نداء
إلى كل صاحب محل تجاري
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
بقلم : دَخيل بن غُنيم العوّاد
المحتويات
? مقدمة الشيخ ابن جبرين حفظه الله
? مقدمة الكتاب وفيها أسباب كتابته
? وابتغوا من فضل الله
? سهل يسهل عليك
? المحرم ثمنه محرم
? احذر الغش والتلبيس
? واحفظوا أيمانكم
? لا تبع على بيع أخيك
? اجتنب بيع ما فيه صور
? احذرهم
? لا تلهك سوق الدنيا عن سوق الآخرة
? السهم المسموم
? أجب أمر ربك
? اتق مواضع التهم
? حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم
? قارب النجاة
? كن مفتاحا للخير مغلاقا للشر
? لا ضرر ولا ضرار
? لا ترجمان بين العبد وربه
? وختاما
? المصادر والمراجع
مقدمة الشيخ ابن جبرين حفظه الله
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فقد قرأت هذه الرسالة بعنوان ( نداء إلى كل صاحب محل تجاري ) ألفها الأخ في الله : دخيل بن غنيم العواد فألفيتها رسالة قيمة نافعة لمن أراد الله به خيراً ، وذلك أن الكثير من التجار يقعون في مخالفات تنافي الأحكام الشرعية .
ولقد أجاد الكاتب وأفاد فذكّر الباعة والتجار بالأخوّة الدينية بين المسلمين وأن من مقتضاها النصح لهم والحرص على إيصال الخير إليهم ودفع الضرر عنهم بقدر الاستطاعة وذكّرهم بوجوب أو تأكيد السماحة في المعاملات والإحسان ودلالة المسلم لإخوانه على ما ينفعهم وتتحذيرهم عن الأضرار والشرور في دينهم ودنياهم حيث إن الكثير من التجار يهمهم حصول الأرباح ونما الأمرال واجتلاب الجماهير إليهم بدعايات وإعلانات وبذل جوائز وإظهار تخفيضات وهمية يقصدون من ورائها اكتساح الأموال وتنمية الثروات دون اهتمام بما يحصل على إخوانهم من الضرر في رفع الأثمان ، أو عيب وخلل في السلع أو الصناعة ، أو ضرر على الباعة الآخرين الذين لم يدخلوا في عمل الدعايات والجوائز ونحوها .(1/1)
وهكذا ما يقع من بعض الباعة من الغش والتدليس وإظهار المظهر الجذاب في السلع لينخدع المشتري بما يراه ظاهراً كما في اللحوم والفواكه والأغذية وكما في حديث ذلك الرجل الذي جلب طعاماً قد ابتل أسفله وقال : أصابته السماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من غش فليس مني ، وذلك لأن الشرع الشريف حرم كل مافيه ضرر على عموم المسلمين مما يسبب وقوع العداوة والبغضاء و الشحناء من آثار الظلم والخداع والحيل الباطلة لأكل أموال الناس عن طريق الغش والتدليس وإخفاء العيوب ، والمبالغة في المدح الكاذب الذي ينتج عن رفع القيم وتهالك الناس و إكبابهم على استهلاك تلك السلع لأجل الدعايات أو التخفيضات الوهمية .
فعلى المسلم أن ينصح لإخوانه في الدين ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره لهم الشر والضرر الذي يتوقاه يحذره ليكون المسلمون أمة واحدة يتعاونون على البر والتقوى ، وعلى نصر الدين وقمع المفسدين . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
3/6/1419 هـ .
عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين .
المحتويات
مقدمة الكتاب وفيها أسباب كتابته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ ، وعلى آله وصحبِه ومن والاه ، أما بعد:
فيا أيها الأخُ الكريمُ ، السّلامُ عليكَ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه ، وأسألُ الله العليَّ القديرَ أن يجعلكَ موفقاً حيثما كنت ، وأن يباركَ لك في تجارتِك ، ويبسطَ لك في رزقِك ، وينسأَ لك في أجلك على حسن عمل(1) .
أخي المسلم ، إني أكتب لك هذا النّداءَ المنبعثَ من قلبٍ مشفقٍ عليك ، ومحبٍ لك .
والذي دعاني لكتابة هذه الكلماتِ الموجهةِ إليك أمورٌ منها :
أولاً: ما بيني وبينك من المحبة ؛ لأننا مسلمان، فنحن أخوان تربطنا رابطةٌ هي أعظم من رابطة النّسب . قال الرّسول صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يُسْلِمه .... )) (2).(1/2)
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذه الأخوّةَ توجب عليّ وعليك أن يحبَّ كلُّ واحدٍ منا لأخيه ما يحب لنفسه ، قال الرّسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ))(3) .
ثانيا : واجبُ النّصيحةِ ، فقد أوجبها اللهُ عليّ وعليكَ وعلى جميع المسلمين قال الله ـ جل ذكره ـ :{ والمؤْمِنُونَ والُمؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يأمُرُوْنَ باِلْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }[التوبة 31] ومعنى {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي “ قلوبهم متحدة في التوادد ، والتحابب ، والتعاطف ؛ بسبب ما جمعهم من أمر الدين ، وضمهم من أمر الإيمان بالله ” (4).
وقد بين الرّسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قِوامَ الدينِ ، وعمادَه، وأساسَه ، النّصيحةُ ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( الدينُ النّصيحةُ ، قلنا: لمن ؟ قال : لله، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ))(5) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( المؤمنُ مِرْآةُ المؤمنِ ، والمؤمنُ أخو المؤمنِ، يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَه ، ويحُوْطُه من ورائه ))(6)
فكما أن المرآةَ تُرِي النّاظرَ ما فيه من العيوب ، كذلك المؤمنُ يخبر بعيوب أخيه شفقةً عليه لئلا يبقى عليه شيءٌ منها إلى آخر وقته (7).
ثالثّا : وأناديك بهذه الكلماتِ شفقةً عليَّ وعليك أن يمسنا عذابٌ من الله سبحانه وتعالى ، فإن عذابَ اللهِ شديدٌ .(1/3)
رابعا : وأكتب لك هذه الكلماتِ خوفاً علينا من سخطِ اللهِ ، ونقمتِه ، ومقتِه ؛ لانتشارِ المنكراتِ في الأسواقِ على وجه الخصوص ؛ لأن الشّيطان قد نصب فيها رايته قال صلى الله عليه وسلم : (( أحبُّ البلادِ إلى اللهِ سبحانه وتعالى المساجدُ ، وأبغضُ البلادِ إلى اللهِ الأسواقُ )) (8) ، قال الإمامُ النّوويُّ ـ رحمه اللهُ ـ : ((لأنها محلُّ الغش والخداع والرّبا والأيمان الكاذبة ، وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه )) وأزيد مما في معناه : إطلاق النّظرات في المحرمات ، وإيذاء المسلمين في أعراضهم.
وقال سلمانُ الفارسيُّ، الصّحابيُّ الجليلُ رضي الله عنه : ((لا تكونَنَّ ـ إنْ استطعت ـ أولَ مَنْ يدخلُ السّوقَ ، ولاآخرَمن يخرجُ منها ؛ فإنها معركة الشّيطان وبها ينصب رايته )) (9) “فقد شبه السّوق وفعلَ الشّيطان بأهلها ، ونيلَه منهم بالمعركةِ لكثرة ما يقع فيها (أي السّوق) من أنواع الباطل ”(10).
أخي الكريم ، إني أكتب إليك هذه الكلماتِ خوفَ عمومِ العقوبةِ من الله سبحانه وتعالى ، بظهور المنكراتِ وعدمِ تغييرها ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُوا إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا ))(11) .
وعن قيسِ بنِ حازمٍ قال: قرأ أبوبكرٍ هذه الآيةَ : { يَا أَيُّها الذين آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة:105] قال: إنَّ النّاسَ يَضَعُونَ هذه الآيةَ على غيرِ موضعِها ، ألا وإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنَّ النّاسَ إذا رءوا الظالمَ فلم يأخذوا على يَدَيْه أو قال: المنكرَ فلم يغيِّروه عمَّهم اللَّه بعقابه ))(12) .(1/4)
وهذا الخطابُ ليس لأحد مخصوصٍ ، بل هو لعمومِ الخلق ِ، فليس الإنكارُ واجباً على فئةٍ من النّاس دونَ فئةٍ ، بل هو واجبٌ على من عَلِمَ أنَّه منكرٌ وقدر على الإنكارِكائناً من كانَ .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياك ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنه فإن الله سبحانه وتعالى يقول في من هذه حاله :{ فَبَشِّرْ عِبَاد * الَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَه أولئِكَ الذين هَدَاهُمْ اللَّهُ وأولئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَاب} [الزّمر :18] .
وقد وعد الله من فعل ما يوعظ به بأمور عظيمة هي غاية ما يتمناه كل مسلم فقال جل ذكره :
{ ولو أنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُوْنَ به لَكَانَ خَيْراً لهم وأَشَدَّ تَثْبِيْتاً *ولهدَيْنَاهُم صِرَاطاً مُسْتَقِيْمَا}[النّساء:66ـ 68] قال العلامةُ ابنُ سعدي ـ رحمه الله: (( رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به ، وهو أربعة أمور :
أحدها:الخيرية في قوله:{ لَكَانَ خَيْراً لهم }أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها.
الثّاني :حصولُ التثبيتِ والثّباتِ وزيادته.فإن اللهَ يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وعظوا به.
فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن ... والمصائب ويحصل لهم الثّبات على الدين عند الموت وفي القبر.
الثّالثّ: قوله {وإذاً لآتَيْنَاهم منْ لَدُنَّا أجْراً عَظِيْماً} أي في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن ومن النّعيم المقيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
الرّابع : الهداية إلى صراط مستقيم ...)) (13).
حواشي المقدمة :(1/5)
(1) قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم : أيُّ النّاسِ خيرٌ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( من طال عُمُرُه وحسن عمله ، قال:فأيُّ النّاسِ شرٌّ ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : من طال عُمُرُه وساء عمله )) رواه الترمذي وقال : "هذا حديث حسن صحيح " سنن الترمذي 6/622مع شرحها تحفة الأحوذي. (2) متفق عليه:أخرجه البخاري،الفتح 5/97، ومسلم 16/ 120بشرح النّووي.(3) متفق عليه : أخرجه البخاري في : الإيمان الفتح 1/57 ، ومسلم في الإيمان شرح النّووي 2/16 .(4) فتح القدير للشوكاني 2/381 .(5) رواه مسلم 2/ 39بشرح النّووي ، وأبوداود (4944) ، والترمذي (1926) ،والبخاري تعليقا ، في الإيمان ، باب:قول النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" الدين النّصيحة". (6) رواه أبوداودفي الأدب،باب النّصيحة(4918)، والبخاري في الأدب المفرد 1/233،مع شرحه فضل الله الصّمد. (7) فضل الله الصّمد بتوضيح الأدب المفرد للجيلاني 1/ 313 بتصرف. (8) رواه مسلم في المساجد 5/170 بشرح النّووي. (9) رواه مسلم في فضائل الصّحابة ، باب فضائل أم سلمة 16/ 7 بشرح النّووي. (10) شرح النّووي على صحيح مسلم 16/7.(11) أخرجه أحمد في المسند 4/366، وابن حبان 1/ 458 الإحسان ، قال محققه شعيب الأرناؤوط : ((حسن )) ، وأبو داود (4339) وابن ماجة (4009) .(12)أخرجه أحمد 1/2 وابن حبان في صحيحه 1/462 الإحسان، وقال شعيب الأرناؤوط “ إسناده صحيح ” .(13) تفسيرابن سعدي رحمه الله 1/365ـ366 .
المحتويات
وابتغوا من فضل الله
أخي التاجرَ ، أنت في تجارتك تفيد مجتمعَك ، ذلك أن التجارةَ لا يمكن أن يُسْتغنى عنها، ولا يقوم بلدٌ بدونها:
هي التجارةُ لا يُعْنَى بها بلدٌ حتى يُرَى وهومَحْلٌ روضةً أُنُفا(1)
ساداتُ عَدْنانَ لم يأبوا تَعاطيَها فأيُّ عذرٍ لمن عن نهجهم صَدَفا(1/6)
وقد رغَّب فيها ـ سبحانه وتعالى ـ فقال في كتابه العزيز:{ فَإِذَا قُضِيَت الصّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (2)[ الجمعة:10] وقال سبحانه وتعالى :{ وَآخَرُوْنَ يَضْرِبُوْنَ في الأرْضِ يَبْتَغُوْنَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20]
وقد اشتغل الرّسولُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتجارة مع خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ ، وكانت امرأةً تاجرةً ، ذاتَ شرفٍ ومالٍ ، (( فلما بلغها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه ، بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشّام تاجرا ، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار)) (3) وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مع غلامها ميسرة حتى نزل الشّام وربحت التجارة ربحاً عظيماً .وقد حثَّ الرّسُولُ صلى الله عليه وسلم على الكسبِ ، والعملِ ،وحذَّر من الكسلِ والبطالة ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ما أَكَلَ أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً مِنْ أن يأكلَ مِنْ عَمَلِ يدِه وإن نبيَّ اللَّه داودَ ـ عليه السّلامُ كان يأكلُ مِنْ عَمَلِ يدِه ))(4) وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم داود عليه السلام لينبه أمته على الاقتداء به ، وهكذا كان دأب أصحاب الرّسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يعملون ، ويكسبون . قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم ))(5)
وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم : (( لأن يحتطبَ أحدُكم حزمةً على ظهره خيرٌ له من أن يسألَ أحداً فيعطيه أو يمنعه )) (6).
