) [الأحزاب:36].
خلاصة الكلام أننا مشفقون على إخواننا وأبناء جلدتنا، ومن كان على نهج كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى سيرة السلف الصالح أن تتخطفهم الأهواء ويستدرجوا من حيث لا يشعرون، ونحن نرى أن علينا واجب النصح والبيان المتعلق بمصير الأمة والمحافظة على أصول ديننا، وعلى سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة أجمعون والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وفي الحديث الذي رواه مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصحية، قالها ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله عليكم -أو قال- أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً، قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".(1/18)
والنصيحة معناها الإخلاص للمنصوح له، لذلك فنحن ننصح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتمسكوا بدينهم وأن يحيوا عليه وأن يموتوا عليه ويلقوا الله به، كاملاً غير منقوص ولا محرف ولا مخلوط بالبدع والمحدثات، وأن يكون خالصاً لوجه الله الكريم في كل وقت وأوان كما أمر الله بذلك في قوله تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ)) [الأنعام:162-163].
فنعوذ بالله من الغفلة والهوى والاستدراج والغرور ومن الافتتان بما يزينه الشيطان الرجيم العدو اللدود الذي لا يفتر في عداوته ولا يُمهل ولا يُهمل ولا يرحم أحداً: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) [فاطر:6] هذه مكافأته لأتباعه وأصحابه وأنصاره وأعوانه، ولا أدري لعل قائلاً يقول: قد أنصفهم حين قربهم منه منزلة وأسكنهم بجواره. ولكن بئس المسكن وبئس الجوار! نعوذ بالله من الخذلان ومن هذا المصير الذي فيه الشقاوة والتعاسة والعذاب السرمدي وفيه الخزي والعار، نعوذ بالله، نعوذ بالله، نعوذ بالله!
فأرجو قبول النصيحة وقطع دابر الفتن والمحدثات المخالفة لشرع الله، وهذا معروض على أهل العلم والشأن ومن لهم الصدارة والقيادة والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
…
التعزية بعد الموت
أما فيما يتعلق بالاجتماع للتعزية بعد الموت، فإن معظم الناس قد تضرر من هذه العادات المحدثات، ويتمنون من ينقذهم منها ويريحهم من شرها ومن تبعاتها، وهذا يتعلق بولاة الأمور والعلماء ومشايخ البلاد.(1/19)
هذا وفي أثناء كتابتي في هذا الموضوع وصلت إلي نسخة طيبة جمعها أخونا المبارك الشيخ نعمان الوتر القائم بالمركز العلمي ببعدان لواء إب، وهذا من التيسير، فقد ساعدني على الوقوف على ما كتبه أهل العلم والفضل في هذه المسألة التي قصدت نشرها بين الناس نصحاً وتحذيراً من البدع والمخالفات، فأنقل ما جمعه أخونا نعمان جزاه الله خيراً، والأمر في هذا من باب التعاون على البر والتقوى، قال غفر الله لنا وله ولوالدينا وأولادنا وجميع أهلينا ومشايخنا في العلم والدين، ومن له حق علينا، وجمعنا الله بهم في جنات النعيم.
فصل
في عدم مشروعية الاجتماع في بيت الميت للتعزية والذكر
وصنع أهل الميت الطعام لضيافة القادمين للعزاء
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: [كنا نعد -وفي رواية نرى- الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة]، أخرجه أحمد في مسنده برقم (6905) وابن ماجة في سننه (1/490) قال العلامة الألباني في أحكام الجنائز(310): وإسناده صحيح على شرط الشيخين وصححه النووي(5/330) والبوصيري في الزوائد. وإليك أخي الكريم كلام أهل العلم في هذا:
1- قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (1/ 486):
وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر اهـ.، قلت: كأنه يشير إلى أثر جرير السابق والله أعلم.
2- قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/ 378):
وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته... قالوا: يعني الجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالو: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها. اهـ. وانظر الأذكار للنووي (1/430).
3- قال ابن قدامة في المغني (3/ 453):(1/20)
وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزى إذا دفن الميت أو قبل أن يدفن، وقال: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت لم تأخذ.
وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقاً لباطل وإن نهاه فحسن، اهـ.
وقال أبو داود السجستاني لأحمد بن حنبل كما في سؤالاته (189): أولياء الميت يقعدون في المسجد يعزون؟ قال: أما أنا فلا يعجبني، أخشى أن يكون تعظيماً للميت أو للموت. اهـ.
4- قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (3/ 537):
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة.
5- قال الإمام ابن قدامة في الكافي (1/ 349):
ويكره الجلوس لها -يعني التعزية- لأنه محدث. اهـ.
6- قال الإمام الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص:175):
فأما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء، قال الشافعي: وأكره اجتماع الرجال والنساء لما فيه من تجديد الحزن. اهـ.
7- قال الإمام الشوكاني في النيل (4/ 97):
في الكلام على أثر جرير السابق: "يعني أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعاً من النياحة، لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم الخاطر بموت الميت، وما فيه من المخالفة للسنة؛ لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاماً، فخالفوا ذلك وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم".
8- قال أحمد بن عبد الرحمن البنا في الفتح الرباني (8/6):
لا يجوز نصب فسطاط كالسرادق والخيمة ونحو ذلك لأجل اجتماع الناس فيه للتعزية. اهـ.
9- سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (9/ 138):(1/21)
اعتاد أهل بلادنا الجلوس للتعزية عند وفاة شخص منها أسبوعا أو أكثر، وغلوا في ذلك فأنفقوا في ذلك كثيراً من الأموال في الذبائح وغيرها وتكلف المعزون فجاءوا وافدين من مسافات بعيدة، ومن تخلف عن التعزية خاضوا فيه ونسبوه إلى البخل وإلى ترك ما يظنونه واجباً، فأفتونا في ذلك؟
فأجابت اللجنة: التعزية مشروعة، وفيها تعاون على الصبر على المصيبة، ولكن الجلوس للتعزية على الصفة المذكورة، واتخاذ ذلك عادة لم يكن من عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من عمل الصحابة، فما اعتاده الناس من الجلوس للتعزية حتى ظنوه ديناً وأنفقوا فيه الأموال الطائلة -وقد تكون التركة ليتامى- وعطلوا فيه مصالحهم ولاموا فيه من لم يشاركهم ويفد إليهم كما يلومون من ترك شعيرة إسلامية، هذا من البدع المحدثة التي ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عموم قوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي الحديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" فأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، وهم لم يكونوا يفعلون ذلك وحذر من الابتداع والإحداث في الدين، وبيَّن أنه ضلال.
فعلى المسلمين أن يتعاونوا على إنكار هذه العادة السيئة والقضاء عليها اتباعاً للسنة وحفظاً للأموال والأوقات، وبعداً عن مثار الأحزان وعن التباهي بكثرة الذبائح ووفود المعزين وطول الجلسات وليسعهم ما وسع الصحابة والسلف الصالح من تعزية أهل الميت وتسليتهم والصدقة عنه والدعاء له بالمغفرة والرحمة.
10- سماحة العلامة ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (13/383):
الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة.اهـ.
11- فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل عن حكم المآتم كما في فتاوى العقيدة (ص:630) فأجاب:(1/22)
المآتم كلها بدعة سواء كانت ثلاثة أيام أو على أسبوع أو على أربعين يوماً لأنها لم ترد من فعل السلف الصالح رضي الله عنهم. اهـ.
