الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
نحو أسرة
هانئة مستقرة دون عنف
إعداد
الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
باتت ظاهرة العنف الأسري حدثاً يومياً بارزاً في كثير من بقاع الأرض، وهذا يعود لأسباب عديدة يقع في رأسها ضعف البناء التربوي للأشخاص، وعدم التنشئة السليمة لهم، وانتشار مظاهر التفكك الأسري والاجتماعي على نطاق واسع، كما يساعد في ذلك الجهل بالمفاهيم وبالقيم والتوجيهات الدينية، وضعف الوازع الأخلاقي في النفوس، وسيطرة الأهواء والمصالح الضيقة والرغبة في تحقيقها على حساب الآخرين ومشاعرهم وراحتهم وأمنهم.
وإن المطالع لما تنشره وسائل الإعلام المتعددة حول العنف الأسري ليلاحظ التزايد في وقائعه كماً ونوعاً، فقد بتنا نسمع عن أنواع من العنف لم تكن تعرفها مجتمعاتنا في السابق مما يتطلب جهوداً كبيرة لمواجهة ذلك، بهدف إيجاد أسرة هانئة مستقرة تقوم على وعي أفرادها لمسؤولياتهم وواجباتهم تجاه بعضهم بعضاً... .
وهذه الجهود تتنوع لتشمل جهوداً تربوية وإعلامية مكثفة وجهوداً على مستوى التشريع والقضاء وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني في إطار خطة شمولية تلاحظ أبعاد هذا الموضوع الخطير، وتتعامل معه على أسس علمية واعية سليمة لتحد من هذه الظاهرة بكل وسيلة ممكنة تمهيداً للقضاء عليها بتعاون كل قوى المجتمع الفاعلة، مما يحقق الالتزام بهدى الشريعة الغراء ويوفر الرضا والطمائنينة للمعنيين في هذا المجال ويساعد في تقدم المجتمع ونهضته ورقيه.
ونحن في هذه الدراسة نركز على تحقيق العدل في إطار الأسرة وهو الوسيلة الفاعلة في منع العنف والتجاوز لأنه من المعروف أن الظلم والعنف يتداخلان في هذا المجال فالظلم من أشد أنواع العنف، والعنف فيه أسوأ أنواع الظلم، والعنف كما سنرى يشمل العنف المادي والعنف المعنوي.(1/1)
وواضح أن هذه الدراسة تركز على عرض مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها المعالجة لهذا الموضوع بكل أبعاده بما يشمل التوجيهات والأحكام العملية التي أخذت طريقها للتشريع، ولكنها لا تغفل الواقع المعاش والإجراءات المطلوبة للمعالجة ... ومن هنا لا بد أن تتعرض هذه الدراسة إلى بيان مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها المعالجة لهذا الموضوع، وإلى دراسة الواقع المعاش والإجراءات المطلوبة للمعالجة.
وعلى ذلك فإن هذه الدراسة تنقسم إلى المطالب التالية:
المطلب الأول: عناية الإسلام بالأسرة وأهم قواعده في ذلك.
المطلب الثاني: منهج الإسلام في حل مشكلات النزاع الأسري ويشمل ثلاثة فروع :
الفرع الأول: الخطوات التي تسبق الطلاق والتفريق بين الزوجين.
الفرع الثاني: نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية وحرصه على الإبقاء على الأسرة قدر الإمكان.
الفرع الثالث: الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب التفريق من زوجها.
المطلب الثالث: الواقع المعاش والإجراءات المطلوب اتخاذها للمعالجة.
المطلب الرابع: العنف الأسري في المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والموقف منها.
المطلب الأول
عناية الإسلام بالأسرة وأهم قواعده في ذلك
أهتم الإسلام بالأسرة أيما اهتمام، وحرص على استقرارها واستمرارها، باعتبارها اللبنة الأساسية، في بناء المجتمع فقوة الأسرة قوة للمجتمع، وتماسكها تماسك له، فهي أساس وجوده ومحور استقراره، فلا يمكن قيام مجتمع متماسك قوي إلا إذا كانت الأسرة فيه قوية متماسكة. ومن هنا أولاها الإسلام هذه العناية فتعددت النصوص الشرعية التي تؤكد على أهمية الأسرة وترسم معالمها، وتضع المباديء والقواعد المنظمة لكل أمورها، ومن أهم هذه المباديء والقواعد:(1/2)
1) الأسرة بداية انطلاق الحياة الإنسانية على هذه الأرض وهي أساس استمرارها واستقرارها قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (1) ، وقال سبحانه: { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } (2) .
2) العلاقة بين الزوجين أساسها المودة والرحمة، والتعاون والتحاب، بحيث يسكن كل من الزوجين إلى الآخر، فيجد فيه وعنده الاطمئنان والعطف والحنان والمحبة، ويحصل منه على العون والدعم والمساعدة على مشاق الحياة، قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } (3) .
__________
(1) ) ... النساء (1).
(2) ) ... النحل (72).
(3) ) ... الروم (21).(1/3)
3) لكل من الزوجين حقوق على الآخر، أساسها المساواة والتكافؤ وتوزيع الواجبات والمسؤوليات على أساس من التكامل والتعاون في إقامة الحياة الطيبة على هذه الأرض: فللمرأة على زوجها حق المهر والنفقة، والمعاشرة بالمعروف، وله عليها حق الطاعة بالمعروف، والمحافظة على أولاده وبيته وماله .. ألخ، وكل منهما مسؤول أمام الله عن أداء واجباته قال تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى } (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها" (2) .