وإذا رأيت الرّزقَ ضاقَ ببلدةٍ وخشيت فيها أن يضيقَ المكسبُ
فارحل فأرض الله واسعة الفضا طولا وعرضا شرقها والمغربُ
حواشي وابتغوا ...(1/7)
(1) محل: أي مجدب ، وروضه أنف: أي جديدة النّبت لم تُرْعَ .(2) قيل: الأمرهنا للإباحة لمن له كفاف ولمن لايطيق التكسب ، وعلى الوجوب للقادر الذي لاشيء عنده؛ لئلايحتاج إلى السّؤال وهومحرم عليه مع القدرة على التكسب . فتح الباري بشرح صحيح البخاري4/288.(3) تهذيب سيرة ابن هشام ،عبد السّلام هارون ص43. (4) أخرجه البخاري في البيوع ، باب كسب الرّجل وعمله بيده الفتح 4/303.(5) أخرجه البخاري ، في الموضع السّابق. (6) أخرجه البخاري ، في الموضع السّابق.
المحتويات
سهِّل يسهَّل عليك
أمراللهُ سبحانه وتعالى عبادَه بالعدلِ والإحسانِ جميعاً ، والعدلُ سببُ النّجاةِ ، وهو يجري من التجارة مجرى رأسِ المال ، والإحسانُ سببُ الفوزِ ونيلِ السّعادة ، وهو يجري من التجارة مجرى الرّبح (1) .
1. والإحسان يكون في السّهولة في البيع فلا يغبن أخاه المسلم بما لا يتغابن به في العادة ، فلا يزيد عليه في الثّمن زيادة فاحشة عما تستحقه تلك السّلعة ، كما أنه ينبغي على المشتري إذا اشترى من ضعيف أوفقيرأن يحتمل الغبن ويتساهل ، ويكون به محسنا فأما إذا اشترى من تاجر غني يطلب الربح الكثير فاحتمال الغبن حينئذ ليس محموداً .
2. ومن الإحسان أن يقيل البائع من يستقيله ، وذلك إذا طلب المشتري إعادة السّلعة فعلى البائع أن يقبل ذلك ؛ لأن المشتري لا يطلب ذلك إلا لأنه نادمٌ متضرر ، وينبغي أن لا يرضى البائعُ لنفسه أن يكونَ سبباً في ضررِ أخيه، وهو موعود بأجر عظيم إذا قبل ذلك . قال صلى الله عليه وسلم : (( من أقال نادماً صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة )) (2).(1/8)
3. والإحسان ، في السّهولة ، والسّماحة في استيفاء الثّمن من المشتري، واستيفاء الديون ، فيُحْسِن مرةً بالمسامحة وحَطِّ بعضها ، ومرةً بالإمهالِ والتأخيرِ . قال صلى الله عليه وسلم : (( رحمَ اللَّهُ رجلاً سمحاً إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى )) (3). فليغتنم المسلم دعاء الرّسول صلى الله عليه وسلم بالرّحمة ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( اسمح يُسْمَح لك )) (4) أي سَهِّل يُسَهَّل عليك (5) .
حواشي سهل ...
(1) الإحياء 2/84. (2)أخرجه أبوداود (3460)، وابن ماجة (2199)والحاكم 2/45، وقال : صحيح على شرط الشّيخين. وصححه الألباني في إرواء الغليل (1334) 5/182 . (3) رواه البخاري في البيوع، الفتح 4/ 306. (4) رواه الإمام أحمد في المسند 1/248، وقال العراقي :رجاله ثقات تخريج .الإحياء 2/81 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (993) . (5) النّهاية لابن الأثير 2/398.
المحتويات
المحرم ثمنه محرم
أخي المسلمَ ، إنَّ الشّيءَ المحرمَ الذي لا يجوز لأحدٍ أن يأخذَه ويستفيدَ منه بأي وجهٍ ، سواءً أكان مأكلا أم مشربا أم ملبسا أم مَرْكباً أم غيرَ ذلك من وجوهِ الانتفاع ـ يحرمُ بيعه ، وإذا حَرُمَ بيعُه حَرُمَ ثمنُه ، أي دخل في دائرة الحرام فلا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا إهداؤه ولا غير ذلك .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إن اللَّهَ إذا حَرَّمَ شيئاً حَرَّمَ ثمنَه ))(1) ؛ ولأن ذلك يكونُ من قبيل الدَّعوةِ إلى المحرَّم ، أو الإعانةِ والتشجيعِ عليه ، فيكونُ المعطي أو البائعُ أو المشتري شريكَ الفاعلِ في الإثم ومن المقَرَّرِ شرعاً أنه كما لا يجوز فعلُ الحرامِ لا يجوز الإعانةُ عليه لقوله سبحانه وتعالى :{وَتَعَاوَنُوا على البِرِّ والتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ } [المائدة:2] وهذا هو معنى القاعدة الفقهية "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه " و "ما حرم استعماله حرم اتخاذه " (2) .
إياك والحرام(1/9)
أيهاالمسلمُ ، المشفقُ على نفسه ، الموقنُ بلقاءِ ربِّه ، المصدقُ بقولِ رسولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( إنَّكُمْ ملاقو اللَّهِ حفاةً عراةً غرلاً)) (3) ـ لقد جاءَك عنْ رسولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا يَنْطِقُ عن الهوى خبرٌ صادق : أنك موقوف فمسئول عن مالك ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه ))(4).
فأعدَّ أيُّها المسلمُ لذلك السّؤالِ جواباً مادمت في دارِ المهلة ، فاليوم عملٌ ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .
واحذرْ أن تظلم أخاً لك فتأخذ ماله من غير وجه مباح ، فإنه سيأتي عليك يوم يكون الحساب فيه بغير الدرهم والدينار ولكن بالحسنات والسّيئات قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((مَنْ كانَ عنده مظلمةٌ لأخيه فلْيَسْتَحْلِلْهُ منها ، فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ من قَبْلِ أن يُؤْخَذَ لأخِيْهِ من حسناته فإنْ لم يكن له حسناتٌ أُخِذَ من سيئاتِ أخيه فَطُرِحَتْ عليه)) (5) ، فما أعظم الفرق بين ما أخذته منه وما أخذه منك ! .
إنَّ أَكلَ الحرامِ شُؤْمٌ على صاحِبِهِ ، وعذابٌ في الدُّنيا والآخرةِ ، وآكلُ الحرامِ لا يجاب له دعاءٌ ، فانظر ـ وفقكَ اللَّهُ ـ أيَّهما تختارُ : أنْ يجابَ دعاؤُك وتوفَّقَ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، أو أنْ تُغْلَقَ أبواب السّماءِ دون دعائك فلا تُسْمَعُ لك دعوة ، ولا يحالفك توفيق في الدنيا ولا في الآخرة ، وتحرم الخير بسبب هذا الكسب .(1/10)
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أيُّها النّاسُ ، إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طيباً ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلينَ فقال:{يَا أيُّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمْلُوْا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُوْنَ عليمٌ } [المؤمنون:51] وقال : { يا أيها الذين آمنوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }[البقرة:172] ثم ذكر الرّجل يطيلُ السّفَرَ أشعثَ أغبرَ ، يَمُدُّ يديه إلى السّماءِ ،يا رب، يارب ، ومطعمُهُ حرامٌ ، وملبسُهُ حرامٌ ، وغُذِّيَ بالحرامِ ، فأنَّى يُسْتجاب له))(6). قال النّووي :(( أي من أين يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له)).
وأَكْلُ الحرامِ بأيِّ وجْهٍ موجبٌ دخولَ النّارِ. قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يَرْبُو لحمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إلا كانتْ النّارُ أولى به )) . وفي رواية :((كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فالنّار أولى به)) وفي رواية:((لن يدخلَ الجنَّةَ لحمٌ نبتَ من سُحْتٍ )) (7).
وهذا وعيدٌ شديدٌ يفيدُ أن أكلَ أموالِ النّاسِ بالباطلِ من الكبائر (8) ، (( قال العلماء : يدخل في هذا البابِ الخائنُ ، والسّارقُ ، وآكلُ الرّبا وموكله ، وآكلُ مالِ اليتيمِ وشاهدُ الزّورِ ، ومن استعارَ شيئاً فَجَحَدَهُ ، وآكلُ الرّشوة ، ومنقصُ الكيلِ والوزنِ ، ومن باعَ شيئاً فيه عيبٌ فغطَّاه ، والمقامرُ)) (9)
أخي الكريمَ ، (( إنَّما مَثَلُ الطُّعْمة من الدِّين مَثَلُ الأسَاسِ من البُنْيَان ، فإذا ثَبَتَ الأساسُ وقوي استقامَ البنيان وارتفع ، وإذا ضَعُفَ الأساسُ واعْوَجَّ انهارَ البنيان ووقع )) (10)،وقال الله ـ عز وجل ـ :{ أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوى مِن الله ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرْفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ }(11) [التوبة:109] .(1/11)
ولا يغرنك ما ترى من تهافت النّاس على الأموال من حل ومن حرام ، فلا يدري الإنسان من أين كسب ماله ، بل لعله يقصد سبل كسب المال المحرمة بالنّص الصّحيح الصّريح ، وهذه غفلة ما بعدها غفلة ، ولكن موعدنا وإياهم غدا فـ (( إنَّ المردَّ إلى اللَّهِ إلى جنةٍ أو نارٍ ، خلودٌ بلا موت وإقامة بلا ظعن)) (12) كما قال صلى الله عليه وسلم .
وهؤلاء قد أخبر عنهم الرّسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم سيأتون بعده ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(( يأتي على النّاس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام )) (13) .وهذا تحذيرٌ منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودليلٌ على صدق نبوته ، حيث إن هذا الأمرَ واقعٌ مشاهد الآن ، فاحذر أخي أن تكون منهم ، فأطب مكسبك ، وإياك والحرام .
عن أبي تميمة قال : شهدت صفوانَ وجندباً وأصحابَه وهو يوصيهم ، فقالوا : هل سمعت من رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً ؟ قال : سمعته يقولُ : من سمَّع سمَّع اللَّهُ به يومَ القيامة ، ومن شاقَّ شقَّ اللَّهُ عليه يومَ القيامةِ ، فقالوا : أوصنا . فقال : إن أول ما ينتن من الإنسان بطنُه ، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيباً فليفعل ، ومن استطاع ألا يحالَ بينه وبين الجنَّة بملء كفٍّ من دم هَرَاقه فليفعل ))(14).(1/12)
وإن لك في سلفنا الصّالح قدوةً حسنةً في تَوَرُّعهم عن الشّبهاتِ آخذين بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ )) (15).
وإليك هذا المثال الذي يوضح لك كيف كان ورعهم ، واتقاؤهم الحرام في المأكل وغيره :
كان لأبي بكرٍ الصّديقِ ـ رضي الله عنه ـ غلامٌ يُخْرِج له الخراجَ ، وكان أبو بكرٍ يأكل من خَرَاجه ، فجاءَ يوماً بشيء فأكل منه أبوبكرٍ ، فقال له الغلامُ : أتدري ما هذا ؟ فقال أبوبكرٍ: وما هو؟ قال: تَكَهَّنت في الجاهليةِ ، وما أُحْسِنُ الكهانةَ ، إلا أنِّي خَدَعته فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه )) (16).
وهذا موقف غني عن التعليق ، فأطل التأمل فيه ، وفقك الله لكل خير ، ثم تذكر أخي أن :
المال يذهب حِلُّه وحَرَامُهُ يوماً وتَبْقَى في غدٍ آثامُهُ
ليسَ التَّقيُّ بمتقٍ لإلهه حتى يطيبَ شرابُه وطعامُهُ
ويطيبَ ما تحوي وتكسبُ كفُّه ويكونَ في حسنِ الحديثِ كلامُهُ
نَطَقَ النّبيُّ لنا به عن ربِّه فعلى النّبيِّ صلاتُه وسلامُهُ(17)
حواشي المحرم...(1/13)
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/247، وأبوداود(3488)، والبيهقي 6/13،وصححه الألباني في تخريج أحاديث الحلال والحرام للقرضاوي ص192.(2) انظر: فتح الباري4/415،والأشباه والنّظائرللسيوطي ص280، وشرح القواعد الفقهية لأحمد الزّرقا ص215. (3) أخرجه البخاري في كتاب الرّقاق باب الحشر، 11/377 مع الفتح، (ملاقوالله) أي في الموقف بعد البعث(حفاة)بلاخف ولانعل جمع حافٍ(غرلا) جمع أغرل وهو الأقلف ، الذي بقيت غرلته،وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر. (4) أخرجه الترمذي في صفة القيامة ، ماجاء في شأن الحساب والقصاص.وقال: حسن صحيح7/101 مع شرحه“تحفة الأحوذي” وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (7177) .(5) أخرجه البخاري في الرّقاق، باب القصاص يوم القيامة ، 11/395 مع الفتح ، ومعنى ( ثَمَّ ) أي هناك في يوم القيامة .(6) رواه مسلم ، في الزّكاة 7/99 بشرح النّووي .(7) رواه الترمذي ، في كتاب الجمعة وقال:((حسن غريب)) 3/237 مع شرحه . والدارمي في الرّقاق باب:في أكل السّحت 2/225 .قال الذهبي :((إسناده صحيح)) الكبائرص120، وصححه الألباني ،صحيح الجامع (1395) .(8) فيض القدير ، شرح الجامع الصّغير ، للمناوي 5/18 .(9) الكبائر للذهبي ص120 ، وقد تُكُلِّم في نسبة هذا الكتاب المطبوع فتنبه .(10) من كلام الغزالي في الإحياء 2/690.(11) (شفا) أي حرف أوطرف (جرف) هومالم يبن له حابس يقيه السّيول وغيرها ، (هار) أي منهار منهدم .(12) رواه الحاكم والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1942) والسّلسلة الصّحيحة(1668)و (الظعن) الارتحال والسّير ، انظرالنّهاية 3/ 157، والمصباح ص146 .(13) رواه البخاري في البيوع باب:من لم يبال من حيث كسب المال الفتح4/296 .(14) رواه البخاري في الأحكام (93) الفتح13/128.(1/14)
وفي الحديث زيادة على النّهي عن أكل الحرام : وعيدٌ شديدٌ لقتل المسلم بغير حق ، والنّهيُ عن القولِ القبيحِ في المؤمنين ، وكشفِ مساويهم ، وعيوبِهم ، وتركُ مخالفة سبيل المؤمنين ، ولزومُ جماعتهم ، والنّهيُ عن إدخال المشقة عليهم والإضرار بهم .(15) متفق عليه ، البخاري في الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه ، ومسلم في المساقاة باب: أخذ الحلال وترك الشّبهات .وقدأفرده العلامة الشّوكاني بجزء شرحه فيه واسمه (( كشف الشّبهات عن المشتبهات ...)) فراجعه إن شئت .(16) رواه البخاري في مناقب الأنصار ،(63) 7/149 الفتح . (17) مختصر شعب الإيمان للقزويني ،ص86 .