وقال في جواب سئل بنحوه كما في فتاوى أركان الإسلام (ص:416) فأجاب:
إن هذا العمل بدعة بلا شك، فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة، ثم إن اجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضاً من الأمور التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بعض العلماء قال: إنه بدعة، ولهذا لا نرى أن أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء بل يغلقون أبوابهم، وإذا قابلهم أحد في السوق أو جاء أحد من معارفهم بدون أن يعدّوا لهذا اللقاء عدته ودون أن يفتحوا الباب لكل أحد، فإن هذا لا بأس به، وأما اجتماعهم وفتح الأبواب لاستقبال الناس فإن هذا شيء لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان الصحابة يعدون الاجتماع عند أهل الميت ووضع الطعام من النياحة، والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب"، نسأل الله العافية، فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يتركوا هذه الأمور المحدثة لأن ذلك أولى بهم عند الله.اهـ.
12- فضيلة الشيخ صالح الفوزان: فقد سئل كما في المنتقى من فتاواه (3/157): ما هي الطريقة الشرعية لعمل المآتم أو المعازي؟
فأجاب: ليس من الشرع إقامة المآتم بل هذا مما نهى الله عنه؛ لأنه من الجزع والنياحة والابتداع الذي ليس له أصل في الشريعة. اهـ.
وقال فضيلته في الملخص الفقهي (1/ 314):(1/23)
وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من أن أهل الميت يهيئون مكاناً لاجتماع الناس عندهم ويصنعون الطعام ويستأجرون المقرئين لتلاوة القرآن الكريم، ويتحملون في ذلك تكاليف مالية، فهذا من المآتم المحرمة المبتدعة، لما روى أحمد عن جرير بن عبد الله قال: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (14/ 316): جمع أهل المصيبة الناس على الطعام ليقرءوا له ويهدوا ما ليس معروفاً عند السلف وقد كرهه طوائف من أهل العلم من غير وجه. اهـ. ثم نقل كلام الطرطوشي الذي نقله سابقاً.
13- قال الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع (ص:338):
وأما اجتماع الرجال في المآتم لداعية الحزن على الميت فمعلوم أيضاً ما يستلزمه هذا الاجتماع من النفقات الطائلة لغرض المباهاة ونحوها، ولا شك في حرمة ذلك لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح ولا يفيد الميت شيئا، ويعود بالخسارة على أهله، هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر، فما بالك إذا كان فيهم قاصر، وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا، نعوذ بالله من سخط الله، وأن ما يقع بعد الدفن من عمل المآتم ليلة أو ثلاثاً مثلاً لا نزاع في أنه بدعة، ولم يثبت عن الشارع ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم، وكانت سنته صلى الله عليه وسلم أن يدفن الرجل من أصحابه وينصرف كل إلى مصالحه.
هذه كانت سنته وهذه كانت طريقته والله تعالى يقول: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا)) [الأحزاب:21]، فلنتأس به فيما تركه كما نتأسى به فيما فعل.. إلخ. اهـ.
قلت: وبعد هذا يتبين بجلاء ولله الحمد أن ترك الاجتماع في بيت الميت للتعزية وصنع أهل الميت الطعام لهم هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين وصحابته الغر الميامين.(1/24)
فالاجتماع لذلك يعتبر ابتداعاً في دين الله ويتضمن عدة محاذير:
1- الوقوع في البدعة، ومعلوم أن البدعة أعظم من الكبيرة.
2- أن ذلك كان يعده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من النياحة، والنياحة من الكبائر.
3- إضاعة المال فيما لا يعود على الأحياء ولا الميت بنفع ولا فائدة.
4- يقع هذا من قبل كثير من الناس على وجه الكبر والتفاخر على عباد الله.
5- يفعله كثير من الناس رياء وسمعة.
6- فيه ضياع للوقت بلا فائدة.
7- ربما انضم إلى بدعة الاجتماع بدعة أخرى كقراءة القرآن والذكر الجماعي ونحو ذلك على هيئة معينة، فهذه المفاسد وغيرها لا يجوز غض الطرف عنها وحضور هذه المآتم مجاملة واستسلاماً للعوائد والأعراف المصادمة للشرع، وإن زعم البعض أن حضور هذه المآتم يقع به مصالح دعوية، فأعظم المصالح متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتقرب إلى الله بإنكار هذه المحدثات وهجرانها.اهـ. كلام الشيخ نعمان بن عبد الكريم الوتر... حفظه الله.
حكم صنع أهل الميت الطعام للناس:
فتوى رقم (4504) تاريخ (30/3/ 14هـ):(1/25)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من الدعاة والمرشدين في مركز أبها والسؤال هو: سؤالنا عما يجري في عزاء الميت اليوم، وذلك أنه في الآونة الأخيرة أخذت كل قرية من قرى الجنوب تجمع نقوداً وتأخذ بها صيوان خيام وينصب إذا مات منهم واحد لمدة ثلاثة أيام، ثم يأخذ وفود المعزين يأتون إليهم جماعة بعد جماعة في ذلك الصيوان ويجلسون مدة من الوقت ثم يذهبون ويأتي آخرون، وهكذا حتى تنتهي هذه الثلاثة الأيام، وبعض المعزين يأتون بغنم معهم، وأكياس طعام، خاصة ذي القرابة من نسب أو من صهر، وهؤلاء الوفود لا يأكلون عند أهل المصاب لكن عند الجماعة وخاصة الذي يأتي من بلد بعيد، فالذي أشكل علينا هو نصب هذه الخيام والتجمع الذي بصفة دائمة في هذه الثلاثة الأيام، وإقراء جماعة أهل المصاب للذين يأتون من بعيد هل فيه شيء أم لا؟ وهل المال الذي يجلب لهذا العزاء من غنم وكباش وطعام وقهوة فيه شيء أم لا؟ نرجو توضيح الجائز من غيره في كل ما ذكر؟
الجواب: أولاً: من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، بهذا جاءت السنة من فعله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: من السنة صنع الطعام لأهل الميت، فعن عبد الله بن جعفر قال: "لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم" رواه الخمسة إلا النسائي.
ثالثاً: الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام منهم بعد دفنه لا يجوز، والأصل في ذلك ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي قال: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام بعد دفنه من النياحة].(1/26)
رابعاً: يحرم ما يفعله أهل القرية من جمع نقود يأخذون بها صيواناً ينصب إذا مات منهم أحد لمدة ثلاثة أيام، يأتي إليهم جماعة بعد جماعة في ذلك الصيوان، ويجلسون مدة من الوقت، ثم يذهبون ويأتي آخرون وهكذا حتى تنتهي هذه الثلاثة الأيام؛ لأن ذلك بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر.
خامساً: ما يأتي به المعزون من الغنم والأكياس إذا كان صدقة منهم لأهل الميت فلا شيء فيه.. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عضو…………عضو
عبد الله بن قعود………عبد الله بن غديان
قد حرصت أن تكون الرسالة مختصرة لتقرأ بدون ملل، وقد ذكرت ما هو المهم الذي حدث للناس وشق عليهم كما هو معلوم، ولا يفوتني أن أذكر وأذكر عن رفع الأصوات عند حمل الجنازة من بيت الميت إلى المقبرة، فهذه بدعة شنيعة ومشابهة لليهود والنصارى في حمل جنائزهم ورفع أصواتهم وطقوسهم.
ونحن بحمد الله أغنياء عن اتباع أي أحد إلا اتباع نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وقد كانوا يدفنون الموتى ويحملون الجنائز وكأن على رءوسهم الطير، وعليهم السكينة والوقار، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما العادات التي سنها بعض المحترفين فقد بليت وتلاشت ولله الحمد بفضل الله، ثم بفضل الدعاة المخلصين الذين واجهوا تلك المخالفات التي أسست على شفا جرف هار، فعلى أصحابها أن يسارعوا بالتوبة والندم على ما حصل من الإفراط أو التفريط والله المستعان.
هذا وكنت حريصاً على أن أكتب في هذا الموضوع فيما سبق من الرسائل، ولكن لكل أجل كتاب.