__________
(1) ) ... آل عمران (195).
(2) ) ... أخرجه البخاري.(1/4)
4) شدد الإسلام على ضرورة أن يتعامل الزوجان بالحسنى، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (1) ، والمعروف كل ما تعارف الناس عليه من المعاملة الحسنة، فلا تصح المضارة والمضايقة والإهانة، ولا يصح الأذى والعدوان والتحدي، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (2) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً والطفهم بأهله" (3) ، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته، فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وانك لن تنفق نفقة فتبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امراتك" (4) ، وروى العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر. قال: فأتيتها، فسقيتها، وحدثتها بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (5) ، ونبه القرآن الكريم إلى أنه لا بد أن يتحمل كل من الزوجين ما يكرهه من الآخر، ويصبر على ذلك، فالناس لا يتساوون في الطبائع والأمزجة والأخلاق والعقول، فلكل أخطاؤه وهفواته، ولا كمال لغير الله تعالى ثم إن ذلك قد يكون فيه الخير الكثير، ففضل الله واسع، ونعمه لا تحصى، قال تعالى: { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً } (6) ،
__________
(1) ) ... النساء (19).
(2) ) ... أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان والطبراني الترغيب والترهيب ج 3 ص 49.
(3) ) ... أخرجه الترمذي والحاكم الترغيب والترهيب ج 3 ص 49.
(4) ) ... أخرجه البخاري ومسلم. الترغيب والترهيب ج 3 ص 62.
(5) ) ... أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط. الترغيب والترهيب ج 3 ص 64.
(6) ) ... النساء (19)..(1/5)
وقال عليه السلام: "لا يفرك (1) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (2) . والخطاب موجه إلى الأزواج في هذه النصوص، لأن الإسلام قد جعل في الغالب إنهاء الحياة الزوجية بأيديهم عن طريق الطلاق كما سنرى ويرسم قوله تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } (3) ، صورة مشرقة بين الزوجين ويعبر عن حاجة كل منهما للآخر حاجته للباس عنواناً للدفء والرعاية والحنو وقال سبحانه : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } (4) . وقد جاء الحث العام على إحسان معاملة النساء على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عنكم" ومن أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - المهمة في هذا المجال قوله: "إنما النساء شقائق الرجال" (5) والشقيق صنو الشقيقة فالشقيق هو الأخ من الأب والأم فالنظر الإسلامي يقوم على تقرير مساواة المرأة بالرجل في الإنسانية والحقوق الأساسية مما أطال الباحثون في بيانه عند الحديث عن نظرة الإسلام إلى المرأة والله سبحانه يقول: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } (6) ، ويقول جل من قائل : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } (7) ، وإن للرجال عليهم درجة قوله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } (8) ،
__________
(1) ) ... بفتح الراء والياء وإسكان الفاء بينهما، والمعنى: لا يبغض.
(2) ) ... أخرجه مسلم وأحمد.
(3) ) ... البقرة (187).
(4) ) ... الطلاق (6).
(5) ) ... أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. المعجم المفهرس ج 3 ص 162.
(6) ) ... النحل (97).
(7) ) ... آل عمران (195).
(8) ) ... البقرة (228)..(1/6)
في رئاسة الأسرة وإدارة شؤونها كما يوضح قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (1) ، وقد جاء قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } (2) ، في سياق تحدث عن الطلاق وحق الزوج برد زوجته إلى عصمته أن أراد الإصلاح بعد وقوع الطلاق الرجعي مما يؤكد أن هذه الدرجة تتعلق برئاسة الأسرة وإدارتها.
المطلب الثاني
منهج الإسلام في حل مشكلات النزاع الأسري
الفرع الأول
الخطوات التي تسبق الطلاق والتفريق بين الزوجين
والحياة الأسرية لا تسير دائماً وفق الأماني والأحلام، فقد يحدث ما يعكر صفوها بسبب الظلم والتجاوز من الرجل على المرأة أو من المرأة على الرجل أو قد يكون منهما أو من أحدهما على بقية أفراد الأسرة من الآباء أو الأبناء وفي هذه الحالات لا بد من التدخل للمعالجة وإنقاذ الحياة الأسرية من الانهيار أو التعرض للمشكلات التي تهز أمنها واستقرارها ولهذا خطوات عديدة يقع في طليعتها الوعظ والتوجيه العام والتذكير بنظرة الإسلام إلى الحياة الزوجية التي سبق عرض أهم ملامحها والتذكير بالعلاقة المتميزة التي يقيمها الإسلام بين أفراد الأسرة والأقارب بصفة عامة كما يقع في طليعة التحذير من الظلم والتجاوز على الآخر وأن الكل سيقف بين يدي الله سبحانه للحساب على ذلك في اليوم الآخر وأن الله قد يعجل العقوبة في الدنيا، وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب وإذا لم ينصاع الزوجان وأفراد الأسرة لهذا الترغيب والترهيب فإن هنالك خطوات تخص كل حالة من الحالات نبينها فيما يلي:
__________
(1) ) ... النساء (34).