المحتويات
احذر الغش والتلبيس
أيها الأخُ المسلمُ: لتعلمْ ـ وفقك اللهُ لما يحب ويرضى ، وباركَ لك في تجارتك ـ أنَّ كُلَّ عملٍ تضر به أخاك المسلمَ ظلمٌ ، والظلمُ ظلماتٌ في القلبِ والقبرِ والحشرِ ، قال صلى الله عليه وسلم : (( اتَّقُوا الظلمَ فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ ))(1) وأنت يوم القيامة في أمس الحاجة إلى النّور ، فإذا سعى المتقون المؤمنون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئاً ، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب ؛ لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر(2).
أخي المسلمَ ، عاملْ أخاك المسلمَ في بيعك بما تحبُّ أن يعامِلَكَ به ، فانصحْ له وبَيِّن له عيوبَ السّلعة ـ إن كان فيها عيوب تعلمها ـ يبارَكْ لك في بيعك ، وتربحْ تجارتُك ، قال صلى الله عليه وسلم :(( البَيِّعَانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما))(3) وتفصيلُ النّصحِ المأمورِ به في المعاملةِ يكونُ في أمورٍ ثلاثةٍ:(1/15)
الأول : أن لا تُثْني على السّلعة بما ليس فيها ، فإنَّه كذبٌ ، والكذبُ حرامٌ ، وهو مُمْحِقٌ للبركة ، كما في الحديث السّابق ، ومضى حديثُ : (( المسلم أخو المسلمِ لا يَكْذِبه ...)) ثُمَ إنَّ الكذبَ خَصْلَةٌ من خِصَال المنافقين ، قال صلى الله عليه وسلم : (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصّاً ومن كانت فيه خصلةٌ كانت فيه خصلة من النّفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ))(4) ، ثم إن كذبت على أخيك فقبل السّلعة مصدقاً لك فهو ـ مع كونه كذباً ـ تلبيس وظلمٌ ، وقد عرفت ما في التلبيس والظلم من العقوبة في الدنيا والآخرة .
الثّاني : أن تظهرَ جميعَ عيوبِ السّلعةِ خفيَّها وجليَّها ولا تكتم منها شيئاً تعلمه ، فذلك واجب ، قال صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم ولا يحلُّ لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعاً يعلمُ فيه عَيْباً إلا بَيَّنه له ))(5) ، فإن أخفيته كان ظلماً وغشاً ، والغِشٌ حرامٌ ، بل قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَنْ غشَّنا فليسَ مِنَّا ))(6)
ومر الرّسول صلى الله عليه وسلم علىصبرة طعام(7) فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال : (( ما هذا يا صاحب الطعام قال : أصابته السّماء(8) يا رسول الله ، قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه النّاس ، من غش فليس مني ))(9) .
وإخفاء العيب فيه تركٌ للنُّصح الواجبِ بين المسلمين ، وقد مضى حديث ((الدين النّصيحة)) وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : بايعت النّبي صلى الله عليه وسلم على السّمعِ والطَّاعة ،فَلَقَّنَني فيما استطعت ،والنّصحِ لكلِّ مسلمٍ )) (10) .(1/16)
الثّالثّ : أن تعدلَ في الكيلِ والوزنِ وغيرِهما من أنواع المقاييس ، فينبغي أن تكيلَ للنَّاس كما تحبُّ أن يكيلوا لك ، قال الله سبحانه وتعالى :{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الذينَ إذا اكْتَالُوا على النّاسِ يَسْتَوْفُوْنَ * وإذا كَالُوهُمْ أَو ْوَزَنُوْهُمْ يُخْسِرُونَ ألا يَظُنُّ أولئكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَومٍ عَظِيمٍ }[المطففين:1ـ5] فالله سبحانه وتعالى يتوعد في هذه الآيات الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن وغيرهما ، وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا ـ بالخسران والهلاك ، ثم يقول سبحانه وتعالى : {ألا يَظُنُّ أولئكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَومٍ عَظِيمٍ} أي “ أما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السّرائر والضمائر في يوم عظيم الهول ، كثير الفزع ، جليل الخطب ، من خسر فيه أدخل ناراً حامية ، يقومون حفاة عراة غرلاً ، في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ، ويغشاهم من أمر الله سبحانه وتعالى ما تعجز القوى والحواس عنه ” (11) .
أخي المسلمَ ، حتى يتيسَّر لك القيامُ بحقوقِ اللَّهِ ـ سبحانه وتعالى ـ في معاملةِ خَلْقِه ينبغي أن تعتقدَ جازماً بأمرين :
الأول : أن إخفاءَ العيوبِ في السّلعِ وترويجها ، وثناءَك عليها بما ليس فيها وعدمَ عدلك في الكيل والوزنِ وسائرِ المقادير ـ لا يزيد في رزقك بل يمحقه ، ويذهبُ بركتَه ، وما تجمعه من الغِشِّ والتلبيس يهلكه اللَّه دفعةً واحدةّ ، فإذاً لا يزيد مالٌ من خيانةٍ ، كما لا ينقص من صدقةٍ ، ومن لا يعرف الزّيادةَ والنّقصانَ إلا بالميزانِ لم يصدِّق بهذا .
الثّاني : أن تعلمَ أن ربحَ الآخرةِ وغِنَاها خيرٌ من ربحِ الدُّنيا ، وأنَّ فوائدَ أموالِ الدُّنيا تَنْقضي بانقضاءِ العُمُر ، وتبقى مظالمها وأوزارُها ، فكيفَ يَسْتَجيزُ العاقلُ أن يستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ ، والخيرُ كُلُّه في سلامةِ الدِّين .(1/17)
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ ممن نالَ شَهْوتَه مِن الحرَامِ ويَبْقى الإثمُ والعارُ
تَبقى عَوَاقبُ سوءٍ في مَغَبَّتها لا خيرَ في لَذَّةٍ من بعدها النّارُ(12)
ويقول الآخر:
فلا تقرب الأمرَ الحرامَ فإنَّه حلاوته تفنَى ويَبْقى مَريْرُها
أخي المسْلمَ ، أنت تشهد أن لا إله إلا اللَّه ، وأنَّ محمداً رسولُ اللَّه ، ولكن لا يكفي مجردُ النّطقِ بها ، بل لابد أنْ تعملَ بمقتضاها ، وأن تكونَ خالصّةً من قلبكَ ، فهلْ تدري ما إخلاص لا إله إلا الله؟ ، اقرأ معي هذا الحديث : قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة )) قِيْلَ: وما إخلاصُها ؟ قال : تحجزه عما حرم الله )) (13) .
فإن قلتَ : إذا بينت عيوبَ السّلعةِ ، فلن تشترى ، قِيلَ لك : ليس الأمرُ كذلك ، إذ شَرْطُ التاجرِ المسْلمِ الذي يخاف اللَّهَ واليومَ الآخرَ ، أن لا يشتري للبيعِ إلا الجيدَ الذي يرتضيه لنفسِه لو أمسَكَه ، ثم يقنع في بيعه بربحٍ يسيرٍ، فيبارك اللَّهُ له فيه ، ولا يحتاج بعد ذلك إلى التلبيس والغش (14) .
حواشي احذر ...(1/18)
(1) أخرجه البخاري في المظالم ، دون قوله : (( اتقوا الظلم)) فتح الباري 5/ 100 ومسلم في البر والصّلة 16/ 134 بشرح النّووي .(2) ابن الجوزي . الفتح 5/100 بتصرف .(3) متفق عليه: البخاري في البيوع ، باب: إذا بين البَيِّعان ولم يكتما ونصحا ، الفتح 4/134 ، ومسلم في البيوع ، باب: الصّدق في البيع والبيان .(4) رواه البخاري ومسلم كلاهما في الإيمان .(5) رواه أحمد ، وابن ماجه ، والحاكم ، واللفظ لأحمد وقال ابن حجر :(( وإسناده حسن )) الفتح 4/ 311 .(6) رواه مسلم في الإيمان 2/ 108 بشرح النّووي .(7) الصّبرة الكومة المجموعة من الطعام (النّووي) .(8) أي المطر .(9) رواه مسلم في الموضع السّابق. (10) متفق عليه ، البخاري في الأحكام ، الفتح 13 / 93 ، ومسلم في الإيمان باب بيان أن الدين النّصيحة . (11) تفسير ابن كثير 4/ 483.(12) ينسبان لعلي رضي الله عنه، انظر مجمع الحكم والأمثال ص444 (13) قال العراقي في تخريج الإحياء 2/76:((أخرجه الطبراني وإسناده حسن)) . (14) انظر في وجوب بيان عيوب السّلع الإحياء 2/75.
الحتويات
واحفظوا أيمانكم
أخي المسلمَ ، يعتادُ كثيرٌ من التُّجارِ ، والباعةِ الحلفَ لينفقَ سلعتَه ، أو ليزيدَ ثمنَها ، وهَذَا خُلُقٌ ذميمٌ ، فإنَّ الحلفَ لاينبغي البتةَ ، وقد توعَّدَ اللَّه سبحانه وتعالى المنفقَ سلعتَه بالحلفِ وعيداً عظيماً ، زاجراً من كانَ في قلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان ، يقول الله سبحانه وتعالى : { إنَّ الذينَ يَشْترونَ بِعَهْدِ الله وأيمانِهِم ثمناً قَليلاً أولئكَ لا خَلاقَ لهمْ في الآخرةِ ولا يُكَلِّمُهُمْ الله وَلا يَنُظُرُ إليهِم يومَ القِيَامَةِ وَلايُزَكِّيهم ولهمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ } [آل عمران:77].
وهذا كما ترى وعيدٌ شديدٌ يهزُّ قلبَ المؤمنِ . وقد اشتملَ على خمسةِ أمورٍ عظيمةٍ (1)(1/19)
الأول : أنَّهم لاحظَّ لهم في خيراتِ الآخرةِ ، ولانصيبَ لهم من نعيمِ الجنَّة ، وما أعدَّ اللَّه لأهلها فيها دونَ غيرهم .
الثّاني : أنَّ اللَّه ـ سبحانه وتعالى ـ لايكلِّمُهُم بما يسرُّهم .
الثّالثّ : أنَّ اللَّه سبحانه وتعالى لايعْطِف عليهم بخيرٍ ، مقتاً من اللَّه لهم .
الرّابع : أنَّ اللَّه سبحانه وتعالى لايطهِّرهم من دَنَسِ ذنوبهم .
الخامس : أنَّ لهم عذاباً أليماً موجِعاً .
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رجلاً أقامَ سلعةً وهو في السّوقِ فحلفَ باللَّه لقد أُعطيَ بها مالم يُعطَ ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزلت : { إنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ بِعَهْدِاللَّهِ وأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيْلاً ....} (2) .(1/20)
وفي رواية :أنَّ رجلاً أقامَ سلعةً أوَّلَ النّهارِ فلمَّا كان آخره جاءَ رجلٌ يُسَاومُه ، فحلفَ لقد مَنَعَها أوَّل النّهارِ من كذا وكذا ، ولولا المساءُ ماباعها به ، فأنزلَ اللَّهُ ـ عز وجل َ ـ : { إنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ ...}الآية (3)و قال صلى الله عليه وسلم : ((ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ : رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ : الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي ؛ كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ))(4)و قال صلى الله عليه وسلم : (( ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مِرَارٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ))(5)
وزيادة على هذا الوعيدِ الشّديدِ في الآخرةِ على المنفق سلعته بالحلف ، فإن ذلك ممحق للبركة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))(6)وفي رواية ((للربح)) .
حواشي واحفظوا ...(1/21)
(1) انظر تفسير الإمام الطبري لهذه الآية 6/ 527 (المعارف) .(2) رواه البخاري في البيوع، الفتح4/316 .(3) تفسير ابن جرير الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 6/533 .(4) رواه البخاري في كتاب التوحيد ، الفتح 13/423.(5) رواه مسلم في الإيمان ، 2/114،بشرح النّووي .(6) متفق عليه:البخاري في البيوع، الفتح4/315، ومسلم في البيوع11/44بشرح النّووي.