نرجو الله تعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يغفر لنا ولوالدينا وأهلينا وأولادنا ولجميع المسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رفع القبور فوق شبر(1/27)
أيضاً أذكِّر بأمر مهم جداً فيما يتعلق بهذا الموضوع، وهو رفع القبور فوق شبر أو الكتابة عليها، والسنة أن يجمع تراب القبر ويسنم فوقه فقط(1)، وإذا احتيج إلى حفظه من السيول أو المشي عليها فلا بأس بوضع أحجار لا تزيد عن شبر، وتكون أحجاراً عادية دون أن تكون وقيصاً، وكذلك عدم الأسمنت أو التجصيص، أما ما يفعله بعض الناس من تسميت القبر وبناء حبل أو حبلين بالوقيص ويميزه عن غيره من القبور فهذا الفعل لا يؤجر عليه، بل يؤزر لمخالفته السنة، ويدل على الفخر والكبر، والأولى له أن يكون من جملة عباد الله ولعله يرحم ويغفر له من جملة المسلمين، ولكن الجهل هو الذي أورد الناس المهالك، والله المستعان.
أما ما يفعله غلاة الصوفية وغلاة الروافض من البناء على القبور وتشييدها وتبييضها بالجص والبناء عليها بالقباب، ثم فرشها وتنويرها بالسرج وما أشبه ذلك، فهذه دعوة إلى الاعتقاد الفاسد، والشرك والبدعة وتجهيل العامة، وإلى الجاهلية الأولى.
نصيحة خاصة لأولاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله:(1/28)
وقد بلغنا وسمعنا في هذه الأيام أنه قد بُنِيَ على قبر الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله ضريح يشبه ضرائح غلاة الصوفية وغلاة الشيعة، ودُعِيَ الناس إلى الجلوس حول هذا القبر لقراءة القرآن والدعاء وغير ذلك، وهذا بداية شر ودعوة إلى الاعتقاد في القبور وفي أصحابها، وهذا هو الشرك بعينه، فندعو إخواننا في الخليج والإمارات إلى أن لا يفتحوا هذا الباب، وأن يسارعوا إلى سد هذه الذريعة التي قد تدعو إلى عبادة القبور والعياذ بالله، ومعلوم أن القراءة والعبادة عند وحول القبور بدعة منكرة، وإنما شرعت العبادة من قراءة ودعاء وصلاة وغير ذلك في المساجد أما المقبرة فلا، ومعلوم أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان مذكوراً بالخير والكرم والجود رحمه الله وتغمده بواسع رحمته، فقد أحسن إلى نفسه في حياته وقدم لآخرته، وفي الحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، إذاً فلا حاجة إلى الغلو في قبر الشيخ زايد رحمه الله، ومن كان يحبه من أهله وأقاربه وشعبه الذين أحسن إليهم فعلى الجميع أن يدعو له وأن يترحموا عليه وأن يتصدقوا إلى روحه، فهذا هو الذي ينفعه، أما ما ينفق في البناء على قبره فهذا لا ينفعه، ويضر من فعله لأنه أنفق المال في غير وجهه الشرعي، وفي غير محله، وأما إذا أصبح سبباً وذريعة إلى أن يعبد قبره كما عبدت القبور التي يُدْعى إليها ويُحتفل عندها مثل ما هو موجود في قبر البدوي بمصر والسيدة زينب والحسين وابن علوان والعيدروس وما يسمى بالعتبات المقدسة في العراق، وقبر الإمام الهادي في صعدة، والسبع القباب في عينات حضرموت، إلى غير ذلك، فهذا هو الأمر الفظيع والمنكر، وعلى أولاد الشيخ زايد وأسرته وجميع أتباعه أن يتصلوا بكبار العلماء في السعودية مثل الشيخ العباد والفوزان وابن جبرين واللحيدان وبكر أبو زيد وأمثالهم.(1/29)
أقول: بعد الوقوف على كلام أهل العلم وما استدلوا به في هذه المسألة ألا يسعنا ما وسع السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان، وما وسع أهل العلم الذين أمرنا بسؤالهم والتفقه في حلقاتهم والأخذ بمصنفاتهم فهم ورثة الأنبياء وحراس شرع الله ودينه؟ هذا هو الواجب علينا.
وأما الإعراض والانصراف إلى العادات وما عليه رعاع الناس سواء كان حقاً أو باطلاً، فالمهم إرضاء الناس ومجاراتهم وما يهوون ويحبون فهذا سبيل الهلاك، ونعوذ بالله من ذلك.
ولا يخفى ما يتكلفه الناس في هذه المآتم، وما يصيبهم من الحرج والتكلف وهم يشعرون بالمخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي العادة وضغط المجتمع والاقتداء برءوس الناس أهل الجاه والمال، والجميع مأمورون بتقوى الله عز وجل والخضوع والذلة له وهو المالك للناس وما في أيديهم، وهو المتفضل عليهم، وقد شرع لهم الإنفاق في وجوه الخير التي يؤجرون عليها، أما في هذه المآتم فلا يؤجرون بل يؤزرون بعد العلم والمعرفة بأن هذا غير مشروع، بل هو من النياحة المنهي عنها ولا يلحق الميت من ذلك شيء، وإنما يلحقه الصدقة المشروعة وقضاء ما عليه إن كان عليه حقوق للناس، وكذلك إن لم يحج فيحج عنه، وإذا كان عليه صيام نذر فيصام عنه، أو من رمضان فيصام عنه، أو يُطعم عنه وهكذا كل ما هو مشروع، والعبادات والقربات توقيفية لابد فيها من الاتباع مع الإخلاص، قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63].(1/30)
ثم لو كانت التعزية مجرد قول القائل عند وصوله إلى أهل الميت: أحسن الله عزاكم، ورحم ميتكم، وغفر الله لنا ولكم وللأحياء والأموات من المسلمين، لو كان الأمر يقتصر على هذا ثم ينصرف لكان الأمر أهون وأيسر، لكن هناك ما يدعو إلى الجلوس والبقاء، ألا وهو التخزين، فقد أصبحت عادة للمخزنين، فإن أي مناسبة للاجتماع يهب المخزنون من أطراف البلد للاجتماع والتخزين.
قد يقول قائل: نحن نجتمع لقراءة يس والفاتحة؟
والجواب على هذا: أليس الرسول عليه الصلاة والسلام هو أحرص الناس على الخير وهو المأمور بالبلاغ والبيان لكل ما هو واجب أو مندوب أو مستحب؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم" الحديث، فهل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا؟! هل فعله بعد من مات في حياته من أولاده وأقاربه وصحابته؟! وهل فعل ذلك أصحابه من بعده؟! الجواب: لم يكن شيء من ذلك، إذاً فالاتباع والاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام هو الواجب ومخالفته هو المحذور، وأما الميت فلا يستفيد من التخزين والمداعة والشقارة.
وسبحان الله! هل فرَّق هواة القات بين العرس والموت أم التخزين هو التخزين ولا فرق؟ بل الاجتماع في الموت أطول من الاجتماع في العرس، العرس الخميس والجمعة فقط، أما الاجتماع بعد الموت فمن ثلاثة أيام إلى أسبوع إلى أكثر من ذلك، وكل هذا مخالفة صريحة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/31)
وبعد هذا لا عذر للناس في بقاءهم على هذه العادات التي تسربت إليهم في جنح الظلام، وقد مرت على الناس سنون عديدة سادت فيها الأمية والتقليد، أما في هذا العصر فقد تيسرت العلوم الشرعية وجمعت الآثار ولله الفضل والمنة، وكذلك تحقيق الآثار والأحاديث الضعيفة أيضاً قد بحثت ومحّصت، فلا يعمل ولا يتمسك إلا بما كان صحيحاً وما كان مشهوراً ومعمولاً به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الصحابة، فما لم يكن ديناً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي حياة الصحابة لم يكن اليوم ديناً.