(2) ) ... البقرة (228).(1/7)
1) فإذا كان ذلك عناداً ونشوزاً ومخالفة من المرأة لزوجها، فقد حث الإسلام الرجل على أن يبذل قصارى جهده في إصلاح زوجته: أولاً عن طريق وعظها بالقول الطيب والتنبيه الحسن والتبصير بعواقب سلوكها السيء، فإن لم ينفع ذلك معها هجرها وامتنع عن معاشرتها معاشرة الأزواج، لعل هذا يشعرها بحاجتها إليه، وعدم إمكانها الاستغناء عنه. فإن لم يفد ذلك في ردع المرأة، وتمادت في سوء سلوكها، وتمردت على قواعد الحياة الزوجية وأصولها، أجاز الإسلام لزوجها أن يؤدبها بالضرب غير المبرح الذي لا يترك أثراً، ولا يمتهن الكرامة، بقصد الإصلاح لا الإيذاء، قال تعالى: { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } (1) .
ويتخذ بعض الأزواج من هذه الآية ذريعة للقسوة في معاملة الزوجة بمناسبة وبدون مناسبة بحجة أن الله سبحانه وتعالى قد أذن بضربها ولكنهم يغفلون عن جملة من الحقائق والقواعد التي حرصت الشريعة على بيانها :
1) فهذا الضرب الذي سمح به من حيث المبدأ، وارد بعد استنفاد الخطوات المسبقة في حالات نشوز المرأة أي خروجها على قواعد الزوجية ومبادئها المعروفة المستقرة فلا يجوز اللجوء إليه بحال إذا لم يكن هنالك نشوز لم ينفع في معالجته الوعظ والتهجير وقد جاء النص القرآني جازماً وصريحاً في التأكيد على ذلك: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } (2) .
2) إن هذا الضرب قد جاءت السنة النبوية وهي المبينة والمفسرة للقرآن الكريم بتوضيح المراد به وحالات اللجوء إليه وضوابط ذلك وذلك في جملة من الموجهات الواضحة:
__________
(1) ) ... النساء (34).
(2) ) ... النساء ( 25 ) .(1/8)
أ) إن الأفضل والمرغب به هو عدم اللجوء إليه إقتداء بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عليه الصلاة والسلام لم يضرب امرأة قط عن عائشة رضي الله عنها: "لم يضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة له ولا خادماً قط" (1) ، كما أنه رغب في قوله بعدم اللجوء إليه وقال - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب كرامكم، وقال - صلى الله عليه وسلم - "أطعموهن مما تأكلون وأكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن" (2) . وأي أجر يناله المسلم بالإقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } (3) .
ب) إن هذا الضرب أن وقع فليكن غير مبرح وليكن بعيداً عن الوجه ولا يترك أثراً فعندما سئل العباس عن المقصود بالضرب غير المبرح قال: بالسواك ونحوه (4) .
ج) وقد نبهت بعض الأحاديث النبوية أن الضرب وارد في حالات معينة من النشوز فقد جاء :
1. إن هذا الضرب إذا خرج عن هذه الموجهات والضوابط يكون اعتداء مباشراً في النظر الإسلامي من شخص على آخر الأصل أن يعامله بكل مودة ورحمة ولكنه اعتدى عليه وقسى، فهو موجب للعقاب والمحاسبة في الدنيا والآخرة، وللإمام المسلم أن يضع من الإجراءات تعزيراً ما يكفي للزجر عن وقوع هذه المخالفات، هذا إلى جوار ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من أحكام القصاص في النفس والأطراف والجروح. فالمطلوب ألا يترك أثراً ولا يكون مبرحاً فإذا كان غير ذلك بل قسى واشتد وأدى إلى إسالة الدماء والكسر وكان يتكرر بصورة ظالمة وشديدة أيجوز أن يترك دون معالجة وهو ما سوف يبين المطلب الثالث من هذه الدراسة أهم الإجراءات المقترحة لمواجهته.
__________
(1) ) ... أخرجه النسائي وابن ماجه .
(2) ) ... أخرجه أبو داود بسنن أبي داود ج ص 495.
(3) ) ... الأحزاب (21).
(4) ) ... أنظر تفسير القرطبي ج 5 ص 172(1/9)
2. وقد يستفحل الخلاف بين الزوجين، ويحتدم النزاع بينهما، ويعجزان عن معالجة مشكلتهما، وتخرج الأمور من أيديهما. فهنا لا بد من تدخل أسرة كلا الزوجين عن طريق التحكيم: حكم من أهله، وحكم من أهلها، يبذلان وسعهما في التعرف على أسباب الخلاف، ومحاولة القضاء عليها، وتحقيق الصلح بين الزوجين، وإعادة الوئام إلى بيتهما، قال تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا } (1) ، وهذا التحكيم يدل على حرص الإسلام البالغ على الإبقاء على الحياة الزوجية. ونجاح مهمة الحكمين موكول برغبة الزوجين في ذلك، وبتأثير أهل الخير والإصلاح من الأقرباء والأصدقاء عليهما.
3. وقد يعجز الحكمان عن الإصلاح بين الزوجين، ويستمر الخلاف ويتعمق الشقاق والنزاع بينهما، ففي هذه الحالة شرع الإسلام الطلاق وفق قواعد معينة.