المحتويات
لا تبع على بيع أخيك
المسلم أخو المسلم ، ومن حقوق هذه الأخوة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ، ومن ذلك ألايبيع على بيع أخيه ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لاتلقوا الرّكبان ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ )) وقال أبو هريرة :(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّلَقِّي وَنَهَى عَنِ النّجْشِ ... وَأَنْ يَسْتَامَ الرّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ))(1) وهذا في حكم المرفوع .
وفي هذين الحديثين نهيٌ عن أربعة أمور محرمة يقع فيها كثير من النّاس وهي :
1 ـ بيع الرّجل على بيع أخيه .
2 ـ وسومه على سومه .
3 ـ وتلقي الرّكبان .
4ـ والنّجش .
أما الأول : وهو بيع الرّجل على بيع أخيه فيكون على صورتين : في البيع والشّراء .
الأولى : أن يشتري “محمد” من “علي” سلعة ما وهما في مجلس العقد لم يتفرقا ، وخيارهما باقٍ ، فيأتي “زيد” ، ويعرض على“محمد” سلعة مثل التي اشترى من “علي” بأرخص ثمناً منها ، أو أجود منها بسعر سلعة “علي” .
الثّانية : أن يبيع “عثمان” سلعة على “إبراهيم” بخمسة آلاف ثم يجيء “أحمد” إلى “عثمان” فيطلب منه السّلعة بأكثر من الثّمن الذي دفعه “إبراهيم” في تلك السّلعة ، حتى يندم “عثمان” فيفسخ العقد .
وأما الثّاني : فهو سوم الرّجل على سوم أخيه ، وصورته:(1/22)
أن تُعرض سلعةٌ ما ثم يأخذها رجل ليشتريها بثمن رضي به مالكها ثم بعد ذلك يجيء رجل آخر ويزيد في ثمن السّلعة حتى يردها البائع من المشتري الأول ، فهنا جاء هذا الرّجل وقد رضي مالك السّلعة بالثّمن الذي عرضه عليه الأول . أما إذا لم يكن قد رضي بالثّمن الذي عرضه عليه الأول ، أوكان الشّيء معروضا لمن يزيد في الثّمن ، وبعض النّاس يزيد في ثمنه على بعض ، فذلك غير داخل في النّهي .
وأما الثّالثّ : فهو تلقي الرّكبان ، وصورته :
أن يأتي تاجر غريب عن البلد يحمل بضائع ، فيتلقاه تاجر من أهل البلد ، قبل أن يقدم إلى السّوق ويعرف سعر البلد ، فيشتري منه بضاعته بأرخص من سعرالبلد ، فهذا وكل ما أشبهه منهي عنه ، لما فيه من الخديعة .
وأما الرّابع : فهو بيع النّجش ، وصورته :
أن يزيد الرّجل في ثمن السّلعة وهولايريد شراءها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد في ثمنها أكثر مما كان سيزيد لو لم يسمع ذلك النّاجش (2)قال ابن أبي أوفى : “ النّاجش آكل رباً خائن ” ويدخل في النّجش من سئل عن ثمن السّلعة فأخبر بأكثر مما اشترى به ، قال البخاري :“ وهو خداع باطل لايحل” (3) قال النّووي : “ أجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه والشّراء على شرائه والسّوم على سومه ” ، وقال في النّجش : “ وهذا حرام بالإجماع ” و أصل النّجش الاستثارة لأن النّاجش يثير الرّغبة في السّلعة .
حواشي لا تبع ...
(1) متفق عليهما ، أخرجهما البخاري في البيوع باب : لايبيع الرّجل على بيع أخيه ولايسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أويترك ، الفتح 4/352 ، ومسلم في البيوع ، 10/158 بشرح النّووي .(2) انظر في هذه الأمور المحرمة : شرح السّنة للإمام البغوي 8/116 وما بعدها ، وشرح النّووي على صحيح مسلم 10/158، وفتح الباري 4/352 وما بعدها . (3) صحيح البخاري 10/355مع الفتح .
المحتويات
اجتنب بيع ما فيه صور(1/23)
أخيالكريم ، لقد حذرنا الرّسول صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من الصّور ، فقال صلى الله عليه وسلم :(( إِنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ))(1)، وقال صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ ))(2).
قال النّووي :(( تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهومن الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشّديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعته بما يمتهن أوبغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله سبحانه وتعالى وسواء ماكان في ثوب أوبساط ))(3)أو غيرها .
فتصوير ماله روح من إنسان أوحيوان أوطيرأوغيرها محرم((ولا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصّورة لها ظل أو لا ، ولابين أن تكون مدهونة أو منحوتة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة ))(4)
وإليك أيها المسلم ، هذا الحديث العظيم الذي يبين لك حرمة كسب الصّور والاتجار بها .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي ، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (( مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا )) فَرَبَا (5) الرّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً ، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَالَ (أي ابن عباس) : وَيْحَكَ ، إِنْ أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ ))(6)
حواشي اجتنب ...(1/24)
(1) متفق عليه : أخرجه البخاري في اللباس باب : عذاب المصورين يوم القيامة . الفتح 10/382 ، ومسلم في اللباس ، باب :لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولاصورة ، 14/92 بشرح النّووي .(2) متفق عليه : البخاري في اللباس ، الفتح 10/391 ، ومسلم في اللباس 14»84 بشرح النّووي . (3) شرح النّووي على صحيح مسلم 14/81 ،82 . (4) الفتح 10/390. (5)ربا : ذعر وامتلأ خوفا ، وهل يتنبه لهذا أصحاب الرسوم الهزلية !. (6)متفق عليه : البخاري في البيوع ، الفتح 4»416 ،ومسلم في اللباس 14»93 بشرح النّووي .
المحتويات
احذرهم
إن من عقائد النّصارى تقديسَ الصليب فهم يعظمونه ويعدونه شعاراً لهم ، ويسعون جاهدين بكل ما أوتوا من إمكانات ليدخلوا غيرهم في النّصرانية “ الأمر الذي دفع علماء اللاهوت إلى وضع التنصير من بين العلوم اللاهوتية التي لها أصولها وفروعها ومناهجها ويدرس في كبرى الجامعات والمعاهد ” (1)
لقد سلك الصّليبيون وسائل خفية وحذرة في بعض البيئات لما رأوا من اعتزاز المسلم بعقيدته وتمسكه بها ، وفقدانه التصور أو القابلية لتغييرها .
هذه الوسيلة هي جعل شعارهم الصّليب تحت عيني المسلم ، يراه في المفروشات والألعاب وبرامج الحاسب والآلات ، والعلامات التجارية، والسّيارات والملابس وغيرها من الأشياء التي يستعملها المسلم ، لماذا ؟ حتى يألف المسلم مرأى الصّليب ، وتنكسر تلك النّفرة منه فتمهد هذه الخطوة لما بعدها ؛ ولذلك فقد حمى المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد ، وسد كلَّ طريق يوصل إلى الشّرك وأسبابه ، فحذر وأنذر ، وأبدى وأعاد ، وخص وعم ، وقطع الوسائل والذرائع المفضية إليه (2)
فعن عائشة ـ رضي الله عنها “ أن النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ ” (3)(1/25)
وعن أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ :“ كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : اطْرَحِيهِ اطْرَحِيهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ ”(4)
فعليك ـ أخي التاجر ـ أن تراقب بضاعتك أيا كان نوعها. ثم اعلم أن للصليب أشكالا كثيرة مختلفة يحاولون دسها إلينا في منتجاتهم التي يصدرونها ؛ ولذلك فقد تخفى على كثير من النّاس فتنبه لها .
حواشي احذرهم ...
(1) النشاط التنصيري في الوطن العربي ، د. إبراهيم عكاشة ، جامعة الإمام .(2) انظر كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب ، وحاشيته لابن قاسم ص169.(3) أخرجه البخاري في صحيحه في اللباس الفتح : 10/385.(4) أخرجه أحمد في المسند 6/140 ، وقال السّاعاتي في الفتح الرّباني (17/285) : “ إسناده جيد ” وأبو داود (3621) .
المحتويات
لا تلهك سوق الدنيا عن سوق الآخرة
أخي الكريم ، اعلم ـ علمك الله كل خير ـ أنه لايجوزلعاقل أن يقدم دنياه الزّائلة الفانية ، على آخرته الباقية ، ولايجوز لمن عرف وأيقن يقيناًجازماً لا يساوره شكٌّ ولاريب ، بما أعده الله لعباده في جنته من النّعيم المقيم ، وماتوعدهم به في ناره من العذاب الأليم ـ أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة ، وما أسواق الآخرة ؟ إنها المساجد وكل ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة .
كَانَ عَطَاءُ بن يَسَارٍ (( إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ وَمَا تُرِيدُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الآخِرَةِ ))(1)(1/26)
يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ مادحاً عباده الذين يجمعون بين طلب الرّزق بالبيع والعبادة :{ في بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيهَا اسمهُ يَسَبِّحُ لَهُ فيهَا بالغدوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاتُلْهِيهِمْ تجارَةٌ وَلابَيعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإقَامِ الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ}[النّور:36،37] فبينت الآية أن من صفات المؤمنين أنهم يبيعون ويشترون ولكن إذا جاء وقت الصلاة تركوا كل ذلك وأقبلوا عليها .
فاحرص على أن تكون من هؤلاء الذين أثنى الله عليهم في كتابه ، وإن لهم عنده ـ سبحانه وتعالى ـ أجراً عظيماً ، فإذا أُذِّن للصلاة ، فأغلق متجرك ، وأقبل على الله ، وأدِّ ما افترضه عليك ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يروه عن ربه : (( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ))(2)
فإذا أديت الفريضة فأتبعها بالنّافلة ، فإن ذلك سببٌ لمحبة الله سبحانه وتعالى لك ، وكفى بهذا دافعاً وحافزاً ، فإن محبة الله للعبد أجل مطلوب ، وأعظم مرغوب ، ويتبين ذلك في تمام الحديث السّابق : (( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ)) ثم إن النّوافل تكمل ما نقص من الفريضة بالسّهو والغفلة وغير ذلك .
أخي المسلم : إن الصّلاة شأنُها عظيمٌ ، وهي أول ماتحاسب عليه يوم القيامة فإن صلحت أفلحت ، وإلاخسرت خسارة عظيمة والعياذ بالله .(1/27)
اقرأ معي هذا الحديثَ العظيمَ الذي يبين لك ماذكرته : قال الحسن البصري رحمه الله : (( قدمت المدينة ، فقلت : اللهم يسِّرلي جليسا صالحا ، قال : فجلست إلى أبي هريرة ، فقلت : إني سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا(3)، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعل الله أن ينفعني به ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أول ما يحاسبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإذا انتقص من فريضته شيئاً قال الرب ـ تبارك وتعالى ـ انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك )) (4)
فإذا أديت الفريضة مع جماعة المسلمين فاخرج بعد ذلك إلى متجرك موفقا ومباركا لك في تجارتك إن شاء الله ، وقد انشرح صدرك ، واطمأنت نفسك، وعليك بذكر الله ، وسؤاله الرّزق الحلال ، والكسب الطيب . قال سبحانه وتعالى :{ فِإذا قُضِيتْ الصَّلاة فَانتشِروا في الأرْضِ وابتَغُوا مِن فَضْلِ الله واذْكُروا الله كثيراً لعلَّكُمْ تفلحُونَ } [الجمعة:10] وهذا هو حال المؤمن يؤدي فريضة الله ثم يسعى في أرض الله ويسأله من فضله وكرمه وجوده ، قال ابن تيمية رحمه الله : “ وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصّلوات ، ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر النّبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل المسجد أن يقول: ((اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رحمتك )) وإذا خرج أن يقول : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )) (5) ” وكان عراك بن مالك ـ وهوأحد الصّحابة ـ رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرّازقين )) . وقال بعض السّلف : من باع واشترى يوم الجمعة بعد الصّلاة بارك الله له سبعين مرة ))(6)
أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده(1/28)
ليكن لك في سلفنا الصّالح من الصّحابة والتابعين لهم بإحسان قدوة حسنة فقدكانوامثالايحتذى في المحافظة على حرمات الله ، واتباع أوامره ،واجتناب نواهيه ، قال قتادة رحمه الله:(( كان القوم يتبايعون ويتجرون ، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولابيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله ))(7)
وفيهم قال الله سبحانه وتعالى :{ رِجَالٌ لاتُلهِيهم تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإقَام الصَّلاةِ } .