وحديث: "اقرءوا على موتاكم يس" قد نص أهل العلم على ضعفه من حيث السند والمعنى، أما السند ففيه جهالة عثمان وليس بالنهدي، وجهالة أبيه أيضاً.
الثاني: الاضطراب، ذكر هذا فيما كتبه الشيخ نعمان بن عبد الكريم الوتر حفظه الله، وأيضاً يدل على ضعفه عدم العمل به على عهد رسول الله وعهد الخلفاء الراشدين.
فالله الله عباد الله في التمسك بالحق وترك ما خالفه، والله من وراء القصد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حلق اللحية
أيضاً يلحق بهذا مسألة مهمة قد ابتلى بها كثير من الناس وهي حلق اللحية، قلدوا فيها اليهود والنصارى وغيرهم من العجم، وأصبحت ظاهرة متبعة في أوساط المجتمع وخصوصاً الشباب الذين يظنون أنها من التجميل أو علامة على الاعتدال وعدم التشدد، ولا يعيش عند المجتمع إلا من كان هكذا، ومن ربى لحيته فقد تشبه بالإرهابيين، أو يعامل معاملة الإرهابيين، وإذا تقدم يطلب عملاً أو وظيفة في أي مؤسسة حكومية أو غير حكومية ربما لا يُقبل ولو كان أهلاً للعمل، أما في السلك العسكري فهذا لا يقبل نهائياً ومفروض عليه أن يحلق لحيته.
وهكذا نجد معظم الموظفين والمدراء والوزراء في السلك المدني حالقين لحاهم أو مقصريها تقصيراً شديداً، وكل هذا لا يجوز، فإن حلق اللحية أو نتفها أو تقصيرها حرام.(1/32)
ألا يوجد في حالقي اللحى ومقصريها من يعلم الحكم الشرعي في هذه المسألة أو ما بقي فيهم من يحب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين بإحسان وجميع المؤمنين ويكره اليهود والنصارى الذين جاءوا بحلق اللحى؟
الجواب: إن الظن بكل مسلم أنه يحب الله ورسوله ويحب دينه وشريعته ويحب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالصحابة والتابعين وبالعلماء وبالصالحين... إلخ.
ولكن الناس أصيبوا بالتقليد والتبعية لمن قوي في الحياة مادياً وصناعياً وسياسياً وعسكرياً، فهذا هو الذي حدث، وأما حينما كان المسلمون هم الأقوى كان الناس في الشرق والغرب تبعاً لهم، بل كان يفرض على أهل الكتاب -اليهود والنصارى- زي معين يميزهم عن المسلمين، وما كان يخطر ببال أحد من المسلمين أنه سيقلدهم، لعلم المسلم بتحريم مشابهة اليهود والنصارى والمجوس ومن لا دين له.
والواجب على المسلم أن يثبت وأن يتمسك بدينه وعقيدته وهيئته ومظهره في كل أحواله في عسره ويسره في الشدة والرخاء، بل عليه أن يعلم أن دينه هو رأس ماله ونجاته وفوزه، وسيلقى الله به: ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) [آل عمران:185].
ولنشرع في نقل الأدلة على تحريم حلق اللحية:
روي البخاري ومسلم في صحيحيهما غيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"، ولهما عنه أيضاً: "حفوا الشوارب وأعفوا اللحى"، وفي رواية "أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى".(1/33)
واللحية اسم للشعر النابت على الخدين والذقن، وقال ابن حجر: وفروا بتشديد الفاء من التوفير وهو الإبقاء، أي: اتركوها وافرة، وإعفاء اللحية تركها على حالها، ومخالفة المشركين، يفسره حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم، فخالفوهم فأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب" رواه البزار بسند حسن، لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب، ولابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: "إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم" فكان يحفي سباله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها، فخالفوهم خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم".
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية"، وله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى"، أي: اتركوا، وما روي بلفظ قصوا لا ينافي الإحفاء؛ لأن رواية الإحفاء في الصحيحين ومعيَّنة للمراد، وفي رواية: "أوفوا اللحى" أي: اتركوها وافية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يحرم حلق اللحية، وقال القرطبي: لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها. وحكى أبو محمد بن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "خالفوا المشركين وحفوا الشوارب وأعفوا اللحى".(1/34)
وبحديث زيد بن أرقم المرفوع: "ومن لم يأخذ من شاربه فليس منا"، صححه الترمذي وبأدلة أخرى قال في الفروع: هذه الصيغة عند أصحابنا تقتضى التحريم، وقال في الإقناع: ويحرم حلقها، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مثل بالشعر ليس له عند الله خلاق" قال الزمخشري: معناه ح... مثله بأن نتفه أو حلقه من الخدود أو غيره بالسواد، وقال في النهاية: مثل بالشعر حلقه من الخدود، وقيل: نتفه أو تغييره بسواد، وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعفوا اللحى وجزوا الشوارب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى".
وللبزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "لا تشبهوا بالأعاجم، أعفوا اللحى"، وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" وله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مخالفتهم أمر مقصود للشارع والمشابهة في الظاهر تورث مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، قال: ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر وقد يصير كفراً، بحسب الأدلة الشرعية، قال: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتم في الجملة.
وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به دار التحريم عليه فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر وقد يتعسر أو يتعذر زواله، وكل ما كان سبباً إلى الفساد فالشارع يحرمه. اهـ.(1/35)
وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم"، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف".
أقول: أكتفي بهذا النقل بغية الاختصار وعدم التطويل على القارئ، وهذه الأدلة كافية والحليم تكفيه الإشارة، وأما البليد لا تكفيه الغرارة، ولو كان الأمر كذلك فيعذر بقدر عجزه عن الفهم، ولكن الرزيَّة كل الرزيَّة أنه فاهم وذكي وحاذق وليس غبياً، ولكن تجاهل عمداً وأعرض متهاوناً وغير مبالٍ بصاحب الأمر والنهي، فهذا هو الذي لا يعذر، والجزاء من جسن العمل، والأمر لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدينا وجميع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يعيذنا من مشابهة اليهود والنصارى، وأن يعزنا بالإسلام، وأن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وأن يجعلنا من الراشدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التدخين(1/36)
أيضاً مما ابتليت به المجتمعات والشعوب التدخين بأنواعه، هذه المادة الخبيثة السامة وفدت على المسلمين من خارج جزيرة العرب، هذه المادة (التبغ) التي تصنع منها الشقارة مادة خبيثة ضررها بالغ وخطرها عظيم تقتل ببطء وتفسد الأسنان، وتلوث الفم، وتجعله منتناً مثل شكمان السيارة في غاية الكراهة وتجعله مؤذياً غاية الإيذاء، فالتدخين مدمر لصحة الإنسان، وكل مدخن لا يسلم من مرض السرطان فمن مقل ومن مستكثر، وكم من إنسان سقط قلبه من التدخين وهو يمشي ومع ذلك يتعاطاه الناس، فويل للناس ما أسرعهم إلى هذه الشهوات التي يزينها لهم الشيطان الرجيم ولو كان فيها مايضرهم في أبدانهم وفي أموالهم وفي دينهم، وفي عاقبة أمرهم وفيه ما يشينهم ويغضب ربهم إلا من رحم الله.(1/37)
رائحة الدخان أشد من رائحة الثوم والبصل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) الحديث في صحيح الجامع رمز له الألباني رحمه الله بـ(ق) عن جابر، ولمسلم والترمذي والنسائي عن جابر أيضاً: (ومن أكل من هذه البقلة الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) انظر أيها المدخن إلى أين وصل بك الحال، تؤذي المصلين في بيوت الله وتؤذي الملائكة الكرام الذين أمرهم الله بحفظك، وقد جاء أيضاً أنَّ الملك يضع فمه على فم القارئ فلو لم يكن في رائحة الدخان إلا أذية الملائكة الكرام لكفى بهذا الفعل إثماً وشراً وقبحاً وخسة ودنائة وجرماً؛ فضلاً عما فيه من الأسقام والأمراض الخبيثة التي صعب علاجها على الأطباء، ناهيك عن ضياع الأموال الطائلة في توريد وشراء هذه المادة الخبيثة، فقد أصبح لا يخلو منه دكان صغير أو كبير، حتى إن الناس يقاطعون الدكان أو البقالة التي لا يوجد فيها دخان، فيضطر صاحبها إلى أن يورد الدخان وهو يكرهه ويستحيي منه أشد الحياء، ولو شئت لسمَّيت أشخاصاً من هذا القبيل، ولكن ضعف الإيمان وحب الحياة والمداهنة والمجاملة للناس، ولا يقوى على المجاهدة ولو لحقه ما لحقه من المعاناة ومن أذية المجتمع إلا من رحمه الله ووفقه وهداه، وجعله صابراً مجاهداً محتسباً، وقليل ما هم وقليل من عبادي الشكور.