الفرع الثاني
نظام الطلاق في الشريعة الإسلامية وحرصه على الإبقاء على الأسرة قدر الإمكان
شرع الإسلام الطلاق علاجاً للخلافات الزوجية المستحكمة التي تقلب الزواج إلى خصام ونكد مستمر، بعد استنفاد كل الوسائل والأساليب التي يمكن الإبقاء بها على الحياة الزوجية. ومسلكه في ذلك مسلك واقعي يقوم على تقدير ما تتعرض له الحياة الزوجية من مشكلات، وبيان الحلول المناسبة لها، بما يحمي المجتمع من العواقب الوخيمة التي يسببها الإبقاء على الحياة الزوجية، بعد أن تتردى إلى هذا الوضع السيء، وبخاصة ما يتعلق بمشكلات السلوك المتفلت من القيم الخلقية والممارسة السوية، وما يترتب من هذه المشكلات من الآثار السيئة على تربية الأولاد، وما يجره ذلك على الزوجين وأهلهما من معاناة وألم، يعطلان عن الأعمال، ويضران بالمصالح.
__________
(1) ) ... النساء (35).(1/10)
ومع ذلك فإن الإسلام يُنفر من الطلاق، ويكره به. فهو في نظره علاج لا يلجأ إليه إلا عندما لا يكون هناك منه مفر أو مهرب، قال - صلى الله عليه وسلم - : "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" (1) ، فهو من قبيل اختيار أهون الشرين.
والطلاق في غير ما شرعة الإسلام ارتكاب للاثم، وسفه وحمق، وكفران للنعمة، وهدم للأسرة، وإيقاع للأذى بالزوجة والأولاد. فالأصل فيه الحظر ولا يباح إلا للحاجة، كما قرر كثير من العلماء.
لماذا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل؟:
وقد جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل لأنه هو الذي يتحمل تبعات الزواج المالية، فهو الذي يدفع المهر، ويعد المسكن، ويقدم نفقات الزوجية، فلا يقدم على الطلاق راضياً بتحمل ما تحمل من خسائر إلا وهو يشعر بضرورته، خلاصاً من حياة زوجية لم تعد تطاق، خاصة وأن الرجل في الغالب أقدر على ضبط أعصابه، وتقدير النتائج في ساعات الخصام والخلاف، ثم إن الطلاق بالنسبة إليه يعني التفكير في زواج جديد يتحمل فيه تبعات جديدة كثيرة.
والطلاق لم يضعه الإسلام في يد الرجل ليهدد به استقرار الحياة الزوجية، وليتلاعب بحرمة الزواج كيفما يشاء، إنما كان ذلك لما أوضحنا من حكمة، وإذا وجدت نماذج من سوء استخدام بعض الرجال لهذا الحق المعطى لهم، فهذا يعود إلى ضعف الوازع الديني عندهم. والتفكير في إزالة هذه المساوئ يكون بالحرص على تربية الناس بالإسلام، وتعريفهم بقدسية الحياة الزوجية وأهميتها في نظره. لذا كان الطلاق نادر الوقوع في البيئات المثقفة التي تفهم الإسلام وتلتزم به.
ومن المعلوم أن كل نظام في الدنيا قد يساء استعماله من بعض الأشخاص وهذا ليس عيباً في النظام، إنما العيب في هؤلاء الأشخاص الذين يسيئون استعماله.
وواضح أن الأنظمة الإسلامية لا تؤدي دورها خير أداء إلا في مجتمع يلتزم بالإسلام في حياته الخاصة والعامة.
كيفية إيقاع الطلاق:
__________
(1) ) ... أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه.(1/11)
شرع نظام الطلاق في الإسلام بطريقة خاصة أساسها الحرص التام على عودة الحياة الزوجية ما أمكن ذلك، فلا يكون الطلاق حاسماً في إنهاء العلاقة الزوجية إلا بعد أن تصل الأمور درجة، يصبح معها من خير الزوجين أن يتفرقا.
وقد جعل الإسلام الطلاق مراحل ودرجات:
محرم { فللزوج أن يطلق زوجته طلقة واحدة، وهي طلقة رجعية ما دامت المرأة في العدة، بمعنى أن الزوج يستطيع أن يعيد زوجته إلى عصمته من غير عقد ولا مهر ما دامت في فترة العدة، والعدة فترة انتظار وتمهل وتهيئة للانتقال من الحياة الزوجية، ومدتها في الغالب تقارب ثلاثة أشهر (1) ، إذا لم تكن الزوجة حاملاً، وإلا فالعدة تكون مدة الحمل مهما بلغت. ويطلب الإسلام أن تعتد المرأة هذه العدة في بيت الزوجية، وبذلك يترك المجال رحباً لإعادة الحياة الزوجية بين الزوجين، بعد أن تهدأ أعصابهما، ويلمسا مساويء الانفصال بينهما، وآثاره السيئة عليهما وعلى أولادهما، وهي مدة كافية لتحقيق ذلك.
... ... والطلاق في هذه الحالة يسمى طلاقاً رجعياً، قال تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } (2) ، وأساس رد الزوج لزوجته في العدة هو الرغبة في الإصلاح، كما هو واضح من نص الآية. وإذا لم يكن بهذه النية، يكون حراماً، ويأثم الزوج في ذلك.