كان الصّحابي الجليل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في السّوق ، فأقيمت الصّلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : {رِجَالٌ لاتُلهِيهم تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإقَام الصَّلاةِ} (8)وقال سفيان الثّوري :“ كانوا يتبايعون ولايدعون الصّلوات المكتوبات في الجماعة ” (9)
أولئك الرّجال “لم تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذُّ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خيرلهم وأنفع مما بأيديهم لأن ما عندهم ينفد وما عندالله باقٍ ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : { لاتُلهِيهم تجارةٌ وَلابيعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإقَام الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ} أي يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم” (10)
الخاسرون إذا ربح الناس
أما أولئك الذين منعتهم أسواق الدنيا عن أسواق الآخرة ، ونسوا أو تناسوا ما هم مقدمون عليه ، فأضاعوا فريضة الصّلاة فهم الخاسرون يحبسون أنفسهم في محلاتهم ، حتى ينتهي المسلمون من الصّلاة :{ يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلايَسْتَخْفُونَ مِنْ الله وَهُوَ مَعَهُمْ } [النّساء:108](1/29)
أو يقفون على الطرقات يراقبون الذاهبين إلى الصّلاة ، إن أولئك قد حرموا أنفسهم خيرا عظيما ، وأضاعوا أمراً جسيماً إذ الصّلاة عمادُ الدِّين ، وهي ركنُه الرَّكين ، و الحدُّ الفاصل بين الكفر والإيمان قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ))(11)
أبشر أيها المسلم المحافظ على الصّلاة ببشرى عظيمة من صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما فقد دخل فرأى قوما يصلون ، فقال بعث النّار أحد ، ثم قرأ : { مَا : يأيها النّاس أبشروا فإنه ما منكم من سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قَالوا لم نَكُنْ مِنْ المصَلِّينَ } (12)
أما بعث النّار الذي ذكره ـ رضي الله عنه ـ ، فإليك خبره ، حتى تعرف عظم هذه البشرى : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:(( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد } )) (13)
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا (الله أكبر) في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم ربنا جئناك طائعة نفوسنا ، وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرّجال فلا يلهيهم لعب عن الصّلاة ولا أكذوبة الكسل
حواشي لا تلهك ...(1/30)
(1) الموطأ ، للإمام مالك رحمه الله 1/174 .(2) رواه البخاري في الرّقاق ، باب : التواضع ، الفتح 11/340ولعظم هذا الحديث فقد أفرده الشوكاني بكتاب شرحه فيه سماه “ قطر الولي في معرفة الولي”. (3) انظر إلى حرص هذا التابعي الجليل على الجليس الصالح ، فإنه خير معين على الخير فاحرص عليه . (4)أخرجه أحمدفي المسند 2/290 ، وأبوداود في الصّلاة (864) باب قول النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :((كل صلاة لايتمها صاحبها تتم من تطوعه ، والترمذي في الصّلاة ، باب : أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة 2/463 مع شرحه “ تحفة الأحوذي ” وحسنه الترمذي ، والبغوي في شرح السنة 4/159، وصححه ابن حجر كما في“الفتح ”11/343 ، وتحفة الأحوذي . (5) أخرجه أحمد في المسند ومسلم (713) 5/224 بشرح النووي ، وأبو داود(465) وكلام ابن تيمية في الوصية الصغرى ص 46 ، تحقيق سليم الهلالي . (6) أخرجه أحمد في المسند باقي مسند الأنصار ومسلم (713) 5/224 بشرح النووي ، وأبو داود(465) ، وكلام ابن تيمية في الوصية الصغرى ص 46 تحقيق سليم الهلالي . (7)ذكرهما ابن كثير في تفسيره للآية 4/367 . (8) أخرجه البخاري رحمه الله في البيوع ، الفتح 4/297 . (9) أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير في تفسير الآية ، وانظر تفسير ابن كثير 3/295 ، وفتح الباري 4/297 . (10) فتح الباري 4/297 وقال : (( أخرجه أبونعيم في الحلية )) . (11) تفسير ابن كثير 3/295 .(12) الترمذي (2544) وقال “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ” وأبو داود (4678). (13) أخرجه البغوي في شرح السّنة 2/174 .(14)أخرجه البخاري في الرّقاق ، باب قوله I :{إن زلزلة السّاعة شيء عظيم} 11/388 مع الفتح . ومعنى أخرج بعث النّار:أي ميز أهل النّار من غيرهم.
المحتويات
السهم المسموم(1/31)
أيها الأخ الكريم ، يامن جعل رضى ربه أسمى هدف ، والفوز بالجنة أكرم غاية ، والنّجاة من النّارأعظم مرغوب ممتثلا بذلك أمر ربك إذ يقول ـ جل شأنه ـ :{ وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ إلاليعبدُونَ } .
أخي المسلم ، إن في جسدك عضوا صغير الحجم ، بقدر مضغة الطعام ، جليل القدر هو في جسدك كالملك المتصرف في الجنود ، التي تصدر كلها عن أمره ، ويستعملها فيما يشاء ، فكلها تحت سيطرته وقهره ، وتكتسب منه الاستقامة والزّيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ، فإن صلح صلح الجسد كله ، وإن فسد فسد الجسد كله ، فهل عرفت هذا العضو الخطير إنه القلب ذلك الملك المتربع بين حنايا صدرك !.
إذا عرفت منزلة القلب ، وأن صلاحه صلاح لسائر جسدك ، وفلاح لك في دنياك وآخرتك ، وسعادة دائمة في الدارين ، والسّعادة مطلب عزيز . وأن فساده فساد لسائر جسدك ، وخراب لدنيك وآخرتك ، وشقاء وعيشة نكدة في الدارين .
يقول سبحانه وتعالى :{ أوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لهُ نُورًا يمشي بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيسَ بخَارِجٍ منهَا } [الأنعام:122] ففي هذه الآية تصوير عجيب لحال القلب الصّالح الحي ، وحال القلب المظلم .
“وإن هذه العقيدة تنشيء في القلب حياة بعد الموت ، وتطلق فيه نورا بعد الظلمات حياة يعيد بها تذوق كل شيء ، وتصور كل شيء ، وتقدير كل شيء بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة ... هذه التجربة لاتنقلها الألفاظ ، يعرفها فقط من ذاقها ، والعبارة القرآنية هي أقوى عبارة تحمل حقيقة هذه التجربة ” (1)
فالقلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفرمنها بطبعه وأبغضها ، ولم يلتفت إليها بخلاف القلب الميت ، فإنه لايفرق بين الحسن والقبيح ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (( هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر به المنكر ))(2)(1/32)
أخي الكريم ، إن القلب الصّحيح هو القلب السّليم الذي لاينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به فهو شرط الفلاح والفوز في ذلك اليوم العظيم قال ـ سبحانه وتعالى ـ :{ يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } .
والسّليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره .
والقلب الصّحيح السّليم : ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه فهو صحيح الإدراك للحق ، تام الانقياد والقبول له .
والقلب الميت القاسي : لا يقبله ولا ينقاد له .
والقلب المريض : إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي ، وإن غلبت عليه صحته التحق بالسّليم (3)، فهذا القلب له حياة وبه علة ففيه من محبة الله سبحانه وتعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ماهو مادة حياته ، وفيه من محبة الشّهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب ، ماهو مادة هلاكه ، وهو ممتتحن بين داعيين : داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداع يدعوه إلى العاجلة ”(4)
أخي المسلم ، إذا عرفت هذه الأمور من أحوال القلوب ، وأن نجاتك يوم القيامة مشروطة بسلامة قلبك، فيجب عليك حينئذ أن تعتني بقلبك أتم العناية ، فتعرف مايدخله من الخواطر ، وتحفظ النّوافذ الموصلة إليه من كل مايضعفه ويمرضه، وأن أعظم نافذة على قلبك وأخطر منفذ إليه هو العين فالعين رائد القلب وهي منظاره التي يرى بها المحسوسات.
وأنت ترى مايرتاد الأسواق من النّساء المتبرجات ، المائلات المميلات، اللاتي استعان بهن الشّيطان على فتنة الخلق ، فكنَّ من خُلَّص جنده وأعوانه ، والنّساء فتنة أي فتنة ، قال صلى الله عليه وسلم : (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ )) (5)(1/33)
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )) (6)
وكن على ذكر من قول سلمان الفارسي رضي الله عنه : ((لاتكونن ـ إن استطعت ـ أول من يدخل السّوق ولا آخرمن يخرج منه ، فإنها معركة الشّيطان ، وبها ينصب رايته ))(7)، فالشّيطان قد حط رحله في السّوق ، وجمع جنده وأعوانه ليوقع عباد الله في مساخط الله ، حتى يكونوا تبعا له في الدنيا والآخرة ، فأدار المعركة عليهم ورفع رايته ، فمن اتبع خطواته ساقه أمامه ، ومن تذكر ربه ، وكف جماح نفسه نجا بإذن الله .
أخي المسلم ، إن أعظم نافذة ينفذ منها الشّيطان إلى قلبك هي العين فهو يزين لها المشاهد ، حتى تنقلها إلى القلب ، فهي رأس الحواس ، وأخوف حواسك عليك ، وأقربها إلى الاستيلاء على عقلك وقلبك .
والعين رائد القلب ، وهي مبدأ الزّنا والعياذ بالله فحفظها مهم ، وإن كثيرا من النّاس يستهين بإطلاق نظره في المحرمات ، والآفات كلها منه تنشأ ، فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ، وهومن هو عفة وتقوى وهدى : (( يا علي لاتتبع النظرة النّظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة )) (8)
فالنّظرة الأولى خاطفة ، وليس لها أثر ، أما الثّانية فإن القلب ينتبه ، والشّيطان يعتور القلب حتى يمكن تلك النّظرة منه فتستقر الصّورة فيه ، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ))(9) فكيف بالقلب!!
وقال جرير رضي الله عنه : ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي))(10)(1/34)
فالنّظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النّظرة تولد الخطرة ، والخطرة تولد فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشّهوة إرادة ، وقد قيل : الصّبر على غض البصر ، أيسر من الصّبر على ألم ما بعده ، ولهذا قال الشّاعر :
كل الحوادث مبداها من النّظر ومعظم النّار من مستصغر الشّرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها كمبلغ السّهم بين القوس والوتر
والعبد مادام ذاطرف يقلبه في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ماضر مهجته لامرحبا بسرور عاد بالضرر
أيها المسلم : “من قارب الفتنة بعدت عنه السّلامة ، ومن ادعى الصّبر وُكِل إلى نفسه ، وربَّ نظرةٍ لم تناظَر()، وأحق الأشياء بالضبط والقهر اللسانُ والعينُ :
فتبصر ولاتَشَمْ(11)كلَّ برقٍ رب برق فيه صواعق حَيْن(12)
واغضض الطرف تسترح من غرام تكتسي فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى موافقة النّفـ ـس وبدء الهوى طموح العين(13)
حواشي السهم ...
(1) الظلال 3/1200 .(2) إغاثة اللهفان لابن القيم 1/20 .(3) إغاثة اللهفان 1/14 .(4) المرجع السّابق 1/9 .(5) متفق عليه ، البخاري في النّكاح ، الفتح 9/137 ، ومسلم في الذكر والدعاء 17/ 54 بشرح النّووي .(6) أخرجه مسلم 17/55 .(7) سبق تخريجه .(8) أخرجه أحمد في المسند 5/351، وأبوداود في النّكاح(2149) باب: مايؤمر من غض البصر ، والترمذي في الأدب ، تحفة الأحوذي 8/61 ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7830) .(9) مسلم (2106) وأبو داود (4155) .(10) أخرجه مسلم في الأدب ، باب : نظر الفجاءة 14/139 بشرح النّووي .(11) أي : رب نظرة لايوجد لها مثيل فيما تتركه من آثار .(12) أي : لاتنتظر الخير بعد كل برق .(13) حين أي : هلاك ودمار .(14) طموح العين : تطلعها وكثرة التفاتها،صيد الخاطر لابن الجوزي ص27.
المحتويات
أجب أمر ربك
يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ :{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } [النّور:30](1/35)
أخي ، هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم الله عليهم فلا ينظروا إلا ما أباح النّظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم .
ولماكان النّظرداعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السّلف : النّظرسهم سم إلى القلب ، أمرالله بحفظ الفروج كماأمربحفظ الأبصارالتي هي بواعث إلى ذلك ، قال سبحانه وتعالى : {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم }(1)
أخي المسلم ، “ إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ، لاتهاج فيه الشّهوات في كل لحظة ، فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لاينطفئ ولايرتوي ، والنّظرة الخائنة .. لا تصنع شيئا إلا أن تهيج ذلك السّعار الحيواني المجنون .
وغض البصر من جانب الرّجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرّغبة في الاطلاع على المحاسن ، كماأن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السّهم المسموم” (2)
غض البصر تطهير للقلب
يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :{ ذلك أزكى لهم } أي أطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم ، كماقيل : من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته “ فغض البصر ، وحفظ الفرج ، أطهر للمشاعر ، وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشّهوية في غير موضعها المشروع النّظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط ، وهو أطهرللجماعة ، وأصون لحرماتها وأعراضها ، وجوها الذي تتنفس فيه .
والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ، وهو العليم بتركيبهم النّفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم ، وحركات جوارحهم”(3){إن الله خبير بما يصنعون } ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ :{ يعلم خائنة الأعين } أي : النّظر إلى مانهى عنه . (4)
ولغض البصر فوائد
أخي الكريم ، إن في غض البصر عما لايجوز النّظر إليه فوائد كثيرة أرجوأن تقف عندها بتأمل وتفكر ، ومنها(5)(1/36)
1 أنه امتثال لامر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ... وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وماشقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
2 أنه يمنع من وصول أثر السّهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
3 أنه يورث القلب أنسا بالله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
4 أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
5 أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ... وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشّر عليه من كل مكان .
6 أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ، ويحول بينه وبينها ، فتنفرط عليه أموره ، ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال ـ سبحانه وتعالى ـ :{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }[الكهف:28] وإطلاق النّظر يوجب هذه الأمور الثّلاثة بحسبه .
أيهاالأخ المسلم ، من الخلوة في محلك بالمرأة فإنك بعملك هذا تعرض نفسك لخطرعظيم قدحذرك منه رسولك الكريم أشد التحذير قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ(6) قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) .