والكلام يطول ويتشعب حول هذه المنكرات والموبقات التي سرت في الناس كما تسري النار في الهشيم، ولطول مكثها واستعمالها أصبحت شيئاً لا ينكر عند عامة الناس، أما الخاصة من العلماء والعقلاء والأطباء فما أكثر ما قد كتب وألّف من قبل أهل العلم عن هذا الدخان الخبيث، وحكموا عليه بالتحريم لخبثه وضرره، وللأمراض الناتجة عنه، ويكفي أن ننقل ما أفتى به الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وقد سئل هذا السؤال:(1/38)
أرجو من سماحتكم بيان حكم شرب الدخان والشيشة مع ذكر الأدلة على ذلك؟
الجواب: شرب الدخان محرم وكذلك الشيشة، والدليل على ذلك قوله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) [النساء:29] وقوله تعالى: ((وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) [البقرة:195] وقد ثبت في الطب أن تناول هذه الأشياء مضرة، وإذا كان مضراً كان حراماً، ودليل آخر قوله تعالى: ((وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَامًا)) [النساء:5] فنهى عن إتيان السفهاء أموالنا لأنهم يبذرونها ويفسدونها، ولا ريب أن بذل الأموال في شراء الدخان والشيشة تبذير وإفساد لها فيكون منهياً عنه لدلالة هذه الآية، ومن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) وتناول هذه الأشياء موجب للضرر ولأن هذه الأشياء توجب للإنسان أن يتعلق بها، فإذا فقدها ضاق صدره وضاقت عليه الدنيا فأدخل على نفسه أشياء هو في غنىً عنها. اهـ.
الإسبال في الصلاة
كما سئل أيضاً عن الإسبال في الصلاة، فأجاب:
"الصحيح أنها لا تبطل صلاته ولكنه آثم معرض نفسه للعذاب، فإن كان مسبلاً خيلاء فإن عقوبته أن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم، وإن كان قد نزل إزاره إلى ما تحت الكعب من غير خيلاء فإنه يعذب (ما أسفل من الكعبين بالنار) والباء هنا بمعنى في فحروف الجر تتناوب، لهذا كان إنزال الثوب والسروال والمشلح إلى ما تحت الكعبين حراماً بكل حال؛ لكن عقوبته فيما إذا جره خيلاء أعظم مما إذا كان غير خيلاء وهو من كبائر الذنوب".
ملحوظة:
ولا يختص التحريم بإنزال الثوب في حالة الصلاة، وجواب الشيخ رحمه الله وغفر له إنما كان على قدر السؤال حيث قيده السائل بالصلاة، فأدلة التحريم مطلقة في جميع الأحوال.
تحريم آلات اللهو والطرب (الأغاني)(1/39)
وعن مسألة أخرى من أمراض المجتمعات سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهي:
ما حكم الاستماع إلى الأغاني؟
فأجاب: "إن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) بالغناء، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء، وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد، وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة اللهو محرم إجماعاً فالواجب الحذر من ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) والحر هو الفرج الحرام، يعني الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب، وأوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب، ففيهما فوائد عظيمة وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب" اهـ.
وقد رأيت أن أعطر هذه الرسالة وأضمنها بفتاوى من فتاوى كبار العلماء رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وهذه الفوائد المختصرة والمفيدة لا تحتمل رسالة مستقلة وتكاليف مستقلة فقد رأيت إلحاقها في هذا الذي تيسر لي أن أكتب فيه وإيصال الفائدة بأقرب طريق.
والله من وراء القصد.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التبرج والسفور
الأمراض التي عمت بها البلوى كثيرة، وهي بمثابة السموم والمخدرات التي تفتك بالمجتمعات الإسلامية وتذهب بالحياء والعفة وقلة المروءة، وتورث التشبه باليهود والنصارى وغيرهم ممن لا دين له، ذلك هو التبرج والسفور والاختلاط.(1/40)
فقد خرجت المرأة الصغيرة والكبيرة إلى المدرسة والجامعة والمستشفى وإلى الأسواق والشوارع كاشفة وجهها مظهرة زينتها وقد سلب منها الحياء، وما كانت لتستطيع ذلك لولا التدريب عليه ذلك من صغرها حين تبدأ تذهب إلى المدرسة بالثياب القصيرة كاشفة رأسها ووجهها، ومجملة لشعرها على مرأى ومسمع من أمها وأبيها وأخيها والناس أجمعين. عياذاً بالله.
وهذه كلمة الشيخ ابن باز رحمه الله في هذا الموضوع، قال رحمه الله مرشداً محذراً وناصحاً أميناً:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلا يخفى على كل من له معرفة ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات، لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد، فاتقوا الله أيها الناس، وخذوا على أيدي سفهائكم وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه) رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان، ثم ساق الأدلة على ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن ذلك قوله تعالى: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:79] ... إلخ".(1/41)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعنوان: مفاسد السفور: قال: "وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة، فمن مفاسده:
1) الفتنة؛ فإن المرأة إذا كشفت وجهها حصل به فتنة للرجال، لاسيما إن كانت شابة أو جميلة.
2) زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها... وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها.
3) شدة تعلق الرجال ومتابعتهم إياها.
4) اختلاط النساء بالرجال: فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجال في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل".
إلى أن قال: "وإنا لنأسف أن يأخذ أقوام من هذه الأمة المسلمة بكل ما ورد عليهم من عادات وتقاليد وشعارات من غير أن يتأنوا فيها وينظروا إليها بنظر الشرع والعقل هل وافقت شرع الله أو خالفت.. إلى أن قال ومما يندى له الجبين أنك ترى المرأة الشابة تخرج من بيتها إلى السوق بألبسة جميلة إما قصيرة وإما طويلة ليس فوقها إلا عباءة قصيرة أو طويلة يفتحها الهواء أحياناً وترفها هي أحياناً عمداً، تخرج بخمار تستر به وجهها لكنه أحياناً يكون رقيقاً يصف لون جلدها ووجهها.."، إلى آخر ما قال ونصح غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين والمسلمات، ونسأله تعالى أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما في القرآن والسنة أمراً ونهياً وبذلك العصمة والنجاة من كل شر وحسبنا الله ونعم الوكيل.