__________
(1) ) ... وهي المدة التي تحيض المرأة فيها ثلاث حيضات، ثم تطهر منها.
(2) ) ... البقرة (228).(1/12)
صفر { وأما إذا انتهت العدة، ولم يراجع الزوج زوجته، فإنه لا يستطيع أن يعود إليها إلا بعقد ومهر جديدين، ومن حق المرأة أن ترفض العودة إليه، ولا يستطيع إجبارها على ذلك أو منعها الزواج من غيره. فالعلاقة الزوجية بينهما قد انتهت، والطلاق في هذه الحالة يسمى طلاقاً بائناً بينونة صغرى. وسمي بهذا الاسم لأنه، وإن فرق بينهما، لكنه ما يزال يسمح لهما بالعودة إلى الحياة الزوجية بمهر وعقد جديدين.
ربيع أول { وإذا عاد الزوجان إلى الحياة الزوجية، سواء أكان ذلك خلال العدة أم بعدها، وعاد الخلاف بينهما مرة ثانية، ولم تنفع الوسائل السابقة في القضاء عليه، جاز للزوج أن يوقع طلقة ثانية، ولها أحكام الطلقة الأولى.
ربيع ثان { وإذا رجع الزوجان إلى حياتهما الزوجية مرة أخرى، ووقع الخلاف بينهما واشتد، أجاز الإسلام عند ذلك للزوج أن يوقع الطلاق للمرة الثالثة والأخيرة، وعندها تنتهي حياتهما الزوجية، ولا يجوز أن يعودا إليها، إلا أن الإسلام يجيز ذلك في حالة واحدة هي فيما إذا تزوجت هذه المرأة زوجاً آخر، بعد انقضاء عدتها من زواجها الأول، وعاشرها هذا الآخر معاشرة الأزواج، ثم طلقها أو مات عنها، وانقضت عدتها، فإنه يجوز بعد ذلك أن تعود لزوجها الأول، بعقد ومهر جديدين.(1/13)
ويشترط الإسلام لجواز ذلك أن لا يكون الأمر باتفاق مسبق، ورغبة في الاحتيال على الحكم الشرعي المقرر، فلا يجوز أن يكون الزواج الثاني بقصد تحليل المرأة لزوجها الأول، بل يجب أن يكون بنية الدوام والاستمرار، وإلا فإنه لا يحقق المقصود منه في هذا المجال، قال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله المحلل والمحلل له" (1) . والطلاق في هذه الحالة يسمى طلاقاً بائناً بينونة كبرى، لأنه لا يجوز لهما أن يعودا إلى الحياة الزوجية في هذه الحالة. قال تعالى: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (2) .
حكمة إيقاع الطلاق بهذه الكيفية:
محرم { إنه ليس من الحكمة ولا من المصلحة في شيء أن يترك أمر الطلاق دون تحديد فإن هذا سيدفع كثيراً من الأزواج إلى العبث بالطلاق، وإيقاعه مرات كثيرة بمناسبة ودون مناسبة، مما يحيل الحياة الزوجية إلى شقاء وتعاسة مستمرة، ففي التحديد حماية للأسرة من فوضى الطلاق، وهو ما كانت عليه الحال في الجاهلية، إذا رغب الزوج في مضارة زوجته فإنه يطلقها، ثم يراجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، وهكذا، دون تقيد بحد معين.
__________
(1) ) ... أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(2) ) ... البقرة (229 – 230).(1/14)
صفر { اتاح الإسلام بهذه الكيفية الفرصة الكافية للإبقاء على الحياة الزوجية، قبل الطلاق الأول والثاني وبعدهما. وإذا تعذر ذلك فإن إنهاء هذه الحياة من خير الزوجين، وخير أولادهما، وخير المجتمع.
ربيع أول { وإن في ربط الإسلام لإمكانية عودة الحياة الزوجية بعد الطلقة الثالثة بزواج المرأة من رجل آخر، ثم انتهاء هذا الزواج بشكل طبيعي. يشكل في الواقع مانعاً من إيقاع هذه الطلقة، إلا بعد اليأس من إمكانية استمرار الحياة الزوجية، فلا يقدم عليه الزوج إلا بعد أن يستيقن من ذلك، خاصة وأن أمر زواج المرأة من زوج آخر، ثم عودتها إلى زوجها الأول، مما تأباه النفوس السوية وتعافه، وهو شديد الوقع عليها.
ربيع ثان { ثم إن في عودة الزوجة إلى زوجها الأول بعد أن عاشت مع رجل آخر، عاشرها معاشرة الأزواج، فيه ضمان كبير لاستقرار زواجهما الجديد واستمراره، فقد تعرف المرأة بزواجها الثاني ما غفلت عنه من حسنات زوجها الأول، وقد تندم على بعض تصرفاتها. وكذلك الحال بالنسبة إلى زوجها الأول، فهو قد يشعر بالخسارة التي خسرها بطلاق زوجته طلاقاً باتاً، فإذا قرر العودة إلى الحياة الزوجية فإن ذلك يكون بعدما استفادا من معرفة وخبرة وتجربة جديدة.