وقال صلى الله عليه وسلم :(( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ))(7)
أخي الكريم ، إن الشّيطان ينتظر هذه اللحظة التي تخلو فيها بامرأة ليزين لكما ما لا يرضي الله ، فإذاماحدث وأن خلوت بامرأة عن أعين النّاس فانتبه فإن الله يراك ، ويعلم سرك ونجواك {يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصّدور }
إذاماخلوت الدهريومافلاتقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولاتحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب(1/37)
واعلم أن عليك شاهدين لا يغيبان : {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ماتفعلون} [الانفطار:11]
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلال
فاحذر أن يكتبا في صحيفتك ما لايسرك أن تراه حين تتطاير الصحف ، فإن ذلك يوم عصيب ، فتمثل تلك اللحظة الرّهيبة ، التي أنت فيها ـ وقد تملكك الخوف ، وعلتك الدهشة :{اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}[الإسراء : 14] .
فأحسن العمل أيها الأخ الكريم ، فإن الحساب دقيق .
قال الإمام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ وتلا{ عن اليمين وعن الشّمال قعيد } : “ يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر ! حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشوراً { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك ” (8)
أخي المسلم ، إذا خلوت عن النّاس ، ودعتك نفسك إلى ريبة فتذكر هذا الحديث العظيم : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لأعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ،جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ ،قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ،وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )) (9)(1/38)
فانظر في حالك إذا خلوت بمحارم الله ، عسى ألاتكون ممن يجعل الله عمله هباء منثورا ، ذلك الذي إذا اختفى عن أعين النّاس خوفا منهم ، أوحياء ، لم يخف من الله ولم يستحي منه وهو مطلع عليه .
(( فرب خال بذنب كان سببَ وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة وكأنه قيل له : ابق بما آثرت ، فيبقى أبدا في التخبيط ، قال أبوالدرداء:إن العبد ليخلو بمعصية الله سبحانه وتعالى فيلقي الله بغضبه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ))(10)
حواشي أجب ...
(1) تفسير ابن كثير للآية 3/281 .(2) الظلال 4/2512 .(3) المرجع السّابق .(4) شرح السّنة للبغوي 9/23 .(5) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشّافي ، لابن القيم ص258 بتصرف .(6) الحمو : أقارب الزّوج كأخيه وابن عمه ونحوهما .(7) أخرجهما البخاري في النّكاح ، الفتح 9/330 ، ومسلم 4/1711 .(8) تفسير ابن كثير للآية 3/28 ، قال ابن كثير : “ هذا من أحسن كلام الحسن رحمه الله ” .(9) رواه ابن ماجه عن ثوبان وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(4904) .(10) صيد الخاطر لابن الجوزي ص235 .
المحتويات
اتق مواضع التهم
أيها المسلم ، إنك تكرم نفسك ، وتعرف لها حقها ، فاحفظها عن كل موضع قد يساء بك الظن فيه ، فلا تضعها في موضع ريبة :
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها هوانا بها كانت على النّاس أهونا
ولايعني هذا أنك لا تثق بنفسك ، أوأن النّاس مخطئون إن أساءوا بك الظن ، بل إن هذا من إكرام النّفس ، ومن الأنفة مما ينقصها ، وهذا خلق علمناه الرّسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإليك هذه القصة :(1/39)
جاءت صَفِيَّةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ،ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ(أي تذهب إلى بيتها) فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالا :سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا ))(1)
والرّسول لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا لِما تقرر عنده من صدق إيمانهما ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشّيطان ذلك ، لأنهما غير معصومين ، فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك ، فبادر إلى إعلامهما حسماً للمادة ، وتعليماً لمن بعدهما ، إذا حدث له مثل ذلك ))(2) ويستفاد من الحديث “ التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان ، وطلب السلامة والاعتذار الأعذار الصحيحة ، وأنه متى فعل ما ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء”(3) قال علي بن أبي طالب :(( إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره)) (4)
قال ابن الجوزي :(( ومن له نفس لايقف في مقام تهمة لئلا يظن به ))(5)
وماالمرء إلامن وقى الذم عرضَه وعَزَّ فلا ذام (6)لديه ولاغش
وليس بمن يرضى الدناءة والخنى طباعا ولا من دأبه الهجر والفحش
حواشي اتق مواضع ...(1/40)
(1) متفق عليه البخاري في الاعتكاف الفتح 4/278 ومسلم في الآداب ، باب : بيان أنه يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة وكانت زوجته أو محرما له أن يقول : هذه فلانة ليدفع ظن السّوء به ، مسلم بشرح النّووي 14/156 .(2) فتح الباري 4/208 .(3) شرح النّووي على صحيح مسلم 14/156 .(4) مصائب الإنسان من مكائد الشّيطان لابن مفلح المقدسي ص110 .(5) صيد الخاطر ص399 .(6) الذام : العيب .
المحتويات
حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم
أخي المسلم الكريم ، الغيورعلى محارم المسلمين ، إن لك عرضا كأمك و أختك وزوجتك وبنتك لاترضى لهن مايخدش حياءهن ، أليس كذلك ؟ إنك تغارعليهن ، بل لورأيت أحدا يسيء إليهن لغلى قلبك كما يغلي القدر على النّار ، وهذا أمرحسن ؛ فهو من صفات المؤمنين ، قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يغار وإن المؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه ))(1)
أخي المسلم ، إذاكنت كذلك ـ ولا أظنك إلاكذلك ـ فإن عرض أخيك المسلم حرام عليك ، لايجوز لك انتهاكه بأي وجه من الوجوه .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه ))(2) فاحرص على عرض أخيك حرصك على عرضك ، وسبق في الحديث(3) (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير )).
احذرأيها المسلم من تتبع عورات المسلمين ، ومن إيذائهم في أعراضهم ، فإن هذا أمر عظيم ، ومن فعله متوعد بوعيد شديد ، عن ابن عمر قال : ((صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ))(4)(1/41)
أخي المسلم : إن لك في سلف الأمة خيرَ قدوة ، فاهتد بهديهم ، وسر على منهاجهم تفز برضى ربك ، وتنل جنته ، وتنج من ناره وعذابه .
قال سلمان ـ رضي الله عنه ـ :(( لأن أموت ثم أنشر ، ثم أموت ثم أنشر ، ثم أموت ثم أنشر ، أحب إلي من أن أرى عورة مسلم أويراها مني ))(5)
وأوصى أحدهم ابنه فقال:(( ... يابني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها )) (6)
غيرة العرب في الجاهلية !!
أخي الكريم ، لقد كان العرب في جاهليتهم ذوي غيرة مفرطة ، لا تكاد توصف ، وأنفة عالية ، حتى كان الرّجل منهم يئد المولودة خشية العار ، وقد صور الله ـ سبحانه وتعالى ـ حالة أحدهم إذا بشر بالأنثى في قوله جل ذكره:{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} [النحل:58،59] .
فإن أحدهم إذا بشر بالأنثى حزن حزنا شديدا ، ويتوارى من القوم فيكره أن يراه النّاس حياء وخجلا مما أصابه ، وهو إما أن يترك هذه الأنثى مهانة لايورثها ولا يعتني بها ، أويدسها في التراب حية . خطب رجل إلى أحدهم ابنته فقال :
إني وإن سيق إلي المهر
ألف وعبدان وخور عشر
أحب أصهاري إلي القبر
وكانت العفة حلية الرّجال ، ومفخرة من مفاخر الأبطال ، فهذا عنترة بن شداد يفخر بأنه يغض بصره إن مرت به جارته حتى تدخل بيتها فيقول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وكانت الخنساء قبل إسلامها في مراثيها لأخيها صخر حفية بعفته وحيائه أن يفعل الفاحشة أو يتبع بنظراته النّساء فتقول :
ولم ترَهْ جارة يمشي بساحتها لريبة حين يخلي بيته الجار
ورثى أعشى باهلة المنتشرَ بنَ وهب بأنه عفيف النّظرات فقال :
لايهتك السّتر عن أنثى يطالعها ولايشد إلى جاراته النّظرا(7)
ويقول الآخر مفتخرا بعفافه :
إن للجار إن تغيب عينا حافظا للمغيب والأسرار(1/42)
ما أبالي إن كان للباب ستر مسبل أم بقي بغير ستار
أخي المسلم : هكذا رأيت كيف كانت حياة العرب في جاهليتهم ، وكيف كان عفافهم من غير وازع إيماني ، فما بال النّاس اليوم وقد أنزل إليهم قرآنا يقول الله عنه :{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [ الحشر: 21] ألا إنه لم يقع في قلوبهم ، ولم يخالط بشاشة أفئدتهم فهذا القرآن الذي لو أنزل على جبل شاهق راسٍ لتصدع من خشية الله ، فما لهذه القلوب القاسية :{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }[الحديد : 16]
قال يزيد بن تميم :(( من لم يردعه القرآن والموت ، ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يردع )) (8)
حواشي حافظ على ....
(1) متفق عليه ، البخاري في النّكاح ، باب الغيرة الفتح 9/319 ، ومسلم في التوبة 17/78 بشرح النّووي .(2) أخرجه مسلم في البر ، باب تحريم ظلم المسلم 16/121بشرح النّووي .(3) في المقدمة .(4)رواه الإمام أحمد في المسند 4/421 ، والترمذي وحسنه في البر 6/182 مع تحفة الأحوذي وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 177، والأرناؤطيان:عبد القادر في ذيل مختصر شعب الإيمان ص5 وشعيب في شرح السنة 13/ 104 .(5) الزهد للإمام أحمدص192.(6) حياة الحيوان الكبرى للدميري 2/5 .(7) الحياة العربية من الشعر الجاهلي ، د. الحوفي 362،365.(8) الزّهد للإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ ص210 .
المحتويات
قارب النجاة(1/43)
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ ،وَالْوَاقِعِ فِيهَا ،كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا :لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ))(1)
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
أخي المسلم ، إن ماأنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن الكريم ، وفي السّنة النّبوية الشّريفة من الأوامر والنّواهي لايختص بأحد من المسلمين دون أحد ، بل كل ما فيها من الأحكام مطالب به كل مسلم بالغ عاقل يفهم الخطاب ويرد الجواب في حدود الاستطاعة وهذا أمر معروف .
وأمر آخر وهو أن المسلم مطالب بأن يعمل بالإسلام كله ، لاأن يأخذ ما يوافق هواه ، ويدع ماسوى ذلك ، يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ :{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشّيطان إنه لكم عدو مبين } [البقرة : 208]
فهذا أمر من الله ـ سبحانه وتعالى “ إلى عباده المؤمنين به ، المصدقين برسوله ، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ماستطاعوا من ذلك ” (2) فالخطاب في الآية لجميع المسلمين (( بالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ، دون تضييع بعضه والعمل ببعض ”(3)(1/44)
أيها الأخ المسلم ، لاشك أنك موقن بما ذكرته لك . من أن القرآن والسّنة مخاطب بهما جميع الخلق ، وأنه يجب العمل بجميع شرائع الإسلام وأحكامه ، هذا هو مقتضى إسلامنا ، إذا فأنا أذكِّرك هنا بحكم أنزله الله في كتابه ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ألا وهو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله سبحانه وتعالى :{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون }[آل عمران: 104].
ويقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ :{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ، ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }[ التوبة : 74] .
وهذه الآية فاصلة بين المؤمنين والمنافقين ، وفيها من صفات المؤمنين التي تميزوا بها عن المنافقين :
ـ موالاة المؤمنين ومحبتهم ورحمتهم ومناصرتهم .
ـ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
ـ طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ إقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة .
فمن أخل بهذه الصّفات التحق بالمنافقين بحسب إخلاله ، قال سبحانه وتعالى :{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون }[ التوبة : 67] فصفات المنافقين على الخلاف من صفات المؤمنين كما ترى . ويقول الرّسول صلى الله عليه وسلم :((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))(4)(1/45)
قال النّووي رحمه الله :“وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الكتاب والسّنة ، وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النّصيحة التي هي الدين )) (5) والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية ، أي : إذا قام به من يكفي سقط الإثم والحرج عن الباقين ، أما إذا تركه جميع الناس ، أو قام به من لا يكفي أثم كل من تمكن منه بلا عذر(6)
وهو متعين إذا كان في وضع لا يعلم به إلا هو ، أولا يتمكن من إزالته إلا هو . وترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر موجب غضب الله ومقته ، وجالب سخطه وعقابه قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُوا إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا ))(7)
أخي المسلم ، أجب أمر ربك وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومر بالمعروف وانه عن المنكر ، وهذا لا يتطلب منك جهدا كبيرا ، ولايصرفك عن عملك ، فإذا رأيت ـ وأنت في عملك ـ مالا يرضي ربك فأنكره بلسانك ، بكلمة طيبة هادئة ، ترضي ربك ، وتطهر مجتمعك ، فإن لم تستطع ـ ولا أظنك إلا مستطيعاً ـ فلا أقل من أن تنكر بقلبك ، تبغض المنكر ، وترجو زواله ، وتعين وتشجع من يسعى في إزالته ، وليس دون إنكار القلب مرتبة ضعيفة من مراتب الإيمان ، فما دون ذلك إلا الرضى بالمنكر ثم استحسانه ثم المتابعة عليه وفعله ونشره بين الناس ، وكل ذلك ليس فيه من الإيمان مثقال حبة من خردل ، لأنه عمل لا يقتضيه الإيمان بحال من الأحوال ، بل هو مناف لمقتضياته(8)
فليس لك عذر أمام الله ـ سبحانه وتعالى ـ في ترك هذا الواجب العظيم ، الذي هو من أعظم قواعد الإسلام .