التصوير والتمثيل
أيضاً مما عمت به البلوى التصوير وكثرة الصور على اختلاف أنواعها وحصول الافتتان بها، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبياً، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين -يعني المصورين-) رواه الإمام أحمد الجزء السادس رقم (3868) (ص:413) تحقيق شعيب الأرنؤوط.(1/42)
وقال الإمام النووي رحمه الله: باب تحريم تصوير الحيوانات في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وساد أو غير ذلك وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصور.
ثم أورد على ذلك عشرة أحاديث منها حديث ابن عمر: "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" متفق عليه.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سترة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه تلون وجهه وقال: يا عائشة! أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله"، رواه البخاري وغيره.
وحديث ابن عباس: "كل مصور في النار" متفق عليه، وحديث ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" متفق عليه.
وحديث أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" متفق عليه.
وحديث أبي الهياج قال: "قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته؟" رواه مسلم وغيره، وحديث علي هذا يرد على الذين يقولون إنما التحريم في الصورة التي لها ظل، أي: المجسمة المصنوعة من الحديد أو الخشب أو البلاستيك أو غير ذلك،ولكن الحديث صريح في قوله: (إلا طمستها) ولم يقل: (إلا كسرتها) فتنبه!(1/43)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن النظر إلى صور النساء الأجنبيات بحجة أنها صورة لا حقيقة لها، فأجاب: هذا تهاون خطير جداً، وذلك أن الإنسان إذا نظر للمرأة سواء كان ذلك بواسطة وسائل الإعلام المرئية أو بواسطة الصحف أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون من ذلك فتنة على قلب الرجل تجره إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة، وهذا شيء مشاهد، ولقد بلغنا أن من الشباب من يقتني صور النساء الجميلات ليتلذذ بالنظر إليهن وهذا يدل على عظم... في مشاهدة هذه الصور، فلا يجوز للإنسان أن يشاهد هذه الصور سواء كانت في مجلات أو صحف أو غير ذلك.
وكذلك التمثيل وقد كتب فيه الحافظ أبو الفضل الفيض الغماري فقال: اعلم أنه لا يختلف اثنان عارفان بأصول دين الإسلام أن التمثيل من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر، لا يشك في ذلك إلا من لا يعرف شيئاً عن دين الإسلام أو كان من المنحلين المارقين الذين يدسون فيه الدس لمحو رسومه وإتلاف معالمه والقضاء عليه بتحليل محرماته وإسقاط واجباته.
وذكر أنه مشتمل على محرمات مجمع عليها في دين الإسلام، وذكر أنه من البدع، وذكر أنه مما ابتدعه الكفار، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته ستتبعهم في القبائح والمنكرات، ثم ذكر التشبه بالكفار في هذا، وذكر أنه من اللهو الباطل واللعب المذموم شرعاً وعقلاً ثم قال: والتمثيل مع كل ذلك كذب وزور، وهو محرم في جميع الملل والأديان، وفي ديننا من أكبر الكبائر بل هو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان، فقد قال تعالى: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله)) [النحل:105] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب" رواه أحمد من حديث أبي أمامة والبراء وأبو يعلى من حديث سعد بن أبي وقاص، والطبراني من حديث عبيد الله بن عمر: "والكذب يجانب الإيمان..." الحديث.
فتنة القات وخطر هذه الشجرة الخبيثة التي تزحف(1/44)
من اليمن على دول الجوار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل رسول الله وبعد.. إلى العقلاء من الناس في داخل اليمن وخارجه، وفي مقدمتهم العلماء والأمراء الذين هم قدوة الناس، وسلطانهم نافذ على الناس، وبصلاحهم يصلح الناس وبفسادهم يفسد الناس كما جاء: "صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء".
والمسئولية عظيمة بين يدي الله عز وجل، والواجب على الصنفين المذكورين (العلماء والأمراء) أن ينظرا في مصالح الناس فيعملان على توفيرها، وينظرا في المفاسد والمضار فيعملان على إزالتها وحماية المجتمع منها ومن خطرها وما يترتب عليها في دين الناس ودنياهم. ومن ذلك هذه الشجرة الخبيثة (القات) المجمع على خبثها وضررها للعقول والأخلاق، وضياع المال والوقت، وضياع الصلاة، وضياع العلم، وضياع الشباب، وهلاك الصحة، وانتشار أنواع الأمراض والمستشفيات تشكو من ذلك، وقد كتب من كتب من الأطباء والباحثين والمحللين والعلماء عن هذه الشجرة وعن أضرارها على الناس جميعاً من العامة والخاصة.
والمخزنون والمزارعون قد أفسدوا أموالهم بزراعة القات واستهلكوا المياه الجوفية، وكم أزمات تحصل في معظم المناطق وتيبس الأشجار النافعة والخضروات والحبوب وتحدث أزمة في الشرب والطهور بسبب نزيف الماء لسقي القات والجميع يشكون ويستغيثون من ينقذ الناس من هذه الشجرة الخبيثة التي سببت شروراً لا حصر لها والتي فتن بها الصالح والطالح والراغب فيها والراغب عنها، فأصبحت ظاهرة عامة في المجتمع اليمني، فازدحمت بها الأسواق وغلت بسببها الأسعار، وتعطلت بسببها الأعمال، وأكلت بسببها الرشوة، ونشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبير، وإلى الله المشتكى، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.(1/45)
والفتن منها ظاهرة وباطنه، أي: معلومة وخفية، وإن فتنة القات ظاهرة وكأنها مفروضة على الناس، يقول بعض الزراع أو أكثرهم: غرس الناس بجوارنا القات فأفسدوا علينا مزارعنا وأصبحت طرقات لهم فاضطررنا نغرس مثلهم، وكذلك عدد من الناس انصرفوا إلى الاتجار بالقات لربحه السهل والعاجل والمغري، والأرباح الخيالية التي لا توجد في غيره.
مررنا يوم السبت الموافق (16/رمضان/1425هـ) في طريقنا إلى علب وإذا بسوق وراء الطلح يلي علب مزدحم بالسيارات والناس والحركة المذهلة فسألنا: ما هذا؟ قالوا: سوق القات الذي يصدر إلى السعودية، ومعلوم أن في هذا الوقت المبكر صباحاً ينام الناس في رمضان نتيجة العبادة في ليالي رمضان المبارك، أما أهل القات فقد أصبحوا جنوداً للقات في ليلهم ونهارهم، فنعوذ بالله من هذه الفتنة.(1/46)
وبسبب الفارق في صرف العملة (الألف السعودي بخمسين ألف يمني إلا قليلاً). أصبح تجار القات يوردونه من أطراف اليمن إلى السعودية على طول الحدود بين السعودية واليمن، ونعوذ بالله من هذه الفتنة الظاهرة التي سببها المال والشهوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال.." والناس يهلكون في الشهوات والشبهات كما قال تعالى: ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)) وصلنا إلى منفذ علب التابع لليمن فإذا بفضلات القات في معظم ساحات المركز، فذهبت إلى الحمامات فإذا هي مسدودة بالقات الذي يبذله المخزنون من أفواههم والذي يتساقط من أوراق القات حين يغسلونه، وإذا بالبول والغائط بجوانب الحمامات قد خرجت منه الروائح المزعجة الكريهة والمنظر الذي تنكره الحيوانات فضلاً عن بني آدم، ثم خرجنا إلى مركز علب التابع للسعودية فنظرت إلى ساحاته ومرافقه فإذا بها تفتح النفس مما فيها من النظافة والإعداد، وذهبنا نؤدي صلاة الظهر في ذلك المسجد المنور بالنظافة وحمامات الوضوء النظيفة المغسولة بالماء الحار والبارد فلا توجد فيها تلك المناظر والروائح الكريهة المخزية.