الفرع الثالث
الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب التفريق من زوجها
وإذا كانت المخالفة من الزوج اعتداء على الزوجة وظلماً لها ولم تفلح التوجيهات السابقة في ردعه فإن هذا لا يعني أن المرأة تظل في جميع الأحوال تعيش مع رجل يؤذيها، ويحرمها من حقوقها، ويتحكم بها ولا يطلقها، إنما يجوز لها في حالات معينة أن تطلب من القضاء التفريق بينها وبين زوجها، فهو أمر يعود إليها، وهذه الحالات هي:
محرم { عجز الزوج عن النفقة على زوجته: فإذا أعسر الزوج، ولم يعد ينفق على زوجته، ولم تتحمل الزوجة ذلك، جاز لها أن تطلب التفريق.
صفر { غيبة الزوج عن زوجته غيبة طويلة منقطعة دون عذر مقبول، وقد حددها القانون بسنة.(1/15)
ربيع أول { الحكم على الزوج بالسجن مدة ثلاث سنوات فأكثر، فاللزوجة أن تطلب التفريق بعد مضي سنة على سجنه.
ربيع ثان { إضرار الزوج بزوجته أضراراً لا يمكن معه استمرار الحياة الزوجية بالمعروف، ولا يفرق القاضي بينهما في هذه الحالة إلا بعد فشل الحكمين في الإصلاح.
جمادى أول { وجود العلل والأمراض المعدية والمنفرة في الزوج، والتي لا يمكن أن تعيش الزوجة معها إلا بضرر.
المخالعة:
وتستطيع المرأة إذا رغبت أن تتفق مع زوجها على الطلاق، مقابل مبلغ من المال تدفعه في حدود المهر أو أكثر، وذلك بعد خوفهما من عدم قيام حياتهما الزوجية وفق ما أوجبه الله عليهما، قال تعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } (1) ، والمرأة في ذلك تتحمل عاقبة رغبتها في الانفصال عن زوجها، الذي تحمل كثيراً من الخسائر المادية في سبل إتمام زواجه بها. فالمخالعة طلاق بائن بينونة صغرى وفق الراجح من أقوال العلماء (2) ، يتم بتراضي الزوجين، تدفع فيه المرأة للرجل مبلغاً من المال. تعويضاً له عما يلحق به من الخسارة بسبب الطلاق.
الاعتداء والعنف مع أفراد الأسرة الآخرين غير الزوج والزوجة:
__________
(1) ) ... البقرة (229).
(2) ) ... وهناك من قال أنه فسخ وهناك من قال أنه طلاق رجعي بالإضافة إلى القول بأن طلاق بائن بينونة صغرى، المغني لابن قدامه طبعة عالم الكتب ج 10 ص 274 – 275، البناية في شرح الهداية. العيني ج 4 ص 658.(1/16)
بنى الإسلام علاقة متميزة بين أفراد الأسرة، ولم يقتصر ذلك على الزوجين، بل شمل الأبناء ذكوراً وإناثاً والآباء والأمهات، ولم يسمح أن يمس هذه العلاقة أي مظهر من مظاهر الظلم والعنف والإساءة والتعدي .. ومع ضعف الوازع الديني، ووجود بعض مظاهر التفكك الأسري والانحراف الاجتماعي، والمعاناة في الحصول على مستوى المعيشة اللائق أخذت تظهر أنماط من العنف الأسري في التعامل مع الأولاد والآباء والأمهات، مما يتطلب جهوداً واسعة في الاهتمام بالأطفال والمسنين تنطلق من التوجيهات القرآنية والنبوية التي تؤكد على أسلم أنواع العلاقة مع الآباء والأمهات ومع الأبناء ذكوراً وإناثاً، وترسم الآيات الكريمة التالية نوعية العلاقة التي يجب أن تقوم بين الأبناء والآباء قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } (1) ، وهي صورة مشرقة من صور البر والطاعة بالمعروف، وقال سبحانه: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } (2) ، وقد جاء الحث النبوي على بر الوالدين واسعاً ومتنوعاً في صيغه وكيفياته (3) ، ومن ذلك عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" (4) .
__________
(1) ) ... الإسراء (23 – 24).
(2) ) ... لقمان (15).
(3) ) ... أنظر الترغيب والترهيب. المنذري ج 3 ص 314 وما بعدها.
(4) ) ... أخرجه البخاري ومسلم..الترغيب والترهيب . المنذري: ج 3 ص 314.(1/17)
وعن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" (1) ، وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات في عدد من الأحاديث عند البخاري ومسلم وغيرهما (2) .
وأما عن العلاقة المقابلة التي يجب أن تقوم بين الأبناء والآباء فأساسها الرحمة والرعاية والعطف والمحبة والتربية والتوجيه، وبما يشمل الذكور والإناث من الأبناء، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة" (3) .
وقد جاء الحث على صلة الرحم في الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة.
ويهمني هنا أن أشير إلى موضوع ضرب الأولاد والقواعد الضابطة له في نظر الشريعة، وبخاصة بعد تعدد نماذج العنف ضد الأولاد في هذه الأيام والتي تصل إلى حد التعذيب الجسدي بوحشية والقتل والاعتداء الجنسي والحبس مع التجويع لفترات طويلة، مما يتطلب جهوداً عاجلة لإنقاذ الطفولة من براثن بعض المختلين والمجرمين الذي فسدت فطرتهم واختلت طبيعتهم الإنسانية السوية، مما لا يمكن معها حسابهم في عدد الآباء والأمهات أو الأبناء والبنات، ولكنها إفرازات المادية الطاغية والجدب الروحي والمعاناة النفسية.