فإن قال قائل : إني مقصر ، أو مرتكب لما أنهى عنه ، أو مفرط في بعض الأمور الظاهرة أو الباطنة ، فلا يسوغ أن آمر أو أنهى وأنا على تلك الصّورة .(1/46)
قيل له : هذا تخذيل من الشّيطان وتسويل من النّفس الأمارة بالسّوء وقد قال أئمة العلم والهدى : لا يشترط في الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر أن يكون كامل الحال ، ممتثلا ما يؤمر به ، مجتنبا ما ينهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به ، والنّهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه ، فإن المسلم يجب عليه شيئان :
الأول : أن يأمر نفسه وينهاها .
الثاني : ويأمر غيره وينهاه . فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر . قال سعيد بن جبير : لوكان المرء لا يأمر بالمعروف ولاينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى عن منكر ، قال الإمام مالك(9) وصدق: من ذا الذي ليس فيه شيء ؟!
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
أخي المسلم ، إن كثيرا من النّاس لم يكتف بتركه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر حتى ضم إلى ذلك صفة أخرى هي أعظم شناعة من سابقتها ، ألا وهي الوقيعة في أعراض رجال الحسبة ، الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر ، وما الأمر إلا كما قال أويس القَرَني(10) ـ رحمه الله ـ إن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين حتى ـ والله ـ لقد رموني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه )) (11)
إن هؤلاء الذين ينتقصون القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ويتصيدون أخطاءهم ويعظمونها وينشرونها بين النّاس ، على خطر عظيم ، وقد جمعوا صفات عظيمة الشّناعة:
ـ ففي فعلهم هذا إيذاء لإخوانهم المؤمنين ، يقول الله سبحانه وتعالى :{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ماكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}[الأحزاب: 58] وإيذاء المؤمنين صفة من صفات المنافقين ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ ... )) الحديث(12)(1/47)
ـ وفيه تخذيل للمؤمنين ، الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر ، وتثبيط لهم ، وإضعاف من هممهم ، وهذه صفة المنافقين ، قال سبحانه وتعالى :{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم } أما المؤمنون حقا ، فهم يتعاونون ويشد بعضهم من أزر بعض :
إذا العبء الثّقيل توازعته أكفُّ القوم خفَّ على الرّقاب
يقول الله سبحانه وتعالى :{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ((إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق))(13)
أخي المسلم ، إن بعض النّاس يقول عن الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر: إنهم فضوليون ، وأقول : هل فعلهم هذا من عند أنفسهم أو هو أمر من الله، إذا فقد وقعوا في خطأ عظيم ، إذ صيروا أمرا لله فضولا.
وإليك هذا الخبر : قال عمر بن صالح : قال لي الإمام أبوعبدالله(أحمد بن حنبل): يا أباحفص ، يأتي على النّاس زمان يكون المؤمن بينهم مثل الجيفة ، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع !!
فقلت : يا أبا عبد الله ، وكيف يشار إلى المنافق بالأصابع ؟. فقال : يا أباحفص ، صيروا أمرالله فضولا ، وقال : المؤمن إذا رأى أمرا بالمعروف ، أو نهيا عن المنكر ، لم يصبر حتى يأمر وينهى ؛ يعني قال : هذا فضول ، قال : والمنافق كل شيء يراه قال بيده(14) على فمه ، فقالوا : نعم الرّجل ليس بينه وبين الفضول عمل ))(15)
ـ ثم إن في لمز القائمين بأمر الله تنفيذا لمخططات الأعداء ، وتحقيقا لأهدافهم ، فقد بذل أعداء الإسلام جهدهم لتشويه صورة الإسلام ، وذلك عن طريق تشويه صورة حامليه ، وبدءوا حملة مسعورة مستترة استعملت فيها كل أفانين الدعاية والإشاعة وأساليب علم النّفس والاجتماع لتشويه سمعة علماء الأمة ” (16)(1/48)
أخي الكريم ، لو اشتغل كل واحد منا بعيوب نفسه ، واجتهد في إصلاحها ، لكان خيرا له وأنفع من اشتغاله بعيوب الآخرين ، قال ابن حزم رحمه الله :“ واعلم يقينا أنه لا يسلم إنسيٌّ من نقص ، حاشا الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ،وصارمن السّخف والضعة والرّذالة ... وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال ... فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة” (17)
قال صلى الله عليه وسلم :(( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ، وينسى الجذع في عينه )) (18)ويقول الشّاعر :
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي من نفسي عن النّاس شاغل
أيها المسلم ، إن هؤلاء القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم يقومون بواجب عظيم عجزأوتكاسل عنه الكثيرون .
هؤلاء هم الذين يرتفع الإثم والحرج بسببهم عن المجتمع ، إذلوسكت الجميع لأثم كل المجتمع ، وكذا لوقام بالأمر من لا يكفي .
وهؤلاء بعملهم تدفع أسباب العذاب والفتنة بإذن الله ، إذ السّكوت عن المنكر سبب لوقوع العذاب .
أرأيت أيها المسلم عظم جناية أولئك المتصيدين أخطاء هذه النّخبة الطيبة من المجتمع ، وإن العجب لا ينقضي من فعل أولئك أهو بغض للخير وانتشاره ، أم هو حب في المنكرات وشيوعها ، أم حسد أم جهل وبعد عن تعاليم الكتاب والسّنة أم غرور وانخداع ببريق زائف خادع ، وإلا فما ينقمون منهم إلا أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويقوموا لله بالقسط ، ألا ما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم ! .
أخي الكريم : لنكن كما قال الله سبحانه وتعالى :{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.(1/49)
“ إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الأمة المؤمنة ، طبيعة الوحدة وطبيعة التكامل وطبيعة التضامن ، ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشّر .
وتحقيق الخير ودفع الشّر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون ، ومن هنا تقف الأمة المؤمنة صفا واحدا ، لاتدخل بينها عوامل الفرقة ، وحيثما وجدت الفرقة في الجماعة المؤمنة فثمة ولابد عنصر غريب عن طبيعتها ، وعن عقيدتها هو الذي يدخل بالفرقة ثمة غرض أو مرض يمنع السّمة الأولى ويدفعها السّمة التي يقررها العليم الخبير !” (19)
وكن على الدهر معوانا لذي أمل يرجونداك فإن الحر معوان
واشدديديك بحبل الله معتصما فإنه الرّكن إن خانتك أركان (20)
حواشي قارب ...(1/50)
(1) أخرجه البخاري في الشّهادات ، الفتح 5/292 .(2) تفسير ابن كثير 1/247 .(3) تفسير الإمام الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن 4/255 (المعارف).(4) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب بيان كون النّهي عن المنكر من الإيمان ، 2/23 بشرح النّووي .(5) شرح النّووي على صحيح مسلم : 2/ 22.(6) انظر: شرح النّووي على صحيح مسلم 2/23 ، ورسالة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لابن تيمية ص29 وإحياء علوم الدين للغزالي 2/307 .(7) سبق تخريجه .(8) انظر الأخلاق الإسلامية ، عبد الرحمن الميداني 2/653. (9) انظر في هذه المسألة شرح النّووي على صحيح مسلم 2/23 ، وتفسير ابن كثير 1/85 ، وتفسير ابن سعدي 1/57 .(10)هو أويس بن عامر القَرَني، من عباد التابعين المقدمين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :(( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ)) أخرجه مسلم في فضائل أويس القرني 16/65 بشرح النّووي .(11) صفة الصّفوة لابن الجوزي 3/33 والاعتصام للشاطبي 1/30 .(12) سبق .(13) الأمربالمعروف والنّهي عن المنكر للإمام الخلال ص48 .(14) كناية عن إغلاق الفم عن الكلام أي صمت فلم يأمر ولم ينه .(15) الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر للإمام أبي بكر الخلال ص47 .(16) المشايخ والاستعمار ، حسني شيخ عثمان ص7 .(17) الأخلاق والسّير ، أو:مداواة النّفوس لابن حزم ص65 .(18) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص453 رقم (1847) باب : فيمن ينهى عن منكر ويفعل أنكرمنه، وصححه الألباني ، صحيح الجامع رقم(7890) . (19) في ظلال القرآن ، 3/1675 .(1/51)
(20) من قصيدة : عنوان الحكم للبستي .
المحتويات
كن مفتاحاً للخير مغلاقا للشر
أيهاالأخ المسلم ، لقد بذل أعداء الإسلام جهدهم في إفساد المجتمعات الإسلامية أخلاقياً وفكرياً ، وذلك حتى يتمكنوا من السّيطرة الفكرية عليها ، والتحكم في عقول أبنائها ، وقد سلكوا لتحقيق هذا الغرض سبلا شتى ، وليس هذا مجال الحديث عنها ، ولكنني أتحدث إليك عن واحدة من أبرز وسائلهم ألا وهي “الصحف والمجلات” فقد روجوا من خلالها بضاعتهم .
إن من يلقي نظرة خاطفة على هذه المجلات . لن يجد إلا صورة فاتنة أو خبرا مثيراً ، أو فكرا مدمرا ، أو قصصا ماجنة تثير الغرائز وتحرك الهواجس وتوقض هاجع الشّهوة .
ولو تتبعنا تاريخ صدور أوائل هذه المجلات فسنجد بعضها مرتبطاً بالحرب العالمية الأولى التي تكاتف فيها الغزو الصّليبي على الأمة الإسلامية ، وأما أوائل المنشئين لهذه المجلات والقائمين عليها فلا يخرجون عن صليبي حاقد أو يهودي خبيث المقصد والطوية ، من مستعمر غاصب ، أو مستشرق يدس السم في العسل ، ولك أن تطالع أي كتاب أرخ لتلك الفترة لتعرف صدق مقولتي (1) يقول أحد من نشأ وتفتحت عيناه على هذا الغثاء وهوخبيربهذا الشّأن:(1/52)
“ لقد تفتحت أعيننا في الصّبا ، فإذا نحن في بيداء موحشة نخبط في دروب ملتوية ، ونعرج يمنة ويسرة بعيدين عن جادة الحق ، وأبواق الثّقافة الدخيلة يقودون القافلة إلى مصرعها الوخيم ، وينفثون فيها السّموم المخدرة حتى تستكين لهم وتسلم قيادها ، وهي في غفلة عما انطوت عليه جوانحهم ... جاءوا بقصص خليع يثير الشهوة ، ويقتل الحياء ، ويلطم وجه الفضيلة والشرف، ويوحي بالإجرام والفسق ... وأدب موبوء يزلزل العقيدة ويخدش وجه العفاف ويعرض على الناس باسم القصة ، إنه أدب نغل(2) ، وورد آسن ، وغذاء عفن ، التقطه من يتجرون بعقلية الجماهير ، ومن وقعوا وقوع الذباب على الفضلات الفاسدة من نفايات الحضارة الأوربية ، وقدموه لقومهم في شكل زري . إن النّفوس المريضة ، والعقول الهزيلة التي يخلبها (3)الزّيف ، وتغويها المظاهرالخداعة والقلوب الخالية من الإيمان هي التي تهيم بالأباطيل فتعتسف الطريق(4)، وتنفذ في سراديب(5) البهتان ...))(6)
أخي المسلم : أما تحب أن تكون مفتاحا للخير ، مغلاقا للشر ، فإن الرّسول صلى الله عليه وسلم يقول:(( إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ،فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلاقا لِلشَّرِّ ،وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ مِغْلاقًا لِلْخَيْرِ))(7)
أخي المسلم الغيورعلى دينه ومجتمعه ، بعد أن عرفت منشأ هذه المجلات والقائمين عليها ، والهدف من إصدارها وترويجها في بلاد المسلمين أقول لك :
ـ إنك ببيعك إياها تعين هؤلاء وأولئك على نشرسمومهم ، وزبالة أفكارهم وعلى إفساد مجتمعك بنشر الصّور المثيرة للغرائز ، والمقالات المشوشة للأذهان .
ـ فهل ترضى أن تكون ساعدا يحمل معول هدم لمجتمعك؟(1/53)
ـ وهل طابت نفسك أن تكون ممن يعين على الإثم والعدوان ، ويخذل أهل الحق والداعين إليه ؟ ، والله سبحانه وتعالى يقول :{ وتعاونوا على البروالتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}[المائدة:2]
ـ وهل طابت نفسك واطمأن قلبك أن تكون ممن يشيعون الفاحشة في المؤمنين وينشرون الفساد والانحلال بين أبناء المسلمين؟ والله جل ذكره يقول :{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لاتعلمون }[النّور : 19]
ـ ثم هل ترضى أن تأكل مالا حراما،وتطعم أولادك وتكسوهم بمال حرام وقد عرفت وعيد من أكل المال الحرام(8)
وقد أفتى العلماء بحرمة بيع هذه المجلات ، وشرائها واقتنائها . قال فضيلة الشّيخ محمد بن صالح العثيمين : “ إن اقتناء مثل هذه المجلات حرام ، وشراءها حرام ، وبيعها حرام ، ومكسبها حرام ، وإهداءها حرام ، وقبولها حرام ، وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام ))(9)
قفأيها المسلم ، المحب لدينه ، المشفق على نفسه مع نفسك وحاسبها وتفكر في حالك ، وما جررته عليها ، أكل هذا من أجل مال حقير ، منزوع البركة في الدنيا ، وهو عذاب أليم في الآخرة ؟! ، إنك موقوف فمسؤول عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته(10) فماذا أنت قائل عندا لسؤال ؟ أتقول : كسبته من بيع مجلات تستثير الغرائز البهيمية ، وتسمم أفكار الشّباب ؟ هذا جوابك لا محالة ، ولن تستطيع الحياد عنه ، فإن الله يعلم السّر وأخفى ، وذلك الموقف حق أنت مؤمن به ومصدق لأنه جاء عن الصّادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى . فهل ترضى بذلك جوابا،إذا:فكرفي الأمر، وتأمل عاقبته:
وإذا التَمَسْتَ دخولَ أمر فالتمس من قبلِ مَدْخَلِهِ سبيلَ المخْرجِ
راقب العواقب تسلم(1/54)
أخي الكريم “ من لم يراقب العواقب غلب عليه الحس ، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السّلامة وبالنَّصَب مارجا منه الرّاحة . وبيان هذا في المستقبل ، يتبين بذكر الماضي ، وهو أنك لاتخلو، أن تكون عصيت الله في عمرك أو أطعته. فأين لذةُ معصيتك ؟وأين تعبُ طاعتك ؟ هيهاتَ رحلَ كلٌّ بما فيه ! فليت الذنوب إذا تخلت خلت(11)
وأزيدك في هذا بيانا : مثّل ساعة الموت ، وانظر إلى مرارة الحسرات على التفريط ولا أقول:كيف تغلب حلاوة اللذات؛ لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلا ، فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم . أتراك ماعلمت أن الأمر بعواقبه ؟ فراقب العواقب تسلم ، ولاتمل مع هوى الحس فتندم ”(12)
حواشي كن مفتاحا للخير...