وهكذا نجد أسواق القات ومقائل القات في اليمن ذات المناظر والروائح العفنة، تجد المبازق قد ملئت من فضلات القات، والمدائع من فم هذا إلى فم الآخر، والذي لا يشرب المداعة يشرب الدخان، وإذا بالمكان قد خيم بالدخان واجتمت فيه روائح القات والدخان والمداعة والأنفاس المتصاعدة من أجواف الحاضرين ولا يطيب للمخزنين إلا غلق النوافذ والاجتماعات ذات العدد الكبير في جميع المناسبات، ومنها الأعراس والموت.(1/47)
وما الفرق بين اجتماعات العرس واجتماعات الموت إلا أن اجتماعات العرس غالباً ما تكون يومي الخميس والجمعة، أما اجتماعات الموت فتزيد على اجتماعات العرس إما بثلاثة أيام أو أسبوع أو أسبوعين على حسب أحوال الناس من الجاه والمال، وكل هذا لابد فيه من التخزين بشجرة القات الخبيثة وتوابعها من المداعة والدخان والشمة، وإلى الله المشتكى من هذه الفتنة التي ما عرفت ولا ظهرت إلا في هذا الزمان، مع أنه زمان نضجت فيه العقول وظهرت فيه العلوم وارتقي فيه الفكر بأنواع العلوم الحديثة، ومع هذا كله تغلبت هذه الشهوة الخبيثة شهوة التخزين والدخان والمداعة والشمة. ولعل قائلاً يقول: فضحت اليمنيين بما وصفت من القذارة في أماكن القات والتهالك على التجارة في القات حتى في مواسم رمضان وفي الاجتماعات بعد الموت.. إلخ؟
والجواب: ما الذي يغطي هذا العيب الأسود الشنيع الذي لا أشنع منه ولا أبشع منه، ولا يوجد إسراف في مأكل أو مشرب أو ملبس مثله أبداً، انظر كم تأكل الأسرة الواحدة ذات عدد من النساء والرجال والأطفال، فقد تكفيهم لوجبة الغداء دجاجة أو لحمة بخمسمائة ريال، والخبز وتوابعه بخمسمائة ريال، فالكل بألف ريال، وهذا لا يكون يومياً فليس جميع الناس يبلغ دخلهم في اليوم ألف ريال وفي الشهر ثلاثون ألف إلا الموظفين الكبار والتجار الكبار.
ويخزن المخزن الواحد من خمسمائة إلى ألف ريال، والوجبة في الأكل تجتمع عليها الأسرة، أما القات فلا، لأن كل فرد من الأسرة له ربطة أو مربط يخصه ولا يجتمعون إلا في المبزق والمداعة، وربما في علبة السيجارة.
هذه فضيحة لا يغطيها ليل ولا يسترها ذيل، وسبحان الله ما أحلمه على عباده! ولكن الذنوب والمعاصي لها عواقب وخيمة وآثار سيئة تأتي في وقتها لحكمة بالغة قدرها العليم الحكيم.(1/48)
وحيث ذكرنا مقدار ما يخزن به الفرد الواحد فما مقدار ما يخزن به المجموعة بمناسبة العرس أو الموت أو غير ذلك من المناسبات، إذا كان الحاضرون يحتاجون إلى طعام بما فيه المذبوح وتوابعه بمائة ألف، فقيمة القات مثل قيمة الطعام وهكذا كلما زاد الجمع زاد الفرق بين القات والطعام.
إن الطعام بما معه من التوابع والذبيحة وغير ذلك موجود بحمد الله وميسر، أما القات فلا يحصل إلا بمشقة ومن أسواق مزدحمة وبعيدة، وشهوة القات فوق شهوة الطعام، فلو قلَّ الطعام أو كان غير جيد ثم جاء القات موافقاً لشهوة المخزنين في الكثرة والجودة، حصل منهم المدح لصاحب المناسبة التي اجتمعوا من أجلها وإذا كان العكس فكان الطعام جيداً ومتوفراً والقات بعكسه حصل القدح والبخس، هذا ما نسمعه من المخزنين.
فيا ترى: هل من محنة أعظم من هذه الفتنة الموجودة في اليمن؟ أقول: إن إخواننا الذين يعانون من المجاعة في إفريقيا وغيرها وإخواننا الذين يعانون من عداوة اليهود والنصارى لأمرهم أهون من هذه الفتنة الموجودة في اليمن بسبب شجرة القات الخبيثة، فإن تلك المعاناة من المجاعة والمعاناة من عداوة الأعداء فيها الأجر والثواب، وبها يرتفع الإيمان والاتصال بالله سبحانه وتعالى، بعكس حال المخزنين والتجارة والزراعة في القات، فإن ذلك من أعظم الأسباب لضياع الصلوات وأكل الحرام بأنواعه وأشكاله، والظلم بأنواعه وأشكاله إلا من رحم الله.(1/49)
فنعوذ بالله من هذه البلية التي صعب علاجها إلى حد أنها قد وجدت جمعيات لمكافحة القات ولكنهم من جملة المخزنين، هكذا بلغني، ولكن مهما كان الأمر في غاية الصعوبة فذلك لا يمنع من الكتابة فيه والتحذير منه وإقامة الحجة وإيضاح المحجة، وقد استوفيت الكلام على هذا الموضوع في كتابي: (شهادة الثقات على أضرار القات) وإني أهيب بإخواني المجاهدين والدعاة إلى الله أن يشاركوني في دفع هذه المحنة والكارثة التي حلت بأهل اليمن وهي في طريقها إلى دول الجوار وخاصة السعودية، وأحمِّل المسئولية العلماء والأمراء ومشايخ البلاد، وكل فرد من الناس يؤمن بالله وباليوم الآخر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وسائل مكافحة القات:
سؤال: ما هي الوسائل لمكافحة القات؟
الجواب: من ذلك إتباع الوسائل التالية:
1- تعويض المزارعين والمتاجرين في القات بما يسد حاجاتهم التي كانت تأتيهم من قبل القات.
2- حملة بل حملات من قبل الإعلام في الإذاعة والتلفزيون والصحف والجرائد ومن خطباء المساجد والأطباء أيضاً في بيان أضرار القات والتحذير منه.
3- ندعو طبقات المثقفين والعلماء وأهل الخير والصلاح من التجار وكبار رجال الدولة أن يبدءوا في تركه تدريجياً ليكونوا قدوة صالحة للمجتمع وإنقاذ الشعب اليمني من هذه المحنة اقتصادياً وصحياً وغير ذلك من الأضرار التي تجلبها هذه الشجرة الخبيثة.
4- يرجى أن تساهم الجمعيات والمؤسسات الخيرية وكبار التجار مع البنوك ومؤسسات الدول في التعويضات - الجميع في خندق واحد لمكافحة هذا الجيش الغازي.. القات.