فالضرب الذي سمحت به الشريعة جاء في إطار التوجيه والتربية، وفي معرض الاهتمام بتنشئة الأبناء التنشئة الدينية السليمة، فلا يمكن أن يكون حجة من قريب ولا بعيد لنماذج العنف التي أشرنا لطرف منها سابقاً.
__________
(1) ) ... أخرجه البخاري ومسلم. الترغيب والترهيب 321.
(2) ) ... الترغيب والترهيب. ج 3 ص 326 –327 .
(3) ) ... أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهم. أنظر الترغيب والترهيب ج 3 ص 66 – 67.(1/18)
فقد جاء في الحديث الصحيح: " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين" (1) ، وهو ضرب غير مبرح ولا يترك أثراً ويقع حرصاً على مصلحة الصبي لا تعذيباً له واعتداء عليه.
وشتان بين هذا وبين العنف الذي نتحدث عنه، وأن أي مجاوزة لحدود التهذيب والتربية والتوجيه في العلاقات الأسرية يجب أن تواجه بأشد أنواع الإجراءات، عن طريق التشريعات الرادعة و الإجراءات الصارمة بعد بذل الجهود المطلوبة لتوعية أفراد المجتمع بمسؤولياتهم وواجباتهم في المحافظة على أسرهم ورعايتها من خلال مناهج التربية والتعليم ووسائل الإعلام المتعددة. ومن خلال مراكز الرعاية المؤهلة التي تقدم الرعاية للأطفال والمسنين عندما تتخلى الأسرة عن واجبها ولا يكون هناك أمل في أن تقوم به بكل الإجراءات الممكنة.
المطلب الثالث
الواقع المعاش والإجراءات المطلوب اتخاذها للمعالجة
اهتمت وزارات التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعياته بموضوع العنف الأسري، وقدمت الدراسات الإحصائية والتحليلة التي عرفت بمدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها وتعددت صورها وتنوعها.
والمشكلة الرئيسية في ذلك أن معظم هذه المظاهر لا تعلم ولا تظهر للناس إلا بعد أن تستفحل وتخرج بشكل بارز عن حدود الممارسات العادية على سوء هذه الممارسات وانحرافها وبخاصة عندما تصل إلى القتل والتعذيب الوحشي والحبس الطويل مما لا يمكن كتمه وإخفاؤه.
__________
(1) ) ... مسند الإمام أحمد ج 2 ص 187.(1/19)
يساعد على إخفاء هذا العنف الخوف من الفضيحة وحديث الناس باعتبار أن ما يجري في داخل الأسر من خصوصياتها وأسرارها فيتجذر الظلم ويستشرى العنف ويعاني كثير من الناس وهو أمر لا يرضي الله سبحانه ولا يقبل به جل وعلا، فالظلم ظلمات وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .. وهذا أمر يتحمل مسؤوليته كل قادر على تغييره، وعلى رأس ذلك أولوا الأمر الذين أقامهم الله تعالى لتحقيق العدل ومنع الظلم.. كما يتحمل مسؤولياته العلماء والموجهون الذين حملهم الله جل وعلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتبصير بالحق، والتحذير من الظلم، والدعوة إلى الإنصاف والعدل.(1/20)
وعلى أفراد المجتمع القادرين على التغيير والتنبيه والتحذير مسؤولية كل حسب موقعه، وكل وفق قدرته وما يستطيع عليه.. قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } (1) ، وأقرباء الأسرة وجيرانها من أول الفئات المجتمعية تحملاً للمسؤولية، فتفقد الأقرباء والجيران، والاطمئنان على أحوالهم، والسعي لمساعدتهم ومعاونتهم عند أي معاناة أو مشكلة أمر أوجبه الدين وحث عليه قال تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } (2) ، وقال سبحانه: { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا } (3) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" (4) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء أثما أن يضيع من يقوت وفي رواية من يعول" (5) .
__________
(1) ) ... التوبة (71).
(2) ) ... التوبة (75).
(3) ) ... النساء (36).
(4) ) ... أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم. الترغيب والترهيب ج 3 ص 360 – 361.
(5) ) ... أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم. الترغيب والترهيب ج 3 ص 95.(1/21)
ويقع في مسؤولية أولى الأمر التوجيه لحملات إعلامية واسعة ضد هذه الظاهرة، والتبصير بكيفيات معالجتها على هدى الشريعة، كما يقع في مسؤوليتهم تربية الأجيال على محاربتها، والاحتكام لمنهج الشريعة في قضايا الأسرة من خلال مناهج التربية والتعليم، ومن خلال المساجد ومراكز التثقيف والتوجيه الإسلامي وجهود الوعاظ والمرشدين، ومن ذلك أيضاً إنشاء المراكز الخاصة بعلاج هذه الظاهرة والمتضررين منها ضمن رؤية تحفظ على الأسر خصوصياتها، وتعالج الحالات معالجة تقضي على الأسباب، وما يدفع إليها من ظروف، وتحتضن المتضررين بالرعاية والتوجيه، والفاعلين بالمحاسبة والتأديب من خلال تشريعات واضحة وإجراءات رادعة.