(1) انظرمثلاكتاب:في الأدب الحديث ، عمر الدسوقي، في الأدب الحديث تاريخ ودراسات :د.محمد بن سعد بن حسين ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ، محمودمحمدشاكر.(2) أي : فاسد .(3) يخدعها . (4) اعتسف الطريق : ركبه من غير قصد ولا هدى . (5) جمع سرداب وهو المكان الضيق . (6) في الأدب الحديث ، عمرالدسوقي 1/466. (7)رواه ابن ماجه في مقدمة سننه باب(19) من كان مفتاحا للخير. (8) سبق ذكر الأحاديث الواردة في ذلك . (9) خطبة حول فتن المجلات ص15 . (10) سبق الحديث وتخريجه .(11) تخلت : تركتك ، خلت : أي تركت لك بالا خالياً من الهموم .(12) صيد الخاطر لابن الجوزي ص24،25 .
المحتويات
لا ضرر ولا ضرار
ـ 1 ـ
أيها الأخ الكريم ، إن ديننا الحنيف أحل لنا من المعاملات والمكاسب ما لاضرر فيه ، ولا إثم ، وأمرنا بالأكل من الطيبات ؛ لما لها من أثر واضح على البدن في نشاطه وسلوكه ، وطواعيته ، وحرم كل خبيث حسي أو معنوي لما يكسب متعاطيه من آثار سيئة تضرالفردوالمجتمع .(1/55)
يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :{ ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } [الأعراف:157] . فكل ما أحل الله ـ سبحانه وتعالى ـ من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ماحرمه فهوخبيث ضار في البدن والدين(1)
ـ 2 ـ
ثم اعلم ، أن هدف هذه الشّريعة السّمحة هو إصلاح النّفوس وتنشئة الإنسان الصّالح طاهر القلب ، نقي الثّوب ، الشّجاع الأمين ، الصّادق البار الوفي ، المخلص العادل الطيب ، سليم النّية والطوية ، البعيد عن كل الأدناس والأرجاس الحسية والمعنوية ، وقد جاءت الشّريعة محققة لهذه الغاية على أتم الوجوه وأكمل الصّور(2)
ـ 3 ـ
واعلم أن من القواعد الكلية لشريعتنا الغراء ، أنه لايجوز للإنسان أن يضر نفسه ، أويضرغيره بقول أوفعل أو سبب بغير حق ، وسواء كان له في ذلك نوع منفعة أولا ، وهذا عام في كل حال على كل أحد ، ولفظ القاعدة الجامع ((لاضررولاضرار ))(3)
ـ 4 ـ
ثم اعلم أن من البدهيات أنه لايلزم في تحريم شيء ما أن ينص عليه بعينه ، فإن الرّسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما فصل وسمى مايعرفه أصحابه ويشاهدونه واكتفى بالعمومات ، والقواعدالمجملة التي يدخل فيها ما يوجد بعد(4)
ـ 5 ـ
واعلم أيضا ، أنه يجب على المسلمين التعاون فيما بينهم على البر والتقوى وهما كلمتان جامعتان يشملان كل خير ، وألايتعاونواعلى الإثم ، وهو كلمة جامعة لكل شر .
وبعد هذه المقدمات الخمس المهمة لعلك عرفت المقصود بالكلام هنا إنني أحدثك عن داء ابتلي به كثير من المسلمين استعمالا وتجارة ، ألا وهو : “الدخان”، فقد اتخذ مصدرا للكسب .
أخي المسلم إني سائلك فأجب :
ـ هل هومن الطيبات التي لها نفع في البدن والدين؟.
ـ هل بيعه واستعماله مما يحقق هدف شريعتنا السّمحة من إصلاح النّفوس وتنشئة الإنسان الصّالح ، طاهر القلب ، البعيد عن كل الأدناس والأرجاس الحسية والمعنوية ؟.(1/56)
ـ وهل في بيعه واستعماله إضرار بالنّفس ، وإضرار بالمسلمين ، أو ليس فيه شيء من ذلك ؟.
ـ وهل بيعه والإعانة على انتشاره بين المسلمين من التعاون على البر والتقوى التي أمرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بها في كتابه العزيز ، أوهومن التعاون على الإثم والشّر ؟.
أخي الكريم ، أجب على هذه الأسئلة الأربعة بتجرد عن الهوى ، وحب في الوصول إلى الحق ، ثم اعلم أن كلمة العلماء متفقة على تحريم الدخان سواء في ذلك بيعه وشراؤه واستعماله أوتأجيرمحل على من يبيعه ، أو الإعانة على بيعه بأي وجه .
قال سماحة الشّيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله: “مما يعلم كل أحد تحريمنا إياه ـ يعني الدخان ـ نحن ومشايخنا ومشايخ مشايخنا وكافة المحققين من أئمة الدعوة النّجدية وسائر المحققين سواهم من العلماء في عامة الأمصار من لدن وجوده بعد الألف بعشرة أعوام أو نحوها حتى يومنا هذا استناداً على الأصول الشرعية والقواعد المرعية ” (5)
وقال الشّيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : “ أما الدخان شربه والاتجار به والإعانة على ذلك فهو حرام لا يحل لمسلم تعاطيه شربا واستعمالا و اتجارا ” (6)
وقد ذكرسماحة الشّيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عددا ممن أفتوا بتحريمه من كل مذهب وكذا الشّيخ أحمد بن حجر آل أبوطامي ، ونقل تحريمه الشّيخ حمود التويجري عن نحو خمسين عالما من مشاهير أتباع الأئمة الأربعة(7)
وبعد . فليس هذا مجالَ إطالة الكلام في حكم الدخان وأدلة تحريمه ولكنها ذكرى للذاكرين .(1/57)
ولعلك تقول : إن من يبيعه أويستعمله كثير ، وقد أُعْلن وأُظهرشربه بلا نكير في الأسواق والمتاجر ، ثم تعتقد ويترجح لديك أن هؤلاء الأجناس مع كثرتهم أولى بالصّواب ، فأقول لك : إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول :{ وإن تطع أكثرمن في الأرض يضلوك عن سبيل الله * إن يتبعون إلا الظن وإنهم إلا يخرصون}[الأنعام:116] فليس لديهم برهان من ربهم وإنما هي ظنون وأوهام وتخرصات يمليها عليهم الشيطان . وقال ـ سبحانه وتعالى ـ :{ وإن كثيرا من النّاس عن آياتنا لغافلون} [يونس : 92].
حواشي لا ضرر ...
(1) تفسير ابن كثير 2/254 .(2) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ، عبد الرحمن عبد الخالق ص13 .(3) وهو حديث للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :أخرجه أحمد 5/326 ، وابن ماجه (2340) وغيرهم وصححه الألباني في إرواء الغليل : رقم (896) 3/408) .(4) التدخين ، مادته وحكمه للشيخ عبد الله بن جبرين ص93 . (5) فتوى في حكم شرب الدخان ص1 . (6) حكم شرب الدخان ، مطبوع مع الفتوى السّابقة ص26 . (7) التدخين مادته وحكمه للشيخ عبدالله بن جبرين ص88 .
المحتويات
لا ترجمان بين العبد وربه
عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلايرى إلاما قدم من عمله ، وينظر أشأم منه فلايرى إلاماقدم ، وينظربين يديه فلايرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النّار ولوبشق تمرة )) (1)
فتأمل ـ أخي المسلم ـ موقفك غدابين يدي العزيز القهارفإنها والله ساعة لايخفى على الموقنين رهبتها ، ولاعلى المتقين شدتها ، فإياك والتخليط في العمل والكسب فإن العمر قصير والأجل قريب ، ولا تغرنك الحياة الدنيا وزينتها :
كن من الدنيا على وَجَلٍ وَتوقَّعْ سرعةَ الأجلِ
آفةُ الألبابِ كامنةٌ في الهوى والكسبِ والأملِ
تخدع الإنسان لذَّتها فهي مثل السّم في العسلِ(1/58)
أنت في دنياك في عملٍ والليالي فيك في عملِ
حواشي لا ترجمان ...
(1) أخرجه البخاري في : التوحيد ، الفتح 13/474.
المحتويات
وختاما
أيهاالأخ الكريم : لعلي أثقلت عليك فيما توجهت به إليك ، ولكن لابأس فراحتك أريد ، وسعادتي وإياك في الدارين أنشد . فاتق الله ما استطعت ، ففي تقوى الله كل خير ، وهي سبب في تفتح أبواب الرّزق قال سبحانه وتعالى :{ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب } [الطلاق:3] وبعد : فأسأل الله العلي القدير أن يحسن عاقبتنا في الأموركلها ويجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأن يتولاني وإياك برحمته وتوفيقه وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله .
أرجو من كل أخ اطلع على هذا الجهد المتواضع فرأى فيه ما يحتاج إلى تنبيه بزيادة أو نقص أو تعديل أو غير ذلك أن يبادر بالكتابة ، تحقيقاً لقوله تعالى :{وتعاونوا على البر والتقوى}
alawoad@naseej.com
المحتويات
المصادر والمراجع
1. الأخلاق والسّير ، أو:مداواة النّفوس لابن حزم.
2. الأدب المفرد للبخاري
3. الأشباه والنّظائر للسيوطي
4. الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر للإمام أبي بكر الخلال.
5. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، حققه شعيب الأرناؤوط
6. إحياء علوم الدين للغزالي
7. الأخلاق الإسلامية ، عبد الرحمن الميداني
8. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني
9. الاعتصام للشاطبي.
10. اغاثة اللهفان لابن القيم.
11. تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي.
12. تخريج أحاديث كتاب “ الحلال والحرام للقرضاوي” للألباني
13. تخريج العراقي لأحاديث الإحياء
14. التدخين ، مادته وحكمه للشيخ عبدالله بن جبرين .
15. الترغيب والترهيب للمنذري
16. تفسير ابن سعدي
17. تفسير ابن كثير
18. تهذيب سيرة ابن هشام ،عبد السّلام هارون
19. جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام ابن جرير الطبري.(1/59)
20. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشّافي ، لابن القيم .
21. حياة الحيوان الكبرى للدميري.
22. الحياة العربية من الشعر الجاهلي ، د. الحوفي.
23. خطبة حول فتن المجلات .
24. رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ، محمود محمدشاكر.
25. الزّهد للإمام أحمد بن حنبل.
26. سلسلة الأحاديث الصّحيحة للألباني
27. سنن أبي داود
28. سنن ابن ماجة .
29. سنن الترمذي
30. سنن الدارمي
31. السنن الكبرى للبيهقي
32. شرح السّنة للإمام البغوي
33. شرح القواعد الفقهية لأحمد الزّرقا .
34. شرح النّووي على صحيح مسلم.
35. صحيح البخاري
36. صحيح الجامع الصغير للألباني.
37. صحيح مسلم
38. صفة الصّفوة لابن الجوزي
39. صيد الخاطر لابن الجوزي .
40. فتح الباري بشرح صحيح البخاري
41. الفتح الرّباني في ترتيب مسند الإمام أحمد للسّاعاتي.
42. فتح القدير للشوكاني
43. فتوى في حكم شرب الدخان
44. للشيخ محمد بن إبراهيم .
45. فضل الله الصّمد بتوضيح الأدب المفرد للجيلاني
46. في الأدب الحديث تاريخ ودراسات :د.محمد بن سعدبن حسين
47. في الأدب الحيث لعمر الدسوقي
48. في ظلال القرآن ، سيد قطب .
49. فيض القدير شرح الجامع الصّغير ، للمناوي.
50. الكبائر للذهبي
51. كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب مع حاشيته لابن قاسم .
52. مجمع الحكم والأمثال .
53. مختصر شعب الإيمان للقزويني .
54. المستدرك للحاكم
55. المسند للإمام أحمد
56. المشايخ والاستعمار،حسني شيخ عثمان.
57. مصائب الإنسان من مكائد الشّيطان لابن مفلح المقدسي .
58. المصباح للفيومي
59. المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ، عبدالرّحمن عبدالخالق
60. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان لأبي بكر الهيثمي
61. الموطأ ، للإمام مالك رحمه الله .
62. النشاط التنصيري في الوطن العربي ، د. إبراهيم عكاشة ، جامعة الإمام .
63. النّهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير(1/60)
64. الوصية الصغرى لابن تيمية ، تحقيق سليم الهلالي .
المحتويات
عودة(1/61)