5- منع القات ومحاصرته من المدن الرئيسية.(1/50)
6- إذا وجد العزم الصادق والنية الصادقة فلا تمر سنة بإذن الله إلا وقد عاد الشعب اليمني إلى أمثاله من الشعوب التي لا تعرف شجرة القات، بل وعاد إلى حضارته القديمة حيث كان يصدر أنواع الحبوب والزبيب والجوز واللوز والبن إلى الدول المجاورة. فاليمن أرض زراعية وتربة صالحة للزراعة في جميع فصول العام، ولكن: على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
نرجو الله العلي القدير أن يهب لليمن واليمنيين رجالاً صادقين مخلصين يخلصونه من هذه الأزمة، ويردون إليه اعتباره واقتصاده كما كان ثرياً بالخيرات النافعة بدلاً من تصدير هذه الشجرة المضرة الخبيثة... والله من وراء القصد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
قالعة القات بالمرة بالصوم والحج والعمرة
شعر الشيخ/ محمد الصادق مغلس المراني
أحبة القلب في عز وتمكين
يا إخوة الحق والإسلام والدين
إني لأرجو وما خاب الرجاء بكم
أن تقبلوا كرماً نصحي وتبييني
قد يغفل المرء بين الحين والحين
وتقبل النفس تزيين الشياطين
قال الصحابُ وفي أذني مقالتهم
أفصحت يا صاح عن شكوى الملايين
يا ليت فتية قومي يعلمون فكم
تخفي النعومة أنياب الثعابين
أنياب سم ضحاياهم بنو يمنٍ
أنياب قات وتكييف وتخزين
القات فاقرة كبرى ومفقرةٌ
والقات يلدغ في شتى الميادين
القات شوهنا والكيف توَّهنا
والقات أثخننا من ألف سكين
والقات حقاً هو الشيطان من شجرٍ
قال الزبيري هذا القول من حين
قد دمر الزاد والأجساد في عجلٍ
ثم اغتذى بالرشاوي والسراطين
جل الإدارات حق القات رشوتهم
شعار أكثرهم بالقات تشريني
قد سرطن الفك والبلعوم ثم مضى
أيضاً فسرطن في بطن وقولون
شعبٌ يئن غدا الأردن مقصده
والهند والسند يا للهول والهون
ضاعت ملايين في الإسعاف ما نفعت
يا ويح شعبي ويا ويح الملايين
غول المبيدات زاد القات غائلةً
كم من دفين على آثار مدفون
والغول في القات مثل الروح في جسدٍ
لا قات في اليمن المحزون من دون
حتى اليهود تنادوا يتحفون به(1/51)
مزارع القات من أقصى فلسطين
يا ضيعة الأهل بعد القات عن أملٍ
في العلم في الأكل في دفء البطاطين
قد غور الماء في بئر وفي بشرٍ
ثم ارتوى القات من دمع المساكين
ماذا ستشرب في صنعاء بعد غدٍ
عصارة القات أم تجلو إلى الصين؟!
والنفس نافسها المأوى فشتتها
داء الفصام ووسواس المجانين
والأرض لم يرض حتى ضر ساحتها
في كل عام بآلاف الفدادين
ونكَّل القات بالأقوات مكتسحاً
زرع الحبوب وأثمار البساتين
يا ليت شعري لو الطاغوت حاصرنا
هل نشبع الجوع من قات وتخزين!
ترى اليمانين كالأشباح شاحبةً
لهفي عليكم أيا شعب الميامين
والقات يفتي بحشر القات في فمنا
عند الصلاة... فما قول الأساطين؟!
في حين تختلف الفتوى بغير هوىً
لو كان بالخبز لا بالقات تخزيني
والخبز أشرف من قات أخزنه
لكنه الكيف أفتيه ويفتيني
كم يفتك القات بالأوقات يقتلها
والوعد يقسم إن القات يلغيني
حتى المساجد تبكي وهي خاويةٌ
الهجر والجمع جمع القات يبكيني
يا زارعي القات إخواني أناشدكم
وبائعي القات طراً دون تعيين
يا إخوة الدين هل ترضى أخوتكم
بغاية الضر للإخوان في الدين؟!
والحمد لله فالأرزاق واسعةٌ
ما أضيق الرزق من جيب المغابين!
قالوا التغاضي هو الأولى فقلت لهم
كيف التغاضي على أفعال تِنِّين؟!
جل العباد بأرض الله همتهم
عند الثريا بلا قات وتخزين
قد حاربوا القات في شتى البلاد فمن
من يا ترى في الورى أهدى الفريقين
ونحن أسرى خيال القات همتنا
أن ننتج الوهم تدشيناً بتدشين
بالقات بعثرة الطاقات دون هدىً
مثل الحرائق طاقات بلا صون
يا ويح كل أخ للقات غضبته
هلا غضبت لإهدار الملايين؟!
فهل كفى إخوة الإيمان من يمنٍ
ما يفعل القات في الدنيا وفي الدين؟!
القات أوصدنا والقات صفدنا
والقات جمدنا طيناً على طين!
تصوروا الحال لو كان الرسول هنا
والقات في الناس سلطان الدواوين
والخد يشتد كالبالون منتفخاً
والفك ما انفك من دق وتطحين
والمرء خجلان من نشر ومن صور(1/52)
هل كنت تدخل في سلك التخازين؟!
واحسرتاه على علم وتزكيةٍ
إن خالط القات ثم الكيف هذين!
ترثي الإمامة في الإسلام ذا ولعٍ
من يفقد الصبر في بعض الأحايين
يا مولعاً ولعاً بالقات معذرةً
ما الشعر إلا صدى المأساة تكويني!
كل المحبين في الدنيا بأجمعها
مما جنى القات في غم وتحزين
هل نبلغ المثل الأعلى ونحن على
ما أسس القات من وهن وتوهين؟
دع ما يريب إلى ما لا يريب ودع
ما يحرج المرء في عِرض وفي دين
يا ليت أن لنا من صبرنا مدداً
حتى نودع مأساة التخازين
إياك تمضغه لهواً وتجربةً
من جرب السلم أمسى في المدافين!
والقات آفته الإدمان رب أخٍ
من مرة وحدها ذاق الأمرين!
فاستعصموا أبداً بالله يعصمكم
بالصوم بالحج في عزم بلا لين
كم عادة طويت بالصوم حين طغت
وعمرة حررت حراً من الدون
خلاصة القول أن تصغوا لناصحكم
يا إخوة الحق والإسلام والدين
كفوا عن القات والتخزين واحترفوا
يا للتعاسة في قات وتخزين!
بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله الأخ ناظم هذه القصيدة خيراً على هذه النصيحة، وهي جديرة بالطباعة والنشر، حتى يتم توعية الناس للحد من الانتشار لهذه الظاهرة الآخذة بالتفشي، وبالله التوفيق..
1) الشيخ الدكتور/ حيدر الصافح، أستاذ جامعي.
2) الشيخ الدكتور/ عبد الوهاب الديلمي، أستاذ جامعي.
3) الشيخ/ راشد عوض، أستاذ جامعي.
4) الشيخ محمد الغيلي، أستاذ تربوي.
5) الشيخ/ علي فارع العصيمي، داعية معروف.
6) الأستاذ/ عبد الوهاب الآنسي، سياسي معروف.
7) الشيخ/ عبد الله صعتر، داعية معروف.
8) الشيخ/ محمد بن علي الآنسي، داعية معروف.
9) الشيخ/ مراد القدسي، داعية معروف.
10) الشيخ الدكتور/ علي مقبول، أستاذ جامعي.
11) الشيخ الدكتور/ أمين علي مقبل، أستاذ جامعي.
12) الشيخ/ عبد المجيد الريمي، داعية معروف.
13) الشيخ الدكتور/ صالح الوعيل، أستاذ جامعي.
14) الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن الخميسي، أستاذ جامعي.
15) الشيخ الدكتور/ صالح الضبياني، أستاذ جامعي.(1/53)
16) الشيخ/ يعقوب بن حسين المعولي.
فهرس المحتويات
آيات بينات في التحذير من عذاب الله تعالى ونقمته…7
التحذير مما يقع فيه بعض المسلمين في الدفن والتشييع…12
التعزية بعد الموت…15
ما حدث للشيخ مجاهد أبو شوارب…26
حلق اللحية…25
التدخين…28
الإسبال في الصلاة…29
تحريم آلات اللهو والطرب (الأغاني)…30
التبرج والسفور…30
التصوير والتمثيل…32
فتنة القات وخطر هذه الشجرة الخبيثة…33
قالعة القات بالمرة بالصوم والحج والعمرة…38
فهرس المحتويات…42
(1) ذكر شارح سنن النسائي أن تسوية القبر وهو أن يكون مسطحاً أولى من تسنيمه، لحديث فضالة بن عبيد، ولحديث علي بن أبي طالب.
??
??
??
??
13(1/54)