وهنا لا بد من التنبيه إلى ضرورة وضع التشريعات القادرة على معالجة هذه الظاهرة، أسباباً وممارسات وآثاراً ونتائج، مما يكلف بوضع مشروعاتها المختصون الاجتماعيون والفقهاء المؤهلون، مستفيدين من التجارب والممارسات التي قدمتها بعض البلاد في إطار ما يحفظ هوية الأمة ومعالجاتها الدينية الخاصة.
ويقع على أبناء المجتمع المعاونة في ذلك من خلال تأسيس الأدوات القادرة على المعالجة لمساعدة مؤسسات الدولة في أداء واجباتها على أسس من الحرص على عمل الخير، بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة، وحرصاً على نيل رضا الله سبحانه، وتحقيق خير المجتمع ومصالحه العليا، خدمة للوطن والأمة .. وقد قدم التعاون الاجتماعي في هذا المجال صيغاً وآليات متعددة يمكن بالإشراف والمتابعة أن تحقق الخير الكثير قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (1) .
المطلب الرابع
العنف الأسري في المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والموقف منها
__________
(1) ) ... المائدة (2).(1/22)
دعت ظواهر العنف الأسري ومظاهر الاعتداء على حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى الاهتمام بها، وأخذت المنظمات الدولية وبخاصة منظمة الأمم المتحدة في إصدار العهود والمواثيق الدولية، وقدمت العديد من الاتفاقيات الدولية لمعالجة هذه الظاهرة على المستوى العالمي ومن أهم هذه المساهمات الدولية:
أ ) اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1981.
ب ) الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الأمم المتحدة 1993.
ج ) وثيقة السكان الصادرة عن مؤتمر السكان والتنمية الذي انعقد في القاهرة 1994.
د ) وثيقة مؤتمر المرأة الذي انعقد في بكين عام 1995.
ه ) ... إعلان حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة عام 1959.
و ) اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989.
وقد عرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة العنف ضد النساء بأنه: أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة (1) ، وقريب من هذا التعريف ورد في وثيقة مؤتمر المرأة في بكين 1995.
وهنا لا بد من التنبيه إلى جملة الأمور بخصوص الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية فيما يتعلق بالأسرة والمرأة والأطفال وحقوق الإنسان وغيرها من قضايا الحياة الإنسانية:
محرم { أن هنالك اهتماماً دولياً بهذه القضايا، وبخاصة على مستوى الأمم المتحدة.
صفر { إن التوجه لمعالجة هذه القضايا على مستوى المجتمع الإنساني وفي إطار العلاقات الدولية يتم في كثير من الأحوال عن طريق الاتفاقيات والمواثيق الدولية وعلى ضوء هذا لا بد مما يلي:
__________
(1) ) ... أنظر ص 24 من الاتفاقية.(1/23)
أ ) أن تحرص الدول الإسلامية على المشاركة المبكرة في صياغة هذه العهود والاتفاقيات والمواثيق الدولية لإثرائها بالأفكار الإسلامية التي جاءت لخير البشرية ورحمة بالعالمين من ناحية ولتجنيب هذه المواثيق أية مخالفة للأحكام الإسلامية منذ البداية من ناحية أخرى.
ب ) وجوب الحذر عند الانضمام لهذه الاتفاقيات والمواثيق من أية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وبحمد الله تعالى جرت عادة الدول الإسلامية على تسجيل مخالفتها وتحفظها على أي بنود تخالف الشريعة.
ج ) أن يقوم العلماء والباحثون بدارسة هذه العهود والمواثيق في وقت مبكر وبخاصة علماء الشريعة المختصون للتنبيه لأية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية.
يجب الحذر في الإجراءات الدولية لتطبيق هذه العهود والمواثيق من أية تطبيقات مخالفة للشريعة الإسلامية.
وبحمد الله قامت جهات إسلامية عديدة بدراسة .المتاح من هذه العهود والمواثيق وبينت وجهة النظر الإسلامية فيها. ومن هذه المواثيق والعهود الاتفاقيات الخاصة بالمرأة وميثاق الطفولة والوثيقتين اللتين صدرتا في كل من القاهرة وبكين وحذرت من المخالفات الشرعية الواردة فيهما وبخاصة على الأسرة بسماحها بالممارسات الشاذة بين الرجال والنساء خارج الزواج وقدسية الأسرة، ولا بد من التنبيه أن ما ورد في معرض معالجة نشوز المرأة من هجر وضرب غير مبرح بالشروط التي بينها العلماء وبخاصة حديثهم عما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخصوص الضرب فلا يمكن اعتباره من العنف الوارد في تعريف العنف وفق هذه العهود الدولية، لأنه قد جاء في إطار الإصلاح ومقابل عنف بدأته المرأة بنشوزها وأنه استثناء جاء في سياق المعالجة وأنه عندما لا تكون هناك حالة نشوز فلا يجوز اللجوء إليه بحال كما بينا.(1/24)
وبذا يكتمل الحديث عن مطالب هذا الموضوع الأربعة بياناً لسعي الشريعة الإسلامية لإقامة أسرة هانئة مستقرة بغير عنف.. فلتتضافر الجهود لتحقيق ذلك في رحاب مجتمعاتنا النامية على هدى من أحكام هذه الشريعة الغراء .. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(1/25)